عمدة القاري (جزء 16) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عمدة القاري (جزء 16) - نسخه متنی

محمود بن احمد عینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: عمدة القاري
المؤلف: العيني
الجزء: 16
الوفاة: 855
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: بيروت - دار إحياء التراث العربي
الناشر: دار إحياء التراث العربي
ردمك:
ملاحظات:
بسم الله الرحمان الرحيم
53
((باب قول الله تعالى: * (وإن يونس لمن المرسلين) * إلى قوله * (وهو مليم) * (الصافات: 931 241))
.
أي: هذا باب في بيان قوله تعالى: * (وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم) * (الصافات: 931 241). ويونس بن متى، بفتح الميم وتشديد التاء المثناة من فوق مقصور، وقيل: متى أمه ولم يشتهر نبي بأمه غير يونس والمسيح، عليهما الصلاة والسلام، وروى عبد الرزاق: إن متى اسم أمه ولكن الأصح أنه اسم أبيه، وكان رجلا صالحا من أهل بيت النبوة ولم يكن ل ولد ذكر فقام إلى العين التي اغتسل فيها أيوب، عليه الصلاة والسلام، فاغتسل هو وزوجته منها وصليا ودعوا الله تعالى أن يرزقهما ولدا مباركا، فيبعثه الله في بني إسرائيل، فاستجاب الله دعاءهما ورزقهما يونس، وتوفي متى ويونس في بطن أمه وله أربعة أشهر، وقد قيل: إنه من بني إسرائيل وإنه من سبط بنيامين، وكان من أهل قرية من قرى الموصل يقال لها: نينوى، وكان قومه يعبدون الأصنام فبعثه الله إليهم.
قال مجاهد مذنب
هو تفسير قوله: مليم، هكذا رواه الطبري من طريق مجاهد من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه، وفي (تفسير النسفي): وهو مليم داخل في الملامة، يقال: رب لائم مليم، أي: يلوم غيره وهو أحق منه باللوم، وعن الطبري: المليم هو المكتسب اللوم.
المشحون الموقر
أشار به إلى تفسير تعالى: * (إلى الفلك المشحون) * (الصافات: 041). هكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد والموقر بضم الميم وفتح القاف المملوء وقيل معناه المشحون المحمل المجهز.
* (فلولا أنه كان من المسبحين) * (الصافات: 341). الآية
يعني أتم الآية أو اقرأ الآية، وهو قوله: * (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) * (الصافات: 441). يعني: فلولا أن يونس كان من المسبحين، أي: المنزهين الذاكرين الله تعالى قبل ذلك في الرخاء بالتسبيح والتقديس للبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، يعني إلى يوم القيامة. وفي (تفسير النسفي): الظاهر لبثه حيا إلى يوم القيامة، وعن قتادة: لكان بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة، وقال الكلبي: كان لبثه في بطن الحوت أربعين يوما، وقال الضحاك: عشرين يوما. وقال عطاء: سبعة أيام، وقيل: ثلاثة أيام، وعن الحسن البصري: لم يلبث إلا قليلا ثم أخرج من بطنه بعيد الوقت الذي التقم فيه.
فنبذناه العراء) * بوجه الأرض * (وهو سقيم) * (الصافات: 541).

2
أي: فطرحناه، وفسر العراء: بوجه الأرض، وهكذا فسره الكلبي، وقال مقاتل: هو ظهر الأرض، وقال مقاتل بن سليمان: هو البراز من الأرض، وقال الأخفش: هو الفضاء، وقال السدي: هو الساحل، ويقال: العراء الأرض الخالية من الشجر والنبات، ومنه قيل للمتجرد: عريان. قوله: (سقيم)، أي: عليل مما حل به.
* (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) * (الصافات: 641). من غير ذات أصل الدباء ونحوه
قوله: (عليه) أي: له، وقيل: عنده، واليقطين: القرع، وعن ابن عباس والحسن ومقاتل: كل نبت يمتذ وينبسط على وجه الأرض وليس له ساق نحو القثاء والبطيخ والقرع والحنظل، وقال سعيد بن جبير: هو كل نبت ينبت ثم يموت في عامه، وقيل: هو يفعيل من: قطن بالمكان إذا أقام به إقامة زائل لا إقامة ثابت، وقيل: هو الدباء. وفائدة الدباء: أن الذباب لا يجتمع عنده، وقيل: لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنك لتحب القرع؟ قال: أجل، هي شجرة أخي يونس، وقيل: هي التين، وقيل: هي شجرة الموز يغطي بورقها ويستظل بأغصانها ويفطر على ثمارها، وقال مقاتل بن حيان: كان يستظل بالشجرة. وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها. قوله: (من غير ذات أصل)، صفة يقطين أي: من يقطين كائن من غير ذات أصل. قوله: (الدباء)، بالجر بدل من: يقطين، أو بيان وليس هو مضافا إليه. فافهم. قوله: (ونحوه)، أي: ونحو اليقطين: القثاء والبطيخ.
* (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) * (الصافات: 741).
أي: وأرسلنا يونس. وفي (تفسير النسفي): يجوز أن يكون قبل حبسه في بطن الحوت، وهو ما سبق من إرساله إلى قومه من أهل نينوى، وقيل: هو إرسال ثان بعدما جرى عليه في الأولين، والغرض من قوله: * (إلى مائة ألف أو يزيدون) * (الصافات: 741). الكثرة، وقال مقاتل: معناه بل يزيدون، وعن ابن عباس: معناه ويزيدون، وعنه مبلغ الزيادة على مائة ألف عشرون ألفا، وعن الحسن والربيع، بضع وثلاثون ألفا، وعن ابن حبان: سبعون ألفا.
* (فآمنوا فمتعناهم إلى حين) * (الصافات: 841).
يعني: فأمن قوم يونس عند معاينة العذاب. قوله: (فمتعناهم إلى حين) أي: إلى أجل مسمى إلى حين انقضاء آجالهم.
ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم كظيم وهو مغموم) * (القلم: 84).
الخطاب للنبي، صلى الله عليه وسلم، أي: لا تكن يا محمد كصاحب الحوت وهو يونس في الضجر والغضب والعجلة. قوله: (إذ نادى)، أي: حين دعا ربه في
بطن الحوت وهو كظيم، أي: مملوء غيظا، من كظم السقاء إذا ملأه. وأشار بقوله: كظيم، إلى أن مكظوم على وزن مفعول، ولكنه بمعنى: كظيم على وزن فعيل، وفسره بقوله: وهو مغموم، وقيل: محبوس عن التصرف.
2143 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني الأعمش ح حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقولن أحدكم إني خير من يونس زاد مسدد يونس بن متى.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن مسدد عن يحيى القطان عن سفيان الثوري عن سليمان الأعمش. والآخر: عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود. والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير: عن أبي نعيم وعن مسدد عن قتيبة أيضا. وأخرجه النسائي في التفسير عن محمود بن غيلان، قال العلماء: إنما قاله، صلى الله عليه وسلم، لما خشي على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له، فذكره لسد هذه الذريعة.

3
3143 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو العالية رفيع بن مهران. والحديث قد مضى في: باب قول الله تعالى: * (وهل أتاك حديث موسى) * (طه: 9). ومضى الكلام فيه هناك.
4143 حدثنا يحيى بن بكير عن الليث عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئا كرهه فقال لا والذي اصطفى موسى على البشر فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه وقال تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فذهب إليه فقال أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا ففما بال فلان لطم وجهي فقال لم لطمت وجهه؟ فذكره فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤي في وجهه ثم قال لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى..
مطابقته للترجمة ظاهرة في آخر الحديث، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز، والحديث مضى عن قريب في: باب وفاة موسى، عليه الصلاة والسلام.
قوله: (يعرض)، أي: يبرز متاعه للناس ليرغبوا في شرائه فأعطى له به ثمنا بخسا. قوله: (أظهرنا)، مقحم، وقد يوجه عدم إقحامه وهو أنه جمع ظهر، ومعناه: أنه بينهم على سبيل الاستظهار كان ظهرا منه قدامه وظهرا وراءه، فهو مكنون من جانبيه، إذا قيل: بين ظهرانيهم، ومن جوانبه إذا قيل: بين أظهرهم. قوله: (ذمة وعهدا)، يعني: مع المسلمين، فلم أخفر ذمتي ونقض عهدي باللطم. قوله: (لا تفضلوا بين أنبياء الله)، معناه: لا تفضلوا بعضا بحيث يلزم منه نقص المفضول، أو يؤدي إلى الخصومة والنزاع، أو: لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل، وإن كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم أفضل منهم مطلقا، إذ الإمام أفضل من المؤذن مطلقا، وإن كان فضيلة التأذين غير موجدة فيه، أو: لا تفضلوا من تلقاء أنفسكم وأهوائكم. فإن قلت: نهى صلى الله عليه وسلم عن التفضيل وقد فضل هو بنفسه موسى، عليه الصلاة والسلام؟ قلت: لم يفضل، إذ معناه: وأنا لا أدري أن هذا البعث فضيلة له أم لا؟ أو جاز له ما لم يجز لغيره. فإن قلت: السياق يقتضي تفضيل موسى على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قلت: لئن سلمنا لا يقتضي إلا تفضيله بهذا الوجه وهذا لا ينافي كونه أفضل مطلقا من موسى. قوله: (بصعقته يوم الطور)، وهو في قوله تعالى: * (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) * (طه). فإن قلت: إن موسى قد مات، فكيف تدركه الصعقة؟ وأيضا قد ورد النص وأجمعوا أيضا على أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم هو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة؟ فإن قلت: المراد من البعث الإفاقة بقرينة الروايا الأخر حيث قال: أفاق قبلي، وهذه الصعقة هي غشية بعد البعث عند نفخة الفزع الأكبر. قوله: (ولا أقول...) إلى آخره، أي: لا أقول من عند نفسي أو قاله صلى الله عليه وسلم تواضعا وهضما لنفسه.
78 - (حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال سمعت حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
قال لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى)
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وقد مر الكلام فيه عن قريب والله أعلم * -
63
((باب * (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت) *))
(الأعراف: 361).
أي: هذا باب يذكر فيه قول الله تعالى: * (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم

4
حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) * (الأعراف: 361). قوله: (واسألهم)، أي: اسأل يا محمد هؤلاء اليهود الذين بحضرتك عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم. قوله: (عن القرية) هي أيلة وهي على شاطىء بحر القلزم وهي على طريق الحاج الذاهب إلى مكة من مصر وحكى ابن التين
عن الزهري أنها طبرية وقبل هي مدين وروي عن ابن عباس وقال ابن زيد هي قرية يقال لها منتنا بين مدين وعينونا قوله (إذ يعدون) أي: يعتدون فيه ويخالفون فيه أمر الله وهو اصطيادهم في يوم السبت وقد نهو عنه، وإذ يعدون بدل من القرية بدل الاشتمال، ويجوز أن يكون منصوبا بقوله: كانت، أو بقوله: حاضرة. قوله: (إذ تأتيهم) كلمة: إذ، منصوب بقوله: يعدون. قوله: (شرعا) أي: ظاهرة على الماء، قاله ابن عباس. قوله: (كذلك نبلوهم) أي: نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده.
يعدون يتعدون يتجاوزون في السبت * (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا) * (الأعراف: 361). شوارع
فسر قوله تعالى: * (إذ يعدون) * بقوله: يتعدون يتجاوزون، وقد فسرناه، وقد فسر شرعا بقوله: شوارع، وفيه نظر، لأن الشرع جمع شارع، والشوارع جمع شارعة، ومادته تدل على الظهور ومنه شرع الدين: إذا بينه وأظهره.
إلى قوله * (كونوا قردة خاسئين) * (الأعراف: 361 761).
إلى: متعلق بقوله: شرعا، وليس هو بتعلق نحوي، وإنما معناه: إقرأ بعد قوله: شرعا، إلى قوله * (كونوا قردة خاسئين) * وهو قوله: * (ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) * (الأعراف: 361 761). قوله: أمة منهم، أي: جماعة من أصحاب السبت وكانوا ثلاث فرق: فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على صيد السمك يوم السبت. وفرقة نهت عن ذلك وأنكرت واعتزلتهم. وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنهم قالوا للمنكرة: لم تعظون قوما الله مهلكهم؟ قوله: (معذرة)، قرىء بالرفع على تقدير: هذا معذرة، وبالنصب على تقدير: نفعل ذلك معذرة إلى ربكم أي: فيما أخذ علينا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعلهم يتقون أي: لعلهم بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعون إلى الله تعالى تائبين، فإذا تابوا تاب الله عليهم. قوله: (فلما نسوا ما ذكروا به) أي: فلما أبي الفاعلون المنكر قبول النصيحة (أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا) أي: ارتكبوا المعصية. قوله: (فلما عتوا) أي: فلما تكبروا. قوله: (قردة)، جمع قرد، قوله: (خاسئين) أي: ذليلين حقيرين مهانين، وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس: صار شبانهم قردة وشيوخهم خنازير.
بئيس شديد
هكذا فسره أبو عبيدة، وهكذا فسره الزمخشري يقال: بؤس ببؤس بأسا: إذا اشتد فهو بئيس، وقرئ: بئس، بوزن حذر وبئس على تخفيف العين ونقل حركتها إلى الفاء، كما يقال: كبد في كبد، وبيس على قلب الهمزة ياء: كذيب، في ذئب، وبيئس على وزن فيعل بكسر الهمزة وفتحها، وبيس على وزن ريس وبيس على وزن هين في هين.
ولم يذكر البخاري في هذا الباب حديثا.
73
((باب قول الله تعالى * (وآتينا داود زبورا) * (النساء: 261، الإسراء: 55).
أي: هذا باب في بيان قوله تعالى: * (وآتينا داود زبورا) * (الأعراف: 361 761). وقبله: * (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا) * (النساء: 261، والأسراء: 55). وداود اسم أعجمي، وعن ابن عباس: هو بالعبرانية القصير العمر، ويقال: سمي به لأنه داوى جراحات القلوب، وقال مقاتل: ذكره الله في

5
القرآن في اثني عشر موضعا، وهو داود بن إيشا، بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة: ابن عوبد، بفتح العين المهملة وسكون الواو وفتح الباء الموحدة، على وزن جعفر: ابن باعر، بباء موحدة وعين مهملة مفتوحة: ابن سلمون بن يا رب، بياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة: ابن رام بن حضرون، بحاء مهملة وضاد معجمة: ابن فارص، بفاء وفي آخره صاد مهملة ابن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم الصلاة والسلام. ومنهم من زاد بعد سلمون: يحشون بن عمينا ابن دأب بن رام، وقيل: ارم. قوله: (زبورا)، هواسم الكتاب الذي أنزل الله عليه، وروى أبو صالح عن ابن عباس، قال: أنزل الله الزبور على داود، عليه الصلاة والسلام، مائة وخمسين سورة بالعبرانية، في خمسين منها ما يلقونه من بخت نصر، وفي خمسين ما يلقونه من الروم، وفي خمسين مواعظ وحكم، ولم يكن فيه حلال ولا حرام ولا حدود ولا أحكام، وروى: أنه نزل عليه في شهر رمضان.
الزبر الكتب واحدها زبور. زبرت كتبت
الزبر، بضم الزاي والباء: جمع زبور، قال الكسائي: يعني المزبور، يعني: المكتوب، يقال: زبرت الورق فهو مزبور أي: كتبته، فهو مكتوب، وقرأ حمزة: زبور، بضم الزاي وغيره من القراء بفتحها.
* (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه) * (سبأ: 01 11).
فضلا أي: نبوة وكتابا هو الزبور وصوتا بديعا وقوة وقدرة وتسخير الجبال والطير، قوله: (يا جبال)، بدل من قوله: (فضلا) بتقدير قولنا: يا جبال، أو هو بدل من قوله تعالى: آتينا، بتقدير: قلنا يا جبال.
قال مجاهد سبحي معه
هو تفسير قوله تعالى أوبي معه، يعني: يا جبال سبحي مع داود، وأوبي أمر من التأويب أي: رجعي معه التسبيح أو رجعي معه في التسبيح كلما رجع فيه لأنه إذا رجعه فقد رجع، وقيل: سبحي معه إذا سبح، وقيل: هي بلسان الحبشة، وقيل: نواحي معه والطير تساعدك على ذلك، وكان إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصداها وعكفت عليه الطير من فوقه، فصدى الجبال الذي يسمعه الناس من ذلك اليوم.
والطير
هو منصوب بالعطف على محل الجبال، وقيل: منصوب على أنه مفعول معه، وقيل: منصوب بالعطف على: فضلا، يعني: وسخرنا له الطير.
وألنا له الحديد
أي: ألنا لداود الحديد فصار في يده مثل الشمع، وكان سأل الله أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله، فألان الله له الحديد.
أن اعمل سابغات الدروع
كلمة: أن، هذه مفسرة بمنزلة: أي، كما في قوله تعالى: * (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك) * (المؤمنون: 72). وسابغات، منصوب بقوله: اعمل، وفسره بقوله: الدروع، وكذا فسر أبو عبيدة السابغات بالدروع، وقال أهل التفسير: أي كوامل واسعات، وقرئ: صابغات، بالصاد.
وقدر في السرد المسامير والحلق ولا تدق المسمار فيتسلسل ولا تعظم فيفصم
فسر السرد بقوله: المسامير والحلق، قال المفسرون معنى قوله: * (وقدر في السرد) * (سبإ: 11). أي: لا تجعل المسامير دقاقا، ولا غلاظا، وأشار البخاري إلى ذلك بقوله: ولا تدق بالدال المهملة، من التدقيق، ويدل عليه ما روى إبراهيم الحربي في (غريب الحديث): من طريق مجاهد في قوله: * (وقدر في السرد) * (سبإ: 11). لا تدق المسامير، فيتسلل ولا تغلظها فيفصمها، وقيل: ولا ترق، بالراء من الرقة وهو أيضا يؤدي ذلك المعنى. قوله: (فيتسلسل)، ويروى: فيتسلل، ويروى: فيسلس، والكل يرجع إلى معنى

6
واحد، يقال: شيء سلس، أي: سهل، ورجل سلس أي: لين منقاد بين السلس والسلاسة. قوله: (ولا تعظم) أي: المسمار، فيفصم، من الفصم: وهو القطع.
أفرغ أنزل
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ربنا أفرغ علينا صبرا) * (البقرة: 052). وفسر أفرغ بقوله: أنزل من الإنزال، قال المفسرون، معنى قوله: * (أفرغ علينا صبرا) * أي: أنزل علينا صبرا من عندك، وهذا في قصة طالوت، وفيها قضية داود عليه الصلاة والسلام، فكأنه ذكر ههنا لأن قضيتهما واحدة، وقال بعضهم: أفرغ أنزل لم أعرف المراد من هذه الكلمة هنا! قلت: ليس هذا الموضع من المواضع التي يدعى فيها العجز، والوجه فيه من المعنى والمناسبة ما ذكرناه.
((بسطة زيادة وفضلا))
أإشاربه إلى ما في قوله تعالى إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم وهذا أيضا في قصة الموت والوجه فيه ما ذكرناه وقد فسر البخاري بسطة بقوله زيادة وفضلا أي زيادة في القوة وفضلا في المال وفي علم الحروب وهذا والذي قبله لم يقعا إلا في رواية الكشميهني وحده * (واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير) * (سبإ: 11).
فأجازيكم عليه أحسن جزاء وأتمه.
7143 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خفف على داود السلام القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه ولا يأكل إلا من عمل يده..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة. والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إسحاق ابن نصر.
قوله: (خفف)، على صيغة المجهول من التخفيف. قوله: (القرآن)، وفي رواية الكشميهني: القراءة، وقال الكرماني: القرآن أي التوراة أو الزبور، وقال التوربشتي: وإنما أطلق القرآن لأنه قصد به إعجازه من طريق القراءة. وقال صاحب (النهاية): الأصل في هذه اللفظة الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمى القرآن قرآنا لأنه جمع الأمر والنهي وغيرهما، وقد يطلق القرآن على القراءة، وقرآن كل نبي يطلق على كتابه الذي أوحى إليه، قوله: (فكأن) أي: داود يأمر بدوابه، وفي روايته في التفسير: بدابته بالإفراد، ويحمل الإفراد على مركوبه خاصة، وبالجمع مركوبه ومراكيب أتباعه. قوله: (قبل أن تسرج)، وفي رواية موسى: فلا تسرج حتى يقرأ القرآن، والأول أبلغ. وفيه: الدلالة على أن الله تعالى يطوي الزمان لمن يشاء من عباده كما يطوي المكان، وهذا لا سبيل إلى إدراكه إلا بالفيض الرباني، وجاء في الحديث: إن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير، وقال النووي: أكثر ما بلغنا من ذلك من كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعا بالنهار. انتهى، ولقد رأيت رجلا حافظا قرأ ثلاث ختمات في الوتر في كل ركعة ختمة في ليلة القدر. قوله: (ولا يأكل إلا من عمل يده)، وهو من ثمن ما كان يعمل من الدروع من الحديد بلا نار ولا مطرقة ولا سندان، وهو أول من عمل الدروع من زرد، وكانت قبل ذلك صفائح.
رواه موسى بن عقبة عن صفوان عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
أي: روى الحديث المذكور موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، ووصله الإسماعيلي من حديث إبراهيم بن
طهمان عن موسى بن عقبة، ووصله البخاري أيضا في كتاب خلق أفعال العباد عن أحمد بن أبي عمرو عن أبيه، وهو حفص بن عبد الله عن إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة.
8143 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن سعيد بن

7
المسيب أخبره وأبا سلمة بن عبد الرحمان أن عبد الله بن, عمر و رضي الله تعالى عنهما قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت الذي تقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت قلت قد قلته قال إنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر فقلت إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله قال فصم يوما وأفطر يومين قال قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوما وأفطر يوما وذلك صيام داود وهو عدل الصيام قلت إني أطيق أفضل منه يا رسول الله قال لا أفضل من ذلك..
مطابقته للترجمة في قوله: (صيام داود، عليه الصلاة والسلام)، والحديث قد مر في كتاب الصوم في: باب صوم الدهر، ومر الكلام فيه هناك.
9143 حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا مسعر حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أنبأ أنك تقوم الليل وتصوم النهار فقلت نعم فقال فإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين ونفهت النفس صم من كل شهر ثلاثة أيام فذالك صوم الدهر أو كصوم الدهر قلت إني أجد بي قال مسعر يعني قوة قال فصم صوم داود عليه السلام وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى..
مطابقته للترجمة في قوله: (صوم داود صلى الله عليه وسلم). ومسعر، بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة وفي آخره راء: ابن كدام، وأبو العباس اسمه السائب من السيب المشهور بالشاعر، والحديث قد مضى في كتاب الصوم في: باب حق الأهل في الصوم، وفي كتاب التهجد في: باب مجرد من الترجمة.
قوله: هجمت)، أي: غارت، قال الأصمعي: هجمت ما في الضرع إذا حلبت كل ما فيه. قوله: (نفهت)، بفتح النون وكسر الفاء أي: ضعفت. قوله: (ولا يفر إذا لاقى)، وجه اتصاله بما قبله هو بيان أن صومه ما كان يضعفه عن الحرب.
83
((باب أحب الصلاة إلى الله صلاة داود صلى الله عليه وسلم وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما قال علي وهو قول عائشة ما ألفاه السحر عندي إلا نائما))
أي: هذا باب يذكر فيه أحب الصلاة... إلى آخره. قوله: (قال علي)، الظاهر أنه علي بن المديني أحد مشايخه. قوله: (وهو قول عائشة)، أي: قوله: (وينام سدسه) أي: السدس الأخير موافق لقول عائشة: (ما ألفاه السحر) بالفاء أي: ما وجده السحر عندي إلا نائما، أي: إلا حال كونه نائما، والسحر، مرفوع لأنه فاعل الفاء، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر هذا الحديث في كتاب التهجد في: باب من نام عند السحر، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد قال: ذكر أبي عن أبي سلمة عن عائشة، قالت: ما ألفاه السحر عندي إلا نائما يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر الكلام فيه هناك.
0243 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس الثقفي سمع عبد الله بن عمرو قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الصيام إلى الله صيام داود

8
كان يصوم يوما ويفطر يوما وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه..
الحديث والترجمة شيء واحد غير أن فيهما تقديما وتأخيرا. والحديث مضى في كتاب التهجد في: باب من نام عند السحر، فإنه رواه عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو بن دينار إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
93
((باب * (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب) * إلى قوله * (وفصل الخطاب) * (ص
1764;: 71 02).))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب أنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) * (ص
1764;: 71 02). قوله: (واذكر عبدنا) عطف على ما قبله وهو قوله: * (إصبر على ما يقولون) * (ص: 71). خاطب الله تعالى نبيه بقوله: إصبر على ما يقولون أي: الكفار، واذكر عبدنا داود في صبره على العبادة والطاعة. قوله: (ذا الأيد) أي: القوة إنه أواب أي: راجع عن كل ما يكرهه الله تعالى. قوله: (بالعشي)، أي: بآخر النهار والإشراق أوله. قوله: (والطير)، أي: وسخرنا له الطير محشورة أي: مجموعة. قوله: (كل له) أي: كل واحد من الجبال والطير له أي: لداود أواب، أي: مطيع. قوله: (وشددنا ملكه)، أي: ملك داود، وعن ابن عباس: كان داود أشد ملوك الأرض سلطانا كان يحرس محرابه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل، وعنه: ستة وثلاثون ألف رجل، فإذا أصبحوا قيل: إرجعوا فقد رضي نبي الله منكم، وقيل: ثلاثة وثلاثون ألفا من بني إسرائيل ثم يأتي
عوضهم، قال قتادة: فكأن جملة حرسه مائتان وثلاثون ألف حرس. قوله: (وآتيناه الحكمة) يعني: النبوة والزبور وعلم الشرائع والإصابة في الأمر. قوله: (فصل الخطاب)، الفصل: التمييز بين الشيئين وقيل: الكلام البين، والفصل بمعنى المفصول، وقيل: الفصل بمعنى الفاصل، والفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الحق والباطل والصحيح والفاسد، وقيل: فصل الخطاب هو قوله: أما بعد، فإنه أول من قالها.
قال مجاهد الفهم في القضاء
أي: قال مجاهد: فصل الخطاب هو الفهم في القضاء. وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي بشر عن مجاهد، قال: الحكمة الصواب، ومن طريق ليث عن مجاهد: فصل الخطاب: إصابة القضاء وفهمه.
ولا تشطط لا تسرف
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) * (ص
1764;: 22). وفسر: لا تشطط، بقوله: لا تسرف. قال بعضهم: كذا وقع هنا. قلت: فكأنه استبعد هذا التفسير، وقد فسره السدي هكذا، وفسره أيضا بقوله: لا تحف، وقال الفراء: معناه لا تجر، وروى أن جرير من طريق قتادة في قوله: ولا تشطط، أي: لا تمل، وعن المورج: لا تفرط والشطط مجاوزة الحد، وأصل الكلمة من قولهم: شطت الدار وأشطت إذا بعدت.
واهدنا إلى سواء الصراط
هو بعد قوله: ولا تشطط، ومعناه: واهدنا إلى وسط الطريق.
* (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة) * (ص
1764;: 32 42).
نذكر الآية بتمامها ثم نذكر ما ذكره البخاري من ألفاظ هذه الآية وتمامها: * (ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب) * (ص
1764;: 32 42). وبعد هذه الآية: * (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثير من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) * (ص
1764;: 32 42). قوله: (إن هذا أخي) أي: في الدين، أو المراد: أخوة الصداقة والألفة وأخوة الشركة، والمراد من النعجة المرأة، وهذا من أحسن التعريض حيث كنى بالنعاج عن النساء، والعرب تفعل هذا كثيرا، توري عن النساء بالظباء والشاء والبقر.

9
يقال للمرأة نعجة ويقال لها أيضا شاة
هذا كثير فاش في أشعارهم. وقال الحسين بن الفضل، هذا تعريض للتنبيه والتفهيم لأنه لم يكن هناك نعاج، وإنما هذا مثل قول الناس: ما ضرب زيد عمرا، وما كان هناك ضرب.
* (ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها) * (ص
1764;: 32). مثل * (وكفلها زكرياء) * (آل عمران: 73). ضمها
أشار به إلى أن معنى الكفل الضم، فلذلك قال: إكفلنيها مثل * (وكفلها زكريا) * (آل عمران: 73). أي: ضم زكرياء مريم بنت عمران إلى نفسه، وعن أبي العالية معنى: إكفلنيها ضمها إلي حتى أكفلها. وقال ابن كيسان: إجعلها كفلي، أي: نصيبي.
وعزني غلبني صار أعز مني أعزرته جعلته عزيزا في الخطاب
قال أبو عبيدة في قوله: (وعزني في الخطاب)، أي: صار أعز مني فيه، ويقال: عزني في الخطاب أي المحاورة، وعن قتادة معناه: ظلمني وقهرني.
يقال المحاورة
أي: الخطاب، يقال: المحاورة، بالحاء المهملة.
* (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) * (ص
1764;: 42).
أي: قال داود، وفي (تفسير النسفي): لقد ظلمك، جواب قسم محذوف، وفي ذلك استنكار لفعل خليطه وتهجين لطمعه. قوله: * (بسؤال نعجتك) * (ص
1764;: 42). مصدر مضاف إلى المفعول.
وإن كثيرا من الخلطاء أي الشركاء ليبغي إلى قوله * (إنما فتناه) *.
فسر الخلطاء بالشركاء، وهكذا فسره المفسرون وهو جمع خليط. قوله: (ليبغي) أي: ليظلم. قوله: إلى قوله: * (إنما فتناه) * (ص
1764;: 42). قد ذكرنا الآن تمام الآية.
قال ابن عباس: اختبرناه
أي: قال عبد الله بن عباس: معنى فتناه اختبرناه، وهذا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه.
وقرأ عمر: فتناه بتشديد التاء
هذه قراءة شاذة، ونقلت هذه القراءة أيضا عن الحسن البصري وأبي رجاء العطاردي.
* (فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) * (ص
1764;: 42).
خر راكعا، أي: حال كونه راكعا ساجدا، وعبر عن السجود بالركوع لأنهما بمعنى الإنحناء. قوله: (وأناب) أي: رجع إلى الله بالتوبة، من الإنابة وهو الرجوع إلى الله بالتوبة، يقال: أناب ينيب إنابة فهو منيب إذا أقبل ورجع.
1243 حدثنا محمد حدثنا سهل بن يوسف قال سمعت العوام عن مجاهد قال قلت ل ابن عباس أنسجد في ص فقرأ) * ومن ذريته داود وسليمان) * حتى أتي * (فبهداهم اقتده) * (الأنعام: 09). فقال نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أمر أن يقتدي بهم..
مطابقته للترجمة في قوله: (ومن ذريته داود). ومحمد شيخه هو ابن سلام، كذا جزم به بعضهم، وقال الكرماني: هو إما محمد ابن سلام، وإما ابن المثنى، وإما ابن بشار على ما اختلفوا فيه. انتهى. وقيل: يقال إنه أبو موسى الزمن وهو محمد ابن المثنى البصري، وسهل بن يوسف أبو عبد الله الأنماطي البصري، والعوام، بفتح العين المهملة وتشديد الواو: ابن حوشب.
والحديث

10
أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن عبد الله وعن بندار عن غندر عن شعبة.
قوله: (أنسجد؟) بهمزة الاستفهام وبنون المتكلم مع الغير، وفي رواية المستملي والكشميهني: أأسجد، بهمزتين الأولى للاستفهام والثانية للمتكلم وحده. قوله: (فقرأ)، أي: ابن عباس قوله تعالى: * (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين) * (الأنعام: 48). وقرأ بعده خمس آيات أخرى حتى قرأ بعدها: * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين) * (الأنعام: 09). قوله: (فقال نبيكم) أي: فقال ابن عباس، وفي بعض الروايات: فقال ابن عباس. قوله: (ممن أمر)، على صيغة المجهول. قوله: (أن يقتدى بهم) أي: بهؤلاء الرسل المذكورين في هذه الآيات المذكورة وهم سبعة عشر نبيا. قوله: (ومن ذريته) أي: ومن ذرية نوح، عليه الصلاة والسلام، لأن قبله: * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود) * (الأنعام: 48). وإنما قلنا: الضمير يرجع إلى نوح لأنه أقرب المذكورين وهو اختيار ابن جرير أيضا. وقال آخرون: إن الضمير يرجع إلى إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، لأنه الذي سيق الكلام من أجله، لكن يشكل على هذا ذكر لوط، عليه الصلاة والسلام، فإنه ليس من ذرية إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، بل هو ابن أخيه هاران بن آزر اللهم إلا أن يقال: إنه دخل في الذرية تغليبا.
وفي ذكر عيسى، عليه الصلاة والسلام، في ذرية إبراهيم أو نوح على القول الآخر دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجل، لأن عيسى، عليه الصلاة والسلام إنما ينسب إلى إبراهيم عليه السلام، بأمه مريم، عليها السلام، فإنه لا أب به.
2243 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال ل يس ص من عزائم السجود ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها. (انظر الحديث 9601).
وجه ذكر هذا الحديث عقيب الحديث المذكور من حيث إن كلا منهما يتضمن ذكر السجود في ص، ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري، وأيوب هو السختياني، والحديث مضى في: أبواب سجود التلاوة في: باب سجدة ص، ومضى الكلام فيه هناك، والله أعلم.
04
((باب قول الله تعالى * (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) * (ص
1764;: 03).))
أي: هذا باب في بيان ما ذكر في قول الله تعالى * (ووهبنا...) * إلى آخره وليس في بعض النسخ لفظ: باب، بل المذكور: قول الله تعالى ووهبنا... إلى آخره. قوله: (نعم العبد)، المخصوص بالمدح محذوف. قوله: (إنه أواب) تعليل لكونه ممدوحا لكونه أوابا أي رجاعا إليه بالتوبة أو مسبحا مؤوبا للتسبيح ومرجعا له، لأن كل مؤوب أواب.
الراجع المنيب
هذا تفسير الأواب، وفسره بأنه الراجع عن الذنوب، والمنيب من الإنابة وهي الرجوع إلى الله بكل طاعة.
وقوله * (هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) * (ص: 53).
وقوله، بالجر عطف على: قول الله، في قوله: باب قول الله. قوله: (هب لي) أي: أعطني ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، يعني: من دوني، وقال ابن كيسان: لا يكون لأحد من بعدي، وقال يزيد بن وهب: هب لي ملكا لا أسلبه في باقي عمري كما سلبته في ماضي عمري، وقال مقاتل بن حيان: كان سليمان ملكا ولكنه أراد
بقوله: لا ينبغي لأحد من بعدي تسخير الرياح والطير، وقيل: إنما سأل ذلك ليكون له علما على المغفرة وقبول التوبة حيث أجاب الله دعاءه، ورد عليه ملكه وزاد فيه.
وقوله * (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) * (البقرة: 201).
وقوله، بالجر أيضا عطف على قوله: هب لي ملكا. قوله: (واتبعوا) أي: اليهود، ما تتلو الشياطين أي: ما ترويه وتخبره وتحدثه الشياطين. قوله: (على ملك سليمان) وعداه: بعلى، لأنه ضمن معنى: تتلوا تكذب، وقال ابن جرير: على، هنا بمعنى: في، أي: في ملك سليمان، ونقله عن ابن جريج وابن إسحاق. قلت: التضمين أولى وأحسن، وقال السدي ما ملخصه: إن الشياطين

11
كانوا يصعدون إلى السماء فيسمعون من الملائكة ما يكون في الأرض فيأتون الكهنة فيخبرون به فتحدثه الكهنة للناس فيجدونه كما قالوا، وأدخلت الكهنة فيه غيره فزادوا مع كل كلمة سبعين، كلمة، فاكتتب الناس ذلك، وفشى في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب وجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق، فلما مات سليمان تمثل شيطان في صورة آدمي وأتى نفرا من بني إسرائيل فدلهم على تلك الكتب فأخرجوها. فقال لهم الشيطان: إن سليمان كان يضبط الإنس والجن والطير بهذا السحر، ثم طار وذهب وفشى في الناس أن سليمان كان ساحرا فاتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم خاصموه بها، فأنزل الله تعالى هذه الآية: * (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان) * (البقرة: 201). الآية.
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر) * (سبأ: 21).
أي: وسخرنا لسليمان الريح، وقال في آية أخرى: * (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء) * (ص
1764;: 63). أي لينة حيث أصاب أي: حيث أراد. قوله: (غدوها) أي: غدو الريح، شهر: يعني: مسير الريح شهر في غدوته وشهر في روحته، وقال مجاهد: كان سليمان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر، ويروح من إصطخر فيقيل بكابل، وكان بين إصطخر وكابل مسيرة شهر، وما بن دمشق واصطخر مسيرة شهر.
* (وأسلنا له عين القطر) * (سبإ: 21). أذبنا له عين الحديد
أسلنا من الإسالة، وفسره بقوله: أذبنا له من الإذابة، وفسر عين القطر بالحديد، وقال قتادة: عين من نحاس كانت باليمن، وقال الأعمش: سيلت له كما يسال الماء، وقيل: لم يذب للناس لأحد قبله.
* (ومن الجن من يعمل بين يديه) * إلى قوله * (من محاريب) * (سبإ: 21).
أي: وسخرنا له * (من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) * (سبإ: 21). قوله: (ومن يزغ) أي: ومن يمل من الجن عن أمرنا نذقه من عذاب السعير في الآخرة، وقيل: في الدنيا، وذلك أن الله تعالى وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمره ضربه ضربة أحرقته.
قال مجاهد: بنيان ما دون القصور
فسر مجاهد المحاريب بقوله: بنيان ما دون القصور، وقال أبو عبيدة: المحاريب جمع محراب وهو مقدم كل بيت، وهو أيضا المسجد والمصلى.
وتماثيل جمع: تمثال، وهي الصور، وكان عمل الصور في الجدران وغيرها سائغا في شريعتهم.
* (وجفان كالجواب) * (سبإ: 21). كالحياض للإبل، وقال ابن عباس: كالجوبة من الأرض
الجفان جمع جفنة، وهي القصعة الكبيرة شبهت بالجوابي وشبهت الجوابي بالحياض التي يجبى فيها الماء أي: يجمع، واحدها: جابية، قال الأعشى:
* تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق
*
ويقال: كان يقعد على جفنة واحدة من جفان سليمان ألف رجل يأكلون بين يديه. قوله: (وقال ابن عباس: كالجوبة) أي: الجفان كالجوبة، بفتح الجيم وسكون الواو والباء الموحدة: وهي موضع ينكشف في الحرة وينقطع عنها.
* (وقدور راسيات) * إلى قوله * (الشكور) * (سبإ: 21).
راسيات: أي: ثابتات لا يحولن ولا يحركن من أماكنهن لعظمهن، وفي (تفسير النسفي): وكانت باليمن، ومنه قيل للجبال: رواسي.

12
قوله: (إلى قوله: الشكور)، بعني، إقرأ إلى قوله: الشكور، وهو قوله: * (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) * (سبإ: 31). قال النسفي: أي: وقلنا: اعملوا شكرا، يعني: اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرا على نعمه، وشكرا في محل المصدر على تقدير: اشكروا شكرا، لأن اعملوا فيه معنى: اشكروا من حيث أن معنى العمل فيه للمنعم شكر له، وقيل: انتصب: شكرا، على أنه مفعول له، أي: اعملوا لله واعبدوه، على وجه الشكر لنعمائه، وقيل: انتصب على الحال، أي: شاكرين، وقيل: يجوز أن ينتصب: باعملوا، مفعولا به، معناه: أنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكرا، على طريق المشاكلة. قوله: (الشكور)، المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه، قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا. وعن ابن عباس: الشكور من يشكر على أحواله كلها، وقال السدي: هو من يشكر على الشكر، وقيل: من يرى عجزه عن الشكر.
* (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض. الأرضة تأكل منسأته عصاه فلما خر) * إلى قوله * (المهين) * (سبأ: 31 41).
أي: فلما حكمنا على سليمان بالموت ما دل الجن على موته إلا دابة الأرض وهي الأرض، وهي دويبة تأكل الخشب. قوله: (منسأته) أي: عصاه. قوله: (فلما خر)، أي: سقط سليمان ميتا. قوله: (إلى قوله: المهين)، يعني: اقرأ إلى قوله: المهين، وهو قوله تعالى: * (تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) * (سبإ: 31 41). قوله: (تبينت الجن) جواب: لما، أي: لما علمت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب وكانوا يدعون أنهم يعلمون الغيب. قوله: (في العذاب المهين)، أي: في العذاب الذي يهين المعذب، يعني: ما عملوا مسخرين وهو ميت وهم يظنونه حيا.
حب الخير عن ذكر ربي من ذكر ربي أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب) * (ص
1764;: 23). قوله: (حب الخير)، قال الفراء: الخيل والخير بمعنى في كلام العرب، والنبي صلى الله عليه وسلم سمى زيد الخيل: زيد الخير، والخير: المال أيضا. قوله: (عن ذكر ربي)، قال قتادة: عن صلاة العصر. قوله: (حتى توارت)، يعني: الشمس، أي: غابت بالحجاب وهو جبل دون القاف بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه، قيل: معناه حتى استترت الشمس بما يحجبها عن الأبصار، والإضمار قبل الذكر يجوز إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر، وقد جرى هنا، وهو قوله: بالعشي، وهو ما بعد الزوال.
فطفق مسحا بالسوق والأعناق يمسح أعراف الخيل وعراقيبها
أول الآية: * (ردوها علي) * (ص
1764;: 13). وهي المذكورة قبله بقوله: * (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) * (ص
1764;: 13). وكان سليمان، عليه الصلاة والسلام، صلى الصلاة الأولى ثم قعد على الكرسي وهي تعرض عليه، فعرضت عليه منها تسعمائة وكانت ألفا، وكان سليمان غزا دمشق ونصيبين فأصاب منها ألف فرس، وقال مقاتل: ورث سليمان عن أبيه داود ألف فرس، وكان أبوه أصابها من العمالقة، وقال الحسن: بلغني أنها كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة، وقبل أن يكمل العرض غربت الشمس ففاتته صلاة العصر ولم يعلم بذلك فاغتم لذلك، فقال: * (ردوها علي فطفق مسحا) * (ص
1764;: 13). أي: فأقبل يمسح بسوقها وأعناقها بالسيف وينحرها تقربا إلى الله تعالى وطلبا لرضاه حيث اشتغل بها عن طاعته. قوله: (يمسح أعراف الخيل وعراقيبها)، والعراقيب جمع عرقوب، وهو العصب الغليظ عند عقب الإنسان.
والأصفاد الوثاق
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وآخرين مقرنين في الأصفاد) * (ص
1764;: 83). وفسر الأصفاد بالوثاق، وروى ابن جرير من طريق السدي، قال: مقرنين في الأصفاد: أن تجمع اليدان إلى العنق بالأغلال، وقال أبو عبيدة: الأصفاد والأغلال واحدها صفد، ويقال للعطاء أيضا: صفد. قوله: * (وآخرين) * (ص
1764;: 83). عطف على قوله: * (الشياطين) * (ص
1764;: 83). أي: سخرنا له الشياطين وسخرنا له آخرين، يعني: مردة الشياطين مقرنين في الأصفاد، يقال: صفده أي: شده وأوثقه.

13
قال مجاهد الصافنات صفن الفرس رفع إحدى رجليه حتى تكون على طرف الحافر، الجياد السراع
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: * (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) * (ص
1764;: 13). أن الصافنات من صفن الفرس إلى آخره يعني: مشتق منه وهو جمع صافنة، وقال النسفي: الصافن من الخيل القائم على ثلاث قوائم، وقد أقام الرابعة على طرف الحافر، والصفون لا يكاد يكون في الهجن وإنما هو في العراب الخلص، ووصل الفريابي إلى مجاهد ما قاله، لكن في روايته: يديه، والموجود في أصل البخاري: رجليه، وصوب القاضي عياض ما عند الفريابي. قوله: (الجياد السراع) بكسر السين المهملة، وفي التفسير: الجياد المسرعة في الجري جمع جواد، وقيل: جمع جيد، جمع لها بين وصفين محمودين.
جسدا شيطانا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وألقينا على كرسيه جسدا) * (ص
1764;: 43). وفسر جسدا بقوله: شيطانا، وقال الفريابي: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح في قوله تعالى: * (وألقينا على كرسيه جسدا) * (ص
1764;: 43). قال: شيطانا يقال له آصف، قال له سليمان، عليه الصلاة والسلام، كيف تفتن الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك، فأعطاه فنبذه آصف في البحر فساخ، فذهب سليمان وقعد أصف على كرسيه ومنع الله نساء سليمان فلم يقربهن، فأنكرته أم سليمان، وكان سليمان عليه الصلاة والسلام، يستطعم ويعرفهم بنفسه فيكذبونه حتى أعطته امرأة حوتا فطب بطنه فوجد خاتمه في بطنه، فرد الله إليه ملكه، وفر آصف فدخل البحر. ورواه ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد: أن اسمه آصر، آخره راء، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أن اسم الجن: صخر، ومن طريق السدي كذلك. انتهى.
قلت: في هذا نظر من وجوه: الأول: أنه يبعد من سليمان أن يناول خاتمه لغيره ليراه مع علمه أن ملكه قائم به. والثاني: لا يليق أن يقعد شيطان على كرسي نبي
مرسل الذي أعطي ما لا يعطى غيره من الملك العظيم. والثالث: أن آصف، بالفاء في آخره: هو معلم سليمان وكاتبه في أيام ملكه، والذي أظن أن الصحيح أن سليمان لما افتتن بسبب ابنة ملك صيدون واصطفى ابنة ملكها لنفسه وأحبها صورت في بيتها صورة أبيها، وكان سليمان، عليه الصلاة والسلام، إذا خرج من بيتها كانت هي وجواريها يعبدون هذه الصورة حتى أتى على ذلك أربعون يوما، وبلغ ذلك آصف بن برخياء فعتب على سليمان، عليه الصلاة والسلام، بسبب ذلك، فعند ذلك سقط الخاتم من يده، وكان كلما أعاده كان يسقط، فقال له آصف: إنك مفتون، ففر إلى الله تائبا من ذلك وأنا أقوم مقامك وأسير في عيالك وأهل بيتك بسيرك إلى أن يتوب الله عليك ويردك إلى ملكك، ففر سليمان هاربا إلى الله تعالى، وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت وغاب مدة أربعين يوما، ثم أن الله تعالى لما قبل توبته رجع إلى منزله فرد الله إليه ملكه وأعاد الخاتم في يده. وقيل: المراد من الجسد ابنه، وذلك أنه لما ولد له قالت الشياطين: نقتله وإلا لا نعيش معه بعده، ولما علم سليمان ذلك أمر السحاب حتى حملت ابنه وعدى في السحاب خوفا من مضرة الشياطين، فعاتبه الله لذلك، ومات الولد فألقى ميتا على كرسيه فهو الجسد الذي قال الله تعالى: * (وألقينا على كرسيه جسدا) * (ص
1764;: 43). وهذا هو الأنسب والأليق من غيره، ويؤيده ما قاله الخليل: لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض، وقال ابن إسحاق: وكان الخاتم من ياقوتة خضراء أتاه بها جبريل، عليه الصلاة والسلام، من الجنة مكتوب عليها: لا إلاه إلا الله محمد رسول الله، وهو الخاتم الذي ألبسه الله آدم في الجنة.
رخاء طيبة حيث أصاب حيث شاء
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء) * (ص
1764;: 63). وفسر رخاء بقوله: طيبة، ويروى طيبا، بالتذكير، وفسر قوله: حيث أصاب، بقوله: حيث شاء، بلغة حمير.
فامنن أعط بغير حساب بغير حرج
أول الآية: * (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) * (ص
1764;: 93). وفسر قوله: فامنن، بقوله: أعط، والعرب تقول: من علي برغيف، أي: أعطانيه، وفسر قوله: بغير حساب، بقوله: بغير حرج، وقال الحسن البصري. رحمه الله: إن الله لم يعط أحد أعطية إلا جعل فيها حسابا إلا سليمان، فإن الله أعطاه عطاء هنيئا، فقال: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب، قال: إن أعطي أجر، وإن لم يعط

14
لم يكن عليه تبعة. وقال مقاتل: هو في أمر الشياطين، أي: حل من شئت منهم وأوثق من شئت في وثاقك ولا تبعة عليك فيما تتعاطاه.
3243 حدثني محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرددته خاسئا..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة. والحديث مضى في كتاب الصلاة في: باب الأسير يربط في المسجد، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (تفلت)، بتشديد اللام، أي: تعرض لي فلتة، أي: بغتة، وفي قوله: (فذكرت دعوة أخي سليمان...)
إلى آخره، دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقدر على ذلك، إلا أنه تركه رعاية لسليمان، عليه الصلاة والسلام.
عفريت متمرد من إنس أو جان مثل زبنية جماعتها الزبانية
فسر: عفريتا، بقوله: متمرد، سواء كان من إنس أو من جان، واشتقاقه من: العفر، وقال الزمخشري: العفر والعفرية والعفارية والعفريت: القوي المتشيطن الذي يعفر قرنه، والياء في عفرية وعفارية للإلحاق بشرذمة وعذافرة، والهاء فيهما للمبالغة، والتاء في: عفريت، للإلحاق بقنديل، وفي الحديث: أن الله تعالى يبغض العفرية التفرية، قال ابن الأثير: هو الداهي الخبيث الشرير، ومنه العفريت. قوله: (مثل زبنية)، بكسر الزاي وسكون الباء الموحدة وكسر النون وفتح الياء آخر الحروف، وفي آخره هاء، ويجمع على: زبانية. وفي قوله: (عفريت) مثل زبنية، نظر، لأن مثل الزبنية العفرية لا العفريت، وقال بعضهم: مراد المصنف بقوله: مثل زبنية، إنه قيل في عفريت: عفرية، وهي قراءة جاءت شاذة عن أبي بكر الصديق وأبي رجاء العطاردي، وأبي السمال، بالسين المهملة وباللام. انتهى. قلت: قد تقدم من قول الزمخشري أن عفرية لغة مستقلة وليست هي وعفرية لغة واحدة، والزبانية في الأصل اسم أصحاب الشرطة واشتقاقها من الزبن وهو الدفع، وأطلق ذلك على ملائكة النار لأنهم يدفعون الكفار إلى النار، ويقال واحد الزبانية زبني، ويقال: زابن، وقيل: زباني، والكل لا يخلو عن نظر.
4243 حدثنا خالد بن مخلد حدثنا مغيرة بن عبد الرحمان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه إن شاء الله فلم يقل ولم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا إحدى شقيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قالها لجاهدوا في سبيل الله. قال شعيب وابن أبي الزناد تسعين وهو أصح..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وخالد بن مخلد، بفتح الميم البجلي الكوفي وأبو الزناد، بكسر الزاي وتخفيف النون: عبد الرحمن ابن عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز. قوله: (لأطوفن)، وفي رواية الحموي والمستملي: لأطيفن، وهما لغتان: طاف بالشيء وأطاف به، إذا دار خلفه وتكرر عليه، والطواف هنا كناية عن الجماع، واللام فيه جواب قسم محذوف تقديره: والله لأطوفن. قوله: (الليلة)، نصب على الظرفية. قوله: (على سبعين امرأة)، ومضى الحديث في
كتاب الجهاد في: باب من طلب الولد، وفيه لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين، وفي رواية شعيب في الأيمان والنذور، فقال: تسعين، وفي رواية مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان، فقال: سبعين، وفي رواية البخاري في التوحيد من رواية أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة: كان لسليمان ستون امرأة، وفي رواية أحمد وأبي عوانة من طريق هشام عن ابن سيرين، فقال: مائة امرأة، وكذا

15
عند ابن مردويه من رواية عمران بن خالد عن ابن سيرين، وقد مر وجه الجمع بين هذه الروايات في كتاب الجهاد، وقيل: إن الستين كن حرائر وما زاد عليهن كن سراري، أو بالعكس، وعن وهب: كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرية، وروى الحاكم في (مستدركه) من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب قال: بلغنا أنه كان لسليمان صلى الله عليه وسلم ألف بيت من قوارير على الخشب، منها ثلاثمائة صريحة وسبعمائة سرية. قوله: (فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله تعالى)، وفي رواية معمر عن طاووس، على ما سيأتي، فقال له الملك، وفي رواية هشام بن حجير: فقال له صاحبه. قال سفيان: يعني الملك هذا يدل على أن تفسير صاحبه بالملك ليس بمرفوع، ووقع في (مسند الحميدي): عن سفيان: فقال له صاحبه أو الملك، بالشك، ومثلها في مسلم، وبهذا كله يرد قول من يقول بأنه هو الذي عنده علم من الكتاب، وهو: آصف بن برخيا، وأبعد من هذا من قال: المراد بالملك خاطره، وقال النووي: قيل: المراد بصاحبه الملك وهو الظاهر من لفظه، وقيل: القرين، وقيل: صاحب له آدمي. قوله: (إلا واحدا ساقطا شقه)، وفي رواية شعيب: فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، وفي رواية أيوب عن ابن سيرين: شق غلام، وفي رواية هشام عنه. نصف إنسان، وفي رواية معمر: حكى النقاش في (تفسيره): أن الشق المذكور هو الجسد الذي ألقي على كرسيه. قوله: (لو قالها)، أي: لو قال سليمان: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله، وفي رواية شعيب: لو قال: إن شاء الله، وزاد في آخره: فرسانا أجمعون، وفي رواية ابن سيرين: لو استثنى لحملت كل امرأة منهن فولدت فارسا يقاتل في سبيل الله، وفي رواية طاووس: لو قال: إن شاء الله، لم يحنث وكان دركا لحاجته، أي: كان يحصل له ما طلب، وفي رواية البخاري من طريق معمر: وكان أرجى لحاجته. قوله: (قال شعيب)، هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وابن أبي الزناد هو عبد الله بن ذكوان، وهما قالا في روايتهما: تسعين، على ما سيأتي في الأيمان والنذور. قوله: (وهو الأصح)، أي: ما روياه من تسعين هو الأصح.
5243 حدثني عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثناإبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال ثم المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما قال أربعون ثم قال حيثما أدركتك الصلاة فصل والأرض لك مسجد. (انظر الحديث 6633).
مطابقته للترجمة تستأنس من قوله: (ثم المسجد الأقصى)، لأن سليمان صلى الله عليه وسلم هو الذي بناه، وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد بن شريك عن أبي ذر الغفاري. والحديث مضى في: باب قول الله تعالى: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 521). فإنه روي هناك عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد عن الأعمش عن إبراهيم التيمي... إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (قال: أربعون) أي: أربعون سنة، وقد صرح به هناك، والمطلق يحمل على المقيد.
6243 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمان حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فجعل الفراش وهذه الدواب تقع في النار. وقال كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحديهما فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى. قال أبو هريرة والله إن سمعت بالسكين إلا يومئذ وما كنا نقول إلا المدية. (الحديث 7243 طرفه في: 9676).
مطابقته للترجمة في قوله: (وقال كانت امرأتان...) إلى آخره، فإن فيه ذكر سليمان، وأما تعليق الحديث الأول بحديث الترجمة

16
فهو أن الراوي ذكره معه كما سمعه معه، وقال الكرماني: متابعة الأنبياء موجبة للخلاص، كما أن في هذا التحاكم خلاص الكبرى من تلبسها بالباطل ووباله في الآخرة، وخلاص الصغرى من ألم فراق ولدها، وخلاص الابن من القتل، وتمام الحديث الأول هو قوله: فجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها. وأبو اليمان الحكم بن نافع، و عبد الرحمن هو ابن هرمز الأعرج.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفرائض عن أبي اليمان أيضا. وأخرجه النسائي في القضاء عن عمران بن بكار وعن المغيرة بن عبد الرحمن.
ذكر معناه: قوله: (مثلي ومثل الناس)، بفتح الميم أي: صفتي وحالي وشأني في دعائهم إلى الإسلام المنقذ لهم من النار، ومثل ما تزين لهم أنفسهم من التمادي على الباطل كمثل رجل.. إلى آخره، وهذا من تمثيل الجملة بالجملة، والمراد من ضرب المثل الزيادة في الكشف والتنبيه للبيان. قوله: (استوقد نارا) أي: أوقد نارا، يؤيده ما وقع في رواية مسلم وأحمد من حديث جابر: مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا، وقال بعضهم: زيادة السين والتاء للإشارة إلى أنه عالج إيقادها وسعى في تحصيل آلاتها. قلت: معنى الاستفعال الطلب، ولكن قد يكون صريحا نحو: استكتبته، أي: طلبت منه الكتابة، وقد يكون تقديرا نحو استخرجت الوتد من الحائط، وليس فيه طلب صريح، واستوقد ههنا من هذا القبيل، والنار جوهر لطيف مضيء محرق حار والنور ضوؤها. قوله: (الفراش)، بفتح الفاء وتخفيف الراء وفي آخره شين معجمة، قال الخليل: يطير كالبعوض، وقيل: هو كصغار البق، وقال الفراء: هو غوغاء الجراد الذي يتفرش ويتراكم ويتهافت في النار. قوله: (وهذه الدواب)، عطف على الفراش، وهو جمع دابة، وأراد بها هنا مثل البرغش والبعوض والجندب ونحوها. قوله: (تقع في النار) خبر: جعل، لأن جعل، من أفعال المقاربة يعمل عمل: كان، في اقتضائه الاسم والخبر. وقال النووي: إنه صلى الله عليه وسلم شبه المخالفين له بالفراش وتساقطهم في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا مع حرصهم على الوقوع في ذلك ومنعه إياهم، والجامع بينهما اتباع الهوى وضعف التمييز وحرص كل من الطائفتين على هلاك نفسه، وقال ابن العربي: هذا مثل كثير المعاني، والمقصود: أن الخلق لا يأتون ما يجرهم إلى النار على قصد الهلكة، وإنما يأتونه على قصد المنفعة واتباع الشهوة، كما أن الفراش يقتحم النار لا
ليهلك فيها بل لما يصحبه من الضياء، وقد قيل: إنها لا تبصر بحال وهو بعيد جدا. قوله: (وقال كانت امرأتان)، ليس فيه تصريح برفعه وهو مرفوع في نسخة شعيب عند الطبراني وغيره، وفي رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب: حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: بينا امرأتان. قوله: (فتحاكما) وفي رواية الكشميهني: فتحاكمتا، وفي نسخة شعيب: فاختصما. قوله: (فقضى به للكبرى)، أي: للمرأة الكبرى، قيل: إن ذلك كان على سبيل الفتيا منهما لا الحكم، فلذلك ساغ لسليمان أن ينقضه، ورده القرطبي بأن فتيا النبي صلى الله عليه وسلم كحكمه وهما سواء في التنفيذ. فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك، فكيف جاز لسليمان نقض حكم داود؟ قلت: إن كان حكمهما بالوحي فحكم سليمان ناسخ لحكم داود، وإن كان بالاجتهاد فاجتهاده كان أقوى لأنه بالحيلة اللطيفة أظهر ما في نفس الأمر، وقال الواقدي: إنما كان بينهما على سبيل المشاورة، فوضح لداود صحة رأي سليمان فأمضاه، وقيل: إن من شرع داود، عليه الصلاة والسلام، الحكم للكبرى من حيث هي كبرى. ورد بأن هذا غلط، لأن الكبرى والصغرى وصف طردي محض لا يوجب شيء من ذلك ترجيحا لأحد المتداعيين حتى يحكم له أو عليه، وكذلك الطول والقصر والسواد والبياض، وقال النووي: إن سليمان فعل ذلك تحيلا على إظهار الحق فلما أقرت به الصغرى عمل بإقرارها وإن كان الحكم قد نفذ، كما لو اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق لخصمه، وقال ابن الجوزي: وإنما حكما بالاجتهاد إذ لو كان بنص لما ساغ خلافه، وهو دال على أن الفطنة والفهم موهبة من الله تعالى ولا التفات لقول من يقول: إن الإجتهاد إنما يسوغ عند فقد النص، والأنبياء، عليه الصلاة والسلام، لا يفقدون النص، فإنهم متمكنون من استطلاع الوحي وانتظاره، والفرق بينهم وبين غيرهم قيام العصمة بهم عن الخطأ وعن التقصير في الاجتهاد، بخلاف غيرهم. قوله: (لا تفعل يرحمك الله)، ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي من طريق ورقاء عن أبي الزناد: لا يرحمك الله، قال القرطبي: ينبغي أن يكون على هذه

17
الرواية أن يقف على: لا، دقيقة حتى يتبين للسامع أن ما بعده كلام مستأنمف، لأنه إذا وصل بما بعد: لا يتوهم للسامع أنه دعاء عليه، وإنما هو دعاء له. قوله: (قال أبو هريرة) صورته تعليق، لكن ادعى بعضهم أنه موصول بالإسناد الأول، وفيه تأمل. قوله: (إن سمعت)، كلمة: إن، بكسر الهمزة وسكون النون كلمة نفي. أي: والله ما سمعت بلفظ السكين إلا يومئذ. قوله: (المدية) بضم الميم، وقيل: الميم مثلثة، سمي السكين بها لأنها تقطع مدى حياة الحيوان، وسمي السكين سكينا لأنه يسكن حركة الحيوان، وهو يذكر ويؤنث.
14
((باب قول الله تعالى * (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله) * إلى قوله * (إن الله لا يحب كل مختال فخور) * (لقمان: 21 81).))
أي: هذا باب في بيان ما جاء في قول الله تعالى: * (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد) * (لقمان: 21 81).)، قوله: (إلى قوله) أي: إقرأ إلى قوله: * (إن الله لا يحب كل مختال فخور) * (لقمان: 21 81). ومن قوله: * (غني حميد) * إلى قوله: * (فخور) * ست آيات. قوله: (الحكمة) أي: العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور. قوله: (أن أشكر)، قيل: لأن تشكر الله، ويجوز أن تكون: أن، مفسرة أي: أشكر الله، والتقدير: قلنا له: اشكر الله. وقيل: بدل من الحكمة. قوله: (مختال)، من الاختيال وهو أن يرى لنفسه طولا على غيره فيشمخ بأنفه. قوله: (فخور)، يعدد مناقبه تطاولا.
ولقمان بن باعور بن ناخور بن تارخ وهو آزر أب إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، كذا قاله ابن إسحاق، وقال مقاتل: لقمان بن عنقا بن سدون. ويقال: لقمان بن ثاران، حكاه السهيلي عن ابن جرير والقعنبي، وقال وهب بن منبه: لقمان بن عبقر بن مرثد بن صادق بن التوت من أهل أيلة، ولد على عشر سنين خلت من أيام داود، عليه الصلاة والسلام، وقال مقاتل: كان ابن أخت أيوب، عليه الصلاة والسلام، وقيل: ابن خاله، وقال ابن إسحاق ثم عاش ألف سنة وأدرك داود، عليه الصلاة والسلام، وأخذ عنه العلم. وحكى الثعلبي عن ابن المسيب: أنه كان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين من سودان مصر ذا مشافر، وقال الربيع: كان عبدا نوبيا اشتراه رجل من بني إسرائيل بثلاثين دينارا ونصف دينار، وقال السهيلي: كان نوبيا من أيلة، وعن ابن عباس: كان عبدا حبشيا نجارا، وقيل: كان خياطا، وقيل: كان راعيا، وقيل: كان يحتطب لمولاه حزمة حطب، وروي أنه كان عبدا لقصاب. وقال الواقدي: كان قاضيا لبني إسرائيل فكان يسكن ببلدة أيلة ومدين، وقال مقاتل: كان اسم أمه: تارات، وفي (تفسير النسفي): واتفق العلماء أنه كان حكيما ولم يكن نبيا إلا عكرمة فإنه كان يقول: إنه كان نبيا. قال الواقدي والسدي: مات بأيلة، وقال قتادة: بالرملة.
ولا تصعر الإعراض بالوجه
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولا تصعر خدك للناس) * (لقمان: 81). وفسر: تصعر، بقوله: الإعراض بالوجه، وكأنه جعل الإعراض بمعنى التصغير المستفاد من: لا تصعر، وهكذا فسره عكرمة، أورده عنه الطبري، وقال الطبري: أصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها فيشبه به الرجل المعرض عن الناس المتكبر، وقراءة عاصم وابن كثير: ولا تصعر، وقراءة الباقون: ولا تصاغر، وقال الطبري: القراءتان مشهورتان ومعناهما صحيح.
8243 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال ل ما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إينا لم يلبس إيمانه بظلم فنزلت * (لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 31)..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله تعالى: * (لا تشرك بالله...) * إلى آخره، لأن الله تعالى قال حكاية عن لقمان: * (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك
بالله إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 31). وأبو الوليد هشام بن عبد الملك، وإبراهيم هو النخعي، والحديث مضى في كتاب الإيمان في: باب ظلم دون ظلم، ومر الكلام فيه.

18
9243 حدثني إسحاق أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال لما نزلت * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * (الأنعام: 28). شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه قال ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه * (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وإسحاق هو ابن راهويه، وعبد الله هو ابن مسعود، وهذا طريق آخر في الحديث المذكور.
قوله: (إنما هو الشرك)، أي: الظلم المذكور في تلك الآية هو الشرك، والظلم لفظ عام يعم الشرك وغيره، وقد خص في الآية بالشرك. ومعنى: اختلاط الإيمان، هو أن الإيمان التصديق بالله وهو لا ينافي جعل الأصنام آلهة، قال الله تعالى: * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * (يوسف: 601). قوله: (ما قال لقمان لابنه) قال السهيلي، اسم ابنه: باران، بالباء الموحدة وبالراء، وكذا قاله الطبري والعتبي، وقال الثعلبي: اسمه أنعم، وقال الكلبي: أشكم. قوله: (وهو يعظه) جملة حالية، والله أعلم.
24
((باب * (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية) * (ي
1764; س: 31). الآية))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون) * (ي
1764; س: 31). قوله: (واضرب لهم مثلا) أي: لأجلهم، وقيل: واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية مثلا، وحاصل المعنى: اذكر لهم قصة عجيبة، يعني: قصة أصحاب القرية، وهي أنطاكية: * (إذ جاءها المرسلون) * (ي
1764; س: 31). أي: رسل عيسى، وكلمة إذ، بدل من أصحاب القرية، وكان إرسال عيسى، عليه الصلاة والسلام، رسله في أيام ملوك الطوائف.
واختلفوا في اسم الرسولين اللذين أرسلا أولا، فقال ابن إسحاق: قاروص وماروص، وقال وهب: يحيى ويونس، وقال مقاتل: تومان ومالوس، وقال كعب: صادق وصدوق، واسم الرسول الثالث: شمعون الصفا رأس الحواريين، وهو قول أكثر المفسرين، وقال كعب: اسمه شلوم، وقال مقاتل: سمعان، وقيل: بولص، ولم يذكر البخاري في هذا الباب حديثا مرفوعا، وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا: السبق ثلاثة: يوشع إلى موسى، وصاحب يس إلى عيسى، وعلي إلى محمد، صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده حسين بن الحسن الأشقر وهو ضعيف، واسم صاحب يس: حبيب النجار، وعن السدي: كان قصارا، وقيل: كان إسكافا، وكان اسم ملك أنطاكية أنطيخس بن أنطيخس وكان يعبد الأصنام.
فعززنا.. قال مجاهد شددنا
أشار به إلى تفسير قوله تعالى: * (فعززنا) * (ي
1764; س: 31). وحكي عن مجاهد أنه قال: معناه: شددنا، يعني: قوينا الرسولين الأولين برسول ثالث، وعلى يده كان الخلاص.
قال ابن عباس طائركم مصائبكم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون) * (ي
1764; س: 91). ووصل ابن أبي حاتم قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة عنه به. قوله: * (طائركم) * وفسره ابن عباس بقوله: مصائبكم، ولما قالوا: * (إنا تطيرنا بكم) * (ي
1764; س: 81). يعني: تشاءمنا بكم، قالوا: طائركم، أي: شؤمكم معكم، وهو كفرهم.
34
((باب قول الله تعالى * (كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكرياء إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا) * إلى قوله * (لم نجعل له من قبل سميا) * (مريم: 3 7).))
أي: هذا باب في بيان قول الله تعالى: * (كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا) * (مريم: 3 7). إلى آخره. قوله: (إلى قوله)، أي: إقرأ إلى قوله: * (لم نجعل له من قبل سميا) * (مريم: 3 7). وهو قوله: * (ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالى من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي

19
من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) * (مريم: 5 7)
[/ ح.
قوله: (ذكر)، مرفوع بأنه خبر لقوله: * (كهيعص) *، وقيل: خبر مبتدأ محذوف أي: هذا القول الذي نتلو عليك ذكر رحمة ربك، وقيل: مرفوع بالابتداء
والخبر مقدر تقديره، فيما أوحي إليك ذكر رحمة ربك، و: ذكر مصدر مضاف إلى الرحمة، وهي فاعله، و: عبده، مفعولها. قوله: (خفيا) أي: خافيا يخفى ذلك في نفسه لم يطلع عليه إلا الله. قوله: (وهن)، يقال: وهن يهن وهنا، فهو واهن، وقال الفراء: وهن العظم، بالفتح والكسر في الهاء: أراد أن قوة عظامه ذهبت لكبر سنه، وإنما خص العظم لأنه الأصل في التركيب، وقال قتادة: شكى ذهاب أضراسه. قوله: (واشتعل الرأس شيبا) أي: من حيث الشيب شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس، وأخرج الشيب مميزا ولم يضف الرأس، يعني لم يقل: رأسي، اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا صلى الله عليه وسلم، فمن ثم فصحت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة. قوله: (ولم أكن بدعائك رب شقيا) أي: بدعائي إياك شقيا أي: خائبا. قوله: الموالي، وهم الذين يلونه في النسب، وهم: بنو العم والعصبة، وكان عمه وعصبته شرار بني إسرائيل فخافهم على الدين أن يغيروه ويبدلوه وأن لا يحسنوا للخلافة على أمته، فطلب عقبا من صلبه صالحا يقتدى به في إحياء الدين. قوله: (عاقرا) أي: عقيما لا تلد. قوله: (وليا)، أي: ولدا صالحا يحمل أمر الدين بعدي. قوله: (يرثني)، أي: يرث النبوة وقيل: العلم، وقيل: يرثهما. قوله: (ويرث من آل يعقوب)، قال ابن عباس: يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، وعنه: يرثني العلم ويرث من آل يعقوب الملك، فأجابه الله إلى وراثة العلم دون الملك. قوله: (لم نجعل له من قبل سميا)، يعني: لم يسم أحد قبله بيحيى. فإن قلت: ما وجه المدحة باسم لم يسم أحد قبله ونرى كثيرا من الأسماء لم يسبق إليها؟ قلت: لأن الله تعالى تولى تسميته ولم يكل ذلك إلى أبويه فسماه باسم لم يسبق إليه.
واعلم أن في زكريا أربع لغات: المد والقصر وحذف الألف مع إبقاء الباء مشددة وتخفيف الياء، فإن مددت أو قصرت لم تصرف، وإن حذفت الألف مع إبقاء الياء مشددة صرفته. وزكريا بن آدن بن مسلم بن صدوق بن نخشان بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن ناخور بن شلوم بن بهفاشاط بن أسا بن أفيا بن رحيم بن سليمان بن داود، عليهما الصلاة والسلام، كذا ذكره الثعلبي، وقال ابن عساكر في (تاريخه): زكريا بن برخيا، ويقال: زكريا بن دان، ويقال: ابن آدن... إلى آخره، وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كان زكريا نجارا. انفرد بإخراجه مسلم وابنه يحيى من الحياة، وقال الزمخشري: كان يحيى أعجميا وهو الظاهر، فمنع صرفه للتعريف والعجمة: كموسى وعيسى، وإن كان عربيا فللتعريف ووزن الفعل، واختلفوا فيه لم سمي يحيى؟ فقال ابن عباس: لأن الله تعالى أحيى به عقر أمه، وقال قتادة: لأن الله تعالى أحيى قلبه بالإيمان والنبوة، وقيل: أحياه بالطاعة حتى لم يعص أصلا ولم يهم بمعصية، واسم أم يحيى: أشياع بنت فاقوذا أخت حنة أم مريم، صلى الله تعالى عليهما وسلم، وقال ابن إسحاق: كان زكريا وابنه يحيى، صلى الله تعالى عليهم وسلم، آخر من بعث في بني إسرائيل من أنبيائهم.
قال ابن عباس مثلا
أي: قال عبد الله بن عباس: معنى: سميا، مثلا في قوله تعالى: * (هل تعلم له سميا) * (مريم: 56).
يقال: رضيا مرضيا
أشار به إلى تفسير: رضيا في قوله: * (واجعله رب رضيا) * (مريم: 6). بأنه بمعنى: مرضيا. وقال الطبري: مرضيا ترضاه أنت وعبادك.
عتيا عصيا عتا يعتو
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وقد بلغت

20
من الكبر عتيا) * (مريم: 8). وفسره بقوله: عصيا، وذكره بالصاد المهملة والصواب بالسين المهملة، وروى الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس، قال: ما أدري أكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقرأ عتيا أو عسيا؟ يقال: قرأ مجاهد: عسيا بالسين، وقال الجوهري: عتا الشيخ يعتو عتيا، بضم العين وكسرها: كبر وولى، وقال الأصمعي: عسا الشيخ يعسو عسيا، ولى وكبر مثل: عتا، وقال قتادة: العتو نحول العظم، يقال: ملك عات: إذا كان قاسي القلب غير لين، وعن أبي عبيدة: كل مبالغ في شر أو كفر فقد عتا وعسا، ويقال: عتا العود وعسا من أجل الكبر والطعن في السن العالية، وقرأ حمزة والكسائي: * (وقد بلغت من الكبر عتيا) * (مريم: 8). بكسر العين والباقون بضمها. قوله: (عتا يعتو) أشار به إلى أنه من باب فعل يفعل، مثل: غزا يغزو، من معتل اللام الواوي.
* (قال رب أنى يكون لي غلام) * إلى قوله * (ثلاث ليال سويا) * (مريم: 8 01). ويقال صحيحا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) * (مريم: 8 01). قوله: (قال رب) أي: قال زكريا: يا رب أنى يكون لي غلام؟ أي: من أين يكون لي غلام؟ وكيف يكون لي غلام والحال أن امرأتي عاقر وأنا قد بلغت من الكبر عتيا؟ قوله: (قال كذلك)، أي: قال جبريل صلى الله عليه وسلم: إن الأمر كذلك كما قيل لك من هبة الولد على الكبر. قوله: (هو علي هين)، أي: خلقه علي هين بأن أرد عليك قوتك حتى تقوى على الجماع، وأفتق رحم امرأتك. قوله: (قد خلقتك من قبل)، أي: أوجدتك من قبل يحيى ولم تك شيئا، لأن المعدوم ليس بشيء أو شيئا لا يعتد به. قوله: (قال: رب)، أي: قال زكريا: يا رب اجعل لي آية أي: علامة على حمل امرأتي. قوله: (قال آيتك) أي: قال الله، عز وجل: علامتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا منصوب على الحال، أي: وأنت صحيح سليم الجوارح عن سوء الخلق ما بك خرس ولا بكم، ودل ذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران، على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن.
فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) * (مريم: 11). فأوحى فأشار
أي: فخرج زكريا وكان الناس من وراء المحراب ينتظرون أنه يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون، إذ خرج إليهم زكريا متغير اللون فأنكروه، فقالوا له: يا زكريا! مالك؟ فأوحى إليهم، أي: أشار إليهم بيده ورأسه. قاله مجاهد: وعن ابن عباس: فكتب إليهم في كتاب، وقيل: على الأرض. قوله: (أن سبحوا)، وكلمة: أن، هي المفسرة أي: صلوا لله بكرة وعشيا، وهذا في صبيحة الليلة التي حملت امرأته، فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة إشارة.
* (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) * إلى قوله * (ويوم يبعث حيا) * (مريم: 21 51).
أي: إقرأ الآية إلى قوله: (ويوم يبعث حيا). وهو: * (وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) * (مريم: 21 51). قوله: (يا يحيى)، التقدير: فوهبنا له يحيى وقلنا له: يا يحيى خذ الكتاب، أي: التوراة، وكان مأمورا بالتمسك بها. قوله: (الحكم)، أي: الحكمة وهي الفهم للتوراة والفقه في الدين، صبيا، أي: حال كونه صبيا، وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سبع سنين، وعن قتادة ومقاتل: ثلاث سنين وكان ذلك معجزة به. قوله: (وحنانا)، قال الزجاج: وآتيناه حنانا، وقيل: وجعلناه حنانا لأهل زمانه، أي: رحمة لأبويه وغيرهما، وتعطفا وشفقة. قوله: (وزكاة)، أي: زيادة في الخير على ما وصف، وقيل: طهارة من الذنوب، وقيل: عملا صالحا. قوله: (تقيا)، يعني: مسلما مخلصا مطيعا. قوله: (وبرا) أي: وبارا بوالديه، لطيفا بهما، محسنا إليهما، ولم يكن جبارا متكبرا. قوله: (عصيا) أي: عاصيا لربه. قوله: (وسلام عليه) أي: سلام من الله عليه في هذه الأيام، وإنما خص التسليم والسلام بهذه الأحوال لأنها أصعب الأوقات وأوحشها.
حفيا لطيفا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إنه كان بي حفيا) * (مريم: 74). وفسر: حفيا، بقوله: لطيفا، وقال أبو عبيدة: أي محتفيا.
عاقرا الذكر والأنثى سواء
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وكانت امرأتي عاقرا) * (مريم: 5 و 8). وقال: الذكر والأنثى سواء، يعني: يقال للرجل الذي لا يلد: عاقر، وللمرأة التي لا تلد: عاقر.

21
0343 حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن يحيى مذكور في قصة زكريا، وهذه قطعة من حديث مطول قد مضى في: باب ذكر الملائكة، ومر الكلام فيه. قوله: (فلما خلصت) أي: للصعود إلى السماء الثانية ووصلت إليها. قوله: (وهما) أي: يحيى وعيسى، ولعل القرابة التي كانت بينهما كانت سببا لكونهما في سماء واحد مجتمعين.
44
((باب قول الله تعالى * (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا) * (مريم: 61).))
أي: هذا باب في بيان قول الله تعالى: * (واذكر...) * إلى آخره، يعني: أذكر يا محمد في الكتاب أي: في القرآن مريم بنت عمران بن ماثان. قوله: (إذا انتبذت)، كلمة: إذ، بدل من: مريم، بدل الاشتمال، انتبذت أي: اعتزلت وانفردت وجلست وتخلت للعبادة من أهلها مكانا أي: في مكان شرقيا مما يلي شرقي المقدس، أو شرقيا من دارها، وقيل: قعدت في مشرقة للاغتسال من الحيض، وعن الحسن البصري: اتخذت النصارى المشرق قبلة لأن مريم انتبذت مكانا شرقيا.
* (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة) * (آل عمران: 54).
قال الزمخشري: إذ قالت، بدل من * (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصفاك وطهرك) * (آل عمران: 24). ويجوز أن يبدل من: إذ، يختصمون، على أن الاعتصام والبشارة وقعا في زمان. قوله: (بكلمة منه)، أي: بولد يكون وجوده بكلمة من الله، أي: بقوله: كن فيكون اسمه المسيح عيسى ابن مريم، يعني: يكون مشهورا بهذا في الدنيا يعرفه المؤمنون بذلك.
* (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) * إلى قوله * (يرزق من يشاء بغير حساب) * (آل عمران: 33).
يخبر تعالى أنه اصطفى آدم أي: اختار آدم لأنه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه جنته واصطفى نوحا صلى الله عليه وسلم وجعله أول رسول بعثه إلى أهل الأرض لما عبد الناس الأوثان، واصطفى آل إبراهيم ومنهم سيد البشر وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم آل عمران والد مريم بنت عمران أم عيسى ابن مريم، صلوات الله عليهم. قوله: (إلى قوله...) أي: إقرأ إلى قوله: (يرزق من يشاء)، وهو: * (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) *، وبعده ثلاث آيات أخرى آخرها: * (بغير حساب) * (آل عمران: 33).
قال ابن عباس وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد صلى الله عليه وسلم يقول * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) * (آل عمران: 86). وهم المؤمنون
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (وآل إبراهيم وآل عمران) *، عام وأريد به الخصوص، وهو أن المراد المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران، كما قال ابن عباس. قوله: (وآل ياسين)، المراد منهم الذين في قوله تعالى: * (وإن إلياس لمن المرسلين) * (آل عمران: 86). وقيل: إدريس، وقيل: غيره. قوله: (
يقول إن أولى الناس بإبراهيم...) إلى آخره، أي: يقول ابن عباس: * (أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) * (آل عمران: 86). وهم المؤمنون والذين لم يتبعوه لا يعدون من الآل، وحاصل هذا التأكيد بأن المراد من هذا العموم الخصوص كما ذكرنا.

22
ويقال آل يعقوب أهل يعقوب فإذا صغروا آل ثم ردوه إلى الأصل قالوا أهيل
أشار بهذا إلى أن أصل: آل، أهل، ألا ترى أنهم إذا أرادوا أن يصغروه يقولون: أهيل، لأن التصغير يرد الإشياء إلى أصولها، ولكن فيه خلاف، والذي ذكرناه هو قول سيبويه والجمهور، وقيل: أصل آل: أول، من آل يؤول إذا رجع، لأن الإنسان يرجع إلى آله فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
1343 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني سعيد بن المسيب قال قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة * (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * (آل عمران: 63). (انظر الحديث 6823 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه مسلم أيضا عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن أبي اليمان به، وقد مضى نحوه في: باب صفة إبليس، عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. قوله: (ثم يقول أبو هريرة...) إلى آخره، موقوف عليه.
54
((باب))
هو كالفصل لما قبله، فلذلك جرد عن الترجمة.
* (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) * (آل عمران: 24).
هذا إخبار من الله بما خاطبت به الملائكة مريم، عليها السلام، عن أمر الله لهم بذلك. قوله: (اصطفاك) أي: اختارك وطهرك من الأكدار والوساوس واصطفاك ثانيا مرة بعد مرة على نساء العالمين. قوله: (اقنتي) أمر من القنوت وهو الطاعة، واسجدي واركعي، الواو لا تقتضي الترتيب، وقيل: معناه استعملي السجود في حالة والركوع في حالة، وقيل: على حالة، وكان السجود مقدما على الركوع في شرعهم. قوله: * (واركعي مع الراكعين) * أي: لتكن صلاتك مع الجماعة، وقال: مع الراكعين، وقال: مع الراكعين، لأنه أعم من الراكعات لوقوعه على الرجال والنساء. قوله: (ذلك)، إشارة إلى ما سبق من نبأ زكريا ويحيى ومريم وعيسى، يعني: أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي. قوله: (نوحيه إليك) أي: نقصه عليك. قوله: (وما كنت لديهم) أي: وما كنت يا محمد عندهم. قوله: (إذ يلقون أقلامهم) أي: حين يلقون، أي: يطرحون أقلامهم وهي أقداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين، وقيل: هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة، اختاروها للقرعة تبركا بها. قوله: (إذ يختصمون)، في شأنها تنافسا في التكفل بها لرغبتهم في الأجر.
يقال: يكفل يضم كفلها ضمها مخففة ليس من كفالة الديون وشبهها
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (إيهم يكفل مريم...) * إلى قوله * (وكفلها زكريا) * (آل عمران: 73). يعني: ضم مريم إلى نفسه وما ذاك إلا أنها كانت يتيمة، قاله ابن إسحاق، وقال غيره: إن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب فكفل زكريا مريم لذلك، ولا منافاة بين القولين. قوله: (مخففة)، أي: حال كون كلمة: كفلها، بتخفيف الفاء، وفي قوله: (ليس من كفالة الديون) نظر، لأن في كفالة الديون أيضا معنى الضم، لأن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة، وقراءة التخفيف قراءة الجمهور، وقراءة الكوفيين عاصم وحمزة والكسائي بالتثقيل، وقرأ الباقون وهم: نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالتخفيف في: كفلها، وعلى التشديد، فينتصب

23
زكريا على المفعولية، وقال أبو عبيدة: يقال في: كفلها زكريا، بفتح الفاء وكسرها، وبالكسر قرأ بعض التابعين.
2343 حدثني أحمد بن أبي رجاء حدثنا النضر عن هشام قال أخبرني أبي قال سمعت عبد الله ابن جعفر قال سمعت عليا رضي الله تعالى عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خير نسائها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة رضي الله تعالى عنها. (الحديث 2343 طرفه في: 5183).
مطابقته للباب المترجم في قوله: (ابنة عمران).
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: أحمد بن أبي رجاء بالجيم واسمه عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي. الثاني: النضر بن شميل، وقد مر غير مرة. الثالث: هشام ابن عروة. الرابع: أبوه عروة بن الزبير بن العوام. الخامس: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. السادس: علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده فيه: حدثني أحمد، وفي بعض النسخ: حدثنا، بصيغة الجمع. وفيه: التحديث أيضا بصيغة الجمع في موضع واحد. وفيه: العنعنة في موضع واحد. وفيه: السماع في موضعين. وفيه: القول في موضعين. وفيه: قال الدارقطني: رواه أصحاب هشام بن عروة عنه، هكذا وخالفهم ابن جريج وابن إسحاق فروياه عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن جعفر، وقد زاد في الإسناد: عبد الله بن الزبير، والصواب الأول.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في فضل خديجة وصدقة بن الفضل. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب وعن إسحاق بن إبراهيم. وأخرجه الترمذي في المناقب عن إسحاق ابن هارون. وأخرجه النسائي فيه عن أحمد بن حرب.
ذكر معناه: قوله: (خير نسائها)، أي: خير نساء أهل الدنيا في زمانها، وليس المراد أن مريم خير نسائها، لأنه يصير كقولهم، يوسف أحسن إخوته، وقد منعه النحاة، وعن وكيع: أي خير نساء الأرض في عصرها، وقال القاضي: أي من خير نساء الأرض. وقال الكرماني: يحتمل أن يراد بقوله: خير نسائها مريم، نساء بني إسرائيل، وبقوله: خير نسائها خديجة، نساء العرب أو تلك الأمة، وهذه الأمة وفي رواية النسائي من حديث ابن عباس: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ورواه أبو يعلى أيضا، وقد مر الكلام فيه مسقصى في: باب قول الله تعالى: * (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) * (التحريم: 11).
64
((باب قوله تعالى * (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم) * إلى قوله * (فإنما يقول له كن فيكون) * (آل عمران: 54 84).))
أي: هذا باب في بيان قوله تعالى: * (إذ قالت الملائكة...) * (آل عمران: 54). إلى آخره، وفي بعض النسخ: باب قول الله تعالى، وليس في بعضها إلى قوله إلى آخره، وقد مر الكلام في هذه الترجمة في الباب الذي قبل الباب المجرد الذي قبل هذا الباب. قوله: (إلى قوله)، أي: إقرأ إلى قوله: * (فإنما يقول له كن فيكون) * (آل عمران: 84). وهو قوله: * (وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) * (54 84). قوله: (وجيها)، أي: شريفا ذا جاه وقدر. قوله: (ومن المقربين)، أي: عند الله بالثواب والكرامة. قوله: (ويكلم الناس في المهد)، يعني: صغيرا في حجر أمه، وقيل: في الموضع الذي مهد للنوم، روي عنها أنها قالت: كنت إذا خلوت به أحادثه ويحادثني فإذا شغلني عنه إنسان يسبح في بطني وأنا أسمع. واختلفوا: هل كان نبيا في وقت كلامه؟ فقيل: نعم لظهور المعجزة وقيل: لا، وإنما جعل ذلك تأسيسا لنبوته. قوله: (وكهلا)، قال الزمخشري: في المهد، نصب على الحال، و: كهلا، عطف عليه بمعني: ويكلم الناس طفلا وكهلا، يعني: يكلم في هاتين الحالتين بكلام الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام. قوله: * (ومن الصالحين) * (آل عمران: 54 84). أي:

24
في قوله وعمله. قوله: * (ولم يمسسني بشر) * أي: لم يصبني رجل. قوله: * (إذا قضى أمرا) * أي: إذا أراد تكوينه * (فإنما يقول له كن فيكون) *، لا يتأخر من وقته بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة.
يبشرك ويبشرك واحد
الأول: من باب نصر ينصر، وهو قراءة حمزة والكسائي، والثاني: من باب التفعيل من التبشير، والبشير هو الذي يخبر المرء بما يسره من خير ولا يستعمل في الشر إلا تهكما.
وجيها شريفا
فسر وجيها الذي في قوله تعالى: * (وجيها في الدنيا والآخرة) * (آل عمران: 54). بقوله: شريفا، وقد مر تفسيره عن قريب، وانتصابه على الحال.
وقال إبراهيم المسيح الصديق
أي: قال إبراهيم النخعي المسيح الصديق، وكذا فسره سفيان الثوري بإسناده إلى إبراهيم، وفيه معان أخر نذكرها الآن، فإن قلت: الدجال أيضا سمى بالمسيح؟ قلت: أما معناه في عيسى، عليه الصلاة والسلام، ففيه أقوال تبلغ ثلاثة وعشرين قولا ذكرناها في كتابنا (زين المجالس). منها: ما قيل إن أصله المسيح على وزن مفعل، فأسكنت الياء ونقلت حركتها إلى السين طلبا للخفة، وعن ابن عباس: كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ ولا ميتا إلا حيى، وعنه: لأنه كان أمسح الرجل ليس لها أخمص، والأخمص من لا يمس الأرض من باطن الرجل، وعن أبي عبيدة: أظن أن هذه الكلمة: مشيخا، بالشين المعجمة فعربت، وكذا تنطق به اليهود، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن، وقيل: لأن زكريا، عليه الصلاة والسلام، مسحه. وقيل: لحسن وجهه إذ المسيح في اللغة جميل الوجه، لأنه كان يمسح الأرض لأنه قد يكون تارة في البلدان وتارة في المفاوز والفلوات، وقال الداودي: لأنه كان يلبس المسوح. وأما معناه في الدجال، فقيل: لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها. فإن قلت: قد ذكرت هذا المعنى في عيسى، عليه الصلاة والسلام؟. قلت: إنه كان في هذا الوجه اشتراك بحسب الظاهر لأن المسيح في عيسى بمعنى الممسوح عن الآثام وعن كل شيء فيه قبح، فعيل بمعنى مفعول، وفي الدجال: فعيل بمعنى فاعل، لأنه يمسح الأرض، وقيل: لأنه لا عين له ولا حاجب، وقال ابن فارس: مسيح أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له ولا حاجب، فلذلك سمي به. وقيل: المسيح الكذاب وهو مختص به لأنه أكذب البشر، فلذلك خصه الله بالشوه والعور، وقيل: المسيح المارد الخبيث وهو أيضا مختص به بهذا المعنى، ويقال فيه: مسيخ، بالخاء المعجمة لأنه مشوه مثل الممسوخ، ويقال فيه: مسيح بكسر الميم وتشديد السين للفرق بينه وبين المسيح ابن مريم، عليه الصلاة والسلام.
وقال مجاهد الكهل الحليم
كذا قاله مجاهد في قوله: * (وكهلا ومن الصالحين) * (آل عمران: 64). وقال أبو جعفر النحاس: هذا لا يعرف في اللغة، وإنما الكهل عندهم من ناهز الأربعين أو قاربها، وقيل: من جاوز الثلاثين، وقيل: الكهل ابن ثلاث وثلاثين.
والأكمه من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل
أشار به إلى ما في قوله تعالى حكاية عن عيسى، عليه الصلاة والسلام: * (وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله) * (آل عمران: 94). وقيل بعكسه، وقيل: هو الأعشى، وقيل: الأعمش.
وقال غيره من يولد أعماى
أي: قال غير مجاهد: الأكمه هو الذي يولد أعمى، وهو الأشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي.
3343 حدثنا آدم حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت مرة الهمداني يحدث

25
عن أبي موساى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام كمن من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون.
مضى هذا الحديث عن قريب في: باب قول الله تعالى: * (وضرب الله مثلا للذين آمنوا) * (التحريم: 11). فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن جعفر عن وكيع عن شعبة... إلى آخره.
4343 وقال ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نساء قريش خير نساء ركبن الإبل أحناه على طفل وأرعاه على زوج في ذات يده يقول أبو هريرة على إثر ذالك ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط.
مطابقته للترجمة في قوله: (ولم تركب مريم بنت عمران). وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وهذا التعليق وصله مسلم عن حرملة عن ابن وهب إلى آخره.
قوله: (نساء قريش) كلام إضافي مبتدأ، وقوله: (خير نساء ركبن الإبل) خبره، وهو كناية عن نساء العرب. قوله: (أحناه على طفل) يعني: أشفقه وأعطفه، وكان القياس أن يقال: أحناهن، لكن قالوا: العرب لا تتكلم في مثله إلا مفردا. وقال ابن الأثير: إنما وحد الضمير ذهابا إلى المعنى تقديره: أحنى من وجد أو خلق أو من هناك، ومثله قوله: أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا، يريد: أحسنهم خلقا، وهو كثير في العربية، ومن أفصح الكلام: وأحنى على وزن أفعل التفضيل من: حنى يحنو، أو حنى يحني، ومنه الحانية، وهي التي تقيم على ولدها ولا تتزوج شفقة وعطفا، ويقال: حنت المرأة على ولدها تحنو: إذا لم تتزوج بعد أبيهم. وفي (التوضيح): وفي بعض الكتب: أحناه، بتشديد النون، وقال ابن التين: ولعله مأخوذ من الحنان وهو الرحمة، ومنه: حنين المرأة وهو نزاعها إلى ولدها وإن لم يكن لها صوت عند ذلك، وقد يكون حنينها صوتها، على ما جاء في الحديث من حنين الجذع، والأصل فيه ترجيع الناقة صوتها على إثر ولدها. قوله: (وأرعاه) كذلك، أفعل التفضيل من رعى يرعى رعاية، والكلام فيه مثل الكلام في: أحناه. قوله: (في ذات يده)، أي: في ماله المضاف إليه. وفيه: فضيلة نساء قريش، وفضل هذه الخصال وهي: الحنو على الأولاد والشفقة عليهم وحسن تربيتهم ومراعاة حق الزوج في ماله وحفظه والأمانة فيه وحسن تدبيره في النفقة. قوله: (على إثر ذلك) أي: على عقبه: (ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط) يريد به: أن مريم لم تدخل في النساء المذكورات بما ذكرن، لأنه قيده بركوب الإبل ومريم لم تكن ممن يركب الإبل. وقال صاحب (التوضيح): يؤخذ من قول أبي هريرة هذا، ومن ذكر البخاري له في قصة مريم، تفضيلها على خديجة وفاطمة لأنهما من العرب المخصوصين بركوب الإبل.
تابعه ابن أخي الزهري وإسحاق الكلبي عن الزهري
أي: تابع يونس ابن أخي الزهري هو أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله الزهري القرشي المدني ابن أخي محمد ابن مسلم الزهري، قال الواقدي: قتله غلمانه بأمر ابنه، وكان سفيها شاطرا للميراث في آخر خلافة أبي جعفر، فوثب غلمانه بعد سنين فقتلوه أيضا. قوله: (وإسحاق)، أي: وتابعه أيضا إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي، روى له البخاري مستشهدا في مواضع، أما متابعة ابن أخي الزهري فوصلها أبو أحمد بن عدي في (الكامل) من طريق الدراوردي عنه.
وأما متابعة إسحاق الكلبي فوصلها الذهلي في الزهريات عن يحي بن صالح الوحاظي عنه.
74
((باب قول الله تعالى * (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا

26
الحق إنما المسيح عيساى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إلاه واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفاى بالله وكيلا) * (النساء: 171).))
أي: هذا باب في بيان قول الله تعالى: * (يا أهل الكتاب...) * إلى آخره. وقال عياض: وقع في رواية الأصيلي: * (قل يا أهل الكتاب) * ولغيره بحذف: قل، وهو الصواب قلت: نعم، الصواب حذف قل، هنا لأن القراءة قرئت بلفظ: قل، في الآية الأخرى أعني في سورة المائدة: * (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) * (المائدة: 77). الآية، وهنا من سورة النساء، وليس فيه لفظ. قل: قوله: (لا تغلوا) من الغلو وهو الإفراط ومجاوزة الحد، ومنه: غلا السعر، وغلو النصارى قول بعضهم في عيسى: هو الله، وهم اليعقوبية أو: ابن الله، وهم النسطورية، أو ثالث ثلاثة وهم المرقوسية، وغلو اليهود فيه قولهم: إنه ليس برشيد. قوله: (ولا تقولوا على الله إلا الحق) أي إلا القول الحق، أي: لا تفتروا عليه وتجعلوا له صاحبة وولدا، ثم أخبر عن عيسى، عليه الصلاة والسلام، فقال: * (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) * فكيف يكون إل
1764; ها؟ قوله: (المسيح)، مبتدأ، و: (عيسى) بدل منه أو عطف بيان (رسول الله) خبره. و (كلمته) عطف عليه. قوله: (ألقاها) في موضع الحال. قوله: (وروح منه) أي: عبد من عباد الله وخلق من خلقه، قال له: كن فكان، ورسول من رسله وأضيف الروح إليه على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله. قوله: (فآمنوا بالله ورسله) أي: آمنوا بهم جميعا ولا تجعلوا عيسى إل
1764; ها ولا إبنا ولا ثالث ثلاثة. قوله: (انتهوا) أي: عن هذه المقالة الفاحشة. قوله: (خيرا لكم)، أي: اقصدوا خيرا لكم. قوله: (وكفى بالله وكيلا) أي: مفوضا إليه القيام بتدبير العالم.
قال أبو عبيد كلمته كن فكان
أبو عبيدة هو القاسم بن سلام أراد أن أبا عبيد فسر قوله: وكلمته، بقوله: كن فكان، وعن قتادة مثله رواه عبد الرزاق عن معمر عنه.
وقال غيره وروح منه أحياه فجعله روحا
أي: وقال غير أبي عبيد: الظاهر أنه أبو عبيدة معمر بن المثنى، يعني: معنى (وروح منه) أحياه فجعله روحا، وقال مجاهد: وروح منه: أي رسول منه، وقيل: محبة منه.
ولا تقولوا ثلاثة
أي: ولا تقولوا في حق الله وعيسى وأمه ثلاثة آلهة، بل الله، إل
1764; ه واحد منزه عن الولد والصاحبة، وعيسى وأمه مخلوقان مربوبان.
5343 حدثنا صدقة بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي قال حدثني عمير بن هانىء قال حدثني جنادة بن أبي أمية عن عبادة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من شهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والوليد هو ابن مسلم الدمشقي، والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن داود بن رشيد عن الوليد وعن أحمد بن إبراهيم، وأخرجه النسائي في التفسير وفي اليوم والليلة عن محمود بن خالد وفي اليوم والليلة عن عمر بن عبد الواحد وعن عمرو بن منصور.
قوله: (عن عبادة)، وفي رواية ابن المديني: حدثني عبادة، وفي رواية مسلم: عن جنادة حدثنا عبادة. قوله: (أدخله الله الجنة)، جواب: من، وظاهره يقتضي دخوله من أي باب شاء من أبواب الجنة. فإن قلت: قد مضى حديث أبي هريرة في بدء الخلق: أن لكل داخل الجنة بابا معينا يدخل منه. قلت: إنه في الأصل مخير بظاهر حديث الباب، ولكنه يرى أن الذي يختص به أفضل في حقه فيختاره فيدخله مختارا لا مجبورا ولا ممنوعا من الدخول من غيره، وقال القرطبي: المقصود من هذا الحديث التنبيه على ما وقع من النصارى من الضلال والفساد في عيسى وأمه، عليهما الصلاة والسلام.

27
قال الوليد حدثني ابن جابر عن عمير عن جنادة وزاد من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء
الوليد هو ابن مسلم المذكور، وهو موصول بالإسناد المذكور وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي أخو يزيد بن يزيد، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. وعمير هو ابن هانىء المذكور، وبهذه الزيادة أخرجه مسلم، ولفظه: أدخله الله تعالى من أي أبواب الجنة الثمانية شاء.
84
((باب قول الله تعالى * (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) * (مريم: 61).))
أي: هذا باب في بيان حال مريم، عليها الصلاة والسلام، في قوله تعالى: * (واذكر في الكتاب مريم...) * (مريم: 61). الآية، وهذه الترجمة بعينها قد تقدمت قبل هذا الباب ببابين، ومضى الكلام فيها.
نبذناه ألقيناه اعتزلت شرقيا مما يلي الشرق
لفظ: نبذناه، في قصة يونس، وهو قوله تعالى: * (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) * (الصافات: 541). وروى الطبري من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، في قوله تعالى: * (فنبذناه) * قال: ألقيناه، وليس لذكره ههنا مناسبة، لأن المذكور في قصة مريم، عليها الصلاة والسلام، لفظ: انتبذت، ومعنى: انتبذت، غير معنى: فنبذناه، على ما لا يخفى، وأشار إلى معنى: انتبذت، بقوله: (فاعتزلت شرقيا مما يلي الشرق) أي: اعتزلت وانفردت وتخلت للعبادة في مكان شرقي مما يلي شرقي بيت المقدس، أو مكان شرقي من دارها، وقد مر هذا التفسير عن قريب.
فأجاءها أفعلت من جئت يقال ألجأها اضطرها
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فإجاءها المخاض إلى جذع النخلة) * (مريم: 32). وأشار بقوله: أفعلت من جئت، إلى أن لفظ أجاء، مزيد: جاء، تقول: جئت إذا أخبرت عن نفسك، ثم إذا أردت أن تعدى به إلى غيرك تقول: أجأت زيدا، وهنا كذلك بالتعدية لأن الضمير في أجاءها يرجع إلى مريم، وفاعل: أجاء، هو قوله: المخاض، أي: الطلق، إلى جذع النخلة أي: ساقها وكانت نخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة، وقصتها مشهورة. قوله: (ويقال
ألجأها: اضطرها) إشارة إلى أن بعضهم قال: إن معنى فأجاءها ألجأها، يعني: ألجأها المخاض إلى جذع النخلة، وقال الزمخشري: إن أجاء، منقول من: جاء، إلا أن استعماله تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء.
تساقط تسقط
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) * (مريم: 52). وفسر: تساقط، بقوله: تسقط، قرأ حمزة بفتح التاء وتخفيف السين، وقرأ حفص عن عاصم بضم التاء وكسر القاف، وقرأ الباقون بتشديد السين، أصله: تتساقط، أدغمت التاء في السين. قوله: (رطبا)، تمييز جنيا غضا طريا.
قصيا قاصيا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا) * (مريم: 22). وفسر قصيا بقوله: قاصيا. وهكذا فسره مجاهد، وقال أبو عبيدة: قصيا أي بعيدا. قال ابن عباس: أقصى وادي بيت لحم فرارا من قومها أن يعيروا ولادتها من غير زوج، وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة: قاصيا. وقال الفراء: القاصي والقصي بمعنى. قلت: أصله من القصو وهو البعد، والأقصى الأبعد.
فريا عظيما
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) * (مريم: 72). وفسر: فريا، بقوله: عظيما، وفي (تفسير النسفي): لقد جئت شيئا فريا بديعا، من فرى الجلد وقال أبو عبيدة: كل فائق من عجب أو عمل فهو فري وقيل: الفري، من الولد من الزنا كالشئ المفترى، وقال قطرب: الفري الجلد الجديد من الأسقية، أي: جئت بأمر عجيب أو أمر جديد لم تسبقي إليه.
قال ابن عباس نسيا لم أكن شيئا وقال غيره النسي الحقير

28
أشار به إلى ما في قوله تعالى حكاية عن مريم: * (قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) * (مريم: 32). وفسر ابن عباس قوله: نسيا، بقوله: لم أكن شيئا، وروى الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، في قوله: (نسيا منسيا)، أي: لم أخلق ولم أك شيئا. قوله: (وقال غيره) أي: غير ابن عباس: النسي، الحقير، وهو قول السدي، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم: نسيا، بكسر النون، وقرأ حمزة وحفص عن عاصم بفتح النون وهما لغتان، وقال أبو علي الفارسي: الكسر أعلى اللغتين، وقال ابن الأنباري من كسر النون، قال النسي اسم لما ينسى بمنزلة البعض، اسم لما يبعض، والنسي، بالفتح اسم لما ينسى أيضا على أنه مصدر ناب عن الاسم، وقيل: نسيا، لم أذكر فيما بقي.
وقال أبو وائل علمت مريم أن التقي ذو نهية حين قالت إن كنت تقيا
أبو وائل شقيق بن سلمة، وذكر هذا في قوله تعالى حكاية عن مريم: * (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) * (مريم: 81). وإنما قالت مريم هذا حين رأت جبريل، عليه الصلاة والسلام، يعني: إن كنت تقيا فانته عني. وعن ابن عباس: أنه كان في زمانها رجل، يقال له: تقي، وكان فاجرا، فظنته إياه، وقيل: كان تقي رجلا من أمثل الناس في ذلك الزمان، فقالت: إن كنت في الصلاح مثل التقي، فإني أعوذ بالرحمن منك، كيف يكون رجل أجنبي وامرأة أجنبية في حجاب واحد؟ قوله: (ذو نهية)، بضم النون وسكون الهاء أي: ذو عقل وانتهاء عن فعل القبيح.
قال وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء سريا نهر صغير بالسريانية
وكيع هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده إسحاق السبيعي واسمه عمرو، وهو يروي عن البراء بن عازب: أن السري في قوله تعالى: * (فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) * (مريم: 42). هو: النهر الصغير بالسريانية، وكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق الثوري، والطبري من طريق شعيب كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء موقوفا، وعن ابن جريج: هو الجدول بالسريانية، وقيل: هو نهر صغير.
6343 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي جاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلي فقالت أللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وكان جريج في صومعته فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام قال الراعي قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال أللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديها يمصه قال أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه ثم مر بأمة فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها فقال اللهم اجعلني مثلها فقالت لم ذاك فقال الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأمة يقولون سرقت زنيت ولم تفعل.

29
مطابقته للترجمة يمكن أن توجد من حيث إن الترجمة في قضية ميم وفيها التعرض لميلاد عيسى صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يكلم الناس وهو في المهد صبي، والصبي رضيع، والصبي الذي في قضية جريج كذلك، وكذلك كان صبي المرأة الحرة، وصبي الأمة، وصدر الحديث الذي يشتمل على قضية جريج قد مر في المظالم في: باب إذا هدم حائطا فليبن مثله، بعين هذا الإسناد عن مسلم بن إبراهيم، ومر أيضا في أواخر كتاب الصلاة في: باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة، وقد مر الكلام فيه هناك، ولنشرح الذي ما شرح، ونكرر ما شرح أيضا في بعض المواضع لطول العهد به.
قوله: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)، قال القرطبي: في هذا الحصر نظر. قلت: ليس من الأدب أن يقال: في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، نظر، بل الذي يقال فيه: أنه صلى الله عليه وسلم، ذكر الثلاثة قبل أن يعلم بالزائد عليها، فكان المعنى لم يتكلم إلا ثلاثة على ما أوحي إليه، وإلا فقد تكلم من الأطفال سبعة. منهم: شاهد يوسف صلى الله عليه وسلم، رواه أحمد والبزار والحاكم وابن حبان من حديث ابن عباس: لم يتكلم في المهد إلا أربعة، فذكر منها شاهد يوسف صلى الله عليه وسلم. ومنهم: الصبي الرضيع الذي قال لأمه، وهي ماشطة بنت فرعون، لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار: إصبري يا أماه فأنا على الحق. أخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة. ومنهم: الصبي الرضيع في قصة أصحاب الأخدود: أن امرأة جيء بها لتلقى في النار، فتقاعست فقال لها: يا أماه إصبري فإنك على الحق. ومنهم: يحيى صلى الله عليه وسلم، أخرج الثعلبي في (تفسيره): عن الضحاك أن يحيى صلى الله عليه وسلم تكلم في المهد. قوله: (جاءته أمه)، وفي رواية الكشميهني، فجاءته أمه، وفي رواية مسلم من حديث أبي رافع: كان جريج يتعبد في صومعته فأتته أمه، وفي رواية لأحمد: روى الحديث عمران بن حصين مع أبي هريرة، ولفظه: كانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها، فأتته يوما وهو في صلاته، وفي رواية لأحمد من حديث أبي رافع: فأتته أمه ذات يوم فنادته، فقالت: أي جريج أشرف علي أكلمك أنا أمك.. قوله: (أجيبها أو أصلي)، وفي رواية أبي رافع، فصادفته يصلي فوضعت يدها على حاجبها فقال: يا جريج. فقال: يا رب أمي وصلاتي فاختار صلاته، ورجعت ثم أتته فصادفته يصلي، فقالت: يا جريج أنا أمك فكلمني. وفي حديث عمران بن حصين، رضي الله تعالى عنه، أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات، وفي رواية الأعرج عند الإسماعيلي: فقال: أمي وصلاتي؟ لربي أوثر صلاتي على أمي؟ فإن قلت: الكلام في الصلاة مبطل فكيف هذا؟ قلت: كان الكلام مباحا في الصلاة في شرعهم، وكذلك كان في صدر الإسلام، وقيل: إنه محمول على أنه قاله في نفسه، لا أنه نطق به. قوله: (حتى تريه وجوه المومسات)، وفي رواية الأعرج: حتى تنظر في وجوه المياميس، وفي رواية أبي رافع: حتى تريه المومسة، بالإفراد، وفي حديث عمران: فغضبت فقالت: اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات، وهي جمع مومسة وهي الزانية، وفي رواية الأعرج: فقالت: أبيت أن تطلع علي وجهك؟ لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة، فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها. وفي رواية وهب بن جريج بن حازم عن أبيه: فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج، فقالت بغي منهم: إن شئتم لأفتننه، قالوا: قد شئنا، فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج، وفي حديث عمران بن حصين: أنها كانت بنت ملك القرية، وفي رواية الأعرج: وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم، وفي رواية أبي سلمة: وكان عند صومعته راعي ضأن وراعية معزى فولدت غلاما، فيه حذف تقديره: فحملت حتى انقضت أيامها فولدت. قوله: (من جريج) فيه حذف أيضا تقدير: فسئلت ممن هذا؟ فقالت: من جريج، وفي رواية أبي رافع فقيل لها: ممن هذا؟ فقالت: هو من صاحب الدير، وزاد في رواية أحمد: فأخذت وكان من زنا منهم قتل، فقيل لها: ممن هذا؟ قالت: هو من صاحب الصومعة. وزاد الأعرج: نزل إلي فأصابني، وزاد أبو سلمة لي في روايته: فذهبوا إلى الملك فأخبروه فقال أدركوه فائتوني به قوله وكسروا صومعته). وفي رواية أبي رافع فأقبلوا بفؤسهم ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم، فأقبلوا يهدمون ديره، وفي حديث عمران: فما شعر حتى سمع بالفؤوس في أصل صومعته، فجعل يسألهم: ويلكم ما لكم؟ فلم يجيبوه، فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى. قوله: (فسبوه)، وفي رواية أحمد عن وهب بن جرير: وضربوه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: إنك زنيت بهذه، وفي رواية أبي رافع عنه: فقالوا: أي جريج إنزل فأبى وأخذ يقبل على صلاته، فأخذوا في هدم صومعته، فلما رأى ذلك نزل، فجعلوا في عنقه وعنقها حبلا فجعلوا يطوفون بهما في الناس، وفي رواية أبي سلمة: فقال له الملك:

30
ويحك يا جريج! كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه؟ اذهبوا به فاصلبوه. وفي حديث عمران: فجعلوا يضربونه ويقولون: مراء تخادع الناس بعملك؟ وفي رواية الأعرج: فلما مروا به نحو بيت الزواني خرجن ينظرن، فتبسم، فقالوا: لم يضحك حتى مر بالزواني. قوله: (وتوضأ وصلى)، وفي رواية وهب بن جرير: فقام وصلى ودعا، وفي حديث عمران: قال: فتولوا عني، فتولوا عنه، فصلى ركعتين ثم أتى الغلام، أي: ثم أتى جريج الغلام، فقال له: من أبوك يا غلام؟ قال أنا ابن الراعي، وفي رواية أبي رافع: ثم مسح رأس الصبي، فقال: من أبوك؟ قال: راعي الضأن، وفي رواية عند أحمد: فوضع إصبعه على بطنها، وفي رواية أبي سلمة: فأتى بالمرأة والصبي وفمه في ثديها، فقال له جريج: يا غلام من أبوك؟ فنزع الغلام فاه من الثدي، وقال: أبي راعي الضأن، وفي رواية الأعرج: فلما أدخل على ملكهم قال جريج أين الصبي الذي ولدته؟ فأتي به، فقال له: من أبوك؟ قال: فلان، وسمى أباه، وقد مضى في أواخر الصلاة بلفظ: قال: يابابوس... ومر شرحه هناك. وقال الداودي: هذا اسم الغلام، وفي حديث عمران: ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصنا، ثم أتى الغلام وهو في مهده، فضربه بذلك الغصن، فقال: من أبوك؟ فإن قلت: ما وجه الجمع بين اختلاف هذه الروايات؟ قلت: لا مانع من وقوع الكل، فكل روى بما سمع وما قيل بتعدد القصة فبعيد. قوله: (نبني صومعتك من ذهب، قال: لا إلا من طين). وفي رواية وهب بن جرير: (إبنوها من طين كما كانت)، وفي رواية أبي رافع: (نبني ما هدمناه من ديرك بالذهب والفضة قال: لا، ولكن أعيدوه كما كان، ففعلوا).
ذكر ما يستفاد منه: فيه إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع، لأن إجابة الأم واجبة فلا تترك لأجل النافلة، وقد جاء في حديث يزيد بن حوشب عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه)، أخرجه الحسن بن سفيان. قلت: قال الذهبي: حوشب بن يزيد الفهري مجهول، روى عنه ابنه يزيد في ذكر جريج الراهب، وتمسك بعض الشافعية بظاهر الحديث في جواز قطع الصلاة لإجابة الأم سواء كانت فرضا أو نفلا، والأصح عندهم: أنه على التفصيل، وهو أن الصلاة إن كانت نفلا وعلم تأذي الوالد أو الوالدة وجبت الإجابة، وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة، وإن لم يضق وجبت عند إمام الحرمين، وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع، وعند المالكية: إن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها، وحكى القاضي أبو الوليد: أن ذلك يختص بالأم دون
الأب، وبه قال مكحول، وقيل: لم يقل به من السلف غيره. وفيه: قوة يقين جريج وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق، ولولا صحة رجائه بنطقه لما استنطقه، وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون جريج كان نبيا فتكون معجزة. وفيه: عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما، ولو كان الولد معذورا لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد وفيه صاحب الصدق مع الله تعالى لا تضره الفتن وفيه اثبات الكرامة للأولياء ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم. وفيه: جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن يعلم من نفسه قوة على ذلك. وفيه: أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة، خلافا لمن زعم ذلك، وإنما الذي يختص بهذه الأمة الغرة والتحجيل في الآخرة. وفيه: أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة. وفيه: أن الفزع في الأمور المهمة إلى الله تعالى يكون بالتوجه إليه في الصلاة، واستدل بعضهم بهذا الحديث على أن من شرع بني إسرائيل أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطء، ويلحق به الولد، وأنه لا ينفع الرجل جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها.
قوله: (وكانت امرأة...) إلى آخره، قضية أخرى تشبه قضية جريج (وامرأة) بالرفع فاعل: كانت، وهي تامة. قوله: (فمر بها رجل) ويروى: إذ مر بها راكب جمل، وفي رواية أحمد من خلاس عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه: فارس متكبر. قوله: (ذو شارة)، بالشين المعجمة وبالراء المخففة أي: ذو حسن وجمال، وقيل: صاحب هيئة وملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه، وفي رواية خلاس: (ذو شارة حسنة). قوله: (قال أبو هريرة)، رضي الله تعالى عنه، هو موصول بالإسناد المذكور وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل. قوله: (ثم مر بأمة)، بضم الميم وتشديد الراء على بناء المجهول، وفي رواية أحمد عن وهب بن جرير: (بأمة تضرب)، وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة الآتية في ذكر بني إسرائيل: (تجرر ويلعب بها)، وتجرر بجيم مفتوحة بعدها راء مشددة ثم راء أخرى، وفي رواية خلاس: (أنها كانت حبشية أو زنجية وأنها ماتت، فجروها حتى

31
ألقوها). قوله: (فقالت: لم ذلك؟) أي: قالت الأم لابنها: لم قلت هكذا؟ حاصله أنها سألت منه عن سبب ذلك. قوله: (فقال)، أي: الابن: (الراكب جبار) وفي رواية أحمد، فقال: يا أمتاه! أما الراكب ذو الشارة فجبار من الجبابرة، وفي رواية الأعرج: فإنه كان جبارا، قوله: (سرقت زنيت)، يجوز فيه الوجهان أحدهما بكسر التاء لخطاب المؤنث، والآخر بسكونها على الخبر، وفي رواية أحمد: (يقولون سرقت ولم تسرق، وزنيت ولم تزن، وهي تقول: حسبي الله)، وفي رواية الأعرج: (يقولون لها: تزني؟ وتقول: حسبي الله، ويقولون لها: تسرقي؟ وتقول: حسبي الله). قوله: (ولم تفعل)، جملة حالية أي: والحال أنها لم تسرق ولم تزن.
6343 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي جاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلي فقالت أللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وكان جريج في صومعته فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام قال الراعي قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال أللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديها يمصه قال أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه ثم مر بأمة فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها فقال اللهم اجعلني مثلها فقالت لم ذاك فقال الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأمة يقولون سرقت زنيت ولم تفعل. مطابقته للترجمة يمكن أن توجد من حيث إن الترجمة في قضية ميم وفيها التعرض لميلاد عيسى صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يكلم الناس وهو في المهد صبي، والصبي رضيع، والصبي الذي في قضية جريج كذلك، وكذلك كان صبي المرأة الحرة، وصبي الأمة، وصدر الحديث الذي يشتمل على قضية جريج قد مر في المظالم في: باب إذا هدم حائطا فليبن مثله، بعين هذا الإسناد عن مسلم بن إبراهيم، ومر أيضا في أواخر كتاب الصلاة في: باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة، وقد مر الكلام فيه هناك، ولنشرح الذي ما شرح، ونكرر ما شرح أيضا في بعض المواضع لطول العهد به.
قوله: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)، قال القرطبي: في هذا الحصر نظر. قلت: ليس من الأدب أن يقال: في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، نظر، بل الذي يقال فيه: أنه صلى الله عليه وسلم، ذكر الثلاثة قبل أن يعلم بالزائد عليها، فكان المعنى لم يتكلم إلا ثلاثة على ما أوحي إليه، وإلا فقد تكلم من الأطفال سبعة. منهم: شاهد يوسف صلى الله عليه وسلم، رواه أحمد والبزار والحاكم وابن حبان من حديث ابن عباس: لم يتكلم في المهد إلا أربعة، فذكر منها شاهد يوسف صلى الله عليه وسلم. ومنهم: الصبي الرضيع الذي قال لأمه، وهي ماشطة بنت فرعون، لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار: إصبري يا أماه فأنا على الحق. أخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة. ومنهم: الصبي الرضيع في قصة أصحاب الأخدود: أن امرأة جيء بها لتلقى في النار، فتقاعست فقال لها: يا أماه إصبري فإنك على الحق. ومنهم: يحيى صلى الله عليه وسلم، أخرج الثعلبي في (تفسيره): عن الضحاك أن يحيى صلى الله عليه وسلم تكلم في المهد. قوله: (جاءته أمه)، وفي رواية الكشميهني، فجاءته أمه، وفي رواية مسلم من حديث أبي رافع: كان جريج يتعبد في صومعته فأتته أمه، وفي رواية لأحمد: روى الحديث عمران بن حصين مع أبي هريرة، ولفظه: كانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها، فأتته يوما وهو في صلاته، وفي رواية لأحمد من حديث أبي رافع: فأتته أمه ذات يوم فنادته، فقالت: أي جريج أشرف علي أكلمك أنا أمك.. قوله: (أجيبها أو أصلي)، وفي رواية أبي رافع، فصادفته يصلي فوضعت يدها على حاجبها فقال: يا جريج. فقال: يا رب أمي وصلاتي فاختار صلاته، ورجعت ثم أتته فصادفته يصلي، فقالت: يا جريج أنا أمك فكلمني. وفي حديث عمران بن حصين، رضي الله تعالى عنه، أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات، وفي رواية الأعرج عند الإسماعيلي: فقال: أمي وصلاتي؟ لربي أوثر صلاتي على أمي؟ فإن قلت: الكلام في الصلاة مبطل فكيف هذا؟ قلت: كان الكلام مباحا في الصلاة في شرعهم، وكذلك كان في صدر الإسلام، وقيل: إنه محمول على أنه قاله في نفسه، لا أنه نطق به. قوله: (حتى
تريه وجوه المومسات)، وفي رواية الأعرج: حتى تنظر في وجوه المياميس، وفي رواية أبي رافع: حتى تريه المومسة، بالإفراد، وفي حديث عمران: فغضبت فقالت: اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات، وهي جمع مومسة وهي الزانية، وفي رواية الأعرج: فقالت: أبيت أن تطلع علي وجهك؟ لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة، فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها. وفي رواية وهب بن جريج بن حازم عن أبيه: فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج، فقالت بغي منهم: إن شئتم لأفتننه، قالوا: قد شئنا، فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج، وفي حديث عمران بن حصين: أنها كانت بنت ملك القرية، وفي رواية الأعرج: وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم، وفي رواية أبي سلمة: وكان عند صومعته راعي ضأن وراعية معزى فولدت غلاما، فيه حذف تقديره: فحملت حتى انقضت أيامها فولدت. قوله: (من جريج) فيه حذف أيضا تقدير: فسئلت ممن هذا؟ فقالت: من جريج، وفي رواية أبي رافع فقيل لها: ممن هذا؟ فقالت: هو من صاحب الدير، وزاد في رواية أحمد: فأخذت وكان من زنا منهم قتل، فقيل لها: ممن هذا؟ قالت: هو من صاحب الصومعة. وزاد الأعرج: نزل إلي فأصابني، وزاد أبو سلمة لي في روايته: فذهبوا إلى الملك فأخبروه فقال أدركوه فائتوني به قوله وكسروا صومعته). وفي رواية أبي رافع فأقبلوا بفؤسهم ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم، فأقبلوا يهدمون ديره، وفي حديث عمران: فما شعر حتى سمع بالفؤوس في أصل صومعته، فجعل يسألهم: ويلكم ما لكم؟ فلم يجيبوه، فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى. قوله: (فسبوه)، وفي رواية أحمد عن وهب بن جرير: وضربوه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: إنك زنيت بهذه، وفي رواية أبي رافع عنه: فقالوا: أي جريج إنزل فأبى وأخذ يقبل على صلاته، فأخذوا في هدم صومعته، فلما رأى ذلك نزل، فجعلوا في عنقه وعنقها حبلا فجعلوا يطوفون بهما في الناس، وفي رواية أبي سلمة: فقال له الملك: ويحك يا جريج! كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه؟ اذهبوا به فاصلبوه. وفي حديث عمران: فجعلوا يضربونه ويقولون: مراء تخادع الناس بعملك؟ وفي رواية الأعرج: فلما مروا به نحو بيت الزواني خرجن ينظرن، فتبسم، فقالوا: لم يضحك حتى مر بالزواني. قوله: (وتوضأ وصلى)، وفي رواية وهب بن جرير: فقام وصلى ودعا، وفي حديث عمران: قال: فتولوا عني، فتولوا عنه، فصلى ركعتين ثم أتى الغلام، أي: ثم أتى جريج الغلام، فقال له: من أبوك يا غلام؟ قال أنا ابن الراعي، وفي رواية أبي رافع: ثم مسح رأس الصبي، فقال: من أبوك؟ قال: راعي الضأن، وفي رواية عند أحمد: فوضع إصبعه على بطنها، وفي رواية أبي سلمة: فأتى بالمرأة والصبي وفمه في ثديها، فقال له جريج: يا غلام من أبوك؟ فنزع الغلام فاه من الثدي، وقال: أبي راعي الضأن، وفي رواية الأعرج: فلما أدخل على ملكهم قال جريج أين الصبي الذي ولدته؟ فأتي به، فقال له: من أبوك؟ قال: فلان، وسمى أباه، وقد مضى في أواخر الصلاة بلفظ: قال: يابابوس... ومر شرحه هناك. وقال الداودي: هذا اسم الغلام، وفي حديث عمران: ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصنا، ثم أتى الغلام وهو في مهده، فضربه بذلك الغصن، فقال: من أبوك؟ فإن قلت: ما وجه الجمع بين اختلاف هذه الروايات؟ قلت: لا مانع من وقوع الكل، فكل روى بما سمع وما قيل بتعدد القصة فبعيد. قوله: (نبني صومعتك من ذهب، قال: لا إلا من طين). وفي رواية وهب بن جرير: (إبنوها من طين كما كانت)، وفي رواية أبي رافع: (نبني ما هدمناه من ديرك بالذهب والفضة قال: لا، ولكن أعيدوه كما كان، ففعلوا).

32
ذكر ما يستفاد منه: فيه إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع، لأن إجابة الأم واجبة فلا تترك لأجل النافلة، وقد جاء في حديث يزيد بن حوشب عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه)، أخرجه الحسن بن سفيان. قلت: قال الذهبي: حوشب بن يزيد الفهري مجهول، روى عنه ابنه يزيد في ذكر جريج الراهب، وتمسك بعض الشافعية بظاهر الحديث في جواز قطع الصلاة لإجابة الأم سواء كانت فرضا أو نفلا، والأصح عندهم: أنه على التفصيل، وهو أن الصلاة إن كانت نفلا وعلم تأذي الوالد أو الوالدة وجبت الإجابة، وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة، وإن لم يضق وجبت عند إمام الحرمين، وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع، وعند المالكية: إن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها، وحكى القاضي أبو الوليد: أن ذلك يختص بالأم دون الأب، وبه قال مكحول، وقيل: لم يقل به من السلف غيره. وفيه: قوة يقين جريج وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق، ولولا صحة رجائه بنطقه لما استنطقه، وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون جريج كان نبيا فتكون معجزة. وفيه: عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما، ولو كان الولد معذورا لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد وفيه صاحب الصدق مع الله تعالى لا تضره الفتن وفيه اثبات الكرامة للأولياء ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم. وفيه: جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن يعلم من نفسه قوة على ذلك. وفيه: أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة، خلافا لمن زعم ذلك، وإنما الذي يختص بهذه الأمة الغرة والتحجيل في الآخرة. وفيه: أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة. وفيه: أن الفزع في الأمور المهمة إلى الله تعالى يكون بالتوجه إليه في الصلاة، واستدل بعضهم بهذا الحديث على أن من شرع بني إسرائيل أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطء، ويلحق به الولد، وأنه لا ينفع الرجل جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها.
قوله: (وكانت امرأة...) إلى آخره، قضية أخرى تشبه قضية جريج (وامرأة) بالرفع فاعل: كانت، وهي تامة. قوله: (فمر بها رجل) ويروى: إذ مر بها راكب جمل، وفي رواية أحمد من خلاس عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه: فارس متكبر. قوله: (ذو شارة)، بالشين المعجمة وبالراء المخففة أي: ذو حسن وجمال، وقيل: صاحب هيئة وملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه، وفي رواية خلاس: (ذو شارة حسنة). قوله: (قال أبو هريرة)، رضي الله تعالى عنه، هو موصول بالإسناد المذكور وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل. قوله: (ثم مر بأمة)، بضم الميم وتشديد الراء على بناء المجهول، وفي رواية أحمد عن وهب بن جرير: (بأمة تضرب)، وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة الآتية في ذكر بني إسرائيل: (تجرر ويلعب بها)، وتجرر بجيم مفتوحة بعدها راء مشددة ثم راء أخرى، وفي رواية خلاس: (أنها كانت حبشية أو زنجية وأنها ماتت، فجروها حتى ألقوها). قوله: (فقالت: لم ذلك؟) أي: قالت الأم لابنها: لم قلت هكذا؟ حاصله أنها سألت منه عن سبب ذلك. قوله: (فقال)، أي: الابن: (الراكب جبار) وفي رواية أحمد، فقال: يا أمتاه! أما الراكب ذو الشارة فجبار من الجبابرة،
وفي رواية الأعرج: فإنه كان جبارا، قوله: (سرقت زنيت)، يجوز فيه الوجهان أحدهما بكسر التاء لخطاب المؤنث، والآخر بسكونها على الخبر، وفي رواية أحمد: (يقولون سرقت ولم تسرق، وزنيت ولم تزن، وهي تقول: حسبي الله)، وفي رواية الأعرج: (يقولون لها: تزني؟ وتقول: حسبي الله، ويقولون لها: تسرقي؟ وتقول: حسبي الله). قوله: (ولم تفعل)، جملة حالية أي: والحال أنها لم تسرق ولم تزن.
7343 حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر. حدثني محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به لقيت موسى قال فنعته فإذا رجل حسبته قال مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة قال ولقيت عيسى فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني الحمام ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به قال وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي هديت الفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيها التعرض لعيسى، عليه الصلاة والسلام، وهنا صرح بذكر عيسى، عليه الصلاة والسلام.
والحديث مضى عن قريب في: باب قول الله تعالى: * (وهل أتاك حديث موسى) * (طه: 9، النازعات: 51). فإنه إخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى أيضا. وأخرجه ههنا من طريقين. أحدهما: عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن معمر. والآخر: عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن مسلم الزهري... إلى آخره.
قوله: (فنعته)، أي: وصفه. قوله: (حسبته) القائل حسبته هو عبد الرزاق. قوله: (مضطرب)، أي: طويل غير الشديد، وقيل: الخفيف اللحم، وقد تقدم في رواية هشام بلفظ: ضرب، وفسر بالخفيف ولا منافاة بينهما، وقال ابن التين: هذا الوصف مغاير لقوله بعد هذا: إنه جسيم، قال: والذي وقع نعته بأنه جسيم إنما هو الدجال، وقال عياض: رواية من قال: ضرب، أصح من رواية من قال: مضطرب، لما فيها من الشك، قال: وقد وقع في رواية أخرى على ما يأتي الآن: جسيم، وهو ضد الضرب إلا أن يراد بالجسيم الزيادة في الطول، وقال التيمي: لعل بعض لفظ هذا الحديث دخل في بعض لأن الجسيم ورد في صفة الدجال لا في صفة موسى، عليه الصلاة والسلام. قوله: (ربعة)، بفتح الراء وسكون الباء الموحدة، ويجوز فتحها، وهو المربوع والمراد أنه وسط لا طويل ولا قصير.
8343 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل أخبرنا عثمان بن المغيرة عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عيساى وموسى وإبراهيم فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط.
مطابقته للترجمة في ذكر لفظ عيسى، عليه الصلاة والسلام، وإسرائيل هو ابن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي، وعثمان هو ابن المغيرة الثقفي الكوفي الأعشى، ويقال له: عثمان بن أبي زرعة، وأبو زرعة هو كنية المغيرة، وهو من أفراد البخاري من صغار التابعين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وهو يروي عن مجاهد عن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وقال أبو مسعود الحافظ: أخطأ البخاري في قوله: مجاهد عن ابن عمر، وإنما رواه محمد بن كثير وإسحاق فإنه قال هكذا وقع في جميع الروايات المسموعة عن مجاهد عن ابن عمر قال ولا أدري إلى آخر ما قاله التيمي ثم قال أبو ذر

32
ابن منصور السلولي وابن أبي زائدة ويحيى بن آدم وغيرهم عن إسرائيل عن عثمان عن مجاهد عن ابن عباس، وقال الغساني: أخطأ البخاري فيما قال: عن مجاهد عن ابن عمر، والصواب: عن مجاهد عن ابن عباس، وقال التيمي: قال بعضهم: لا أدري أهكذا حدث به البخاري أو غلط فيه الفربري، لأن المحفوظ رواية ابن كثير عن مجاهد عن ابن عباس. قلت: أراد التيمي من قوله: قال بعضهم، أبا ذر: لأني رأيت في جميع الطرق عن محمد بن كثير وغيره عن مجاهد عن ابن عباس، والذي يظهر من كلامهم أن الصواب: مجاهد عن ابن عباس، وكذا قال ابن منده بعد أن أخرج الحديث المذكور، والصواب: عن ابن عباس، وقال بعضهم: ويقع في خاطري أن الوهم فيه من غير البخاري فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق نصر بن علي عن أبي أحمد، وقال فيه: عن ابن عباس ولم ينبه على أن البخاري قال فيه: عن ابن عمر، فلو كان وقع له كذلك لنبه عليه كعادته. انتهى. قلت: لا يلزم من عدم تنبيهه على هذا أن يكون الوهم فيه من غير البخاري، إذ البخاري غير معصوم. قوله: (جعد)، أي: جعد الشعر وهو ضد السبط لأن السبط أكثر ما في شعور العجم. قوله: (آدم) أي: أسمر. قوله: (جسيم)، وقد مر فيما مضى: أنه ضرب، أي: خفيف اللحم وأنه مضطرب، فهذا يضاد قوله: جسيم، ولهذا قال التيمي: كأن بعض لفظ الحديث دخل في بعض، لأن الجسيم إنما ورد في صفة الدجال، والجواب عنه: أن الجسامة كما تكون في الشخص باعتبار السمن تكون فيه أيضا باعتبار الطول، ولهذا قال: (كأنه من رجال الزط) لأن الزط، بضم الزاي وتشديد الطاء المهملة: جنس من السودان طوال.
9343 حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أبو ضمرة حدثنا موسى عن نافع قال عبد الله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية. وأراني الليلة عند الكعبة في المنام فإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من أدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت فقلت من هذا فقالوا هذا المسيح بن مريم ثم رأيت رجلا وراءه جعدا قططا أعور عين اليمنى كأشبه من رأيت بابن قطن واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت فقلت من هاذا قالوا المسيح الدجال.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة على ما ذكرنا. وأبو ضمرة، بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم: واسمه أنس بن عياض، وموسى هو ابن عقبة.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن المسيبي عن أنس بن عياض، وفي الفتن عن محمد ابن عماد.
قوله: (بين ظري الناس)، ويروى: ظهراني الناس بزيادة النون أي: جالسا في وسط الناس، والمراد أنه جلس بينهم مستظهرا لا مستخفيا، وقد مر تفسير هذا غير مرة، ويقال: إن هذه اللفظة زائدة. قوله: (ألا أن المسيح)، كلمة ألا، للتنبيه كأنه ينبه السامعين ليكونوا على ضبط من سماع كلامه. قوله: (أعور العين اليمنى)، عين الجثة أو الجهة اليمنى، وفي رواية ابن ماجة عن حذيفة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: الدجال أعور عين اليسرى، والجمع بينهما أن يقدر فيها أن إحدى عينيه ذاهبة والأخرى معيبة، فيصح أن يقال لكل واحدة: عوراء، إذ الأصل في العور العيب. قوله: (كأن عينه عنبة طافية)، الطافية الناتئة عن حد أختها من الطفو، وهو أن يعلو الماء ما وقع فيه ويقال: طافئة، بالهمز أي: ذاهب ضوؤها، وبدون الهمز: أي ناتئة بارزة، وقال الخطابي: العنبة الطافية هي الحبة الكبيرة التي خرجت عن حد أخواتها. قلت: طافية بلا همز من طفا الشيء يطفو من باب معتل اللام الواوي وبالهمزة: من طفأ يطفأ من باب علم يعلم، يقال: طفئت النار تطفأ طفؤا، وأطفأتها أنا. فإن قلت: جاء في رواية: أنه جاحظ العين كأنها كوكب، وفي

33
أخرى: أنها ليست بناتئة ولا حجراء، بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم، قال الهروي: كانت اللفظة محفوظة فمعناها أنها ليست بصلبة متحجرة، وقد رويت: جحراء، بتقديم الجيم، أي: غائرة متجحرة في نقرتها، وقال الأزهري: هي بالخاء المعجمة دون الحاء، وبالجيم في أوله، ومعناها: الضيقة التي لها غمص ورمص، وفي رواية أبي داود الطيالسي من حديث أبي بن كعب: إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء، وعن ابن عمر: إحدى عينيه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة. قلت: التوفيق بينهما بأن يقال: إن اختلاف الأوصاف بحسب اختلاف العينين. قوله: (وأراني) بفتح الهمزة، أي: أرى نفسي الليلة، أي: في الليلة. قوله: (آدم)، بالمد لأنه أفعل من الأدمة، وهي السمرة الشديدة. قوله: (ومن أدم الرجال)، بضم الهمزة جمع: أدم. قوله: (لمته)، بكسر اللام: وهي الشعر إذا جاوز شحم الأذنين، سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين فإذا بلغت المنكبين فهي جمة، وإذا قصرت عنهما فهي وفرة. قوله: (رجل الشعر)، بكسر الجيم بمعنى: منظف الشعر ومسرحه، ومحسنه، وهو من الترجيل وهو تسريح الشعر وتنظيفه، وفي رواية مالك: له لمة قد رجلها فهي تقطر ماء. قوله: (تقطر رأسه ماء)، وهو الماء الذي رجلها به لقرب ترجيله، أو هو استعارة من نضارته وجماله. قوله: (جعدا)، قد ذكرنا أن الجعودة تحتمل الذم والمدح بحسب الاستعمال، وهو في صفة عيسى مدح، وفي صفة الدجال ذم. قوله: (قططا)، بفتح القاف والطاء المهملتين وقد تكسر الطاء الأولى، والمراد به: شدة جعودة الشعر. قوله: (أعور عين اليمنى) من باب إضافة الموصوف إلى صفته، وهو عند الكوفيين ظاهر، وعند البصريين تقديره: عين صفحة وجهه اليمنى. قوله: (كأشبه من رأيت)، بضم التاء وفتحها. قوله: (بابن قطن)، بفتح القاف والطاء: واسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو الجاهلي الخزاعي، وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد، وكانت عند الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس فولدت له أبا العاص، ثم خلف عليها بعده أخوه ربيعة بن عبد العزى، ثم خلف عليها وهب بن عبد فولدت له أولادا، ثم خلف عليها قطن بن عمرو بن حبيب بن سعد بن عائذ بن مالك بن جذيمة وهو المصطلق فولدت له عبد العزى بن قطن. قوله: (واضعا يديه)، نضب على الحال.
تابعه عبيد الله عن نافع
أي: تابع موسى بن عقبة عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر، ووصل هذه المتابعة مسلم من طريق أبي أسامة ومحمد بن بشر جميعا عن عبيد الله بن عمر في ذكر الدجال فقط إلى قوله: عنبة طافية، ولم يذكر ما بعده.
1443 حدثنا أحمد بن محمد المكي قال سمعت إبراهيم بن سعد قال حدثني الزهري عن سالم عن أبيه قال ل ا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر ولكن قال بينما أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر يهادى بين رجلين ينطف رأسه ماء أو يهراق رأسه ماء فقلت من هاذا قالوا ابن مريم فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور عينه اليمنى كأن عينه عنبة طافية قلت من هاذا قالوا هذا الدجال وأقرب الناس به شبها ابن قطن قال الزهري رجل من خزاعة هلك في الجاهلية.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (ابن مريم). وأحمد بن محمد بن الوليد أبو محمد الأزرقي المكي وهو من أفراده، وإبراهيم بن سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم، يروي عن أبيه عبد الله بن عمر. وهذا الحديث من أفراده. قوله: (قال)، أي: قال عبد الله بن عمر. قوله: (لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم) أي: ليس الأمر كما زعمتم أنه، صلى الله عليه وسلم، قال في صفة عيسى، عليه الصلاة والسلام: أحمر، ولكن قال... إلى آخره. وفيه: جواز اليمين على غلبة الظن، لأن ابن عمر ظن أن الوصف اشتبه على الراوي، وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجال لا عيسى،

34
عليه الصلاة والسلام، وقرب ذلك أن كلا منهما يقال له: المسيح، وهي صفة مدح في حق عيسى، عليه الصلاة والسلام، وصفة ذم في حق الدجال كما ذكر، وكأن ابن عمر قد تحقق سمعه في وصف عيسى بأنه آدم فجوز الحلف على غلبة الظن، وأن من وصفه بأنه أحمر قد وهم فيه. قوله: (بينا أنا نائم)، قد ذكرنا غير مرة أن أصل: بينا، بين فأشبعت الفتحة ألفا، وأنه ظرف مضاف إلى جملة، وهذا يدل على أن رؤيته، صلى الله عليه وسلم، في هذه المرة غير رؤيته التي ذكر في حديث أبي هريرة الذي مضى عن قريب في هذا الباب، فإن تلك كانت ليلة الإسراء. فإن قلت: التي كانت في الإسراء على الاختلاف في الإسراء: هل كان في النوم أو في اليقظة؟ قلت: قد قيل: إنه كان في المنام، ولكن الصحيح أن الإسراء كان في اليقظة، وأن رؤيته الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، كانت في ليلة الإسراء، كانت بالأشخاص، وإن زعم بعضهم أنها كانت بالأرواح. فإن قلت: إذا كانت الرؤية في المنام فلا إشكال، وإذا كانت في اليقظة ففيه إشكال، ويزيد الإشكال ما رواه مجاهد
عن ابن عباس: (أما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي)، وقد تقدم في الحج، وكذلك رؤيته صلى الله عليه وسلم، موسى ليلة المعراج وهو يصلي في قبره. قلت: لا إشكال في هذا أصلا، وذلك أن الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام أفضل من الشهداء، والشهداء أحياء عند ربهم، فالأنبياء بالطريق الأولى، ولا سيما في حديث ابن عباس عند مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى موسى، وكأني أنظر إلى يونس، فإذا كان الأمر كذلك فلا يبعد أن يصلوا ويحجوا ويتقربوا إلى الله تعالى بما استطاعوا ما دامت الدنيا وهي دار التكليف باقية. قوله: (يهادى بين رجلين) أي: يمشي بينهما مائلا إلى أحد الطرفين متكئا عليهما. قوله: (ينطف)، بكسر الطاء وضمها أي: يقطر (ورأسه) بالرفع فاعل له، وقوله: (ماء)، يصب على التمييز. قوله: (أو يهراق)، شك من الراوي، وهو بضم الياء وفتح الهاء وسكونها. قوله: (أعور عينه اليمنى)، بإضافة أعور إلى عينه من إضافة الموصوف إلى صفته، كما ذكرناه عن قريب، وارتفاع: أعور، على أنه صفة لقوله: رجل بعد صفة، وروى الأصيلي برفع: عينه، بقطع إضافة أعور عنه، وذكر بعضهم وجه ذلك بقوله: كأنه وقف على وصفه بأنه أعور، وابتدأ الخبر عن صفة عينه، فقال: عينه كأنها كذا، وأبرز الضمير، وفيه نظر، لأنه يصير كأنه قال عينه كان عينه انتهى قلت لا حاجة إلى هذا التخبيط حيث يذكر وجها في إعرابه ثم يقول وفيه نظروالذي يقال فيه على ما ذهب إليه الأصيلي أن تكون: عينه، بالرفع بدل من قوله: أعور، ويجوز أن يكون ارتفاعه على أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره: عينه اليمنى عوراء، وتكون هذه الجملة صفة كاشفة لقوله: أعور. قوله: (كأن عينه عنبة طافية)، هذا على رواية الأكثرين على أن عينه منصوبة على أنه اسم: كان. وقوله: عنبة، خبره، وهو بكسر العين وفتح النون والباء الموحدة، و: طافية، صفتها، أي: مرتفعة، وعند الأصيلي: كأن عينه طافية، ويروى: كأن عنبة طافية، بالنصب على أنه اسم: كأن، والخبر محذوف تقديره: كأن في وجهه عنبة طافية، والخبر مقدم على الاسم. قوله: (هذا الدجال). فإن قلت: كيف هذا ويحرم على الدجال دخول مكة؟ قلت: ذاك في زمن خروجه على الناس، وأيضا لفظ الحديث أنه: لا يدخل مكة، وليس فيه نفي الدخول في الماضي. قوله: (قال الزهري)، هو محمد بن مسلم، وهو بالإسناد المذكور. قوله: (رجل)، أي: ابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية، و: خزاعة، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين المهملة هو: ربيعة، وربيعة هو لحي بن حارثة بن عمرو بن مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة ابن مازن بن الأزد، وقيل لهم: خزاعة لأنهم تخزعوا من بني مازن بن الأزد في إقبالهم معهم من اليمن، أي: انقطعوا عنهم. قوله: (جاهلي)، نسبة إلى الجاهلية، وهي الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك.
2443 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء

35
أولاد علات ليس بيني وبينه نبي. (الحديث 2443 طرفه في: 3443).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (بابن مريم). ورجاله بهذا النسق قد ذكروا غير مرة، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. والحديث من أفراده.
قوله: (أنا أولى الناس بابن مريم) أي: بعيسى ابن مريم، أي: أخص الناس به وأقربهم إليه لأنه بشر بأنه يأتي من بعدي رسول اسمه أحمد، وقيل: لأنه لا نبي بينهما، فكأنهما كانا في زمن واحد، وفيه نظر، وقال الكرماني: فإن قلت: ما التوفيق بينه وبين قوله تعالى: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي) * (آل عمران: 86). قلت: الحديث وارد في كونه صلى الله عليه وسلم متبوعا، والقرآن في كونه تابعا، وله الفضل تابعا ومتبوعا. انتهى. وقال بعضهم: مساق الحديث كمساق الآية، فلا دليل على هذه التفرقة، والحق أنه لا منافاة ليحتاج إلى الجمع، فكما أنه أولى الناس بإبراهيم، كذلك هو أولى الناس بعيسى، وذلك من جهة قوة الاقتداء به، وهذا من جهة قرب العهد به. انتهى. قلت:
. قوله: (علات)، بفتح العين المهملة وتشديد اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق وهم الأخوة لأب من أمهات شتى، كما أن الأخوة من الأم فقط أولاد أخياف، والأخوة من الأبوين أولاد أعيان، ومعناه: أن أصولهم واحدة وفروعهم مختلفة يعني: أنهم متفقون فيما يتعلق بالاعتقاديات المسماة بأصول الديانات كالتوحيد وسائر مسائل علم الكلام، مختلفون فيما يتعلق بالعمليات وهي الفقهيات، ويقال: سميت أولاد الرجل من نسوة شتى: أخوة علات، لأنهم أولاد ضرائر، والعلات الضرائر، وقيل: لأن التي تزوجها على الأولى كانت قبلها ثم عل من هذه، والعلل الشرب الثاني، يقال: علل بعد نهل، وفي (التهذيب): هما أخوان من علة، وهما ابنا علة، وهم بنو علة، وهم من علات. وفي (المحكم): جمع العلة العلائل. قوله: (ليس بيني وبينه نبي) أي: وبين ابن مريم، وفي رواية عبد الرحمن بن آدم: وأنا أولى الناس بعيسى، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وبه استدل قوم على أنه لم يأت نبي بعد عيسى، عليه الصلاة والسلام، إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وليس الاستدلال به قويا، لأنه قد جاء بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم جرجيس وخالد بن سنان وكانا نبيين، فعلى هذا معنى الحديث: ليس بيني وبينه نبي بشريعة مستقلة، وقيل: ما ورد من خبر جرجيس وخالد لم يثبت، والحديث الصحيح يرده.
3443 حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح بن سليمان حدثنا هلال بن علي عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد. (انظر الحديث 2443).
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة السابق أخرجه عن محمد بن سنان بن أبي بكر الباهلي البصري الأعمى عن فليح، بضم الفاء: ابن سليمان، وفليح لقبه واسمه:
عبد الملك عن هلال بن علي بن أسامة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، واسم أبي عمرة: بشير بن عمرو بن محصن، قتل مع علي، رضي الله تعالى عنه، يوم صفين وله صحبة.
قوله: (ودينهم واحد)، أي: التوحيد دون الفروع للاختلاف فيها، قال تعالى: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * (المائدة: 84). ويقال: دينهم أي: أصول الدين وأصول الطاعات واحد، والكيفيات والكميات في الطاعة مختلفة.
وقال إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة، وهو معلق وصله النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري أبي عبد الله عن إبراهيم بن طهمان، وأحمد هذا من شيوخ البخاري.
4443 وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي

36
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق فقال له سرقت قال كلا والله الذي لا إله إلا هو فقال عيسى آمنت بالله وكذبت عيني.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وهمام، بتشديد الميم: ابن منبه.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن رافع.
قوله: (سرقت)، قال القرطبي: ظاهر هذا أنه خبر جازم عما فعل الرجل من السرقة، لأنه رآه أخذ مالا من حرز في خفية، وقيل: يحتمل أن يكون مستفهما له عن تحقيق ذلك، فحذف همزة الاستفهام. قلت: رأيت في بعض النسخ الصحيحة: أسرقت؟ بهمزة الاستفهام، ورد بأنه بعيد مع جزم النبي صلى الله عليه وسلم، بأن عيسى رأى رجلا يسرق، وقيل: يحتمل حل الأخذ لهذا الرجل بوجه من الوجوه، ورد بالجزم المذكور. قوله: (كلا)، نفي للسرقة، ثم أكده بقوله: (والله الذي لا إله إلا هو)، هكذا رواية الكشميهني: إلا هو، وفي رواية غيره: إلا الله، وفي رواية ابن طهمان عند النسائي، قال: لا والذي لا إله إلا هو. قوله: (آمنت بالله) أي: صدقت من حلف بالله وكذبت ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقة، فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ماله فيه حق أو ما أذن له صاحبه في أخذه، أو أخذه ليقلبه وينظر فيه، ولم يقصد الغصب والاستيلاء. قوله: (وكذبت عيني)، وفي رواية مسلم: وكذبت نفسي، وفي رواية ابن طهمان: وكذبت بصري، وقال ابن التين: قال عيسى ذلك على المبالغة في تصديق الحالف، وقيل: أراد بالتصديق والتكذيب ظاهر الحكم لا باطن الأمر، وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين، فكيف يصدق عينه أو يكذب قول المدعي؟.
وفيه: دليل على درء الحد بالشبهة، وعلى منع القضاء بالعلم. والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقا، وعند الشافعية جوازه إلا في الحدود.
5443 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يقول أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس سمع عمر رضي الله تعالى عنه يقول على المنبر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله..
مطابقته للترجمة في قوله: (ابن مريم) عليهما السلام. والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده، وسفيان هو ابن عيينة، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود.
والحديث طرف من حديث السقيفة. وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع وسعيد بن عبد الرحمن وغيرهما، كلهم عن سفيان بن عيينة.
قوله: (لا تطروني)، بضم التاء، من الإطراء وهو المديح بالباطل، تقول: أطريت فلانا: مدحته فأفرطت في مدحه. وقيل: الإطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه. قوله: (كما أطرت النصارى)، أي: في دعواهم في عيسى بالإل
1764; هية وغير ذلك. قوله: (فإنما أنا عبده...) إلى آخره من هضمه نفسه وإظهاره التواضع.
6443 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا صالح بن حي أن رجلا من أهل خراسان قال ل لشعبي فقال الشعبي أخبرني أبو بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدب الرجل أمته فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها كان له أجران وإذا آمن بعيسى ثم آمن بي فله أجران والعبد إذا اتقى ربه وأطاع مواليه فله أجران..
مطابقته للترجمة في قوله: (وإذا آمن بعيسى). وعبد الله هو ابن المبارك، وصالح بن حي بن صالح بن مسلم الهمداني، والشعبي هو عامر بن شراحيل، وأبو بردة، بضم الباء الموحدة: اسمه الحارث، وقيل غير ذلك، وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
والحديث قد مر في كتاب العلم في: باب تعليم الرجل أمته وفي العتق وفي الجهاد، ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: (من أهل

37
خراسان)، وهو الإقليم العظيم المعروف بموطن الكثير من علماء المسلمين. قوله: (قال للشعبي، فقال الشعبي) فيه السؤال محذوف وقد بينه في رواية ابن حبان بن موسى عن ابن المبارك، فقال: إن رجلا من أهل خراسان قال للشعبي: إنا نقول عندنا: إن الرجل إذا أعتق أم ولده ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته، فقال الشعبي... فذكر الحديث.
7443 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
تحشرون حفاة عراة غرلا ثم قرأ كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين فأول من يكساى إبراهيم ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح عيساى بن مريم * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد) * إلى قوله * (العزيز الحكيم) *. (المائدة: 611 811)..
مطابقته للترجمة في قوله: (عيسى ابن مريم). والحديث مر عن قريب في: باب قول الله تعالى: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 521). فإنه أخرجه هناك: عن محمد بن كثير عن سفيان... إلى آخره نحوه، ومضى الكلام فيه هناك.
قال محمد بن يوسف الفربري ذكر عن أبي عبد الله عن قبيصة قال: هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه
محمد بن يوسف هو الفربري. وأبو عبد الله هو البخاري نفسه، وقبيصة هو ابن عقبة أحد مشايخ البخاري، وهذا التعليق أسنده الإسماعيلي عن إبراهيم بن موسى الجرجاني عن إسحاق عن قبيصة عن سفيان الثوري عن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس... الحديث، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
94
((باب نزول عيساى بن مريم عليهما السلام))
أي: هذا باب في بيان نزول عيسى بن مريم، عليهما الصلاة والسلام، يعني: في آخر الزمان، وكذا هو بلفظ: باب، في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر بغير لفظ: باب.
8443 حدثنا إسحااق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ثم يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه واقرؤا إن شئتم * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) * (النساء: 951).
مطابقته للترجمة ظاهرة، و إسحاق هو ابن راهويه وعن أبي علي الجياني: إسحاق إما ابن راهويه وإما ابن منصور، ويعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن أبيه إبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم المذكور، و صالح هو ابن كيسان مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مر في أواخر البيوع في: باب قتل الخنزير... إلى قوله: حتى لا يقبله أحد، ومر الكلام فيه، ولنشرح ما بقي منه.
قوله: (والذي نفسي بيده)، فيه الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده. قوله: (ليوشكن)، بكسر الشين المعجمة وهو من أفعال المقاربة، ومعناه: ليقربن سريعا.

38
قوله: (فيكم)، خطاب لهذه الأمة. قوله: (حكما)، أي: حاكما بهذه الشريعة، فإن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم لا تنسخ، وفي رواية الليث ابن سعد عند مسلم: حكما مقسطا، وله في رواية: إماما مقسطا، أي: عادلا، والقاسط الجائر. قوله: (ويقتل الخنزير)، ووقع في رواية الطبراني، ويقتل الخنزير والقردة. قوله: (ويضع الجزية)، هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: ويضع الحرب، والمعنى: أن الدين يصير واحدا، لأن عيسى، عليه الصلاة والسلام، لا يقبل إلا الإسلام. فإن قلت: وضع الجزية مشروع في هذه الأمة فلم لا يكون المعنى: تقرر الجزية على الكفار من غير محاباة، فلذلك يكثر المال؟ قلت: مشروعية الجزية مقيدة بنزول عيسى، عليه الصلاة والسلام، وقد قلنا أن عيسى عليه الصلاة والسلام لا يقبل إلا الإسلام وقال ابن بطال وإنما قبلناها قبل نزول عيسى عليه الصلاة والسلام للحاجة إلى المال بخلاف زمن عيسى، عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يحتاج فيه إلى المال، فإن المال يكثر حتى لا يقبله أحد. قوله: (ويفيض المال)، بفتح الياء وكسر الفاء وبالضاد المعجمة، أي: يكثر، وأصله من فاض الماء، وفي رواية عطاء بن مينا: وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد، وسببه كثرة المال ونزول البركات وتوالي الخيرات بسبب العدل وعدم الظلم، وحينئذ تخرج الأرض كنوزها وتقل الرغبات في اقتناء المال لعلمهم بقرب الساعة. قوله: (حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها) لأنهم حينئذ لا يتقربون إلى الله إلا بالعبادات لا بالتصدق بالمال. فإن قلت: السجدة الواحدة دائما خير من الدنيا وما فيها، لأن الآخرة خير وأبقى. قلت: الغرض أنها خير من كل مال الدنيا، إذ حينئذ لا يمكن التقرب إلى الله تعالى بالمال، وقال التوربشتي: يعني أن الناس يرغبون عن الدنيا حتى تكون السجدة الواحدة أحب إليهم من الدنيا وما فيها. قوله: (ثم يقول أبو هريرة...) إلى آخره، موصول بالإسناد المذكور. قوله: (واقرؤا إن شئتم)، قال ابن الجوزي: إنما أتى بذكر هذه الآية للإشارة إلى مناسبتها لقوله: (حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها). فإنه يشير بذلك إلى صلاح الناس وشدة إيمانهم وإقبالهم على الخير، فهم لذلك يؤثرون الركعة الواحدة على جميع الدنيا، والسجدة تذكر ويراد بها الركعة. وقال القرطبي: معنى الحديث أن الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة لكثرة المال إذ ذاك، وعدم الانتفاع به حتى لا يقبله أحد. قوله: (وإن من أهل الكتاب)، كلمة: إن، نافية، يعني: ما من أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلا ليؤمنن به.
واختلف أهل التفسير في مرجع الضمير في قوله تعالى: به. فروى ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: إنه يرجع إلى عيسى، عليه الصلاة والسلام، وكذا روي من طريق أبي رجاء عن الحسن، قال: قبل موت عيسى: والله إنه لحي، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون، وذهب إليه أكثر أهل العلم، ورجحه ابن جرير وأبو هريرة أيضا صار إليه فقراءته هذه الآية الكريمة تدل عليه، وقيل: يعود الضمير إلى الله، وقيل: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والضمير في قوله: (قبل موته) يرجع إلى أهل الكتاب عند الأكثرين لما روى ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس: (لا يموت يهودي ولا نصراني حتى يؤمن
بعيسى) فقال له عكرمة: أرأيت إن خر من بيت أو احترق أو أكله السبع؟ قال: لا يموت حتى يحرك شفتيه بالإيمان بعيسى، وفي إسناده: خصيف، وفيه ضعف، ورجح جماعة هذا المذهب لقراءة أبي بن كعب، رضي الله تعالى عنه، إلا ليؤمنن به قبل موتهم، أي: قبل موت أهل الكتاب، وقيل: يرجع إلى عيسى، أي: إلا ليؤمنن به قبل موت عيسى، عليه الصلاة والسلام، ولكن لا ينفع هذا الإيمان في تلك الحالة.
فإن قلت: ما الحكمة في نزول عيسى، عليه الصلاة والسلام، والخصوصية به؟ قلت: فيه وجوه. الأول: للرد على اليهود في زعمهم الباطل أنهم قتلوه وصلبوه، فبين الله تعالى كذبهم، وأنه هو الذي يقتلهم. الثاني: لأجل دنو أجله ليدفن في الأرض، إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غير التراب. الثالث: لأنه دعا الله تعالى لما رأى صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حيا حتى ينزل في آخر الزمان ويجدد أمر الإسلام، فيوافق خروج الدجال فيقتله. الرابع: لتكذيب النصارى وإظهار زيفهم في دعواهم الأباطيل وقتله إياهم. الخامس: أن خصوصيته بالأمور المذكورة لقوله صلى الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بابن مريم ليس بيني وبينه نبي، وهو أقرب إليه من غيره في الزمان، وهو أولى بذلك.
106 - (حدثنا ابن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن نافع مولى أبي قتادة

39
الأنصاري أن أبا هريرة قال قال رسول الله
كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم)
مطابقته للترجمة ظاهرة * وابن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي المصري والليث بن سعد ويونس بن يزيد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري ونافع مولى أبي قتادة الأنصاري هو أبو محمد بن عياش الأقرع قال ابن حبان هو مولى امرأة من غفار وقيل له مولى أبي قتادة لملازمته له وليس له عن أبي هريرة في الصحيح سوى هذا الحديث الواحد والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة وعن محمد بن حاتم وعن زهير بن حرب قوله ' إذا نزل ابن مريم ' أي عيسى بن مريم ولفظ فيكم سقط من رواية أبي ذر وكيفية نزوله أنه ينزل وعليه ثوبان ممصران كذا رواه أحمد وأبو ذر عن أبي هريرة مرفوعا والممصر من الثياب التي فيها صفرة خفيفة وفي كتاب الفتن لأبي نعيم ' ينزل عند القنطرة البيضاء على باب دمشق الشرقي تحمله غمامة واضعا يديه على منكبي ملكين عليه ريطتان إذا كب رأسه يقطر منه كالجمان فيأتيه اليهود فيقولون نحن أصحابك فيقول كذبتم والنصارى كذلك إنما أصحابي المهاجرون بقية أصحاب الملحمة فيجد خليفتهم يصلي بهم فيتأخر فيقول له صل فقد رضي الله عنك فإني إنما بعثت وزيرا ولم أبعث أميرا ' قال وبخروجه تنقطع الإمارة وفيه أيضا عن كعب ' يحاصر الدجال المؤمنين ببيت المقدس فيصيبهم جوع شديد حتى يأكلوا أوتار قسيهم فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتا في الغلس فإذا عيسى عليه الصلاة والسلام وتقام الصلاة فيرجع إمام المسلمين فيقول عيسى عليه الصلاة والسلام تقدم فلك أقيمت الصلاة فيصلي بهم ذلك الرجل تلك الصلاة ثم يكون عيسى الإمام بعد ' * وفيه من حديث أبي هريرة ' وينزل بين أذانين ' وعن ابن عمر مرفوعا ' المحاصرون ببيت المقدس إذ ذاك مائة ألف امرأة واثنان وعشرون ألفا مقاتلون إذ غشيتهم ضبابة من غمام إذ تنكشف عنهم مع الصبح فإذا عيسى بين ظهرانيهم ' وروى مسلم من حديث ابن عمر ' في مدة إقامة عيسى عليه الصلاة والسلام بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين ' وروى أبو نعيم في كتاب الفتن من حديث ابن عباس ' أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض فيقيم بها تسع عشرة سنة ' وبإسناده فيه منهم عن أبي هريرة ' يقيم بها أربعين سنة ' وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مرفوعا مثله وعن كعب ' يمكث فيهم عيسى أربعا وعشرين سنة منها عشر حجج يبشر المؤمنين بدرجاتهم في الجنة ' وفي لفظ ' أربعين سنة ' وعن ابن عباس ' يتزوج من قوم شعيب ' وهو ختن موسى عليه السلام وهم جذام فيولد له فيهم ويقيم تسع عشرة سنة لا يكون أميرا ولا شرطيا ولا ملكا ' وعن يزيد بن أبي حبيب ' يتزوج امرأة من الأزد ليعلم الناس أنه ليس بإله ' وقيل يتزوج ويولد له ويمكث خمسا وأربعين سنة ويدفن مع النبي
في قبره وقيل يدفن في الأرض المقدسة وهو غريب وفي حديث عبد الله بن عمر يمكث في الأرض سبعا ويولد له ولدان محمد وموسى وليس في أيامه إمام ولا قاض ولا مفت وقد قبض الله العلم وخلا الناس عنه فينزل وقد علم بأمر الله في السماء ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم بين الناس والعمل فيه في نفسه فيجتمع المؤمنون ويحكمونه على أنفسهم إذ لا يصلح لذلك غيره * وقد ذهب قوم إلى أن بنزوله يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم وينهاهم وهو مردود لأنه لا ينزل بشريعة متجددة بل ينزل على شريعة نبينا محمد
ويكون من أتباعه قوله ' وإمامكم منكم ' يعني يحكم بينكم بالقرآن لا بالإنجيل قاله الكرماني (قلت) الإنجيل ليس فيه حكم فلا حاجة إلى قوله لا بالإنجيل وقيل معناه يصلي معكم بالجماعة والإمام من هذه الأمة وقيل وضع المظهر موضع المضمر تعظيما له وتربية للمهابة يعني هو منكم والغرض أنه خليفتكم وهو على دينكم كما تقول لولد زيد والدك يأمرك بكذا ولا تقول هو أو فلان يأمرك وقال الطيبي أي يؤمكم عيسى حال كونه في دينكم قيل يعكر عليه قوله في حديث مسلم ' فيقال له صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء ' تكرمة لهذه الأمة وقال ابن الجوزي لو تقدم عيسى عليه السلام إماما لوقع في النفس إشكال ولقيل أتراه تقدم نائبا أو مبتدئا شرعا فصلى مأموما لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله
' لا نبي بعدي ' انتهى وفي صلاة عيسى عليه الصلاة والسلام خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أنه الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة *

40
(تابعه عقيل والأوزاعي)
أي تابع يونس عقيل بن خالد وعبد الرحمن بن عمر والأوزاعي كلاهما عن ابن شهاب في هذا الحديث * فمتابعة عقيل وصلها ابن منده في كتاب الإيمان من طريق الليث
عنه ولفظه مثل رواية أبي ذر. ومتابعة الأوزاعي وصلها ابن منده أيضا وابن حبان والبيهقي في البعث وابن الأعرابي من طريقه عنه ولفظه مثل رواية يونس والله أعلم بالصواب * -
05
((باب ما ذكر عن بني إسرائيل))
أي: هذا باب في بيان ما ذكر عن بني إسرائيل، أي: عن ذريته من العجائب والغرائب. وإسرائيل هو يعقوب، عليه الصلاة والسلام. وأصل سبب تسمية يعقوب بإسرائيل ما ذكره السدي: أن إسحاق أب يعقوب كان قد تزوج رفقا بنت بثويل بن ناحور بن آزر بن إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فولدت لإسحاق عيصو ويعقوب بعدما مضى من عمره ستون سنة، ولها قصة عجيبة، وهي أنه: لما قربت ولادتهما اقتتلا في بطن أمهما، فأراد يعقوب أن يخرج أولا قبل عيصو، فقال عيصو: والله لئن خرجت قبلي لأعترضن في بطن أمي لأقتلها، فتأخر يعقوب وخرج عيصو قبله، فسمي عيصو لأنه عصى، وسمي يعقوب لأنه خرج آخرا بعقب عيصو، وكان يعقوب أكبرهما في البطن، ولكن عيصو خرج قبله، فلما كبرا كان عيصو أحبهما إلى أبيه، وكان يعقوب أحبهما إلى أمه، فوقع بينهما ما يقع بين الأخوين في مثل ذلك، فخافت أمه عليه من عيصو أن يوقع به فعلا، فقالت: يا ابني إلحق بخالك فاكمن عنده، خشية أن يقتله عيصو، فانطلق يعقوب إلى خاله فكان يسري بالليل ويكمن بالنهار، فلذلك سمي: إسرائيل، وهو أول من سرى بالليل، فأتى خاله لابان ببابل، وقيل: بحران.
0543 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش قال قال عقبة بن عمرو لحذيفة ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني سمعته يقول إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارا فأما الذي يراى الناس أنها النار فماء بارد وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراى أنها نار فإنه عذب بارد. قال حذيفة وسمعته يقول إن رجلا كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه فقيل له هل عملت من خير قال ما أعلم قيل له انظر قال ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا فأجازيهم فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر فأدخله الله الجنة. فقال وسمعته يقول إن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصاى أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت فخذوها فاطحنوها ثم انظروا يوما راحا فاذروه في اليم ففعلوا فجمعه الله فقال له لم فعلت ذلك قال من خشيتك فغفر الله له: قال عقبة بن عمرو وأنا سمعته يقول ذلك وكان نباشا.
هذا الحديث مشتمل على ثلاثة أحاديث: الأول: حديث الدجال. والثاني والثالث: في رجلين كل واحد في رجل، والمطابقة للترجمة في الثاني والثالث والحديث الثاني قد مضى في كتاب البيوع في: باب من أنظر موسرا، فإنه أخرجه هناك: عن أحمد بن يونس عن زهير عن منصور عن ربعي بن خراش... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، وهنا أخرج الثلاثة: عن موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري وعن عبد الملك بن عمير الكوفي عن ربعي، بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة: ابن حراش، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وفي آخره شين معجمة: الغطفاني، وكان من العباد يقال: إنه تكلم بعد الموت، وعقبة بن عمرو الأنصاري المعروب بالبدري، وحذيفة بن اليمان، رضي الله تعالى عنهما، ثم إن البخاري روى

41
هذا الحديث عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة كما رأيته، وهو الصواب، كما قال أبو ذر لا كما وقع في بعض نسخه: حدثنا مسدد، ووقع في كلام الجياني: أنه ساقه أولا بكماله عن مسدد، ثم ساق الخلاف في لفظه من المتن عن موسى، والذي في الأصول ما ذكره سياقة واحدة، لا كما قاله، وهذا الموضع موضع تنبه وتيقظ.
قوله: (ماء)، منصوب لأنه خبر: إن، و: نارا، عطف عليه. قوله: (يرى) بفتح الياء وضمها، هذا من جملة فتنته امتحن الله بها عباده فيحق الحق ويبطل الباطل، ثم يفضحه ويظهر للناس عجزه. قوله: (قال حذيفة)، شروع في الحديث الثاني. قوله: (وسمعته يقول)، أي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول. قوله: (فأجازيهم)، أي: أتقاضاهم الحق، والمجازي المتقاضي، يقال: تجازيت ديني عن فلان إذا تقاضيته، وحاصله أخذ منهم وأعطى، ووقع في رواية الإسماعيلي: وأجازفهم، من المجازفة، ووقع في أخرى: وأحاربهم، بالحاء المهملة والراء، وكلاهما تصحيف. قوله: (فقال، وسمعته)، شروع في الحديث الثالث، ويروى: وقال، بالواو. قوله: (وخلصت)، بفتح اللام أي: وصلت. قوله: (فامتحشت)، أي: احترقت، وهو على صيغة بناء الفاعل، كذا ضبطه الكرماني، وضبطه بعضهم على بناء صيغة المجهول، وله وجه وهو من الامتحاش ومادته: ميم وحاء مهملة وشين معجمة، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم. قوله: (يوما راحا) أي: يوما شديد الريح، وإذا كان طيب الريح يقال: يوم ريح، بالتشديد، وقال الخطابي: يوم راح أي: ذو ريح، كما يقال: رجل مال، أي: ذو مال. قوله: (فاذروه) أمر من الإذراء، يقال: ذرته الريح وأذرته تذروه وتذريه أي: أطارته. قوله: (قال عقبة بن عمرو)، وهو أبو مسعود البدري (وأنا سمعته) يعني النبي صلى الله عليه وسلم وظاهر الكلام يقتضي أن الذي سمعه أبو مسعود هو الحديث الأخير فقط، لكن رواية شعبة عن عبد الملك بن عمير نبئت أنه سمع الجميع، فإنه أورده في الفتن في قصة الذي كان يبايع الناس من حديث حذيفة، وقال في آخره: قال أبو مسعود وأنا سمعته، وكذلك في حديث الذي أوصى بنيه، كما ستقف عليه في حديث في أواخر هذا الباب. قوله: (وكان نباشا) ظاهره أنه من زيادة أبي مسعود في الحديث، لكن أورده ابن حبان من طريق ربعي عن حذيفة، قال: توفي رجل كان نباشا، فقال لأولاده: أحرقوني، فدل على أن قوله: (وكان نباشا) من رواية حذيفة وأبي مسعود، معا والله أعلم.
4543 حدثني بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرني معمر ويونس عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم قالا ل ما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا..
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: (لعنة الله على اليهود) لأنهم من بني إسرائيل، وهم أقدم من النصارى. وبشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن محمد السختياني المروزي، وهو من أفراده، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب مجرد عقيب: باب الصلاة في البيعة، ومضى الكلام فيه قوله: (لما نزل برسول الله، صلى الله عليه وسلم) يعني: الموت.
5543 حدثني محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فرات القزاز قال سمعت أبا حازم قال قاعدت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم.

42
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن بشار هو بندار، ومحمد بن جعفر هو غندر، وفرات، بضم الفاء وتخفيف الراء وفي آخره تاء مثناة من فوق: ابن أبي عبد الرحمن القزاز، بفتح القاف وتشديد الزاي الأولى البصري ثم الكوفي، وأبو حازم، بالحاء المهملة والزاي: اسمه سلمان الأشجعي.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن بشار به وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعبد الله ابن براد. وأخرجه ابن ماجة في الجهاد عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (قاعدت أبا هريرة) إنما ذكره بباب المفاعلة ليدل على قعوده متعلقا بأبي هريرة ولأجل تعلقه بالآخر جاء متعديا، لأن أصله لازم كما في قولك: كارمت زيدا، فإن أصله لازم نحوه، قوله: (تسوسهم الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام) أي: تتولى أمورهم: كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية، والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه وذلك لأنهم كانوا إذا أظهروا الفساد بعث الله نبيا يزيل الفساد عنهم ويقيم لهم أمرهم ويزيل ما غيروا من حكم التوراة. قوله: (خلفه نبي)، بفتح اللام المخففة، يعني: يقوم مقام الأول، والخلف، بفتح اللام وسكونها: كل من يجيء بعد من مضى إلا أنه بالتحريك في الخير، وبالسكون في الشر. قال الله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) * (الأعراف: 961). قوله: (لا نبي بعدي)، يعني: لا يجيء بعدي نبي فيفعل ما يفعلون. قوله: (خلفاء)، جمع خليفة. قوله: (فيكثرون)، بالثاء المثلثة من الكثرة، وحكى عياض عن بعضهم بالباء الموحدة وهو تصحيف، ووجه بأن المراد إكبار قبايح فعلهم. قوله: (فوا) بالضم أمر لجماعة من: وفى يفي، والأمر منه: ف، فيا فوا، وأصله: أوفوا، وأصله أوفيوا، نقلت حركة الياء إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان فحذفت الياء فصار أوفوا، ثم حذفت الواو اتباعا لحذفها في المضارع لوقوعها بين الياء والكسرة، فصار: أفوا، ثم حذفت الهمزة للاستغناء عنها، فصار: فوا، على وزن: عوا. قوله: (بيعة الأول فالأول) معناه: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها سواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أو جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو أكثر، وسواء كان أحدهما في بلد الإمام المنفصل أم لا، ولم يبين حكم الثاني في هذا، وهو مبين في رواية أخرى: فاضربوا عنقه، وفي رواية أخرى: فاضربوه بالسيف كائنا من كان. قوله: (أعطوهم حقهم)، أي: أطيعوهم وعاشروهم بالسمع والطاعة، فإن الله يحاسبهم بالخير والشر عن حال رعيتهم.
6543 حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن. (الحديث 6543 طرفه في: 0237).
وجه المطابقة بين حديث الباب وبين الترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: (سنن من قبلكم) لأنه يشمل بني إسرائيل وغيرهم. وسعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري، وأبو غسان، بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون: واسمه محمد بن مطرف، مر في الصلاة، وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري.
والحديث أخرجه البخاري في الاعتصام: عن محمد بن عبد العزيز. وأخرجه مسلم في القدر عن سويد بن سعيد، وهذا من الأحاديث المقطوعة في مسلم لأنه قال في كتاب القدر: وحدثني عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم الذي أخرجه البخاري عنه، ووصله عنه راوي كتابه إبراهيم بن سفيان، فقال: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا ابن أبي مريم.
قوله: (لتتبعن)، بضم العين وتشديد النون. قوله: (سنن من قبلكم)، أي: طريق الذين كانوا قبلكم، والسنن بفتح السين: السبيل والمنهاج، وقال الكرماني: ويروى بالضم. قوله: (شبرا بشبر)، نصب بنزع الخافض تقديره: لتتبعن سنن من قبلكم اتباعا بشبر ملتبس بشبر وذراع ملتبس بذراع، وهذا كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي، لا في الكفر، وكذلك قوله: (لو سلكوا جحر ضب)، بضم الجيم وسكون الحاء، والضب: دويبة تشبه الورن تأكله الأعراب، والأنثى ضبة، وتقول العرب: هو قاضي الطير والبهائم، يقولون: اجتمعت إليه أول ما خلق الله الإنسان فوصفته له، فقال الضب: تصفين خلقا ينزل الطير من السماء ويخرج الحوت من الماء، فمن كان له جناح فليطر، ومن كان ذا

43
مخلب فليحتفر، ووجه التخصيص: بجحر الضب، لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لوافقوهم. قوله: (اليهود)، يعني: قالوا: يا رسول الله! هم اليهود والنصارى. قوله: (قال فمن؟) أي: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فمن غيرهم، وهذا استفهام على وجه الإنكار، أي: ليس المراد غيرهم.
7543 حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا عبد الوارث حدثنا خالد عن أبي قلابة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة..
ذكر هذا الحديث هنا يمكن أن يكون لأجل ذكر اليهود فيه، وهم من بني إسرائيل، وقد مضى هذا الحديث في كتاب الصلاة في: باب بدء الأذان بعين هذا الإسناد والمتن
عن عمران بن ميسرة، وكذلك مضى مختصرا من غير هذا الطريق عن أنس في: باب الآذان مثنى مثنى، وباب الإقامة واحدة، و: عبد الوارث الثقفي، وخالد هو ابن مهران الحذاء، وأبو قلابة، بكسر القاف عبد الله بن زيد.
8543 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته وتقول إن اليهود تفعله.
وجه ذكر هذا هنا هو الوجه المذكور في الحديث السابق، وسفيان بن عيينة، والأعمش بن سليمان وأبو الضحى، بضم الضاد المعجمة مقصور: هو مسلم بن صبيح.
قوله: (أن يجعل)، أي: المصلي، وهذا مطلق ولكنه مقيد بحال الصلاة، والدليل عليه ما رواه أبو نعيم من طريق أحمد بن الفرات عن محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه بلفظ: أنها كرهت الاختصار في الصلاة، وقالت: إنما يفعل ذلك اليهود، وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان هو الثوري بهذا الإسناد، يعني: وضع اليد على الخاصرة، وهو في الصلاة، والخاصرة الشاكلة، ويقال هو: فعل الجبابرة، ويقال: هو استراحة أهل النار، ويقال هو فعل من دهته مصيبة، ويقال: لما طرد الشيطان نزل إلى الأرض مختصرا.
تابعه شعبة عن الأعمش
أي: تابع سفيان شعبة في رواية هذا الحديث عن سليمان الأعمش، ووصل هذه المتابعة ابن أبي شيبة من طريقه.
9543 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ل يث عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين قال ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا لكم الأجر مرتين فغضبت اليهود والنصارى فقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال الله هل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال فإنه فضلي أعطيه من شئت..
وجه المطابقة ما ذكر فيما قبله، ومثل هذا الحديث مضى في كتاب الصلاة في: باب من أدرك ركعة من العصر فإنه أخرجه

44
هناك عن عبد العزيز بن سعد عن ابن شهاب عن مسلم بن عبد الله عن أبيه. قوله: (من خلا) أي: من مضى. قوله: (عمالا)، بضم العين: جمع عامل.
0643 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمر و عن طاووس عن ابن عباس قال سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقول قاتل الله فلانا ألم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها. (انظر الحديث 3222).
وجه المطابقة في ذكر اليهود. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار. والحديث مضى في كتاب البيوع في: باب لا يذاب شحم الميتة، فإنه أخرجه هناك: عن الحميدي عن سفيان... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (قاتل الله)، أي: لعن الله. قوله: (فجملوها)، بالجيم أي: أذابوها.
تابعه جابر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: تابع ابن عباس جابر بن عبد الله. ووصل هذه المتابعة البخاري أيضا في أواخر البيوع في: باب بيع الميتة والأصنام. قوله: (وأبو هريرة)، أي: وتابعه أبو هريرة أيضا، ووصل هذه المتابعة البخاري أيضا في: باب لا يذاب شحم الميتة، فإنه أخرجه عن عبدان عن عبد الله بن يونس إلى آخره.
1643 حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد أخبرنا الأوزاعي حدثنا حسان بن عطية عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمر و أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، وأبو كبشة السلولي اسمه هو كنيته.
والحديث أخرجه الترمذي أيضا في العلم عن محمد بن يوسف وعن عبد الرحمن بن ثابت.
وقوله: (ولو آية)، أي: علامة ظاهرة فهو تتميم ومبالغة، أي: ولو كان المبلغ فعلا أو إشارة ونحوها، قال القاضي البيضاوي: إنما قال: آية، أي: من القرآن، ولم يقل: حديثا، فإن الآيات مع تكفل الله بحفظها واجبة التبليغ، فتبليغ الحديث يفهم منه بالطريق الأولى، وقيل: إنما قال: آية، ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي، ولو قل ليشمل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم. قوله: (وحدثوا عن بني إسرائيل) يعني: مما وقع لهم من الأمور العجيبة والغريبة، وقيل: المراد ببني إسرائيل أولاد إسرائيل نفسه، وهم أولاد يعقوب، والمراد: حدثوا عنهم بقصتهم مع أخيهم يوسف، وهذا بعيد وفيه تضييق. وقال مالك: المراد جواز التحديث عنهم بما كان من أمر حسن، وأما ما علم كذبه فلا. وقيل: المعنى حدثوا عنهم مثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح، وقيل: المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الاتصال في التحديث عنهم، بخلاف الأحكام الإسلامية، فإن الأصل في التحديث بها الاتصال ولا يتعذر ذلك لقرب العهد. قوله: (ولا حرج) أي: ولا ضيق عليكم في الحديث عنهم، وإنما قال: ولا حرج، لأنه كان قد تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك، وكان النهي قبل استقرار الأحكام الشرعية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في ذلك من الاعتبار عند سماع الأخبار التي وقعت في زمانهم. وقيل: لا حرج أي: لا تضيق صدوركم بما سمعتموه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك وقع لهم كثيرا. وقيل: لا حرج في أن لا
تحدثوا عنهم، لأن قوله أولا: حدثوا، صيغة أمر يقتضي الوجوب، فأشار إلى عدم الوجوب، وإن الأمر فيه للإباحة، بقوله: ولا حرج، أي: في ترك التحديث عنهم. وقيل: المراد رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ المستبشعة، نحو قولهم: * (إذهب أنت وربك فقاتلا) * (المائدة: 42). وقولهم: * (اجعل لنا إل
1764; ها) * (الأعراف: 831). قوله: صيغة أمر يقتضي الوجوب، ليس ذلك على إطلاقه، وإنما الأمر إنما يقتضي الوجوب بصيغته إذا تجرد عن القرائن، وهنا قوله: ولا حرج، قرينة على أنه

45
ليس بواجب ولا هو للندب، وقال الكرماني: الأمر للإباحة إذ لا وجوب ولا ندب فيه بالإجماع. قوله: (ومن كذب علي...) إلى آخره، قد مر نحوه في كتاب العلم في: باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن البخاري روى في هذا الباب عن خمسة من الصحابة، وهم: علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، والزبير بن العوام، وأنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع، وأبو هريرة. وروى أيضا في الجنائز في: باب ما يكره من النياحة عن المغيرة، وروى أيضا ههنا عن عبد الله بن عمرو، وقد تكلمنا هناك بما فيه الكفاية. قوله: (فليتبوأ) بكسر اللام هو الأصل وبالسكون هو المشهور وهو أمر من التبوء، وهو اتخاذ المباءة، أي: المنزل. وقال الجوهري: تبوأت منزلا أي: نزلته.
2643 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال قال أبو سلمة بن عبد الرحمان إن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم. (الحديث 2643 طرفه في: 9985).
مطابقته للترجمة في قوله: (اليهود). وصالح هو ابن كيسان. والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم.
قوله: (لا يصبغون)، أي: شيب الشعر، وهو مندوب إليه لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفتهم. فإن قلت: ورد النهي عن إزالة الشيب؟ قلت: لا تعارض بينهما هنا لأن الصبغ لا يقتضي الإزالة. وقيل: المراد بالإزالة النتف، وسئل مالك عن النتف؟ فقال: ما أعلمه حراما وتركه أحب إلي، والإذن فيه مقيد بغير السواد، لما روى مسلم من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: غيروه وجنبوه السواد. وروى أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعا: (يكون قوم في آخر الزمان يخضبون كحواصل الحمام لا يجدون ريح الجنة). ورواه الحاكم أيضا وصححه. والحديث صحيح، ولكن الكلام في رفعه ووقفه وعلى تقديره ترجيح وقفه، فمثله لا يدرك بالرأي، فحكمه الرفع ولهذا اختار النووي أن الصبغ بالسواد يكره كراهة تحريم. وعن الحليمي: أن الكراهة خاصة بالرجال دون النساء، فيجوز ذلك للمرأة لأجل زوجها. وقال مالك: الحناء والكتم واسع والصبغ بغير السواد أحب إلي، ويستثنى من ذلك المجاهد اتفاقا.
وقد اختلف: هل كان، صلى الله عليه وسلم، يصبغ؟ فقال ابن عمر في الموطأ: أما الصفرة فرأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، وأنا أحب أن أصبغ، وقيل: كان يصفر لحيته، وقيل: أراد بالصفرة في حديث ابن عمر صفرة الثياب، وقيل: صبغ مرة، وقال مالك: لم يصبغ، صلى الله عليه وسلم، ولا علي ولا أبي بن كعب ولا ابن المسيب، ولا السائب بن يزيد، ولا ابن شهاب. قال: والدليل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يصبغ أن عائشة قالت: كان أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، يصبغ، فلو كان صبغ لبدأت به. وقال مالك: والصبغ بالسواد ما سمعت فيه شيئا، وغيره من الصبغ أحب إلي، والصبغ بالحناء والكتم واسع.
3643 حدثني محمد قال حدثني حجاج حدثنا جرير عن الحسن حدثنا جندب بن عبد الله في هاذا المسجد وما نسينا منذ حدثنا وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيمن كان قبلكم رجل به جرج فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة. (انظر الحديث 4631).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (كان فيمن كان قبلكم)، لأنه أعم من أن يكون من بني إسرائيل أو من غيرهم، ومحمد شيخ البخاري، قال ابن السكن: هو محمد بن معمر بن ربعي القيسي البصري، وعليه الأكثر كذا نقله عن الفربري، وقال أبو عبد الله الحاكم: هو محمد بن يحيى الذهلي، وحجاج هو ابن منهال، وجرير هو ابن حازم، والحسن هو البصري.
والحديث مضى في الجنائز في: باب ما جاء في قاتل نفسه، بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (في هذا المسجد) أراد به: مسجد البصرة. قوله: (منذ حدثنا)

46
بفتح الدال، وأشار به إلى تحققه لما حدث به. قوله: (وما نخشى أن يكون جندب كذب)، فيه إشارة إلى أن الصحابة عدول، وأن الكذب مأمون من قبلهم، ولا سيما على النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (به جرح)، بضم الجيم وسكون الراء، وتقدم في الجنائز بلفظ: به جراح، ووقع في رواية مسلم: أن رجلا خرجت به قرحة، بفتح القاف وسكون الراء، وهي: حبة تخرج في البدن، وكأنه كان به جرح ثم صار قرحة، أو كان كلاهما، قوله: (فجزع)، أي: لم يصبر على الألم. قوله: (فحز)، بالحاء المهملة وتشديد الزاي، أي: قطع. قوله: (فما رقأ)، بالقاف والهمز، أي: لم ينقطع الدم، يقال: رقأ أي: سكن وانقطع. قوله: (بادرني عبدي بنفسه) كناية عن استعجاله الموت. قوله: (حرمت عليه الجنة)، تغليظ، أو كان استحل فكفر، أو المراد جنة معينة كالفردوس مثلا، أو المعنى: حرمت عليه الجنة إن شئت استمرار ذلك.
15
((حديث أبرص وأقرع وأعمى في بني إسرائيل))
أي: هذا باب في بيان حديث أبرص وأقرع، وهو الذي ذهب شعر رأسه من آفة. قوله: (في بني إسرائيل)، أي: الكائنين في بني إسرائيل، وفي بعض النسخ: باب حديث أبرص... إلى آخره.
4643 حدثني أحمد بن إسحاق حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام حدثنا إسحاق بن عبد الله قال حدثني عبد الرحمان بن أبي عمرة أن أبا هريرة حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وحدثني محمد حدثنا عبد الله بن رجاء أخبرنا همام عن إسحاق بن عبد الله قال أخبرني عبد الرحمان بن أبي عمرة أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال أي شيء أحب إليك قال لون حسن وجلد حسن قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب عنه فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا فقال أي المال أحب إليك قال الإبل أو قال البقر هو شك في ذلك أن الأبرص والأقرع قال أحدهما الإبل وقال الآخر البقر فأعطى ناقة عشراء فقال يبارك لك فيها وأتى الأقرع فقال أي شيء أحب إليك قال شعر حسن ويذهب عني هذا قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب وأعطي شعرا حسنا قال فأي المال أحب إليك قال البقر قال فأعطاه بقرة حاملا وقال يبارك لك فيها وأتى الأعمى فقال أي شيء أحب إليك قال يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس فمسحه فرد الله إليه بصره قال فأي المال أحب إليك قال قال الغنم فأعطاه شاة والدا فانتج هاذان وولد هذا فكان لهذا واد من إبل ولهذا واد من بقر ولهذا واد من الغنم ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري فقال له إن الحقوق كثيرة فقال له كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله فقال لقد ورثت كابرا عن كابر فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا فرد عليه مثل

47
ما رد عليه هذا فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأعمى في صورته فقال رجل مسكين وابن سبيل وتقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري فقال قد كنت أعمى فرد الله بصري وفقيرا فقد أغناني فخذ ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله تعالى عنك وسخط على صاحبيك. (الحديث 4643 طرفه في: 3566).
مطابقته للترجمة تؤخذ من لفظ الحديث. وأخرجه من طريقين.
ورجالهما ثمانية الأول: أحمد بن إسحاق بن الحصين أبو إسحاق السلمي السرماري، بضم السين المهملة وتشديد الراء المفتوحة، وقيل بسكونها نسبة إلى: سرمارة، قرية من قرى بخارى، وهو من أقران البخاري وأفراده، مات يوم الاثنين لست ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين ومائتين، الثاني: عمرو، بفتح العين المهملة: ابن عاصم بن عبيد الله القيسي الكلابي البصري. الثالث: همام بن يحيى العوذي الأزدي البصري. الرابع: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، واسمه: زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك، مات سنة أربع وثلاثين ومائة وليس له في البخاري عن عبد الرحمن بن أبي عمرة سوى هذا الحديث وآخر في التوحيد. الخامس: عبد الرحمن بن أبي عمرة، واسمه: عمرو بن محصن الأنصاري النجاري، قاضي أهل المدينة. السادس: أبو هريرة، رضي الله تعالى عنه. السابع: في السند الثاني: محمد، كذا مجردا، قال الجياني: لعله محمد بن يحيى الذهلي، ويقال: إنه البخاري نفسه، والدليل عليه أنه روى عن عبد الله بن رجاء وهو أحد مشايخه، روى عنه في اللقطة وغيرها بلا واسطة. الثامن: عبد الله بن رجاء بن المثنى البصري أبو عمر، ومات سنة تسع عشرة ومائتين.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأيمان والنذور وقال: عن عمرو بن عاصم، وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن شيبان بن فروخ.
ذكر معناه: قوله: (بدا لله) بتخفيف الدال المهملة بغير همزة، كذا ضبطه بعضهم، ثم قال: أي سبق في علم الله فأراد إظهاره، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافيا، لأن ذلك محال في حق الله تعالى، وقال الكرماني: وقد روى بعضهم: بدا الله، وهو غلط، وقال صاحب (المطالع): ضبطناه على متقني شيوخنا بالهمزة، أي: ابتدأ الله أن يبتليهم، قال: ورواه كثير من الشيوخ بغير همز وهو خطأ، وقال الخطابي: معناه: قضى الله أن يبتليهم، لأن القضاء سابق، وفي رواية مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ: أراد الله أن يبتليهم، أي: يختبرهم. ويروى: يبليهم بإسقاط التاء المثناة من فوق. قوله: (قد قذرني الناس) بكسر الذال المعجمة أي: كرهني الناس، ويروى: قذروني الناس من باب: أكلوني البراغيث، كذا قاله الكرماني. قوله: (فمسحه) أي: مسح على جسمه. قوله: (فأعطي) على صيغة المجهول. قوله: (فقال واي المال؟) وفي رواية الكشميهني: أي المال؟ بلا واو. قوله: (أو قال البقر) شك في ذلك، وصرح في رواية مسلم أن الذي شك هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة راوي الحديث. قوله: (فأعطى ناقة) أي: الذي تمنى الإبل أعطي ناقة عشراء بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة ممدودا، وهي: الحامل التي أتى عليها في حملها عشرة أشهر من يوم طرقها الفحل، وقيل: يقال لها ذلك إلى أن تلد، وبعدما تضع وهي من أنفس المال. قوله: (يبارك لك فيها)، كذا وقع بضم الياء وفي رواية شيبان: بارك الله، بلفظ الفعل الماضي وإظهار الفاعل، قوله: (فمسحة) أي: فمسح على عينيه. قوله: (شاة والد)، أي: ذات ولد، وقال الجوهري: شاة والد، أي: حامل، والشاة تذكر وتؤنث، وفلان كثير الشاة وهو في معنى الجمع. قوله: (فأنتج هذان) أي: صاحب الإبل والبقر، كذا وقع، أنتج، وهي لغة قليلة، والفصيح عند أهل اللغة: نتجت الناقة، بضم النون، ونتج الرجل الناقة، أي: حمل عليها الفحل، وقد سمع: أنتجت الفرس، أي ولدت فهي نتوج، ولا يقال: منتج. قوله: (وولد هذا)، بتشديد اللام المفتوحة أي: صاحب الشاة، وراعي عرف الاستعمال حيث قال في الإبل والبقر: أنتج، وفي الغنم: ولد. قوله: (من الغنم)، ويروى: من غنم. قوله: (في صورته) أي: في الصورة

48
التي كان عليها لما اجتمع به وهو أبرص، قوله: (رجل مسكين) زاد شيبان: وابن سبيل، قال ابن التين: قوله: الملك له رجل مسكين... إلى آخره، أراد: أنك كنت هكذا، وهو من المعاريض، والمراد به ضرب المثل ليتيقظ المخاطب. قوله: (الحبال) بكسر الحاء المهملة وبعدها باء موحدة مخففة: جمع حبل، أراد به
الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق وقيل: العقبات، قال الكرماني: ويروى بالجيم، وقيل: هو تصحيف وفي (التوضيح): ويروى الحيل جمع حيلة، يعني: لم يبق لي حيلة. قوله: (أتبلغ عليه) وفي رواية الكشميهني: أتبلغ به، وهو بالغين المعجمة من: البلغة، وهي الكفاية، والمعنى: أتوصل به إلى مرادي، يقال: تبلغ بكذا، أي: اكتفى به. قوله: (يقذرك الناس) بفتح الذال المعجمة لأنه من باب علم يعلم. قوله: (فقيرا)، نصب على الحال. قوله: (كابرا عن كابر)، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: لكابر عن كابر، وفي رواية شيبان: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر، قال بعضهم: أي: كبيرا عن كبير في العز والشرف. قلت: أخذه من كلام الكرماني، وليس كذلك، وإنما المعنى: ورثت هذا المال عن آبائي وأجدادي حال كون كل واحد منهم كابرا عن كابر، أي: كبيرا ورث عن كبير. قوله: (فصيرك الله)، وإنما أورده بلفظ الفعل الماضي لإرادة المبالغة في الدعاء عليه، وإنما أدخلت الفاء فيه لأنه دعاء. قوله: (فوالله لا أجهدك اليوم) بالجيم والهاء، كذا في رواية كريمة، وأكثر روايات مسلم أي: لا أشق عليك في رد شيء تطلبه مني أو تأخذه. وقال عياض: رواية البخاري لم تختلف، أنه: لا أحمدك، بالحاء المهملة والميم، يعني: لا أحمدك على ترك شيء تحتاج إليه من مالي. وقوله: رواية البخاري لم تختلف، ليس كذلك، فإن رواية كريمة بالجيم والحاء، كما ذكرناه، وقال عياض: لم يتضح هذا المعنى لبعض الناس، فقال: لعله: لا أحدك، بالحاء المهملة وتشديد الدال بغير ميم، أي: لا أمنعك. قال: وهذا تكلف، وقال الكرماني ما حاصله: إنه يحتمل أن يكون قوله: لا أحمدك، بتشديد الميم أي: لا أطلب منك الحمد، فيكون من قولهم: فلان يتحمد علي، أي: يمتن، ويكون المعنى هنا: لا أمتن عليك، يقال: من أنفق ماله على نفسه فلا يتحمد به على الناس. قوله: (إنما ابتليتم) أي: إنما امتحنتم. قوله: (فقد رضى الله عنك...) إلى آخره، ويروى: ورضي عنك، على بناء المجهول، وكذلك سخط مثله وكان الأعمى خير الثلاثة. قال الكرماني، رحمه الله: ولا شك أن مزاجه كان أقرب إلى السلامة من مزاجهما، لأن البرص لا يحصل إلا من فساد المزاج وخلل في الطبيعة، وكذلك ذهاب الشعر أيضا، بخلاف العمى فإنه لا يستلزم فساده فقد يكون من أمر خارجي.
25
((باب * (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم) * (الكهف: 9).))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (أم حسبت...) * إلى آخره، ولم يذكر في الباب إلا تفسير بعض ما وقع في قصة أصحاب الكهف، وليس في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني لفظ: باب، وليس في رواية النسفي لا باب ولا غيره من الترجمة، وهذا هو الصواب، لأن الكتاب في الحديث لا في التفسير.
الكهف الفتح في الجبل
هو قول الضحاك أخرجه عنه ابن أبي حاتم، واختلف في مكان الكهف، فقيل: بين أيلة وفلسطين، وقيل: بالقرب من أيلة، وقيل: بأرض نينوى، وقيل: بالبلقاء، والأخبار التي تكاثرت أنه ببلاد الروم، وهو الصحيح، فقيل: بالقرب من طرسوس، وقيل: بالقرب من إيلستين، وكان اسم مدينتهم إفسوس، واسم ملكهم: دقيانوس، وقال السهيلي: مدينتهم يقال إنها على ستة فراسخ من القسطنطينية، وكانت قصتهم قبل غلبة الروم على يونان، وأنهم سيحجون البيت إذا نزل عيسى ابن مريم، عليهما الصلاة والسلام. وذكر ابن مردويه في (تفسيره): من حديث حجاج بن أرطأة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، مرفوعا: أصحاب الكهف أعوان المهدي، وذكر مقاتل في (تفسيره) اسم الكهف: مانجلوس.
والرقيم الكتاب مرقوم مكتوب من الرقم
أشار به إلى تفسير الرقيم، فالذي فسره منقول عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، رواه الطبراني من حديث

49
علي بن أبي طلحة عنه. قوله: (من الرقم) أشار به إلى أن اشتقاق الرقيم والمرقوم من الرقم، وهو الكتابة، وفي الرقيم أقوال أخر. فعن أبي عبيدة: الرقيم الوادي الذي فيه الكهف، وعن كعب الأحبار: اسم القرية، رواه الطبري، وعن أنس: أن الرقيم اسم الكلب، رواه ابن أبي حاتم، وكذا روى عن سعيد بن جبير، وقيل: الرقيم اسم الصخرة التي أطبقت على الوادي الذي فيه الكهف، وقيل: هو الغار، وعن ابن عباس: الرقيم لوح من رصاص كتبت فيه أسماء أصحاب الكهف لما توجهوا عن قومهم ولم يدروا أين توجهوا.
* (ربطنا على قلوبهم) * (الكهف: 41). ألهمناهم صبرا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض) * (الكهف: 41). وفسر: ربطنا، بقوله: ألهمناهم صبرا، وهكذا فسره أبو عبيدة.
شططا إفراطا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (لن ندعو من دونه إل
1764; ها لقد قلنا إذا شططا) * (الكهف:). قوله: (شططا)، منصوب على أنه صفة مصدر محذوف تقديره: لقد قلنا إذا قولا شططا، أي: ذا شطط، وهو الإفراط في الظلم والإبعاد، من شط إذا بعد، وعن أبي عبيدة: شططا أي جورا وغلوا.
الوصيد الفناء وجمعه وصائد ووصد ويقال الوصيد الباب مؤصدة مطبقة أصد الباب وأوصد
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) * (الكهف: 81). وفسر الوصيد بقوله: الفناء، بكسر الفاء والمد، وهكذا فسره ابن عباس، وكذا روي عن سعيد بن جبير، وقال الزمخشري: الوصيد الفناء، وقيل: العتبة، وقيل: الباب. قوله: (وجمعه) أي: وجمع الوصيد وصائد ووصد، بضم الواو
وسكون الصاد، ويقال: الأصيد كالوصيد، روى ابن جرير عن أبي عمرو بن العلاء أن أهل اليمن وتهامة يقولون: الوصيد، وأهل نجد يقولون: الأصيد. قوله: (مؤصدة) إشارة إلى ما في قوله تعالى: * (نار مؤصدة) * (البلد: 02). وفسره بقوله: مطبقة، وهذا ذكره استطرادا لأنه ليس في سورة الكهف، ولكنه لما كان الاشتقاق بينهما من واد واحد ذكره هنا، والذي ذكره هو المنقول عن أبي عبيدة. قوله: (أصد الباب)، أي: أغلقة، ويقال فيه: أوصد أيضا بمعنى يقال بالثلاثي وبالمزيد.
بعثناهم أحييناهم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم) * (الكهف: 91). الآية، وفسره بقوله: أحييناهم، وهكذا فسره أبو عبيدة.
أزكى أكثر ريعا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) * (الكهف: 91). وفسر أزكى بقوله: أكثر ريعا، قال الزمخشري: أيها، أي أي: أهلها، كما في قوله: * (واسأل القرية) * (يوسف: 28). أزكى طعاما أحل، وأطيب، أو أكثر وأرخص.
فضرب الله على آذانهم فناموا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) * (الكهف: 11). وفي الحقيقة أخذ لازم القرآن، وفسره بلازمه: إذ ليس الذي ذكره لفظ القرآن ولا ذلك معناه، قال الزمخشري: أي: ضربنا عليها حجابا من أن تسمع، يعني: أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات.
* (رجما بالغيب) * (الكهف: 22). لم يستبن
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) * (الكهف: 22). وفسر الرجم بالغيب بقوله: لم يستبن، وعن قتادة معناه: قذفا بالظن، رواه عبد الرزاق عن معمر عنه، وقال أبو عبيدة: الرجم ما لم تستيقنه من الظن.

50
وقال مجاهد تقرضهم تتركهم
أي: قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: (تقرضهم)، في قوله تعالى: * (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال...) * (الكهف: 71). الآية، وفسر: تقرضهم، بقوله: تتركهم، وأصل القرض القطع والتفرقة من قولك قرضته بالمقراض أي: قطعته، والمعنى هنا: تعدل عنهم وتتركهم، قاله الأخفش والزجاج، وقيل: تصيبهم يسيرا، مأخوذ من قراضة الذهب والفضة، وهو مأخوذ منها بالمقراض أي: تعطيهم الشمس اليسير من شعاعها، وقيل: معناه تحاذيهم، وهو قول الكسائي والفراء.
35
((باب حديث الغار))
أي: هذا بيان حديث الغار الذي آوى إليه ثلاثة نفر ممن كانوا قبلنا، قيل: وجه المناسبة في ذكر حديث الغار عقيب حديث أبرص وأقرع وأعمى هو أنه ورد أن الرقيم المذكور في قوله تعالى: * (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم) * (الكهف: 9). هو الغار الذي آوى إليه الثلاثة المذكورون، وذلك فيما رواه البزار والطبراني بإسناد حسن عن النعمان بن بشير أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم، قال: انطلق ثلاثة فكانوا في كهف فوقع الحبل على باب الكهف فأوصد عليهم... الحديث. قلت: يحتمل أنه ذكر هذا عقيب ذاك لأن هؤلاء الثلاثة كانوا في زمن بني إسرائيل، يدل عليه ما رواه الطبراني عن عقبة بن عامر: أن ثلاثة نفر من بني إسرائيل، الحديث، ذكره في الدعاء.
5643 حدثنا إسماعيل بن خليل أخبرنا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض إنه والله يا هاؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه فقال واحد منهم أللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه وأني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا وأنه أتاني يطلب أجره فقلت له اعمد إلى تلك البقر فسقها فقال لي إنما لي عندك فرق من أرز فقلت له اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساخت عنهم الصخرة فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عليهما فجئت وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي وإني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها فقالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك

51
ففرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا..
وجه المطابقة قد ذكر الآن. وإسماعيل بن خليل أبو عبد الله الخزاعي الكوفي، وقد مضى هذا الحديث في الإجارة في: باب من استأجر أجيرا فترك أجره، أخرجه عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر، ومضى أيضا في البيوع في: باب إذا اشترى شيئا لغيره عن يعقوب بن إبراهيم عن أبي
عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر، ومضى أيضا في البيوع في: باب إذا زرع بمال قوم عن إبراهيم بن المنذر عن أبي ضمرة عن موسى ابن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر، ولم يخرج البخاري هذا الحديث إلا من رواية ابن عمر، وكذلك مسلم، وفي الباب عن أنس عند الطبراني وعن أبي هريرة عند ابن حبان، وعن النعمان بن بشير عند أحمد وعن علي وعقبة بن عامر وعبد الله ابن عمرو ابن العاص وعبد الله بن أبي أوفى عند الطبراني، وقد ذكرنا في كل موضع بما فتح الله تعالى، ونذكر هنا بعض شيء وما علينا إن وقع بعض تكرار، فإن التكرير يفيد تكرار المسك عند التضوع.
قوله: (ممن كان قبلكم)، يعني من بني إسرائيل كما في رواية الطبراني التي ذكرناها آنفا. قوله: (يمشون) في محل الرفع لأنه خبر مبتدأ، وهو قوله: ثلاثة نفر، وأضيف: بينما إلى هذه الجملة. وقوله: (إذا أصابهم) جواب: بينما. قوله: (فآووا إلى غار)، بقصر الهمزة، يقال: آوى بنفسه مقصور، وآويته أنا بالمد، وقيل: يجوز هنا القصر والمد، وفي رواية أحمد والطبراني وأبي يعلى والبزار: فدخلوا غارا فسقط عليهم حجر يتجافى حتى ما يرون منه، وفي رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عند البخاري: حتى أواهم المبيت، بنصب المبيت على المفعولية، ووجهوه بأن دخول الغار من فعلهم فحسن أن ينسب الإيواء إليهم، وفي رواية مسلم من هذا الوجه: فآواهم المبيت برفع المبيت على الفاعلية. قوله: (فانطبق عليهم)، أي: باب الغار، ومضى في المزارعة: فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم، وفي رواية سالم: فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، وفي رواية الطبراني من حديث النعمان بن بشير: إذ وقع الحجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سد فم الغار. قوله: (إنه) أي: الشأن. قوله: (فليدع كل رجل منكم)، وفي رواية موسى بن عقبة: أنظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، ومثله في رواية مسلم وفي البيوع: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه، وفي رواية سالم: أنه لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. وفي حديث أبي هريرة وأنس جميعا، فقال بعضهم: عفى الأثر ووقع الحجر ولا يعلم بمكانكم إلا الله، ادعوا الله بأوثق أعمالكم. وفي حديث النعمان بن بشير إنكم لن تجدوا شيئا خيرا لكم من أن يدعو كل امرئ منكم بخير عمل عمله قط. قوله: (فقال واحد منهم)، وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت والنسفي: وقال: اللهم، بدون ذكر لفظ: واحد منهم. قوله: (إن كنت تعلم)، على خلاف مقتضى الظاهر، لأنهم كانوا جازمين بأن الله عالم بذلك فلا مجال لحرف الشك فيه، وأجيب: بأنهم لم يكونوا عالمين بأن لأعمالهم اعتبارا عند الله، ولا جازمين، فقالوا: إن كنت تعلم لها اعتبارا ففرج عنا. قوله: (على فرق)، بفتح الفاء والراء بعدها قاف، وقد تسكن الراء و: هو مكيال يسع ثلاثة آصع. قوله: (من أرز) فيه ست لغات، قد ذكرناها فيما مضى. قوله: (عمدت) أي: قصدت. قوله: (اشتريت منه بقرا)، قال الكرماني: فإن قلت: فيه صحة بيع الفضولي؟ قلت: هذا شرع من قبلنا، ثم ليس فيه أن الفرق كان معينا، ولم يكن في الذمة وقبضه الأجير ودخل في ملكه، بل كان هذا تبرعا منه له. انتهى. قلت: لا حاجة أصلا إلى هذا السؤال، لأن بيع الفضولي يجوز إذا أجازه صاحب المتاع، فلا يقال من أول الأمر: إن البيع غير صحيح. قوله: (فانساخت) أي: انشقت، وأنكره الخطابي لأن معنى: انساخ، بالمعجمة ويقال: انصاخ، بالصاد المهملة بدل السين أي: انشق من قبل نفسه، قال: والصواب: انساحت، بالحاء المهملة أي: اتسعت، ومنه: ساحة الدار. قال: وانصاح، بالصاد المهملة بدل السين، أي: تصدع يقال للبرق، قيل؛ الرواية بالخاء المعجمة صحيحة، وهي بمعنى: انشقت، وإن كان أصله بالصاد فالصاد قد قلبت سينا، ولا سيما مع الخاء المعجمة: كالصخر والسخر، ووقع في حديث سالم: فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج، وفي حديث النعمان بن بشير: فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء، وفي حديث علي: فانصدع الجبل حتى طمعوا في الخروج ولم يستطيعوا، وفي حديث أبي هريرة وأنس فزال ثلث الحجر، قوله: (اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي)، كذا في

52
رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر بحذف: أنه، قوله: (أبوان)، من باب التغليب والمراد الأب والأم، وصرح بذلك في حديث ابن أبي أوفى. قوله: (شيخان كبيران)، وزاد في رواية أبي ضمرة عن موسى بن عقبة: ولي صبية صغار فكنت أرعى عليهم، وفي حديث علي: أبوان ضعيفان فقيران ليس لهما خادم ولا راع ولا ولي غيري فكنت أرعى لهما بالنهار وآوي إليهما بالليل. قوله: (فأبطأت عنهما ليلة)، وفي رواية سالم: فنأي بي طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما، والشيء لم يفسر ما هو في هذه الرواية، وقد بين في رواية مسلم من طريق أبي ضمرة، ولفظه: وأنه نأي بي ذات يوم الشجر، والمراد أنه بعد عن مكانه الذي يرعى فيه على العادة لأجل الكلأ، فذلك أبطأ، ويفسره أيضا حديث علي: فإن الكلأ تناءى علي: أي: تباعد، والكلأ: العشب الذي يرعى الغنم منه. قوله: (وأهلي) مبتدأ (وعيالي) عطف عليه، وخبره: (يتضاغون) بضاد وغين معجمتين من الضغاء بالمد وهو الصياح، وقال الداودي: يريد بالأهل والعيال: الزوجة والأولاد والرقيق والدواب، واعترض عليه ابن التين، فقال: لا معنى للدواب هنا. قلت: تدخل الدواب في العيال بالنظر إلى المعنى اللغوي، لأن معنى قولهم: عال فلان، أي: أنفق عليه، وجاء في رواية سالم: وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا. فهذا يقوي ما ذكرناه. قوله: (من الجوع)، أي: بسبب الجوع. وفيه: رد على ما قال: لعل صياحهم كان بسبب آخر غير الجوع. قوله: (فكرهت أن أوقظهما)، وفي حديث علي: ثم جلست عند رؤوسهما بإنائي كراهية أن أوقظهما أو أؤذيهما، وفي حديث أنس: كراهية أن أرد وسنهما، وفي حديث ابن أبي أوفى: وكرهت أن أوقظهما من نومهما، فيشق ذلك عليهما. قوله: (ليستكنا) من الاستكانة أي: ليضعفا لأنه عشاؤهما وترك العشاء يهرم. قوله: (لشربتهما)، أي: لأجل عدم شربهما، وقال الكرماني: ويروى: ليستكنا، يعني بتشديد النون، أي: يلبثا في كنهما منتظرين لشربهما. قوله: (فأبت)، أي: امتنعت، وفي رواية موسى بن عقبة: فقالت: لا تنال ذلك منها، حتى قوله: (بمائة دينار) وفي رواية سالم: فأعطيتها عشرين ومائة دينار وطلب المائة منها والزيادة من قبل نفسه أو الراوي الذي لم يذكر الزيادة طرحها، وفي حديث ابن أبي أوفى: مالا ضخما. قوله: (فلما قعدت بين رجليها)، وفي حديث ابن أبي أوفى: وجلست منها مجلس الرجل من المرأة. قوله: (لا تفض)، بالفاى والضاد المعجمة أي: لا تكسر (والخاتم) كناية عن عذرتها وكأنها كانت بكرا. فإن قلت: في حديث النعمان ما يدل على أنها لم تكن بكرا. قلت: يحمل على أنها أرادت بالخاتم الفرج، والألف واللام في: الخاتم، عوض عن الياء أي
: خاتمي. قوله: (إلا بحقه) أي: الحلال، أرادت أنها لا تحل له إلا بتزويج صحيح، ووقع في حديث علي: فقالت: أذكرك الله أن لا ترتكب مني ما حرم الله عليك. قال: أنا أحق أن أخاف ربي، وفي حديث النعمان بن بشير: فلما أمكنتني من نفسها، بكت، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: فعلت هذا من الحاجة، فقلت: إنطلقي. وفي حديث ابن أبي أوفى: فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار، فقمت عنها.
45
((باب))
أي: هذا باب، وهو كالفصل لما قبله، وليس في أكثر النسخ لفظ: باب.
6643 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمان حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب وهي ترضعه فقالت اللهم لا تمت ابني حتى يكون مثل هذا فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم رجع في الثدي ومر بامرأة تجرر ويلعب بها فقالت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقال اللهم اجعلني مثلها فقال أما الراكب فإنه كافر وأما المرأة فإنهم يقولون لها تزني وتقول حسبي الله ويقولون تسرق وتقول حسبي الله.
مطابقته للترجمة من حيث إن وقع هذا كان في أيام بني إسرائيل، وأبو اليمان الحكم بن نافع، و عبد الرحمن هو ابن هرمز

53
الأعرج، ومضى الحديث في: باب * (واذكر في الكتاب مريم) * (مريم: 61). عن قريب، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (مر)، بلفظ المجهول. قوله: (تجرر)، بالراء.
7643 حدثنا سعيد بن تليد حدثنا ابن وهب قال أخبرني جرير ابن حازم عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فنفر لها به. (انظر الحديث 1233).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسعيد هو سعيد بن عيسى بن سعيد بن تليد، بفتح التاء المثناة من فوق وكسر اللام: أبو عثمان الرعيني المصري وهو من أفراده، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري. والحديث أخرجه مسلم في الحيوان
قوله: (يطيف) بضم أوله من أطاف يطيف بعني: طاف يطوف طوفا، وهو الدوران حول الشيء. قوله: (بركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف: وهي البئر مطوية كانت أو غير مطوية، وغير المطوية يقال لها: جب، وقليب، وقيل: الركي، البئر قبل أن تطوى، فإذا طويت فهي الطوى. قوله: (بغي) بفتح الباء الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد الياء: وهي الزانية، وتجمع على: بغايا، قوله: (موقها) بضم الميم وسكون الواو وفي آخره قاف، قال بعضهم: هو الخف. قلت: لا بل الموق هو الذي يلبس فوق الخف ويقال له: الجرموق أيضا وهو فارسي معرب (به) في رواية الكشميهني، وليس هو في رواية غيره، وقد مضى في كتاب الشرب عن أبي هريرة نحو هذا، ولكن القضية للرجل، وكذا وقع في الطهارة في شأن الرجل. قال بعضهم: يحتمل تعدد القضية. قلت: بل يقطع بأنه قضيتان: إحداهما للرجل، الأخرى: للمرأة، وإنما يقال: يحتمل تعدد القضية أن لو كانت لواحد، فافهم.
8643 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد ابن عبد الرحمان أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج على المنبر فتناول قصة من شعر كانت في يدي حرسي فقال يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم..
مطابقته للترجمة في قوله: (إنما هلكت بنو إسرائيل).
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن إسماعيل. وأخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى عن مالك وعن ابن أبي عمرو عن حرملة بن يحيى وعن عبد بن حميد. وأخرجه أبو داود في الترجل عن القعنبي به. وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن سويد بن نصر. وأخرجه النسائي في الزينة عن قتيبة عن سفيان به.
ذكر معناه: قوله: (عام حج)، وفي رواية للبخاري عن سعيد بن المسيب: آخر قدمة قدامها، وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين وهي آخر حجة حجها معاوية في خلافته. قوله: (على المنبر)، حال من معاوية، والمراد به: منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (قصة)، بضم القاف وتشديد الصاد المهملة: وهي شعر الرأس من جهة الناصية. وهنا المراد منه قطعة، من: قصصت الشعر أي: قطعته. قوله: (حرسي) منسوب إلى الحراس أحد الحرس وهم الذين يحرسون السلطان. قال الكرماني: الواحد حرسي لأنه قد صار اسم جنس فنسب إليه، ولا تقل حارس إلا أن تذهب به إلى معنى الحراسة دون الجنس، ويطلق الحرسي ويراد به الجندي. قوله: (فقال: يا أهل المدينة) أي: يا أهل المدينة. وفي أكثر النسخ لفظ: يا، غير محذوفة. قوله: (أين علماؤكم؟) قال بعضهم: فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم كانوا قليلا وهو كذلك، لأن غالب الصحابة يومئذ كانوا قد ماتوا وكان رأي جهال عوامهم صنعوا ذلك، فأراد أن يذكر علماءهم ويؤنبهم بما تركوه من الإنكار في ذلك. قلت: إن كان غالب الصحابة ماتوا في ذلك الوقت فقد قام مقامهم أكثر منهم جماعة من التابعين الكبار

54
والصغار وأتباعهم، ولم يكن معاوية قصد هذا المعنى الذي ذكره هذا القائل، وإنما كان قصده الإنكار عليهم بإهمالهم إنكار مثل هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره، وفي هذا اعتناء الولاة بإزالة المنكرات وتوبيخ من أهملها. قوله: (ويقول)، عطف على قوله: (وينهى) أي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها) أي: حين اتخذ القصة نساؤهم، وكان هذا سببا لهلاكهم، فدل على أن ذلك كان حراما عليهم، فلما فعلوه مع ما انضم إلى ذلك مما ارتكبوا من المعاصي هلكوا. وفيه: معاقبة العامة بظهور المنكر.
9643 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنه قد كان فيما
مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب. (الحديث 9643 طرفه في: 9863).
مطابقته للترجمة في قوله: (فيما مضى قبلكم من الأمم). وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي الأويسي المديني وهو من أفراده، وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وسعد يروي عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل عمر، رضي الله تعالى عنه، عن يحيى بن قزعة. وأخرجه النسائي في المناقب عن محمد بن رافع والحسن بن محمد.
قوله: (إنه) أي: إن الشأن قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم، أراد: بني إسرائيل. قوله: (محدثون)، بفتح الدال المهملة المشددة جمع: محدث، قال الخطابي: المحدث الملهم الذي يلقي الشيء في روعه فكأنه قد حدث به يظن فيصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون، وهي منزلة جليلة من منازل الأولياء، وقيل: المحدث هو من يجري الصواب على لسانه، وقيل: من تكلمه الملائكة. وقال الترمذي: أخبرني بعض أصحاب أبي عيينة، قال: محدثون، يعني: مفهمون. وقال ابن وهب: ملهمون، وقال ابن قتيبة: يصيبون إذا ظنوا وحدثوا. وقال ابن التين: يعني متفرسون. وقال النووي حاكيا عن البخاري: يجري الصواب على ألسنتهم، وهذه المعاني متقاربة. قوله: (وإنه) أي: وإن الشأن أن كان في أمتي منهم، أي: من المحدثين، فإنه عمر بن الخطاب قال صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل التوقع، وقد وقع ذلك بحمد الله تعالى. وفيه منقبة عظيمة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
وفيه: كرامة الأولياء وأنها لا تنقطع إلى يوم الدين.
0743 حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن أبي عدي عن شعبة عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال له هل من توبة قال لا فقتله فجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هاذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الصديق، بكسر المهملتين وتشديد الثانية: واسمه بكر بن قيس، أو: بكر بن عمرو الناجي، بالنون وتخفيف الجيم وتشديد الياء نسبة إلى: ناجية بنت غزوان أخت عتبة بن لؤي وهي قبيلة كبيرة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن بندار به وعن عبيد الله بن معاذ وعن أبي موسى. وأخرجه ابن ماجة في الديات عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (ثم خرج يسأل)، أي: عن التوبة والاستغفار، وفي رواية مسلم من طريق هشام عن قتادة، يسأل عن أعلم أهل الأرض؟ فدل على راهب. قوله: (فأتى راهبا)، الراهب واحد رهبان النصارى وهو الخائف والمتعبد. قيل: فيه إشعار بأن ذلك كان بعد رفع عيسى، عليه الصلاة والسلام، لأن الرهبانية إنما ابتدعها أتباعه

55
كما نص عليه في القرآن. قوله: (فقال له: هل من توبة؟) يعني: فقال للراهب: هل من توبة لي؟ وفي بعض النسخ فقال: له توبة؟ وقال بعض شراحه: حذف أداة الاستفهام، وفيه تجريد لأن حق القياس أن يقول: ألي توبة؟ قلت: ليس هذا بتجريد، وإنما هو التفات. وقوله: لأن حق القياس، غير موجه لأنه لا قياس هنا، وإنما يقال في مثل هذا: لأن مقتضى الظاهر أن يقال كذا. قوله: (فقتله) أي: قتل الراهب الذي سأله وأجابه بلا. قوله: (فجعل يسأل) أي: من الناس ليدلوه على من يأتي إليه فيسأله عن التوبة. قوله: (فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا)، وزاد في رواية هشام فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه الموت. قوله: (فأدركه الموت)، أي: في الطريق، والفاء فيه فصيحة تقديره: فذهب إلى تلك القرية فأدركه الموت، والمراد إدراك أمارات الموت. قوله: (فناء) بنون ومد وبعد الألف همزة، أي: مال بصدره إلى ناحية تلك القرية التي توجه إليها للتوبة والعبادة، وقيل: فنى، على وزن سعى بغير مد أي بعد، فعلى هذا المعنى بعد عن الأرض التي خرج منها. وقيل: قوله فناء بصدره مدرج، والدليل عليه أنه قال في آخر الحديث: قال قتادة: قال الحسن: ذكر لنا أنه لما أتاه الموت ناء بصدره. قوله: (فاختصمت فيه)، وزاد في رواية هشام. فقالت ملائكة الرحمة: جاءنا تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه حكما بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيهما كان أدنى فهو لها. قوله: (فأوحى الله إلى هذه) أي: إلى القرية المتوجه إليها (أن تقربي) كلمة أن، تفسيرية. قوله: (وأوحى إلى هذه) أي: إلى القرية المتوجه منها: (أن تباعدي). قوله: (قيسوا ما بينهما) أي: ما بين القريتين، وقال بعضهم متعجبا: وقعت لي تسمية القريتين المذكورتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في (الكبير) للطبراني، قال: فيه أن اسم القرية الصالحة نصرة واسم القرية الآخرة كفرة. قلت: هذا ليس محل التعجب والاستغراب فإن اسمها مذكور في مواضع كثيرة، وقد ذكرها أبو الليث السمرقندي في (تنبيه الغافلين). قوله: (فوجد إلى هذه)، أي: إلى القرية التي توجه إليها. قوله: (فغفر له) أي: غفر الله له. فإن قيل: حقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة بل لا بد من الاسترضاء. وأجيب: بأن الله تعالى إذا قبل توبة عبده يرضى خصمه.
وفي الحديث: مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل النفس، وقال القاضي: مذهب أهل السنة أن التوبة تكفر القتل كسائر الذنوب، وما روي عن بعضهم من تشديد في الزجر وتقنيط عن التوبة، فإنما روي ذلك لئلا تجترىء الناس على الدماء، قال الله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 84 و 611). فكل ما دون الشرك يجوز أن يغفر له. وأما قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * (النساء: 39). فمعناه: جزاؤه أن جازاه وقد لا يجازى بل يعفو عنه، وإذا استحل قتله بغير حق ولا تأويل فهو كافر يخلد في النار إجماعا. وفيه: فضل العالم على العابد، لأن الذي أفتاه أولا بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة، فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير، وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق
النجاة. وفيه: حجة من أجاز التحكيم، وأن المحكمان إذا رضيا جاز عليهما الحكم. وفيه: أن للحاكم، إذا تعارضت عنده الأحوال وتعذرت البينات، أن يستدل بالقرائن على الترجيح. وفيه: من جواز الاستدلال على أن في بني آدم من يصلح للحكم بين الملائكة. وفيه: رجاء عظيم لأصحاب العظائم.
1743 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت إنا لم نخلق لهاذا إنما خلقنا للحرث فقال الناس سبحان الله بقرة تكلم فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلب حتى كأنه استنقذها منه فقال له الذئب هذا

56
استنقذتها مني فمن لها يوم السبع يوم لا راعي غيري فقال الناس سبحان الله ذئب يتكلم قال فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم.
مطابقته للترجمة في قوله: (بينا رجل) و (بينما رجل) لأنهما من بني إسرائيل. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز يروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو من رواية الأقران، وذكر أبو مسعود أن أبا سلمة سقط من رواية علي بن عبد الله، وذكر خلف وغيره أنه لم يسقط.
والحديث مضى في المزارعة في: باب استعمال البقر للحراثة عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وليس فيه الأعرج، وقد مضى الكلام فيه.
قوله: (إذ ركبها) جواب: بينا. قوله: (وما هما ثم)، أي: ليس أبو بكر وعمر حاضرين هناك. قوله: (هذا) أي: هذا الذئب (استنقذتها) ويروى: استنقذها، ويكون المعنى: هذا الرجل. قوله: (من لها يوم السبع؟)، أي: من لها يوم الفتن حين يتركها الناس هملا لا راعي لها نهبة فيبقى السبع راعيا لها؟ وقد مضى بقية الكلام في المزارعة.
وحدثنا علي حدثنا سفيان عن مسعر عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله
هذا طريق آخر أشار به إلى أنه سمعه من شيخه علي بن عبد الله مفرقا، ولسفيان فيه شيخان أحدهما: أبو الزناد عن الأعرج. والآخر: عن مسعر، بكسر الميم: ابن كدام عن سعد بن إبراهيم، كلاهما عن أبي سلمة وفي كل من الإسنادين رواية القرين عن قرينه، لأن الأعرج قرين أبي سلمة، لأنه شاركه في أكثر شيوخه، وسفيان بن عيينة قرين مسعر لأنه شاركه في أكثر شيوخه، وأن كان مسعر أكبر سنا من سفيان.
2743 حدثنا إسحاق بن نصر أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم اشترى رجل من رجل عقارا له فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب وقال الذي له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه ألكما ولد قال أحدهما لي غلام وقال الآخر لي جارية قال انكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا.
مطابقته للترجمة من حيث إن الرجلين المذكورين فيه من بني إسرائيل. وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري.
والحديث أخرجه مسلم في القضاء عن محمد بن رافع.
قوله: (عقارا): العقار أصل المال من الأرض وما يتصل بها، وعقر الشيء أصله، ومنه عقر الأرض بفتح العين وضمها. وقيل: العقار المنزل والضيعة، وخصه بعضهم بالنخل، وقال ابن التين: العقار الضياع، وعقار الرجل ضيعته. قوله: (جرة)، وهي من الفخار ما يصنع من المدر. قوله: (ولم أبتع منك) أي: ولم أشتر منك الذهب. قوله: (فتحاكما إلى رجل)، ظاهره أنهما حكما ذلك الرجل، لكن في حديث إسحاق بن بشير التصريح بأنه كان حاكما منصوبا للناس. قوله: (ألكما ولد؟) بفتح الواو واللام والمراد به جنس الولد، لأنه يستحيل أن يكون للرجلين جميعا ولد واحد، والمعنى: ألكل واحد منكما ولد؟ ويجوز بضم الواو وسكون اللام وهو صيغة جمع، فيكون المعنى ألكما أولاد؟ ويجوز كسر الواو أيضا. فإن قلت: جاء: أنفقوا وأنكحوا بصيغة الجمع. وقوله: (تصدقا) بصيغة التثنية. قلت: لأن العقد لا بد فيه من شاهدين فيكونان مع الرجلين أربعة وهو جمع، والنفقة قد يحتاج فيها إلى المعين كالوكيل فيكون أيضا جمعا. وأما وجه التثنية في الصدقة فلأن

57
الزوجين مخصوصان بذلك.
وفي الحديث: إشارة إلى جواز التحكيم، وفي هذا الباب خلاف، فقال أبو حنيفة: إن وافق رأي المحكم رأي قاضي البلد نفذ وإلا فلا، وأجازه مالك والشافعي بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم وأن يحكم بينهما بالحق سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا. وقال القرطبي: هذا الرجل الذي تحاكما إليه لم يصدر منه حكم على أحد منهما، وإنما أصلح بينهما لما ظهر له من ورعهما وحسن حالهما، ولما ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما. وحكى المازري خلافا عندهم فيما إذا ابتاع أرضا فوجد فيها شيئا مدفونا، هل يكون ذلك للبائع أو للمشتري؟ فإن كان من أنواع الأرض: كالحجارة والعمد والرخام فهو للمشتري، وإن كان كالذهب والفضة فإن كان من دفين الجاهلية فهو ركاز، وإن كان من دفين المسلمين فهو لقطة، وإن جهل ذلك كان مالا ضائعا، فإن كان هناك بيت مال يحفظ فيه وإلا صرف إلى الفقراء والمساكين وفيما يستعان به على أمور الدين، وفيما أمكن من مصالح المسلمين. وقال ابن التين: فإن كان من دفائن الإسلام فهو لقطة، وإن كان من دفائن الجاهلية، فقال مالك: هو للبائع، وخالفه ابن القاسم فقال: إن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها، وقول مالك أحسن لأن من ملك أرضا باختطاط ملك ما في باطنها، وليس جهله به حين البيع يسقط ملكه فيه.
3743 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني مالك عن محمد بن المنكدر وعن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون فقال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. قال أبو النضر لا يخرجكم إلا فرارا منه.
مطابقته للترجمة في قوله: (على طائفة من بني إسرائيل). وأبو النضر، بسكون الضاد المعجمة: اسمه سالم وهو ابن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في ترك الحيل عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري. وأخرجه مسلم في الطب عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن جماعة آخرين. وأخرجه الترمذي في الجنائز عن قتيبة وأخرجه النسائي في الطب عن قتيبة وعن الحارث بن مسكين عن أبي القاسم عن مالك.
قوله: (في الطاعون) أي: في حال الطاعون وشأنه وهو على وزن: فاعول، من الطعن غير أنه عدل عن أصله ووضع دالا على الموت العام المسمى بالوباء وقال الخليل: الوباء هو الطاعون، وقيل: هو كل مرض عام يقع بكثير من الناس نوعا واحدا، بخلاف سائر الأوقات، فإن أمراضهم فيها مختلفة. فقالوا: كل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونا، وقيل: الطاعون هو الموت الكثير. وقيل: بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهيب ويسود ما حوله أو يخضر ويحصل معه خفقان القلب والقيء ويخرج في المراق والآباط. قوله: (رجز)، أي: عذاب كائن على من كان قبلنا، وهو رحمة لهذه الأمة كما صرح به في حديث آخر. قوله: (فلا تقدموا)، بفتح الدال عليه أي: على الطاعون الذي وقع بأرض، وذلك لأن المقام بالموضع الذي لا طاعون فيه أسكن للقلوب. قوله: (فرارا منه) أي: لأجل الفرار من الطاعون.
وذكر ابن جرير الخلاف عن السلف في الفرار منه، وذكر عن أبي موسى الأشعري أنه: كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون، وعن الأسود بن هلال ومسروق، أنهما كانا يفران منه، وعن عمرو بن العاص، أنه قال: تفرقوا في هذا الرجز في الشعاب والأودية ورؤوس الجبال، فبلغ معاذا فأنكره. وقال: بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم، وكان بالكوفة طاعون فخرج المغيرة منها، فلما كان في حضار بني عوف طعن فمات. وأما عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، فإنه رجع من سرع ولم يقدم عليه حين قدم الشام وذلك لدفع الأوهام المشوشة لنفس الإنسان، وتأول من فر أنه لم ينه عن الدخول أو الخروج مخافة أن يصيبه غير المقدر، ولكن مخافة الفتنة أن يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه، وسلامة الفار إنما كانت بفراره، وهذا من نحو النهي

58
عن الطيرة. وعن ابن مسعود: هو فتنة على المقيم والفار، وأما الفار فيقول: فررت فنجوت، وأما المقيم فيقول: أقمت فمت وإنما فر من لم يأت أجله، وأقام من حضر أجله. وقالت عائشة، رضي الله تعالى عنها. (الفرار منه كالفرار من الزحف). ويقال: قلما فر أحد من الوباء فسلم. ويكفي في ذلك موعظة قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت...) * (البقرة: 342). الآية، قال الحسن: خرجوا حذرا من الطاعون فأماتهم الله في ساعة واحدة، وهم أربعون ألفا. وذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتابه: كانت العرب تقول إذا دخل أحد بلدا وفيها وباء فإنه ينهق نهيق الحمار قبل دخوله فيها إذا فل أمن من الوباء. فإن قلت: عدم القدوم عليه تأديب وتعليم، وعدم الخروج إثبات التوكل والتسليم، وهما ضدان يؤمر وينهى عنه. قلت: قال ابن الجوزي: إنه لم يؤمن على القادم عليه أن يظن إذا أصابه أن ذلك على سبيل العدوي التي لا صنع للعذر فيما نهي عن ذلك، فكلا الأمرين مراد لإثبات العذر وترك التعرض لما فيه من تزلزل الباطن. وقال بعضهم: إنما نهى عن الخروج لأنه إذا خرج الأصحاء وهلك المرضى فلا يبقى من يقوم بأمرهم.
قوله: (قال أبو النضر: لا يخرجكم إلا فرارا منه)، كذا هو بالنصب، ويجوز رفعه، واستشكلهما القرطبي لأنه يفيد بحكم ظاهره أنه لا يجوز لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار، وهذا محال، وهو نقيض المقصود من الحديث، فلا جرم قيده بعض رواة الموطأ بكسر الهمزة وسكون الفاء، ورد هذا بأنه لا يقال: أفر إفرارا، وإنما يقال: فر فرارا وقيل: ألا ههنا غلط من الراوي؟ والصواب حذفها، وقيل: إنها زائدة كما في قوله تعالى: * (ما منعك أن لا تسجد) * (الأعراف: 21). أي: ما منعك أن تسجد؟ ووجه طائفة النصب على الحال، وجعلوا: ألا، للإيجاب لا للاستثناء، وتقديره: لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا منه، فأباح الخروج لغرض آخر كالتجارة ونحوها.
4743 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا داود بن أبي الفرات حدثنا عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتبسا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد.
هذا الحديث من جنس الحديث السابق، فلذلك ذكره عقيبه فتقع المطابقة بينه وبين الترجمة من حيث أنه مطابق للمطابق والمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء.
وداود بن أبي الفرات، بضم الفاء وتخفيف الراء وبالتاء المثناة من فوق: المروزي ثم البصري مات سنة سبع وستين ومائة، وعبد الله بن بريدة، بضم الباء الموحدة مصغر بردة: ابن الحصيب بالمهملتين قاضي مرو، تقدم في الحيض، ويحيى بن يعمر، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح الميم وبالراء: البصري النحوي القاضي أيضا بمرو التابعي الجليل.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن موسى بن إسماعيل أيضا وفي الطب عن إسحاق عن حبان بن هلال وفي القدر عن إسحاق بن إبراهيم عن النضر بن شميل، وأخرجه النسائي في الطب عن العباس ابن محمد وعن إبراهيم بن يونس.
قوله: (ليس من أحد) كلمة: من، زائدة. قوله: (فيمكث في بلده)، أي: يستقر فيه ولا يخرج. قوله: (صابرا)، حال وكذا قوله: (محتسبا) إما من الأحوال
المترادفة أو المتداخلة، وكذلك قوله: (يعلم) حال. قوله: (إلا كان له)، استثناء من قوله: أحد.
وفيه: بيان عناية الله تعالى بهذه الأمة المكرمة حيث جعل ما وعد عذابا لغيرهم رحمة لهم.
5743 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ل يث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن يجتري عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال

59
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها..
مطابقته للترجمة في قوله: (إنما أهلك الذين من قبلكم) لأن المراد منهم بنو إسرائيل، والدليل عليه قوله في بعض طرقه: إن بني إسرائيل كانوا.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل أسامة عن قتيبة وفي الحدود عن أبي الوليد. وأخرجه مسلم في الحدود عن قتيبة ومحمد بن رمح. وأخرجه أبو داود فيه عن يزيد بن خالد وقتيبة. وأخرجه الترمذي فيه والنسائي في القطع جميعا عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة في الحدود عن محمد بن رمح.
قوله: (أهمهم)، أي: أحزنهم. قوله: (شأن المرأة)، أي: حال المرأة المخزومية، وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد وكانت سرقت حليا وكان ذلك في غزوة الفتح. وقتل أبوها كافرا يوم بدر، وكان حلف ليكسرن حوض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقاتل حتى وصل إليه فأدركه حمزة، رضي الله تعالى عنه، وهو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء. قوله: (فقالوا)، أي: قريش. قوله: (فيها)، أي: في المرأة المخزومية، أي: لأجلها. قوله: (ومن يجترىء عليه؟) أي: ومن يتجاسر عليه؟ بطريق الإدلال. قوله: (حب رسول الله، صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: أي محبوب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (أتشفع)، الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار. قوله: (أنهم) بفتح الهمزة. قوله: (وأيم الله) اختلف في همزته: هل هي للوصل أو للقطع؟ وهو من ألفاظ القسم نحو: لعمر الله، وعهد الله، وفيه لغات كثيرة وتفتح همزته وتكسر. وقال ابن الأثير: وهمزتها همزة وصل، وقد تقطع، وأهل الكوفة من النحاة يزعمون أنه جمع يمين، وغيرهم يقول: هو اسم موضوع للقسم.
وفيه: النهي عن الشفاعة في الحدود ولكن ذلك بعد بلوغه إلى الإمام. وفيه: منقبة ظاهرة لأسامة، رضي الله تعالى عنه.
6743 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة قال سمعت النزال بن سبرة الهلالي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال سمعت رجلا قرأ وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية وقال كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا. (انظر الحديث 0142 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (فإن من كان قبلكم اختلفوا). وآدم هو ابن أبي إياس، وعبد الملك ميسرة ضد الميمنة، والنزال، بفتح النون وتشديد الزاي وباللام، سبق مع الحديث في كتاب الخصومات فإنه أخرج هذا الحديث هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة... إلى آخره. قوله: (قرأ) ويروى: قرأ آية، وقد مر الكلام فيه هناك.
131 - (حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني شقيق قال عبد الله كأني أنظر إلى النبي
يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)
مطابقته للترجمة في قوله نبيا من الأنبياء والظاهر أنه من أنبياء بني إسرائيل وقال النووي هذا النبي الذي حكى النبي
ما جرى له من المتقدمين وقال بعضهم يحتمل أن يكون هو نوح عليه الصلاة والسلام فإن قومه كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون (قلت) على قوله لا مطابقة بينه وبين الترجمة فإن الترجمة في بني إسرائيل ونوح عليه الصلاة والسلام قبل بني إسرائيل بمدة متطاولة وقال القرطبي أن النبي
هو الحاكي والمحكي (قلت) هذا أيضا نحوه * وعمر بن حفص شيخ البخاري يروي

60
عن أبيه حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قاضيها وهو يروي عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه * والحديث أخرجه البخاري أيضا في استتابة المرتدين وأخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن نمير وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن ابن نمير به * -
8743 حدثنا أبو الوليد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا فقال لبنيه لما حضر أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ففعلوا فجمعه الله عز وجل فقال ما حملك قال مخافتك فتلقاه برحمته.
مطابقته للترجمة في قوله: (أن رجلا كان قبلكم). وأبو الوليد هو هشام بن عبد الملك، وأبو عوانة، بفتح العين: الوضاح ابن عبد الله اليشكري، وعقبة بن عبد الغافر أبو نهار الأزدي الكوفي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر مضى في الوكالة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن موسى بن إسماعيل وفي التوحيد عن عبد الله ابن أبي الأسود، وأخرجه مسلم في التوبة عن عبيد الله بن معاذ وعن يحيى بن حبيب وعن أبي موسى وعن ابن أبي شيبة.
قوله: (رغسه الله)، بفتح الراء والغين المعجمة والسين المهملة، أي: أعطاه الله، وقيل: أي أكثر ماله وبارك فيه، وهو من الرغس وهو البركة والنماء والخير، ورجل مرغوس كثير المال والخير، وقيل: رغس كل شيء أصله، فكأنه جعل له أصلا من المال. وقيل: يروى: رأسه الله مالا، بالسين المهملة. وقال ابن التين، هذا غلط، فإن صح فهو بشين معجمة من الريش والرياش وهو المال. قلت: في رواية مسلم: راشه الله، بالراء والشين المعجمة من الريش وهو المال. قوله: (لما حضر)، على صيغة المجهول أي: لما حضره الموت. قوله: (في يوم عاصف)، أي: عاصف ريحه أي: شديد. قوله: (ما حملك؟) أي: أي شيء حملك على هذه الوصية؟ قوله: (مخافتك) أي: حملتني مخافتك، أي: لأجل الخوف منك، فيكون ارتفاع مخافتك بالفعل المحذوف، وقال الكرماني: ارتفاعه بأنه مبتدأ محذوف الخبر، أو بالعكس، ويروى بالنصب على نزع الخافض أي: لأجل مخافتك. قلت: الذي ذكرناه أوجه وأنسب على ما لا يخفى على المعرب. قوله: (فتلقاه)، بالقاف عند أبي ذر أي: استقبله برحمته، وقال ابن التين: لا أعلم للفاء وجها إلا أن يكون أصله: فتلففه رحمته، فلما اجتمعت الفاآت الثلاث أبدلت الأخيرة ألفا فصار: تلفاه، ويروى: فتلافاه، وهي رواية الكشميهني.
وقال معاذ حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت عقبة بن عبد الغافر سمعت أبا سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم
هذا التعليق وصله مسلم عن عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه حدثنا أبي حدثنا شعبة عن قتادة سمع عقبة بن عبد الغافر يقول: سمعت أبا سعيد الخدري يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلا فيمن كان قبلكم راشه الله تعالى مالا وولدا، فقال لولده: لتفعلن ما آمركم به أو لأولين ميراثي غيركم إذا أنا مت، فأحرقوني، وأكبر ظني أنه قال ثم اسحقوني واذروني في الريح، فإني لم ابتهر عند الله خيرا، وإن الله يقدر على أن يعذبني، قال: فأخذ منهم ميثاقا ففعلوا ذلك به وذري، فقال الله تعالى: ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك، قال: فما تلافاه غيرها).
9743 حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش قال قال عقبة لحذيفة ألا تحدثنا ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعته يقول إن رجلا

61
حضره الموت لما أيس من الحياة أوصى أهله إذا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا ثم أوروا نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فخذوها فاطحنوها فذروني في اليم في يوم حار أو راح فجمعه الله فقال لم فعلت قال خشيتك فغفر له قال عقبة وأنا سمعته يقول. (انظر الحديث 2543 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (أن رجلا حضره الموت) وهذا الحديث مضى في أول: باب ما ذكر عن بن إسرائيل، بأتم منه، فإنه أخرجه هناك: عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عبد الله بن عمير عن ربعي بن حراش... إلى آخره، وهنا أخرجه: عن مسدد عن أبي عوانة الوضاح، وهذا هكذا رواية الكشميهني، وأبو ذر صوب رواية الأكثرين، وهي: عن موسى بن إسماعيل التبوذكي، وذكر أبو نعيم في (المستخرج): أنه عن موسى ومسدد جميعا لأنهما قد سمعا من أبي عوانة، وقد ذكرنا هناك ما تيسر لنا من لطف الله وفضله، فلنذكر هنا ما يجلب من الفوائد أحسنها وأخصرها.
فقوله: (قال عقبة) هو عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري، لا عقبة بن عبد الغافر المذكور آنفا. ولا يلتبس عليك. قوله: (ألا تحدثنا)، كلمة: ألا، هنا للعرض والتحضيض، ومعناهما طلب الشيء، ولكن العرض طلب بلين والتحضيض طلب بحث وإلا هذه تختيص بالفعلية. قوله: (قال سمعته) أي: قال عقبة: سمعت حذيفة، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أوصى إلى أهله) ويروى (أوصى أهله) قوله: (صم أوروا) أمر للجمع بفتح الهمزة من أورى يوري إيراء، يقال: ورى الزند يري: إذا خرجت ناره، وأوراه غيره إذا استخرج ناره. قوله: (وإذا خلصت) بفتح اللام أي: وصلت. قوله: (فذروني)، بضم الذال وتشديد الراء من: ذروت الشيء أذروه ذروا: إذا فرقته. قوله: (في اليم)، أي: في البحر. قوله: (في يوم حار أو راح) هذا على الشك في رواية النسفي، وعند أبي الهيثم: حار فقط بالراء أي: شديد الحر. قال الجوهري: حر النهار فيه لغتان تقول: حررت يا يوم بالفتح وحررت بالكسر وأحر النهار لغة فيه سمعها الكسائي. قوله: (أو راح)، أي: ذي ريح شديدة، وفي رواية المروزي: حاز، بحاء مهملة وزاي مشددة ومعناه: يحز ببرده أو حره، وكذا قيده الأصيلي وأبو ذر، وفي رواية القابسي: في يوم حان، بالنون، واقتصر ابن التين على هذه الرواية، ثم نقل عن ابن فارس: الحون ريح يحن كحنين الإبل، قال: فعلى هذا يقرأ: في يوم حان بتشديد النون، يريد حان ريحه. وفي (التوضيح): وتبعه بعض شيوخنا فاقتصر عليه في شرحه وأهمل الباقي. قوله: (فجمعه الله) أي: جمع جسده لأن التحريق والتفريق إنما وقع عليه وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث، وفي حديث سلمان الفارسي عند أبي عوانة في (صحيحه): فقال الله: كن، فكان كأسرع من طرف العين. قوله: (فقال: لم فعلت) أي: فقال الله تعالى لذلك الرجل: لم فعلت هذا؟ (قال: من خشيتك)، أي: من أجل خشيتي منك. قوله: (فغفر له) فإن قلت: إن كان هذا الرجل مؤمنا فلم شك في قدرة الله تعالى؟ حيث قال: فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا، على ما يأتي عن قريب في حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، وإن لم يكن، فكيف غفر له؟ قلت: كان مؤمنا بدليل الخشية، ومعنى: قدر، مخففا ومشددا: حكم وقضى، أو ضيق. وقال النووي: قيل: أيضا: إنه على ظاهره، ولكن قاله غير ضابط لنفسه وقاصد لمعناه، بل قاله في حالة غلب عليه فيها الدهش والخوف بحيث ذهب تدبره فيما يقوله، فصار كالغافل والناسي لا يؤاخذ عليهما، أو أنه كان في زمان ينفعه مجرد التوحيد، أو كان في شرعهم جواز العفو عن الكافر. وقال الخطابي: فإن قلت: كيف يغفر له وهو منكر للقدرة على الإحياء؟ قلت: ليس بمنكر، إنما هو رجل جاهل ظن أنه إذا صنع به هذا الصنيع ترك فلم ينشر ولم يعذب، وحيث قال: من خشيتك، علم أنه أنه رجل مؤمن فعل ما فعل من خشية الله، ولجهله حسب أن هذه الحيلة تنجيه. قوله: (وقال عقبة)، أي: عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري: (وأنا سمعته يقول) أي: النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك وقال في يوم راح
أشار بهذا إلى أن موسى بن إسماعيل التبوذكي خالف مسددا في لفظه من الحديث المذكور، وهي قوله: في يوم راح، لأن في رواية مسدد: في يوم حار، على ما مر عن قريب.

62
0843 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا قال فلقي الله فتجاوز عنه. (انظر الحديث 8702).
مطابقته للترجمة في أول الحديث، وقد مضى هذا الحديث في البيوع في: باب من أنظر معسرا، فإنه أخرجه هناك عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله... إلى آخره نحوه، غير أن فيه: كان تاجرا يداين الناس.
1843 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال يا رب خشيتك فغفر له وقال غيره مخافتك يا رب. (الحديث 1843 طرفه في: 6057).
مطابقته للترجمة في قوله: (فكان رجل مسرف على نفسه). وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، وكان قاضيها. قوله: (ثم ذروني)، بفتح الذال وتخفيف الراء أي: اتركوني، وهو أمر من: يذر، والعرب أماتوا ماضيه، وفي رواية الكشميهني: ثم أذروني، بفتح الهمزة في أوله من: أذرت الريح الشيء: إذا فرقته بهبوبها. قوله: (فوالله لئن قدر علي) قد مضى معناه عن قريب. قوله: (فعل به ذلك) أي: الذي أوصى به الرجل. قوله: (وقال غيره) المراد من لفظ: الغير، هو عبد الرزاق، فإن هشاما روى عن معمر عن الزهري بلفظ: خشيتك، وروى عبد الرزاق عن معمر بلفظ: مخافتك بدل خشيتك، ومعناهما واحد، وبقية معاني ألفاظ الحديث قد مرت عن قريب.
2843 حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها ولا هي سقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. (انظر الحديث 5632 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن وضع الحديث هنا يدل على أن تلك المرأة من بني إسرائيل وعبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد بن مخراق الضبعي البصري ابن أخي جويرية بن أسماء وهو شيخ مسلم أيضا، وجويرية مصغر جارية بالجيم ابن أسماء بن عبيد ابن مخراق الضبعي البصري، والحديث مر في أواخر بدء الخلق في: باب خمس من الدواب، ومر أيضا نحوه في الصلاة في: باب ما يقرأ بعد التكبير. وأخرجه مسلم في الحيوان وفي الأدب عن عبد الله بن محمد المذكور ومر الكلام فيه هناك. قوله: (في هرة)، أي: بسبب هرة، وقد تجيء كلمة: في، للسببية كما في نحو: في النفس المؤمنة مائة إبل. قوله: (خشاش الأرض) بالمعجمات وفتح الخاء، وهي: حشرات الأرض وهوامها.

63
3843 حدثنا أحمد بن يونس عن زهير حدثنا منصور عن ربعي ابن حراش حدثنا أبو مسعود عقبة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحي فافعل ما شئت.
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من أول الحديث لأن المراد من الناس الأوائل، وهو يشمل بني إسرائيل وغيرهم فافهم. وأحمد ابن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربرعي الكوفي، وزهير هو ابن معاوية الكوفي، ومنصور هو ابن المعتمر الكوفي، وربع ابن حراش مر عن قريب، وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري، وهذا هو المحفوظ وحكى الدارقطني في (العلل) رواية إبراهيم بن سعد عن منصور عن عبد الملك فقال: عن ربعي عن حذيفة، ورواه أيضا أبو مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة. قيل: لا يبعد أن يكون ربعي سمعه من أبي مسعود ومن حذيفة جميعا.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أحمد بن يونس. وأخرجه أبو داود في الأدب عن القعنبي. وأخرجه ابن ماجة في الزهد عن عمرو بن رافع.
قوله: (إن مما أدرك الناس) بالرفع والنصب، أي: مما أدركه الناس أو مما بلغ الناس. قوله: (من كلام النبوة) أي: مما اتفق عليه الأنبياء، أي: إنه مما ندب إليه الأنبياء ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم. لأنه أمر أطبقت عليه العقول، وفي رواية أبي داود وأحمد وغيرهما: من كلام النبوة الأولى، وفي بعض نسخ البخاري هكذا أيضا. قوله: (فافعل ما شئت) ويروى: فاصنع ما شئت.
وفيه: أوجه: أحدها: إذا لم تستح من العتب ولم تخش العار فافعل ما تحدثك به نفسك، حسنا كان أو قبيحا، ولفظه أمر ومعناه توبيخ. الثاني: أن يحمل الأمر على بابه تقول: إذا كنت آمنا في فعلك أن تستحي منه لجريك فيه على الصواب وليس من الأفعال التي يستحي منها فاصنع ما شئت. الثالث: معناه الوعيد أي: إفعل ما شئت تجازى به. كقوله عز وجل: * (اعملوا ما شئتم) * (فصلت: 04). الرابع: لا يمنعك الحياء من فعل الخير. الخامس: هو على طريق المبالغة في الذم، أي: تركك الحياء أعظم مما تفعله، واعلم أن الجملة أعني قوله: إذا لم تستح اسم: إن، على تقدير القول، أو خبره على تأويل من التبعيضية بلفظ البعض، ولفظ: إصنع، أمر بمعنى الخبر أو أمر تهديدي، أي: إصنع ما شئت فإن الله يجزيك.
5843 حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبيد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني سالم أن ابن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء
خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة. (الحديث 5843 طرفه في: 0975).
مطابقته للترجمة تؤخذ من لفظ الحديث، لأن الرجل الذي فيه من الأوائل وهو يشمل بني إسرائيل وغيرهم، وقيل: هذا الرجل هو قارون وهو من بني إسرائيل. وبشر. بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وهو من أفراده، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، والزهري هو محمد بن مسلم، وسالم هو ابن عبد الله ابن عمر. والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن وهب بن بيان.
قوله: (بينما) ظرف مضاف إلى جملة فيحتاج إلى جواب، وجوابه هو قوله: (خسف به). قوله: (من الخيلاء) هو التكبر والتبختر مع الإعجاب. قوله: (يتجلجل) أي: يتحرك في الأرض، والجلجلة الحركة مع صوت، وقال ابن دريد: كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته. وعن ابن فارس: هو أن يسيخ في الأرض مع اضطراب شديد وتدافع من شق إلى شق.
تابعه عبد الرحمان بن خالد عن الزهري
أي: تابع يونس عبد الرحمن بن خالد في روايته عن محمد بن مسلم الزهري، وعبد الرحمن هذا هو أبو خالد الفهمي مولى الليث ابن سعد بن عوف، روى عنه الليث، وكان واليا لهشام على مصر سنة ثمان عشرة ومائة، وعزل سنة تسع عشرة، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة، ووصل هذه المتابعة الذهلي في (الزهريات) عن أبي صالح عن الليث عن عبد الرحمن.
5843 حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبيد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني سالم أن ابن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة. (الحديث 5843 طرفه في: 0975).
مطابقته للترجمة تؤخذ من لفظ الحديث، لأن الرجل الذي فيه من الأوائل وهو يشمل بني إسرائيل وغيرهم، وقيل: هذا الرجل هو قارون وهو من بني إسرائيل. وبشر. بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وهو من أفراده، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، والزهري هو محمد بن مسلم، وسالم هو ابن عبد الله ابن عمر. والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن وهب بن بيان.
قوله: (بينما) ظرف مضاف إلى جملة فيحتاج إلى جواب، وجوابه هو قوله: (خسف به). قوله: (من الخيلاء) هو التكبر والتبختر مع الإعجاب. قوله: (يتجلجل) أي: يتحرك في الأرض، والجلجلة الحركة مع صوت، وقال ابن دريد: كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته. وعن ابن فارس: هو أن يسيخ في الأرض مع اضطراب شديد وتدافع من شق إلى شق.
تابعه عبد الرحمان بن خالد عن الزهري
أي: تابع يونس عبد الرحمن بن خالد في روايته عن محمد بن مسلم الزهري، وعبد الرحمن هذا هو أبو خالد الفهمي مولى الليث ابن سعد بن عوف، روى عنه الليث، وكان واليا لهشام على مصر سنة ثمان عشرة ومائة، وعزل سنة تسع عشرة، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة، ووصل هذه المتابعة الذهلي في (الزهريات) عن أبي صالح عن الليث عن عبد الرحمن.

64
6843 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب قال حدثني ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد كل أمة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فغدا لليهود وبعد غد للنصارى. على كل مسلم في كل سبعة أيام يوم يغسل رأسه وجسده. (انظر الحديث 798 وطرفه).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أوتوا الكتاب من قبلنا) لأنهم من بني إسرائيل وغيرهم. وابن طاووس هو عبد الله، يروي عن أبيه طاووس.
والحديث مضى في أول كتاب الجمعة من وجه آخر فإنه أخرجه هناك: عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج أنه: سمع أبا هريرة... إلى آخره، وهنا زيادة على ذلك، وهو قوله: على كل مسلم... إلى آخره.
قوله: (نحن الآخرون) أي: في الدنيا (السابقون) في الآخرة. قوله: (بيد) بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال المهملة، ومعناه: غير، يقال، فلان كثير المال بيد أنه بخيل، ويجيء بمعنى: إلا، وبمعنى: لكن، وقال المالكي: المختار عندي في: بيد أن يجعل حرف استثناء بمعنى: لكن، لأن معنى إلا مفهوم منها، ولا دليل على إسميتها. والمشهور استعمالها متلوة بأن كما في الحديث، والأصل فيه: بيد أن كل أمة... فحذف أن، وبطل عملها. قال أبو عبيد: وفيه لغة أخرى: ميد، بالميم وجاء في الحديث: أنا أفصح العرب ميد أني من قريش، وقال الطيبي: قيل: معنى: بيد، على أنه، وعن المزني: سمعت الشافعي يقول بيد من أجل قوله اختلفوا فيه، معنى الاختلاف فيه أنه فرض يوم للجمع للعبادة، ووكل إلى اختيارهم فمالت اليهود إلى السبت والنصارى إلى الأحد، وهدانا الله إلى يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام. قوله: (على كل مسلم...) إلى آخره، المراد به: يوم الجمعة، لأنه في كل سبعة أيام يوم، وإشار بقوله: (يغسل رأسه وجسده) إلى الاغتسال يوم الجمعة فإنه له فضلا عظيما حتى صرح في الحديث الصحيح أنه واجب وإليه ذهب مالك وآخرون.
8843 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة سمعت سعيد بن المسيب قال قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا فأخرج كبة من شعر فقال ما كنت أرى أن أحدا يفعل هذا غير اليهود وإن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور يعني الوصال في الشعر.
مطابقته للترجمة في قوله: (اليهود) لأنهم من بني إسرائيل وقد مر نحوه من حديث معاوية عن قريب في هذا الباب، غير أنه من وجه آخر. قوله: (قدمة)، بفتح
القاف وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين. قوله: (كبة)، بضم الكاف وتشديد الباء الموحدة من الغزل، وقال الجوهري: الكبة الجر وهو من الغزل، تقول منه: كببت الغزل، أي: جعلته كببا، وفي الحديث الذي مضى قصة من شعر. قوله: (سماه الزور)، الزور الكذب والتزيين بالباطل ولا شك أن وصل الشعر منه وفيه طهارة شعر الآدمي.
تابعه غندر عن شعبة
أي: تابع آدم شيخ البخاري غندر، بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال وفي آخره راء، وهو لقب محمد بن جعفر في رواية الحديث المذكور عن شعبة، ووصل مسلم هنا المتابعة وقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة وحدثنا ابن المثنى وابن بشار، قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب (قال: قدم معاوية المدينة فخطبنا وأخرج كبة من شعر، فقال: ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود، إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور). وقال مسلم: وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة، قال معاوية: وهذا الزور، قال قتادة: يعني ما يكثر النساء أشعارهن من الخرق، والله تعالى أعلم بالصواب.
بسم الله الرحمان الرحيم

65
16
((كتاب المناقب))
أي: هذا كتاب في بيان المناقب، وهو جمع المنقبة، وهي ضد المثلبة، ووقع في بعض النسخ: باب المناقب، والأول أولى، لأن الكتاب يجمع الأبواب وفيه أبواب كثيرة تتعلق بأشياء كثيرة على ما لا يخفى.
1
((باب قول الله تعالى * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 31). وقوله * (واتقوا الله الذي تساءلون به الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) * (النساء: 1).))
أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى: * (يا أيها الناس...) * (الحجرات: 31). إلى آخره، ذكر هذا ليبني عليه تفسير الشعوب والقبائل وما يتعلق بها، واعلم أن هذه الآية الكريمة نزلت في ثابت بن قيس، وقوله للرجل الذي لم يفسح له: ابن فلانة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من الذاكر فلانة؟ فقام ثابت بن قيس. فقال: أنا يا رسول الله! قال: أنظر في وجوه القوم، فنظر إليها. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما رأيت يا ثابت؟ قال: رأيت أبيض وأسود وأحمر، قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى، فأنزل الله في ثابت هذه الآية.
قوله: (من ذكر آدم عليه السلام، وأنثى)، حواء، عليها السلام، وقيل: خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فما منكم أحد إلا وهو يدلي ما يدلي به الآخر سواء بسواء، فلا وجه للتفاخر والتفاضل في النسب. قوله: (وجعلناكم شعوبا)، وهي رؤوس القبائل وجمهورها، قيل: ربيعة ومضر والأوس والخزرج، واحدها: شعب، بفتح الشين، والشعب الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب، وهي: الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة. فالشعب يجمع القبائل، والقبائل تجمع العمائر، والعمائر تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل. خزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة، وسميت الشعوب: شعوبا لأن القبائل تتشعب منها. وقال صاحب (المنتهي): ما تشعب من قبائل العرب والعجم، والشعوب الأمم المختلفة، فالعرب شعب وفارس شعب والروم شعب والترك شعب. وفي (الموعب): الشعب مثال كعب وعن ابن الكلبي: بالكسر، وفي (نوادر الهجري): لم يسمع فصيحا بكسر الشين، وفي (المحكم): الشعب هو القبيلة نفسها وقد غلبت الشعوب بلفظ الجمع على جيل العجم، وفي (تهذيب) الأزهري: أخذت القبائل من قبائل الرأس لاجتماعها، وفي (الصحاح) قبائل الرأس هي القطع المشعوب بعضها إلى بعض تصل بها الشؤون، وقال الزجاج: القبيلة من ولد إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، كالسبط من ولد إسحاق، عليه الصلاة والسلام، سموا بذلك ليفرق بينهما، ومعنى: القبيلة من ولد إسماعيل معنى الجماعة، يقال: لكل جماعة من واحد: قبيلة، ويقال لكل جمع على شيء واحد: قبيل، أخذ من قبائل الشجرة وهي أغصانها، وذكر ابن الهبارية في كتابة تلك المعاني: أن القبائل من ولد عدنان مائتان وسبع وأربعون قبيلة، والبطون من ولده مائتان وأربعة وأربعون بطنا والأفخاذ خمسة عشر فخذا غير أولاد أبي طالب. وذكر أهل اللغة: أن الشعوب مثل مضر وربيعة، والقبائل دون ذلك مثل قريش وتميم، ثم العمائر جمع عميرة، ثم البطون جمع بطن، ثم الأفخاذ جمع فخذ، وقسم الجواني العرب إلى عشر طبقات: الجذم ثم الجمهور ثم الشعب ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم العشيرة ثم الفصيلة ثم الرهط. قوله: (لتعارفوا)، أي: ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده، فلا يعتري إلى غير آبائه لا أن يتفاخروا بالآباء والأجداد، ويدعوا التفاضل والتفاوت في الأنساب، ثم بين الفضيلة التي بها يفضل الإنسان على غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله تعالى فقال: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * وقال مجاهد: (لتعارفوا) ليقال فلان ابن فلان، وقرأ ابن عباس: لتعرفوا، وأنكره بعض أهل اللغة. قوله: (وقوله تعالى: * (واتقوا الله الذي) * (النساء: 1). إلى آخره أي: اتقوا الله بطاعتكم إياه. قال إبراهيم ومجاهد والحسن والضحاك والربيع وغير واحد: الذي تساءلون به، أي: كما يقال: أسألك بالله وبالرحم، وعن الضحاك: واتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ولكن زوروها وصلوها، والأرحام جمع: رحم، وقرأ عبد الله بن يزيد المقرئ و: الأرحام، بالضم على الابتداء والخبر محذوف أي: الأرحام مما يتقى به، والجمهور على النصب على تقدير: واتقوا الأرحام، وقرئ بالجر أيضا عطفا
على قوله: به، وفيه خلاف فأجازه

66
الكوفيون ومنعه البصريون لأنه لا يجوز عندهم العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار. قوله: * (إن الله كان عليكم رقيبا) * (النساء: 1). أي: مراقبا لجميع أعمالكم وأحوالكم.
وما ينهى عن دعوى الجاهلية
عطف على قوله: وقول الله الذي هو عطف على قول الله المجرور بإضافة الباب إليه، أي: باب فيما ينهى عن دعوى الجاهلية، وهي الندبة على الميت والنياحة، وقيل: قولهم: يا لفلان، وقيل: الانتساب إلى غير أبيه، وقد عقد له بابا عن قريب يأتي، إن شاء الله تعالى.
الشعوب النسب البعيد: والقبائل دون ذلك
أراد بالنسب البعيد مثل مضر وربيعة، هذا قول مجاهد والضحاك. قوله: (والقبائل دون ذلك)، مثل قريش وتميم.
9843 حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي حدثنا أبو بكر عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا: قال الشعوب القبائل العظام والقبائل البطون.
مطابقته للآية التي هي الترجمة ظاهرة، لأن المذكور فيها الشعوب والقبائل، وقد فسر ابن عباس الشعوب بالقبائل العظام، وفسر القبائل بالبطون، وذلك لأن الشعوب تجمع القبائل، وذكر عن ابن عباس أيضا: أن القبائل الأفخاذ، فعلى هذا أن القبائل التي فسرها بالبطون تجمع الأفخاذ. وخالد بن يزيد أبو الهيثم المقرئ الكاهلي الكوفي، وهو من أفراده، والكاهلي نسبة إلى كاهل، بكسر الهاء: ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، بطن من هذيل، والظاهر أنه منسوب إلى كاهل بن أسد بن خزيمة بن مدركة لأن جماعة كثيرة من أهل الكوفة ينتسبون إليه، وأبو بكر هو ابن عياش ابن سالم الأسدي الكوفي الحناط، بالنون وفي اسمه أقوال كثيرة، والأصح أن اسمه كنيته، وأبو حصين، بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين: اسمه عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي.
0943 حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فيوسف نبي الله..
مطابقته للترجمة في قوله: (قال أتقاهم). ويحيى بن سعيد القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، وسعيد يروي عن أبيه أبي سعيد كيسان المقبري. والحديث مر في: باب * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) * (البقرة: 331). فإنه أخرجه هناك بأتم منه، ومر الكلام فيه هناك، وإنما أطلق على يوسف: أكرم الناس لكونه رابع نبي في نسق واحد ولا يعلم غيره بذلك.
3 - (حدثنا قيس بن حفص حدثنا عبد الواحد حدثنا كليب بن وائل قال حدثتني ربيبة النبي
زينب ابنة أبي سلمة قال قلت لها أرأيت النبي
أكان من مضر قالت فممن كان إلا من مضر من بني النضر بن كنانة)
مطابقته للترجمة في قوله إلا من مضر فإنه من الشعوب وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري وعبد الواحد هو ابن زياد وكليب مصغر كلب ابن وائل بالهمز تابعي وسط كوفي وأصله من المدينة وليس في البخاري غير هذا الحديث قوله ' أرأيت ' أي أخبريني قوله ' أكان من مضر ' الهمزة فيه للاستفهام قوله ' فممن كان ' بالفاء رواية الكشميهني ورواية

67
غيره بلا فاء ويجيء تفسيره عن قريب
4 - (حدثنا موسى حدثنا عبد الواحد حدثنا كليب حدثتني ربيبة النبي
وأظنها زينب قالت نهى رسول الله
عن الدباء والحنتم والمقير والمزفت وقلت لها أخبريني النبي
ممن كان من مضر كان قالت فممن كان إلا من مضر كان من ولد النضر بن كنانة)
هذا طريق آخر في الحديث المذكور. وموسى بن إسماعيل التبوذكي قوله ' وأظنها زينب ' الظاهر أن قائله موسى لأن قيس بن حفص في الرواية السابقة قد جزم بأنها زينب وشيخهما واحد (فإن قلت) قد أخرج الإسماعيلي هذا الحديث من رواية حبان بن هلال عن عبد الواحد قال ولا أعلمها إلا زينب قلت فعلى هذا الشك فيه من شيخه عبد الواحد كان يجزم بها تارة ويشك فيها أخرى قوله قالت نهى النبي
إنما ذكرت النهي عن هذه الأشياء هنا لأنها روت الحديث على هذه الصورة قوله ' الدباء ' بضم الدال وتشديد الباء الموحدة وبالمد القرع واحدها دباة والحنتم بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق وفي آخره ميم وهي جرار مدهونة خضر كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة واحدها حنتمة والمقير المطلي بالقار وهو الزفت وعن أبي ذر صوابه النقير بالنون وكسر القاف قوله ' أخبريني ' خطاب من كليب لزينب قوله ' النبي ' مبتدأ وخبره هو قوله ممن كان يعني من أي قبيلة قوله ' من مضر ' كأن همزة الاستفهام فيه مقدرة أي أمن مضر كان ومضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة هو ابن نزار بن معد بن عدنان واشتقاق مضر من المضيرة وهو شيء يصنع من اللبن سمي به لبياض لونه والعرب تسمي الأبيض أحمر فلذلك سميت مضر الحمراء وقال ابن سيده سمي مضر لأنه كان مولعا بشرب اللبن الماضر أي
الحامض وهو أول من سن للعرب الحداء للإبل لأنه كان حسن الصوت فسقط يوما من بعيره فوثبت يده فجعل يقول وايداه وايداه فأعنقت له الإبل وأمه سودة بنت عك وقيل حبيبة بنت عك وكان على دين إسماعيل عليه الصلاة والسلام وقال ابن حبيب حدثنا أبو جعفر عن أبي جريج عن عطاء عن ابن عباس قال مات أدد والد عدنان وعدنان ومعد وربيعة ومضر وقيس غيلان وتميم وأسد وضبة على الإسلام على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فلا تذكروهم إلا كما يذكر به المسلمون وعن سعيد بن المسيب أن رسول الله
قال لا تسبوا مضر فإنه كان مسلما على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعند الزبير بن بكار من حديث ميمون بن مهران عن ابن عباس يرفعه لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين وقال رسول الله
إذا اختلف الناس فالحق مع مضر وروي أنه
قال إن الله عز وجل اختار هذا الحي من مضر قوله ' فممن كان إلا من مضر ' كلمة إلا استثناء منقطع أي لكن كان من مضر أو الاستثناء من محذوف أي لم يكن إلا من مضر والهمزة محذوفة من كان وممن كان كلمة مستقلة أو الاستفهام للإنكار قوله ' كان من ولد النضر ' النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن كنانة بكسر الكاف ابن خزيمة بن مدركة بلفظ اسم الفاعل ابن الياس بن مضر وهذا بيان له لأن مضر قبائل وهذا بطن منه والنضر اسمه قيس سمي بالنضر لوضاءته وجماله وإشراق وجهه والنضر هو الذهب الأحمر وهو النضار وأمه برة بنت مر بن أد بن طابخة وكنية النضر أبو يخلد كني بابنه يخلد * وعلم من هذا أن معرفة الأنساب لا يستغنى عنها وقد جاء الأمر بتعلمها وهو ما رواه أبو نعيم من حديث العلاء بن خارجة المدني قال رسول الله
' تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ' وروى أبو هريرة عن النبي
مثله وصححه وقال أبو عمر روي عن النبي
أنه قال ' كفر بالله ادعاء نسب لا يعرف وكفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق ' وروي عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه مثله وقال
' من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله ' وقد روي من الوجوه الصحاح عن رسول الله
ما يدل على معرفته بأنساب العرب وروى الترمذي مصححا من حديث عبد الله بن عمرو خرج رسول الله
وفي يده اليمنى

68
كتاب وفي اليسرى كتاب فقال هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم * وقال أبو محمد الرشاطي الحض على معرفة الأنساب ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وبالغ ابن حزم في ذلك وقال لا ينكر حق معرفة النسب إلا جاهل أو معاند * وفرض أن يعلم المرء أن سيدنا رسول الله
هو محمد بن عبد الله القريشي الهاشمي الذي كان بمكة ورحل منها إلى المدينة فمن يشك فيه أهو قريشي أو يماني أو تميمي أو أعجمي فهو كافر غير عارف بدينه إلا أن يعذر بشدة ظلمة الجهل فيلزمه أن يتعلم ذلك ويلزم من بحضرته تعليمه ومن الفرض في علم النسب أن يعرف المرء أن الخلافة لا تجوز إلا من ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وأن يعرف كل من يلقاه بنسب في رحم محرمه ليجتنب ما حرم عليه وأن يعرف كل من يتصل به برحم يوجب ميراثا أو صلة أو نفقة أو عقدا أو حكما فمن جهل هذا فقد أضاع فرضا واجبا عليه لازما له من دينه وأما الذي يكون معرفته من النسب فضلا في الجميع وفرضا على الكفاية فمعرفة أسماء أمهات المؤمنين وأكابر الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين حبهم فرض فقد صح أنه
قال آية الإيمان حب الأنصار وآية المنافق بغض الأنصار * -
3943 حدثني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هاولاء بوجه ويأتي هاؤلاء بوجه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه، وجرير هو ابن عبد الحميد، وعمارة، بضم العين المهملة وتخفيف الميم: ابن القعقاع، وأبو زرعة اسمه هرم، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عمرو.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل بتمامه وفي الأدب بقصة ذي الوجهين.
قوله: (معادن)، أي: كمعادن، والحديث الآخر يوضحه: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، ووجه التشبيه اشتمال المعادن على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس، كذلك الناس من كان شريفا في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شرفا، فإن تفقه وصل إلى غاية الشرف، وكانت لهم أصول في الجاهلية يستنكفون عن كثير من الفواحش. قوله: (إذا فقهوا) يعني: إذا فهموا أمور الدين، والفقه في الأصل الفهم، يقال: فقه الرجل، بكسر القاف، يفقه، بفتحها إذا فهم وعلم، وفقه يفقه بضم القاف فيهما: إذا صار فقيها عالما، وقد جعله العرف خاصا بعلم الشريعة وتخصيصا بعلم الفروع منهما. قوله: (تجدون خير الناس في هذا الشأن) أي: في الخلافة أو في الإمارة. قوله: (أشدهم) بالنصب على أنه مفعول ثان: لتجدون. قوله: (له) أي: لهذا الشأن. قوله: (كراهية)، نصب على التمييز ويروى: كراهة. فإن قلت: كيف يصير خير جميع الناس بمجرد كراهته لذلك؟ قلت: المراد إذا تساووا في سائر الفضائل، أو يراد من الناس الخلفاء أو الأمراء، أو معناه من خيرهم بقرينة الحديث الذي بعده، فإن فيه تجدون من خير الناس بزيادة كلمة: من، كأنه قال: تجدون أكره الناس في هذا الأمر من خيارهم، والكراهة بسبب علمه بصعوبة العدل فيها
، والمطالبة في الآخرة، وهذا في الذي ينال الخلافة أو الإمارة من غير مسألة، فإذا نالها بمسألة فأمره أعظم لأنه لا يعان عليها، وهذا القسم أكثر في هذا الزمان. قوله: (ذا الوجهين) مفعول ثان لقوله: (تجدون شر الناس) وذو الوجهين: هو المنافق وهو الذي يمشي بين الطائفتين بوجهين يأتي لإحداهما بوجه ويأتي للأخرى بخلاف ذلك، وقال الله تعالى: * (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) * (النساء: 341). قال المفسرون: مذبذبين، يعني: المنافقين متحيرين بين الإيمان والكفر فلا هم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا ولاهم مع الكفار ظاهرا وباطنا، بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين، ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى هؤلاء، وروى مسلم من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة، لا تدري أيتهما تتبع.
5943 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي

69
هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم. والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا تجدون من خير الناس أشد الناس كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه. (انظر الحديث 3943 وطرفه).
هذا طريق آخر لحديث أبي هريرة المذكور، رواه مختصرا ومطولا. والمغيرة هو ابن عبد الرحمن الحزامي المديني، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن القعنبي، وفيه وفي الفضائل عن قتيبة. قوله: (الناس تبع لقريش) قال الخطابي: يريد بقوله: تبع لقريش، تفضيلهم على سائر العرب وتقديمهم في الإمارة. وبقوله: (مسلمهم تبع لمسلمهم) الأمر بطاعتهم أي: من كان مسلما فليتبعهم ولا يخرج عليهم، وأما معنى (كافرهم تبع لكافرهم)، فهو إخبار عن حالهم في متقدم الزمان، يعني: أنهم لم يزالوا متبوعين في زمان الكفر، وكانت العرب تقدم قريشا وتعظمهم وكانت دارهم موسما، ولهم السدانة والسقاية والرفادة يسقون الحجيج ويطعمونهم فحازوا به الشرف والرياسة عليهم، ويريد بقوله: (خيارهم إذا فقهوا) أن من كانت له مأثرة وشرف في الجاهلية وأسلم وفقه في الدين فقد أحرز مأثرته القديمة وشرفه الثابت إلى ما استفاده من المزية بحق الدين، ومن لم يسلم فقد هدم شرفه وضيع قديمه، ثم أخبر أن خيار الناس هم الذين يجدون الإمارة ويكرهون الولاية حتى يقعوا فيها، وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أنهم إذا وقعوا فيها عن رغبة وحرص زالت عنهم محاسن الأخيار، أي: صفة الخيرية، كقوله: من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين. والآخر: أن خيار الناس هم الذين يكرهون الإمارة حتى يقعوا فيها، فإذا وقعوا فيها وتقلدوها زال معنى الكراهة، فلم يجز لهم أن يكرهوها ولم يقوموا بالواجب من أمورها، أي: إذا وقعوا فيها فعليهم أن يجتهدوا في القيام بحقها فعل الراغب فيها غير كاره لها.
((باب))
أي: هذا باب وهو كالفصل لما قبله.
7943 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني عبد الملك عن طاووس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما * (إلا المودة في القربى) * (الشورى: 32). قال فقال سعيد بن جبير قربى محمد صلى الله عليه وسلم فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا وفيه قرابة فنزلت عليه * (إلا أن تصلوا قرابة بيني وبينكم) * (الشورى: 32). (الحديث 7943 طرفه في: 8184).
وجه ذكر هذه عقيب الحديث السابق أن المذكور فيه أن الناس تبع لقريش، وفيه تفضيلهم على غيرهم، والمذكور في هذا أنه لم يكن بطن من قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم، فيه قرابة، فيقتضي هذا تفضيله على الكل، ويحيى هو القطان، وعبد الملك هو ابن ميسرة أبو زيد الزراد.
وهذا الحديث ذكره في التفسير في * (حم عسق) * (الشورى: 1). حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت طاوسا عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: * (إلا المودة في القربى) * (الشورى: 32). فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد، فقال ابن عباس: عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. وأخرجه الترمذي أيضا في التفسير عن ابن بشار به، وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم عن غندر به.
قوله: * (إلا المودة في القربى) * (الشورى: 32). وقبله: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (الشورى: 32). لما أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الشريف، قال: قل لهم يا محمد: لا أسألكم عليه، أي: لا أطلب من هذا التبليغ المال والجاه ولا نفعا عاجلا ولا مطلوبا حاضرا لئلا يتوهم أنه صلى الله عليه وسلم يطلب من هذا التبليغ حظا من الحظوظ، وعن قتادة اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال: بعضهم لبعض: أترون أن محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا؟

70
فأنزل الله تعالى هذه الآية يحثهم على مودته ومودة أقربائه. قوله: * (إلا المودة في القربى) * (الشورى: 32). يجوز أن يكون استثناء متصلا، أي: لا أسألكم أجرا إلا هذه، وهو أن لا تؤذوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة، لأن قرابته قرابتهم، وكانت صلتهم لازمة لهم في المودة، ويجوز أن يكون استثناء منقطعا، أي: لا أسألكم أجرا قط، ولكن أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتك ولا تؤذوهم.
واختلف المفسرون في ذلك على أقوال: أحدها: محبة قرابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهم: أهل بيته من آل هاشم فمن بعدهم من أهل البيت. والثاني: مودة قريش. الثالث: المراد علي وفاطمة وولداها، ذكر في ذلك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن عباس. والرابع: قاله عكرمة: كانت قريش تصل
الرحم، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وبه قطعته. فقال: (صلوني كما تفعلون)، فالمعنى لكن أذكركم قرابتي. والخامس: مودة من يتقرب إلى الله، عز وجل، وهو رأى الصوفية.
قوله: (إلا أن تصلوا) أي: إلا صلة الأرحام. قوله: (فنزلت عليه) أي: على النبي، صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: هذا لم ينزل؟ قلت: نزل معناه وهو قوله تعالى: * (إلا المودة في القربى) * (الشورى: 32). وتقديره: إلا المودة ثابتة في أهل القربى، وقيل: الضمير في نزلت راجع إلى الآية التي فيها * (إلا المودة في القربى) * (الشورى: 32). وقوله: (إلا أن تصلوا) تفسير لها.
8943 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس بن أبي مسعود يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال من ههنا جاءت الفتن نحو المشرق والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر عند أصول أذناب الإبل والبقر في ربيعة ومضر.
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: في ربيعة ومضر، فإنهما قبيلتان، ولما فسر الكرماني هذا الحديث والذي بعده قال: فإن قلت: ما وجه مناسبتهما بالترجمة؟ قلت: ضرورة أن الناس باعتبار الصفات كالقبائل، وكون الأتقى منهم فيها أكرم، وفي القلب منه ما لا يخفى على الفطن.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو أبي حازم البجلي، وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري.
قوله: (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم)، إنما قال كذلك لأنه أعم من أنه: سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره عنه. قوله: (نحو المشرق)، هو بيان أو بدل لقوله: ههنا. قوله: (في الفدادين) بالتشديد، وهم الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم ومواشيهم، وبالتخفيف: هي البقرة التي تحرث، واحدها: فدان مشددا. وقال ابن الأثير: يقال: فدا الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته، وقيل: الفدادون هم المكثرون من الإبل، وقيل: هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان. قوله: (أهل الوبر) أي: أهل البوادي، والوبر، بفتح الواو والباء الموحدة وفي آخره راء: هو وبر الإبل سمي بذلك لأنهم يتخذون بيوتهم منه. قوله: (عند أصول أذناب الإبل)، هو عبارة عن جلبتهم عند سوقها. قوله: (في ربيعة ومضر)، بدل من الفدادين.
9943 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم والإيمان يمان والحكمة يمانية..
مر الكلام في وجه المطابقة في أول الحديث السابق، وأبو اليمان الحكم بن نافع. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن عبد الله ابن عبد الرحمن الدارمي عن أبي اليمان.
قوله: (والخيلاء) بضم الخاء وكسرها: الكبر والعجب، يقال: فيه خيلاء ومخيلة أي: كبر، ومنه اختال فهو مختال. وقال الداودي: قوله: (والفخر والخيلاء في الفدادين)، وهم، وإنما نسب إليهم الجفاء وهما في أصحاب الخيل. قوله: (والسكينة)، هو السكون والوقار. قوله: (يمان)، أصله: يمني، حذف إحدى الياءين وعوض منهما الألف فصار: يمان، وهي اللغة الفصحى، ثم: يمنى، ثم يماني بزيادة الألف، ذكرها سيبويه، وحكى الجوهري وصاحب (المطالع)

71
وغيرهما من سيبويه أنه حكى عن بعض العرب أنهم يقولون: اليماني، بالياء المشددة. وقال القاضي وغيره: قد صرفوا قوله: الإيمان يمان، عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة، ثم من المدينة.
وحكى أبو عبيد فيه أقوالا: أحدها: أنه أراد بذلك مكة، فإنه يقال: إن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن. والثاني: المراد مكة والمدينة فإنه يروى ما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك، ومكة ومدينة حينئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة، فقال: الإيمان يمان ونسبها إلى اليمن لكونها حينئذ من ناحية اليمن، كما قالوا: الركن اليماني وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن. والثالث: ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل، فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره. واعترض عليه الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح، فقال ما ملخصه: إنه لو نظر إلى طرق الأحاديث لما ترك ظاهر الحديث. منها: قوله، عليه السلام: (أتاكم أهل اليمن) والأنصار من جملة المخاطبين بذلك، فهم إذا غيرهم. ومنها: قوله عليه السلام: (جاء أهل اليمن)، وإنما جاء حينئذ غير الأنصار، فحينئذ لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره، وحمله على الحقيقة لأن من اتصف بشيء وقوي قيامه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارا بتمييزه به، وكمال حاله فيه، وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان، وليس في ذلك نفي له عن غيرهم، فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليأرز إلى الحجاز). ويروى: (الإيمان في أهل الحجاز)، لأن المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه.
قوله: (والحكمة يمانية) الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله عز وجل المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك، وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة، وحكم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر حكمة) وفي بعض الروايات: حكما.
قال أبو عبد الله سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة والشأم عن يسار الكعبة والمشأمة الميسرة واليد اليسرى الشؤمى والجانب الأيسر الأشأم
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وليس هذا اللفظ بمذكور في بعض النسخ. قوله: (سميت اليمن)، لأنها عن يمين الكعبة هذا قول الجمهور. وقال الرشاطي: سمي بذلك قبل أن تعرف الكعبة لأنه عن يمين الشمس، وقيل: سمي بيمن بن قحطان، وقيل: سمي بيعرب بن قحطان، لأن يعرب اسمه يمن، فلذلك قيل: أرض يمن. قوله
: (والشأم) أي: سميت الشام لأنها عن يسار الكعبة، وقيل: سمي بشامات هناك حمر وسود، وقيل: سمي بسام بن نوح، عليه الصلاة والسلام، لأنه أول من اختطه، وكان اسم سام: شام بالشين المعجمة، فعرب فقيل: سام بالسين المهملة، وقيل: شام اسم أعجمي من لغة بني حام، وتفسيره بالعربي: خير طيب. وقال البكري: الشام مهموز وقد لا يهمز، في (المطالع): قال أبو الحسين بن سراج: الشام، بهمزة ممدود وأباه أكثرهم فيه إلا في النسب، أعني: فتح الهمزة، كما اختلف في إثبات الياء مع الهمزة الممدود فأجازه سيبويه ومنعه غيره، لأن الهمزة عوض من ياء النسب، فعلى هذا يقال: شامي وشآم في الرجل، كما يقال: يماني ويمان. قوله: (والمشأمة الميسرة) الميم فيهما زائدة لأن اشتقاقهما يدل على ذلك، لأنهما من الشؤم واليسار. قال الجوهري: المشأمة الميسرة، وكذلك الشأمة والشؤم نقيض اليمن. قوله: (واليد اليسرى)، يعني: تسمى بالشؤمى، قاله أبو عبيدة، وكذلك قال للجانب الأيسر الأشأم، ومادة الكل من الشؤم وهو نقيض اليمن، كما ذكرناه.
2
((باب مناقب قريش))
أي: هذا باب في بيان مناقب قريش والكلام فيه على أنواع.
الأول من هو الذي تسمى بقريش من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال الزبير: قالوا: قريش اسم فهر بن مالك وما لم يلد فهر فليس من قريش، قال الزبير: قال عمي: فهر هو قريش اسمه وفهر لقبه، وعن ابن شهاب اسم فهر الذي سمته أمه قريش، وإنما نبذته بهذا كما يسمى الصبي: غرارة وشملة وأشباه ذلك، وقال

72
ابن دريد: الفهر الحجر الأملس يملأ الكف، وهو مؤنث، وقال أبو ذر الهروي: يذكر ويؤنث، وقال السهيلي: الفهر من الحجارة الطويل، وكنية فهر أبو غالب وهو جماع قريش، وقال ابن هشام: النضر هو قريش، فمن كان من ولده فهو قريشي، ومن لم يكن من ولده فليس بقريشي، وهذا قول الجمهور لحديث الأشعث بن قيس أنه قال: أتيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم في وفد من كندة، قال: فقلت: يا رسول الله! إنا نزعم أنكم منا! قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوأ منا ولا ننتفي من أبينا). قال: فقال الأشعث بن قيس: فوالله لا أسمع أحدا نفى قريشا من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد. رواه الإمام أحمد وابن ماجة. قوله: (لا نقفوأ منا) من قولهم: قفوت الرجل إذا قذفته صريحا، وقفوت الرجل أقفوه قفوا إذا رميته باسم قبيح، وقيل: قصي هو قريش، وقال عبد الملك بن مروان: سمعت أن قصيا كان يقال له قريش، ولم يسم أحد قريشا قبله، والقولان الأولان حكاهما غير واحد من أئمة علم النسب كأبي عمر بن عبد الله والزبير بن بكار ومصعب وأبي عبيدة، والصحيح الذي عليه الجمهور: هو النضر، وقيل الصحيح: هو فهر.
النوع الثاني: في وجه التسمية بقريش، وفيه خمسة عشر قولا. الأول: أنه من التقرش وهو التكسب والتجارة، وكانت قريس يتقرشون في البياعات، وهذا قاله ابن هشام. الثاني: ما قاله ابن إسحاق: إنما سميت قريش قريشا لتجمعها من تفرقها، يقال للتجمع: التقرش. الثالث: ما قاله ابن الكلبي: كان النضر يسمى قريشا لأنه كان يقرش عن خلة الناس وحاجاتهم فيسدها، وكان بنوه يقرشون أهل الموسم، أي: يفتشون عن حاجاتهم فيرفدونهم بما يبلغهم إلى بلادهم. الرابع: أن لفظ قريش تصغير قرش، وهو دابة في البحر لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، قاله ابن عباس، رواه البيهقي. الخامس: أنه جاء النضر بن كنانة في ثوب له مجتمعا، قالوا: قد تقرش في ثوبه. السادس: أنه جاء إلى قومه فقالوا: كأنه جمل قريش، أي: شديد. السابع: قاله الزهري: إنه نبذته أمه بقريش، كما ذكرناه. الثامن: قاله الزبير: سمي نضر قريشا برجل يقال له: قريش بن بدر بن مخلد بن النضر، كان دليل بني كنانة في تجاراتهم. التاسع: ما قيل: إن قصيا قرشها أي جمعها فسمي قريشا ومجمعا أيضا. العاشر: سميت قريش بذلك لتجمعهم في الحرم. الحادي عشر: من تقرش الرجل إذا تنزه عن مدانس الأمور. الثاني عشر: من تقارشت الرماح إذا تداخلت في الحرب. الثالث عشر: من أقرش به إذا سعى به ووقع فيه. الرابع عشر: من أقرشت الشجة إذا صدعت العظم ولم تهشمه. الخامس عشر: من تقرش فلان الشيء إذ أخذه أولا فأولا.
النوع الثالث: فيما جاء فيهم فروي عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يريد هوان قريش أهانه الله)، وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم)، رواه مسلم وكانت لقريش في الجاهلية مكارم منها: السقاية والعمارة والرفادة والعقاب والحجابة والندوة واللواء والمشورة والأشناق والقبة والأعنة والسفارة والأيسار والحكومة والأموال المحجرة، وكانوا يسمون: آل الله وجيران الله، والنسبة إلى قريش: قريشي، وعن الخليل: قرشي أيضا، فإن أردت بقريش الحي صرفته، وإن أردت به القبيلة لم تصرفه.
0053 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش أن عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان فغضب معاوية فقام فأثناى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن هاذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين. (الحديث 0053 طرفه في: 9317).
مطابقته للترجمة ظاهره، ورجاله قد تكرر ذكرهم مع بيانهم، والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن أبي اليمان أيضا. وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن خالد بن حلى.
قوله: (وهو عنده)، حال من محمد بن جبير. قوله:

73
(في وفد من قريش) أيضا حال. قوله: (أن عبد الله)، بفتح أن، والعامل فيه قوله: بلغ، قوله: (من قحطان) هو ابن عامر ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، عليه الصلاة والسلام، واسمه: مهزم، قاله ابن ماكولا، وقيل: قحطان بن هود، عليه الصلاة والسلام، وقيل: هو هود، وقيل: أخوه، وقيل: من ذريته، وقيل: هو من سلالة إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، حكاه ابن إسحاق وغيره، وقال بعضهم: هو قحطان بن الهميسع بن تيمن بن قيذار بن نبت بن إسماعيل، عليه الصلاة والسلام. وبنو قحطان هم العرب العاربة، وعرب اليمن وهم حمير المشهور أنهم من قحطان، والعرب ثلاثة فرق: عرب عاربة، وعرب متعربة، وعرب مستعربة، فأما العرب العاربة فهم تسع قبائل من ولد إرم بن سام بن نوح: عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجديس وعمليق وجرهم ووبار. وأما العرب المتعربة فهم: بنو قحطان، والعرب المستعربة هم بنو إسماعيل، عليه الصلاة والسلام. وزعمت العرب أن قحطان ولد يعرب، وإنما سميت العرب به إذ هو أول من تكلم بالعربية ونزل أرض اليمن، وأول من قيل له: أبيت اللعن، وأول من قيل له: عم صباحا. قوله: (ولا تؤثر) أي: ولا تروى. قوله: (والأماني) جمع أمنية. وقال ابن الجوزي: الأماني بمعنى التلاوة كأن المعنى: إياكم وقراءة ما في الصحف التي تؤثر عن أهل الكتاب ما لم يأت به الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عمرو قرأ التوراة. ويحكى: عن أهلها إلا أنه حدث به عن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ لو حدث عنه لما استطاع أحد رده، لأنه لم يكن متهما. وقال ابن التين: إنكار معاوية عليه لأنه حمل حديثه على ظاهرة وقد يخرج القحطاني في ناحية من نواحي الإسلام ويحمل حديث معاوية على الأكثر. قوله: (إن هذا الأمر في قريش) أراد به الخلافة. قال الكرماني: فإن قلت: فما قولك في زمانننا حيث ليس الحكومة لقريش؟ قلت: في بلاد العرب الخلافة فيهم، وكذا في مصر خليفة. انتهى. قلت: هذا الذي ذكره ليس بشيء، فمن قال: إن في بلاد العرب خلافة، ومن هو هذا الخليفة؟ وليس في مصر إلا من يسمى خليفة بالاسم، وليس له حل ولا ربط، ولئن سلمنا صحة ما قاله فيلزم منه تعدد الخلافة فلا يجوز إلا خليفة واحد، لأن الشارع أمر ببيعة الإمام والوفاء ببيعته، ثم من نازعه أمر بضرب عنقه. وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن سفينة مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا، وفي رواية: ثم يؤتي الله ملكه من يشاء، وهكذا وقع. فإن خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه سنتان وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وخلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه إثنا عشر سنة إلا اثني عشر يوما، وخلافة علي، رضي الله تعالى عنه خمس سنين إلا شهرين، وتكملة الثلاثين بخلافة الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما نحوا من ستة أشهر حتى نزل عنها لمعاوية عام أربعين من الهجرة. فإن قلت: يعارض حديث سفينة ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدين قائما ما كان اثني عشرة خليفة، كلهم من قريش... الحديث. قلت: قيل: إن الذين لم يزل قائما حتى ولي اثني عشر خليفة كلهم من قريش، وأراد بهذا خلافة النبوة ولم يرد أنه لا يوجد غيرهم، وقيل: هذا الحديث فيه إشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلين من قريش، وإن لم يوجدوا على الولاء وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة، ثم قد كان بعد ذلك خلفاء راشدون منهم: عمر بن عبد العزيز، ومنهم المهتدي بأمر الله العباسي، ومنهم المهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان. قوله: (إلا كبه الله)، وهذا الفعل من الشواذ، لأن الفعل يتعدى بالهمزة، وهذا الفعل ثلاثيه متعد ورباعيه لازم، قال الله تعالى: * (أفمن يمشي مكبا على وجهه) * (الملك: 22). قوله: (ما أقاموا الدين) أي: مدة إقامتهم الدين، ويحتمل أن يكون معناه: أنهم إن لم يقيموه فلا تسمع لهم، وقيل: يحتمل أن لا يقام عليهم، وإن كان لا يجوز بقاؤهم. وقد أجمعوا على أنه إذا دعا إلى كفر أو بدعة يقام عليه، وإن غصب الأموال وانتهك الحرم فاختلف فيه: هل يقام عليه؟ فقال الأشعري مرة: نعم، ومرة: لا.
1053 حدثنا أبو الوليد حدثنا عاصم بن محمد قال سمعت أبي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال هاذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان. (الحديث 1053 طرفه في: 0417).

74
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه منقبة لقريش. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك، وعاصم بن محمد يروي عن أبيه محمد ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن أحمد ابن يونس. وأخرجه مسلم في المغازي عن أحمد بن يونس.
قوله: (هذا الأمر) أي: الخلافة. قوله: (ما بقي منهم)، وفي رواية مسلم: ما بقي من الناس، ولما كان الناس تبعا لقريش في الجاهلية ورؤساء العرب كانوا أيضا تبعا لهم في الإسلام، وهم أصحاب الخلافة، وهي مستمرة لهم إلى آخر الدنيا ما بقي من الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم فمن زمنه إلى الآن الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها، وإن كان المتغلبون ملكوا البلاد، ولكنهم معترفون أن الخلافة في قريش، فاسم الخلافة باق ولو كان مجرد التسمية.
2053 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال مشيت أنا وعثمان بن عفان فقال يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد. (انظر الحديث 0413 وطرفه).
هذا الحديث بعينه قد مضى في الخمس في: باب ومن الدليل، على أن الخمس للإمام غير أنه أخرجه هناك: عن عبد الله ابن يوسف عن الليث بن سعد، وهنا: عن يحيى بن بكير عن الليث، وقد مر الكلام فيه وزاد فيه: وقال الليث: وحدثني يونس وزاد قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل... إلى آخره.
3053 وقال الليث حدثني أبو الأسود محمد عن عروة بن الزبير قال ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس من بني زهرة إلى عائشة وكانت أرق شيء لقرابتهم من رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
هذا التعليق مختصر من حديث يأتي بعد حديث واحد ذكره متصلا، فقال: حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال: حدثني أبو الأسود.. إلى آخره، وأخرجه أبو نعيم أيضا عن أبي أحمد عن قتيبة بن سعيد حدثنا الليث فذكره.
قوله: (من بني زهر)، بضم الزاي وسكون الهاء: واسمه المغيرة بن كلاب بن مرة فيما ذكره ابن الكلبي، ووقع في (الصحاح) و (معارف ابن قتيبة): أن زهرة امرأة نسب إليها ولدها دون الأب، وهو غريب لإجماع أهل النسب على خلافه، وقال ابن دريد: وزهرة، فعلة من الزهر وهو زهر الأرض وما أشبهه، ويكون من الشيء الزاهر المضيء من قولهم: أزهر النهار إذا أضاء. قوله: (وكانت) أي: عائشة (أرق شيء لقرابتهم) أي: لقرابة بني زهرة (من رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، وذلك من جهة أن أمه كانت منهم لأنها بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وسيتضح معنى هذا الحديث في الحديث الذي يأتي بعد حديث واحد في هذا الباب.
4053 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن سعد ح قال يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن أبيه قال حدثني عبد الرحمان بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله. (الحديث 4053 طرفه في: 2153).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد، وإبراهيم يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف، وقال ابن مسعود الدمشقي: رواية يعقوب بن إبراهيم لهذا الحديث تخالف رواية سفيان الثوري في المتن والإسناد، لأن الثوري يرويه عن سعد بن إبراهيم عن الأعرج عن أبي هريرة، ويعقوب يرويه عن أبيه إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الأعرج باللفظ الذي يأتي بعد هذه الترجمة، ولا يرويه عن أبيه عن جده سعد عن إبراهيم

75
عن الأعرج كما رواه البخاري عقيب حديث الثوري، وفيه نظر، لأن إبراهيم بن سعد والد يعقوب معروف بالرواية عن صالح ابن كيسان وعن الأعرج، فيحتمل أنه رواه عن هذا تارة كما رواه البخاري، وعن هذا تارة كما رواه مسلم في (صحيحه)
قوله: (وقال يعقوب)، وقع في بعض النسخ قبل هذا: قال أبو عبد الله: قال يعقوب، وأبو عبد الله هو البخاري نفسه، وعلق رواية يعقوب بن إبراهيم وكذا أخرجه الإسماعيلي من دريق البخاري نفسه معلقا. قوله: (قريش)، قد مر الكلام فيه عن قريب. قوله: (والأنصار)، يريد بالأنصار: الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف ابن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن، وهو جماع غسان بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سباء بان يشجب بن يعرب بن قحطان، واسم الأزد: دراء، بكسر الدال وبالمد والقصر وقد تفتح الدال من قولهم أزدي إليه دراء يدا وكان معطاء فكثر استعمالهم إياه حتى جعلوه إسما، والأصل: أسدي، فقلبوا السين: زايا، ليطابق الدال في الجهر. وعن يعقوب وأبي عبيد: أسد أفصح من الأزد، وقال يحيى بن معين: هما سواء وهي جرثومة من جراثيم قحطان وبابهم واسع وفيهم قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ لخزاعة وغسان وبارق والعتيك وغامد وشبهها. قوله: (وجهينة)، بضم الجيم وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون: ابن زيد بن ليث بن سود، بضم السين المهملة وسكون الواو وبالدال المهملة: ابن أسلم، بضم اللام، ابن ألحاف يقال الحافي بن قضاعة، واسمه: عمرو بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك ابن حمير بن سبإ، وقال ابن دريد: جهينة من الجهن وهو الغلظ في الوجه والجسم، وبه سمي جهينة. قوله: (ومزينة)، بضم الميم وفتح الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون: هي بنت كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاني ابن قضاعة، وهي أم عثمان وأوس بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأولادهما ينسبون إلى مزينة. وقال ابن دريد: مزينة تصغير مزنة وهي السحابة البيضاء والجمع: مزن. قوله: (وأسلم في خزاعة)، وهو ابن أفصى وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. وفي مذحج: أسلم بن أوس الله بن سعد العشيرة بن مذحج. وفي بجيلة: أسلم بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث، والله أعلم من أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا. قوله: (وأشجع)، هو ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان بن مضر، وأشجع من الشجع وهو الطول، يقال: رجل أشجع وامرأة شجعاء، والأشجع العقد الثاني من الأصابع، والجمع أشاجع. قوله: (وغفار)، بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي آخره راء: هو ابن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة. وأما الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي فهو من ولد نفيلة بن مكيل أخي غفار فنسب إلى أخي جده، وكثيرا تصنع العرب ذلك إذا كان أشهر من جده، وقال ابن دريد: هو من غفر إذا ستر، ومنه قولهم: يغفر الله لك. قوله: (موالي) خبر المبتدأ أعني قوله: (قريش) وما بعد قريش عطف عليه، أي: أنصاري والمختصون بي، وقال أبو الحسن: روي بالتشديد والتخفيف، وقال ابن التين: والتخفيف إما أن يكون بغير ياء أو يضيفهم إلى نفسه بتشديد الياء، وقال الداودي: أراد من أسر من هذه القبائل لم يجر عليه رق ولا ولاء، وقيل: قوله موالي، لأنهم ممن بادروا إلى الإسلام ولم يسبوا فيرقوا كغيرهم من قبائل العرب. وقال يونس: أي: هم أولياء الله مثلا، وإن الكافرين لا مولى لهم، أي: لا ناصر لهم، قوله: (ليس لهم مولى دون الله ورسوله)، أي: غير الله ورسوله، والمولى، وإن كان له معان كثيرة، لكن المناسب هنا: الناصر، والولي والمتكفل بمصالحهم والمتولي لأمورهم.
5053 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني أبو الأسود عن عروة بن الزبير قال كان عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة رضي الله تعالى عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وكان أبر الناس بها وكانت لا تمسك شيئا مما جاءها من رزق الله إلا تصدقت فقال ابن الزبير ينبغي أن يؤخذ على يديها فقالت أيؤخذ على
يدي على نذر إن كلمته فاستشفع إليها برجال من قريش وبأخوال

76
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فامتنعت فقال له الزهريون أخوال النبي صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمان ابن الأسود بن عبد يغوث والمسور بن مخرمة إذا استأذنا فاقتحم الحجاب ففعل فأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم ثم لم تزل تعتقهم حتى بلغت أربعين فقالت وددت أني جعلت حين حلفت عملا أعمله فأفرغ منه. (انظر الحديث 3053 وطرفه).
هذا الحديث المتصل يوضح الحديث المعلق المذكور قبل الحديث السابق على هذا الحديث، وهو قوله: وقال الليث: حدثني أبو الأسود محمد عن عروة بن الزبير... إلى آخره، وقد ذكرنا هناك بقولنا: وسيتضح معنى هذا الحديث في الحديث الذي يأتي بعد حديث واحد في هذا الباب. وتوضيحه من الخارج: أن عبد الله بن الزبير بن العوام هو ابن أخت عائشة، رضي الله تعالى عنها، لأن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهما، وأمها أم العزى قيلة أو قتيلة بنت عبد العزى، وأم عائشة أم رومان بنت عامر، فأسماء أخت عائشة من الأب، وكانت عائشة تحب عبد الله بن الزبير غاية المحبة، وكان أحب الناس إليها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وكان عبد الله يبر إليها كثيرا، وكانت عائشة كريمة جدا لا تمسك شيئا. وبلغها أن عبد الله قال: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: علي نذر إن كلمته، وبقية الكلام تظهر من تفسير الحديث.
قوله: (أبو الأسود) هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي المديني يتيم عروة بن الزبير لأن أباه أوصى به إليه فقيل له: يتيم عروة لذلك. قوله: (ينبغي أن يؤخذ على يديها)، أي: تمنع من الإعطاء ويحجر عليها، وفي رواية للبخاري تأتي في الأدب: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها. قوله: (فقالت: أيؤخذ على يدي؟)، فيه حذف تقديره: ولما بلغ عائشة ما قاله عبد الله بن الزبير من الحجر عليها، قالت: أيؤخذ على يدي؟ يعني: أيحجر عبد الله علي؟ فغضبت من ذلك، فقالت: (علي نذر إن كلمته) قوله: (فاستشفع) أي: عبد الله إليها، أي: إلى عائشة، وفيه حذف أيضا تقديره: ولما بلغ عبد الله بن الزبير غضب عائشة من كلام عبد الله وبلغه نذرها بترك الكلام له، خاف على نفسه من غضبها فاستشفع إليها لترضى عليه، فامتنعت عائشة ولم ترض بذلك. قوله: (فقال له الزهريون)، أي: فلما امتنعت عائشة عن قبول الشفاعة قال لعبد الله الجماعة الزهريون، وهم المنسوبون إلى زهرة، واسمه: المغيرة بن كلاب، وقد ذكرناه عن قريب. قوله: (أخوال النبي صلى الله عليه وسلم) لأن أمه، عليه السلام، كانت من بني زهرة، لأنها بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة. قوله: (منهم)، أي: من الزهريين (عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بن وهب بن عبد مناف القرشي الزهري، وأمه آمنة بنت نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة. وهو ابن خال النبي صلى الله عليه وسلم: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا تصح له رؤية ولا صحبة، ذكره ابن حبان في (الثقات). قوله: (والمسور بن مخرمة)، بكسر الميم في الابن وبفتحها في الأب: ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، له ولأبيه صحبة. قوله: (إذا استاذنا)، يعني إذا استأذنا على عائشة في الدخول عليها فاقتحم الباب، أي: إرم نفسك فيه من غير استئذان ولا روية، يقال: اقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه إذا رمى نفسه فيه من غير تثبت ولا روية، وأراد بالحجاب الستارة التي تضرب بين عائشة وبين المستأذنين للدخول عليها. قوله: (ففعل)، أي: فعل عبد الله بن الزبير ما قاله الزهريون من اقتحام الباب. قوله: (فأرسل إليها بعشر رقاب)، فيه حذف تقديره: لما شفع الزهريون في عبد الله عند عائشة رضيت عليه، ثم أرسل عبد الله بعشر عبيد وجوار إليها لأجل أن تعتق ما أرادت منهم كفارة ليمينها، فأعتقت عائشة جميعهم، ثم لم تزل عائشة تعتق حتى بلغ عتقها أربعين رقبة للاحتياط في نذرها. قوله: (فقالت وددت...) إلى آخره، معناه: إني نذرت مبهما. وهو يحتمل أن يطلق على أكثر مما فعلت، فلو كنت نذرت نذرا معينا لكنت تيقنت بأني أديته وبرئت ذمتي، وحاصل المعنى: أنها تمنت لو كان بدل قولها: علي نذر، علي إعتاق رقبة أو صوم شهر ونحوه من الأعمال المعينة حتى تكون كفارتها معلومة معينة وتفرغ منها بالإتيان به، بخلاف لفظ: علي نذر، فإنه مبهم لم يطمئن قلبها بإعتاق رقبة أو رقبتين، وأرادت الزيادة عليه في كفارته، وذكر الكرماني هنا وجهين آخرين: أحدهما أن عائشة تمنت أن يدوم لها العمل الذي عملته للكفارة، يعني يكون دائما ممن أعتق العبد لها. والآخر: أنها قالت: يا ليتني كفرت حين حلفت ولم تقع الهجرة والمفارقة

77
في هذه المدة. وقال بعضهم: أبعد من قال هذين الوجهين. قلت: لم يبين هذا القائل وجه البعد فيهما، وليس فيهما بعد، بل الأقرب هذا بالنسبة إلى قوة دين عائشة وغاية ورعها على ما لا يخفى. قوله: (أعمله) صفة لقوله: (عملا) قوله: (فأفرغ منه) يجوز بالرفع أي: فأنا أفرغ منه، ويجوز بالنصب أي: فإن أفرغ منه.
واختلف العلماء في النذر المبهم المجهول، فذهب مالك إلى أنه: ينعقد ويلزم به كفارة يمين، وقال الشافعي مرة: يلزمه أقل ما يقع عليه الاسم، وقال مرة: لا ينعقد هذا اليمين، وصحح في مسلم: كفارة النذر كفارة يمين، وفي لفظ له: من نذر نذرا ولم يسمه فعليه كفارة يمين، ولعل عائشة، رضي الله تعالى عنها، لم يبلغها هذا الحديث، ولو كان بلغها لم تقل هكذا، ولم تعتق أربعين رقبة، أو تأولت. وقال ابن التين: ويحتمل أن يكون هذا قبل تمام الثلاث: أي: ثلاثة أيام من الهجر، وكيف وقع الحنث عليها بمجرد دخول عبد الله بن الزبير دون الكلام إلا أن يكون لما سلم الزهريون عليها ردت السلام، وعبد الله في جملتهم، فوقع الحنث قبل أن أقتحم الحجاب، قيل: فيه نظر لأنه كان يجوز لها رد السلام عليهم إذا نوت إخراج عبد الله فلا تحنث بذلك.
3
((باب نزل القرآن بلسان قريش))
أي: هذا باب يذكر فيه أنه نزل القرآن بلسان قريش، أي: بلغتهم.
6053 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أنس أن عثمان دعا زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ذالك.
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي الأويسي المدني، وهو من أفراده وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن عن موسى بن إسماعيل وعن أبي اليمان عن شعيب وأخرجه الترمذي في التفسير عن بندار عن ابن مهدي، وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن الهيثم ابن أيوب.
قوله: (وسعيد بن العاص) بن أحيحة القرشي الأموي المديني قال ابن سعد: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن تسع سنين، وقال سعيد بن عبد العزيز: إن عربية القرآن أقيمت على لسانه، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي، وقال الواقدي: كان ابن عشر سنين حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فنسخوها) الضمير المنصوب فيه يرجع إلى الصحف التي كانت عند حفصة بنت عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما، ولا يقال: إنه إضمار قبل الذكر، لأن هذا الحديث قطعة من حديث آخر طويل أخرجه البخاري في الفضائل، وفيه: فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.. الحديث، والمصاحف: جمع مصحف، والمصحف الكراسة وحقيقتها: مجمع الصحف. قوله: (للرهط القرشيين) هم عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث. وأما زيد بن ثابت فهو ليس بقرشي بل هو أنصاري خزرجي. قوله: (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت)، قال الداودي: يعني إذا اختلفتم فيه من الهجاء ليس من الإعراب، وقال أبو الحسن: أراد: إذا اختلفتم في إعرابه، ولا يبعد أنه أراد بالوجهين، ألا ترى أن لغة أهل الحجاز * (ما هذا بشرا) * ولغة تميم * (بشر) * قوله: (فاكتبوه) أي: فاكتبوا الذي اختلفتم فيه بلسان قريش، لقوله تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (إبراهيم: 4). وقوم النبي صلى الله عليه وسلم، قريش فيكتب بلسانهم. قوله: (فإنما نزل بلسانهم)، أي: فإن القرآن إنما نزل بلسان قريش. وقال الداودي: ولما اختلفوا في التابوت، فقال زيد ابن ثابت التابوه، وقال أولئك الثلاثة التابوت، أمرهم عثمان، رضي الله تعالى عنه، أن يكتبوه بلسان قريش: التابوت. قوله: (ففعلوا ذلك) أي: ما أمرهم به عثمان، رضي الله تعالى عنه.

78
4
((باب نسبة اليمن إلى إسماعيل صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان نسبة أهل اليمن إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، عليهما السلام، ونسبة ربيعة ومضر إلى إسماعيل، عليه السلام، متفق عليها، وأما اليمن فجماع نسبتهم تنتهى إلى قحطان، وقد مر الكلام في قحطان عن قريب.
منهم أسلم بن أقصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة
أي: من أهل اليمن أسلم، بفتح اللام: ابن أفصى، بفتح الهمزة وسكون الفاء بعدها صاد مهملة مقصورة، قيل: وقع في رواية الجرجاني: أفعى، بعين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف ابن حارثة بالحاء المهملة والثاء المثلثة: ابن عمرو، بفتح العين: ابن عامر بن حارثة ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وقال الرشاطي: يقال الأزد بالزاي، والأسد بالسين. قوله: (من خزاعة) في محل النصب على الحال من أسلم بن أفصى، وأفصى هو خزاعة، وبهذا احترز عن أسلم الذي في مذحج، وفي بجيلة. وقال الرشاطي: أسلم، بفتح اللام ابن أفصى، وهو خزاعة بن حارثة، وساقه مثل ما ذكرنا الآن، أما الذي في مذحج فهو أسلم بن أوس الله بن سعد العشيرة ابن مذحج، وأما الذي في بجيلة فهو: أسلم بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن بجيلة.
7053 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن يزيد بن أبي عبيد حدثنا سلمة رضي الله تعالى عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا وأنا مع بني فلان لأحد الفريقين فأمسكوا بأيديهم فقال ما لهم قالوا وكيف نرمي وأنت مع بني فلان قال ارموا وأنا معكم كلكم. (انظر الحديث 9882 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى هو القطان، ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع يروي عن مولاه سلمة. والحديث مضى في: باب قول الله تعالى * (واذكر في الكتاب إسماعيل) * (مريم: 45). فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن حاتم عن يزيد إلى آخره. قوله: يتناضلون، أي: يترامون.
5
((باب))
هذا كالفصل لما قبله، وليس بموجود في كثير من النسخ.
8053 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن الحسين عن عبد الله بن بريدة قال حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي حدثه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعاى قوما ليس له فيهم فليتبوأ مقعده من النار. (الحديث 8053 طرفه في:
5406).
مطابقته للباب المترجم من حيث التضاد والمقابلة، لأن: بالضد تتبين الأشياء، لأن في الحديث ذكر النسب الحقيقي الصحيح، وفي هذا ذكر النسب الباطل، وفيه زجر وتوبيخ لمدعيه، وأبو معمر، بفتح الميمين: عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد، وعبد الوارث بن سعيد والحسين هو ابن الواقد المعلم وعبد الله بن بريدة، بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف، ويحيى بن يعمر، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وضم الميم وفتحها وفي آخره راء، وأبو الأسود ظالم بن عمرو، ويقال: عمرو بن ظالم، وقال الواقدي: اسمه عويمر بن ظويلم، وقيل غير ذلك، قاضي البصرة وهو أول من تكلم في النحو، والديلي بكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وبفتح الهمزة، وبضم الدال وإسكان الواو وبفتح الهمزة، أربع لغات، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري.
وفي الإسناد: ثلاثة من التابعين على نسق واحد.
والحديث

79
أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي معمر أيضا. وأخرجه مسلم في الإيمان عن زهير بن حرب.
قوله: (عن الحسين) وفي رواية مسلم: حدثنا حسين المعلم. قوله: (عن أبي ذر)، وفي رواية الإسماعيلي: حدثني أبو ذر. قوله: (ليس من رجل)، كلمة من: زائدة، وذكر الرجل باعتبار الغالب، وإلا فالمرأة كذلك. قوله: (ادعى) أي: انتسب لغير أبيه ويروي: (إلى غير أبيه). قوله: (وهو يعلمه)، جملة حالية أي: والحال أنه يعلم أنه غير أبيه، وإنما قيد بذلك لأن الإثم يتبع العلم، وفي بعض النسخ: (إلا كفر بالله)، ولم تقع هذه اللفظة في رواية مسلم ولا في غير رواية أبي ذر، فالوجه على عدم هذه اللفظة أن المراد بالكفر: كفران النعمة، أو لا يراد ظاهر اللفظ، وإنما المراد المبالغة في الزجر والتوبيخ، أو المراد أنه فعل فعلا يشبه فعل أهل الكفر، والوجه على تقدير وجود هذه اللفظة فهو أن يحمل على أنه إن كان مستحلا مع علمه بالتحريم. قوله: (ومن ادعى قوما) أي: ومن انتسب إلى قوم. قوله: (ليس له فيهم نسب)، أي: ليس لهذا المدعي في هذا القوم نسب، أي: قرابة، وليس في رواية الكشميهني لفظة: نسب، وفي رواية مسلم: (ومن ادعى ما ليس له فليس منا)، وهذه أعم من رواية البخاري، ولكن يحتاج فيها إلى تقدير، وأولى ما يقدر فيه لفظ: نسب، لوجوده في بعض الروايات. قوله: (فليتبوأ مقعده)، أي: لينزل منزله (من النار) أو فليتخذ منزلا بها، وهو إما دعاء وإما خبر بلفظ الأمر، ومعناه: هذا جزاؤه، وقد يجازى وقد يعفى عنه. وقد يتوب فيسقط عنه هذا في الآخرة، أما في الدنيا فإن جماعة قالوا: إذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، لا تقبل توبته. منهم أحمد بن حنبل وعبد الله بن الزبير الحميدي وأبو بكر الصيرفي وأبو المظفر السمعاني.
وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره. وفيه: لا بد من العلم للبحث فيما يرتكبه الرجل من النفي أو الإثبات. وفيه: جواز إطلاق لفظ الكفر على المعاصي لأجل الزجر والتغليظ.
9053 حدثنا علي بن عياش حدثنا حريز قال حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال سمعت واثلة بن الأسقع يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أعظم الفري أن يدعي الرجل إلى غير أبيه أو يري عينه ما لم تر أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
وجه المطابقة فيه مثل الوجه الذي ذكرناه على رأس الحديث الماضي، وعلي بن عياش، بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة: الألهاني الحمصي، وهو من أفراده، وحريز، بفتح الحاء المهملة وكسر الراء: ابن عثمان الحمصي من صغار التابعين، وعبد الواحد بن عبد الله الدمشقي النصري، بفتح النون وسكون الصاد المهملة: منسوب إلى نصر بن معاوية بن بكر ابن هوازن وهو أيضا من صغار التابعين. وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وجده كعب بن عمير، ويقال: بشر بن كعب، وعبد الواحد هذا ولي إمرة الطائف لعمر بن عبد العزيز، ثم ولي إمرة المدينة ليزيد بن عبد الملك وكان محمود السيرة ومات وعمره مائة وبضع سنين.
ومن لطائف هذا الإسناد أنه: من عوالي البخاري، وأن فيه رواية القرين عن القرين من التابعين، وأنه من أفراد البخاري.
قوله: (الفرا) بكسر الفاء مقصور وممدود، جمع: فرية وهي الكذب والبهت، تقول: فرى بفتح الراء فلان كذا إذا اختلق، يفري، بفتح أوله فرى بالفتح، وافترى اختلق. قوله: (أن يدعي الرجل)، أي: أن ينتسب إلى غير أبيه. قوله: (أو يري عينه)، بضم الياء وكسر الراء من: الإراءة، وعينه منصوبة به. قوله: (ما لم تر) مفعول ثان وضمير المنصوب فيه محذوف تقديره: ما لم تره، وحاصل المعنى: أن يدعي أن عينيه رأتا في المنام شيئا وما رأتاه، وفي رواية أحمد وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن واثلة: أن يفتري الرجل على عينيه فيقول: رأيت، ولم تره في المنام شيئا. فإن قلت: إن كذبه في المنام لا يزيد على كذبه في اليقظة، فلم زادت عقوبته؟ قلت: لأن الرؤيا جزء من النبوة والنبوة لا تكون إلا وحيا، والكاذب في الرؤيا يدعي أن الله أراه ما لم يره وأعطاه جزءا من النبوة ولم يعطه، والكاذب على الله أعظم فرية ممن كذب على غيره. قوله: (أو يقول)، من مضارع: قال، وفي رواية المستملي (أو تقول)، على وزن: تفعل، بفتح القاف وتشديد الواو المفتوحة ومعناه: افترى. قوله: (ما لم يقل)، مفعول: يقول أي: ما لم يقل الرسول.
وفي الحديث: تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة.

80
0153 حدثنا مسدد حدثنا حماد عن أبي جمرة قال سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا من هذا الحي من ربيعة قد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نخلص إليك إلا في كل شهر حرام فلو أمرتنا بأمر نأخذه عنك ونبلغه من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله شهادة أن لا إلاه إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا إلى الله خمس ما غنمتم وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت..
ليس فيه مطابقة للترجمة إلا أن يستأنس في ذلك بذكر ربيعة ومضر، فإن نسبتهما إلى إسماعيل لا كلام فيها. والحديث مر في كتاب الإيمان في: باب أداء الخمس من الإيمان، فإنه أخرجه هناك: عن علي بن الجعد عن شعبة عن أبي جمرة، وهو بالجيم والراء: واسمه نضر بن عمران الضبعي.
1153 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر ألا إن الفتنة هاهنا يشير إلى المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان..
ليس لذكر هذا الحديث هنا مناسبة، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وقد تكرر ذكره، وكذلك شعيب بن أبي حمزة، وكلاهما حمصيان، والحديث مر عن قريب في: باب صفة إبليس، عليه اللعنة.
6
((باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع))
أي: هذا باب في بيان ذكر أسلم... إلى آخره، وهذه خمس قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون غيرها من القبائل، فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه، فصار الشرف إليهم بسبب ذلك، وقد مر الكلام فيهم عن قريب.
2153 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عبد الرحمان بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله. (انظر الحديث 4053).
مطابقته للترجمة ظاهرة، أبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري، وسعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، و عبد الرحمن بن هرمز هو الأعرج. والحديث مضى في: باب مناقب قريش، ومر الكلام فيه هناك مستوفى.
3153 حدثني محمد بن غرير الزهري حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح حدثنا نافع أن عبد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن غرير، بضم الغين المعجمة وبتكرار الراء: ابن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني وهو من أفراد البخاري، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن صالح بن كيسان عن نافع مولى ابن عمر.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل: عن زهير بن

81
حرب.
قوله: (غفار) بكسر الغين المعجمة: يصرف باعتبار الحي ولا يصرف باعتبار القبيلة. قوله: (غفر الله لها) إما أن يراد به الدعاء، وإما على بابه خبر. قوله: (وأسلم سالمها الله) من المسالمة وترك الحرب، أو هو دعاء بأن الله يصنع بهم ما يوافقهم، أو سالمها بمعنى: سلمها الله، نحو: قاتله الله بمعنى: قتله الله، وفيهما من جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لسهولته وهو من الاتفاقات اللطيفة، وقال الخطابي: يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا لهاتين القبيلتين لأن دخولهما في الإسلام كان من غير حرب وكانت غفار تتهم بسرقة الحاج، فأحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم أن يمحو عنهم تلك المسبة، وأن يعلم أن ما سلف منهم مغفور لهم. قوله: (وعصية) بضم العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف: وهي قبيلة، ولكنه: ابن خفاف، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء وفي آخره فاء أخرى ابن امرئ القيس بن بهثة، بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وبالثاء المثلثة: ابن سليم بضم السين، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: (عصت الله ورسوله) لأنهم الذين قتلوا القراء ببئر معونة، بعثهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم سرية فقتلوهم وكان يقنت عليهم في صلاته ويلعن رعلا وذكوان، ويقول: (عصية عصت الله ورسوله).
4153 حدثني محمد أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها.
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن السلام، كذا ثبت عند أبي علي بن السكن في غير هذا الحديث. وفي (التلويح): قيل: هو ابن سلام، وقيل: ابن يحيى الذهلي، قيل: قوله: ابن يحيى، وهم لأن الذهلي لم يدرك عبد الوهاب الثقفي. قلت: هذا نفي يحتاج إلى بيان. وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين. وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن المثنى وغيره.
24 - (حدثنا قبيصة حدثنا سفيان * وحدثني محمد بن بشار حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال النبي
أرأيتم إن كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار خيرا من بني تميم وبني أسد ومن بني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة فقال رجل خابوا وخسروا فقال هم خير من بني تميم ومن بني أسد ومن بني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة)
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرج هذا الحديث من طريقين * أحدهما عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير بن سويد بن حارثة الكوفي كان على قضاء الكوفة بعد الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة * والثاني عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري إلى آخره * والحديث أخرجه البخاري أيضا في هذا الباب عن بندار عن غندر وفي النذور عن عبد الله بن محمد عن وهب بن جرير وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكرة وابن المثنى وآخرين وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمود بن غيلان قوله ' أرأيتم ' أي أخبروني والخطاب للأقرع بن حابس على ما يأتي عقيب هذا
الحديث قوله ' من بني تميم ' هو ابن مر بضم الميم وتشديد الراء ابن أد بضم الهمزة وتشديد الدال ابن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وفيهم بطون كثيرة جدا قوله ' وبني أسد ' هو ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وكانوا أعدادا كثيرا وارتدوا بعد وفاة النبي
مع طلحة بن خويلد وارتد بنو تميم أيضا مع سجاح التي ادعت النبوة قوله ' ومن بني عبد الله بن غطفان ' بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وتخفيف الفاء وهو ابن سعد بن قيس غيلان بن مضر وكان اسم عبد الله بن غطفان في الجاهلية عبد العزى فصيره النبي
عبد الله وبنوه يعرفون ببني المحولة قوله ' ومن

82
بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ' بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة والفاء ابن قيس غيلان وقال ابن دريد هوازن ضرب من الطير وفيه بطون كثيرة وأفخاذ قوله ' فقال رجل ' هو الأقرع بن حابس التميمي قوله ' فقال هم خير ' أي فقال النبي
هم خير أي جهينة ومزينة وأسلم وغفار خير من بني تميم إلى آخره وخيريتهم بسبقهم إلى الإسلام وبما كان فيهم من مكارم الأخلاق ورقة القلوب * -
6153 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن محمد بن أبي يعقوب قال سمعت عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه أن الأقرع بن حابس قال ل لنبي صلى الله عليه وسلم إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة وأحسبه وجهينة: ابن أبي يعقوب شك قال النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت إن كان أسلم وغفار ومزينة وأحسبه وجهينة خيرا من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان خابوا وخسروا قال نعم قال والذي نفسي بيده إنهم لخير منهم. (انظر الحديث 5153 وطرفه).
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن بشار عن غندر وهو محمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن أبي يعقوب وهو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، نسب إلى جده الضبي البصري من بني تميم.
قوله: (إنما بايعك)، بالباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف، ويروى: تابعك، بالتاء المثناة من فوق وبعد الألف باء موحدة. قوله: (ابن أبي يعقوب شك)، هو مقول شعبة، أي: محمد بن أبي يعقوب المذكور هو الذي شك في قوله: وجهينة، فظهر من هذا أن الرواية الأولى بلا شك، وأن ذلك ثابت في الخبر. قوله: (أرأيت)، أي: أخبرني، والخطاب للأقرع بن حابس. قوله: (إن كان أسلم) خبر: إن، هو قوله: خابوا وخسروا، ولكن همزة الاستفهام فيه مقدرة، تقديره: أخابوا وخسروا؟ كذا هو في رواية مسلم بهمزة الاستفهام. قوله: (قال: نعم) أي: قال الأقرع: نعم خابوا وخسروا. قوله: (قال)، أي: النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده إنهم) أي: إن أسلم وغفار ومزينة وجهينة (لخير منهم) أي: من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان. قوله: (لخير منهم)، وفي رواية: لأخير منهم، على وزن أفعل التفضيل وهي لغة قليلة، والمشهور: الخير، وكذا في رواية الترمذي، وفي رواية مسلم: والذي نفسي بيده إنهم خير منهم، بدون لام التأكيد، ولفظ: خير، على أصله بدون نقله إلى أفعل التفضيل، ولم أر أحدا من شراح البخاري حرر هذا الموضع كما ينبغي، فمنهم من ترك حل التركيب أصلا وطاف من بعيد، ومنهم من كاد أن يخبط فلله الحمد والمنة على ما اتضح لنا منه المراد.
3253 ح دثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال أسلم وغفار وشيء من مزينة وجهينة أو قال شيء من جهينة أو مزينة خير عند الله أو قال يوم القيامة من أسد وتميم وهوازن وغطفان.
هذا طريق موقوف على أبي هريرة.
وأخرجه مسلم مرفوعا فقال: حدثني زهير بن حرب ويعقوب الدورقي قالا: حدثنا إسماعيل يعنيان: ابن علية حدثنا أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لأسلم وغفار وشئ من مزينة وجهينة أو شيء من جهينة أو مزينة خير عند الله قال: أحسبه قال: يوم القيامة من أسد وغطفان وهوازن وتميم. انتهى.
وحماد هو ابن زيد، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين.
قوله: (قال: قال أسلم) الظاهر أن فاعل: قال، الأول أبو هريرة، وفاعل: قال، الثاني هو النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يذكره أبو هريرة، فلأجل هذا جاء في صورة الموقوف، وقال الخطيب وابن الصلاح: اصطلاح محمد بن سيرين إذا قال عن أبي هريرة: قال قال، ولم يسم فاعل: قال، الثاني، فالمراد به النبي صلى الله عليه وسلم، فحينئذ يكون الحديث مرفوعا، كما في رواية مسلم، فإنه صرح في روايته بفاعل: قال، الثاني كما ذكر. قوله: (أسلم) مبتدأ، وما بعده

83
عطف عليه. وقوله: (خير عند الله) خبره. قوله: (وشئ من مزينة وجهينة) يعني: بعضا منهم، وهذا تقييد لما أطلق في حديث أبي بكرة الماضي قبله. قوله: (أو قال شيء من جهينة أو مزينة) شك من الراوي، يعني، قال: شيء منهما، أو قال: شيء إما من هذا، وإما من ذلك، يعني: شك في أنه جمع بينهما أو اقتصر على أحدهما. قوله: (أو قال: يوم القيامة) شك من الراوي: هل قال: خير عند الله؟ أو قال: خير يوم القيامة؟ وهذا أيضا تقييد لما أطلق في حديث أبي بكرة، لأن ظهور الخيرية إنما يكون يوم القيامة. قوله: (من أسد) يتعلق بقوله: خير، لأن استعمال لفظ: خير، بكلمة: من، في أكثر المواضع كما عرف في موضعه، فافهم.
41
((باب ابن أخت القوم ومولى القوم منهم))
أي: هذا باب في بيان أن ابن أخت القوم ومولى القوم منهم، قال بعضهم: أي: فيما يرجع إلى المناصرة والتعاون ونحو ذلك، وأما بالنسبة إلى الميراث ففيه نزاع،
انتهى. قلت: ظاهر الكلام مطلق يتناول الكل، وهذا الباب وقع ههنا في رواية كريمة وغيرها، وكذا في نسختنا المعتمد عليها، ووقع عند أبي ذر قبل: باب قصة الحبش.
8253 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال هل فيكم أحد من غيركم قالوا لا إلا ابن أخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أخت القوم منهم..
مطابقته للجزء الأول من الترجمة ظاهرة، ولم يذكر حديث: مولى القوم منهم، مع ذكره في الترجمة، فقيل: لأنه لم يقع له حديث على شرطه، ورد على هذا القائل بأنه قد أورد في الفرائض من حديث أنس ولفظه: مولى القوم من أنفسهم، والمراد به المولى الأسفل لا الأعلى، فيكون عدم ذكره إياه هنا اكتفاء بما ذكره هناك.
ورواة الحديث المذكور قد مضوا غير مرة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن بندار عن غندر وعن آدم عن شعبة عن قتادة. وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي موسى وبندار. وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار به. وأخرجه النسائي في الزكاة عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: (دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار)، ويروى: الأنصار خاصة. قوله: (إلا ابن أخت لنا) وهو النعمان بن مقرن، كما أخرجه أحمد من طريق شعبة عن معاوية بن قرة في حديث أنس هذا. قوله: (ابن أخت القوم منهم)، استدلت به الحنفية في توريث الخال وذوي الأرحام إذا لم يكن عصبة ولا صاحب فرض مسمى، وبه قال أحمد أيضا، وهو حجة على مالك والشافعي في تحريمهما الخال وذوي الأرحام.
وللحنفية أحاديث أخر: منها: ما أخرجه الطبراني من حديث عتبة بن غزوان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لقريش: (هل فيكم من ليس منكم؟ قالوا: لا! إلا ابن أختنا عتبة بن غزوان، فقال: ابن أخت القوم منهم). ومنها: ما أخرجه الطبراني أيضا من حديث عمرو بن عوف: أن النبي صلى الله عليه وسلم (دخل بيته قال: ادخلوا علي ولا يدخل علي إلا قرشي. فقال لهم: هل معكم أحد غيركم؟ قالوا: معنا ابن الأخت والمولى. قال: حليف القوم منهم، ومولى القوم منهم). وأخرج أحمد نحوه من حديث أبي موسى، والطبراني نحوه من حديث أبي سعيد. ومنها: حديث عائشة: (الخال وارث من لا وارث له). أخرجه البخاري، وفي الباب أيضا حديث المقدام بن معدي كرب، رضي الله تعالى عنه.
01
((باب قصة زمزم وفيه باب قصة إسلام أبي ذر، رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في ذكر قصة زمزم، وفي ذكر إسلام أبي ذر، رضي الله تعالى عنه، وهذا الباب وقع هنا في رواية كريمة وغيرها، ووقع عند أبي ذر قبل: باب قصة الحبش.
2253 حدثنا زيد هو ابن أخزم قال أبو قتيبة سلم بن قتيبة حدثني مثنى بن سعيد القصير قال حدثني أبو جمرة قال قال لنا ابن عباس ألا أخبركم بإسلام أبي ذر قال قلنا بلاى قال قال

84
أبو ذر كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي فقلت لأخي انطلق إلى هذا الرجل كلمه وائتني بخبره فانطلق فلقيه ثم رجع فقلت ما عندك فقال والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر فقلت له لم تشفني من الخبر فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد قال فمر بي علي فقال كأن الرجل غريب قال قلت نعم قال فانطلق إلى المنزل قال فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه وليس أحد يخبرني عنه بشيء قال فمر بي علي فقال أما نال للرجل يعرف منزله بعد قال قلت لا قال انطلق معي قال فقال ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة قال قلت له إن كتمت علي أخبرتك قال فإني أفعل قال قلت له بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر فأردت أن ألقاه فقال له أما إنك قد رشدت هذا وجهي إليه فاتبعني ادخل حيث أدخل فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت فمضي ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له اعرض علي الإسلام فعرضه فأسلمت مكاني فقال لي يا أبا ذر أكتم هاذا الأمر وارجع إلي بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل فقلت والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال يا معشر قريش إني أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فقالوا قوموا إلى هذا الصابىء فقاموا فضربت لأموت فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال ويلكم تقتلون رجلا من غفار ومتجركم وممركم على غفار فأقلعوا عني فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس فقالوا قوموا إلى هذا الصابىء فصنع بي مثل ما صنع بالأمس وأدركني العباس فأكب علي وقال مثل مقالته بالأمس قال فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه الله. (الحديث 2253 طرفه في: 1683).
مطابقته للترجمة ظاهرة، أما قصة زمزم فلأن فيه ذكر زمزم، واكتفى أبو ذر به في المدة التي أقام فيها بمكة، وأما قصة إسلامه فظاهرة من هذا الباب، هكذا وقع في رواية الأكثرين، ووقع في رواية أبي ذر عن الحموي وحده: ذكر قصة إسلام أبي بكر فقط، ووقع هذا الباب أيضا عند أبي ذر بعد قصة خزاعة.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: زيد بن أخزم، بسكون الخاء المعجمة وفتح الزاي: أبو طالب الطائي الحافظ البصري، قتلته الزنج زمان خروجهم في البصرة سنة سبع وخمسين ومائتين، وهو من أفراد البخاري. الثاني: سلم، بفتح السين المهملة وسكون اللام: ابن قتيبة مصغر القتبة بفتح القاف والتاء المثناة من فوق والباء الموحدة: أبو قتيبة الشعيري الخراساني، سكن بصرة ومات بها في حدود المائتين. الثالث: مثنى ضد المفرد ابن سعيد القصير ضد الطويل القسام الضبعي، بضم الضاد
المعجمة وفتح الباء الموحدة وبالعين المهملة: البصري. الرابع: أبو جمرة، بفتح الجيم: واسمه نصر بن عمران الضبعي البصري. الخامس: عبد الله بن عباس.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عمرو بن العباس

85
عن ابن مهدي. وأخرجه مسلم في الفضائل عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة.
ذكر معناه: قوله: (ألا أخبركم) كلمة: ألا، للتنبيه على شيء يقال. قوله: (من غفار)، قد ذكرنا أنه إذا أريد به الحي ينصرف، وإذا أريد به القبيلة لا ينصرف. قوله: (فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة) وفي رواية مسلم: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، بمكة. قال لأخيه... الحديث. قوله: (يزعم أنه نبي)، حال من: رجلا، لا يقال: إنه نكرة. فلا يقع الحال منه، لأنا نقول: قد تخصص بالصفة، وهو قوله: قد خرج بمكة. قوله: (فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل)، وفي رواية مسلم: قال لأخيه: إركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع قوله ثم ائتني. واسم أخيه: أنيس. قوله: (كلمة)، فيه حدف تقديره: فإذا رأيته واجتمعت به كلمه وآتني بخبره، وفي رواية مسلم: واسمع قوله ثم ائتني. قوله: (فانطلق) ويروى: فانطلق الأخ، وفي رواية الكشميهني: فانطلق الآخر، وهو أخوه أنيس. قال عياض: ووقع عند بعضهم فانطلق الأخ الآخر، والصواب الاقتصار على أحدهما فإنه لا يعرف لأبي ذر إلا أخ واحد وهو أنيس. قوله: (فلقيه)، أي: فلقي النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أخيه، وفي رواية مسلم: فانطلق الآخر حتى قدم مكة، وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر. قوله: (رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر)، وفي رواية مسلم: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر. قوله: (فقلت له) أي: لأخي: (لم تشفني من الخبر) من الشفاء أي: لم تجئني بجواب يشفيني من مرض الجهل. قوله: (فأخذت جرابا) بالجيم (وعصا) وفي رواية مسلم: ما شفيتني فيما أردت، فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة. قوله: (ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه)، يعني: لا تدري به قريش فيؤذوه، وفي رواية مسلم: فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه وكره أن يسأل عنه حتى أدركه، يعني الليل فاضطجع. قوله: (فمر بي علي)، رضي الله تعالى عنه، وهو: علي بن أبي طالب (فقال: كأن الرجل غريب) وفي رواية مسلم: فرآه علي فعرف أنه غريب. قوله: (قال: فانطلق إلى المنزل)، أي: قال علي له: انطلق معي إلى منزلنا، قال أبو ذر: (فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره) وفي رواية مسلم: فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح. قوله: (فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه)، أي: عن النبي صلى الله عليه وسلم (وليس أحد يخبرني عنه بشيء) وفي رواية مسلم بعد قوله: حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، قوله: (قال فمر بي علي، رضي الله تعالى عنه، فقال: أما نال للرجل يعرف منزله؟) يقال: نال له إذا آن له، ويروى: ما أنى، وفي رواية مسلم: ما آن أن يعلم منزله، ويروى بدون همزة الاستفهام في اللفظة، أي: ما جاء الوقت الذي يعرف به منزل الرجل بأن يكون له مسكن معين يسكنه؟ ويروى: يعرف، بلفظ المبني للفاعل، ويحتمل أن يريد علي، رضي الله تعالى عنه، بهذا القول دعوته إلى بيته للضيافة، ويكون إضافة المنزل إليه بملابسة إضافته له فيه، كما قال الشاعر:
* ذريني، قلت بالله حلفة لتغني عني ذا أنا بك أجمعا
*
أو يريد إرشاده إلى ما قدم له وقصده، يعني: أما جاء وقت إظهار المقصود والاشتغال به، كالاجتماع برسول الله، صلى الله عليه وسلم مثلا وكالدخول في منزله ونحوه؟ وإنما قال: لا، في قوله: قلت: لا، على التقدير الأول، إذ لم يكن قصده التوطن ثمة، وعلى الثاني إذ كان عنده أمر أهم من ذلك، وهو التفتيش عن مقصوده، وعلى الثالث: إذ خاف من الإظهار. وقال الكرماني: ماذا فاعل نال؟ قلت: يعرف في تقدير المصدر نحو: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه قلت: التقدير: أن تسمع بالمعيدي، أي: سماعك بالمعيدي خير من رؤيته، وهنا التقدير: ما نال للرجل أن يعرف منزله؟ قوله: ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة؟ وفي رواية مسلم: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قوله: (إن كتمت علي أخبرتك)، وفي رواية مسلم: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت. قوله: (قال: فإني أفعل)، أي: قال علي: فإني أفعل ما ذكرته، وفي رواية مسلم: ففعل. قوله: (قد رشدت)، من: رشد يرشد من باب علم يعلم رشدا بفتحتين، ورشد يرشد من باب نصر ينصر رشدا بضم الراء وسكون الشين، وأرشدته أنا، والرشد خلاف الغي. قوله: (هذا وجهي إليه)، أي: هذا توجهي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم فاتبعني، وفي رواية مسلم: فقال: إنه حق، وهو

86
رسول الله فإذا أصبحت فاتبعني. قوله: (أدخل حيث أدخل)، أمر، وأدخل مضارع. قوله: (قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت)، وفي رواية مسلم، فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء. فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. قوله: (فمضى)، أي: علي، رضي الله تعالى عنه. (فمضيت معه حتى دخل) أي: علي، رضي الله تعالى عنه. قوله: (بين ظهورهم)، وفي رواية مسلم: بين ظهرانيهم. قوله: (وقريش) فيه حال أي: في المسجد. قوله: (إلى هذا الصابىء) من صبأ يصبؤ إذا انتقل من شيء إلى شيء وكانوا يسمون من أسلم صابئا. قوله: (فضربت)، على صيغة المجهول قوله: (لأموت) أي: لأن أموت، يعني: ضربوه ضرب الموت، وفي رواية مسلم: فضربوه حتى أضجعوه. قوله: (فأكب علي) أي: رمى نفسه علي، قوله: (فأقلعوا) أي: كفوا عني.
وفي الحديث: دلالة على تقدم إسلام أبي ذر، ولكن الظاهر أنه بعد البعث بمدة طويلة لما فيه من الحكاية عن علي، رضي الله تعالى عنه، من مخاطبته لأبي ذر وتضيفه إياه، والأصح أن سنه حين البعث كان عشر سنين، وقيل: أقل من ذلك، فظهر من ذلك أن إسلام أبي ذر بعد البعث بمدة بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي ما فعله، وروى عبد الله بن الصامت إسلام أبي ذر عن نفس أبي ذر، أخرجه مسلم مطولا جدا، وفيه مغايرة كثيرة لسياق ابن عباس، ولكن الجمع بينهما ممكن باعتبار ان
ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، اقتصر في حكايته عن ذلك، والله أعلم.
7
((باب ذكر قحطان))
أي: هذا باب في بيان ذكر قحطان مجردا عن الكلام فيه: هل هو من ذرية إسماعيل عليه الصلاة والسلام أم لا؟ وعن ذكر نسبه، وقد مضى الكلام فيه فيما مضى عن قريب.
7153 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه. (الحديث 7153 طرفه في: 7117).
مطابقته للترجمة في ذكر اسم قحطان، وثور بلفظ الحيوان المعروف ابن زيد الديلي المدني، مر في الجمعة، وأبو الغيث. وهو المطر اسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع الأسود القرشي العدوي المدني.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن عبد العزيز أيضا. وأخرجه مسلم في الفتن عن قتيبة.
قوله: (رجل) لم يدر اسمه عند الأكثرين، لكن القرطبي جزم أنه: جهجاه، الذي وقع ذكره في (صحيح مسلم) من طريق آخر عن أبي هريرة بلفظ: (لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له: الجهجاه، وأخرجه عقيب حديث القحطاني. قوله: (يسوق الناس بعصاه) كناية عن تسخير الناس واسترعائهم كسوق الراعي الغنم بعصاه، وفي (التوضيح): حديث القحطان يدل على أنه خليفة ولكنه يحمل على تغلبه، وروى نعيم بن حماد في (الفتن): عن أرطأة بن المنذر، أحد التابعين من أهل الشام: أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي، وأخرج أيضا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعا: يكون بعد المهدي القحطاني، والذي بعثني بالحق ما هو دونه. قيل: هذا الثاني، مع كونه مرفوعا، ضعيف الإسناد، والأول مع كونه موقوفا أصلح إسنادا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى ابن مريم، عليهما السلام، لأن عيسى، عليه السلام، إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين. انتهى. قلت: إذا كان القحطاني في زمن عيسى، كيف يسوق الناس بعصاه وكيف يملك مع وجود عيسى، عليه الصلاة والسلام؟ على أن في رواية أرطأة ابن المنذر: أن القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة.
8
((باب ما ينهى عن دعوى الجاهلية))
أي: هذا باب في بيان ذم ما ينهى من دعوى الجاهلية، وكلمة: ما، يجوز أن تكون موصولة، ويجوز أن تكون مصدرية، وينهى على صيغة المجهول، ودعوى الجاهلية هي الاستغاثة عند إرادة الحرب، كانوا يقولون: يا آل فلان، يا آل فلان، فيجتمعون وينصرون القاتل ولو كان ظالما، فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك.

87
8153 حدثنا محمد أخبرنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابرا رضي الله تعالى عنه يقول غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال فما بال دعوى أهل الجاهلية ثم قال ما شأنهم فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوها فإنها خبيثة وقال عبد الله بن أبي بن سلول أقد تداعوا علينا * (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) * (المنافقون: 8). فقال عمر ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث لعبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه.
مطابقته للترجمة في قوله: (ما بال دعوى الجاهلية).
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: محمد، كذا وقع محمد غير منسوب عند جميع الرواة، وقال أبو نعيم: هو محمد بن سلام نص عليه في (المستخرج) وكذا قاله أبو علي الجياني، وجزم به الدمياطي أيضا. الثاني: مخلد، بفتح الميم واللام: ابن يزيد من الزيادة أبو الحسن الحراني الجزري، مات سنة ثلاث وتسعين ومائة. الثالث: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وقد تكرر ذكره. الرابع: عمرو بن دينار القرشي الأثرم المكي. الخامس: جابر بن عبد الله الأنصاري، رضي الله تعالى عنهما. والحديث من أفراده.
قوله: (غزونا)، هذه الغزوة هي عزوة المريسيع وفي مسلم: قال سفيان: يروون أن هذه الغزوة غزوة بني المصطلق، وهي غزوة المريسيع، وكانت في سنة ست من الهجرة. قوله: (ثاب)، بالثاء المثلثة، قال الكرماني: أي اجتمع معه ناس، وقال الداودي: معناه خرج، والذي عليه أهل اللغة أن معنى: ثاب رجع. قوله: (لعاب)، قيل: معناه مطال، وقيل: كان يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة، وقيل: مزاح، واسمه: جهجاه بن قيس الغفاري، وكان أجير عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فكسع)، بفتح الكاف والسين المهملة والعين المهملة: من الكسع، وهو أن تضرب بيدك أو برجلك دبر إنسان، ويقال: هو أن تضرب عجز إنسان بقدمك، وقيل: هو ضربك بالسيف على مؤخره. وفي (الموعب): كسعته بما ساءه: إذا تكلم فرميته على إثر قوله بكلمة تسوؤه بها. قوله: (أنصاريا)، أي: رجلا أنصاريا وهو: سنان بن وبرة، حليف بني سالم الخزرجي. قوله: (حتى تداعوا)، أي: حتى استغاثوا بالقبائل يستنصرون بهم في ذلك، والدعوى الانتماء، وكان أهل الجاهلية ينتمون بالاستغاثة إلى الآباء، وتداعوا، بصيغة الجمع وعن أبي ذر: تداعوا: بالتثنية. قال بعضهم: والمشهور في هذا: تداعيا بالياء عوض الواو. قلت: الذي قال بالواو أخرجه على الأصل. قوله: (يا للأنصار)، ويروى: يا آل الأنصار. قال النووي: كذا في معظم نسخ البخاري بلام مفصولة في الموضعين
، وفي بعضها يوصلها، وفي بعضها: يا آل، بهمزة ثم لام مفصولة واللام في الجميع مفتوحة وهي لام الاستغاثة، قال: والصحيح بلام موصولة، ومعناه: ادعو المهاجرين واستغيث بهم. قوله: (ما بال دعوى الجاهلية؟) يعني: لا تداعوا بالقبائل بل تداعوا بدعوة واحدة بالإسلام، ثم قال: ما شأنهم؟ أي: ما جرى لهم وما الموجب في ذلك؟ قوله: (دعوها)، أي: دعوا هذه المقالة، أي: اتركوها أو: دعوا هذه الدعوى، ثم بين حكمة الترك بقوله: (فإنها خبيثة) أي: فإن هذه الدعوة خبيثة أي قبيحة منكرة كريهة مؤذية لأنها تثير الغضب على غير الحق، والتقاتل على الباطل، وتؤدي إلى النار. كما جاء في الحديث: (من دعا بدعوى الجاهلية فليس منا وليتبوأ مقعده من النار)، وتسميتها: دعوى الجاهلية، لأنها كانت من شعارهم وكانت تأخذ حقها بالعصبية فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضاء بالأحكام الشرعية إذا تعدى إنسان على آخر حكم الحاكم بينهما وألزم كلا ما لزمه. وقال السهيلي: من دعا بدعوى الجاهلية يتوجه للفقهاء فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا، اقتداء بأبي موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا حين سمع: يا لعامر..

88
الثاني: فيه الجلد دون العشرة أسواط لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط. الثالث: يوكل إلى اجتهاد الإمام على حسب ما يراه من سد الذريعة وإغلاق باب الشر، إما بالوعيد، وإما بالسجن، وإما بالجلد قيل: في القول الأول الذي ذكره السهيلي فيه نظر، لأن أبا الفرج الأصبهاني وهيره ذكروا أن النابغة لما سمع: يا لعامر، أخذ عصاه وجاء مغيثا، والعصا لا تعد سلاحا يقتل. قوله: وقال عبد الله بن أبي سلول... إلى آخره، إنما قال ذلك عبد الله لأنه كان مع عمر بن الخطاب أجيرا له من غفار يقال له جعال كان معه فرس يقوده فحوض لعمر حوضا فبينما هو قائم على الحوض إذ أقبل رجل من الأنصار يقال له وبرة بن سنان الجهني، وسماه أبو عمر: سنان بن تميم، وكان حليفا لعبد الله بن أبي، فقاتله، فتداعيا بقبائلهما، فقال عبد الله بن أبي: أقد تداعوا علينا؟ * (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) * (المنافقين: 8). وأما قوله تعالى في سورة المنافقين: * (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) * (المنافقين: 8). فقد قال النسفي في (تفسيره): يقولون، أي: المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه: والله لئن رجعنا من غزاة بني لحيان ثم بني المصطلق، وهو حي من هذيل، إلى المدينة ليخرجن الأعز عنى به نفسه منها: من المدينة، الأذل: يعني محمدا، صلى الله عليه وسلم ولقد كذب عدو الله. قوله: (فقال عمر، رضي الله تعالى عنه، ألا نقتل؟) بالنون، ويروى بالتاء المثناة من فوق. قوله: (هذا الخبيث) أراد به عبد الله ابن أبي، وقد بينه بقوله لعبد الله، واللام فيه يتعلق بقوله: قال عمر، أي: قال لأجل عبد الله، وقال الكرماني أو اللام للبيان، نحو: هيت لك، وفي بعضها يعني: عبد الله، وقال بعضهم: اللام بمعنى: عن قلت: قال هذا بعضهم في قوله: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * (الأحقاف: 11). ورده ابن مالك وغيره، وقالوا: اللام، ههنا للتعليل، وقيل غير ذلك. قوله: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا) أي: لا نقتل. قوله: (يتحدث الناس...) إلى آخره، كلام مستقل وليس له تعلق: بكلمة: لا، فافهم. قوله: (أنه) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقتل أصحابه) ويتنفر الناس عن الدخول في الإسلام، ويقول بعضهم لبعض: ما يؤمنكم إذا دخلتم في دينه أن يدعي عليكم كفر الباطن فيستبيح بذلك دماءكم وأموالكم؟ فلا تسلموا أنفسكم إليه للهلاك، فيكون ذلك سبيلا لنفور الناس عن الدين.
9153 حدثنا ثابت بن محمد حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وثابت بن محمد أبو إسماعيل العابد الشيباني الكوفي، وهو من أفراد البخاري، وسفيان هو الثوري.
والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب ليس منا من ضرب الخدود، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
عن سفيان عن زبيد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية
هذا معطوف على قوله: حدثنا سفيان عن الأعمش، في الحديث السابق، فيكون موصولا وليس بمعلق وزبيد، بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة: ابن الحارث بن عبد الكريم اليامي بالياء آخر الحروف: الكوفي، وإبراهيم هو النخعي، مسروق هو ابن الأجدع، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز في: باب ليس منا من شق الجيوب، حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان قال: زبيد اليامي عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله... إلى آخره.
9153 حدثنا ثابت بن محمد حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وثابت بن محمد أبو إسماعيل العابد الشيباني الكوفي، وهو من أفراد البخاري، وسفيان هو الثوري.
والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب ليس منا من ضرب الخدود، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
عن سفيان عن زبيد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية
هذا معطوف على قوله: حدثنا سفيان عن الأعمش، في الحديث السابق، فيكون موصولا وليس بمعلق وزبيد، بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة: ابن الحارث بن عبد الكريم اليامي بالياء آخر الحروف: الكوفي، وإبراهيم هو النخعي، مسروق هو ابن الأجدع، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز في: باب ليس منا من شق الجيوب، حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان قال: زبيد اليامي عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله... إلى آخره.
9
((باب قصة خزاعة))
أي: هذا باب في بيان قصة خزاعة، بضم الخاء المعجمة وبالزاي المخففة وفتح العين المهملة. قال الرشاطي: خزاعة هو عمرو بن ربيعة، وربيعة هذا هو لحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد، هذا مذهب من يرى أن خزاعة من اليمن، ومن يرى أن خزاعة من مضر يقول: هو عمرو بن ربيعة بن قمعة، ويحتج بحديث

89
رواه أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأكثم ابن أبي الجون الخزاعي: (رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار) وجمع بعضهم بين القولين، أعني نسبة خزاعة إلى اليمن وإلى مضر، فزعم أن حارثة بن عمرو لما مات قمعة بن خندف كانت امرأته حاملا بلحي فولدته وهي عند حارثة فتبناه فنسب إليه، فعلى هذا هو من مضر بالولادة، ومن اليمن بالتبني، وقال صاحب (الموعب): خزاعة اسمه عمرو بن لحي، ولحي اسمه: ربيعة، سمي خزاعة لأنه انخزع فلم يتبع عمرو بن عامر حين ظعن عن اليمن بولده، وسمي عمرو: مزيقيا، لأنه مزق الأزد في البلاد، وقيل: لأنه كان يمزق كل يوم حلة. وفي (التيجان) لابن هشام: انخزعت خزاعة في أيام ثعلبة العنقاء بن عمرو بعد وفاة عمر، وفي (التلويح): قيل لهم ذلك لأنهم تخزعوا من بني مازن بن الأزد في إقبالهم معهم أيام سيل العرم لما صاروا إلى الحجاز، فافترقوا، فصار قوم إلى عمان وآخرون إلى الشام، قال حسان بن ثابت، رضي الله تعالى عنه.
* فلما قطعنا بطن مر تخزعت
* خزاعة منا في جموع كراكر
*
وانخزعت أيضا بنو أفصى بن حارثة بن عمرو، وأفصى هو عم عمرو بن لحي، وقال الكلبي: إنما سموا خزاعة لأن بني مازن ابن الأزد لما تفرقت الأزد باليمن نزل بنو مازن على ماء عند زبيد يقال له غسان، فمن شرب منه فهو غساني. وأقبل بنو عمرو بن لحي فانخزعوا من قومهم فنزلوا مكة، ثم أقبل بنو أسلم وملك وملكان بنو أفصى بن حارثة فانخزعوا أيضا، فسموا خزاعة، وتفرق سائر الأزد، وأول من سماهم هذا الاسم: جدع بن سنان الذي يقال فيه: خذ من جدع ما أعطاك، وذلك أنه لما رآهم قد تفرقوا قال: أيها الناس إن كنتم كلما أعجبتكم بلدة أقامت منكم طائفة كيفما انخزعت خزاعتكم هذه أوشكتم أن يأكلكم أقل حي وأذل قبيل.
0253 حدثني إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن آدم أخبرنا إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وإسحاق بن إبراهيم هو مشهور بابن راهويه، ويحيى بن آدم بن سليمان أبو زكريا القرشي الكوفي صاحب الثوري، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأبو حصين، بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، واسمه: عثمان بن عاصم الأسدي، وأبو صالح ذكوان الزيات.
والحديث من أفراده.
قوله: (عمرو بن لحي)، مبتدأ وخبره قوله: (أبو خزاعة). ولحي، بضم اللام وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء. قوله: (ابن قمعة)، بفتح القاف والميم وتخفيفها وبإهمال العين، وقيل: بكسر القاف وتشديد الميم بفتحها وكسرها، وقيل: بفتحها مع سكون الميم. قوله: (ابن خندف)، بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وكسر الدال المهملة وفتحها وبالفاء، وهي أم القبيلة فلا تنصرف، وقمعة، منسوب إلى الأم، وإلا فأبوه اسمه: الياس بن مضر. قال قائلهم:
* أمهتي خندف وإلياس أبي
*
واسم خندف: ليلى بنت حلوان بن عمران بن ألحاف من قضاعة، لقبت بخندف لمشيتها بالخندفة وهي الهرولة، واشتهر بنوها بالنسبة إليها دون أبيهم. قوله: (أبو خزاعة) أي: هو حي من الأزد.
1253 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال سمعت سعيد بن المسيب قال البحيرة التي يمنع درها للطواغيت ولا يحلبها أحد من الناس: والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء قال وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب. (الحديث 1253 طرفه في: 3264).
أول هذا الحديث موقوف على سعيد بن المسيب رواه البخاري عن أبي اليمان الحكم بن نافع الحمصي عن شعيب بن

90
أبي حمزة الحمصي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب، وآخره عنه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما نذكر مفصلا.
أما البحيرة فهي التي يمنع درها أي: لبنها للطواغيت، أي: لأجلها، وهي جمع: طاغوت، وهو الشيطان وكل رأس في الضلال، وكان أهل الجاهلية إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها، أي: شقوا وحرموا ركوبها ودرها فلا تطرد عن ماء ولا عن مرعى لتعظيم الطواغيت، وتسمى تلك الناقة البحيرة. وأما السائبة فهي: أن الرجل منهم كان يقول: إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها، هذا هو المشهور، وقد خصصه البخاري بقوله: والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم، أي: لأصنامهم التي كانوا يعبدونها، وبعد ذلك لا يحمل عليها شيء. وفي (التلويح): والسائبة هي الأنثى من
أولاد الأنعام كلها، كان الرجل يسيب لآلهته ما شاء من إبله وبقره وغنمه ولا يسيب إلا أنثى، فظهورها وأولادها وأصوافها وأوبارها للآلهة، وألبانها ومنافعها للرجال دون النساء، قاله مقاتل. وقيل: هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناثا لم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم خلي سبيلها مع أمها في الإبل فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها، فهي البحيرة بنت السائبة. وقال ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: هي أنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذكرا نحروه وأكله الرجال

91
والنساء جميعا، وإن كانت أنثى شقوا أذنها وتلك البحيرة لا يجز لها وبر ولا يذكر عليها اسم الله، عز وجل، إن ركبت ولا إن حمل عليها، وحرمت على الناس فلا يذقن من لبنها شيئا، ولا ينتفعن بها، وكان لبنها ومنافعها خاصة للرجال دون النساء حتى تموت، فإذا ماتت اشترك الرجال والنساء في أكلها.
قوله: (قال: وقال أبو هريرة) أي: قال سعيد بن المسيب: وقال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم... إلى آخره. وهو موصول بالإسناد الأول. قوله: (يجر قصبه)، بضم القاف وسكون الصاد المهملة، وهي: الأمعاء. وقال ابن الأثير: القصب بالضم المعاء وجمعه أقصاب، وقيل: القصب اسم للأمعاء كلها، وقيل: هو ما كان أسفل البطن من الأمعاء. قوله: (وكان)، أي: عمرو بن عامر (أول من سيب السوائب)، وهو جمع، وروى محمد بن إسحاق بسند صحيح: عن محمد بن إبراهيم التيمي: أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول لأكتم: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، إنه أول من غير دين إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، فنصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي قال: وحدثني بعض أهل العلم: أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام، فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق، فرآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه نعبدها ونستمطر بها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له: هبل، فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه. ويقال: كان عمرو بن لحي، حين غلبت خزاعة على البيت ونفت جرهم عن مكة، جعلته العرب ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة، لأنه كان يطعم الناس ويكسو في المواسم، فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة حتى إنه اللات الذي يلت السويق للحجيج على صخرة معروفة تسمى صخرة اللات، ويقال: إن اللات كان من ثقيف، فلما مات قال لهم عمرو: إنه لم يمت ولكنه دخل في الصخرة، ثم أمرهم بعبادتها وأن يبنوا عليها بيتا يسمى اللات، ودام أمر عمرو وأمر ولده علي هذا بمكة ثلاثمائة سنة، وذكر أبو الوليد الأزرقي في (أخبار مكة): أن عمرا فقأ عين عشرين بعيرا وكانوا من بلغت إبله ألفا فقأ عين بعير، وإذا بلغت ألفين فقأ العين الأخرى، قال الراجز:
* وكان شكر القوم عند المننكي الصحيحات وفقأ الأعين
*
وهو الذي زاد في التلبية: إلا شريكا هو لك تملكه، وملك، وذلك أن الشيطان تمثل في صورة شيخ يلبي معه، فقال عمرو: لبيك لا شريك لك، قال الشيخ: إلا شريكا هو لك، فأنكر ذلك عمرو بن لحي، فقال: ما هذا؟ فقال الشيخ: تملكه وما ملك، فإنه لا بأس به، فقالها عمرو فدانت بها العرب.
وأما تفسير الوصيلة في رواية ابن إسحاق: فهي الشاة إذا ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وأهدوه للآلهة، وإن كانت أنثى استحيوها، وإن كانت ذكرا وأنثى استحيوا الذكر من أجل الأنثى. وقالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوهما. وقال مقاتل: وكانت المنفعة للرجال دون النساء، فإن وضعت ميتا اشترك في أكله الرجال والنساء، قال الله تعالى: * (وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) * (الأنعام: 931). وأما الحام: فهو الفحل إذا ركب ولد ولده فبلغ ذلك عشرة أو أقل من ذلك قيل: حمي ظهره، فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى ولا ينحر أبدا إلى أن يموت فتأكله الرجال والنساء.
21
((باب قصة زمزم وجهل العرب))
أي: هذا باب في قصة زمزم وجهل العرب، هكذا وقع لأبي ذر، وفي رواية غيره ما وقع إلا: باب جهل العرب، فقط، وهو الصواب لأنه لم يذكر فيه أصلا زمزم، وما يتعلق به، وقد وقع في بعض النسخ: باب قصة إسلام أبي ذر قبل هذا الباب.
4253 حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) * (الأنعام: 041). إلى قوله * (قد ضلوا وما كانوا مهتدين) * (الأنعام: 041).
مطابقته للترجمة في قوله: (جهل العرب) وأما الجزء الأول منها فلا ذكر له هنا أصلا كما ذكرنا آنفا. وأبو النعمان محمد ابن الفضل السدوسي وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح اليشكري، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري البصري.
والحديث من أفراد البخاري، ورواه ابن مردويه في (تفسيره): حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن أيوب حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه.
قوله: (إذا سرك)، من سره الأمر سرورا، إذا فرح به. قوله: * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) *) وقد أخبر الله تعالى: * (أن الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) * (الأنعام: 041). أي: من غير علم أتاهم في ذلك * (وحرموا ما رزقهم الله) * (الأنعام: 041). من الأنعام والحرث * (افتراء على الله) * (الأنعام: 041). حيث قالوا: إن الله أمركم بهذا قد ضلوا في ذلك وخسروا في الدنيا والآخرة
. وأما في الدنيا: فخسروا أولادهم بقتلهم وضيقوا عليهم في أموالهم وحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم. وأما في الآخرة: فيصيرون إلى شر المنازل بكذبهم على الله وافترائهم، وعن ابن عباس: نزلت هذه الآية في ربيعة ومضر والذين كانوا يدفنون بناتهم أحياء في الجاهلية من العرب، قال قتادة: كان أهل الجاهلية يقتلون بناتهم مخافة السبي عليهم والفاقة، إلا ما كان من بني كنانة فإنهم كانوا لا يفعلون ذلك.
31
((باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام أو الجاهلية))
أي: هذا باب في بيان جواز انتساب من انتسب إلى آبائه الذين مضوا في الإسلام أو في الجاهلية، وكره بعضهم ذلك مطلقا، ومحل الكراهة إنما كان إذا ذكره على طريق المفاخرة والمشاجرة، وقد روى الإمام أحمد وأبو يعلى في (مسنديهما) بإسناد حسن من حديث أبي ريحانة رفعه: من انتسب إلى تسعة آباء كفار، يزيدهم عزا وكرامة فهو عاشرهم في النار.
وقال ابن عمر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله
مطابقته للجزء الأول من الترجمة، وهو قوله: (في الإسلام)، ظاهرة لأنه، صلى الله عليه وسلم لما نسب يوسف إلى آبائه كان ذلك دليلا على جوازه لغيره في مثل ذلك، وأما تعليق عبد الله بن عمرو أبي هريرة فقد مر كلاهما في أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام.

92
وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا ابن عبد المطلب
مطابقته للجزء الثاني للترجمة، من حيث إنه صلى الله عليه وسلم انتسب إلى جده عبد المطلب، وتعليق البراء قطعة من حديث مضى مطولا موصولا في كتاب الجهاد في: باب من صف أصحابه عند الهزيمة.
5253 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال ل ما نزلت * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (الشعراء: 412). جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينادي يا بني فهر يا بني عدي ببطون قريش..
مطابقته للترجمة من حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عشيرته بنسبة كل قبيلة إلى آبائها.
وحفص بن غياث بن طلق أبو عمر النخعي الكوفي قاضيها، يروي عن الأعمش وهو سليمان بن مهران.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن علي بن عبد الله ومحمد بن سلام فرقهما وعن أبي يوسف بن موسى. وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي كريب عن أبي أسامة وعن أبي بكر وأبي كريب كلاهما عن أبي معاوية. وأخرجه الترمذي في التفسير عن هناد وأحمد بن منيع، وأخرجه النسائي فيه عن هناد وعن إبراهيم بن يعقوب وفيه وفي اليوم والليلة عن أبي كريب.
قوله: (يا بني فهر)، بكسر الفاء وسكون الهاء: ابن مالك ابن النضر بن كنانة، بطن من قريش، وكذا: بنو عدي، بفتح العين المهملة: ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر رهط عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. قوله: (ببطون قريش)، وفي رواية الكشميهني: لبطون قريش، باللام، وقد أمر الله تعالى نبيه، صلى الله عليه وسلم، بإنذار الأقرب فالأقرب من قومه، وبدأ في ذلك بمن هو أولى بالبدء، ثم بمن يليه، وأن يقدم إنذارهم على إنذار غيرهم، وهذا الحديث من مرسلات ابن عباس لأن الآية نزلت في مكة وابن عباس ولد بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين، والله أعلم.
6253 وقال لنا قبيصة أخبرنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ل ما نزلت * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (الشعراء: 412). جعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم قبائل قبائل..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور، وإنما قال: (قال لنا قبيصة) لأنه سمعه منه في المذاكرة. وقبيصة، بفتح القاف: هو ابن عقبة وقد تكرر ذكره، وسفيان هو الثوري، وحبيب بن أبي ثابت اسمه قيس بن دينار أبو يحيى الكوفي. والحديث أخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن سليمان وفي اليوم والليلة عن محمود بن غيلان. قوله: (يدعوهم) أي: يدعو عشيرته. (قبائل قبائل) بأن قال: يا بني فلان، يا بني فلان، بما يعرف به كل قبيلة، كما يأتي توضيحه في الحديث الآتي.
7253 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله يا بني عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله يا أم الزبير بن العوام عمة رسول الله يا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا سلاني من مالي ما شئتما..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز. والحديث من أفراده.
قوله: (اشتروا) إنما قال: اشتروا أنفسكم، مع أنهم البائعون، قال الله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) * (التوبة: 111). لأنهم مشترون أنفسهم باعتبار التخليص من العذاب، بائعون باعتبار تحصيل الثواب. قوله: (عمة رسول الله) عطف بيان من قوله: أم الزبير، واسمها: صفية بنت عبد المطلب.
وفيه أنه صلى الله عليه وسلم ناداهم طبقة بعد طبقة إلى أن انتهى إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها
وفيه: أن قريشا كلهم من الأقربين. وفيه: بداءته، صلى الله عليه وسلم، بقومه، فإذا قامت

93
حجة عليهم قامت على من سواهم ممن أمر بتبليغه. وفيه: فضل صفية، رضي الله تعالى عنها. وفيه: تكنية المرأة حيث قال: يا أم الزبير بن العوام.
51
((باب قصة الحبش))
أي: هذا باب في بيان قصة الحبش، ولم يذكر فيه إلا شيئا نزرا من قصة الحبشة، وذكر ابن إسحاق قصتهم مطولة، فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى كتابه، والحبش والحبشة جنس من السودان، والجمع: الحبشان مثل حمل وحملان، قاله الجوهري وهم من أولاد حام بن نوح، عليه الصلاة والسلام، وكانوا سبع أخوة: السند والهند والزنج والقبط والحبش والنوبة وكنعان، والحبش على أنواع: الدهلك وناصع والزيلع والكوكر والفافور واللابة والقوماطين ودرقلة والقرنة، والحبش بن كوش بن حام وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر، وقد غلبوا على اليمن قبل الإسلام، وقصتهم مشهورة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم يا بني أرفدة
وقول، مجرور لأنه عطف على: قوله قصة الحبش، وأرفدة، بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء: اسم جد لهم، وقيل: أرفدة، اسم أمه، وقد مضى هذا اللفظ في حديث طويل في كتاب العيدين في: باب الحراب والدرق يوم العيد، وفيه: وكان يوم عيد يلعب فيه السودان، فإما سألت يعني: عائشة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت، قال: حسبك! قلت: نعم، قال: فاذهبي.
9253 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى. وقالت عائشة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم أمنا بني أرفدة يعني من الأمن..
مطابقته للترجمة الأولى في قوله: (إلى الحبشة) وفي الثانية في قوله: (بني أرفدة) ورجاله قد تكرر ذكرهم، وهذا الحديث قد مضى في العيدين في: باب الحراب والدرق يوم العيد، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (في أيام منى تغنيان) ويروى: في أيام منى تدفعان وتضربان، وليس فيه: تغنيان. قوله: (فإنها) أي: فإن أيام منى (أيام عيد) أيام فرح وسرور، وقيل: هذا يدل على أن أيام العيد أربعة أيام، ورد بأنه يحتمل أن يكون ذلك اليوم ثاني يوم العيد أو ثالثه، فإذا كان كذلك فهو من أيام منى، ولا يقال: إنه على عمومه، لأن دعوى العموم في الأفعال غير صحيحة عند الأكثرين لأنها قصة عين. قوله: (متغش) ويروى: متغشي، والكل بمعنى واحد من قولهم: تغشى، أي: تغطي بثوبه. قوله: (فزجرهم) أي: فزجر أبو بكر الحبشة الذين يلعبون. قوله: (دعهم) أي: أتركهم آمنين، ويجوز أن يكون: (أمنا) مفعولا مطلقا أي: إئمنوا أمنا ليس لأحد أن يمنعكم، ونحوه. قوله: (بني أرفدة) أي: يا بني أرفدة. قوله: (يعني من الأمن) والغرض من ذكر لفظ: يعني، بيان أنه مشتق من الأمن الذي هو ضد الخوف، لا من الإيمان.
61
((باب من أحب أن لا يسب نسبه))
أي: هذا باب في بيان من أحب أن لا يسب أي: لا يشتم نسبه، أي: أهل نسبه.
1353 حدثني عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت استأذن حسان النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين فقال كيف بنسبي فقال حسان لأسلنك

94
منهم كما تسل الشعرة من العجين.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فقال: كيف بنسبي؟) فإنه صلى الله عليه وسلم لم يرد أن يهجى نسبه مع هجو الكفار، وعبدة هو ابن سليمان، وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة، رضي الله تعالى عنها.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عثمان بن أبي شيبة أيضا، وفي الأدب عن محمد بن سلام. وأخرجه مسلم في الفضائل عن عثمان بن أبي شيبة.
قوله: (كيف بنسبي؟) أي: كيف بنسبي مجتمعا بنسبهم؟ يعني: كيف تهجو قريشا مع اجتماعي معهم في النسب؟ وفي هذا إشارة إلى أن معظم طرق الهجو النقص من الآباء. قوله: (لأسلنك منهم) أي: لأخلصن نسبك منهم، أي: من نسبهم، بحيث يختص الهجو بهم دونك، وقال الكرماني: أي: لأتلطفن في تخليص نسبك من هجوهم بحيث لا يبقى جزء من نسبك فيما ناله الهجو. قوله: (كما تسل الشعرة)، ويروى: (الشعر)، وإنما عين الشعر والعجين لأنه إذا سل من العجين لا يتعلق به شيء ولا ينقطع لنعومته، بخلاف ما إذا سل من شيء صلب فإنه ربما ينقطع ويبقى منه بقية، وروى أنه: لما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم، في هجاء المشركين قال له: إئت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يخلص لك نسبي، فأتاه حسان ثم رجع فقال له: قد خلص لي نسبك.
وعن أبيه قال ذهبت أسب حسان عند عائشة فقالت لا تسبه فإنه كان ينافح عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: وعن أبي هشام وهو عروة بن الزبير وهذا موصول بالإسناد المذكور إلى عروة وليس بمعلق وقد أخرجه البخاري في الأدب عن محمد بن سلام عن عبد الله بهذا
الإسناد وقال فيه وعن هشام عن أبيه فذكر الزيادة وكذلك أخرجه في الأدب المفرد قوله: (كان ينافح) بكسر الفاء بعدها حاء مهملة ومعناه يدافع يقال نافحت عن فلان أي خاصمت عنه. ويقال نفحت الدابة إذا رمحت بحوافرها ونفحه بالسيف إذا تناوله من بعيد وأصل النفح بالمهملة الضرب وقيل للعطاء نفح كان المعطى يضرب السائل به.
71
((باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان ما جاء من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض النسخ: في أسماء رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وقول الله تعالى * (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) * (الفتح: 92). وقوله * (من بعدي اسمه أحمد) * (الصف: 6).
وقول الله، بالجر عطف على قوله: ما جاء، وقوله: (وقوله: من بعدي اسمه أحمد) بالجر أيضا عطفا على: قول الله، وكأنه أشار بما ذكر من بعض الآيتين إلى أن أشهر أسماء النبي صلى الله عليه وسلم محمد وأحمد، فمحمد من باب التفعيل للمبالغة، وأحمد من باب التفضيل، وقيل: معناهما إذا حمدني أحد فأنت أحمد، وإذا حمدت أحد فأنت محمد، وقال عياض: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم أحمد قبل أن يكون محمدا، كما وقع في الوجود، لأن تسميته أحمد وقعت في الكتب السالفة، وتسميته محمدا وقعت في القرآن العظيم، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس، وكذلك في الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس، وقد خص: بسورة الحمد، ولواء الحمد، وبالمقام المحمود، وشرع له الحمد بعد الأكل وبعد الشرب وبعد الدعاء وبعد القدوم من السفر، وسميت أمته: الحمادين، فجمعت له معاني الحمد وأنواعه، وقيل: اسمه في السماوات أحمد وفي الأرضين محمود، وفي الدنيا محمد، وقيل: الأنبياء كلهم حمادون لله تعالى ونبينا أحمد، أي: أكثر حمدا لله منهم، وقيل: الأنبياء كلهم محمودون ونبينا أحمد، أي: أكثر مناقبا، وأجمع للفضائل. قوله: (محمد رسول الله)، محمد، إما خبر مبتدأ محذوف أي: هو محمد، لتقدم قوله: * (هو الذي أرسل رسوله) * (التوبة: 33، الفتح: 82، والصف: 9). وإما مبتدأ، ورسول الله، عطف بيان * (والذين معه) * أي: أصحابه عطف على المبتدأ. وقوله: * (أشد) * خبر عن الجميع، ويجوز أن يكون استئنافا: محمد مبتدأ ورسول الله خبره، والذين معه مبتدأ، وأشداء خبره، ويجوز أن يكون: والذين معه في محل الجر عطفا على قوله: بالله، في قوله: * (وكفى بالله) * (). والجمهور على أن المراد من قوله: والذين معه رسل الله، فيحسن الوقف على: معه. قوله: (أشداء)، جمع شديد ومعناه: يغلظون على الكفار وعلى من

95
خالف دينهم، وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم. قوله: (من بعدي اسمه أحمد)، وقبله: * (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * (الصف: 6). وعن كعب: أن الحواريين قالوا لعيسى، صلى الله عليه وسلم: يا روح الله! فهل بعدنا من أمة؟ قال: نعم أمة محمد، حكاه علماء أبرار أتقياء.
39 - (حدثني إبراهيم بن المنذر قال حدثني معن عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله
لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب)
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعن بفتح الميم وسكون العين المهملة وفي آخره نون ابن عيسى القزاز مر في الوضوء والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي اليمان عن شعيب وأخرجه مسلم في فضائل النبي
عن زهير بن حرب وإسحق بن إبراهيم وابن أبي عمرو عن حرملة بن يحيى وعن عبد الملك بن شعيب وعن عبد بن حميد وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن سعيد بن عبد الرحمن وفي الشمائل عن غير واحد وأخرجه النسائي في التفسير عن علي بن شعيب البغدادي عن معن بن عيسى به قوله ' عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه ' كذا وقع موصولا عند معن بن عيسى عن مالك وقال الأكثرون عن مالك عن الزهري عن محمد بن جبير مرسلا ووافق معنا على وصله عن مالك جويرية بن أسماء عند الإسماعيلي ومحمد بن المبارك وعبد الله بن نافع عند أبي عوانة وأخرجه الدارقطني في الغرائب عن آخرين عن مالك وقال إن أكثر أصحاب مالك أرسلوه ورواه مسلم موصولا من رواية يونس بن يزيد وعقيل ومعمر ورواه البخاري أيضا موصولا في التفسير من رواية شعبة ورواه الترمذي أيضا موصولا من رواية ابن عيينة كلهم عن الزهري قوله ' لي خمسة أسماء ' فيه سؤالان * الأول أنه قصر أسماءه على خمسة وأسماؤه أكثر من ذلك وقد قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم وكذا للرسول. والثاني أن قوله الماحي ونحوه صفة لا اسم. الجواب عن الأول أن مفهوم العدد لا اعتبار له فلا ينفي الزيادة وقيل إنما اقتصر عليها لأنها موجودة في الكتب القديمة ومعلومة للأمم السالفة وزعم بعضهم أن العدد ليس من قول النبي
وإنما ذكره الراوي بالمعنى ورد عليه لتصريحه في الحديث بذلك وقيل معناه ولي خمسة أسماء لم يسم بها أحد قبلي وقيل معناه أن معظم أسمائي خمسة. والجواب عن الثاني أن الصفة قد يطلق عليها الاسم كثيرا قوله ' أنا محمد ' هذا هو الأول من الخمسة وقال السهيلي في الروض لا يعرف في العرب من تسمى محمدا قبل النبي
إلا ثلاثة محمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن أحيحة بن الجلاح ومحمد بن حمران بن ربيعة وقد رد عليه ومنهم من عد ستة ثم قال ولا سابع لهم ثم عدهم فذكر منهم هؤلاء الثلاثة وزاد عليهم محمد بن خزاعي السلمي ومحمد بن مسلمة الأنصاري ومحمد بن براء البكري ورد عليه أيضا بجماعة تسموا بمحمد وهم محمد بن عدي بن ربيعة السعدي روى حديثه البغوي وابن سعد وابن شاهين وغيرهم ومحمد بن اليحمد الأزدي ذكره المفجع البصري في كتاب المنقذ ومحمد بن خولي الهمداني ذكره ابن دريد ومحمد بن حرماز ذكره أبو موسى في الزيل ومحمد بن عمرو بن مغفل بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الفاء وباللام ومحمد الأسيدي ومحمد الفقيمي ومحمد بن يزيد بن ربيعة ومحمد بن أسامة ومحمد بن عثمان ومحمد بن عتوارة الليثي قوله ' وأنا أحمد ' هذا هو الثاني من الخمسة ويروى وأنا محمد وأحمد بغير لفظة وأنا قوله ' وأنا الماحي ' هذا هو الثالث من الخمسة قيل أراد بقوله الذي يمحو الله بي الكفر من جزيرة العرب وقال الكرماني محو الكفر إما من بلاد العرب ونحوها وفيه نظر
لأنه وقع في رواية عقيل ومعمر يمحو الله بي الكفرة وفي رواية نافع بن جهير وأنا الماحي فإن الله يمحو به سيئات من اتبعه (قلت) قوله هذا عام يتناول كفر كل أحد في كل أرض قوله ' وأنا الحاشر ' هذا هو الرابع من الخمسة وقد فسره بقوله الذي يحشر الناس على قدمي أي على أثري أي أنه يحشر قبل

96
الناس ويوافق هذا لقوله في الرواية الأخرى يحشر الناس على عقبي ويقال معناه على زماني ووقت قيامي على القدم بظهور علامات الحشر ويقال معناه لا نبي بعدي قوله ' قدمي ' ضبطوه بتخفيف الياء وتشديدها مفردا ومثنى قوله ' وأنا العاقب ' هذا هو الخامس وزاد يونس بن يزيد في روايته عن الزهري الذي ليس بعده أحد وقد سماه الله رؤوفا رحيما وقال البيهقي في الدلائل قوله ' وقد سماه الله ' إلى آخره مدرج من قول الزهري وفي دلائل البيهقي العاقب يعني الخاتم وفي لفظ الماحي والخاتم وفي لفظ فأنا حاشر فبعثت مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد وعند مسلم في حديث أبي موسى الأشعري ونبي التوبة ونبي الملحمة وعن أبي صالح قال
' إنما أنا رحمة مهداة ' وقال أبو زكريا العنبري لنبينا محمد
خمسة أسماء في القرآن العظيم قال الله عز وجل * (محمد رسول الله) * وقال * (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * وقال * (وأنه لما قام عبد الله) * يعني النبي
ليلة الجن وقال (طه) وقال (يس) يعني يا إنسان والإنسان هنا العاقل وهو محمد
وقال البيهقي وزاد عبدة وسماه في القرآن رسولا نبيا أميا وسماه * (شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) * وسماه مذكرا ورحمة وجعله نعمة وهاديا عن كعب قال الله عز وجل لمحمد
عبدي المتوكل المختار وعن حذيفة بسند صحيح يرفعه ' أنا المقفى ونبي الرحمة ' وعن مجاهد قال
' أنا رسول الرحمة أنا رسول الله الملحمة بعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراع ' وفي كتاب الشفاء وأنا رسول الراحة ورسول الملاحم وأنا قثم والقثم الجامع في الكامل وفي القرآن المزمل والمدثر والنور والمنذر والبشير والشاهد والشهيد والحق والمبين والأمين وقدم الصدق ونعمة الله والعروة الوثقى والصراط المستقيم والنجم الثاقب والكريم وداعي الله والمصطفى والمجتبى والحبيب ورسول رب العالمين والشفيع والمشفع والمتقي والمصلح والظاهر والصادق والمصدوق والهادي وسيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وحبيب الله وخليل الرحمن وصاحب الحوض المورود والشفاعة والمقام المحمود وصاحب الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وصاحب التاج والمعراج واللواء والقضيب وراكب البراق والناقة والنجيب وصاحب الحجة والسلطان والعلامة والبرهان وصاحب الهراوة والنعلين والمختار ومقيم السنة والمقدس وروح القدس وروح الحق وهو معنى البارقليط في الإنجيل وقال ثعلب البارقليط الذي يفرق بين الحق والباطل وماذماذ معناه طيب طيب والبرقليطس بالرومية وقال ثعلب الخاتم الذي ختم الأنبياء والخاتم أحسن الأنبياء خلقا وخلقا ويسمى بالسريانية مشفح والمنحمنا وفي التوراة أحيد ذكره ابن دحية بمد الألف وكسر الحاء ومعناه أحيد أمتي عن النار وقيل معناه الواحد وقال عياض ومعناه صاحب القضيب أي السيف وفي الدر المنظم للعرقي من أسمائه المصدق المسلم الإمام المهاجر العامل اذن خير الآمر الناهي المحلل المحرم الواضع الرافع المجير وقال ابن دحية أسماؤه وصفاته إذا بحث عنها تزيد على الثلاثمائة وقد ذكرنا عن ابن العربي أن أسماءه بلغت ألفا كأسماء الله تعالى * -
3353 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد.
مطابقته للترجمة في قوله: (وأنا محمد)، وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان بن عيينة وأبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
قوله: (ألا تعجبون؟) كلمة ألا للتنبيه، وكان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمونه باسمه الدال على المدح فيعدلون إلى ضده، فيقولوا: مذمم ومذمم، ليس باسمه، ولا يعرف به فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفا إلى غيره، وأنا أسمي محمد، كثير الخصال الحميدة، وألهم الله أهله أن يسموه به لما علم من حميد صفاته، وفي المثل المشهور: الألقاب تنزل من السماء، وقال ابن التين: استدل بهذا الحديث من أسقط حد القذف بالتعريض، وهم الأكثرون خلافا لمالك، وأجاب بأنه لم يقع في الحديث أنه: لا شيء عليهم في ذلك، بل الواقع أنهم عوقبوا على ذلك، ورد عليه بأنه لا يدل على النفي ولا على الإثبات، فلا يتم الاستدلال به.

97
81
((باب خاتم النبيينصلى الله عليه وسلم))
98
أي: هذا باب في بيان معنى الخاتم من أسمائه: أنه خاتم النبيين.
4353 حدثنا محمد بن سنان حدثنا سليم حدثنا سعيد بن ميناء عن جابر بن عبده الله رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون لولا موضع اللبنة.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه، لأن في طريق من طرق الحديث عند الإسماعيلي من رواية عثمان عن سليم بن حيان: فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء، عليهم
الصلاة والسلام.
ومحمد بن سنان، بكسر السين المهملة وتخفيف النون وبعد الألف نون أخرى: أبو بكر العوفي الباهلي الأعمى، وهو من أفراده، وسليم، بفتح السين المهملة وكسر اللام: ابن حيان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وسعيد بن ميناء، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون: ممدودا ومقصورا.
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن حاتم. وأخرجه الترمذي في الأمثال عن محمد ابن إسماعيل البخاري به، وقال: صحيح غريب من هذا الوجه.
قوله: (مثلي)، مبتدأ (ومثل الأنبياء) عطف عليه. وقوله: (كمثل رجل) خبره، والمثل ما يضرب به الأمثال، وفي (الجمهرة): المثل النظير والمشبه هنا واحد والمشبه به متعدد فكيف يصح التشبيه؟ ووجهه أنه جعل الأنبياء كلهم كواحد فيما قصد في التشبيه، وهو أن المقصود من تعيينهم ما تم إلا باعتبار الكل، فكذلك الدار لم يتم إلا بجميع اللبنات، ويقال: إن التشبيه هنا ليس من باب تشبيه المفرد بالمفرد بل هو تشبيه تمثيلي، فيؤخذ وصف من جميع أحوال المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به، فيقال: شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق بدار أسس قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع لبنة، فنبينا صلى الله عليه وسلم بعث لتتميم مكارم الأخلاق كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار، قوله: (إلا موضع لبنة)، بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وجاز إسكانها مع فتح اللام وكسرها، وهي القطعة من الطين تعجن وتيبس ويبنى بها بناء، فإذا أحرقت تسمى آجرة. قوله: (لولا موضع اللبنة)، بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي: لولا موضع اللبنة يوهم النقص لكان بناء الدار كاملا، كما في قولك: لولا زيد لكان كذا أي: لولا زيد موجود لكان كذا، ويجوز أن تكون: لولا، تخصيصية لا امتناعية، وفعله محذوف أي: لولا ترك موضع اللبنة أو سوى، ويجوز موضع بالنصب أي: لولا تركت أيها الرجل موضعها ونحو ذلك، ووقع في رواية همام عند أحمد. ألا وضعت ههنا لبنة فيتم بنيانك؟
5353 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو صالح ذكوان الزيات.
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، عن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر. وأخرجه النسائي في التفسير عن علي بن حجر، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر عنه به.
قوله: (من زاوية)، قال الداودي: هي الركن، وفي رواية همام عند مسلم: إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فظهر أن المراد أنها مكملة محسنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها ناقصا وليس كذلك، فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة، فالمراد منه هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما خص به من الشرائع.
وفيه: ضرب الأمثال للتقريب للأفهام، وفضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء، وأن الله ختم به المرسلين وأكمل به شرائع الدين.

98
91
((باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في باين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا وقعت هذه الترجمة عند أبي ذر، وسقطت من رواية النسفي.
6353 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين وقال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب مثله. (الحديث 6353 طرفه في: 6644).
مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده به.
قوله: (توفي وهو ابن ثلاث وستين)، هذا هو الأصح في سنه، وقد ذكره البخاري في آخر الغزوات، وترجم عليه هذه الترجمة أيضا، وروي أيضا هذا عن ابن عباس ومعاوية، وقال البيهقي: وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي وإحدى الروايتين عن أنس، وروى عن أنس: (أنه توفي على رأس الستين)، وصححه الحاكم في (الإكليل) وأسنده ابن سعد من طريقين عنه، وبه قال عروة ويحيى بن جعدة والنخعي، وروى مسلم من حديث عمار بن أبي عامر عن ابن عباس: (أنه توفي وهو ابن خمس وستين)، وصححه أبو حاتم الرازي أيضا في (تاريخه). وأما البخاري فذكره في (تاريخه الصغير): عن عمار، ثم قال: ولا يتابع عليه، وكان شعبة يتكلم في عمار وفيه نظر من حيث إن ابن أبي خيثمة ذكره أيضا من حديث علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس، ورواه أيضا ابن سعد عن سعيد بن سليمان عن هشيم حدثنا علي... فذكره، ولو أعله البخاري ما ذكره البيهقي من حديث حماد عن عمار عن ابن عباس، لكان صوابا، لأن شعبة، وإن تكلم فيه فقد أثنى عليه غير واحد. وفي (تاريخ ابن عساكر): ثنتان وستون سنة ونصف، وفي كتاب عمر بن شعبة: إحدى أو اثنتان، لا أراه بلغ ثلاثا وستين. وروى البزار من حديث ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه: توفي في إحدى وعشرين من رمضان، ولما ذكر الطبري قول الكلبي وأبي محيف: أنه، صلى الله عليه وسلم، توفي في ثامن ربيع الأول، قال هذا القول: وإن كان خلاف قول الجمهور فإنه لا يبعد أن كانت الثلاثة الأشهر التي قبله كانت تسعة وعشرين يوما، وفي (
التوضيح): وهذا قول أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، ومحمد بن عمرو الأسلمي والمعتمر بن سليمان عن أبيه وأبي معشر عن محمد بن قيس، قالوا ذلك أيضا، حكاه البيهقي والقاضي أبو بكر بن كامل في (البرهان). وقال السهيلي في (الروض): اتفقوا أنه توفى صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وقالوا كلهم: في ربيع الأول غير أنهم قالوا، أو قال أكثرهم: في الثاني عشر من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر، لإجماع المسلمين على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة، وهو التاسع من ذي الحجة، فدخل ذو الحجة يوم الخميس، فكان المحرم إما الجمعة وإما السبت وإما الأحد، فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الأحد، فإن كان السبت فقد كان الربيع إما الأحد وإما الاثنين، وكيف ما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثاني عشر من ربيع الأول يوم الاثنين بوجه، وعن الخوارزمي: توفي صلى الله عليه وسلم في أول يوم من ربيع الأول، قال: وهذا أقرب إلى القياس، وعن المعتمر بن سليمان عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مرض يوم السبت لاثنين وعشرين ليلة من صفر، بدأ به وجعه عند وليدته ريحاته، وتوفى في اليوم العاشر)، وعند أبي معشر عن محمد بن قيس: اشتكى صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر في بيت زينب بنت جحش، فمكث ثلاثة عشر يوما. وعند الواقدي: عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه بدىء به صلى الله عليه وسلم وجعه في بيت ميمونة زوجته)، وقال أهل الصحيح بإجماع: إنه توفي يوم الاثنين، قال أهل السير: مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة، وذلك حين ارتفع الضحى، وقال الواقدي: كانت مدة علته اثني عشر يوما، وقيل: أربعة عشر يوما. قوله: (وقال ابن شهاب)، وهو محمد بن مسلم الزهري (وأخبرني سعيد بن المسيب مثله) أي: مثل ما أخبر عروة عن عائشة، وهو موصل بالإسناد الأول المذكور، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب

99
بالإسنادين معا مفرقا وهو من مرسل سعيد بن المسيب، ويحتمل أن يكون سعيد أيضا سمعه من عائشة، رضي الله تعالى عنها، والله تعالى أعلم.
02
((باب كنية النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان كنية النبي صلى الله عليه وسلم، الكنية، بضم الكاف وسكون النون: مأخوذ من الكناية، تقول: كنيت عن الأمر بكذا إذ ذكرته بغير ما يستدل به عليه صريحا، وقد شاعت الكنى بين العرب وبعضها يغلب على الاسم: كأبي طالب وأبي لهب ونحوها، وقد يكنى واحد بكنية واحدة فأكثر ومنهم من يشتهر باسمه وكنيته جميعا، فالكنية والاسم واللقب كلها من الأعلام، ولكن الكنية ما يصدر بأب أو أم، واللقب ما يشعر بمدح أو ذم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنى: بأبي القاسم وهو أكبر أولاده، وعن ابن دحية: كنى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بأبي القاسم لأنه يقسم الجنة بين الخلق يوم القيامة، ويكنى أيضا بأبي إبراهيم، باسم ولده إبراهيم الذي ولد في المدينة من مارية القبطية، وروى البيهقي من حديث أنس: أنه لما ولد إبراهيم بن رسول الله، صلى الله عليه وسلم من مارية جاريته كاد يقع في نفس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منه حتى أتاه جبريل، عليه الصلاة والسلام، فقال: السلام عليك أبا إبراهيم، وفي رواية يا أبا إبراهيم، وذكره ابن سعد أيضا. وفي (التوضيح): وله كنية ثالثة وهو: أبو الأرامل.
7353 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق فقال رجل يا أبا القاسم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي. (انظر الحديث 0212 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهذا الحديث مضى في كتاب البيوع في: باب ما ذكر في الأسواق، أخرجه من طريقين: أحدهما: عن آدم بن مالك. والآخر: عن إسماعيل، ومضى الكلام فيه هناك.
8353 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن منصور عن سالم عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي..
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومنصور هو ابن المعتمر، وسالم هو ابن أبي الجعد، والحديث مضى بأتم منه في الخمس في: باب قول الله عز وجل: * (فإن لله خمسه) * (الأنفال: 14). فإنه أخرجه هناك من طريقين: أحدهما: عن أبي الوليد عن شعبة؛ والآخر: عن محمد ابن يوسف عن سفيان.
9353 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال سمعت أبا هريرة يقول قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي..
مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد ذكروا غير مرة. والحديث أخرجه في الأدب عن علي بن عبد الله أيضا. وأخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعمرو الناقد ومحمد بن عبد الله بن نمير. وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد وأبي بكر بن أبي شيبة. قوله: (قال أبو القاسم)، وفيه نكتة لطيفة على ما لا يخفى على الفطن. قوله: (سموا باسمي)، بفتح السين وتشديد الميم المضمومة، أمر للجماعة من التسمية، والله أعلم.
12
((باب))
أي: هذا باب، إذا قدرنا هكذا يكون معربا، وإلا فلا، لأن الإعراب لا يكون إلا في التركيب، وهذا وقع كذا بغير ترجمة. وقال بعضهم: هذا لا يصلح أن يكون فصلا من الذي قبله، بل هو طرف من الحديث الذي بعده، ولعل هذا من تصرف الرواة.

100
انتهى. قلت: لا نسلم أنه لا يصلح أن يكون فصلا من الذي قبله، بل هو صالح جيد لذلك، لأن الألفاظ التي كان النبي صلى الله عليه وسلم، يخاطب بها: يا محمد، يا أبا القاسم، يا رسول الله، والأدب بل الأحسن أن يخاطب: بيا رسول الله، وهذا الحديث يتضمن هذا فله تعلق بما قبله من هذا الوجه، وقال هذا القائل أيضا: نعم،
وجهه بعض شيوخنا فإنا أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ذا أسماء وكنية، لكن لا ينبغي أن ينادى بشيء منها، يقال له: يا رسول الله، كما خاطبته خالة السائب لما أتت به إليه، ولا يخفى تكلفه. انتهى. قلت: أراد ببعض شيوخه: صاحب (التوضيح): الشيخ سراج الدين بن الملقن، وقوله: ولا يخفى تكلفه، تكلف بل هو قريب مما ذكرنا، وهو توجيه حسن، وهذا أحسن من نسبته إلى تصرف الرواة.
0453 حدثني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا الفضل بن موسى عن الجعيد بن عبد الرحمان رأيت السائب بن يزيد ابن أربع وتسعين جلدا معتدلا فقال قد علمت ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خالتي ذهبت بي أليه فقالت يا رسول الله إن ابن اختي شاك فادع الله قال فدعا لي صلى الله عليه وسلم..
توجه المطابقة بينه وبين الباب المترجم قبله بما ذكرنا الآن. وإسحاق هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه، والفضل بن موسى الشيباني، وشيبان قرية من قرى مرو، المروزي والجعيد، بضم الجيم وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة: ابن عبد الرحمن، ويقال: الجعد أيضا الكندي المدني، والسائب بن يزيد من الزيادة ابن سعد الكندي، ويقال: الأسدي، ويقال: الليثي، ويقال: الهذلي، وقال الزهري: هو من الأزد عداده في كنانة له ولأبيه صحبة، توفي بالمدينة سنة إحدى وتسعين وهو ابن ست وتسعين، وفي الحديث المذكور عن إسحاق لم يذكر إلا هنا فقط، بخلاف الحديث الآتي على ما نبينه، إن شاء الله تعالى.
قوله: (ابن أربع وتسعين) هذا يدل على أنه رآه في سنة اثنتين وتسعين، فيكون عاش بعد ذلك سنتين، وهو الأشهر. وأبعد من قال: إنه مات قبل التسعين، وقال ابن أبي داود: وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة. قوله: (جلدا) بفتح الجيم وسكون اللام أي: قويا صلبا. قوله: (معتدلا) أي: معتدل القامة مع كونه معمرا. قوله: (ما متعت به)، على صيغة المجهول. قوله: (سمعي) بدل من الضمير الذي في: به (وبصري) عطف عليه. قوله: (شاك) فاعل من الشكوى وهو المرض. قوله: (فادع الله) أي: أدع الله له، وهكذا يروى أيضا، وقال عطاء بن السائب: كان مقدم رأسه أسود وهو هو لأنه صلى الله عليه وسلم مسحه، وأمه علية بنت شريح الحضرمية، ومخرمة ابن شريح خاله.
22
((باب خاتم النبوة))
أي: هذا باب في بيان صفة خاتم النبوة، وهو الذي كان بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من علاماته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها.
1453 حدثنا محمد بن عبيد الله حدثنا حاتم عن الجعيد بن عبد الرحمان قال سمعت السائب بن يزيد قال ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابن أختي وقع فمسح رأسي ودعا لي بالبركة وتوضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم بين كتفيه..
مطابقته للترجمة في قوله: (فنظرت إلى خاتم بين كتفيه). ومحمد بن عبد الله بالتصغير أبو ثابت المدني، مشهور بكنيته، وهو من أفراده، وحاتم، بالحاء المهملة وبالتاء المثناة من فوق المكسورة بعد الألف: ابن إسماعيل أبو إسماعيل

101
الكوفي، سكن المدينة.
والحديث مضى في كتاب الطهارة في: باب استعمال فضل وضوء الناس، وقد مر الكلام فيه هناك. (وقع)، بفتح الواو وكسر القاف، أي: وجع وقد مضى في كتاب الطهارة بلفظ: وجع، وقيل: يشتكي رجله، ويروى بلفظ الماضي.
قال ابن عبيد الله الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه. قال إبراهيم بن حمزة مثل زر الحجلة
ابن عبيد الله، هو شيخه محمد بن عبيد الله المذكور آنفا، وأشار به إلى أنه فسر الحجلة التي وقع في هذا الحديث لأن فيه: فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة، على ما يأتي في: باب الدعاء للصبيان، من كتاب الدعاء. فإن قلت: لم تقع هذه اللفظة هنا في الحديث المذكور، فما وجه تفسيرها هنا؟ قلت: الظاهر أنه لما روى هذا الحديث عن شيخه محمد بن عبيد الله، وقع السؤال في المجلس عن كيفية الخاتم؟ فقال هو: أعني ابن عبيد الله، أو غيره، وهو مثل زر الحجلة، فسئل هو عن معنى الحجلة، فقال: من حجل الفرس الذي بين عينيه، وهذا هو الوجه في هذا وليس مثل ما قال بعضهم: هكذا وقع، وكأنه سقط منه شيء لأنه يبعد من شيخه محمد ابن عبيد الله أن يفسر الحجلة ولم يقع لها في سياقه ذكر، وكأنه كان فيه مثل زر الحجلة ثم فسرها كذلك. انتهى. قلت: قوله: كأنه سقط، ليس موضع الشك، لأن هذه اللفظة موجودة في نفس حديث السائب بن يزيد، ولكنها ليست بمذكورة ههنا، وهي مذكورة فيه في الطريق الآخر الذي أخرجه في كتاب الدعوات في: باب الدعاء للصبيان، فلا معنى لقوله: وكأنه كان فيه مثل زر الحجلة، لأنه لا محل للشك، والوجه فيه ما ذكرناه، فافهم. ومع هذا تفسيره: من حجل الفرس الذي بين عينيه بمعنى البياض، فيه نظر، لأن المعروف الذي بين عيني الفرس إنما هو غرة، والذي في قوائمه هو التحجيل، ولئن سلمنا أن يكون هذا التفسير صحيحا فليس له معنى إن أراد البياض، لأنه لا يبقى فائدة لذكر الزر. قوله: (وقال إبراهيم بن حمزة) هو أبو إسحاق الزبيري الأسدي المديني، وهو أيضا من مشايخ البخاري، روى عنه في غير موضع، مات سنة ثلاثين ومائتين، وأشار بهذا التعليق إلى أنه روى هذا الحديث كما رواه محمد بن عبيد الله المذكور، إلا أنه خالفه في هذه اللفظة، فقال: (مثل زر الحجلة) مثل ما وقع في نفس الحديث، وسيأتي عنه موصولا في كتاب الطب، إن شاء الله تعالى، وقد أمعنا في هذا الباب الكلام في كتاب الطهارة، فليرجع إليه هناك من أراد الوقوف عليه، والله أعلم.
32
((باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم يعني: في خلقه وخلقه.
2453 حدثنا أبو عاصم عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن ابن أبي مليكة عن عقبة ابن الحارث قال صلى أبو بكر رضي الله تعالى عنه العصر ثم خرج يمشي فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وقال بأبي شبيه بالنبي لا شبيه بعلي وعلي يضحك. (الحديث 2453 طرفه في: 0573).
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا بكر شبه الحسن بالنبي في خلقه، بالفتح وهي صفته صلى الله عليه وسلم.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: أبو عاصم الضحاك بن مخلد المشهور بالنبيل. الثاني: عمرو بن سعيد بن أبي حسين النوفلي القرشي. الثالث: عبد الله بن أبي مليكة، بضم الميم. الرابع: عقبة بن الحارث بن عامر القرشي النوفلي أبو سروعة المكي...
...
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في موضع. وفيه: أن شيخه من أفراده وهو بصري والبقية كلهم مكيون. وفيه: عن ابن أبي مليكة وفي رواية الإسماعيلي: أخبرني ابن أبي مليكة، وفي أخرى: حدثني. وفيه: عن عقبة بن الحارث، وفي رواية الإسماعيلي: أخبرني عقبة بن الحارث.
والحديث أخرجه

102
البخاري أيضا في فضل الحسن، رضي الله تعالى عنه، عن عبدان عن ابن المبارك، وأخرجه النسائي في المناقب عن محمد ابن عبد الله المخرمي.
ذكر معناه: قوله: (ثم خرج يمشي)، وزاد الإسماعيلي في رواية: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليالي، وعلي، رضي الله تعالى عنه يمشي إلى جانبه. قوله: (وقال بأبي)، أي: قال أبو بكر، رضي الله تعالى عنه: بأبي، أي: أفديه بأبي، أو: هو مفدى بأبي، وقال الكرماني: بأبي قسم، وفيه نظر. قوله: (شبيه بالنبي)، أي: هو شبيه بالنبي صلى الله عليه وسلم (لا شبيه بعلي) يعني: أباه ابن أبي طالب. قوله: (وعلي يضحك) جملة حالية، وضحكه يدل على أنه وافق أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، على أن الحسن كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عمر، رضي الله تعالى عنه: كان المشبهون برسول الله، صلى الله عليه وسلم خمسة، وهم: جعفر بن أبي طالب، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث، والسائب ابن عبيد، رضي الله تعالى عنهم، وقد قيل في ذلك شعر:
* بخمسة شبه المختار من مضر
* يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن
*
* بجعفر وابن عم المصطفى قثم
* وسائب وأبي سفيان والحسن
*
وفي (عيون الأثر): وممن كان يشبهه صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن عامر بن كعب بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، رآه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صغيرا، فقال: هذا يشبهنا، وذكر في (المرآة): منهم مسلم بن معتب، وأنس بن ربيعة بن مالك البياضي البصري من بني أسامة بن لؤي، وكان أشبه الناس برسول الله، صلى الله عليه وسلم في خلقه وخلقه، وكان أنس بن مالك إذا رآه عانقه وبكى، وقال: من أراد أن ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا، وبلغ معاوية بن أبي سفيان خبره فاستقدمه، فلما دخل عليه قام واعتنقه وقبل ما بين عينيه وأقطعه مالا وأرضا، فرد المال وقبل الأرض.
وفي الحديث: فضيلة أبي بكر ومحبته لآل النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: ترك الصبي المميز يلعب لأن الحسن إذ ذاك كان ابن سبع سنين، وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ عنه، ولعبه محمول على ما يليق لمثله في ذلك الزمان من الأشياء المباحة، بل يحمل على ما فيه تمرين وتنشيط ونحو ذلك.
4453 حدثني عمرو بن علي حدثنا ابن فضيل حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت أبا جحيفة رضي الله تعالى عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي عليهما السلام يشبهه قلت لأبي جحيفة صفه لي قال كان أبيض قد شمط وأمر لنا النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة قلوصا قال فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نقبضها. (انظر الحديث 3453).
هذا طريق آخر في الحديث المذكور بأتم منه أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر بن أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي عن محمد بن فضيل بالتصغير إلى آخره.
قوله: (قد شمط)، بفتح الشين المعجمة وكسر الميم: أي صار شعر رأسه السواد مخالطا بالبياض. قوله: (فأمر لنا) أي: له ولقومه من بني سواءة، وكان أمر لهم بذلك على سبيل جائزة الوفد. قوله: (بثلاث عشرة) ويروى

103
بثلاثة عشر، وقال ابن التين: وكان حقه أن يقول: ثلاث عشرة، وهو ظاهر قوله: (قلوصا) بفتح القاف وضم اللام، وهي الأنثى من الإبل، وقيل: هي الطويلة القوائم، وقال الداودي: هي الثنية من الإبل. قوله: (فقبض النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن نقبضها) أي: قبل أن نقبض تلك القلائص.
وفيه: إشعار أن ذلك كان قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قلت: نعم، روى الإسماعيلي من طريق محمد بن الفضيل بالإسناد المذكور: فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم
يعطونا شيئا، فلما قام أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، قال: من كانت له عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم عدة، فليجىء، فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها.
5453 حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن وهب أبي جحيفة السوائي قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ورأيت بياضا من تحت شفته السفلى العنفقة.
هذا طريق آخر عن عبد الله بن رجاء بن المثنى الفداني البصري عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق السبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله الكوفي.
قوله: (العنفقة)، بالجر على أنه بدل من: الشفة، ويجوز بالنصب على أن يكون بدلا من قوله: (بياضا). قال ابن سيده في (المخصص): هي ما بين الذقن وطرف الشفة السفلى كأن عليها شعر أو لم يكن، وقيل: هو ما كان نبت على الشفة السفلى من الشعر، وقال القزاز: هي تلك الهمزة التي بين الشفة السفلى والذقن، وقال الخليل: هي الشعيرات بينهما، ولذلك يقولون في التحلية: نقي العنفقة، وقال أبو بكر: العنفقة خفة الشيء وقلته، ومنه اشتقاق: العنفقة، فدل هذا على أن العنفقة الشعر، وأنه سمي بذلك لقلته وخفته، وفي هذا الحديث بين موضع البياض والشمط.
6453 حدثنا عصام بن خالد حدثنا حريز بن عثمان أنه سأل عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم كان شيخا قال كان في عنفقته شعرات بيض.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعصام، بكسر العين المهملة: ابن خالد أبو إسحاق الحمصي الحضرمي، مات سنة بضع عشرة ومائتين، من كبار شيوخ البخاري وليس له عنه في (الصحيح) غيره، وهو من أفراد البخاري، و: حريز، بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره زاي: ابن عثمان السامي، مات سنة ثلاث وستين ومائة، وعبد الله بن بسر، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وفي آخره راء.
والحديث من ثلاثيات البخاري، الثالث عشر منها، ومن أفراده أيضا.
قوله: (أرأيت النبي) يجوز فيه وجهان: أحدهما: أن يكون أرأيت بمعنى أخبرني، ويكون لفظ: النبي، مرفوعا على الابتداء. وقوله: (أكان شيخا)، خبره على تأويل: هل يقال فيه: كان شيخا؟ وأعربه بعضهم بأن النبي مرفوع على أنه اسم: كان، وفيه ما فيه، والوجه الآخر: أن يكون: أرأيت؟ استفهاما تقديره: هل رأيت النبي أكان شيخا؟ فيكون النبي منصوبا على المفعولية، ويؤيد هذا ما رواه الإسماعيلي من وجه آخر عن حريز بن عثمان، قال: رأيت عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم بحمص والناس يسألونه، فدنوت منه وأنا غلام، فقلت: أنت رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: أشيخ كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم أم شاب؟ قال: فتبسم. وفي رواية له: فقلت له: أكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم صبغ؟ قال: يا ابن أخي، لم يبلغ ذلك. قوله: (شعرات بيض)، الشعرات جمع شعرة، والبيض بكسر الباء الموحدة جمع أبيض، وقال الكرماني: شعرات جمع قلة فلا يكون زائدا على عشرة. قلت: سمعت بعد الأساتذة الكبار: أن عدد الشعرات البيض التي كانت على عنفقته سبعة عشر شعرة، والله أعلم.
7453 حدثني ابن بكير قال حدثني الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمان قال سمعت أنس بن مالك يصف النبي صلى الله عليه وسلم قال كان ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم ليس بجعد قطط ولا سبط رجل أنزل عليه وهو ابن أربعين فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه وبالمدينة عشر

104
سنين وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء قال ربيعة فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسألت فقيل احمر من الطيب.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن بكسر هو يحيى بن بكير تصغير بكر وهو منسوب إلى جده لأنه يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي المصري، والليث هو ابن سعد المصري، وخالد هو ابن يزيد الجمحي الإسكندراني أبو عبد الرحيم الفقيه المفتي، وسعيد بن أبي هلال الليثي المدني، وربيعة بن أبي عبد الرحمن بن فروخ الفقيه المدني المعروف بربيعة الرأي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف عن مالك وفي اللباس عن إسماعيل عن مالك. وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، عن يحيى بن يحيى عن مالك وعن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر وعن القاسم بن زكرياء. وأخرجه الترمذي في المناقب عن قتيبة عن مالك وعن إسحاق بن موسى عن معن عن مالك. وأخرجه النسائي في الزينة عن قتيبة عن مالك به مختصرا.
ذكر معناه: قوله: (كان ربعة)، بفتح الراء وسكون الباء الموحدة أي: مربوعا، والتأنيث باعتبار النفس، يقال: رجل ربعة وامرأة ربعة. قوله: (ليس بالطويل ولا بالقصير)، تفسير ربعة، أي: ليس بالطويل الباين المفرط في الطول مع اضطراب القامة، قال الأخفش: هو عيب في الرجال والنساء، وسيأتي في حديث البراء عن قريب أنه كان مربوعا، ووقع في حديث أبي هريرة عند الذهلي. في (الزهريات) بإسناد حسن: كان ربعة وهو إلى الطول أقرب. قوله: (أزهر اللون) أي: أبيض مشرب بحمرة، وقد وقع ذلك صريحا في مسلم من حديث أنس من وجه آخر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مشربا بياضه بحمرة، وقيل: الأزهر أبيض اللون ناصعا. قوله: (ليس بأبيض أمهق)، كذا وقع في الأصول، ووقع عند الداودي تبعا لرواية المروزي: أمهق ليس بأبيض، وقال الكرماني: أمهق أبيض لا في الغاية، وهو معنى ليس بأبيض. وقال رؤبة: المهق خضرة الماء، ولم يوجد لفظ أمهق في بعض النسخ وهو الأظهر. وفي (الموعب): الأمهق البياض الجصي، وكذلك الأمقه، وقيل: هو بياض في زرقة، وامرأة مهقاء ومقهاء، وقال بعضهم: هما الشديدا البياض، وعن ابن دريد: هو بياض سمج لا يخالطه حمرة ولا صفرة. وفي (التهذيب): بياض ليس بنير. وفي (الجامع): بياض شديد مفتح، وقيل: هو شدة الخضرة. وقال عياض: من روى أنه ليس بالأبيض ولا الآدم
فقد وهم، وليس بصواب، ورد عليه بأن المراد أنه ليس بالأبيض الشديد البياض، ولا بالآدم الشديد الأدمة، وإنما يخالط بياضه الحمرة، والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر، ولهذا جاء في حديث أنس أخرجه أحمد والبزار وابن منده بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان أسمر)، وفي روايات كثيرة مختلفة، فعند النظر يظهر من مجموعها أن المراد بالسمرة: الحمرة التي تخالط البياض، وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالط الحمرة، والمنفي ما لا يخالطه، وهو الذي تكرهه العرب وتسميه أمهق، وبهذا يظهر أن رواية المروزي: أمهق، ليس بأبيض، مقلوبة على أنه يمكن توجيهه بما ذكرناه عن الكرماني آنفا. قوله: (ليس بجعد قطط)، الجعد، بفتح الجيم وسكون العين المهملة، والقطط بفتحتين والجعودة في الشعر أن لا يتكسر ولا يسترسل، والقطط شديد الجعودة. وفي (التلويح): الشعر القطط شبيه بشعر السودان. قوله: (ولا سبط)، بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة: من السبوطة وهي ضد الجعودة، والحاصل أنه: وسط بين الجعودة والسبوطة، ويقال: يعني شعره ليس بهاتين الصفتين وإنما فيه جعدة بصقلة. قوله: (رجل)، بفتح الراء وكسر الجيم وقيل بفتحها وقيل بسكونها، وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو رجل، أي: مسترسل، وقيل: منسرح. وفي حديث الترمذي عن علي، رضي الله تعالى عنه: ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط، كان جعدا رجلا. ووقع عند الأصيلي: رجل، بالجر. قيل: إنه وهم ويمكن توجيهه على أنه جر بالمجاورة، ويروى في بعض الروايات: رجل، بفتح اللام وتشديد الجيم، على أنه فعل ماض، فإن صحت هذه الرواية فلا يظهر وجه وقوعه هكذا إلا بتعسف. قوله: (أنزل عليه)، يعني: الوحي، وفي رواية مالك: بعثه الله. قوله: (وهو ابن أربعين سنة)، جملة حالية يعني: وعمره أربعون سنة، وهو قول الأكثرين، وقيل: أنزل عليه الوحي بعد أربعين سنة وعشرة أيام، وقيل: وشهرين، وذلك يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان، وقيل:

105
لسبع، وقيل: لأربع وعشرين ليلة منه، فيما ذكره ابن عساكر، وعن أبي قلابة: نزل عليه الوحي لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، وعند المسعودي: يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول، وعند ابن إسحاق: ابتدأ بالتنزيل يوم الجمعة من رمضان بغتة، وعمره أربعون سنة وعشرون يوما، وهو تاسع شباط لسبعمائة وأربعة وعشرين عاما من سني ذي القرنين، وقال ابن عبد البر: يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من الفيل، وقيل: في أول ربيع، وفي (تاريخ يعقوب بن سفيان الفسوي): على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة، وعن مكحول: أوحي إليه بعد اثنتين وأربعين سنة، وقال الواقدي: وابن أبي عاصم والدولابي في (تاريخه): نزل عليه القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين سنة. وفي (تاريخ أبي عبد الرحمن العتقي): وهو ابن خمس وأربعين سنة لسبع وعشرين من رجب، قاله الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهما، وجمع بين هذه الأقوال، والأول بأن ذلك حين حمي الوحي وتتابع، وعند الحاكم مصححا: أن إسرافيل، عليه السلام، وكل به ثلاث سنين، قبل جبريل صلى الله عليه وسلم، وأنكر ذلك الواقدي، وقال: أهل العلم ببلدنا ينكرون أن يكون وكل به غير جبريل صلى الله عليه وسلم، وزعم السهيلي إن إسرافيل صلى الله عليه وسلم وكل به صلى الله عليه وسلم تدربا وتدريجا لجبريل كما كان أول نبوته الرؤيا الصادقة. قوله: (فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه) أي: الوحي، وهذا يقتضي أنه عاش ستين سنة، وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم: عاش ثلاثا وستين سنة، وهو موافق لحديث عائشة الذي مضى عن قريب، وبه قال الجمهور، والله أعلم. قوله: (وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء)، يعني: دون ذلك. فإن قلت: روى ابن إسحاق بن راهويه وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عمر: (كان شيب رسول الله، صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه)، فهذا وحديث أنس يقتضي أن يكون أكثر من عشرة إلى ما دون عشرين، وحديث عبد الله بن بسر الماضي يدل على أنها كانت عشرة، لأنه قال: عشر شعرات بصيغة جمع القلة، وقد ذكرنا عن قريب أن جمع القلة لا يزيد على عشرة. قلت: التوفيق بين هذا أن حديث ابن بسر في شعرات عنفقته، وما زاد على ذلك يكون في صدغيه، كما في حديث البراء، رضي الله تعالى عنه. فإن قلت: روى ابن سعد بإسناد صحيح عن حميد عن أنس في أثناء حديث، قال: لم يبلغ ما في لحيته من الشعر عشرين شعرة، قال حميد: وأومأ إلى عنفقته سبع عشرة، وروى أيضا بإسناد صحيح عن ثابت عن أنس، قال: (ما كان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة)، وروى ابن أبي خيثمة من حديث حميد عن أنس: لم يكن في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون شعرة بيضاء، قال حميد: كن سبع عشرة، وروى الحاكم في (المستدرك) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن أنس، قال: لو عددت ما أقبل من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة. قلت: هذه أربع روايات عن أنس كلها تدل على أن شعراته البيض لم تبلغ عشرين شعرة، والرواية الثانية توضح بأن ما دون العشرين كان سبع عشرة أو ثمان عشرة، فيكون كما ذكرنا العشرة على عنفقته والزائد عليها يكون في بقية لحيته، لأنه قال في الرواية الثالثة: لم يكن في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون شعرة بيضاء، واللحية تشمل العنفقة وغيرها، وكون العشرة على العنفقة بحديث عبد الله بن بسر، والبقية بالأحاديث الأخر في بقية لحيته، وكون حميد أشار إلى عنفقته سبع عشرة ليس يفهم ذلك من نفس الحديث، والحديث لا يدل إلا على ما ذكرنا من التوفيق، وأما الرواية الرابعة التي رواها الحاكم فلا تنافي كون العشرة على العنفقة والواحد على غيرها، وهذا الموضع موضع تأمل. قوله: (قال ربيعة)، هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فسألت)، قيل: يمكن أن يكون المسؤول عنه أنسا، ويدل عليه ما راه محمد ابن عقيل: أن عمر بن عبد العزيز قال لأنس: هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم فإني رأيت شعرا من شعره قد لون؟ فقال: إنما هذا الأثر قد لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله، صلى الله عليه وسلم فهو الذي غير لونه فيحتمل أن يكون ربيعة سأل أنسا عن ذلك فأجابه بقوله: أحمر من الطيب، يعني لم يخضب، والله أعلم.
8453 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق وليس بالآدم وليس بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه

106
الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. (انظر الحديث 7453 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا طريق آخر في حديث أنس من رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن. والكلام فيه قد مر عن قريب، وهذا الحديث يقتضي أنه عاش ستين سنة، وروى مسلم من وجه آخر عن أنس: أنه عاش ثلاثا وستين سنة، وهذا موافق لحديث عائشة، رضي الله تعالى عنها الماضي عن قريب. وهذا قول الجمهور، وقال الإسماعيلي: لا بد أن يكون الصحيح أحدهما قلت: كلاهما صحيح، ويحمل رواية الستين على إلغاء الكسر.
9453 حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إبراهيم ابن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأحمد بن سعيد بن إبراهيم أبو عبد الله المروزي المعروف بالرباطي، مات يوم عاشوراء أو النصف من محرم سنة ست وأربعين ومائتين، وروى عنه مسلم أيضا وإسحاق بن منصور أبو عبد الله السلولي الكوفي وإبراهيم بن يوسف بن إسحاق يروي عن أبيه يوسف بن إسحاق، ويوسف يروي عن جده أبي إسحاق السبيعي، واسمه: عمرو بن عبد الله، لأن إسحاق يقال: إنه مات قبل أبيه أبي إسحاق!
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي كريب.
قوله: (وأحسنه خلقا)، بفتح الخاء المعجمة وفي رواية الأكثرين، وضبطه ابن التين بضم أوله، واستشهد بقوله تعالى: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * (القلم: 4). ووقع في رواية الإسماعيلي: (وأحسنه خلقا وخلقا). قوله: (البائن)، بالباء الموحدة من: بان، أي: ظهر على غيره أو فارق من سواه.
0553 حدثنا أبو نعيم حدثنا همام عن قتادة قال سألت أنسا هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم قال لا إنما كان شيء في صدغيه.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وهمام بن يحيى العوذي البصري.
والحديث أخرجه الترمذي في الشمائل عن بندار. وأخرجه النسائي في الزينة عن أبي موسى. قوله: (شيء)، أي: من الشيب، يريد أنه لم يبلغ الخضاب لأنه لم يكن له شيء من الشيب إلا قليلا في صدغيه لم يحتج إلى التخضيب. قوله: (في صدغيه)، الصدغ ما بين الأذن والعين، ويسمى أيضا الشعر المتدلي عليه صدغا. فإن قلت: روى ابن عمر في (الصحيحين): أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، يصبغ من الصفرة. قلت: صبغ في وقت وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كل بما رأى، وكلاهما صادقان. فإن قلت: هذا الحديث يدل على أن بعض الشيب كان في صدغيه، وفي حديث عبد الله بن بسر: كان على عنفقته؟ قلت: يجمع بينهما بما رواه مسلم من طريق سعيد عن قتادة عن أنس، قال: (لم يخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ، أي: متفرق)، فإن قلت: أخرج الحاكم من حديث عائشة أنها قالت: (ما شانه الله ببيضاء). قلت: هذا محمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شيء من حسنه صلى الله عليه وسلم.
1553 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا بعيد ما بين المنكبين له شعر يبلغ شحمة أذنه رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه قال يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه إلى منكبيه.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو إسحاق مر الآن، والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن أبي الوليد مختصرا.

107
وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى وبندار. وأخرجه أبو داود في اللباس عن حفص بن عمر به. وأخرجه الترمذي في الاستئذان والأدب عن بندار ببعضه، وفي الشمائل عن بندار بتمامه وعن أحمد بن منيع. وأخرجه النسائي في الزينة عن علي بن الحسين وعن يعقوب بن إبراهيم الدورقي.
قوله: (مربوعا) وهو معنى قوله: (ربعة) في الأحاديث السابقة. قوله: (بعيد ما بين المنكبين)، أي عريض أعلى الظهر، ووقع في حديث أبي هريرة عند ابن سعد: رحب الصدر. قوله: (أذنه) بالإفراد، وفي رواية الكشميهني: (أذنيه) بالتثنية، وفي رواية الإسماعيلي: تكاد جمته تصيب شحمة أذنيه. قوله: (قال يوسف بن أبي إسحاق)، نسبه إلى جده لأنه ذكر الأب وأراد الجد مجازا، وقال الكرماني: الضمير في أبيه يرجع إلى إسحاق لا إلى يوسف، لأن يوسف لا يروي إلا عن الجد. قوله: (إلى منكبيه)، أي: يبلغ الجمة إلى منكبيه، وهذا التعليق أسنده قبل عن أحمد بن سعد عن إسحاق بن منصور: حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا أبي عن أبي إسحاق عن البراء، ولكنه اختصره، وقال الداودي: قوله (يبلغ شحمة أذنيه)، مغاير لقوله: منكبيه، ورد بأن المراد أن معظم شعره كان عند شحمة أذنه، وما استرسل منه متصل إلى المنكب، أو يحمل على حالتين.
2553 حدثنا أبو نعيم حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال سئل البراء أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف قال لا بل مثل القمر.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وزهير هو ابن معاوية، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.
والحديث أخرجه الترمذي في المناقب عن سفيان بن وكيع.
قوله: (أكان؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (مثل السيف)، يحتمل أنه أراد: مثل السيف في الطول، قال البراء: لا بل مثل القمر في التدوير، ويحتمل أنه أراد مثل السيف في اللمعان والصقال، فقال البراء: لا بل مثل القمر الذي فوق السيف في ذلك، لأن القمر يشمل التدوير واللمعان، بل التشبيه به أبلغ لأن التشبيه بالقمر لوجه الممدوح شائع ذائع، وكذا بالشمس، وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة: أن رجلا قال له: أكان وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا، وقد أشار بقوله: مستديرا، إلى أنه جمع التدوير مع كونه مثل الشمس والقمر في الإشراق واللمعان
والصقال، فكأنه نبه في حديثه أنه جمع الحسن والاستدارة، وهذا الحديث يؤيد الاحتمالين المذكورين.
3553 حدثنا الحسن بن منصور أبو علي حدثنا حجاح بن محمد الأعور بالمصيصة حدثنا شعبة عن الحكم قال سمعت أبا جحيفة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة وزاد فيه عون عن أبيه عن أبي جحيفة قال كان يمر من ورائها المارة وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم قال فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحسن بن منصور أبو علي الصوفي البغدادي، وهو من أفراده، ولم يخرج عنه غير هذا الحديث، والحكم، بفتحتين: ابن عتيبة، بضم العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، وقد مر غير مرة، وهذا الحديث مر في كتاب الطهارة في: باب استعمال فضل وضوء الناس، فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة إلى آخره، ومر أيضا في كتاب الصلاة في: باب الصلاة إلى العنزة، فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة، قال: حدثنا عون بن أبي جحيفة، قال سمعت أبي قال: (خرج علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم...) الحديث، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (بالمصيصة) بكسر الميم وتشديد الصاد المهملة وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفتح الصاد الثانية وفي آخرها هاء: وهي مدينة مشهورة بناها أبو

108
جعفر المنصور على نهر جيحان وهو الذي تسميه القوم جاهان. وقال البكري: ثغر من ثغور الشام. قلت: رأيتها في سفرتي إلى بلاد الروم وغالبها خراب، وهي في بلاد الأرمن بالقرب من مدينة تسمى أذنة، وإنما قال: بالمصيصة، لأن حجاج بن محمد سكن المصيصة وأصله ترمذي ومات ببغداد سنة ست ومائتين. قوله: (بالهاجرة)، وهي: نصف النهار عند اشتداد الحر. قوله: (إلى البطحاء)، وهو المسيل الواسع الذي فيه دقاق الحصى. قوله: (عنزة)، بفتح النون: أطول من العصا وأقصر من الرمح وفيه زج. قوله: (قال شعبة)، هو متصل بالإسناد المذكور. قوله: (وزاد فيه عون)، أي: زاد الحكم في إسناد الحديث: حدثنا عون عن أبيه عن أبي جحيفة، ويأتي هذا في آخر الباب. وقال الكرماني: وما وقع في بعض النسخ: عون عن أبيه عن أبي جحيفة، سهو لأن عونا هو ابن أبي جحيفة، والصواب نقص الأب. قلت: في كتاب الصلاة الذي ذكرناه الآن قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا عون ابن أبي جحيفة عن أبيه قال: سمعت أبي، قال: خرج علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم... الحديث، وهنا عون عن أبيه عن أبي جحيفة، فلفظ: عن أبيه، حشو لا طائل تحته، والصواب ترك هذه اللفظة. قوله: (فإذا هي)، أي: يده أبرد من الثلج، والحكمة فيه أن برودة يده تدل على سلامة جسده من العلل والعوارض. قوله: (وأطيب رائحة من المسك)، قالت العلماء: كانت هذه الريح الطيبة صفته، صلى الله عليه وسلم، وإن لم يمس طيبا، ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين، وروى أحمد في (مسنده) من حديث وائل بن حجر: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فشرب منه ثم مج في الدلو ثم في البئر، ففاح منها ريح المسك). وروى أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس، رضي الله تعالى عنه: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إذا مر في طريق من طرق المدينة وجد منه رائحة المسك، فيقال: مر رسول الله، صلى الله عليه وسلم من هذه الطريق).
4553 حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة..
مطابقته للترجمة في كونه صلى الله عليه وسلم موصوفا بالجود. وعبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، والزهري محمد بن مسلم، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة، وهذا الحديث مر في أوائل: باب كيف كان بدء الوحي، فإنه أخرجه هناك من طريقين: أحدهما عن عبدان أيضا إلى آخره، نحوه. والآخر: عن بشر بن محمد عن عبد الله... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه مستقصى. وأخرجه أيضا في كتاب الصيام في: باب أجود ما يكون النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان، فإنه أخرجه هناك: عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس... إلى آخره. قوله: (أجود الناس) أي: أعطاهم وأكرمهم. قوله: (من الريح المرسلة) أي: المبعوثة لنفع الناس.
555 حدثنا يحيى حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج قال أخبرني ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة ورأي أقدامهما إن بعض هاذه الأقدام من بعض..
مطابقته للترجمة في قوله: (تبرق أسارير وجهه) فإن هذا من جملة صفاته، صلى الله عليه وسلم، ويحيى: إما ابن موسى بن عبد ربه السختياني البلخي الذي يقال له: خت، بفتح الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق، وإما يحيى بن جعفر ابن أعين البيكندي، وكلاهما من أفراد البخاري، وكلاهما رويا عن عبد الرزاق بن همام عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.

109
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق.
قوله: (مسرورا) حال، أي: فرحان. قوله: (تبرق) بضم الراء، أي: تضيء وتستنير من الفرح، قوله: (أسارير وجهه) الأسارير جمع الأسرار، وهو جمع السرر: وهي الخطوط التي تكون في الجبين، وبرقانها يكون عند الفرح. قوله: (ألم تسمعي) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: ألم تسمعي ما قال المدلجي؟ بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وبالجيم، واسمه: مجزز، بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى المشددة، ونسبته إلى مدلج بن مرة بن عبد
مناة بن كنانة، بطن من كنانة كبير مشهور بالقيافة، والقائف هو من يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه، والجمع: القافة، يقال: فلان يقوف الأثر ويقتافه قيافة، مثل: قفا الأثر واقتفاه، وكانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة بن زيد لكونه أسود وزيد أبيض، فمر بهما مجزز وهما تحت قطيفة قد بدت أقدامهما من تحتها، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فلما قضى هذا القائف بإلحاق نسبه، وكانت العرب تعتمد قول القائف ويعترفون بحقية القيافة، فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه زجرا لهم عن الطعن في النسب، وكانت أم أسامة بركة حبشية سوداء، وكان أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى، وأمه أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى حب النبي صلى الله عليه وسلم. واختلفوا في العمل بقول القائف: فأثبته الشافعي واستدل بهذا الحديث، والمشهور عن مالك إثباته في الإماء ونفيه في الحرائر، ونفاه أبو حنيفة مطلقا لقوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * (الإسراء: 63). وليس في حديث المدلجي دليل على وجوب الحكم بقول القافة لأن أسامة كان نسبه ثابتا من زيد قبل ذلك، ولم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إلى قول أحد، وإنما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من إصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذي يصيب ظنه حقيقة الشيء الذي ظنه، ولا يثبت الحكم بذلك، وترك رسول الله، صلى الله عليه وسلم الإنكار عليه لأنه لم يتعاط في ذلك إثبات ما لم يكن ثابتا.
6553 حدثنا يحياى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمان ابن عبد الله بن كعب أن عبد الله بن كعب قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك قال فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذالك منه..
مطابقته للترجمة في قوله: (استنار وجهه) إلى آخره، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي المديني، يكنى أبا الخطاب، عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري روي عن أبيه كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد بن غنم ابن كعب بن سلمة السلمي الخزرجي الأنصاري المدني.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في موضعين. وفيه: السماع في موضع واحد. وفيه: أن شيخه وشيخ شيخه مصريان، وعقيلا أيلي، والبقية مدنيون. وفيه: ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم: محمد بن مسلم بن شهاب، وعبد الرحمن بن عبد الله، وعبد الله بن كعب. وفيه: رواية الابن عن الأب عن الجد.
وحديث كعب هذا قطعة من توبته، وسيأتي بطوله في المغازي. وأخرجه في مواضع مختصرا ومطولا، ففي الماضي أخرج في الوصايا قطعة وفي الجهاد قطعة، وفي الذي يأتي في وفود الأنصار وفي موضعين من المغازي وفي أربعة مواضع من التفسير وفي الأحكام مطولا ومختصرا، وأخرجه مسلم في التوبة عن أبي الطاهر وعن محمد بن رافع. وأخرجه أبو داود في الطلاق عن أبي الطاهر. وأخرجه النسائي فيه عن سليمان وعن محمد بن جبلة ومحمد بن يحيى ومحمد بن معدان.
قوله: (فلما سلمت)، وجوابه محذوف تقديره: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. وقوله: (وهو يبرق وجهه)، جملة حالية ومعنى: يبرق، يلمع. قوله: (إذا سر)، على صيغة المجهول من السرور. قوله: (استنار)، أي: أضاء وتنور، قوله: (كأنه قطعة قمر)، أي: كأن الموضع الذي تبين فيه السرور، وهو جبينه قطعة قمر.

110
7553 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه.
مطابقته للترجمة في كونه من خير قرون، وهو صفة من صفاته، و يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري من القارة حليف بني زهرة أصله مدني سكن الإسكندرية، و عمرو هو ابن أبي عمرو، واسمه: ميسرة مولى المطلب. والحديث لم يخرجه إلا هو.
قوله: (قرون) جمع قرن وهو: الناس المجتمعون في عصر واحد، وقيل: مائة سنة، وقيل: سبعون سنة، وقيل: ثلاثون سنة. قوله: (قرنا فقرنا)، أي: نقيت من خير القرون أو أفضلها، واعتبرت قرنا فقرنا من أوله إلى آخره، فهو حال للتفضيل، فخير القرون قرنه ثم قرن الصحابة ثم قرن التابعين. قوله: (كنت فيه)، ويروى: كنت معه.
8553 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه.
مطابقته للترجمة من حيث إنه في الأخيرة فرق رأسه، وهو صفة من صفاته، ورجاله مروا عن قريب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الهجرة عن عبدان عن عبد الله بن المبارك، وفي اللباس عن أحمد بن يونس. وأخرجه مسلم في الفضائل عن منصور بن أبي مزاحم ومحمد بن جعفر، وعن أبي الطاهر. وأخرجه أبو داود في الترجل عن موسى بن إسماعيل، وأخرجه الترمذي في الشمائل عن سويد بن نصر، وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن سلمة وعن الحارث بن مسكين. وأخرجه ابن ماجة في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (يسدل شعره)، بفتح الياء وسكون السين المهملة وكسر الدال، ويجوز ضمها أي: يترك شعر ناصيته على جبينه. وقال النووي: قال العلماء: المراد إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة، بضم القاف وبالصاد المهملة. قوله: (وكان المشركون يفرقون)، بضم الراء وكسرها، أي: يلقون شعر رأسهم إلى جانبيه ولا يتركون
منه شيئا على جبهتهم. قوله: (يحب موافقة أهل الكتاب) لأنهم أقرب إلى الحق من المشركين عبدة الأوثان، وقيل: لأنه كان مأمورا باتباع شريعتهم فيما لم يوح إليه فيه شيء، وقال الكرماني: احتج به بعضهم على أن شرع من قبلنا شرع لنا، وهو ضعيف لأنه قال: كان يحب من المحبة، ولو كان شرعهم شرعه لكانت الموافقة واجبة. انتهى. قلت: الذي قاله ضعيف، لأن المحققين من العلماء قالوا: شرع من قبلنا يلزمنا إلا إذا قصه الله بالإنكار. قوله: (ثم فرق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأسه) أي: شعر رأسه، يعني ألقاه إلى جانبي رأسه فلم يترك منه شيئا على جبهته. وقد روى ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة، قالت: (أنا فرقت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه...) أي: شعر رأسه على يافوخه.
9553 حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عبد الله ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي، وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي: اسمه محمد بن ميمون السكري المروزي، والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة، ومسروق بن بالأجدع.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن حفص بن عمر وعن قتيبة وعن عمر بن حفص. وأخرج حديث حفص بن عمر في مناقب عبد الله بن

111
مسعود. وأخرجه مسلم في الفضائل عن زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن أبي سعيد الأشج. وأخرجه الترمذي في البر عن محمود بن غيلان.
قوله: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا) من الفحش، وأصله الزيادة بالخروج عن الحد. قوله: (ولا متفحشا) أي: ولا متكلفا في الفحش، حاصله أنه لم يكن الفحش له لا جبليا ولا كسبيا. وروى الترمذي من طريق أبي عبد الله الجدلي، قال: سألت عائشة، رضي الله تعالى عنها، عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (لم يكن فاحشا ولا متفحشا، ولا سخابا في الأسواق، ولا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح). قوله: (أحسنكم أخلاقا)، وفي رواية مسلم: (أحاسنكم)، وحسن الخلق اختيار الفضائل فيه وترك الرذائل، وهو صفة الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، والأولياء، رضي الله تعالى عنهم، وعند مسلم من حديث عائشة (كان: خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه).
0653 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها..
مطابقته للترجمة ظاهرة جدا. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن القعنبي. وأخرجه مسلم في الفضائل عن يحيى بن يحيى وقتيبة. وأخرجه أبو داود في الأدب عن القعنبي به مختصرا.
قوله: (ما خير)، على صيغة المجهول. قوله: (بين أمرين)، أي: من أمور الدنيا، يدل عليه قوله: (ما لم يكن إثما)، لأن أمور الدين لا إثم فيها. قوله: (أيسرهما)، أي: أسهلهما. قوله: (ما لم يكن إثما) أي: ما لم يكن الأسهل إثما، فإنه حينئذ يختار الأشق. قال الكرماني: فإن قلت: كيف يخير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين أحدهما إثم؟ قلت: التخيير إن كان من الكفار فظاهر، وإن كان من الله والمسلمين فمعناه: ما لم يؤد إلى إثم، كالتخيير في المجاهدة في العبادة والاقتصاد فيها، فإن المجاهدة بحيث ينجر إلى الهلاك لا تجوز. قوله: (وما انتقم لنفسه)، أي: خاصة. فإن قلت: أمر بقتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل وغيرهما ممن كان يؤذيه؟ قلت: كانوا مع أذاهم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم كانوا ينتهكون حرمات الله تعالى، وقيل: أراد أنه لا ينتقم إذا أوذي في غير السبب الذي يخرج إلى الكفر، كما عفا عن ذلك الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه، وعن ذاك الآخر الذي جبذ بردائه حتى أثر في كتفه، وحمل الداودي عدم الانتقام على ما يختص بالمال، قال: وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه. قوله: (إلا أن تنتهك)، هذا استثناء منقطع، أي: لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك، وأخرج الطبراني في (الأوسط) من حديث أنس، رضي الله تعالى عنه، فيه: (وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فإن انتهكت حرمة الله كان أشد الناس غضبا صلى الله عليه وسلم لله تعالى).
وفي الحديث: الأخذ بالأسهل والحث على العفو والانتصار للدين وأنه يستحب للحكام التخلق بهذا الخلق الكريم فلا ينتقم لنفسه ولا يهمل حق الله تعالى.
1653 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم ولا شممت ريحا قط أو عرفا قط أطيب من ريح أو عرف النبي صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن المذكور فيه من صفاته، صلى الله عليه وسلم، وحماد هو ابن زيد، وفي بعض النسخ وقع هكذا، والحديث من أفراده، وأخرجه مسلم بمعناه من رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عنه.
قوله: (ما مسست)، بسينين مهملتين الأولى مكسورة ويجوز فتحها والثانية ساكنة وكذا الكلام في (شممت). قوله: (ولا ديباجا) وفي (المغرب): الديباج

112
الثوب الذي سداه ولحمته إبريسم، وعندهم اسم للمنقش والجمع: ديابيج. قلت: فعلى هذا يكون عطفه على الحرير من عطف الخاص على العام. قوله: (ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم)، أي: أنعم. فإن قلت: هذا يعارضه ما روى من حديث هند بن أبي هالة الذي أخرجه الترمذي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن فيه أنه كان شش الكفين والقدمين، أي: غليظهما في خشونة. قلت: قيل: اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن مع القوة، ويؤيد ما رواه الطبراني
والبزار من حديث معاذ، رضي الله تعالى عنه: (أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في سفر فما مسست شيئا قط ألين من جلده صلى الله عليه وسلم). قوله: (أو عرفا)، هو شك من الراوي، لأن العرف، بفتح العين وسكون الراء بعدها فاء: هو الريح أيضا. قوله: (من ريح أو عرف النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذا أيضا شك من الراوي. وقوله: (من ريح)، بكسر الحاء بلا تنوين لأنه في حكم المضاف، تقديره: من ريح النبي صلى الله عليه وسلم، أو من عرفه، وهذا كما في قول الشاعر:
* بين ذراعي وجبهة الأسد
*
تقديره: بين ذراعي الأسد وجبهته، فقد أدخل بين المضاف والمضاف إليه شيئا، والأصل عدمه. قيل: ووقع في بعض النسخ: أو عرقا، بفتح الراء وبالقاف، وكلمة: أو، وعلى هذا تكون للتنويع دون الشك، والمعروف من الرواية هي الأولى.
2653 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه صفة من صفاته العظيمة. ويحيى هو القطان، وعبد الله بن أبي عتبة، بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق: مولى أنس بن مالك، مر في الحج.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن بندار عن يحيى وابن مهدي وفي الأدب عن علي بن أبي الجعد وعن عبدان عن عبيد الله. وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم عن عبيد الله بن معاذ وعن زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وأحمد بن سنان. وأخرجه الترمذي في الشمائل عن محمود بن غيلان. وأخرجه ابن ماجة في الزهد عن بندار.
قوله: (حياء)، نصب على التمييز وهو تغير وانكسار عند خوف ما يعاب أو يذم (والعذراء) البكر لأن عذرتها وهي: جلدة البكارة باقية. قوله: (في خدرها)، بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة: أي: في سترها، ويقال: الخدر ستر يجعل للبكر في جنب البيت. فإن قلت: مبنى أمر العذراء على الستر، فما فائدة قوله: (في خدرها؟) قلت: هذا من باب التعميم للمبالغة لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة عن الخدر لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل بها، ثم محل الحياء فيه صلى الله عليه وسلم في غير حدود الله، ولهذا قال للذي اعترف بالزنا: أنكتها؟ ولم يكن.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وابن مهدي قالا حدثنا شعبة مثله وإذا كره شيئا عرف في وجهه
هذا طريق في الحديث المذكور أخرجه عن محمد بن بشار وهو عن بندار عن يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما رويا عن شعبة. قوله: (مثله)، أي: مثل الحديث المذكور سندا ومتنا. وأخرجه الإسماعيلي من رواية أبي موسى محمد ابن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي بسنده، وقال فيه: سمعت عبد الله بن أبي عتبة يقول: سمعت أبا سعيد الخدري يقول... إلخ.. قوله: (وإذا كره شيئا عرف في وجهه)، هذه زيادة محمد بن بشار على رواية مسدد المذكورة، ومعنى: عرف في وجهه، أنه لا يواجه أحدا بما يكرهه بل يتغير وجهه فيعرف أصحابه كراهته لذلك.
3653 حدثني علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه. (الحديث 3653 طرفه في: 9045).
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه من جملة صفاته الحسنة. وأبو حازم، بالحاء المهملة والزاي: واسمه سلمان الأشجعي وليس هو أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن محمد بن

113
كثير. وأخرجه مسلم في الأطعمة عن أحمد بن يونس وعن أبي كريب وابن المثنى وعن يحيى بن يحيى وزهير بن حرب. وإسحاق بن إبراهيم وعن عبد بن حميد، وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن كثير به. وأخرجه الترمذي في البر عن أحمد بن محمد. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن محمد بن بشار.
قوله: (وإلا) أي: وإن لم يشتهه (تركه) وهو من جملة خصاله الشريفة.
4653 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن عبد الله بن مالك بن بحينة الأسدي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين يديه حتى نرى إبطيه قال وقال ابن بكير حدثنا بكر بياض إبطيه. (انظر الحديث 093 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (بياض إبطيه) لأن هذا أيضا من صفاته الجميلة. والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز، ومضى الحديث في كتاب الصلاة في: باب يبدي ضبعيه ويجافي في السجود.
قوله: (مالك)، بالتنوين. قوله: (ابن بحينة)، صفة لعبد الله لا لمالك، و: بحينة، بضم الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون: وهو اسم أم عبد الله، فجمع في نسبه بين الأب والأم. قوله: (الأسدي)، بسكون السين ويقال فيه: الأزدي بالزاي الساكنة، وهذا مشهور في هذه النسبة، يقال: بالزاي وبالسين. قوله: (فرج بين يديه)، يعني: فتح ولم يضم مرفقيه إليه، وهذه سنة السجود. قوله: (حتى نرى)، بنون المتكلم مع الغير. قوله: (وقال ابن بكير)، وهو يحيى
بن عبد الله بن بكير، قال بالإسناد المذكور. قوله: (بكر)، هو بكر بن مضر المذكور، أراد أن يحيى بن بكير زاد لفظة: بياض، على لفظة: إبطيه، وفي رواية قتيبة: حتى نرى إبطيه، بدون لفظة: بياض، قيل: المراد بوصف إبطيه بالبياض أنه لم يكن تحتهما شعر فكانا كلون جسده، وقيل: لدوام تعاهده له لا يبقى فيه شعر. فإن قلت: في رواية مسلم: حتى رأينا عفرة إبطيه؟ قلت: لا تنافي بينهما لأن العفرة هي البياض ليس بالناصع، وهذا شأن المغابن يكون لونها في البياض دون لون بقية الجسد.
5653 حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنسا رضي الله تعالى عنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يري بياض إبطيه. (انظر الحديث 1301 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (حتى يرى بياض إبطيه) وسعيد هو ابن أبي عروبة. والحديث قد مر في كتاب الاستسقاء في: باب رفع الإمام يده في الاستسقاء.
قوله: (كان لا يرفع...) إلى آخره، ظاهره أنه لم يرفع إلا في الاستسقاء، وليس كذلك، بل ثبت الرفع في الدعاء في مواطن فيؤول على أنه لم يرفع الرفع البليغ في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع الرفع البليغ حتى يرى بياض إبطيه.
وقال أبو موساى دعا النبي صلى الله عليه وسلم ورفع يديه ورأيت بياض إبطيه
أبو موسى هو محمد بن المثنى يعرف بالزمن العنبري شيخ البخاري ومسلم، وهذا طرف علقه من حديث سيأتي موصولا في المناقب في ترجمة أبي عامر الأشعري.
6653 حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا محمد بن سابق حدثنا مالك بن مغول قال سمعت عون بن أبي جحيفة ذكر عن أبيه قال دفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح في قبة كان بالهاجرة خرج بلال فناداى بالصلاة ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع الناس عليه يأخذون منه ثم دخل فأخرج العنزة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى وبيص

114
ساقيه فركز العنزة ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين يمر بين يديه الحمار والمرأة..
مطابقته للترجمة في قوله: (كأني أنظر إلى وبيض ساقيه) بفتح الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره صاد مهملة: وهو البريق وزنا ومعنى. والحسن بن الصباح، بتشديد الباء الموحدة، وفي بعض النسخ: الحسن ابن الصباح البزار، بتقديم الزاي على الراء، وهو واسطي سكن بغداد، ومحمد بن سابق أيضا من شيوخ البخاري روى عنه هنا بالواسطة، وروى عنه بدون الواسطة في الوصايا حيث قال: حدثنا محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب عنه، ومالك بن مغول بكسر الميم وسكون الغين المعجمة: ابن عاصم أبو عبد الله البجلي الكوفي، وأبو جحيفة اسمه وهب وقد مر عن قريب، وقد مر الحديث في كتاب الوضوء في: باب استعمال فضل وضوء الناس.
قوله: (دفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم) على صيغة المجهول، يعني: وصلت إليه من غير قصد. قوله: (وهو بالأبطح) جملة حالية، والأبطح أبطح مكة وهو مسيل واديها ويجمع على البطاح والأباطح. قوله: (في قبة) أيضا حال. قوله: (بالهاجرة) وهو نصف النهار عند اشتداد الحر. قوله: (فأخرج) من الإخراج. قوله: (فضل وضوء النبي، صلى الله عليه وسلم) بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به. قوله: (فأخرج العنزة) وهو مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا. وفيها سنان مثل سنان الرمح، والعكازة قريب منها.
7653 حدثني الحسن بن صباح البزار حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه. (الحديث 7653 طرفه في: 8653).
مطابقته للترجمة من حيث إن من صفات النبي صلى الله عليه وسلم، أن الذي سمع كلامه لو أراد أن يعد كلماته أو مفرداته أو حروفه لعدها، والمراد بذلك المبالغة في الترتيل والتفهيم.
والحسن بن الصباح هذا هو الذي مضى في الحديث السابق، وقيل: لا بل غيره، لأن الحسن بن الصباح الذي قبله هو الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، نسبة إلى جده، وسفيان هو ابن عيينة.
والحديث أخرجه أبو داود في العلم عن محمد بن منصور الطوسي نحوه وذكر فيه قصة أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه.
قوله: (لو عده العاد)، لو عد العاد حديثه، أي: كلمات حديثه، لعده أي: لقدر على عده، فالشرط والجزاء متحدان ظاهرا ولكنه من قبيل قوله: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * (إبراهيم: 47، النحل: 81). وقد فسر: بلا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها.
8653 وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أنه قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت ألا يعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذالك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم. (انظر الحديث 7653).
هذا التعليق وصله الذهلي في (الزهريات) عن أبي صالح عن الليث.
قوله: (أبو فلان) كذا في رواية كريمة والأصيلي، وفي رواية الأكثرين: أبا فلان، أما الرواية الأولى فلا إشكال فيها، وأما الثانية فعلى لغة من قال: (لا ولو رماه بأبا قبيس، قيل: المراد به أبو هريرة، يدل عليه ما رواه الإسماعيلي من حديث ابن وهب عن يونس: ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس... ووقع في رواية أحمد
ومسلم وأبي داود من هذا الوجه: ألا أعجبك من أبي هريرة، ووقع للقابسي: أتى فلان فأتى، فعل ماض من الإتيان، وفلان فاعله، وهو تصحيف قاله بعضهم، ثم علل بقوله: لأنه تبين أنه بصيغة الكنية. قلت: نظر لا يخفى. قوله: (وكنت أسبح) يجوز أن يكون على ظاهره من التسبيح الذي هو الذكر، ويجوز أن يكون مجازا عن صلاة التطوع. قوله: (لم يكن يسرد) أي: لم يكن يتابع الحديث استعجالا، أي: كان يتكلم بكلام متتابع مفهوم واضح على سبيل التأني لئلا يلتبس على المستمع، وفي رواية الإسماعيلي عن ابن المبارك عن يونس: إنما كان حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم فصلا يفهمه القلوب، واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية كثير المحفوظ، فكان

115
لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث، كما قال بعض البلغاء: أريد أن اقتصر فتزدحم القوافي علي.
42
((باب))
أي: هذا باب، وهو كالفصل لما قبله.
كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه رواه سعيد بن ميناء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم
هذا وصله البخاري عن محمد بن عبادة عن يزيد بن هارون عن سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر في كتاب الاعتصام. وسعيد بن ميناء، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون ممدودة: أبو الوليد المكي.
قوله: (تنام عينه) وفي رواية الكشميهني: تنام عيناه، بالتثنية، وقد مر الكلام فيه في كتاب التهجد في: باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، في حديث عائشة مطولا. وفيه: (فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم!: أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة! إن عيني تنامان ولا ينام قلبي).
9653 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمان أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قالت ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحداى عشرة ركعة يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله تنام قبل أن توتر قال تنام عيني ولا ينام قلبي. (انظر الحديث 7411 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن نوم عينه وعدم نوم قلبه من الصفات العظيمة والخصال الجليلة. وهذا الحديث بهذا الإسناد وهذا المتن قد مضى في كتاب التهجد كالحديث الذي ذكرناه الآن.
0753 حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ل يلة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحاى إليه وهو نائم في مسجد الحرام فقال أولهم أيهم هو فقال أوسطهم هو خيرهم وقال آخرهم خذوا خيرهم فكانت تلك فلم يرهم حتى جاؤوا ليلة أخراى فيما يرى قلبه والنبي صلى الله عليه وسلم نائمة عيناه ولا ينام قلبه وكذالك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فتولاه جبريل ثم عرج به إلى السماء..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأخوه أبو بكر بن عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال، والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن هارون بن سعيد الأيلي.
قوله: (ثلاثة نفر) هم الملائكة، عليهم الصلاة والسلام. قلت: الذي يظهر لي أن هؤلاء الثلاثة كانوا: جبريل وميكائيل وإسرافيل. لأني رأيت في كتب كثيرة مخصوصة بالمعراج أنهم نزلوا عليه والبراق معهم. قوله: (قبل أن يوحى إليه)، قيل: ليس في أكثر الروايات هذه اللفظة، وأن تلك محفوظة فلم يأته عقيب تلك الليلة، بل بعدها بسنتين، لأنه إنما أسري به قبل الهجرة بثلاثة سنين، وقيل: بسنتين، وقيل: بسنة. قوله: (أيهم هو)، أي: الثلاثة محمد، وكان صلى الله عليه وسلم نائما بين اثنين أو أكثر، وقد قيل: كان نائما بين عمه حمزة وابن عمه جعفر بن أبي طالب. قوله: (وأوسطهم) هو النبي صلى الله عليه وسلم، وكان نائما بينهما. قوله: (خذوا خيرهم) أي: لأجل أن يعرج به إلى السماء. قوله: (فكانت تلك) أي: كانت القصة تلك الحكاية لم يقع شيء آخر. قوله: (فيما يرى قلبه) أي: بين النائم واليقظان. فإن قلت: ثبت في الروايات الأخرى أنه في اليقظة. قلت: أن قلنا بتعدده

116
فظاهر، وإن قلنا باتحاده فيمكن أن يقال: كان ذلك أول وصول الملك إليه، وليس فيه ما يدل على كونه نائما في القصة كلها، والله سبخانه وتعالى أعلم.
52
((باب علامات النبوة في الإسلام))
أي: هذا باب في بيان علامات النبوة، والعلامات جمع علامة، إنما لم يقل: معجزات النبوة لأن العلامة أعم منها، ومن الكرامة، والفرق بينهما ظاهر، لأن المعجزة لا تكون إلا عند التحدي بخلاف الكرامة. قوله: (في الإسلام)، أي: في زمن الإسلام.
1753 حدثنا أبو الوليد حدثنا سلم بن زرير سمعت أبا رجاء قال حدثنا عمران بن حصين أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر وكان لا يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه حتى يستيقظ فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فنزل وصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا فلما انصرف قال يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا قال أصابتني جنابة فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى وجعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب بين يديه وقد عطشنا
عطشا شديدا فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها أين الماء فقالت إيه لا ماء فقلنا كم بين أهلك وبين الماء قالت يوم وليلة فقلنا انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وما رسول الله فلم نملكها من أمرها حتى استقبلنا بها النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته بمثل الذي حدثتنا غير أنها حدثته أنها مؤتمة فأمر بمزادتيها فمسح في العزلاوين فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا فملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنه لم نسق بعيرا وهي تكاد تنض من الملء ثم قال هاتوا ما عندكم فجمع لها من الكسر والتمر حتى أتت أهلها قالت لقيت أسحر الناس أو هو نبي كما زعموا فهداى الله ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا. (انظر الحديث 443 وطرفه).
مطابقته للترجمة في تكثير الماء القليل ببركته صلى الله عليه وسلم، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وسلم، بفتح السين المهملة وسكون اللام: ابن زرير، بفتح الزاي وكسر الراء الأولى، وقد مر في بدء الخلق، وأبو رجاء ضد الخوف عمران بن ملحان العطاردي البصري، أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم بعد الفتح ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه.
والحديث مر في كتاب التيمم في: باب الصعيد الطيب وضوء المسلم، بأتم منه وأطول، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فأدلجوا)، من الإدلاج يقال: أدلج القوم إذا ساروا أول الليل، وإذا ساروا في آخر الليل يقال: أدلجوا، بتشديد الدال. قوله: (عرسوا)، من التعريس وهو: نزول القوم آخر الليل يقفون فيه وقفة للاستراحة. قوله (وكان لا يوقظ) على صيغة المجهول قوله: (فجعل يكبر) أي: فجعل أبو بكر يكبر رافعا صوته، وقد تقدم في كتاب التيمم: أن عمر، رضي الله تعالى عنه، هو الذي كان يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا وقع في مسلم في الصلاة من حديث عوف الأعرابي عن أبي رجاء: أن عمر كان رجلا جليدا، فكبر ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا منافاة، إذ لا منع للجمع بينهما لاحتمال أن كلا منهما فعل ذلك. قوله: (في ركوب)، بالضم جمع: راكب، وبفتحها: ما يركب. قوله: (سادلة)، أي:

117
مرسلة رجليها، يقال: سدل ثوبه إذا أرخاه. قوله: (مزادتين)، تثنية مزادة، بفتح الميم وتخفيف الزاي وهي: الراوية، وسميت بها لأنها يزاد فيها جلد آخر من غيرها، ولهذا قيل: إنها أكبر من القربة. قوله: (إيه)، بلفظ الحروف المشبهة بالفعل ويروي: أيها، وقال الجوهري: ومن العرب من يقول: أيها، بفتح الهمزة بمعنى: هيهات، ويروى: أيهات، على وزن: هيهات، ومعناه. قوله: (مؤتمة)، من أيتمت المرأة إذا صار أولادها أيتاما فهي مؤتمة، بكسر التاء، ويروى بفتحها. قوله: (فمسح في العزلاوين)، هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فسمح بالعزلاوين، وهي تثنية: عزلاء، بسكون الزاي وبالمد، وهو: فم القربة، قاله بعضهم قلت: العزلاء فم المزادة الأسفل. قوله: (فشربنا عطاشا)، أي شربنا حالة كوننا عطاشا قوله (أربعين) بالنصب رواية الكشميهني ووجه النصب أن بيان لقوله (عطاشا) ويروى: أربعون، بالرفع أي: ونحن أربعون نفسا. قوله: (حتى روينا)، بفتح الراء وكسر الواو: من الري. قوله: (تبض)، بكسر الباء الموحدة بعدها الضاد المعجمة المثقلة: أي تسيل وقال ابن التين: تبض أي: تنشق فيخرج منه الماء، يقال: بض الماء من العين إذا نبع، وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة بالصاد المهملة: من البصيص، وهو اللمعان، وفيه بعد، ويروى: تنض، بالنون عوض الباء الموحدة، وروى أبو ذر عن الكشميهني: تنصب، من الانصباب، ويروى: تنضرج، من الضرج بالضاد المعجمة والراء والجيم، وهو: الشق، ويروى: تيصر، بتاء مثناة من فوق مفتوحة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وصاد مهملة وراء، ذكر الشيخ أبو الحسن: أن معناه تنشق. قال: ومنه: صير الباب، أي: شقه، ورده ابن التين وهو أجدر بالرد لأن فيه تكلفا من جهة الصرف، وغير موجود في شيء من الروايات. قوله: (ذلك الصرم)، بكسر الصاد المهملة وسكون الراء: وهو أبيات مجتمعة نزول على الماء.
2753 حدثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم قال قتادة قلت لأنس كم كنتم قال ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وابن أبي عدي هو محمد بن أبي عدي. واسمه إبراهيم البصري وسعيد هو ابن أبي عروبة. والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي موسى.
قوله: (وهو بالزوراء)، جملة حالية، والزوراء بفتح الزاي وسكون الواو وبالراء وبالمد: موضع بسوق المدينة، ووقع في رواية همام عن قتادة عن أنس: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم، مع أصحابه عند الزوراء وعند بيوت المدينة). أخرجه أبو نعيم، وعند أبي نعيم من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس: أنه هو الذي أحضر الماء وأنه أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بيت أم سلمة، وأنه رده بعد فراغهم إلى أم سلمة. قوله: (والماء ينبع)، إما أنه يخرج من نفس الإصبع وينبع من ذاتها، وإما أنه يكثر في ذاته فيفور من بين أصابعه، وهو أعظم في الإعجاز من نبعه من الحجر، لأن خروج الماء من الحجارة معهود بخلاف خروجه من بين اللحم والدم، ويجوز في باء: ينبع، الضم والفتح والكسر. قوله: (زهاء)، بضم الزاء ممدودا: المقدار.
3753 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر فالتمس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضؤا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم..
هذا طريق آخر في حديث أنس. وقد مضى هذا في كتاب الطهار في: باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة، فإنه أخرجه هناك: عن عبد الله بن يوسف عن مالك... إلى آخره نحوه. قوله: (من عند آخرهم) كلمة: من، ههنا بمعنى: إلى، وهي لغة. وقال الكوفيون: يجوز مطلقا وضع حروف الجر بعضها مقام بعض.

118
4753 حدثنا عبد الرحمان بن مبارك حدثنا حزم قال سمعت الحسن قال حدثنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مخارجه ومعه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة فلم يجدوا ماء يتوضؤن فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم قال قوموا فتوضؤا فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء وكانوا سبعين أو نحوه..
هذا الحديث لأنس أيضا من وجه آخر عن عبد الرحمن بن المبارك بن عبد الله العبسي، وهو من أفراده، ويروي عن حزم، بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي: ابن أبي حزم واسمه مهران، مات سنة خمس وسبعين ومائة. وهو يروي عن الحسن البصري، رضي الله تعالى عنه. والحديث من أفراده.
قوله: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مخارجه) أراد به بعض أسفاره. قوله: (ومعه)، الواو فيه للحال.
5753 حدثنا عبد الله بن منير سمع يزيد أخبرنا حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار من المسجد يتوضأ وبقي قوم فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء فوضع كفه فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فضم أصابعه فوضعها في المخضب فتوضأ القوم كلهم جميعا قلت كم كانوا قال ثمانون رجلا..
هذا طريق رابع في حديث أنس الأول عن قتادة، والثاني عن إسحاق، والثالث عن الحسن، والرابع عن حميد، ففيها مغايرة واضحة في المتن وتعيين المكان وعدد من حضر وغير ذلك، فدل هذا كله على تعدد القضية. وقال القرطبي: قصة نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت منه في عدة مواضع في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، قال: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة من غير نبينا صلى الله عليه وسلم حيث نبع الماء من بين عصبه وعظبه ولحمه ودمه.
وعبد الله بن منير، بضم الميم وكسر النون: المروزي، ويزيد من الزيادة ابن هارون بن زادان أبو خالد الواسطي، والحديث من أفراده.
قوله: (بمخضب)، بكسر الميم وبالمعجمتين: المركن، وهو إناء من حجارة يغسل فيها الثياب ويسمى الإجانة أيضا.
6753 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه فقال ما لكم قالوا ليس عندنا ماء نتوضأولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز بن مسلم أبو زيد القسملي المروزي، سكن البصرة، وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي، وسالم بن أبي الجعد، بفتح الجيم وسكون العين المهملة: واسمه رافع الأشجعي الكوفي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن يوسف بن عيسى. وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وعن رفاعة ابن الهيثم وعن أبي موسى وبندار وعن عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم. وأخرجه النسائي في الطهارة عن إسحاق بن إبراهيم وفي التفسير عن علي بن الحسين.
قوله: (يوم

119
الحديبية)، وهي غزوة الحديبية وكانت في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف، والحديبية، بضم الحاء المهملة مثال دويهية وهي بئر على مرحلة من مكة مما يلي المدينة. وقال الخطابي: سميت الحديبية بشجرة حدباء كانت هناك، وقال ابن إسحاق: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة معتمرا لا يريد حربا، وخرج معه ناس من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب، وكان معه من الهدي سبعون بدنة، وكانوا خمس عشرة مائة على ما ذكره جابر. وعن البراء: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة، رواه البخاري أيضا على ما يجيء الآن. وقال ابن إسحاق: كانوا سبعمائة، وإنما قال كذلك تفقها من تلقاء نفسه من حيث إن البدن كانت سبعين بدنة. قوله: (بين يديه ركوة) بفتح الراء وهي: إناء صغير من جلد يشرب منها الماء، والجمع: ركا. قوله: (فجهش الناس) بفتح الجيم والهاء بعدها شين معجمة، وهو فعل ماض، والناس فاعله، ومعناه: أسرعوا إلى أخذ الماء، والفاء في أوله رواية الكشميهني، وفي رواية غيره بدون الفاء. وقال الكرماني: وجهش من الجهش وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره ويريد البكاء، كالصبي يفزع إلى أمه وقد تهيأ للبكاء. قوله: (يثور)، بالثاء المثلثة في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: يفور، بالفاء موضع الثاء، وهما بمعنى واحد.
7753 حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله تعالى عنه قال كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومج في البئر فمكثنا غير بعيد ثم استقينا حتى روينا ورويت أو صدرت ركابنا.
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله عن البراء بن عازب، رضي الله تعالى عنه.
والحديث من أفراده.
قوله: (أربع عشرة مائة) كان القياس أن يقال: ألفا وأربعمائة، لكن قد يستعمل بترك الألف واعتبار المئات أيضا. وكذلك الكلام في رواية جابر: كنا خمس عشرة مائة، والقياس أن يقال: ألفا وخمسمائة، وكذلك الكلام في رواية مسلم من حديث إياس بن سلمة عن أبيه. قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة، وفي (التوضيح) في قول جابر: كنا خمس عشرة مائة، قال ابن المسيب: هذا وهم، وكانوا أربع عشرة مائة، وعلى هذا مالك وأكثر الرواة. وقيل: كانوا ثلاث عشرة مائة، فإذا كان أكثر الرواة على أربع عشرة مائة يحمل قول من يزيد على هذا مائة أو ينقص مائة على عدد من انضم إلى المهاجرين
والأنصار من العرب، فمنهم من جعل المضافين إليهم مائة، ومنهم من جعل المهاجرين والأنصار ثلاث عشرة مائة، ولم يعدوا المضافين إليهم لكونهم أتباعا. قوله: (على شفير البئر) أي: حده وطرفه. قوله: (ورويت) بكسر الواو. قوله: (أو صدرت) أي: رجعت. قوله: (ركابنا) بكسر الراء أي: الإبل التي تحمل القوم.
8753 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء قالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي ولا ثتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلك أبو طلحة فقلت نعم قال بطعام فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم

120
فقالت الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت أم سليم عكة فأدمته ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس، وقد اتفقت الطرق على أن الحديث المذكور من مسند أنس، رضي الله تعالى عنه. وأخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن إسماعيل وفي النذور عن قتيبة. وأخرجه مسلم في الأطعمة عن يحيى ابن يحيى. وأخرجه الترمذي في المناقب عن إسحاق بن موسى. وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة.
ذكر معناه: قوله: (ضعيفا أعرف فيه الجوع) فيه العمل بالقرائن، وفي رواية أحمد عن أنس: أن أبا طلحة رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم طاويا، وفي رواية أبي يعلى عن أنس: أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم طعام، فذهب فأجر نفسه بصاع من شعير، فعمل بقية يومه ذلك ثم جاء به. وفي رواية مسلم عن أنس، قال: رأى أبو طلحة رسول الله، صلى الله عليه وسلم مضطجعا يتقلب ظهرا لبطن، وفي رواية لمسلم عن أنس، قال: جئت رسول الله، صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة، فسألت بعض أصحابه فقالوا: من الجوع. فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته، فدخل على أم سليم، فقال: هل من شيء... الحديث، وفي رواية أبي نعيم عن محمد بن كعب عن أنس: جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال: أعندك شيء فإني مررت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء وقد ربط على بطنه حجرا من الجوع. قوله: (فأخرجت أقراصا من شعير). وعند أحمد من رواية محمد ابن سيرين عن أنس قال: عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته. وفي رواية للبخاري تأتي عن أنس: أن أمه أم سليم عمدت إلى مد من شعير جرشته ثم عملته، وفي رواية لأحمد ومسلم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس: أتى أبو طلحة بمدين من شعير فأمر به فصنع طعاما. فإن قلت: ما وجه هذا الاختلاف؟ قلت: لا منافاة لاحتمال تعدد القصة: أو أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر، وقيل: يمكن أن يكون الشعير من الأصل كان صاعا فأفردت بعضه لعياله وبعضه للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ولاثتني)، من الإلتياث، وهو الالتفات، ومنه: لاث العمامة على رأسه أي: عصبها وأصله من: اللوث، بالثاء المثلثة وهو اللف ومنه: لاث به الناس إذا استداروا حوله، والحاصل أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على أبطه، وفي الأطعمة للبخاري: عن إسماعيل بن أويس عن مالك في هذا الحديث: فلفت الخبز ببعضه ودست الخبز تحت ثوبي وردتني ببعضه، يقال: دس الشيء يدسه دسا إذا أدخله في الشيء بقهر وقوة. قوله: (قال: فذهبت به)، أي: قال أنس: فذهبت بالخبز الذي أرسله أبو طلحة وأم سليم. قوله: (أرسلك أبو طلحة). بهمزة ممدودة للاستفهام على وجه الاستخبار. قوله: (فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمن معه) أي: من الصحابة: (قوموا) ظاهر هذا أنه صلى الله عليه وسلم فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله، فلذلك قال لمن معه: قوموا. فإن قلت: أول الكلام يقتضي أن أبا طلحة وأم سليم أرسلا الخبز مع أنس. قلت: يجمع بينهما بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحيى وظهر له أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل. وهنا وجه آخر، وهو أنه: يحتمل أن يكون ذلك على رأي من أرسله عهد إليه أنه إذا رأى كثيرة الناس أن يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم، وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشيء، وقد عرفوا إيثار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يأكل وحده، وروايات مسلم تقتضي: أن أبا طلحة استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة، ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس: بعثني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأدعوه، وقد جعل له طعاما، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن

121
أنس: أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم لنفسه خاصة، ثم أرسلتني إليه، وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس: فدخل أبو طلحة على أمي، فقال: هل من شيء؟ فقالت: نعم عندي كسر من خبز، فإن جاءنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه، وإن جاء أحد معه قل عنهم. وروى أبو نعيم من حديث يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس، قال لي أبو طلحة: يا أنس إذهب فقم قريبا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم فإذا قام فدعه حتى يتفرق أصحابه ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه، فقل له: إن أبي يدعوك. وروى أحمد من حديث النضر بن أنس عن أبيه، قالت لي أم سليم: إذهب إلى رسول الله
، صلى الله عليه وسلم، فقل له: إن رأيت أن تغدى عندنا فافعل، وفي رواية محمد بن كعب، فقال: (يا بني! إذهب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فادعه ولا تدع معه غيره ولا تفضحني). قوله: (وليس عندنا ما نطعمهم)، أي: قدر ما يكفيهم. قوله: (فقالت: الله ورسوله أعلم) كأنها عرفت أنه فعل ذلك عمدا لتظهر الكرامة في تكثير ذلك الطعام، ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها. قوله: (فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية مبارك بن فضالة: فاستقبله أبو طلحة. فقال: (يا رسول الله! ما عندنا إلا قرص عملته أم سليم). وفي رواية عمرو بن عبد الله فقال أبو طلحة: إنما هو قرص. فقال: إن الله سيبارك فيه. وفي رواية يعقوب. فقال أبو طلحة: يا رسول الله! إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى. فقال: أدخل، فإن الله سيبارك فيما عندك. وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه: فدخلت علي أم سليم وأنا مندهش، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن أبا طلحة قال: يا أنس فضحتنا. وللطبراني في (الأوسط): فجعل يرميني بالحجارة. قوله: (هلمي يا أم سليم)، كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني، وفي رواية: هلم، وهي لغة حجازية، فإن عندهم لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، ومنه قوله تعالى: * (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) * (الأحزاب: 81). والمراد بذلك طلب ما عندها. قوله: (عكة)، بضم العين المهملة وتشديد الكاف: إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل، وفي رواية مبارك بن فضالة: فقال: هل من سمن؟ فقال أبو طلحة: قد كان في العكة شيء، فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى خرج، ثم مسح رسول الله، صلى الله عليه وسلم سبابته، ثم مسح القرص فانتفخ وقال: بسم الله، فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع. قوله: (فأدمته)، أي: جعلته أداما للمفتوت تقول: أدم دلان الخبز باللحم يأدمه، بالكسر، وقال الخطابي: أدمته، أي: أصلحته بالأدام. قوله: (إئذن لعشرة)، أي: إئذن بالدخول لعشرة أنفس، إنما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم، فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم دخل منزل أبي طلحة وحده، وجاء بذلك صريحا في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولفظه: فلما انتهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى الباب، فقال لهم: اقعدوا، ودخل. فإن قلت: في رواية يعقوب: أدخل علي ثمانية، فما زال حتى دخل عليه ثمانون رجلا، ثم دعاني ودعا أمي ودعا أبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا. قلت: هذا يحمل على تعدد القصة، وأكثر الروايات: عشرة عشرة، سوى هذه، فإنه أدخلهم ثمانية ثمانية، والله أعلم. قوله: (فأكلوا)، وفي رواية مبارك بن فضالة: فوضع يده في وسط القرص، قال: كلوا بسم الله، فأكلوا من حوالي القصعة حتى شبعوا، وفي رواية بكر بن عبد الله: فقال لهم: كلوا من بين أصابعي. قوله: (والقوم سبعون أو ثمانون)، كذا وقع بالشك، وفي غير هذا الموضع الجزم بالثمانين، وفي رواية مبارك بن فضالة: حتى أكل منه بضعة وثمانون رجلا، وفي رواية لأحمد: كانوا نيفا وثمانين، وفي رواية مسلم من حديث عبد الله بن أبي طلحة: وأفضلوا ما بلغوا جيرانهم، وفي رواية عمرو بن عبد الله: وفضلت فضلة فأهدينا لجيراننا، وفي رواية لسعد بن أبي سعيد: ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة، فعاد كما كان.
9753 حدثني محمد بن المثنى حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاؤا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على الطهور المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.

122
مطابقته للترجمة في نبع الماء من بين أصابعه وفي تسبيح الطعام بين يديه وهم يسمعونه، وأبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري الأسدي الكوفي، وقد مر غير مرة، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي، وعلقمة هو ابن القيس، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه الترمذي أيضا في المناقب عن محمد بن بشار.
قوله: (كنا نعد الآيات) وهي الأمور الخارقة للعادة. قوله: (وأنتم تعدونها تخويفا) أي: لأجل التخويف، فكأن ابن مسعود أنكر عليهم عد جميع الآيات تخويفا، فإن بعضها يقتضي بركة من الله: كشبع الخلق الكثير من الطعام القليل، وبعضها يقتضي تخويفا من الله: ككسوف الشمس والقمر. قوله: (في سفر)، جزم البيهقي أنه في الحديبية، لكن لم يخرج ما يصرح به، وعند أبي نعيم في (الدلائل): أن ذلك كان في غزوة خيبر، فأخرج من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن إبراهيم في هذا الحديث، قال: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، فأصاب الناس عطش شديد، فقال: يا عبد الله التمس لي ماء، فأتيته بفضل ماء في إداوة. قوله: (حي على الطهور) أي: هلموا إلى الطهور، وهو بفتح الطاء، والمراد به الماء، ويجوز ضمها ويراد الفعل، أي: تطهروا. قوله: (والبركة)، مرفوع بالابتداء وخبره. قوله: (من الله) وهو إشارة إلى أن الإيجاد من الله تعالى. قوله: (لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)، أي: في حالة الأكل، وذلك في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
0853 حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء قال حدثني عامر قال حدثني جابر رضي الله تعالى عنه أن أباه توفي وعليه دين فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إن أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنتين ما عليه فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء فمشى حول بيدر من بيادر التمر فدعا ثم آخر ثم جلس عليه فقال انزعوه فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم..
مطابقته للترجمة من حيث حصول البركة الزائدة بمشيه حول البيادر حتى بلغ ما أخرج نخله ما عليه، وفضل مثل ذلك، وهذه أيضا من معجزاته، صلى الله عليه وسلم.
وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين، وزكرياء هو ابن أبي زائدة، وعامر هو الشعبي.
والحديث مضى مطولا ومختصرا في مواضع في الاستقراض وفي الجهاد وفي الشروط وفي البيوع وفي الوصايا ومر الكلام في الجميع.
قوله: (إلا ما يخرج نخله) من الإخراج، وكذلك قوله: (ولا يبلغ ما يخرج) من الإخراج. قوله: (سنتين)، أي: في مدة سنتين، وهي تثنية سنة، ويروى بصيغة الجمع. قوله: (ما عليه)، مفعول قوله: (ولا يبلغ) أي: ما على أبي من الدين. قوله: (لكيلا يفحش)، من الإفحاش. قوله: (علي) بتشديد الياء. قوله: (الغرماء)، بالرفع فاعل يفحش. قوله: (فمشى حول بيدر)، فيه حذف تقديره: فقال: نعم، فانطلق فوصل إلى الحائط فمشى حول بيدر، بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال المهملة: كالجرن للحب. قوله: (فدعا)، أي: في ثمره بالبركة. قوله: (ثم آخر) أي: ثم مشى حول بيدر آخر فدعا. قوله: (فقال: انزعوه) أي: إنزعوه من البيدر. قوله: (وبقي مثل ما أعطاهم)، أي: مثل ما أعطى أصحاب الديون، وفي رواية مغيرة: وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء، ووقع في رواية وهب بن كيسان: فأوفاهه ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة عشر وسقا. ويجمع بالحمل على تعدد الغرماء فكأن أصل الدين كان منه لليهودي ثلاثون وسقا من صنف واحد فأوفاه وفضل من ذلك البيدر سبعة عشر وسقا، وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أخر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من المجموع قدر الدين الذي أوفاه.
1853 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا معتمر عن أبيه حدثنا أبو عثمان أنه حدثه عبد الرحمان ابن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس أو كما قال وأن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم

123
بعشرة وأبو بكر وثلاثة قال فهو أنا وأبي وأمي ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي بين بيتنا وبين بيت أبي بكر وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك قال أو عشيتهم قالت أبوا حتى تجيء قد عرضوا عليهم فغلبوهم فذهبت فاختبأت فقال يا غنثر فجدع وسب وقال كلوا وقال لا أطعمه أبدا قال وايم الله ما كنا نأخذ من اللقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر قال لإمرأته يا أخت بني فراس قالت لا وقرة عيني لهي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرات فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان الشيطان يعني يمينه ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلي النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده وكان بيننا وبين قوم عهد فمضي الأجل ففرقنا اثنا عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم قال أكلوا منها أجمعون أو كما قال.
قيل: لا مطابقة بينه وبين الترجمة هنا، لأن الترجمة في علامات النبوة، والحديث في كرامة الصديق. وأجيب: بأنه يجوز أن تظهر المعجزة على يد الغير، أو أستفيد الإعجاز من آخره حيث قال: أكلوا منها أجمعون.
ومعتمر يروي عن أبيه سليمان بن طرخان وهو من صغار التابعين، وفي رواية أبي النعمان التي مضت في كتاب الصلاة: حدثنا معتمر بن سليمان حدثنا أبي وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي، بفتح النون.
والحديث مضى في أواخر كتاب مواقيت الصلاة في: باب السمر مع الأهل والضيف.
قوله: (إن أصحاب الصفة) هي مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل، وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر. قوله: (فليذهب بثالث)، أي: من أهل الصفة، وفي رواية مسلم: فليذهب بثلاثة، قال عياض: وهو غلط والصواب رواية البخاري لموافقتها لسياق باقي الحديث. وقال القرطبي: إن حمل على ظاهره فسد المعنى لأن الذي عنده طعام اثنين إذا ذهب معه بثلاثة لزم أن يأكله في خمسة وحينئذ لا يكفيهم ولا يسد رمقهم، بخلاف ما إذا ذهب معه بواحد فإنه حينئذ يأكله من ثلاثة، وأجاب النووي عنه: بأن التقدير فليذهب بمن يتم من عنده ثلاثة، أو فليذهب بتمام ثلاثة. قوله: (وأبو بكر وثلاثة) أي: وانطلق أبو بكر وثلاثة معه، وإنما كرر بثلاثة لأن الغرض من الأول الإخبار بأن أبا بكر كان من المكثرين ممن عنده طعام أربعة فأكثر، وأما الثاني فهو مما يقتضي سوق الكلام على ترتيب القصة، ذكره. قوله: (قال) أي: قال عبد الرحمن بن أبي بكر. قوله: (فهو أنا) أي: الشأن أنا وأبي وأمي في الدار، والمقصود منه بيان أن في منزله هؤلاء، فلا بد أن يكون عنده طعامهم، وأم عبد الرحمن هي أم رومان مشهورة بكنيتها واسمها زينب، وقيل: وعلة بنت عامر بن عويمر كانت تحت الحارث بن سخبرة الأزدي فمات بعد أن قدم مكة وخلف منها ابنه الطفيل، فتزوجها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة، وأسلمت أم رومان قديما وهاجرت وعائشة معها، وأما عبد الرحمن فتأخر إسلامه وهجرته إلى هدنة الحديبية، فقدم في سنة سبع أو أول سنة ثمان، واسم امرأته أميمة بنت عدي بن قيس السهمية، وهي والدة أكبر أولاد عبد الرحمن أبي عتيق محمد، رضي الله تعالى عنهم. قوله: (ولا أدري هل قال) القائل هو أبو عثمان الراوي عن عبد الرحمن، كأنه شك في ذلك. قوله: (وخادمي) بالإضافة، وفي رواية الكشميهني: بغير إضافة. قوله: (بين بيتنا وبيت أبي بكر) يعني: خدمتها مشتركة بين بيتنا وبيت أبي بكر. وقوله: (بين) طرف للخادم. قوله: (إن أبا بكر تعشي عند النبي صلى الله عليه وسلم) وفي مسلم، قال: وإن أبا بكر، أي: قال عبد الرحمن: وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ثم لبث)، أي:

124
مكث عند النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صلى العشاء، وفيما تقدم في: باب السمر مع الأهل: ثم لبث حتى صليت العشاء الآخرة وكذا في رواية مسلم. قوله: (ثم رجع) ثم رجع أبو بكر إلى منزله، هذا الذي يفهم من ظاهر الرواية، والرواة ما اتفقوا على هذا، لأن في رواية الإسماعيلي: ثم ركع، بالكاف، أي: ثم صلى النافلة، والحاصل على هذا أن أبا بكر مكث عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى صلى العشاء ثم صلى النافلة فلبث أبو بكر عنده حتى تعشى أو حتى نعس، يعني أخذ في النوم على ما نذكره الآن. قوله: (فلبث) معناه: فلبث عند النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن رجع إليه حتى تعشى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي
رواية مسلم: ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من النعاس الذي هو مقدمة النوم، وقال بعضهم: شرح الكرماني: يعني هذا الموضع بأن المراد: أنه لما جاء بالثلاثة إلى منزله لبث في منزله إلى وقت صلاة العشاء، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلبث عنده حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يصح، لأنه يخالف صريح قوله في حديث الباب: وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. قلت: لم يقل الكرماني هذا مثل الذي ذكره، وإنما قال فإن قلت: هذا يشعر بأن التعشي عند النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد الرجوع إليه وما تقدم بأنه كان بعده قلت: الأول: بيان حال أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، في عدم احتياجه إلى الطعام عند أهله، والثاني: هو سوق القصة على الترتيب الواقع. أو الأول: تعشى الصديق والثاني تعشى الرسول، صلى الله عليه وسلم، أو الأول: من العشاء، بكسر العين، والثاني: منه بفتحها. انتهى. هذا لفظ الكرماني فلينظر المتأمل هل نسبة هذا القائل عدم الصحة إلى الكرماني صحيحة أم لا؟ وحل تركيب هذا الحديث يحتاج إلى دقة نظر وتأمل كثير. قوله: (أو ضيفك)، شك من الراوي، وعلى هذا فالضيف كانوا ثلاثة فكيف قال بالإفراد؟ فكأنه أشار إلى أن الضيف اسم جنس يطلق على القليل والكثير، وقال الكرماني: أو الضيف، مصدر يتناول المثنى والجمع. قلت: لا يصح هذا الفساد المعنى. قوله: (أوعشيتهم؟) وفي رواية الكشميهني: أو ما عشيتهم؟ بزيادة: ما النافية، وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي، والهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة، ويروى: أوعشيتهم، بالياء الساكنة بعد تاء الخطاب. قوله: (قالت: أبوا)، أي: امتنعوا إلى أن تجيء رفقا به لظنهم أنه لا يجد عشاء فصبروا حتى يأكل معهم. قوله: (قد عرضوا)، بفتح العين أي: قد عرض الأهل والخدم. قوله: (فغلبوهم)، أي: إن آل بكر، رضي الله تعالى عنه، عرضوا على الأضياف العشاء فامتنعوا، فعالجوهم فامتنعوا حتى غلبوهم، وبقية الكلام مرت في: باب السمر مع الأهل. قوله: (فذهبت)، أي: قال عبد الرحمن: فذهبت، وفي رواية مسلم: قال: فذهبت أنا. قوله: (فاختبأت)، أي: اختفيت خوفا منه. قوله: (فقال: يا غنثر)، بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الثاء المثلثة وفي آخره راء: معناه الجاهل، وقيل: غنثر الذباب، وأراد به التغليظ عليه حيث خاطبه بشيء فيه التحقير، وقد مر في الصلاة كلام كثير فيه فليرجع إليه هناك. قوله: (فجدع) أي: جدع أبو بكر، بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة وفي آخره عين مهملة: أي: دعا بالجدع، وهو قطع الأنف والأذن ونحو ذلك. قوله: (وسب)، أي: شتم ظنا منه أن عبد الرحمن فرط في حق الأضياف. قوله: (وقال: كلوا)، أي: قال أبو بكر: كلوا، وفي رواية الصلاة: كلوا لا هنيئا، وكذا في رواية مسلم، إنما قاله لما حصل له من الحرج والغيظ بتركهم العشاء بسببه، وقيل: إنه ليس بدعاء إنما هو خبر أي: لم تهنوا به في وقته. قوله: (فقال: لا أطعمه أبدا)، وقال القرطبي: كل ذلك من أبي بكر على ابنه ظنا منه أنه فرط في حق الأضياف، فلما تبين له أن ذلك كان من الأضياف أدبهم. بقوله: كلوا لا هنيئا، وحلف أن لا يطعمه، وفي رواية الجريري، فقال: إنما انتظرتموني؟ والله لا أطعمه أبدا، فقال الآخرون: والله لا نطعمه أبدا حتى تطعمه، وفي رواية أبي داود من هذا الوجه: فقال أبو بكر: فما منعكم؟ قالوا: مكانك. قال: والله لا أطعمه أبدا، ثم اتفقا، فقال: لم أر من الشر كالليلة، ويلكم؟ ما أنتم؟ لم لا تقبلون عنا قراكم؟ هات طعامك. فوضع فقال: بسم الله الأولى من الشيطان فأكل وأكلوا. قوله: الأولى من الشيطان، أراد به يمينه. قال القاضي: وقيل: معناه اللقمة الأولى من أجل قمع الشيطان وإرغامه ومخالفته في مراده باليمين، وقال النووي: فيه أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فعل ذلك وكفر عن يمينه، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة. قوله: (وأيم الله) أي: قال عبد الرحمن: وأيم الله، هذا من ألفاظ اليمين وهو مبتدأ وخبره محذوف، أي: وأيم الله قسمي، وهمزته همزة وصل لا يجوز قطعه عند الأكثرين، وقد أطلنا الكلام فيه في التيمم في: باب

125
الصعيد الطيب. قوله: (إلا ربا من أسفلها)، أي: زاد من أسفلها، أي: من الموضع الذي أخذت منه. قوله: (فإذا شيء)، أي: فإذا هو شيء كما كان أو أكثر، ويروى لها: فإذا هي شيء، أي البقية أو الأطعمة. قوله: (قال لامرأته) أي: قال أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، لامرأته: (يا أخت بني فراس) قال النووي: معناه: يا من هي من بني فراس، بكسر الفاء وتخفيف الراء وفي آخره سين مهملة، قال القاضي: فراس هو ابن غنم بن مالك بن كنانة، وقد تقدم أن أم رومان من ذرية الحارث بن غنم، وهو أخو فراس بن غنم، فلعل أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث، وقد يقع مثل هذا كثيرا، وقيل: المعنى: يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس. قوله: (قالت: لا، وقرة عيني)، كلمة: لا، زائدة للتأكيد، ويحتمل أن تكون نافية، وثمة محذوف أي: لا شيء غير ما أقول، وهو قولها: وقرة عيني، والواو فيه للقسم، وقرة العين، بضم القاف وتشديد الراء: يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحب الإنسان، وقد طولنا الكلام فيه في كتاب الصلاة في: باب السمر مع الأهل والضيف. قوله: (لهي الآن أكثر)، بالثاء المثلثة، وقيل بالباء الموحدة. قوله: (ثلاث مرات) وقيل: ثلاث مرار. قوله: (فأكل منها) أي: من الأطعمة. قوله: (إنما كان الشيطان) يعني: إنما كان الشيطان الحامل على يمينه التي حلفها، وهي قوله: (والله لا أطعمه) وفي رواية مسلم: إنما كان ذلك من الشيطان، يعني: يمينه، وهذا أقرب. قوله: (فأصبحت عنده) أي: أصبحت الأطعمة التي في الجفنة عند النبي صلى الله عليه وسلم على حالها، وإنما لم يأكلوا منها في الليل لكون ذلك وقع بعد أن مضى من الليل مدة طويلة. قوله: (عهد)، أي: عهد مهادنة، ويروى: وكانت بيننا، والتأنيث باعتبار المهادنة. قوله: (فمضى العهد) أي: مضت مدة العهد. قوله: (ففرقنا) من التفريق، فالراء فيه مفتوحة والضمير المرفوع فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكلمة: نا، مفعوله، و: الفاء، فيه فاء الفصيحة أي: فجاؤوا إلى المدينة، أي: جعل كل رجل مع اثني عشرة فرقة، وفي رواية مسلم: فعرفنا: بالعين المهملة والراء المشددة أي: جعلنا عرفاء نقباء على قومهم. وفيه: دليل لجواز تعريف العرفاء على العساكر ونحوها، وفي (سنن أبي داود): العرافة حق، ولما فيه من مصلحة الناس وليتيسر ضبط الجيوش على الإمام ونحوها باتخاذ العرفاء. فإن قلت: جاء في الحديث: العرفاء في النار. قلت: هو محمول على العرفاء المقصرين في ولايتهم المرتكبين فيها ما لا يجوز، وقال الكرماني: وفي بعض الروايات: فقرينا، بقاف وراء وياء آخر الحروف، من القرى، وهي: الضيافة. وقال بعضهم: ولم أقف
على ذلك. قلت: لا يلزم من عدم وقوفه على ذلك الإنكار عليه، لأن من لم يقف على شيء أكثر ممن وقف عليه. قوله: (اثنا عشر رجلا) وفي رواية مسلم: اثني عشر، بالنصب وهو ظاهر، وأما رواي الرفع فعلى لغة من يجعل المثنى بالألف في الأحوال الثلاث، ومنه قوله تعالى: * (إن هذان لساحران) * (طه: 36). قوله: (غير أنه بعث) أي: غير أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معهم نصيب أصحابهم إليهم. قوله: (أو كما قال)، شك من أبي عثمان، والمعنى: أن جميع الجيش أكلوا من تلك الأطعمة التي أرسلها أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الجفنة، فظهر بذلك أن تمام البركة فيها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، والذي وقع في بيت أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، كان ظهور أوائل البركة فيها، والفوائد التي استفيدت من الحديث المذكور ذكرناها في: باب السمر مع الأهل والضيف.
2853 حدثنا مسدد حدثنا حماد عن عبد العزيز عن أنس وعن يونس عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو يخطب يوم جمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلكت الكراع هلكت الشاء فادع الله يسقينا فمد يديه ودعا قال أنس وإن السماء كمثل الزجاجة فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمع ثم أرسلت السماء عزاليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم تزل تمتر إلى الجمعة الأخرى فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله يحبسه فتبسم ثم قال حوالينا ولا علينا فنظرت إلى السحاب تصدع حول المدينة كأنه إكليل..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرج هذا الحديث في كتاب الاستسقاء مطولا ومختصرا من عشرة وجوه. الأول: عن

126
محمد عن أبي ضمرة عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك. والثاني: عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن شريك عن أنس. والثالث: عن مسدد عن أبي عوانة عن قتادة عن أنس. والرابع: عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن شريك عن أنس. والخامس: عن إسماعيل عن مالك عن شريك عن أنس. والسادس: عن الحسن بن بشر عن معافى بن عمران عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس. والسابع: عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن شريك عن أنس. والثامن: عن محمد بن أبي بكر عن معتمر عن عبيد الله بن ثابت عن أنس. والتاسع: عن أيوب بن سليمان، معلقا عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس. والعاشر: عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس. والوجه الحادي عشر: أخرجه في كتاب الجمعة عن إبراهيم بن المنذر عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله عن أنس. والثاني عشر: أخرجه في الجمعة أيضا من طريقين، كما أخرجه ههنا نحوه من طريقين: أحدهما: عن مسدد عن حماد بن زيد عن عبد العزيز ابن صهيب عن أنس، رضي الله تعالى عنه. والآخر: عن مسدد عن حماد بن زيد عن يونس بن عبيد البصري عن ثابت عن أنس، والحاصل أن لحماد إسنادين: أحدهما عال، والآخر نازل، وذكر البزار أن حمادا تفرد بطريق يونس بن عبيد، فالطريقان أخرجهما أبو داود في الصلاة عن مسدد بإسناده نحوه.
قوله: (قحط)، أي: جدب، يقال: قحط المطر وقحط بكسر الحاء وفتحها: إذا احتبس وانقطع، وأقحط الناس إذا لم يمطروا. قوله: (على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، أي: على زمنه وأيامه. قوله: (إذا قام)، جواب بينا. قوله: (رجل)، قيل: هو خارجة بن حصن الفزاري. قوله: (الكراع)، بضم الكاف، وحكى عن رواية الأصيلي كسرها، وخطيء. والمراد به: الخيل هنا لأنه عطف عليه. (وهلكت الشاء) وقد يطلق على غيرها، والشاء جمع شاة، وأصل الشاة، شاهة فحذفت لامها، وقال ابن الأثير: جمع الشاة شاء وشياه وشوى. قوله: (كمثل الزجاجة)، أي: في شدة الصفاء ليس فيه شيء من السحاب، ومن الكدورات. قوله: (فهاجت)، أي: ثارت ريح أنشأت سحابا. وفي (التوضيح): فيه نظر، إنما يقال: نشأ السحاب إذا ارتفع، وأنشأه الله، ومنه ينشئ السحاب الثقال أي: يبديها. قوله: (عزاليها)، جمع: عزلاء، بفتح العين المهملة وسكون الزاي، وهو فم الراوية من أسفلها، وفي الجمع: يجوز كسر اللام وفتحها كما في الصحارى، وقد مر عن قريب. قوله: (منازلنا)، ويروى: منزلنا بالإفراد. قوله: (فلم تزل تمطر)، بضم التاء أي: لم تزل السماء تمطر، ويجوز أن يكون: لم نزل، بنون المتكلم، وكذلك: نمطر، ولكن على صيغة المجهول. قوله: (أو غيره)، أي: أو غير ذلك الرجل الذي قام في تلك الجمعة، شك فيه أنس، وتارة يجزم بذلك الرجل. وبقية الكلام مرت في كتاب الاستسقاء. قوله: (تصدع)، وفي رواية الأصيلي: تتصدع وهو الأصل، ولكن حذفت منه إحدى التاءين. قوله: (إكليل)، بكسر الهمزة، وهو شبه عصابة مزينة بالجواهر، وهو التاج، وكانت ملوك الفرس تستعملها.
3853 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان حدثنا أبو حفص واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء قال سمعت نافعا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه.
مطابقته للترجمة في حنين الجذع. ويحيى بن كثير ضد القليل ابن درهم أبو غسان، بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة: العنبري، بسكون النون: البصري، مات بعد المائتين، وأبو حفص بالمهملتين عمر بن العلاء بن عمارة البصري المازني، وقال صاحب (الكاشف): الأصح أنه معاذ بن العلاء لا عمر، وقيل: لم تقع تسمية أبي حفص بعمر بن العلاء إلا في رواية البخاري والظاهر أنه هو الذي سماه، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار عن يحيى بن كثير، فقال: حدثنا أبو حفص بن العلاء فذكر الحديث ولم يسمه، وذكر الحاكم أبو أحمد في ترجمة أبي حفص في (الكنى) فساقه من طريق عبد الله بن رجاء الفداني حدثنا أبو حفص بن العلاء، فذكر حديث الباب ولم يقل اسمه عمر، ثم ساقه من طريق عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء به، ثم

127
أخرج من طريق معتمر بن سليمان عن معاذ بن العلاء أبي غسان، قال: وكذا ذكر البخاري في (التاريخ): أن معاذ بن العلاء يكنى أبا غسان، قال الحاكم: الله أعلم أهما أخوان أحدهما يسمى عمرو والآخر يسمى معاذا وحدثا معا عن نافع بحديث الجذع، أو إحدى الطريقين غير محفوظ لأن المشهور أن العلاء أبو عمرو، صاحب
القراءات وأبو سفيان ومعاذ، فأما أبو حفص عمر فلا أعرفه إلا في هذا الحديث المذكور، وقيل: ليس لمعاذ ولا لعمر في البخاري ذكر في هذا الموضع، وأما أبو عمرو ابن العلاء فهو أشهر الأخوة وأجلهم، وهو إمام القراءات بالبصرة وشيخ العربية بها وليس له في البخاري أيضا رواية ولا ذكر إلا في هذا الموضع، واختلف في اسمه اختلافا كثيرا، والأظهر أن اسمه كنيته، وأما أخوه أبو سفيان بن العلاء فأخرج حديثه الترمذي، وحديث الباب أخرجه الترمذي في الصلاة عن عمرو بن علي الفلاس عن عثمان بن عمر ويحيى بن كثير أبي غسان العنبري، كلاهما عن معاذ بن العلاء به. وقال المزي: وقيل: إن قوله: عمر بن العلاء، وهم والصواب: معاذ بن العلاء، كما وقع في رواية الترمذي.
قوله: (إلى جذع) أي: مستندا إليه. قوله: (فأتاه) أي: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، الجذع فمسح يده عليه، وفي رواية الإسماعيلي: فأتاه فاحتضنه فسكن، وقال: لو لم أفعل لما سكن. وفي حديث ابن عباس عند الدارمي بلفظ: (لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة)، وفي حديث أنس عند أبي عوانة وابن خزيمة وأبي نعيم: (والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم أمر به فدفن). وفي حديث أبي سعيد عند الدارمي: (فأمر به أن يحفر له ويدفن). فإن قلت: وفي حديث أبي بن كعب: (فأخذ أبي بن كعب ذلك الجذع لما هدم المسجد، فلم يزل عنده حتى بلي وعاد رفاتا). قلت: هذا لا ينافي ما تقدم من دفنه، لأنه يحتمل أنه ظهر بعد الهدم عند التنظيف، فأخذه أبي بن كعب.
وقال عبد الحميد أخبرنا عثمان بن عمر أخبرنا معاذ بن العلاء عن نافع بهذا هذا التعليق أخرجه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في (مسنده) عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد، وعبد الحميد ما ترجم له أحد من رجال البخاري، ولكن المزي ومن تبعه جزموا بأنه: عبد بن حميد الحافظ المشهور، وقالوا: كان اسمه عبد الحميد، وإنما قيل له: عبد، بغير إضافة لأجل التخفيف، وعثمان بن عمر بن فارس البصري، ومعاذ، بضم الميم: ابن العلاء بالمد المازني أخو أبي عمرو بن العلاء.
ورواه أبو عاصم عن ابن رواد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: روى الحديث المذكور أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل أحد مشايخ البخاري الكبار عن عبد العزيز بن أبي رواد، بفتح الراء وتشديد الواو، واسمه: ميمون المروزي، وهذا التعليق وصله البيهقي من طريق سعيد بن عمرو عن أبي عاصم مطولا، وأخرجه أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي عاصم مختصرا.
4853 حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال سمعت أبي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا قال إن شئتم فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين وعبد الواحد بن أيمن ضد الأيسر المخزومي مولى أبي عمرو أو مولى ابن أبي عمرو المكي، يروي عن أبيه أيمن الحبشي عند البخاري وحده.
والحديث مضى في كتاب البيوع في: باب التجار، فإنه أخرجه هناك: عن خلاد بن يحيى عن عبد الواحد بن أيمن إلى آخره.
قوله: (إلى شجرة أو نخلة)

128
شك من الراوي وأخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن عبد الواحد، فقال: إلى نخلة، ولم يشك. قوله: (امرأة من الأنصار أو رجل) شك من الراوي، وقد مضى الكلام فيه في الجمعة. وقال مالك: غلام لرجل من الأنصار، وهو غلام سعد بن عبادة، وقال غيره: غلام لامرأة من الأنصار، أو للعباس، وكان ذلك سنة سبع. وقيل: ثمان. قوله: (فلما كان يوم الجمعة) أي: وقت الخطبة. قوله: (دفع) بضم الدال، وفي رواية الكشميهني بضم الراء. قوله: (فضمه إليه) أي: الجذع، وذكر الضمير باعتبار الجذع، وفي رواية الكشميهني: فضمها، أي: الشجرة أو النخلة. قوله: (يسكن) على صيغة المجهول من التسكين.
5853 حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما يقول كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذالك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت..
هذا طريق آخر في حديث جابر، رضي الله تعالى عنه، أخرجه عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر عبد الحميد عن سليمان بن بلال القرشي التيمي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن حفص بن عبيد الله، وروايته عنه من رواية الأقران لأنه في طبقته.
وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي.
والحديث أخرجه في الجمعة في: باب الخطبة على المنبر عن سعيد بن أبي مريم عن محمد ابن جعفر بن أبي كثير عن يحيى بن سعيد عن ابن أنس: أنه سمع جابر بن عبد الله ولم يسمه، وذكر أبو مسعود أن البخاري إنما قال في حديث محمد بن جعفر عن يحيى عن ابن أنس ولم يسمه، لأن محمد بن جعفر يقول فيه: عن يحيى عن عبيد الله بن حفص ابن أنس، فقال البخاري: عن ابن أنس ليكون أقرب إلى الصواب.
قوله: (كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل) أراد: أن الجذوع كانت له كالأعمدة. قوله: (إلى جذع منها) أي: من تلك الجذوع، وكان إذا خطب يستند إلى جذع منها. قوله: (كصوت العشار)، بكسر العين المهملة وبالشين المعجمة، وهو جمع: عشراء، وهي الناقة التي أتت عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر، وفي حديث جابر عند النسائي من (الكبرى: اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الحلوج. انتهى. والحلوج، بفتح الحاء المهملة وضم اللام الخفيفة، وآخره
جيم: الناقة التي انتزع منها ولدها. وفي حديث أنس عند ابن خزيمة فحنت الخشبة حنين الوالدة، وفي روايته الأخرى عند الدارمي: خار ذلك الجذع كخوار الثور، وفي حديث أبي بن كعب عند أحمد والدارمي وابن ماجة: فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق، وروى الدارمي من حديث بريدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اختر أغرسك في المكان الذي كنت فيه كما كنت؟ يعني: قبل أن تصير جذعا، وإن شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها فيحسن نبتك وتثمر، فتأكل منك أولياء الله تعالى، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أختار أن تغرسي في الجنة.
6853 حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة وحدثني بشر بن خالد حدثنا محمد عن شعبة عن سليمان سمعت أبا وائل يحدث عن حذيفة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة فقال حذيفة أنا أحفظ كما قال قال هات إنك لجريء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال ليست هذه ولكن التي تموج كموج البحر قال يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها إن بينك وبينها بابا مغلقا قال يفتح

129
الباب أو يكسر قال لا بل يكسر قال ذاك أحرى أن لا يغلق قلنا علم الباب قال نعم كما أن دون غد الليلة إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله وأمرنا مسروقا فسأله فقال من الباب قال عمر..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبارا عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمور الآتية بعده، وهذا أيضا معجزة من معجزاته.
وأخرجه من طريقين: الأول: عن محمد بن بشار وابن أبي عدي وهو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي أبو عمرو البصري، واسم أبي عدي إبراهيم عن شعبة. والثاني: عن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن خالد أبو محمد العسكري الفرائضي عن محمد بن جعفر الذي يقال له غندر عن شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن حذيفة بن اليمان العبسي. والحديث مر في أول كتاب مواقيت الصلاة في: باب الصلاة كفارة، عن مسدد عن يحيى ابن سعيد، وفي الزكاة عن قتيبة ومضى الكلام فيه هناك فلنذكر بعض شيء.
قوله: (في الفتنة)، المراد بالفتنة ما يعرض للإنسان من الشر أو أن يأتي لأجل الناس بما لا يحل له أو يخل بما يجب عليه. قوله: (هات)، تقول: هات يا رجل بكسر التاء، أي: أعطني، وللأثنين: هاتيا مثل: آتيا، وللجمع: هاتوا، وللمرأة: هاتي، وللمرأتين: هاتيا، وللنساء: هاتين، مثل: عاطين. قال الخليل: أصل هات من: آتي يؤتي، فقلبت الألف: هاء. قوله: (لجرىء) من الجراءة، وهو الإقدام على الشيء من غير تخوف. قوله: (فتنة الرجل في أهله)، بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار. قوله: (وماله)، أي: وفي ماله بالاشتغال به عن العبادة وبحبسه عن إخراج حق الله تعالى. قوله: (وجاره)، أي: وفي جاره بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق، وإنما خص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله، وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم، وذكر هنا ثلاثة أشياء ثم إنه ذكر ثلاثة أشياء تكفرها، فذكر من عبادة الأفعال: الصلاة والصيام، ومن عبادة المال الصدقة، ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قوله: (ليست هذه)، أي: ليست الفتنة التي أريدها هذه ولكن أريد الفتنة التي تموج كموج البحر، وموج البحر يكون عند اضطرابه وهيجانه، وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة. وقوله: (الفتنة) منصوب بلفظ أريد المقدر. قوله: (يا أمير المؤمنين) أي: قال حذيفة لعمر، رضي الله تعالى عنه، يا أمير المؤمنين: (لا بأس عليك منها)، أي: من هذه الفتنة التي تموج كموج البحر. قوله: (إن بينك وبينها) أي: وبين هذه الفتنة بابا مغلقا، يعني: لا يخرج منها شيء في حياتك، وفيه تمثيل الفتن بالدار، وحياة عمر بالباب الذي لها مغلق، وموته بفتح ذلك الباب، فما دامت حياة عمر موجودة فالباب مغلق لا يخرج منها شيء، فإذا مات فقد انفتح الباب فخرج ما في تلك الدار. قوله: (قال: لا بل يكسر)، أي: قال حذيفة: لا يفتح، بل: يكسر. قوله: (قال ذلك) أي: قال عمر: ذلك أحرى، أي: أجدر، قال ابن بطال: إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح فأما ما انكسر فلا يتصور غلقه حتى يجبر. انتهى. وقيل: إنما قال عمر ذلك اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة، وقد وافق حذيفة على روايته هذه أبو ذر، فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات أنه: لقي عمر فأخذ بيده فغمزها، فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة، وفيه: أن أبا ذر. قال: لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم، وأشار إلى عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (إني حدثته)، من بقية كلام حذيفة. قوله: (بالأغاليط)، جمع أغلوطة وهو ما يغالط به، يعني: حدثته حديثا صدقا محققا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا عن اجتهاد، ولا عن رأي. قوله: (فهبنا أن نسأله)، من كلام أبي وائل، أي: خفنا أن نسأل حذيفة وأمرنا مسروق بن الأجدع فسأله أي: فسأل مسروق حذيفة، ومسروق من كبار التابعين ومن أخصاء أصحاب حذيفة، وعبد الله بن مسعود وغيرهما من كبار الصحابة، وفي ذلك ما يدل على حسن تأدبهم مع كبارهم.

130
7853 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة. وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر حتى يقع فيه والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام. وليأتين علي أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله.
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن فيه إخبارا عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الأمور الآتية بعده، فوقعت من ذلك أشياء وستقع أخرى.
وأبو اليمان، بفتح الياء آخر الحروف: الحكم بن نافع، وأبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن.
وهذا الحديث يتضمن أربعة أحاديث أولها: قتال الترك، أورده من وجهين: أحدهما: قوله: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر). والآخر: قوله: (
وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه) إلى قوله: (المطرقة)! وقد مر هذان في كتاب الجهاد في: باب قتال الترك، و: باب الذين ينتعلون الشعر. الثاني: هو قوله: (وتجدون) إلى قوله: (فيه). قوله: (لهذا الأمر) أي: الإمارة والحكومة. الثالث: قوله: (والناس معادن) إلى قوله: (في الإسلام)، وقد مر هذا في: باب المناقب عن أبي هريرة عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة. الرابع: هو قوله: (وليأتين...) إلخ. ولنتكلم في بعض ألفاظه وإن كان مكررا لزيادة الفائدة.
قوله: في الحديث الأول: (تقاتلوا قوما نعالهم الشعر)، وفي الثاني: (تقاتلوا الترك)، وهما جنسان من الترك كثيران، وقيل: المراد من القوم الأكراد، فوصف الأول بأن نعالهم الشعر، وقيل: المراد تطول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال، وقيل: المراد أن نعالهم من شعر: بأن يجعلوها من شعر مضفور، وفي رواية لمسلم (يلبسون الشعور) وزعم ابن دحية: أن المراد القندس الذي يلبسونه في الشرابيش، قال: وهو جلد كلب الماء، ووصف الثاني بصغر العيون كأنها مثل خرق المسلة، وبحمرة الوجه كأن وجوههم مطلية بالصبغ الأحمر، وبذلافة الأنوف، فقال: (ذلف الأنوف) والذلف، بضم الذال المعجمة: جمع أذلف، وروي بالمهملة أيضا وهو: صغر الأنف مستوى الأرنبة، وقيل: الذلافة تشمير الأنف عن الشفة العليا، وجاء: فطس الأنوف، والفطاسة انفراش الأنف. قوله: (كالمجان)، وهو جمع: مجن، وهو الترس والمطرقة، بضم الميم وسكون الطاء وفتح الراء، وقال عياض: الصواب فيه المطرقة، بتشديد الراء، وذكر ابن دحية عن شيخه أبي إسحاق: أن الصواب سكون الطاء وفتح الراء، وهي التي أطرقت بالعقب أي: ألبست حتى غلظت فكأنها ترس على ترس، ومنه: طارقت النعل إذا ركبت جلدا على جلد وخرزته.
0953 حدثني يحيى حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين كأن وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر..
هذا طريق آخر من وجه آخر في حديث أبي هريرة، أخرجه عن يحيى بن موسى الذي يقال له: خت، أو هو يحيى بن جعفر البيكندي عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن همام بتشديد الميم: ابن منبه عن أبي هريرة.
قوله: (خوز) بضم الخاء المعجمة وبالزاي، قال الكرماني: خوز بلاد الأهواز، وتستر، (وكرمان) بفتح الكاف وكسرها، وهو المستعمل عند أهلها: هو بين خراسان وبحر الهند وبين عراق العجم وسجستان، والمعنى: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا أهل خوز وأهل كرمان. قوله: (من الأعاجم) يعني: هؤلاء الصنفين من الأعاجم، قيل: فيه إشكال لأن هؤلاء ليسوا من الترك، ورد بأنه: لا إشكال

131
فيه، لأن هذا الحديث غير حديث قتال الترك، ولا مانع من اشتراك الصنفين في الصفات المذكورة مع اختلاف الجنس. وقال الكرماني: هذان الإقليمان ليسوا على هذه الصفات، ثم قال: أما أن بعضهم كانوا بهذه الأوصاف في ذلك الوقت أو سيصيرون كذلك فيما بعد، وإما أنهم بالنسبة إلى العرب كالتوابع للترك، وقيل: إن بلادهم فيها موضع، يقال له: كرمان، وقيل ذلك لأنهم يتوجهون من هذين الموضعين. وقال الطيبي: لعل المراد بهما صنفان من الترك فإن أحد أصول أحدهما من خوز، وأحد أصول الآخر من كرمان. وقال ابن دحية: خوز، قيدناه في البخاري بالزاي، وقيده الجرجاني: خور كرمان بالراء المهملة مضاف إلى كرمان، وصوبه الدارقطني بالراء مع الإضافة، وحكاه عن الإمام أحمد، وقال غيره: تصحيف، وقيل: إذا أضيف خور، فبالمهملة لا غير، وإذا عطفت كرمان عليه فبالزاي لا غير. وفي (التلويح): هما جنسان من الترك، وكان أول خروج هذا الجنس متغلبا في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة فعاثوا في البلاد وأظهروا في الأرض الفساد، وخربوا جميع المدائن حتى بغداد، وربطوا خيولهم إلى سواري الجوامع، كما في الحديث، وعبروا الفرات وملكوا أرض الشام في مدة يسيرة، وعزموا على دخولهم إلى مصر، فخرج إليهم ملكها قطز المظفر، فالتقوا بعين جالوت فكان له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت، فانجلوا عن الشام منهزمين، ورأوا ما لم يشاهدوه منذ زمان ولا حين، وراحوا خاسرين أذلاء صاغرين، والحمد لله رب العالمين. ثم إنهم في سنة ثمان وتسعين ملك عليهم رجل يسمى غازان، زعم أنه من أهل الإيمان، ملك جملة من بلاد الشام وعاث جيشه فيها عيث عباد الأصنام، فخرج إليهم الملك الناصر محمد فكسرهم كسرا ليس معه انجبار، وتفلل جيش التتار، وذهب معظمهم إلى النار وبئس القرار. انتهى كلام صاحب (التلويح): قلت: هذا الذي ذكره ليس على الأصل والوجه، لأن هؤلاء الذين ذكرهم ليسوا من خوز ولا من كرمان، وإنما هؤلاء من أولاد جنكز خان، وكان ابتداء ملكه في سنة تسع وتسعين وخمسمائة ولم يزل في الترقي إلى أن صار يركب في نحو ثمان مائة مقاتل، وأفسد في البلاد وكان قد استولى على سمرقند وبخارى وخوارزم الذي كرسيها تبريز، والري وهمدان، ولم يكن هو دخل بغداد، وإنما خرب بغداد وقتل الخليفة هلاون بن طلوخان بن خرخان المذكور، وقتل الخليفة المستعصم بالله، وقتل من أهله وقرابته خلق كثير، وشعر بنصب الخلافة بعده، وكان قتله في سنة ست وخمسين وستمائة، ثم بعد ذلك توجه هلاون إلى حلب في سنة سبع وخمسين وستمائة ودخلها في أوائل سنة ثمان وخمسين وستمائة، وبقي السيف مبذولا ودم الإسلام ممطولا سبعة أيام ولياليها، وقتلوا من أهلها خلقا لا يحصون، وسبوا من النساء والذراري زهاء مائة ألف، ثم رحل هلاون من حلب ونزل على حمص وأرسل أكبر نوابه كتيعانو مع اثني عشر طومان، كل طومان عشرة آلاف إلى مصر ليأخذها، وكان صاحب مصر حينئذ الملك المظفر، فتجهز وخرج ومعه مقدار اثني عشر ألف نفس مقاتلين في سبيل الله، فتلاقوا على عين جالوت، فنصره الله تعالى على التتار وهزمهم بعون الله ونصرته يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان من سنة ثمان وخمسين وستمائة، وقتل كتيعانو في المعركة، وقتل غالب من معه، والذين هربوا قتلهم العرب في البراري والمفاوز. وقال صاحب (التوضيح) تابعا لصاحب (التلويح): إنه في سنة ثمانمائة وتسعين، ويسمى غازان إلى آخر ما ذكرناه عن قريب. قلت: هذا أيضا كلام فيه خباط، وهذا غازان، بالغين والزاي المعجمتين: يسمى أيضا قازان، بالقاف موضع الغين،
واسمه محمود، تولى مملكة جنكزخان في العراقين وما والاهما بعد بيدوش طرغاي بن هلاون، وكان قتل لسوء سيرته، وقازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون مات في سنة ثلاث وسبعمائة، والملك الناصر محمد بن قلاو لم يجتمع بقازان ولا حصلت بينهما الملاقاة ولا وقع بينهما حرب، نعم خرج الملك الناصر لأجل حركة قازان في سنة سبعمائة، ثم عاد لأجل الغلاء والشتاء المفرط والبرد الشديد الذي قتل غالب الغلمان والأتباع، ثم خرج في سنة ثنتين وسبعمائة لأجل حركة التتار، وحصل القتال بينه وبين قطلوشاه من أكبر أمراء قازان، فنصر الله تعالى الناصر، وانهزم التتار وعاد عسكر المسلمين منصورا، قوله: (فطس الأنوف) بضم الفاء، جمع: أفطس، وقد فسرناه عن قريب.

132
تابعه غيره عنه عن عبد الرزاق
أي: تابع غير يحيى شيخ البخاري في روايته عنه عن عبد الرزاق بن همام وأخرج هذه المتابعة إسحاق بن راهويه.
2953 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا جرير بن حازم سمعت الحسن يقول حدثنا عمرو بن تغلب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين يدي الساعة تقاتلون قوما ينتعلون الشعر وتقاتلون قوما كان وجوههم المجان المطرقة. (انظر الحديث 7292).
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن القتال مع قومين قبل أن يقع، وشئ من ذلك وقع، وشئ سيقع.
وهذا الحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب قتال الترك، عن أبي النعمان عن جرير بن حازم... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.

133
3953 حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. (انظر الحديث 5292).
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر سيقع، وهو أيضا من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم، وقد مضى نحوه في الجهاد في: باب قتال اليهود من حيث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر، والحكم، بفتح الكاف: هو أبو اليمان. قوله: (ثم يقول الحجر)، وروى: حتى يقول الحجر. قوله: (ورائي)، أي: أختفى خلفي.
4953 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو عن جابر عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يأتي على الناس زمان يغزون فيقال فيكم من صحب الرسول صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح عليهم ثم يغزون فيقال لهم هل فيكم من صحب من صحب الرسول صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم. (انظر الحديث 7982 وطرفه).
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وجابر هو ابن عبد الله الصحابي ابن الصحابي، يروي عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري. والحديث مضى في الجهاد في: باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، ومضى الكلام فيه هناك.
5953 حدثني محمد بن الحكم أخبرنا النضر أخبرنا إسرائيل أخبرنا سعد الطائي أخبرنا محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيىء الذين قد سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقولن ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم أعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلاى فينظر عن يمينه فلا يراى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم قال عدي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا النار ولو بشقة تمرة فمن لم يجد شقة تمرة فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسراى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه..
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في مطابقة الحديث السابق، ومحمد بن الحكم بالحاء المهملة والكاف المفتوحتين أبو عبد الله المروزي الأحول، وهو من أفراده، والنضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: ابن شميل بن حراشة أبو الحسن المازني

134
مات أول سنة أربع ومائتين، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وسعد أبو مجاهد الطائي وهو من أفراد البخاري، ومحل، بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام: ابن خليفة الطائي.
وفي هذا السند: التحديث بصيغة الجمع في موضع، والعنعنة في موضع. والباقي كله: أخبرنا، وإلى الآن لم يقع مثل هذا.
والحديث مضى في الزكاة في: باب الصدقة قبل الرد.
قوله: (الفاقة) أي: الفقر. قوله: (الحيرة) بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء: بلد معروف قديما مجاور الكوفة. قوله: (أنبئت)، على صيغة المجهول، أي: أخبرت. قوله: (الظعينة) بالظاء المعجمة: المرأة في الهودج، وهو في الأصل اسم الهودج. قوله: (حتى تطوف بالكعبة) وفي رواية أحمد: من غير جوار أحد. قوله: (فأين دعار طي)، بضم الدال المهملة وتشديد العين المهملة: جمع داعر، وهو الشاطر الخبيث المفسد الفاسق، والمراد: قطاع الطريق. وقال الجواليقي: والعامة يقولون بالذال المعجمة، والمعروف بالمهملة، وطيء: قبيلة مشهورة، واسمه: جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد
بن كهلان بن سبإ. قوله: (قد سعروا البلاد) أي: أوقدوا نار الفتنة في البلاد، وهو مستعار من: سعرت النار: إذا أوقدتها. قوله: (لتفتحن) على صيغة المجهول وبفتح اللام وتشديد النون. قوله: (كسرى) بكسر الكاف وفتحها: علم من ملك الفرس. قوله: (قال كسرى بن هرمز) أي: قال عدي مستفهما عنه، وإنما قال ذلك لعظمة كسرى في نفسه في ذلك الوقت. وقوله صلى الله عليه وسلم بذلك كان في زمنه. قوله: (لترين) على صيغة المعلوم باللام المفتوحة والنون المشددة، وهو خطاب لعدي: (والرجل) منصوب به. قوله: (يخرج) بضم الياء من الإخراج. قوله: (فلا يجد أحدا يقبله) لعدم الفقراء في ذلك الزمان، قيل: يكون ذلك في زمن عيسى، عليه الصلاة والسلام، وقيل: يحتمل أن يكون هذا إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، لما رواه البيهقي في (الدلائل) من طريق يعقوب بن سفيان بسنده إلى عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: إنما ولي عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهرا، لا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول: إجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما نبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيه فلا يجده، قد أغنى عمر الناس. وقال البيهقي: فيه تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم، رضي الله تعالى عنه. انتهى. قيل: هذا أرجح من الأول لقوله في الحديث: ولئن طالت بك حياة. قوله: (وليلقين) بفتح الياء آخر الحروف وباللام المفتوحة والنون المشددة ولفظة: الله، منصوبة به و: أحدكم، بالرفع فاعله. قوله: (وأفضل عليك) من الإفضال أي: ولم أفضل عليك منه. قوله: (ولو بشقة تمرة) بكسر الشين هذا رواية المستملي: بشقة، بالتاء في الموضعين، وفي رواية غيره، بشق تمرة، بدون التاء في: شق، وهو النصف. قوله: (ولئن طالت بكم...) إلى آخره، من كلام عدي بن حاتم.
حدثني عبد الله بن محمد حدثنا أبو عاصم أخبرنا سعدان بن بشر حدثنا أبو مجاهد حدثنا محل بن خليفة سمعت عديا كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم
عبد الله هو ابن محمد المعروف بالمسندي، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد أحد مشايخ البخاري، روى عنه هنا بالواسطة، وسعدان بن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: يقال اسمه سعيد وسعدان لقبه، وهو الجهني الكوفي، وليس له في البخاري ولا لشيخه ولا لشيخ شيخه غير هذا الحديث، وهو من أفراده، وهذا السند بهؤلاء الرجال وتحديثه قد مر في الزكاة في: باب الصدقة قبل الرد.
6953 حدثني سعيد بن شرحبيل حدثنا ل يث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرطكم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ولكن أخاف أن تنافسوا فيها..
مطابقته للترجمة تؤخذ من ثلاثة مواضع: من قوله: (إني والله لأنظر إلى حوضي) إلى آخره، ولا يخفى على الفطن ذلك،

135
وسعيد بن شرحبيل، بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وباللام: الكندي مات سنة ثنتي عشرة ومائتين، ويزيد هو من الزيادة وهو ابن أبي حبيب، وأبو الخير وهو مرثد بن عبد الله ورجال هذا الحديث كلهم مصريون.
وهذا الحديث قد مر في كتاب الجنائز في: باب الصلاة على الشهداء، فإنه أخرجه هناك: عن عبد الله بن يوسف عن الليث... إلى آخره نحوه.
قوله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما)، وفي بعض النسخ: عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما، قيل: حذف فيه لفظ: إنه. قلت: يكون تقديره عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه خرج، وقيل: هذه اللفظة تحذف كثيرا من الخط، ولا بد من التلفظ بها، قوله: (فرطكم)، بفتح الراء: وهو الذي يتقدم الواردة فيهيء لهم الإرشاد والدلاء ونحوها. قوله: (أعطيت مفاتيح خزائن الأرض)، وقال الكرماني: وفي بعضها: خزائن مفاتيح الأرض، والأول أظهر. قوله: (أن تنافسوا) أصله: أن تتنافسوا، فحذفت إحدى التائين من التنافس، وهو الرغبة في الشيء والانفراد به، وكذلك المنافسة.
7953 حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن أسامة رضي الله تعالى عنه قال أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من الآطام فقال هل ترون ما أرى إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم مواقع القطر.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبارا عن أمر مغيب على الناس، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وابن عيينة هو سفيان ابن عيينة.
والحديث قد مضى في أواخر الحج في: باب آطام المدينة، فإنه أخرجه هناك: عن علي عن سفيان إلى آخره.
قوله: (على أطم)، الأطم، يخفف ويثقل، والجمع: آطام، وهو: حصون لأهل المدينة، والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم أي: أنها لكثيرة وتعم الناس لا تختص بها طائفة. قال الكرماني: وهذا إشارة إلى الحروب الحادثة فيها كوقعة الحرة وغيرها.
8953 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان حدثتها عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول لا إلاه إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق بإصبعه وبالتي تليها فقالت زينب فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبارا عن أمر مغيب عن الناس، وقد شاهده هو، صلى الله عليه وسلم، وأبو اليمان الحكم بن نافع.
وفيه: ثلاث صحابيات، وهي: زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبي سلمة عبد الرحمن بن عبد الأسد، وأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، واسمها رملة بنت أبي سفيان، وزينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وفي مسلم: روى الحديث: زينب عن حبيبة عن أمها عن زينب، فاجتمعت فيه أربع صحابيات، وقد مضى الحديث في أحاديث الأنبياء في: باب قصة يأجوج ومأجوج، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فزعا) أي: خائفا مما أخبر به أنه يصيب أمته. قوله: (ويل)، كلمة تقال لمن وقع في هلكة ولا يترحم عليه، و: ويح، كلمة تقال لمن وقع في هلكة يترحم عليه. قوله: (للعرب)، يعني: للمسلمين، لأن أكثر المسلمين العرب ومواليهم. قوله: (من ردم يأجوج ومأجوج)، أي: من سدهم. قوله: (بإصبعه) أي: الإبهام، وقد صرح به في كتاب الأنبياء في: باب * (ويسألونك عن ذي القرنين) * (الكهف: 38). قوله: * (أنهلك وفينا الصالحون؟) * أرادت: أيقع الهلاك بقوم وفيهم من لا يستحق ذلك؟ (قال: نعم إذا كثر الخبث) أي: الزنا، وقيل: إذا عز الأشرار وذل الصالحون.

136
9953 وعن الزهري حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة قالت استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن وماذا أنزل من الفتن.
هو عطف على الزهري في الحديث السابق متصل به في الإسناد، وأورده مختصرا، وتمامه يأتي في الفتن عن أبي اليمان المذكور آنفا. قوله: (ماذا أنزل من الخزائن؟) قال الداودي: الخزائن الكنوز، والفتن ههنا: القتال الذي يكون بين المسلمين، وقيل: خزائن الله: علم غيوبه التي لا يعلمها إلا هو.
0063 حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة بن الماجشون عن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال قال لي إني أراك تحب الغنم وتتخذها فأصلحها وأصلح رعامها فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم يتبع بها شعف الجبال أو سعف الجبال. في مواقع القطر يفر بدينه من الفتن..
مطابقته للترجمة في قوله: (يأتي على الناس زمان...) إلى آخره، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبد العزيز بن أبي سلمة هو عبد العزيز ابن عبد الله بن أبي سلمة، واسم أبي سلمة دينار، والماجشون، بكسر الجيم وفتحها وضمها، قال الكرماني: وفي بعض النسخ عبد العزيز بن أبي سلمة بن الماجشون، بزيادة لفظة: ابن، بعد: أبي سلمة، والصواب عدمه، وجاز فيه ضم النون لأنه صفة لعبد العزيز، ويجوز كسرها لأنه صفة لأبي سلمة. قلت: وقال ابن سعد: يعقوب بن أبي سلمة هو الماجشون، فسمي بذلك هو وولده، فيعرفون جميعا بالماجشون، وسمي بذلك لأن وجنتيه كانتا حمراوان، فسمي بالفارسية: الما يكون فيه خمر، شبه وجنتاه بالخمر، فعربه أهل المدينة، فقالوا: الماجشون، ويعقوب بن أبي سلمة: هو عم عبد العزيز المذكور، وعبد الرحمن بن أبي صعصعة هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، ينسب إلى جده، وروايته لهذا الحديث عن أبيه لا عن أبي صعصعة. فافهم.
وأول الحديث مضى في: باب ذكر الجن وثوابهم، فإنه أخرجه هناك: عن قتيبة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
وقوله: (يأتي على الناس زمان...) إلى آخره، في: باب خير مال المسلم غنم، ولكن فيها بعض زيادة ونقص في المتن يعرف عند النظر. وقوله: (رعامها) بضم الراء وتخفيف العين المهملة، وهو: المخاط، يقال: شاة رعوم، بها ماء: يسيل من أنفها، الرعام، أي: نح الرعام منها، ويروى: رعاتها، جمع الراعي، نحو: القضاة والقاضي. قوله: (شعف الجبال) بالشين المعجمة. قوله: (أو سعف الجبال) بالسين المهملة، شك من الراوي، وهو جمع سعفة في رأس الجبل، والشك إما في حركة العين وسكونها، وإما في السين المهملة أو المعجمة، وهي غصن النخل، وقال ابن الأثير: غصن النخل إذا يبس يسمى سعفة، بالسين المهملة، وإذا كان رطبا فهي: شطبة، والشعف بالشين المعجمة رأس جبل من الجبال، ومنه قيل لأعلى شعر الرأس: شعفة.
1063 حدثنا عبد العزيز الأويسي حدثنا إبراهيم عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ومن يشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبارا عن فتن ستقع، وهذا من علامات النبوة، وعبد العزيز هو ابن عبد الله ابن يحيى أبو القاسم القرشي الأويسي، بضم الهمزة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره سين مهملة، نسبة

137
إلى أويس أحد أجداده، وهو من أفراده. وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
وفيه: ثلاثة من التابعين اثنان منهم مذكوران بالابن، والثالث بالكنية. والحديث أخرجه مسلم.
قوله: (فتن)، بكسر الفاء: جمع فتنة. قوله: (ومن يشرف)، بضم الياء آخر الحروف، من: الإشراف، وهو الانتصاب للشيء والتطلع إليه والتعرض له، ويروى: من تشرف على وزن تفعل من الماضي، وكذا في رواية مسلم. قوله: (تستشرفه)، أي: تغلبه وتصرعه، وقيل: هو من الإشراف على الهلاك، أي: تستهلكه، وقيل: من طلع لها بشخصه طالعته بشرفها. قوله: (ملجأ) أي: موضعا يلتجىء إليه فليعذ به، وهو أمر للغائب من عاذ به. قوله: (أو معاذا)، شك من الراوي، وهو بمعنى ملجأ أيضا.
وفيه: الحث على تجنب الفتن والهرب منها، وأن شرها يكون بحسب التعلق بها.
2063 وعن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الرحمان بن مطيع ابن الأسود عن نوفل بن معاوية مثل حديث أبي هريرة هذا إلا أن أبا بكر يزيد من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله.
هو بإسناد حديث أبي هريرة إلى الزهري، وشيخ الزهري هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي المدني الضرير، ويقال له: راهب قريش لكثرة صلاته، ويقال: اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن مطيع بن الأسود بن حارثة يكنى أبا عبد الله، وعبد
الرحمن هذا تابعي على الصحيح وذكره ابن حبان وابن منده في الصحابة، وأخوه عبد الله بن مطيع الذي ولي الكوفة مذكور في الصحابة، وعبد الرحمن هذا ليس له في البخاري إلا هذا الحديث، ونوفل بن معاوية بن عروة الكناني الديلي وهو من مسلمة الفتح، عاش إلى خلافة يزيد بن معاوية، ويقال: إنه جاوز المائة، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، وهو خال عبد الرحمن بن مطيع الراوي عنه.
والحديث أخرجه مسلم أيضا عن عمرو الناقد والحسن الحلواني وعبد بن حميد.
قوله: (مثل حديث أبي هريرة هذا)، أشار به إلى الحديث السابق الذي رواه أبو هريرة. قوله: (إلا أن أبا بكر)، أي: شيخ الزهري. قوله: (يزيد من الصلاة...) إلى آخره، قيل: يحتمل أن يكون زاده مرسلا، ويحتمل أن يكون بالإسناد المذكور عن عبد الرحمن بن مطيع. قوله: (من الصلاة)، المراد بها صلاة العصر، وقد صرح بذلك النسائي في روايته. قوله: (أهله وماله)، بالنصب فيهما وهو من وتره حقه أي: نقصه.
3063 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ستكون أثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم. (الحديث 3063 طرفه في: 2507).
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبارا عن الأمور التي ستقع، ورجاله قد ذكروا غير مرة، والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن مسدد، وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي سعيد الأشج وعن أبي كريب ومحمد بن عبد الله بن نمير وعن عثمان بن أبي شيبة، الكل عن الأعمش. وأخرجه الترمذي في الفتن عن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد به.
قوله: (أثرة)، بفتح الهمزة وفتح الثاء المثلثة، وبضم الهمزة وسكون الثاء أي: استبداد واختصاص بالأموال فيما حقه الاشتراك. قوله: (تؤدون الحق الذي عليكم)، قيل: المراد بالحق السمع والطاعة للأئمة ولا يخرج عليهم. قوله: (وتسألون الله الذي لكم...).

138
4063 حدثني محمد بن عبد الرحيم حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أبو أسامة حدثنا شعبة عن أبي التياح عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلك الناس هذا الحي من قريش قالوا فما تأمرنا قال لو أن الناس اعتزلوهم.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبارا عن المغيبات، ومحمد بن عبد الرحيم الملقب بصاعقة مر في الوضوء، وأبو معمر بفتح الميمين اسمه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي الهروي البغدادي مات سنة ست وثلاثين ومائتين، وهو أحد مشايخ البخاري ومسلم، وروى البخاري عنه ههنا بواسطة، وهو صاعقة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وأبو أسامة حماد ابن أسامة، وأبو التياح، بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف: واسمه يزيد بن حميد الضبعي مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وأبو التياح لقبه وكنيته أبو حماد، وأبو زرعة، بضم الزاي وسكون الراء: اسمه هرم بن عمرو بن حريز بن عبد الله البجلي.
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أحمد بن إبراهيم الدورقي.
قوله: (يهلك)، بضم الياء من الإهلاك، (والناس) بالنصب مفعوله. وقوله: (هذا الحي) بالرفع فاعله، يعني: بسبب وقوع الفتن والحروب بينهم يتخبط أحوال الناس. قوله: (لو أن الناس)، جزاؤه محذوف تقديره: لكان خيرا، ونحو ذلك، ويجوز أن تكون: لو، للتمني فلا تحتاج إلى جواب.
قال محمود حدثنا أبو داود أخبرنا شعبة عن أبي التياح سمعت أبا زرعة
محمود بن غيلان هو أحد مشايخ البخاري المشهورين، وأبو داود سليمان الطيالسي، ولم يخرج له البخاري إلا استشهادا وأراد بذلك تصريح أبي التياح بسماعه من أبي زرعة.
5063 حدثنا أحمد بن محمد المكي حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده قال كنت مع مروان وأبي هريرة فسمعت أبا هريرة يقول سمعت الصادق المصدوق يقول هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش فقال مروان غلمة قال أبو هريرة إن شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن محمد بن الوليد أبو محمد الأزرقي المكي، ويقال: الزرقي المكي، وعمرو بن يحيى ابن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أبو أمية القرشي، سمع جده سعيد بن عمرو أبا عثمان القرشي الكوفي، وروى له مسلم أيضا إلا أن ابن ابنه عمرو من أفراد البخاري، وكذلك أحمد بن محمد من أفراده.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن موسى بن إسماعيل.
قوله: (الصادق في نفسه)، والمصدوق من عند الله والمصدق من عند الناس. قوله: (غلمة)، بكسر الغين: جمع غلام جمع قلة، والغلام الطار الشارب، وقال بعضهم: قال الكرماني: تعجب مروان من وقوع ذلك من غلمة، فأجابه أبو هريرة: إن شئت صرحت بأسمائهم. انتهى. وكأنه غفل عن الطريق المذكورة في الفتن فإنها ظاهرة في أن مروان لم يوردها مورد التعجب، فإن لفظه هناك، فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فظهر أن في هذه الطريق اختصارا. انتهى. قلت: لا مانع من تعجبه من ذلك مع لعنه عليهم، فلا وجه لنسبته إلى التغفل. قوله: (إن شئت)، خطاب لمروان، ويروى: إن شئتم، خطاب له ولمن كان معه، أو يكون له للتعظيم.
6063 حدثنا يحيى بن موساى حدثني الوليد قال حدثني الوليد قال حدثني ابن جابر قال حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي قال حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر

139
مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن
قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا فقال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
مطابقته للترجمة ظاهرة، مثل الذي ذكرناه فيما قبل. و يحيى بن موسى بن عبد ربه السختياني البلخي الذي يقال له: خت، بفتح الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق، و الوليد هو ابن مسلم القرشي الأموي أبو العباس الدمشقي، و ابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر مر في الصلاة، وبسر، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة: ابن عبيد الله، بضم العين مصغر الحضرمي بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة، وأبو إدريس اسمه عائذ الله، بالعين المهملة وبالذال المعجمة: من العوذ ابن عبد الله الخولاني، وهؤلاء الأربعة شاميون.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن أبي موسى محمد بن المثنى به. وأخرجه مسلم، قال المزي في الفتن: وليس كذلك، وإنما أخرجه في كتاب الإمارة والجماعة عن محمد بن المثنى به. وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن علي بن محمد ببعضه.
قوله: (مخافة)، نصب على التعليل وكلمة: أن مصدرية. قوله: (دخن)، بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة: وهو الدخان، والمعنى: ليس خيرا خالصا، ولكن يكون معه شوب وكدورة بمنزلة الدخان في النار، وقيل: الدخن الأمور المكروهة، قاله ابن فارس، وقال صاحب (العين): الدخن الحقد، وقال أبو عبيد: تفسيره في الحديث الآخر، وهو قوله: لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه، وفي (الجامع): هو فساد في القلب وهو مثل الدغل، وقال النووي: المراد من الدخن أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء. قوله: (بغير هدي)، بالتنوين، ويروى بغير هدى، بضم الهاء وتنوين الدال، ويروى: بغير هديي، بإضافة الهدي إلى ياء المتكلم. قوله: (تعرف منهم وتنكر)، قال القاضي عياض: الخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزيز، والذي يعرف منهم وينكر الأمراء بعده، ومنهم من يدعو إلى بدعة أو ضلالة كالخوارج ونحوهم. قوله: (دعاة)، بضم الدال: جمع داع. قوله: (من جلدتنا)، قال الكرماني: أي من العرب، وقال الخطابي: أي من أنفسنا وقومنا، والجلد غشاء البدن واللون إنما يظهر فيه، وقال الداودي: من بني آدم، وقال الشيخ أبو الحسن: أراد أنهم في الظاهر مثلنا معنا، وفي الباطن مخالفون لنا في أمورهم، وجلدة الشيء ظاهره. قوله: (ولو أن تعض) أي: ولو كان الاعتزال بأن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك العض بالأسنان، وهو من باب عضض يعضض مثل: مس يمس، ومنه قوله تعالى: * (ويوم يعض الظالم على يديه) * (الفرقان: 72). فأدغمت الضاد في الضاد، فصار: عض يعض، وحكى القزاز ضم العين في المضارع مثل: شد يشد. قوله: (وأنت على ذلك)، الواو فيه للحال.
7063 حدثني محمد بن المثنى قال حدثني يحيى بن سعيد عن إسماعيل حدثني قيس عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر. (انظر الحديث 6063 وطرفه).
هذا طريق آخر من حديث حذيفة أخرجه محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي الكوفي عن قيس بن أبي حازم عنه.
قوله: (تعلم)، على وزن تفعل، ماض من التعلم. (وأصحابي) فاعله (والخير) بالنصب مفعوله، (وتعلمت) من باب التفعل أيضا أي: وتعلمت أنا الشر، والمعنى: أصحابي كانوا يسألون عن أبواب الخير ويتعلمون الخير، وإنا كنت

140
أخاف على نفسي من إدراك الشر، وتعلمت من ذلك ما يجلب الخير ويدفع الشر.
8063 حدثنا الحكم بن نافع حدثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعواهما واحدة..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه إخبارا عن الغيب.
قوله: (فئتان)، بكسر الفاء بعدها همزة مفتوحة تثنية: فئة، وهي الجماعة. قال بعضهم: المراد بهما من كان مع علي ومعاوية لما تحاربا بصفين. قوله: (دعواهما) أي: دينهما واحد، لأن كلا منهما كان يتسمى بالإسلام أو المراد: أن كلا منهما كان يدعي أنه المحق، وذلك أن عليا، رضي الله تعالى عنه، كان إذ ذاك إمام المسلمين وأفضلهم يومئذ باتفاق أهل السنة، ولأن أهل الحل والعقد بايعوه بعد قتل عثمان، رضي الله تعالى عنه، وتخلف عن بيعته أهل الشام، وقال الكرماني: دعواهما واحدة، أي: يدعي كل منهما أنه على الحق وخصمه مبطل، ولا بد أن يكون أحدهما مصيبا والآخر مخطئا، كما كان بين علي ومعاوية، وكان علي، رضي الله تعالى عنه، هو المصيب ومخالفه مخطىء معذور في الخطأ، لأنه بالاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر). انتهى. وفيه نظر، وهو موضع التأمل، بل الأحسن السكوت عن ذلك.
113 - (حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
قال لا تقوم الساعة حتى يقتتل فتيان فيكون بينهما مقتلة عظيمة دعواها واحدة ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله)
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة المذكور وفيه زيادة وهي قوله تكون بينهما مقتلة عظيمة وقوله ولا تقوم الساعة حتى يبعث إلى آخره قوله مقتلة عظيمة المقتلة بفتح الميم مصدر ميمي أي قتل عظيم فإن كان المراد من الفئتين فئة علي وفئة معاوية كما زعموا فقد قتل بينهما وحكى ابن الجوزي في المنتظم عن أبي الحسن البراء قال قتل بصفين سبعون ألفا خمسة وعشرون ألفا من أهل العراق وخمسة وأربعون ألفا من أهل الشام فمن أصحاب أمير المؤمنين علي خمسة وعشرون بدريا وكان المقام بصفين
مائة يوم وعشرة أيام وكانت فيه تسعون وقعة وحكى عن ابن سيف أنه قال أقاموا بصفين تسعة أو سبعة أشهر وكان القتال بينهم سبعين زحفا قال وقال الزهري بلغني أنه كان يدفن في القبر الواحد خمسون رجلا قوله حتى يبعث على صيغة المجهول أي حتى يخرج ويظهر وليس المراد بالبعث الإرسال المقارن للنبوة بل هو كقوله تعالى إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين قوله دجالون جمع دجال واشتقاقه من الدجل وهو التخليط والتمويه ويطلق على الكذب فعلى هذا قوله كذابون تأكيد قوله ' قريبا ' نصب على الحال من النكرة الموصوفة ووقع في رواية أحمد قريب بالرفع على أنه صفة بعد صفة قوله من ثلاثين أي ثلاثين نفسا كل واحد منهم يزعم أنه رسول الله وعد منهم عبد الله بن الزبير ثلاثة وهم مسيلمة والأسود العنسي والمختار رواه أبو يعلى في مسنده بإسناد حسن عن عبد الله بن الزبير بلفظ لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسي والمختار (قلت) ومنهم طليحة بن خويلد وسجاح التميمية والحارث الكذاب وجماعة في خلافة بني العباس وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقا فإنهم لا يحصون كثرة لكون غالبهم من نشأة جنون أو سوداء غالبة وإنما المراد من كانت له شوكة وسول لهم الشيطان بشبهة قلت خرج مسيلمة باليمامة والأسود باليمن في آخر زمن النبي
وقتل الأسود قبل أن يموت النبي
وقتل مسيلمة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وخرج طليحة في خلافة أبي بكر ثم تاب ومات على الإسلام على الصحيح في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وقيل أن سجاح تابت والمختار بن عبيد الله الثقفي غلب على الكوفة في أول خلافة ابن الزبير

141
ثم ادعى النبوة وزعم أن جبريل عليه الصلاة والسلام يأتيه وقتل في سنة بضع وستين والحارث خرج في خلافة عبد الملك بن مروان فقتل
114 - (حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال بينما نحن عند رسول الله
وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس * قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله
وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي
الذي نعته)
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وفي استتابة المرتدين عن عبد الله بن محمد وفي فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن المثنى به وعن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وأحمد بن عبد الرحمن وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجة في السنة عن أبي بكر بن أبي شيبة
(ذكر معناه) الكلام في بينما قد مر غير مرة قوله وهو يقسم الواو فيه للحال قوله أتاه ذو الخويصرة بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وكسر الصاد المهملة وبالراء وفي تفسير الثعلبي بينا رسول الله
يقسم غنائم هوازن جاءه ذو الخويصرة التميمي أصل الخوارج فقال اعدل قال هذا غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وقال ابن الأثير في كتاب الأذواء ذو الخويصرة رجل صحابي من بني تميم وهو الذي قال للنبي
في قسم قسمه اعدل انتهى ولما ذكره السهيلي عقبه بقوله ويذكر عن الواقدي أنه حرقوص بن زهير الكعبي من سعد تميم وكان لحرقوص هذا مشاهد كثيرة مشهورة محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر رضي الله تعالى عنه ثم صار خارجيا قال وليس ذو الخويصرة هذا هو ذو الثدية الذي قتله علي رضي الله تعالى عنه بالنهروان ذاك اسمه نافع ذكره أبو داود وقيل المعروف أن ذا الثدية اسمه حرقوص وهو الذي حمل على علي رضي الله تعالى ليقتله فقتله علي رضي الله تعالى عنه قوله ' قد خبت ' بلفظ المتكلم وبالخطاب أي خبت أنت لكونك تابعا ومقتديا لمن لا يعدل والفتح أشهر وأوجه قوله ' فقال عمر ' أي ابن الخطاب وقال في موضع آخر فقال خالد بن الوليد ائذن لي في قتله ولا مانع أن يكون كل منهما استأذن في ذلك قوله ' فإن له أصحابا ' الفاء فيه ليس للتعليل في ترك القتل في كون الأصحاب له وإن استحق

142
القتل بل لتعقيب الأخبار أي قال دعه ثم عقب مقالته بقصتهم وغاية ما في الباب أن حكمه حكم المنافق وكان رسول الله
لا يقتلهم لئلا يقال أن محمدا
يقتل أصحابه قوله ' لا يجاوز تراقيهم ' التراقي جمع ترقوة وهو عظم واصل ما بين ثغرة النحر والعاتق وفي رواية ' لا يجاوز حناجرهم ' قوله ' يمرقون ' من المروق وهو الخروج وإن كان المراد بالدين الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج وإن كان المراد الطاعة لا يكون فيه حجة وإلى هذا مال الخطابي قوله ' من الرمية ' على وزن فعيلة بمعنى مفعولة وهو الصيد المرمي شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه من شدة سرعة خروجه لقوة الرامي لا يعلق من جسد الصيد بشيء قوله ' إلى نصله ' وهو حديدة السهم قوله ' إلى رصافه ' بكسر الراء وبالصاد المهملة ثم بالفاء وهو العصب الذي يلوى فوق مدخل النصل والرصاف جمع رصفة بالحركات الثلاث قوله ' إلى نضيه ' بفتح النون وحكى ضمها وبكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف وفد فسره في الحديث بالقدح بكسر القاف وسكون
الدال المهملة وهو عود السهم قبل أن يراش وينصل وقيل هو ما بين الريش والنصل قاله الخطابي وقال ابن فارس سمي بذلك لأنه يرى حتى عاد نضوا أي هزيلا وحكى الجوهري عن بعض أهل اللغة أن النضي النصل والأول أولى قوله ' إلى قذذه ' بضم القاف وبذالين معجمتين الأولى مفتوحة وهو جمع قذة وهي واحدة الريش الذي على السهم يقال أشبه به من القذة بالقذة لأنها تحذى على مثال واحد قوله ' قد سبق الفرث ' أي قد سبق السهم بحيث لم يتعلق به شيء من الفرث والدم ولم يظهر أثرهما فيه والفرث السرجين ما دام في الكرش ويقال الفرث ما يجتمع في الكروش مما تأكله ذوات الكروش وقال القاضي يعني نفذ السهم في الصيد من جهة أخرى ولم يتعلق شيء منه به قوله ' آيتهم ' أي علامتهم قوله ' أو مثل البضعة ' بفتح الباء الموحدة أي مثل قطعة اللحم قوله ' تدردر ' بدالين وراءين مهملات أي تضطرب وهو فعل مضارع من الدردرة وهو صوت إذا اندفع سمع له اختلاط وقيل تدردر تجيء وتذهب ومنه دردر الماء قوله ' على خير فرقة ' بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء أي على أفضل فرقة أي طائفة وهذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره على حين فرقة بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف ثم نون وفرقة بضم الفاء على هذه الرواية أي على زمان فرقة أي افتراق وقال القاضي خير فرقة أي أفضل طائفة هم علي رضي الله تعالى عنه وأصحابه وخير القرون وهو الصدر الأول قوله ' فالتمس ' على صيغة المجهول أي فطلب قوله ' على نعت النبي
أي على وصفه الذي وصفه والفرق بين الصفة والنعت هو أن النعت يكون بالحلية نحو الطويل والقصير والصفة بالأفعال نحو خارج وضارب فعلى هذا لا يقال الله منعوت بل يقال موصوف وقيل النعت ما كان لشيء خاص كالعرج والعمى والعور لأن ذلك يخص موضعا من الجسد والصفة ما لم تكن لشيء مخصوص كالعظيم والكريم (قلت) فلذلك قال أبو سعيد رحمه الله تعالى هنا على نعت النبي
فافهم فإن فيه دقة * -
0163 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر يا رسول الله إئذن لي فيه فأضرب عنقه فقال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وفي استتابة المرتدين عن عبد الله بن محمد وفي فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف. وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن المثنى به وعن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وأحمد بن عبد الرحمن، وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن أبي بكر بن أبي شيبة.
ذكر معناه: الكلام في: بينما، قد مر غير مرة. قوله: (وهو يقسم) الواو فيه للحال. قوله: (أتاه ذو الخويصرة) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وكسر الصاد المهملة وبالراء، وفي (تفسير الثعلبي): بينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقسم غنائم هوازن، جاءه ذو الخويصرة التميمي أصل الخوارج، فقال: إعدل. قال: هذا غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد، وقال ابن الأثير في (كتاب الأدواء): ذو الخويصرة رجل صحابي من بني تميم، وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم، في قسم قسمه: إعدل. انتهى. ولما ذكره السهيلي عقبه بقوله: ويذكر عن الواقدي: أنه حرقوص بن زهير الكعبي من سعد تميم، وكان لحرقوص هذا مشاهد كثيرة مشهورة محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر، رضي الله تعالى عنه، ثم صار خارجيا. قال: وليس ذو الخويصرة هذا هو ذو الثدية الذي قتله علي، رضي الله تعالى عنه، بالنهروان، ذاك اسمه نافع، ذكره أبو داود، وقيل: المعروف أن ذا الثدية اسمه حرقوص، وهو الذي حمل على علي، رضي الله تعالى عنه، ليقتله فقلته علي، رضي الله تعالى عنه. قوله: (قد خبت)، بلفظ المتكلم وبالخطاب أي: خبت أنت لكونك تابعا ومقتديا لمن لا يعدل، والفتح أشهر وأوجه. قوله: (فقال عمر)، أي: ابن الخطاب، وقال في موضع آخر، فقال خالد بن الوليد: إئذن لي في قتله، ولا مانع أن يكون كل منهما استأذن في ذلك. قوله: (فإن له أصحابا) الفاء فيه ليس للتعليل في ترك القتل في كون الأصحاب له، وإن استحق القتل، لتعقيب الأخبار أي: قال دعه ثم عقب مقالته بقصتهم وغاية ما في الباب أن حكمه حكم المنافق، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم لا يقتلهم لئلا يقال: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه. قوله: (لا يجاوز تراقيهم)، التراقي جمع ترقوة، وهو عظم واصل ما بين ثغرة النحر والعاتق، وفي رواية: (لا يجاوز حناجرهم). قوله: (يمرقون)، من المروق وهو الخروج، وإن كان المراد بالدين الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج، وإن كان المراد الطاعة لا يكون فيه حجة، وإلى هذا مال الخطابي. قوله: (من الرمية)، على وزن فعيلة بمعنى مفعولة وهو الصيد المرمي، شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه من شدة سرعة خروجه لقوة الرامي، لا يعلق من جسد الصيد بشيء. قوله: (إلى نصله)، وهو حديدة السهم. قوله: (إلى رصافه)، بكسر الراء وبالصاد المهملة ثم بالفاء: وهو العصب الذي يلوى فوق مدخل النصل، والرصاف جمع رصفة بالحركات الثلاث. قوله: (إلى نضيه)، بفتح النون وحكي ضمها وبكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف، وقد فسره في الحديث: بالقدح، بكسر القاف وسكون الدال المهملة: وهو عود السهم قبل أن يراش وينصل، وقيل: هو ما بين الريش والنصل، قاله الخطابي، وقال ابن

143
فارس: سمي بذلك لأنه يرى حتى عاد نضوا أي: هزيلا، وحكى الجوهري عن بعض أهل اللغة: أن النضي النصل، والأول أولى. قوله: (إلى قذذه)، بضم القاف وبذالين معجمتين الأولى مفتوحة، وهو جمع قذة وهي واحدة الريش الذي على السهم، يقال: أشبه به من القذة بالقذة، لأنها تحذى على مثال واحد. قوله: (قد سبق الفرث)، أي: قد سبق السهم بحيث لم يتعلق به شيء من الفرث والدم ولم يظهر أثرهما فيه، والفرث السرجين ما دام في الكرش، ويقال: الفرث ما يجتمع في الكروش مما تأكله ذوات الكروش، وقال القاضي: يعني نفذ السهم في الصيد من جهة أخرى ولم يتعلق شيء منه به. قوله: (آيتهم)، أي: علامتهم. قوله: (أو مثل البضعة)، بفتح الباء الموحدة أي: مثل قطعة اللحم. قوله: (تدردر) بدالين وراءين مهملات، أي: تضطرب، وهو فعل مضارع من الدردرة، وهو صوت إذا اندفع سمع له اختلاط. وقيل: تدردر تجيء وتذهب، ومنه دردر الماء. قوله: (على خير فرقة)، بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء: أي: على أفضل فرقة، أي: طائفة، وهذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: على حين فرقة، بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف ثم نون، وفرقة، بضم الفاء على هذه الرواية أي: على زمان فرقة أي: افتراق، وقال القاضي: خير فرقة، أي: أفضل طائفة هم علي، رضي الله تعالى عنه، وأصحابه، وخير القرون وهو الصدر الأول. قوله: (فالتمس)، على صيغة المجهول أي: فطلب قوله: (على نعت النبي صلى الله عليه وسلم) أي: وصفه الذي وصفه، والفرق بين الصفة والنعت هو أن النعت يكون بالحلية، نحو: الطويل والقصير، والصفة بالأفعال نحو: خارج وضارب، فعلى هذا لا يقال: الله منعوت، بل يقال: موصوف، وقيل: النعت ما كان لشيء خاص: كالعرج والعمى والعور، لأن ذلك يخص موضعا من الجسد، والصفة ما لم تكن لشيء مخصوص: كالعظيم والكريم. قلت: فلذلك قال أبو سعيد، رحمه الله تعالى، هنا: على نعت النبي صلى الله عليه وسلم، فافهم، فإن فيه دقة.
1163 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال قال علي رضي الله تعالى عنه إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر من السماء أحب إلى من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يأتي في آخر االزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسفيان هو ابن عيينة، والأعمش هو سليمان، وخيثمة، بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف

143
وفتح الثاء المثلثة: ابن عبد الرحمن الجعفي الكوفي، ورث مائتي ألف وأنفقها على أهل العلم، وسويد، بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف: ابن غفلة، بفتح الغين المعجمة والفاء، وقد مر في أول كتاب اللقطة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن عن محمد بن كثير عن سفيان أيضا وفي استتابة المرتدين عن عمر بن حفص، وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن عبد الله بن نمير وأبي سعيد الأشج وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عثمان بن أبي شيبة وأبي بكر بن أبي كريب وزهير وعن أبي بكر بن نافع ومحمد بن أبي بكر، الكل عن الأعمش عن خيثمة وأخرجه أبو داود في السنة عن محمد بن كثير. وأخرجه النسائي في المحاربة عن محمد بن بشار، ولم يذكر صدر الحديث.
قوله: (فلإن أخر) من الخرور وهو الوقوع والسقوط، قوله: (خدعة) بفتح الخاء المعجمة وضمها وكسرها، والظاهر إباحة الكذب في الحرب، لكن الاقتصار على التعريض أفضل. قوله: (حدثاء الأسنان) أي: الصغار، وقد يعبر عن السن بالعمر، والحدثاء جمع: حديث السن، وكذا يقال: غلمان حدثان بالضم، قوله: (سفهاء الأحلام) أي: ضعفاء العقول، والسفهاء جمع سفيه وهو خفيف العقل. قوله: (يقولون من قول خير البرية) أي: من السنة، وهو قول محمد صلى الله عليه وسلم خير الخليقة، قال الكرماني: ويروى: من خير قول البرية، أي: من القرآن، ويحتمل أن تكون الإضافة من باب ما يكون المضاف داخلا في المضاف إليه، وحينئذ يراد به السنة لا القرآن، هو كما قال الخوارج: لا حكم إلا لله، في قضية التحكيم، وكانت كلمة حق ولكن أرادوا بها باطلا. قوله: (يمرقون) أي: يخرجون وقد مر عن قريب. قوله: (حناجرهم) جمع حنجرة وهي رأس الغلصمة حيث تراه ناتئا من خارج الحلق. قوله: (فإن قتلهم أجر لمن قتلهم) هذا هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم، وإنما كان الأجر في قتلهم لأنهم يشغلون عن الجهاد ويسعون بالفساد لافتراق كلمة المسلمين.
2163 حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو القطان وإسماعيل بن أبي خالد، وقيس بن أبي حازم البجلي، وخباب، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى: ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وبالتاء المثناة من فوق، كان سادس ستة في الإسلام مات بالكوفة، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن مسدد وفي مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، عن الحميدي. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عمرو بن عون وعن خالد بن عبد الله. وأخرجه النسائي في العلم عن عبدة ابن عبد الرحمن وفي الزينة عن يعقوب بن إبراهيم وابن المثنى ببعضه.
قوله: (وهو متوسد) والواو فيه للحال (وبردة) منصوبة به وهي نوع من الثياب معروف، وكذلك البرد. قوله: (ألا تستنصر) أي: ألا تطلب النصرة من الله لنا على الكفار، وهذا بيان لقوله: شكونا، وكلمة: ألا في الموضعين للحث والتحريض. قوله: (بالمنشار) بكسر الميم وسكون النون: وهو آلة نشر الخشب، ويقال
أيضا: الميشار، بالياء آخر الحروف الساكنة موضع النون، من نشرت الخشبة إذا قطعتها. قوله: (ما دون لحمه)، أي: تحت لحمه أو عند لحمه. قوله: (ليتمن)، بفتح اللام وبالنون الثقيلة. قوله: (من صنعاء إلى حضرموت)، قال الكرماني: وصنعاء بفتح الصاد المهملة، وسكون النون وبالمد: قاعدة اليمن ومدينته العظمى، و: حضرموت، بفتح الحاء المهملة وسكون المعجمة وفتح الراء والميم: بلدة أيضا باليمن، وجاز في مثله بناء الإسمين وبناء الأول وإعراب الثاني. فإن قلت: لا مبالغة فيه لأنهما بلدان متقاربان.

144
قلت: الغرض بيان انتفاء الخوف من الكفار على المسلمين، ويحتمل أن يراد بها صنعاء الروم أو صنعاء دمشق: قرية في جانبها الغربي في ناحية الربوة. قال الجوهري: حضرموت اسم قبيلة أيضا. انتهى كلامه. قلت: قال ياقوت في (المشترك): صنعاء اليمن أعظم مدنها وأجلها تشبه دمشق في كثرة البساتين والمياه، وصنعاء قرية على باب دمشق من ناحية باب الفراديس واتصلت حيطانها بالعقبية وهي محلة في ظاهر دمشق. قلت: قوله لأنهما بلدان متقاربان، وليس كذلك، لأن بين عدن وصنعاء ثلاث مراحل، وبين حضرموت والشحر أربعة أيام، وبينه وبين عدن مسافة بعيدة، فعلى هذا يكون بين صنعاء وحضرموت أكثر من أربعة أيام. قوله: (أو الذئب) عطف على الاسم الأعظم، وإن أحتمل أن يعطف على المستثنى منه المقدر. قوله: (ولكنكم تستعجلون) وحاصل المعنى: لا تستعجلوا فإن من كان قبلكم قاسوا ما ذكرنا فصبروا، وأخبرهم الشارع بذلك ليقوى صبرهم على الأذى.
3163 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أزهر بن سعد حدثنا ابن عون قال أنبأنا موسى ابن أنس عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال ما شأنك فقال شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا فقال موسى بن أنس فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة. (الحديث 3163 طرفه في: 6484).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة)، لأن هذا أمر لا يطلع عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعيش حميدا ويموت شهيدا، فلما كان يوم اليمامة ثبت حتى قتل، وروى ابن أبي حاتم في (تفسيره): من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس، وفي قصة ثابت بن قيس، فقال في آخرها: قال أنس: قلنا: نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف، فأقبل وقد تكفن وتحنط فقاتل حتى قتل.
ذكر رجاله وهم خمسة: علي بن عبد الله المعروف بابن المديني. وأزهر، بفتح الهمزة وسكون الزاي: ابن سعد الباهلي السمان البصري مات سنة ثلاث ومائتين. وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون المزني البصري. وموسى بن أنس بن مالك قاضي البصرة، وأنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه.
ذكر معناه: قوله: (أنبأنا موسى بن أنس)، ووقع في رواية أبي عوانة ورواية عبد الله بن أحمد عن ابن عون عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بدل موسى بن أنس، وأخرجه أبو نعيم عن الطبراني عنه، وقال: لا أدري ممن الوهم. وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون عن موسى بن أنس قال: لما نزلت: * (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) * (الحجرات: 2). قعد ثابت بن قيس في بيته... الحديث، وهذا صورته مرسل إلا أنه يقوي أن الحديث لابن عون عن موسى لا عن ثمامة. قوله: (افتقد ثابت بن قيس)، وقيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك، وهو الأغر بن ثعلبة بن كعب ابن الخزرج، وكان خطيب الأنصار وخطيب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أنه قتل باليمامة شهيدا. قوله: (فقال رجل)، قيل: هو سعد بن معاذ، لما روى مسلم من وجه آخر من طريق حماد عن ثابت عن أنس، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، سعد بن معاذ، فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت؟ اشتكى؟ فقال سعد: إنه لجاري وما علمت له شكوى، فإن قلت: الآية المذكورة نزلت في سنة الوفود بسبب الأقرع بن حابس وغيره، وكان ذلك في سنة تسع، وسعد بن معاذ مات قبل ذلك في بني قريظة، وذلك في سنة خمس؟ قلت: أجيب عن ذلك بأن الذي نزل في قصة ثابت مجرد رفع الصوت، والذي نزل في قصة الأقرع أول السورة، وهو قوله: * (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * (الحجرات: 1). وقيل: الرجل المذكور هو سعد بن عبادة لما روى ابن المنذر في (تفسيره) من طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن أنس في هذه القصة، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله هو جاري.. الحديث،

145
قيل: هو أشبه بالصواب، لأن سعد بن عبادة من قبيلة ثابت بن قيس، فهو أشبه أن يكون جاره من سعد بن معاذ لأنه من قبيلة أخرى. قوله: (أنا أعلم لك)، هكذا رواية الأكثرين، وقال الكرماني: كلمة ألا، للتنبيه أو تكون الهمزة في: ألا للاستفهام وفي بعضها: أنا أعلم. قلت: كأن النسخ التي وقعت عندهم ألا أعلم، موضع: أنا أعلم، فلذلك قال كلمة: ألا، للتنبيه، أو تكون الهمزة في ألا للاستفهام، ثم أشار إلى رواية الأكثرين، وهي: أنا أعلم، بقوله: وفي بعضها أنا أعلم قوله: (لك) أي: لأجلك. قوله: (علمه) أي: خبره. قوله: (فأتاه) أي: فأتى الرجل المذكور ثابت بن قيس فوجده جالسا في بيته. وقوله: (جالسا ومنكسا) حالان مترادفان أو متداخلان، (ورأسه) منصوب بقوله: منكسا. قوله: (ما شأنك) أي: ما حالك؟ قوله: (فقال: شر) أي: فقال ثابت حالي شر. قوله: (كان يرفع صوته) هذا التفات ومقتضى الحال إن يقول: كنت أرفع صوتي، ولكنه التفت من الحاضر إلى الغائب، قوله: (فقد حبط عمله) أي: بطل، وكان القياس فيه أيضا أن يقول؛ فقد حبط عملي، وكذا قوله: (وهو من أهل النار) والقياس فيه: وأنا من أهل النار. قوله: (فأتى الرجل فأخبره) أي: فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا، وكان ثابت لما نزلت * (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) * (الحجرات: 2). جلس في بيته وقال: أنا من أهل النار، وفي رواية لمسلم: فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا. قوله: (فقال موسى بن أنس)، وهو الراوي المذكور عن أبيه أنس. قوله: (فرجع المرة
الآخرة) أي: فرجع الرجل المذكور، ويروى: المرة الأخرى، قوله: (ببشارة) بضم الباء وكسرها والكسر أشهر، وهي: الخبر السار سميت بذلك لأنها تظهر طلاقة الإنسان وفرحه. قوله: (فقال: إذهب إليه) بيان البشارة أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل المذكور، إذهب إلى ثابت بن قيس فقل له... إلى آخره. فإن قلت: فيه زيادة العدد على المبشرين بالجنة. قلت: التخصيص بالعدد لا ينافي الزائد، أو المراد بالعشرة الذين بشروا بها دفعة واحدة، أو بلفظ البشارة، وكيف لا والحسن والحسين وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الجنة قطعا؟ ونحوهم.
2163 حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو القطان وإسماعيل بن أبي خالد، وقيس بن أبي حازم البجلي، وخباب، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى: ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وبالتاء المثناة من فوق، كان سادس ستة في الإسلام مات بالكوفة، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن مسدد وفي مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، عن الحميدي. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عمرو بن عون وعن خالد بن عبد الله. وأخرجه النسائي في العلم عن عبدة ابن عبد الرحمن وفي الزينة عن يعقوب بن إبراهيم وابن المثنى ببعضه.
قوله: (وهو متوسد) والواو فيه للحال (وبردة) منصوبة به وهي نوع من الثياب معروف، وكذلك البرد. قوله: (ألا تستنصر) أي: ألا تطلب النصرة من الله لنا على الكفار، وهذا بيان لقوله: شكونا، وكلمة: ألا في الموضعين للحث والتحريض. قوله: (بالمنشار) بكسر الميم وسكون النون: وهو آلة نشر الخشب، ويقال أيضا: الميشار، بالياء آخر الحروف الساكنة موضع النون، من نشرت الخشبة إذا قطعتها. قوله: (ما دون لحمه)، أي: تحت لحمه أو عند لحمه. قوله: (ليتمن)، بفتح اللام وبالنون الثقيلة. قوله: (من صنعاء إلى حضرموت)، قال الكرماني: وصنعاء بفتح الصاد المهملة، وسكون النون وبالمد: قاعدة اليمن ومدينته العظمى، و: حضرموت، بفتح الحاء المهملة وسكون المعجمة وفتح الراء والميم: بلدة أيضا باليمن، وجاز في مثله بناء الإسمين وبناء الأول وإعراب الثاني. فإن قلت: لا مبالغة فيه لأنهما بلدان متقاربان. قلت: الغرض بيان انتفاء الخوف من الكفار على المسلمين، ويحتمل أن يراد بها صنعاء الروم أو صنعاء دمشق: قرية في جانبها الغربي في ناحية الربوة. قال الجوهري: حضرموت اسم قبيلة أيضا. انتهى كلامه. قلت: قال ياقوت في (المشترك): صنعاء اليمن أعظم مدنها وأجلها تشبه دمشق في كثرة البساتين والمياه، وصنعاء قرية على باب دمشق من ناحية باب الفراديس واتصلت حيطانها بالعقبية وهي محلة في ظاهر دمشق. قلت: قوله لأنهما بلدان متقاربان، وليس كذلك، لأن بين عدن وصنعاء ثلاث مراحل، وبين حضرموت والشحر أربعة أيام، وبينه وبين عدن مسافة بعيدة، فعلى هذا يكون بين صنعاء وحضرموت أكثر من أربعة أيام. قوله: (أو الذئب) عطف على الاسم الأعظم، وإن أحتمل أن يعطف على المستثنى منه المقدر. قوله: (ولكنكم تستعجلون) وحاصل المعنى: لا تستعجلوا فإن من كان قبلكم قاسوا ما ذكرنا فصبروا، وأخبرهم الشارع بذلك ليقوى صبرهم على الأذى.
3163 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أزهر بن سعد حدثنا ابن عون قال أنبأنا موسى ابن أنس عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال ما شأنك فقال شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا فقال موسى بن أنس فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة. (الحديث 3163 طرفه في: 6484).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة)، لأن هذا أمر لا يطلع عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعيش حميدا ويموت شهيدا، فلما كان يوم اليمامة ثبت حتى قتل، وروى ابن أبي حاتم في (تفسيره): من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس، وفي قصة ثابت بن قيس، فقال في آخرها: قال أنس: قلنا: نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف، فأقبل وقد تكفن وتحنط فقاتل حتى قتل.

146
ذكر رجاله وهم خمسة: علي بن عبد الله المعروف بابن المديني. وأزهر، بفتح الهمزة وسكون الزاي: ابن سعد الباهلي السمان البصري مات سنة ثلاث ومائتين. وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون المزني البصري. وموسى بن أنس بن مالك قاضي البصرة، وأنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه.
ذكر معناه: قوله: (أنبأنا موسى بن أنس)، ووقع في رواية أبي عوانة ورواية عبد الله بن أحمد عن ابن عون عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بدل موسى بن أنس، وأخرجه أبو نعيم عن الطبراني عنه، وقال: لا أدري ممن الوهم. وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون عن موسى بن أنس قال: لما نزلت: * (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) * (الحجرات: 2). قعد ثابت بن قيس في بيته... الحديث، وهذا صورته مرسل إلا أنه يقوي أن الحديث لابن عون عن موسى لا عن ثمامة. قوله: (افتقد ثابت بن قيس)، وقيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك، وهو الأغر بن ثعلبة بن كعب ابن الخزرج، وكان خطيب الأنصار وخطيب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أنه قتل باليمامة شهيدا. قوله: (فقال رجل)، قيل: هو سعد بن معاذ، لما روى مسلم من وجه آخر من طريق حماد عن ثابت عن أنس، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، سعد بن معاذ، فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت؟ اشتكى؟ فقال سعد: إنه لجاري
وما علمت له شكوى، فإن قلت: الآية المذكورة نزلت في سنة الوفود بسبب الأقرع بن حابس وغيره، وكان ذلك في سنة تسع، وسعد بن معاذ مات قبل ذلك في بني قريظة، وذلك في سنة خمس؟ قلت: أجيب عن ذلك بأن الذي نزل في قصة ثابت مجرد رفع الصوت، والذي نزل في قصة الأقرع أول السورة، وهو قوله: * (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * (الحجرات: 1). وقيل: الرجل المذكور هو سعد بن عبادة لما روى ابن المنذر في (تفسيره) من طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن أنس في هذه القصة، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله هو جاري.. الحديث، قيل: هو أشبه بالصواب، لأن سعد بن عبادة من قبيلة ثابت بن قيس، فهو أشبه أن يكون جاره من سعد بن معاذ لأنه من قبيلة أخرى. قوله: (أنا أعلم لك)، هكذا رواية الأكثرين، وقال الكرماني: كلمة ألا، للتنبيه أو تكون الهمزة في: ألا للاستفهام وفي بعضها: أنا أعلم. قلت: كأن النسخ التي وقعت عندهم ألا أعلم، موضع: أنا أعلم، فلذلك قال كلمة: ألا، للتنبيه، أو تكون الهمزة في ألا للاستفهام، ثم أشار إلى رواية الأكثرين، وهي: أنا أعلم، بقوله: وفي بعضها أنا أعلم قوله: (لك) أي: لأجلك. قوله: (علمه) أي: خبره. قوله: (فأتاه) أي: فأتى الرجل المذكور ثابت بن قيس فوجده جالسا في بيته. وقوله: (جالسا ومنكسا) حالان مترادفان أو متداخلان، (ورأسه) منصوب بقوله: منكسا. قوله: (ما شأنك) أي: ما حالك؟ قوله: (فقال: شر) أي: فقال ثابت حالي شر. قوله: (كان يرفع صوته) هذا التفات ومقتضى الحال إن يقول: كنت أرفع صوتي، ولكنه التفت من الحاضر إلى الغائب، قوله: (فقد حبط عمله) أي: بطل، وكان القياس فيه أيضا أن يقول؛ فقد حبط عملي، وكذا قوله: (وهو من أهل النار) والقياس فيه: وأنا من أهل النار. قوله: (فأتى الرجل فأخبره) أي: فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا، وكان ثابت لما نزلت * (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) * (الحجرات: 2). جلس في بيته وقال: أنا من أهل النار، وفي رواية لمسلم: فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا. قوله: (فقال موسى بن أنس)، وهو الراوي المذكور عن أبيه أنس. قوله: (فرجع المرة الآخرة) أي: فرجع الرجل المذكور، ويروى: المرة الأخرى، قوله: (ببشارة) بضم الباء وكسرها والكسر أشهر، وهي: الخبر السار سميت بذلك لأنها تظهر طلاقة الإنسان وفرحه. قوله: (فقال: إذهب إليه) بيان البشارة أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل المذكور، إذهب إلى ثابت بن قيس فقل له... إلى آخره. فإن قلت: فيه زيادة العدد على المبشرين بالجنة. قلت: التخصيص بالعدد لا ينافي الزائد، أو المراد بالعشرة الذين بشروا بها دفعة واحدة، أو بلفظ البشارة، وكيف لا والحسن والحسين وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الجنة قطعا؟ ونحوهم.
4163 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء ابن عازب رضي الله تعالى عنهما قرأ رجل الكهف وفي الدار الدابة فجعلت تنفر فسلم فإذا ضبابة أو سحابة غشيته فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ فلان فإنها السكينة نزلت للقرآن أو تنزلت للقرآن.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخباره صلى الله عليه وسلم عن نزول السكينة عند قراءة القرآن. وغندر هو محمد بن جعفر، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر، وعن أبي موسى عن عبد الرحمن بن مهدي وأبو داود، وأخرجه الترمذي في فضائل القرآن عن محمود بن غيلان.
قوله: (قرأ رجل) هو أسيد بن حضير. قوله: (الكهف)، أي: سورة الكهف. قوله: (تنفر)، بكسر الفاء: من النفرة. قوله: (فسلم)، أي: دعا بالسلامة، كما يقال: اللهم سلم، أو فوض الأمر إلى الله ورضي بحكمه، أو قال: سلام عليك. قوله: (ضبابة) هي سحابة تغشى الأرض كالدخان، وقال ابن فارس الضبابة: كل شيء كالغبار، وقال الداودي: قريب من السحاب وهو الغمام الذي لا يكون فيه مطر. قوله: (أو سحابة)، شك من الراوي قوله: (غشيته) أي: أحاطت به. قوله: (فلان) أي: يا فلان، معناه: كان ينبغي أن تستمر على القران وتغتنم ما حصل لك من نزول الرحمة وتستكثر من القراءة. قوله: (فإنها) أي: فإن الضبابة المذكورة هي السكينة. واختلفوا في معناها، فقيل: هي ريح هفافة ولها وجه كوجه الإنسان، وقيل: هي الملائكة وعليهم السكينة، والمختار: أنها شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه ملائكة يستمعون القرآن.
5163 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا أحمد بن يزيد بن إبراهيم أبو الحسن الحراني حدثنا زهير بن معاوية حدثنا أبو إسحاق سمعت البراء بن عازب يقول جاء أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلا فقال ل عازب ابعث ابنك يحمله معي قال فحملته معه وخرج أبي ينتقد ثمنه فقال له أبي يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله

146
صلى الله عليه وسلم قال نعم أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق لا يمر فيه أحد فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس فنزلنا عنده وسويت للنبي صلى الله عليه وسلم مكانا بيدي ينام عليه وبسطت فيه فروة وقلت نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك فنام وخرجت أنفض ما حوله فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا فقلت لمن أنت يا غلام فقال لرجل من أهل المدينة أو مكة قلت أفي غنمك لبن قال نعم قلت أفتحلب قال نعم فأخذ شاة فقلت انفض الضرع من التراب والشعر والقذى قال فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض فحلب في قعب كثبة من لبن ومعي إداوة حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم يرتوي منها يشرب ويتوضأ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكرهت أن أوقظه فوافقته حين استيقظ فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله فقلت اشرب يا رسول الله قال فشرب حتى رضيت ثم قال ألم يأن للرحيل قلت بلى قال فارتحلنا بعد ما مالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك فقلت أتينا يا رسول الله فقال لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها أري في جلد من الأرض شك زهير فقال إني أراكما قد دعوتما علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد عنكما الطلب فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا فجعل لا يلقى أحدا إلا قال كفيتكم ما هنا فلا يلقى أحدا إلا رده قال ووفى لنا..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه معجزة ظاهرة لا تخفى على متأمل.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: محمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي، سكن بغداد وهو من أفراده وصغار شيوخه، وشيخه الآخر محمد بن يوسف الفريابي أكبر من هذا وأقدم سماعا، وقد أكثر البخاري عنه. الثاني: أحمد بن يزيد من الزيادة ابن إبراهيم أبو الحسن الحراني، يعرف بالورتنيسي، بفتح الواو وسكون الراء وفتح المثناة من فوق وتشديد النون المكسورة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة ثم سين مهملة. قلت: الورتنيس أحد أجداده وهو إبراهيم أبو أحمد الحاكم اسم الورتنيس إبراهيم. الثالث: زهير بن معاوية أبو خيثمة الجعفي. الرابع: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي. الخامس: البراء بن عازب، رضي الله تعالى عنهم.
ذكر لطائف إسناده فيه: ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفي رواية: أخبرنا أحمد بن يزيد. وفيه: السماع. وفيه: القول في موضع واحد. وفيه: أن أحمد بن يزيد انفرد به البخاري دون الخمسة. وفيه: أن زهير بن حرب هو الذي روى هذا الحديث تاما عن أبي إسحاق وأبوه خديج وإسرائيل وروى شعبة منه قصة اللبن خاصة، وقد رواه عن أبي إسحاق مطولا أيضا حفيدة يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق وهو في: باب الهجرة إلى المدينة، لكنه لم يذكر منه قصة سراقة، وزاد فيه قصة غيرها.
ذكر معناه: قوله: (جاء أبو بكر) أي: الصديق، رضي الله تعالى عنه. قوله: (إلى أبي) هو عازب بن الحارث بن عدي الأوسي من قدماء الأنصار. قوله: (فاشترى منه رحلا) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة، وهو للناقة كالسرج للفرس، وقيل: الرحل أصغر من القتب، واشتراه بثلاثة عشر درهما. قوله: (فقال لعازب ابعث ابنك يحمله) أي: يحمل الرحل معي. قوله: (قال: فحملت معه) أي: قال البراء: فحملت الرحل معه، وفي رواية إسرائيل التي تأتي في فضل أبي بكر، رضي الله تعالى عنه: أن عازبا امتنع من

147
إرسال ابنه مع أبي بكر حتى يحدثه أبو بكر بالحديث، وهي زيادة ثقة مقبولة. قوله: (وخرج أبي ينتقد ثمنه) أي: يستوفيه. قوله: (حين سريت) سرى وأسرى لغتان بمعنى: السير في الليل، قال الله تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) * (الإسراء: 1). وقال: * (والليل إذا يسر) * (الفجر: 4). قوله: (أسرينا ليلتنا) يعني: سرينا ليلا، وذلك حين خرجا من الغار وكانا لبثا في الغار ثلاث ليال ثم خرجا. قوله: (ومن الغد) أي: بعض الغد، والعطف فيه كما في قوله:
* علفتها تبنا وماء باردا
*
إذ الإسراء إنما يكون بالليل. قوله: (حتى قام قائم الظهيرة) أي: نصف النهار، وهو استواء حالة الشمس، وسمي: قائما، لأن الظل لا يظهر حينئذ فكأنه قائم واقف، وفي رواية إسرائيل: أسرينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، أي: دخلنا في وقت الظهيرة. قوله: (وخلا الطريق) هذا يدل على أنه كان في زمن الحر، وقيل في قوله: على حين غفلة من أهلها، أي: نصف من النهار. قوله: (فرفعت لنا صخرة) أي: ظهرت لأبصارنا، ورفعت على صيغة المجهول. قوله: (وبسطت فيه فروة) وهو الجلد الذي يلبس، وقيل: المراد بها قطعة حشيش مجتمعة، ويقوي المعنى الأول ما في رواية أبي يوسف بن أبي إسحاق: ففرشت له فروة معي. قوله: (وأنا أنفض لك ما حولك) يعني: من الغبار ونحو ذلك حتى لا يثيره عليه الريح، وقيل: معنى النفض هنا الحراسة، يقال: نفضت المكان إذا نظرت جميع ما فيه، ويؤيده قوله: في رواية إسرائيل: ثم انطلقت أنظر ما حولى هل أرى من الطلب أحدا، والنفضة: قوم يبعثون في الأرض ينظرون هل بها عدو أو خوف. قوله: (لرجل من أهل المدينة أو مكة) هذا شك من الراوي وهو أحمد بن يزيد، فإن مسلما أخرجه من طريق الحسن بن محمد بن أعين عن زهير فقال فيه لرجل من أهل المدينة، ولم يشك، ووقع في رواية خديج: فسمى رجلا من أهل مكة ولم يشك، فإن قلت: كيف وجه هذا؟ قلت: المراد من المدينة في رواية مسلم: هي مكة، ولم يرد به المدينة النبوية، لأنها حينئذ لم تكن تسمى المدينة، وإنما كان يقال لها: يثرب، وأيضا فلم تجر العادة للرعاء أن يبعدوا في المراعي هذه المسافة البعيدة، ووقع في رواية إسرائيل: فقال لرجل من قريش، سماه فعرفته، وهذا يؤيد هذا الوجه لأن قريشا لم يكونوا يسكنون المدينة النبوية إذ ذاك. قوله: (أفي غنمك لبن؟) بفتح اللام والباء الموحدة، وحكى عياض أن في رواية: لبن، بضم اللام وتشديد الباء الموحدة جمع: لابن، أي: هل في غنمك ذوات لبن. قوله: (أفتحلب؟ قال: نعم) أي: أحلب، وأراد بهذا الاستفهام: أمعك إذن من صاحب الغنم في الحلب لمن يمر بها على سبيل الضيافة؟ فبهذا يندفع إشكال من يقول: كيف استجاز أبو بكر أخذ اللبن من الراعي بغير إذن مالك الغنم؟ وأجيب: هنا بجواب آخر، وهو: أن أبا بكر عرف مالك الغنم وعرف رضاه بذلك لصداقته له أو لإذنه العام بذلك. وقيل: كان الغنم لحربي لا أمان له، وقيل: كانوا مضطرين. قوله: (إنفض الضرع) أي: ثدي الشاة. قوله: (والقذى)، بفتح القاف وفتح الذال المعجمة مقصورا، وهو الذي يقع في العين، يقال: قذت عينه إذا وقع فيها القذى، كأنه شبه ما يصير في الضرع من الأوساخ بالقذى في العين. قوله: (في قعب)، هو القدح من الخشب. قوله: (كثبة)، بضم الكاف وسكون الثاء المثلثة وفتح الباء الموحدة: أي: قطعة من لبن قدر ملء القدح، وقيل: قدر حلبة خفيفة، وقال الهروي والقزاز: كل ما جمعته من طعام أو لبن أو غيرهما فهي كثبة. قال الهروي: بعد أن يكون قليلا. قوله: (إداوة)، بكسر الهمزة، وهي تعمل من جلد يستصحبه المسافر. قوله: (يرتوي منها) أي: يستقي. قوله: (يشرب)، حال قوله: (فوافقته حتى استيقظ)، أي: وافق إتياني وقت استيقاظه، ويروى: حتى تأنيت به حتى استيقظ. قوله: (حتى برد)، بفتح الراء، وقال الجوهري بضمها. قوله: (حتى رضيت) أي: طابت نفسي لكثرة ما شرب. قوله: (ألم يأن للرحيل؟)، أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، رضي الله تعالى عنه: ألم يأن وقت الارتحال؟ قوله: (واتبعنا سراقة ابن مالك بن جعشم)، واتبعنا، بفتح العين فاعل ومفعول، و: سراقة، بالرفع فاعله،
وفي رواية إسرائيل: فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا غير سراقة. قوله: (أتينا) بضم الهمزة على صيغة المجهول قوله: (فارتطمت به) أي: بسراقة فرسه، ومعنى: ارتطمت: غاصت قوائمها في تلك الأرض الصلبة، وارتطم في الوحل أي: دخل فيه واحتبس، ورطمت الشيء إذا أدخلته فارتطم. قوله: (أرى) بضم الهمزة أي: أظن، وهو لفظ زهير الراوي، وفي رواية مسلم الشك من زهير يعني: هل قال هذه اللفظة أم لا؟ قوله: (في جلد) بفتح الجيم واللام، وهو الصلب من الأرض المستوي. قوله: (فقال: إني أراكما)، أي: قال سراقة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر: إني أراكما (قد دعوتما علي، فادعوا لي فالله لكما). قوله: (فالله) بالرفع مبتدأ وقوله: (لكما) خبره أي: ناصر لكما. قوله: (أن أرد عنكما) أي: أدعو لأن أرد فهو علة للدعاء، ويروى بنصب لفظه: الله، أي:

148
فأشهد الله لأجلكما أن أرد عنكما الطلب، وقيل: بالجر أيضا بنزع الخافض، والتقدير: إقسم بالله لكما بأن أرد الطلب، وهو جمع طالب، وفي (شرح السنة): أقسم بالله لكما على الرد. قوله: (فنجا)، أي: من الارتطام. قوله: (ألا قال: كفيتكم)، ويروى: كفيتم. قوله: (ما هنا)، يعني: ما هنا الذي تطلبونه. قوله: (فلا يلقى أحدا إلا رده)، بيان قوله: ما هنا. قوله: (ووفى لنا)، أي: وفي سراقة بما وعده من رد الطلب.
وفي هذا الحديث معجزة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفضيلة لأبي بكر، رضي الله تعالى عنه. وفيه: خدمة التابع للمتبوع واستصحاب الركوة في السفر، وفضل التوكل على الله تعالى، وأن الرجل الجليل إذا نام يدافع عنه. وقال الخطابي: استدل به بعض شيوخ السوء من المحدثين على الأخذ في الحديث، لأن عازبا لم يحمل الرحل حتى يحدثه أبو بكر بالقصة، وليس الاستدلال صحيحا، لأن هؤلاء اتخذوا الحديث بضاعة يبيعونها ويأخذون عليها أجرا وأما ما التمسه أبو بكر من تحميل الرحل فهو من باب المعروف والعادة المقررة أن تلامذة التجار يحملون الأثقال إلى بيت المشتري، ولو لم يكن ذلك لكان لا يمنعه إفادة القصة، قال تعالى: * (اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) * (ي
1764; س: 12).
6163 حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد العزيز بن مختار حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال لا بأس طهور إن شاء الله فقال له لا بأس طهور إن شاء الله قال قلت طهور كلا بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنعم إذا..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فنعم إذا) من حيث إن الأعرابي لما رد على النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (لا بأس طهور، إن شاء الله) مات على وفق ما قاله، صلى الله عليه وسلم، وهذا من معجزاته، صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: ووجه دخوله في هذا الباب أن في بعض طرقه زيادة تقتضي إيراده في علامات النبوة أخرجه الطبراني وغيره من رواية شرحبيل، والد عبد الرحمن، فذكر نحو حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، وفي آخر: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إذا أبيت فهي كما تقول، وقضاء الله كائن، فما أمسى من الغد إلا ميتا. انتهى. قلت: الذي ذكرنا أوجه لأن الذي ذكره هو حاصل قوله: (فنعم إذا) وتوجيه المطابقة من نفس الحديث أوجه من توجيهها من حديث آخر، هل البخاري وقف عليه أم لا؟ وهل هو على شرطه أم لا؟ وعبد العزيز بن المختار، بالخاء المعجمة: الأنصاري الدباغ، مر في الصلاة، وخالد هو ابن مهران الحذاء.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن إسحاق عن خالد، وفي التوحيد عن محمد بن عبد الله. وأخرجه النسائي في الطب وفي اليوم والليلة عن سوار بن عبد الله.
قوله: (على أعرابي) قال الزمخشري في (ربيع الأبرار): اسم هذا الأعرابي، قيس، فقال في: باب الأمراض والعلل: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على قيس بن أبي حازم يعوده، فذكر القصة، وقال بعضهم: لم أر تسميته لغيره فهذا إن كان محفوظا فهو غير قيس بن أبي حازم أحد المخضرمين، لأن صاحب القصة مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقيس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في حياته قلت عدم رؤيته ذلك لا ينافي رؤية غيره مع أن بعضهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخطب. قوله: (يعوده في الموضعين) جملة حالية. قوله: (إن شاء الله) بمعنى الدعاء. قوله: (قال: قلت) أي: قال الأعرابي مخاطبا للنبي صلى الله عليه وسلم قلت: طهور. قوله: (كلا) أي: ليس بطهور. فأبى وسخط فلا جرم، أماته الله. قوله: (أو تثور)، بالثاء المثلثة شك من الراوي قوله: (تزيره)، بضم التاء المثناة من فوق من أزاره إذا حمله على الزيارة. قوله: (فنعم إذا) أي: نعم بإزارة القبور حينئذ، ويجوز أن يكون الشارع قد علم أنه سيموت من مرضه. فقوله: (طهور إن شاء الله) دعاء له بتكفير ذنوبه، ويجوز أن يكون أخبر بذلك قبل موته بعد قوله.
وقال صاحب (التوضيح): في قوله: (لا بأس طهور) فيه دلالة على أن الطهور هو المطهر خلافا لأبي حنيفة في قوله: الطهور هو الطاهر. قلت: ليت شعري من نقل هذا عن أبي حنيفة، وكيف يقول ذلك والطهور صيغة مبالغة فإذا كان بمعنى طاهر يفوت المقصود.

149
121 - (حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي
فعاد نصرانيا فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه خارج القبر فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه)
مطابقته للترجمة من حيث ظهرت معجزة النبي
في لفظ الأرض إياه مرات لأنه لما ارتد عاقبه الله تعالى بذلك لتقوم الحجة على من يراه ويدل على صدق الشارع * وأبو معمر بفتح الميمين اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد البصري وعبد الوارث بن سعيد البصري وعبد العزيز بن صهيب أبو حمزة البصري وهؤلاء كلهم بصريون والحديث من إفراده قوله ' نصرانيا ' منصوب على أنه خبر كان ويروى نصراني بالرافع على أن كان تامة ولم يدر اسمه لكن في رواية مسلم من طريق ثابت عن أنس كان منا رجل من بني النجار قوله ' فعاد نصرانيا ' في رواية ثابت فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب فرفعوه قوله ' فكان يقول ' أي فكان هذا النصراني يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له وفي رواية الإسماعيلي كان يقول ما أرى يحسن محمد إلا ما كنت أكتب له وروى ابن حبان عن أبي هريرة نحوه قوله ' فأماته الله ' وفي رواية ثابت ' فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم ' قوله ' وقد لفظته الأرض ' أي رمته من القبر إلى الخارج ولفظته بكسر الفاء وبفتحها وقال القزاز في جامعه كل ما طرحته من يدك فقد لفظته ولا يقال بكسر الفاء وإنما يقال بالفتح * -
8163 حدثني يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال وأخبرني ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله.
مطابقته للترجمة ظاهرة جدا. والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن حرملة بن يحيى، والحديث قد مر في الخمس من وجه آخر عن أبي هريرة في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (أحلت لكم الغنائم)، وقد مر في أوائل الكتاب الكلام في كسرى وقيصر، والمعنى: لا يبقى كسرى بالعراق وقيصر بالشام، ولما فتحت عراق والشام في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، أنفقت كنوزهما في سبيل الله مثل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
9163 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة رفعه قال إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وذكر وقال لتنفقن كنوزهما في سبيل الله. (انظر الحديث 1213 وطرفه).
قبيصة هو ابن عقبة، وسفيان هو الثوري. والحديث قد مضى في الخمس عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن عبد الملك عن جابر بن سمرة.
قوله: (رفعه)، ويروي: (يرفعه)، أي: يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) هذا المقدار هو في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر بعده: (وإذا هلك

150
قيصر فلا قيصر بعده) قوله: (وذكر) أي: وذكر بعد قوله: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده)، وقال: (لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) 7 أي: في أبواب البر والطاعات.
0263 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن عبد الله بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته وقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت. فأخبرني أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان بعدي فكان أحدهما العنسي والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فأولتهما كذابين...) إلى آخره، لأن فيه إخبارا عنه صلى الله عليه وسلم بأمر قد وقع بعضه في أيامه وبعضه بعده، فإن العنسي قتل في أيامه ومسيلمة قتل بعده في وقعة اليمامة، قتله وحشي قاتل حمزة، رضي الله تعالى عنه. فإن قلت: قال: يخرجان بعدي، ومسيلمة خرج بعده، وأما العنسي فإنه خرج في أيامه؟ قلت: معنى قوله بعدي: يعني بعد ثبوت نبوتي، أو بعد دعواي النبوة.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب ابن أبي حمزة الحمصي، وعبد الله بن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي حسين النوفلي، مر في البيع، ونافع بن جبير بن مطعم مر في الوضوء.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أبي اليمان أيضا. وأخرجه مسلم في الرؤيا عن محمد بن سهل عن أبي اليمان به. وأخرجه الترمذي فيه عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي اليمان بقصة الرؤيا دون قصة مسيلمة، وقال: غريب. وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور عن أبي اليمان.
ذكر معناه: قوله: (قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، أي: على زمنه، وكان قدومه في سنة تسع من الهجرة، وهي سنة الوفودات، قال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب، وقال ابن هشام: هو مسيلمة بن ثمامة ويكنى أبا ثمامة، وقال السهيلي: هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير ابن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن همان بن ذهل بن الدول بن حنيفة، ويكنى: أبا ثمامة، وقيل: أبا هارون، وكان قد تسمى بالرحمان، وكان يقال له: رحمان اليمامة، وكان يعرف أبوابا من النيرنجات فكان يدخل البيضة في القارورة، وهو أول من فعل ذلك، وكان يقص جناح الطير ثم يصله ويدعي أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب لبنها. قال الواقدي: وكان وفد بني حنيفة بضعة عشر رجلا عليهم سلمى بن حنظلة وفيهم طلق بن علي وعلي بن سنان ومسيلمة بن حبيب الكذاب، فأنزلوا في دار رملة بنت الحارث وأجريت عليهم الضيافة، فكانوا يؤتون بغداء وعشاء مرة خبزا ولحما ومرة خبزا ولبنا ومرة خبزا وسمنا ومرة تمرا ينثر لهم، فلما قدموا المسجد وأسلموا وقد خلفوا مسيلمة في رحالهم، ولما أردوا الانصراف أعطاهم جوائزهم خمس أواق من فضة، وأمر لمسيلمة بمثل ما أعطاهم لما ذكروا أنه في رحالهم، فقال: إما أنه ليس بشركم مكانا، فلما رجعوا إليه أخبروه بما قال عنه، قال: إنما قال ذلك لأنه عرف أن الأمر لي من بعده، وبهذه
الكلمة تشبث قبحه الله حتى ادعى النبوة، وقال ابن إسحاق: ثم انصرفوا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله، وتنبأ وتكذب لهم، وقال: إني اشتركت معه

151
في الأمر، ثم جعل يسجع لهم السجعات مضاهيا للقرآن، فأصعقت على ذلك بنو حنيفة، وقتل في أيام أبي بكر الصديق في وقعة اليمامة، قتله وحشي، قاتل حمزة كما ذكرناه، وكان عمره حين قتل مائة وخمسين سنة. قوله: (فأقبل إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم) تالفا له ولقومه رجاء إسلامهم وليبلغ ما أنزل إليه، وقال القاضي عياض: يحتمل أن سبب مجيئه أن مسيلمة قصده من بلده للقائه فجاءه مكافأة، قال: وكان مسيلمة حينئذ يظهر الإسلام، وإنما ظهر كفره بعد ذلك قوله: (ومعه ثابت بن قيس بن شماس) خطيب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان يجاوب الوفود عن خطبهم. قوله: (وفي يد رسول الله، صلى الله عليه وسلم) الواو فيه للحال. قوله: (لن تعدو أمر الله فيك) أي: خيبتك فيما أملته من النبوة وهلاكك دون ملكك، أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك، ويروى: لن تعد، بحذف الواو للجزم، والجزم: بلن، لغة حكاها الكسائي. قوله: (ولئن أدبرت) أي: عن طاعتي (ليعقرنك الله) أي: ليقتلنك ويهلكك، وأصله من عقر الإبل ضرب قوائمها بالسيف وجرحها، وكان كذلك قتله الله عز وجل يوم اليمامة. قوله: (وإني لأراك) بضم الهمزة أي: لأظنك الشخص الذي رأيت في المنام في حقك ما رأيته.
قوله: (فأخبرني أبو هريرة) أي: قال ابن عباس: أخبرني أبو هريرة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم... إلى آخره، وفي مسلم: وإني لأراك الذي أريت قبل ما أريت، وهذا ثابت يجيبك عني ثم انصرف عنه، فقال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم وإني لأراك الذي أريت، فأخبرني أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين... الحديث، وهذا يعد من مسند أبي هريرة دون ابن عباس، فلذلك ذكره الحافظ المزي في مسند أبي هريرة. قوله: (سوارين من ذهب) بضم السين وكسرها، وقال النووي: قال أهل اللغة: أسوار أيضا بضم الهمزة وفيه ثلاث لغات. وفي (التوضيح): قوله: من ذهب للتأكيد، لأن السوار لا يكون إلا من ذهب، فإن كان من فضة فهو: قلب، قوله: (فأهمني شأنهما) أي: أحزنني أمرهما. قوله: (أن أنفخهما) أي: أنفخ السوارين، وهو أمر من النفخ، فلما أمر بالنفخ نفخهما، وتأويل نفخهما أنهما قتلا بريحه، أي: أن الأسود ومسيلمة قتلا بريحه، والذهب زخرف يدل على زخرفهما، ودلا بلفظهما على ملكين لأن الأساورة هم الملوك، وفي النفخ دليل على اضمحلال أمرهما، وكان كذلك. قوله: (فأولتهما) أي: السوارين. قوله: (يخرجان بعدي) قال النووي: أي: يظهران شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة، وإلا فقد كانا في زمنه. انتهى. وقد ذكرنا أن المراد بعد دعواي النبوة، أو بعد ثبوت نبوتي. قوله: (فكان أحدهما) أي: أحد السوارين في التأويل: العنسي، بفتح العين المهملة وسكون النون وبالسين المهملة، وهو نسبة الأسود الصنعاني الذي ادعى النبوة، وقيل: اسمه عبلة، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة ابن كعب، وكان يقال له: ذو الخمار، لأنه زعم أن الذي يأتيه ذو الخمار، قتله فيروز الصحابي الديلي بصنعاء، دخل عليه فحطم عنقه، وهذا كان في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه على الأصح والمشهور، وبشر رسول الله، صلى الله عليه وسلم الصحابة بذلك، ثم بعده حمل رأسه إليه، وقيل: كان ذلك في زمن الصديق، رضي الله تعالى عنه، والعنسي نسبة إلى عنس، قال الرشاطي: اسمه زيد بن مالك بن أدد، ومالك هو جماع مذحج، قال ابن دريد: العنس الناقة الصلبة. قوله: (والآخر) أي: السوار الأخر في التأويل مسيلمة الكذاب. قوله: (اليمامة) بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميمين: وهي مدينة باليمن على أربع مراحل من مكة، شرفها الله، ومرحلتين من الطائف، قيل: سميت بذلك باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، يقال: هو أبصر من زرقاء اليمامة، فسميت اليمامة لكثرة ما أضيف إليها، والنسبة إليها: يمامي.
2263 حدثني محمد بن العلاء حدثنا حماد بن أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته بأخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع

152
المؤمنين ورأيت فيها بقرا والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبارا عن رؤياه الصدق ووقوعها مثل ما عبرها به، وبريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ثم دال مهملة: ابن عبد الله بن أبي بردة، بضم الباء الموحدة، يروي عن جده أبي بردة واسمه الحارث، وقيل: عامر، وقيل: اسمه كنيته ابن أبي موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس.
والحديث أخرجه البخاري مقطعا في غير موضع من المغازي وعلامات النبوة والتعبير عن أبي كريب محمد بن العلاء. وأخرجه مسلم في الرؤيا عن أبي كريب وعبد الله بن براد. وأخرجه النسائي فيه عن موسى بن عبد الرحمن. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمود بن غيلان، أربعتهم عن أبي أسامة عنه به.
قوله: (أراه) بضم الهمزة أي: أظنه. قوله: (وهلي) بفتح الهاء يعني: وهمي واعتقادي، ويجوز فيه إسكان الهاء مثل نهر ونهر، يقال: وهلت إلى الشيء إذا ذهب وهمك إليه، يقال: وهل يهل وهلا. وعن أبي زيد: وهلت في الشيء. وعنه أهل وهلا: إذا نسيت وغلطت فيه، وضبطه بكسر الهاء. قوله: (أو الهجر)، بفتح الجيم، وهي مدينة باليمن وهي قاعدة البحرين، ويقال بدون الألف واللام، بينها وبين البحرين عشر مراحل. قوله: (فإذا هي المدينة) كلمة: إذا، للمفاجأة وهي ترجع إلى أرض بها نخل، و: هو، مبتدأ، و: المدينة، بالرفع خبره، قوله: (يثرب) بالرفع أيضا عطف بيان بفتح الياء آخر الحروف وسكون الثاء المثلثة وكسر الراء ثم باء موحدة، والنهي الذي ورد عن تسمية المدينة بيثرب إنما كان للتنزيه، وإنما جمع بين الإسمين هنا لأجل خطاب من لا يعرفها، وفي (التوضيح): وقد نهى
عن التسمية بيثرب حتى قيل: من قالها وهو عالم كتبت عليه خطيئة، وسببه ما فيه من معنى التثريب، والشارع من شأنه تغيير الأسماء القبيحة إلى الحسنة، ويجوز أن يكون هذا قبل النهي، كما أنه سماها في القرآن إخبارا به عن تسمية الكفار لها قبل أن ينزل تسميتها. قوله: (وثواب الفتح)، أراد بالفتح فتح مكة، أو هو مجاز عن اجتماع المؤمنين وإصلاح حالهم. قوله: (بقرا) قال النووي: قد جاء في بعض الروايات هكذا: رأيت بقرا تنحر، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا إذا نحر البقر هو قتل الصحابة بأحد. قوله: (والله خير) قال القاضي: ضبطناه، والله خير، برفع الهاء والراء على المبتدأ والخبر، قيل معناه ثواب الله خير أي: صنع الله بالمقتولين خير لهم من مقامهم في الدنيا، والأولى قول من قال: إنه من جملة الرؤيا، فإنها كلمة سمعها في الرؤيا عند رؤياه البقر بدليل تأويله لها بقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا الخير ما جاء الله به) قوله: (وثواب الصدق...) إلى آخره، يريد به بعد أحد ولا يريدها كان قبل أحد. قوله: (بعد يوم بدر) قال القاضي، بضم دال، بعد، وبنصب: يوم، قال: وروي بنصب الدال ومعناه: ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين لأن الناس جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم ذلك إيمانا: * (قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * (آا عمران: 371). وتفرق البدو عنهم هيبة لهم.
3263 حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن فراس عن عامر عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها لم تبكين ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت أسر إلي أن جبريل كان يعارضني القرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت فقال أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك..
مطابقته للترجمة من حيث أنه أخبر عن حضور أجله، ومن حيث إنه أخبر أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وأبو نعيم

153
الفضل بن دكين، وزكرياء هو ابن أبي زائدة، وفراس، بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة: ابن يحيى المكتب، مر في الزكاة، وعامر هو الشعبي، وفي بعض النسخ لفظ الشعبي مذكور، ومسروق بن الأجدع.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن موسى بن إسماعيل وفي فضائل القرآن. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كامل الجحدري وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير. وأخرجه النسائي في الوفاة عن محمد بن معمر وفي المناقب عن علي بن حجر وفي أوله زيادة.
قوله: (كأن مشيتها) بكسر الميم، لأن الفعلة بالكسر للحالة وبالفتح للمرة. قوله: (مشي النبي صلى الله عليه وسلم) بالرفع لأنه خبر: كأن، بالتشديد، وكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنه ينحدر من صبب أي: من موضع منحدر. قوله: (أو شماله) شك من الراوي. قوله: (يعارضني القرآن) من المعارضة: وهي المقابلة، ومنه: عارضت الكتاب بالكتاب أي: قابلت به. قوله: (ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن) أي: كان الفرح قريب الحزن. قوله: (لأفشي) من الإفشاء وهو الإظهار. قوله: (حتى قبض) متعلق بمحذوف أي: لم يقل حتى قبض. قوله: (ولا أراه إلا حضر أجلي) بضم الهمزة أي: ولا أظنه إلا أن موتي قرب، وبكاؤها في هذه الرواية كان من أجل قوله، صلى الله عليه وسلم: ما أراه إلا حضر أجلي، وضحكها كان لأجل إخباره لها أنها سيدة نساء أهل الجنة، أو سيدة نساء المسلمين، وأما بكاؤها في الرواية التي تأتي الآن كان لأجل قوله: إنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه، وضحكها كان لأجل أنه قال: فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه، وماتت فاطمة بعد أبيها بستة أشهر، قالت عائشة: وذلك في رمضان عن خمس وعشرين سنة، وقيل: ماتت بعده بثلاثة أشهر.
وفيه: أن المرء لا يحب البقاء بعد محبوبه، قال ابن عمر في عاصم:
* فليت المنايا كن خلفن عاصما فعشن جميعا أو ذهبن بنا معا
*
وفيه: أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، قال الكرماني: فهي أفضل من خديجة وعائشة، رضي الله تعالى عنهما، قلت: المسألة مختلف فيها، ولكن اللازم من الحديث ذلك إلا أن يقال: إن الرواية بالشك، والمتبادر إلى الذهن من لفظ المؤمنين غير النبي صلى الله عليه وسلم عرفا، ودخول المتكلم في عموم كلامه مختلف فيه عند الأصوليين.
5263 حدثني يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت قالت فسألتها عن ذلك..
7263 حدثنا محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يدني ابن عباس فقال له عبد الرحمان بن عوف إن لنا أبنا مثله فقال إنه من حيث تعلم فسأل عمر ابن عباس عن هاذه الآية * (إذا جاء

154
نصر الله والفتح) * (الفتح: 1). فقال أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه قال ما أعلم منها إلا ما تعلم..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أعلمه إياه) أي: أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس أن هذه السورة في أجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهذا إخبار قبل وقوعه، ووقع الأمر كذلك، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة: واسمه جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري البصري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أبي النعمان وفي التفسير عن موسى بن إسماعيل وفي المغازي أيضا عن محمد بن عرعرة أيضا. وأخرجه الترمذي في
التفسير عن محمد بن بشار عن غندر وعن عبد بن حميد، وقال: حسن صحيح.
قوله: (يدني) أي: يقرب وفيه التفات. قوله: (إن لنا إبنا مثله) أي: مثل ابن عباس في العمر، وغرضه: أننا شيوخ وهو شاب فلم تقدمه علينا وتقربه من نفسك؟ قال: أقربه وأقدمه من جهة علمه.
* والعلم يرفع كل من لم يرفع
*
قوله: (من حيث تعلم) أي: من أجل أنك تعلم أنه عالم، وكان ذلك ببركة دعائه، صلى الله عليه وسلم: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. قوله: (أجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أي: مجيء النصر والفتح ودخول الناس في الدين علامة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله بذلك.
8263 حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمان بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام فمن ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم فكان ذلك آخر مجلس جلس به النبي صلى الله عليه وسلم. (انظر الحديث 729 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث أنه أخبر بكثرة الناس وقلة الأنصار بعده، وأن منهم من يتولى أمور الناس وأنه وصى إليهم بما ذكر فيه. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة، بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الظاء المعجمة وباللام: ابن أبي عامر الراهب، قد مر في الجمعة قوله: (ابن الغسيل) ويروى: حنظلة الغسيل بدون لفظ: الابن، وكلاهما صحيح، ولكن بشرط أن يرفع الابن على أنه صفة لعبد الرحمن، فافهم، وحنظلة من سادات الصحابة وهو معروف بغسيل الملائكة، فسألوا امرأته فقالت: سمع الهيعة وهو جنب فلم يتأخر للاغتسال، وكان يوم أحد فقالت حتى قتل، قتله أبو سفيان بن حرب، وقال: حنظلة بحنظلة يعني بابنه حنظلة المقتول ببدر، فلما قتل شهيدا أخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم بأن الملائكة غسلته، فسمي حنظلة الغسيل.
والحديث أخرجه في الجمعة عن إسماعيل بن أبان عن ابن الغسيل، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (بعصابة دسماء) قال الخطابي: أي بعصابة سوداء. قوله: (بمنزلة الملح)، وجه التشبيه الإصلاح بالقليل دون الإفساد بالكثير، كما في قولهم: النحو في الكلام كالملح في الطعام، أو كونه قليلا بالنسبة إلى سائر أجزاء الطعام. قوله: (فكان ذلك آخر مجلس...) إلى آخره، من كلام ابن عباس، قوله: (جلس به) ويروى: جلس فيه.
9263 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حسين الجعفي عن أبي موسى عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الحسن فصعد به على المنبر فقال ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين..
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الحسن، رضي الله تعالى عنه، يصلح به بين الفئتين من المسلمين، وقد وقع مثل ما أخبر فإنه ترك الخلافة لمعاوية وارتفع النزاع بين الطائفتين.
وعلي بن عبد الله المعروف بالمسندي، ويحيى بن آدم بن سليمان

155
الكوفي صاحب الثوري، وحسين بن علي بن الوليد الجعفي، بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء: نسبة إلى جعفى ابن سعد العشيرة من مذحج، قال الجوهري: أبو قبيلة من اليمن والنسبة إليه كذلك، وأبو موسى إسرائيل بن موسى البصري نزل الهند، والحسن هو البصري وأبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الصلح، وقد مضى الكلام فيه هناك.
قوله: (ذات يوم) معناه: قطعة من الزمان ذات يوم. قوله: (ابني) دليل على أن ابن البنت يطلق عليه الابن، ولا اعتبار بقول الشاعر:
* بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا
* بنوهن أبناء الرجال الأباعد
*
قوله: (فئتين) أي: طائفتين.
0363 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى جعفرا وزيدا قبل أن يجيء خبرهم وعيناه تذرفان..
مطابقته للترجمة من حيث أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بقتل جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة، بمؤته قبل أن يجيء خبرهما، وهذا من علامات النبوة، وسيأتي بيان ذلك في غزوة مؤتة مفصلا، إن شاء الله تعالى.
وأيوب هو السختياني، وحميد، بضم الحاء المهملة: ابن هلال بن هبيرة أبو نصر البصري.
ومضى الحديث في الجنائز عن أبي معمر عبد الله بن عمرو، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (خبرهم)، ويروى: خبرهما، أي: خبر جعفر وزيد، والضمير في الرواية الأولى يرجع إليهما وإلى من قتل معهما، أو المراد أهل مؤتة وما جرى بينهم. قوله: (وعيناه) الواو فيه للحال، أي: وعينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم تذرفان، بالذال المعجمة والراء المكسورة، يعني تسيلان دمعا.
1363 حدثنا عمرو بن عباس حدثنا ابن مهدي حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم هل لكم من أنماط قلت وأنى يكون لنا الأنماط قال أما إنه سيكون لكم الأنماط فأنا أقول لها يعني امرأته أخري عني أنماطك فتقول ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إنها ستكون لكم الأنماط فأدعها.
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه سيكون لهم الأنماط، وقد كان ذلك، وهي جمع: نمط، بفتحات وهو: بساط له خمل رقيق.
وعمرو بن عباس، بالباء الموحدة المشددة: أبو عثمان البصري من أفراده، يروي عن عبد الرحمن بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، يروي عن سفيان الثوري.
والحديث أخرجه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير وعن محمد بن المثنى. وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن محمد بن بشار.
قوله: (هل لكم من أنماط؟) إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لجابر لما تزوج. قوله: (وأنى يكون؟) أي: ومن أين يكون لنا الأنماط؟ قوله: (أما)، بفتح الهمزة وتخفيف الميم، وهي: من مقدمات اليمين وطلائعه كقول الشاعر:
* أما والذي لا يعلم الغيب غيره
*
ولما ذكر ابن هشام: ألا، بفتح الهمزة والتخفيف، وذكر أنواعها قال: وأختها: أما من مقدمات اليمين وطلائعه. قوله: (فأنا أقول لها)، أي: قال جابر: أنا أقول لها يعني لامرأته، قوله: (فتقول) أي: امرأته. قوله: (فأدعها) أي: اتركها بحالها مفروشة.
2363 حدثني أحمد بن إسحاق حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمر و بن ميمون عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال انطلق سعد بن معاذ معتمرا قال فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان وكان أمية إذا انطلق إلى الشأم فمر بالمدينة نزل على سعد فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت

156
فطفت فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل فقال من هذا الذي يطوف بالكعبة فقال سعد أنا سعد فقال أبو جهل تطوف بالكعبة آمنا وقد أويتم محمدا وأصحابه فقال نعم فتلاحيا بينهما فقال أمية لسعد لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي ثم قال سعد والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشأم قال فجعل أمية يقول لسعد لا ترفع صوتك وجعل يمسكه فغضب سعد فقال دعنا عنك فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك قال إياي قال نعم قال والله ما يكذب محمد إذا حدث فرجع إلى امرأته فقال أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي قالت وما قال قال زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي قالت فوالله ما يكذب محمد قال فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ قالت له امرأته أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي قال فأراد أن لا يخرج فقال له أبو جهل إنك من أشراف الوادي فسر يوما أو يومين فسار يومين معهم فقتله الله. (الحديث 2363 طرفه في: 0593).
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم أخبر بقتل أمية بن خلف فقتل في وقعة بدر، قتله رجل من الأنصار من بني مازن، وقال ابن هشام: قتله معاذ بن عفراء، وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف اشتركوا فيه، وهو أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: أحمد بن إسحاق بن الحصين بن جابر أبو إسحاق السلمي السرماري، وسرمار قرية من قرى بخارى. الثاني: عبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الكوفي، وهو أحد مشايخ البخاري. الثالث: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي. الرابع: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي. الخامس: عمرو بن ميمون الأزدي الكوفي، أدرك الجاهلية. السادس: عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه
وقد أخرج البخاري هذا الحديث أيضا في أول المغازي في: باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر.
ذكر معناه: قوله: (سعد بن معاذ) بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت، وهو عمرو بن مالك الأوس الأنصاري الأشهلي، يكنى أبا عمرو، وأسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يدي مصعب بن عمير، وشهد بدرا وأحدا والخندق، فرمي يوم الخندق بسهم فعاش شهرا ثم انتفض جرحه فمات منه. قوله: (معتمرا) نصب على الحال وكانوا يعتمرون من المدينة قبل أن يعتمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (فنزل) أي: سعد بن معاذ حين دخل مكة لأجل العمرة (على أمية ابن خلف) بن وهب يكنى بأبي صفوان من كبار المشركين. قوله: (وكان أمية إذا انطلق إلى الشام)، يعني: لأجل التجارة. (فمر بالمدينة) لأنها على طريقه، فنزل على سعد بن معاذ، رضي الله تعالى عنه، وكان مؤاخيا معه قوله: (وقال أمية لسعد: إنتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس) لأنه وقت غفلة وقائله (انطلقت فطفت) بالتاء المفتوحة فيهما لأنه خطاب أمية لسعد، وفي رواية البخاري في: أول المغازي: فلما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم المدينة انطلق سعد معتمرا فنزل على أمية بمكة، فقال لأمية: أنظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريبا من نصف النهار. قوله: (فبينما سعد يطوف إذا أبو جهل) يعني: قد حضر، وفي رواية المغازي: فإذا به، أي: فخرج أبو أمية بسعد قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل، فقال: يا أبا صفوان، يعني: يقول لأمية، من هذا معك؟ قال: فقال: هذا سعد، فقال أبو جهل، يعني لسعد: ألا أراك تطوف بمكة آمنا؟ يعني: حال كونك آمنا؟ وقد أويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتغيثونهم، أما والله لو أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما، قوله (الصباة) بضم الصاد المهملة وتخفيف الباء
الموحدة جمع: صابيء، مثل قضاه جمع قاض، وكانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الذين هاجروا

157
إلى المدينة: صباة من صبأ إذا مال عن دينه. قوله: (فتلاحيا) أي: تخاصما وتنازعا، وقيل: تسابا يعني: سعد بن معاذ وأبو جهل. قوله: (على أبي الحكم)، بفتحتين: هو عدو الله أبو جهل، واسمه: عمرو بن هشام المخزومي وكناه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: بأبي جهل. قوله: (فإنه سيد أهل الوادي) أي: فإن أبا جهل سيد أهل الوادي، أراد به: أهل مكة. قوله: (ثم قال سعد) أي: لأبي جهل: (والله لئن منعتني من أن أطوف) أي: من طواف البيت. (لأقطعن متجرك بالشام) أي: تجارتك، وفي رواية المغازي: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه، طريقك على المدينة. قوله: (قال: دعنا عنك) أي: فقال سعد لأمية بن خلف، دعنا عنك، أي: أترك محاماتك لأبي جهل، فإني سمعت محمدا يزعم أنه قاتلك، والخطاب لأمية، وفي المغازي: دعنا عنك يا أمية، فوالله لقد سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (أنه قاتلك)، وفي رواية: (إنهم قاتلوك). قال: بمكة؟ قال: لا أدري. قوله: (قال: إياي؟) أي: قال أمية: إياي؟ قال سعد: نعم إياك. قوله: (فرجع إلى امرأته)، أي: فرجع أمية إلى امرأته، وفي رواية المغازي، ففزع لذلك أمية فزعا شديدا، فلما رجع إلى أهله قال: يا أم صفوان: ألم تري ما قال لي سعد؟ وهنا قال لها: أتعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ أراد به سعدا، فنسبه إلى يثرب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما قال له: أخي، يعني: في المصاحبة دون النسب ولا الدين. قوله: (قال: فوالله ما يكذب محمد)، أي: قال أمية: ما يكذب محمد، لأنه كان موصوفا عندهم بالصدق والأمانة وإن كانوا لا يصدقونه. قوله: (فلما خرجوا)، أي: أهل مكة إلى بدر، وجاء الصريخ. قال في (التوضيح): فيه تقديم وتأخير، وهو أن الصريخ جاءهم فخرجوا إلى بدر، أخبرهم أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه خرجوا إلى عير أبي سفيان، فخرجت قريش أشرين بطرين موقنين عند أنفسهم أنهم غالبون، فكانوا ينحرون يوما عشرة من الإبل، ويوما تسعة، والصريخ: فعيل من الصراخ، وهو صوت المستصرخ أي: المستغيث. قوله: (فأراد أن لا يخرج)، أي: أراد أمية أن لا يخرج من مكة مع قريش إلى بدر، وفي المغازي: فقال أمية: والله لا أخرج من مكة، فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس فقال: أدركوا عيركم، فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان! إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما إذا غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة، ثم قال أمية: يا أم صفوان! جهزيني. فقالت له: يا أبا صفوان! أونسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: لا، ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا، فلما خرج أمية جعل لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره، فلم يزل بذلك حتى قتله الله، عز وجل، ببدر، وإنما سقت ما في المغازي لأنه كالشرح لما هنا، وقد ذكر الكرماني هنا شيئا بغير نظر ولا تأمل، حتى نسب بذلك إلى التغفل عند بعض الشراح، وهو أنه قال: فإن قلت: أين ما أخبر به سعد من كون أبي جهل قاتله أي قاتل أمية؟ قلت: أبو جهل كان السبب في خروجه، فكأنه قتله، إذ القتل كما يكون مباشرة قد يكون تسببا. انتهى. وإنما حمله على هذا الأمر العجيب لأنه فهم أن قول سعد لأمية: إنه قاتلك، أي: إن أبا جهل قاتلك، وليس كذلك، وإنما أراد سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقتل أمية، فلما فهم هذا الفهم استشكل ذلك بكون أبي جهل على دين أمية، ثم تعسف بالجواب كذلك.
3363 حدثني عبد الرحمان بن شيبة حدثنا عبد الرحمان بن المغيرة عن أبيه عن موساى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي بعض نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها عمر فاستحالت بيده غربا فلم أر عبقريا في الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن وقال همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فنزع أبو بكر ذنوبين..
مطابقته للترجمة من حيث أنه صلى الله عليه وسلم، أخبر عما رآه في المنام في أمر خلافة الشيخين، وقد وقع مثل ما قال على ما نذكره، ورؤيا الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، حق بلا خلاف.
وعبد الرحمان بن شيبة هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة أبو بكر الخوارزمي القرشي مولاهم المدني، وهو من أفراده، و عبد الرحمن بن المغيرة، بضم الميم وكسر الغين المعجمة: ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد أبو القاسم الحزامي المديني، يروي عن أبيه

158
المغيرة بن عبد الرحمن، وهو يروي عن موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني الإمام، وهو يروي عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التعبير عن أحمد بن يونس. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أحمد بن يونس به. وأخرجه الترمذي في الرؤيا عن محمد بن بشار. وأخرجه النسائي فيه عن يوسف ابن سعيد.
قوله: (في صعيد)، هو في اللغة وجه الأرض. قوله: (ذنوبا)، بفتح الذال المعجمة وهو الدلو الممتليء ماء، وقال ابن فارس: هو الدلو العظيم. قوله: (أو ذنوبين)، شك من الراوي. قوله: (وفي بعض نزعه)، أي: في استقائه. قوله: (ضعف)، بفتح الضاد المعجمة وضمها لغتان، وليس فيه حط من فضيلة أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وإنما هو إخبار عن حال ولايته، فإنه اشتغل بقتال أهل الردة فلم يتفرغ لفتح الأمصار وجباية الأموال، ولقصر مدته فإنها سنتان وثلاثة أشهر وعشرون يوما، وكذلك قوله: (والله يغفر له) ليس فيه تنقيص له ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة يدعمون بها كلامهم، ونعمت الدعامة. قوله: (ثم أخدها) أي: الذنوب، وقال الداودي: أي فأخذ الخلافة. قلت: لفظ الخلافة غير مذكور، وإنما الذنوب التي استحالت غربا كناية عن خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فاستحالت بيده غربا)، أي: تحولت من الصغر إلى الكبر، والغرب بفتح الغين المعجمة وسكون الراء: الدلو العظيم يسقى به البعير، فهي أكبر من الذنوب، وهيه الحال إنما حصله له لطول أيامه وما فتح الله له من البلاد والأموال والغنائم في عهده، وأنه مصر الأمصار، ودون الدواوين، وقال النووي: هذا المنام
مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم، إذ هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام وقرر القواعد، ثم خلفه أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، سنتين فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم، ثم خلفه عمر، رضي الله تعالى عنه، فاتسع الإسلام في زمنه، فقد شبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي به حياتهم وصلاحهم، وسقيهما قيامهما بمصالحهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم، قوله: (عبقريا)، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح القاف وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف، والعبقري: هو الحاذق في عمله، وهذا عبقري قومه أي سيدهم، وقيل: أصل هذا من عبقر وهي أرض يسكنها الجن، فصار مثلا لكل منسوب إلى شيء غريب في جودة صنعته وكمال رفعته، وقيل: عبقر قرية يعمل فيها الثياب الحسنة فينسب إليها كل شيء جيد. وقال الخطابي: العبقري كل شيء يبلغ النهاية في الخير والشر. قوله: (يفري فريه)، يفري: بكسر الراء، و: فريه، بفتح الفاء وسكون الراء وتخفيف الياء آخر الحروف، ويروى: فريه، بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد الياء أي: يعمل عملا مصلحا ويقطع قطعة مجيدا، يقال: فلان، يفري فريه، إذا كان يأتي بالعجب في عمله، وقال الخليل: يقال في الشجاع: ما يفري أحد فريه، مخففة الياء ومن شدد أخطأ، يقال: معناه ما كل أحد يفري على عمله. قوله: (حتى ضرب الناس بعطن)، والعطن مبرك الإبل حول موردها لتشرب عللا بعد نهل، وتستريح منه. وقال القاضي: ظاهر لفظ: (حتى ضرب الناس) أنه عائد إلى خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، وقيل: يعود إلى خلافتهما، لأن بتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر، لأن أبا بكر جمع شملهم وابتدأ الفتوح وتكامل في زمن عمر، رضي الله تعالى عنه، قوله: (وقال همام) أي: همام بن منبه (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذنوبين) يعني: من غير شك، وهذا تعليق وصله البخاري في التعبير من هذا الوجه من غيره.
4363 حدثني عباس بن الوليد النرسي حدثنا معتمر قال سمعت أبي حدثنا أبو عثمان قال أنبئت أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة فجعل يحدث ثم قام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لام سلمة من هاذا أو كما قال قال قالت هذا دحية قالت أم سلمة أيم الله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة نبي الله صلى الله عليه وسلم بخبر جبريل أو كما قال قال فقلت لأبي عثمان ممن سمعت هذا قال من أسامة بن زيد.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر جبريل، عليه الصلاة والسلام، وهو الذي كان يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، فكان علما من أعلام نبوته، وعباس، بتشديد الباء الموحدة: ابن الوليد أبو الوليد الرقام البصري، وهو من أفراده، مات سنة ثمان وثلاثين

159
ومائتين، والنرسي، بفتح النون وسكون الراء وبالسين المهملة، قال الكلاباذي: نرس لقد أحد أجداد عباس المذكور، وكان اسمه: نصر، فقال له بعض النبط: نرس، بدل نصر فبقي لقبا عليه، ومعتمر هو ابن سليمان التيمي وكان رأسا في العلم والعبادة كأبيه، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وأبوه سليمان بن طرخان التيمي من السادة تابعي، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة، وأبو عثمان اسمه عبد الرحمن بن مل النهدي، بفتح النون، ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث يأتي في فضائل القرآن. وأخرجه مسلم في فضائل أم سلمة، رضي الله تعالى عنها.
قوله: (أنبئت) على صيغة المجهول، أي: أخبرت، وهذا مرسل لكنه صار مسندا متصلا حيث قال في آخر الحديث: سمعته من أسامة بن زيد. قوله: (وعنده أم سلمة) جملة حالية، واسمها: هند بنت أبي أمية إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (فجعل) أي: جبريل يحدث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام. قوله: (أو كما قال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (قال: قالت) أي: قال أبو عثمان: قالت أم سلمة: هذا دحية، بكسر الدال المهملة وفتحها: ابن خليفة الكلبي الصحابي، وكان من أجمل الناس وكان جبريل، عليه الصلاة والسلام يأتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم على صورته ويظهر لغيره صلى الله عليه وسلم على صورته، وربما لا يراه إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (بخبر جبريل عليه الصلاة والسلام) بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة، ويروي: يخبر جبريل، على لفظ المضارع من أخبر، ويروي أيضا: خبر جبريل، بدون ياء الجر. قوله: (قال: فقلت لأبي عثمان) أي: قال سليمان بن طرخان والد معتمر المذكور لأبي عثمان عبد الرحمن المذكور (وممن سمعت هذا) أي: هذا الحديث، قال: سمعته (من أسامة بن زيد بن حارثة) وأمه أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى: حب النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة، وتوفي في آخر أيام معاوية سنة ثمان أو تسع وخمسين بالمدينة، رضي الله تعالى عنه.
بسم الله الرحمان الرحيم
62
((باب قول الله تعالى * (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) * (البقرة: 641).))
أي: هذا باب في بيان ما جاء من ذكر قول الله تعال: * (يعرفونه) * (البقرة: 641). الآية وأول الآية * (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه) * (البقرة: 641). الآية، أخبر الله تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، قال القرطبي: ويروى أن عمر، رضي الله تعالى عنه، قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدا كما تعرف ابنك؟ قال: نعم وأكثر، نزل الأمين من السماء بنعته فعرفته، وإنني لا أدري ما كان من أمه، وقيل: يعرفون محمدا كما يعرفون أبناءهم من بين أبناء الناس، لا يشك أحد ولا يتمارى في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء الناس كلهم، ثم أخبر الله تعالى أنهم مع هذا التحقق والإيقان العلمي * (ليكتمون الحق) * أي: ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم. * (وهم يعلمون) * أي: والحال أنهم يعلمون الحق. فإن قلت: ما وجه دخول هذا الباب المترجم في أبواب علامات النبوة المذكورة؟ قلت: من جهة أنه أشار في
الحديث إلى حكم التوراة، والنبي صلى الله عليه وسلم سألهم عما في التوراة في حكم من زنى، والحال أنه لم يقرأ التوراة ولا وقف عليها قبل ذلك، فظهر الأمر كما أشار إليه، وهو أيضا من أعظم علامات النبوة.
5363 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن اليهود جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقال نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما. قال عبد الله فرأيت الرجل يحنأ على المرأة يقيها الحجارة..

160
وجه المطابقة قد ذكرناه الآن. والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن إسماعيل بن أبي أويس، وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي الطاهر، وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به. وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن موسى عن معمر عنه به مختصرا. وأخرجه النسائي في الرجم عن قتيبة عنه بتمامه.
قوله: (فذكروا له) أي: للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أن رجلا منهم) أي: من اليهود (وامرأة زنيا) وفي رواية مسلم عن ابن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم رجم في الزنا يهوديين: رجل وامرأة زنيا، فأتت اليهود إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بهما... الحديث. قوله: (ما تجدون في التوراة؟) هذا السؤال ليس لتقليدهم، ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء، أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم، ولذلك لم يخف عليه حين كتموه. قوله: (في شأن الرجم) أي: في أمره وحكمه. قوله: (فقالوا: نفضحهم) أي: نكشف مساويهم، والاسم الفضيحة من: فضح فلان فلانا إذا كشف مساويه، وبينهما للناس، وفي رواية مسلم: (نسود وجوههما ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما). قوله: (ونحملهما)، بالحاء واللام في أكثر الروايات، وفي بعضها: (نجملهما) بالجيم المفتوحة، وفي بعضها: (نحممهما)، بميمين وكله متقارب، فمعنى: نحملهما يعني على الجمل، ومعنى الثاني: نجعلهما جميعا على الجمل، ومعنى الثالث: نسود وجوههما بالحمم، بضم الحاء وفتح الميم وهو: الفحم. قوله: (فقال عبد الله بن سلام)، بتخفيف اللام: ابن الحارث وهو إسرائيلي من بني قينقاع وهو من ولد يوسف الصديق وكان اسمه في الجاهلية الحصين فغيروه، وكان حليف الأنصار، مات سنة ثلاث وأربعين في ولاية معاوية بالمدينة، شهد له الشارع بالجنة. قوله: (أن فيها) أي: أن في التوراة (الرجم على الزاني) قوله: (فوضع أحدهم) أي أحد اليهود، هو عبد الله بن صوريا الأعور، وقال المنذري: إنه ابن صوري، وقيده بعضهم بكسر الصاد. قوله: (يحنأ)، بفتح الياء آخر الحروف وسكون الحاء المهملة وفتح النون وبالهمزة في آخره، قال الخطابي: من حنيت الشيء أحنيه إذا غطيته، والمحفوظ بالجيم والهمزة من: جنأ الرجل على الشيء يجنأ إذا أكب عليه، قيل: فيه سبع روايات كلها راجعة إلى الوقاية. قوله: (يقيها)، من وقى يقي وقاية، وهو الحفظ من وصول الحجارة إليها.
ذكر ما يستفاد منه فمنه: أن الشافعي وأحمد احتجا به أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان، وبه قال أبو يوسف، وعند أبي حنيفة ومحمد: من شروط الإحصان الإسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أشرك بالله فليس بمحصن)، والجواب عن الحديث أن ذلك كان يحكم التوراة قبل نزول آية الجلد في أول ما دخل صلى الله عليه وسلم المدينة، فصار منسوخا بها. ومنه: وجوب حد الزنا على الكافر ومنه أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع وفيه خلاف فقيل لا يخاطبون بها وقيل هم مخاطبون بالنهي دون الأمر ومنه: أن الكفار إذا تحاكموا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا، قاله النووي. قلت: اختلف العلماء في الحكم بينهم إذا ارتفعوا إلينا أواجب علينا أم نحن فيه مخيرون؟ فقالت جماعة من فقهاء الحجاز والعراق: إن الإمام أو الحاكم مخير، إن شاء حكم بينهم إذا تحاكموا إليه بحكم الإسلام، وإن شاء أعرض عنهم، وممن قال ذلك مالك والشافعي في أحد قوليه، وهو قول عطاء والشعبي والنخعي، وروي عن ابن عباس في قوله: * (فإن جاؤوك) * (المائدة: 24). قال: نزلت في بني قريظة، وهي محكمة: قال عامر والنخعي: إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم، وقال ابن القاسم: إن تحاكم أهل الذمة إلى حاكم المسلمين ورضي الخصمان به جميعا فلا يحكم بينهما إلا برضا من أساقفهما، فإن كره ذلك أساقفهم، فلا يحكم بينهم، وكذلك إن رضي الأساقفة ولم يرض الخصمان أو أحدهما لم يحكم بينهما، وقال الزهري: مضت النسة أن يرد أهل الذمة في حقوقهم ومعاملاتهم ومواريثهم إلى أهل دينهم إلا أن يأتوا راغبين في حكمنا فنحكم بينهم بكتاب الله تعالى. وقال آخرون: واجب على الحاكم أن يحكم بينهم إذا تحاكموا إليه بحكم الله تعالى، وزعموا أن قوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * (المائدة: 94). ناسخ للتخيير في الحكم بينهم في الآية التي قبل هذه، روي ذلك عن ابن عباس من حديث سفيان بن حسين، والحكم عن مجاهد عنه، ومنهم من يرويه عن سفيان والحكم عن مجاهد، قوله: وهو صحيح عن مجاهد وعكرمة وبه قال الزهري وعمر ابن عبد العزيز والسدي، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وهو أحد قولي الشافعي، إلا أن أبا حنيفة، قال إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل، وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم، وقال صاحباه: يحكم، وكذا أختلف أصحاب مالك.

161
72
((باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم فأراهم انشقاق القمر))
أي: هذا باب في بيان سؤال المشركين من أهل مكة أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، أي: معجزة خارقة للعادة، فأراهم النبي صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر، وهي معجزة عظيمة محسوسة خارجة عن عادة المعجزات، وقال الخطابي: انشقاق القمر آية عظيمة لا يعادلها شيء من آيات الأنبياء، لأنه ظهر في ملكوت السماء، والخطب فيه أعظم والبرهان به أظهر لأنه خارج عن جملة طباع ما في هذا العالم من العناصر.
7363 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا يونس حدثنا شيبان عن قتادة عن أنس بن مالك. وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي
الله تعالى عنه أنه حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر..

162
أخرج هذا الحديث من طريقين: أحدهما: عن عبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي عن يونس هو ابن محمد المؤدب البغدادي عن شيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي عن قتادة عن أنس. والثاني: عن خليفة بن خياط عن يزيد من الزيادة ابن زريع، بضم الزاي وفتح الراء: العيشي البصري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس، والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن عبد الله بن محمد. وأخرجه مسلم في التوبة عن زهير بن حرب وعبد بن حميد. قوله: (إن أهل مكة) أراد به: الكفار من قريش.
8363 حدثني خلف بن خالد القرشي حدثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن القمر انشق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم. خلف بن خالد القرشي المصري يروي عن بكر بن مضر بن محمد القرشي المصري ثم الكناني المدني، ويروي عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة القرشي المصري يروي عن عراك بن مالك الغفاري ثم الكناني المدني يروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة: ابن مسعود أحد الفقهاء السبعة، يروي عن عبد الله بن عباس، رضي الله تعالى عنهما.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن يحيى بن بكير وفي انشقاق القمر عن عثمان بن صالح. وأخرجه مسلم في التوبة عن موسى بن قريش، وهذا كما رأيت أخرج البخاري في انشقاق القمر هنا عن ثلاثة من الصحابة: أحدهم: عبد الله بن مسعود وقد أخرج البخاري حديثه مختصرا وليس فيه التصريح بحضور ذلك، وأورده في التفسير من طريق إبراهيم عن أبي معمر بتمامه، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشهدوا، وروى أبو نعيم في (الدلائل) من طريق عتبة بن عبد الله ابن عتبة عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود: فلقد رأيت أحد شقيه على الجبل الذي بمنى ونحن بمكة. والثاني: أنس بن مالك فإنه لم يحضر ذلك لأنه كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين، وكان أنس إذ ذاك ابن أربع أو خمس سنين بالمدينة. والثالث: ابن عباس، وهو أيضا لم يحضر ذلك، لأنه إذ ذاك لم يكن ولد.
وفي الباب عن جماعة من الصحابة: منهم: عبد الله بن عمر، أخرج حديثه الترمذي من حديث مجاهد عنه، قال: (انفلق القمر على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (اشهدوا). وقال: هذا حديث حسن صحيح، ومنهم: جبير بن مطعم، أخرج حديثه الترمذي أيضا من حديث محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: انشق القمر على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقال بعضهم لبعض: لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم، وعند عياض: وذلك بمنى، فرأيت الجبل بين فرجتي القمر، ومنهم: علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، قال: انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم: حذيفة بن اليمان، روى عنه أيضا كذلك.
82
((باب))
أي: هذا باب كذا وقع في الأصول: باب، بغير ترجمة وهو كالفصل لما قبله، وقال بعضهم: كان حق هذا الباب أن يكون قبل كل من البابين اللذين قبله. قلت: لا يحتاج إلى هذا الكلام ولا الاعتذار عنه، لأن البابين اللذين قبله من علامات النبوة أيضا، وهذا الباب المجرد في نفس الأمر ملحق بما ألحق به البابان اللذان قبله.
9363 حدثني محمد بن المثنى حدثنا معاذ قال حدثني أبي عن قتادة حدثنا أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين يضيآن بين أيديهما فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله. (انظر الحديث 564 وطرفه).
كرامة أحد من الصحابة وممن كان بعدهم من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ويلحق بها. ومحمد بن المثنى يروي عن معاذ بن هشام

163
وهو يروي عن أبيه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، واسم أبي عبد الله سنبر، وهو يروي عن قتادة. والحديث بعينه سندا ومتنا مر في باب مجرد بين أبواب المساجد، ومثل هذا هو المكرر حقيقة، وهو قليل، وقد مر الكلام فيه، والرجلان في الحديث: أسيد بن حضير، وعباد بن بشر.
0463 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس سمعت المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون.
هذا ملحق بأبواب علامات النبوة، وفيه معجزة ظاهرة، فإن هذا الوصف ما زال يحمد الله تعالى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن، ولا يزول حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث.
وعبد الله بن أبي الأسود، واسم أبي الأسود، حميد بن الأسود البصري، ويحيى القطان، وإسماعيل بن أبي خالد البجلي الكوفي، وقيس بن أبي حازم.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن عبيد الله بن موسى، وفي التوحيد عن شهاب بن عباد، وأخرجه مسلم في الجهاد عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن ابن أبي عمر.
قوله: (ظاهرين) من ظهرت أي: علوت، والواو في قوله: (وهم ظاهرون) للحال، واحتجت به الحنابلة على أنه لا يجوز خلو الزمان عن المجتهد. قوله: (حتى يأتيهم أمر الله) قال النووي: هو الريح الذي يأتي فيأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة، ويروى: حتى تقوم الساعة أي: تقرب الساعة، وهو خروج الريح، ويروى: لا تزال طائفة من أمتي، وهو في مسلم كذلك، قال البخاري: وأما هذه الطائفة فهم أهل العلم، وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم قال القاضي: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحق. وقال النووي: يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة من أنواع المؤمنين، فمنهم شجعان مقاتلون،
ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، ومنهم آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أنواع إخرى من أهل الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض. قال: وفيه دليل لكون الإجماع حجة، وهو أصح ما يستدل به من الحديث. وأما حديث: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) فضعيف.
1463 حدثنا الحميدي حدثنا الوليد قال حدثني ابن جابر قال حدثني عمير بن هانىء أنه سمع معاوية يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك. قال عمير فقال مالك بن يخامر قال معاذ وهم بالشأم فقال معاوية هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول وهم بالشأم..
الكلام في مطابقته للترجمة مثل الكلام في الحديث الماضي، والحميدي، بضم الحاء: عبيد الله بن الزبير بن عيسى نسبة إلى حميد أحد أجداده، والوليد هو ابن مسلم القرشي الأموي الدمشقي، وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد من الزيادة ابن جابر الأزدي الشامي، وعمير مصغر عمرو بن هانىء، بالنون بعد الألف: الشامي، مر في التهجد، ومعاوية بن أبي سفيان الأموي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن الحميدي عن الوليد، وأخرجه مسلم في الجهاد عن منصور بن أبي مزاحم.
قوله: (عمير) هو ابن هانىء الراوي. قوله: (فقال مالك بن يخامر) بضم الياء آخر الحروف وبالخاء المعجمة الخفيفة وبعد الألف ميم مكسورة: الشامي من كبار التابعين، وقيل: إن له صحبة وليس بصحيح، وماله في البخاري إلا هذا الحديث. قوله: (قال معاذ) هو معاذ بن جبل. قوله: (وهم بالشام) هذا مقول معاذ، أي: الأمة القائمة بأمر الله مستقرون بالشام. قوله: (فقال معاوية) هو ابن أبي سفيان. قوله: (هذا مالك) هو مالك بن يخامر المذكور. قوله: (سمع معاذا) يعني ابن جبل، وحديث مالك هذا غير مرفوع.

164
2463 حدثنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان حدثنا شبيب بن غرقدة قال سمعت الحي يحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه قال سفيان كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه قال سمعه شبيب من عروة فأتيته فقال شبيب إني لم أسمعه من عروة قال سمعت الحي يخبرونه عنه ولكن سمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة قال وقد رأيت في داره سبعين فرسا: قال سفيان يشتري له شاة كأنها أضحية.
فيه من علامات النبوة ما في قوله: (فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه) يظهر ذلك عند التأمل.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: علي بن عبد الله المعروف بابن المديني. الثاني: سفيان بن عيينة. الثالث: شبيب، بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة أخرى: ابن غرقدة، بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف: السلمي الكوفي من صغار التابعين الثقات وماله في البخاري غير هذا الحديث. الرابع: عروة بن الجعد أو ابن أبي الجعد البارقي، بالباء الموحدة: نسبة إلى بارق جبل باليمن، الصحابي، قال الشعبي: أول من قضى على الكوفة عروة بن الجعد البارقي، ويقال: إن عمر، رضي الله تعالى عنه، استعمله على الكوفة قبل أن يستقضي شريحا، رضي الله تعالى عنه. الخامس: الحسن بن عمارة، بضم العين المهملة وتخفيف الميم: ابن المضرب البجلي الكوفي الفقيه، كان على قضاء بغداد في خلافة أبي جعفر المنصور، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، وقال بعضهم: الحسن بن عمارة أحد الفقهاء المتفق على ضعف حديثهم. قلت: سفيان الثوري من أقرانه، وروي عنه أيضا سفيان بن عيينة وعبد الرزاق بن همام وأبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني ويحيى بن سعيد القطان وآخرون من أكابر المحدثين، وفي (التهذيب): قال عيسى بن يونس الرملي الفاخوري: سمعت أيوب بن سويد يقول: كنت عند سفيان الثوري فذكر الحسن بن عمارة فغمزه، فقلت له: يا أبا عبد الله! هو عندي خير منك. وقال: وكيف ذاك؟ قلت: جلست منه غير مرة فيجري ذكرك فما يذكرك إلا بخير. قال أيوب: ما ذكر سفيان الحسن بن عمارة بعد ذلك إلا بخير حتى فارقته، وقال الطحاوي: حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي، قال: سمعت علي ابن يونس المروزي يقول: سمعت جرير بن عبد الحميد، يقول: ما ظننت أني أعيش إلى دهر يحدث فيه عن محمد بن إسحاق، ويسكت فيه عن الحسن بن عمارة.
ذكر من أخرجه غيره: أخرجه أبو داود في البيوع عن مسدد وعن الحسن بن الصباح. وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد ابن سعيد الدارمي. وأخرجه ابن ماجة في الأحكام عن أحمد بن سعيد وعن أبي بكر بن أبي شيبة. وأما حديث الخيل فقد أخرجه البخاري في الجهاد وفي الخمس وقد ذكرنا هناك ما يتعلق به.
ذكر معناه: قوله: (سمعت الحي)، أي: قبيلته المنسوبين إلى بارق، نزله بنو سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر مزيقاء، وهذه العبارة تقتضي أن يكون سمعه من جماعة وأقلهم ثلاثة. وقال الخطابي والبيهقي وآخرون: هذا الحديث غير متصل لأن أحدا من الحي لم يسم. وفي (التوضيح): وفيه جهالة الحي كما ترى، فهو غير متصل، والشافعي توقف فيه في: بيع الفضولي، وقال: إن صح قلت به، كذا في البويطي، وحكى المزني عن الشافعي أنه حديث ليس بثابت عنده، قال البيهقي: وإنما ضعفه الشافعي لأن شبيب بن غرقدة رواه عن الحي وهم غير معروفين، وفي موضع آخر: إنما قال الشافعي لما في إسناده من الإرسال، وهو أن شبيب بن غرقدة لم يسمعه من عروة البارقي، إنما سمعه من الحي يخبرونه عنه، وقال في موضع آخر: الحي الذي أخبر شبيب ابن غرقدة عن عروة لا نعرفهم، وليس هذا من شرط أصحاب الحديث في قبول الأخبار، وقال المنذري في (اختصاره للسنن):

165
تخريج البخاري لهذا الحديث في صدر حديث: الخير معقود في نواصي الخيل، يحتمل أن يكون سمعه من علي بن المديني على التمام فحدث به كما سمعه، وذكر فيه إنكار شبيب سماعه من عروة حديث الشاة، وإنما سمعه من الحي عن عروة. وإنما سمع من عروة. قولهصلى الله عليه وسلم: (الخير معقود بنواصي الخيل)، ويشبه
أن الحديث لو كان على شرطه لأخرجه في البيوع والوكالة كما جرت عادته في الحديث الذي يشتمل على أحكام أن يذكره في الأبواب التي تصلح له، ولم يخرجه إلا هنا، وذكر بعده حديث الخيل من رواية ابن عمر وأنس وأبي هريرة، رضي الله تعالى عنهم، فدل ذلك على أن مراده حديث الخيل فقط، إذ هو على شرطه، وقد أخرج مسلم حديث شبيب بن غرقدة عن عروة مقتصرا على ذكر الخيل، ولم يذكر حديث الشاة. انتهى. قلت: قوله: فدل ذلك أن مراده حديث الخيل فقط، إذ هو على شرطه، فيه نظر، لأنه لو كان الأمر كما ذكره يعكر عليه ذكره بين أبواب علامات النبوة لعدم المناسبة من كل وجه، وقال الكرماني فإن قلت: فالحديث من رواية المجاهيل إذا لحي مجهول. قلت: إذا علم أن شبيبا لا يروي إلا عن عدل فلا بأس به، أو لما كان ذلك ثابتا بالطريق المعين المعلوم اعتمد على ذلك فلم يبال بهذا الإبهام، أو أراد نقله بوجه آكد، إذ فيه إشعار بأنه لم يسمع من رجل واحد فقط، بل من جماعة متعددة ربما يفيد خبرهم القطع به. انتهى. قلت: كلامه يدل على أن الحديث المذكور متصل عنده، وأن الجهالة بهذا الوجه غير مانعة من القول بالاتصال، وأن الراوي إذا كان معروفا عندهم بأنه لا يروي إلا عن عدل فإذا روى عن مجهول لا يضره ذلك، وأن الرواية عن جماعة مجهولين لست كالرواية عن مجهول واحد. قوله: (أعطاه دينارا) أي: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم، لعروة دينارا ليشتري له به شاة، وفي رواية أحمد وغيره عن عروة بن الجعد، قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا، فقال: أي عروة أئت الجلب فاشتر لنا شاة، قال: فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار. قوله: (فدعا له بالبركة في بيعه)، وفي رواية أحمد، فقال: (اللهم بارك له في صفقته). قوله: (وكان لو اشترى التراب لربح فيه). وفي رواية أحمد، قال: (لقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفا قبل أن أصل إلى أهلي) قال: وكان يشتري الجواري ويبيع.
قوله: (قال سفيان)، يعني: ابن عيينة، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث)، أي: الحديث المذكور عنه، أي: عن شبيب بن غرقدة، وقد ذكرنا عن قريب ترجمة الحسن وما للحسن في البخاري إلا هذا الموضع. قوله: (قال)، أي: الحسن بن عمارة سمعه شبيب عن عروة. قوله: (فأتيته)، أي: قال سفيان: أتيت شبيبا، فلما جاء سأله قال شبيب: إني لم أسمعه أي: الحديث من عروة، قال: أي عروة، سمعت الحي يخبرونه عنه أي: يخبرون الحديث عن عروة، وقال بعضهم: أراد البخاري بذلك بيان ضعف رواية الحسن بن عمارة، وأن شبيبا لم يسمع الخبر من عروة، وإنما سمعه من الحي ولم يسمع عن عروة، فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم. انتهى. قلت: لم تجر عادة البخاري أن يذكر في (صحيحه) حديثا ضعيفا ثم يشير إليه بالضعف، ولو ثبت عنده ضعفه لاكتفى بحديث الخيل كما اكتفى به مسلم في (صحيحه) والكلام في سماعه من الحي قد مر عن قريب، على أنه قد وجد له متابع من رواية أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجة من طريق سعيد بن زيد عن الزبير ابن الخريت عن أبي لبيد، قال: حدثني عروة البارقي، قال: (دفع إلي رسول الله، صلى الله عليه وسلم دينارا لأشتري له شاة، فاشتريت له شاتين، فبعت إحداهما بدينار وجئت بالشاة والدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم) فذكر له ما كان من أمره فقال له: (بارك الله لك في صفقة يمينك) الحديث. فإن قلت: سعيد بن زيد ضعيف ضعفه يحيى القطان، وأبو الوليد ليس بمعروف العدالة. قلت: سعيد بن زيد من رجال مسلم، واستشهد به البخاري، ووثقه حماعة، وأبو لبيد اسمه لمازة، بضم اللام: ابن زبار، بفتح الزاء وتشديد الباء الموحدة، وقد ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية. وقال: سمع من علي وكان ثقة، وقال أحمد: صالح الحديث وأثنى عليه ثناء حسنا. وقال الكرماني: فإن قلت: الحسن بن عمارة كاذب يكذب، فكيف جاز النقل عنه؟ قلت ما أثبت شيء بقوله من هذا الحديث مع احتمال أنه قال ذلك بناء على ظنه! انتهى. قلت: قد أبشع في العبارة فلم يكن من دأب العلم أن يذكر شخصا عالما باتفاقهم فقيها متقدما في زمانه علماأ ورئاسة بهذ العبارة الفاحشة، ولكن الداعي في ذلك له ولأمثاله أريحية التعصب بالباطل، وقد ذكرنا عن قريب ما قاله جرير بن عبد الحميد من الثناء عليه. قوله: (قال سفيان: يشتري له شاة) أي: قال

166
سفيان بن عيينة أيضا، وهو أيضا موصول بالإسناد الأول. قوله: (في داره) أي: في دار عروة، والقائل بالرؤية هو شبيب. قوله: (له)، أي: لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (كأنها أضحية)، الظاهر أن هذه اللفظة مدرجة من سفيان، وقد احتج بالحديث المذكور وأبو حنيفة وإسحاق ومالك في المشهور عنه على جواز بيع الفضولي، لأن عروة لم يكن وكيلا إلا في الشراء، وقال الكرماني: والجواب عنه احتمال أن يكون وكيلا مطلقا في البيع والشراء. انتهى. قلت: هذا عجيب يترك الظاهر حقيقة ويعمل بالاحتمال، وعن الشافعي قولان في بيع الفضولي، وقد ذكرناه عن قريب. وفي (التوضيح): واختلف قول المالكية فيما إذا أمر بشراء سلعة بكذا فوجد سلعتين في صفة ما أمر به، وثمنهما ما أمر أن يشتري به واحدة، وقد رضي بشراء واحدة به، فقال ابن القاسم: الآمر مخير إن شاء أخذ واحدة بحصتها من الثمن ويرجع ببقية الثمن على المأمور، وإن شاء أخذهما جميعا، وقال إصبغ: عند ابن حبيب تلزمان الآمر جميعا، وقال عبد الملك في (مبسوطه) إن شاء الآمر أخذهما جميعا أو تركهما جميعا.
4463 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. (انظر الحديث 9482).
مطابقته للترجمة كما قبله من أن فيه علامة من علامات النبوة، وهو إخباره عن أمر مستمر إلى يوم القيامة، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. والحديث مر في الجهاد في: باب الخيل معقود في نواصيها الخير، فإنه أخرجه هناك: عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع... إلى آخره نحوه، وقد مر الكلام فيه هناك.
5463 حدثنا قيس بن حفص حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخيل معقود في نواصيها الخير. (
انظر الحديث 1582).
مطابقته لما قبله ظاهرة، وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري، وهو من أفراده. وخالد بن الحارث أبو عثمان الهجيمي البصري، وأبو التياح، بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف حاء مهملة: واسمه يزيد بن حميد، وقد مر الحديث في الجهاد فإنه أخرجه هناك: عن مسدد عن يحيى عن شعبة عن أبي التياح عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (البركة في نواصي الخيل)، وقد مر الكلام فيه.
6463 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة وما أصابت في طيلها من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت أرواثها حسنات ولو أنها مرت بنهر فشربت ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له ورجل ربطها تغنيا وسترا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها فهي له كذلك ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي وزر وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ما أنزل علي فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (الزلزلة: 7 8)..
وجه المطابقة في ذكره عقيب أبواب علامات النبوة يمكن أن يقال فيه: إن فيه من جملة ما أخبر به ما وقع كما أخبر، وقد مضى هذا الحديث بعين هذا الإسناد عن عبد الله بن مسلمة عن مالك، وبعين هذا المتن في الجهاد في: باب الخيل لثلاثة، وهذا هو المكرر الحقيقي، وقد مضى الكلام فيه مستوفى، والمرج، بالجيم الموضع الذي يرعى فيها الدواب، والطيل بكسر الطاء المهملة وفتح الياء آخر الحروف: الحبل الذي يطول للدابة ترعى فيه، والاستنان العدو والشرف الشوط، وأصله المكان العالي. قوله: (أرواثها).

167
وفي كتاب الشرب آثارها، وفي الجهاد جمع بينهما، والنواء، بكسر النون وبالمد: المناوأة وهي العداوة، والحمر، بضم الحاء المهملة جمع الحمار، قال الكرماني: وكثيرا يصحفون بالخمر بالمعجمة أي: في صدقة الخمر.
7463 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا أيوب عن محمد سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بكرة وقد خرجوا بالمساحي فلما رأوه قالوا محمد والخميس وأحالوا إلى الحصن يسعون فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين..
وجه المطابقة فيه مثل ما ذكرنا أنه أخبر عن خراب خيبر فوقع كما أخبر، وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين.
والحديث مضى في الجهاد في: باب التكبير عند الحرب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن سفيان... إلى آخره.
قوله: (والخميس)، أي: الجيش وسمي به لأنه خمسة أقسام: الميمنة والميسرة والمقدمة والساقة والقلب. قوله: (وأحالوا)، بالحاء المهملة أي: أقبلوا، وقيل: تحولوا، قال أبو عبد الله: يقال: أحال الرجل إلى مكان كذا تحول إليه، وقال الخطابي: حلت عن المكان تحولت عنه، ورواه بعضهم عن أبي ذر بالجيم، قال في (التوضيح): وليس بشيء، وقال الكرماني: وأحالوا، بالحاء المهملة: أقبلوا، وبالجيم من الجولان. قوله: (يسعون)، حال. قوله: (فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه)، قال الكرماني: قال البخاري: لفظ (فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه) غريب أخشى أن يكون محفوظا. قوله: (خربت خيبر) أي: ستخرب في توجهنا إليها.
8463 حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا ابن أبي الفديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله إني سمعت منك حديثا كثيرا فأنساه قال صلى الله عليه وسلم ابسط رداءك فبسطته فغرف بيده فيه ثم قال ضم فضممته فما نسيت حديثا بعد..
وجه المطابقة فيه أن فيه علامة من علامات النبوة على ما لا يخفى. وإبراهيم بن المنذر أبو إسحاق الحزامي المديني، وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل، واسم أبي فديك، بضم الفاء: دينار الديلمي المديني، وابن أبي ذئب، بكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسمه هشام المدني، والمقبري، بفتح الميم وسكون القاف وضم الباء الموحدة: هو سعيد بن أبي سعيد، واسم أبيه كيسان المديني، وهؤلاء كلهم مدنيون، والحديث قد مضى في كتاب العلم في: باب من حفظ العلم عن أبي مصعب عن أحمد بن أبي بكر عن محمد بن إبراهيم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة. قوله: (فما نسيت حديثا بعد)، وهناك: (فما نسيت شيئا بعده).
1
((باب في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والفضائل جمع الفضيلة وهي خلاف النقيصة، كما أن الفضل خلاف النقص، والفضل في اللغة الزيادة من: فضل يفضل من باب نصر ينصر، وفيه لغة أخرى: فضل يفضل، من باب علم يعلم، حكاها ابن السكيت، وفيه لغة مركبة منهما: فضل بالكسر يفضل بالضم، وهو شاذ لا نظير له، وقال سيبويه: هذا عند أصحابنا إنما يجيء على لغتين، وفي بعض النسخ: باب فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أبي ذر وحده: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا بدون لفظة: باب، والمراد بالفضائل: الخصال الحميدة والخلال المرضية المشكورة، والأصحاب
جمع صحب مثل فرخ وأفراخ، قاله الجوهري: والصحابة، بالفتح: الأصحاب وهي في الأصل مصدر وجمع الأصحاب أصاحيب من صحبه يصحبه صحبة، بالضم وصحابة بالفتح، وجمع الصاحب صحب، مثل: راكب وركب، وصحبة بالضم مثل: فاره وفرهة، وصحاب مثل: جائع وجياع، وصحبان مثل: شاب وشبان.

168
ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه
أشار بهذا إلى تعريف الصاحب، وفيه أقوال:
الأول: ما أشار إليه البخاري بقوله: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، وقال الكرماني: يعني الصحابي مسلم صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه، وضمير المفعول للنبي صلى الله عليه وسلم والفاعل للمسلم على المشهور الصحيح، ويحتمل العكس لأنهما متلازمان عرفا. فإن قلت: الترديد ينافي التعريف. قلت: الترديد في أقسام المحدود يعني الصحابي: قسمان لكل منهما تعريف. فإن قلت: إذا صحبه فقد رآه. قلت: لا يلزم، إذ عبد الله بن أم مكتوم صحابي اتفاقا مع أنه لم يره. انتهى. قلت: من، في محل الرفع على الابتداء وهي موصولة، و: صحب، صلتها، وقوله: أوراه، عطف عليه أو رأى النبي صلى الله عليه وسلم، الصاحب ويحتمل العكس، كما قاله الكرماني، لكن الأول أولى ليدخل فيه مثل ابن أم مكتوم. وقوله: (فهو من أصحابه) جملة في محل الرفع على أنها خبر المبتدأ، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ الشرط. وقوله: (من المسلمين) قيد ليخرج به من صحبه أو رآه من الكفار، فإنه لا يسمى صحابيا، قيل: في كلام البخاري نقص ما يحتاج إلى ذكره، وهو: ثم مات على الإسلام، والعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال: الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مات على الإسلام، ليخرج من ارتد ومات كافرا: كابن خطل وربيعة بن أمية ومقيس بن صبابة ونحوهم، ومنهم من اشترط في ذلك أن يكون حين اجتماعه به بالغا، وهو مردود لأنه يخرج مثل الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما، ونحوه من أحداث الصحابة.
القول الثاني: إنه من طالت صحبته له وكثرت مجالسته مع طريق التبع له والأخذ عنه، هكذا حكاه أبو المظفر السمعاني عن الأصوليين، وقال: إن اسم الصحابي يقع على ذلك من حيث اللغة، والظاهر قال: وأصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة على كل من روى عنه حديثا أو كلمة يتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة ومن ارتد ثم عاد إلى الإسلام لكن لم يره ثانيا بعد عوده، فالصحيح أنه معدود في الصحابة لإطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس ونحوه ممن وقع له ذلك، وإخراجهم أحاديثهم في المسانيد، وقال الآمدي: الأشبه أن الصحابي من رآه وحكاه عن أحمد وأكثر أصحاب الشافعي، واختاره ابن الحاجب أيضا، لأن الصحبة تعم القليل والكثير، وفي كلام أبي زرعة الرازي وأبي داود ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية، فإنهما قالا في طارق بن شهاب: له رؤية وليست له صحبة، قال شيخنا: ويدل على ذلك ما رواه محمد بن سعد في (الطبقات): عن علي بن محمد عن شعبة عن موسى السيناني قال: أتيت أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، فقلت: أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: قد بقي قوم من الأعراب، فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي، قال ابن الصلاح: إسناده جيد.
القول الثالث: ما روى عن سعيد بن المسيب أنه لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين، وهذا فيه ضيق يوجب أن لا يعد من الصحابة جرير بن عبد الله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ممن لا نعلم خلافا في عده من الصحابة، قال شيخنا: هذا عن ابن المسيب لا يصح، لأن في إسناده محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث.
القول الرابع: إنه يشترط مع طول الصحبة الأخذ عنه، حكاه الآمدي عن عمرو بن بحر أبي عثمان الجاحظ من أئمة المعتزلة، قال فيه ثعلب: إنه غير ثقة ولا مأمون، ولا يوجد هذا القول لغيره.
القول الخامس: أنه من رآه مسلما بالغا عاقلا حكاه الواقدي عن أهل العلم والتقييد بالبلوغ شاذ وقد مر عن قريب.
القول السادس: إنه من أدرك زمنه صلى الله عليه وسلم، وهو مسلم، وإن لم يره، وهو قول يحيى بن عثمان المصري، فإنه قال فيمن دفن أي بمصر من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم ممن أدركه ولم يسمع منه أبو تميم الجيشاني، واسمه عبد الله بن مالك. انتهى. وإنما هاجر أبو تميم إلى المدينة في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه باتفاق أهل السير، وممن حكى هذا القول من الأصوليين: القرافى في (شرح التنقيح) وكذلك، إن كان صغيرا محكوما بإسلامه تبعا لأحد أبويه.
فائدة: وتعرف الصحبة إما بالتواتر: كأبي بكر وعمر وبقية العشرة وخلق منهم، وإما بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر: كعكاشة بن محصن وضمام بن ثعلبة وغيرهما، وإما بإخبار بعض الصحابة عنه أنه صحابي: كحميمة بن أبي حميمة

169
الدوسي الذي مات بأصبهان مبطونا، فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم له بالشهادة، ذكر ذلك أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) وإما بإخباره عن نفسه أنه صحابي بعد ثبوت عدالته قبل إخباره بذلك، هكذا أطلق ابن الصلاح تبعا للخطيب، وقال شيخنا: لا بد من تقييد ما أطلق من ذلك بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر، أما لو ادعاه بعد مضي مائة سنة من حين وفاته، صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقبل، وإن كان قد ثبتت عدالته قبل ذلك لقوله، صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: أرأيتم ليلتكم هذه، فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى أحد ممن على وجه الأرض، يريد انخرام ذلك القرن، فإن ذلك في سنة وفاته، صلى الله عليه وسلم، وقد اشترط الأصوليون في قبول ذلك منه أن يكون عرفت معاصرته للنبي، صلى الله عليه وسلم، قال الآمدي: فلو قال من عاصره: أنا صحابي مع إسلامه وعدالته، فالظاهر صدقه.
9463 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمر و قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما يقول حدثنا أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون أفيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون لهم نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم. (انظر الحديث 7982 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وفيه رواية الصحابي عن الصحابي، والحديث مضى في الجهاد في: باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، فإنه أخرجه هناك: عن عبد الله بن محمد عن سفيان عن عمرو إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فئام)، بكسر الفاء: الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه، والعامة تقول: فيام، بلا همزة.
0563 حدثني إسحاق حدثنا النضر أخبرنا شعبة عن أبي جمرة سمعت زهدم بن مضرب قال سمعت عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم: قال عمران فلا أدري أذكر بعد قوله قرنين أو ثلاثا ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم السمن.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق هو ابن راهويه، وبذلك جزم ابن السكن وأبو نعيم في (المستخرج) وقال الكرماني: إسحاق إما ابن إبراهيم وإما ابن منصور، والنضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: ابن شميل مصغر الشمل بالمعجمة، مر في الوضوء، وأبو جمرة، بفتح الجيم وبالراء: نضر بن عمران صاحب ابن عباس، وزهدم، بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة وفي آخره ميم: ابن مضرب بلفظ اسم الفاعل من التضريب بالضاد المعجمة: الجرمي، بفتح الجيم.
والحديث مضى في كتاب الشهادات في: باب لا يشهد على جور، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (خير أمتي قرني) أي: أهل قرني، وهم الصحابي، والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة واختلف في القرن من عشرة إلى مائة وعشرين، والأكثرون على أنه ثلاثون سنة. قوله: (ثم الذين يلونهم) أي: القرن الذي بعدهم، وهم التابعون. قوله: (فلا أدري) شك عمران بعد قرنه: هل ذكر قرنين أو ذكر ثلاثة؟ وجاء أكثر طرق هذا الحديث بغير شك، وروى مسلم من حديث عائشة، قال رجل: يا رسول الله! أي الناس خير؟ قال: القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني ثم الثالث، وروى الطيالسي من حديث عمر يرفعه: خير أمتي القرن الذي أنا فيه والثاني ثم

170
الثالث. ووقع في حديث جعدة بن هبيرة، ورواه ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع، ولفظه: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم الآخرون أردى، ورجاله ثقات إلا أن جعدة بن هبيرة مختلف في صحبته. فإن قلت: روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين بإسناد حسن، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ليدركن المسيح أقواما إنهم لمثلكم أو خير ثلاثا، ولن يخزى الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها، وروى ابن عبد البر من حديث عمر، رضي الله تعالى عنه، رفعه: أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني. قلت: لا يقاوم المسند الصحيح والثاني ضعيف. قوله: (ثم إن من بعدكم قوما) بنضب قوما عند الأكثرين، ويروى: قوم، بالرفع قال بعضهم: يحتمل أن يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف في المنصوب، ويحتمل أن يكون: إن، تقريرية بمعنى: نعم، وفيه بعد وتكلف. انتهى. قلت: الاحتمال الأول أبعد من الثاني، والوجه فيه أن يكون ارتفاع قوم على تقدير صحة الرواية بفعل محذوف تقديره: أن بعدكم يجيء قوم، قوله: (يشهدون ولا يستشهدون) معناه: يظهر فيهم شهادة الزور. قوله: (ويخونون ولا يؤتمنون) قيل: يطلبون الأمانة، ثم يخونون فيها، وقيل: ليسوا ممن يوثق بهم. قوله: (وينذرون) بضم الذال وكسرها. قوله: (ويظهر فيهم السمن) بكسر السين وفتح الميم، قيل: معناه يكثرون بما ليس فيهم من الشرف، وقيل: يجمعون الأموال من أي وجه كان، وقيل: يغفلون عن أمر الدين ويقللون الاهتمام به، لأن الغالب على السمين أن لا يهتم بالرياضة، والظاهر أنه حقيقة في معناه وقالوا: المذموم منه ما يتكسبه، وأما الخلقي فلا.
1563 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته. قال إبراهيم وكانوا يضربونا على الشهادة والعهد ونحن صغار.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسفيان هو ابن عيينة، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي، وعبيدة، بفتح العين وكسر الباء الموحدة: ابن قيس بن عمرو السلماني، بفتح السين وسكون اللام: المرادي، قال العجلي: هو جاهلي أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بسنتين وكان أعور.
والحديث بعينه بهذا الإسناد والمتن مضى في الشهادات في: باب لا يشهد على شهادة جور، وهذا مكرر حقيقة، غير أن هنا لفظ: ونحن صغار، ليس هناك.
قوله: (ويمينه شهادته) أي: ويسبق يمينه شهادته، قيل: هذا دور، وأجيب بأن المراد بيان حرصهم على الشهادة وترويجها يحلفون على ما يشهدون به، فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون، أو هو مثل في سرعة الشهادة واليمين وحرص الرجل عليهما حتى لا يدري بأيهما يبتديء، فكأنهما يتسابقان لقلة مبالاته في الدين. قوله: (يضربونا) وروى يضربوننا، أي: على الجمع بين اليمين والشهادة، والمراد من العهد هنا اليمين.
2
((باب مناقب المهاجرين وفضلهم))
أي: هذا باب في بيان مناقب المهاجرين، والمناقب جمع منقبة، وهو ضد المثلبة والمهاجرون هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة إلى الله تعالى، وقيل: المراد بالمهاجرين من عدا الأنصار، ومن أسلم يوم الفتح وهلم جرا، فالصحابة من هذه الحيثية ثلاثة أصناف والأنصار هم الأوس والخزرج وحلفاؤهم ومواليهم، وسقط لفظ:
باب في رواية أبي ذر.
منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي رضي الله تعالى عنه
أي: من المهاجرين ومن سادتهم أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، وجزم البخاري بأن اسمه: عبد الله، وهو المشهور، وفي (التلويح): كان اسمه في الجاهلية: عبد الكعبة، وسمي في الإسلام: عبد الله، وكانت أمه تقول:
* يا رب عبد الكعبة
* استمع به يا ربه
*
* فهو بصخر أشبه
*
وصخر اسم أبي أمه، واسمها: سلمى بنت صخر بن مالك بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن

171
لؤي بن غالب وكانت تكنى أم الخير. قوله: (ابن أبي قحافة)، بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف فاء، واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب، والباقي ذكرناه الآن يلتقي مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مرة ابن كعب، أسلم أبواه وأمه أيضا هاجرت، وذلك معدود من مناقبه لأنه انتظم إسلام أبويه وجميع أولاده، وسمي أيضا الصديق في الإسلام لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لما أسري به قال لجبريل عليه الصلاة والسلام: إن قومي لا يصدقوني، فقال له جبريل: يصدقك أبو بكر، وهو الصديق)، وعن إبراهيم النخعي كان يسمى الأواه، وكان يسمى أيضا عتيقا لقدمه في الإسلام. وفي الخير، وقيل لحسنه وجماله، وسئل أبو طلحة لم سمي أبو بكر عتيقا، فقال: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، ثم قالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي، وقال ابن المعلى، فكانت أمه إذا نقزته، قالت:
* عتيق ما عتيق
* ذو المنظر الأنيق
*
* رشفت منه ريق
* كالزرنب العتيق
*
وقيل: سمي بالعتيق لأنه عتيق من النار، وفي (ربيع الأبرار) للزمخشري: قالت عائشة، رضي الله تعالى عنها: كان لأبي قحافة ثلاثة من الولد أسماؤهم عتيق ومعتق ومعيتق، وفي (الوشاح) لابن دريد: كان يلقب ذو الخلال لعباءة كان يخلها على صدره، وقال السهيلي: وكان يلقب أمير الشاكرين، وأجمع المؤرخون وغيرهم على أنه يلقب خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حاشى ابن خالويه فإنه قال في كتاب (ليس): الفرق بين الخليفة والخالفة أن الخالفة الذي يكون بعد الرئيس الأول، قالوا لأبي بكر: أنت خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إني لست خليفة، ولكني خليفته، كنت بعده، أي بقيت بعده واستخلفت فلانا جعلته خليفتي، وقد ردوا عليه ذلك، وولي أبو بكر الخلافة بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سنتين ونصفا، وقيل: سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وقيل: ثلاثة أشهر إلا خمس ليال، وقيل: ثلاثة أشهر وسبع ليال، وقيل: ثلاثة أشهر واثني عشر يوما، وقيل: عشرين شهرا، واستكمل بخلافته سن النبي صلى الله عليه وسلم، فمات وهو ابن ثلاث وستين سنة، وصلى عليه عمر بن الخطاب في المسجد ودفن ليلا في بيت عائشة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونزل في قبره عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وتوفي يوم الاثنين، وقيل: ليلة الثلاثاء الثمان، وقيل: لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
وقول الله تعالى: * (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) * (الحشر: 8). وقال الله تعالى: * (إلا تنصروه فقد نصره الله) * إلى قوله * (إن الله معنا) * (التوبة: 04).
وقول الله، بالجر عطفا على قوله: مناقب المهاجرين، المجرور بإضافة الباب إليه، وعلى قول أبي ذر وقول الله، بالرفع لأنه عطف على لفظ: مناقب المرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه مناقب المهاجرين، قوله تعالى: للفقراء المهاجرين، قال الزمخشري: للفقراء، بدل من قوله: لذي القربى، والمعطوف وهو قوله: * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى) * (الحشر: 7). قوله: (الذين أخرجوا) أي: أخرجهم كفار مكة من ديارهم. قوله: (يبتغون فضلا) أي: يطلبون بهجرتهم فضل الله وغفرانه. قوله: (وينصرون الله)، أي: دين الله وشرع نبيه. قوله: (أولئك هم الصادقون) أي: حققوا أقوالهم بأفعالهم إذ هجروا ديارهم لجهاد أعداء الله تعالى. قوله تعالى: * (إلا تنصروه) * يعني: إلا تنصروا رسوله فإن الله ناصره ومؤيده وحافظه وكافيه، كما تولى نصره إذ أخرجه الذين كفروا. قوله: (إلى قوله: إن الله معنا)، في رواية الأصيلي وكريمة، هكذا: إلى قوله: إن الله معنا، ويروي الآية، وتمامها: * (إذ أخرجه
الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) * (التوبة: 04). قوله: (إذا أخرجه)، أي:

172
حين أخرج النبي صلى الله عليه وسلم القوم الذين كفروا، وهم أهل مكة من كفار قريش. قوله: (ثاني اثنين) حال من الضمير المنصوب في إذ أخرجه الذين كفروا، يقال: ثاني اثنين، يعني أحد الاثنين، وهما: رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق، ويروى أن جبريل، عليه الصلاة والسلام، لما أمره بالخروج قال: من يخرج معي؟ قال: أبو بكر، وقرئ: ثاني اثنني، بالسكون قوله: (إذ هما) بدل من قوله (إذ أخرجه) والغار ثقب في أعلى ثور جبل من جبال مكة على مسيرة ساعة قوله (إذ يقول)، بدل ثان، وصاحبه: هو أبو بكر، وقالوا: من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كلام الله، وليس ذلك لسائر الصحابة. قوله: (فأنزل الله سكينته) أي: تأييده ونصره عليه، أي: على رسول الله، صلى الله عليه وسلم في أشهر القولين، وقيل: على أبي بكر، روي عن ابن عباس وغيره، قالوا: لأن الرسول لم تزل معه سكينة، وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال. قوله: (وأيده بجنود) أي: الملائكة. قوله: (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى) قال ابن عباس: أراد بكلمة الذين كفروا: الشرك، وأراد بكلمة الله: لا إلاه إلا الله. * (والله عزيز) * في انتقامه من الكافرين: * (حكيم) * في تدبيره.
قالت عائشة وأبو سعيد وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وكان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار
أما قول عائشة فسيأتي مطولا في: باب الهجرة إلى المدينة، وفيه: ثم لحق رسول الله، صلى الله عليه وسلم بغار في جبل ثور، وأما قول أبي سعيد فقد أخرجه ابن حبان من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عنه في قصة بعث أبي بكر إلى الحج، وفيه: فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم أنت أخي وصاحبي في الغار، وأما قول ابن عباس، فقد أخرجه أحمد والحاكم من طريق عمرو بن ميمون عنه، قال: كان المشركون يرمون عليا وهم يظنون أنه النبي صلى الله عليه وسلم... الحديث، وفيه: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار.
2563 حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال اشتري أبو بكر رضي الله تعالى عنه من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما فقال أبو بكر لعازب مر البراء فليحمل إلي رحلي فقال عازب لا حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكم قال ارتحلنا من مكة فأحيينا أو سرينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوى إليه فإذا صخرة أتيتها فنظرت بقية ظل لها فسويته ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه ثم قلت له اضطجع يا نبي الله فاضطجع النبي صلى الله عليه وسلم ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أري من الطلب أحدا فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا فسألته فقلت له لمن أنت يا غلام قال لرجل من قريش سماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قلت فهل أنت حالب لبنا قال نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه فقال هكذا ضرب إحدى كفيه بالأخرى فحلب لي كثبة من لبن وقد جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقته قد استيقظ فقلت له اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم قلت قد آن الرحيل يا رسول الله قال بلى فارتحلنا والقوم يطلبونا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله فقال لا تحزن إن الله معنا..
مطابقته للترجمة تؤخذ من حيث إن فيه فضيلة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. وعبد الله بن رجاء، بالجيم والمد: ابن المثنى

173
الفداني أبو عمرو البصري، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، يروي عن جده أبي إسحاق، واسمه عمرو بن عبد الله الكوفي، والبراء بن عازب بن الحارث الأنصاري الخزرجي الأوسي.
والحديث مضى عن قريب في: باب علامات النبوة، ومضى الكلام فيه هناك، ولنذكر هنا ما يحتاج إليه.
قوله: (أو سرينا) شك من الراوي، من: السرى، وهو المشي في الليل قوله: (حتى أظهرنا) كذا عند أبي ذر بالألف، وأسقطها غيره والصواب الأول، أي: صرنا في وقت الظهر. قوله: (قلت: قد آن الرحيل) أي: دخل وقته، وقد تقدم في علامات النبوة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ألم يأن الرحيل؟ ولا منافاة لجواز اجتماعهما. قوله: (هذا الطلب) جمع الطالب. قوله: (إن الله معنا) اقتصر فيه على هذا المقدار، وقد روى الإسماعيلي هذا الحديث عن أبي خليفة عن عبد الله بن رجاء شيخ البخاري فزاد فيه في آخره: ومضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى أتينا المدينة ليلا، فتنازع القوم أيهم ينزل عليه. فذكر القصة مطولة.
تريحون بالعشي وتسرحون بالغداة
هذا إشارة إلى تفسير قوله: * (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) * (النحل: 6). ولا مناسبة لذكره هنا أصلا إلا أنه ذكر في رواية الكشميهني وحده، والصواب أن يذكر هذا عند حديث عائشة في قصة الهجرة، فإن فيه: ويرعى عليها عامر بن فهيرة ويريحها عليها، ولا مناسبة له في حديث البراء، لأنه لم يذكر فيه هذه اللفظة.
3563 حدثنا محمد بن سنان حدثنا همام عن ثابت البناني عن أنس عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال قلت ل لنبي صلى الله عليه وسلم وأنا ي الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما.
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن فيه منقبة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، ومحمد بن سنان، بكسر السين المهملة وبالنونين بينهما ألف: أبو بكر العوفي الباهلي الأعمى،
وهو من أفراده، وهما بالتشديد هو ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري، وثابت هو ابن أسلم البصري أبو محمد البناني.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الهجرة عن موسى بن إسماعيل وفي التفسير عن عبد الله بها محمد. وأخرجه مسلم في الفضائل عن زهير بن حرب وعبد بن حميد وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. وأخرجه الترمذي في التفسير عن زياد بن أيوب.
قوله: (عن ثابت)، في رواية خبان بن هلال في التفسير عن همام: حدثنا ثابت. قوله: (عن أنس عن أبي بكر) في رواية حبان بن هلال: حدثنا أنس حدثني أبو بكر. قوله: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار)، وفي رواية حبان المذكورة، فرأيت آثار المشركين، وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام، فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم. قوله: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟) أراد النبي صلى الله عليه وسلم: بالاثنين نفسه وأبا بكر، ومعنى ثالثهما: بالقدرة والنصرة والإعانة، وفي رواية موسى بن أسماء، فقال: أسكت يا أبا بكر: اثنان الله ثالثهما، فقوله: اثنان، خبر مبتدأ محذوف تقديره: نحن اثنان، الله ناصرهما ومعينهما، والله تعالى أعلم.
3
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم... إلى آخره، هذا وصله البخاري في الصلاة بلفظ: سدوا عني كل خوخة في المسجد، وهذا هنا نقل بالمعنى، ولفظه: في الصلاة في: باب الخوخة والممر في المسجد. وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن محمد بن سنان، ولفظه: لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر. والثاني: عن عبد الله بن محمد الجعفي ولفظه: سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر، ومر الكلام فيه هناك.

174
4563 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا فليح قال حدثني سالم أبو النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله قال فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر. (انظر الحديث 664 وطرفه).
هذا الحديث قد مضى في كتاب الصلاة في: باب الخوخة والممر في المسجد، وقد أخرجه عن محمد بن سنان كما ذكرناه الآن، وهو يروى عن فليح، وهنا أخرجه: عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي عن أبي عامر العقدي، واسمه عبد الملك بن عمرو البصري عن فليح، بضم الفاء: ابن سليمان الخزاعي وكان اسمه عبد الله، وفليح لقبه، وهو يروي عن سالم أبي النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: القرشي التيمي المدني عن بسر، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة: ابن سعيد مولى الحضرمي من أهل المدينة عن أبي سعيد الخدري، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (بين الدنيا وبين ما عنده)، وفي لفظ: (بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده). قوله: (وكان أبو بكر أعلمنا به) أي: بالنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (إن من أمن الناس)، ويروي: (إن أمن الناس). قوله: (أبا بكر)، بالنصب في رواية الأكثرين، وروي: أبو بكر، بالرفع وتكلم الشراح في وجه الرفع بالتعسفات فلا يحتاج إلى ذلك، بل وجه الرفع إن صح على رواية: (إن أمن الناس)، بدون لفظة: من، ولفظ: أمن، أفعل تفضيل من المن وهو العطاء والبذل، والمعني: إن أبذل الناس لنفسه وماله، لا من المنة. وروى الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ: (ما لأحد عندنا يد إلا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله تعالى يوم القيامة). وروى الطبراني من حديث ابن عباس: (ما أحد أعظم مني يدا من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته). وفي حديث مالك بن دينار عن أنس رفعه: إن أعظم الناس علينا منا أبو بكر، زوجني ابنته وواساني بنفسه، وإن خير المسلمين مالا أبو بكر أعتق بلالا وحملني إلى دار الهجرة، أخرجه ابن عساكر، وجاء عن عائشة مقدار المال الذي أنفقه أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فروى ابن حبان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت: أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، أربعين ألف درهم، وروي عن الزبير بن بكار عن عروة عن عائشة، أنه: لما مات أبو بكر ما ترك دينارا ولا درهما. قوله: (ولو كنت متخذا خليلا) قال الداودي: لا ينافي هذا قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما: أخبرني خليلي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك جائز لهم، ولا يجوز لأحد منهم أن يقول: أنا خليل النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول: إبراهيم خليل الله، ولا يقال: الله خليل إبراهيم. واختلف في معنى الخلة واشتقاقها، فقيل: الخليل المنقطع إلى الله تعالى الذي ليس في انقطاعه إليه ومحبته له اختلال، وقيل: الخليل المختص، واختار هذا القول غير واحد، وقيل: أصل الخلة الاستصفاء، وسمي إبراهيم خليل الله لأنه يوالي فيه ويعادي فيه، وخلة الله له نصره، وجعله إماما لمن بعده، وقيل: الخليل أصله الفقير المحتاج المنقطع، مأخوذ من الخلة وهي الحاجة، فسمي إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، خليلا لأنه قصر حاجته على ربه وانقطع إليه بهمه، ولم يجعله قبل غيره. وقال أبو بكر بن فورك: الخلة صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الأسرار، وقيل: أصل الخلة المحبة، ومعناها: الإسعاف والإلطاف، وقيل: الخليل من لا يتسع قلبه لسواه.
واختلف العلماء أرباب القلوب أيهما أرفع درجة: درجة الخلة أو درجة المحبة؟ فجعلهما بعضهم سواء، فلا يكون الحبيب إلا خليلا، ولا يكون الخليل إلا حبيبا، لكنه خص إبراهيم بالخلة ومحمد، عليهما السلام، بالمحبة، وبعضهم قال: درجة الخلة أرفع، واحتج بقوله، صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا غير ربي، فلم يتخذه وقد أطلق، صلى الله عليه وسلم،

175
المحبة لفاطمة وابنيها وأسامة وغيرهم. وأكثرهم جعل المحبة أرفع من الخلة لأن درجة الحبيب نبينا أرفع من درجة الخليل، عليهما السلام، وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب، ولكن هذا في حق من يصح الميل منه والانتفاع بالوفق وهي درجة المخلوق، وأما الخالق عز وجل فمنزه عن الأعراض فمحبته لعبده تمكينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة أسباب القرب وإفاضة رحمته عليه، وقصواها كشف الحجاب عن قلبه حتى يراه بقلبه وينظر إليه ببصيرته، فيكون كما قال في الحديث: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به)، ولا ينبغي أن يفهم من هذا سوى التجرد لله تعالى والانقطاع إليه والإعراض عن غيره، وصفاء القلب وإخلاص الحركات له. ونقل ابن فورك عن بعض المتكلمين كلاما في الفرق بين المحبة والخلة بكلام طويل ملخصه: الخليل يصل بالواسطة من قوله: * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) * (الأنعام: 57). والحبيب يصل لحبيبه به من قوله: * (فكان قاب قوسين أو أدنى) * (النجم: 9). والخليل الذي تكون مغفرته في حد الطمع من قوله: * (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * (الشعراء: 28). والحبيب الذي مغفرته في حد اليقين من قوله عز وجل: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * (الفتح: 2). والخليل، قال: * (ولا تخزني يوم يبعثون) * (الشعراء: 78). والحبيب قيل له: يوم لا يخزي الله النبي، فابتدأ بالبشارة قبل السؤال، والخليل قال في المحبة: حسبي الله، والحبيب قيل له: * (يا أيها النبي حسبك الله) * (الأنفال: 46). والخليل قال: * (واجعل لي لسان صدق) * (الشعراء: 78). والحبيب قيل له: * (ورفعنا لك ذكرك) * (الشرح: 4). أعطي بلا سؤال. والخليل قال: * (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) * (إبراهيم: 53). والحبيب قيل له: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) * (الأحزاب: 33)
قوله: (ولكن أخوة الإسلام) أخوة الإسلام مبتدأ وخبره محذوف، نحو: أفضل من كل أخوة، ومودة لغير الإسلام. وقيل: وقع في بعض الروايات: ولكن خوة الإسلام، بغير الألف، فقال ابن بطال: لا أعرف معنى هذه الكلمة ولم أجد خوة بمعنى خلة في كلام العرب، ولكن وجدت في بعض الروايات: ولكن خلة الإسلام، وهو الصواب. وقال ابن التين: لعل الألف سقطت من الكاتب فإن الألف ثابتة في سائر الروايات، وقال ابن مالك في توجيهه: نقلت حركة الهمزة إلى النون فحذفت الألف، وجوز مع حذفها ضم نون: لكن، وسكونها، ولا يجوز مع إثبات الهمزة إلا سكون النون فقط. انتهى. قلت: هذا توجيه بعيد لا يوافق الأصول. قوله: (لا يبقين)، بفتح أوله وبنون التأكيد، وروي بالضم وإضافة النهي إلى الباب: تجوز لأن عدم بقائه لازم للنهي عن إبقائه، فكان المعنى: لا تبقوه حتى لا تبقى. قوله: (إلا سد)، على صيغة المجهول. قوله: (إلا باب أبي بكر)، استثناء مفرغ، ومعناه: لا تبقوا بابا غير مسدود إلا باب أبي بكر فاتركوه بغير سد. وفي رواية الطبراني من حديث معاوية في آخر هذا الحديث: فإني رأيت عليه نورا. فإن قلت: روى النسائي من حديث سعد بن أبي وقاص قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي، رضي الله تعالى عنه). وإسناده قوي، وفي رواية الطبراني في (الأوسط) زيادة وهي: فقالوا يا رسول الله!. سدت أبوابنا؟ فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدها. ونحوه عن زيد بن أرقم أخرجه أحمد عن ابن عباس، فهذا يخالف حديث الباب. قلت: جمع بينهما بأن المراد بالباب في حديث علي الباب الحقيقي. والذي في حديث أبي بكر يراد به الخوخة، كما صرح به في بعض طرقه. وقال الطحاوي في (مشكل الآثار): بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخله، وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد. قلت: فلذلك لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم، لأحد أن يمر من المسجد، وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، لأن بيته كان في المسجد، رواه إسماعيل القاضي في (أحكام القرآن) وقال الخطابي وابن بطال وغيرهما: في هذا الحديث اختصاص ظاهر لأبي بكر، رضي الله تعالى عنه.
وفيه: إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة ولا سيما وقد ثبت أن ذلك كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمهم إلا أبو بكر، وقد ادعى بعضهم أن الباب كناية عن الخلافة، والأمر بالسد كناية عن طلبها، كأنه قال: لا يطلبن أحد الخلافة إلا أبا بكر، فإنه لا حرج عليه في طلبها، وإلى هذا مال ابن حبان، فقال بعد أن أخرج هذا الحديث. وفيه: دليل على أن الخلافة له بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه حسم بقوله: سدوا عني كل خوخة في المسجد أطماع الناس كلهم عن أن يكونوا خلفاء بعده، وعن أنس، رضي الله تعالى عنه، قال: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بستانا وجاء آت فدق الباب، فقال: يا أنس! إفتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة بعدي، قال

176
فقلت: يا رسول الله! أعلمه؟ قال: أعلمه، فإذا أبو بكر. فقلت: أبشر بالجنة وبالخلافة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم جاء آت فقال: يا أنس إفتح له وبشره بالجنة وبالخلافة من بعد أبي بكر. قلت: أعلمه؟ قال: نعم. قال: فخرجت فإذا عمر، رضي الله تعالى عنه، فبشرته. ثم جاء آت فقال: يا أنس! إفتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة من بعد عمر، وإنه مقتول، قال: فخرجت فإذا عثمان، قال: فدخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا إني والله ما نسيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيد بايعتك، قال: هو ذاك، رواه أبو يعلى الموصلي من حديث المختار بن فلفل عن أنس، وقال: هذا حديث حسن.
4
((باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان فضل أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، بعد فضل النبي صلى الله عليه وسلم. وليس المراد البعدية الزمانية، لأن فضل أبي بكر كان ثابتا في حياته صلى الله عليه وسلم.
5563 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا سليمان عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهم. (الحديث 5563 طرفه في: 7963).
مطابقته للترجمة من حيث إن فضل أبي بكر ثبت في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، بعد فضل النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المديني، وهو من أفراده، وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب القرشي التميمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري.
والحديث من أفراده، ورجال إسناده كلهم مدنيون.
قوله: (نخير) أي: كنا نقول: فلان خير من فلان، وفلان خير من فلان، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعده. كنا نقول: أبو بكر خير الناس، ثم عمر ثم عثمان، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الآتية في مناقب عثمان: كنا لا نعدل بأبي بكر أي: لا نجعل له مثلا. وفي رواية الترمذي: (كنا نقول ورسول الله، صلى الله عليه وسلم حي أبو بكر وعمر وعثمان)، وقال: حديث صحيح غريب، ورواه الطبراني بلفظ: (كنا نقول، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم حي أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان، يسمع ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم فلا ينكره)، وعلى هذا أهل السنة والجماعة.
5
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا قاله أبو سعيد))
أي: هذا باب في بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم، وأشار بهذا إلى حديث أبي سعيد الخدري الذي سبق قبل باب، فراجع إليه.
6563 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخي وصاحبي.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب البصري، ووهيب تصغير وهب بن خالد البصري، وأيوب هو السختياني.
قوله: (لاتخذت أبا بكر)، عدم اتخاذه أبا بكر خليلا لعدم اتخاذه خليلا من الناس، فهذا الحديث وغيره دل على نفي الخلة من النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس. فإن قلت: أخرج أبو الحسن الحربي في (فوائده): عن أبي بن كعب، رضي الله تعالى عنه، قال: إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس، دخلت عليه وهو يقول: (إنه لم يكن نبي إلا وقد اتخذ من أمته خليلا، وإن خليلي أبو بكر ألا وإن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا. فإن قلت: هذا لا يقاوم الذي في (الصحيح) ولا يعارضه، على أنه يعارضه ما رواه مسلم من حديث جندب: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس: (إني أبرأ إلى الله تعالى أن يكون لي منكم خليل). فإن قلت: إن ثبت حديث أبي بن كعب، فما التوفيق بينه وبين حديث جندب؟ قلت: يحمل على أنه بريء من ذلك تواضعا

177
لربه وإعظاما له، ثم أذن الله له في ذلك اليوم لما رآه من تشوفه إليه وإكراما لأبي بكر بذلك فلا يتنافى الخبران. قوله: (ولكن أخي وصاحبي)، أي: ولكن هو أخي في الدين وصاحبي في السراء والضراء والحضر والسفر، وفي رواية خيثمة في فضائل الصحابة عن أحمد بن أبي الأسود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه: ولكن أخي وصاحبي في الله تعالى.
7563 حدثنا معلى بن أسد وموسى قالا حدثنا وهيب عن أيوب وقال لو كنت متخذا خليلا لاتخذته خليلا ولكن أخوة الإسلام أفضل.
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس، أخرجه عن معلى بن أسد وموسى بن إسماعيل التبوذكي... إلى آخره، وكذا في أكثر الروايات التبوذكي، وهو الصواب، ووقع في رواية أبي ذر وحده: التنوخي، وهو تصحيف.
قوله: (ولكن أخوة الإسلام أفضل)، قال الداودي: لا أراه محفوظا، وإن كان محفوظا فمعناه: إن أخوة الإسلام دون المخاللة أفضل من المخاللة دون أخوة الإسلام، وإن لم يكن قوله: لو كنت متخذا خليلا غير ربي صحيحا لم يجز أن يقال: أخوة الإسلام أفضل، وليس يقضي في هذا بأخبار الآحاد.
حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوهاب عن أيوب مثله
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس، أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس مثل الحديث المذكور، وهذه الطرق الثلاثة من أفراده.
8563 حدثنا سليمان بن حرب أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة قال كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد فقال أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته أنزله أبا يعني أبا بكر.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه: فضل أبي بكر حيث أجاب بأن الجد كالأب في استحقاق الميراث. وابن أبي مليكة، بضم الميم: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وقد مر عن قريب. والحديث من أفراده.
قوله: (كتب أهل الكوفة) أي: بعض أهلها، وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود، وكان ابن الزبير جعله على قضاء الكوفة. قوله: (في الجد) أي: في مسألة الجد وميراثه. قوله: (أما الذي)، جواب، أما، هو قوله: أنزله، والفاء فيه محذوفة، أي: أنزل أبو بكر الجد منزلة الأب في الإرث، وحاصله أنه قال في جوابهم: أما الذي قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حقه: (لو كنت متخذا خليلا لاتخذته)، جعل الجد كالأب وأنزله منزلته في استحقاق الميراث، يريد أنه يرث وحده دون الأخوة كالأب، وهو مذهب أبي حنيفة، وعند الشافعي ومالك، أنه يقاسم الإخوة ما لم ينقصه ذلك عن الثلث، وهو قول زيد.
((باب))
أي: هذا باب وهذا كالفصل لما قبله.
9563 حدثنا الحميدي ومحمد بن عبد الله قالا حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد ابن جبير بن مطعم عن أبيه قال أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال عليه السلام إن لم تجديني فأتي أبا بكر.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إشارة إلى فضله. وفيه: إشارة أيضا إلى أنه هو الخليفة من بعده، وأصرح من هذا دلالة على أنه هو الخليفة من بعده، ما رواه الطبراني من حديث عصمة بن مالك، قال: قلنا: يا رسول الله إلى من ندفع صدقات أموالنا بعدك؟ قال: إلى أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وفيه ضعف، وروى الإسماعيلي في (معجمه) من حديث سهل

178
بن أبي حثمة، قال: بايع النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا، فسأله إن أتى عليه أجله من يقضيه؟ فقال: أبو بكر، ثم سأله من يقضيه بعده؟ قال: عمر، رضي الله تعالى عنه... الحديث.
والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن زيد القرشي الأموي، وكلاهما من أفراده، وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن عبد العزيز بن عبد الله وفي الاعتصام عن عبيد الله بن سعد، وأخرجه مسلم في الفضائل عن عباد بن موسى وعن حجاج بن الشاعر. وأخرجه الترمذي في المناقب عن عبد بن حميد.
قوله: (أرأيت) أي: أخبرني. قوله: (إن جئت ولم أجدك) كأنها كنت عن موت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومرادها: إن جئت فوجدتك قد مت، ماذا أعمل؟ وفي رواية الإسماعيلي: فإن رجعت فلم أجدك؟ تعررض بالموت. وفي رواية الحميدي في (الأحكام) كأنها تعني الموت..
0663 حدثني أحمد بن أبي الطيب حدثنا إسماعيل بن مجالد حدثنا بيان بن بشر عن وبرة ابن عبد الرحمان عن همام قال سمعت عمارا يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. (الحديث 0663 طرفه في: 7583).
مطابقته للترجمة من حيث إن في أبي بكر فضيلة خاصة لسبقه في الإسلام حيث لم يسلم أحد قبله من الرجال الأحرار، وأحمد بن أبي الطيب، اسمه سليمان المروزي البغدادي روى عنه البخاري هذا الحديث، وإسماعيل بن مجالد بالجيم ابن عمير الهمداني الكوفي، وليس له عند البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وبيان، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبعد الألف نون: ابن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: المعلم الأحمسي بالمهملتين التابعي، ووبرة، بفتح الواو وسكون الباء الموحدة وفتحها ابن عبد الرحمن الحارثي، وهمام بن الحارث النخعي الكوفي مر في الصلاة. وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد، وعمار هو ابن ياسر، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في إسلام أبي بكر عن عبد الله عن يحيى بن معين.
قوله: (وما معه) أي: ممن أسلم. قوله: (إلا خمسة أعبد)، وهم: بلال، وزيد بن حارثة، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر فإنه أسلم قديما مع أبي بكر، وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف، ذكر ابن إسحاق أنه أسلم حين أسلم بلال فعذبه أمية فاشتراه أبو بكر فأعتقه، وعبيد بن زيد الحبشي. وذكر ابن السكن في (كتاب الصحابة): عن عبد الله بن داود أن النبي صلى الله عليه وسلم (ورثه من أبيه هو وأم أيمن). وفي (التلويح): هم: عمار، وزيد بن حارثة، وبلال، وعامر بن فهيرة، وشقران والمرأتان خديجة وأم الفضل زوج العباس، رضي الله تعالى عنهم. وقيل: المرأتان خديجة وأم أيمن أو سمية. قلت: عمار بن ياسر مولى بن مخزوم وأمه سمية بنت خياط، وكان هو وأبوه يعذبون في الله (فمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يعذبون، وقال صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة)، وشقران، بضم الشين المعجمة وسكون القاف: لقب واسمه صالح بن عدي الحبشي، وقيل: أوس، وقيل: هرمز، ورثه النبي صلى الله عليه وسلم، عن أمه، وقيل: عن أبيه، وقيل: كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم.
1663 حدثني هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن عائذ الله أبي إدريس عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم فقد غامر فسلم وقال يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر فقالوا لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله

179
عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها. (الحديث 1663 طرفه في: 0464).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهشام بن عمار بن نصير أبو الوليد السلمي الدمشقي، وصدقة بن خالد أبو العباس مولى أم البنين بنت أبي سفيان بن حرب أخت معاوية، وزيد بن واقد، بكسر القاف الدمشقي: ثقة قليل الحديث، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، وبسر، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة الحضرمي الشامي، وعائذ الله، بالذال المعجمة من العوذ: ابن عبد الله الخولاني بفتح الخاء المعجمة وبالنون، وكنيته أبو إدريس وهؤلاء كلهم شاميون.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن عبد الله، قيل: إنه حماد الأيلي وهو من أفراده.
قوله: (عن بسر بن عبيد الله)، وفي رواية عبد الله بن العلاء عند البخاري في التفسير: حدثني بسر بن عبيد الله حدثني أبو إدريس سألت أبا الدرداء. قوله: (أما
صاحبكم)، وفي رواية الكشميهني: أما صاحبك، بالإفراد. قوله: (فقد غامر)، بالغين المعجمة أي: خاصم ولابس الخصومة ونحوها من الأمور، يقال: دخل في غمرة الخصومة وهي معظمها، وغمر الحرب ونحوها، والمغامر الذي يرمي بنفسه في الأمور والحروب، وقيل: من المعاجلة أي: سارع. قوله: (فسلم)، بتشديد اللام من السلام، ووقع عند أبي نعيم في (الحلية): حتى سلم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر الرد، وهو مما يحذف للعلم به، وقسيم: إما محذوف نحوه، وأما غيره فلا أعلمه. قوله: (أثم؟)، بفتح الثاء المثلثة وتشديد الميم والهمزة للاستفهام أي: أهنا أبو بكر؟ قوله: (شيء)، وفي رواية التفسير: بيني وبينه محاورة، بالحاء المهملة أي: مراجعة. قوله: (ندمت)، زاد محمد بن المبارك: على ما كان. قوله: (فسألته أن يغفر لي) وفي رواية التفسير: أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه. قوله: (فأبى علي)، زاد محمد بن المبارك: فتبعته إلى البقيع حتى خرج من داره. قوله: (ثلاثا)، أي: أعاد هذه الكلمة ثلاث مرات. قوله: (يتمعر)، بالعين المهملة المشددة أي: تذهب نضارته من الغضب، وأصله من المعر، وهو: الجدب، يقال: أمعر المكان إذا أجدب، ويقال: معناه يتغير لونه من الضجر، ويقال: ذهب رونقه حتى صار كالمكان الأمعر. قوله: (حتى أشفق أبو بكر) أي: حتى خاف أبو بكر أن يكون من رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى عمر ما يكره. قوله: (فجثا)، بالجيم والثاء المثلثة أي: برك على ركبتيه. قوله: (أنا كنت أظلم) أي: من عمر في القصة المذكورة، وإنما قال ذلك لأنه كان البادي. قوله: (مرتين) أي: قال ذلك القول مرتين، وقال الكرماني: مرتين، ظرف لقال. أو لقوله: كنت. قوله: (وواساني) وفي رواية الكشميهني وحده: وأوساني، والأول أوجه لأنه من المواساة. قوله: (تاركو لي صاحبي)، وفي رواية التفسير (تاركون لي)، على الأصل. قوله: (لي) فصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور عناية بتقديم لفظ الاختصاص، وذلك جائز كقول الشاعر:
* فرشني بخير لا أكونن ومدحتي
* كناحت يوما صخرة بعسيل
*
قلت: رشني: أمر من راش يريش، يقال: رشت فلانا: أصلحت حاله، والواو في: ومدحتي للمصاحبة، أي: مع مدحتي والاستشهاد فيه في قوله: يوما، فإنه ظرف فصل به بين المضاف وهو قوله: كناحت، وبين المضاف إليه وهو: صخرة، والتقدير: كناحت صخرة يوما بعسيل، بفتح العين المهملة وكسر السين المهملة: وهو قضيب الفيل، قاله الجوهري، وبهذا يرد على أبي البقاء حيث يقول إن حذف النون من خطأ الرواة، لأن الكلمة: ليست مضافة ولا فيها ألف ولام، وإنما يجوز في هذين الموضعين، ولا وجه لإنكاره لوقوع مثل هذه كثيرا في الأشعار وفي القرآن أيضا في قراءة ابن عامر، * (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) *، بنصب أولادهم، وجر شركائهم. قوله: (فما أوذي بعدها) أي: فما أوذي أبو بكر بعد هذه القضية لأجل ما أظهره النبي صلى الله عليه وسلم لهم من تعظيمه أبا بكر، رضي الله تعالى عنه.
وفي هذا الحديث فوائد: الدلالة على فضل أبي بكر على جميع الصحابة، وليس ينبغي للفاضل أن يغاضب من هو أفضل منه، وجواز مدح الرجل في وجهه، ومحله: إذا أمن عليه الافتتان

180
والاغترار. وفيه: ما طبع عليه الإنسان من البشرية حتى يحمله الغضب على ارتكاب خلاف الأولى. لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الأول لقوله تعالى: * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) * (الأعراف: 201). وفيه: أن غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولو بلغ في الفضل الغاية، فليس بمعصوم. وفيه: استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم. وفيه: أن من غضب على صاحبه نسبه إلى أبيه أوجده ولم يسمه باسمه، وذلك من قول أبي بكر لما جاء وهو غضبان من عمر: كان بيني وبين ابن الخطاب، فلم يذكره باسمه، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: ألا إن كان ابن أبي طالب يريد أن ينكح ابنتهم. وفيه: أن الركبة ليست بعورة.
2663 حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد العزيز بن المختار قال خالد الحذاء حدثنا عن أبي عثمان قال حدثني عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة فقلت من الرجال فقال أبوها قلت ثم من قال ثم عمر بن الخطاب فعد رجالا. (الحديث 2663 طرفه في: 8534).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وذلك لأن كون أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، يدل على أن له فضلا كثيرا وأنه أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وعبد العزيز بن المختار أبو إسماعيل الأنصاري الدباغ، وخالد هو ابن مهران الحذاء، وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي، بالنون، ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون إلا الصحابي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن إسحاق بن شاهين وأخرجه مسلم في الفضائل عن يحيى بن يحيى. وأخرجه الترمذي في المناقب عن إبراهيم ابن يعقوب وبندار. وأخرجه النسائي فيه عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد.
قوله: (خالد الحذاء حدثنا) هو من تقديم الاسم على الصفة، وقد استعملوه كثيرا، تقدير الكلام: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا خالد الحذاء عن أبي عثمان. قوله: (ذات السلاسل) بسينين مهملتين والمشهور فتح الأولى على لفظ جمع السلسلة، وضبطه كذلك أبو عبيد البكري، وضبطها ابن الأثير بالضم ثم فسره بمعنى: السلسال،
أي: السهل، وفسره أبو عبيد: بأنه اسم مكان سمي بذلك لأنهم كانوا مبعوثين إلى أرض بها رمل ينعقد بعضه على بعض كالسلسلة، وكانت غزوة ذات السلاسل سنة سبع، كذا صححه ابن أبي خالد في (تاريخه). وقال ابن سعد والحاكم: في سنة ثمان في جمادي الآخرة، وذكر ابن إسحاق: أن أم العاص بن وائل كانت من بلي، فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم، إلى العرب يستنفر إلى الإسلام يستألفهم بذلك حتى إذا كان على ماء بأرض حذام يقال له: السلاسل، وبه سميت تلك الغزوة، ذات السلاسل، على ما يأتي الباقي في المغازي. وقال ابن التين: سميت ذات السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، وعن يونس عن ابن شهاب، قال: هي مشارق الشام إلى بلي وسعد الله ومن يليهم من قضاعة وكندة وبلقين وصحنان وكفار العرب، ويقال لها: بدر الآخرة، وقال ابن سعد: وهي وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام. قوله: (فقلت: أي الناس أحب إليك؟) هذا السؤال من عمر، وإنما كان لما وقع في نفسه حين أمره على الجيش وفيهم أبو بكر وعمر أنه مقدم عنده في المنزلة عليهم، فسأله لذلك. قوله: (فعد رجالا)، ويروى: فعدد رجالا يحتمل أن يكون منهم أبو عبيدة ابن الجراح، على ما أخرجه الترمذي من حديث عبيد الله بن شقيق. قال: قلت لعائشة: أي أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: عمر، قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح. قلت: ثم من؟ فسكتت) قيل: يحتمل أن يفسر بعض الرجال الذين أبهموا في حديث الباب بأبي عبيدة.
3663 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان ابن عوف أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال من لها يوم السبع يوم ليس

181
لها راع غيري وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث قال الناس سبحان الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما..
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجال إسناده على هذا النسق قد تكرر ذكرهم جدا. والحديث قد مر في: باب ما ذكر عن بني إسرائيل في، باب مجرد بعد حديث الغار، فإنه رواه عن أبي هريرة بغير هذا الطريق، وفيه تقديم وتأخير، وقد مر الكلام في: بينما وبينا، غير مرة. قوله: (راع)، مرفوع بالابتداء متصف. بقوله: (في غنمه) وخبره هو قوله: (عدا عليه الذئب). قوله: (يوم السبع)، بضم الباء الموحدة، ويروى بالسكون، وبقية الكلام قد مرت هناك.
4663 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال أخبرني ابن المسيب سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن..
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم رآه في المنام وهو ينزع من القليب، وذكره قبل عمر وهو يدل على سبق أبي بكر على عمر، وأن عمر من بعده، وأما ضعفه في النزع فلا يدل على النقص لأن أيامه كانت قصيرة على ما ذكرنا. وعبدان هو عبد الله بن عثمان وشيخه عبد الله بن المبارك.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن حرملة بن يحيى، وقد مر نظيره في علامات النبوة عن عبد الله بن عمر، ومر الكلام فيه هناك مستوفى. والقليب: بئر يحفر فيقلب ترابها قبل أن تطوى، والغرب: الدلو أكبر من الذنوب، والعبقري: كل شيء يبلغ النهاية به، والعطن: مناخ الإبل.
5663 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا موساى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست تصنع ذلك خيلاء قال موساى فقلت لسالم أذكر عبد الله من جر إزاره فقال لم أسمعه ذكر إلا ثوبه..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله، صلى الله عليه وسلم: (إنك لست تصنع ذلك خيلاء) وفيه: فضيلة لأي بكر حيث شهد النبي صلى الله عليه وسلم، له بما ينافي ما يكره، وعبد الله شيخ شيخ البخاري هو ابن المبارك.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن أحمد بن يونس وفي الأدب عن علي بن عبد الله عن سفيان. وأخرجه أبو داود في اللباس عن النفيلي عن زهير. وأخرجه النسائي في الزينة عن علي بن حجر.
قوله: (خيلاء)، أي: كبرا وتبخترا، وانتصابه على أنه مفعول له أي: لأجل الخيلاء. قوله: (لم ينظر الله إليه) أي: لا يرحمه، فالنظر هنا مجاز عن الرحمة، وأما إذا استعمل في المخلوق يقال: لا ينظر إليه زيد، فهو كناية. قوله: (يسترخي) لعل عادته أنه عند المشي يميل إلى أحد الطرفين إلا أن يحفظ نفسه عن ذلك. قوله: (فقلت لسالم) القائل هو موسى بن عقبة. قوله: (أذكر؟) فعل ماض دخلت عليه همزة الاستفهام. (وعبد الله) فاعله. قوله: (فقال)، أي: فقال سالم: لم أسمع عبد الله ذكر في حديثه إلا ثوبه.

182
6663 حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمان بن عوف أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب يعني الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان فقال أبو بكر ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة وقال هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله قال نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر..
مطابقته للترجمة في قوله: (وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر) ورجاء النبي صلى الله عليه وسلم، واقع محقق. وفيه: أقوى دليل على فضيلة أبي بكر، رضي الله
تعالى عنه. وأبو اليمان الحكم بن نافع.
والحديث مر في كتاب الصوم في: باب الريان للصائمين من طريق آخر عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (في سبيل الله) أي: في طلب ثواب الله، وهو أعم من الجهاد وغيره. قوله: (هذا خير)، يعني: فاضل لا بمعنى أفضل، وإن كان اللفظ يحتمل ذلك. قوله: (باب الريان) بدل أو بيان عما قبله، وذكر هنا أربعة أبواب من أبواب الجنة. وقال بعضهم: وتقدم في أوائل الجهاد أن أبواب الجنة ثمانية، وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى. فمنها: باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، رواه أحمد عن روح بن عبادة عن الأشعث عن الحسن مرسلا: إن لله بابا في الجنة لا يدخله إلا من عفا من مظلمة. ومنها: الباب الأيمن وهو: باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب. وأما الثالث فله باب الذكر، فإن عند الترمذي ما يوميء إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم. انتهى. قلت: ما فيه من طريق الظن والحسبان، ولا تنحصر الأبواب التي أعدت للدخول منها لأصحاب الأعمال الصالحة من أنواع شتى، وليس المراد منه الأبواب الثمانية التي دل القرآن على أربعة منها، والحديث على أربعة أخرى، وإنما المراد من تلك الأبواب هي الأبواب التي هي في داخل الأبواب الثمانية. قوله: (ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب) أي: من أحد تلك الأبواب، وفيه إضمار وهو من توزيع الأفراد على الأفراد، لأن الجمع والموصول كلاهما عامان وكلمة: ما، للنفي. قوله: (من ضرورة) أي: من ضرر، والمقصود دخول الجنة، فلا ضرر لمن دخل من أي باب دخلها. فإن قلت: روى مسلم من حديث عمر: من توضأ، ثم قال: أشهد أن لا إلاه إلا الله... الحديث.. فتحت له أبواب الجنة يدخلها من أيها شاء. قلت: لا منافاة بينه وبين ما تقدم، وإن كان ظاهره المعارضة، لأنه يفتح له أبواب الجنة على سبيل التكريم، ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العمل الذي يكون أغلب عليه، والله أعلم.
7663 حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح قال إسماعيل يعني بالعالية فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وقال عمر والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله قال بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا والله الذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر. فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم

183
فإن محمدا صلى الله عليه وسلم قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال إنك ميت وإنهم ميتون وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين قال فنشج الناس يبكون قال واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب بن المنذر لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر قتله الله. وقال عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال عبد الرحمن بن القاسم أخبرني القاسم أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت شخض بصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال في الرفيق الأعلى ثلاثا وقص الحديث قالت عائشة فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس وإن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك. ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدي وعرفهم الحق الذي عليهم وخرجوا به يتلون وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى الشاكرين..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه فضيلة أبي بكر على سائر الصحابة حيث قدم على الكل فصار خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ذكر رجال الحديث: وهم خمسة: الأول: إسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله ابن أخت مالك بن أنس. الثاني: سليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي. الثالث: هشام بن عروة. الرابع: أبوه عروة بن الزبير ابن العوام. الخامس: عائشة أم المؤمنين.
ذكر الرجال الذين فيه: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما. وسعد بن عبادة بن دلهم ابن حارثة الأنصاري الساعدي، وكان نقيب بني ساعدة عند جميعهم وشهد بدرا عند البعض ولم يبايع أبا بكر ولا عمر، وسار إلى الشام فأقام بحوران إلى أن مات سنة خمس عشرة، ولم يختلفوا أنه وجد ميتا على مغتسله، قيل: إن قبره بالمنيحة، قرية من غوطة دمشق، وهو مشهور يزار إلى اليوم. وأبو عبيدة بن الجراح واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح، مات سنة ثمان عشرة في طاعون عمواس، وقبره بغور بيسان عند قرية تسمى عميا. وحباب، بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى: ابن المنذر بن الجموح الأنصاري السلمي، وهو القائل يوم السقيفة: أنا جديلها المحنك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير. مات في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه وعبد الله بن سالم أبو يوسف الأشعري الشامي، مات سنة تسع وسبعين ومائة. والزبيدي، بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة: واسمه محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الشامي الحمصي الزبيدي، وقال ابن سعد: مات سنة ثمان وأربعين ومائة وهو ابن سبعين سنة. وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وهذا الحديث من أفراده.

184
ذكر معناه: قوله: (وأبو بكر بالسنح)، بضم السين المهملة وسكون النون بعدها حاء مهملة، وضبطه أبو عبيد البكري بضم النون، وقال: إنه منازل بني الحارث بن الخزرج بالعوالي، بينه وبين المسجد النبوي ميل، وبه ولد عبد الله بن الزبير، رضي الله تعالى عنهما، وكان أبو بكر نازلا به ومعه أسماء ابنته، وسكن هناك أبو بكر
لما تزوج ابنة خارجة الأنصارية. قوله: (قال إسماعيل)، هو شيخ البخاري المذكور وهو ابن أبي أويس. قوله: (يعني: بالعالية) أراد تفسير قول عائشة: بالسنح، العالية، والعوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة. وأدناها من المدينة على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية، والنسبة إليها علوي على غير قياس. قوله: (والله ما مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، إنما حلف عمر، رضي الله تعالى عنه، على هذا بناء على ظنه حيث أدى اجتهاده إليه. قوله: (قالت) أي: عائشة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (ذلك) أي: عدم الموت. قوله: (وليبعثنه الله) أي: ليبعثن الله محمدا في الدنيا فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم وهم الذين قالوا بموته. قوله: (فجاء أبو بكر) أي: من السنح، فكشف عن وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقبله، وقد مر في أول الجنائز، قالت عائشة: أقبل أبو بكر على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمم النبي، صلى الله عليه وسلم، وهي مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى. قوله: (بأبي أنت وأمي) أي: أنت مفدى بأبي وأمي. قوله: (حيا وميتا) أي: في حالة حياتك وحالة موتك. قوله: (لا يذيقك الله الموتتين)، بضم الياء من الإذاقة، وأراد بالموتتين: الموت في الدنيا والموت في القبر، وهما الموتتان المعروفتان المشهورتان، فلذلك ذكرهما بالتعريف، وهما الموتتان الواقعتان لكل أحد غير الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، فإنهم لا يموتون في قبورهم، بل هم أحياء، وأما سائر الخلق فإنهم يموتون في القبور ثم يحيون يوم القيامة. ومذهب أهل السنة والجماعة: أن في القبر حياة وموتا فلا بد من ذوق الموتتين لكل أحد غير الأنبياء. وقد تمسك بقوله: (لا يذيقك الله الموتتين) من أنكر الحياة في القبر، وهم المعتزلة ومن نحا نحوهم، وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن المراد به نفي الحياة اللازم من الذي أثبته عمر، رضي الله تعالى عنه، بقوله: ليبعثنه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته، فليس فيه من نفي موت عالم البرزخ. قوله: (ثم خرج)، أي: ثم خرج أبو بكر من عند النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (على رسلك)، بكسر الراء وسكون السين المهملة، أي: اتئد في الحلف أو كن على رسلك أي: التؤدة لا تستعجل. قوله: (إلا من كان)، كلمة ألا، هنا للتنبيه على شيء يأتي أو يقوله. قوله: (فنشج الناس)، بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها جيم، يقال: نشج الباكي إذا غص في حلقه البكاء، وقيل: النشيج بكاء معه صوت، نقله الخطابي، وقيل: هو بكاء بترجيع، كما يردد الصبي بكاءه في صدره، وقال ابن فارس: نشج الباكي غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب، والنحيب بكاء مع صوت. قوله: (في سقيفة بني ساعدة)، وهو موضع سقف كالسباط كان مجتمع الأنصار ودار ندوتهم، وساعدة هو ابن كعب بن الخزرج، وقال ابن دريد: ساعدة اسم من أسماء الأسد. قوله: (فقالوا)، أي: الأنصار (منا أمير ومنكم أمير) إنما قالوا ذلك بناء على عادة العرب أن لا يسود القبيلة إلا رجل منهم، ولم يعلموا حينئذ أن حكم الإسلام بخلاف ذلك، فلما سمعوا أنه، صلى الله عليه وسلم قال: (الخلافة في قريش) أذعنوا لذلك وبايعوا الصديق. قوله: (خشيت أن لا يبلغه أبو بكر) خشيت، بالخاء المعجمة من الخشية وهو الخوف، ويروى: (حسبت)، بالحاء والسين المهملتين من الحسبان، وفي رواية ابن عباس: (قد كنت زورت)، أي: هيأت وحسنت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، أي: الحدة، فقال: على رسلك، فكرهت أن أغضبه. قوله: (فتكلم أبلغ الناس)، بنصب أبلغ على الحال، وأبلغ أفعل التفضيل والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحة الكلام، فالحال في الاصطلاح هي الأمور الداعية إلى المتكلم على الوجه المخصوص، ويجوز الرفع على الفاعلية، كذا قاله بعض الشراح، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أولى، فالتقدير: فتكلم أبو بكر وهو أبلغ الناس، وقال السهيلي: النصب أوجه ليكون تأكيدا لمدحه وصرف الوهم عن أن يكون أحد موصوفا بذلك غيره، وفي رواية ابن عباس: قال عمر، رضي الله تعالى عنه: ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حتى سكت. قوله: (فقال في كلامه)، أي: فقال أبو بكر في جملة كلامه: (نحن الأمراء وأنتم الوزراء) كأنه أراد بهذا أن الإمارة، أعني: الخلافة لا تكون إلا في المهاجرين، وأراد بقوله: (أنتم الوزراء) أنتم المستشارون في الأمور تابعون للمهاجرين، لأن مقام الوزارة الإعانة

185
والمشورة. والاتباع (فقال حباب بن المنذر: لا، والله لا نفعل)، يعني: لا نرضى أن تكون الإمارة فيكم بل (منا أمير ومنكم أمير) أراد أن يكون أمير من المهاجرين وأمير من الأنصار، فلم يرض أبو بكر بذلك، وهو معنى قوله: (فقال أبو بكر: لا) يعني: لا نرضى بما تقول: (لكنا نحن الأمراء وأنتم الوزراء) ثم بين وجه خصوصية المهاجرين بالإمارة. بقوله: (هم أوسط العرب دارا) أي: قريش أوسط العرب دارا أي: من جهة الدار، وأراد بها مكة، وقال الخطابي: أراد بالدار أهل الدار، وأراد بالأوسط الأخير والأشرف، ومنه يقال: فلان من أوسط الناس. أي: من أشرفهم وأحسبهم، ويقال: هو من أوسط قومه، أي: خيارهم. قوله: () وأعربهم أحسابا بالباء الموحدة في: أعربهم، أي: أشبه شمائل وأفعالا بالعرب، ويروى (أعرقهم) بالقاف موضع الباء: من العراقة، وهي الأصالة في الحسب، وكذا يقال في النسب والأحساب بفتح الهمزة جمع حسب وهو الأفعال، وهو مأخوذ من الحساب يعني: إذا حسبوا مناقبهم فمن كان يعد لنفسه ولأبيه مناقب أكثر كان أحسب. قوله: (فبايعوا عمر)، هذا قول أبي بكر، يقول للمهاجرين والأنصار: بايعوا عمر أو بايعوا أبا عبيدة، إنما قال هذا الكلام حتى لا يتوهموا أن له غرضا في الخلافة، وأضاف إلى عمر أبا عبيدة حتى لا يظنوا أنه يحابي عمر، فلما قال أبو بكر هذه المقالة قال عمر، رضي الله تعالى عنه: بل نبايعك أنت، فقام وبايعه وبايع الناس. قوله: (فقال قائل) أي: من الأنصار: (قتلتم سعدا) يعني سعد بن عبادة، وقال الكرماني: هو كناية عن الإعراض والخذلان لا حقيقة القتل، وقال بعضهم: يرد هذا ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب، فقال قائل من الأنصار: اتقوا سعد بن عبادة لا تطؤه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله. انتهى. قلت: لا وجه قط للرد المذكور لأنه ليس المراد من قول عمر: اقتلوه، حقيقة القتل، بل المراد منه أيضا الإعراض عنه وخذلانه، كما في الأول ومعنى قول عمر (قتله الله) دعاء عليه لعدم نصرته للحق ومخالفته للجماعة، لأنه تخلف عن البيعة وخرج من المدينة ولم ينصرف إليها إلى أن مات بالشام كما ذكرناه عن قريب.
قوله: (وقال عبد الله بن سالم) قد ذكرناه، وهذا تعليق لم يذكره البخاري إلا معلقا غير تمام وقد وصله الطبراني في (مسند الشاميين). قوله: (شخص بصر النبي
صلى الله عليه وسلم)، من الشخوص وهو ارتفاع الأجفان إلى فوق وتحديد النظر وانزعاجه. قوله: (في الرفيق الأعلى)، أي: الجنة، قاله صاحب (التوضيح) قلت: الرفيق جماعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين يسكنون أعلى عليين، وهو اسم جاء على فعيل وهو الجماعة: كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع ومنه قوله تعالى: * (وحسن أولئك رفيقا) * (النساء: 96). فإن قلت: ما متعلق: في الرفيق الأعلى؟ قلت: محذوف يدل عليه السياق نحو: أدخلوني فيهم، وذلك قاله حين خير بين الموت والحياة فاختار الموت. قوله: (وقص الحديث) أي: قص القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأراد بالحديث ما قاله عمر من قوله: إنه لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيادي رجال المنافقين وأرجلهم، وما قال أبو بكر من قوله: إنه مات وتلا الآيتين، كما مضى. قوله: (قالت)، أي: عائشة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (من خطبتهما)، أي: من خطبة أبي بكر وعمر، وكلمة: من، للتبعيض ومن الأخرى في قوله: (ومن خطبة) زائدة. قوله: (لقد خوف عمر...) إلى آخره، بيان الخطبة التي نفع الله بها. قوله: (وإن فيهم لنفاقا)، أي: أن في بعضهم لمنافقين، وهم الذين عرض بهم عمر، رضي الله تعالى عنه، في قوله الذي سبق عن قريب. قيل: وقع في رواية الحميدي في (الجمع بين الصحيحين): وأن فيهم لتقي، فقيل: إنه من إصلاحه فإنه ظن أن قوله: (وإن فيهم لنفاقا) تصحيف فصيره: لتقي، كأنه استعظم أن يكون في المذكورين نفاق. وقال القاضي عياض: لا أدري هو إصلاح منه أو رواية، فعلى الأول فلا استعظام، فقد ظهر من أهل الردة ذلك، ولا سيما عند الحادث العظيم الذي أذهل عقول الأكابر، فكيف بضعفاء الإيمان؟ فالصواب ما في النسخ، والله أعلم.
1763 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا جامع بن أبي راشد حدثنا أبو يعلى عن محمد بن الحنفية قال قلت ل أبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت قال ما أنا إلا رجل من المسلمين.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسفيان هو الثوري، وجامع هو ابن أبي راشد الصيرفي الكوفي، وأبو يعلى، بفتح الياء آخر الحروف

186
وسكون العين المهملة وفتح اللام وبالقصر: اسمه منذر من الإنذار بلفظ اسم الفاعل ضد الإبشار ابن يعلى الثوري الكوفي، ومحمد بن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب، يكنى أبا القاسم وشهرته بنسبة أمه وهي من سبي اليمامة، واسمها: خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة ابن دؤل بن حنيفة، مات سنة إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين برضوى، ودفن بالبقيع، ورضوى جبل بالمدينة.
والحديث أخرجه أبو داود في السنة عن شيخ البخاري... إلى آخره نحوه.
قوله: (قلت لأبي: أي الناس خير؟) وفي رواية الدارقطني عن منذر عن محمد بن علي: قلت لأبي: يا أبي! من خير الناس بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: أوما تعلم يا ابني؟ قلت: لا، قال: أبو بكر. قوله: (وخشيت)، قيل: لم خشي من الحق؟ وأجيب بأنه لعل عنده بناء على ظنه أن عليا خير منه، وخاف أن عليا يقول: عثمان خير مني. قوله: (ما أنا إلا رجل من المسلمين)، وهذا القول منه على سبيل الهضم والتواضع.
وفيه: خلاف بين أهل السنة والجماعة، فمنهم من فضل عليا على عثمان، والأكثرون بالعكس، ومالك توقف فيه.
2763 حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر فقالوا ألا تري ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت فعاتبني وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن الحضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر فقالت عائشة فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر) والحديث قد مر في كتاب التيمم في أوله، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك، وهنا أخرجه عن قتيبة عن مالك، ومر الكلام فيه هناك، والبيداء: بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف: اسم للمفازة في الأصل، والمراد بها هنا موضع خاص قريب من المدينة، وكذلك: ذات الجيش، بالجيم والياء آخر الحروف والشين المعجمة، وأسيد، بضم الهمزة مصغر أسد وحضير، بضم الحاء المهملة مصغر حضر ضد السفر.
3763 حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن الأعمش قال سمعت ذكوان يحدث عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
هذا لا يدل على فضل أبي بكر على الخصوص، وإنما يدل على فضل الصحابة كلهم على غيرهم، فلا مطابقة بينه وبين الترجمة، إلا أنه لما دل على حرمة سب الصحابة كلهم، فدلالته على الحمة في حق أبي بكر أقوى وآكد، لأنه قد تقرر أنه أفضل الصحابة كلهم، وأنه أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فمن هذه الحيثية يمكن أن يؤخذ وجه المطابقة للترجمة.
والأعمش هو سليمان وذكوان، بالذال المعجمة، أبو صالح الزيات السمان.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن عثمان بن أبي شيبة وعن

187
أبي سعيد الأشج وعن أبي كريب وعن أبي موسى وبندار وعن عبيد الله بن معاذ. وأخرجه أبو داود في السنة: عن مسدد. وأخرجه الترمذي في المناقب عن الحسن بن
علي الخلال وعن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن هشام. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن محمد بن الصباح وعن علي بن محمد وعن أبي كريب.
قوله: (لا تسبوا أصحابي)، خطاب لغير الصحابة من المسلمين المفروضين في العقل، جعل من سيوجد كالموجود، ووجودهم المترقب كالحاضر، هكذا قرره الكرماني، ورد عليه بعضهم ونسبه إلى التغفل بأنه وقع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد، وهو من الصحابة الموجودين إذا ذاك بالاتفاق. قلت: نعم، روى مسلم: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أحدا من أصحابي...) الحديث، ولكن الحديث لا يدل على أن المخاطب بذلك خالد والخطاب للجماعة، ولا يبعد أن يكون الخطاب لغير الصحابة، كما قاله الكرماني: ويدخل فيه خالد أيضا لأنه ممن سب على تقدير أن يكون خالد إذ ذاك صحابيا، والدعوى بأنه كان من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق يحتاج إلى دليل، ولا يظهر ذلك إلا من التاريخ. قوله: (أنفق مثل أحد ذهبا) أي: مثل جبل أحد الذي بالمدينة، زاد البرقاني في المصافحة من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش: كل يوم. قوله: (ما بلغ مد أحدهم) أي: المد من كل شيء، وهو بضم الميم في الأصل: ربع الصاع، وهو رطل وثلث بالعراقي عند الشافعي وأهل الحجاز، وهو رطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق، وقيل: أصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما، وإنما قدره به لأنه أقل ما كانوا يتصدقون به في العادة، وقال الخطابي: يعني أن المد من التمر الذي يتصدق به الواحد من الصحابة مع الحاجة إليه أفضل من الكثير الذي ينفقه غيرهم من السعة، وقد يروى: مد أحدهم، بفتح الميم، يريد: الفضل والطول، وقال القاضي: وسبب تفضيل نفقتهم أن إنفاقهم إنما كان في وقت الضرورة وضيق الحال، بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته، صلى الله عليه وسلم، وحمايته وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعاتهم. قوله: (ولا نصيفه) فيه أربع لغات: نصف بكسر النون وبضمها وبفتحها، ونصيف بزيادة الياء، مثل العشر والعشير والثمن والثمين، وقيل: النصف هنا مكيال يكال به.
تابعه جرير وعبد الله بن داود وأبو معاوية ومحاضر عن الأعمش
أي: تابع شعبة جرير بن عبد الحميد في روايته عن سليمان الأعمش عن أبي سعيد الخدري، وحديث جرير عن الأعمش قد ذكرناه عن قريب، وعبد الله بن داود أي: وتابعه أيضا عبد الله بن داود بن عامر بن الربيع الهمداني أبو عبد الرحمن المعروف بالخريبي، سكن الخريبة محلة بالبصرة وهي بضم الخاء المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، وحديثه عن الأعمش، رواه مسدد في مسنده، رواه عنه. قوله: (وأبو معاوية) أي: تابعه أبو معاوية بن محمد بن خازم بالمعجمتين الضرير، وحديثه عن الأعمش عن أحمد في (مسنده) هكذا رواه مسلم عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح: هو ذكوان ولكن عن أبي هريرة: قوله: (ومحاضر) أي: وتابعه محاضر، بضم الميم وبالحاء المهملة وبالضاد المعجمة، على وزن مجاهد: ابن المورع، بالراء المكسورة، مر في آخر الحج، وحديثه عند أبي الفتح الحداد في (فوائده) من طريق أحمد بن يونس الضبي عن محاضر، فذكره مثل رواية جرير، لكن قال: بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر، بدل عبد الرحمن بن عوف، وقول جرير أصح.
4763 حدثنا محمد بن مسكين أبو الحسن حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان عن شريك بن أبي نمر عن سعيد بن المسيب قال أخبرني أبو موساى الأشعري أنه توضأ في بيته ثم خرج فقلت لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا قال فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا خرج ووجه ههنا فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر

188
أريس فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت على رسلك ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يريد أخاه يأت به فإذا إنسان يحرك الباب فقلت من هذا فقال عمر ابن الخطاب فقلت على رسلك ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقلت هذا عمر ابن الخطاب يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فجئت فقلت له ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القت عن يساره ودلى رجليه في البئر ثم رجعت فجلست فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يأت به فجاء إنسان يحرك الباب فقلت من هذا فقال عثمان بن عفان فقلت على رسلك فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال إئذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فجئته فقلت له ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك فدخل فوجد القف قد ملىء فجلس وجاهه من الشق الآخر. قال شريك قال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه التصريح بفضيلة هؤلاء الثلاثة: أبو بكر وعمر وعثمان، وأن أبا بكر أفضلهم لسبقه بالبشارة بالجنة، ولجلوسه على يمين النبي صلى الله عليه وسلم، والغرض من إيراده في مناقب أبي بكر خاصة الإشارة إلى هذا الوجه.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: محمد بن مسكين بن نميلة اليمامي، يكنى أبا الحسن وهو شيخ مسلم أيضا. الثاني: يحيى بن حسان بن حبان أبو زكرياء التنيسي، حكى البخاري عن حسن بن عبد العزيز أنه مات سنة ثمان ومائتين. الثالث: سليمان بن بلال أبو أيوب وأبو محمد القرشي التيمي، مولى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وكان بربريا مات سنة سبع وسبعين ومائة. الرابع: شريك بن عبد الله بن أبي نمر، بلفظ الحيوان المشهور، أبو عبد الله القرشي، ويقال: الليثي من أنفسهم مات سنة
أربعين ومائة وهو منسوب إلى جده الخامس بن المسيب. السادس: أبو موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، واسمه عبد الله بن قيس.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن سعيد بن أبي مريم، وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن مسكين به وعن الحسن بن علي الحلواني وأبي بكر بن أبي إسحاق.
ذكر معناه: قوله: (لألزمن) باللام المفتوحة وبالنون الثقيلة للتأكيد، وكذلك قوله: لأكونن. قوله: (وجه)، بفتح الواو وتشديد الجيم على لفظ الماضي، هكذا في رواية الأكثرين، ومعناه: توجه أو وجه نفسه، وفي رواية الكشميهني بسكون الجيم بلفظ الاسم مضافا إلى الظرف، أي: جهة كذا، وقال الكرماني، وفي بعضها أي: في بعض الرواية: وجهته، يعني بالرفع، وهو مبتدأ

189
وههنا خبره. قوله: (أريس) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف بعدها سين مهملة، وهو بستان بالمدينة معروف قريب من قبا. وفي هذا البئر سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من إصبع عثمان، رضي الله تعالى عنه، وهو منصرف، وإن جعلته إسما لتلك البقعة يكون غير منصرف للعلمية والتأنيث. قوله: (وتوسط قفها) أي: صار في وسط قفها، والقف، بضم القاف وتشديد الفاء، قال النووي: هو حافة البئر، وأصله الغليظ المرتفع من الأرض، وقال غيره: القف الدكة التي جعلت حول البئر والجمع: قفاف، ويقال: القف اليابس، ويحتمل أن يكون سمي به لأن ما ارتفع حول البئر يكون يابسا دون غيره غالبا، قوله: (فدلاهما)، أي: أرسلهما. قوله: (فقلت: لأكونن بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم)، ظاهره أنه اختار ذلك وفعله من تلقاء نفسه، وقد صرح بذلك في رواية محمد بن جعفر عن شريك في الأدب، وزاد فيه: ولم يأمرني به، وقال ابن التين، فيه أن المرء يكون بوابا للإمام، وإن لم يأمره. فإن قلت: وقع في رواية أبي عثمان التي تأتي في مناقب عثمان: عن أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمره بحفظ باب الحائط وأخرج أبو عوانة في (صحيحه): من رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب في هذا الحديث، فقال: يا أبا موسى أملك علي هذا الباب، فانطلق فقضى حاجته وتوضأ، ثم جاء فقعد على قف البئر، وروى الترمذي من طريق أبي عثمان عن أبي موسى، وقال لي: يا أبا موسى أملك علي الباب فلا يدخلن علي أحد. قلت: وجه الجمع بينهما بأنه لما حدث نفسه بذلك صادف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحفط عليه لباب. فإن قلت: يعارض هذا قول أنس رضي الله تعالى عنه: لم يكن له بواب، وقد سبق في كتاب الجنائز؟ قلت: مراد أنس أنه لم يكن له بواب مستمر مرتب لذلك على الدوام. قوله: (على رسلك) بكسر الراء: على هينتك، وهو من أسماء الأفعال، ومعناه: اتئد، قوله: (وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني) كان لأبي موسى أخوان: أبو رهم وأبو بردة، ويقال: إن له أخا آخر اسمه: محمد، وأشهرهم أبو بردة واسمه عامر، وقد أخرج أحمد في (مسنده) عنه حديثا. قوله: (فإذا إنسان يحرك الباب) فيه حسن الأدب في الاستئذان، وقال ابن التين: يحتمل أن يكون هذا قبل أن ينزل قوله تعالى: * (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا) * (النور: 72). واعترض عليه باستبعاد ما قاله، وذلك لأنه وقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة: فجاء رجل فاستأذن، فعرف من هذا، إن معنى قوله: يحرك الباب، يعني: مستأذنا لا دافعا. قوله: (يبشرك بالجنة) زاد أبو عثمان في روايته: فحمد الله تعالى. قوله: (فقال: عثمان...) إلى قوله: (فقال: إئذن له) وفي رواية أبي عثمان: ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة، ثم قال: إئذن له. قوله: (على بلوى تصيبك) وهي البلية التي صار بها شهيد الدار، وفي رواية أبي عثمان: فحمد الله، ثم قال: الله المستعان، وفي رواية عند أحمد: فجعل يقول: اللهم صبرا، حتى جلس. قوله: (فجلس وجاهه) بضم الواو وكسرها. أي: مقابله. قوله: (قتل شريك)، هو شريك بن أبي نمر الراوي، وهو موصول بالإسناد الماضي. قوله: (فأولتها قبورهم)، أي: أولت هؤلاء الثلاثة الجالسين على الهيئة المذكورة بقبورهم، والتأويل بالقبور من جهة كون الشيخين مصاحبين له عند الحفرة المباركة، لا من جهة أن أحدهما في اليمين والآخر في اليسار، وأما عثمان فهو في البقيع مقابلا لهم، وهذا من الفراسة الصادقة.
5763 حدثني محمد بن بشار حدثنا يحيى عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وصديق) على ما لا يخفى، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وسعيد هو ابن أبي عروبة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل عمر، رضي الله تعالى عنه، عن مسدد. وأخرجه أبو داود في السنة عن مسدد أيضا. وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار به. وأخرجه النسائي فيه عن أبي قدامة عن يحيى به وعن عمرو بن علي عن يحيى ويزيد ابن زريع به.
قوله: (صعد أحدا) هو: الجبل المعروف بالمدينة. فإن قلت: وقع لأبي يعلى من وجه آخر: عن سعيد حراء جبل بمكة، قال بعضهم: والأول أصح، ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة. قلت: الاختلاف فيه من سعيد، فإن في (مسند

190
الحارث بن أسامة): عن روح بن عبادة عن سعيد، فقال: أحد أو حراء؟ بالشك، ولكن لا شك في تعدد القصة فإن أحمد رواه من طريق بريدة بلفظ: حراء، وإسناده صحيح، وأبا يعلى رواه من حديث سهل بن سعد بلفظ: أحد، وإسناده صحيح. وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة فذكر أنه كان على حراء ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم، فهذا كله يدل على تعدد القصة. قوله: (وأبو بكر)، عطف على الضمير المرفوع الذي في صعد، وهذا لا خلاف فيه لوجود قوله: (أحدا) وهو الحائل وأما إذا كان بغير الحائل ففيه خلاف بين الكوفيين والبصريين، وقد ذكرناه فيما مضى. قوله: (فرجف) أي: اضطرب أحد بهم. قوله: (إثبت)، أمر من ثبت. قوله: (أحد) بضم الدال منادى قد حذف حرف ندائه، تقديره: يا أحد. قوله: (صديق) هو: أبو بكر. قوله: (وشهيدان) هما: عمر وعثمان.
6763 حدثني أحمد بن سعيد أبو عبد الله حدثنا وهب بن جرير حدثنا صخر عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بينما أنا على بئر أنزع منها جاءني أبو بكر وعمر فأخذ أبو بكر الدلو فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه فنزع حتى ضرب الناس بعطن. قال وهب العطن مبرك الإبل يقول حتى رويت الإبل فأناخت..
وجه المطابقة بينه وبين الترجمة من حيث إن فيه إشارة إلى أن الخلافة بعده، صلى الله عليه وسلم، لأبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وتقديمه على عمر وغيره يدل على أنه أفضل منه.
وأحمد بن سعيد بن إبراهيم أبو عبد الله المروزي المعروف بالرباطي،، مات يوم عاشوراء أو النصف من محرم سنة ست وأربعين ومائتين، وروى عنه مسلم أيضا وصخر، بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة: ابن جويرية، بالجيم: أبو رافع النميري، يعد في البصريين.
والحديث مضى قبل: باب قول الله تعالى: * (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم...) * (البقرة: 641). الحديث في أواخر علامات النبوة.
قوله: (بينا أنا على بئر) أي: في المنام، وقال البيضاوي: البئر إشارة إلى الدين الذي هو منبع ماء حياة النفوس. قوله: (رويت) بكسر الواو يعني: أن معنى قوله: * (حتى ضرب الناس بعطن) حتى رويت الإبل فأناخت.
7763 حدثني الوليد بن صالح حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عمر بن سعيد بن الحسين المكي عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال إني لواقف أبي في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كنت وأبو بكر وعمر وفعلت وأبو بكر وعمر وانطلقت وأبو بكر وعمر فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب. (الحديث 7763 طرفه في: 5863).
وجه المطابقة بينه وبين الترجمة من حيث إنه يدل على فضل الشيخين، ولكن الغرض منه منقبة أبي بكر لفضله على عمر وغيره لتقدمه في كل شيء حتى في ذكره صلى الله عليه وسلم.
والوليد بن صالح الفلسطيني النخاس، بالنون والخاء المعجمة: الضبي مولاهم البغدادي، فيه كلام لأن أحمد لم يكتب عنه، قيل: لأنه كان من أصحاب الرأي، فرآه يصلي فلم تعجبه صلاته وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي، وعمر، بضم العين: ابن سعيد

191
ابن أبي حسين النوفلي القرشي المكي، وابن أبي مليكة بضم الميم: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة المكي.
قوله: (لواقف) اللام فيه للتأكيد مفتوحة. قوله: (وقد وضع) الواو فيه للحال. قوله: (رحمك الله) الخطاب فيه لعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قوله: (لأرجو) اللام فيه هي الفارقة بين أن المخففة والنافية. قوله: (وأبو بكر) عطف على الضمير المتصل بدون التأكيد وفيه خلاف بين البصريين والكوفيين، فالحديث يرد على المانعين بدون التأكيد.
8763 حدثني محمد بن يزيد الكوفي حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمر و عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه صلى الله عليه وسلم فقال: * (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) * (غافر: 82).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فجاء أبو بكر حتى دفعه عه...) إلى آخره.
ومحمد بن يزيد من الزيادة البزاز، بتشديد الزاي الأولى: الكوفي، كذا قاله الكرماني، رحمه الله، وقال بعضهم: قيل: هو أبو هاشم الرفاعي وهو مشهور بكنيته، وقال الحاكم والكلاباذي: هو غيره، ووقع في رواية ابن السكن عن الفربري: محمد بن كثير، وهو وهم نبه عليه أبو علي الجياني، لأن محمد بن كثير لا تعرف له رواية عن الوليد، وهو الوليد بن مسلم، وقال أبو علي: هكذا هذا الإسناد في رواية أبي زيد وأبي أحمد عن الفربري محمد بن يزيد والقول قول أبي زيد ومن تابعه، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو ويحيى بن أبي كثير اليمامي الطائي واسم أبي كثير صالح من أهل البصرة سكن اليمامة، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث أبو عبد الله التيمي القرشي المديني مات سنة عشرين ومائة.
والحديث يأتي في: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصابه من المشركين بمكة من وجه آخر عن الوليد بن مسلم.
قوله: (عقبة بن أبي معيط)، بضم الميم وفتح العين المهملة: الأموي، قتل يوم بدر كافرا بعد انصرافه صلى الله عليه وسلم منه بيوم.
وفيه: منقبة عظيمة لأبي بكر، رضي الله تعالى عنه.
6
((باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب عمر بن الخطاب، وفي غالب النسخ ليست فيه لفظ: باب، هكذا مناقب عمر بن الخطاب أي: هذا مناقب عمر بن الخطاب، والمناقب جمع منقبة، وقد مر بيانها، وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي أبو حفص أمير المؤمنين، وأمه حنتمة، بفتح الحاء المهملة وسكون النون، ويقال: خيثمة، بالخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ثم بالميم، وهو الأشهر، والأول أصح، وهي بنت هاشم ذي الرمحين ابن المغيرة بن عبيد الله بن عمر بن مخزوم، والنبي صلى الله عليه وسلم، هو الذي كناه بأبي حفص وكانت حفصة أكبر
أولاده، ولقبه: الفاروق، بالاتفاق قيل: أول من لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم، رواه ابن سعد من حديث عائشة، وقيل: أهل الكتاب. أخرجه ابن سعد عن الزهري وقيل: جبريل، عليه الصلاة والسلام، ذكره البغوي.
176 - (حدثنا حجاج بن منهال حدثنا عبد العزيز الماجشون حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال النبي
رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت من هذا فقال هذا بلال ورأيت قصرا بفنائه جارية فقلت لمن هذا فقال لعمر فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك فقال عمر بأمي وأبي يا رسول الله أعليك أغار)

192
مطابقته للترجمة في قوله ورأيت قصرا إلى آخره وحجاج بن منهال بكسر الميم وسكون النون السلمي الأنماطي البصري وعبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي سلمة وفي رواية أبي ذر عبد العزيز بن الماجشون بزيادة لفظ ابن وقد مر تفسير الماجشون وهو لقب جده ويلقب به أولاده * والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن الفرج وأخرجه النسائي في المناقب عن نصير بن الفرج قوله ' رأيتني ' أي رأيت نفسي ودخلت الجنة جملة حالية قوله ' فإذا ' كلمة إذا المفاجأة قوله ' بالرميصاء ' وهو مصغر الرمصاء مؤنث الأرمص بالراء والصاد المهملة ولقبت بها لرمص كان بعينها واسمها سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك وقيل هو اسمها ويقال فيه بالغين المعجمة بدل الراء وهي بنت ملحان بكسر الميم وبالحاء المهملة ابن خالد بن زيد الأنصارية زوجة أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري وهي أم أنس بن مالك خالة رسول الله
من الرضاعة وهي أخت أم حرام بنت ملحان وقال أبو داود هو اسم أخت أم سليم من الرضاعة وجوز ابن التين أن يكون المراد امرأة أخرى لأبي طلحة قوله ' خشفة ' بفتح المعجمتين والفاء أي حركة وزنا ومعنى قاله بعضهم وفي التوضيح هو بفتح الخاء وسكون الشين وحكى شمر فتحها أيضا وقال الكرماني بفتح الخاء وسكون الشين الحس والحركة وقال أبو عبيد الخشفة الصوت ليس بالشديد يقال خشف يخشف خشفا إذا سمعت له صوتا أو حركة وقيل وأصله صوت دبيب الحيات وقال الفراء الخشفة الصوت للواحد والخشفة الحركة إذا وقع السيف على اللحم ومعنى الحديث هنا ما يسمع من حس وقع القدم قوله ' فقال هذا بلال ' القائل يحتمل أن يكون جبريل عليه الصلاة والسلام أو ملكا من الملائكة ويحتمل أن يكون بلالا نفسه قوله ' بفنائه ' بكسر الفاء وبالمد ما امتد مع القصر من جوانبه من خارج وقال الداودي قد يقال للقصر نفسه فناء قوله ' فقال لعمر ' وفي رواية الكشميهني ' فقالوا ' القائل أما جبريل كما قلنا والقائلون جمع من الملائكة ويروى فقالت أي الجارية قوله ' بأبي وأمي ' أي أنت مفدى بهما أو أفديك بهما قوله ' أعليك أغار ' هذا من القلب لأن الأصل أعليها أغار منك وقال الكرماني والأصل أن يقال أمنك أغار عليها ثم أجاب بأن لفظ عليك ليس متعلقا بقوله أغار بل معناه أمستعليا عليك أغار عليها مع أن كون الأصل ذلك ممنوع فلا محظور فيه * -
0863 حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هاذا القصر فقالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبرا فبكى عمر وقال أعليك أغار يا رسول الله..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة، وعقيل، بضم العين. والحديث قد مضى في: باب ما جاء في صفة الجنة بهذا الإسناد والمتن، ومضى الكلام فيه هناك.
2863 حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبيد الله قال حدثني أبو بكر بن سالم عن سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

193
أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا. والله يغفر له ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا يفري فريه حتى روي الناس وضربوا بعطن..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، وأبو بكر بن سالم هو ابن عبد الله بن عمر، وهو من أقران الراوي عنه وهما مدنيان من صغار التابعين. وأما أبو سالم فمعدود من كبارهم وهو أحد الفقهاء السبعة، وليس لأبي بكر بن سالم في البخاري غير هذا الموضع، وثقه العجلي ولا يعرف له راو إلا عبيد الله بن عمر المذكور، وإنما أخرج له البخاري في المتابعات.
والحديث مضى من طريق الزهري عن سالم. ومضى في فضل أبي بكر من طريق صخر عن نافع عن ابن عمر ومضى فيه أيضا من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة نحوه.
قوله: (بدلو بكرة) بإضافة الدلو إلى البكرة بإسكان الكاف وحكي فتحها، وقيل: بكرة، مثلثة الباء، قلت: البكرة بإسكان الكاف على أن المراد نسبة الدلو إلى الأنثى من الإبل، وهي: الشابة أي: الدلو التي يستقي بها، وأما بتحريك الكاف فالمراد: الخشبة المستديرة التي تعلق فيها الدلو.
قال ابن جبير العبقري عتاق الزرابي: وقال يحيى الزرابي الطنافس لها خمل رقيق مبثوثة كثيرة
ابن جبير، هو سعيد بن جبير، وهذا تعليق وصله عبد بن حميد من طريقه. قوله: (عتاق الزرابي)، أي: حسان الزرابي، وهو جمع عتيق وهو الكريم الرائع من كل شيء، ووقع في رواية الأصيلي وكريمة وبعض النسخ عن أبي ذر هنا: قال ابن نمير، والمراد به محمد بن عبد الله بن نمير، شيخ البخاري فيه، وقال الكرماني: هو أولى إذ هو الراوي له. قوله: (وقال يحيى) قال الكرماني: أي: القطان إذ هو أيضا راوي هذا الحديث، ومر آنفا في مناقب أبي بكر، وقال بعضهم: هو يحيى بن زياد الفراء، ذكر ذلك في (كتاب معاني القرآن) له، وظن الكرماني أنه يحيى بن سعيد القطان فجزم بذلك، واستند إلى كون الحديث ورد في روايته كما تقدم في
مناقب أبي بكر رضي الله تعالى عنه. قلت: استناد الكرماني أقوى، ولا يلزم من ذكر الفراء: الزرابي، في كتابه أن يكون يحيى المذكور ها هو الفراء، بل الأقرب ما قاله الكرماني، لأن كثيرا من الرواة يفسرون ما وقع في ألفاظ الأحاديث التي يروونها. قوله: (الطنافس) جمع طنفسة بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء البساط الذي له خمل رقيق، والخمل بفتح الخاء المعجمة والميم بعدها لام: الأهداب. قوله: (رقيق) أي: غير غليظة. قوله: (مبثوثة) أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وزرابي مبثوثة) * (الغاشية: 61). وفسرها بقوله: (كثيرة) وقال بعضهم: هو بقية كلام يحيى بن زياد المذكور. قلت: هذه دعوى بلا دليل، بل الظاهر أنه من كلام البخاري، ولهذا قال: هو، ثم استطرد المصنف كعادته فذكر معنى صفة الزرابي الواردة في القرآن في قوله تعالى * (وزرابي مبثوثة) * (الغاشية: 61). وكلامه هذا يدل على أنه من كلام البخاري، وأنه يرد عليه نسبته إلى يحيى. فافهم.
3863 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب أخبرني عبد الحميد أن محمد بن سعد أخبره أن أباه قال حدثني عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمان بن زيد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل

194
عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجبت من هاؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله تصلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك. (انظر الحديث 4923 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (والذي نفسي بيده) إلى آخره.
وأخرج هذا الحديث من طريقين: أحدهما: عن علي بن عبد الله عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن صالح ابن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، كان واليا لعمر ابن عبد العزيز على الكوفة، يروي عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، وكلهم مدنيون. وفيه: أربعة من التابعين على نسق، وهم: صالح وابن شهاب وهما قريبان وعبد الحميد ومحمد بن سعد وهما قريبان، وقد مر الحديث بهذا الطريق في: باب صفة إبليس وجنوده. والطريق الآخر: عن عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني عن إبراهيم بن سعد المذكور عن صالح بن كيسان إلى آخره.
قوله: (وعندن نسوة من قريش) هن من أزواجه، ويحتمل أن يكون معهن من غيرهن، لكن قرينة كونهن يستكثرنه يؤيد الأول، والمراد أنهن يطلبن منه أكثر مما يعطيهن، كذا قاله بعضهم: وقال النووي: يستكثرنه، أي: يطلبن كثيرا من كلامه وجوابه لجوابهن. وفي (التوضيح): يستكثرنه يردن العطاء، وقد أبان في موضع آخر ذلك: أنهن يردن النفقة، وقال الداودي: المراد أنهن يكثرن الكلام عنده، وقال بعضهم: هو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم: أنهن يطلبن النفقة. قلت: الذي قاله النووي أظهر لأن الضمير المنصوب في: يستكثرنه، يرجع إلى الكلام الذي يدل عليه: يكلمنه، وثمة قرينة تؤيد هذا وهو أن عمر، رضي الله تعالى عنه، لم يكن يرى بالخطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: أي عدوات أنفسهن، في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، بل الظاهر أنهن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم جئن لأجل حوائجهن كما قاله النووي، وأكثرن الكلام كما قاله الداودي، ورد كلامه ليس له وجه ولا يصلح أن يكون حديث جابر مؤيدا لما ذهب إليه هذا القائل، لأن حديث سعيد غير حديث جابر، ولئن سلمنا أن يكون معناهما واحدا فلا يلزم من قوله: يطلبن النفقة، أن تكون تلك النسوة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن تكون أزواج تلك النسوة غائبين ولم يكن عندهن شيء، فجئن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبن منه النفقة، وأيضا لفظ النفقة غير مخصوص بنفقة الزوجات على ما لا يخفى. قوله: (عالية)، بالنصب على الحال، ويجوز بالرفع على أن يكون صفة لنسوة، وأما علو أصواتهن فإما أنه كان قبل نزول قوله تعالى: * (ولا ترفعوا أصواتكم) * (الحجرات: 2). وإما أنه كان باعتبار اجتماع أصواتهن، لا أن كلام كل واحدة منهن بانفرادها أعلى من صوته، صلى الله عليه وسلم. قوله: (فبادرن)، أي: أسرعن، قوله: (أضحك الله سنك)، لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك، بل أراد لازمه وهو السرور والفرح. قوله: (يهبنني)، بفتح الهاء، أي: يوقرنني ولا يوقرن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (أفظ وأغلظ)، من الفظاظة والغلاظة، وهما من أفعل التفضيل، وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل. فإن قلت: كيف ذاك في النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: باعتبار القدر الذي في النبي صلى الله عليه وسلم، من إغلاظه على الكفار وعلى المنتهكين لحرمات الله تعالى. فإن قلت: يعارض هذا قوله تعالى: * (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) * (آل عمران: 3). قلت: الذي في الآية يقتضي أن لا يكون ذلك صفة لازمة فلا يستلزم ما في الحديث ذلك، بل يوجد ذلك عند الإنكار على الكفار كما ذكرناه. وقال بعضهم: وجوز بعضهم أن يكون الأفظ هنا بمعنى الفظ، وفيه نظر للتصريح بالترجيح المقتضي لكون أفعل على بابه. قلت: أراد بالبعض الكرماني، فإنه قال هكذا، وليس بمحل للنظر فيه، لأن هذا الباب واسع في كلام العرب. قوله: (إيها) بكسر الهمزة وسكون الباء آخر الحروف وبالهاء المفتوحة المنونة، ويروى: إيه، بكسر الهمزة وكسر الهاء

195
المنونة، والفرق بينهما أن معنى الأول: لا تبتدئنا بحديث، ومعنى الثاني: زدنا حديثا ما، وفيه لغة أخرى، وهي: إيه، بكسر الهمزة والهاء بغير تنوين، ومعناه: زدنا مما عهدنا. وال الجوهري: إيه، يعني بكسر الهمزة والهاء بغير تنوين: اسم يسمى به الفعل، لأن معناه الأمر تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيه،
بكسر الهاء، وقال ابن السكيت: فإن وصلت نونت، فقلت: إيه، حديثا. وقال الجوهري أيضا: وإن أردت التبعيد قلت: إيها بفتح الهمزة بمعنى: هيهات، وقال ابن الأثير: إيه، كلمة يراد بها الاستزادة، وهي مبنية على الكسر، فإذا وصلت نونت. فقلت إيه حديثا، وإذا قلت: إيها، بالنصب فإنما يراد بها: نأمره بالسكوت. وقال الطيبي: الأمر بتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم، مطلوب لذاته تحمد الزيادة منه، فكأن قوله، صلى الله عليه وسلم: إيه، استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه، فلذلك عقبه بقوله: (والذي نفسي بيده...) إلى آخره، فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله. قوله: (فجا) أي: طريقا واسعا.
وفيه: فضيلة عظيمة لعمر، رضي الله تعالى عنه، لأن هذا الكلام يقتضي أن لا سبيل للشيطان عليه إلا أن ذلك لا يقتضي وجوب العصمة، إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان من أن يشاركه في طريق يسلكها، ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته، هكذا قرره بعضهم. قلت: هذا موضع التأمل، لأن عدم سلوكه الطريق الذي يسلك فيه عمر، رضي الله تعالى عنه، إنما كان لأجل خوفه لا لأجل معنى آخر، والدليل عليه ما رواه الطبراني في (الأوسط) من حديث حفصة بلفظ: إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه. انتهى. فالذي يكون حاله مع عمر هكذا، كيف لا يمنع من الوصول إليه لأجل الوسوسة؟ وتمكن الشيطان من وسوسة بني آدم ما هو إلا بأنه يجري في عروق بني آدم مثل ما يجري الدم، فالذي يهرب منه ويخر على وجهه إذا رآه كيف يجد طريقا إليه؟ وما ذاك إلا خاصة له وضعها الله فيه، فضلا منه، وكرما، وبهذا لا ندعي العصمة، لأنها من خواص الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام.
4863 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس قال قال عبد الله ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر رضي الله تعالى عنه. (الحديث 4863 طرفه في: 3683).
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه. وأخرجه البخاري أيضا في إسلام عمر، رضي الله تعالى عنه، عن محمد بن كثير عن سفيان.
قوله: (ما زلنا أعزة...) إلى آخره لما فيه من الجلد والقوة في أمر الله تعالى، وروى ابن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن، قال: قال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر عزا، وهجرته نصرا، وإمارته رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، رضي الله تعالى عنه.
5863 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله حدثنا عمر بن سعيد عن ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس يقول وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي فترحم على عمر وقال ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر. (انظر الحديث 7763).
مطابقته للترجمة في قوله: (ذهبت أنا وأبو بكر وعمر...) إلى آخره. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة، وعبد الله هو ابن المبارك، وعمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي القرشي المكي، وابن أبي مليكة، بضم الميم: عبد الله بن أبي مليكة، وقد مر هؤلاء غير مرة.
والحديث مر عن قريب في مناقب أبي بكر، فإنه أخرجه هناك: عن الوليد بن صالح عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد

196
إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (وضع عمر على سريره)، يعني: لأجل الغسل. قوله: (فتكنفه الناس)، بالنون والفاء، أي: أحاطوا به من جميع جوانبه، والأكناف النواحي. قوله: (فلم يرعني) بضم الراء، أي: لم يخوفني ولم يفجأني. قوله: (آخذ) على وزن فاعل، وفي رواية الكشميهني: أخذ، بلفظ الفعل الماضي. قوله: (فإذا علي) أي: فإذا هو علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وكلمة: إذا للمفاجأة. قوله: (أحب)، بالنصب والرفع، قاله الكرماني وغيره، ولم يذكر أحد وجههما. قلت: أما النصب فعلى أنه صفة لأحد، وأما الرفع فعلى أنه يكون خبر مبتدأ محذوف. قوله: (وأيم الله) أي: يمين الله. قوله: (مع صاحبيك)، أراد بهما: النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر. قوله: (وحسبت أني)، يجوز بفتح الهمزة وكسرها، وأما الفتح فعلى أنه مفعول: حسبت، وأما الكسر فعلى الاستئناف التعليلي، أي: كان في حسابي لأجل سماعي قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
6863 حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد قال وقال لي خليفة حدثنا محمد ابن سواء وكهمس بن المنهال قالا حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه برجله قال اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان. (انظر الحديث 5763 وطرفه).
مطابقته للترجمة في ذكر عمر وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن مسدد بن مسرهد عن يزيد بن زريع، بضم الزاي وفتح الراء، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس. والآخر: بطريق المذاكرة عن خليفة بن خياط أحد شيوخه عن محمد بن سواء، بفتح السين المهملة وتخفيف الواو وبالمد: الضريري، السدوسي مات سنة سبع وثمانين ومائة. يروي هو وكهمس بن المنهال كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس، وليس لكهمس في البخاري غير هذا الموضع، وسقط جميع ذلك من رواية أبي ذر، واقتصر فيه على طريق يزيد بن زريع.
وقد مر الحديث في مناقب أبي بكر فإنه أخرجه هناك: عن محمد بن بشار عن يحيى عن سعيد عن قتادة.
قوله: (إثبت أحد) يعني: يا أحد. قوله: (أو شهيد)، كان مقتضى الظاهر أن يقول: شهيدان، ولكن معناه: ما عليك غير هؤلاء الأجناس، أي: لا يخلو عنهم،
وقيل: شهيد، فعيل يستوي فيه المثنى والجمع، ويروى إلا نبي وصديق بالواو أو شهيد، بأو، لأن فيه تغيير الأسلوب للإشعار بمغايرة حالهما، لأن النبوة والصديقية حاصلتان حينئذ، بخلاف الشهادة والأولان حقيقة والثاني مجاز، ويروى بلفظ: أو، فيهما كما في المتن هنا، وقيل: أو، بمعنى الواو.
7863 حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال حدثني عمر هو ابن محمد أن زيد بن أسلم حدثه عن أبيه قال سألني ابن عمر عن بعض شأنه يعني عمر فأخبرته فقال ما رأيت أحدا قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجد وأجود حتى انتهى من عمر بن الخطاب..
مطابقته للترجمة في قوله: (ما رأيت أحدا...) إلى آخره.
ويحيى بن سليمان، أبو سعيد الجعفي سكن مصر، وابن وهب هو عبد الله ابن وهب المصري، وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وزيد بن أسلم أبو أسامة يروي عن أبيه أسلم مولى عمر بن الخطاب، يكنى أبا خالد كان من سبي اليمن. قال الواقدي: أبو زيد الحبشي البجاوي، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الجيم وبالواو: من بجاوة من سبي اليمن، اشتراه عمر بن الخطاب بمكة سنة إحدى عشرة لما بعثه أبو بكر الصديق ليقيم للناس الحج، مات قبل مروان بن الحكم وهو صلى عليه، وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة.
قوله: (عن بعض شأنه) أي عن بعض شأن عمر، قوله: (فقال)، أي: ابن عمر. قوله: (بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أي: بعده في هذه الخصال، أو بعد موته. قوله: (أحد) بفتح الجيم وتشديد الدال، أفعل التفضيل من: جد، إذا اجتهد يعني: أجد في الأمور قوله: (وأجود) أفعل أيضا من الجود، يعني:

197
ولا أجود في الأموال. قوله: (حتى انتهى من عمر بن الخطاب) يعني: حتى انتهى إلى آخر عمره، حاصله أنه لم يكن أحد أجد منه ولا أجود في مدة خلافته.
8863 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال متى الساعة قال وماذا أعددت لها قال لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال أنت مع من أحببت قال أنس فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت قال أنس فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قول أنس، فإنه قرن أبا بكر وعمر بالنبي صلى الله عليه وسلم في العمل.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن أبي الربيع.
قوله: (أن رجلا)، قيل: هذا الرجل هو ذو الخويصرة اليماني، وزعم ابن بشكوال أنه أبو موسى الأشعري أو أبو ذر، وسيأتي في الأدب من طريق آخر عن أنس: أن السائل هنا أعرابي، ووقع عند الدارقطني من حديث ابن مسعود أن الأعرابي الذي بال في المسجد قال: يا محمد! متى الساعة فقال وما أعددت لها؟ قال بعضهم: فدل على أن السائل في حديث أنس هو الأعرابي الذي بال في المسجد. قلت: لا دليل واضح هنا لاحتمال تعدد السائلين. قوله: (فما فرحنا)، بكسر الراء بصيغة الفعل الماضي. قوله: (فرحنا)، بفتح الراء والحاء مصدر أي: كفرحنا، وانتصابه بنزع الخافض. قوله: (معهم)، أي: مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. فإن قلت: الدرجات متفاوتة، فكيف يكون أنس في درجة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه؟ قلت: المراد المعية في الجنة، أي: أرجو أن أكون في دار الثواب لا العقاب، ونحن أيضا نحبهم ونرجو ذلك من الله الكريم.
9863 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر. زاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر. (انظر الحديث 9643).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن أبيه سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه، ومضى هذا في: باب ما ذكر عن بني إسرائيل، فإنه أخرجه هناك: عن عبد العزيز ابن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة... إلى آخره، وأصحاب إبراهيم بن سعد كلهم رووا بهذا الإسناد عن أبي هريرة إلا عبد الله بن وهب فإنه خالفهم، فقال: عن إبراهيم بن سعد، بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن عائشة، قال أبو مسعود: لا أعلم أحدا تابع ابن وهب على هذا، والمعروف: عن أبي هريرة، لا: عن عائشة. وزكرياء بن أبي زائدة، ذكره كما ذكره البخاري كما يأتي الآن. فإن قلت: قال محمد بن عجلان: عن سعيد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة، أخرجه مسلم والترمذي والنسائي؟ قلت: قال أبو مسعود: وهو مشهور عن ابن عجلان، فكان أبا سلمة سمعه من عائشة ومن أبي هريرة جميعا. قوله: (زاد زكرياء)، إلى آخره، معلق، وفي روايته زيادتان: إحداهما: بيان كونهم من بني إسرائيل. والأخرى: تفسير المراد بالمحدث في رواية غيره، فإنه قال: بدلها: يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، وتعليق زكرياء وصله الإسماعيلي وأبو نعيم في (مستخرجيهما).
قوله: (محدثون)، ويروى: ناس محدثون، وقد مر تفسير: محدثون، هناك. قوله: (لقد كان

198
قبلكم)، ويروى: لقد كان فيمن كان قبلكم. قوله: (يكلمون)، قال الكرماني: يعني الملائكة تكلمهم، فعلى هذا يكلمون على صيغة المجهول. قوله: (فإن يكن من أمتي)، ويروى: في أمتي. قوله: (أحد)، وفي رواية الكشميهني: من أحد. قوله: (فعمر)، أي: فهو عمر، وكلمة: إن، ليست للشك، فإن أمته أفضل الأمم، فإذا كان موجودا فبالأولى أن يكون في هذه الأمة، بل للتأكيد، كقول الأجير: إن عملت لك فوفني حقي.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما من نبي ولا محدث
أشار بهذا إلى قراءة ابن عباس في قوله تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى...) * (الحج: 25). الآية فإنه زاد فيها: ولا محدث، وأخرجه عبد بن حميد من حديث عمرو بن دينار، قال: كان ابن عباس يقرأ: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث.
0963 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثنا عقيل عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمان قالا سمعنا أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما راع في غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها فالتفت إليه الذئب فقال له من لها يوم السبع ليس لها راع غيري فقال الناس سبحان الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أومن به وأبو بكر وعمر وما ثم أبو بكر وعمر. هذا الحديث مضى في مناقب أبي بكر، فإنه أخرجه هناك: عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري... إلى آخره، وذكر فيه قصة البقرة، ومضى الكلام فيه هناك.
1963 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه فضيلة عمر، رضي الله تعالى عنه. والحديث مضى في كتاب الإيمان في: باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عبيد الله عن إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (قمص)، بضم الميم وسكونها: جمع قميص. قوله: (الثدي)، بضم الثاء المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء جمع: ثدي. قوله: (اجتره)، يعني يسحبه لطوله. قوله: (قالوا) أي: الحاضرون من الصحابة، وسيأتي في التعبير: أن السائل في ذلك أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فإن قلت: يلزم منه أن يكون عمر أفضل من أبي بكر؟ قلت: خص أبو بكر من عموم قوله: عرض علي الناس، ويحتمل أن أبا بكر لم يكن في الذين عرضوا، والله أعلم.
2963 حدثنا الصلت بن محمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال ل ما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحست صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون قال أما ما ذكرت من صحبة

199
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك من من الله تعالى من به علي وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله جل ذكره من به علي وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه قال حماد بن زيد حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس دخلت على عمر بهذا.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (لقد صحبت رسول الله، صلى الله عليه وسلم) إلى قوله: (أما ما ذكرت من صحبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، وذلك أن له فضلا عظيما من حيث إنه صحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم وفارقه وهو عنه راض، وكذلك مع أبي بكر وبقية الصحابة، رضي الله تعالى عنهم.
والصلت، بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وبالتاء المثناة من فوق: ابن محمد بن عبد الرحمن أبو همام الخاركي، بالخاء المعجمة وبالراء: البصري، وهو من أفراده، وإسماعيل بن إبراهيم هو إسماعيل بن علية، وعلية بضم العين أمه، وقد مرت غير مرة، وأيوب هو السختياني، وابن أبي مليكة، بضم الميم: هو عبد الله، والمسور بن مخرمة، بكسر الميم في الابن وفتحها في الأب، ولهما صحبة. والحديث من أفراده.
قوله: (لما طعن عمر)، طعنه أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة، ضربه في خاصرته وهو في صلاة الصبح يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. قوله: (وكأنه يجزعه)، أي: وكأن ابن عباس يجزعه، بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الزاي، أي: ينسبه إلى الجزع ويلومه، وقيل: معناه يزيل عنه الجزع، كما في قوله تعالى: * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * (سبإ: 32). أي: أزيل عنهم الفزع. قوله: (ولئن كان ذاك)، هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني ولا كل ذلك، أي: لا تبالغ في الجزع فيما أنت فيه، وقال الكرماني: ولا كان ذلك، هكذا قاله، ثم قال: هذا دعاء، أي: لا يكون ما تخاف منه من العذاب ونحوه، أو لا يكون الموت بهذه الطعنة. قوله: (ثم فارقته)، أي: ثم فارقت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره. ثم فارقت، بحذف الضمير المنصوب. قوله: (وهو عنك راض)، الواو فيه للحال. قوله: (ثم صحبت صحبتهم)، بفتح الصاد والحاء وهو جمع: صاحب، وأراد به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، قال بعضهم: هذا في رواية بعضهم، وفيه نظر للإتيان بصيغة الجمع في موضع التثنية. قلت: لا يتوجه النظر فيه أصلا، بل الموضع موضع ذكر الجمع لأن المراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وقال عياض: يحتمل أن يكون الأصل: ثم صحبتهم، فزيد فيه صحبة الذي هو الجمع. قوله: (فإن ذلك من)، بفتح الميم وتشديد النون أي: عطاء، وفي رواية الكشميهني، فإنما ذلك. قوله: (فهو من أجلك)، أي: جزعي من أجلك وأجل أصحابك، قال ذلك لما شعر من فتن تقع بعده، وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي: أصيحابك، بالتصغير. قوله: (طلاع الأرض)، بكسر الطاء المهملة وتخفيف اللام أي: ملء الأرض، قال الهروي: أي: ما يملأ الأرض حتى يطلع ويسيل، وقال ابن سيده: طلاع الأرض ما طلعت عليه الشمس، وكذا قاله ابن فارس، وقال الخطابي: طلاعها ملؤها، أي: ما يطلع عليها ويشرق فوقها من الذهب. قوله: (قبل أن أراه) أي: العذاب، إنما قال ذلك لغلبة الخوف الذي وقع له في ذلك الوقت من خشية التقصير فيما يجب عليه من حقوق الرعية. قوله: (قال حماد بن زيد...) إلى آخره، معلق ووصله الإسماعيلي من رواية القواريري عن حماد بن زيد.
3963 حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو أسامة قال حدثني عثمان بن غياث حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم افتح له وبشره بالجنة ففتحت له فإذا هو أبو بكر فبشره بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم افتح له وبشره بالجنة ففتحت له فإذا هو عمر فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم استفتح رجل

200
فقال لي افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فإذا عثمان فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم قال الله المستعان..
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي، سكن بغداد ومات بها سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وهو من أفراده، وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وعثمان بن غياث، بكسر الغين المعجمة وتخفيف الياء وبعد الألف ثاء مثلثة: الراسبي، ويقال: الباهلي من أهل البصرة، وأبو عثمان النهدي، بفتح النون: عبد الرحمن بن مل. والحديث مضى عن قريب في مناقب أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، عن أبي موسى الأشعري مطولا من غير هذا الوجه، ومر الكلام فيه مستوفى. قوله: (المستعان) اسم مفعول يقال: استعان به واستعان إياه.
4963 حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني حيوة قال حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب.
مطابقته للترجمة من حيث إن أخذ اليد دليل على غاية المحبة، وكمال المودة والاتحاد، ولولا أن في عمر فضلا عظيما لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يده.
ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي، سكن مصر وتوفي بها سنة ثمان أو سبع، وثلاثين ومائتين، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وحيوة، بفتح الحاء المهملة والواو بينهما ياء ساكنة آخر الحروف ابن شريح، بضم الشين المعجمة، أبو زرعة الحضرمي المصري الفقيه العابد الزاهد، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، وأبو عقيل، بفتح العين المهملة وكسر القاف: زهرة، بضم الزاي على المشهور وقيل: بفتحها وإسكان الهاء ابن معبد، بفتح الميم: القرشي المصري، وجده عبد الله بن هشام بن زهرة بن عثمان، وهو من أفراد البخاري. وأخرجه أيضا في النذور عن يحيى ابن سليمان أيضا بأتم منه.
7
((باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمر و القرشي رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف، وكنيته أبو عمرو الذي استقر عليه الأمر، وفيه قولان، أيضا: أبو عبد الله وأبو ليلى، وعن الزهري: أنه كان يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله رزقه الله من رقية بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحكى ابن قتيبة: أن بعض من ينتقصه يكنيه: أبي ليلى يشير إلى لين جانبه، وقد اشتهر أن لقبه: دو النورين، وقيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذو النورين؟ قال: لأنه لم نعلم أحدا أسبل سترا على ابنتي نبي غيره، وروى خيثمة في (الفضائل) والدارقطني في (الأفراد) من حديث علي، رضي الله تعالى عنه: أنه ذكر عثمان، فقال: ذاك امرأ يدعى في السماء ذو النورين، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ابن عبد مناف، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان
هذا التعليق مضى في الوقف في: باب إذا وقف أرضا، أو بئرا، عن عبدان عن أبيه عن شعبة... إلى آخره، ووصله الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما من طريق القاسم بن محمد المروزي عن عبدان، ولفظ البخاري عنه: أن عثمان، رضي الله تعالى عنه، قال: (ألستم تعلمون أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر رومة فله الجنة؟ فحفرتها...) الحديث، وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى.
وقال من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان

201
أي: وقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره قد مر في الباب المذكور آنفا في الحديث المذكور فيه: (وجيش العسرة) هو غزوة تبوك، وسميت بها لأنها كانت في زمان شدة الحر وجدب البلاد وفي شقة بعيدة وعد وكثير. قوله: (فجهزه عثمان) أي: جهز جيش العسرة، وقال الكرماني: فجهزه بتسعمائة وخمسين بعيرا وخمسين فرسا، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار.
5963 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن أبي عثمان عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمرني بحفظ باب الحائط فجاء رجل يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فإذا أبو بكر ثم جاء آخر يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فإذا عمر ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه فإذا عثمان بن عفان..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وحماد هو ابن زيد، وفي بعض النسخ مذكور. وأيوب هو السختياني وأبو عثمان عبد الرحمن ابن مل، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري. والحديث مضى عن قريب في آخر الباب الذي قبله. قوله: (هنيهة) بالتصغير وأصلها من: الهنة، كناية عن الشيء من نحو الزمان وغيره، وأصلها: هنوة، وتصغيرها: هنية، وقد تبدل من الياء الثانية: هاء، فيقال: هنيهة، أي: شيء قليل.
قال حماد وحدثنا عاصم الأحول وعلي بن الحكم سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى بنحوه وزاد فيه عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد
انكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها
حماد هذا هو ابن زيد عند الأكثرين، ووقع في رواية أبي ذر وحده، وقال حماد بن سلمة: حدثنا عاصم إلى آخره، والأول هو الأصوب، وقوله: (قال حماد) متصل بالإسناد الأول، وبقية منه، فلذلك ذكره: وحدثنا عاصم، بالواو. وعلي بن الحكم، بفتحتين: أبو الحكم البناني البصري، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقد مر في الإجارة في: باب عسب الفحل، ولما أخرج الطبراني هذا الحديث، قال في آخره: قال حماد: فحدثني علي بن الحكم وعاصم أنهما سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى نحوا من هذا وأما حديث حماد بن سلمة فقد أخرجه ابن أبي حثمة في (تاريخه): لكن عن علي بن الحكم وحده. وأخرجه عن موسى ابن إسماعيل، وكذا أخرجه الطبراني من طريق حجاج بن منهال. كلهم عن حماد بن سلمة عن علي بن الحكم وحده به، وليست فيه هذه الزيادة.
قوله: (أو ركبته)، شك من الراوي، ووهم الداودي هذه الرواية، فقال: هذه الرواية وهم، وقد أدخل بعض الرواة حديثا في حديث إنما أتى أبو بكر إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو في بيته منكشف فخذه، فجلس أبو بكر، ثم أتى عمر كذلك، ثم استأذن عثمان فغطى النبي صلى الله عليه وسلم فخذه، فقيل له في ذلك، فقال: إن عثمان رجل حيي، فإن وجدني على تلك الحالة لم يبلغ حاجته، وأيضا فإن عثمان أولى بالاستحياء لكونه ختنه، فزوج البنت أكثر حياء من أبي الزوجة، يوضحه إرسال علي، رضي الله تعالى عنه، ليسأل عن حكم المذي.
6963 حدثني أحمد بن شبيب بن سعيد قال حدثني أبي عن يونس قال ابن شهاب أخبرني عروة أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمان ابن الأسود بن عبد يغوث قالا ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه فقصدت لعثما حتى خرج إلى الصلاة قلت إن لي إليك حاجة وهي نصيحة لك قال يا أيها المرء

202
قال معمر أراه قال أعوذ بالله منك فانصرفت فرجعت إليهم إذ جاء رسول عثمان فأتيته فقال ما نصيحتك فقلت إن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهاجرت الهجرتين وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد قال أردكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لا ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها قال أما بعد فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق فكنت ممن استجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وآمنت بما بعث به وهاجرت الهجرتين كما قلت وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله ثم استخلفت أفليس لي من الحق مثل الذي لهم قلت بلى قال فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم أما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله ثم دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ثم دعا عليا رضي الله تعالى عنه...) إلى آخره، من حيث إنه أقام الحد على أخيه، فهذا فيه: دلالة على مراعاة الحق. وفيه: منقبة من مناقبه.
وأحمد بن شبيب بن سعيد أبو عبد الله الحبطي البصري، وأبوه شبيب ابن سعيد، يروي عن يونس بن يزيد، روى عنه ابنه هنا وفي الاستقراض مفردا، وي غير موضع مقرونا. وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عدي، بفتح العين المهملة وكسر الدال المهملة: ابن الخيار النوفلي الفقيه، والمسور بن مخرمة، بفتح الميم في الأب وكسرها في الابن، وقد مرا عن قريب، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، بفتح الياء آخر الحروف وضم الغين المعجمة، وفي آخره ثاء مثلثة: القرشي الزهري المديني، وهو من أفراد البخاري.
قوله: (ما يمنعك) الخطاب لعبيد الله بن عدي، وفي رواية معمر عن الزهري التي تأتي في هجرة الحبشة، قالا: ما يمنعك أن تكلم خالك؟ لأن عبيد الله هذا هو ابن أخت عثمان بن عفان. قوله: (لأخيه) أي: لأجل أخيه، وفي رواية الكشميهني: في أخيه الوليد بن عقبة، وصرح بذلك في رواية معمر، وكان الوليد هذا أخا عثمان لأمه، وعقبة هو ابن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، وكان عثمان، رضي الله تعالى عنه، ولى الوليد الكوفة، وكان عاملا بالجزيرة على عربها، وكان على الكوفة سعد بن أبي وقاص، وكان عثمان ولاه لما ولي الخلافة بوصية من عمر، رضي الله تعالى عنه، وكان عمر قد عزله عن الكوفة كما ذكرنا. ثم عزل عثمان سعدا عن الكوفة، وولى الوليد عليها وكان سبب العزل: أن عبد الله بن مسعود كان على بيت المال في الكوفة، فاقترض منه سعد مالا، فجاء يتقاضاه فاختصما، فبلغ عثمان فغضب عليهما وعزل سعدا واستحضر الوليد من الجزيرة وولاه الكوفة. قوله: (فقد أكثر الناس فيه)، أي: في الوليد، يعني: أكثروا فيه من الكلام في حقه بسبب ما صدر منه، وكان قد صلى بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ وكان سكرانا، وبلغ الخبر بذلك إلى عثمان، وترك إقامة الحد عليه، فتكلموا بذلك فيه وأنكروا أيضا عن عثمان عزل سعد بن أبي وقاص مع كونه أحد العشرة، ومن أهل الشورى، واجتمع له من الفضل والسن والعلم والدين والسبق إلى الإسلام ما لم يتفق منه شيء للوليد بن عقبة، ثم لما ظهر لعثمان سوء سيرته عزله، ولكن أخر إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من يشهد عليه بذلك، فلما ظهر له الأمر أمر بإقامة الحد عليه، كما نذكره، وروى المدايني من طريق الشعبي: أن عثمان لما شهدوا عنده على الوليد حبسه. قوله: (فقصدت)، القائل هو عبيد الله بن عدي، حاصل المعنى: أنه قصد الحضور عند عثمان حتى خرج إلى الصلاة، وفي رواية الكشميهني: حين خرج، والمعنى على هذه الرواية صادف عبيد الله وقت خروج عثمان إلى الصلاة، وعلى الرواية الأولى أنه جعل قصده منتظرا خروج عثمان. قوله: (وهي نصيحة لك) الواو فيه للحال، ولفظه: هي ترجع إلى الحاجة. قوله: (قال)، أي:

203
قال عثمان: يا أيها المرء منك، يخاطب بذلك عبيد الله بن عدي، تقديره: أعوذ بالله منك؟ وقد صرح معمر بذلك في روايته في هجرة الحبشة على ما يأتي، وأشار إليه
ههنا. بقوله: (قال معمر: أراه قال: أعوذ بالله منك) أي: قال معمر بن راشد البصري، وكان قد سكن اليمن. قوله: (أراه) أي: أظنه قال: أيها المرء أعوذ بالله منك، وقال ابن التين: إنما استعاذ منه خشية أن يكلمه بشيء يقتضي الإنكار عليه، وهو في ذلك معذور فيضيق بذلك صدره. قوله: (فانصرفت) أي: من عند عثمان، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فرجعت إليهم) أي: إلى المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود ومن كان عندهما، وفي رواية معمر: فانصرفت فحدثتهما، أي: المسور وعبد الرحمن بن الأسود ومن كان عندهما، بالذي قلت لعثمان فقالا قد قضيت الذي عليك. قوله: (إذ جاء رسول عثمان) كلمة: إذ، للمفاجأة، وفي رواية معمر: فبينما أنا جالس معهما إذ جاء رسول عثمان، فقال لي: قد ابتلاك الله، فانطلقت. قوله: (فأتيته) أي: فأتيت عثمان (فقال: ما نصيحتك؟) أراد بها: ما في قوله: لما جاء إليه، وقال له: إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة لك. قوله: (فقلت)، أشار به إلى تفسير تلك النصيحة بالفاء التفسيرية، وهي من قوله: (أن الله سبحانه...) إلى قوله: (أدركت رسول الله، صلى الله عليه وسلم). قوله: (وكنت)، بفتح تاء الخطاب يخاطب به عثمان، وكذا بفتح التاء في قوله: (هاجرت) (ورأيت) وأراد بالهجرتن الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة. قوله: (ورأيت هديه)، بفتح الهاء وسكون الدال: أي: رأيت طريقته. قوله: (وقد أكثر الناس في شأن الوليد)، أي: أكثروا فيه الكلام بسبب شربه الخمر وسوء سيرته، وزاد معمر في روايته عقيب هذا الكلام: وحق عليك أن تقيم عليه الحد. قوله: (قال: أدركت رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، أي: قال عثمان لعبيد الله بن عدي يخاطب بقوله: أدركت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي رواية معمر: فقال لي: يا ابن أختي، وفي رواية صالح بن الأخضر عن الزهري عند عمر بن شبه: هل رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: لا، ومراده بالإدراك إدراك السماع والأخذ عنه، وبالرؤية رؤية المميز له، ولم يرد نفي الإدراك بالعين، فإنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن ماكولا: ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل أبوه يوم بدر كافرا، وقال ابن سعد في طبقة الفتحيين، والمدائني وعمر بن شبة في (أخبار المدينة): إن هذه القصة المحكية ههنا وقعت لعدي ابن الخيار نفسه مع عثمان، رضي الله تعالى عنه، والله أعلم. قوله: (قلت: لا) أي: ما رأيته، ولكن أدركت زمانه. قوله: (خلص) بفتح اللام، يقال: خلص فلان إلى فلان أي: وصل إليه وضبطه بعضهم بضم اللام، وأنه غير صحيح، وفي حديث المعراج؛ فلما خلصت لمستوى، أي: وصلت وبلغت، وقد ضبط بفتح اللام. قوله: (إلى العذراء)، وهي البكر، وأراد عبيد الله بن عدي بهذا الكلام: أن علم النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن مكتوما ولا خاصا، بل كان شائعا ذائعا حتى وصل إلى العذراء المخدرة في بيتها، فوصوله إليه مع حرصه عليه بالطريق الأولى. قوله: (كما قلت)، بفتح التاء خطاب لعبيد الله بن عدي، وجه التشبيه فيه بيان حال وصول علم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعني: كما وصل علم الشريعة إليها من وراء الحجاب، فوصوله إليه بالطريق الأحرى. قوله: (ثم أبو بكر مثله)، أراد: ثم صحبت أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، وما عصيته وما غششته مثل ما فعلت مع النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ثم عمر مثله)، يعني: ثم صحبت عمر أيضا، فما فعلت شيئا من ذلك. قوله: (ثم استخلفت)، على صيغة المجهول. قوله: (أفليس لي؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار، أي: أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم علي؟ قوله: (قلت: بلى)، القائل هو عبيد الله بن عدي. قوله: (فما هذه الأحاديث؟) جمع: أحدوثة، وهي ما يتحدث به، وهي التي كانوا يتكلمون بها من تأخيره إقامة الحد على الوليد. قوله: (ثم دعا عليا)، هو: علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه. (فأمره أن يجلده) أي: فأمر عثمان عليا أن يجلد الوليد بن عقبة، ويجلده، بالضمير المنصوب في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: أن يجلد، بلا ضميره. قوله: (فجلده ثمانين)، وفي رواية معمر: فجلد الوليد أربعين جلدة، قيل: هذه الرواية أصح من رواية يونس، والوهم فيه من الراوي عنه شبيب بن سعيد، والمرجح لرواية معمر ما رواه مسلم من طريق أبي ساسان، قال: شهدت عثمان أتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم، فشهد عليه رجلان. أحدهما: حمران، يعني مولى عثمان بن عفان: أنه قد شرب الخمر، فقال عثمان: قم يا علي فاجلده، فقال علي: قم يا حسن، فاجلده، فقال الحسن:

204
ول حارها من تولى قارها، فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده، وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال أمسك، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة وهذا أحب إلي. انتهى. فإن قلت: من الشاهد الآخر الذي لم يسم في هذه الرواية؟ قلت: قيل: هو الصعب بن جثامة الصحابي المشهور، رواه يعقوب بن سفيان في (تاريخه)، وعند الطبري من طريق سيف في (الفتوح): أن الذي شهد عليه ولد الصعب واسمه جثامة، كاسم جده، وفي رواية أخرى: أن ممن شهد عليه أبا زينب بن عوف الأزدي، وأبا مورع الأسدي أبو زينب، اسمه: زهير بن الحارث بن عوف بن كاسي الحجر، وقال أبو عمر: من ذكره في الصحابة فقد أخطأ، ليس له شيء يدل على ذلك، وأبو المورع...
. وذكر المسعودي في (المروج): أن عثمان قال للذين شهدوا: ما يدريكم أنه شرب الخمر؟ قالوا: هي التي كنا نشربها في الجاهلية، وذكر الطبري: أن الوليد ولي الكوفة خمس سنين، قالوا: وكان جوادا، فولى عثمان بعده سعيد بن العاص، فسار فيهم سيرة عادلة، وكانت تولية عثمان سعيد بن العاص الكوفة في سنة ثلاثين من الهجرة وفتح سعيد هذا طبرستان في هذه السنة، وقال الواقدي: لما ولى عثمان سعيد بن العاص الكوفة وقدمها قال: لا أصعد المنبر حتى تغسلوه من آثار الوليد الفاسق فإنه نجس، فاغسلوه، ثم ظهرت بعد ذلك من سعيد بن العاص هنات.
واحتج أصحابنا بهذا الحديث: أن حد السكران من شرب الخمر وغيرها من الأنبذة ثمانون جلدة، وقال الشافعي: أربعون جلدة، وبه قال أحمد في رواية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وضرب أبو بكر أربعين، قلنا: ما رواه كان بجريدتين والنعلين، فكان كل ضربة بضربتين، والذي يدل على هذا قول أبي سعيد: جلد على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الخمر بنعلين، فلما كان في زمن عمر، رضي الله تعالى عنه، جعل بدل كل نعل سوطا، رواه أحمد.
7963 حدثني محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا شاذان حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم..
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدل على أن عثمان أفضل الناس بعد الشيخين. ومحمد بن حاتم، بالحاء المهملة وكسر التاء المثناة من فوق: ابن بزيع، بفتح الباء الموحدة وكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة: أبو سعيد مات ببغداد في رمضان سنة تسع وأربعين ومائتين، وشاذان، بالشين المعجمة والذال المعجمة وفي آخره نون، واسمه: الأسود ابن عامر، ويلقب: بشاذان، أصله شامي سكن بغداد، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، بكسر الجيم وفتحها، وهو بضم النون صفة لعبد العزيز، وبكسرها صفة لأبي سلمة، لأن كلا منهما يلقب به، وعبيد الله هو ابن عمر العمري.
والحديث أخرجه أبو داود في السنة عن عثمان بن أبي شيبة عن الأسود بن عامر به.
قوله: (لا نعدل بأبي بكر أحدا)، أي: لا نجعل أحدا مثلا له، ثم عمر كذلك ثم عثمان كذلك. قوله: (ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أرادوا أنهم بعد تفضيل الشيخين وعثمان لا يتعرض لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعدهم، بالتفضيل وعدمه، وذلك لأنهم كانوا يجتهدون في التفضيل فيظهر لهم فضائل هؤلاء الثلاثة ظهورا بينا فيجزمون به. قوله: (لا نفاضل) أي: في نفس الأمر، تفسير قوله: (ثم نترك) يعني: لا نحكم بعدهم بتفضيل أحد على أحد، ونسكت عنهم. وقال الخطابي: وجه هذا أنه أريد به الشيوخ وذوو الأسنان، وهم الذين كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا حزنه أمر شاورهم، وكان علي، رضي الله تعالى عنه، في زمانه صلى الله عليه وسلم، حديث السن، ولم ير ابن عمر الازدراء بعلي، رضي الله تعالى عنه ولا تأخيره عن الفضيلة بعد عثمان، لأن فضله مشهور لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة. قلت: وقد تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان، ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم، ومن تقديم

205
أهل بدر على من لم يشهدها، وقال الكرماني ما ملخصه: لا حجة في قوله: (كنا نترك) لأن الأصوليين اختلفوا في صيغة: كنا نفعل، لا في صيغة: كنا لا نفعل، لتصور تقرير السؤال في الأول دون الثاني، وعلى تقدير أن يكون حجة فما هو من العمليات حتى يكفي فيه الظن؟ ولئن سلمنا فقد عارضه ما هو أقوى منه، ثم قال: ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن ذلك كان وقع له في بعض أزمنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يمنع ذلك أن يظهر بعد ذلك، ولئن سلمنا عمومه لكن انعقد الإجماع على أفضلية علي بعد عثمان. انتهى. قلت: في دعواه الإجماع نظر، لأن جماعة من أهل السنة يقدمون عليا على عثمان، رضي الله تعالى عنهما.
تابعه عبد الله بن صالح عن عبد العزيز
أي: تابع شاذان عبد الله بن صالح كاتب الليث الجهني المصري، وقيل: عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي الكوفي في روايته عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون بإسناده المذكور، وكلاهما من مشايخ البخاري.
8963 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عثمان هو ابن موهب قال جاء رجل من أهل مصر حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هاؤلاء القوم قال هاؤلاء قريش قال فمن الشيخ فيهم قالوا عبد الله بن عمر قال يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني عنه هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد قال نعم فقال تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد قال نعم قال هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها قال نعم قال الله أكبر قال ابن عمر تعال أبين لك أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمناى هاذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان فقال له ابن عمر اذهب بها الآن معك..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه فضيلة عظيمة لعثمان، وهي أن الله عفا عنه وغفر له وحصل له السهم والأجر وهو غائب، ولم يحصل ذلك لغيره، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى يده اليمنى، وقال: هذه يد عثمان، وهذا فضل عظيم أعطاه الله إياه.
وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح بن عبد الله اليشكري، وعثمان هو ابن عبد الله بن موهب، بفتح الميم وسكون الواو، وضبطه بعضهم كسرها وبعدها باء موحدة: تابعي وسط من طبقة الحسن البصري، وهو ثقة باتفاقهم، وفي الرواة آخر يقال له: عثمان بن موهب، تابعي أيضا بصري، لكنه أصغر منه، روى عن أنس وروى عنه زيد الحباب وحده، أخرج له النسائي.
قوله: (جلوسا) أي: جالسين. قوله: (قال: قريش) أي: هم قريش، ويروى: قالوا: قريش، بصيغة الجمع، فعلى الأول قال: واحد من القوم الذين كانوا هناك. قوله: (فمن الشيخ) أي: الكبير الذي يرجعون إليه في قوله؟ قوله: (قالوا: عبد الله ابن عمر) أي: كبيرهم هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (هل تعلم...) إلى آخره، مشتمل على ثلاث مسائل سأل ابن عمر عنها، والذي يظهر أنه كان متعصبا على عثمان، رضي الله تعالى عنه، فلذلك قال: الله أكبر، مستحسنا ولكن أراد أن يبين معتقده فيه لما أجاب عبد الله بن عمر عن كل واحدة منها بجواب حسن مطابق لما كان في نفس الأمر. قوله: (فأشهد أن الله

206
عفا عنه وغفر له) إنما قال ابن عمر هذه المقالة أخذا من قوله تعالى: * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم) * (آل عمران: 551). قوله: * (يوم التقى الجمعان) * (آل عمران: 551). هو يوم أحد، والجمعان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، وأبو سفيان بن حرب مع كفار قريش. قوله * (ببعض ما كسبوا) * أي: ببعض ذنوبهم السالفة. قوله: * (ولقد عفا الله عنهم) * (آل عمران: 551).
أي: عما كان منهم من الفرار. وروى البيهقي في (دلائل النبوة) من حديث عمار بن غزية عن أبي الزبير عن جابر، قال: انهزم الناس عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار، وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد في الجبل، الحديث، وقال ابن سعد: وثبت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعني يوم أحد، ما زال يرمي عن قوسه حتى صارت شظايا،. وثبت معه عصابة من أصحابه: أربعة عشر رجلا، سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وسبعة من الأنصار، حتى تحاجزوا. وقال البخاري: لم يبق مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا، على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وقال البلاذري: ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبو عبيدة بن الجراح، رضي الله تعالى عنهم، ومن الأنصار: الحباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت ابن أبي الأفلح والحارث بن الصمة وأسيد بن حضير وسعد بن معاذ، وقيل: وسهل بن حنيف. قوله: (تحته بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم) وهي رقية، وروى الحاكم في (المستدرك) من طريق حماد بن سلمة: عن هشام بن عروة عن أبيه قال: خلف النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر، فماتت رقية حين وصل زيد بن ثابت بالبشارة، وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة. قوله: (مكانه)، أي: مكان عثمان. قوله: (هذه يد عثمان) أي: بدلها. قوله: (على يده) أي: اليسرى. قوله: (فقال هذه)، أي: البيعة لعثمان، أي: عن عثمان. قوله: (إذهب بها الآن معك)، أي: إقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان، رضي الله تعالى عنه. وقال الطيبي: قاله ابن عمر تهكما به، أي: توجه بما تمسكت به، فإنه لا ينفعك بعد ما بينت لك.
9963 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سعيد عن قتادة أن أنسا رضي الله تعالى عنه حدثهم قال صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف وقال اسكن أحد أظنه ضربه برجله فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان. (انظر الحديث 5763 وطرفه).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وشهيدان، لأن أحدهما هو عثمان، رضي الله تعالى عنه، وهذا الحديث وقع هنا عند الأكثرين، ووقع في رواية أبي ذر والخطيب قبل حديث محمد بن حاتم بن بزيع عن شاذان في هذا الباب، ومر في مناقب أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن يحيى عن سعيد عن قتادة، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فرجف)، أي: اضطرب أحد، وقال: ويروى فقال، بالفاء أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أحد)، بضم الدال لأنه منادى مفرد وحذف منه حرف النداء، وروي: حراء، فإن صحت رواية أنس بلفظ حراء فالتوفيق بينهما يكون بالحمل على التعدد، ووقع لفظ حراء في حديث أبي هريرة أخرجه مسلم، قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة فقال صلى الله عليه وسلم: إهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد، وفي رواية له: وسعد.
8
((باب قصة البيعة والإتفاق على عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وفيه مقتل عمر رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان قصة البيعة بعد عمر بن الخطاب، واتفاق الصحابة على تقديم عثمان بن عفان في الخلافة. قوله: (وفيه مقتل عمر بن الخطاب)، لم يوجد إلا في رواية السرخسي، والبيعة، بفتح الباء الموحدة عبارة عن المعاقدة عليه والمعاهدة، فإن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره.

207
0073 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن عمرو بن ميمون قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال كيف فعلتما أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض مالا تطيق قالا حملناها أمرا هي له مطيقة ما فيها كبير فضل قال انظرا أن تكونا حملتما الأرض مالا تطيق قال قالا لا فقال عمر لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا قال فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب قال إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب وكان إذا مر بين الصفين قال استووا حتى إذا لم ير فيهن خللا تقدم فكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فمن يلي عمر فقد رأى الذي أراى وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله فصلى بهم عبد الرحمان صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة قال الصنع قال نعم قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتلنا قال كذبت بعدما تكلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا بأس وقائل يقول أخاف عليه فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة قال وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض قال ردوا علي الغلام قال ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه قال إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فأد عني هذاالمال انطلق إلى عائشة
أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم

208
للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي فلما أقبل قيل هاذا عبد الله ابن عمر قد جاء قال ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان من شيء أهم إلي من ذلك فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فقالوا أوص يا أمير المؤمنين استخلف قال ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمان وقال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجزه ولا خيانة وقال أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم وأن يعفى عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الأسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم وترد على فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلم عبد الله ابن عمر قال يستأذن عمر بن الخطاب قالت أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه فلما فرغ من دفنه اجتمع هاؤلاء الرهط فقال عبد الرحمان اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي فقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت إمري إلى عبد الرحمان بن عوف فقال عبد الرحمان أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان فقال عبد الرحمان أفتجعلونه إلي والله علي أن لا آلو عن أفضلكم قالا نعم فأخذ بيد أحدهما فقال لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال ارفع يدك يا عثمان فبايعه فبايع له علي وولج أهل الدار فبايعوه..

209
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن الحديث يشتمل على جميع ما في الترجمة، وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري البصري الذي يقال له: التبوذكي، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد بالمهملتين وبالنون: ابن عبد الرحمن الكوفي، وعمرو بن ميمون الأودي أبو عبد الله الكوفي أدرك الجاهلية وروى عن جماعة من الصحابة وكان بالشام ثم سكن الكوفة.
وقد مضى قطعة من هذا الحديث في كتاب الجنائز في: باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر معناه: قوله: (قبل أن يصاب)، أي: قبل أن يقتل بأيام أي: أربعة لما سيأتي. قوله: (حذيفة بن اليمان) وهو حذيفة بن حسيل، ويقال: أحسل بن جابر أبو عبد الله العبسي حليف بني الأشهل صاحب سر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واليمان: لقب حسيل، وإنما لقب به لأنه حالف اليمانية. قوله: (وعثمان بن حنيف)، بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء: ابن واهب الأنصاري الأوسي الصحابي، وهو أحد من تولى مساحة سواد العراق بأمر عمر بن الخطاب، وولاه أيضا السواد مع حذيفة بن اليمان. قوله: (قال: كيف فعلتما)، أي: قال عمر لحذيفة وعثمان: كيف فعلتما في أرض سواد العراق توليتما مسحها؟ قوله: (أتخافان أن تكونا حملتما الأرض؟) أي: هل تخافان بأن تكونا أي: من كونكما، قد حملتما الأرض أي أرض العراق ما لا تطيق حمله، وذلك لأنه كان بعثهما يضربان الخراج عليها والجزية على أهلها، فسألهما: هل فعلا ذلك أم لا؟ فأجابا وقالا: حملناها أمرا هي: أي الأرض المذكورة و: هو، في محل الرفع على الابتداء. قوله: (له) أي: لما حملناها مطيقة، خبر المبتدأ يعني: ما حملناها شيئا فوق طاقتها. وروى ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن حصين بهذا الإسناد، فقال حذيفة: لو شئت لأضعفت، أي: جعلت خراجها ضعفين، وروى من طريق الحكم عن عمرو بن ميمون: أن عمر، أي: رضي الله تعالى عنه، قال لعثمان بن حنيف: لئن زدت على كل رأس درهمين، وعلى كل جريب درهما وقفيزا من طعام لأطاقوا ذلك، قال: نعم، وقال الكرماني: ويروى: أتخافا؟ بحذف النون تخفيفا، وذلك جائز بلا ناصب ولا جازم. قوله: (قال: انظر)، أي: قال عمر: انظرا في التحميل، ويجوز أن يكون هذا كناية عن الحذر لأنه مستلزم للنظر. قوله: (قال: قالا: لا) أي: قال عمرو بن ميمون، قال: حذيفة وعثمان: ما حملنا الأرض فوق طاقتها. قوله: (فما أتت عليه)، أي: على عمر، رضي الله تعالى عنه: (إلا رابعة) أي: صبيحة رابعة، ويروى إلا أربعة: أي: أربعة أيام (حتى أصيب) أي: حتى طعن بالسكين، قوله: (قال: إني لقائم)، أي: قال عمرو بن ميمون: إني لقائم في الصف ننتظر صلاة الصبح. قوله: (ما بيني وبينه) أي: ليس بيني وبين عمر، رضي الله تعالى عنه، إلا عبد الله بن عباس، وفي رواية أبي إسحاق إلا رجلان. قوله: (غداة) نصب على الظرف مضاف إلى الجملة أي: صبيحة الطعن. عبيد الله قوله: فيهن أي في الصفوف وفي رواية الكشميهني: فيهم، أي: في هل الصفوف. قوله: أو النحل، شك من الراوي أي: أو سورة النحل. قوله: (أو أكلني الكلب؟) شك من الراوي وأراد بالكلب العلج الذي طعنه وهو غلام المغيرة بن شعبة. ويكنى: أبو لؤلؤة، واسمه: فيروز. قوله: (حتى طعنه) يعني: طعنه ثلاث مرات. وفي رواية أبي إسحاق: فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ثم طعنه ثلاث طعنات، فرأيت عمر يقول: دونكم الكلب فقد قتلني، وروى ابن سعد بإسناد صحيح إلى الزهري، قال: كان عمر، رضي الله تعالى عنه، لا يأذن لسبي قد احتلم من دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا ويستأذنه أن يدخله المدينة، ويقول: إن عنده أعمالا ينتفع به الناس، إنه حداد نقاش نجار، فأذن له فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة، فشكى إلى عمر شدة الخراج، فقال له: ما خراجك بكثير من جنب ما تعمل
؟ فانصرف ساخطا، فلبث عمر ليالي فمر به العبد، فقال: ألم أحدث أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت إليه عابسا، فقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فأقبل عمر، رضي الله تعالى عنه، على من معه فقال: توعدني العبد، فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس: الصلاة الصلاة، فلما دنا عمر منه وثب عليه وطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة، قد خرقت الصفاق، وهي التي قتلته، وروى مسلم من طريق مهران بن أبي طلحة: أن عمر خطب فقال: رأيت كأن ديكا نقرني ثلاث نقرات ولا أراه إلا حضور أجلي. قوله: (فطار العلج) بكسر العين المهملة وسكون اللام وفي آخره جيم، وهو الرجل من كفار العجم، وهذه القصة كانت في أربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. قوله: (حتى طعن ثلاث عشر رجلا) وفي رواية أبي

210
إسحاق: أثني عشر رجلا معه وهو ثالث عشر، ومنهم: كليب بن البكير الليثي وله ولأخوته عاقل وعامر وإياس صحبة. قوله: (مات منهم سبعة) أي: سبعة أنفس، وعاش الباقون. قوله: (فلما رأى ذلك رجل) قيل: هو من المهاجرين يقال له: حطان التيمي اليربوعي. قوله: (برنسا) بضم الباء الموحدة وسكون الراء وضم النون: وهي قلنسوة طويلة، وقيل: كساء يجعله الرجل في رأسه، وفي رواية ابن سعد بإسناد ضعيف منقطع، قال: فطعن أبو لؤلؤة نفرا، فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش منهم عبد الله بن عوف وهاشم ابن عتبة الزهريان ورجل من بني سهم وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة كانت عليه، فإن ثبت هذا يحمل على أن الكل اشتركوا في ذلك، وروى ابن سعد عن الواقدي بإسناد آخر: أن عبد الله بن عوف المذكور احتز رأس أبي لؤلؤة. قوله: (فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه) وقال الكرماني: رمى رجل من أهل العراق برنسه عليه وبرك على رأسه، فلما علم أنه لا يستطيع أن يتحرك قتل نفسه. قوله: (فقدمه) أي: فقدم عمر عبد الرحمن بن عوف للصلاة بالناس، وقد كان ذلك بعد أن كبر عمر وقال مالك: قبل أن يدخل في الصلاة. قوله: (صلاة خفيفة) في رواية ابن إسحاق: بأقصر سورتين من القرآن: إنا أعطيناك، وإذا جاء نصر الله والفتح. قوله: (قال: يا ابن عباس أنظر من قتلني) وفي رواية ابن إسحاق: فقال عمر، رضي الله تعالى عنه: يا عبد الله ابن عباس أخرج فناد في الناس! أعن ملاء منكم كان هذا؟ فقالوا: معاذ الله ما علمنا ولا اطلعنا. قوله: (قال: الصنع!) أي: قال عمر: أهو الصنع؟ بفتح الصاد المهملة وفتح النون أي: الصانع، وفي رواية ابن أبي شيبة وابن سعد: الصناع، بتخفيف النون، وقال في (الفصيح): رجل صنع اليد واللسان، وامرأة صناع اليد، وفي (نوادر أبي زيد): الصناع يقع على الرجل والمرأة، وكذلك الصنع، وكان هذا الغلام نجارا، وقيل: نحاتا للأحجار، وكان مجوسيا، وقيل: كان نصرانيا. قوله: (منيتي)، بفتح الميم وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف: أي موتى، هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: ميتتي، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف بعدها تاء مثناة فوق أي: قتلتي على هذا النوع، فإن الميتة على وزن: الفعلة، بكسر الفاء، وقد علم أن الفعلة بالكسر للنوع وبالفتح للمرة. قوله: (رجل يدعي الإسلام) وفي رواية ابن شهاب: فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط، ويستفاد من هذا: أن المسلم إذا قتل متعمدا يرجى له المغفرة، خلافا لمن قال من المعتزلة وغيرهم: إنه لا يغفر له أبدا. قوله: (قد كنت أنت وأبوك) خطاب لابن عباس، وفي رواية ابن سعد من طريق محمد بن سيرين عن ابن عباس، فقال عمر: هذا من عمل أصحابك، كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي، فغلبتموني. قوله: (فقال: إن شئت فعلت) أي: فقال ابن عباس: إن شئت! يخاطب به عمر، و: فعلت، بضم التاء، وقد فسره بقوله: أي: إن شئت قتلنا. وقال ابن التين: إنما قال له ذلك لعلمه بأن عمر، رضي الله تعالى عنه، لا يأمره بقتلهم. قوله: (كذبت)، هو خطاب من عمر لابن عباس، وهذا على ما ألفوا من شدة عمر في الدين، وكان لا يبالي من مثل هذا الخطاب، وأهل الحجاز يقولون: كذبت في موضع أخطأت. قلت: هنا قرينة في استعمال كذبت موضع أخطأت غير موجه. قوله: (فاحتمل إلى بيته) قال عمرو بن ميمون: فبعد ذلك احتمل عمر إلى بيته. قوله: (فأتى بنبيذ فشرب) المراد بالنبيذ هنا: تمرات كانوا ينبذونها في ماء أي: ينقعونها لاستعذاب الماء من غير اشتداد ولا إسكار. قوله: (فخرج من جوفه) أي: من جرحه، وهكذا رواية الكشميهني، وهي الصواب وفي رواية ابن شهاب: فأخبرني سالم، قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال عمر: أرسلوا إلى طبيب ينظر إلى جرحي، قال: فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقاه نبيذا فشيب النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة، قال: فدعوت طبيبا آخر من الأنصار، فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعن أبيض، فقال: اعهد يا أمير المؤمنين، فقال عمر: صدقني، ولو قال غير ذلك لكذبته. قوله: (وجاء الناس يثنون عليه) وفي رواية الكشميهني: فجعلوا يثنون عليه، وفي رواية ابن سعد من طريق جويرية بن قدامة: فدخل عليه الصحابة ثم أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق، فكلما دخل عليه قوم بكوا وأثنوا عليه، وأتاه كعب أي: كعب الأحبار، فقال: ألم أقل لك إنك لا تموت إلا شهيدا وأنت تقول: من أين وأنى في جزيرة العرب؟ قوله: (وجاء رجل شاب) وفي رواية كتاب الجنائز التي تقدمت: وولج عليه شاب من الأنصار. قوله: (وقدم) بفتح القاف أي: فضل، وجاء بكسر القاف أيضا بمعنى: سبق في الإسلام، ويقال: معناه بالفتح سابقة، ويقال لفلان قدم صدق أي: إثرة حسنة. وقال الجوهري: القدم السابقة في الأمر. قوله: (قد علمت) في محل الرفع على

211
الابتداء وخبره مقدما هو قوله: (لك). قوله: (ثم شهادة) بالرفع عطفا على ما قد علمت، ويجوز بالجر أيضا عطفا على قوله: (من صحبة) قال الكرماني: ويجوز بالنصب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف. قلت: تقديره: ثم استشهدت شهادة، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به تقديره: ثم رزقت شهادة. قوله: (وددت) أي: أحببت أو تمنيت. قوله: (أن ذلك كفاف)، أي: أن الذي جرى كفاف، بفتح الكاف: وهو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه، ويقال: معناه أن ذلك مكفوف عني شرها، وقيل: معناه لا ينال مني ولا أنال منه. وقوله: (لا علي ولا لي) أي: رضيت سواء بسواء بحيث يكف الشر عني لا عقابه علي ولا ثوابه لي. قوله: (إذا إزاره)، كلمة: إذا، للمفاجأة. قوله: (أبقى لثوبك) بالباء الموحدة من البقاء، هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره: أنقى،
بالنون بدل الباء. قوله: (ابن أخي) أي: يا ابن أخي في الإسلام. قوله: (مال آل عمر)، لفظة: آل، مقحمة أي: مال عمر، ويحتمل أن يريد رهطه، قوله: (في بني عدي)، بفتح العين وكسر الدال المهملتين، وهو الجد الأعلى لعمر، رضي الله تعالى عنه، أبو قبيلته وهم العدويون. قوله: (ولا تعدهم) بسكون العين أي: لا تتجاوزهم. فإن قلت: روى عمرو بن شبة في (كتاب المدينة) بإسناد صحيح: أن نافعا مولى ابن عمر قال: من أين يكون على عمر دين وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة ألف؟ قلت: قيل: هذا لا ينفي أن يكون عند موته عليه دين، فقد يكون الشخص كثير المال ولا يستلزم نفي الدين عنه. قوله: (ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم أمير المؤمنين) قال ابن التين: إنما قال ذلك عندما أيقن بالموت، إشارة بذلك إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين. قوله: (ولأوثرن به على نفسي) أي: أخصه بما سأله من الدفن عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأترك نفسي، قيل: فيه دليل على أنها كانت تملك البيت، ورد بأنها كانت تملك السكن إلى أن توفيت، ولا يلزم منه التملك بطريق الإرث، لأن أمهات المؤمنين محبوسات بعد وفاته، صلى الله عليه وسلم، لا يتزوجن إلى أن يمتن، فهم كالمعتدات في ذلك، وكان الناس يصلون الجمعة في حجر أزواجه وروى عن عائشة في حديث لا يثبت: أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم إن عاشت بعده أن تدفن إلى جانبه، فقال لها: وأنى لك بذلك، وليس في ذلك الموضع إلا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى بن مريم؟ قوله: (إرفعوني) أي: من الأرض كأنه كان مضطجعا فأمرهم أن يقعدوه. قوله: (فأسنده رجل إليه) أي: أسند عمر رجل إليه، قيل: يحتمل أن يكون هذا ابن عباس. قلت: إن كان مستند هذا القائل في الاحتمال المذكور كون ابن عباس في القضية، فلغيره أن يقول: يحتمل أن يكون عمرو بن ميمون، لقوله فيما مضى: فانطلقنا معه، قوله: (أذنت) أي: عائشة. قوله: (فقل: يستأذن) هذا الاستئذان بعد الإذن في الاستئذان الأول لاحتمال أن يكون الإذن في الاستئذان الأول في حياته حياء منه، وأن ترجع عن ذلك بعد موته، فأراد عمر أن لا يكرهها في ذلك. قوله: (حفصة) هي بنت عمر بن الخطاب. قوله: (فولجت عليه) أي: دخلت على عمر، رضي الله تعالى عنه، (فبكت) من البكاء، هذه رواية الكشميهني، ورواية غيره: فلبثت، أي: فمكثت. قوله: (فولجت داخلا لهم) أي: فدخلت حفصة داخلا لهم على وزن: فاعل، أي: مدخلا كان لأهلها. قوله: (من الداخل) أي: من الشخص الداخل. قوله: (وسعدا) هو سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه. فإن قلت: سعيد وأبو عبيدة أيضا من العشرة المبشرة، وتوفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو عنهما راض؟ قلت: أما سعيد فهو ابن عم عمر، رضي الله تعالى عنه، فلعله لم يذكره لذلك، أو لأنه لم يره أهلا لها بسبب من الأسباب، وأما عبيدة فمات قبل ذلك. قوله: (يشهدكم عبد الله بن عمر)، أي: يحضركم. (ولكن ليس له من الأمر شيء) وإنما قال هذا مع أهليته لأنه رأى غيره أولى منه. قوله: (كهيئة التعزية) قال الكرماني: هذا من كلام الراوي لا من كلام عمر، رضي الله تعالى عنه، وقال بعضهم: فلم أعرف من أين تهيأ له الجزم بذلك مع الاحتمال؟ قلت: لم يبين وجه الاحتمال ما هو، ولا ثمة في كلامه ما يدل على الجزم. قوله: (فإن أصابت الإمرة)، بكسر الهمزة، وفي رواية الكشميهني: الإمارة. قوله: (سعدا) هو سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فهو ذاك) يعني: هو محله وأهل له. قوله: (وإلا)، أي: وإن لم تصب الإمرة سعدا. قوله: (فليستعن به) أي: بسعد. قوله: (أيكم فاعل فليستعن!) قوله: (ما أمر) أي: ما دام أميرا، وأمر على صيغة المجهول من التأمير. قوله: (فإني لم أعزله) أي: لم أعزل سعدا، يعني عن الكوفة عن عجز، أي: عن التصرف ولا عن خيانة في المال. قوله: (وقال) أي: عمر (أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين) قال الشعبي: هم من أدرك بيعة الرضوان، وقال سعيد بن المسيب: من صلى القبلتين. قوله: (أن يعرف) بفتح الهمزة أي: بأن يعرف. قوله: (ويحفظ) بالنصب عطفا على:

212
أن يعرف. قوله: (الذين تبوأوا الدار) أي: سكنوا المدينة قبل الهجرة، وقال المفسرون: المراد بالدار دار الهجرة، نزلها الأنصار قبل المهاجرين وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، بسنتين. قوله: (والإيمان) فيه إضمار، أي: وآثروا الإيمان من باب: علفتها تبنا وماء باردا. لأن الإيمان ليس بمكان فيتبوأ فيه. والتبوء التمكن والاستقرار وليس المراد: أن الأنصار آمنوا قبل المهاجرين، بل قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم، إليهم. قوله: (ردء الإسلام) بكسر الراء، أي: عون الإسلام الذي يدفع عنه. قوله: (وجباة الأموال) بضم الجيم وتخفيف الباء جمع جابي، كالقضاة جمع قاضي، وهم الذين كانوا يجبون الأموال أي: يجمعونها. قوله: (وغيظ العدو) أي: يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم. قوله: (إلا فضلهم) أي: إلا ما فضل عنهم، وفي رواية الكشميهني: ويؤخذ منهم، والأول هو الصواب. قوله: (من حواشي أموالهم) أي: التي ليست بخيار ولا كرام. قوله: (بذمة الله) المراد به: أهل الذمة. قوله: (وأن يقاتل من ورائهم)، يعني: إذا قصدهم عدو لهم يقاتلون لدفعهم عنهم، وقد استوفى عمر، رضي الله تعالى عنه، في وصيته جميع الطوائف، لأن الناس إما مسلم وإما كافر، فالكافر إما حربي ولا يوصى به، وإما ذمي وقد ذكره، والمسلم إما مهاجري أو أنصاري أو غيرهما، وكلهم إما بدوي وإما حضري، وقد بين الجميع. قوله: (ولا يكلفوهم إلا طاقتهم) أي: من الجزية. قوله: (فانطلقنا)، وفي رواية الكشميهني: فانقلبنا، أي: رجعنا. قوله: (فسلم عبد الله بن عمر) أي: على عائشة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (فقالت) أي: عائشة. قوله: (أدخلوه)، بفتح الهمزة من الإدخال. قوله: (فأدخل)، على صيغة المجهول، وكذلك: (فوضع). قوله: (هناك)، أي: في بيت عائشة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وهو معنى قوله: (مع صاحبيه) واختلف في صفة القبور الثلاثة المكرمة، فالأكثرون على أن قبر أبي بكر وراء قبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقبر عمر وراء قبر أبي بكر. وقيل: إن قبره صلى الله عليه وسلم مقدم إلى القبلة، وقبر أبي بكر حذاء منكبه، وقبر عمر حذاء منكبي أبي بكر. وقيل: قبر أبي بكر عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر عمر عند رجليه. وقيل: قبر أبي بكر عند رجل النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر عمر عند رجل أبي بكر، وقيل غير ذلك. قوله: (إلى ثلاثة منكم)، أي: في الاختيار، ليقل الاختلاف. قوله: (قال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان)، هذا يصرح بأن طلحة قد كان حاضرا. فإن قلت: قد تقدم أنه كان غائبا عند وصية عمر. قلت: لعله حضر بعد أن مات، وقبل أن
يستمر أمر الشورى، وهذا أصح مما رواه المدايني: أنه لم يحضر إلا بعد أن بويع عثمان. قوله: (والله عليه والإسلام) بالرفع فيهما، لأن لفظة: الله، مبتدأ وقوله: عليه، خبره ومتعلقه محذوف أي: والله رقيب عليه، والإسلام عطف عليه، والمعنى: والإسلام كذلك. قوله: (لينظرن) بلفظ الأمر للغائب. قوله: (أفضلهم في نفسه) بلفظ اللام أي: ليتفكر كل واحد منهما في نفسه أيهما أفضل؟ ويروى بفتح اللام جوابا للقسم المقدر. قوله: (فأسكت الشيخان) بفتح الهمزة بمعنى: سكت، ويروى بضم الهمزة على صيغة المجهول، والمراد بالشيخين: علي وعثمان. قوله: (أفتجعلونه؟) أي: أمر الولاية. قوله: (والله) بالرفع على أنه مبتدأ وخبره هو قوله: (علي) الله رقيب، أي: شاهد علي. قوله: (أن لا آلو) أي: بأن لا ألو، بأن لا أقصر عن أفضلكم. قوله: (فأخذ بيد أحدهما) هو علي، رضي الله تعالى عنه، يدل عليه بقية الكلام. قوله: (والقدم) بكسر القاف وفتحها، قوله: (ما قد علمت) صفة أو بدل عن القدم. قوله: (فالله عليك) أي: فالله رقيب عليك. قوله: (لئن أمرتك) بتشديد الميم. قوله: (وإن أمرت) بتشديد الميم. قوله: (ثم خلا بالآخر) وهو الزبير، رضي الله تعالى عنه، أيضا. قوله: (وولج أهل الدار) أي: ودخل أهل المدينة.
وفي هذا الحديث فوائد فيه: شفقة عمر، رضي الله تعالى عنه، على المسلمين وعلى أهل الذمة أيضا. وفيه: اهتمامه بأمور الدين بأكثر من اهتمامه بأمر نفسه. وفيه: الوصية بأداء الدين. وفيه: الاعتناء بالدفن عند أهل الخير. وفيه: المشورة في نصب الإمام، وأن الإمامة تنعقد بالبيعة. وفيه: جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل منه، قاله ابن بطال، ثم علله بقوله: لأنه لو لم يجز لهم لم يجعل عمر، رضي الله تعالى عنه، الأمر شورى بين ستة أنفس، مع علمه بأن بعضهم أفضل من بعض. وفيه: الملازمة بالأمر بالمعروف على كل حال. وفيه: إقامة السنة في تسوية الصفوف. وفيه: الاحتراز من تثقيل الخراج والجزية وترك ما لا يطاق.

213
9
((باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب علي بن أبي طالب بن عبد المطلب المكنى بأبي الحسن، كناه بذلك أهله، وكناه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأبي تراب لما رآه في المسجد نائما ووجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص إليه التراب، كما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد في: أبواب المساجد، وهنا أيضا يأتي عن قريب، وروى ابن إسحاق أنه، صلى الله عليه وسلم قال له ذلك في غزوة العسيرة، وصححه الحاكم، وقال ابن إسحاق: حدثني بعض أهل العلم أنه، صلى الله عليه وسلم إنما سماه بذلك لأنه كان إذا عاتب علي فاطمة، رضي الله تعالى عنها، في شيء يأخذ ترابا فيضعه على رأسه، فكان صلى الله عليه وسلم، إذا رأى التراب عرف أنه عاتب علي فاطمة، فيقول: ما لك يا أبا تراب؟ وأم علي، رضي الله تعالى عنه، فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا، أسلمت وصارت من كبار الصحابيات وماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أنت مني وأنا منك
هذا التعليق طرف من حديث البراء بن عازب أخرجه مطولا في: باب عمرة القضاء، على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، وفيه قال لعلي: أنت مني وأنا منك، وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا. قوله: (أنت)، مبتدأ، (ومني) خبره، ومتعلق الخبر خاص، وكلمة: مني، هذه تسمى: بمن، الاتصالية ومعناه: أنت متصل بي، وليس المراد به اتصاله من جهة النبوة، بل من جهة العلم والقرب والنسب، وكان أب النبي صلى الله عليه وسلم شقيق أبي علي، رضي الله تعالى عنه، وكذلك الكلام في قوله: (وأنا منك) وفي حديث آخر: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ومعناه: أنت متصل بي ونازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه، ووجه التشبيه مبهم، وبينه وبقوله: إلا أنه لا نبي بعدي، يعني: أن اتصاله ليس من جهة النبوة، فبقي الاتصال من جهة الخلافة، لأنها تلي النبوة في المرتبة، ثم أنها، إما أن تكون في حياته أو بعد مماته، فخرج بعد مماته لأن هارون مات قبل موسى، عليهما السلام، فتبين أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك، لأن هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم كان مخرجه إلى غزوة تبوك، وقد خلف عليا على أهله وأمره بالإقامة فيهم، وهذا الحديث أخرجه الترمذي من حديث عمران بن حصين بلفظ: إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. ثم قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، وأخرجه أبو القاسم إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم البصري في فضائل الصحابة من حديث بريدة مطولا، قال النبي صلى الله عليه وسلم لي: لا تقع في علي فإن عليا مني وأنا منه، ومن حديث الحكم بن عطية: حدثنا محمد بن علي بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب وجعفرا وزيدا دخلوا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (فقال: أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي، وأما أنت يا علي فأنت مني وأنا منك) وفي حديث أبي رافع، فقال جبريل، عليه الصلاة والسلام: وأنا منكما يا رسول الله.
وقال عمر توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض
هذا التعليق تقدم قريبا في وفاة عمر، رضي الله تعالى عنه، مسندا عند قوله: ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى عليا... الحديث.
1073 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا يشتكي عينيه يا رسول الله قال فأرسلوا إليه فأتوني به فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى

214
الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يدل على فضيلة علي، رضي الله تعالى عنه، وشجاعته. وفيه: معجزة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر بفتح خيبر على يد من يعطى له الراية.
وعبد العزيز هو ابن أبي حازم سلمة بن دينار، سمع أباه أبا حازم.
والحديث مر في كتاب الجهاد في: باب فضل من أسلم على يديه رجل، فإنه أخرجه هناك: عن قتيبة بن سعيد عن يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن عبد القاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد... إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (كلهم يرجو) ويروى: يرجون. قوله: (يدوكون)، بالدال المهملة وبالكاف أي: يخوضون من الدوكة وهو الاختلاط، والخوض، يقال: بات القوم يدوكون دوكا: إذا باتوا في اختلاط ودوران، وقيل: يخوضون ويتحدثون في ذلك، ويروى: يذكرون بالذال المعجمة من الذكر. قوله: (فأرسلوا)، على صيغة الماضي المبني للفاعل. قوله: (فأتي به)، على صيغة المجهول، والضمير في: به، يرجع إلى علي، رضي الله تعالى عنه، ويروى: فأرسلوا، على صيغة الأمر من الإرسال، فأتوني به، على صيغة الأمر أيضا من الإتيان. قوله: (ودعا له) ويروى: فدعا له، بالفاء. قوله: (فأعطاه)، ويروى: وأعطاه، بالواو، ويروى: فأعطي على صيغة المجهول، والراية: العلم. قوله: (أنفذ) بضم الفاء: أي: إمض. قوله: (على رسلك) أي: على هينتك. قوله: (حمر النعم) بضم الحاء وسكون الميم، والنعم بفتحتين، والإبل الحمر هي أحسن أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وليس عندهم شيء أعظم منه، وتشبيه أمور الآخر بأعراض الدنيا إنما هو للتقريب إلى الفهم، وإلا فذرة من الآخرة خير من الدنيا وما فيها بأسرها وأمثالها معها.
وفي (التلويح): ومن خواصه أي: خواص علي، رضي الله تعالى عنه، فيما ذكره أبو الشاء: أنه كان أقضى الصحابة، وأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تخلف عن أصحابه لأجله، وأنه باب مدينة العلم، وأنه لما أراد كسر الأصنام التي في الكعبة المشرفة أصعده النبي صلى الله عليه وسلم برجليه على منكبيه، وأنه حاز سهم جبريل، عليه الصلاة والسلام، بتبوك فقيل فيه.
* علي حوى سهمين من غير أن غزاغزاة تبوك، حبذا سهم مسهم
*
وأن النظر إلى وجهه عبادة، روته عائشة، رضي الله تعالى عنها، وأنه أحب الخلق إلى الله بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رواه أنس في حديث الطائر، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم: يعسوب الدين، وسماه أيضا: رز الأرض، وقد رويت هذه اللفظة مهموزة وملينة، ولكل واحد منهما معنى، فمن: همز أراد الصوت، والصوت جمال الإنسان، فكأنه قال: أنت جمال الأرض، والملين هو المنفرد الوحيد، كأنه قال: أنت وحيد الأرض، وتقول: رززت السكين إذا رسخته في الأرض بالوتد، فكأنه قال: أنت وتد الأرض، وكل ذلك محتمل، وهو مدح ووصف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، تولى تسميته وتغديته أياما بريقه المبارك حين وضعه.
2073 حدثنا قتيبة حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال كان علي قد تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان به رمد فقال أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علي فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فلما كان مساء الليله التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله أو قال يحب الله ورسوله يفتح الله عليه فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا هذا علي فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الله عليه..

215
هذا طريق آخر في الحديث السابق من حيث المعنى، أخرجه أيضا عن قتيبة بن سعيد عن حاتم، بالحاء المهملة وبالتاء المثناة من فوق: ابن إسماعيل الكوفي، سكن المدينة عن يزيد من الزيادة ابن عبيد مولى سلمة بن الأكوع عن مولاه سلمة بن الأكوع.
والحديث مر في الجهاد في: باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أخرجه هناك بهؤلاء الرواة بعينهم، وبعين هذا المتن، وقد مر الكلام فيه هناك وفي (الإكليل) للحاكم: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى بعض حصون خيبر، فقاتل وجهد ولم يك فتح، فبعث عمر، رضي الله تعالى عنه، فلم يك فتح فأعطاه علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، قال: رواه جماعة من الصحابة غير سهل: أبو هريرة وعلي وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام والحسن بن علي وابن عباس وجابر ابن عبد الله وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وسلمة بن الأكوع وعمران بن حصين وأبو ليلى الأنصاري وبريدة وعامر بن أبي وقاص وآخرون.
قوله: (أو ليأخذن) شك من الراوي، وكذا قوله: (أو قال: يحب الله ورسوله) وفي الحديث الماضي: بصق في عينيه، ولم يذكر هنا في حديث سلمة، ويروى: قال علي: فوضع رأسي في حجره ثم بصق في ألية راحتيه ثم دلك بها عيني، ثم قال: اللهم لا يشتكي حرا ولا قرا، قال علي: فما اشتكيت عيني لا حرا ولا قرا حتى الساعة، وفي لفظ: دعا له بست دعوات: اللهم أعنه واستعن به، وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قوله: (فأعطاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أي: رايته، وقال ابن عباس: فكانت راية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك في المواطن كلها مع علي، رضي الله تعالى عنه، وفي حديث جابر بن سمرة (قالوا يا رسول الله! من يحمل رأيتك يوم القيامة؟ قال: من عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا؟ علي بن أبي
طالب؟) وفي كتاب أبي القاسم البصري من حديث قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لأعطين الراية رجلا كرارا غير فرار، فقال حسان: يا رسول الله! أتأذن لي أن أقول في علي شعرا؟ قال: قل، قال:
* وكان علي أرمد العين يبتغي
* دواء فلما لم يحسن مداويا
*
* حباه رسوله الله منه بتفلة
* فبورك مرقيا وبورك راقيا
*
* وقال سأعطي الراية اليوم صارما
* فذاك محب للرسول مواتيا
*
* بحب النبي، والإله يحبه
* فيفتح هاتيك الحصون التواليا
*
* فأقضي بها دون البرية كلها
* عليا، وسماه: الوزير المواخيا
*
3073 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن رجلا جاء إلي سهل بن سعد فقال هذا فلان لأمير المدينة يدعو عليا عند المنبر قال فيقول ماذا قال يقول له أبو تراب فضحك قال والله ما سماه إلا النبي صلى الله عليه وسلم وما كان له إسم أحب إليه منه فاستطعمت الحديث سهلا وقلت يا أبا عباس كيف قال دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم أين ابن عمك قالت في المسجد فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول إجلس يا أبا تراب مرتين.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه دلالة على فضيلة علي، رضي الله تعالى عنه، وعلو منزلته عند النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه مشى إليه ودخل المسجد ومسح التراب عن ظهره واسترضاه تلطفا به، لأنه كان وقع بين علي وفاطمة شيء، فلذلك خرج إلى المسجد واضطجع فيه، صرح بذلك في رواية البخاري التي مضت في كتاب الصلاة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم، لفاطمة: أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج) ولم يقل... الحديث.
وأبو حازم

216
اسمه سلمة بن دينار، وقد مر عن قريب، والحديث مضى في كتاب الصلاة في: باب نوم الرجال في المسجد فإنه أخرجه هناك: عن قتيبة عن عبد العزيز... إلى آخره.
قوله: (هذا فلان لأمير المدينة) أي: كنى بفلان عن أمير المدينة، والاسم يراد بالكنية وتطلق التسمية على التكنية، ووقع في رواية الإسماعيلي، هذا فلان بن فلان. قوله: (يدعو عليا) أراد أنه يذكر عليا بشيء غير مرضي. قوله: (قال: فيقول: ماذا قال؟) أي: قال أبو حازم: فيقول سهل بن سعد: ماذا قلان فلان الذي كنى به عن أمير المدينة؟ قوله: (قال: يقول له) أي: قال أبو حازم: يقول فلان لعلي: (أبو تراب، فضحك) أي: سهل (وقال: والله...) إلى آخره. قوله: (فاستطعمت الحديث سهلا) أي: سألت من سهل الحديث، وإتمام القصة، وفيه استعارة الإستطعام للتحدث، والجامع بينهما حصول الذوق، فمن الطعام الذوق الحسي، ومن التحدث الذوق المعنوي. قوله: (يا أبا عباس)، بتشديد الباء الموحدة والسين المهملة، وهو كنية سهل بن سعد، ويروي: يا أبا العباس، بالألف واللام. قوله: (وخلص التراب) أي: وصل إلى ظهره. قوله: (فجعل) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (يمسح التراب عن ظهره) أي: عن ظهر علي، رضي الله تعالى عنه. قوله: (مرتين) ظرف لقوله: (فيقول إجلس).
وفيه: جواز النوم في المسجد، واستلطاف الغضبان، وتواضع النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزلة علي، رضي الله تعالى عنه.
4073 حدثنا محمد بن رافع حدثنا حسين عن زائدة عن أبي حصين عن سعد بن عبيدة قال جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر عن محاسن عمله قال لعل ذاك يسوءك قال نعم قال فأرغم الله بأنفك ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله قال هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لعل ذاك يسوءك قال أجل قال فأرغم الله بأنفك قال انطلق فاجهد علي جهدك..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله) فإن عبد الله بن عمر مدحه بأوصافه الحميدة، فيدل على أن له فضلا وفضيلة.
ومحمد بن رافع بن أبي زيد القشيري النيسابوري شيخ مسلم أيضا، وحسين هو ابن علي بن الوليد الجعفي الكوفي، وزائدة هو ابن قدامة وأبو حصين، بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين واسمه: عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي، وسعد بن عبيدة أبو حمزة الكوفي السلمي.
والحديث من أفراده.
قوله: (فذكر محاسن عمله) أي: عمل عثمان، والمحاسن جمع: حسن، على غير القياس، كأنه جمع محسن، وكأنه ذكر للرجل إنفاق عثمان في جيش العسرة وتسبيله بئر رومة وغير ذلك من محاسنه. قوله: (لعل ذاك يسوءك) أي: لعل ما ذكرت من محاسنه لا يطيب لك، ويصعب عليك. قال: نعم يسوءني. قوله: (فأرغم الله بأنفك) الباء فيه زائدة، يقال: أرغم الله أنفه، أي: ألصقه بالرغام، أي: أذله وأهانه، والرغام في الأصل التراب، فكأنه يقول: اسقطك الله على الأرض فيلصق وجهك بالرغام. قوله: (ثم سأله عن علي) أي: ثم سأل ذلك الرجل عبد الله بن عمر عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، فذكر عبد الله محاسن عمله من شهوده بدرا وغيرها، وفتح خيبر على يديه، وقتله مرحبا اليهودي، وغير ذلك. قوله: (قال: هو ذاك بيته) أي: قال عبد الله: هو، أي: علي الذي بيته كان أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، يشير بذلك إلى أن لعلي منزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم، من حيث أن بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: أحسنها بناء. قوله: (ثم قال) أي: عبد الله: (لعل ذاك يسوءك) قال الرجل: أجل، أي: نعم يسوءني، ثم رد عليه عبد الله بقوله: (أرغم الله بأنفك) مثل ما قال في الأول، ثم (قال: انطلق) أي: إذهب من عندي (فاجهد علي) بتشديد الياء (جهدك) أي: إبلغ غايتك في هذا الأمر واعمل في حقي ما تستطيع وتقدر، فإني قلت حقا وقائل الحق لا يبالي بما يقال في حقه من الأباطيل، وفي رواية عطاء بن السائب عن سعد بن عبيد في هذا الحديث: فقال الرجل: فإني أبغضه، قال ابن عمر: أبغضك الله.
5073 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن الحكم سمعت ابن أبي ليلى قال حدثنا علي أن فاطمة عليها السلام شكت ما تلقى من أثر الرحا فأتى النبي صلى الله عليه

217
وسلم سبي فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم فقال على مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري وقال ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين وتسبحا ثلاثا وثلاثين وتحمدا ثلاثة وثلاثين فهو خير لكما من خادم..
مطابقته للترجمة من حيث إنه، صلى الله عليه وسلم، دخل بين علي وفاطمة في الفراش فأمرهما بعدم القيام، وهذا يدل على أن لعلي منزلة عظيمة عنده، صلى الله عليه وسلم.
وغندر، بضم الغين المعجمة هو محمد بن جعفر وقد تكرر ذكره، والحكم بفتحتين: هو ابن عتيبة، بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق تصغير عتبة وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن بن أبي ليلى، واسم أبي ليلى: يسار ضد اليمين وقيل: بلال، وقال ابن الأثير في (جامع الأصول): إذا أطلق المحدثون ابن أبي ليلى، فإنما يعنون به عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإذا أطلقه الفقهاء يعنون به عبد الرحمن.
والحديث قد مر في الخمس في: باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قوله: (على مكانكما) أي: إلزما مكانكما ولا تفارقاه. قوله: (فقعد) من كلام علي، أي: فقعد النبي صلى الله عليه وسلم بيننا. قوله: (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام، كلمة الحث والتحضيض. قوله: (تكبرا) بلفظ المضارع وترك النون وحذفت إما للتخفيف وإما على لغة من قال: إن، كلمة جازمة وهي لغة شاذة، ويروى: فكبرا، على صيغة الأمر، وبقية الكلام مرت هناك.
6073 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد قال سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موساى. (الحديث 6073 طرفه في: 6144).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسعد هو ابن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي موسى وبندار، ثلاثتهم عن غندر عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عنه به، وأخرجه النسائي في المناقب، وابن ماجة في السنة جميعا عن بندار به. قال الخطابي: هذا إنما قاله لعلي حين خرج إلى تبوك ولم يستصحبه، فقال: أتخلفني مع الذرية؟ فقال: أما ترضى... إلى آخره، فضرب له المثل باستخلاف موسى هارون على بني إسرائيل حين خرج إلى الطور، ولم يرد به الخلافة بعد الموت، فإن المشبه به وهو: هارون كانت وفاته قبل وفاة موسى، عليه الصلاة والسلام، وإنما كان خليفته في حياته في وقت خاص، فليكن كذلك الأمر فيمن ضرب المثل به.
قوله: (أن تكون مني) أي: نازلا مني منزلته، والتاء زائدة، وهذا تعلق به الرافضة في خلافة علي، وقد مر تحقيق الكلام فيه عند قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت مني وأنا منك، في أول الباب.
7073 حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا شعبة عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي رضي الله تعالى عنه قال اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الأختلاف حتى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي فكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروى على علي الكذب.
هذا الحديث مقدم على حديث سعد المذكور في رواية أبي ذر، ومؤخر في رواية الباقين، والأمر في ذلك سهل، وأيوب هو السختياني، وابن سيرين هو محمد بن
سيرين، وعبيدة بفتح العين وكسر الباء الموحدة: السلماني.
والحديث من أفراده.
قوله: (قال: إقضوا كما كنتم تقضون)، أي: قال علي لأهل العراق: إقضوا اليوم كما كنتم تقضون قبل هذا. وسبب ذلك أن عليا لما قدم إلى العراق قال: كنت رأيت مع عمر أن تعتق أمهات الأولاد، وقد رأيت الآن أن يسترققن، فقال عبيدة: رأيك يومئذ في الجماعة أحب إلي من رأيك اليوم في الفرقة، فقال: اقضوا كما كنتم تقضون، وخشي ما وقع فيه من تأويل أهل العراق، ويروى:

218
اقضوا على ما كنتم تقضون. قوله: (فإني أكره الاختلاف) يعني: أن يخالف أبا بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، وقال الكرماني: اختلاف الأمة رحمة، فلم كرهه؟ قلت: المكروه الاختلاف الذي يؤدي إلى النزاع والفتنة. قوله: (حتى تكون للناس جماعة أو أموت) إنما قال: أو أموت: بكلمة: أو، مع أن الأمرين كلاهما مطلوبان، لأنه لا ينافي الجمع بينهما. قوله: (فكان ابن سيرين) أي: محمد ابن سيرين. قوله: (إن عامة ما يروى على علي) ويروى: عن علي، وهو الأوجه. قوله: (وعامة ما يروى) مبتدأ وخبره هو قوله: (الكذب) وإنما قال ذلك لأن كثيرا من أهل الكوفة الذين يروون عنه ليس لهم ذلك، ولا سيما الرافضة منهم، فإن عامة ما يروون عنه كذب واختلاق. قوله: (أو أموت) يجوز بالنصب عطفا على: حتى يكون، ويجوز بالرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أو أنا أموت، وفي بيع أمهات الأولاد اختلاف في الصدر الأول، فروي عن علي وابن عباس وابن الزبير، رضي الله تعالى عنهم إباحة بيعهن، وإليه ذهب داود وبشر بن غياث، وهو قول قديم للشافعي، ورواية عن أحمد، وقد صح عن علي، رضي الله تعالى عنه، الميل إلى قول الجماعة، وروي عن ابن عباس أنه، عليه الصلاة والسلام، قال: من وطئ أمه فولدت فهي معتقه عن دبر منه، رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني.
01
((باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب جعفر بن أبي طالب، أخ علي بن أبي طالب شقيقه، وكان أسن منه بعشر سنين، واستشهد بمؤتة على ما يجيء بيانه، إن شاء الله تعالى، سنة ثمان من الهجرة، وكنيته: أبو عبد الله الطيار ذو الجناحين وذو الهجرتين الشجاع الجواد، كان متقدم الإسلام، هاجر إلى الحبشة وكان هو سبب إسلام النجاشي، ثم هاجر إلى المدينة ثم أمره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على جيش غزوة مؤتة، على ما يجيء بيانه، ولما قطعت يداه في غزوة مؤتة جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة، رضي الله تعالى عنه، ولفظة: باب، هنا وفيما بعده من الأبواب كلها سقطت في رواية أبي ذر، وثبتت في رواية الباقين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم أشبهت خلقي وخلقي
هذا التعليق رواه البخاري موصولا مطولا في: باب عمرة القضاء، من حديث البراء، ومر الكلام في أول مناقب علي، رضي الله تعالى عنه، في قوله: (أنت مني وأنا منك).
8073 حدثنا أحمد بن أبي بكر حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار أبو عبد الله الجهني عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتى لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير ولا يخدمني فلان ولا فلانة وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع وإن كنت لأستقرىء الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب كان يقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها.
مطابقته للترجمة في قوله: (وكان أخير الناس...) إلى آخره، لأن هذا منقبة حسنة.
وأحمد بن أبي بكر واسمه قاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب القرشي الزهري، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، يروي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري، وهؤلاء كلهم مدنيون.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن عبد الرحمن بن أبي شيبة عن ابن أبي فديك.
قوله: (أكثر أبو هريرة) أي: في رواية الحديث. قوله: (بشبع) أي: بسبب شبع بطني

219
وفي رواية الكشميهني: لشبع بطني، أي: لأجل شبع بطني، بكسر الشين وفتح الباء. قوله: (حتى لا أكل) هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره: حين لا أكل، وهو الأوجه. قوله: الخمير، بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم، وهو الخبز الذي خمر وجعل في عجينه الخميرة، ويروى: الخبيز، بكسر الباء الموحدة وفي آخره زاي، وهو الخبز المأدوم، والخبزة بضم المعجمة وسكون الباء الموحدة وبالزاي: الأدم. قوله: ولا ألبس الحبير، بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وبالراء في آخره: الجديد والحسن، وقيل: الثوب المحبر كالبرود اليمانية، وقال الهروي: الحبير ثياب تصبغ باليمن، ويروى: ولا ألبس الحرير. قوله: (فلان وفلانة) أراد به من يخدم من الذكور والإناث قوله: (وكنت ألصق بطني) وفائدة: إلصاق البطن: بالحصباء انكسار حرارة شدة الجوع. وقوله: (وإن كنت لاستقرىء الرجل) قال بعضهم: أي اطلب منه القرى، فيظن أني أطلب منه القراءة، قال: ووقع بيان ذلك في رواية لأبي نعيم في (الحلية): عن أبي هريرة أنه وجد عمر فقال: أقريني، فظن أنه من القراءة، فأخذ يقرئه القرآن ولم يطعمه، قال: وإنما أردت منه الطعام. انتهى. قلت: هذا الذي قاله غير صحيح، ويظهر فساده من قوله: كنت لأستقرىء الرجل الآية هي معي، أي: والحال أن تلك الآية معي، وهي جملة اسمية وقعت حالا بغير واو. قال الكرماني: أي: الآية معي. أي: كنت أحفظها، والحاصل أن
أبا هريرة يقول لواحد من الناس: إني أطلب قراءة آية من القرآن، والحال أنه يحفظها، ولكن يتخيل في قصده من هذا أن يؤديه إلى بيته فيطعمه شيئا، وهو معنى قوله: (كي ينقلب بي) أي: يرجع بي إلى منزله فيطعمني شيئا والدليل على هذا ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة: إن كنت لأسأل الرجل عن الآية، وأنا أعلم بها منه، ما أسأله إلا ليطعمني شيئا. واستدلال هذا القائل على المعنى الذي فسره بما رواه أبو نعيم لا يفيده أصلا، لأنه قضية أخرى مخصوصة بما وقع بينه وبين عمر، رضي الله تعالى عنه، والذي هنا أعم من ذلك. قوله: (وكان أخير الناس) على وزن أفعل التفضيل، وفي رواية الكشميهني: وكان خير الناس، لغتان فصيحتان مستعملتان. قوله: (للمساكين)، وفي رواية الكشميهني: للمسكين، بالإفراد وهو جنس يتناول المساكين، وكان جعفر يسمى بأبي المساكين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يكنيه بهذا. قوله: (ما كان في بيته) في محل النصب لأنه مفعول ثان: ليطعمنا. قوله: (حتى إن كان)، كلمة: إن، هذه مخففة من المثقلة. قوله: (ليخرج)، بضم الياء، من الإخراج، و: العكة، بالنصب مفعوله، وهي بضم العين المهملة وتشديد الكاف: وعاء السمن. قوله: (فنلعق)، بنون المتكلم مع الغير، من لعق يلعق من باب علم يعلم، لعقا بفتح اللام وهو: اللحس. فإن قلت: بين قوله: (ليس فيها شيء) وبين قوله: (فنلعق) منافاة ظاهرا. قلت: لا منافاة، لأن معنى قوله: (ليس فيها شيء) يعني: يمكن إخراجه منها بغير قطعها، ومعنى قوله: (فنلعق) يعني: بعد الشق نلعق مما يبقى في جوانبها. فافهم.
9073 حدثني عمرو بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان إذا سلم على ابن جعفر قال السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. (الحديث 9073 طرفه في: 4624).
مطابقته للترجمة من حيث إن إطلاق ذي الجناحين على جعفر منقبة عظيمة، وقد روى الطبراني بإسناد حسن من حديث عبد الله بن جعفر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء، وعن أبي هريرة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة، رواه الترمذي والحاكم، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم، أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم. وأخرجاه أيضا عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، مرفوعا: دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرا يطير مع الملائكة، وفي طريق آخر عنه: أن جعفرا يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان، عوضه الله من يديه.
وحديث ابن عمر هذا أخرجه البخاري عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي، وهو شيخ مسلم أيضا عن يزيد من الزيادة ابن هارون الواسطي عن إسماعيل بن أبي خالد، واسم أبي خالد سعد، ويقال: كثير الكوفي عن عامر

220
الشعبي عن عبد الله بن عمر، وأخرجه البخاري أيضا في المغازي عن محمد بن أبي بكر المقدمي، وأخرجه النسائي في المناقب عن أحمد بن سليمان عن يزيد بن هارون.
قال أبو عبد الله الجناحان كل ناصيتين
أبو عبد الله: هو البخاري نفسه، وهذا وقع في رواية النسفي وحده، وأشار بهذا إلى أن الجناحين يطلقان لكل ناحيتين يعني: لكل جنبين، ومنه يقال: جنح الطريق جانبه، وجنح القوم ناحيتهم، وقال الجوهري: وجناح الطير يده.
11
((ذكر العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا ذكر عباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم، بسنتين أو بثلاث، وكان إسلامه على المشهور بعد فتح مكة، وقيل: قبل ذلك، وهذه الترجمة مع حديثها سقط من رواية أبي ذر والنسفي، والله أعلم.
0173 حدثنا الحسن بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عبد الله ابن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس رضي الله تعالى عنه أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال أللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون. (انظر الحديث 0101).
مطابقته لهذه الترجمة ظاهرة. والحسن بن محمد بن الصباح أبو علي الزعفراني مات يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة ستين ومائتين، وهو من أفراده، ومحمد بن عبد الله الأنصاري يروي عن أبيه عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك وهو يروي عن عمه ثمامة، بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم: ابن عبد الله بن أنس، وهذا الحديث بعين هذا الإسناد والمتن قد مر في كتاب الاستسقاء في: باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء، وقد مر الكلام فيه هناك.
21
((باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان مناقب قرابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقرابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من ينتسب إلى جده الأقرب، وهو: عبد المطلب ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أو رآه من ذكر أو أنثى، وهم: علي وأولاده: الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم من فاطمة، وجعفر وأولاده: عبد الله وعون ومحمد ويقال: كأن لجعفر بن أبي طالب ابن اسمه أحمد، وعقيل بن أبي طالب وولده مسلم بن عقيل، وحمزة بن عبد المطلب وأولاده: يعلى وعمارة وأمامة، والعباس بن عبد المطلب، وأولاده الذكور العشرة، وهم: الفضل وعبد الله وقثم وعبيد الله والحارث ومعبد وعبد الرحمن وكثير وعون وتمام وفيه يقول العباس:
* تموا بتمام فصاروا عشرهيا رب فاجعلهم كراما برره
*
ويقال: إن لكل منهم رؤية، وكان له من الإناث: أم حبيب وآمنة وصفية، وأكثرهم من لبابة أم الفضل، ومعتب بن أبي لهب والعباس بن عتبة بن أبي لهب وكان زوج آمنة بنت العباس، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وأخته ضباعة وكانت زوج المقداد بن الأسود، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وابناه: المغيرة والحارث ولعبد الله بن الحارث هذا رؤية، وكان يلقب: ببه، بباءين موحدتين الثانية ثقيلة، وأميمة وأروى وعاتكة وصفية بنات عبد المطلب، أسلمت صفية وصحبت، وفي الباقيات خلاف.
قوله: (ومنقبة فاطمة)، بالجر عطفا على المناقب وهي ضد المثلبة وقال الطيبي: المنقبة طريق منفذ في الحال، واستعير للفعل الكريم إما لكونه تأثيرا له أو لكونه منهجا في رفعه.

221
قلت: لم يقع في رواية أبي ذر هذه اللفظة أعني منقبة فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي (التوضيح): فاطمة تكنى، بأم أبيها، أنكحها عليا بعد وقعة أحد، وهي بنت خمس عشرة وخمسة أشهر ونصف، وكان سن علي، رضي الله تعالى عنه، يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة
هذا التعليق مر موصولا في أواخر: باب علامات النبوة، فليرجع إليه.
1173 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة عليها السلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا فهو صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل وإني والله لا أغير شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد علي ثم قال إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك وذكر قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم فتكلم أبو بكر فقال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي..
مطابقته للترجمة تستأنس من قوله: (لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم) إلى آخره. وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف: الحكم بن نافع، وهذا الإسناد بعينه قد مر غير مرة. والحديث مر بأتم من هذا في أول كتاب الخمس.
قوله: (تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم)، إن قيل: كيف تطلب الصدقة وهي لجميع المؤمنين؟ يقال: إن معناه تطلب ما هي صدقة في الواقع ملك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، بحسب اعتقادها، قال الكرماني: فلفظ الصدقة هو لفظ الراوي. قوله: (لا نورث)، قيل: إن فاطمة لم تكن علمت هذا. قوله: (لا نورث). وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان أبقى رباعه لقوت أهله في حياته ومماته وما يعرض له من أمور المسلمين وفيه: أن خيبر خمست. وفيه: أنه كان له في الخمس حظ. وفيه: أن لبني هاشم حقا في مال الله، وهو من الفيء والخمس والجزية وشبه ذلك ليتنزهوا عن الصدقة.
قوله: (فتشهد علي) قال صاحب (التوضيح): وهذا إلى آخره ليس من هذا الحديث، إنما كان ذلك بعد موت فاطمة، وقد أتى به في موضع آخر. قوله: (فتكلم أبو بكر...) إلى آخره، قاله على سبيل الاعتذار عن منعه إياها ما طلبته منه من تركة النبي صلى الله عليه وسلم.
3173 أخبرني عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا خالد حدثنا شعبة عن واقد قال سمعت أبي يحدث عن ابن عمر عن أبي بكر رضي الله تعالى عنهم قال ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. (الحديث 3173 طرفه في: 1573).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري وهو من أفراده، وخالد هو ابن الحارث ابن سليم بن الهجيمي البصري، وواقد بكسر القاف وبالدال المهملة: ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، يروي عن أبيه محمد عن عبد الله بن عمر عن أبي بكر، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل الحسن والحسين، رضي الله تعالى عنهما، عن يحيى بن معين وصدقة بن الفضل.
قوله: (إرقبوا)، أمر للناس، يعني: إحفظوا محمدا في أهل بيته، فلا

222
تؤذوهم ولا تسبوهم، وأهل بيته هم: فاطمة والحسن والحسين، لأنه صلى الله عليه وسلم لف عليهم كساء، وقال: هؤلاء أهل بيتي، أو هم مع أزواجه، لأنه هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق.
4173 حدثنا أبو الوليد حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري وابن عيينة هو سفيان بن عينة تصغير عين وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وقد مر غير مرة، والمسور، بكسر الميم: ابن مخرمة، بفتحها، وقد مر عن قريب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن قتيبة، وفي الطلاق عن أبي الوليد. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أحمد بن يوسن وقتيبة عن أبي معمر. وأخرجه أبو
داود في النكاح عن أحمد بن يونس وقتيبة. وأخرجه الترمذي في المناقب عن قتيبة. وأخرجه النسائي عن قتيبة وعن الحارث بن مسكين. وأخرجه ابن ماجة في النكاح عن عيسى بن حماد.
قوله: (بضعة) بفتح الباء، وهي: القطعة من الشيء.
5173 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته في شكواه الذي قبض فيها فسارها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت قالت فسألتها عن ذالك. فقالت سارني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت..
هذا الحديث بعين هذا الإسناد والمتن عن يحيى بن قزعة مضى في أواخر: باب علامات النبوة، وهذا تكرار بلا زيادة فائدة، ولهذا لم يقع في رواية أبي ذر ولم يذكره النسفي أيضا، وكذلك الحديث الذي قبله لم يقع في روايتيهما، لأنه يأتي مطولا كما ذكرنا.
31
((باب مناقب الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب القرشي الأسدي، أبو عبد الله، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم، في قصي، وعدد ما بينهما من الآباء سواء، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المبشرة المشهود لهم بالجنة، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهاجر الهجرتين، وأسلم وهو ابن ستة عشر سنة، وروى الحاكم بإسناد صحيح عن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين، قتل يوم الجمل في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وقبره بوادي السباع ناحية البصرة، قتله عمرو بن جرموز.
وقال ابن عباس هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم
هذه قطعة من حديث سيأتي في تفسير براءة من طريق ابن أبي مليكة. قوله: (الحواري)، بفتح الحاء والواو المخففة وتشديد الياء، وهو لفظ مفرد ومعناه: الناصر، رواه الترمذي عن سفيان بن عيينة، وقال الزبير عن محمد بن سلام: سألت يونس بن حبيب عن الحواري، قال: الخالص، وعن ابن الكلبي: الحواري الخليل، وقيل الصافي. فإن قلت: الصحابة كلهم أنصار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلصاء، فما وجه التخصيص به؟ قلنا: هذا قاله حين قال يوم الأحزاب: من يأتيني بخبر القوم؟ قال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتيني بخبر القوم؟ فقال: أنا، وهكذا مرة ثالثة، ولا شك أنه في ذلك الوقت نصر نصرة زائدة على غيره.

223
وسمي الحواريون لبياض ثيابهم
هذا من كلام البخاري، أراد به حواري عيسى، عليه الصلاة والسلام. ووصله ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس به، وقال أبو أرطأة. كانوا قصارين فسموا بذلك لأنهم كانوا يحورون الثياب، أي: يبيضونها، وقال الضحاك: سموا حواريين لصفاء قلوبهم، وقال عبد الله بن المبارك: سموا بذلك لأنهم كانوا نورانيين، عليهم أثر العبادة ونورها وبهاؤها، وأصل الحوار عند العرب البيض، ومنه: الأحور والحوراء، ودقيق حواري، وقال قتادة: هم الذين تصلح لهم الخلافة، وقال النضر بن شميل: الحواري خاصة الرجل الذي يستعين به فيما ينوبه، وقيل: الحواريون كانوا صيادين يصطادون السمك، وقيل: كانوا صباغين، وقال الثعلبي: كانوا أصفياء عيسى وأولياءه وأنصاره ووزراءه، وكانوا اثني عشر رجلا وأسماؤهم: بطرس ويعقوبس ويحنس واندرابيس وقبيلس وابرثلما ومنتا وأتوماس ويعقوب بن خلقانا ونشيمس وقنانيا ويوذس، فهؤلاء حواريو عيسى، عليه الصلاة والسلام، وأما حواريو هذه الأمة فقال قتادة: إن الحواريين كلهم من قريش: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنهم.
7173 حدثنا خالد بن مخلد حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه قال أخبرني مروان بن الحكم قال أصاب عثمان بن عفان رعاف شديد سنة الرعاف حتى حبسه عن الحج وأوصاى فدخل عليه رجل من قريش قال استخلف قال وقالوه قال نعم قال ومن فسكت فدخل عليه رجل آخر أحسبه الحارث فقال استخلف فقال عثمان وقالوا فقال نعم قال ومن هو فسكت قال فلعلهم قالوا الزبير قال نعم قال أما والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (الحديث 7173 طرفه في: 8173).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أما والذي نفسي بيده...) إلى آخره. وخالد بن مخلد، بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة بينهما: البجلي القطواني الكوفي، وعلي بن مسهر، بضم الميم على لفظ اسم الفاعل من الإسهار بالسين المهملة.
وهذا الحديث ذكره الحافظ المزي في مسند عثمان، رضي الله تعالى عنه. وأخرجه النسائي في المناقب عن معاوية بن صالح.
قوله: (رعاف) بالرفع لأنه فاعل: أصاب، وعثمان بالنصب مفعوله. قوله: (سنة الرعاف) كان ذلك سنة إحدى وثلاثين، وكان للناس فيها رعاف كثير. قوله: (استخلف) أي: اجعل لك خليفة من بعدك. قوله: (قال وقالوه) أي: قال عثمان وقال الناس هذا القول، قال الرجل: نعم قالوه. قوله: (قال: ومن) أي: قال عثمان: ومن استخلفه؟ فسكت الرجل. قوله: (فدخل عليه) أي: على عثمان. قوله: (الحارث) يعني ابن الحكم وهو أخو مروان راوي الخبر. قوله: (فقال:
استخلف) أي: فقال الحارث لعثمان: استخلف. قوله: (وقال وقالوا) أي: وقال عثمان وقال الناس هذا. قوله: (فقال: نعم) أي: فقال الحارث: نعم قالوا هذا القول. قوله: (قال: ومن هو؟) أي: قال عثمان: من هو الخليفة الذي قالوا إني استخلفه؟ قوله: (فسكت) أي: الحارث. قوله: (قال: فلعلهم قالوا: الزبير؟) أي: قال عثمان، رضي الله تعالى عنه، فلعل هؤلاء قالوا: هو الزبير بن العوام. قوله: (قال: نعم) أي: قال الحارث: قالوا هو الزبير بن العوام. قوله: (قال: أما والذي)، أي: قال عثمان: أما وحق الله الذي نفسي بيده (إنه) أي: الزبير لخيرهم، أي: لخير هؤلاء. قوله: (ما علمت) يجوز أن تكون: ما، مصدرية أي: في علمي، ويجوز أن تكون موصولة، ويكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الذي علمت، والضمير المنصوب الذي يرجع إلى الموصول محذوف تقديره: علمته. قال الداودي: يحتمل أن يكون المراد من الخيرية في شيء مخصوص: كحسن الخلق، وإن حمل على ظاهره ففيه ما يبين أن قول ابن عمر: ثم نترك أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم، لم يرد به جميع الصحابة، فإن بعضهم قد وقع منه تفضيل بعضهم على بعض، وهو عثمان في حق الزبير، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (وإن كان)، كلمة: إن، مخففة

224
من الثقيلة تقديره: وإنه (كان لأحبهم) أي: لأحب هؤلاء الذين أشاروا على عثمان بالاستخلاف، ويروى بدون اللام الفارقة وهو لغة.
8173 حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام أخبرني أبي سمعت مروان بن الحكم كنت عند عثمان أتاه رجل فقال استخلف قال وقيل ذاك قال نعم الزبير قال أما والله إنكم لتعلمون إنه خيركم ثلاثا. (انظر الحديث 7173).
مطابقته للترجمة في قوله: (إنه خيركم) وعبيد بن إسماعيل أبو محمد الهباري القرشي الكوفي واسمه في الأصل: عبد الله وهو من أفراد البخاري، وأبو أسامة يروي عن هشام وهو يروي عن أبيه عروة وهو يروي عن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.
قوله: (قال: وقيل ذلك؟) أي: قال عثمان أو قيل ذلك؟ أشار به إلى الاستخلاف الذي يدل عليه قوله: (استخلف) ويروى: ذاك، بدون اللام وهمزة الاستفهام مقدرة قبل واو: وقيل. قوله: (الزبير) أي: الذي قيل بأن يستخلف هو الزبير ابن العوام. قوله: (أما)، بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهي كلمة استفتاح بمنزلة ألا، وتكثر قبل القسم. قوله: (ثلاثا)، أي: قالها ثلاث مرات.
0273 حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا فلما رجعت قلت يا أبت رأيتك تختلف قال أو هل رأيتني يا بني قلت نعم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك أبي وأمي.
مطابقته للترجمة في قوله: (جمع لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم...) إلى آخره. فإن قوله صلى الله عليه وسلم للزبير: فداك أبي وأمي، منقبة عظيمة له.
وأحمد بن محمد بن موسى أبو العباس يقال له مردويه السمسار المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي.
والحديث أخرجه مسلم حدثنا إسماعيل بن خليل وسويد بن سعيد كلاهما عن علي بن مسهر، قال إسماعيل: أخبرنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير، قال: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسان، وكان يطاطيء لي مرة فأنظر وأطاطىء له مرة فينظر، فكنت أعرف أبي إذا مر على فرسه في السلاح إلى بني قريظة، قال: وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير، قال: فذكرت ذلك لأبي، فقال: ورأيتني يا بني؟ قلت: نعم. قال: أما والله لقد جمع لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ أبويه، فقال: فداك أبي وأمي، وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير، قال: لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم الذي فيه النسوة، يعني نسوة النبي صلى الله عليه وسلم، وساق الحديث... يعني حديث ابن مسهر في هذا الإسناد، ولم يذكر عبد الله بن عروة في هذا الحديث، ولكن أدرج القصة في حديث هشام عن أبيه عن ابن الزبير.
قوله: (يوم الأحزاب)، هو يوم الخندق لما حاصر قريش ومن معهم المسلمين بالمدينة وحفر الخندق بسبب ذلك. قوله: (جعلت)، على صيغة المجهول. قوله: (وعمر بن أبي سلمة) واسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد القرشي المخزومي أبو حفص المدني ربيب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (في النساء) أي: بين النساء. قوله: (يختلف)، أي: يجيء ويذهب، وفي رواية الإسماعيلي، مرتين أو ثلاثا. قوله: (وهل رأيتني يا بني؟) قال: نعم،

225
فيه صحة سماع الصغير، وإنه لا يتوقف على أربع أو خمس، لأن ابن الزبير كان يومئذ ابن سنتين وأشهر. أو ثلاث وأشهر. وقد مر الكلام فيه في كتاب العلم في: باب ما يصح سماع الصغير، قوله: فداك أبي وأمي.
1273 حدثنا علي بن حفص حدثنا ابن المبارك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم وقعة اليرموك ألا تشد فنشد معك فحمل عليهم فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر: قال عروة فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن حفص المروزي سكن عسقلان وابن المبارك هو علي بن المبارك الهنائي البصري.
قوله: (يوم اليرموك) بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وضم الميم وسكون الواو وفي آخره كاف: قال الصاغاني في (العباب): اليرموك موضع بناحية الشام وهو يفعول. قلت: هو موضع بين أذرعات ودمشق، وقال سيف بن عمر: كانت وقعة اليرموك في سنة ثلاث عشرة من الهجرة قبل فتح دمشق، وتبعه على ذلك ابن جرير الطبري، وقال محمد بن إسحاق: كانت في رجب سنة خمس عشرة، وكذا نقل ابن عساكر عن أبي عبيد والوليد وابن لهيعة والليث وأبي معشر: أنها كانت في سنة خمس عشرة بعد فتح دمشق، وقال ابن الكلبي، كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة، وقال ابن عساكر: وهذا هو المحفوظ،
وكانت من أعظم فتوح المسلمين، وكان رأس عسكر هرقل ماهان الأرمني، ورأس عسكر المسلمين أبا عبيدة بن الجراح، رضي الله تعالى عنه، وكانت بينهم خمس وقعات عظيمة، فآخر الأمر نصر الله المسلمين وقتلوا منهم مائة ألف وخمسة آلاف نفس، وأسروا أربعين ألفا وقتل من المسلمين أربعة آلاف، ختم الله لهم بالشهادة، وقتل ماهان على دمشق وبعث أبو عبيدة الكتاب والبشارة إلى عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، بحذيفة بن اليمان مع عشرة من المهاجرين والأنصار، وغنم المسلمون غنيمة عظيمة حتى أصاب الفارس أربعة وعشرين ألف مثقال من الذهب، وكذلك من الفضة، وكان المسلمون خمسة وأربعين ألفا، وقيل: ستة وستين ألفا، وقد ذكرنا أن القتلى منهم أربعة آلاف، وكانت الروم في تسعمائة ألف، وكان جبلة بن الإيهم مع عرب غسان في ستين ألفا، والله أعلم. قوله: (ألا تشد) كلمة: ألا، للتحضيض والحث: وتشد، بضم الشين المعجمة أي: ألا تشد على المشركين، فلله در الزبير بن العوام فيما فعل في هذه الوقعة، وكذلك خالد بن الوليد، رضي الله تعالى عنه، والشد في الحرب الحملة والجولة. قوله: (فحمل عليهم) أي: فحمل الزبير على الروم، والقرينة دالة عليه. قوله: (فضربوه) أي: فضرب الروم الزبير، رضي الله تعالى عنه. قوله: (بينهما) أي: بين الضربتين. قوله: (ضربها) على صيغة المجهول.
41
((باب مناقب طلجة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب طلحة بن عبيد الله، وفي بعض النسخ: باب ذكر طلحة بن عبيد الله، وفي رواية ذر: مناقب طلحة، بدون لفظة باب.
وعبيد الله هو ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب، يجتمع مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة، وعدد ما بينهم من الآباء سواء، ويكنى طلحة أبا محمد، واسم أمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء بن الحضرمي، أسلمت وهاجرت وعاشت بعد ابنها قليلا، وروى الطبري من طريق ابن عباس قال: أسلمت أم أبي بكر وأم عثمان وأم طلحة وأم عبد الرحمن بن عوف، وقتل طلحة يوم الجمل سنة ست وثلاثين، رمي بسهم. وروي من طرق كثيرة: أن مروان بن الحكم رماه فأصاب ركبته فلم يزل ينزف الدم منها حتى مات، وكان يومئذ أول قتيل. واختلف في عمره فالأكثرون على أنه كان خمسا وسبعين، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يدي أبي بكر الصديق، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.

226
وقال عمر توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض
قد مر هذا التعليق عن قريب في قصة البيعة، وفيه: مقتل عمر، رضي الله تعالى عنه، مطولا ومسندا وهو قول عمر: ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راض، فسمى: عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن.
2273
3273 حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي حدثن معتمر عن أبيه عن أبي عثمان قال لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد عن حديثهما. (الحديث 2273 طرفه في: 0604). (الحديث 3273 طرفه في: 1604).
مطابقته للترجمة من حيث إن طلحة بقي مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم الحرب عند فرار الناس عنه، وفيه منقبة عظيمة له، ومعتمر هو ابن سليمان التيمي، يروي عن أبيه سليمان عن أبي عثمان عبد الرحمن النهدي. قوله: (في بعض تلك الأيام) أراد به يوم أحد. قوله: (غير طلحة) بالرفع لأنه فاعل. قوله: (لم يبق)، قوله: (عن حديثهما) يعني: يروي أبو عثمان هذا من حديث طلحة وسعد، أراد أنهما حدثاه بذلك.
4273 حدثنا مسدد حدثنا خالد حدثنا ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شلت. (الحديث 4273 طرفه في: 3604).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وخالد هو ابن عبد الله الواسطي، وابن أبي خالد هو إسماعيل، واسم أبي خالد سعد، ويقال: هرمز الأحمسي البجلي، وقيس بن أبي حازم، بالحاء المهملة والزاي: واسمه عوف الأحمسي البجلي، قدم المدينة بعد ما قبض النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (التي وقى بها) يعني: يوم أحد، وقد صرح بذلك علي بن مسهر عن إسماعيل عند الإسماعيلي، وروى الطبري من طريق موسى بن طلحة عن أبيه: أنه أصابه في يده سهم، ومن حديث أنس، رضي الله تعالى عنه: أنه وقى رسول الله، صلى الله عليه وسلم لما أراد بعض المشركين أن يضربه، وفي (مسند الطيالسي) من حديث عائشة عن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهما، قال: ثم أتينا طلحة يعني يوم أحد فوجدنا به بضعا وسبعين جراحة، وإذا هو قد قطعت إصبعه. وفي (الجهاد) لابن المبارك من طريق موسى بن طلحة: إن إصبعه التي أصيبت هي التي تلي الإبهام. قوله: (قد شلت) بفتح الشين تشل، ذكره ثعلب، قال الشنتمري: هو بطلان في اليد أو الرجل من آفة تعتريها، وليس معناه: قطعت، كما ذكره ابن سيده. قال الزمخشري: إذا استرخت، وقال كراع: هو تقبض في الكف، وأصله: شللت على وزن: فعلت، بكسر العين، وقال ابن درستويه: والعامة تقول: شلت يده، بالضم، وهو خطأ، وقال اللحياني: ومنهم من يقول: شلت، يعني: بالضم، وهو قليل، وعن ابن الأعرابي: لا يقال: شلت، يعني بالضم، إلا في لغة رديئة. وفي (العويص) لابن سيده: أشللت يده، بالألف، وقال أبو الشاء: ومن خواص طلحة بن عبيد الله أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذا لم يره قال: مالي لا أرى المليح الفصيح؟ ولقبه: بالفياض، وطلحة الخير وطلحة الجود، ولم يثبت معه يوم أحد غيره، وعن المبرد: كان يقال لطلحة بن عبيد الله: طلحة الطلحات، وخلف مالا جزيلا: ثلاثين ألف ألف، وفي الصحابة من اسمه طلحة نحو العشرين.
51
((باب مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري أحد العشرة ويكنى أبا إسحاق، وكان يقال له: فارس الإسلام وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان مجاب الدعوة، وكان سابع سبعة في الإسلام، وهو الذي كوف الكوفة ونفى الأعاجم وفتح الله على يديه أكثر فارس، مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، وحمل على رقاب الناس إلى المدينة

227
ودفن بالبقيع، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو آخر العشرة وفاة في سنة خمس وخمسين وهو المشهور وعمره يوم مات ثلاث وثمانون، وقيل: ثلاث وسبعون، والله أعلم.
وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم
لأن أم النبي صلى الله عليه وسلم آمنة منهم وأقارب الأم أخوال.
وهو سعد بن مالك
أشار به إلى أن اسم أبي وقاص والد سعد هو: مالك بن وهب، ويقال: وهيب، ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب بن مرة، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت، وأمه حمنة بنت سفيان ابن أمية بن عبد شمس، لم تسلم.
5273 حدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى قال سمعت سعيد بن المسيب قال سمعت سعدا يقول جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، ويحيى هو ابن سعيد القطان.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن مسدد وعن قتيبة. وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن المثنى به وعن قتيبة ومحمد بن رمح عن القعنبي. وأخرجه الترمذي في الاستئذان في المناقب عن قتيبة. وأخرجه النسائي في السنة عن محمد بن رمح به وعن هشام بن عمار. قوله: (جمع لي) أي: في التفدية بأن قال: فداك أبي وأمي.
6273 حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا هاشم بن هاشم عن عامر بن سعد عن أبيه قال لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام.
مطابقته للترجمة من حيث إنه كان ثلث الإسلام، وهو منقبة عظيمة. وهاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري يعد في أهل المدينة وهو يروي عن عامر بن سعد وابن أبي وقاص يروي عن أبيه سعد.
قوله: (لقد رأيتني) أي: رأيت نفسي والحال (وأنا ثلث الإسلام) أراد به أنه ثالث من أسلم أولا، وأراد بالاثنين، أبا بكر وخديجة أو النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، والظاهر أنه أراد الرجال الأحرار، لأن أبا عمر ذكر في الاستيعاب أنه سابع سبعة في الإسلام، وقد تقدم في ترجمة الصديق حديث عمار: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وما معه إلا خمسة أعبد وأبو بكر فهؤلاء ستة ويكون هو السابع بهذا الاعتبار، أو قال ذلك بحسب اطلاعه، والسبب فيه أن من كان أسلم في ابتداء الأمر كان يخفي إسلامه، فبهذا الاعتبار قال: وأنا ثلث الإسلام.
7273 حدثني إبراهيم بن موساى أخبرنا ابن أبي زائدة حدثنا هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت سعد بن أبي وقاص يقول ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام. (انظر الحديث 6273 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، و إبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق يعرف بالصغير، يروي عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، واسمه ميمون، ويقال: خالد الهمداني الكوفي القاضي.
قوله: (ما أسلم أحد) ظاهره أنه لم يسلم أحد قبله، وهذا مشكل لأنه قد أسلم قبله جماعة ولكن يحمل هذا على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ وقد روى ابن منده في المعرفة من طريق أبي بدر عن هاشم بلفظ: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه، وهذا لا إشكال فيه لأنه لا مانع أن لا يشاركه أحد في الإسلام يوم أسلم ولا ينافي هذا إسلام جماعة قبل يوم إسلامه فافهم. قوله: (ولقد مكثت...) إلى آخره، هذا أيضا على مقتضى اطلاعه، كما ذكرنا عن قريب.

228
تابعه أبو أسامة حدثنا هاشم
أي: تابع ابن أبي زائدة أبو أسامة حماد بن أسامة عن هاشم، وأسند البخاري هذه المتابعة في إسلام سعد، رضي الله تعالى عنه، على ما يأتي إن شاء الله تعالى ويروى: أبو أسامة حدثنا هاشم.
8273 حدثنا عمرو بن عون حدثنا خالد بن عبد الله عن إسماعيل عن قيس قال سمعت سعدا رضي الله تعالى عنه يقول إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله وكنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط ثم أصبحت بنو اسد تعزرني على الإسلام لقد خبت إذا وضل عملي وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا لا يحسن يصلي.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله) وفيه منقبة عظيمة له.
وعمرو، بفتح العين: ابن عون، بفتح العين وبالنون، مر في الصلاة، روى عنه البخاري هنا بلا واسطة، وفي بعض المواضع يروي عنه بواسطة عبد الله بن محمد المسندي، وخالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان الواسطي يروي عن إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي البجلي عن قيس بن أبي حازم عن سعد بن أبي وقاص.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن عبد الله بن محمد وفي الرقاق عن مسدد. وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن حبيب وعن محمد بن عبد الله ابن نمير وعن يحيى عن وكيع. وأخرجه الترمذي في الزهد عن محمد بن بشار وعن عمرو بن إسماعيل. وأخرجه النسائي في المناقب عن محمد بن المثنى. وفي الرقائق عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن علي بن محمد.
قوله: (إني لأول العرب رمى) كان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان القتال فيها أول حرب وقعت بين المشركين والمسلمين، وكانت هي أول سرية بعثها رسول الله، صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة، بعث ناسا من المسلمين إلى رابغ ليلقوا عيرا لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم مسايفة، أي: مضاربة ومحاربة، وكان سعد أول من رمى، وكانوا ستين راكبا من المهاجرين وفيهم سعد، وعقد له اللواء، وهو أول لواء عقده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فالتقى عبيدة وأبو سفيان الأموي وكان هو على المشركين، وهذا أول قتال جرى في الإسلام، وأول من رمى إليهم هو سعد، وفيه قال:
* ألا هل جاء رسول الله أني
* حميت صحابي بصدور نبلي
*
* فما يعتد رام من معد
* بسهم مع رسول الله قبلي
*
قوله: (كما يضع)، أي: يضع عند قضاء الحاجة أي: يخرج منهم مثل البعر ليبسه وعدم الغذاء المألوف. قوله: (ما له خلط) بكسر الخاء المعجمة أي: لا يختلط بعضه ببعض لجفافه. قوله: (تعزرني على الإسلام) أي: تؤذيني، والمعنى: تعلمني الصلاة وتعيرني بأني لا أحسنها. قوله: (لقد خبت)، من الخيبة أي: إن كنت محتاجا إلى تعليمهم فقد ضل عملي فيما مضى خاسئا من ذلك. قوله: (وكانوا) أي: بنو أسد. قوله: (وشوا به) بالشين المعجمة أي: سعوا به، أي: بسعد، يقال: وشى به وشاية إذا نم عليه وسعى به فهو واش، وجمعه وشاة وأصله: استخراج الحديث باللطف والسؤال، وقد مرت قصته مع الذين زعموا أنه لا يحسن يصلي في: صفة الصلاة.
61
((باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض النسخ: ذكر أصهار رسول الله، صلى الله عليه وسلم وليس فيه ذكر لفظ: باب. وأصهاره هم الذين تزوجوا إليه، والصهر يطلق على جميع أقارب المرأة، ومنهم من يخصه، وقال الجوهري: الأصهار أهل بيت المرأة، وعن الخليل قال: ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان،

229
والأختان جمع ختن وهو كل من كان من قبل المرأة مثل الأب والأخ، وهم الأختان، هكذا عند العرب، وأما عند العامة فختن الرجل: زوج ابنته.
منهم أبو العاص بن الربيع
أي: من أصهار النبي صلى الله عليه وسلم: أبو العاص واسمه: لقيط، مقسم، بكسر الميم، وقيل: هشيم، ويلقب: جرو البطحاء ابن الربيع بن الربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، ويقال بإسقاط الربيعة، وهو مشهور بكنيته، وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة، وكان ابن خالتها وتزوج زينب بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبل البعثة، وهي أكبر بنات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد أسر أبو العاص ببدر مع المشركين وفدته زينب، فشرط عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسلها إليه، فوفى له بذلك، فهذا معنى قوله في آخر الحديث: ووعدني فوفى لي، ثم أسر أبو العاص مرة أخرى فأجارته زينب فأسلم فردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى نكاحه، وقال أبو عمر: وكان الذي أسر إبا العاص عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري، فلما بعث أهل فكة في فداى أساراهم قدم في فداء أخوه عمرو بن الربيع بمال دفعته إليه زينب بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من ذلك قلادة لها كانت لخديجة أمها قد أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، ثم هاجرت زينب مسلمة وتركته على شركه فلم يزل كذلك مقيما على الشرك حتى كان قبيل الفتح، خرج بتجارة إلى الشام ومعه أموال من أموال قريش، فلما انصرف قافلا لقيته سرية لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أميرهم زيد بن حارثة، وكان أبو العاص في جماعة عير قريش، وكان زيد في نحو سبعين ومائة راكب، فأخذوا ما في تلك العير من الثقل وأسروا ناسا منهم وأفلتهم أبو العاص هربا، ثم أقبل من الليل حتى دخل على زينب فاستجار بها فأجارته، ودخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على زينب وقال: أكرمي مثواه، ثم ردوا عليه ما أخذوا منه فلم يفقد منه شيئا، فاحتمل إلى مكة فأدى إلى كل أحد ماله، ثم خرج حتى قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم مسلما وحسن إسلامه، ورد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ابنته عليه فقيل: ردها عليه على النكاح الأول، قاله ابن عباس، وروي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم ردها عليه بنكاح جديد، وبه قال الشعبي، وولدت له أمامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها
وهو يصلي، وولدت له أيضا ابنا اسمه: علي، كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، مراهقا، ويقال: إنه مات قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد أبو العاص في وقعة اليمامة.
9273 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني علي بن حسين أن المسور ابن مخرمة قال إن عليا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكح بنت أبي جهل فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد يقول أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، مات في سنة أربع أو خمس وتسعين. والحديث مضى في الخمس في: باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (بنت أبي جهل) اسمها: جويرية، بالجيم، وقيل: الجميلة، وقيل: العوراء، وكان علي، رضي الله تعالى عنه، قد أخذ بعموم الجواز، فلما أنكره النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن الخطبة، فيقال: تزوجها عتاب بن أسيد، وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ليشيع الحكم المذكور بن الناس ويأخذوا به، إما على سبيل الإيجاب، وإما على

230
سبيل الأولوية. وادعى الشريف المرتضي الموسوي في (غرره): أن خطبة علي لابنة أبي جهل موضوع فلا يستوي سماعه ورد عليه بأنه ثبت في (الصحيح) في حديث المسور بن مخرمة، وأخرجه الترمذي عن عبد الله بن الزبير وصححه. قوله: (وهذا علي ناكح بنت أبي جهل) وفي رواية الطبراني عن أبي زرعة عن أبي اليمان: وهذا علي ناكحا بالنصب على الحال المنتظرة، وإطلاق اسم الناكح عليه مجاز باعتبار ما كان قصد إليه. قوله: (فحدثني وصدقني) كأنه أراد بذلك أنه كان على شرط على أبي العاص أن لا يتزوج على زينب، فثبت على شرطه، فلذلك شكره النبي صلى الله عليه وسلم، بالثناء عليه بالوفاء والصدق. قوله: (وصدقني) بتخفيف الدال المفتوحة. قوله: (بضعة) بفتح الباء الموحدة، وفي رواية للحاكم: مضغة مني، بالميم يغيظني ما يغيظها ويبسطني ما يبسطها، وقال: صحيح الإسناد.
وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة عن ابن شهاب عن علي عن مسور سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي
هذه الزيادة قد تقدمت في كتاب الخمس مطولا، أخرجها عن سعيد بن محمد الجرمي عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن ابن شهاب عن علي بن الحسين... إلى آخره، وقد تقدم الكلام فيه هناك.
71
((باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان مناقب زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى الكلبي، أسر زيد في الجاهلية فاشتراه حكيم ابن حزام لعمته خديجة، فاستوهبه النبي صلى الله عليه وسلم، منها، ويقال: خرجت به أمه تزور قومها، فاتفق غارة فيهم فاحتملوا زيدا وهو ابن ثمان سنين، ووفدوا به إلى سوق عكاظة، فعرضوه على البيع فاشتراه حكيم بن حزام بالزاي لخديجة بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهبته له، ثم إن خبره اتصل بأهله، فحضره أبوه حارثة في فدائه فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين المقام عنده والرجوع إليه فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه رسول الله، صلى الله عليه وسلم وزوجه حاضنته أم أيمن ضد الأيسر فولدت له أسامة. ومن فضائله: أن الله سماه في القرآن، وهو أول من أسلم من الموالي فأسلم من أول يوم تشرف برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من الأمراء الشهداء ومن الرماة المذكورين، وله حديثان، وقال ابن عمر: ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزلت * (ادعوهم لآبائهم) * (الأحزاب: 5). وذكر ابن منده في (معرفة الصحابة) عن آل بيت زيد بن حارثة: أن حارثة أسلم يومئذ أعني يوم جاء أبوه يأخذه بالفداء.
وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنت أخونا ومولانا
هذا قطعة من حديث البراء أخرجه مطولا في كتاب الصلح في: باب كيف يكتب: هذا ما صالح...؟ إلى آخره.
0373 حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان قال حدثني عبد الله بن دينار عن عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في إمارته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وايم الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي بعده..
مطابقته للترجمة ظاهرة جدا. وسليمان هو ابن بلال. والحديث من أفراده.
قوله: (بعثا) بفتح الباء الموحدة

231
وسكون العين المهملة وفي آخره ثاء مثلثة، وهو السرية. قوله: (وأمر) بتشديد الميم. قوله: (فطعن)، يقال: طعن بالرمح وباليد: يطعن بالضم، وطعن في العرض والنسب: يطعن بالفتح، وقيل: هما لغتان فيهما. قوله: (بعض الناس) منهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي. قوله: (في إمارته) بكسر الهمزة. قوله: (في إمارة أبيه)، وهي: إمارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة. قوله: (إن كان لخليقا) أي: إن زيدا كان خليقا بالإمارة، يعني: أنهم طعنوا في إمارة زيد وظهر لهم
في الآخر أنه كان جديرا لائقا بها، فكذلك حال أسامة.
وفيه: جواز إمارة الموالي، وتولية الصغار على الكبار، والمفضول على الفاضل للمصلحة. وقال الكرماني: الأحب بمعنى المحبوب. قلت: ما ظهر لي وجه العدول عن معنى التفضيل، ومع هذا ذكره بكلمة: من التبعيضية.
1373 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي قائف والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض قال فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه فأخبر به عائشة رضي الله تعالى عنها.
مطابقته للترجمة تستأنس من قوله: (فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم...) إلى آخره. والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن منصور بن أبي مزاحم.
قوله: (قائف) هو الذي يلحق الفروع بالأصول، بالشبه والعلامات، ويراد به ههنا: مجزز، بالجيم وتشديد الزاي الأولي المدلجي، وأبعد من قال بالحاء المهملة وحكى فتح الزاي الأولى، والصواب الكسر لأنه جز نواصي العرب، وهو: ابن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمر بن مدلج الكناني المدلجي، ودخوله على عائشة إما قبل نزول الحجاب أو بعده، وكان من وراء حجاب. قوله: (فأعجبه وأخبر به عائشة) لعله لم يعلم أنها علمت ذلك، أو أخبرها وإن كان علم بعلمها تأكيدا للخبر، أو نسي أنها علمت ذلك وشاهدته معه، وقد مر الكلام في حكم القائف في: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه: عن يحيى عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسرورا تبرق أسارير وجهه... الحديث.
81
((باب ذكر أسامة بن زيد))
أي: هذا باب في ذكر أسامة بن زيد، قال الكرماني: قال ذكر أسامة، ولم يقل: مناقب أسامة، كما قال فيما تقدم، لأن المذكور في الباب أعم من المناقب، كالحديث الآتي.
2373 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ل يث عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن قريشا أهمهم شأن المخزومية فقالوا من يجترىء عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة في قوله: (من يجترىء عليه...) إلى آخره. والحديث مر بأتم منه في: باب ما ذكر في بني إسرائيل، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (شأن المخزومية) أي: أمرها وحالها واسمها: فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وعمها أبو سلمة عبد الله بن مخزوم. قوله: (حب)، الحب بكسر الحاء بمعني المحبوب.
(وحدثنا علي حدثنا سفيان قال ذهبت أسأل الزهري عن حديث المخزومية فصاح بي

232
قلت لسفيان فلم تحتمله عن أحد قال وجدته في كتاب كان كتبه أيوب بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة من بني مخزوم سرقت فقالوا من يكلم فيها النبي
فلم يجترىء أحد أن يكلمه فكلمه أسامة بن زيد فقال إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه لو كانت فاطمة لقطعت يدها)
هذا طريق آخر في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أخرجه عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن سفيان بن عيينة إلى آخره قوله قال وجدته أي قال سفيان وجدت هذا الحديث في كتاب كتبه أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي عن محمد بن مسلم الزهري * الوجادة أن يوقف على كتاب بخط شيخ فيه أحاديث ليس له رواية ما فيها فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه حدثنا فلان ويسوق باقي الإسناد والمتن وقد استمر العمل عليه قديما وحديثا وهو من باب المرسل وفيه شوب من الاتصال قوله ' تركوه ' يعني أحدثوا ذلك بعد أنبيائهم قوله ' لو كانت ' يعني لو كانت السارقة فاطمة لقطعت يدها وفيه ترك الرحمة فيمن وجب عليه الحد * -
((باب))
أي: هذا باب وهو كالفصل لما قبله، وليس هذا في كثير من النسخ بموجود.
4373 حدثني الحسن بن محمد حدثنا أبو عباد يحيى بن عباد حدثنا الماجشون أخبرنا عبد الله بن دينار قال نظر ابن عمر يوما وهو في المسجد إلى رجل يسحب ثياه في ناحية من المسجد فقال انظر من هاذا ليت هذا عندي قال له إنسان أما تعرف هذا يا أبا عبد الرحمان هذا محمد بن أسامة قال فطأطأ ابن عمر رأسه ونقر بيديه في الأرض ثم قال لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه.
مطابقته للترجمة بطريق الإلحاق. والحسن بن محمد بن الصباح أبو علي الزعفراني وهو من أفراده، ويحيى بن عباد، بتشديد الباء الموحدة: أبو عباد الضبعي البصري، والماجشون هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة. والحديث من أفراده.
قوله: (وهو في المسجد) الواو فيه للحال. قوله: (يسحب...))
قوله: (ليت هذا عندي) أي: قريبا مني حتى أنصحه وأعظه، وقد روي: عبدي، بالباء الموحدة، وكأنه على هذا كان أسود اللون مثل العبيد السود. قوله: (له إنسان)، أي: قال لعبد الله بن عمر شخص: أما تعرف هذا يا أبا عبد الرحمن؟ وهو كنية عبد الله بن عمر. قوله: (محمد بن أسامة)، أي: أسامة بن زيد. قوله:
(فطأطأ ابن عمر) أي: طأطأ رأسه أي خفضه. قوله: (لأحبه)، إنما قال ذلك لما كان يعلم من محبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأسامة ولأبيه زيد بن حارثة ولذريتهما، فإنه قاس محمدا المذكور على أبيه وعلى جده حيث كانا محبوبين لرسول الله، صلى الله عليه وسلم.
5373 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا معتمر قال سمعت أبي حدثنا أبو عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن فيقول اللهم

233
أحبهما فإني أحبهما.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومعتمر هو ابن سليمان يروي عن أبيه، وأبو عثمان هو عبد الرحمن النهدي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل الحسن عن مسدد وفي الأدب عن عبد الله بن محمد وعن علي بن المديني. وأخرجه النسائي، رحمه الله، في المناقب عن أبي قدامة وعن الحسن بن قزعة وعن قتيبة وعن سوار بن عبد الله.
قوله: (والحسن) هو ابن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (أحبهما)، بفتح الهمزة وكسر الحاء وفتح الباء المشددة. قوله: (أحبهما) بضم الهمزة وضم الباء، وفيه: منقبة عظيمة لأسامة بن زيد والحسن بن علي.
6373 وقال نعيم عن ابن المبارك أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني مولى ل أسامة بن زيد أن الحجاج بن أيمن بن أم أيمن وكان أيمن بن أم أيمن أخا أسامة بن زيد لأمه وهو رجل من الأنصار فرآه ابن عمر لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال أعد.
7373 قال أبو عبد الله وحدثني سليمان بن عبد الرحمان حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمان بن نمر عن الزهري حدثني حرملة مولى أسامة ابن زيد أنه بينما هما مع عبد الله بن عمر إذ دخل الحجاج بن أيمن فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال أعد فلما ولى قال لي ابن عمر من هاذا قلت الحجاج بن أيمن ابن أم أيمن فقال ابن عمر لو رأى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه فذكر حبه وما ولدته أم أيمن قال أو زادني بعض أصحابي عن سليمان وكانت حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم. (انظر الحديث 6373).
نعيم، بضم النون هو: حماد بن معاوية بن الحارث بن سلمة بن مالك أبو عبد الله الخزاعي المروزي الأعور الرفاء الفارض، أحد شيوخ البخاري، وفي (التهذيب): روى عنه البخاري مقرونا بغيره، سكن مصر، ومات بسر من رأى مسجونا في محنة سنة ثمان وعشرين ومائتين. قاله أبو داود. وقال إبراهيم بن محمد نفطويه: كان مقيدا فجر بأقياده وألقي في حفرة لم يكفن ولم يصل عليه، فعل ذلك به صاحب ابن أبي دؤاد؟. وفي (التهذيب): خرج نعيم إلى مصر فأقام بها نيفا وأربعين سنة ثم حمل إلى العراق في امتحان القرآن مع البويطي مقيدين، فمات نعيم بالعسكر بسامرة، وابن المبارك هو عبد الله، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد يروي عن محمد بن مسلم الزهري، ومولى أسامة بن زيد هو حرملة، بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفتح الميم، سمع أسامة وعلي بن أبي طالب، روى عنه أبو جعفر محمد بن علي والزهري في مواضع، والحجاج بن أيمن بن عبيد ابن عمرو بن هلال الأنصاري الخزرجي، وقيل: الحبشي، من موالى الخزرج ابن أم أيمن حاضنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأخو أسامة لأمه. قال ابن إسحاق: استشهد يوم حنين وله ابن اسمه حجاج، وذكره الذهبي أيضا في (تجريد الصحابة) وتزوج أم أيمن قبل زيد بن حارثة فولدت له أيمن، ونسب أيمن إلى أمه لشرفها على أبيه وشهرتها عند أهل البيت النبوي، وتزوج زيد بن حارثة أم أيمن، وكانت حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، ورثها من أبيه فولدت له أسامة بن زيد، وعاشت أم أيمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قليلا، واسمها: بركة بفتح الباء الموحدة، أعتقها أبو النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلمت قديما، وقال أبو عمر: بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، وهي: أم أيمن، غلبت عليها كنيتها، هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة وإلى المدينة جميعا، وقال الواقدي: كانت بركة لعبد الله بن عبد المطلب وصارت للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عمر بإسناده إلى سليمان بن أبي شيخ: كانت بركة لأم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: أم أيمن أمي بعد أمي، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يزورها، وكان أبو بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، يزورانها في منزلها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها..

234
ذكر معناه: قوله: (وهو رجل)، أي: أيمن رجل من الأنصار، وقد ذكرناه الآن. قوله: (فرآه ابن عمر)، رأى معطوف على شيء مقدر وهو خبر: أن الحجاج بن أيمن رآه عبد الله بن عمر، فرأه يقصر في صلاته وهو معنى قوله: (لا يتم ركوعه ولا سجوده). قوله: (فقال: أعد) أي: قال عبد الله بن عمر للحجاج: أعد صلاتك، وفي رواية الإسماعيلي، فقال: يا ابن أخي: أتحسب أنك قد صليت؟ إنك لم تصل فأعد صلاتك.
قوله: (قال أبو عبد الله)، هو البخاري نفسه (حدثني سليمان بن عبد الرحمن) ابن ابنة شرحبيل بن أيوب الدمشقي، عن الوليد بن مسلم القرشي الأموي الدمشقي عن عبد الرحمن بن نمر، بفتح النون وكسر الميم: اليحصبي، بلفظ مضارع حصب، الدمشقي عن محمد بن مسلم الزهري عن حرملة... إلى آخره. قوله: (بينما هو) قيل: فيه تجريد، كأن حرملة قال: بينما أنا، فجرد من نفسه شخصا فقال: بينما هو، وقيل: فيه التفات من الحاضر إلى الغائب. قوله: (فلما ولى) أي: الحجاج. قوله: (قال لي ابن عمر:) يا حرملة! (من هذا؟ قلت: الحجاج بن أيمن). قوله: (لأحبه) يعني: لمحبته أيمن وأمه أم أيمن ولأسامة بن زيد. قوله: (وما ولدته أمه)، كذا ثبت في رواية أبي ذر بواو العطف والضمير على هذا لأسامة في قوله: (فذكر حبه) أي: ميله إلى أيمن، يعني: حبه إياه وفي رواية غير أبي ذر: فذكر حبه ما ولدته أم أيمن، فعلى هذا فالضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، وما ولدته هو المفعول، والمراد: بما ولدته أم أيمن: ما ولدته من ذكر وأنثى. قال الكرماني: فذكر حبه أي: حب أيمن وأولاد أم أيمن، والفاعل محذوف، أي: رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو حب رسول الله، صلى الله عليه وسلم لها مقرونا
بأولادها، فهو مضاف إلى الفاعل. قوله: (وزادني بعض أصحابي)، أي: قال البخاري: وزادني بعض أصحابي على ما مر، قيل: هو إما يعقوب بن سفيان فإنه رواه في (تاريخه): عن سليمان بن عبد الرحمن بالإسناد المذكور وزاد فيه: وكانت أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الذهلي فإنه أخرجه في (الزهريات) عن سليمان أيضا، وكأن هذا القدر لم يسمعه البخاري من سليمان فحمله عن بعض أصحابه، فبين ما سمعه مما لم يسمعه، فلله دره ما أدق تحريره وما أشد تحبيره.
91
((باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما))
أي: هذا باب في بيان مناقب أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب المكي المدني، أسلم قديما مع أبيه قبل أن يبلغ الحلم وهو أحد العبادلة وفقهاء الصحابة والمكثرين منهم، وأمه زينب، ويقال: رايطة بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون، وأخيه قدامة بن مظعون، للجميع صحبة، مات بمكة في سنة ثلاث وسبعين وعمره ست وثمانون سنة، وقيل: كان سبب موته أن الحجاج دس عليه من مس رجله بحربة مسمومة فمرض بها إلى أن مات.
8373 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أري رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم وكنت غلاما أعزب وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان كقرني البئر وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار فلقيهما ملك آخر فقال لي لن ترع. فقصصتهاعلى حفصة فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل قال سالم فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا..
مطابقته للترجمة في قوله، صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبد الله)، وقول الملك الثالث: (لن ترع). وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري، وكان ينزل مدينة بخارى بباب بني سعد، ووقع في رواية أبي

235
ذر وحده هكذا: حدثنا محمد حدثنا إسحاق بن نصر، وأراد بمحمد البخاري نفسه، وقد مر في كتاب الصلاة في: باب فضل من تعار من الليل من حديث نافع عن ابن عمر مطولا، وفيه قصة رؤية الملكين بمعنى ما في ذلك.
قوله: (رؤيا)، بدون التنوين يختص بالمنام، كالرؤية باليقظة، فرقوا بينهما بحرفي التأنيث أي: الألف المقصورة والتاء. قوله: (أعزب)، وهو الذي لا أهل له، ويروى: عزبا، قوله: (وإذا لها قرنان)، كلمة: إذا، للمفاجأة، والقرنان تثنية قرن وأراد بهما الطرفين. قوله: (لن ترع بالجزم)، كذا في رواية القابسي، وقال ابن التين: هي لغة قليلة، يعني: الجزم بلن، وقال القزاز: ولا أحفظ له شاهدا، وفي رواية الأكثرين بلفظ: لن تراع، قال بعضهم: وهو الوجه. قلت: لن ترع أيضا الوجه، لأن الجزم بلن لغة حكاها الكسائي، ومعناه: لا تخف.
1473 حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن أخته حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إن عبد الله رجل صالح..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عبد الله رجل صالح) منقبة عظيمة له. ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي، سكن مصر، يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري. وفيه: رواية التابعي عن التابعي. وفيه: رواية الصحابي عن الصحابية، وهو أيضا رواية الأخ عن أخته.
02
((باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله تعالى عنهما))
أي: هذا باب في بيان مناقب عمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، ويكنى عمار بأبي اليقظان العنسي بالنون، وأمه سمية، بضم السين المهملة مصغر، أسلم هو وأبوه قديما وعذبوا لأجل الإسلام، وقتل أبو جهل أمه فكانت أول شهيدة في الإسلام، ومات أبوه قديما، وعاش عمار إلى أن قتل في وقعة صفين، وكان مع علي بن أبي طالب مع الفئة العادلة، وحذيفة بن اليمان بن جابر ابن عمرو العبسي بالباء الموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار، وأسلم هو وأبوه اليمان، ومات بعد قتل عثمان، رضي الله تعالى عنه، وقيل: إنما جمع البخاري بين عمار وحذيفة في الترجمة لوقوع الثناء عليهما من أبي الدرداء في حديث واحد.
2473 حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا إسرائيل عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال قدمت الشأم فصليت ركعتين ثم قلت اللهم يسر لي جليسا صالحا فأتيت قوما فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي قلت من هاذا قالوا أبو الدرداء فقلت إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فيسرك لي قال ممن أنت قلت من أهل الكوفة قال أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلم أحد غيره ثم قال كيف يقرأ عبد الله والليل إذا يغشي فقرأت عليه والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى قال والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيه إلى في..
مطابقته للترجمة في قوله: (وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان) لأن المراد به هو عمار بن ياسر، وفي قوله: (أوليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم)
لأن المراد به حذيفة بن اليمان، رضي الله تعالى عنه.
ومالك بن إسماعيل بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي، وروى عنه مسلم بواسطة، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، والمغيرة هو ابن مقسم أبو هشام الضبي الكوفي، وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس النخعي.
قوله: (فجلست إليهم) أي حتى انتهى جلوسي إليهم. قوله: (فإذا شيخ) كلمة: إذا، للمفاجأة. قوله: (قالوا أبا الدرداء)، واسمه: عويمر بن عامر الأنصاري الخزرجي الفقيه الحكيم، مات بدمشق سنة

236
اثنتين وثلاثين. قوله: (قال: ممن أنت؟) ويروى: فقال، بفاء العطف. قوله: (أوليس عندكم ابن أم عبد؟) أراد به عبد الله بن مسعود، لأن أمه أم عبد بنت عبد ود بن سواء مات ابن مسعود بالمدينة، وقيل: بالكوفة. والأول أثبت سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: كان مراد أبي الدرداء من هذا السؤال أنه فهم من علقمة أنه قدم دمشق لطلب العلم، فقال: أوليس عندكم من العلماء من لا يحتاج إلى غيره ويستفاد منه؟ إن الشخص لا يرحل عن بلده لأجل طلب العلم إلا إذا لم يجد أحدا يعلمه. قوله: (صاحب النعلين) أي: نعلي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن مسعود هو الذي كان يحمل نعلي النبي صلى الله عليه وسلم ويتعاهدهما. قوله: (والوساد) وفي رواية شعبة: صاحب السواك، بالكاف، أو السواد بالدال، ووقع في رواية الكشميهني: والوسادة، ورواية: السواد، أوجه، لأن السواد السرار، براءين بكسر السين فيهما، والوساد: المخدة. وقال الجوهري: السواد السرار، تقول: ساودته مساودة وسوادا، أي: ساررته، وأصله: إدناء سوادك من سواده وهو الشخص. قوله: (والمطهرة)، بكسر الميم: الإداوة وكل إناء يتطهر به، وفي رواية السرخسي: والمطهر، بغير هاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم خصص ابن مسعود بنفسه اختصاصا شديدا، كان لا يحجبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذا جاء ولا يخفي عنه سره، وكان يلج عليه ويلبسه نعليه ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام، وكان يعرف في الصحابة بصاحب السواد والسواك، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: إذنك علي أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي حتى أنهاك. قوله: (وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان؟) كذا هو بواو العطف في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: أفيكم؟ بهمزة الاستفهام، وفي رواية شعبة: أليس فيكم أو منكم؟ بالشك، ومعنى قوله: (الذي أجاره الله من الشيطان) يعني على لسان نبيه، وفي رواية شعبة: أجاره الله على لسان نبيه، وزاد في روايته يعني عمارا، وأراد به قوله صلى الله عليه وسلم: ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وذلك حين أكرهوه على الكفر بسبه صلى الله عليه وسلم، قيل: ويحتمل أن يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعا: ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما رواه الترمذي. قوله: (وليس فيكم) الهمزة فيه للاستفهام. قوله: (صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم) أراد به حذيفة، فإنه صلى الله عليه وسلم أعلمه أمورا من أحوال المنافقين، وأمورا من الذي يجري بين هذه الأمة فيما بعده، وجعل ذلك سرا بينه وبينه. قوله: (الذي لا يعلم) كذا هو في رواية الأكثرين بحذف الضمير المنصوب في: يعلم، وفي رواية الكشميهني: الذي لا يعلمه، وكان عمر، رضي الله تعالى عنه، إذا مات واحد يتبع حذيفة، فإن صلى عليه هو صلى عليه أيضا عمر، وإلا فلا. قوله: (كيف يقرأ عبد الله) يعني: ابن مسعود. قوله: (والذكر والأنثى) أي: وكان يقرأ بدون: وما خلق، وهذه خلاف القراءة المتواترة المشهورة، ويقال: قرأ عبد الله: والذكر والأنثى، أنزل كذلك ثم أنزل، وما خلق، فلم يسمعه عبد الله ولا أبو الدرداء، وسمعه سائر الناس وأثبتوه، وهذا كظن عبد الله: أن المعوذتين ليستا من القرآن، والله أعلم.
3473 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال ذهب علقمة إلى الشأم فلما دخل المسجد قال أللهم يسر لي جليسا صالحا فجلس إلى أبي الدرداء فقال أبو الدرداء ممن أنت قال من أهل الكوفة قال أليس فيكم أو منكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره يعني حذيفة قال قلت بلى قال أليس فيكم أو منكم الذي أجاره الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم يعني من الشيطان يعني عمارا قلت بلى قال أليس فيكم أو منكم صاحب السواك أو السرار قال بلى قال كيف كان عبد الله يقرأ والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى قلت والذكر والأنثى قال ما زال بي هاؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول لله صلى الله عليه وسلم..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور من طريق سليمان بن حرب، وهو في نفس الأمر يفسر بعضه بعض الحديث السابق. قوله: (قال: ممن أنت) ويروى: فقال لي: ممن أنت؟ قوله: (من الشيطان على لسان نبيه) ويروى: من الشيطان، يعني على لسان نبيه. قوله: (أو السرار) شك من الراوي. قوله: (يستنزلوني) ويروي: يستنزلونني. قوله: (من رسول الله) ويروى: من نبي الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

237
12
((باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب أبي عبيدة واسمه: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك، وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت جدا بخمسة آباء، فيكون أبو عبيدة من حيث العدد في درجة: عبد مناف، ومنهم من أدخل في نسبه بين الجراح وهلال: ربيعة، فيكون على هذا في درجة: هاشم، وأمه أم غنم بنت جابر بن عبد الله بن العلاء بن عامر بن عميرة بن الوديعة بن الحارث بن فهر، ويقال: أميمة بنت جابر بن عبد العزى، ومن بني الحارث بن فهر، وهو أمين هذه الأمة، وقتل أبوه يوم بدر كافرا، ويقال: إنه هو الذي قتله، ومات أبو عبيدة وهو أمير على الشام من قبل عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، مات سنة ثمان عشرة في طاعون عمواس، وقبره بغور بيسان عند قرية تسمى: عمتا، وصلى عليه معاذ بن جبل.
4473 حدثنا عمرو بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا خالد عن أبي قلابة قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله قال إن لكل أمة أمينا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وعبد الأعلى أبو محمد السامي البصري، وخالد هو بن مهران الحذاء، وأبو قلابة، بكسر القاف وتخفيف اللام واسمه عبد الله بن زيد الجرمي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أبي الوليد وفي خبر الواحد عن سليمان بن حرب. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر وزهير. وأخرجه النسائي في المناقب عن حميد بن مسعدة.
قوله: (أميننا)، الأمين الثقة الرضا. قوله: (أيتها الأمة)، صورته صورة النداء، لكن المراد منه الاختصاص، أي: أميننا مخصوصين من بين الأمم أبو عبيدة، فعلى هذا يكون منصوبا على الاختصاص، وقال القاضي: هو بالرفع على النداء، والأفصح أن يكون منصوبا على الاختصاص، والأمانة مشتركة بين أبي عبيدة وغيره من الصحابة، لكن المقصود بيان زيادتها في أبي عبيدة والنبي صلى الله عليه وسلم، خص كل واحد من كبار الصحابة بفضيلة واحدة وصفه بها، فأشعر بقدر زائد فيها على غيره، يوضح ذلك ما رواه الترمذي من حديث قتادة عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح). ورواه ابن حبان أيضا.
5473 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران لأبعثن يعني عليكم يعني أمينا حق أمين فأشرف أصحابه فبعث أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه..
مطابقته للترجمة في قوله: (حق أمين). وأبو إسحاق عمر بن عبد الله السبيعي، وصلة، بكسر الصاد المهملة وتخفيف اللام: هو ابن زفر العبسي الكوفي، مات في زمن مصعب بن الزبير.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في خبر الواحد عن سليمان بن حرب وفي المغازي عن بندار وعن العباس بن سهيل، وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى وبندار عن إسحاق بن إبراهيم، وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم به وعن نصر بن علي وإسماعيل بن مسعود. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن بندار به وعن علي بن محمد.
قوله: (عن حذيفة)، قال أبو مسعود الدمشقي: هكذا قال يحيى بن آدم فيه: عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة، ويحيى إمام، وقال غيره: عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة عن ابن مسعود وحذيفة أصح. قوله: (لأهل نجران)

238
بفتح النون وسكون الجيم وبالراء: بلد باليمن وأهلها العاقب واسمه عبد المسيح والسيد وأبو الحارث بن علقمة وأخوه كرز وأوس وزيد بن قيس وشيبة وخويلد وعمرو وعبيد الله، وكان وفد نجران سنة تسع كما ذكره ابن سعد، وكانوا أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وكانوا نصارى ولم يسلموا إذ ذاك، ثم لم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى أتيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلما، وقال ابن إسحاق: قدم وفد نصارى نجران ستون راكبا، منهم أربعة وعشرون رجلا من أشرافهم وثلاثة منهم يؤول إليهم أمرهم وهم: العاقد والسيد وأبو حارثة أحد بني بكر بن وائل أسقفهم وصاحب مدارسهم، ولما دخلوا المسجد النبوي دخلوا في تجمل وثياب حسان وقد حانت صلاة العصر، فقاموا يصلون إلى المشرق، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم دعوهم، وكان المتكلم أبا حارثة والسيد والعاقب وسألوه أن يرسل معهم أمينا. فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح، وكان أبو حارثة يعرف أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكن صده الشرف والجاه عن اتباع الحق. قوله: (لأبعثن)، أي: لما سألوا أن يرسل إليهم أمينا قال: لأبعثن أمينا حق أمين. قوله: (يعني: عليكم، يعني: أمينا) رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: لأبعثن حق أمين، وفي رواية مسلم: لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين. قوله: (فأشرف أصحابه)، أي: تطلعوا إلى الولاية ورغبوا فيها حرصا على أن يكون هو الأمين الموعود في الحديث، لا حرصا على الولاية من حيث هي، وفي رواية مسلم: فاستشرف لها أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: (فبعث أبا عبيدة)، وفي رواية أبي يعلى: قم يا أبا عبيدة، فأرسله معهم.
((باب مناقب مصعب بن عمير))
أي: هذا باب في بيان مناقب مصعب. ذكر مناقب مصعب بن عميير ولم يذكر فيه شيئا، وكأنه لم يجد شيئا على شرطه وبيض له، وفي بعض النسخ: ذكر مصعب بن عمير ليس إلا. ومصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، يكنى أبا عبد الله، كان من أجلة الصحابة وفضلائهم، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد بعثه إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، وكان يدعى القارئ والمقرىء، ويقال: إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، وقتل يوم أحد شهيدا، قتله ابن قمية الليثي فيما قال ابن إسحاق وهو يومئذ ابن أربعين سنة، أو أزيد شيئا وأسلم بعد دخول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دار الأرقم، وكان بلغه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى الإسلام في دار الأرقم، فدخل وأسلم وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، وكان يختلف إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سرا فبصر به عثمان بن طلحة يصلي فأخبر به قومه وأمه فأخذوه فحبسوه، فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة وهاجر إلى أرض الحبشة في أول من هاجر إليها ثم شهد بدرا.
5473 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران لأبعثن يعني عليكم يعني أمينا حق أمين فأشرف أصحابه فبعث أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه..
مطابقته للترجمة في قوله: (حق أمين). وأبو إسحاق عمر بن عبد الله السبيعي، وصلة، بكسر الصاد المهملة وتخفيف اللام: هو ابن زفر العبسي الكوفي، مات في زمن مصعب بن الزبير.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في خبر الواحد عن سليمان بن حرب وفي المغازي عن بندار وعن العباس بن سهيل، وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى وبندار عن إسحاق بن إبراهيم، وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم به وعن نصر بن علي وإسماعيل بن مسعود. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن بندار به وعن علي بن محمد.
قوله: (عن حذيفة)، قال أبو مسعود الدمشقي: هكذا قال يحيى بن آدم فيه: عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة، ويحيى إمام، وقال غيره: عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة عن ابن مسعود وحذيفة أصح. قوله: (لأهل نجران) بفتح النون وسكون الجيم وبالراء: بلد باليمن وأهلها العاقب واسمه عبد المسيح والسيد وأبو الحارث بن علقمة وأخوه كرز وأوس وزيد بن قيس وشيبة وخويلد وعمرو وعبيد الله، وكان وفد نجران سنة تسع كما ذكره ابن سعد، وكانوا أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وكانوا نصارى ولم يسلموا إذ ذاك، ثم لم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى أتيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلما، وقال ابن إسحاق: قدم وفد نصارى نجران ستون راكبا، منهم أربعة وعشرون رجلا من أشرافهم وثلاثة منهم يؤول إليهم أمرهم وهم: العاقد والسيد وأبو حارثة أحد بني بكر بن وائل أسقفهم وصاحب مدارسهم، ولما دخلوا المسجد النبوي دخلوا في تجمل وثياب حسان وقد حانت صلاة العصر، فقاموا يصلون إلى المشرق، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم دعوهم، وكان المتكلم أبا حارثة والسيد والعاقب وسألوه أن يرسل معهم أمينا. فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح، وكان أبو حارثة يعرف أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكن صده الشرف والجاه عن اتباع الحق. قوله: (لأبعثن)، أي: لما سألوا أن يرسل إليهم أمينا قال: لأبعثن أمينا حق أمين. قوله: (يعني: عليكم، يعني: أمينا) رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: لأبعثن حق أمين، وفي رواية مسلم: لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين. قوله: (فأشرف أصحابه)، أي: تطلعوا إلى الولاية ورغبوا فيها حرصا على أن يكون هو الأمين الموعود في الحديث، لا حرصا على الولاية من حيث هي، وفي رواية مسلم: فاستشرف لها أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: (فبعث أبا عبيدة)، وفي رواية أبي يعلى: قم يا أبا عبيدة، فأرسله معهم.
((باب مناقب مصعب بن عمير))
أي: هذا باب في بيان مناقب مصعب. ذكر مناقب مصعب بن عميير ولم يذكر فيه شيئا، وكأنه لم يجد شيئا على شرطه وبيض له، وفي بعض النسخ: ذكر مصعب بن عمير ليس إلا. ومصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، يكنى أبا عبد الله، كان من أجلة الصحابة وفضلائهم، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد بعثه إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، وكان يدعى القارئ والمقرىء، ويقال: إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، وقتل يوم أحد شهيدا، قتله ابن قمية الليثي فيما قال ابن إسحاق وهو يومئذ ابن أربعين سنة، أو أزيد شيئا وأسلم بعد دخول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دار الأرقم، وكان بلغه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى الإسلام في دار الأرقم، فدخل وأسلم وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، وكان يختلف إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سرا فبصر به عثمان بن طلحة يصلي فأخبر به قومه وأمه فأخذوه فحبسوه، فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة وهاجر إلى أرض الحبشة في أول من هاجر إليها ثم شهد بدرا.
22
((باب مناقب الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما
((
أي: هذا باب في بيان مناقب أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين، رضي الله تعالى عنهما، وفضائلهما لا تعد ومناقبهما لا تحد. وترك الحسن الخلافة لله تعالى لا لعلة ولا لذلة ولا لقلة، وكان ذلك تحقيقا لمعجزة جده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: يصلح الله به بين طائفتين، وهما طائفته وطائفة معاوية، مات بالمدينة مسموما سنة تسع وأربعين ولم يكن بين ولادته وحمل الحسين إلا طهر واحد، وأما الحسين فقتله سنان، بكسر السين المهملة وبالنونين: ابن أنس النخعي يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، ويقال كان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثرين، وقيل: بعد ذلك، ومولد الحسين في شعبان سنة أربع من الهجرة في قول الأكثرين.
قال نافع بن جبير عن أبي هريرة عانق النبي صلى الله عليه وسلم الحسن
نافع بن جبير بن مطعم مر في الوضوء، وهذا التعليق قد مضى موصولا مطولا في كتاب البيوع في: باب ما ذكر في الأسواق.
22
((باب مناقب الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما
((
أي: هذا باب في بيان مناقب أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين، رضي الله تعالى عنهما، وفضائلهما لا تعد ومناقبهما لا تحد. وترك الحسن الخلافة لله تعالى لا لعلة ولا لذلة ولا لقلة، وكان ذلك تحقيقا لمعجزة جده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: يصلح الله به بين طائفتين، وهما طائفته وطائفة معاوية، مات
بالمدينة مسموما سنة تسع وأربعين ولم يكن بين ولادته وحمل الحسين إلا طهر واحد، وأما الحسين فقتله سنان، بكسر السين المهملة وبالنونين: ابن أنس النخعي يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، ويقال كان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثرين، وقيل: بعد ذلك، ومولد الحسين في شعبان سنة أربع من الهجرة في قول الأكثرين.
قال نافع بن جبير عن أبي هريرة عانق النبي صلى الله عليه وسلم الحسن
نافع بن جبير بن مطعم مر في الوضوء، وهذا التعليق قد مضى موصولا مطولا في كتاب البيوع في: باب ما ذكر في الأسواق.

239
6473 حدثنا صدقة حدثنا ابن عيينة حدثنا أبو أبو موساى عن الحسن سمع أبا بكرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين..
مطابقته للترجمة في قوله: (هذا سيد).
ذكر رجاله وهم خمسة: صدقة بن الفضل أبو الفضل المروزي وهو من أفراده، وابن عيينة هو سفيان بن عيينة، وأبو موسى إسرائيل بن موسى من أهل البصرة نزل الهند لم يروه عن الحسن غيره، والحسن هو البصري، وأبو بكرة اسمه نفيع، بضم النون وفتح الفاء: ابن الحارث بن كلدة الثقفي.
والحديث مضى في الصلح في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
8473 حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم قال حدثني حسين بن محمد حدثنا جرير عن محمد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي عليه السلام فجعل في طست فجعل ينكت وقال في حسنه شيئا فقال أنس كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوبا بالوسمة.
مطابقته للترجمة في قوله: (كان أشبههم برسول الله، صلى الله عليه وسلم).
ومحمد بن الحسين بن إبراهيم بن الحر أخو أبي الحسن علي بن أشكاب العامري البغدادي، مات يوم الثلاثاء يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ومائتين ببغداد، وهو من أفراده، والحسين بن محمد بن بهرام أبو أحمد التميمي المروزي المعلم، نزل ببغداد، مات سنة أربع عشرة ومائتين، وجرير ابن حازم، ومحمد هو ابن سيرين.
والحديث من أفراده.
قوله: (أتي) بضم الهمزة على صيغة المجهول. (وعبيد الله بن زياد) بن أبي سفيان وزياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف هو الذي ادعاه معاوية أخا لأبيه أبي سفيان فألحقه بنسبه، وهو الذي يقال له: زياد ابن أبيه، ويقال له: زياد بن سمية، بضم السين المهملة، وهي أمة كانت للحارث والد أبي بكرة نفيع، بضم النون وفتح الفاء. وقال ابن معين: ويقال لعبيد الله بن مرجانة وهي أمه، وقال غيره: وكانت مجوسية، وقال البخاري: وكانت مرجانة سبية من أصفهان، وكان زياد من أصحاب علي، رضي الله تعالى عنه، فلما استلحقه معاوية صار من أشد الناس بغضا لعلي بن أبي طالب وأولاده، وعبيد الله ابنه هو الذي سير الجيش لقتال الحسين، رضي الله تعالى عنه، وهو يومئذ أمير الكوفة ليزيد بن معاوية ابن أبي سفيان، وكان جيشه ألف فارس، ورأسهم الحر بن يزيد التميمي وعلى مقدمتهم الحصين بن نمير الكوفي، ثم جرى ما جرى فأخر الأمر قتل الحسين.
واختلفوا في قاتله، فقيل: الحصين بن نمير، وقيل: مهاجر بن أوس التميمي، وقيل: كثير

240
ابن عبد الله الشعبي، وقيل: شمر بن ذي الجوشن، وقيل: سنان بن أبي أوس بن عمرو النخعي، وهو الأشهر، فأخذ رأس الحسين ودفعه إلى خولي بن يزيد، وكان سنان طعنه فوقع، ثم قال لخولي: احتز رأسه، فأراد أن يفعل فارعد وضعف، فقال له سنان: فت الله عضدك، وأبان يديك، فنزل إليه فذبحه، وكان ذلك يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، ثم حملوا رأس الحسين ورؤوس القتلى من أصحابه إلى عبيد الله بن زياد وهو بالكوفة، وكانت الرؤوس اثنين وسبعين رأسا حمل خولي بن يزيد رأس الحسين، وحملت كندة ثلاثة عشر رأسا، وهوازن عشرين، وبنو تميم عشرين، وبنو أسد سبعة، ومذحج أحد عشر، وكان مع الرؤوس والسبايا شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس. فاقبلوا حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد، ثم نذكر الآن ما جرى بعد أن قدموا برأس الحسين على هذا اللعين عبيد الله ابن زياد.
قوله: (فجعل)، على صيغة المجهول أي: جعل رأس الحسين، رضي الله تعالى عنه، في طست، بفتح الطاء المهملة وسكون السين المهملة، قال الجوهري: الطست الطس بلغة طي أبدل من إحدى السينين تاء للاستثقال، وفي (المغرب) بالشين المعجمة: الطشت مؤنثة، وهي أعجمية، والطس تعريبها، والجمع طشاش وطشوش، وقد يقال: الطشوت. قوله: (فجعل ينكت)، أي: فجعل عبيد الله بن زياد ينكت أي: يضرب بقضيب على الأرض فيؤثر فيها، وهو بالتاء المثناة من فوق، وفي رواية الترمذي وابن حبان من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس: فجعل يقول بقضيب له في أنفه، وفي رواية الطبراني من حديث زيد بن أرقم: فجعل يجعل قضيبا في يده في عينيه وأنفه، فقلت: أرفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله، صلى الله عليه وسلم في موضعه. قوله: فقال في حسنه شيئا. وفي رواية الترمذي، رحمه الله: ما رأيت مثل هذا حسنا، لم يذكر، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي: أشبه أهل البيت، وزاد البزار من وجه آخر عن أنس، قال: فقلت له: إني رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يلثم حيث يقع قضيبك، قال: فانقبض. انتهى. وقال سبط ابن الجوزي: أما كان لرسول الله، صلى الله عليه وسلم على أنس من الحقوق أن ينكر على ابن زياد فعله ويقبح له ما وقع من قرع ثنايا الحسين بالقضيب؟ لكن الفحل زيد بن أرقم فإنه أنكر عليه، فروى الطبري عن أبي محنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم، قال: شهدت ابن زياد وهو ينكث بقضيب بين ثنيتيه ساعة، فلما رآه زيد بن أرقم لاهجه عن نكثه بالقضيب
، فقال له: أعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين، فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على هاتين الشفتين يقبلهما، ثم انفضح الشيخ يبكي. فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فقام وخرج فسمعت الناس يقولون: والله لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله، فقلت: ما الذي قال؟ قال: مر بنا وهو يقول: أنتم يا معاشر العرب عبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فبعدا لمن رضي بالذل والعار. قلت: فلله ذر زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي من أعيان الصحابة، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم، سبع عشرة غزوة، وشهد صفين مع علي بن أبي طالب وكان من خواص أصحابه، ومات بالكوفة سنة ست وستين، وقيل: ثمان وستين، ثم إن الله تعالى جازى هذا الفاسق الظالم عبيد الله بن زياد بأن جعل قتله على يدي إبراهيم بن الأشتر يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين على أرض يقال لها: الجازر، بينها وبين الموصل خمسة فراسخ، وكان المختار بن أبي عبيدة الثقفي أرسله لقتال ابن زياد، ولما قتل ابن زياد جيء برأسه وبرؤوس أصحابه وطرحت بين يدي المختار، وجاءت حية دقيقة تخللت الرؤوس حتى دخلت في فم ابن مرجانة وهو ابن زياد وخرجت من منخره ودخلت في منخره وخرجت من فيه، وجعلت تدخل وتخرج من رأسه بين الرؤوس، ثم إن المختار بعث برأس ابن زياد ورؤوس الذين قتلوا معه إلى مكة إلى محمد بن الحنفية، وقيل: إلى عبد الله بن الزبير، فنصبها بمكة وأحرق ابن الأشتر جثة ابن زياد وجثث الباقين. قوله: (وكان) أي: الحسين (مخضوبا بالوسمة) بفتح الواو وسكون السين المهملة، وجاء فتحها وهو نبت يختضب به يميل إلى سواد.

241
9473 حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا شعبة قال أخبرني عدي قال سمعت البراء رضي الله تعالى عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه يقول أللهم إني أحبه فأحبه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعدي، بفتح العين المهملة وكسر الدال: ابن ثابت الأنصاري مر في الإيمان.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن عبيد الله بن معاذ وعن أبي بكر بن نافع وبندار. وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار به وعن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي فيه عن علي بن الحسين الدرهمي.
قوله: (والحسن) الواو فيه للحال ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة الحسن أو الحسين بالشك، ثم ذكر أن أكثر أصحاب شعبة رووه، فقالوا: الحسن، بغير شك. قوله: (على عاتقه) اسم لما بين المنكب والعنق. قوله: (يقول) جملة حالية. قوله: (إني أحبه) بضم الهمزة وكسر الحاء. قوله: (فأحبه) بفتح الهمزة لأنه أمر من: أحب.
0573 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله قال أخبرني عمر بن سعيد بن أبي حسين عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال رأيت أبا بكر رضي الله تعالى عنه وحمل الحسن وهو يقول بأبي شبيه بالنبي ليس شبيه بعلي وعلي يضحك. (انظر الحديث 2453).
مطابقته للترجمة في قوله: (وحمل الحسن..) إلى آخره. وعبدان هو عبد الله لقب لعبدان، وقد تكرر ذكره، وعبد الله هو ابن المبارك وعمر بن سعيد بن أبي سعيد حسين القرشي النوفلي، يروي عن عبد الله بن أبي مليكة، بضم الميم وعقبة بضم العين وسكون القاف: ابن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف أبو سروعة القرشي المكي، سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أفراده.
قوله: (وحمل الحسن) الواو فيه للحال، وكذا الواو في قوله: (وهو يقول) قوله: (بأبي شبيه) وقد مر هذا في أول: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عقبة بن الحارث ومعنى: بأبي مفدى أي: هو مفدى بأبي، قوله: (شبيه) مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو شبيه بالنبي، قوله: (ليس شبيه) روي بالرفع وبالنصب، فوجه الرفع على أن: ليس، بمعنى: لا، العاطفة يعني: لا شبيه بعلي، وقال ابن مالك: أصله ليس شبيه، ويكون شبيه اسم: ليس، وخبرها الضمير المتصل المحذوف استغناء عن تلفظه بنيته، ووجه النصب على أن يكون اسم ليس هو الضمير الذي فيه وخبرها. قوله: (شبيها). فإن قلت: هذا يعارض قول علي، رضي الله تعالى عنه، في صفة النبي صلى الله عليه وسلم لم أر قبله ولا بعده مثله. قلت: يحمل المنفي على عموم الشبه، والمثبت على معظمه.
1573 حدثني يحيى بن معين وصدقة قالا أخبرنا محمد بن جعفر عن شعبة عن واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال أبو بكر ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. (انظر الحديث 3173).
هذا الحديث مر عن قريب في باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن عبد الوهاب عن خالد عن شعبة عن واقد بكسر القاف ابن محمد بن زيد ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب
2573 حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن أنس وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني أنس قال لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما.
مطابقته للترجمة من حيث إن الحسن إذا لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم منه كانت له منقبة عظيمة وفضل ظاهر، وإبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق الرازي، وقد مر في مواضع، وهشام بن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني يروي عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه.
وأخرج هذا مسندا ثم أخرجه معلقا

242
فقال: وقال عبد الرزاق... إلى آخره، وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمد بن يحيى الذهلي عن عبد الرزاق به، وقال: حسن صحيح. قيل: إنما قصد البخاري
بهذا التعليق بيان سماع الزهري له من أنس، وقيل: هذا يعارض ما رواه محمد بن سيرين عن أنس، وقد مضى عن قريب، ولفظه: كان، أي: الحسن أشبههم برسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووفق بينهما بأن الذي وقع في رواية الزهري هنا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يومئذ كان أشد شبها بالنبي صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين، والذي وقع في رواية ابن سيرين كان بعد ذلك، وقيل: إن المراد أن كلا منهما كان أشد شبها في بعض أعضائه فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانيء بن هانىء عن علي، قال: كان الحسن أشبه برسول الله، صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر والحسين أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل في ذلك.
3573 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن محمد بن أبي يعقوب سمعت ابن أبي نعم سمعت عبد الله بن عمر وسأله عن المحرم قال شعبة أحسبه يقتل الذباب فقال أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم هما ريحانتاي من الدنيا. (الحديث 3573 طرفه في: 4995).
مطابقته للترجمة من حيث إنه يتضمن فضل الحسين ظاهرا، وغندر هو محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي يعقوب هو محمد ابن أبي عبد الله بن أبي يعقوب الضبي البصري، وينسب إلى جده، وابن أبي نعم، بضم النون وسكون العين المهملة: الترمذي اسمه عبد الرحمن، يكنى أبا الحكم البجلي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه الترمذي في المناقب عن عقبة بن مكرم العمي الضبي.
قوله: (عن المحرم) أي: بالحج والعمرة، يعني: سأل رجل ابن عمر عن حال المحرم يقتل الذباب حالة الإحرام. وفي الأدب في رواية مهدي بن ميمون عن ابن أبي يعقوب، وسأله رجل، وقيل في رواية أبي ذر: فسألته، ورد هذا بأن في رواية الترمذي: أن رجلا من أهل العراق سأل. قوله: (قال شعبة: أحسبه يقتل الذباب) أي: أظنه سأل عن المحرم يقتل الذباب، ووقع في رواية أبي داود الطيالسي: عن شعبة بغير شك. فإن قلت: وقع في رواية مهدي ابن ميمون في الأدب: سئل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب؟ قلت: يحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين. قوله: (فقال أهل العراق) أي: قال عبد الله بن عمر... إلى آخره، إنما قال متعجبا حيث يسألون عن قتل الذباب ويتفكرون فيه، وقد كانوا اجترأوا على قتل الحسين بن علي وابن بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهذا شيء عجيب، يسألون عن الشيء اليسير ويفرطون في الشيء الخطر العظيم. قوله: (هما) أي: الحسن والحسين (ريحانتاي) كذا في رواية الأكثرين بالتثنية، وفي رواية أبي ذر بالإفراد والتذكير، أعني، هما ريحاني، وجه التشبيه أن الولد يشم ويقبل فكأنهم من جملة الرياحين، وقال الكرماني: الريحان الرزق أو المشموم. قلت: لا وجه هنا أن يكون بمعنى الرزق على ما لا يخفى، وروى الترمذي من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه، وروى الطبراني في (الأوسط) من طريق أبي أيوب، قال: (دخلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحسن والحسين يلعبان بين يديه، فقلت: أتحبهما يا رسول الله؟ قال: وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما؟).
32
((باب مناقب بلال بن رباح مولى أبي بكر رضي الله تعالى عنهما))
ورباح، بفتح الراء والباء الموحدة، واسم أمه حمامة، كانت لبعض بني جمح، وقد مضى بيانه في البيوع في: باب الشراء والبيع مع المشركين، وذكر ابن سعد أنه كان من مولدي الشراة، وكان أبو بكر اشتراه بخمس أواق.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة

243
هذا التعليق قطعة من حديث مضى في صلاة الليل، والدف، بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء: السير اللين، ويقال: الخفق، وإنما قال: بين يدي، ليبين أنه يفعل ذلك.
4573 حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر أخبرنا جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال كان عمر يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا.
مطابقته للترجمة من حيث إن عمر أطلق على بلال بالسيادة وهي منقبة عظيمة وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة دينار. قوله: (وأعتق سيدنا) السيد الأول حقيقة، والسيد الثاني مجاز، لأنه قاله تواضعا، ويقال: معناه أنه من سادة هذه الأمة وليس أنه أفضل من عمر، وقيل: إن السيادة لا تثبت إلا فضيلة.
5573 حدثنا ابن نمير عن محمد بن عبيد حدثنا إسماعيل عن قيس أن بلالا قال لأبي بكر إن كنت اشتريتني لنفسك فأمسكني وإن كنت إنما اشتريتني لله فدعني وعمل الله.
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: (فدعني وعمل الله) لأن كلامه هذا يدل على أن قصده التجرد إلى الله والاشتغال بعمله، وهو منقبة غير قليلة.
وابن نمير هو محمد بن عبد الله بن نمير، وقد ذكر غير مرة، ومحمد بن عبيد الطنافسي مر في بدء الخلق وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن حازم.
قوله: (إن كنت اشتريتني؟) إلى آخره هذه القول من بلال كان في خلافة أبي بكر، وصرح بذلك في رواية أحمد عن أبي أسامة عن إسماعيل بلفظ: قال بلال لأبي بكر حين توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (فدعني) أي: فاتركني، وفي رواية أبي أسامة: فذرني، وهو بمعنى: دعني. قوله: (وعمل الله) أي: مع عمل الله، وفي رواية الكشميهني: فدعني وعملي لله، وفي رواية أبي أسامة: فذرني أعمل لله، وذكر الكرماني: أراد بلال أن يهاجر من المدينة فمنعه أبو بكر إرادة أن يؤذن في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لا أريد المدينة بدون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا أتحمل مقام رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، خاليا عنه. وقال ابن سعد في (الطبقات): أن بلالا قال: رأيت أفضل عمل المؤمن الجهاد، فأردت أن أرابط في سبيل الله، وأن أبا بكر قال لبلال: أنشدك الله وحقي، فأقام معه بلال حتى توفي، فلما مات أذن له عمر، فتوجه إلى الشام مجاهدا، وتوفي بها في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وقيل: مات سنة عشرين، والله أعلم.
42
((باب ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما))
أي: هذا باب فيه ذكر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا العباس، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ومات بالطائف سنة ثمان وستين، وفي غالب النسخ ليس لفظ: باب، مذكورا وإنما لم يقل: مناقب ابن عباس، مثل غيره لأنه قد عقد له بابا في كتاب العلم حيث قال: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم علمه الكتاب، ثم ذكر عنه أنه قال: ضمني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم علمه الكتاب، وهذا منقبة عظيمة، واكتفى به عن ذكر لفظ: مناقب هنا.
6573 حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال أللهم علمه الحكمة حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث وقال اللهم علمه الكتاب حدثنا موساى حدثنا وهيب عن خالد مثله..
قد ذكرنا الآن أن هذا الحديث قد تقدم في كتاب العلم. وأخرجه هنا أيضا من ثلاث طرق. الأول: عن مسدد

244
عن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري عن خالد الحذاء عن عكرمة مولى ابن عباس. الثاني: عن أبي معمر، بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة: واسمه عبد الله بن عمرو المنقري التميمي المقعد عن عبد الوارث إلى آخره. الثالث: عن موسى ابن إسماعيل التبوذكي عن وهيب مصغر وهب بن خالد بن عجلان أبي بكر البصري عن خالد الحذاء.
قوله: (الحكمة) أي: العلم وقيل: إتقان الأمور، وفي بعض النسخ: والحكمة الإصابة من غير النبوة، قوله: (مثله) أي: مثل ما روى أبو معمر.
52
((باب مناقب خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب أبي سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة، بفتح الياء آخر الحروف والقاف والظاء القائمة: ابن مرة بن كعب، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر جميعا في مرة بن كعب، وكان من فرسان الصحابة، أسلم بين الفتح والحديبية، ويقال: قبل غزوة مؤتة بشهرين، وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان، وكان الفتح بعد ذلك في رمضان، وشهد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم مشاهد ظهرت فيها نجابته، ثم كان قتل أهل الردة على يديه، ثم فتوح البلاد الكبار، ومات على فراشه بحمص، وقيل بالمدينة، والأول أصح سنة إحدى وعشرين، وقال صاحب (التوضيح): قال الصديق، رضي الله تعالى عنه، حين احتضر والنسوة يبكين: دعهن تهريق دموعهن على أبي سليمان، فهل قامت النساء عن مثله؟ قلت: هذا غلط فاحش يظهر بالتأمل، وقال الزبير بن بكار: انقرض ولد خالد ولم يبق منهم أحد، وورثهم أيوب بن سلمة.
7573 حدثنا أحمد بن واقد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم..
مطابقته للترجمة في قوله: (حتى أخذ سيف من سيوف الله).
وأحمد بن واقد هو أحمد بن عبد الملك بن واقد، بكسر القاف: أبو يحيى الحراني، وينسب إلى جده، وأيوب السختياني.
والحديث قد مر في الجنائز عن أبي معمر وفي الجهاد عن يوسف ابن يعقوب الصفار وفي علامات النبوة عن سليمان بن حرب وفي المغازي عن أحمد بن واقد أيضا ومر الكلام فيه هناك، أعني: في الجنائز، وزيد هو ابن حارثة، وجعفر هو ابن أبي طالب، وابن رواحة هو عبد الله.
قوله: (تذرفان)، أي: تسيلان دمعا. قوله: (حتى أخذ)، ويروى أخذها، وأراد بسيف: خالد بن الوليد، ومن يومئذ سمي سيف الله، وقد أخرج ابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله تعالى صبه الله تعالى على الكفار).
62
((باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب سالم مولى أبي حذيفة. أما سالم، فقال أبو عمر: سالم بن معقل يكنى أبا عبد الله، كان من أهل فارس من إصطخر، وقيل: إنه من عجم الفرس، وكان من فضلاء الصحابة وكبارهم وهو معدود في المهاجرين لأنه لما أعتقه مولاته زوج أبي حذيفة وإلى أبا حذيفة وتبناه، فلذلك عد في المهاجرين، وهو معدود أيضا في الأنصار في بني عبيد لعتق مولاته الأنصارية زوج أبي حذيفة له، فهو يعد في قريش من المهاجرين لما ذكرنا، وفي الأنصار لما وصفنا، وفي العجم لما تقدم ذكره أيضا ويعد في القرآن أيضا مع ذلك، وكان يؤم المهاجرين بقباء فيهم عمر، رضي الله تعالى عنه، قبل أن يقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة
. وقد روي أنه هاجر مع عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وكان يفرط في الثناء عليه، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد آخى بينه وبين معاذ بن ماعص، وقيل: إنه آخى بينه وبين أبي بكر، ولا يصح. وروي عن

245
عمر أنه قال: لو كان سالم حيا ما جعلتها شورى. قال أبو عمر: هذا عندي على أنه كان يصدر فيها عن رأيه، والله أعلم. قال: وكان أبو حذيفة قد تبنى سالما، فكان ينسب إليه، ويقال: سالم بن أبي حذيفة حتى نزلت: * (ادعوهم لآبائهم) * (الأحزاب: 5). وكان سالم عبد الثبيتة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصارية، كانت من المهاجرات الأولى، ومن فضلاء نساء الصحابة. قلت: ثبيتة، بضم الثاء المثلثة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح التاء المثناة من فوق، وقيل: اسمها عمرة بنت يعار، وعن ابن إسحاق: اسمها سلمى بنت يعار، ويعار، بضم الياء آخر الحروف وفتحها وبالعين المهملة، وقال أبو عمر: شهد سالم مولى أبي حذيفة بدرا، وقتل يوم اليمامة شهيدا هو ومولاه أبو حذيفة، فوجد رأس أحدهما عند رجلي الآخر، وذلك سنة اثنتي عشرة من الهجرة، وأما أبو حذيفة فاختلف في اسمه، فقيل: مهشم، وقيل: هشيم، وقيل: هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، كان من فضلاء الصحابة من المهاجرين الأولين، جمع الله له الشرف والفضل، صلى القبلتين وهاجر الهجرتين وكان إسلامه قبل دخول رسول الله، صلى الله عليه وسلم دار الأرقم للدعاء فيها إلى الإسلام، وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية والمشاهد كلها، وقتل يوم اليمامة شهيدا كما ذكرناه الآن وهو ابن ثلاث أو أربع وخمسين سنة.
8573 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن مسروق قال ذكر عبد الله عند عبد الله بن عمر و فقال ذاك رجل لا أزال أحبه بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول استقرؤا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود فبدأ به وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل قال لا أدري بدأ بأبي أو بمعاذ..
مطابقته للترجمة في قوله: (وسالم مولى أبي حذيفة) وإبراهيم هو النخعي، ومسروق هو ابن الأجدع.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في مناقب أبي بن كعب عن أبي الوليد، وفي فضائل القرآن عن حفص بن عمرو في مناقب معاذ بن جبل عن محمد بن بشار وفي مناقب عبد الله بن مسعود عن حفص بن عمر. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن جماعة آخرين. وأخرجه الترمذي في المناقب عن هناد، وأخرجه النسائي فيه وفي فضائل القرآن عن بشر بن خالد وعن آخرين.
قوله: (ذكر)، على صيغة المجهول. قوله: (عبد الله)، أراد به عبد الله بن مسعود. قوله: (استقرئوا)، أي: اطلبوا القراءة من أربعة أنفس. قوله: (من عبد الله...) إلى آخره، بيان للأربعة. قوله: (فبدأ به) أي: بعبد الله بن مسعود، والتقديم يفيد الاهتمام بالمقدم وتفضيله على غيره، ووجه تخصيص هؤلاء الأربعة أنهم كانوا أكثر ضبطا للفظ القرآن وأتقن للأداء، وإن كان غيرهم أفقه في المعالي منهم، وقيل: لأنهم تفرغوا لأخذه منه مشافهة، وقيل: لأنه يؤخذ منهم، وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم، أراد الإعلام بما يكون بعده، وهذا لا يدل على أن غيرهم لم يجمعه. قوله: (أو بمعاذ)، ويروى: أو بمعاذ بن جبل.
72
((باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن مخزوم، ويقال: ابن شمخ بن فار بن مخزوم ابن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو عبد الرحمن الهذلي، وأمه أم عبد بنت عبد ود بن سواد من هذيل أيضا، أسلمت وصحبت وأبوه مات في الجاهلية، وعبد الله أسلم قديما، وقد روى ابن حبان من طريقه أنه كان سادس ستة في الإسلام، وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب نعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرناه عن قريب، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن بضع وستين سنة، وقيل: مات بالكوفة، والأول أصح.

246
247 - (حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سليمان قال سمعت أبا وائل قال سمعت مسروقا قال قال عبد الله بن عمرو إن رسول الله
لم يكن فاحشا ولا متفاحشا وقال إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا وقال استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل)
مطابقته للترجمة في قوله عبد الله بن مسعود * والحديث مر في الباب الذي قبله غير أنه زاد في هذا حديثا تقدم في صفة النبي
وسليمان هو الأعمش بن مهران وأبو وائل من الويل بالياء آخر الحروف اسمه شقيق قوله ' فاحشا ' أي متكلما بالقبيح ولا متفاحشا أي ولا متكلفا للتكلم به * 0
1673 حدثنا موساى عن أبي عوانة عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة دخلت الشأم فصليت ركعتين فقلت اللهم يسر لي جليسا صالحا فرأيت شيخا مقبلا فلما دنا قلت أرجو أن يكون استجاب الله قال من أين أنت قلت من أهل الكوفة قال أفلم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد المطهرة أو لم يكن فيكم الذي أجير من الشيطان أولم يكن فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره كيف قرأ ابن أم عبد والليل فقرأت والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى قال أقرأنيها النبي صلى الله عليه وسلم فاه إلى في فما زال هؤلاء حتى كادوا يردوني..
مطابقته للترجمة ظاهرة. و موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي، وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح بن عبد الله اليشكري، وال مغيرة بن مقسم الكوفي، و إبراهيم هو النخعي، و علقمة بن قيس النخعي، والحديث مر في: باب مناقب عمار وحذيفة، رضي الله تعالى عنهما، من طريقين ومر الكلام فيه هناك. قوله: (استجاب)
، أي: دعائي. قوله: (يردوني)، ويروى: يردونني، على الأصل أي من قراءة * (الذكر والأنثى) * (الليل: 3). إلى قراءة * (وما خلق الذكر والأنثى) * (الليل: 3).
2673 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمان بن يزيد قال سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه فقال ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد. (الحديث 2673 طرفه في: 7906).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، و عبد الرحمن بن يزيد من الزيادة النخعي أخو الأسد بن يزيد. والحديث أخرجه الترمذي في المناقب عن ابن بشار. وأخرجه النسائي فيه عن بندار.
قوله: (السمت)، وهو الهيئة الحسنة (والهدي) بفتح الهاء وسكون الدال: الطريقة والمذهب، و: الدل بفتح الدال المهملة وتشديف اللام: الشكل والشمائل، وكأنه مأخوذ مما يدل ظاهر حاله على حسن فعاله، وابن أم عبد هو: عبد الله بن مسعود، وهي اسم أمه وقد مر عن قريب.
3673 حدثني محمد بن العلاء حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق قال حدثني أبي عن أبي إسحاق قال حدثني الأسود بن يزيد قال سمعت أبا موساى الأشعري رضي الله تعالى عنه يقول قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ما نراى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما نري من دخوله ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم. (الحديث 3673 طرفه في: 4834).

247
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (لما نرى) إلى آخره. ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا وإبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي، يروى عن أبيه يوسف بن إسحاق وهو يروي عن جده أبي إسحاق السبيعي.
والحديث أخرجه البخاري في المغازي عن عبد الله بن محمد وإسحاق بن نصر. وأخرجه مسلم في الفضائل عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعن آخرين. وأخرجه الترمذي في المناقب عن أبي كريب به. وأخرجه النسائي فيه عن عبدة بن عبد الله وعن محمد بن بشار.
قوله: (قدمت أنا وأخي) قد ذكرنا في مناقب أبي بكر أن لأبي موسى أخوين: أبو رهم وأبو بردة، وقيل: إن له أخا آخر اسمه: محمد، وأشهرهم أبو بردة، بضم الباء الموحدة واسمه: عامر. قوله: (ما نرى) يجوز أن يكون حالا من فاعل: (مكثنا) ويجوز أن يكون صفة لقوله: (حينا). قوله: (لما نرى) اللام فيه للتعليل، وكلمة ما، مصدرية أي: لأجل رؤيتنا دخول عبد الله بن مسعود ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يدل على خصوصيته بملازمة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: دلالة على فضله وخيره.
82
((باب ذكر معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما))
أي: هذا باب فيه ذكر أبي عبد الرحمن بن معاوية بن أبي سفيان، واسمه: صخر، ويكنى أيضا أبا حنظلة بن حرب بن أبي أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فمعاوية وأبوه من مسلمة الفتح، وقيل: إنه أسلم زمن الحديبية وأسلمت أمه أيضا بعده، وكتب معاوية للنبي صلى الله عليه وسلم، وولي إمرة دمشق عن عمر بن الخطاب بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة، واستمر عليها بعد ذلك في خلافة عثمان ثم زمان محاربته لعلي والحسن، ثم اجتمع عليه الناس في سنة إحدى وأربعين إلى أن مات سنة ستين، فكانت ولايته ما بين إمارة ومحاربة ومملكة أكثر من أربعين سنة متوالية.
4673 حدثنا الحسن بن بشر حدثنا المعافى عن عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة قال أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لإبن عباس فأتى ابن عباس فقال دعه فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (الحديث 4673 طرفه في: 5673).
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر معاوية. وفيه: دلالة أيضا على فضله من حيث إنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم.
والحسن بن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: أبو مسلم بن المسيب أبو علي البجلي الكوفي، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين، والمعافى، بلفظ اسم المفعول من المعافاة، بالمهملة والفاء: ابن عمران الأزدي الموصلي، يكنى أبا مسعود، أحد الأعلام من الثقات النبلاء، ولقد لقي بعض التابعين وتلمذ لسفيان الثوري وكان يلقب: ياقوتة العلماء، وكان الثوري شديد التعظيم له، مات سنة خمس أو ست وثمانين ومائة، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وموضع آخر تقدم في الاستسقاء، وعثمان بن الأسود بن موسى المكي، وابن أبي مليكة عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة.
وأخرجه البخاري أيضا عن ابن أبي مريم عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة على ما يجيء الآن.
قوله: (وعنده مولى لابن عباس)، وهو: كريب روى ذلك محمد بن نصر المروزي في كتاب (الوتر) له من طريق ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن كريب. قوله: (فأتى ابن عباس فقال: دعه)، فيه حذف تقديره: فأتى ابن عباس فأخبره بذلك، فقال، الفاء فيه فصيحة، وهي التي تفصح عن المقدر المذكور. قوله: (دعه)، أي: اترك القول فيه والإنكار عليه فإنه صحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنه عارف بالفقه.
5673 حدثنا ابن أبي مريم حدثنا نافع بن عمر حدثني ابن أبي مليكة قيل ل ابن عباس هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة قال أصاب إنه فقيه. (انظر الحديث 4673).

248
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم عن نافع بن عمر بن عبد الله الجمحي، وقد تقدم في العلم. قوله: (إلا بواحدة) أي: بركعة واحدة
. قوله: (أصاب)، أي: السنة. قوله: (إنه) أي: إن معاوية (فقيه) يعني: يعرف أبواب الفقه.
6673 حدثني عمرو بن عباس حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت حمران بن أبان عن معاوية رضي الله تعالى عنه قال إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليهما ولقد نهى عنهما يعني الركعتين بعد العصر. (انظر الحديث 785).
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر معاوية، ولا يدل هذا على فضيلته. فإن قلت: قد ورد في فضيلته أحاديث كثيرة. قلت: نعم، ولكن ليس فيها حديث يصح من طريق الإسناد نص عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، فلذلك قال: باب ذكر معاوية، ولم يقل: فضيلة ولا منقبة.
وعمرو بن عباس أبو عثمان البصري وهو من أفراده، ومات في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين، ومحمد بن جعفر هو غندر، وأبو التياح، بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف: واسمه يزيد بن حميد الضبعي البصري، وحمران، بضم الحاء المهملة: ابن أبان، بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة: مولى عثمان بن عفان.
والحديث من أفراده، وقد مر هذا الحديث في كتاب الصلاة في: باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، وقد مر الكلام فيه هناك.
92
((باب مناقب فاطمة عليها السلام))
أي: هذا باب في بيان مناقب فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأمها خديجة بنت خويلد، ولدت فاطمة في الإسلام وكان مولدها وقريش تبني الكعبة، وكان بناء قريش الكعبة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسبع سنين وستة أشهر، وأنكحها رسول الله، صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، بعد وقعة أحد، وقيل: تزوجها بعد أن ابتني رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصفا وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف، وكان سنها يومئذ خمس عشرة وخمسة أشهر ونصفا، وكان سن علي يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر، وقال أبو عمر: فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، ولم يتزوج علي، رضي الله تعالى عنه، عليها غيرها حتى ماتت، وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة من الهجرة، وقال المدايني: وصلى عليها العباس، وقال الكرماني: غسلها علي وصلى عليها ودفنها ليلا بوصيتها. وقال أبو عمر: توفيت بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم بيسير، وقال محمد بن علي: بستة أشهر، وقال عمرو بن دينار: بثمانية أشهر، وقال ابن بريدة: عاشت بعد أبيها سبعين يوما.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة
هذا التعليق أخرجه البخاري في علامات النبوة، وقد مر الكلام فيه هناك وغيره.
7673 حدثنا أبو الوليد حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي يروي عن سفيان بن عيينة. والحديث مر في: باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم بأتم منه، ومضى الكلام فيه. قوله: (بضعة مني) بفتح الباء الموحدة وبضمها على قول، وبكسرها أيضا، واستدل به البيهقي على أن: من سبها فإنه يكفر.
03
((باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها))

249
أي: هذا باب في بيان فضل عائشة، رضي الله تعالى عنها، هي الصديقة بنت الصديق، رضي الله تعالى عنهما، قيل: إنما قال البخاري: ذكر معاوية ومناقب فاطمة وفضل عائشة لأنه أراد بذكر الفضل مراعاة لفظ الحديث في حقها. وأما الذكر فهو أعم من المناقب. وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس تزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بسنتين في قول أبي عبيدة، وقيل: قبلها بثلاث سنين، وقيل: بسنة ونصف، وهي بنت ست سنين وبنى بها بالمدينة بعد منصرفه من وقعة بدر في شوال سنة اثنتين من الهجرة وهي بنت تسع سنين، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولها نحو ثمان عشرة سنة، وعاشت بعده قريبا من خمسين سنة، وأكثر الناس الأخذ عنها ونقلوا عنها من الأحكام والآداب شيئا كثيرا، حتى قيل: إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها، روي لها عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم ألف حديث وعشرة أحاديث، ولم تلد للنبي صلى الله عليه وسلم، وسألته أن تكتني، فقال: إكتني بابن أختك، قالت: أم عبد الله.
8673 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال أبو سلمة إن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام فقلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته تراى ما لا أراى تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة من حيث إن سلام جبريل عليها يدل على أن لها فضلا عظيما، واستدل به بعضهم لفضل خديجة على عائشة لأن الذي ورد في حق خديجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إن جبريل يقرئك السلام من ربك)، وهنا: السلام من جبريل خاصة، ويحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري، وهذا روى له مسلم أيضا ويونس بن يزيد وأبو سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف، والحديث مر في بدء الخلق ومر الكلام فيه هناك. قوله: (يا عائش)، مرخم يجوز في الشين الضم والفتح. قوله: (ترى) خطاب لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأوضحه بقوله: تريد رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
9673 حدثنا آدم حدثنا شعبة قال وحدثنا عمر و أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
مطابقته للترجمة في قوله: (فضل عائشة) إلى آخره، وأخرج هذا الحديث من طريقين: الأول: عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن عمرو بن مرة... إلى آخره. الثاني: عن عمرو بن مرزوق عن شعبة عن عمرو بن مرة، بضم الميم وتشديد الراء: الأعمى الكوفي عن مرة الهمداني الكوفي عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، رضي الله تعالى عنه. والحديث مضى في قصة موسى في: باب قول الله تعالى: * (ضرب الله مثلا) * (إبراهيم: 42، النحل: 57، 67 و 211، الزمر: 92، التحريم: 01 و 11). الآية، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (كمل)، بتثليث الميم. قوله: (ولم يكمل)، أي: من نساء عصرها، وقال ابن حبان الأفضلية التي يدل عليها هذا الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لا يقع بينه وبين قوله: أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة، تعارض ظاهرا.
0773 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني محمد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الرحمان أنه سمع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبي القاسم القرشي العامري الأويسي المديني، ومحمد بن جعفر ابن أبي كثير، و عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم أبو طوالة الأنصاري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة

250
عن عمرو بن عون ومسدد. وأخرجه مسلم في الفضائل عن القعنبي وعن يحيى بن يحيى وقتيبة وعلي بن حجر. وأخرجه الترمذي في المناقب عن علي بن حجر. وأخرجه النسائي في الوليمة عن إسحاق بن إبراهيم. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن حرملة بن يحيى.
قوله: (الثريد)، في الأصل: الخبز المكسور، يقال: ثردت الخبز ثردا أي كسرته فهو ثريد ومثرود، والاسم: الثردة بالضم، وقال ابن الأثير في شرح هذا الموضع، قيل: لم يرد عين الثريد، وإنما أراد الطعام المتخذ من اللحم والثريد معا لأن الثريد غالبا لا يكون إلا من لحم، والعرب قلما تجد طبيخا، ولا سيما بلحم. ويقال: الثريد أحد اللحمين بل اللذة والقوة إذا كان اللحم نضيجا في المرق أكثر مما في نفس اللحم. انتهى. قلت: علم من هذا أن الثريد طعام متخذ من اللحم يكون فيه خبز مكسور، فلا يسمى اللحم المطبوخ وحده بدون الخبز المكسور ثريدا، ولا الخبز المكسور وحده بدون اللحم ثريدا. والظاهر أن فضل الثريد على سائر الطعام إنما كان في زمنهم لأنهم قلما كانوا يجدون الطبيخ، ولا سيما إذا كان باللحم، وأما في هذا الزمان فأطعمة معمولة من أشياء كثيرة متنوعة فيها من أنواع اللحوم ومعها أنواع من الخبز الحواري، فلا يقال: إن مجرد اللحم مع الخبز المكسور أفضل من هذه الأطعمة المختلفة الأجناس والأنواع، وهذا ظاهر لا يخفى.
1773 حدثني محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد حدثنا ابن عون عن القاسم بن محمد أن عائشة اشتكت فجاء ابن عباس فقال يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر.
مطابقته للترجمة من حيث إن ابن عباس قطع لعائشة بدخول الجنة، إذ لا يقال ذلك إلا بتوقيف، وهذه فضيلة عظيمة. وابن عون، بفتح العين المهملة وسكون الواو: عبد الله البصري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن ابن المثنى نحوه.
قوله: (اشتكت)، أي: ضعفت. قوله: (تقدمين)، بفتح الدال. قوله: (على فرط)، بفتح الفاء والراء: وهو المتقدم من كل شيء. ويقال: الفرط الفارط أي: السابق إلى الماء والمنزل. قوله: (صدق)، صفة فرط أي: صادق، وهو عبارة عن الحسن. قال تعالى: * (في مقعد صدق) * (القمر: 55). قوله: (على رسول الله، صلى الله عليه وسلم) بدل منه بتكرير العامل، وحاصل المعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قد سبقاك وأنت تلحقينهما، وهما قد هيئا لك المنزل في الجنة فلا تحملي الهم وافرحي بذلك.
2773 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن الحكم سمعت أبا وائل قال لما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولاكن الله ابتلاكم تتبعونه أو إياها.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إنها) أي: إن عائشة (زوجته) أي: زوجة النبي صلى الله عليه وسلم (في الدنيا والآخرة) وفي هذا فضل عظيم لها.
وغندر هو محمد بن جعفر، والحكم هو ابن عتيبة وأبو وائل هو شقيق. قوله: (بعث علي) أي: علي بن أبي طالب، وكان علي رضي الله تعالى عنه، بعث عمار بن ياسر والحسن ابنه إلى الكوفة لأجل نصرته في مقاتلة كانت بينه وبين عائشة بالبصرة، ويسمى: بيوم الجمل، بالجيم. قوله: (ليستنفرهم)، أي: ليستنجدهم ويستنصرهم من الاستنفار وهو الاستنجاد والاستنصار. قوله: (خطب)، جواب: لما. قوله: (أنها:) أي أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة. وروى ابن حبان من طريق سعيد بن كثير عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قوله: (تتبعونه)، أي: تتبعون عليا أو تتبعون إياها، أي: عائشة. قيل: الضمير المنصوب في: تتبعونه، يرجع إلى الله تعالى، والمراد باتباع حكمه الشرعي في طاعة الإمام وعدم الخروج عليه. فإن قلت: خاطب الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: * (قرن في بيوتكن) * (الأحزاب: 33). ولهذا قالت أم سلمة: لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى الله تعالى. قلت: كانت عائشة،

251
رضي الله تعالى عنها، متأولة هي وطلحة والزبير، وكان مرادهم إيقاع الإصلاح بين الناس وأخذ القصاص من قتلة عثمان، رضي الله تعالى عنه.
3773 حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذالك إليه فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة..
مطابقته للترجمة تفهم من قوله: (جزاك الله خيرا) إلى آخره. وأبو أسامة حماد بن أسامة يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير. والحديث مرسل لأن عروة تابعي والحديث مر بطوله في أول كتاب التيمم.
قوله: (من أسماء)، هي أخت عائشة، والقلادة والعقد بكسر العين واحد، وهو كل ما يعقد ويعلق في العنق. فإن قلت: قالت في الرواية الأخرى: عقدا لي وهذا يخلف قولها: استعارت. قلت: لا مخالفة في الحقيقة لأنها ملك لأسماء وإضافته في تلك الرواية إلى نفسها لكونه في يدها. قوله: (فهلكت)، أي: ضاعت. قوله: (أسيد)، بضم الهمزة وفتح السين (وحضير)، بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة: الأنصاري الصحابي. قوله: (فصلوا بغير وضوء)، قال النووي: فيه دليل على أن من عدم الماء والتراب يصلي على حاله، وللشافعي فيه أربعة أقوال، أصحها: أنه يجب عليه أن يصلي ويجب أن يعيدها. والثاني: تحرم عليه الصلاة وتجب الإعادة. والثالث: لا تجب عليه ولكن تستحب ويجب القضاء. الرابع: تجب الصلاة ولا تجب الإعادة، وهذا مذهب المزني، وعند أبي حنيفة: يمسك عن الصلاة ولا يجب عليه التشبه، وعند أبي يوسف ومحمد: يجب التشبه، ولا خلاف في القضاء.
4773 حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول أين أنا غدا أين أنا غدا حرصا على بيت عائشة قالت عائشة فلما

252
كان يومي سكن..
هذا الإسناد بعين الإسناد الأول وهو أيضا مرسل، قيل: ظاهره كذا، ولكن قول عائشة في آخر الحديث: قالت عائشة، يوضح أن كله موصول.
قوله: (في مرضه) أي: مرضه الذي مات فيه، وفي رواية مسلم: قالت: إن كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم ليتفقد، يقول: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة، وهنا حرصا أي: لأجل حرصه على بيت عائشة. قوله: (فلما كان يومي سكن)، قال الكرماني: أي: مات أو سكت عن هذا القول، وقال بعضهم: الثاني هو الصحيح، والأول خطأ صريح. قلت: الخطأ الصريح تخطئته، لأن في رواية مسلم: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري، والسحر، بفتح السين وضمها وإسكان الحاء: الرئة وما تعلق بها.
5773 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد حدثنا هشام عن أبيه قال كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت عائشة فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان أوحيت ما دار قالت فذكرت ذالك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذاك فأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (لا تؤذيني في عائشة) إلى آخره. وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري، مات في سنة ثمان وعشرين ومائتين وهو من أفراده، وحماد هو ابن زيد، وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير. والحديث مر في كتاب الهبة في: باب قبول الهدية، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (يتحرون)، أي: يقصدون ويجتهدون. قوله: (وإنا نريد الخير)، بنون المتكلم مع الغير، وأم سلمة أم المؤمنين واسمها: هند، وقد مر غير مرة. قوله: (فمري) أي: قولي، وبه يستدل على أن العلو والاستعلاء لا يشترط في الأمر. قوله: (في لحاف)، وهو اسم ما يتغطى به، قال الكرماني: والمعتنون بهذا الكتاب من الشيوخ، رضي الله تعالى عنهم، ضبطوه فقالوا: ههنا منتصف الكتاب، أي: كتاب البخاري. وباب مناقب الأنصار هو ابتداء النصف الأخير منه.
1
((باب مناقب الأنصار))
أي: هذا باب في مناقب الأنصار، والأنصار جمع نصير مثل شريف وأشراف، والنصير الناصر وجمعه: نصر مثل صاحب وصحب، والأنصار اسم إسلامي سمي به النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج وحلفاءهم، والأوس ينتسبون إلى أوس بن حارثة، والخزرج ينتسبون إلى الخزرج بن حارثة، وهما ابنا قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة، وقيل: قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد ابن قضاعة، وأبوهما حارثة بن ثعلبة من اليمن.
وقول الله عز وجل * (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) * (الحشر: 9).
وقول الله عز وجل، بالجر عطفا على قوله: مناقب الأنصار، لأنه مضاف مجرور بإضافة الباب إليه، وفي النسخ التي لم يذكر فيها لفظ: باب، يكون مرفوعا، لأنه يكون عطفا على لفظ: المناقب أيضا لأنه حينئذ يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا مناقب الأنصار، يعني: هذا الذي نذكره مناقب الأنصار. قوله: والذين تبوؤا) * (الحشر: 9). أي: اتخذوا ولزموا، والتبوؤ في الأصل التمكن والاستقرار، والمراد بالدار: دار الهجرة نزلها الأنصار قبل المهاجرين وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، بسنتين فأحسن الله عليهم الثناء. قوله: (والإيمان) فيه إضمار أي: وآثروا الإيمان، وهذا من قبيل قول الشاعر:
علفتها تبنا وماء باردا
وزعم محمد بن الحسن بن زبالة أن الإيمان اسم من أسماء المدينة، واحتج بالآية، ولا حجة له فيها، لأن الإيمان ليس بمكان. قوله: (من قبلهم) أي: من قبل المهاجرين. قوله: (يحبون من هاجر إليهم) أي: من المسلمين حتى بلغ من محبتهم أن نزلوا لهم عن نسائهم وشاطروهم أموالهم ومساكنهم. قوله: (حاجة) أي: حسدا وغيظا مما أوتي المهاجرون، وقد مر شيء من ذلك في أوائل مناقب عثمان، رضي الله تعالى عنه.
6773 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا غيلان بن جرير قال قلت لأنس أرأيتم اسم الأنصار كنتم تسمون به أم سماكم الله قال بل سمانا الله كنا ندخل على أنس فيحدثنا مناقب الأنصار ومشاهدهم ويقبل علي أو على رجل من الأزد فيقول فعل قومك يوم كذا وكذا وكذا وكذا. (الحديث 6773 طرفه في: 4483).
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث. والحديث أخرجه البخاري أيضا في آخر أيام الجاهلية عن أبي النعمان محمد بن الفضل. وأخرجه النسائي في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: (أرأيتم؟) أي: أخبروني أنكم قبل القرآن كنتم تسمون بالأنصار أم لا؟ قوله: (بل سمانا الله)، كما في قوله تعالى: * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) * (التوبة: 011). قوله:

253
(كنا ندخل على أنس) أي: بالبصرة. قوله: (فيقبل علي) أي: مخاطبا لي، من الإقبال، و: علي، بتشديد الياء. قوله: (أو على رجل)، شك من الراوي، أي: أو يقبل أنس على رجل من الأزد، والظاهر أن المراد هو غيلان المذكور لأنه من الأزد، ويحتمل أن يكون غيره من الأزد. فإن قلت: فعلى التقديرين: قال أنس: فعل قومك، بالخطاب إلى غيلان أو غيره من الأزد بقوله: قومك، وليس قومه من الأنصار؟ قلت: هذا باعتبار النسبة الأعمية إلى الأزد، فإن الأزد يجمعهم قوله: (فعل قومك كذا)، أي: يحكي ما كان من مآثرهم في المغازي ونصر الإسلام. قوله: (كذا وكذا) واعلم أن: كذا، ترد على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنيا بها عن غير عدد، وهذا هو المراد به هنا، كما جاء في الحديث: يقال للعبد يوم القيامة: أتذكر يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا؟.
7773 حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملأهم وقتلت سرواتهم وجرحوا فقدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم في الإسلام.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث مثل ما في الحديث السابق، وسنده بعينه مضى في الباب السابق، والحديث أخرجه البخاري أيضا في الهجرة عن عبيد الله بن سعيد.
ذكر معناه: قوله: (بعاث) بضم الباء الموحدة وتخفيف العين المهملة وفي آخره ثاء مثلثة: وهو يوم من أيام الأوس والخزرج معروف، وقال العسكري: روى بعضهم عن الخليل بن أحمد بالغين المعجمة، وقال أبو منصور الأزهري: صحفه ابن المظفر، وما كان الخليل ليخفى عليه هذا اليوم لأنه من مشاهير أيام العرب، وإنما صحفه الليث وعزاه إلى الخليل نفسه وهو لسانه، وذكر النووي أن أبا عبيدة معمر بن المثنى ذكره أيضا بغين معجمة، وحكى القزاز في (الجامع): أنه يقال بفتح أوله أيضا، وذكر عياض: أن الأصيلي رواه بالوجهين، يعني بالعين المهملة والمعجمة، وأن الذي وقع في رواية أبي ذر بالغين المعجمة وجها واحدا، وهو مكان، ويقال: إنه حصن على ميلين من المدينة، وقال ابن قرقول: يجوز صرفه وتركه. قلت: إذا كان اسم يوم يجوز صرفه، وإذا كان اسم بقعة يترك صرفه للتأنيث والعلمية. وقال أبو موسى المديني: بعاث، حصن للأوس، وقال ابن قرقول: وهو على ليلتين من المدينة، وكانت به وقعة عظيمة بين الأوس والخزرج قتل فيها كثير منهم، وكان رئيس الأول فيه حضير والد أسيد بن حضير، وكان يقال له: حضير الكتائب وكان فارسهم، ويقال: إنه ركز الرمح في قدمه يوم بعاث، وقال: أترون أني أفر؟ فقتل يومئذ، وكان له حصن منيع يقال له: وأقم، وكان رئيس الخزرج يومئذ، وكان ذلك قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بأربعين سنة، وقيل: بأكثر من ذلك. وقال في (الواعي): بقيت الحرب بينهم قائمة مائة وعشرين سنة حتى جاء الإسلام. وفي (الجامع): كأنه سمى بعاثا لنهوض القبائل بعضها إلى بعض، وقال أبو الفرج الأصبهاني: إن سبب ذلك أنه كان من قاعدتهم أن الأصيل لا يقتل بالحليف، فقتل رجل من الأوس حليفا للخزرج، فأرادوا أن يقيدوه فامتنعوا، فوقعت بينهم الحرب لأجل ذلك. قوله: (يوما قدمه الله لرسوله) أي: قدم ذلك اليوم لأجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان أشرافهم أحياء لاستكبروا عن متابعة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولمنع حب رياستهم عن دخول رئيس عليهم، فكان ذلك من جملة مقدمات الخير، وذكر أبو أحمد العسكري في (كتاب الصحابة): قال بعضهم: كان يوم بعاث قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، بخمس سنين. قوله: (فقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، أي: المدينة. (وقد افترق) الواو فيه للحال. قوله: (ملأهم) أي: جماعتهم. قوله: (سرواتهم)، بفتح السين المهملة والراء والواو أي: خيارهم وأشرافهم، والسروات جمع السراة وهو جمع السري وهو السيد الشريف الكريم، وقال ابن الأثير: السري النفيس الشريف، وقيل: السخي ذو مروءة، والجمع سراة بالفتح على غير قياس، وقد تضم السين، والاسم منه السرو. انتهى. قلت: السرو سخاء في مروءة، يقال: سرا

254
يسرو، وسرى بالكسر يسري سروا فيهما، وسر ويسر وسراوة، أي: صار سريا. قال الجوهري: جمع السري سراة وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة، ولا يعرف غيره. (وجرحوا) بضم الجيم وكسر الراء، من الجرح، ويروى: وحرجوا بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبالجيم من: الحرج، وهو في الأصل: الضيق، ويقع على الإثم والحرام، وقيل: الحرج أضيق الضيق. قوله: (فقدمه الله) أي: فقدم الله ذلك اليوم. (لرسوله) أي: لأجله. قوله: (في دخولهم في الإسلام) كلمة: في، هنا للتعليل أي: لأجل دخولهم، أي: دخول الأنصار الذين بقوا من الذين قتلوا يوم بعاث في الإسلام، وجاء في بمعنى التعليل في القرآن والحديث، أما
القرآن فقوله تعالى: * (فذلكن الذي لمتنني فيه) * (يوسف: 23). وأما الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم: (إن امرأة دخلت النار في الهرة).
8773 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أنسا رضي الله تعالى عنه يقول قالت الأنصار يوم فتح مكة وأعطى قريشا والله إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دماء قريش وغنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار قال فقال ما الذي بلغني عنكم وكانوا لا يكذبون فقالوا هو الذي بلغك قال أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم..
مطابقته للترجمة في قوله: (قال: أولا ترضون...) إلى آخره، فإن فيه منقبة عظيمة لهم. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك، وأبو التياح، بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة: واسمه يزيد بن حميد الضبعي البصري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن سليمان بن حرب. وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن الوليد. وأخرجه النسائي في المناقب عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: (يوم فتح مكة)، يعني: عام فتح مكة، لأن الغنائم المشار إليها كانت غنائم حنين وكان ذلك بعد الفتح بشهرين. قوله: (وأعطى قريشا)، الواو فيه للحال. قوله: (والله) إلى قوله: (ترد عليهم) مقول الأنصار. قوله: (إن هذا) إشارة إلى الإعطاء الذي دل عليه، قوله: وأعطى قريشا. قوله: (إن سيوفنا تقطر من دماء قريش) فيه من أنواع البديع القلب نحو: عرضت الناقة على الحوض، والأصل: دماؤهم تقطر من سيوفنا، هكذا قالوا: ويجوز أن يكون على الأصل، ويكون المعنى: إن سيوفنا من كثرة ما أصابها من دماء قريش تقطر دماءهم. قوله: (وكانوا لا يكذبون) يعني الأنصار. قوله: (هو الذي بلغك) يعني: الذي بلغك نحن قلناه ولا ننكر. قوله: (لسلكت) أراد بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم من حسن الجوار والوفاء بالعهد، لا متابعة لهم، لأنه هو المتبوع المطاع المفترض الطاعة والمتابعة له واجبة على كل مؤمن ومؤمنة. قوله: (أو شعبهم) بكسر الشين وسكون العين المهملة: وهو الطريق في الجبل، ويجمع على: شعاب، وأما الشعب، بالفتح فهو: ما تشعب من قبائل العرب والعجم، ويجمع على: شعوب.
2
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت من الأنصار قاله عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب يذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره. وقال محيي السنة: ليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي، ومعناه: لولا أن الهجرة أمر ديني وعبادة مأمور بها لانتسبت إلى داركم، والغرض منه التعريض بأنه لا فضيلة أعلى من النصرة بعد الهجرة، وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغا لولا أنه من المهاجرين لعد نفسه من الأنصار، رضي الله تعالى عنهم، وتلخيصه: لولا فضلي على الأنصار بالهجرة لكنت واحدا منهم. قوله: (قاله عبد الله بن زيد) أي: ابن عاصم بن كعب أبو محمد الأنصاري البخاري المازني، رضي الله تعالى عنه، وأخرج هذا المعلق بتمامه موصولا في المغازي في: باب غزوة الطائف، عن موسى بن إسماعيل عن وهيب

255
عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم، قال: لما أفاء الله على رسوله... الحديث. وفيه: (لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار).
9773 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم لو أن الأنصار سلكوا واديا أو شعبا لسلكت في وادي الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار: فقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه ما ظلم بأبي وأمي آووه ونصروه أو كلمة أخراى.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه جزءا هو الترجمة. وغندر، بضم الغين المعجمة: هو محمد بن جعفر، وقد مر غير مرة. والحديث أخرجه النسائي في المناقب نحوه عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة به.
قوله: (ما ظلم) أي: رسول الله، صلى الله عليه وسلم في هذا القول. قوله: (بأبي وأمي) أي: هو مفدى بأبي وأمي. قوله: (آووه) بيان لما قبله من الإيواء أي: آوى الأنصار رسول الله، صلى الله عليه وسلم بمعنى ضموه إليهم وأحاطوا به واتخذوا له منزلا. قوله: (أو كلمة أخرى) أي: قال أبو هريرة كلمة أخرى مع قوله: آووه ونصروه، وهي قوله: وواسوه بالمال وأصحابه أيضا بأموالهم.
3
((باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار))
هذا باب في بيان إخاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من قولهم: وآخاه موآخاة وإخاء أي: اتخذه أخا.
0873 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال لما قدموا المدينة آخاى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمان بن عوف وسعد بن الربيع قال لعبد الرحمان إني أكثر الأنصار مالا فأقسم مالي نصفين. ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها قال بارك الله لك في أهلك ومالك أين سوقكم فدلوه على سوق بن قينقاع فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن ثم تابع الغدو ثم جاء يوما وبه أثر صفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهيم قال تزوجت قال كم سقت إليها قال نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب شك إبراهيم. (انظر الحديث 8402).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم عن جده عبد الرحمن بن عوف.
والحديث مر في أول كتاب البيوع فإنه أخرجه هناك: عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد إلى آخره.
قوله: (وسعد بن الربيع) بفتح الراء ضد الخريف الخزرجي الأنصاري العقبي النقيب البدري، استشهد يوم أحد، رضي الله تعالى عنه، وقينقاع، بفتح القافين وسكون الياء آخر الحروف وضم النون، وفي آخره عين مهملة. قوله: (الغدو) والغدوات كقوله تعاى: * (بالغدو والآصال) * (الأعراف: 502، الرعد: 51، النور: 63). أي: فعل مثله في كل صبيحة يوم. قوله: (مهيم؟) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره ميم، أي: ما حالك وما شأنك وما الخبر؟ قوله: (نواة)، وهي: خمسة دراهم. قوله: (أو وزن)، شك من الراوي، وهو إبراهيم بن سعد المذكور.
1873 حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال قدم علينا عبد الرحمان بن عوف وآخاى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد

256
ابن الربيع وكان كثير المال فقال سعد قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالا سأقسم مالي بيني وبينك شطرين ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتها فقال عبد الرحمان بارك الله لك في أهلك فلم يرجع يومئذ حتى أفضل شيئا من سمن وأقط فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه وضر من صفرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مهيم قال تزوجت امرأة من الأنصار فقال ما سقت فيها قال وزن نواة من ذهب أو نواة من ذهب فقال أولم ولو بشاة..
مطابقته للترجمة في قوله: وآخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد، وإسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم الأنصاري المديني، كان يكون ببغداد مات سنة ثمانين ومائة، وبعضه مر في كتاب الكفالة في: باب قول الله تعالى: * (والذين عاقدت إيمانكم) * (النساء: 33). بعين هذا الإسناد.
قوله: (وضر) بفتح الواو والضاد المعجمة وبالراء أي: لطخ من الطيب ونحوه، وأكثر المباحث تقدم هناك. وفيه: الأمر بالوليمة والأشهر استحبابها وهي: الطعام الذي يصنع عند العرس.
2873 حدثنا الصلت بن محمد أبو همام قال سمعت المغيرة بن عبد الرحمان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قالت الأنصار اقسم بيننا وبينهم النخل قال لا قال تكفونا المؤونة وتشركونا في التمر قالوا سمعنا وأطعنا..
مطابقته للترجمة في قوله: (سمعنا وأطعنا) وأبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز. والحديث مر في المزارعة في: باب إذا قال إكفني مؤونة النخل، فإنه أخرجه هناك: عن الحكم بن نافع عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
قوله: (وبينهم) يعني: وبين المهاجرين. قوله: (تكفونا) ويروى: تكفوننا، على الأصل، وكذا الوجهان في (تشركونا) قوله: (قالوا) أي: الأنصار، رضي الله تعالى عنهم.
4
((باب حب الأنصار من الإيمان))
أي: هذا باب في بيان حب الأنصار.
4873 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عبد الرحمان بن عبد الله بن جبر عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار. (انظر الحديث 71).

257
مضى الحديث في كتاب الإيمان في: باب علامة الإيمان حب الأنصار، فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبر عن أنس... إلى آخره. وعبد الله بن عبد الله هو الصحيح، وما وقع عن عبد الله بن عبد الله ابن جبر لا يصح، وقال ابن منجويه: أهل العراق يقولون في جده: جبر، ولا يصح، وإنما هو جابر بن عتيك الأنصاري المدني.
5
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلي))
أي: هذا باب يذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: أنتم أحب الناس إلي، والحكم بأحبية الأنصار إليه من الناس لا ينافي أحيية أحد إليه من غير الأنصار، لأن الحكم للكل بشيء لا ينافي الحكم به لفرد من أفراده، فلا تعارض بينه وبين قوله: أبو بكر، في جواب: من أحب الناس إليك؟ فافهم.
5873 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله تعالى عنه قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم النساء والصبيان مقبلين قال حسبت أنه قال من عرس فقام النبي صلى الله عليه وسلم ممثلا فقال اللهم أنتم من أحب الناس إلي قالها ثلاث مرار. (الحديث 5873 طرفه في: 0815).
مطابقته للترجمة في قوله: (أنتم من أحب الناس إلي) وأبو معمر، بفتح الميمين: عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعدي البصري، وعبد الوارث هو ابن سعيد، وعبد العزيز بن صهيب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن عبد الرحمن بن المبارك.
قوله: (حسبت)، الشك فيه من الراوي: والعرس، بضم العين المهملة وهو طعام الوليمة يذكر ويؤنث. قوله: (ممثلا)، بضم الميم الأولى وفتح الثانية وكسر الثاء
المثلثة من باب التفعيل، أي: منتصبا قائما، قال ابن التين: كذا وقع رباعيا والذي ذكره أهل اللغة: مثل الرجل، بفتح الميم وضم المثلثة: مثولا إذا انتصب قائما، ثلاثي. انتهى. قلت: كان غرضه الإنكار على الذي وقع هنا وليس بموجه، لأن: ممثلا، معناه هنا: مكلفا نفسه ذلك، وطالبا ذلك، فلذلك عدى فعله، وأما مثل، الذي هو ثلاثي فهو لازم غير متعد، وفي رواية النكاح: ممتنا، بفتح التاء المثناة من فوق وبالنون: من المنة أي: متفضلا عليهم.
6873 حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة قال أخبرني هشام ابن زيد قال سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي مرتين.
الترجمة مذكورة في الحديث، ويعقوب المذكور هو الدورقي وهو شيخ مسلم أيضا، وهشام بن زيد بن أنس بن مالك سمع جده أنسا.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن بندار عن غندر وفي النذور عن إسحاق عن وهب بن جرير. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى وبندار وعن يحيى بن حبيب وعن أبي بكر بن أبي شيبة. وأخرجه النسائي في المناقب عن أبي كريب به وعن محمد بن عبد الأعلى.
قوله: (فكلمها رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أي: ابتدأها بالكلام تأنيسا لها، ويحتمل أنه أجابها عما سألته.
6
((باب اتباع الأنصار))
أي: هذا باب في اتباع الأنصار، بفتح الهمزة جمع تبع، وأراد بهم الحلفاء والموالي لأنهم أتباع الأنصار وليسوا بأنصار.
7873 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عمر و سمعت أبا حمزة عن زيد بن أرقم قالت الأنصار لكل نبي أتباع وإنا قد اتبعناك فادع الله أن يجعل أتباعنا

258
منا فدعا به فنميت ذلك إلى ابن أبي ليلى قال قد زعم ذلك زيد. (الحديث 7873 طرفه في: 8873).
مطابقته للترجمة تظهر من معناه، وعمرو هو ابن مرة بن عبد الله أبو عبد الله الجملي أحد الأعلام الكوفي الضرير، قال أبو حاتم: ثقة يرى الإرجاء، مات سنة ست عشرة ومائة، وأبو حمزة، بالحاء المهملة والزاي: اسمه طلحة بن يزيد من الزيادة مولى قرظة بن كعب الأنصاري، و: قرظة، بفتح القاف والراء والظاء المعجمة، صحابي معروف وهو ابن كعب بن ثعلبة ابن عمرو بن كعب بن عامر بن زيد مناة أنصاري خزرجي، مات في ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية، وذلك في حدود سنة خمسين.
قوله: (أن يجعل أتباعنا منا) أي: يقال لهم الأنصار، حتى تتناولهم الوصية بهم بالإحسان إليهم ونحو ذلك. قوله: (فدعا به)، أي: بما سألوه من ذلك، وفي الرواية التي تأتي بلفظ: اللهم اجعل أتباعهم منهم. قوله: (فنميت)، أي: رفعته ونقلته، وهو بتخفيف الميم، وأما بتشديد الميم فمعناه: أبلغته على جهة الإفساد، وقائل ذلك هو عمرو بن مرة. قوله: (إلى ابن أبي ليلى)، وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى. قوله: (قد زعم ذلك زيد)، أي: قال قال ذلك زيد، وأهل الحجاز يطلقون الزعم على القول وزيد هو زيد بن أرقم، وجزم به أبو نعيم في (المستخرج)، وقيل: يحتمل أن يكون غير زيد بن أرقم كزيد بن ثابت، وما ذكره أبو نعيم هو الصحيح.
8873 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة قال سمعت أبا حمزة رجلا من الأنصار قالت الأنصار إن لكل قوم أتباعا وإنا قد اتبعناك فادع الله أن يجعل أتباعنا منا قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل أتباعهم منهم: قال عمر و فذكرته لابن أبي ليلى قال قد زعم ذاك زيد قال شعبة أظنه زيد بن أرقم. (انظر الحديث 7873).
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن آدم بن أبي إياس إلى آخره، وهو من أفراد البخاري.
قوله: (رجلا من الأنصار) نصب على أنه بيان أو بدل من: أبا حمزة، وأبو حمزة يروي عن حذيفة مرسلا، وعن زيد بن أرقم وعنه عمرو بن مرة فقط. قوله: (قال شعبة: أظنه)، أي: أظن قول ابن أبي ليلى: ذاك زيد، أنه زيد بن أرقم، وظنه صحيح، فإنه زيد بن أرقم كما ذكرناه.
7
((باب فضل دور الأنصار))
أي: هذا باب في بيان فضل دور الأنصار، والدور بالضم جمع دار، قال ابن الأثير: هي المنازل المسكونة والمحال وتجمع أيضا على ديار، والمراد ههنا القبائل، وكل قبيلة اجتمعت في محلة سميت تلك المحلة دارا، وسمي ساكنوها بها مجازا على حذف المضاف، أي: أهل الدور، قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وهل ترك لنا عقيل من دار) فإنما يريد به المنزل لا القبيلة.
9873 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس بن مالك عن أبي أسيد رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث بن خزرج ثم بنو ساعدة وفي كل دور الأنصار خير..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وغندر، بضم الغين المعجمة قد تكرر ذكره وهو محمد بن جعفر، وأبو أسيد، بضم الهمزة وفتح السين المهملة، مصغر أسد واسمه: مالك بن ربيعة الساعدي، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في مناقب سعد بن عبادة عن إسحاق عن عبد الصمد. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى. وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمد بن بشار به. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى عن غندر به.
قوله: (خير دور الأنصار)، أي: خير قبائلهم: بنو النجار) بفتح النون وتشديد الجيم، وهذا من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، أو خيريتها بسبب خيرية أهلها، والنجار هو: تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، والخزرج أخو الأوس ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقيا بن عامر بن ماء السماء

259
ابن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن وهو جماع غسان بن الأزد بن الغوث بن يشجب ابن ملكان بن زيد بن كهلان ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح، عليه الصلاة والسلام. والأزد، يقال له: الأسد أيضا بالسين، وقحطان: فعلان من القحط وهو الشدة، ويقال: شيء قحيط أي: شديد، وسمي: تيم الله بالنجار، لأنه اختتن بقدوم، وقيل: جرحه رجل بالقدوم فسمي النجار، وبنو النجار هم رهط سعد بن معاذ وأبي أيوب. ومنهم: أبو قيس صرمة بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار النجاري، ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة وهم بالنصرانية، ثم أمسك عنها، وقال: أعبد رب إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم فحسن إسلامه. وأما الطائفة النجارية فتنسب إلى حسين النجار، أخذ عن بشر بن غياث المريسي القائل بخلق القرآن. قوله: (ثم بنو عبد الأشهل)، هم من الأوس، وعبد الأشهل بن جشم بن الحرث بن الخزرج الأصغر بن عمرو وهو النبيت بن مالك بن أوس بن حارثة، وبقية النسب قد مرت الآن. وقال ابن دريد: زعموا أن الأشهل صنم والنسبة إليه أشهلي، منهم: أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل. قوله: (ثم بنو الحارث بن خزرج) والخزرج بن عمرو بن مالك بن أوس المذكور. منهم: رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد بن عمرو بن زيد بن جشم بن الحارث بن الخزرج المذكور. قوله: (ثم بنو ساعدة)، هم من الخزرج المذكور أيضا، وساعدة بن كعب بن الخزرج، قال ابن دريد: ساعدة اسم من أسماء الأسد. منهم: سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج ابن ساعدة الأنصاري الخزرجي الشاعر. قلت: أبو حزيمة، بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي، كذا قاله الدارقني، وقال أبو عمر: حليمة باللام موضع الزاي، وقال الخطيب: خزيمة، بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي، ويقال: خزيمة، بكسر الزاي، قوله: (وفي كل دور الأنصار خير)، المذكور هنا لفظ: خير، في الموضعين. الأول: قوله: (خير دور الأنصار) ولفظ: خير فيه، بمعنى أفعل التفضيل أي: أفضل دور الأنصار، أي: قبائلهم كما ذكرنا. والثاني: قوله: (وفي كل دور الأنصار خير)، ولفظ: خير، فيه على أصله، أي: في كل دور الأنصار أي: في قبائلهم خير، وإن تفاوتت مراتبهم.
فقال سعد ما أري النبي صلى الله عليه وسلم إلا قد فضل علينا فقيل قد فضلكم على كثير
أي: قال سعد بن عبادة، بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة، وهو من بني ساعدة. قوله: (ما أرى)، يجوز بفتح الهمزة من الرؤية، وبضمها بمعنى الظن. قوله: (قد فضل علينا) أي: قد فضل النبي صلى الله عليه وسلم، علينا بعض القبائل وإنما كان ذلك لأنه من بني ساعدة ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، بني ساعدة إلا بكلمة، ثم، بعد ذكره القبائل الثلاثة. قوله: (فقيل: قد فضلكم على كثير) أي: على كثير من القبائل الغير المذكورين من الأنصار.
وقال عبد الصمد حدثنا شعبة حدثنا قتادة سمعت أنسا قال أبو أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وقال سعد بن عبادة
عبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد التنوري البصري، وهذا التعليق ذكره موصولا في مناقب سعد بن عبادة عن إسحاق عن عبد الصمد عن شعبة عن قتادة، قال: سمعت أنس بن مالك، قال أبو أسيد: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (خير دور الأنصار بنو النجار...) الحديث، ويأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. قوله: (وقال سعد بن عبادة) أي: صرح بأن سعدا في قوله: قال سعد: ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم، هو سعد بن عبادة.
0973 حدثنا سعد بن حفص الطلحي حدثنا شيبان عن يحيى قال أبو سلمة أخبرني أبو أسيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول خير الأنصار أو قال خير دور الأنصار بنو النجار وبنو عبد الأشهل وبنو الحارث وبنو ساعدة.

260
هذا طريق آخر عن أبي أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه عن سعد بن حفص أبي محمد الطلحي الكوفي عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن يحيى بن أبي كثير، واسم أبي كثير صالح اليمامي الطائي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي أسيد مالك بن ربيعة. وأخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي قبيصة عن سفيان، وأخرجه مسلم في الفضائل عن يحيى بن يحيى وعن عمرو بن علي. وأخرجه النسائي في المناقب عن عمرو بن علي وآخرين.
8
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض قاله عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم، مخاطبا للأنصار... إلى آخره. قوله: (على الحوض)، أي: الكوثر. قوله: (قاله عبد الله بن زيد)، أي: ابن عاصم المازني، رضي الله تعالى عنه، وهذا التعليق وصله البخاري بأتم من هذا في غزوة حنين على ما سيجيء إن شاء الله تعالى.
2973 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس بن مالك عن أسيد بن حضير أن رجلا من الأنصار قال يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانا قال ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض.
(الحديث 2973 طرفه في: 7507).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهذا الإسناد بهؤلاء الرجال قد مر عن قريب فرادى ومجموعا، والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن محمد بن عرعرة، وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي موسى وبندار وعن يحيى بن حبيب وعن عبيد الله بن معاذ. وأخرجه الترمذي في الفتن عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي في المناقب عن محمد بن عبد الأعلى. قوله: (ألا تستعملني؟)

261
أي: ألا تجعلني عاملا على الصدقة أو متوليا على بلد؟ قوله: (كما استعملت فلانا) أي: كاستعمالك فلانا، قيل: هو عمرو بن العاص. قوله: (أثرة)، بضم الهمزة وسكون الثاء المثلثة وفتح الراء وفي رواية الكشميهني: أثرة، بفتح الهمزة والثاء، قال ابن الأثير: الأثرة الاسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى، أراد أن يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء، والاستئثار الانفراد بالشيء، وقال الكرماني: الأثرة الاستئثار لنفسه والاستقلال والاختصاص يعني: أن الأمراء يخصصون أنفسهم بالأموال ولا يشركونكم فيها. قلت: وقع الأمر كما وصف، صلى الله عليه وسلم، وهو من جملة ما أخبر به من الأمور التي تأتي بعده، صلى الله عليه وسلم.
3973 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن هشام قال سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني وموعدكم الحوض..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن أنس نفسه، والذي قبله عنه عن أسيد رواية الصحابي عن الصحابي، وفيه رواية قتادة عن أنس، وههنا عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، فإنه يروي عن جده أنس، رضي الله تعالى عنه. قوله: (وموعدكم الحوض)، أي: حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
4973 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد سمع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه حين خرج معه إلى الوليد قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين فقالوا لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها قال إما لا فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم بعدي أثرة.
مطابقته للترجمة في قوله: (فاصبروا) وعبد الله بن محمد أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي، وسفيان هو ابن عيينة، ويحيى ابن سعيد الأنصاري.
والحديث قد مر في الجزية في: باب ما اقطع النبي صلى الله عليه وسلم، من البحرين فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن الزهري عن يحيى بن سعيد عن أنس، وفي الشرب أيضا عن سليمان بن حرب.
قوله: (حين خرج معه) أي: حين خرج يحيى أي: سافر معه، أي: مع أنس. قوله: (إلى الوليد) بن عبد الملك بن مروان، وكان أنس قد توجه من البصرة حين آذاه الحجاج إلى دمشق يشكوه إلى الوليد بن عبد الملك فأنصفه منه. قوله: (إلى أن يقطع) بضم الياء آخر الحروف من: الإقطاع، وهو أن يعطي الإمام قطعة من الأرض وغيرها. قوله: (البحرين) تثنية بحر، اسم بلد بساحل الهند. قوله: (إما لا)، بكسر الهمزة وتشديد الميم وفتح اللام أصله: أن ما لا تريدوا أو لا تقبلوا، فأدغمت النون في الميم وحذف فعل الشرط، وقد تمال كلمة: لا، وقد روى بفتح الهمزة من أن ما قيل هو خطأ إلا على لغة بعض بني تميم، فإنهم يفتحون الهمزة من أما حيث وردت، وقيل: اللام من قوله: (إما لا) مفتوحة عند الجمهور، ووقع عند الأصيلي في البيوع من (الموطأ) بكسر اللام والمعروف فتحها. قوله: (فإنه) أي: فإن إقطاع المال سيصيبكم حال كونه أثرة بمعنى: استئثار الغير عليكم واستئثار المقطع بكسر الطاء لنفسه وعدم الالتفات إلى غيره كما هو في غالب أهل هذا الزمان، فافهم، فإنه موضع الدقة.
9
((باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أصلح الأنصار والمهاجرة))
أي: هذا باب في بيان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، للأنصار والمهاجرين. بقوله: أصلح الأنصار والمهاجرة، وقد ذكرنا أن الأنصار جمع نصير بمعنى ناصر، كشريف يجمع على أشراف، والمهاجرة بكسر الجيم الجماعة المهاجرون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة.

262
6973 حدثنا آدم حدثنا شعبة عن حميد الطويل سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال كانت الأنصار يوم الخندق تقول:
* نحن الذين بايعوا محمدا
* على الجهاد ما حيينا أبدا
*
فأجابهم:
* اللهم لا عيش إلا عيش الآخره
* فأكرم الأنصار والمهاجره
*
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في الجهاد، أخرجه عن حفص بن عمر. وأخرجه النسائي في المناقب عن أحمد بن سليمان.
7973 حدثني محمد بن عبيد الله حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل قال جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتادنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
* اللهم لا عيش إلا عيش الآخرهفاغفر للمهاجرين والأنصار
*
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد بن عبيد الله بن محمد بن زيد أبو ثابت مولى عثمان بن عفان الأموي القرشي المدني، وابن أبي حازم عبد العزيز يروي عن أبيه أبي
حازم واسمه سلمة بن دينار، وسهل هو بن سعد بن مالك الأنصاري الساعدي، له ولأبيه صحبة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن قتيبة. وأخرجه مسلم في المغازي عن القعنبي، وأخرجه النسائي في المناقب وفي الرقاق عن قتيبة.
قوله: (على أكتادنا) جمع كتد، بالتاء المثناة من فوق، وهو ما بين الكاهل إلى الظهر، وفي رواية الكشميهني: (أكبادنا)، بالباء الموحدة جمع كبد، ووجهه أنا نحمل التراب على جنوبنا مما يلي الكبد.
01
((باب قول الله تعالى * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * (الحشر: 9).))
أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى... إلخ، إنما ذكر هذه الآية بناء على أنها نزلت في الأنصار، ولكن ظاهر حديث الباب يدل على أنها نزلت في رجل أنصاري، على ما يجيء بيانه عن قريب، وعلى كل حال المطابقة موجودة من حيث إنها فيمن يسمى بالأنصاري، مفردا أو بالأنصار جمعا، واختلفوا في سبب نزول على ما نذكره الآن. قوله: (ويؤثرون) من آثرته بكذا

263
أي: خصصته أي: يؤثرون بأموالهم ومساكنهم أي: لا عن غنى، بل مع احتياجهم، وهو معنى قوله: * (ولو كان بهم خصاصة) * (الحشر: 9). أي: فقر وحاجة.
8973 حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن ما معنا إلا الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يضم أو يضيف هذا فقال رجل من الأنصار أنا فانطلق به إلى امرأته فقال أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضحك الليلة أو عجب من فعالكما فأنزل الله * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون) * (الحشر: 9). (الحديث 8973 طرفه في: 9884).
قد ذكرنا أن المطابقة موجودة. وعبد الله بن داود بن عامر الهمداني الكوفي، سكن الحديبية بالبصرة وهو من أفراده، و فضيل بن غزوان بن جرير أبو الفضل الكوفي، وأبو حازم بالحاء والزاي: اسمه سلمان الأشجعي، ولا يشتبه عليك ب أبي حازم سلمة بن دينار المذكور في آخر الباب الذي قبله.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن يعقوب بن إبراهيم. وأخرجه مسلم في الأطعمة عن زهير بن حرب وأبي كريب. وأخرجه الترمذي في التفسير عن أبي كريب، وأخرجه النسائي فيه عن هناد عن وكيع.
قوله: (فبعث إلى نسائه) أي: يطلب منهن ما يضيف الرجل به. قوله: (فقلن: ما معنا) أي: ما عندنا إلا الماء. قوله: (من يضم) أي: يجمعه إلى نفسه في الأكل. قوله: (أو يضيف) شك من الراوي، من أضاف يضيف، يقال: ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافة، وأضفته إذا أنزلته، وتضيفته إذا نزلت به، وتضيفني إذا نزلني. قوله: (فقال رجل من الأنصار) قيل: هذا أبو طلحة بن زيد بن سهل، وهو المفهوم من كلام الحميدي، لأنه لما ذكر حديث أبي هريرة قال في رواية ابن فضيل: فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة زيد بن سهل، وقال الخطيب: لا أراه زيد بن سهل، بل آخر تكنى أبا طلحة. قلت: كأنه استبعد أن يكون أبو طلحة هو زيد بن سهل لأنه كان أكثر الأنصار مالا بالمدينة، وقال القاضي إسماعيل في (أحكام القرآن): هو ثابت بن قيس بن الشماس، قال: وذلك لأن رجلا من المسلمين عبر عليه ثلاثة أيام لا يجد ما يفطر به حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له: ثابت بن قيس، وقال ابن بشكوال: قيل: هو عبد الله بن رواحة، وذكر النحاس في تفسير هذه الآية أنها نزلت في أبي المتوكل الناجي، ورد عليه بأن أبا المتوكل تابعي، وقيل: هو أبو هريرة راوي الحديث، نسب ذلك إلى البحتري القاضي أحد الضعفاء المتروكين. قوله: (قوت صبياني)، ويروى: صبيان، بدون الإضافة. قوله: (وأصبحي سراجك) بهمزة القطع أي: أوقديه أو نورية. قوله: (فجعلا يريانه)، بضم الياء من الإراءة. قوله: (أنهما) أي: أن الأنصاري وامرأته، هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: كأنهما بالكاف. قوله: (طاويين)، حال تثنية طاو، وهو الجائع الذي يطوي ليله بالجوع. قوله: (ضحك الله)، يراد بالضحك لازمه، لأن الضحك لا يصح على الله عز وجل، وهو الرضا بذلك، وكلما جاء هكذا من أمثاله يراد لوازمها. قوله: (أو عجب) شك من الراوي، وهو كذلك يراد لازمه، وهو الرضا بهذا الفعل. قوله: (فأنزل الله)، هذا هو الأصح في سبب نزول هذه الآية، وذكر الواحدي عن ابن عمر، قال: أهدي لرجل من الصحابة رأس شاة، فقال: إن أخي وعياله أحوج منا إلى هذا، فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة أهل أبيات، حتى رجعت إلى الأول، فنزلت: * (ويؤثرون على

264
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * (الحشر: 9). قوله: * (ومن يوق نفسه) * (الحشر: 9). قال الزمخشري: ومن غلب ما أمرته به نفسه وخالف هواها بمعونة الله وتوفيقه: * (فأولئك هم المفلحون) * (الحشر: 9). الظافرون بما أرادوا. وقرئ: ومن يوق، بتشديد القاف، وأصله من الوقاية وهي الحفظ، والشح، بالضم والكسر وقد قرىء بها: اللوم، وأن تكون النفس كزة حريصة على المنع، وقيل: الشح والبخل بمعنى واحد، وقيل: الشح أخذ المال بغير حق، والبخل المنع من المال المستحق، وقيل: الشح بما في يد الغير، والبخل بما في يده، وقيل: البخيل إذا وجد شبع، والشحيح لا يشبع أبدا فالشح أعم.
11
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم))
أي: هذا باب في ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (اقبلوا من محسن الأنصار وتجاوزوا عن مسيئهم)، أي: لا تؤاخدوه بإساءته.
9973 حدثني محمد بن يحيى أبو علي حدثنا شاذان أخو عبدان حدثنا أبي أخبرنا شعبة بن الحجاج عن هشام بن زيد قال سمعت أنس بن مالك يقول مر أبو بكر والعباس رضي الله تعالى عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال ما يبكيكم قالوا ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذالك قال فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد قال فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذالك اليوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. (الحديث 9973 طرفه في: 1083).
مطابقته للترجمة في آخر الحديث لأنه عين الترجمة ومحمد بن يحيى أبو علي اليشكري المروزي الصائغ، بالغين المعجمة كان أحد الحفاظ، روى عنه مسلم والنسائي أيضا وقال: ثقة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وقيل: مات قبل البخاري بأربع سنين. قلت: نعم، لأن البخاري مات في سنة ست وخمسين ومائتين، وشاذان بالمعجمة اسمه عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو أخو عبدان وهو أكبر من شاذان، وقد أكثر البخاري في (صحيحه) عن عبدان، وأدرك شاذان ولكنه روى عنه هنا بواسطة، وأبوهما عثمان بن جبلة روى عنه ابنه عبدان عند البخاري ومسلم، وروى عنه شاذان عند البخاري في غير موضع، وهشام بن زيد بن أنس بن مالك روى عن جده أنس بن مالك.
والحديث أخرجه النسائي أيضا عن شيخ البخاري محمد بن يحيى المذكور في المناقب.
قوله: (والعباس)، هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مرورهما بمجلس من مجالس الأنصار في مرض النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وهم يبكون)، جملة حالية. قوله: (فقال ما يبكيكم؟) يحتمل أن يكون هذا القائل أبا بكر، ويحتمل أن يكون العباس، وقال بعضهم: والذي يظهر لي أنه العباس قلت: لا قرينة هنا تدل على ذلك، ثم قوي ما قاله من أنه العباس بالحديث الثاني الذي يأتي الآن، الذي رواه ابن عباس، فقال: هذا من رواية ابنه، يعني: ابن عباس، فكأنه سمع ذلك منه. قلت: هذا أبعد من ذلك، لأن الوصية في حديث ابن عباس أعم من الوصية التي في حديث العباس، لأنها في حديثه مختصة بالأنصار، بخلاف حديث ابن عباس، فأين ذا من ذاك؟ حتى يكون هذا دليلا على أن القائل في قوله: فقال: ما يبكيكم، هو العباس من غير احتمال أن يكون أبا بكر، رضي الله تعالى عنه؟ قوله: (ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم)، لأنهم كانوا يجلسون معه وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فخافوا أن يموت من مرضه فيفقدوا مجلسه، فبكوا حزنا على فوات ذلك. قوله: (فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم) أي: فدخل هذا القائل:

265
ما يبكيكم على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، أي: بما شاهد من بكائهم. قوله: (فخرج النبي صلى الله عليه وسلم)، القائل يحتمل أن يكون القائل ما يبكيكم، ويحتمل أن يكون الراوي، وهو أنس، رضي الله تعالى عنه، وهذا هو الأظهر قوله: (وقد عصب)، الواو فيه للحال، و: عصب، بتخفيف الصاد ومصدره عصب وهو متعد، وكذا عصب بالتشديد ومصدره تعصيب، يقال: عصب رأسه بالعصابة تعصيبا. قوله: (حاشية برد)، بالنصب مفعول: عصب، وفي رواية المستملي: حاشة بردة، والبرد نوع من الثياب معروف، والجمع: أبراد وبرود، والبردة الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع تلبسه الأعراب وجمعها: برد. قوله: (كرشي)، بفتح الكاف وكسر الراء (وعيبتي) بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، والكرش لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان، والعيبة مستودع الثياب، والأول أمر باطن والثاني ظاهر، فيحتمل أنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأمورهم الظاهرة والباطنة. وقال الخطابي: يريد أنهم بطانتي وخاصتي، ومثله بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون به بقاؤه، وقد يكون المراد بالكرش أهل الرجل وعياله، والعيبة التي يخزن فيها المرء حرثيا به، أي: أنهم موضع سره وأمانته. وقال ابن دريد: هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم، الموجز الذي لم يسبق إليه. قوله: (قد قضوا الذي عليهم)، وهو ما وقع لهم من المبايعة ليلة العقبة، فإنهم كانوا بايعوا على أن يؤوا النبي صلى الله عليه وسلم، وينصروه على أن لهم الجنة، فوفوا بذلك. قوله: (وبقي الذي لهم)، وهو دخول الجنة. قوله: (فأقبلوا) أي: إذا كان الأمر كذلك فأقبلوا (من محسنهم) أي: من محسن الأنصار. قوله: (وتجاوزوا)، قد ذكرنا أن معناه: لا تؤاخذوهم بالإساءة، والتجاوز عن المسئ مخصوص بغير الحدود، وفيه وصية عظيمة لأجلهم، وفضيلة عزيزة لهم.
0083 حدثنا أحمهد بن يعقوب حدثنا ابن الغسيل سمعت عكرمة يقول سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم. (انظر الحديث 729 وطرفه).
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأحمد بن يعقوب أبو يعقوب المسعودي الكوفي، وهو من أفراده، وابن الغسيل هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة.
والحديث مضى في كتاب صلاة الجمعة في: باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل بن أبان عن ابن الغسيل.
قوله: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم) أي: من البيت إلى المسجد. قوله: (وعليه) الواو فيه للحال. قوله: (متعطفا) نصب على الحال، أي: مرتديا والعطاف الرداء. قوله: (بها) أي: بالملحفة. قوله: (وعليه) الواو فيه أيضا للحال. قوله: (عصابة دسماء) العصابة بالكسر ما يعصب به الرأس من عمامة أو منديل أو خرقة، والدسماء السوداء، ومنه الحديث الآخر، خرج وقد عصب رأسه بعصابة دسمة، وقال الداودي: الدسماء الوسخة من العرق والغبار. قوله: (فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار)، لأن الأنصار هم الذين سمعوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونصروه وهذا أمر قد انقضى زمانه لا يلحقهم اللاحق ولا يدرك شاوهم
السابق، وكلما مضى منهم أحد مضى من غير بدل، فيكثر غيرهم ويقلون. قوله: (حتى يكونوا كالملح في الطعام) يعني من القلة، ووجه التشبيه بين الأنصار والملح هو أن الملح جزء يسير من الطعام وفيه إصلاحه، فكذلك الأنصار وأولادهم من بعدهم، جزء يسير بالنسبة إلى المهاجرين وأولادهم الذين انتشروا في البلاد وملكوا الأقاليم، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم، مخاطبا للمهاجرين: (فمن ولي منكم أمرا يضر فيه) أي: في ذلك الأمر (أحدا أو ينفعه فليقبل من محسنهم) أي: محسن الأنصار، والذين ملكوا من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، من الخلفاء الراشدين كلهم من المهاجرين، وكذلك من بني أمية ومن بني العباس كلهم من أولاد المهاجرين.

266
1083 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأنصار كرشي وعيبتي والناس سيكثرون ويقلون فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. (انظر الحديث 9973).
هؤلاء الرجال قد ذكروا غير مرة. والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى وبندار والترمذي أيضا عن بندار في المناقب والنسائي عن حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس عن أسيد بن حضير. قوله: (ويقلون) أي: الأنصار.
21
((باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب سعد بن معاذ، بضم الميم وإعجام الذال: ابن النعمان بن امرئ القيس ابن عبد الأشهل بن جشم بن الحرث بن الخزرج بن النبيت، واسمه: عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي ثم الأشهلي، وهو كبير الأوس، كما أن سعد بن عبادة كبير الخزرج، أسلم على يد مصعب بن عمير، لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يعلم المسلمين، فلما أسلم قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام، وشهد بدرا بلا خلاف فيه، وشهد أحدا والخندق ورماه يومئذ حبان بن العراقة في أكحله، فعاش شهرا ثم انتفض جرحه فمات منه، وكان موته بعد الخندق بشهر، وبعد قريظة بليال، وأمه كبشة بنت رافع، لها صحبة.
2083 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله تعالى عنه يقول أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة حرير فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها فقال أتعجبون من لين هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ خير منها أو ألين: رواه قتادة والزهري سمعا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة في قوله: (لمناديل سعد بن معاذ خير منها) وجاء فيه: (إن لمناديل سعد في الجنة أحسن ما ترون) وفيه منقبة عظيمة له. وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى وبندار عن محمد بن عمرو.
قوله: (أهديت) كان الذي أهدها أكيدر دومة، كما بينه في حديث أنس في كتاب الهداية في باب قبول الهدية من المشركين وفيه لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا وتخصيص سعد به، قيل: لأنه كان يعجبه ذلك الجنس من الثوب، أو لأجل كون اللامسين المتعجبين من الأنصار، فقال: مناديل سيدكم خير منها، قال الطيبي: مناديل جمع منديل وهو الذي يحمل في اليد، وقال ابن الأعرابي وغيره: هو مشتق من الندل، وهو النقل لأنه ينقل من واحد، وقيل: من الندل وهو الوسخ، لأنه يندل به، إنما ضرب المثل بالمناديل لأنها ليست من علية الثياب بل هي تتبدل في أنواع من المرافق يتمسح بها الأيدي وينفض بها الغبار عن البدن ويعطى بها ما يهدى وتتخذ لفائف للثياب، فصار سبيلها سبيل الخادم وسبيل سائر الثياب سبيل المخدوم، فإذا كان أدناها هكذا، فما ظنك بعليتها؟ قوله: (رواه قتادة) روايته وصلها البخاري في الهبة، والزهري أي: ورواه الزهري أيضا، ووصل البخاري روايته في اللباس، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
3083 حدثني محمد بن المثنى حدثنا فضل بن مساور ختن أبي عوانة حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله تعالى عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اهتز العرش لموت سعد بن معاذ.

267
اهتزاز العرش لموت سعد منقبة عظيمة له، وفضل بن مساور بلفظ اسم الفاعل من المساورة بالسين المهملة وهي المواثبة والمقاتلة: أبو مساور البصري من أفراد البخاري، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وهو ختن أبي عوانة، وهو كل من كان من قبل المرأة مثل: الأخ والأب، وأما العامة فختن الرجل عندهم زوج ابنته، وهو يروي عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن سليمان الأعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع المكي.
والحديث أخرجه مسلم عن عمرو الناقد. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن علي بن محمد.
قوله: (اهتز العرش)، العرش في اللغة: السرير، فإن كان المراد به السرير الذي حمل عليه فمعنى الاهتزاز الحركة والاضطراب، وذلك فضيلة له كما كان رجف أحد فضيلة لمن كان عليه، وهو: رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإن كان المراد به عرش الله تعالى فيراد منه حملته، ومعنى الاهتزاز: السرور والاستبشار بقدومه، ومنه اهتزت الأرض بالنبات إذا اخضرت وحسنت، وقال الكرماني: أقول: ويحتمل أن يكون اهتزاز نفس العرش حقيقة * (والله على كل شيء قدير) * قلت فيه تأمل وقال الطيبي قالت طائفة هو على ظاهره واهتزاز العرش تحركه فرحا بقدوم سعد وجعل الله في العرش تمييزا ولا مانع منه كما قال (وإن منها لما يهبط من خشية الله) (البقرة: 842، آل عمران: 92 و 981، المائدة: 71، 91، 04، الأنفال: 14، التوبة: 93، الحشر: 6). وقال المازري: هو على حقيقته، ولا ينكر هذا من جهة العقل لأن العرش جسم والأجسام تقبل الحركة والسكون، وقيل: المراد بالاهتزاز الاستبشار، ومنه قول العرب: فلان يهتز للكرم، لا يريدون اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليه وإقباله عليه. وقال الحربي: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم
الأشياء، فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض، وقامت له القيامة.
وعن الأعمش حدثنا أبو صالح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقال رجل لجابر فإن فإن البراء يقول اهتز السرير فقال إنه كان بين هاذين الحيين ضغائن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اهتز عرش الرحمان لموت سعد بن معاذ
هو عطف على الإسناد الذي قبله أي: وروى أبو عوانة عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان الزيات عن جابر بن عبد الله، وأشار البخاري برواية الأعمش عن أبي صالح عن جابر إلى أنه لا يخرج لأبي سفيان المذكور إلا مقرونا بغيره، أو استشهادا. قوله: (مثله) أي: مثل حديث أبي سفيان عن جابر. قوله: (فقال رجل)، لم يدر من هو، قال لجابر بن عبد الله راوي الحديث كيف تقول: اهتز العرش؟ فإن البراء بن عازب يقول: اهتز السرير؟ قوله: (فقال) أي: قال جابر في جواب الرجل: إنه كان بين هذين الحيين، أي: الأوس والخزرج، ضغائن بالضاد والغين المعجمتين: جمع ضغينة وهي الحقد، وقال الخطابي: إنما قال جابر ذلك لأن سعدا كان من الأوس والبراء خزرجي والخزرج لا تقر بالفضل للأوس، ورد عليه بأن البراء أيضا أوسي يعرف ذلك بالنظر في نسبه لأن نسبهما ينتهي إلى الأوس، فإذا كان كذلك لا ينسب البراء إلى غرض النفس، وإنما حمل لفظ العرش على معنى يحتمله، إذ كثيرا يطلق ويراد به السرير، ولا يلزم بذلك قدح في عدالته كما لا يلزم بذلك القول قدح في عدالة جابر، وقد روى اهتزاز العرش لسعد عن جماعة غير جابر منهم: أبو سعيد الخدري وأسيد بن حضير ورميثة، وأسماء بنت يزيد بن السكن وعبد الله بن بدر وابن عمر بلفظ: (اهتز العرش فرحا بسعد)، ذكرها الحاكم، وحذيفة بن اليمان وعائشة عند ابن سعد، والحسن ويزيد بن الأصم مرسلا، وسعد بن أبي وقاص في كتاب أبي عروبة الحراني. وفي (الإكليل) بسند صحيح: (إن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين قبض سعد، فقال: من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر بموته أهلها؟) وعند الترمذي مصححا عن أنس: (لما حملت جنازة سعد، قال المنافقون: ما أخف جنازته)، وذلك لحكمه في بني قريظة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الملائكة كانت تحمله)، زاد ابن سعد في (الطبقات): لما قال المنافقون ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا جنازة سعد، ما وطئوا الأرض قبل اليوم)، وكان رجلا جسيما، وكان يفوح من قبره رائحة المسك، وأخذ إنسان قبضة من تراب قبره فذهب بها، ثم نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك.

268
4083 حدثنا محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن أناسا نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه فجاء على حمار فلما بلغ قريبا من المسجد قال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى خيركم أو سيدكم فقال يا سعد إن هؤلاء نزلوا على حكمك قال فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسباى ذراريهم قال حكمت بحكم الله أو بحكم الملك..
مطابقته للترجمة في قوله: (قوموا إلى خيركم) وفي قوله: (حكمت بحكم الله). وأبو أمامة، بضم الهمزة أسعد بن سهل بن حنيف، بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف: الأوسي الأنصاري، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: إنه سماه وكناه باسم جده وكنيته، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، مات سنة مائة.
والحديث قد مضى في الجهاد في: باب إذا نزل العدو على حكم رجل، فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة إلى آخره، وقد مضى الكلام فيه.
قوله: (أن أناسا)، ويروى: (أن ناسا)، وهم بنو قريظة وقد صرح به هناك. قوله: (فأرسل إليه) أي: فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد: قوله: (قريبا من المسجد) أراد به المسجد الذي أعده صلى الله عليه وسلم، أسام محاصرته لبني قريظة، والذي ظن أنه المسجد النبوي فقد غلط، والصواب ما ذكرناه، وفي رواية أبي داود: (فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم)، وهو يؤيد ما ذكرناه حيث لم يقل: من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (إلى خيركم)، إن كان الخطاب للأنصار فظاهر لأنه سيد الأنصار، وإن كان أعم منه فإما بأن لم يكن في المجلس من هو خير منه، وإما بأن يراد به السيادة الخاصة، أي: من جهة تحكيمه في هذه القضية ونحوها. قوله: (أو سيدكم)، شك من الراوي، وكذلك قوله: (أو بحكم الملك) وهناك: بحكم الملك، بلا شك، وقال الكرماني: الملك، بكسر اللام وفتحها. قلت: أما الكسر فظاهر، وأما الفتح فمعناه: أنه الحكم الذي نزل به الملك وهو جبريل، عليه الصلاة والسلام، وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
31
((باب منقبة أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله تعالى عنهما))
أي: هذا باب في بيان منقبة أسيد، بضم الهمزة وفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف: ابن حضير، بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة: ابن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي الأشهلي، يكنى أبا يحيى، وقيل غير ذلك، ومات في سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، على الأصح وحمله عمر حتى وضعه في قبره بالبقيع، وعباد، بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن وقش بن رغبة بن عبد الأشهل بن جشم بن الحرث ابن الخزرج الأوسي الأشهلي، من كبار الصحابة، قتل يوم اليمامة، ومن قال: بشير، بفتح الباء الموحدة وكسر الشين، فقد غلط.
5083 حدثنا علي بن مسلم حدثنا حبان حدثنا همام أخبرنا قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلين خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا فتفرق النور معهما. (انظر الحديث 564 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعلي بن مسلم الطوسي البغدادي وهو من أفراده، وحبان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن هلال الباهلي، وهمام، بتشديد الميم: ابن يحيى العوذي الشيباني البصري. قوله: (أن رجلين خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم)، قيل: ظهر من رواية معمر أن أسيد بن حضير أحدهما، ومن
رواية حماد أن الثاني عباد بن بشر. انتهى. قلت: رواية معمر تأتي الآن ورواية حماد كذلك معلقتين، ولكن في ظهورهما من روايتهما نظر على ما نذكره، إن شاء الله تعالى.
وقال معمر عن ثابت عن أنس أن أسيد بن حضير ورجلا من الأنصار وقال حماد

269
أخبرنا ثابت عن أنس كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند النبي صلى الله عليه وسلم
تعليق معمر بن راشد وصله عبد الرزاق في (مصنفه) عنه، ومن طريقة الإسماعيلي بلفظ: أن أسيد بن حضير ورجلا من الأنصار تحدثا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا وبيد كل منهما عصا فأضاءت عصا أحدهما حتى مشيا في ضوئها، حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله، وتعليق حماد بن سلمة وصله أحمد والحاكم في (المستدرك) بلفظ: أن أسيد بن حضير وعباد ابن بشر كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم، في ليلة ظلماء حندس، فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها، فلما افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر، ووجه النظر الذي نبهنا عليه هو أن حديث الباب ساكت عن تعيين الرجلين وتعيينهما بالمعلقين غير جازم بذلك لاحتمال كون الرجلين غير أسيد بن حضير وعباد بن بشر، والذي اتفق للرجلين المذكورين اتفق أيضا لأسيد وعباد، وقال هذا القائل المذكور أيضا: إن البخاري جزم به في الترجمة، وأشار إلى حديثهما، وفيه أيضا نظر، لاحتمال تعدد الاحتمال لتعدد أصحاب القضية كما ذكرنا.
41
((باب مناقب معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أد بن سعد بن علي بن أسد ابن ساردة بن تزيد بن جشم من الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن المدني، هو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار وآخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين عبد الرحمن بن مسعود، أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو من الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان أميرا للنبي صلى الله عليه وسلم على اليمن، ورجع بعده إلى المدينة ثم خرج إلى الشام مجاهدا ومات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة وهو ابن أربع وثلاثين بناحية الأردن، وقبره بغور بيان في شرقيه، وعمواس قرية بين الرملة وبيت المقدس نسبت الطاعون إليها لأنه أول ما بدا منها، قيل: إنه لم يولد له قط، وقيل: ولد له ولد يسمى عبد الرحمن وأنه قاتل معه يوم اليرموك، وبه كان يكنى.
6083 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عمر و عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله بن عمر و رضي الله تعالى عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول استقرئوا القرآن من أربعة من ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة واأبي ومعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهم..
مطابقته للترجمة في قوله: (ومعاذ بن جبل) وكان ينبغي أن يقال: باب منقبة معاذ، لأنه لم يذكر فيه إلا منقبة واحدة، وقد أخرج ابن حبان من حديث أبي هريرة رفعه: نعم الرجل معاذ بن جبل، والحديث مر في مناقب سالم مولى أبي حذيفة فإنه أخرجه هناك عن سلمان بن حرب عن شعبة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهم، وأخرجه من طريق آخر عن عبد الله بن عمرو في: باب مناقب عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهم، وأخرجه من طريق آخر عن عبد الله بن عمرو في: باب مناقب عبد الله بن مسعود، ومر الكلام فيه هناك.
51
((باب منقبة سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان منقبة سعد بن عبادة بن دليم بن أبي حارثة بن أبي صريمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة، يكنى أبا الحارث وهو والد قيس بن سعد أحد مشاهير الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وكان سعد كبير الخزرج، وكان جوادا كريما، مات بحوران من أرض الشام سنة أربع عشرة أو خمس عشرة في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه.
وقالت عائشة: وكان قبل ذلك رجلا صالحا

270
هذا قطعة من حديث طويل في قضية الإفك ذكره في التفسير في سورة النور، وقيل: تمام هذه القطعة: فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاستعذر يومئذ عن عبد الله بن أبي بن سلول، قالت يعني عائشة: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر: يا معشر المسلمين! من يعذرني في رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله! أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن حملته الحمية: فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فتثاور الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا... الحديث، قوله: (وكان) أي: سعد بن عبادة. قوله: (قبل ذلك) أي: قبل حديث الإفك، وظاهره أنه ليس في حديث الإفك مثل ما كان، ولكن لم يكن مرادها الغض منه، لأن سعدا لم يكن منه في تلك المقالة إلا الرد على سعد بن معاذ، ولا يلزم منه زوال تلك الصفة عنه في وقت صدور الإفك، بل هذه الصفة مستمرة فيه، إن شاء الله تعالى.
7083 حدثنا إسحاق حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة حدثنا قتادة قال سمعت أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه قال أبو أسيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث بن الخزرج ثم بنو ساعدة وفي كل دور الأنصار خير فقال سعد بن عبادة وكان ذا قدم في الإسلام أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فضل علينا فقيل له قد فضلكم على ناس كثير.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وإسحاق هذا هو ابن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي، وهو شيخ مسلم أيضا، وقيل: هو إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه المروزي، وهو الصحيح، والحديث مضى في: باب فضل دور الأنصار، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
61
((باب مناقب أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب أبي بن كعب بن قس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري، يكنى أبا المنذر، وأبا الطفيل، وكان من السابقين من الأنصار، شهد العقبة وما بعدها، مات سنة ثلاثين، وقيل: قبل ذلك بالمدينة.
8083 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن عمر و بن مرة عن إبراهيم عن مسروق قال ذكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمر و فقال ذاك رجل لا أزال أحبه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود فبدأ به وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك، والحديث مر في: باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب إلى آخره.
9083 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر قال سمعت شعبة سمعت قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لابي بن كعب إن الله أمرني أن أقرأ عليك * (لم يكن الذين كفروا) * (البينة: 1). قال وسماني قال نعم قال فبكى،.
مطابقته للترجمة أظهر ما يكون، وهي منقبة عظيمة لم يشاركه فيها أحد من الناس، وهي قراءة رسول الله، صلى الله عليه وسلم القرآن عليه

271
وسماه عمر، رضي الله تعالى عنه، سيد المسلمين، وقد تكرر ذكر رجاله لا سيما على هذا النسق.
والحديث أخرجه في التفسير أيضا عن غندر. وأخرجه مسلم في الصلاة وفي الفضائل عن أبي موسى وبندار. وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى، وفي التفسير عن إبراهيم بن الحسن.
قوله: (قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: إن الله أمرني أن أقرأ عليك) وفي رواية لأحمد من حديث علي بن زيد عن عمار بن أبي عمار عن أبي حية: لما نزلت لم يكن، قال جبرائيل، عليه الصلاة والسلام، لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن ربك أمرك أن تقرئها أبيا. فقال له: إن الله أمرني أن أقرئك هذه السورة، فبكى والحكمة في أمره بالقراءة عليه هي أنه يتعلق أبي ألفاظه وكيفية أدائه ومواضع الوقوف، فكانت القراءة عليه لتعليمه لا ليتعلم منه، وأنه يسن عرض القرآن على حفاظه المجودين لأدائه وإن كانوا دونه في النسب والدين والفضيلة ونحو ذلك، أو أن ينبه الناس على فضيلة أبي ويحثهم على الأخذ عنه وتقديمه في ذلك، وكان كذلك، وصار بعد النبي صلى الله عليه وسلم، رأسا وإماما مشهورا فيه. قوله: * (لم يكن الذين كفروا) * (البينة: 1). تخصيص هذه السورة لأنها مع وجازتها جامعة لأصول وقواعد ومهمات عظيمة، وقال القرطبي: خص هذه السورة بالذكر لما احتوت عليه من التوحيد والرسالة والإخلاص والصحف والكتب المنزلة على الأنبياء، عليه الصلاة والسلام، وذكر الصلاة والزكاة والمعاد وبيان أهل الجنة والنار مع وجازتها، وقيل: لأن فيها * (رسول من الله يتلو صحفا مطهرة) * (البينة: 2). قوله: (قال: وسماني الله؟) أي: قال أبي: وسماني الله؟ يعني هل نص علي باسمي؟ أو قال: إقرأ على واحد من أصحابك فاخترتني أنت؟ قال: نعم، أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم إن الله سماك. وفي رواية للطبراني عن أبي بن كعب، قال: نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى، وقال القرطبي. وفي رواية: الله سماني لك؟ بهمزة الاستفهام على التعجب منه إذ كان ذلك عنده مستبعدا، لأن تسميته تعالى له وتعيينه ليقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم، تشريف عظيم، فلذلك بكى من شدة الفرح والسرور، وقال النووي؛ قيل؛ بكاؤه خوفا من تقصيره على شكر هذه النعمة العظيمة، وروى الحاكم مصححا من حديث زر بن حبيش عن أبي بن كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ عليه * (لم يكن) * (البينة: 1). وقرأ فيها: إن الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية، من تعجل خيرا فلن يكفره، والله أعلم.
71
((باب مناقب زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري أبو سعيد، ويقال: أبو خارجة المدني، وأمه النوار بنت مالك بن النجار، قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من فضلاء الصحابة ومن أصحاب الفتوى، توفي سنة خمس وأربعين بالمدينة أو سنة ست وخمسين.
0183 حدثني محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار أبي ومعاذ بن جبل وأبو زيد وزيد ابن ثابت قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي..
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن جمع زيد بن ثابت القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم منقبة عظيمة، ويحيى هو: ابن سعيد القطان.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى وعن يحيى بن حبيب. وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار عن يحيى. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن يحيى وفي فضائل القرآن عن إسحاق بن إبراهيم وعن بندار عن يحيى.
قوله: (جمع القرآن) أي: استظهره حفظا. قوله: (وأبو زيد) قال ابن المديني: اسمه أوس، وعن يحيى بن معين: هو ثابت بن زيد بن مالك الأشهلي، وقيل: هو سعد بن عبيد بن النعمان، وبذلك جزم الطبراني عن شيخه أبي بكر بن صدقة. قال: هو الذي كان يقال له: القارئ، وكان على القادسية، واستشهد بها سنة خمس عشرة، وهو والد عمير بن سعد. وعن الواقدي: هو قيس بن السكن بن

272
قيس بن زعور بن حرام الأنصاري، ويرجحه قول أنس: (أحد عمومتي) فإنه من قبيلة بني حرام، وأنس بن مالك بن النضر ابن ضمضم بالمعجمة ابن زيد بن حرام. قوله: (عمومتي) أي: أعمامي. وفي (الاستيعاب): افتخر الحيان، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة، والذي حمته الدبر عاصم، والذي اهتز لموته العرش سعد، ومن شهادته بشهادة رجلين خزيمة. وقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم: معاذ وأبي وزيد وأبو زيد فإن قيل: غيرهم أيضا جمعوا مثل الخلفاء الأربعة؟ وأجيب: بأن مفهوم العدد لا ينفي الزائد، وقيل: جمعوه حفظا عن ظهر القلب فإن قيل: كيف جمعوه كله وقد نزل بعض القرآن بقرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأجيب: بأنهم حفظوا ذلك البعض أيضا قبل الوفاة. فإن قلت: هذا يعارض حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي تقدم: استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي ومعاذ، وأسقط في حديث الباب: ابن مسعود وسالم، وزاد: زيد بن ثابت وأبا زيد. قلت: لا معارضة، لأنه لا يلزم من الأمر بأخذ القراءة عنهم أن يكون كلهم استظهر جميع القرآن، وقيل: لا يؤخذ بمفهوم حديث أنس لأنه لا يلزم من قوله: جمعه أربعة، أن لا يكون جمعه غيرهم، فلعله أراد أنه لم يقع جمعه لأربعة من قبيلة واحدة إلا لهذه القبيلة، وهي الأنصار.
81
((باب مناقب أبي طلحة رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب أي طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري الخزرجي النجاري، وهو زوج أم سليم والدة أنس بن مالك، شهد المشاهد كلها، وهو أحد النقباء، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان ابن عفان، رضي الله تعالى عنه. وقال أبو زرعة الدمشقي: مات بالشام وعاش بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يسرد الصوم، وروي عن أنس أنه مات في البحر غازيا.
1183 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله تعالى عنه قال ل ما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب به عليه بحجفة له وكان أبو طلحة رجلا راميا شديدا لقد يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا وكان الرجل يمر ومعه الجعبة من النبل فيقول انشرها لأبي طلحة فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلي القوم فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيآن فتفرغانها في أفواه القوم ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثا. مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث في مواضع على ما لا يخفى، وأبو معمر، بفتح الميمين: عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري مولاهم المقعد البصري، وعبد الوارث بن سعيد، وعبد العزيز بن صهيب. ورجاله كلهم بصريون.
ومضى بعض هذا الحديث في الجهاد في: باب غزو النساء مع الرجال فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد بعينه.
قوله: (وأبو طلحة) الواو فيه للحال، وهو مبتدأ. وقوله: (مجوب) خبره، وهو بضم الميم وفتح الجيم وكسر الواو المشددة وفي آخره باء موحدة، ومعناه: مترس عليه يقيه بالجوبة وهو الترس. قوله: (عليه) أي: على النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (بحجفة)، متعلق بقوله: مجوب، والحجفة، بفتح الحاء المهملة وفتح الجيم والفاء أيضا وهي الترس إذا كان من جلد ليس فيها خشب. قوله: (راميا) أي: راميا بالقوس. قوله: (شديدا) يعني: موصوفا بشدة الرمي، وهكذا في رواية الأكثرين: شديدا، بالنصب وبعده: (لقد

273
يكسر) بلام التأكيد وكلمة: قد، للتحقيق، و: يكسر، يفعل بالتشديد ليدل على كثرة الكسر، وهذه الصيغة تأتي متعدية ولازمة، ويروى شديد القد، بإضافة لفظ الشديد إلى لفظ القد بكسر القاف وتشديد الدال، وهو: السير من جلد غير مدبوغ، ومعناه: شديد وتر القوس في النزع والمد، وبهذا جزم الخطابي، وتبعه ابن التين، وعلى هذه الرواية يقرأ: قوسان، بالرفع على أنه فاعل: يكسر، على أن يكون: يكسر، لازما. قوله: (أو ثلاثا) ويروى: أو ثلاث، أيضا بالرفع عطفا عطفا عليه، وكلمة: أو للشك من الراوي، ويروى: شديد المد، بالميم المفتوحة والدال المشددة. قوله: (من النبل) أي: السهام. قوله: (فيقول) أي: فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنشرها) من النشر بالنون المفتوحة وسكون الشين المعجمة من انتشار الماء وتفرقه، ويروى: نثرها من النثر بالنون المفتوحة وسكون الثاء المثلثة ومعناهما واحد. قوله: (فأشرف) من الإشراف وهو الاطلاع من فوق. قوله: (لا تشرف) مجزوم لأنه نهي أي: لا تطلع. قوله: (يصبك)، مجزوم لأنه جواب النهي نحو: لا تدن من الأسد يأكلك، ويروى: تصيبك على تقدير: السهم يصيبك. قوله: (سهم) بيان للمحذوف ومن سهام القول بيان أن السهم من العدو. قوله: (نحري دون نحرك)، أي: صدري عند صدرك أي: أقف أنا بحيث يكون صدري كالترس لصدرك، هكذا فسره الكرماني. قلت: الأوجه أن يقال: هذا نحري قدام نحرك، يعني: أقف بين يديك بحيث أن السهم إذاجاء يصيب نحري ولا يصيب نحرك. قوله: (وأم سليم)، بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف
، وهي زوجة أبي طلحة وأم أنس بن مالك وخالة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الرضاع. قوله: (لمشمرتان)، تثنية على صيغة الفاعل من: شمرت ثيابي إذا رفعتها، واللام فيه للتأكيد. قوله: (خدم) بالنصب. قوله: (لأنه) مفعول (أرى) وهو بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة جمع الخدمة وهي الخلخال، و: السوق، بالضم جمع ساق، وهذا كان قبل نزول آية الحجاب. قوله: (تنقزان)، بالنون الساكنة والقاف المضمومة وبالزاي: من النقز وهو النقل، وقال الداودي: أي تنقلان، وقال الخطابي: إنما هو تزفران، أي: تحملان. قال: وأما النقز فهو الوثب البعيد، وقال ابن قرقول: تزفران، بالزاي والفاء والراء، يقال: إزفر لنا القرب أي: إحملها ملأى على ظهرك. وفي (المطالع): تنقزان القرب على ظهورهما، هكذا جاء في حديث أبي معمر، قال البخاري: وقال غيره: تنقلان، وكذا رواه مسلم، قيل: معنى تنقزان على الرواية الأولي تثبان، والنقز الوثب والقفز كأنه من سرعة السير، وضبط الشيوخ: القرب، بنصب الباء ووجهه بعيد على الضبط المتقدم. وأما مع: تنقلان، فصحيح وكان بعض شيوخنا يقرأ هذا الحرف بضم باء القرب ويجعله مبتدأ، كأنه قال: والقرب على متونهما والذي عندي في الرواية اختلال، ولهذا جاء البخاري بعدها بالرواية البينة الصحيحة، وقد تخرج رواية الشيوخ بالنصب على عدم الخافض، كأنه قال: تنقزان القرب أي: تحركان القرب بشدة عدوهما بها، فكانت القرب ترتفع وتنخفض مثل الوثب على ظهورهما. قوله: (على متونهما) أي: على ظهورهما، وهو بضم الميم جمع متن، وهو الظهر. قوله: (تفرغانه) بضم التاء يقال: أفرغت الإناء إفراغا، وفرغته بالتشديد تفريغا إذا قلبت ما فيه.
91
((باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان مناقب عبد الله بن سلام، بتخفيف اللام ابن الحارث الإسرائيلي، ثم الأنصاري من بني قينقاع، ويكنى أبا يوسف، وهو من ذرية ابن يوسف الصديق، عليه الصلاة والسلام، وقال أبو عمر: وكان حليفا للأنصار، ويقال: كان حليفا للقواقلة من بني عوف بن الخزرج وكان اسمه في الجاهلية: الحصين فلما أسلم سماه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: عبد الله، وتوفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين وهو أحد الأحبار، أسلم إذ قدم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة. وروى أبو إدريس الخولاني عن يزيد بن عميرة فإنه سمع معاذ بن جبل، رضي الله تعالى عنه. يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول لعبد الله بن سلام: أنه عاشر عشرة في الجنة، وقال أبو عمر: هذا حديث حسن الإسناد صحيح.
300 - (حدثنا عبد الله بن يوسف قال سمعت مالكا يحدث عن أبي النضر مولى عمر بن

274
عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال ما سمعت النبي
يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام قال وفيه نزلت هذه الآية * (وشهد شاهد من بني إسرائيل) * الآية قال لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث)
مطابقته للترجمة لا تخفى فإن فيه منقبة عظيمة له وأبو النضر بالضاد المعجمة اسمه سالم وهو ابن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني قال الواقدي توفي في زمن مروان بن محمد والحديث أخرجه مسلم في فضائل عبد الله بن سلام عن زهير بن حرب وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور قوله ' عن أبي النضر ' وفي رواية أبي يعلى عن يحبى بن معين عن أبي مسهر عن مالك حدثني أبو النضر قوله ' عن عامر ' وفي رواية عاصم بن مهجع عن مالك وعند الدارقطني سمعت عامر بن سعد قوله ' عن أبيه ' هو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة وفي رواية إسحق بن الطباع عن مالك عند الدارقطني سمعت أبي قوله ما سمعت النبي
قيل كيف قال سعد هذا وقد علم أنه قال ذلك فيه وفي باقي العشرة وأجاب عنه الخطابي بأنه كره التزكية لنفسه ولزم التواضع ولم ير لنفسه من الاستحقاق ما رآه لأخيه وقال ابن التين هذا غير بين لأنه نفى باقي العشرة بقوله قلت الأوجه أن يقال لفظ ما سمعت لم ينف أصل الإخبار بالجنة لغيره وقال الكرماني التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد أو المراد بالعشرة الذين جاء فيهم لفظ البشارة المبشرون بها في مجلس واحد أو لم يقل لأحد غيره حال مشيه على الأرض ولا بد من التأويل وكيف لا والحسنان وأزواج النبي
بل أهل بدر ونحوهم من أهل الجنة قطعا انتهى قال وفيه نزلت أي وفي عبد الله بن سلام نزلت هذه الآية * (وشهد شاهد من بني إسرائيل) * وفي التفسير الشاهد هو عبد الله بن سلام وتمام الآية على مثله * (فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * وقال الزمخشري الضمير في مثله للقرآن أي على مثله في المعنى وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعان القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك وحاصل المعنى وشهد شاهد من بني إسرائيل على كونه من عند الله ومن جملة من قال أن الشاهد هو عبد الله بن سلام الحسن البصري ومجاهد والضحاك وأنكره مسروق والشعبي وقالا السورة مكية يعني سورة الأحقاف يعني السورة التي فيها الآية المذكورة قال الشعبي وأسلم عبد الله بن سلام قبل موته
بعامين واختلفا في المراد بالآية فقال مسروق الشاهد موسى عليه السلام وقال الشعبي هو رجل من أهل الكتاب وأجيب بأنه يجوز أن تكون الآية مدنية من سورة مكية وقال صاحب مقامات النزيل هذه السورة يعني سورة الأحقاف مكية إلا آيتان مدنيتان منهما هذه الآية وقال ابن عباس ومقاتل الشاهد ابن يامين وروى السدي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن سلام وابن يامين واسمه عمير بن وهب النضري وروى عبد بن حميد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن اسمه ميمون بن يامين وفيه نزلت هذه الآية وقال الذهبي في تجريد الصحابة يامين بن يامين الإسرائيلي أسلم وكان من بني النضر وقيل يامين بن عمر وقال في باب الميم ميمون بن يامين قال سعيد بن جبير كان
رأس اليهود بالمدينة فأسلم قوله ' قال لا أدري ' أي قال عبد الله بن يوسف الراوي عن مالك لا أدري قال مالك الآية عند الرواية أو كانت هذه الكلمة مذكورة في جملة الحديث فلا يكون خاصا بمالك رضي الله تعالى عنه وقيل هذا الشك من القعنبي أحد الرواة عن مالك وليس بصحيح بل هو عبد الله بن يوسف وروى إسماعيل بن عبد الله الملقب بسمويه في فوائده هذا عن عبد الله بن يوسف ولم يذكر هذا الكلام عنه وكذا رواه الإسمعيلي من وجه آخر عن عبد الله بن يوسف والدارقطني أيضا عنه في غرائب مالك من وجهين آخرين وأخرجه من طريق ثالث عنه بلفظ آخر مقتصرا على الزيادة دون الحديث وقال أنه وهم وروى ابن منده في الإيمان من طريق إسحق بن يسار عن عبد الله بن يوسف الحديث والزيادة والذي يظهر من هذا الاختلاف أنها مدرجة
301 - (حدثني عبد الله بن محمد حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن محمد عن قيس -
3183 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن محمد عن قيس

275
ابن عباد قال كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقالوا هذا رجل من أهل الجنة فصلى ركعتين تجوز فيهما ثم خرج وتبعته فقلت إنك حين دخلت المسجد قالوا هذا رجل من أهل الجنة قال والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم وسأحدثك لم ذلك رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه ورأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة فقيل لي ارقه قلت لا أستطيع فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت بالعروة فقيل لي استمسك فاستيقظت وإنها لفي يدي فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم قال تلك الروضة الإسلام وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى فأنت على الإسلام حتى تموت وذاك الرجل عبد الله بن سلام.
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي. الثاني: أزهر، بسكون الزاي وفتح الهاء: ابن سعد الباهلي مولاهم السمان بتشديد الميم البصري، يكنى أبا بكر، مات سنة ثلاث ومائتين. الثالث: عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون البصري. الرابع: محمد بن سيرين. الخامس: قيس بن عباد، بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة: البصري، قتله الحجاج صبرا.
وأخرجه البخاري أيضا في التفسير عن عبد الله بن محمد، وأخرجه مسلم في فضائل عبد الله بن سلام عن محمد بن المثنى وعن محمد بن عمرو بن جبلة.
ذكر معناه: قوله: (كنت جالسا في مسجد المدينة)، وفي رواية مسلم قال: (كنت بالمدينة في ناس فيهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل في وجهه أثر من خشوع). قوله: (تجوز فيهما)، أي: خفف وتكلف الجواز فيهما. قوله: (ثم خرج وتبعته)، وفي رواية مسلم: (فأتبعته فدخل منزله ودخلت، فتحدثنا، فلما استأنس قلت له: إنك لما دخلت قال رجل: كذا وكذا. قوله: (قال: والله لا ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم)، وفي رواية مسلم (قال: سبحان الله! ما ينبغي لأحد)، وهذا إنكار من عبد الله بن سلام حيث قطعوا له بالحنة، فيحتمل أن هؤلاء بلغهم خبر سعد أنه من أهل الجنة ولم يسمع هو ذلك، أو أنه كره الثناء عليه بذلك تواضعا، أو غرضه: إني رأيت رؤيا على عهده، صلى الله عليه وسلم فقال: صلى الله عليه وسلم ذلك، وهذا لا يدل على النص بقطع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أني من أهل الجنة، فلهذا كان محل الإنكار. قوله: (لم ذلك؟) أي: لأجل ما قالوا ذلك القول؟ قوله: (ذكر) أي: عبد الله بن سلام. قوله: (أرقه)، بهاء السكت في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: أرق، بدون الهاء، وهو أمر من رقى يرقى من باب علم يعلم إذا ارتفع وعلا، ومصدره: رقي، بضم الراء وكسر القاف وتشديد الياء. قوله: (فأتاني منصف)، بكسر الميم وسكون النون، وهو الخادم. وفي رواية الكشميهني، بفتح الميم والأول أشهر قوله: (فرفع ثيابي)، وفي رواية مسلم: (ثم قال: بثيابي من خلفي)، ووصف أنه رفعه من خلفه بيده. قوله: (فرقيت) بكسر القاف على المشهور وحكي فتحها. قوله: (فاستيقظت)، وفي رواية مسلم: (ولقد استيقظت). قوله: (وإنها) الواو فيه للحال أي: وإن العروة في يدي، معناه: أنه بعد الأخذ استيقظ في الحال قبل الترك لها، يعني: استيقظت حال الأخذ من غير فاصلة بينهما، أو أن أثرها في يدي كان يده بعد الاستيقاظ كانت مقبوضة بعد كأنها تستمسك شيئا، مع أنه لا محذور في التزام كون العروة في يده عند الاستيقاظ لشمول قدرة الله لنحوه. قوله: (الإسلام) يريد به جميع ما يتعلق بالدين، ويريد بالعمود: الأركان الخمسة أو كلمة الشهادة وحدها، ويريد بالعروة الوثقى الإيمان قال تعالى: * (ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) * (البقرة: 652). والوثقى على وزن فعلى من وثق به ثقة ووثوقا، أي: ائتمنه وأوثقه ووثقه بالتشديد أحكمه. قوله: (وذلك الرجل: عبد الله بن سلام)

276
يحتمل أن يكون هو قوله: ولا مانع أن يخبر بذلك ويريد نفسه، ويحتمل أن يكون من كلام الراوي.
وقال لي خليفة حدثنا معاذ حدثنا ابن عون عن محمد حدثنا قيس بن عباد عن ابن سلام قال وصيف مكان منصف
أي: قال لي خليفة بن خياط، وهو أحد شيوخه: حدثنا معاذ بن معاذ بن نصر العنبري قاضي البصرة حدثنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين حدثنا قيس بن عباد المذكور في الرواية السابقة عن عبد الله بن سلام أنه قال: فأتاني وصيف، مكان منصف، والوصيف بمعناه وهو الخادم الصغير غلاما كان أو جارية، ومن طريق معاذ بن معاذ المذكور روى مسلم الحديث المذكور، فقال: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ حدثنا ابن عون... إلى آخره نحوه، ورواه مسلم أيضا عن قتيبة من حديث خرشة بن الحر مطولا بألفاظ غير ما في الرواية الأولى.
4183 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه فقال ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا وتدخل في بيت ثم قال إنك بأرض الربا بها فاش إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا ولم يذكر النضر
وأبو داود ووهب عن شعبة البيت. (الحديث 4183 طرفه في: 2437).
مطابقته للترجمة من وجهين: أحدهما: من حيث إنه علم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل في بيت عبد الله وفيه تعظيم له. والآخر: من حيث إنه أمر بترك قبول هدية المستقرض، وهذا من غاية الورع، وفيه منقبة عظيمة.
وسعيد بن أبي بردة يروي عن أبيه أبي بردة، بضم الباء الموحدة: عامر بن أبي موسى الأشعري قاضي الكوفة مات سنة ثلاث ومائة وهو ابن نيف وثمانين سنة.
قوله: (وتدخل في بيت)، التنوين فيه للتعظيم أي: بيت عظيم مشرف بدخول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيه وهو أحد وجهي المطابقة على ما ذكرنا. قوله: (بأرض) أي: أرض العراق أي: إنك مقيم بأرض. قوله: (الربا بها فاش)، جملة اسمية من المبتدأ والخبر في محل الجر لأنها صفة لأرض، ومعنى: فاش ظاهر وشاسع كثير من الفشو. قوله: (حمل تبن)، بكسر الحاء. قوله: (أو) في الموضعين للتنويع. قوله: (قت)، بفتح القاف وتشديد التاء المثناة من فوق وهو نوع من علف الدواب. قوله: (فإنه ربا) أي: فإن قبول هدية المستقرض جار مجرى الربا من حيث إنه زائد على ما أخذه من المستقرض، ويمكن أن يكون رأي عبد الله بن سلام أنه عنده حقيقة الربا، وعلى كل حال الورع والزهد والتقوى ينفي ذلك. قوله: (ولم يذكر النضر)، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هو ابن شميل، وأشار بهذا إلى أن النضر ابن شميل وأبا داود سليمان الطيالسي ووهب بن جرير لما رووا الحديث المذكور عن شعبة لم يذكروا فيه لفظ: (وتدخل في بيت).
02
((باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله تعالى عنها))
أي: هذا باب في بيان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم، خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، تجتمع مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قصي وهي من أقرب نسائه إليه في النسب، ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها إلا أم حبيبة. قال الزبير: كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة، أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، والأصم اسمه: جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر بن لؤي، تزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور، وقال أبو عمر: كانت إذ تزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنت أربعين سنة، وأقامت معه أربعا وعشرين سنة وتوفيت وهي بنت أربع وستين سنة، وستة أشهر، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ تزوجها ابن إحدى وعشرين سنة، وقيل: ابن خمس وعشرين، وهو الأكثر، وقيل: ابن ثلاثين وتوفيت قبل الهجرة بخمس سنين.

277
وقيل: بأربع، وقال قتادة: قبل الهجرة بثلاث سنين، قال أبو عمر: قول قتادة عندنا أصح، وقال أبو عمر: يقال: إنها توفيت بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام، توفيت في شهر رمضان ودفنت في الحجون، وذكر البيهقي: أن أباها خويلد هو الذي زوجه إياها، وذكر ابن الكلبي أنه زوجها إياه عمها عمرو بن أسد، وذكر ابن إسحاق أن الذي زوجه إياها أخوها عمرو بن خويلد، وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي هالة بن النباش بن زرارة التميمي حليف بني عبد الدار، قال الزبير: اسمه مالك، وقال ابن منده: زرارة، وقال العسكري: هند، وقال أبو عبيدة: اسمه النباش وابنه هند، ومات أبو هالة في الجاهلية، وكانت خديجة قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي، ثم خلف عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يختلفوا أنه ولد له منها أولاده كلهم إلا إبراهيم، وقال ابن إسحاق، ولدت خديجة له زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم، وبه كان يكنى، والطاهر والطيب، فالثلاثة هكلوا في الجاهلية، وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: كيف قال: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة، وكان يقتضي الكلام أن يقال: باب تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من باب التفعل لا من باب التفعيل؟ وهذا يقتضي أن يكون التزويج لغيره؟ قلت: قد وقع في بعض النسخ: باب تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة على الأصل، ولكن في أكثر النسخ بلفظ: تزويج، فوجهه أن يقال: إن التفعيل يجيء بمعنى التفعل، ولهذا يقال: بمعنى المتقدمة، أو المراد: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة من نفسه. قوله: (وفضلها) أي: وفي بيان فضل خديجة، رضي الله تعالى عنها.
5183 حدثني محمد أخبرنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه قال سمعت عبد الله بن جعفر قال سمعت عليا رضي الله تعالى عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. ح وحدثني صدقة أخبرنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه قال سمعت عبد الله بن جعفر عن علي رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة. (انظر الحديث 2343).
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين الأول: عن محمد بن سلام البخاري البيكندي وهو من أفراده عن عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: عن صدقة بن الفضل المروزي عن عبدة... إلى آخره.
وفيه: رواية تابعي عن تابعي، هشام عن أبيه، ورواية صحابي عن صحابي: عبد الله بن جعفر عن عمه علي بن أبي طالب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، في باب: * (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك) * (آل عمران: 24). ومضى الكلام فيه هناك. قال القرطبي: الضمير يعني في: نسائها، عائد على غير مذكور، لكنه يفسره الحال والشأن، يعني به نساء الدنيا. وقال الطيبي: الضمير الأول يرجع إلى الأمة التي كانت فيها مريم، عليها الصلاة والسلام، والثاني إلى هذه الأمة، ولهذا كرر الكلام تنبيها على أن حكم كل واحدة منهما غير حكم الأخرى، ووقع في رواية مسلم عن وكيع عن هشام في هذا الحديث، وأشار وكيع إلى السماء والأرض، فكأنه أراد أن يبين أن المراد نساء الدنيا، وأن الضميرين يرجعان إلى
الدنيا، وبهذا جزم القرطبي أيضا. وقال الكرماني: والضمير يرجع إلى الأرض، وقال بعضهم: والذي يظهر لي أن قوله: (خير نسائها) خبر مقدم، والضمير لمريم، وكأنه قال: مريم خير نسائها، أي: نساء زمانها، وكذا في خديجة: قلت: هذا فيه تعسف من وجوه: الأول: تقديم الخبر لغير نكتة غير طائل. والثاني: إضافة النساء إلى مريم غير صحيحة. والثالث: فيه الحذف وهو غير الأصل.
6183 حدثنا سعيد بن عفير حدثنا الليث قال كتب إلي هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب وإن كان ليذبح الشاة

278
فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعيد بن عفير، بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف: وهو سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان المصري، وقد نسب إلى جده، والحديث من أفراده.
قوله: (كتب إلي هشام) يعني: هشام بن عروة ابن الزبير، ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن الليث: حدثني هشام بن عروة، قيل: لعل الليث لقي هشاما بعد أن كتب إليه بهذا الحديث فحدثه به. وقيل: كان مذهب الليث أن الكتابة والتحديث سواء، ونقل عنه الخطيب ذلك. قوله: (ما غرت) بكسر الغين المعجمة من الغيرة وهي الحمية والأنفة، يقال: رجل غيور وامرأة غيور بلا: هاء، لأن فعولا يشترك فيه الذكر والأنثى، وجاء في حديث: أن امرأة غيرى، على وزن فعلى، من الغيرة يقال: غرت على أهلي أغار غيرة فأنا غائر وغيور للمبالغة، وفيه ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء، فضلا عمن دونهن، وكانت عائشة تغار من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن تغار من خديجة أكثر، وذلك لكثرة ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إياها. وأصل غيرة المرأ من تخيل محبة غيرها أكثر منها وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة، وقال القرطبي: مرادها بالذكر لها مدحها والثناء عليها. قوله: (هلكت قبل أن يتزوجني) أي: ماتت خديجة قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم، بعائشة، ويأتي عن قريب بيان المدة إن شاء الله تعالى. وأشارت عائشة بذلك إلى أن خديجة لو كانت حية في زمانها لكانت غيرتها منها أكثر وأشد. قوله: (وأمره الله أن يبشرها)، أي: أمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يبشر خديجة (ببيت من قصب) بفتحتين، قال الجوهري: هو أنابيب من جوهر، وقال النووي: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف، وقيل: قصب من ذهب منظوم بالجواهر، ويقال: القصب هنا اللؤلؤ المجوف الواسع كالقصر المنيف، وقد جاء في رواية عبد الله بن وهب: قال أبو هريرة قلت: يا رسول الله! وما بيت من قصب؟ قال: بيت من لؤلؤة مجوفة، رواه السمرقندي في (صحيح مسلم): مجوبة، وروى الخطابي: مجوبة، بضم الجيم، أي: قطع داخلها فتفرغ، وخلا من قولهم: جبت الشيء إذا قطعته، وروى أبو القاسم بن مطير بإسناده عن فاطمة، رضي الله تعالى عنها، سيدة نساء العالمين أنها قالت: (يا رسول الله أين أمي خديجة؟ قال: في بيت من قصب، لا لغو فيه ولا نصب، بين مريم وآسية امرأة فرعون. قالت: يا رسول الله! أمن هذا القصب؟ قال: لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت. فإن قلت: قال: من قصب، ولم يقل: من لؤلؤ ونحوه؟ قلت: هذا من باب المشاكلة لأنها لما أحرزت قصب السبق إلى الإيمان دون غيرها من الرجال والنساء ذكر الجزاء بلفظ العمل، والعرب تسمي السابق محرز القصب. فإن قلت: كيف بشرها ببيت وأدنى أهل الجنة منزلة من يعطي مسيرة ألف عام في الجنة، كما في حديث ابن عمر عند الترمذي؟ قلت: قيل: ببيت زائد على ما أعده الله لها من ثواب أعمالها. وقال الخطابي: البيت هنا عبارة عن قصر، ألا يرى قد يقال لمنزل الرجل: بيته، ويقال في القوم: هل هو أهل بيت شرف وعز؟ وقال السهيلي ماملخصه: أنه من باب المشاكلة لأنها كانت ربة بيت في الإسلام ولم يكن على وجه الأرض بيت إسلام إلا بيتها حين آمنت، وجزاء الفعل يذكر بلفظ الفعل، وإن كان أشرف منه، كما قيل: من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة، لم يرد مثله في كونه مسجدا ولا في صفته، ولكنه قابل البنيان بالبنيان أي: كما بنى بني له. قوله: (وإن كان)، كلمة: إن، مخففة من المثقلة ويراد بها تأكيد الكلام ولهذا أتت باللام في قولها (ليذبح). قوله: (فيهدي) في خلائلها، بالخاء المعجمة جمع خليلة، وهي الصديقة وهذا أيضا من أسباب الغيرة لما فيه من الإشعار باستمرار حبه لها حتى كان يتعاهد صواحباتها. قوله: (منها) أي: من الشاة. قوله: (ما يسعهن) أي: ما يسع لهن، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي والحموي: (ما يتسعهن)، أي: ما يتسع لهن، وفي رواية النسفي: ما يشبعهن) من الإشباع، قيل: ليس في روايته كلمة ما.
7183 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حميد بن عبد الرحمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما غرت على خديجة من كثرة ذكر

279
رسول الله إياها قالت وتزوجني بعدها بثلاث سنين وأمره ربه عز وجل أو جبريل عليه السلام أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب..
هذا طريق آخر في حديث عائشة المذكور عن قتيبة عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، بضم الراء وهمزة بعد الراء وسين مهملة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وحديث آخر في الحدود، وفيه زيادة قوله: (وتزوجني بعدها) أي: بعد موت خديجة بثلاث سنين. قال النووي: أرادت بذلك زمن دخولها عليه، وأما العقد فتقدم على ذلك بمدة سنة ونصف. قوله: (أو جبريل)، شك من الراوي.
8183 حدثني عمر بن محمد بن حسن حدثنا أبي حدثنا حفص عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد..
هذا طريق آخر في حديث عائشة المذكور أخرجه عن عمر بن محمد بن حسن المعروف بابن التل، بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد اللام الأسدي الكوفي، مات في
شوال سنة خمسين ومائتين، يروي عن أبيه محمد بن حسن بن الزبير أبي جعفر الأسدي الكوفي هو وابنه من أفراد البخاري، وهو يروي عن حفص بن غياث النخعي الكوفي قاضيها عن هشام بن عروة عن أبيه عروة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، وهذا الإسناد نازل لأنه يروي عن حفص بن غياص بواسطة شخص، وهنا روى عنه بواسطة اثنين، وليس في البخاري لعمر إلا هذا الحديث، وآخر في الزكاة، وقد مر، وهو من صغار شيوخه.
والحديث أخرجه مسلم في فضل خديجة أيضا عن سهل بن عثمان. وأخرجه الترمذي في البر عن أبي هشام الرفاعي.
قوله: (وما رأيتها) جملة حالية، وفي رواية مسلم: (ولم أدركها)، والمعنى: ما رأيتها عند النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدركتها عنده، ورؤيتها إياها كانت ممكنة، وكذلك إدراكها إياها لأنها كانت عند موت خديجة بنت ست سنين، ولكن نفيها الرؤية والإدراك بالقيد المذكور. قوله: (كأنه لم يكن)، وفي رواية الكشميهني: (كأن لم يكن)، بحذف الهاء. قوله: (أنها كانت)، أي: أن خديجة كانت، وكانت أي: كانت فاضلة، وكانت عاملة وكانت تقية ونحوها ذلك، قوله: (وكان لي منها) أي: من خديجة: (ولد) وقد ذكرنا أن جميع أولاده من خديجة إلا ابنه إبراهيم فإنه من مارية القبطية.
وقال النووي: وفي هذا الحديث ونحوه دلالة لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حيا وميتا، وإكرام معارف ذلك الصاحب.
307 - (حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن إسماعيل قال قلت لعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما بشر النبي
خديجة قال نعم ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب)
يحيى هو القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وعبد الله بن أبي أوفى واسم أبي أوفى علقمة الأسلمي لهما صحبة قوله بشر النبي
خديجة أي هل بشر النبي
وأداة الاستفهام محذوفة قوله قال نعم أي قال عبد الله نعم بشرها ببيت من قصب وقد مضى في أبواب العمرة في باب متى يحل المعتمر في رواية جرير عن إسماعيل أنهم قالوا لعبد الله بن أبي أوفى حدثنا ما قال لخديجة قال قال بشروا خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب وقد

280
مر الكلام فيه هناك والقصب قد مر تفسيره والصخب بالمهملة والمعجمة المفتوحتين الصوت المختلط المرتفع والنصب المشقة والتعب وذكر الصخب والنصب أيضا من باب المشاكلة لأنه
لما دعاها إلى الإيمان أجابته سريعا ولم تحوجه إلى أن يصخب كما يصخب الرجل إذا تعصت عليه امرأته ولا أن ينصب بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل مكروه وأزاحت بمالها كل كدر ونصب فوصف منزلها الذي بشرت به بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها * -
0283 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. (الحديث 0283 طرفه في: 7947).
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث من مراسيل الصحابة، لأن أبا هريرة لم يدرك خديجة ولا أيامها، وعمارة، بضم العين المهملة وتخفيف الميم: ابن قعقاع، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي اسمه هرم، وقيل: عبد الله، وقيل: غير ذلك.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن زهير بن حرب. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر، وأبي كريب وابن نمير. وأخرجه النسائي في المناقب عن عمرو بن علي.
قوله: (عن أبي هريرة) وفي رواية مسلم: سمعت أبا هريرة. قوله: (أتى جبريل) وعند الطبراني أن ذلك كان وهو بحراء. قوله: (قد أتت) وفي رواية مسلم: قد أتتك، أي: توجهت أليك، قوله: (فيه إدام أو طعام أو شراب) شك من الراوي، وعند الطبراني أنه كان حيسا. قوله: (فإذا هي أتتك) أي: وصلت إليك. قوله: (فاقرأ عليها السلام) أي: سلم عليها من ربها ومني. فإن قلت: كيف ردت الجواب؟ قلت: بين ذلك الطبراني في روايته، فقالت: هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام. وللنسائي من رواية أنس، قال: قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقرئ خديجة السلام، يعني: فأخبرها فقالت: إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، وفي رواية ابن السني زيادة وهي قولها: وعلى من سمع السلام إلا الشيطان. فإن قلت: فلم ما قالت: وعلى الله السلام؟ كما قالت: وعلى جبريل وعليك يا رسول الله؟ قلت: لأن الله هو السلام، وهو اسم من أسمائه فلا يرد عليه السلام كما يرد على المخلوقين، ألا يرى أن بعض الصحابة لما قالوا في التشهد: السلام على الله؟ نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: إن الله هو السلام؟ فقولوا التحيات لله، ولأن السلام دعاء أيضا بالسلامة فلا يصلح أن يرد به على الله، ففيه دلالة على صحة فهم خديجة وقوة إدراكها مثل هذا. فإن قلت: لما ردت الجواب بما ذكرنا، هل كان جبريل، عليه الصلاة والسلام، حاضرا؟ قلت: بلى، كان حاضرا فردت عليه وردت على النبي صلى الله عليه وسلم، مرتين، ثم أخرجت الشيطان ممن سمع لأنه لا يستحق الدعاء بذلك.
1283 وقال إسماعيل بن خليل قال أخبرنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال اللهم هالة قالت فغرت فقلت ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها.
مطابقته للجزء الأول من الترجمة من حيث دلالته على التزويج بطريق اللزوم. وقال الكرماني: المراد من الترجمة لفظ: وفضلها، كما تقول: أعجبني زيد وكرمه، وتريد أعجبني كرم زيد. قلت: على قوله لا يوجد في الباب للجزء الأول من الترجمة حديث يطابقها.
وإسماعيل بن خالد أبو عبد الله الخزار الكوفي، روى عنه البخاري ومسلم، وقال البخاري: جاءنا نعيه سنة خمس

281
وعشرين ومائتين. قوله: (وقال إسماعيل) صورته صورة التعليق في النسخ كلها، لكن الحافظ المزي قال: حديث استأذنت هالة... وذكر الحديث، ثم قال حينئذ في فضل خديجة: عن إسماعيل بن خليل، فهذه العبارة تدل على أنه روى عنه، فتقتضي اتصاله. وأخرجه مسلم في الفضائل عن سويد بن سعيد. وأخرجه أبو عوانة عن محمد بن يحيى الذهلي عن إسماعيل المذكور.
قوله: (استأذنت هالة)، بالهاء وتخفيف اللام، وهي أخت خديجة وكلتاهما بنتا خويلد بن أسد، وكانت زوج الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس والد أبي العاص زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرت في الصحابة، وقد هاجرت إلى المدينة لأن استيذانها كان بالمدينة. قوله: (فعرف استئذان خديجة)، أي: تذكر استئذانها لشبه صوتها بصوت خديجة. قوله: (فارتاع لذلك) من الروع أي: فزع، ولكن المراد لازمه وهو التغير، ويروى: فارتاح، بالحاء المهملة أي: اهتز لذلك سرورا قوله: (فقال: اللهم هالة) بالنصب تقديره: يا الله إجعلها هالة، فتكون هالة منصوبا على المفعولية، ويجوز رفعها على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هذه هالة، وروى المستغفري من طريق حماد بن سلمة عن هشام بهذا السند. قدم ابن لخديجة يقال له هالة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم في قابلته كلام هالة فانتبه وقال: هالة هالة، ثم قال المستغفري: الصواب هالة أخت خديجة. قوله: (قالت)، أي: عائشة (فغرت) من الغيرة. (فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش؟) أرادت به خديجة. قوله: (حمراء الشدقين) بالحاء المهملة والراء، والشدق بالكسر جانب الفم، أرادت أنها عجوز كبيرة جدا قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبق بشدها بياض من الأسنان إنما بقيت فيه حمرة اللثات. وقال القرطبي: قيل: معنى حمراء الشدقين بيضاء الشدقين، والعرب تطلق الأحمر على الأبيض كراهة لاسم البياض لكونه يشبه البرص، وفيه نظر لا يخفى، وحكى ابن التين أنه روي بالجيم والزاي ولم يذكر له معنى، وهو تصحيف، قاله بعضهم. وقال صاحب (التوضيح): روى كلاهما ولم يذكر المعنى أيضا. قوله: (خيرا منها)، أي: من خديجة، وقال ابن التين: في سكوت النبي صلى الله عليه وسلم، على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة، رضي الله تعالى عنهما، إلا أن يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن، وقال الطبري وغيره: الغيرة تسامح للنساء ما يقع منهن ولا عقوبة عليهن في تلك الحالة لما جبلن عليها، ولهذا لم يزجر، صلى الله عليه وسلم، عائشة عن ذلك. قلت: فعلى هذا سكوته صلى الله عليه وسلم على المقالة المذكورة لا يدل على أفضلية عائشة على خديجة، على أنه جاءت رواية بالرد لهذه المقالة، وهي ما رواه أحمد والطبراني من رواة ابن أبي نجيح عن عائشة، أنها قالت: قد أبدلك الله بكبيرة السن حديثة السن، فغضب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير.
12
((باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب فيه ذكر جرير بن عبد الله بن جابر، وهو الشليل، بفتح الشين المعجمة وبلامين بينهما ياء آخر الحروف: ابن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عوف البجلي، نسبة إلى بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة أم ولد أنمار بن أراش أحد أجداد جرير، وكنيته أبو عمرو، نزل الكوفة ثم نزل قرقيسيا وبها مات سنة إحدى وخمسين، وكان سيدا مطاعا مليحا طوالا بديع الجمال صحيح الإسلام كبير القد، قال صلى الله عليه وسلم: على وجهه مسحة ملك. وعن عمر، رضي الله تعالى عنه، قال: إنه يوسف هذه الأمة، ولما دخل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أكرمه وبسط له رداءه، وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. رواه الطبراني في (الأوسط) من حديث قيس عنه، وقال أبو عمر: كان إسلامه في العام الذي توفي فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال جرير: أسلمت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما، وفيه نظر، لأنه ثبت في (الصحيح): أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: استنصت الناس في حجة الوداع وذلك قبل موته بأكثر من ثمانين يوما، قيل: الصحيح أن إسلامه كان في سنة الوفود سنة تسع أو سنة عشر.
2283 حدثنا إسحاق الواسطي قال حدثنا خالد عن بيان عن قيس قال سمعته يقول قال جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك. (انظر الحديث 5303 وطرفه).

282
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر جرير وإكرام النبي صلى الله عليه وسلم، إياه، وإسحاق هو ابن شاهين الواسطي ابن بشر وهو من أفراد البخاري، وخالد هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان الواسطي من الصالحين، وبيان، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن بشر، بالباء الموحدة المكسورة: الأحمسي المعلم، وقيس هو ابن أبي حازم، بالحاء المهملة والزاي، والحديث مضى في الجهاد في: باب من لا يثبت على الخيل، بأتم منه.
3283 وعن قيس عن جرير بن عبد الله قال كان في الجاهلية بيت يقال له ذو الخلصة وكان يقال له الكعبة اليمانية أو الكعبة الشامية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنت مريحي من ذي الخلصة قال فنفرت إليه في خمسين ومائة فارس من أحمس قال فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده فأتيناه فأخبرناه فدعا لنا ولأحمس..
فيه أيضا ذكر جرير وخبره، وفيه المطابقة وفيه إكرام النبي صلى الله عليه وسلم، له حيث دعا له ولأحمس، وهو بالمهملتين اسم قبيلة، وهو أحمس بن غوث، وغوث هذا ابن بجيلة بنت مصعب المذكور آنفا.
قوله: (وعن قيس)، هو موصول بالإسناد المذكور، وهو قيس بن أبي حازم.
والحديث مضى بأتم منه في الجهاد في: باب البشارة في الفتوح، ومضى الكلام فيه هناك، ولكن نتكلم ببعض شيء لطول العهد من هناك فنقول.
قوله: (بيت) وكان لخثعم وكان باليمن وكان فيه صنم يدعى بالخلصة، بالخاء المعجمة المفتوحة وباللام المفتوحة، وحكى سكونها، واليمانية بتخفيف الياء على الأصح. وقال النووي: فيه إشكال، إذ كانوا يسمونها بالكعبة اليمانية فقط، وأما الكعبة الشامية فهي الكعبة المكرمة التي بمكة، شرفها الله تعالى، وفرقوا بينهما بالوصف للتمييز، فلا بد من تأويل اللفظ بأن يقال: كان يقال لها الكعبة اليمانية، والتي بمكة الكعبة الشامية، وقد يروى بدون: الواو، فمعناه: كان يقال هذان اللفظان أحدهما لموضع والآخر لآخر، وقال القاضي: ذكر الشامية غلط من الرواة والصواب حذفه، وقال الكرماني: الضمير في: له، راجع إلى البيت، والمراد به: بيت للصنم، كان يقال لبيت الصنم: الكعبة اليمانية، والكعبة الشامية فلا غلط ولا حاجة إلى التأويل بالعدول عن الظاهر. قوله: (مريحي) من الإراحة، بالراء المهملة.
22
((باب ذكر حذيفة بن اليمان العبسي رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب فيه ذكر حذيفة بن اليمان، واليمان لقب واسمه: حسيل، وقيل: حسل، وإنما قيل له اليمان لأنه حالف اليمانية، وحسل بن جابر بن أسد بن عمرو بن مالك أبو عبد الله العبسي حليف بني الأشهل صاحب سر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، له ولأبيه صحبة، قتل أبوه يوم أحد وكان حذيفة أميرا على المدائن، استعمله عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، ومات بعد قتل عثمان بأربعين يوما، سكن الكوفة. وقال الذهبي: مات بدمشق، وقد ذكره البخاري فيما مضى في مناقب عمار وحذيفة، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (العبسي)، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وبالسين المهملة: نسبة إلى عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان.
4283 حدثني إسماعيل بن خليل قال أخبرنا سلمة بن رجاء عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لما كان يوم أحد هزم المشركون هزيمة بينة فصاح إبليس أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم على أخراهم فاجتلدت أخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه فنادى أي عباد الله أبي أبي فقالت فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة غفر الله لكم قال أبي فوالله ما زالت في حذيفة منها بقية خير حتى لقي الله عز وجل..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل بن خليل عن قريب مضى، وسلمة بن رجاء، بفتح اللام: أبو عبد الرحمن الكوفي، والحديث

283
من أفراده.
قوله: (هزم) على صيغة المجهول. قوله: (بينة) أي: ظاهرة. قوله: (أخراكم) أي: اقتلوا اخراكم أو انصروا أخراكم، قال ذلك إبليس تغليطا وتلبيسا، والخطاب للمسلمين أو للمشركين. (فاجتلدت) يقال: تجالد القوم بالسيوف، وكذلك: اجتلدوا. قوله: (أبي أبي) بالتكرار، يعني: هذا أبي، يحذر المسلمين عن قتله ولم يسمعوه فقتلوه يظنونه من المشركين ولا يدرون، فتصدق حذيفة بديته على من أصابه. قوله: (فقالت) أي: عائشة. قوله: (ما احتجزوا) أي: ما انفصلوا من القتال وما امتنع بعضهم من بعض (حتى قتلوه) أي: أبا حذيفة قوله: (قال)، أي: هشام بن عروة، (قال: أبي) أي: عروة، وفصل هذا من حديث عائشة فصار مرسلا. قوله: (منها) أي: من هذه الكلمة أي بسببها وهي قول حذيفة: غفر الله لكم. قوله: (بقية خير حتى لقي الله عز وجل)، يؤخذ منه أن فعل الخير تعود بركته على صاحبه في طول حياته، وهذا الباب والذي قبله وقعا في بعض النسخ قبل: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة، رضي الله تعالى عنها.
32
((باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة رضي الله تعالى عنها))
أي: هذا باب فيه ذكر هند يجوز فيه الصرف ومنعه بنت عتبة، بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق: ابن ربيعة ابن عبد شمس وهي والدة معاوية بن أبي سفيان قتل أبوها ببدر كما سيأتي وشهدت هي مع زوجها أبي سفيان أحدا وحرضت على قتل حمزة، رضي الله تعالى عنه، عم النبي صلى الله عليه وسلم لكونه قتل عمها شيبة، فقتله وحشي بن حرب، ثم أسلمت هند يوم الفتح وكانت من عقلاء النساء وكانت قبل أبي سفيان عند الفاكه بن المغيرة المخزومي، ثم طلقها في قصة جرت، ثم تزوجها أبو سفيان فأنجبت عنده، وماتت في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه.
5283 وقال عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري حدثني عروة أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت جاءت هند بنت عتبة قالت يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزو من أهل خبائك قالت وأيضا والذي نفسي بيده قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا قال لا أراه إلا بالمعروف..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه ذكر هند، وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وقد مر غير مرة، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النفقات عن محمد بن مقاتل وفي الأيمان والنذور عن يحيى بن بكير، وأخرجه هنا معلقا وكلام أبي نعيم في (المستخرج) يقتضي أن البخاري أخرجه موصولا ووصله البيهقي عن عبدان.
قوله: (خباء)، هي الخيمة التي من الوبر أو الصوف على عمودين أو ثلاثة. وقال الكرماني: يحتمل أن تريد به نفسه صلى الله عليه وسلم فكنت عنه بذلك إجلالا له، وأهل بيته، والخباء يعبر به عن مسكن الرجل وداره. قوله: (قالت: وأيضا والذي نفسي بيده)، هذا جواب لهند بتصديق ما ذكرته يعني: وأنا أيضا بالنسبة إليك مثل ذلك، وقيل: معناه وأيضا ستزيدين في ذلك ويتمكن الإيمان في قلبك فيزيد حبك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم ويقوى رجوعك عن غضبه، وهذا المعنى أولى وأوجه من الأول، بيان ذلك من جهة طرف الحب والبغض، فقد كان في المشركين من هو أشد أذى للنبي صلى الله عليه وسلم من هند وأهلها، وكان في المسلمين بعد
أن أسلمت من هو أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها ومن أهلها، فلا يمكن حمل الخبر على ظاهره فيفسر بما ذكرناه أولا. قوله: (قالت: يا رسول الله!) أي: قالت هند: يا رسول الله (إن أبا سفيان) تعني زوجها والد معاوية. (رجل مسيك) بكسر الميم وتشديد السين المهملة، وهي صيغة مبالغة أي: بخيل جدا شحيح. قوله: (هل علي؟)، بتشديد الياء استفهام على سبيل الاستعلام، أي: هل علي حرج أو إثم (أن أطعم) أي: بأن أطعم من الإطعام؟ قوله: (من الذي له) أي: من المال الذي لأبي سفيان قوله: (عيالنا) بالنصب لأنه مفعول: أطعم، بضم الهمزة. قوله: (قال: لا) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أرى ذلك، أي: الإطعام. (إلا بالمعروف) أي: بقدر الحاجة

284
والضرورة دون الزيادة عليها.
وفيه: وجوب النفقة للأولاد الصغار الفقراء، ومنهم من احتج به على جواز الحكم للغائب، ورد ذلك بأن هذا كان إفتاء لا حكما.
42
((باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل))
أي: هذا باب في بيان حديث زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر العدوي، وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرة، وابن عم عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، لأن عمر هو ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى وعمرو الذي هو والد زيد أخو خطاب والد عمر بن الخطاب، فيكون زيد هذا ابن عم عمر بن الخطاب، وكان زيد هذا ممن طلب التوحيد، وخلع الأوثان وجانب الشرك ولكنه مات قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقال سعيد بن المسيب: مات وقريش تبني الكعبة قبل نزول الوحي على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بخمس سنين، وعن زكريا السعدي: أنه لما مات دفن بأصل حراء، وعند ابن إسحاق: أنه لما توسط بلاد لحم عدوا عليه فقتلوه، وعند الزبير: بلغنا أن زيدا كان بالشام فلما بلغه خروج سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أقبل يريده فقتله أهل ميفعة. وقال البكري، وهي قرية من أرض البلقاء بالشام، ويقال: كان زيد سكن حراء وكان يدخل مكة سرا ثم سار إلى الشام يسأل عن الدين فسمته النصارى فمات. فإن قلت: ما حكمه من جهة الدين؟ قلت: ذكره الذهبي في (تجريد الصحابة) وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يبعث أمة وحده، وعن جابر، رضي الله تعالى عنه، قال: سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه كان يستقبل القبلة في الجاهلية، ويقول: إل
1764; هي إل
1764; ه إبراهيم وديني دين إبراهيم ويسجد، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يحشر ذاك أمه وحده بيني وبين عيسى ابن مريم، عليهما السلام، رواه ابن أبي شيبة، وروى محمد بن سعد من حديث عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب، قال: قال لي زيد بن عمرو: إني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل، وما كانا يعبدان، وإن كانا يصليان إلى هذه القبلة وأنا أنتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث، ولا أراني أدركه وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، وإن طالت بك حياة فأقرئه مني السلام. قال عامر فلما أسلمت أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بخبره، قال: فرد عليه السلام، وترحم عليه، وقال: لقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا، وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد، وفيه قال: سألت أنا وعمر، رسول الله، صلى الله عليه وسلم عن زيد، فقال: غفر الله له، ورحمه. فإنه مات على دين إبراهيم، عليه الصلاة والسلام. وقال الباغندي عن أبي سعيد الأشج عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين)، وقال ابن كثير: وهذا إسناد جيد وليس في شيء من الكتب. فإن قلت: لم ذكر البخاري هذا الباب في كتابه؟ قلت: أشار به إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه قبل أن يبعث، وذكر في شأنه ما ذكره حتى إن الذهبي وغيره ذكروه في الصحابة، وقال صاحب (التوضيح) ميل البخاري إليه، قلت: فلذلك ذكره بين ذكر الصحابة.
6283 حدثني محمد بن أبي بكر حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موساى حدثنا سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة فأبى أن يأكل منها ثم قال زيد إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه وأن زيد بن عمر و كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله إنكارا لذلك وإعظاما له. (الحديث 6283 طرفه في: 9945).

285
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه حديث زيد المذكور. ومحمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي البصري، يروي عن فضيل بن سليمان النميري البصري، يروي عن موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه عبد الله.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن معلى بن أسد. وأخرجه النسائي في المناقب عن أحمد بن سليمان.
قوله: (يلدح) بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الدال المهملة وفي آخره حاء مهملة، قال البكري: هو موضع في ديار بني فزارة، وهو واد في طريق التنعيم إلى مكة. قوله: (فقدمت) على صيغة المجهول: قوله: (سفرة) قال ابن الأثير: السفرة طعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به، كما سميت المزادة راوية، وغير ذلك من الأسماء المنقولة. قوله: (فأبى) أي: أبى زيد، أي: امتنع أن يأكل منها. وقال ابن بطال: كانت السفرة لقريش فقدموها للنبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكل منها، فقدمها النبي صلى الله عليه وسلم، لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها. وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها
أولا: إنا لا نأكل كل ما ذبح على أنصابكم. انتهى. والأنصاب جمع النصب، قال الكرماني: وهو ما نصب فعبد من دون الله، عز وجل. قلت: هي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام. وقال الكرماني: هل أكل رسول الله، صلى الله عليه وسلم منها؟ قلت: جعله في سفرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم لا يدل على أنه كان يأكله، وكم شيء يوضع في سفرة المسافر مما لا يأكله هو بل يأكل من معه، وإنما لم ينه الرسول صلى الله عليه وسلم من معه عن أكله لأنه لم يوح إليه إذ ذاك ولم يؤمر بتبليغ شيء تحريما وتحليلا حينئذ. انتهى. قلت: لو اطلع الكرماني على كلام القوم لما احتاج إلى هذا السؤال، والجواب، وقد ذكرنا الآن عن ابن بطال ما يغني عن ذلك. وقوله أيضا: في سفرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غير صحيح، لأن السفرة كانت لقريش كما مر الآن، وقال السهيلي: إن قلت: كيف وفق زيد إلى ترك أكل ذلك وسيدنا أولى بالفضيلة في الجاهلية لما ثبت من عصمته؟ قلت: عنه جوابان: أحدهما: أنه ليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أكل منها، وإنما فيه: أن زيدا لما قدمت إليه أبى. ثانيهما: أن زيدا إنما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع متقدم، وإنما تقدم شرع إبراهيم، عليه السلام، بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام. وقال الخطابي: امتناع زيد من أكل ما في السفرة إنما هو من أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيهما مما ذبح على الأنصاب، وقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم أيضا لا يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لأصنامهم، فأما ذبائحهم لمأكلهم فلم نجد في الحديث أنه كان يتنزه عنها، وقد كان بين ظهرانيهم مقيما، ولم يذكر أنه كان يتميز عنهم إلا في أكل الميتة، لأن قريشا كانوا يتنزهون أيضا في الجاهلية عن الميتة مع أنه أباح الله لنا طعام أهل الكتاب والنصارى يذبحون ويشركون في ذلك الله تعالى. قوله: (وإن كان زيد بن عمرو) هو موصول بالإسناد المذكور قوله: (كان يعيب) بفتح الياء. قوله: (إنكارا)، نصب على التعليل (وإعظاما) عطف عليه.
7283 قال موساى حدثني سالم بن عبد الله ولا أعلمه إلا يحدث به عن ابن عمر أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني فقال لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله قال زيد ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيعه فهل تدلني على غيره قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا قال زيد وما

286
الحنيف قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله فخرج زيد فلقي عالما من النصارى فذكر مثله فقال لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله قال ما أفر إلا من لعنة الله ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئا أبدا وأنا أستطيع فهل تدلني على غيره قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا قال وما الحنيف؟ قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام خرج فلما برز رفع يديه فقال اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم.
موسى هو ابن عقبة المذكور الذي روى عن سالم، وظاهره التعليق، ولهذا قال الإسماعيلي: ما أدري هذه القصة الثانية من رواية الفضيل عن موسى أم لا. وقيل: هو موصول بالإسناد المذكور وفيه نظر لا يخفى.
قوله: (ويتبعه) بالتشديد من الاتباع، ويروى عن الكشميهني: يبتغيه من الابتغاء بالغين المعجمة، وهو الطلب. قوله: (لعلي) كلمة: لعل، للترجي تنصب الاسم وترفع الخبر واسمها هنا: ياء المتكلم وخبرها. قوله: (أن أدين) قوله: (فأخبرني) أي: عن حال دينكم وكيفيته. قوله: (من غضب الله) المراد من غضب الله هو إيصال العذاب. قوله: (فذكر مثله) أي: مثل ما ذكر لعالم اليهود، قوله: (من لعنة الله) المراد من اللعنة إبعاد الله عبده من رحمته وطرده عن بابه، لأن اللعنة في اللغة الطرد، وإنما خص الغضب باليهود واللعنة بالنصارى لأن الغضب أردى من اللعنة، فكان اليهود أحق به لأنهم أشد عداوة لأهل الحق. قوله: (وأنا أستطيع) أي: والحال أن لي قدرة على عدم حمل ذلك. قوله: (فلما برز)، أي: لما ظهر خارجا عن أرضهم. قوله: (إني أشهدك) بكسر الهمزة. قوله: (أني على دين إبراهيم، عليه السلام) بفتح الهمزة. وفي حديث سعد بن زيد: فانطلق زيد وهو يقول: لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا، ثم يخر فيسجد لله عز وجل.
8283 وقال الليث كتب إلي هشام عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول يا معاشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيري وكان يحيى الموؤدة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته لا تقتلها أنا أكفيكها مؤنتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها.
أي: قال الليث بن سعد: كتب إلي هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير، وهذا تعليق وصله أبو بكر بن أبي داود عن عيسى بن حماد المعروف بزغبة عن الليث... إلى آخره.
وأخرجه النسائي في المناقب عن الحسين بن منصور بن جعفر عن أبي أسامة عن هشام بن عروة.
قوله: (ما منكم على دين إبراهيم عليه السلام غيري) وفي رواية أبي أسامة كان يقول: إل
1764; هي إل
1764; ه إبراهيم وديني دين إبراهيم، ورواية ابن أبي الزناد: وكان قد ترك عبادة الأوثان وترك أكل ما يذبح على النصب، وفي رواية ابن إسحاق: وكان يقول: اللهم لو أعلم أحب الوجود إليك لعبدتك به، ولكن لا أعلمه ثم يسجد على راحتيه. قوله: (وكان يحيي الموؤودة) الإحياء هنا مجاز عن الإبقاء، وهو على وزن مفعولة من الوأد وهو القتل، كان إذا ولد لأحدهم في الجاهلية بنت دفنها في التراب وهي حية، يقال: وأدها يئدها وأدا فهي موؤودة، وهي التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، وفي الحديث: الوئيد في الجنة، أي: الموؤودة، فعيل بمعنى مفعول، وزعم بعض العرب: أنهم كانوا يفعلون ذلك غيرة على البنات، وقول الله عز وجل هو الحق: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق أي: خشية إملاق، أي: فقر وقلة، وذكر النقاش في تفسيره أنهم كانوا يئدون من البنات من كانت منهن زرقاء أو هرشاء أو شيماء أو
كشحاء تشاؤما منهم بهذه الصفات. قلت: هرشاء من التهريش وهو مقاتلة الكلاب، والشيماء من التشاؤم، والكشحاء من الكشاحة وهو إضمار العداوة. قوله: (أنا أكفيكها مؤونتها) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: أنا أكفيك مؤنتها. قوله: (فإذا ترعرعت)، براءين وعينين مهملتين أولاهما مفتوحة أي: تحركت ونشأت.
52
((باب بنيان الكعبة))
أي: هذا باب في بيان بنيان الكعبة على يد قريش في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل بعثته. وذكر ابن إسحاق وغيره: إن قريشا لما بنت الكعبة كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم، خمسا وعشرين سنة، وروى إسحاق بن راهويه من

287
طريق خالد بن عرعرة عن علي، رضي الله تعالى عنه، في قصة بناء إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، البيت، قال: فمر عليه الدهر فانهدم، فبنته العمالقة فمر عليه الدهر فانهدم، فبنته جرهم فمر عليه الدهر فانهدم، فبنته قريش ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ شاب، فلما أرادوا أن يضعوا الحجر الأسود اختصموا فيه، فقالوا: يحكم بيننا أول من يخرج من هذه السكة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، أول من خرج منها، فحكم بينهم أن يجعلوه في ثوب ثم يرفعه من كل قبيلة رجل، وذكر أبو داود الطيالسي في الحديث: أنهم قالوا: نحكم أول من يدخل من باب بني شيبة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، أول من دخل منه، فأخبروه فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل فخان يأخذ بطائفة من الثوب فرفعوه، ثم أخذه فوضعه بيده. وذكر الفاكهي: أن الذي أشار عليهم أن يحكموا أول داخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي أخو الوليد.
واختلفوا في أول من بنى الكعبة، فقيل: أول من بناها الملائكة ليطوفوا خوفا من الله حين قالوا: * (أتجعل فيها من يفسد فيها) * (البقرة: 03). الآية، وقيل: أول من بناها آدم، عليه الصلاة والسلام، ذكره ابن إسحاق، وقيل: أول من بناها شيث، عليه الصلاة والسلام، وكان في عهد آدم البيت المعمور فرفع، وقيل: رفع وقت الطوفان، وقيل: كانت تسعة أذرع من عهد إبراهيم، عليه السلام، ولم يكن لها سقف، ولما بناها قريش قبل الإسلام زادوا فيها تسعة أذرع فكانت ثمان عشرة ذراعا، ورفعوا بابها من الأرض لا يصعد إليها إلا بدرج أو سلم، وذلك حين سرق دويك مولى بني مليح مال الكعبة، وأول من عمل لها غلقان تبع، ثم لما بناها ابن الزبير زاد فيها تسعة أذرع أخرى فكانت سبعا وعشرين ذراعا، وعلى ذلك هي إلى الآن.
9283 حدثني محمود حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم إجعل إزارك على رقبتك يقيك من الحجارة فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق فقال إزاري إزاري فشد عليه إزاره. (انظر الحديث 463 وطرفه).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (لما بنيت الكعبة) ومن قوله: (ينقلان الحجارة) لأن نقلها كان للبناء. ومحمود هو ابن غيلان، بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي.
والحديث من مراسيل الصحابة مضى في كتاب الحج في: باب فضل مكة وبنيانها، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن أبي عاصم عن ابن جريج... إلخ نحوه.
قوله: (لما بنيت)، على صيغة المجهول يعني: لما بناها قريش في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (يقيك)، أي: يحفظك من الوقاية. قوله: (فخر)، فيه حذف تقديره: ففعل ما قاله عباس فخر، أي: فسقط إلى الأرض، وفي حديث أبي الطفيل الذي تقدم في الحج: فبينما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ينقل الحجارة معهم إذ انكشفت عورته، فنودي: يا محمد غط عورتك، فذلك أول ما نودي فما رؤيت له عورة بعد ولا قبل. قوله: (طمحت عيناه) أي: ارتفعت. قوله: (إزاري إزاري)، هكذا هو مكرر أي: ناولوني إزاري.
0383 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي يزيد قالا لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حول البيت حائط كانوا يصلون حول البيت حتى كان عمر فبنى حوله حائطا قال عبيد الله جدره قصير فبناه ابن الزبير.
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: (فبنى حوله حائطا) الخ. وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وعبيد الله بن أبي يزيد من الزيادة مولى أهل الكوفة المكي، وهو عمرو بن دينار تابعيان لم يدركا النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من باب الإرسال

288
وقيل: منقطع. قوله: (على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) أي: على زمنه. قوله: (حتى كان عمر) أي: زمان خلافته، وهو أيضا منقطع لأنهما لم يدركا عمر، رضي الله تعالى عنه، أيضا. قوله: (جدره)، بفتح الجيم أي: جداره وهو مبتدأ. وقوله: (قصير) خبره والجملة صفة لقوله: (حائطا) وأغرب الكرماني بقوله: جدره، بفتح الجيم بلفظ المفرد منصوبا، وقصيرا حال أي: بنى عمر جدره قصيرا، والذي قلنا أوجه. قوله: (فبناه ابن الزبير)، أي: بنى البيت عبد الله بن الزبير مرتفعا طويلا، وهذا المقدار من الحديث موصول، وقد مضى عن قريب طول البيت وكيف كان أولا.
62
((باب أيام الجاهلية))
أي: هذا باب في بيان أيام الجاهلية وهي الأيام التي كانت قبل الإسلام، قال بعضهم: أي ما كان بين مولد النبي صلى الله عليه وسلم والمبعث، وفيه نظر، وقال الكرماني: أيام الجاهلية هي مدة الفطرة التي كانت بين عيسى ورسول الله، عليهما الصلاة والسلام، وسميت بها لكثرة جهالاتهم. قلت: هذا هو الصواب.
1383 حدثنا مسدد حدثنا يحيى قال هشام حدثني أبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزل رمضان كان من شاء صامه ومن شاء لا يصومه..
مطابقته للترجمة في قوله: (تصومه قريش في الجاهلية). ويحيى قو القطان وهشام هو ابن عروة بن الزبير. والحديث مضى في كتاب الصوم في: باب صيام عاشوراء، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة، ومضى الكلام فيه هناك.
2383 حدثنا مسلم حدثنا وهيب حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من الفجور في الأرض وكانوا يسمون المحرم صفرا ويقولون إذا برا الدبر وعفا الأثر حلت العمرة لمن اعتمر قال فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رابعة مهلين بالحج وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة قالوا يا رسول الله أي الحل قال الحل كله..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (كانوا يرون أن العمرة) إلى قوله: (قال: فقدم) لأن ما ذكر فيه كله من أفعال الجاهلية، ومسلم هو ابن إبراهيم، ووهيب بالتصغير هو ابن خالد، وابن طاووس هو عبد الله يروي عن أبيه.
والحديث مضى في كتاب الحج في: باب التمتع والإفراد، فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن وهيب الخ، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (يسمون المحرم صفرا) أي: يجعلونه مكانه في الحرمة، وذلك هو النسيء المشهور بينهم كانوا يؤخرون ذا الحجة إلى المحرم، والمحرم إلى صفر وهلم جرا. قوله: (الدبر)، بالدال المهملة وفتح الباء الموحدة وهو: الجرح الذي يحصل على ظهر الإبل، ونحوه. قوله: (وعفا الأثر) أي: انمحى أثر الدبر. قوله: (رابعة)، أي: صبح رابعة من شهر ذي الحجة أو ليلة رابعة. قوله: (مهلين)، حال. قوله: (أي الحل)، أي: أي شيء من الأشياء يحل لنا. قوله: (الحل كله)، أي: يحل فيه جميع ما يحرم على المحرم، حتى الجماع.
3383 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال كان عمر و يقول حدثنا سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال جاء سيل في الجاهلية فكسا ما بين الجبلين قال سفيان ويقول إن هذا لحديث له شأن.

289
مطابقته للترجمة في قوله: (في الجاهلية) وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار. وفي رواية الإسماعيلي: حدثنا عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب التابعي الكبير الفقيه، ومسيب هو ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أبو محمد المدني، مات سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك وهو ابن خمس وسبعين سنة، وهو يروي عن أبيه المسيب، بتشديد الياء آخر الحروف المفتوحة، وحكى كسرها، وكان المسيب ممن بايع تحت الشجرة وكان تاجرا. وقال النووي: قال الحفاظ: لم يرو عن المسيب إلا ابنه سعيد، قال: وفيه رد على الحاكم أبي عبد الله الحافظ فيما قال: لم يخرج البخاري عن أحد ممن لم يرو عنه
إلا راو واحد، قال: ولعله أراد من غير الصحابة، والمسيب هو ابن حزن، بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وفي آخره نون وكان من المهاجرين ومن أشراف قريش في الجاهلية، وقال أبو عمر: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم لحزن: (ما اسمك؟) قال: حزن، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أنت سهل؟) فقال: اسم سماني به أبي. ويروى أنه قال له: إنما السهولة للحمار. قال سعيد بن المسيب: فما زالت الحزونة تعرف فينا حتى اليوم، وفيه أخرج البخاري أيضا في الأدب عن إسحاق بن نصر وعلي بن عبد الله ومحمود، على ما سيجيء إن شاء الله تعالى..
قوله (في الجاهلية) أي قبل الإسلام قوله (فكساما بين الجبلين) أي غطى ما بين جبلي مكة المشرفين عليها
قوله: (قال سفيان)، هو الراوي. قوله: (ويقول) أي: عمرو المذكور. قوله: (شأن) أي: قصة طويلة، وذكر موسى بن عقبة أن السيل كان يأتي من فوق الردم بأعلى مكة فيخربه، فتخوفوا أن يدخل الماء الكعبة فأرادوا تشييد بنيانها، فكان أول من طلعها وهدم منها شيئا الوليد بن المغيرة، وذكر القصة. قال الكرماني: الحكمة في أن البيت ضبط في طوفان نوح، عليه، الصلاة والسلام من الغرق ورفع إلى السماء، وفي ها السيل قد غرق أنه لعله كان ذلك عذابا وهذا لم يكن عذابا. انتهى. قلت: هذا تصرف عجيب، لأنه لما جاء الطوفان كان البيت المعمور موضع البيت، ولما أهبط الله آدم، عليه الصلاة والسلام، إلى الأرض أتي إليه من الهند، وقيل: لما آل الأمر إلى شيث بنى الكعبة، وذكر ابن هشام: أن الماء لم يعله حين الطوفان ولكنه قام حوله وبقي في الهواء إلى السماء، وأن نوحا، عليه الصلاة والسلام، طاف به هو ومن معه في السفينة، ثم بناها إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام.
4383 حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن بيان أبي بشر عن قيس بن أبي حازم قال دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تكلم فقال ما لها لا تكلم قالوا حجت مصمتة قال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هاذا من عمل الجاهلية فتكلمت فقالت من أنت قال امرء من المهاجرين قالت أي المهاجرين قال من قريش قالت من أي قريش أنت قال إنك لسؤول أنا أبو بكر قالت ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية قال بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم قالت وما لأئمة قال أما كان لقومك رؤس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم قالت بلى قال فهم أولئك على الناس.
مطابقته للترجمة في قوله: (هذا من عمل الجاهلية). وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح بن عبد الله اليشكري، وبيان
، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن بشر المكنى بأبي بشر الأحمسي المعلم الكوفي، وابن أبي حازم، بالحاء المهملة وبالزاي: اسمه عوف، قدم إلى المدينة طالبا النبي صلى الله عليه وسلم، بعدما قبض، وقد مر غير مرة.
قوله: (دخل أبو بكر) يعني الصديق، رضي الله تعالى عنه، قوله: (من أحمس) بالمهملتين وفتح الميم، وهي قبيلة من بجيلة ورد على ابن التين في قوله: امرأة من الحمس، وهم من قريش. قوله: (يقال لها زينب) هي بنت المهاجر، روى حديثها محمد بن سعد في (الطبقات) من طريق عبد الله بن جابر الأحمسي عن عمته زينب بنت المهاجر، قالت: خرجت حاجة... فذكر هذا

290
الحديث وذكر ابن منده في (تاريخ النساء) له: أن زينب بنت جابر أدركت النبي صلى الله عليه وسلم، وروت عن أبي بكر، وروى عنها عبد الله بن جابر وهي عمته، قال: وقيل: هي بنت المهاجر بن جابر، وذكر الدارقطني في العلل أن في رواية شريك وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد في حديث الباب: أنها زينب بنت عوف، قال: وذكر ابن عيينة عن إسماعيل أنها جدة إبراهيم بن المهاجر، قيل: الجمع بين هذه الأقوال ممكن بأن من قال: بنت المهاجر، نسبها إلى أبيها، وبنت جابر نسبها إلى جدها الأدنى، أو: بنت عوف نسبها إلى جدها الأعلى. قوله: (مصمتة) بلفظ اسم الفاعل بمعنى: صامتة، يعني: ساكتة يقال: أصمت إصماتا وصمت صموتا وصمتا وصماتا، والاسم: الصمت بالضم، قوله: (فإن هذا) أي: ترك الكلام (لا يحل) قوله: (هذا) أي: الصمات من عمل الجاهلية، وقد احتج بهذا على أن من حلف لا يتكلم استحب له أن يتكلم، ولا كفارة عليه، لأن أبا بكر لم يأمرها بالكفارة. وقال ابن قدامة في (المغني): ليس من شريعة الإسلام صمت الكلام، وظاهر الأخبار تحريمه. واحتج بحديث أبي بكر وبحديث علي، رضي الله تعالى عنه. يرفعه: لا يتم بعد احتلام ولا يصمت يوم إلى الليل، أخرجه أبو داود، وقال: فإن نذر ذلك لم يلزمه الوفاء، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا. فإن قلت: روى الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: من صمت نجا. وأخرج ابن أبي الدنيا مرسلا برجال ثقات: أيسر العبادة الصمت. قلت: الصمت المباح المرغوب فيه ترك الكلام الباطل، وكذا المباح الذي يجر إلى شيء من ذلك، والصمت المنهي عنه ترك الكلام عن الحق لمن يستطيعه، وكذا المباح الذي يستوي طرفاه. قوله: (إنك) بكسر الكاف لأنه خطاب لزينب المذكورة. قوله: (لسؤول) أي: كثيرة السؤال، وصيغة فعول يستوي فيها المذكر والمؤنث، واللام فيه للتأكيد. قوله: (الأمر الصالح) أي: دين الإسلام، وما اشتمل عليه من العدل واجتماع الكلمة ونصر المظلوم ووضع كل شيء في محله. قوله: (بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم) وقت البقاء بالاستقامة إذ هم باستقامتهم تقام الحدود وتؤخذ الحقوق ويوضع كل شيء في موضعه، وفي رواية الكشميهني: ما اسقامت لكم، وقال المغيرة: كنا في بلاء شديد نعبد الشجر والحجر ونمص الجلد والنوى، فبعث إلينا رب السماوات رسولا منا، فأمرنا بعبادة الله وحده وترك ما يعبد أباؤنا، وذكر الحديث وما كانوا عليه على عهد أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، من الأمر واجتماع الكلمة، وأن لا يظلم أحد أحدا.
5383 حدثني فروة بن أبي المغراء أخبرنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب وكان لها حفأ في المسجد قالت فكانت تأتينا فتحدث عندنا فإذا فرغت من حديثها قالت:
* ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا
* ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
*
فلما أكثرت قالت لها عائشة وما يوم الوشاح قالت خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم فسقط منها فانحطت عليه الحديا وهي تحسبه لحما فأخذت فاتهموني به فعذبوني حتى بلغ من أمري أنهم طلبوا في قبلي فبينما هم حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحديا حتى وازت برؤوسنا ثم ألقته فأخذوه فقلت لهم هذا الذي اتهمتموني به وأنا منه بريئة. (انظر الحديث 934).
مطابقته للترجمة من حيث ما كان عليه أهل الجاهلية من الجفاء في الفعل والقول، ألا ترى أن الذين أتهموا هذه المرأة السوداء كيف جفوها وعذبوها وبالغوا فيه حتى فتشوا في قبلها؟ قوله: (وفروة)، بفتح الفاء وسكون الراء ابن أبي المغراء، بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء وبالمد: أبو القاسم الكندي الكوفي من أفراد البخاري.
والحديث مضى في أبواب المساجد في: باب نوم المرأة في المسجد، فإنه أخرجه هناك عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن هشام... إلخ، بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (حفش)

291
بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وفي آخرة شين معجمة: وهو البيت الضيق الصغير. قوله: (والوشاح) بكسر الواو. ويقال له: إشاح أيضا. وهو شيء ينسج عريضا من أديم وربما رصع بالجوهر والخرز وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها. قوله: (من تعاجيب ربنا) ويروى: من تباريح ربنا، والتعاجيب العجائب لا واحد لها من لفظها، والتباريح جمع تبريح وهو المشقة والشدة. قوله: (ألا أنه) ويروى: على أنه قوله: (من بلدة الكفر)، قوله: ويروي من دارة الكفر (الحديا)، مصغر الحدأة على وزن العنبة، قوله: (وازت) أي: حاذت.
6383 حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا من كان حالفا فلا يحلف إلا
بالله فكانت قريش تحلف بآبائها فقال لا تحلفوا بآبائكم..
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه، فإن فيه النهي عن الحلف بالآباء لأنه من أفعال الجاهلية. والحديث أخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر. وأخرجه النسائي فيه عن علي بن حجر.
وكلمة (ألا) للتنبيه فتدل على تحقق ما قبلها. قوله: (من كان حالفا) يعني: من أراد أن يحلف لتأكيد فعل أو قول فلا يحلف إلا بالله، لأن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهى به غيره، وقد جاء عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: لأن أحلف بالله تعالى مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره فأبر. ويكره الحلف بغير أسماء الله تعالى وصفاته وسواء في ذلك: النبي صلى الله عليه وسلم والكعبة والملائكة والأمانة والروح، وغير ذلك، ومن أشدها كراهة الحلف بالأمانة. فإن قلت: قد أقسم الله تعالى بمخلوقاته، كقوله: * (والصافات) * * (والذاريات) * * (والعاديات) *؟ قلت: إن الله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيها على شرفها. قوله: (فكانت قريش تحلف بآبائها) بأن يقول واحد منهم عند إرادة الحلف، وأبي أفعل هذا، أو: وأبي لا أفعل، أو يقول: وحق أبي، أو تربة أبي ونحو ذلك، فنهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا تحلفوا بآبائكم لأن هذا من أيمان الجاهلية، وفي رواية مسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) وفي رواية: لا تحلفوا بالطواغيت ولا بآبائكم. قال النووي: فإن قيل: هذا الحديث مخالف لقوله، صلى الله عليه وسلم: (أفلح وأبيه إن صدق) فجوابه: إن هذه كلمة تجري على اللسان لا يقصد بها اليمين، وقال غيره: بل هي من جملة ما يزاد في الكلام لمجرد التقرير والتأكيد، ولا يراد بها القسم كما تزاد صيغة النداء لمجرد الاختصاص دون القصد إلى النداء.
7383 حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني عمر و أن عبد الرحمان ابن القاسم حدثه أن القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة ولا يقوم لها ويخبر عن عائشة قالت كان أهل الجاهلية يقومون لها يقولون إذا رأوها كنت في أهلك ما أنت مرتين.
مطابقته للترجمة في لفظ: (أهل الجاهلية). ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي سكن مصر، قال المنذري: قدم مصر وحدث بها وتوفي بها سنة ثمان، ويقال: سبع وثلاثين ومائتين، وهو من أفراده، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وعمرو هو ابن الحارث المصري، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
قوله: (كان يمشي بين يدي الجنازة)، وفيه خلاف، فعند الشافعية المشي أمام الجنازة أفضل، وعند الحنفية وراءها أفضل، لأنها متبوعة، وبه قال في رواية، وعنه: الأفضل أن تكون المشاة أمامها والركبان خلفها، وبه قال أحمد. قوله: (ولا يقوم لها)، أي: ولا يقوم القاسم أي للجنازة، ويخبر عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: كان أي أهل الجاهلية يقومون لها إذا رأوا الجنازة، والظاهر أن أمر الشارع بالقيام لها لم يبلغ عائشة، فرأت أن ذلك من أفعال أهل الجاهلية، ولكن الشارع فعله، واختلف في نسخه، فقالت الشافعية ومالك: هو منسوخ بجلوسه، صلى الله عليه وسلم، والمختار أنه باق، وبه قال ابن الماجشون، قال

292
هو على التوسعة، والقيام فيه أجر وحكمة باق، وقال أبو حنيفة: إذا تقدمها لم يجلس حتى تحضر ويصلي عليها. قوله: (كنت في أهلك ما أنت مرتين) كلمة: ما، موصولة وبعض صلته محذوف أي: الذي أنت فيه كنت في الحياة مثله إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وذلك فيما كانوا يدعون من أن روح الإنسان تصير طائرا مثله، وهو المشهور عندهم بالصدي والهام، ويجوز أن تكون كلمة: ما، استفهامية أي: كنت في أهلك شريفا مثلا، فأي شيء أنت الآن؟ ويجوز أن يكون: ما، نافية، ولفظ: مرتين من تتمة المقول، أي: كنت مرة في القوم ولست بكائن فيهم مرة أخرى، كما هو معتقد الكفار، حيث قالوا: * (ما هي إلا حياتنا الدنيا) * (الجاثية: 42).
8383 حدثني عمرو بن عباس حدثنا عبد الرحمان حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو ابن ميمون قال قال عمر رضي الله تعالى عنه إن المشركين كانوا لا يفيضون من جمع حتى تشرق الشمس على ثبير فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فأفاض قبل أن تطلع الشمس. (انظر الحديث 4861).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إن المشركين لا يفيضون من جمع حتى تشرق الشمس). وعمرو بن عباس، بتشديد الباء الموحدة: أبو عثمان البصري، وهو من أفراده، و عبد الرحمن هو ابن مهدي بن حسان العنبري البصري، و سفيان هو الثوري، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، وعمرو بن ميمون الأودي أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية وكان بالشام ثم سكن الكوفة. والحديث قد مضى في الحج في: باب متى يدفع من جمع؟
قوله: (لا يفيضون)، من الإفاضة وهي الدفع هنا، وكل دفعة إفاضة، والمعنى: لا يدفعون من جمع، بفتح الجيم وسكون الميم بعدها عين مهملة: وهي المزدلفة. قوله: (حتى تشرق) بفتح التاء وضم الراء، كذا ضبطه ابن التين، والمشهور بضم التاء وكسر الراء. قوله: (على ثبير) بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء: وهو جبل معروف عند مكة.
1483 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد:
* ألا كل شيء ما خلا الله باطل
* وكادع امية بن أبي الصلت أن يسلم
*
مطابقته للترجمة من حيث: إن كلا من لبيد وأمية شاعر جاهلي أما لبيد فهو ابن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب

293
ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن الجعفري العامري، شاعر من فحول الشعراء مفلق متقدم في الفصاحة مجيد فارس جواد حكيم، يكنى أبا عقيل مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وهو عند ابن سلام من الطبقة الثالثة من شعراء الجاهلية، وفد على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سنة وفد بني جعفر فأسلم وحسن إسلامه، وقال ابن قتيبة: قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في وفد كلاب وكان شريفا في الجاهلية والإسلام، مات بالكوفة في إمارة الوليد بن عقبة عليها في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه. وقال مالك بن أنس: بلغني أنه عاش مائة وأربعين سنة، وقيل: مات وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة، وقال أكثر أهل العلم بالأخبار: لم يقل شعرا منذ أسلم، وأما أمية فهو ابن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة ابن عوف بن عقدة بن غيرة بن ثقيف أبو عثمان، ويقال: أبو الحكم، قدم دمشق قبل الإسلام، وقيل: إنه كان صالحا. وقال الواقدي: وكان قد تنبأ في الجاهلية في أول زمانه، وأنه كان في أول عمره على الإيمان، ثم زاغ عنه وأنه هو الذي أراد الله بقوله: * (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) * (الأعراف: 571). الآية. وكان شاعرا مجيدا، إلا أنه لقراءته الكتب المنزلة كان يأتي في شعره بأشياء لا تعرفها العرب، فلذلك كانت العلماء لا تحتج بشعره، وقال أبو الفرج: وقيل: لما بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم أخذ أمية ابنيه وهرب بهما إلى اليمن، ثم عاد إلى الطائف ومات في السنة الثانية من الهجرة.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: أبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين. الثاني: سفيان بن عيينة. الثالث: عبد الملك بن عمير الكوفي. الرابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن. الخامس: أبو هريرة، رضي الله تعالى عنه.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن ابن بشار وفي الرقاق عن محمد بن المثنى. وأخرجه مسلم في الشعر عن محمد بن الصباح وعن جماعة آخرين. وأخرجه الترمذي في الاستيذان عن علي بن حجر وفي الشمائل عن محمد بن بشار وأخرجه ابن ماجة في الأدب عن محمد بن الصباح.
ذكر معناه: قوله: (أصدق كلمة)، أصدق أفعل التفضيل تدل على المبالغة في الصدق، وفي رواية البخاري ومسلم: أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد... إلى آخره، وروينا هذه الرواية أيضا من طريق الترمذي، وقد رويت هذه اللفظة بألفاظ مختلفة: أصدق بيت قاله الشاعر، وإن أصدق بيت قالته الشعراء، وكلها في (الصحيح)، ومنها: أشعر كلمة قالتها العرب، قاله ابن مالك في (شرحه للتسهيل) وكلها من وصف المعاني مبالغة بما يوصف به الأعيان كقولهم: شعر شاعر، خوف خائف، وموت مائت، ثم يصاغ منه أفعل باعتبار ذلك المعنى، فيقال: شعرك أشعر من شعره وخوفي أخوف من خوفه. قوله: (كلمة)، فيه إطلاق الكلمة على الكلام، وهو مجاز مهمل عند النحويين مستعمل عند المتكلمين، وهو من باب تسمية الشيء باسم جزئه على سبيل التوسع. قوله: (ألا كل شيء) كلمة: ألا، حرف استفتاح فتصدر بها الجملة الإسمية والفعلية، ولفظ: كل، إذا أضيف إلى النكرة يقتضي عموم الأفراد، وإذا أضيف إلى المعرفة يقتضي عموم الأجزاء، يظهر ذلك في: كل رمان مأكول، وكل الرمان مأكول، فالأول صحيح دون الثاني. قوله: (ما خلا الله)، كلمة: خلا وعدا، إذا وقعا صلة: لما، المصدرية وجب أن يكونا فعلين، لأن الحرف لا يوصل بالحرف، فوجب أن يكونا فعلين، فوجب النصب، ولفظة: الله، منصوبة بقوله: خلا. وقوله: (كل شيء) مبتدأ. وقوله: (باطل) خبره، ومعناه: ذاهب، من بطل الشيء يبطل بطلا وبطلا وبطولا وبطلانا، ومعناه: كل شيء سوى الله تعالى زائل فائت مضمحل ليس له دوام. فإن قلت: الطاعات والعبادات حق لا محالة، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في الليل: أنت الحق وقولك الحق والجنة والنار حق فكيف توصف هذه الأشياء بالبطلان. قلت: المراد من قوله: (ما خلا الله) أي: ما خلاه، وخلا صفاته الذاتية والفعلية من رحمة وعذاب وغير ذلك، وجواب آخر: الجنة والنار إنما يبقيان بإبقاء الله لهما وخلق الدوام لأهلهما. وكل شيء سوى الله يجوز عليه الزوال لذاته، وكل شيء لا يزول فبإبقاء الله تعالى والنصف الأخير للبيت.
وكل نعيم لا محالة زائل
وهو من قصيدة من الطويل وجملتها عشرة أبيات ذكرناها في (شرح الشواهد الكبرى) وتكلمنا بما فيه الكفاية. قوله: (وكاد أمية بن أبي الصلت)، ولفظة: كاد، من أفعال المقاربة، وهو ما وضع لدنو الخبر رجاء أو حصولا، وأخذا فيه، تقول

294
كاد زيد يخرج وكاد: أن يخرج، أي: قارب أمية الإسلام ولكنه لم يسلم وكان يتعبد في الجاهلية ويؤمن بالبعث وأدرك الإسلام ولم يسلم، وفي (صحيح مسلم): عن الشريد، بفتح الشين المعجمة ابن سويد. قال: (ردفت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوما فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم. قال: هيه، فأنشدته بيتا، فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت، فقال: لقد كاد يسلم في شعره)، وروى ابن منده من حديث ابن عباس: أن الفارعة بنت أبي الصلت أخت أمية أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته من شعر أمية. قال: لقد كاد أن يسلم في شعره.
2483 حدثنا إسماعيل حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمان ابن القاسم عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري ما هذا فقال أبو بكر وما هو قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه.
مطابقته للترجمة في قوله: (كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية) وإسماعيل هو ابن أبي أويس، واسمه: عبد الله المدني ابن أخت مالك ابن أنس. وأخوه عبد الحميد يكنى أبا بكر المدني، وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب القرشي التيمي المدني، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري قاضي المدينة.
قوله: (يخرج)، بضم الياء من الإخراج، أراد أنه يأتي له بما يكسبه من الخراج وهو ما يقرره السيد على عبده من مال يدفعه إليه من كسبه. قوله: (كنت تكهنت)
، من الكهانة وهو إخبار عما سيكون من غير دليل شرعي، وكان هذا كثيرا في الجاهلية خصوصا قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وما أحسن) الواو فيه للحال. قوله: (فأعطاني بذلك)، أي: بمقابلة ما تكهنت له. قوله: (فقاء)، أي: استفرغ كل ما أكل منه، وإنما قاء لأن حلوان الكاهن منهي عنه، والمحصل من المال بطريق الخديعة حرام، وقال ابن التين: والله تعالى وضع ما كان في الجاهلية، ولو كان في الإسلام لغرم مثل ما أكل أو قيمته إن لم يكن مما يقضي فيه بالمثل.
3483 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة قال وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. (انظر الحديث 3412 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم. والحديث مضى في كتاب البيوع في: باب بيع الغرر، وحبل الحبلة، ومضى الكلام فيه هناك مستوفى.
4483 حدثنا أبو النعمان حدثنا مهدي قال حدثنا غيلان بن جرير كنا نأتي أنس بن مالك فيحدثنا عن الأنصار وكان يقول لي فعل قومك كذا وكذا يوم كذا وكذا وفعل قومك كذا وكذا يوم كذا وكذا. (انظر الحديث 6773).
مطابقته للترجمة من حيث إن قوله: (فعل قومك كذا وكذا...) إلى آخره، يحتمل أن يشير به إلى ما صدر عنهم من الوقائع في الجاهلية. فإن قلت: يحتمل أيضا أن يشير به إلى ما صدر عنهم من الوقائع في الإسلام فلا يطابق الترجمة. قلت: يحتمل الأعم منهما أيضا فالمطابقة بهذا المقدار كافية.
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، ومهدي هو ابن ميمون المغولي الأزدي

295
البصري، وغيلان، بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف: ابن جرير بفتح الجيم المغولي الأزدي البصري، مات في سنة تسع وعشرين ومائة.
والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم عن المخزومي عن مهدي نحوه.
72
((القسامة في الجاهلية))
أي: هذا بيان القسامة التي كانت في الجاهلية وأقرت في الإسلام، والقسامة أقسام المتهمين بالقتل على نفي القتل عنهم، وقيل: هي قسمة اليمين عليهم، وعند الشافعي: قسمة أولياء الدم الأيمان على أنفسهم بحسب استحقاقهم الدم، أو أقسامهم ولا يلزم عليهم، تحليف أهل الجاهلية المدعى عليهم إذ لا حجة في فعلهم، وفي بعض النسخ: باب القسامة في الجاهلية، وهذه الترجمة ثبتت عند أكثر الرواة عن الفربري، ولم تقع عند النسفي.
5483 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا قطن أبو الهيثم حدثنا أبو يزيد المدني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى فانطلق معه في إبله فمر رجل به من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فقال أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالا فشد به عروة جوالقه فلما نزلوا عقلت الأبل إلا بعيرا واحدا فقال الذي استأجره ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل قال ليس له عقال قال ليس له عقال قال فأين عقاله قال فحذفه بعصا كان فيها أجله فمر به رجل من أهل اليمن فقال أتشهد الموسم قال ما أشهد وربما شهدته قال هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر قال نعم قال فكنت إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم فإن أجابوك فسل عن أبي طالب فأخبره أن فلانا قتلني في عقال ومات المستأجر فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال ما فعل صاحبنا قال مرض فأحسنت القيام عليه فوليت دفنه قال قد كان أهل ذاك منك فمكث حينا ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال يا آل قريش قالوا هاذه قريش قال يا آل بني هاشم قالوا هاذه بنو هاشم قال أين أبو طالب قالوا هاذا أبو طالب قال أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانا في عقال فأتاه أبو طالب فقال له اختر منا إحدى ثلاث إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت حلف خمسون من قومك إنك لم تقتله فإن أبيت قتلناك به فأتى قومه فقالوا نحلف فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت يا أبا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم فقال يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب كل رجل بعيران هذان بعيران فاقبلهما عني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف.

296
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو معمر عبد الله بن عمرو المقعد وقد تكرر ذكره، وعبد الوارث هو بن سعيد أبو عبيدة، وقطن، بالقاف والطاء المهملة ثم النون: هو ابن كعب أبو الهيثم القطعي بضم القاف البصري وأبو يزيد من الزيادة المدني البصري ويقال له: المديني بزيادة الياء آخر الحروف، ولعل أصله كان من المدينة، ولكن لم يرو عنه أحد من أهل المدينة، وسئل عنه مالك فلم يعرفه، ولا عرف اسمه وقد وثقه ابن معين وغيره، وليس له ولا للراوي عنه في البخاري إلا هذا الحديث.
وأخرجه النسائي في القسامة عن محمد بن يحيى عن معمر نحوه.
ذكر معناه: قوله: (إن أول قسامة) أي: في حكم أبي طالب، واختلفوا في أول من سن الدية مائة من الإبل، فقال ابن إسحاق: عبد المطلب، وقيل: القلمس، وقيل: النضر بن كنانة بن خزيمة قتل أخاه لأمه فوداه مائة من الإبل من ماله، وقال ابن الكلبي: وثب ابن كنانة على علي بن مسعود فقتله، فوداه خزيمة بمائة من الإبل، فهي أول دية كانت في العرب، وقيل: قتل معاوية بن بكر بن هوازن أخاه زيدا فوداه عامر بن الضرب مائة من الإبل، فهي أول دية كانت في العرب. قوله: (لفينا) في محل الرفع لأنه خبر لقوله: (أول قسامة) واللام فيه لتأكيد معنى الحكم بها. قوله: (بني هاشم)، مجرور لأنه بدل من الضمير المجرور، وقال الكرماني: إنه
منصوب على الإختصاص، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون نصبا على التمييز، أو على النداء بحذف حرف النداء. قلت: لا وجه لأن يكون منصوبا على التمييز لأن التمييز ما يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة أو مقدرة والمراد بالإبهام المستقر ما كان بالوضع أي: ما وضعه الواضع مبهما، وليس في قوله: لفينا، إبهام بوضع الواضع ولا وجه أيضا لأن يكون منصوبا على النداء، لأن المنادي غير المنادى، وهنا قوله: (بني هاشم) هو معنى قوله: (لفينا)، والوجه ما ذكرناه. قوله: (كان رجل من بني هاشم)، هو عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف نص عليه الزبير بن بكار في هذه القصة، وسماه ابن الكلبي عامرا. قوله: (استأجره رجل)، قال الكرماني: وفي بعضها حذف المفعول منه، وجاء على الوجهين هكذا: استأجر رجل في رواية الأصيلي، وأبي ذر، وفي رواية كريمة وغيرها: استأجر رجلا من قريش، وهو مقلوب، والأول هو الصواب. قوله: (من فخذ أخرى)، بكسر الخاء المعجمة وقد تسكن، الفخذ أقل من البطن الأقل من العمارة الأقل من الفصيلة الأقل من القبيلة. ونص الزبير بن بكار على أن المستأجر المذكور: هو خداش بن عبد الله بن أبي قيس العامري، وخداش، بكسر الخاء المعجمة وبدال مهملة وشين معجمة. قوله: (فمر به)، أي: بالأجير. قوله: (عروة جوالقه)، بضم الجيم وكسر اللام: الوعاء من جلدو وثياب وغيرها، وهو فارسي معرب، وأصله: كواله، والجمع: الجوالق، بفتح الجيم والجواليق بزيادة الياء آخر الحروف. قوله: (أغثني)، من الإغاثة بالغين المعجمة والثاء المثلثة، ومعناه: أعني، بالعين المهملة والنون. قوله: (بعقال)، بكسر العين المهملة وهو: الحبل، قوله: (فحذفه)، فيه حذف تقديره: فأعطيته فحذفه، بالحاء المهملة ويروى بالمعجمة، أي: رماه، والحذف الرمي بالأصابع. قوله: (كان فيها أجله) أي: فأصاب مقتله وأشرف على الموت بدليل. قوله: (فمر به رجل من أهل اليمن) قبل أن يقضي. قوله: (أتشهد الموسم؟)، أي: موسم الحج ومجتمعهم. قوله: (مرة من الدهر) أي: وقتا من الأوقات. قوله: (قال: فكنت) بضم الكاف وسكون النون من الكون، هكذا رواية أبي ذر، والأصيلي، وفي رواية الأكثرين، فكتب، من الكتابة وهو الأوجه، وفي رواية الزبير بن بكار: فكتب إلى أبي طالب يخبره بذلك. قوله: (يا آل قريش) الهمزة للاستغاثة. قوله: (يا آل بني هاشم) وفي رواية الكشميهني: يا بني هاشم. قوله: (قتلني في عقال) أي: بسبب عقال. قوله: (ومات المستأجر) بفتح الجيم. قوله: (أهل ذاك) بالنصب ويروى. ذلك. قوله: (وافى الموسم) أي: أتاه. قوله: (أين أبو طالب؟) هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: من أبو طالب؟ هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: من أبو طالب؟ قوله: (أن فلانا قتله) ويروى: فتكه، بالفاء والكاف. قوله: (إحدى ثلاث) يحتمل أن تكون هذه الثلاث كانت معروفة بينهم، ويحتمل أن تكون هذه الثلاث كانت معروفة بينهم، ويحتمل أن يكون شيء اخترعه أبو طالب، وقال ابن التين: لم ينقل أنهم تشاوروا في ذلك ولا تدافعوا، فدل على أنهم كانوا يعرفون القسامة قبل ذلك، قيل: فيه نظر لقول ابن عباس راوي الحديث: إنها أول قسامة، ورد بأنه يمكن أن يكون مراد ابن عباس الوقوع، وإن كانوا يعرفون الحكم قبل ذلك، وقد ذكرنا الاختلاف فيه عن قريب. قوله: (إن شئت أن تؤدي) ويروى: تؤدي، بدون لفظة: أن، قوله: (فإنك) الفاء فيه للسببية. قوله: (حلف) فعل ماض. و: (خمسون) بالرفع فاعله، قوله: (فأتته امرأة من بني هاشم) هي: زينب بنت

297
علقمة أخت المقتول: (وكانت تحت رجل منهم) وهو عبد العزيز بن أبي قيس العامري، واسم ولدها منه: حويطب مصغرا بمهملتين وقد عاش حويطب بعد هذا دهرا طويلا وله صحبة، وسيأتي حديثه في كتاب الأحكام. قوله: (أن تجيزا بني هذا)، بالجيم والزاي، أي: تهبه ما يلزمه من اليمين، وقال صاحب (جامع الأصول): إن كان: تجير، بالراء فمعناه: تؤمنه من اليمين، وإن كان بالزاي فمعناه: تأذن له في ترك اليمين. قوله: (ولا تصبر يمينه)، بالصاد المهملة وبالباء الموحدة المضمومة، قال الجوهري: صبر الرجل إذا حلف صبرا إذا حبس على اليمين حتى يحلف، والمصبورة هي اليمين، وقال الخطابي: معنى الصبر في الإيمان الإلزام حتى لا يسعه أن لا يحلف، وحاصل معنى: صبر اليمين، هو أن يلزم المأمور بها ويكره عليها. قوله: (حيث تصبر الأيمان) أي: بين الركن والمقام، وقال صاحب (التوضيح): ومن هذا استدل الشافعي على أنه لا يحلف بين الركن والمقام على أقل من عشرين دينارا، وهو ما يجب فيه الزكاة، قيل: لا يدرى كيف يستقيم هذا الاستدلال، ولم يذكر أحد من أصحاب الشافعي أن الشافعي استدل لذلك بهذه القضية. قوله: (فحلفوا)، زاد ابن الكلبي: حلفوا عند الركن أن خداشا بريء من دم المقتول. قوله: (قال ابن عباس: والذي نفسي بيده) قال ابن التين: كان الذي أخبر ابن عباس بذلك جماعة اطمأنت نفسه إلى صدقهم حتى وسعه أن يحلف على ذلك، قيل: يعني أنه كان حين القسامة لم يولد، ويحتمل أن يكون الذي أخبره بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا وجه دخول هذا الحديث في (الصحيح). قوله: (فما حال الحول) أي: من يوم حلفوا. قوله: (ومن ثمانية وأربعين)، وفي رواية أبي ذر: ومن الثمانية، وعند الأصيلي: والأربعين. قوله: (عين تطرف)، بكسر الراء، أي: تتحرك. وزاد ابن الكلبي: وصارت رباع الجميع لحويطب، فلذلك كان أكثر من بمكة رباعا، وكان في الجاهلية أن من ظلم أحدا يعجل له عقوبته، وروى الفاكهي من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه، قال: حلف ناس عن البيت قسامة على باطل، ثم خرجوا فنزلوا تحت صخرة فانهدمت عليهم، قال عمر، رضي الله تعالى عنه: كان يفعل بهم ذلك في الجاهلية ليتناهوا عن الظلم، لأنهم كانوا لا يعرفون البعث، فلما جاء الإسلام أخر القصاص إلى يوم القيامة.
6483 حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملأهم وقتلت سرواتهم وجرحوا قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم في الإسلام. (انظر الحديث 7773 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن يوم بعاث كان في الجاهلية وعبيد بن إسماعيل كان اسمه في الأصل عبد الله، ويكنى: أبا محمد الهباري القرشي الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير، والحديث مضى في: باب مناقب الأنصار بعين هذا الإسناد والمتن عن عبيد إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
7483 وقال ابن وهب أخبرنا عمر و عن بكير بن الأشج أن كريبا مولى ابن عباس حدثه أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال ليس السعي ببطن الوادي بين الصفا
والمروة سنة إنما كان أهل الجاهلية يسعونها ويقولون لا نجيز البطحاء إلا شدا.
أي: قال عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث المصري عن بكير مصغر بكر بالياء الموحدة ابن الأشج، بفتح المعجمة وشد الجيم: وهو بكير بن عبد الله بن الأشج مولى بني مخزوم كان من صلحاء أهل المدينة.
وهذا تعليق وصله أبو نعيم في (المستخرج) من طريق حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب.
قوله: (ليس السعي) المراد منه السعي اللغوي وهو العدو أي: ليس الإسراع في السعي ببطن الوادي بين الصفا والمروة سنة، وفي رواية الكشميهني: بسنة، بباء الجر، وقال ابن التين: خولف فيه

298
ابن عباس، بل قالوا: إنه فريضة. قلت: أراد ابن عباس أن شدة السعي ليس بسنة، ولا يريد بذلك نفس سنية السعي المجرد، وفيه خلاف فعند مالك والشافعي وأحمد: السعي بين الصفا والمروة من أركان الحج وعند أصحابنا: ليس بركن، بل هو من الواجبات كما علم في موضعه. قوله: (لا نجيز)، بضم النون أي: لا نقطع البطحاء بمسيل الوادي، يقال: أجزته، أي: خلفته وقطعته، ويقال: جزت الموضع أي: سرت فيه وأجزته خلفته وقطعته، وقيل: أجزته بمعنى جزته، ويروى: لا تجوز البطحاء، أي: لا نتجاوزها إلا شدا، وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف أي: لا نجيز إجازة شدا، أي: بقوة وعدو شديد، ويجوز أن يكون حالا بمعنى شادين.
8483 حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا سفيان أخبرنا مطرف سمعت أبا السفر يقول سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم وأسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولوا قال ابن عباس قال ابن عباس من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر ولا تقولوا الحطيم فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه.
مطابقته للترجمة في قوله: (فإن الرجل في الجاهلية) وسفيان هو ابن عيينة، ومطرف، على صيغة الفاعل من التطريف، ابن طريف، بالطاء المهملة: الحارثي، وأبو السفر، بالسين المهملة والفاء المفتوحتين: واسمه سعيد بن يحمد، بضم الياء آخر الحروف وسكون الحاء المهملة وكسر الميم: الكوفي الهمداني.
قوله: (اسمعوا) إسماع ضبط وإتقان. قوله: (ما أقول) مفعول: اسمعوا، قوله: (واسمعوني) بفتح الهمزة وسكون السين من الإسماع. قوله: (ما تقولون)، مفعول ثان لقوله: اسمعوني، قوله: (ولا تذهبوا)، أي: قبل أن تضبطوا فتقولوا: (قال ابن عباس) بلا ضبط ولا إتقان. قوله: (قال ابن عباس) كلام مستقل وليس بتكرار، وهو مقول. قوله: (اسمعوا مني ما أقول لكم) وقوله: (من طاف) مقول. قوله: (قال بان عباس) قوله: (من وراء الحجر)، بكسر المهملة وهو: المحوط الذي تحت الميزاب. قوله: (ولا تقولوا: الحطيم) لأنه من أوضاع الجاهلية كانت عادتهم أنهم إذا كانوا يتحالفون بينهم كانوا يحطمون أي: يدفعون نعلا أو سوطا أو قوسا إلى الحجر علامة لعقد حلفهم فسموه بذلك لكونه يحطم أمتعتهم، وقيل: إنما قيل له الحطيم لما حطم من جداره فلم يسو ببناء البيت وترك خارجا منه، وقيل: إنما سمي الحطيم لأن بعضهم كان إذا دعا على من ظلمه في ذلك الموضع هلك. قلت: فعلى هذا يكون الحطيم بمعنى: الحاطم، فعيل بمعنى فاعل، وقال ابن الكلبي: سمي الحطيم حطيما لما يحجر عليه، أو لأنه قصر به عن بناء البيت، وأخرج عنه، قلت: فعلى هذا يكون الحطيم بمعنى المحطوم، فعيل بمعنى مفعول، وقيل: سمي به لأن الناس يحطم فيه بعضهم بعضا من الزحام عند الدعاء فيه، وقيل: الحطيم هو بئر الكعبة التي كان يلقى فيها ما ينذر لها، وقيل: الحطيم ما بين الحجر الأسود والمقام، وقيل: من زمزم إلى الحجر يسمى حطيما. قوله: (فيلقى) بضم الياء من الإلقاء: وهو الرمي. قوله: (سوطه أو نعله أو قوسه) كلمة: أو، فيه للتنويع والتقدير: يلقي في الحطيم.
9483 حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ونعيم، بضم النون: ابن حماد، بتشديد الميم: أبو عبد الله الرفاء الفارض المروزي، سكن مصر، قال أبو داود: مات سنة ثمان وعشرين ومائتين، وهشيم، بضم الهاء: ابن بشير، بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة السلمي الواسطي، وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي، وعمرو، بفتح العين: ابن ميمون، قد مر عن قريب.
قوله: (قردة)، بكسر القاف وسكون الراء: وهي الحيوان المشهور، وتجمع على: قرود وقردة أيضا، بكسر القاف وفتح الراء

299
كما في متن الحديث. قوله: (قد زنت) حال من: قردة، المفردة. فإن قلت: كيف ذكر قوله: (اجتمع) مع أن فاعله جماعة، وهو قوله: (قردة) وكذلك ذكر الضمير المرفوع في: (رجموها) وفي قوله: معهم؟ قلت: أما الأول: فلوقوع الفصل بين الفعل والفاعل. وأما الثاني: فباعتبار أن الراوي كان بين القردة، فغلب المذكر على المؤنث، وأصل هذه القصة ما ذكرها الإسماعيلي مشروحة من طريق عيسى بن حطان عن عمرو بن ميمون، قال: كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف، فجاء قرد مع قردة فتوسد يدها، فجاء قرد أصغر منه فغمزها، فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رفيقا وتبعته، فوقع عليها وأنا أنظر، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها من تحت خد الأول برفق، فاستيقظ فزعا، فشمها فصاح فاجتمعت القرود، فجعل يصيخ ويومي إليها بيده، فذهب القرود يمنة ويسرة، فجاءوا بذلك القرد أعرفه، فحفروا لهما حفرة فرجموهما، فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم. وقال ابن التين: لعل هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا فبقي فيهم ذلك الحكم. وقال ابن عبد البر: إضافة الزنا إلى غير المكلف وإقامة الحدود في البهائم عند جماعة أهل العلم منكر، ولو صح لكانوا من الجن، لأن العبادات في الجن والإنس دون غيرهما. وقال الكرماني: يحتمل أن يقال: كانوا من الإنس فمسخوا قردة وتغيروا عن الصورة الإنسانية فقط، وكان صورته صورة الزنا والرجم ولم يكن ثمة تكليف
ولا حد، وإنما ظنه الذي ظن في الجاهلية مع أن هذه الحكاية لم توجد في بعض نسخ البخاري، وقال الحميدي: في (الجمع بين الصحيحين): هذا الحديث وقع في بضع نسخ البخاري، وأن أبا مسعود وحده ذكره في (الأطراف)، قال: وليس هذا في نسخ البخاري أصلا، فلعله من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري، وقال بعضهم في الرد على ابن التين بأنه: ثبت في (صحيح مسلم): أن الممسوخ لا نسل له، ويعكر عليه بما ثبت أيضا في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما أوتي بالضب، قال: لعله من القرون التي مسخت. وقال في الفأر: فقدت أمة من بني إسرائيل لا أراها إلا الفار وإليه ذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن العربي حيث قالا: إن الموجود من القردة من نسل الممسوخ، وأجيب بأنه، صلى الله عليه وسلم، قال ذلك قبل الوحي إليه يحقيقة الأمر في ذلك، وفيه نظر لعدم الدليل عليه، وقال في الرد على ابن عبد البر بأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا، والرجم يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدا، وإنما أطلق ذلك عليه لشبهه به، فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان. وأجيب: عنه بالجواب الأول من جوابي الكرماني في ذلك، وقال في الرد على الحميدي، بقوله: وما قاله الحميدي مردود، فإن الحديث المذكور في معظم الأصول التي وقفنا عليها، ورد عليه بأن وقوف الحميدي على الأصول أكثر وأصح من وقوف هذا المعترض، لأنه جمع بين (الصحيحين) ومثله أدرى بحالهما، ولو كان في أصل البخاري هذا الحديث لم يجزم بنفيه عن الأصول قطعا وجزما على أنه غير موجود في رواية النسفي، وقال هذا القائل أيضا: وتجويز الحميدي أن يزاد في (صحيح البخاري) ما ليس منه ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري في كتابه، ومن اتفاقهم على أنه مقطوع بنسبته إليه. قلت: فيه نظر، لأن منهم من تعرض إلى بعض رجاله بعدم الوثوق وبكونه من أهل الأهواء، ودعوى الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري فيه غير موجهة، لأن دعوى الكلية تحتاج إلى دليل قاطع، ويرد ما قاله أيضا بأن النسفي لم يذكر هذا الحديث فيه.
0583 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عبيد الله سمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال خلال من خلال الجاهلية الطعن في الأنساب والنياحة ونسي الثالثة: قال سفيان ويقولون إنها الاستسقاء بالأنواء.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعبيد الله تصغير عبد بن أبي يزيد المكي، مولى آل قارظ بن شيبة الكناني. وثقه ابن المديني وابن معين وآخرون، وكان مكثرا. قال ابن عيينة: مات سنة ست وعشرين ومائة، وله ست وثمانون سنة.
قوله: (خلال) أي: خصال ثلاث من خصال الجاهلية. أحدها: (االطعن في الأنساب) كطعنهم في نسب أسامة.

300
وثانيها: (النياحة على الأموات) قوله: (ونسي الثالثة) أي: نسي عبيد الله الراوي الخلة الثالثة. ووقع ذلك في رواية ابن أبي عمر عن سفيان: ونسي عبيد الله الثالثة، فعين الناسي. أخرجه الإسماعيلي. قوله: (قال سفيان) أي: ابن عيينة أحد الرواة (يقولون إنها) أي: الخلة الثالثة هي (الاستسقاء بالأنواء) وهو جمع نوء وهو منزل القمر، كانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا، وسقينا بنوء كذا. وقد مر الكلام فيه مستقصى في كتاب الاستسقاء.
82
((باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، والمبعث مصدر ميمي من البعث وهو الإرسال.
محمد
بالجر عطف بيان للنبي، وهو على صيغة اسم المفعول من باب التفعيل، صيغت للمبالغة. وقال ابن إسحاق: كانت آمنة بنت وهب أم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحدث أنها أوتيت حين حملت برسول الله، صلى الله عليه وسلم... إلخ، وفيه: فإذا وقع فسميه محمدا فإن اسمه في التوراة أحمد، وذكر البيهقي في (الدلائل) بإسناد مرسل: أن عبد المطلب لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم، عمل له مأدبة، فلما أكلوا سألوه ما سميته؟ قال: محمدا. قالوا: فبما رغبت به عن أسماء أهل بيتك، قال: أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض.
ابن عبد الله
لا خلاف في اسمه أنه عبد الله، قال الواقدي: ولد عبد الله في أيام كسرى أنو شروان لأربعة وعشرين سنة خلت من ملكه، وكنيته أبو أحمد، واختلفوا في زمان موته، فقيل: إنه مات ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، حاملة به أمه. وقال عامة المؤرخين: إنه مات قبل ولادته بشهر أو بشهرين، وقال مقاتل: بعد ولادته بثمانية وعشرين شهرا، وقيل: بعد ولادته بسبعة أشهر، وقال الواقدي: وأثبت الأقاويل عندنا أنه مات ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، حمل، وكانت وفاته بالمدينة في دار النابغة عند أخواله من بني النجار، ويقال: إنه دفن في دار الحارث بن إبراهيم بن سراقة العدوي وهو من أخوال عبد المطلب، وكان أبوه عبد المطلب بعثه يمتار له تمرا من المدينة، وقيل: إنه خرج في تجارة إلى الشام في عير لقريش، فمرض بالمدينة شهرا ومات، وقال الواقدي: وتوفي عبد الله وهو ابن خمس وعشرين سنة، وقيل: ابن ثلاثين سنة، وترك أم أيمن وكانت تحضن رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعبد الله شقيق أبي طالب.
ابن عبد المطلب
اسمه شيبة الحمد عند الجمهور لجوده، وقيل: شيبة لقبه لقب به لشيبة كانت في رأسه، ويقال: اسمه عامر وكنيته أبو الحارث، كني باسم ولده الحارث وهو أكبر أولاده، وله كنية أخرى وهي أبو البطحاء. وأمه سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وإنما قيل له عبد المطلب لأن أباه هاشما لما مر بالمدينة في تجارته إلى الشام، نزل على عمرو بن زيد بن لبيد المذكور آنفا، فأعجبته ابنته سلمى فخطبها إلى أبيها فزوجها منه، ولما رجع من الشام بني
بها وأخذها معه إلى مكة، ثم خرج في تجارة فأخذها معه وهي حبلى، وتركها في المدينة، ودخل الشام ومات بغزة، ووضعت سلمى ولدها فسمته: شيبة، فأقام عند أخواله بني النجار سبع سنين، ثم جاء عمه المطلب بن عبد مناف فأخذه خفية من أمه، فذهب به إلى مكة فلما رآه الناس وراءه على الراحلة قالوا: من هذا معك؟ فقال: عبدي، ثم جاؤوا فهنأوه به وجعلوا يقولون له: عبد المطلب لذلك، فغلب عليه. وحكى الواقدي عن مخرمة بن نوفل الزهري قال: توفي عبد المطلب في السنة الثامنة من مولد النبي صلى الله عليه وسلم ودفن في الحجون، واختلفوا في سنه فقيل: ثمانون سنة، قاله الواقدي، وقيل: مائة وعشر سنين وعشرة أشهر، وقال هشام مائة وعشرون.
ابن هاشم
اسمه عمرو، وسمي به لهشمه الثريد مع اللحم لقومه في زمن المجاعة، وكان أكبر ولد أبيه، وعن ابن جرير: أنه كان توأم أخيه عبد شمس، وأن هاشما خرج ورجله ملتصقة برأس عبد شمس، فما تخلصت حتى سال بينهما دم، فتفاءل الناس بذلك أن يكون بين أولادهما حروب، فكانت وقعة بني العباس مع بني أمية بن عبد شمس سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة، وشقيقهم الثالث: المطلب، وكان أصغر ولد أبيه، وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال، ورابعهم نوفل من أم أخرى، وهي واقدة بنت عمرو المازنية، وقد ذكرنا أن هاشما مات بغزة.

301
ابن عبد مناف
اسمه المغيرة، كنيته أبو عبد شمس، وكان يقال له: قمر البطحاء لجماله، وإنما لقبته به أمه حبى بنت خليل بن حبشية بن سلول بن خزاعة، وذلك لأنها أخدمته مناف وكان صنما عظيما لهم.
ابن قصي
اسمه زيد، وهو تصغير قاص سمي به لأنه قصي عن قومه وكان في بني عذرة مع أخيه لأمه، وذلك لأن أمه تزوجت بعد أبيه بربيعة بن حزام بن عذرة، فسافر بها إلى بلاده وابنها صغير فسمي بقصي لذلك، ثم عاد إلى مكة وهو كبير، وأمه فاطمة بنت سعد بن سيل بن حمالة، وكان قصي حاز شرف مكة وأمرها وكان سيدا مطاعا رئيسا معظما وبنى دارا لإزاحة الظلامات وفصل الخصومات سماها دار الندوة، ولما مات دفن بالحجون.
ابن كلاب
اسمه: حكيم، وكان مولعا بالصيد، وأكثر صيده بالكلاب، ولذلك لقب به، ويقال: اسمه عروة، قاله أبو البركات، وأمه هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن فهر.
ابن مرة
هو منقول من وصف الحنظلة، ويجوز أن تكون الهاء للمبالغة، فيكون منقولا من وصف الرجل بالمرارة، وقيل: هو مأخوذ من القوة والشدة، وأمه نحشبة، وقيل: وحشية بنت سفيان بن محارب بن فهر.
ابن كعب
قيل: هو منقول من الكعب الذي هو قطعة من السمن، وهي الكتلة الجامدة في الزق أو في غيره من الظروف، أو من كعب القدم، وهو أشبه، وقال السهيلي: قيل: سمي بذلك لستره على قومه ولين جانبه لهم، منقول من كعب القدم، وقال ابن دريد: من كعب القناة لارتفاعه على قومه وشرفه فيهم، فلذلك كانوا يخضعون له حتى أرخوا لموته، وهو أول من جمع قومه يوم الجمعة، وكانوا يسمونه: يوم العروبة، حتى جاء الإسلام.
ابن لؤي
بضم اللام وبالهمزة، قول الأكثرين، وهو تصغير لائي، وهو الثور الوحشي، وقال ابن دريد: من لواء الجيش وهو ممدود، وإن كان من لوى الرجل فهو مقصور، وأمه عاتكة بنت مخلد بن النضر بن كنانة وهي أحد العواتك اللاتي ولدت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل أمه سلمى بنت عمرو بن ربيعة الخزاعية.
ابن غالب
يكني أبا تميم، وأمه ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة.
ابن فهر
بكسر الفاء، قال ابن دريد: الفهر الحجر الأملس يملأ الكف أو نحوه، وهو مؤنث، وقال أبو ذر الهروي: يذكر ويؤنث، وقال السهيلي: الفهر من الحجارة الطويل، وكنيته أبو غالب، وهو جماع قريش في قول الكلبي، وقال علي بن كيسان: فهر هو أبو قريش، ومن لم يكن من ولد فهر فليس من قريش.
ابن مالك
كنيته أبو الحارث، وأمه عاتكة بنت غزوان.
ابن النضر
اسمه: قيس، سمي بالنضر لوضاءته وجماله وإشراق لون وجهه، والنضر هو الذهب الأحمر وهو النضار، وأمه برة بنت مر بن أد ابن طابخة بن إلياس بن مضر وكنية النضر أبو يخلد، كني بابنه يخلد.
ابن كنانة
هو بلفظ وعاء السهام إذا كانت من جلود، قاله ابن دريد، والكنانة الجعبة وكنيته أبو النضر، وأمه عوانة بنت سعد بن قيس.
ابن خزيمة
تصغير: خزمة، بفتح المعجمتين واحدة، الخزم بالتحريك، وهو شجر يتخذ من لحائه الحبال، وقال الزجاج: يجوز أن يكون الخزم بفتح الخاء وسكون الزاي، تقول: خزمته فهو مخزوم إذا أدخلت في أنفه الخزام.
ابن مدركة
اسمه عمرو، عند الجمهور، وقال ابن إسحاق: عامر، واسم أخيه طابخة، فاصطاد صيدا فبينما هما يطبخانه إذ نفرت الإبل فذهب عامر في طلبها حتى أدركها، وجلس الآخر يطبخ، فلما راحا على أبيهما ذكرا له ذلك، فقال لعامر: أنت مدركة، وقال لأخيه عمرو: أنت طابخة.
ابن إلياس
بكسر الهمزة عند ابن الأنباري وجعله موافقا لاسم إلياس النبي صلى الله عليه وسلم فإن إلياس النبي، بكسر الهمزة لا غير، وقال غيره بفتح الياء وسكون الهمزة ضد الرجاء، واللام فيه للمح الصفة وهو أول من أهدى البدن إلى البيت، وقال السهيلي ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمنا وذكر أنه كان يسمع تلبية

302
النبي صلى الله عليه وسلم في صلبه، ويقال إلياس لقب له واسمه إلياسين، وهو أول من لقب به، وقال الواقدي: ويقال: الناس، بالنون وهو وهم، وأمه الرباب بنت حيدة بن معد بن عدنان، ويقال: هو أول من وضع الركن في البيت بعد الطوفان، وكانت بنو إسماعيل قد غيرت معالم إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، لما طال الزمان فرفعوا الركن من البيت وتركوه في أبي قبيس، فرده إلياس إلى موضعه.
ابن مضر
من المضيرة وهو شيء يصنع من اللبن، سمي به لبياض لونه، والعرب تسمي الأبيض أحمر فلذلك قيل: مضر الحمراء، وقيل: لأنه كان يحب شرب اللبن الماضر وهو الحامض، وهو أول من سن الحداء لأنه كان حسن الصوت، وأمه سودة بنت عك، وقيل: خبية بنت عك، بخاء معجمة وباء موحدة.
ابن نزار
بفتح النون ويقال بكسرها، وهو الأصح من النزر، وهو الشيء القليل، وكان أبوه حين ولد له نظر إلى النور بين عينيه وهو نور النبوة، وفرح فرحا شديدا، ونحر وأطعم، وقال إن هذا كله نزر في حق هذا المولود، فسمي نزارا لذلك، وأمه معانة بنت حوشم بن جلهمة بن عمرو بن هلينبة ابن دوه بن جرهم، وقال السهيلي: ويقال: اسمها ناعمة، ويكنى نزار أبا إياد، وقيل: أبا ربيعة.
ابن معد
بفتح الميم والعين المهملة وتشديد الدال، وقال ابن الأنباري: فيه ثلاثة أقوال: الأول: أن يكون مفعلا من العد. والثاني: أن يكون فعلا من معد في الأرض إذا فسد. والثالث: أن يكون من المعدين وهما: موضع عقبي الفارس من الفرس، وقال أبو ذر الهروي: معد من تمعد إذا اشتد، ويقال تمعدد أيضا إذا أبعد في الذهاب، وأم معد مهدد، وقيل: مهاد بنت لهم، وقيل: اللهم بن جلحت، وفي رواية: خليد بن طسم بن يلمع بن إسليحيا بن لوذان بن سام بن نوح، عليه السلام.
حتى ص 303
ابن عدنان
على وزن فعلان من عدن إذا أقام، ومنه المعدن، بكسر الدال لأنه يقام فيه على طلب جواهره.
واقتصر البخاري في ذكر نسبه الشريف على هذا ولم يذكره إلى آدم، عليه السلام، لأن أهل النسب أجمعوا عليه إلى هنا، وما وراء ذلك فيه اختلاف كثير جدا، واختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل، عليه السلام، من الآباء، فقيل: سبعة آباء بينهما، وقيل: تسعة، وقيل: خمسة عشر أبا، وقيل: أربعون، وأخذوا ذلك من كتاب رخيا وهو يورخ كاتب إرمياء، عليه السلام، وكان قد حملا معد بن عدنان إلى جزيرة العرب ليالي بخت نصر فأثبت رخيا في كتبه نسبة عدنان فهو معروف عند أخبار أهل الكتاب وعلمائهم، مثبت في أسفارهم، والذي عليه أئمة هذا الشأن في نسب عدنان قالوا: عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب ابن يشجب بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح، عليه السلام، بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس، عليه السلام، ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام.
1583 حدثنا أحمد بن أبي رجاء حدثنا النضر عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال انزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة فمكث بها عشر سنين ثم توفي صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأحمد بن أبي رجاء واسمه عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي، توفي بهراة في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقبره مشهور يزار، وهو من أفراده، والنضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: ابن شميل أبو الحسن المازني، وهشام هو ابن حسان البصري، وعكرمة مولى ابن عباس.
قوله: (أنزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أي: الوحي. قوله: (وهو ابن أربعين) أي: وعمره أربعون سنة، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة بعد الوحي ثم هاجر إلى المدينة وأقام بها عشر سنين، ثم توفي فيكون عمره ثلاثا وستين سنة، هذا حاصل كلام ابن عباس، وروى ابن سعد من رواية عمار بن أبي عمار عن ابن عباس: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة: سبع سنين يرى الضوء والنور ويسمع

303
الصوت وثمان سنين يوحى إليه، وكذا ذكره الحسن، وعن ابن جبير عن ابن عباس: نزل القرآن بمكة عشرا أو خمسا، يعني: سنين أو أكثر، وعن الحسن أيضا: أنزل عليه ثمان سنين بمكة قبل الهجرة وعشر سنين بالمدينة. قلت: قول البخاري هو قول الأكثر، وكان النزول يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان وقيل: لتسع، وقيل: لأربع وعشرين ليلة، فيما ذكره ابن عساكر، وعن أبي قلابة: نزل عليه القرآن لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، وعند المسعودي يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول وعند ابن إسحاق: ابتداء التنزيل يوم الجمعة من رمضان وعمره أربعون سنة وعشرون يوما، وهو تاسع شباط لسبع مائة وأربعة وعشرين عاما من سني ذي القرنين، وقال ابن عبد البر: يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من الفيل، وقيل: في أول ربيع وفي (تاريخ يعقوب بن سفيان الفسوي): على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة، وعن مكحول: أوحي إليه بعد اثنين وأربعين سنة، وقال الواقدي وابن أبي عاصم والدولابي في (تاريخه): نزل عليه القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، لسبع وعشرين من رجب، قاله الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهما، وعند الحاكم مصححا: إن إسرافيل، عليه السلام، وكل به أولا ثلاث سنين، قبل جبريل، عليه السلام، وأنكر ذلك الواقدي، وقال: أهل العلم ببلدنا ينكرون أن يكون وكل به غير جبريل، عليه السلام، وزعم السهيلي أن إسرافيل، عليه السلام، وكل به تدربا وتدريجا لجبريل، عليه السلام، كما كان أول نبوته الرؤيا الصادقة.
92
((باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة))
أي: هذا باب في بيان ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وما لقي أصحابه من أذى المشركين حال كونهم بمكة.
2583 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا بيان وإسماعيل قالا سمعنا قيسا يقول سمعت خبابا يقول أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت ألا تدعو الله فقعد وهو محمر وجهه فقال لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله. زاد بيان والذئب على غنمه. (انظر الحديث 2163 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (ولقد لقينا من المشركين شدة). والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده حميد، وقد تكرر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة، وبيان، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن بشر الأحمسي المعلم الكوفي، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وخباب، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى: ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وتشديد التاء المثناة من فوق: ابن حنظلة مولى خزاعة.
والحديث مضى في علامات النبوة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن المثنى عن يحيى عن إسماعيل عن قيس عن خباب، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (وهو متوسد) الواو فيه للحال. قوله: (برده) بهاء الضمير رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: بردة، بتاء الإفراد. قوله: (وهو في ظل الكعبة)، الواو فيه للحال أي: والحال أنه متوسد بردة له في ظل الكعبة. قوله: (ولقد لقينا)، الواو فيه أيضا للحال وإن كان يحتمل غيره. قوله: (وهو محمر وجهه) الواو فيه للحال، قيل: من أثر النوم، وقال ابن التين: من الغضب وهو الأوجه. قوله: (من كان) بفتح الميم وسكون النون موصول، وأراد بهم الأنبياء تقدموا وأتباعهم. قوله: (ليمشط)، على صيغة المجهول. قوله: (بمشاط الحديد) بكسر الميم في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني: (بأمشاط)، بفتح الهمزة وسكون الميم وكلاهما جمع مشط بضم الميم وكسرها، وأنكر ابن دريد الكسر في المفرد. قوله: (ذلك)، أي: قتلهم المسلمين من المشط أو الأمشاط، وكلاهما مصدر. قوله: (ويوضع المنشار)، بكسر الميم وسكون النون وهي الآلة التي ينشر بها الأخشاب، ويروى: (الميشار)،

304
بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف يهمز ولا يهمز. قوله: (بإثنين)، ويروى باثنتين. قوله: (ذلك) أي: وضع المنشار على مفرق رأسه. قوله: (وليتمن الله) بضم الياء آخر الحروف وكسر التاء المثناة من فوق من الإتمام واللام فيه للتأكيد، ولفظ: الله، مرفوع فاعله. قوله: (هذا الأمر) أي: أمر الإسلام. قوله: (من صنعاء إلى حضرموت) الصنعاء صنعاء اليمن أعظم مدنها وأجلها، تشبه بدمشق في كثرة البساتين والمياه، وحضرموت بلد عامر باليمن كثير التمر بينه وبين الشحر أربعة أيام، وهي بليدة قريبة من عدن بينه وبين صنعاء ثلاث مراحل، قوله: (زادبيان) أي: زاد بيان الراوي في حديثه: (والذئب) بالنصب عطف على المستثنى منه لا على المستثنى، كذا قاله الكرماني، وقال بعضهم: ولا يمتنع أن يكون عطفا على المستثنى، والتقدير: ولا يخاف على غنمه إلا الذئب، لأن مساق الحديث إنما هو للأمن من عدوان بعض الناس على بعض، كما كانوا في الجاهلية لا للأمن من عدوان الذئب، فإن ذلك إنما يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى، عليه الصلاة والسلام. انتهى. قلت: هذا تصرف عجيب، لأن مساق الحديث أعم من عدوان الناس وعدوان الذئب ونحوه، لأن قوله: الراكب، أعم من أن يكون معه غنم أو غيره، وعدم خوفه يكون من الناس والحيوان، وقوله: فإن ذلك إنما يكون في آخر الزمان... إلى آخره، غير مختص بزمان عيسى، عليه الصلاة والسلام، وإنما وقع هذا في زمن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، فإن الرعاة كانوا آمنين من الذئاب في أيامه حتى إنهم ما عرفوا موته، رضي الله تعالى عنه، إلا بعدوان الذئب على الغنم، ولئن سلمنا أن ذلك في زمن عيسى، عليه الصلاة والسلام، وزمن عيسى، عليه الصلاة والسلام، بعد نزوله فهو محسوب من زمن النبي صلى الله عليه
وسلم، لأنه ينزل وهو تابع للنبي صلى الله عليه وسلم كما عرف في موضعه.
3583 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم فسجد فما بقي أحد إلا سجد إلا رجل رأيته أخذ كفا من حصا فرفعه فسجد عليه وقال هاذا يكفيني فلقد رأيته بعد قتل كافرا بالله..
مطابقته للترجمة من حيث إن امتناع الرجل المذكور فيه عن السجدة مع المسلمين ومخالفته إياهم نوع أذى لهم، فلا يخفى ذلك. وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، والأسود هو ابن يزيد النخعي، وعبد الله هو ابن مسعود، وقال صاحب (التوضيح): قال الداودي: لعله عبد الله بن عمرو أو عبد الله بن عمر، وفي نسبة ذلك إلى الداودي نظر. والحديث مضى في أول أبواب سجود القراءة، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن غندر... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (رجل) هو أمية بن خلف، وقيل: الوليد بن مغيرة. قوله: (بعد) أي: بعد ذلك.
4583 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره ودعت على من صنع فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم عليك الملأ من قريش أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف أو أبي بن خلف شعبة الشاك فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر غير أمية أو أبي تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر..
مطابقته للجزء الأول من الترجمة وهي ظاهرة، وغندر هو محمد بن جعفر. والحديث مضى في أواخر كتاب الوضوء في: باب

305
إذا ألقى على ظهر المصلي قذرا أو جيفة، بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (بسلى)، بفتح السين المهملة وفتح اللام مقصورا: الجلدة الرقيقة يكون فيها الولد من المواشي. قوله: (عليك الملأ) أي: إلزم جماعتهم وأشرافهم أي: أهلكهم.
5883 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور حدثني سعيد بن جبير أو قال حدثني الحكم عن سعيد بن جبير قال أمرني عبد الرحمان بن أبزى قال سل ابن عباس عن هاتين الآيتين ما أمرهما: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) * (الفرقان: 86). و * (من يقتل مؤمنا متعمدا) * (النساء: 39). فسألت ابن عباس فقال لما أنزلت التي في الفرقان قال مشركو أهل مكة فقد قتلنا النفس التي حرم الله ودعونا مع الله إلاها آخر وقد أتينا الفواحش فأنزل الله إلا من تاب وآمن الآية فهذه لأولئك وأما التي في النساء الرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم خالدا فيها فذكرته لمجاهد فقال إلا من ندم..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (مشركو أهل مكة: فقد قتلنا النفس التي حرم الله) لأنه لم يك في إيصالهم الأذى للمسلمين أشد من قتلهم وتعذيبهم إياهم. وقال بعضهم: والغرض منه أي من هذا الحديث الإشارة إلى أن صنيع المشركين بالمسلمين من القتل والتعذيب وغير ذلك يسقط عنهم بالإسلام. انتهى. قلت: أراد بذلك بيان وجه المطابقة للترجمة، فلا مطابقة بينهما بالوجه الذي ذكره أصلا، لأن الترجمة ليست بمعقودة لما ذكره.
وعثمان بن أبي شيبة هو أخو أبي بكر بن أبي شيبة وأبو شيبة اسمه إبراهيم وهو جدهما لأنهما ابنا محمد بن أبي شيبة، وكلاهما من شيوخ البخاري ومسلم، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، والحكم، بفتح الحاء المهملة والكاف: هو ابن عتيبة الكوفي وعبد الرحمن بن أبزى بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي مقصورا: مولى خزاعة كوفي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى خلفه، مر في التيمم.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن آدم وعن عبدان وعن سعد بن حفص، وحديثه أتم. وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار كلاهما عن غندر وعن هارون بن عبد الله. وأخرجه أبو داود في الفتن عن يوسف بن موسى. وأخرجه النسائي في المحاربة وفي التفسير عن محمد بن المثنى به.
قوله: (أو قال: حدثني الحكم) أي: أو قال منصور: حدثني الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير، الحاصل أن منصورا شك في روايته بين سعيد وبين الحكم حيث قال: حدثني سعيد بن جبير، أو قال: حدثني الحكم عن سعيد بن جبير. قوله: (ما أمرهما) أي: ما التوفيق بينهما حيث دلت الأولى على العفو عند التوبة، والثانية على وجوب الجزاء مطلقا. قوله: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، كذا وقع في الرواية، والذي وقع في التلاوة وهو: * (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * (الفرقان: 86). كذا في سورة الفرقان. قوله: (قال: لما أنزلت) جواب ابن عباس، وهو أن الآية التي في الفرقان وهي الأولى في حق الكفار، والتي في سورة النساء وهي الثانية في حق المسلمين، وفي رواية مسلم عن سعيد بن جبير، قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * (النساء: 39). فسألته فقال: لم ينسخها شيء، وعن هذه الآية: * (والذين لا يدعون مع الله إل
1764; ها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * (الفرقان: 86). نزلت في أهل الشرك، وفي رواية له: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال نزلت هذه الآية بمكة: * (والذين لا يدعون مع الله إل
1764; ها آخر) * إلى قوله: * (فيه مهانا) * (الفرقان: 86). فقال المشركون: وما يغني عنا الإسلام وقد عدلنا بالله وقد قتلنا النفس التي حرم الله، وآتينا الفواحش. فأنزل الله تعالى: * (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا...) * (الفرقان: 07). إلى آخر الآية، قال: فأما من دخل في الإسلام وعقل ثم قتل فلا توبة له، وفي رواية له عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: لا. قال: فتلوت هذه الآية التي في الفرقان: * (والذين لا يدعون مع الله إل
1764; ها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * (الفرقان: 86). إلى آخر الآية. قال: هذه آية مكية نسختها آية مدنية: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا
فجزاؤه جهنم) * (النساء: 39). وحاصل الكلام أن ابن عباس، رضي الله تعالى

306
عنهما، قال: إن قاتل النفس عمدا بغير حق لا توبة له، واحتج في ذلك بقوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * (النساء: 39). ادعى أن هذه الآية مدنية نسخت هذه الآية المكية، وهي: * (والذين لا يدعون مع الله إل
1764; ها آخر) * (الفرقان: 86). الآية، هذا هو المشهور عن ابن عباس، وروي عنه أن له توبة، وجواز المغفرة له لقوله تعالى: * (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) * (النساء: 011). وهذه الرواية الثانية هي مذهب جميع أهل السنة والصحابة والتابعين ومن بعدهم. قال النووي: وما روي عن بعض السلف مما يخالف هذا فمحمول على التغليظ والتحذير من القتل، وليس في هذه الآية التي احتج بها ابن عباس تصريح بأنه يخلد، وإنما فيها أنه جزاؤه، ولا يلزم منه أن يجازى. قوله: (فذكرته لمجاهد) أي: قال عبد الرحمن بن أبزى: فذكرت الحديث لمجاهد بن جبير (فقال: إلا من ندم) يعني: قال الآية الثانية مطلقة فتقيد بقوله: إلا من ندم، إلا من تاب حملا للمطلق على المقيد.
6583 حدثنا عياش بن الوليد حدثنا الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي قال حدثني عروة بن الزبير قال سألت ابن عمرو بن العاص قلت أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال * (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) * (غافر: 82). (انظر الحديث 8763 وطرفه).
مطابقته للجزء الأول من الترجمة أظهر ما يكون، وعياش، بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة: ابن الوليد الرقام البصري، والوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي، يروي عن عبد الرحمن الأوزاعي. والحديث مر في مناقب أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يزيد الكوفي عن الوليد عن الأوزاعي.. إلخ نحوه. قوله: (أخبرني بأشد شيء) إلخ.. قيل هذا يعارضه حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال لها وكان أشد ما لقيت من قومك فذكر قصته بالطائف مع ثقيف وأجيب بأن عبد الله ابن عمرو أخبر بما رآه، ولم يكن حاضرا للقصة التي وقعت بالطائف، وما جاء عن أحد من الصحابة بخلاف حديث الباب، فيحمل على التعدد.
تابعه ابن إسحاق. حدثني يحيى بن عروة عن عروة قلت لعبد الله بن عمر و
أي: تابع عياش بن الوليد محمد بن إسحاق في روايته عن يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام عن أبيه عروة. قلت: لعبد الله بن عمرو وكلاهما قالا: عبد الله بن عمرو، وأخرج هذه المتابعة أحمد في (مسنده): من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق إلخ نحوه.
وقال عبدة عن هشام عن أبيه قيل لعمرو بن العاص
أي: قال عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عروة، قيل لعمرو بن العاص: هكذا خالف هشام بن عروة أخاه يحيى ابن عروة في اسم الصحابي، فإن يحيى قال: عبد الله بن عمرو، وقال هشام: عمرو بن العاص، وتعليق عبدة أسنده أبو عبد الرحمن في كتابه عن هناد عنه به من مسند عمرو بن العاص في كتاب التفسير.
وقال محمد بن عمر و عن أبي سلمة حدثني عمرو بن العاص
أي: قال محمد بن عمرو بن علقمة الليثي المدني: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهذا التعليق وصله البخاري في خلق أفعال العباد على ما يجيء، إن شاء الله تعالى. وأخرجه أبو القاسم في معجمه عن عبد بن عباد حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن عبدة به.

307
03
((باب إسلام أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان إسلام أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
7583 حدثني عبد الله بن حماد الآملي قال حدثني يحيى بن معين حدثنا إسماعيل بن مجالد عن بيان عن وبرة عن همام بن الحارث قال قال عمار بن ياسر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. (انظر الحديث 0663).
مطابقته للترجمة في قوله: (وأبو بكر) من حيث أنه يفهم منه أن أبا بكر أسلم قبل الرجال، وعبد الله بن حماد هكذا وقع منسوبا في رواية أبي ذر الهروي، وهو من أقران البخاري بل أصغر منه، ووقع في رواية غيره غير منسوب، وقال الكرماني: هو عبد الله ابن محمد المسندي، وقيل: هو عبد الله بن محمد الآملي، ونسبته إلى آمل، بفتح الهمزة وضم الميم، وهو: آمل جيحون مات بآمل حين خرج من سمرقند في رجب سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وهو روى عن البخاري أيضا ويحيى بن معين، بفتح الميم وكسر العين ابن عون أبو زكريا البغدادي، أصله من سرخس، روى عنه البخاري ومسلم أيضا، وقال: مات بالمدينة في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وغسل على أعواد النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل على نعش رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبيان، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن بشر، وقد مر عن قريب، ووبرة، بفتح الواو والباء الموحدة: ابن عبد الرحمن السلمي أبو العباس يعد في الكوفيين، وهمام بن الحارث النخعي الكوفي مات في ولاية الحجاج.
والحديث مضى في مناقب أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، فإنه إخرجه هناك عن محمد بن أبي الطيب عن إسماعيل بن مجالد... الخ ومضى الكلام فيه هناك.
13
((باب إسلام سعد رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان إسلام سعد بن أبي وقاص، ووقع في بعض النسخ سعد بن أبي وقاص هكذا منسوبا.
8583 حدثني إسحاق أخبرنا أبو أسامة حدثنا هاشم قال سمعت سعيد بن المسيب قال سمعت أبا إسحاق سعد بن أبي وقاص يقول ما أسلمم أحد إلا في اليوم الذي أسلم فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام. (انظر الحديث 6273 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (ولقد مكثت) إلخ، لأنه يدل على أنه من السابقين في الإسلام، قيل: قد أسلم قبله كثير: أبو بكر وعلي وخديجة وزيد، ونحوهم؟ وأجيب: بأنه لعلهم أسلموا في أول النهار وهو آخره، وقيل: كيف يكون ثلث الإسلام وقد أسلم مقدما عليه أكثر من اثنين؟ وأجيب: بأن ذكل نظرا إلى إسلام البالغين.
والحديث مضى في: باب مناقب سعد هذا، فإنه أخرجه هناك عن مكي بن إبراهيم عن هاشم بن هاشم عن سعيد بن المسيب عنه، وأخرجه هنا عن إسحاق هو ابن إبراهيم بن النصر السعدي البخاري عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن هاشم، هو ابن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وقد مر الكلام فيه هناك.
23
((باب ذكر الجن))
أي: هذا باب فيه ذكر الجن، وتقدم الكلام في الجن في أوائل بدء الخلق.
وقول الله تعالى * (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) * (الجن: 1).
وقول الله بالجر، عطف على قوله: (ذكر الجن). قوله: (قل أوحي)، يعني: قل يا محمد، أي: أخبر قومك ما ليس لهم به علم، ثم بين فقال: أوحي إلي أي: أخبرت بالوحي من الله أنه أي الأمر والشأن، وكلمة: أن، بالفتح مع اسمه وخبره في محل الرفع لأنه قام مقام

308
فاعل أوحي: استمع القرآن، فحذف لأن ما بعده يدل عليه، والاستماع طلب بالإصغاء إليه. قوله: (نفر من الجن) أي: جماعة منهم ذكروا في التفسير، وكانوا تسعة من جن نصيبين، وقيل: كانوا من جن الشيصبان، وهم أكثر الجن عددا د وهم عامة جنود إبليس، وقيل: كانوا سبعة وكانوا من اليمن وكانوا يهود، وقيل: كانوا مشركين.
واعلم أن الأحاديث التي وردت في ها الباب، أعني: فيما يتعلق بالجن، تدل على أن وفادة الجن كانت ست مرات. الأولى: قيل فيها: اغتيل واستظير والتمس. الثانية: كانت بالحجون. الثالثة: كانت بأعلى مكة وانصاع في الجبال. الرابعة: كانت ببقيع الغرقد وفي هؤلاء الليالي حضر ابن مسعود، وخط عليه. الخامسة: كانت خارج المدينة وحضرها الزبير بن العوام. السادسة: كانت في بعض أسفاره وحضرها بلال بن الحارث. وقال ابن إسحاق: لما آيس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من خبر ثقيف انصرف عن الطائف راجعا إلى مكة حتى كان بنخلة، قام من جوف الليل يصلي فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله فيما ذكر لي سبعة نفر من أهل جن نصيبين، فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا، فقص الله خبرهم عليه، فقال تعالى: * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) * إلى قوله: * (أليم) * (الأحقاف: 92). ثم قال تعالى:) * قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) * (الجن: 1). إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة. فإن قلت: في الصحيحين: أن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على الجن ولا رآهم...؟ الحديث. قلت: هذا النفي من ابن عباس: إنما هو حديث استمعوا التلاوة في صلاة الفجر ولم يرد به نفي الرؤية والتلاوة مطلقا وقال القرطبي: معنى حديث ابن عباس: لم يقصدهم بالقراءة، فعلى هذا فلم يعلم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، باستماعهم ولا كلمهم، وإنما أعلمه الله تعالى بقوله: * (قل أوحي إلي أنه استمع) * (الجن: 1). ويقال: عبد الله بن مسعود أعلم بقصة الجن من عبد الله بن عباس، فإنه حضرها وحفظها، وعبد الله بن عباس كان إذ ذاك طفلا رضيعا، فقد قيل: إن قصة الجن كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، وقال الواقدي: كانت في سنة إحدى عشرة من النبوة، وابن عباس كان في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام، وقيل: يجمع بين ما نفاه وما أثبته غيره بتعدد وفود الجن على النبي صلى الله عليه وسلم.
9583 حدثني عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو أسامة حدثنا مسعر عن معن بن عبد الرحمان قال سمعت أبي قال سألت مسروقا من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن فقال حدثني أبوك يعني عبد الله أنه آذنت بهم شجرة.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبيد الله بالتصغير ابن سعيد أبو قدامة السرخسي وهو أبو سعيد الأشج، ومعن، بفتح الميم وسكون العين المهملة وفي آخره نون: ابن عبد الرحمن وهو يروي عن أبيه عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ومسروق هو ابن الأجدع، وفي الأصل أجدع لقبه واسمه عبد الرحمن.
قوله: (من أذن) أي: من أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بالجن في ليلة استماع القرآن؟ قوله: (فقال: حدثني أبوك) أي: قال مسروق لعبد الرحمن: حدثني بذلك أبوك، يعني: عبد الله بن مسعود. قوله: (آذنت بهم)، أي: آذنت النبي صلى الله عليه وسلم، بالجن (شجرة) بالرفع لأنه فاعل: آذنت، وفي مسند إسحاق بن راهويه: سمرة موضع شجرة، وروى البيهقي في (دلائل النبوة) بإسناده إلى عبد الله بن مسعود أنه يقول: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه وهو بمكة: من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل... الحديث مطولا. وفيه: قال ابن مسعود: سمعت الجن تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: من يشهد أنك رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ وكان قريبا من هناك شجرة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيتم إن شهدت هذه الشجرة أتؤمنون؟ قالوا: نعم، فدعاها النبي
صلى الله عليه وسلم فأقبلت، قال ابن مسعود: فلقد رأيتها تجر أغصانها. قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهدي أني رسول الله؟ قالت: أشهد أنك رسول الله. فإن قلت: ما فيه من إعلامه أصحابه بخروجه إليهم يخالف ما روى في (الصحيح) من فقدانهم إياه حتى، قيل: اغتيل أو استطير، قلت: المراد من فقده غير الذي علم بخروجه. فإن قلت: ظاهر كلام ابن مسعود: فقدناه والتمسناه وبتنا بشر ليلة، يدل على أنه فقده والتمسه وبات ليلة، وفي هذا الحديث: قد علم بخروجه وخرج معه ورأى الجن ولم يفارق الخط الذي خطه،

309
صلى الله عليه وسلم، حتى عاد إليه بعد الفجر. قلت: إذا قلنا إن ليلة الجن كانت متعددة، لا يبقى إشكال، وقد ذكرنا أنها كانت متعددة.
0683 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد قال أخبرني جدي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته فبينما هو يتبعه بها فقال من هاذا فقال أنا أبو هريرة فقال ابغني أحجارا أستنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثه فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعتها إلى جنبه ثم انصرفت حتى إذا فرغ مشيت معه فقلت ما بال العظم والروثة قال هما من طعام الجن وإنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألوني الزاد فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاما. (انظر الحديث 551).
مطابقته للترجمة في قوله: (هما من طعام الجن...) إلى آخره. وموسى بن إسماعيل المنقري الذي يقال له: التبوذكي، وقد مر غير مرة، وعمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص. والحديث مضى في كتاب الطهارة في باب الاستنجاء بالحجارة، فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن محمد المكي عن عمرو بن يحيى... إلخ، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (إبغني) أي: أطلب لي أحجارا، وهو من الثلاثي من باب رمى يرمي، يقال: بغيتك الشيء أي طلبته لك، وأبغيته أي: أعنتك على طلبه. قوله: (أستنفض بها) أي: أستنجي بها، وهو من نفض الثوب، لأن المستنجي ينفض عن نفسه الأذى بالحجر أي: يزيله ويدفعه. قوله: (وفد جن نصيبين)، الوفد: القوم يقدمون، ونصيبين: بلدة مشهورة بالجزيرة أعني جزيرة ابن عمر في الشرق، ووقع في كلام ابن التين: إنها في الشام وهو وهم وغلط. قوله: (طعاما) أي: حقيقة وذلك بعد أن يفضل من الإنس، وطعاما هكذا رواية السرخسي، وفي رواية غيره: طعما، قيل بالشم يكتفون. قلت: للناس في أكل الجن وشربهم ثلاثة أقوال: أحدها: أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون، وهذا قول ساقط. الثاني: أن صنفا منهم يأكلون ويشربون، وصنفا منهم يأكلون ولا يشربون، وعن وهب: خالص الجن ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتوالدون ويتناكحون منهم: السعالي والغيلان والقطرب وغيرها. الثالث: أن جميع الجن يأكلون ويشربون لظاهر الأحاديث الصحيحة وعمومها، واختلف أصحاب هذا القول في أكلهم وشربهم، فقال بعضهم: أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع، وهذا قول لا يرد عليه دليل، وقال بعضهم: أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وهذا القول هو الذي تشهد به الأحاديث الصحيحة.

310
/ 1