بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: عمدة القاري المؤلف: العيني الجزء: 21 الوفاة: 855 المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه تحقيق: الطبعة: سنة الطبع: المطبعة: بيروت - دار إحياء التراث العربي الناشر: دار إحياء التراث العربي ردمك: ملاحظات: 45 ((باب: * (مراجعة الحائض) *)) أي: هذا باب في بيان حكم مراجعة الحائض التي طلقت. 5333 حدثنا حجاج حدثنا يزيد بن إبراهيم حدثنا محمد بن سيرين حدثني يونس بن جبير سألت ابن عمر فقال: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يراجعها ثم يطلق من قبل عدتها. قلت: فتعتد بتلك التطليقة؟ قال: أرأيت إن عجز واستحمق. مطابقته للترجمة ظاهرة. وحجاج على وزن فعال بالتشديد هو ابن منهال بكسر الميم، ويزيد من الزيادة ابن إبراهيم التستري. والحديث مر في أوائل الطلاق عن سليمان بن حرب عن شعبة عن ابن سيرين، ومر الكلام فيه مستوفى. قوله: (سألت ابن عمر) عمن يطلق امرأته وهي حائض. فقال في جوابه (طلق ابن عمر) معبرا بلفظ الغيبة عن نفسه. قوله: (فسأل عمر) فيه حذف تقديره: فسألت أبي عمر عن ذلك، فسأل عمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (من قبل) بضم القاف والباء الموحدة، أي: وقت استقبال العدة والشروع فيها أن يطلقها في الطهر. قوله: (قلت) القائل هو يونس بن جبير. قوله: (فتعتد) على صيغة المجهول الاستفهام مقدر أي: تعتبر تلك التطليقة وتحتسبها وتحكم بوقوع طلقة قوله: (قال) أي: ابن عمر في الجواب معبرا عن نفسه بلفظ الغيبة أيضا (أرأيت) أي: أخبرني أن ابن عمر (إن عجز واستحمق) فما يمنعه أن يكون طلاقا يعني: نعم تحتسب ولا يمنع احتسابها عجزه وحماقته، وقد مر تحقيقه في أول الطلاق. وقال ابن التين: فيه دلالة على أن الأقراء الأطهار. وفيه: حجة على أبي حنيفة في قوله الأقراء الحيض قلت: سبحان الله فما معنى تخصيص أبي حنيفة في ذلك وهو لم ينفرد بهذا القول؟ ولكن أريحة التعصب الباطل تحملهم على ذلك على ما لا يخفى. 46 ((باب: * (تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا) *)) أي: هذا باب فيه تحد إلى آخره. قال بعضهم: تحد بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي. قلت: هذا ليس باصطلاح أهل الصرف بل يقال: هذا من الثلاثي المزيد فيه من أحد، على وزن أفعل يحد إحدادا. وقال ثعلب: يقال حدت المرأة على زوجها تحد وتحد حدادا إذا تركت الزينة فهي حاد، ويقال أيضا: أحدت فهي محدود، وقال الفراء: إنما كانت بغير هاء لأنها لا تكون للذكر، وقال ابن درستويه: المعنى أنها منعت الزينة نفسها والطيب بدنها ومنعت بذلك الخطاب خطبتها والطمع فيها، كما منع حد السكين
2 وحد الدار ما منعها. وفي (نوادر اللحياني) بأحد جاء الحديث لا يحد، قال: وحكى الكسائي عن عقيل: حدت، بغير ألف، وفي (شرح الدميري) روى: بالحاء وبالجيم وبالحاء أشهر وبالجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته، فكأن المرأة انقطعت عن الزينة وما كانت عليه أولا قبل ذلك، وفي (تقويم المسد) لأبي حاتم أبي الأصمعي: حدت ولم يعرف إلا أحدت. وقال الزهري: لا أرى أن تقرب الصبية المتوفى عنها الطيب لأن عليها العدة أي: قال محمد بن مسلم الزهري. قوله: (الصبية)، بالرفع على الفاعلية، (والطيب) بالنصب على المفعولية، وقال الكرماني: ويروى بالعكس وهو ظاهر، وإنما ذكر الصبية لأن فيه خلافا، فعند أبي حنيفة: لا حداد عليها. وقال مالك: والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور: عليها الحداد. قوله: (لأن عليها العدة)، أي: على الصبية، أشار بهذا إلى أنها كالبالغة في وجوب العدة. ح دثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب ابنة أبي سلمة أنها أخبرته هاذه الأحاديث الثلاثة. 5334 ق الت زينب: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا. 5335 ق الت زينب فدخلت على زينب ابنة جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: أما والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا. 5336 ق الت زينب وسمعت أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي أربعة أشهر وعشرا، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول. 5337 ق ال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة: حمار أو شاة أو طائر، فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره. وسئل مالك رحمة الله: ما تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها. مطابقته للترجمة ظاهرة. وحميد بن نافع أبو أفلح الأنصاري، وزينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد، وهي بنت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم ابن التين أنها لا رواية لها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرج لها مسلم حديثها: كان اسمي برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، وأخرج لها البخاري حديثا تقدم في أوائل السيرة النبوية. وقال أبو عمر: ولدتها أمها بأرض الحبشة وقدمت بها وحفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت عند عبد الله بن زمعة بن الأسود فولدت له وكانت من أفقه نساء
3 زمانها. والحديث الأول: من الأحاديث الثلاثة المذكورة وهو عن أم حبيبة. والحديث الثاني: وهو عن زينب بنت جحش. قد مضيا في الجنائز في باب إحداد المرأة على غير زوجها. فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك إلى آخره. وأخرج. الحديث الثالث: وهو عن أم سلمة في الطب عن مسدد عن يحيى، وأخرجه مسلم في الطلاق عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه أبو داود فيه عن القعني عن مالك به، وأخرجه الترمذي في النكاح عن إسحاق بن موسى الأنصاري عن مالك به وأخرجه النسائي في الطلاق وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى وغيره. وأخرجه ابن ماجة في الطلاق عن أبي بكر بن أبي شيبة به. قوله: (قالت زينب: سمعت أم سلمة) هو موصول بالإسناد المذكور، ووقع في (الموطأ): سمعت أمي أم سلمة، وزاد عبد الرزاق عن مالك: بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (جاءت امرأة) زاد النسائي من طريق الليث عن حميد بن نافع: جاءت امرأة من قريش، وسماها ابن وهب في موطئه عاتكة بنت نعيم بن عبد الله. قوله: (وقد اشتكت عينها) قيل يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل وهي المرأة، وروى: عيناها، وكذا وقع في رواية مسلم. قوله: (أفتكحلها)؟ بضم الحاء. قوله: (لا) أي: لا تكحلها، وكذا في رواية شعبة عن حميد بن نافع. وقال الكرماني: قيل: هذا النهي ليس على وجه التحريم، ولئن سلمنا أنه للتحريم فإذا كانت الضرورة فإن دين الله يسر يعني: الحرمة تثبت إلا عند شدة الضرر والضرورة، أو معناه: لا تكتحل بحيث يكون فيه زينة. وقال النووي: فيه: دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء احتاجت إليه أم لا، ورد عليه المنع المطلق. لأن الضرورة مستثناة في الشرع. وفي (الموطأ) اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار، ووجه الجمع بينهما أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل، وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل. وقيل: حديث الباب على من لم تتحق الخوف على عينها ورد بأن في حديث شعبة: فحشوا على عينها، وفي رواية ابن منده رمدت رمدا شديدا وقد خشيت على بصرها. قوله: (مرتين أو ثلاثا) أي: قال: لا تكتحل مرتين أو قال: لا ثلاث مرات. وقيل: يجوز الاكتحال، ولو كان فيه طيب، وحملوا النهي على التنزيه. وقيل: النهي محمول على كحل مخصوص وهو ما يتزين به. قوله: (إنما هي أربعة أشهر وعشرا) كذا وقع في الأصل. بالنصب على لفظ القرآن، ويجوز بالرفع على الأصل، وقيل: الحكمة فيه أن الولد يتكامل يخلقته وينفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يوما. وهي زيادة على أربعة أشهر بنقصان الأهلة. فيجبر الكسر إلى العدة على طريق الاحتياط، وذكر العشر مؤنثا على إراد الليالي والمراد مع أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادي عشر، وعند الأوزاعي وبعض السلف: تنقضي بمعنى الليالي العشر بعد الأشهر وتحل في أول اليوم العاشر. قوله: (قال حميد) هو ابن نافع راوي الحديث، وهو موصول بالإسناد المتقدم. قوله: (فقلت لزينب) هي بنت أم سلمة. قوله: (وما ترمي بالبعرة) أي: بيني لي المراد بهذا الكلام الذي خوطبت به هذه المرأة. قوله: (فقالت زينب: كانت المرأة) الخ هكذا وقع غير مسند. قوله: (حفشا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وبالشين المعجمة فسره أبو داود في روايته من طريق مالك: بالبيت الصغير، وعند النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك الخفش الخص، بضم الخاء المعجمة وبالصاد المهملة، وقال الشافعي: الخفش البيت الذليل الشعث البناء، وقيل: هو شيء من خوص يشبه القفة تجمع فيه المعتدة متاعها من غزل ونحوه، وقيل: بيت صغير حقير قريب السمك. وقيل: بيت صغير ضيق لا يكاد يتسع للتقلب. وقال: أبو عبيد الحفش الدرج، وجمعه أحفاش شبه بيت الحادة في صغره بالدرج، وقال الخطابي: سمي حفشا لضيقه وانضمامه والتحفش الانضمام والاجتماع. قوله: (حتى تمر بها) وفي رواية الكشميهني: لها، باللام. قوله: (ثم تؤتي بدابة) بالتنوين قوله: (حمار) بالجر والتنوين على البداية. قوله: (أو شاة أو طائر) كلمة: أو فيه للتنويع وإطلاق الدابة على ما ذكر بطريق اللغة لا بطريق العرف. قوله: (فتفتض به) بالفاء ثم التاء المثناة من فوق ثم بضاد معجمة وقال الخطابي من فضضت الشيء إذا كسرته أو فرقته أي: أنها كانت تكسر ما كانت فيه من الحداد بتلك الدابة وقال الأخفش: معناه تنظف به، وهو مأخوذ من الفضة تشبيها له بنقائها وبياضها. وقال القتبي: سألت الحجازيين عنها. فقالوا: بأن المعتدة كانت لا تغتسل ولا تمس ماء ولا تقلم ظفرا وتخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي: تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه، فلا يكاد يعيش وفسره مالك بقوله: (تفتض به) تمسح به جلدها كالنشرة، كما يجيء الآن، وقال ابن وهب: تمسح
4 بيدها عليه وعلى ظهره، وقيل: معناه تمسح به ثم تفتض أي: تغتسل بالماء العذب حتى تصير بيضاء نقية كالفضة، وقال الخليل: الفضض الماء العذب يقال: افتضضت به أي: اغتسلت به. وقيل: تفتض أي تفارق ما كانت عليه، وذكر الأزهري أن الشافعي، رحمه الله تعالى، رواه: تقبص، بالقاف وبالياء الموحدة والصاد المهملة. وهو الأخذ بأطراف الأصابع، وقراءة الحسن: فقبضت قبضة من أثر الرسول، والمعروف الأول. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون الباء في تفتض به للتعدية أو زائدة يعني: تفتض الطائر بأن تكسر بعض أعضاءه، ولعل غرضهن منه الإشعار بإهلاك ما كن فيه، ومن الرمي الانفصال منه بالكلية. قوله: (فتعطى) على صيغة المجهول. قوله: (بعرة) بفتح النون وسكونها. قوله: (فترمى بها) أي: بتلك البعرة وفي رواية مطرف وابن الماجشون عن مالك: ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الإبل فترمي بها أمامها فيكون ذلك إحلالا لها، وفي رواية ابن وهب: ترمي ببعرة من بعر الغنم من وراء ظهرها، ثم قيل: المراد برمي البعرة إشارة إلى أنها رمت العدة رمي البعرة. وقيل: إشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه لما انقضى، كان عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استخفافا واستحقارا وتعظيما لحق زوجها وقيل: بل ترميها على سبيل التفاؤل لعدم عودها إلى ذلك. قوله: (سئل مالك: ما تفتض) أي: ما معناه. 47 ((باب: * (الكحل للحادة) *)) أي: هذا باب في بيان حكم استعمال الكحل للمرأة الحادة أي: التي تحد، بفتح التاء وضم الحاء، وأما المحدة فمن أحدت كما بيناه عن قريب، وقال ابن التين الصواب الحاد بلا هاء لأنه نبت للمؤنث كطالق: حائض، وقال بعضهم: لكنه جائز فليس بخطأ. قلت: إن كان يقال في طالق طالقة وفي حائض حائضة يقال: أيضا حادة وإن كان لا يقال طالقة ولا حائضة فلا يقال حادة، والصواب مع ابن التين، والذي ادعى جوازه فيه نظر لا يخفى. 5338 حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة حدثنا حميد بن نافع عن زينب ابنة أم سلمة عن أمها أن امرأة توفي زوجها فحشوا عينيها. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنوه في الكحل فقال: لا تكحل، قد كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها. أو شر بيتها. فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة، فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر. 5339 وسمعت زينب ابنة أم سلمة تحدث عن أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا. مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا الحديث هو الحديث المذكور فيما قبل هذا الباب ومضى الكلام فيه. قوله: (فحشوا عينيها) ويروى: على عينيها، وحشوا بفتح الحاء وضم الشين وأصله: حشيوا، بضم الياء: استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركتها فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الياء ولم تحذف الواو لأنها علامة الجمع فصارت: حشو على وزن: فعو. فافهم. قوله: (لا تكحل) بفتح التاء وتشديد الحاء وضم اللام، وأصله: لا تتكحل، بتاءين فحذفت إحداهما، وفي رواية المستملي: لا تكحل، بسكون الكاف وضم الحاء واللام، ويروى: لا تكتحل من الاكتحال من باب الافتعال. قوله: (أحلاسها) جمع حلس بكسر الحاء وسكون اللام وهو الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البردعة. قوله: (أو شر بيتها) شك من الراوي، وذكر وصف ثيابها ووصف مكانها. قوله: (فلا حتى تمضي) أي: فلا تكتحل حتى تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام. قوله: (وسمعت) القائل بهذا هو حميد ابن نافع الراوي، وهو موصول بالإسناد المتقدم. قوله: (عن أم حبيبة) هي أم المؤمنين بنت أبي سفيان أخت معاوية، واسمها رملة. والحديث مضى في الجنائز بأتم منه. قوله: (وعشرا) بالنصب اتباعا للفظ القرآن.
5 5340 حدثنا مسدد حدثنا بشر حدثنا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قالت أم عطية: نهينا أن نحد أكثر من ثلاث إلا بزوج. مطابقته للترجمة ظاهرة. وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن المفضل، وأم عطية اسمها نسيبة، بضم النون وفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، بنت كعب. ويقال: بنت الحارث الأنصارية. والحديث من أفراده. قوله: (نهينا)، بضم النون على صيغة المجهول. قوله: (إلا بزوج)، وفي رواية الكشميهني: إلا على زوج. فإن قلت: روي أنه صلى الله عليه وسلم، رخص للمرأة أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها، وعلى أبيها سبعة أيام وعلى من سواه ثلاثة أيام؟ قلت: هذا غير صحيح لما تقدم أن أم حبيبة لما توفي أبوها تطيبت بعد ثلاث، ولعموم الأحاديث، ولأن هذا الحديث ذكره أبو داود في كتاب (المراسيل) عن عمرو بن شعيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره معضلا. قلت: ذكر أبي داود هذا في (المراسيل) غير موجه إلا إن كان أراد بالإرسال الانقطاع فيتجه لأن عمرا ليس تابعيا. والله أعلم. 48 ((باب: * (القسط للحادة عند الطهر) *)) أي: هذا باب في بيان استعمال القسط للمرأة الحادة عند طهرها من الحيض إذا كانت ممن تحيض، والقسط بضم القاف وسكون السين المهملة وبالطاء المهملة هو عود يتبخر به، وقال ابن الأثير: القسط ضرب من العود. 5341 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حفصة عن أم عطية قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل ولا نطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار، وكنا ننهى عن اتباع الجنائز. مطابقته للترجمة في قوله: (من كست) لأنه القسط فأبدلت الكاف من القاف والتاء من الطاء، وقد مر بيانه مستقصى في كتاب الحيض في: باب الطيب للمرأة عند غسلها من الحيض، فإنه أخرج هذا الحديث هناك بعين هذا الإسناد، والمتن، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (كنا ننهى)، على صيغة المجهول. قوله: (أن نحد)، بضم النون وكسر الحاء. قوله: (إلا ثوب عصب)، بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وبالباء الموحدة وهو برود اليمن يعصب غزلها ثم يصبغ. قوله: (وقد رخص)، على بناء المجهول. قوله: (من محيضها)، وفي رواية الكشميهني من حيضها. قوله: (في نبذة)، بضم النون وسكون الباء الموحدة وبالذال المعجمة: وهو القليل من الشيء. قوله: (من كست أظفار)، بالإضافة ويأتي في الذي بعده: من قسط، بالقاف. وقال الصنعاني في النسخ إظفار، وصوابه: ظفار، وهو بفتح الظاء المعجمة وتخفيف الفاء موضع بساحل عدن. وقال التيمي: وهي بلفظ أظفار، والصواب: ظفار، وقال النووي: القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب ورخص فيهما لإزالة الرائحة لا للتطيب. قوله: (وكنا ننهي) بضم النون الأولى وسكون الثانية. قال أبو عبد الله: القسط والكست مثل الكافور والقافور، نبذة: أي قطعة أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وأشار بهذا إلى أن الكاف تبدل من القاف فيقال في القسط الكست، كما يقال في الكافور قافور، وتبدل الفاء من الطاء لتقارب مخرجهما. قوله: (نبذة)، أي: قطعة، أشار به إلى تفسير قوله: (في نبذة من كست)، وقد مر الكلام فيه عن قريب وليس هذا بموجود في غالب النسخ. 49 ((باب: * (تلبس الحادة ثياب العصب) *)) أي: هذا باب يذكر فيه: (تلبس المرأة الحادة ثياب العصب) وقد ذكرنا عن قريب أن العصب بالمهملتين برود يمنية يعصب غزلها أي: يجمع ويشد ثم يصبغ وينسخ فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، يقال: برد عصب وبرود عصب بالتنوين
6 والإضافة، وقيل: هي برود مخططة، قال ابن الأثير: فيكون نهي المعتدة عما صبغ بعد النسج. 5342 حدثنا الفضل بن دكين حدثنا عبد السلام بن حرب عن هشام عن حفصة عن أم عطية قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب. مطابقته للترجمة في قوله: (إلا ثوب عصب) وهشام هو ابن حسان الفردوسي بضم القاف وسكون الراء، وقال بعضهم: هو هشام الدستوائي وهو غلط والصحيح أنه هشام بن حسان، وكذا قاله الحافظ المزي، وحفصة هي بنت سيرين أخت محمد بن سيرين، وأورد حديث أم عطية هذا هنا مصرحا برفعه، وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الحادة لا يجوز لها لبس المصبغة والمعصفرة إلا ما صبغ بالسواد وقد رخص في السواد عروة بن الزبير ومالك والشافعي، وكرهه الزهري، وكان عروة يقول: لا تلبس من الحمرة إلا العصب، وقال الثوري: تتقي المصبوغ إلا ثوب عصب. وقال الزهري: لا تلبس العصب، وهو خلاف الحديث، وقال الشافعي: كل صبغ فيه زينة أو تلميع مثل العصب والحبرة والوشي فلا تلبسه غليظا كان أو رقيقا، وعن مالك: تجتنب الحناء والصباغ إلا السواد إن لم يكن حريرا ولا تلبس الملون من الصوف. قال في (المدونة) إلا أن لا تجد غيره ولا تلبس رقيقا ولا عصب اليمن ووسع في غليظه وتلبس رقيق البياض وغليظ الحرير والكتان والقطن. وقال النووي: ويحرم حلي الذهب والفضة. وكذلك اللؤلؤ وفي اللؤلؤ وجه أنه يجوز. 5343 الأنصاري: حدثنا هشام حدثتنا حفصة حدثتني أم عطية: نهى النبي صلى الله عليه وسلم ولا تمس طيبا إلا أدنى طهرها إذا طهرت نبذة من قسط وأظفار. الأنصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك قاضي البصرة شيخ البخاري، روي عنه الكثير بواسطة وبلا واسطة. ولعل البخاري أخذ هذا عنه مذاكرة فلهذا لم يرو عنه بصيغة التحديث وهشام هو ابن حسان وقد مر عن قريب وقد وصله البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي عن الأنصاري بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل ولا تمس طيبا. قوله: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم ولا تمس) فيه حذف تقديره نهى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: لا تمس طيبا. قوله: (إلا أدنى طهرها)، أي: إلا في أول طهرها، والأدنى بمعنى الأول. وقيل: بمعنى عند، وهو الأوجه، وقال الكرماني: ويروى إلى أدنى مكان إلا قوله: (نبذة)، بالنصب بدل من قوله: (طيبا) ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مقدر تقديره: وتمس نبذة من قسط وأظفار، بواو العطف، وهو الأوجه على ما لا يخفى. 50 ((باب: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * إلى قوله * (بما تعملون خبيرا) * (البقرة: 23)) أي: هذا باب فيه قوله عز وجل: * (والذين) * إلى قوله: * (خيبر) * كذا هذا المقدار في رواية الأكثرين، ورواية أبي ذر، وساق في رواية كريمة الآية بكمالها، وقد مر تفسير هذه الآية في سورة البقرة. 5344 حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا روح بن عبادة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * قال: كانت هاذه العدة، تعتد عند أهل زوجها واجبا فأنزل الله: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير أخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) * قال: جعل الله لها
7 تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة، وصية إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت وهو قول الله تعالى: * (غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم) * (البقرة: 24) فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذالك عن مجاهد. مطابقته للترجمة ظاهرة، وشبل بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة ابن عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة المكي يروى عن عبد الله بن أبي نجيح بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة واسمه يسار ضد اليمين وقضى هذا بهذا السند والمتن في تفسير سورة البقرة، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (عن مجاهد والذين) الخ أي: عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى: * (والذين يتوفون) * إلى آخره. وقوله قال: (كانت هذه العدة) توضح هذا المقدار أي: قال مجاهد: كانت هذه العدة، وأشار بها إلى العدة التي تتضمنها هذه الآية. قوله: (واجبا) القياس واجبة بالتأنيث، ولكن كذا وقع في رواية لأبي ذر عن الكشميهني، ووجهه إما باعتبار الاعتداد، وإما بتقدير أن يقال: أمرا واجبا. وإما أن يجعل الواجب اسما لما يذم تاركه ويقطع النظر عن الوصفية، ووقع في رواية كريمة: واجب، بالرفع ووجهه أن يكون خبر مبتدأ محذوف. أي: أمر واجب: أو أن يكون: كانت تامة ويكون قوله: تعتد مبتدأ وواجب خبره على طريقة قولك: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، ويكن التقدير: وأن تعتد، أي: واعتدادها عند أهل زوجها واجب. كما يقدر في: تسمع. أن تسمع، ثم يقول: أي: سماعك بالمعيدي خير من أن تراه. أي: من رؤيته. قوله: (قال: جعل الله) أي: قال مجاهد: جعل الله إلى آخره، وحاصل كلام مجاهد أنه جعل على المعتدة تربص أربعة أشهر وعشرا أوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة، تمام الحول. وقال ابن بطال: هذا قول لم يقله أحد من المفسرين غيره ولا تابعه عليه أحد من الفقهاء، بل أطبقوا على أن آية الحول منسوخة وأن السكني تبع للعدة، فلما نسخ الحول في العدة بالأربعة أشهر وعشرا نسخت السكنى أيضا. وقال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء في أن العدة بالحول نسخت إلى أربعة أشهر وعشرا، وإنما اختلفوا في قوله: (غير إخراج) الجمهور على أنه نسخ أيضا. قوله: (زعم ذلك عن مجاهد) أي: قال ذلك ابن أبي نجيح عن مجاهد أن العدة الواجبة أربعة أشهر وعشرا، وتمام السنة باختيارها بحسب الوصية فإن شاءت قبلت الوصية وتعتد إلى الحول، وإن شاءت اكتفت بالواجب، ويقال: يحتمل أن يكون معناه العدة إلى تمام السنة واجبة، وأما السكنى عند أهل زوجها ففي الأربعة الأشهر والعشر واجبة، وفي التمام باختيارها، ولفظه: فالعدة كما هي واجبة عليها يؤيد هذا الاحتمال، وحاصله أنه لا يقول بالنسخ، والله أعلم. * (وقال عطاء: قال ابن عباس: نسخت هاذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى: غير إخراج) * أي: قال عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس إلى آخره، وقد مر في تفسير سورة البقرة. وقال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله: * (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) * (البقرة: 24) قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها. أي: قال عطاء المذكور. قوله: (لا سكنى لها)، هو قول أبي حنيفة: إن المتوفى عنها زوجها لا سكنى لها، وهو أحد قولي الشافعي كالنفقة، وأظهرهما الوجوب، ومذهب مالك: إن لها السكنى إذا كانت الدار ملكا للميت. 5345 حدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم حدثني حميد بن نافع عن زينب ابنة أم سلمة عن أم حبيبة ابنة أبي سفيان لما جاءها نعي أبيها
8 دعت بطيب فمسحت ذراعيها وقالت: ما لي بالطيب من حاجة، لولا أني سمعت النبي ت يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا. مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ما يتعلق بالمعتدة، والترجمة في العدة، والحديث قد مر عن قريب في: باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا. قوله: (يعني أبيها)، أي: خبر موته. 51 ((باب: * (مهر البغي والنكاح الفاسد) *)) أي: هذا باب في بيان حكم مهر البغي وهو بفتح الباء وكسر الغين المعجمة وتشديد الياء قال بعضهم: هو على وزن فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقال الكرماني: وزنه فعول قلت: على الأصل لأن أصله بغوي، على وزن فعول اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء فصار: بغي، بضم الغين ثم أبدلت الضمة كسرة لأجل الياء فصار: بغي، وأما قول البعض: إن وزنه فعيل فليس بصحيح، إذ لو كان كذلك للزمته الهاء كامرأة حليمة وكريمة، واشتقاقه من البغاء وهو الزنا. قوله: (والنكاح الفاسد) أي: وفي حكم النكاح الفاسد، وأنواعه كثيرة: كالنكاح بلا شهود، وبلا ولي عند البعض، ونكاح المعتدة، والنكاح الموقت والشغار عند البعض ونحوها. وقال الحسن: إذا تزوج محرمة وهو لا يشعر فرق بينهما، ولها ما أخذت وليس لها غيره ثم قال بعد: لها صداقها أي: قال الحسن البصري: إذا تزوج محرمة، بضم الميم وتشديد الراء أي: امرأة محرمة عليه، وفي رواية المستملي: محرمة بفتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء والميم وبالضمير، وقال الكرماني: محرمة بلفظ فاعل من الإحرام، وبلفظ مفعول التحريم وبلفظ المحرم بفتح الميم والراء المضاف، وضبطه الدمياطي بضم الميم وكسر الراء، وقال ابن التين: يريد ذات محرم. قوله: (وهو لا يشعر)، أي: والحال أن الرجل لم يدر بذلك، فرق بينهما. (ولها ما أخذت) من الرجل يعني صداقها المسمى (وليس لها غيره) وهو قول مالك المشهور. قوله: (ثم قال)، أي: الحسن بعد أن قال: وليس لها غيره (لها صداقها) يعني: صداق مثلها، وسائر الفقهاء على هذين القولين فطائفة تقول بصداق المثل، وطائفة تقول بالمسمى، وأما من تزوج محرمة وهو عالم بالتحريم فقال مالك وأبو يوسف ومحمد والشافعي: عليه الحد ولا صداق في ذلك، وقال الثوري: وأبو حنيفة: لا حد عليه وإن علم يعزر، وقال أبو حنيفة: لا يبلغ به أربعين، وتعليق الحسن رواه ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن سعيد عن مطر عنه به. 5346 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي مسعود، رضي الله عنه، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي. مطابقته للترجمة ظاهرة، وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام المخزومي وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري. والحديث مضى في كتاب البيوع في: باب ثمن الكلب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، أما ثمن الكلب فحرام عند الحسن البصري وربيعة وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي والشافعي وأحمد وداود ومالك في رواية، واحتجوا بهذا الحديث. وقال عطاء وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وابن كنانة وسحنون من المالكية: الكلاب التي ينتفع بها يجوز بيعها وتباح أثمانها، وأجابوا عن الحديث بأني النهي عنه إنما كان حين أمر صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ولما أباح الانتفاع بها للاصطياد ونحوه، ونهى عن قتلها نسخ النهي المذكور، وأما حلوان الكاهن فإنه رشوة يأخذها الكاهن على ما يأتي به من الباطل، وروى الطحاوي أيضا عن أبي مسعود: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ثلاث هن سحت ثم ذكر مثل الحديث المذكور، وأما مهر البغي، وهو الذي يعطى على النكاح المحرم فحرام، وقال القاضي: لم يختلف العلماء في تحريم أجر البغي لأنه ثمن عن محرم، وقد حرم الله الزنا فلذلك أبطلوا أجر المغنية والنائحة، وأجمعوا على بطلانه.
9 5347 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله، ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو جحيفة بضم الجيم اسمه وهب بن عبد الله السوائي نزل الكوفة وابتنى بها دارا ومضى الحديث في كتاب البيوع في باب: ثمن الكلب، والواشمة من الوشم المعجمة وهو أن يغرز الجلد بالأبرة ثم يحشى بالكحل، والمستوشمة التي تسأل أن يفعل بها ذلك، والموكل المطعم والآكل الآخذ، وإنما سوى في الإثم بينهما وإن كان أحدهما رابحا والآخر خاسرا لأنهما في فعل الحرام شريكان متعاونان. 5348 حدثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي حازم عن أبي هريرة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الإماء. مطابقته للترجمة من حيث إن المراد كسب الإماء هو ما يأخذنه على الزنا، فيدخل في مهر البغي. والحديث مر في آخر البيوع، ومحمد بن جحادة، بضم الجيم وتخفيف الحاء المهملة، الأيامي بتخفيف الياء آخر الحروف، وأبو حازم، بالحاء المهملة وبالزاي: سليمان الأشجعي. 52 ((باب: * (المهر للمدخول عليها وكيف الدخول أو طلقها قبل الدخول والمسيس) *)) أي: هذا باب في بيان حكم المهر للمرأة المدخول عليها. قوله: (وكيف الدخول)، عطف على ما قبله. أي: وفي بيان كيفية الدخول، يعني: بم يثبت بين العلماء، وقالت طائفة: إذا أغلق بابا أرخى سترا على المرأة فقد وجب الصداق كاملا والعدة، روي ذلك عن عمرو وعلي وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم، وهو قول الكوفيين: والليث والأوزاعي وأحمد، وقالت طائفة: لا يجب المهر إلا بالمسيس، أي: الجماع، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، وبه قال شريح والشعبي، وإليه ذهب الشافعي وأبو ثور، وقال ابن المسيب: إذا دخل بالمرأة في بيتها صدق عليها، وإن دخلت عليه في بيته صدقت عليه، وهو قول مالك. قوله: (أو طلقها قبل الدخول والمسيس)، وقال ابن بطال: تقديره أو كيف طلقها، واكتفى بذكر الفعل عن ذكر المصدر لدلالته عليه انتهى، وإنما ذكر اللفظين: أعني: الدخول والمسيس إشارة إلى المذهبين: الاكتفاء بالخلوة والاحتياج إلى الجماع، ولفظ المسيس لم يثبت إلا في رواية النسفي. 53 ((باب: * (المتعة للتي لم يفرض لها) *)) أي: هذا باب في بيان حكم المتعة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يسم لها صداقا. واختلف في المتعة، فقالت طائفة هي واجبة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يسم لها صداقا روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وهو قول عطاء، والشعبي والنخعي
10 والزهري، وبه قال الكوفيون: ولا يجمع مهر مع المتعة. وقال ابن عبد البر: وبه قال شريح وعبد الله بن مغفل أيضا، وقالت الحنفية: فإن دخل بها ثم طلقها فإنه يمتعها ولا يجبر عليه هنا، وهو قول الثوري وابن حي والأوزاعي، إلا أن الأوزاعي قال: فإن كان أحد الزوجين مملوكا لم تجب وقال أبو عمر: وقد روي عن الشافعي مثل قول أبي حنيفة وقالت طائفة: لكل مطلقة متعة مدخولا بها كانت أو غير مدخول بها إذا وقع الفراق من قبله ولم يتم إلا به إلا التي سمى لها وطلقها، قبل الدخول، وهو قول الشافعي وأبي ثور، وروي عن علي، رضي الله تعالى عنه: لكل مطلقة متعة، ومثله عن الحسن وسعيد بن جبير وأبي قلابة. وقالت طائفة: المتعة ليست بواجبة في موضع من المواضع، وهو قول ابن أبي ليلى وربيعة ومالك والليث وابن أبي أسامة. لقوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) * إلى قوله: * (إن الله بما تعملون بصيرا) * (البقرة: 237) استدل البخاري بهذه الآية على وجوب المتعة لكل مطلقة مطلقا، وهو قول سعيد بن جبير وغيره، واختاره ابن جرير، وتمام الآية: * (ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) * قوله: (متعوهن)، أمر بإمتاعها وهو تعويضها عما فاتها بشيء تعطاه من زوجها بحسب حاله. (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) والموسع الذي له سعة، والمقتر الضيق الحال. قوله: (قدره)، أي: مقداره الذي يطيقه وهذه الآية نزلت في رجل من الأنصار تزوج بامرأة من بني حنيفة ولم يسم لها مهرا ثم طلقها قبل الدخول. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، متعها ولو بقلنسوة. وقال أصحابنا: لا تجب المتعة إلا لهذه وحدها، وتستحب لسائر المطلقات. قوله: (متاعا)، تأكيد لقوله: (ومتعوهن) بمعنى تمتيعا (بالمعروف) الذي يحسن في الشرع والمروءة. قوله: (حقا)، صفة لمتاعا أي: متاعا واجبا عليهم أو حق ذلك حقا على المحسنين الذين يحسنون إلى المطلقات بالتمتع. وقوله: * (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين كذالك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون (البقرة: 241، 242). أي: لقوله تعالى: * (وللمطلقات) * الآية. واستدل البخاري أيضا بعموم هذه الآية في وجوب المتعة لكل مطلقة مطلقا. وقال الزمخشري: عم المطلقات بإيجاب المتعة لهن بعدما أوجبها لواحدة منهن. وهي المطلقة غير المدخول بها. وقال: (حقا على المتقين) كما قال ثمة (حقا على المحسنين) والذي فصل يقول: إن هذه منسوخة بتلك الآية وهي قوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) * الآية. فإن قلت: كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة. قلت: قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل. كقوله: (سيقول السفهاء) (البقرة: 142) مع قوله: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * (البقرة: 144) وقال أبو عمر: لم يختلف العلماء أن المتعة المذكورة في الكتاب العزيز غير مقدرة ولا محدودة ولا معلوم مبلغها ولا موجب قدرها، فروي عن مالك أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأة له فمتعها بوليدة، وكان ابن سيرين يمتع بالخادم أو النفقة أو الكسوة، ويمتع الحسن بن علي زوجته بعشرة آلاف فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق، ويمتع شريح بخمسمائة درهم، والأسود بن يزيد بثلاث مائة، وعروة بخادم، وقال قتادة: المتعة جلباب ودرع وخمار، وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، وقال: هذا لكل حرة أو أمة أو كتابية إذا وقع الطلاق من جهة، وعن ابن عمر: ثلاثون درهما وفي رواية إنه يمتع بوليدة. * (ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، في الملاعنة متعة حين طلقها زوجها) * هذا من كلام البخاري أراد به صلى الله عليه وسلم لم يذكر في الأحاديث التي رويت عنه في اللعان متعة، وكأنه تمسك بهذا أن الملاعنة لا متعة لها، وقال الكرماني: المفهوم من كلام البخاري أن لكل مطلقة متعة والملاعنة غير داخلة في جملة المطلقات. ثم قال: لفظ طلقها، صريح في أنها مطلقة، ثم أجاب بأن الفراق حاصل بنفس اللعان حيث قال: فلا سبيل لك عليها، وتطليقه لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بل كان كلاما زائدا صدر منه تأكيدا.
11 5350 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال للمتلاعنين: حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها. قال: يا رسول الله! مالي؟ قال: لا مال لك إن كنت صدقت عليها. فهو بما استحللت من فرجها. وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد، وأبعد لك منها. ذكر هذا الحديث الذي مضى عن قريب في: باب صداق الملاعنة تأكيدا لما قاله ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الملاعنة متعة لأنه ليس فيه تعرض للمتعة وعمرو هو ابن دينار. قوله: (فذاك أبعد) لا بد فيه من بعد وزيادة لأن أفعل التفضيل يقتضي ذلك فالبعد هو طلب استيفاء ما يقابله، وهو الوطء. والزيادة هي: ضم إيذائها بالقذف الموجب للانتقام منه لا للإنعام إليه، والتكرار لأنه أسقط الحد الموجب لتشفي المقذوف عن نفسه باللعان، والله أعلم. 69 ((كتاب: * (النفقات وفضل النفقة على الأهل) *)) أي: هذا كتاب في بيان أحكام النفقات، وفي بيان فضل النفقة على الأهل، ووقع كذا في رواية أبي ذر والنسفي، هكذا كتاب النفقات، بسم الله الرحمان الرحيم: باب فضل النفقة على الأهل، وليس في رواية أبي ذر لفظ: باب. 1 ((باب: * (فضل النفقة على الأهل) *)) وقول الله عز وجل: * (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) * (البقرة: 219) في الدنيا والآخرة وقول الله بالجر عطف على النفقات المجرور بإضافة لفظ الكتاب إليه، كذا وقع في رواية الجميع، ووقع النسفي عند قوله: (قل العفو) سبب نزول هذه الآية ما أخرجه ابن أبي حاتم من مرسل يحيى بن أبي كثير بسند صحيح إليه أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: إن لنا أرقاء وأهلين فما ننفق من أموالنا؟ فنزلت قوله: (قل العفو)، بالنصب أي: انفقوا العفو، وقرأ الحسن وقتادة وأبو عمرو بالرفع أي: هو العفو، ومثله قولهم: ماذا ركبت أفرس أم بعير؟ يجوز فيه الرفع والنصب واختلفوا في تفسير العفو فروي عن سالم والقاسم: العفو فضل المال بالتصدق به عن ظهر غنى، وعن مجاهد: هو الصدقة المفروضة. وقال الزجاج: أمر الناس أن ينفقوا الفضل حتى فرضت الزكاة. فكان أهل المكاسب يأخذ من كسبه كل يوم ما يكفيه ويتصدق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما ينفقونه في عامهم وينفقون باقيه ويقال: العفو ما سهل، ومنه: أفضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى. قوله: (لعلكم تتفكرون)، أي: تتفكرون فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا، وقيل: هو على التقديم والتأخير أي: (وكذلك يبين الله لكم الآيات) في أمر الدنيا (والآخرة لعلكم تتفكرون). وقال الحسن: العفو الفضل أي: قال الحسن البصري: المراد بالعفو في قوله تعالى: * (قل العفو) *: الفضل أي: الفاضل عن حاجته، وهذا التعليق وصله عبد بن حميد عنه، وعن الحسن: لا تنفق مالك حتى تجهد فتسأل الناس. 5351 حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري عن أبي مسعود الأنصاري. فقلت: عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري. والحديث مضى في كتاب الإيمان في: باب ما جاء أن الأعمال بالنية. قوله: (فقلت: عن النبي)؟ أي: أترويه عن النبي صلى الله عليه وسلم! أو تقوله عن اجتهاد وقال بعضهم القائل: فقلت: هو شعبة بينه الإسماعيلي في رواية له. قلت: لم يبين هذا القائل كيف بينه الإسماعيلي. فلم لا يجوز أن يكون القائل عبد الله بن يزيد؟ بل الظاهر
12 يشعر أنه هو، ويحتمل أن يكون عدي بن ثابت على ما لا يخفى. قوله: (على أهله)، قال صاحب (المغرب) أهل الرجل امرأته وولده والذي في عياله ونفقته، وكذا كل أخ أو أخت أو عم أو ابن عم أو صبي أجنبي بقوته في منزله، وعن الأزهري: أهل الرجل أخص الناس به، ويجمع على أهلين والأهالي على غير قياس، ويقال: الأهل يحتمل أن يشمل الزوجة والأقارب، ويحتمل أن يختص بالزوجة ويلحق به من عداه بطريق الأولى لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولى. فإن قلت: كيف يكون إطعام الرجل أهله صدقة وهو فرض عليه؟ قلت: جعل الله الصدقة فرضا وتطوعا ويجزي العبد على ذلك بحسب قصده، ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة. وقيل: إنما أطلق الشارع صدقة على نفقة الفرض لئلا يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم، وقال المهلب: النفقة على الأهل والعيال واجبة بالإجماع، وقال الطبري: النفقة على الأولاد ما داموا صغارا فرض عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: وأبدأ بمن تعلو لأن الولد ما دام صغيرا فهو عيال. وقال ابن المنذر: واختلفوا فيمن بلغ من الأبناء ولا مال له ولا كسب، فقالت طائفة: على الأب أن ينفق على ولد صلبه الذكور حتى يحتلموا والبنات حتى يزوجن، فإن طلقها. قيل البناء فهي على نفقتها، وإن طلقها بعد البناء أو مات عنها فلا نفقة لها على أبيها ولا نفقة لولد الولد على الجد، هذا قول مالك، وأي: نفقة الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات واجبة بشرط العجز مع قيام الحاجة، وأما نفقة بني الأعمام وأولاد العمات فلا تجب عند عامة العلماء. خلافا لابن أبي ليلى. قوله: (وهو يحتسبها)، أي: يعملها حسبة لله تعالى، وقال النووي: احتسبها أي: أراد بها الله، وطريقه أن يتذكر أنه يجب عليه الإنفاق فينفق بنية أداء ما أمر به. 5352 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك. مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأبو الزناد بالزاي والنون هو عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز. والحديث من أفراده. قوله: (أنفق)، بفتح الهمزة أمر من الإنفاق. قوله: (أنفق عليك)، بضم الهمزة بصيغة المضارع جواب الأمر، وروى مسلم من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ: أن الله قال لي: أنفق عليك. 5353 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار. مطابقته للترجمة من حيث إن الساعي على الأرملة هو الذي يسعى لتحصيل النفقة على الأرملة التي لا زوح لها وثور بالثاء المثلثة، وأبو الغيث سالم مولى ابن مطيع القرشي. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن القعني. وأخرجه مسلم أيضا في الأدب عن القعني. وأخرجه الترمذي في البر عن إسحاق بن موسى. وأخرجه النسائي في الزكاة عن عمرو بن منصور. وأخرجه ابن ماجة في التجارات عن يعقوب بن حميد. قوله: (أو القائم الليل)، شك من الراوي. وفي رواية معن بن عيسى وابن وهب وابن بكير وآخرين عن مالك بلفظ: أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل، وفي رواية ابن ماجة عن الدراوردي عن ثور مثله، ولكن بالواو لا بأو، ويجوز في القائم الليل الحركات الثلاثة كما في الحسن الوجه في الوجوه الإعرابية، وإن اختلفا في بعضها بكونه حقيقة أو مجازا. 5354 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعودني وأنا مريض بمكة، فقلت: لي مال أوصي بمالي كله قال: لا. قلت: فالشطر قال: لا. قلت: فالثلث قال: الثلث والثلث كثير، أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم. ومهما أنفقت فهو لك صدقة، حتى اللقمة تضعها
13 في في امرأتك، ولعل الله يرفعك ينتفع بك ناس ويضر بك آخرون. مطابقته للترجمة في قوله: (ومهما أنفقت فهو لك صدقة)، وسفيان هو الثوري، قاله الكرماني: وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعامر هو ابن سعد بن أبي وقاص يروي عن أبيه. والحديث مضى في الجنائز في: باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه بأتم منه. قوله: (فالشطر)، أي: النصف. قوله: (الثلث)، الأول منصوب على الإغراء أو على تقدير: أعط الثلث، ويجوز فيه الرفع على تقدير: الثلث يكفيك. (والثلث) الثاني مبتدأ وخبره. قوله: (كثير)، بالثاء المثلثة أو بالباء الموحدة. قوله: (أن تدع)، أي: أن تترك، وأن مصدرية محلها رفع بالابتداء وخبره. هو قوله: (خير) والتقدير: ودعك أي: تركك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة، وهو جمع عائل وهو الفقير. قوله: (يتكففون الناس) أي: يمدون إلى الناس أكفهم للسؤال. قوله: (تضعها) في محل النصب على الحال. قوله: (في في امرأتك) أي: في فم امرأتك، وإذا قصد بأبعد الأشياء عن الطاعة وهو وضع اللقمة في فم المرأة وجه الله تعالى ويحصل به الأجر فغيره بالطريق الأولى. وفي الحديث: معجزة فإنه انتعش وعاش حتى فتح العراق وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار. 2 ((باب: * (وجوب النفقة على الأهل والعيال) *)) أي: هذا باب في بيان وجوب النفقة على الأهل، أراد به الزوجة هنا، وعطف عليه العيال من باب عطف العام على الخاص. وقد مضى الكلام في الأهل عن قريب، وعيال الرجل من يعولهم أي: من يقوتهم وينفق عليهم، وأصل عيال عوال لأنه من عال عيالة وعولا ويعالة إذا فاتهم، قلبت الواو ياء لتحركها وانكسار ما قبلها. وقال الجوهري: وواحد العيال عيل بتشديد الياء والجمع عيائل، مثل: جيد وجياد وجيائد. 5355 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالح قال: حدثني أبو هريرة، رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني إلى من تدعني؟ فقالوا: يا أبا هريرة: سمعت هاذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا هاذا من كيس أبي هريرة. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان السمان. والحديث أخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن عبد العزيز. قوله: (غنى) يعني: ما لم يجحف بالمعطي أي: أنها سهل عليه كما في قوله: ما كان عن ظهر غنى، وقيل: معناه ما ساق إلى المعطي غنى، والأول أوجه. قوله: (واليد العليا خير من اليد السفلى) قد مضى في الزكاة أقوال فيه وإن أصحها العليا المعطية والسفلى السائلة. قوله: (وابدأ بمن تعول) أي: ابدأ في الإنفاق بعيالك ثم اصرف إلى غيرهم. قوله: ((تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني) وفي رواية النسائي عن محمد بن عبد العزيز عن حفص بن غياث بسند حديث الباب: إما أن تنفق علي قوله: (ويقول العبد أطعمني واستعملني) وفي رواية الإسماعيلي: ويقول خادمك أطعمني وإلا فبعني. قوله: (إلى من تدعني) وفي رواية النسائي والإسماعيلي: إلى من تكلني. قوله: (من كيس أبي هريرة)؟ قال صاحب (التوضيح) أي: من قوله، والتحقيق فيه ما قاله الكرماني: الكيس بكسر الكاف الوعاء، وهذا إنكار على السائلين عنه، يعني: ليس هذا إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه نفي يريد به الإثبات، وإثبات يريد به النفي على سبيل التعكيس، ويحتمل أن يكون لفظ: هذا، إشارة إلى الكلام الأخير إدراجا من أبي هريرة، وهو: تقول المرأة إلى آخره. فيكون إثباتا لا إنكارا يعني: هذا المقدار من كيسه فهو حقيقة في النفي والإثبات. قال: وفي بعضها، يعني: في بعض الروايات بفتح الكاف يعني: من عقل أبي هريرة وكياسته. قال التيمي: أشار البخاري إلى أن بعضه من كلام أبي هريرة وهو مدرج في الحديث. وفي
14 هذا الحديث أحكام الأول: أن حق نفس الرجل يقدم على حق غيره. الثاني: أن نفقة الولد والزوجة فرض بلا خلاف. الثالث: أن نفقة الخدم واجبة أيضا. الرابع: استدل بقوله: (إما أن تطعمني وإما أن تطلقني) من قال: يفرق بين الرجل وامرأته إذا أعسر بالنفقة واختارت فراقه. قال بعضهم: وهو قول جمهور العلماء. وقال الكوفيون: يلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته واستدل الجمهور بقوله تعالى: * (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) * (البقرة: 231) وأجاب المخالف بأنه لو كان الفراق واجبا لما جاز الإبقاء إذا رضيت، ورد عليه بأن الاجتماع دل على جواز الإبقاء إذا رضيت فبقي ما عداه على عموم النهي، وبالقياس على الرقيق والحيوان فإن من أعسر بالإنفاق عليه أجبر على بيعه. انتهى. قلت: الذي قاله الكوفيون هو قول عطاء بن أبي رباح وابن شهاب الزهري وابن شبرمة وأبي سلمان وعمر بن عبد العزيز هو المحكي عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وروي عن عبد الوارث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. قال: كتب عمر، رضي الله تعالى عنه إلى أمراء الأجناد: ادعوا فلانا وفلانا، أناسا قد انقطعوا عن المدينة ورحلوا عنها، إما أن يرجعوا إلى نسائهم وإما أن يبعثوا بنفقة إليهن وإما أن يطلقوا ويبعثوا بنفقة ما مضى، ولم يتعرض إلى شيء غير ذلك. وقول هذا القائل: وأجاب المخالف: هل أراد به أبا حنيفة أم غيره؟ فإن أراد به أبا حنيفة فما وجه تخصيصه من بين هؤلاء وليس ذلك إلا من أريحة التعصب، وإن أراد به غيره مطلقا كان ينبغي أن يقول: وأجاب المخالفون، ولا يتم استدلالهم بقوله تعالى: * (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) * لأن ابن عباس ومجاهد ومسروقا والحسن راجعها ضرارا لئلا تذهب إلى غيره ثم يطلقها فتعتذ فإذا شارفت على انقضاء العدة يطلق ليطول عليها العدة فنهاهم الله عن ذلك وتوعدهم عليه فقال * (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) * أي: بمخالفة أمر الله عز وجل، فبطل استدلالهم بهذا وعموم النهي ليس فيما قالوا: وإنما هو في الذي ذكر: عن ابن عباس ومن معه، والقياس على الرقيق والحيوان قياس مع الفارق فلا يصح بيانه أن الرقيق والحيوان أن لا يملكان شيئا ولا يجد الرقيق من يسلفه ولا يصبران على عدم النفقة، بخلاف الزوجة فإنها تصبر وتستدين على ذمة زوجها، ولأن التفريق يبطل حقها وإبقاء النكاح يؤخر حقها إلى زمن اليسار عند فقره وإلى زمن الإحضار عند غيبته، والتأخير أهون من الإبطال. 5356 حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمان بن خالد ابن مسافر عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث من أفراده. قوله: (ما كان عن ظهر غنى)، أي: ما كان عفوا قد فشل عن غنى، وقيل: أراد ما فضل عن العيال والظهر قد يزاد في مثل هذا اتساعا للكلام وتمكينا، كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال. 3 ((باب: * (حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله، وكيف نفقات العيال) *)) أي: هذا باب في بيان جواز حبس الرجل قوت سنة، يعني ادخاره القوت لأجل أهله يكفيه سنة، وكيف شأن نفقات العيال والكيفية راجعة إلى صفة النفقات من حيث الفريضة والوجوب وعدمهما. 5357 حدثني محمد بن سلام أخبرنا وكيع عن ابن عيينة قال: قال لي معمر: قال لي الثوري: هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو بعض السنة؟ قال معمر: فلم يحضرني، ثم ذكرت حديثا حدثناه ابن شهاب الزهري عن مالك بن أوس عن عمر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم.
15 مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن عيينة هو سفيان بن عيينة، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد، والثوري هو سفيان. والحديث من أفراده، وقد فات ابن عيينة سماع هذا الحديث من الزهري فرواه عنه بواسطة معمر، وقد رواه أيضا عن عمرو ابن دينار عن الزهري بأتم من سياق معمر، وتقدم في سورة الحشر. وأخرجه أحمد والحميدي في (مسنديهما) عن سفيان عن معمر وعمرو بن دينار جميعا عن الزهري، وقد أخرج مسلم رواية معمر وحدها عن يحيى بن يحيى عن سفيان عن معمر عن الزهري، لكن لم يسق لفظه، وأخرج إسحاق بن راهويه في (مسنده) رواية معمر منفردة عن سفيان عنه عن الزهري بلفظ: كان ينفق على أهله نفقة سنة من مال بني النضير، ويحمل ما بقي في الكراع والسلاح. قوله: (بني النضير)، بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وبالراء، وهم حي من يهود خيبر، وقد دخلوا في العرب وهم على نسبتهم إلى هارون أخي موسى، عليهما السلام. قال المهلب: فيه دليل على جواز إدخار القوت للأهل والعيال وأنه ليس بحكرة، وإن ما ضمه الإنسان من زرعه أو جد من نخله وثمره وحبسه لقوته لا يسمى حكرة، ولا خلاف في هذا بين الفقهاء. وقال الطبري: فيه دليل الرد على الصوفية حيث قالوا: الإدخار من يوم لغد يسيء فاعله إذ لم يتوكل على ربه حق توكله، ولا خفاء بفساد هذا القول. 5358 حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان، وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من حديثه، فانطلقت حتى دخلت على مالك بن أوس فسألته. فقال مالك: انطلقت حتى أدخل على عمر، رضي الله عنه، إذ أتاه حاجبه يرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمان والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: نعم! فأذن لهم. قال: فدخلوا وسلموا فجلسوا. ثم لبث يرفأ قليلا فقال لعمر: هل لك في علي وعباس؟ قال: نعم، فأذن لهما. فلما دخلا سلما وجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هاذا. فقال: الرهط عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمنين! اقض بينهما. وأرح أحدهما من الآخر. فقال عمر: اتئدوا أنشدكم بالله الذي به تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا نورث ما تركنا فهو صدقه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال الرهط قد قال ذلك فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ذالك؟ قالا: قد قال ذالك. قال عمر: فإني أحدثكم عن هاذا الأمر: إن الله كان خص رسوله، صلى الله عليه وسلم، في هاذا المال بشيء لم يعطه أحدا غيره. قال الله: * (ما أفاء الله على رسوله منهم) * إلى قوله: * (قدير) * فكانت هاذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هاذا المال: فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ينفق على أهله نفقة سنتهم من هاذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل بذالك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حياته. أنشدكم بالله هل تعلمون ذالك؟ قالوا: نعم قال لعلي وعباس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذالك؟ قالا: نعم. ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنتما حينئذ. وأقبل على علي وعباس تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا، والله
16 يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ثم جئتماني وكلمتماني واحدة وأمركما جميع، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك وأتى هاذا يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت: إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما عمل به فيها أبو بكر وبما عملت به فيها منذ وليتها وإلا فلا تكلماني فيها. فقلتما ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما بذالك أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذالك؟ فقال الرهط: نعم. قال: فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذالك؟ قالا: نعم. قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذالك؟ والذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذالك حتى تقوم الساعة. فإن عجزتما عنها فادفعاها فأنا أكفيكماها. مطابقته للترجمة في قوله: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتها) الحديث قد مضى في: باب فرض الخمس زيادة بعض الألفاظ فيه، ومضى الكلام فيه هناك، ولنتكلم بعض شيء لبعد المسافة. قوله: (يرفأ)، بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وبالفاء مهموزا وغير مهموز. قوله: (اتئدوا)، أمر من الاتئاد وهو التأني وعدم العجلة. قوله: (أنشدكم)، بضم الشين أي: أسألكم بالله. قوله: (لم يعطه غيره)، لأن الفيء كله على اختلاف فيه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وما احتازها)، بالحاء المهملة والزاي أي: اجمعها لنفسه دونكم. قوله: (ولا استأثر) أي: لا استقبل بها ولا تفرد بها. يقال: استأثر فلان به إذا أخذه لنفسه. قوله: (وبثها)، أي: فرقها. قوله: (هذا المال) أي: فدك ونحوها. قوله: (نجعل مال الله) أي: موضع جعل مال الله فيه، يعني: بيت المال. قوله: (وأنتما)، مبتدأ وقوله: (تزعمان) خبره. قوله: (وأقبل على علي وعباس) جملة حالية معترضة. (كذا وكذا) أي: لا يعطي ميراثنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (والله يعلم أنه)، أي: أن أبا بكر. قوله: (صادق)، أي: في القول. قوله: (بار)، بالباء الموحدة وتشديد الراء أي: في العمل. قوله: (راشد)، أي: في الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وأمركما جميع)، أي: مجتمع أي: لم يكن بينكما منازعة. قوله: (من ابن أخيك)، أي: لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (امرأته) أي: فاطمة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (من أبيها) أي: نصيبها الكائن من أبيها وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقال الرهط)، وهم: عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد. رضي الله تعالى عنهم. قوله: (فأقبل) أي: عمر على علي وعباس قوله: (أفتلتمسان مني)؟ أي: أفتطلبان مني قضاء أي حكما غير ذلك؟ أي: غير ما حكمت به. وقال الخطابي هذه القصة مشكلة فإنهما أخذاها من عمر، رضي الله تعالى عنه، على الشريطة واعترفا بأنه صلى الله عليه وسلم. قال: ما تركنا صدقة فما الذي بدا لهما بعد ذلك حتى تخاصما؟ والمعنى فيها: أنه كان يشق عليهما الشركة فطلبا أن يقسم بينهما كل منهما بالتدبير والتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر القسم لئلا يجري عليها اسم الملك لأن القسمة تقع في الأملاك، ويتطاول الزمان فيظن به الملكية. 4 ((باب وقال الله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * إلى قوله: * (بما تعملون بصير) * (البقرة: 233)) أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (والوالدات) * إلى قوله: (بصير) كذا وقع في رواية كريمة ووقع في رواية أبي ذر والأكثرين: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) إلى قوله: (بصير) وهذه الترجمة وقعت في رواية النسفي بعد الباب الذي يليه قوله: (والوالدات يرضعن) خبر ومعناه أمر لما فيه من الإلزام أي: لترضع الوالدات أولادهن يعني: الأولاد من أزواجهن
17 وهو أحق وليس ذلك بإيجاب إذا كان المولود له حيا موسرا لقوله تعالى في سورة النساء القصرى * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * (الطلاق: 6) على ما يأتي، وأكثر المفسرين على أن المراد بالوالدات هنا المبتوتات فقط وقام الإجماع على أن أجر الرضاع على الزوج إذا خرجت المطلقة من العدة. واختلفوا في ذات الزوج هل تجبر على رضاع ولدها؟ قال ابن أبي ليلى: نعم ما كانت امرأته، وهو قول مالك وأبي ثور، وقال الثوري والكوفيون والشافعي: لا يلزمها رضاعه وهو على الزوج على كل حال، وقال ابن القاسم: تجبر على رضاعه إلا أن يكون مثلها لا يرضع فذلك على الزوج. قوله: (حولين) مدة الرضاع. وقوله: (كاملين) مثل قوله: (تلك عشرة كاملة) (البقرة: 96). * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * (الأحقاف: 15) ذكر هذه الآية الكريمة إشارة إلى قدر المدة التي يجب فيها الرضاع. قوله: (وحمله وفصاله)، أي: فطامه (ثلاثون شهرا) وهذا دليل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع حولان كاملان لقوله تعالى: * (حولين كاملين) * (البقرة: 233) فيبقى للحمل ستة أشهر روي عن بعجة بن عبد الله الجهني، قال تزوج رجل منا امرأة فولدت لستة أشهر فأتى عثمان، رضي الله تعالى عنه، فأمر برجمها فأتاه علي، رضي الله تعالى عنه، فقال: إن الله عز وجل يقول: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * قال: * (وفصاله في عامين) * وقال ابن عباس: إذا ذهبت رضاعته فإنما الحمل ستة أشهر. وقال: * (وإن تعاسر تم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه) * إلى قوله: * (بعد عسر يسرا) *. أشار بهذه الآية الكريمة إلى مقدار الإنفاق وأنه بالنظر لحال المنفق. قوله: (وإن تعاسرتم)، أي: في الإرضاع، فأبى الزوج أن يعطي المرأة أجرة رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها على إرضاعه فسترضع له أخرى فستوجد ولا تتعذر مرضعة غير الأم ترضعه، وفيه معاتبة الأم على المعاسرة أي: سيجد الأب غير معاسرة ترضع له ولده إن عاسرته أمه. قوله: (لينفق ذو سعة)، أي: ذو موجود من سعته على قدر موجوده (ومن قدر) أي: ومن ضيق عليه رزقه (فلينفق مما آتاه الله) أي: فلينفق من ذلك الذي أعطاه الله، وإن كان قليلا (لا يكلف بالله نفسا إلا ما أتاها) أي: أعطاها من المال (سيجعل الله بعد عسر يسرا) أي: بعد ضيق في المعيشة. وقال يونس عن الزهري: نهى الله أن تضار والدة بوالدها وذالك أن تقول الوالدة لست مرضعته وهي أمثل له غذاء وأشفق عليه وأرفق به من غيرها، فليس لها أن تأبى بعد أن يعطيها من نفسه ما جعل الله عليه، وليس للمولود له أن يضار بوالدته فيمنعها أن ترضعه ضرارا لها إلى غيرها فلا جناح عليهما أن يسترضعا عن طيب نفس الوالد والوالدة فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما بعد أن يكون ذالك عن تراض منهما وتشاور: فصاله فطامه. أي: قال يونس بن يزيد القرشي الأبلي عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره، وهذا التعليق وصله عبد الله بن وهب في (جامعه) عن يونس. قال: قال ابن شهاب فذكره إلى قوله: (وتشاور) قوله: (نهى الله أن تضار والدة بولدها)، وذلك في قوله عز وجل: * (لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها) * قال في التفسير لا تضار والدة بولدها أي بأن تدفعه عنها لتضر أباه بتربيته ولكن ليس لها دفعه، إذا ولدته حتى تسقيه اللباء الذي لا يعيش بدون تناوله غالبا، ثم بعد هذالها دفعه عنها إن شاءت، ولكن إن كانت مضارة لأبيه فلا يحل لها ذلك كما لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضرار لها. قوله: (وهي أمثل له) أي: الوالدة أفضل للصغير غذاء أي: من حيث الغذاء وأشفق عليه من غيرها وأرفق به أي: الصغير من غيرها. قوله: (فليس لها أن تأبى) أي: ليس للوالدة أن تمتنع بعد أن يعطيها الزوج من نفسه ما جعل الله عليه من النفقة. قوله: (ضرارا لها) وفي بعض النسخ ضرارا بها. وهو
18 يتعلق بقوله: (فيمنعها) أي: منعا ينتهي إلى رضاع غيرها. قوله: (فإن أراد فصالا) أي: فإن أنفق والدا الطفل على فصاله قبل الحولين ورأيا في ذلك مصلحة له وتشاورا في ذلك واجتمعا عليه فلا جناح عليهما في ذلك. فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر. قوله: (فصاله) فطامه، هذا تفسير ابن عباس أخرجه الطبري عنه، والفصال مصدر تقول: فاصلته أفاصله مفاصلة وفصالا إذا فارقته من خلطة كانت بينهما، وفصال الولد منعه من شرب اللبن. 5 ((باب: * (نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد) *)) أي: هذا باب في بيان نفقة المرأة إلى آخره. 5359 حدثنا ابن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها. قالت: جاءت هند بنت عتبة فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ قال: لا، إلا بالمعروف. مطابقته للترجمة ظاهرة. في نفقة الولد فقط لأن أبا سفيان كان حاضرا في المدينة. وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأيمان والنذور عن يحيى بن بكير عن ليث. قوله: (هند بنت عتبة) بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة: ابن ربيعة عبد شمس بن عبد مناف أم معاوية أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان بن حرب فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، على نكاحهما، وتوفيت في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، في اليوم الذي مات فيه أبو قحافة والذ أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، مات في سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه، وصلى عليه ابنه معاوية. وقيل: عثمان، ودفن بالبقيع وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقيل: ابن بضع وتسعين سنة. قوله: (مسيك) بفتح الميم وكسر السين المهملة الخفيفة وبكسر الميم وتشديد السين يعني: بخيل لا يعطي من ماله شيئا. فالأول فعيل بمعنى فاعل، والثاني صيغة مبالغة، قوله: (حرج) أي: إثم قوله: (من الذي له) أي: من الشيء الذي له مما يملكه. قوله: (عيالنا) منصوب بقوله: (أن أطعم) قوله: (قال لا إلا بالمعروف) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تطعمي إلا بالمعروف، وقيل: معناه: لا حرج عليك ولا تنفقي إلا بالمعروف، وهو الذي يتعارفه الناس في النفقة على أولادهم من غير إسراف. وقيل: معناه لا تسرفي وأنفقي بالمعروف. وفيه الدلالة على وجوب نفقة الولد. 3560 حدثنا يحيى حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره. قيل: لا وجه لإيراد هذا الحديث في هذا الباب، فلا مطابقة بينه وبين الترجمة وأجيب: بأنه كما كان للمرأة أن تتصدق من مال زوجها من غير أمره بما تعلم أنه يسمح بمثله، وهو غير واجب، كان لها أن تأخذ من ماله بما يجب عليه بالطريق الأولى. وهذا هو الجامع بين الحديثين، وهذا القدر كاف في المطابقة. ويحيى شيخ البخاري قال الكرماني: أما يحيى بن موسى البلخي الذي يقال له: خت، بفتح الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق، وأما يحيى بن جعفر بن أعين البيكندي البخاري، سمع عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن همام بن منبه أخي وهب بن منبه. قلت: لا يحتاج إلى التردد في يحيى فإن الحديث مر في البيوع في: باب قول الله تعالى: * (انفقوا من طيبات ما كسبتم) * (البقرة: 26) فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد والمتن وصرح فيه بقوله: حدثني يحيى بن جعفر عن عبد الرزاق إلى آخره. قوله: (فله نصف أجره) ووجهه أن ذلك من الطعام الذي يكون في البيت لأجل قوتهما جميعا. وقيل المراد بغير أمره الصريح بأن يكتفي في الإنفاق بالعادة أو بالقرائن في الإذن والكلام المستوفي فيه قد مر هناك.
19 6 ((باب: * (عمل المرأة في بيت زوجها) *)) أي: هذا باب في بيان عمل المرأة في بيت زوجها. 5361 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن ابن أبي ليلى حدثنا علي أن فاطمة عليها السلام، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه، فذكرت ذالك لعائشة. قال: فلما جاء أخبرته عائشة. قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال: على مكانكما فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى) وهذا يدل على أن فاطمة، رضي الله تعالى عنها، كانت تطحن، والتي تطحن تعجن وتخبز، وهذا من جملة عمل المرأة في بيت زوجها. ويحيى هو ابن سعيد القطان، والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة مصغر عتبة الدار، وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن، واسم أبي ليلى يسار ضد اليمين. والحديث مضى في الخمس عن بدل ابن المحبر، وفي فضل علي، رضي الله تعالى عنه، عن بندار وسيأتي في الدعوات عن سليمان بن حرب، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (تشكو إليه)، حال قوله: (ما تلقى في يدها) من المحل بالجيم وهو ثخانة جلد اليد وظهور ما يشبه البشر فيها من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. قوله: (من الرحى) أي: من إدارة رحى اليد. قوله: (وبلغها) أي: بلغ فاطمة (أنه جاءه رقيق) من السبي. قوله: (فلم تصادفه) بالفاء أي: لم تره حتى تلتمس منه خادما. قوله: (فذكرت ذلك) أي: فذكرت فاطمة ما تشكوه لعائشة، رضي الله عنها، قوله: (فلما جاء) أي: النبي، صلى الله عليه وسلم، (أخبرته) أي: أخبرت النبي، صلى الله عليه وسلم، عائشة بأمر فاطمة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (قال) أي: قال علي، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فجاءنا) أي: النبي، صلى الله عليه وسلم، قوله: (وقد أخذنا) الواو فيه للحال، والمضاجع جمع مضجع وهو المرقد. قوله: (على مكانكما) القائل هو النبي، صلى الله عليه وسلم، لعلي وفاطمة أي: إلزماه مكانكما ولا تتحركا منه. قوله: (قدميه) ويروى: قدمه. قوله: (خير)، قيل: لا شك أن للتسبيح ونحوه ثوابا عظيما، لكن كيف يكون خيرا بالنسبة إلى مطلوبها وهو الاستخدام؟ وأجيب: لعل الله تعالى يعطي للمسبح قوة يقدر بها على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم عليه، أو يسهل الأمور عليه بحيث يكون فعل ذلك بنفسه أسهل عليه من أمر الخادم بذلك، أو أن معناه أن نفع التسبيح في الآخرة، ونفع الخادم في الدنيا * (والآخرة خير وأبقى) * (الأعلى: 17). 7 ((باب: * (خادم المرأة) *)) أي: هذا باب في بيان هل يلزم الزوج بالخادم للمرأة. 5362 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عبيد الله بن أبي يزيد سمع مجاهدا سمعت عبد الرحمان بن أبي ليلى يحدث عن علي بن أبي طالب: أن فاطمة، عليها السلام، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، تسأله خادما، فقال: ألا أخبرك ما هو خير لك منه؟ تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين، وتكبرين الله أربعا وثلاثين. ثم قال سفيان: إحداهن أربع وثلاثون، فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. هذا الحديث هو المذكور قبله، ولكن سياقه أخصر، وقال الطبري: يؤخذ منه أن كل من كانت بها طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفا أن مثلها يلي ذلك بنفسه، ووجه الأخذ أن فاطمة لما سألت أباها صلى الله عليه وسلم الخادم لم يأمر زوجها بأن يكفيها ذلك بإخدامها خادما، أو استئجار من يقوم بذلك، أو يتعاطى ذلك
20 بنفسه ولو كانت كفاية ذلك لعلي، رضي الله تعالى عنه، لأمره به قلت: من هذا يؤخذ مطابقة الحديث للترجمة. ويوضحها، لأن قوله: باب خادم المرأة، مبهم وفسره حديث الباب. وأخرج الحديث عن الحميدي وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى المنسوب إلى حميد أحد أجداده، وسفيان هو ابن عيينة وعبيد الله بن أبي يزيد من الزيادة المكي، وحكى ابن حبيب عن إصبغ وابن الماجشون عن مالك إن خدمة البيت تلزم المرأة ولو كانت المرأة ذات قدر وشرف إذا كان الزوج معسرا قال: ولذلك ألزم النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة، رضي الله تعالى عنها، بالخدمة الباطنة، وعليا بالخدمة الظاهرة وحكى ابن بطال أن بعض الشيوخ قال: لا نعلم في شيء من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على فاطمة بالخدمة الباطنة، وإنما جرى الأمر بينهم على ما تعارفوه من حسن العشرة وجميل الأخلاق، وأما أن تجبر المرأة على شيء من الخدمة فلا أصل له بل الإجماع منعقد على أن على الزوج مؤونة الزوجة كلها. ونقل الطحاوي الإجماع على أنه ليس له إخراج خادم المرأة من بيته فدل على أنه يلزمه نفقة الخادم على حسب الحاجة، وقال الكوفيون والشافعي: يفرض لها ولخادمها النفقة إذا كانت ممن يخدم، وقال مالك والليث ومحمد بن الحسن: يفرض لها ولخادمين إذا كانت خطيرة. قوله: (ثم قال سفيان: إحداهن أربع وثلاثون)، أراد أن سفيان قال أولا على التعيين التكبير أربع وثلاثون، وقال آخرا على الإبهام: إحداهن أربع وثلاثون. قوله: (فما تركتها بعد)، أي: قال علي، رضي الله تعالى عنه، ما تركت التسبيح والتكبير والتحميد على الوجه المذكور بعد أن سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (قيل: ولا ليلة صفين)؟ أي: قال قائل لعلي: ولا تركت هذه ليلة صفين، قال: ولا تركتها ليلة صفين، وهو بكسر الصاد المهملة وكسر الفاء المشددة وسكون الباء آخر الحروف وبالنون، وهو موضع بين العراق والشام كانت فيه وقعة عظيمة بين معاوية وعلي، وهي مشهورة، وأراد على أنه لم يمنعني منها عظم تلك الليلة، وعظم الأمر الذي كنت فيه. 8 ((باب: * (خدمة الرجل في أهله) *)) أي: هذا باب في بيان خدمة الرجل بنفسه في أهله. 5363 حدثنا محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد: سألت عائشة، رضي الله عنها. ما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يصنع في البيت؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج. مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم هو النخعي. والحديث مر في الصلاة في: باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج، فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن الحكم إلى آخره، والمهنة بكسر الميم وسكون الهاء الخدمة. وفيه: أن خدمة الدار وأهلها سنة عباد الله الصالحين. وفيه: فضيلة الجماعة لأن معنى قوله: (خرج) أي: إلى الصلاة مع الجماعة. 9 ((باب: * (إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف) *)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها. قوله: (بالمعروف)، أي: باعتبار عرف الناس في نفقة مثلها ونفقة ولدها. 5364 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن هشام قال أخبرني أبي عن عائشة أن هندا بنت عتبة قالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم. فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وهشام هو ابن عروة بن الزبير. وحديث عائشة هذا قد مر عن قريب قبل هذا بثلاثة أبواب، ومر الكلام فيه. قوله: (أن هندا)، كذا وقع مصروفا، ووقع في رواية المظالم المتقدمة غير مصروف،
21 وقد علم أن ساكن الوسط يجوز فيه الأمران: الصرف وتركه، كما في نوح ودعد ونحوهما. قوله: (شحيح) أي: بخيل، وفي الرواية المتقدمة: رجل مسيك. قوله: (وهو لا يعلم)، الواو فيه للحال، وقد احتج به من قال: تلزمه نفقة ولده وإن كان كبير أورد بأنها واقعة عين ولا عموم في الأفعال، ولعل الولد فيه كان صغيرا وكبيرا زمنا عاجزا عن الكسب، وبعض المالكية. قال: تلزمه إذا كان زمنا مطلقا. وفيه: مسألة الظفرة، وقد تقدم ذكرها في المظالم على تفصيل واختلاف فيها. وفيه: أن وصف الإنسان بما فيه من النقص على وجه التظلم منه، والصيرورة إلى طلب الانتصاف من حق عليه جائز وليس بغيبة لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها قولها، واستدل بعض الشافعية على الحنفية في منعهم القضاء على الغائب بقصة هند لأنه صلى الله عليه وسلم قضى على زوجها وهو غائب. قالت الحنفية: هذا ليس بصحيح، لأن هذه القضية كانت بمكة، وكان أبو سفيان حاضر. واختلف العلماء في مقدار ما يفرض السلطان للزوجة على زوجها. فقال مالك: يفرض لها بقدر كفايتها في اليسر والعسر ويعتبر حالها من حاله، وبه قال أبو حنيفة: وليست مقدرة. وقال الشافعي: مقدرة باجتهاد الحاكم فيها. وهي تعتبر بحاله دونها. فمن كان موسرا فمدان كل يوم، وإن كان متوسطا فمد ونصف، ومن كان معسرا فمد، فيجب لبنت الخليفة ما يجب لبنت الحارس. 10 ((باب: * (حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة) *)) أي: هذا باب في بيان وجوب حفظ المرأة زوجها في ذات يده، يعني: في ماله. قوله: (والنفقة)، أي: وفي النفقة. وهو من عطف الخاص على العام، ووقع في بعض النسخ، والنفقة عليه. أي: على الزوج. 5365 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا ابن طاووس عن أبيه وأبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، وقال الآخر: صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده. مطابقته للترجمة في قوله: (وأرعاه على زوج في ذات يديه) وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وابن طاووس عبد الله، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز. والحديث قد مضى في كتاب النكاح في: باب إلى من ينكح وأي النساء خير. قوله: (وأبو الزناد)، عطف على (ابن طاووس) وحاصله أن لسفيان فيه شيخين: أحدهما: ابن طاووس، والآخر: أبو الزناد. قوله: (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش)، حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وفي آخر الحديث يقول: أبو هريرة. ولم تركب مريم ابنة عمران بعيرا قط، والنبي صلى الله عليه وسلم. قد قال: خير نساء ركبن الإبل، وذكر صاحب (النجم الثاقب) أن أبا هريرة فهم أن البعير من الإبل فقط وليس كذلك، بل يكون أيضا حمارا. قال تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) * (يوسف: 72) قال ابن خالويه: لم تكن إخوة يوسف ركبانا إلا على أحمرة، ولم يكن عندهم إبل، ولم يكن حملانهم في أسفارهم وشبهها إلا على أحمرة، وكذا قال مجاهد: البعير هنا الحمار، وهي لغة حكاها الكواشي. قوله: (وقال الآخر) بفتح الخاء (صالح نساء قريش) أراد أن أحد الاثنين من ابن طاووس وأبو الزناد الذي سمع منهما سفيان هذا الحديث. قال: (خير نساء ركبن الإبل) وقال الآخر: (صالح نساء قريش) ووقع في رواية مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان قال أحدهما: صالح نساء قريش كذا بالإبهام، ولكن بين في رواية معمر عن ابن طاووس عند مسلم، أن الذي زاد لفظ: صالح، هو ابن طاووس، ووقع في رواية الكشميهني: صلح نساء قريش، بضم الصاد وفتح اللام المشددة وهو صيغة جمع. قوله: (أحناه على ولده)، بالحاء المهملة من الحنو وهو العطف والشفقة وهو صيغة التفضيل من الحانية، وقال ابن التين: هي التي تقيم على ولدها فلا تتزوج، يقال: حتى يحنى وحنا يحنو إذا أشفق، فإن تزوجت المرأة ليست بحانية. قوله: (وأرعاه) من الرعاية وهي الحفظ أو من الإرعاء وهي الإبقاء. فإن قلت: كان القياس أن يقال: إحناهن. قلت: العرب في مثله لا يتكلمون به إلا مفرد أو لعله باعتبار المذكور، أو باعتبار لفظ النساء. (ويذكر عن معاوية وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم)
22 ذكر معاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن عباس، رضي الله تعالى عنهم، بصيغة التمريض، أما الذي روي عن معاوية فأخرجه أحمد والطبراني من طريق زيد بن أبي عتاب عن معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل رواية ابن طاووس في جملة أحاديث، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد أيضا من طريق شهر بن حوشب: حدثني ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من قومه يقال لها سودة وكان لها خمسة صبيان أو ستة من بعل لها مات، فقالت له: ما يمنعني منك أن لا تكون أحب البرية إلى إلا أني أكرمك أن تصفوا هذه الصبية عند رأسك، فقال لها: يرحمك الله إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش الحديث، وقيل: يحتمل أن تكون أم هانىء المذكورة في حديث أبي هريرة فلعلها كانت تلقب بسودة. قلت: المشهور أن اسمها فاختة. وقيل: هند وكان إسلامها يوم الفتح، وليست سودة هذه سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قديما بمكة بعد موت خديجة، رضي الله تعالى عنها، ودخل بها قبل أن يدخل بعائشة ومات وهي في عصمته. 11 ((باب: * (كسوة المرأة بالمعروف) *)) أي: هذا باب في بيان وجوب كسوة المرأة على زوجها بالمعروف، أي: الذي هو المتعارف في أمثالها. 5366 حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال: أخبرني عبد الملك بن ميسرة. قال: سمعت زيد بن وهب عن علي، رضي الله تعالى عنه، قال: آتى إلي النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فلبستها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فشققتها بين نسائي) ووجه ذلك من حيث أن الذي حصل لفاطمة من الحلة قطعة فرضيت اقتصادا بحسب الحال لا إسرافا. والحديث مر في كتاب الهبة في: باب هدية ما يكره لبسه بعين هذا الإسناد والمتن. قوله: (آتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، بالمد يعني: أعطى ثم ضمن أعطى معنى أهدى أو أرسل، فلذلك عداه بإلي بالتشديد، وفي باب الهبة. عن علي: أهدى إلي النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع في رواية النسفي: بعث إلي وفي رواية أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الجر، وأتى بمعنى جاء فعلى هذا ترتفع حلة سيراء على الفاعلية ويكون فيه حذف تقديره: فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فأعطانيها فلبستها. وعلى الوجه الأول: حلة سيراء منصوب على المفعولية، والحلة إزار ورداء، وقال: أبو عبيد: لا تسمى حلة حتى تكون من ثوبين، وسيراء بكسر السين المهملة وفتح الياء آخر الحروف وبالمد، وهو برد فيه خطوط صفر، وقيل: هي مضلعة بالحرير، وقيل: إنها حرير محض، وقال الكرماني: ضبطوا الحلة بالإضافة وبالتنوين. قوله: (فشققتها بين نسائي)، أراد به بين فاطمة وقراباته، لأنه حينئذ لم يكن لعلي، رضي الله تعالى عنه، زوجة غير فاطمة، رضي الله تعالى عنها، ولا سرية ويروى: فشققتها خمرا بين الفواطم، وقال ابن بطال: أجمع العلماء على أن للمرأة مع النفقة على الزوج الكسوة وجوبا على قدر الكفاية لها وعلى قدر اليسر والعسر. 12 ((باب: * (عون المرأة زوجها في ولده) *)) أي: هذا باب في بيان مندوبية عون المرأة زوجها في أمر ولده، وسقط في رواية النسفي لفظ ولده. 5367 حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عمرو عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيبا. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزوجت يا جابر؟ فقلت: نعم. فقال: بكرا أم ثيبا؟ قلت: بل ثيبا. قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك؟ قال: فقلت له: إن عبد الله هلك وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال: بارك الله لك أو قال خيرا. مطابقته للترجمة من حيث إنه استنبط قيام المرأة على ولد زوجها من قيام امرأة جابر على أخواته وعمر هو ابن دينار
23 والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن أبي النعمان وأخرجه مسلم في النكاح عن أبي الربيع، ويحيى، وأخرجه الترمذي والنسائي جميعا فيه عن قتيبة. قوله: (بمثلهن) أي: صغيرة لا تجربة لها في الأمور. قوله: (أو قال: خيرا) شك من الراوي، وقال ابن بطال: عون المرأة زوجها في ولده وليس بواجب عليها وإنما هو من جميل العشرة ومن شيمة صالحات النساء. 13 ((باب: * (نفقة المعسر على أهله) *)) أي: هذا باب في بيان نفقة المعسر على أهله، أي: على زوجته أو أعم من ذلك. 5368 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم، رجل. فقال: هلكت. قال: ولم؟ قال: وقعت على أهلي في رمضان. قال: فأعتق رقبة. قال: ليس عندي. قال: فصم شهرين متتابعين. قال: لا أستطيع. قال: فأطعم ستين مسكينا. قال: لا أجد، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر. فقال: أين السائل؟ قال: ها أنا ذا. قال: تصدق بهاذا. قال: على أحوج منا يا رسول الله؟ فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. قال: فأنتم إذا. مطابقته للترجمة من حيث إثبات نفقة المعسر على أهله حيث قدمها على الكفارة بتجويز صرف ما في العرق إلى أهله دون كفارته. والحديث قد مضى في كتاب الصوم في بابين: الأول: باب إذا جامع في رمضان، والثاني: باب المجامعة في رمضان، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (بعرق) بفتح العين المهملة وبالراء وبالقاف وهو السلة المنسوجة من الخوص تسع خمسة عشر صاعا. قوله: (لابتيها) أي: لا بتي المدينة وهما الحرتان اللتان تكتنفان المدينة. قوله: (فأنتم إذا) أي: فأنتم أحق حينئذ، وفي رواية: فاطعم أهلك. 14 ((باب: * (وعلى الوارث مثل ذالك) * وهل على المرأة منه شيء * (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم) * إلى قوله: * (صراط مستقيم) * (البقرة: 233) )) أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * ووقع في رواية أبي ذر، * (وعلى الوارث) * إلى قوله: أحدهما: أبكم الآية. ولم يقع قوله: (إلى صراط مستقيم) إلا في رواية غيره. قوله: (وعلى الوارث)، اختلف العلماء في تأويله. فعن ابن عباس: مثل ذلك أي: في عدم الضرار بقريبه، وهو قول مجاهد والشعبي، والضحاك، وقالت طائفة: ما كان على الوارث من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له، وقال الجمهور: لا غرم على أحد من الورثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث. ثم اختلفوا في المراد بالوارث، فقال الحسن والنخعي: كل من يرث الأب من الرجال والنساء، وهو قول أحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو من كان ذا رحم محرم للمولود دون غيره، وقال قبيصة بن ذؤيب: هو المولود نفسه، وقال: زيد بن ثابت: إذا خلف أما وعما فعلى كل واحد منهما إرضاع الولد بقدر ما يرث، وبه قال الثوري. قوله: (وهل على المرأة منه شيء)، أي: من رضاع الصبي، وهل هنا للنفي، وأشار به البخاري إلى الرد على قول الثوري المذكور، وشبه ميراث المرأة من الوارث بمنزلة الأبكم الذي لا يقدر على النطق من المتكلم، وجعلها كلا على من يعولها. وقال ابن بطال: وأشار إلى رده بقوله تعالى: * (ضرب الله مثلا) * فنزل المرأة من الوارث بمنزلة الأبكم من المتكلم. قوله: (إلى صراط مستقيم)، يعني: من قوله: * (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) * قال الزمخشري: قال الله تعالى: مثلكم في إشراككم بالله الأوثان مثل من سوى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر مالك. قد رزقه الله مالا يتصرف فيه وينفقه كيف يشار. قوله: (أيكم)، هو الذي ولد أخرس فلا يفهم ولا يفهم وهو كل أي: ثقل وعيال على من يلي أمره. قوله: (أينما يوجهه)، أي: حيثما يرسله ويصرفه في طلب حاجة أو كفاية مهم (لا يأت بخير) لا ينفع ولا يأتي بنجح هل يستوي هو
24 ومر هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات مع رشد وديانة؟ فهو يأمر الناس بالعدل والخير وهو في نفسه على صراط مستقيم؟. 5369 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب أخبرنا هشام عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أم سلمة قلت: يا رسول الله! هل لي من أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هاكذا وهاكذا إنما هم بني؟ قال: نعم لك أجر ما أنفقت عليهم. مطابقته للترجمة من حيث إن أم الصبي كل على أبيه فلا يجب عليها نفقة بنيها، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة بالإنفاق على بنيها، وإنما قال: لك أجر ما أنفقت عليهم. وهيب مصغر وهب ابن خالد يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن زينب ابنة أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، تروي عن أمها أم سلمة هند بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث هو في: باب الزكاة على الزوج والأيتام فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن أبي شيبة عن عبدة عن هشام عن أبيه الخ. قوله: (أن أنفق)، أي: بأن أنفق فإن مصدرية تقديره بالإنفاق عليهم. قوله: (ولست بتاركتهم هكذا وهكذا)، يعني: محتاجين. قوله: (إنما هم بني) أي: إنما بنو أبي سلمة هم بني أيضا، وأصله: بنون فلما أضيف إلى ياء المتكلم صار بنوي، فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الواو في الياء فصار بني بضم النون ثم أبدلت ضمة النون كسرة لأجل الياء فصار: بني. قوله: (قال: نعم)، أي: قال النبي، صلى الله عليه وسلم، نعم أنفقي عليهم لك أجر ما أنفقت عليهم. أي: لك أجر الإنفاق عليهم. 5370 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. قالت: هند: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي جناح أن آخذ من ماله ما يكفيني وبني؟ قال: خذي بالمعروف. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (خذي بالمعروف) حيث لم يأمرها بالإنفاق من مالها. وإنما قال: خذي من مال أبي سفيان بما يتعارفه الناس بالإنفاق في مثلك وفي مثل أولادك. والحديث قد مر عن قريب، وسفيان الراوي هو ابن عيينة. قوله: (وبني)، أي: وما يكفي بني، وإعلاله قد مر الآن. 15 ((باب: * (قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ترك كلا أو ضياعا فإلي) *)) أي: هذا باب في بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره فالكل بفتح الكاف وتشديد اللام بالتنوين أي: ثقلا من دين ونحوه، وقال ابن فارس: الكل العيال والثقل والضياع بفتح الضاد المعجمة الهلاك أي: الذي لا يستقل بنفسه ولو خلي وطبعه لكان في معرض الهلاك، قيل: الضياع بالكسر جمع ضائع. قوله: (إلي)، بتشديد الياء ومعناه: فينتهي ذلك إلي وأنا أتداركه، وهو بمعنى: علي. أي: فعلي قضاؤه والقيام بمصالحه قال التيمي: فحوالة ذلك إلي. 5371 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يؤتي بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى، وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح. قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعقيل بضم العين ابن خالد، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. والحديث مضى في الكفالة في: باب الدين، فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد والمتن، ومضى الكلام فيه هناك. قوله:
25 (فضلا)، أي: ما لا يفي بالدين فضلا من الله تعالى، ويروى قضاه، ويروى: وفاء. قوله: (وإلا) أي: وإن لم يترك وفاء. (قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم) وامتناعه عن الصلاة على المديون تحذيرا من الدين وزجرا عن المماطلة، وكراهة أن يوقف دعاؤه عن الإجابة بسبب ما عليه من مظلمه الحق. 16 ((باب: * (المراضع من المواليات وغيرهن) *)) أي: هذا باب في بيانه حكم المراضع من المواليات. وقال ابن التين: ضبط في رواية بضم الميم وبفتحها في أخرى، والأول أولى لأنه اسم فاعل من والى يوالي. قلت: على قوله: (يكون)، مواليات جمع موالية وليس كما قاله، بل الأولى أن يضبط الميم بالفتح جمع مولاة التي هي الأمة وليست من الموالاة. وقال ابن بطال: الأقرب أن يقال: الموليات جمع مولاة والموليات جمع مولى جمع التكسير، ثم جمع جمع السلامة بالألف والتاء فصار: مواليات. وقال: كانت العرب في أول أمرها تكره رضاع الإماء وتحب العربيات طلبا لنجابة الولد فأراهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد رضع من غير العرب وأن رضاع الإماء لا يهجن. 5372 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت يا رسول الله أنكح أختي ابنة أبي سفيان. قال: وتحبين ذلك؟ قلت: نعم، لست لك بمخلية وأحب من شاركني في الخير أختي. فقال: إن ذلك لا يحل لي. فقلت: يا رسول الله! فوالله إنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة ابنة أبي سلمة. فقال: ابنة أم سلمة؟ فقلت: نعم، قال: والله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن. وقال شعيب عن الزهري: قال عروة: ثويبة أعتقها أبو لهب. مطابقته للترجمة في قوله: * (أرضعتني وأبا سلمة ثوبية) * (النساء: 23) وكانت ثوبية مولاة أبي لهب فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكره رضاع الأمة. والحديث قد مضى في النكاح في: باب * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * ومضى الكلام فيه هناك. وأم حبيبة اسمها رملة بنت أبي سفيان واسم أختها عزة بفتح العين المهملة وتشديد الزاي. قوله: (بمخلية) اسم فاعل من أخليت المكان إذا صادفته خاليا، وأخليت غيري يتعدى ولا يتعدى. قوله: (درة) بضم الدال المهملة وتشديد الراء، وأراد أن درة لا تحل له من جهتين: كونها ربيبتي، وكونها بنت أخي، واستعمال: لو هاهنا كاستعماله في نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه. قوله: (ثوبية) بضم الثاء المثلثة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة: جارية أبي لهب عبد العزى عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أعتقها حين بشرته بالنبي، صلى الله عليه وسلم. قوله: (وقال شعيب عن الزهري) إلى آخره، تعليق مر في حديث موصول في أوائل كتاب النكاح، وأراد بذكره هنا إيضاح أن ثوبية كانت مولاة ليطابق الترجمة. 7 ((كتاب: * (الأطعمة) *)) أي: هذا كتاب في بيان أنواع الأطعمة وأحكامها، وهو جمع طعام. قال الجوهري: الطعام ما يؤكل وربما خص بالطعام البر والطعم بالفتح ما يؤديه ذوف الشيء من حلاوة ومرارة وغيرهما، والطعم بالضم الأكل يقال: طعم يطعم طعما فهو طاعم إذا أكل أو ذاق مثل: غنم يغنم غنما فهو غانم. وقول الله تعالى: * (كلوا من طيبات ما رزقناكم) * (البقرة: 57، 172) وقوله: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * (البقرة: 167) وقوله: * (كلوا من طيبات واعملوا صالحا) * (المؤمنون: 51)
26 وقول الله بالجر عطفا على الأطعمة، هذه من ثلاث آيات الأولى: قول تعالى: * (من طيبات ما رزقناكم) * (البقرة: 172) أولها قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون) * قال المفسرون: أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزقهم الله تعالى، وأن يشكروه على ذلك إن كانوا عبيده، والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة. والثانية: من قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * (البقرة: 67) ووقع هنا: * (كلوا من طيبات ما كسبتم) * وهي رواية النسفي وفي أكثر الرويات أنفقوا على وفق التلاوة وقال ابن بطال وقع في النسخ * (كلوا من طيبات ما كسبتم) * وهو وهم من الكاتب وصوابه: * (أنفقوا) * كما في القرآن. والثالثة: قوله تعالى: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) * (المؤمنون: 5) المراد بالطيبات: الحلال. 5373 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني. قال سفيان: والعاني الأسير. مطابقته للترجمة ظاهرة. وسفيان هو ابن عيينة، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس. والحديث مضى في النكاح في: باب حق إجابة الوليمة، ولفظه: فكوا العاني وأجيبوا الداعي وعودوا المريض، ومضى أيضا في الجهاد في: باب فكاك الأسير، ولفظه: فكوا العاني، يعني: الأسير، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض. قوله: (فكوا) من فككت الشيء فانفك. قوله: (العاني) من عنا يعنو فهو عان، والمرأة عانية، والجمع: عوان، وكل من ذل واستكان فقد عنا. 5374 حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: ما شبع آل محمد، صلى الله عليه وسلم، من طعام ثلاثة أيام حتى قبض. مطابقته للترجمة ظاهرة. ويوسف بن عيسى أيو يعقوب المروزي، ومحمد بن فضيل، مصغر فضل، بالمعجمة يروي عن أبيه فضيل بن غزوان بن جرير، وأبو الفضيل الكوفي يروي عن أبي حازم سلمان الأشجعي. والحديث من أفراده. قوله: (ما شبع آل محمد)، آل النبي، صلى الله عليه وسلم، أهله الأدنون وعشيرته الأقربون. قوله: (ثلاثة أيام)، أي: متواليات، وفي رواية مسلم: ثلاث ليال، ويؤخذ منه أن المراد بالأيام هنا بلياليها كما أن المراد بالليالي هناك بأيامها وفي رواية لمسلم والترمذي، من طريق الأسود عن عائشة: ما شبع من خبز شعير يومين متتابعين. قال بعضهم: والذي يظهر أن سبب عدم شبعهم غالبا كان بسبب قلة الشيء عندهم. قلت: لم يكن ذلك إلا لإيثارهم الغير، أو لأن الشبع مذموم، وأجمعت العرب كما قال فضيل بن عياض على أن الشبع من الطعام مذموم ولوم، ونص الشافعي، رحمه الله تعالى، على أن الجوع يذكي، وروى عن حذيفة مرفوعا: من قل طعمه صح بطنه وصفا قلبه، ومن كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه، وروي: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب ثمرة كالزرع إذا كثر عليه الماء انتهى، وروى الزمخشري في (ربيع الأبرار) من حديث المقدام بن معدي كرب مرفوعا: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، فحسب الرجل من طعامه ما أقام صلبه. وعن أبي حازم عن أبي هريرة: أصابني جهد شديد فلقيت عمر بن الخطاب فاستقرأته آية من كتاب الله، فدخل داره وفتحها علي فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع، فإذا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قائم على رأسي، فقال: يا أبا هريرة فقلت: لبيك رسول الله وسعديك، فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعس من لبن فشربت منه ثم قال: عد فاشرب يا أبا هر، فعدت فشربت، ثم قال: عد فعدت فشربت حتى استوى بطني فصار كالقدح، قال فلقيت عمر، وذكرت له الذي كان من أمري، وقلت له: تولى الله تعالى ذالك من كان أحق به منك
27 يا عمر، والله لقد استقرأتك الآية ولأنا أقرأ لها منك، قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك أحب إلي من أن يكون لي مثل حمر النعم. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: * (فأمر لي بعس من لبن فشربت منه) * قوله: (وعن أبي حازم)، موصول بالإسناد المتقدم، وقد أخرجه أبو يعلى عن عبد الله بن عمر بن أبان عن محمد بن فضيل: بسند البخاري فيه. قوله: (جهد) الجهد بالضم الطاقة وبالفتح الغاية والمشقة، والمراد به هنا الجوع الشديد. قوله: (فاستقرأته) أي: سألته أن يقرأ علي آية من القرآن معينة على طريق الاستفادة، وفي كثير من النسخ: فاستقريته بغير همز وهو جائز لأنه سهيل قوله: (وفتحها على) أي: أقرأنيها، وفي (الحلية) لأبي نعيم في ترجمة، أبي هريرة من وجه آخر عنه، أن الآية المذكورة من آل عمران. وفيه: أقرأني وأنا لا أريد القراءة. إنما أريد الإطعام فلم يفطن عمر مراده. قوله: (فخررت لوجهي) ويروى: على وجهي، أي: سقطت من خر يخر بالضم والكسر إذا سقط من علو. وفي (الحلية) وكان يومئذ صائما. قوله: (فإذا) كلمة مفاجأة. قوله: (إلى رحله) أي: إلى مسكنه. قوله: (بعس) بضم العين وتشديد السين المهملة وهو القدح العظيم. قوله: (حتى استوى بطني) أي: حتى استقام لامتلائه من اللبن. قوله: (كالقدح) بكسر القاف وسكون الدال المهملة وهو السهم الذي لا ريش له. قوله: (تولى الله تعالى) من التولية والفاعل هو الله ومن مفعول ويروى: تولى ذلك أي: باشره من إشباعي ودفع الجوع عني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (ولانا) اللام فيه للتأكيد وهو مبتدأ أو قوله: (واقرأ لها) خبره أي: للآية التي فتحها عليه عمر، واقرأ أفعل التفضيل. قال بعضهم: فيه إشعار بأن عمر، رضي الله تعالى عنه، لما قرأها عليه توقف فيها أو في شيء منها حتى ساغ لأبي هريرة ما قال: ولذلك أقره عمر عليه قلت ليس كذلك وإنما قال ذلك عتبا على عمر حيث لم يفطن حاله ولم يكن قصده الاستقراء بل كان قصده أن يطعمه شيئا، ويوضح هذا ما روي عن أبي هريرة أنه قال: والله ما استقر أنه الآية، وأنا أقرأ بها منه إلا طمعا في أن يذهب بي ويطعمني، وأما قوله: ولذلك أقره عمر عليه فإنما معناه أنه من استحيائه منه حيث لم يطعمه سكت عنه ولم ينكر عليه وفي الذي قاله هذا القائل نوع نقص في حق عمر، على ما لا يخفى. قوله: (لأن أكون) اللام فيه مفتوحة للتأكيد. قوله: (أدخلتك أحب إلي من حمر النعم) أراد به أن ضيافتك كانت عندي أحب إلي من حمر النعم أي: النعم أي: الحمر الإبل، وهو أشرف أموال العرب، ولفظ: أحب، أفعل التفضيل بمعنى المفعول، وهذا حث من عمر وحرص على فعل الخير والمواساة. وفي الحديث: التعريض بالمسألة والاستحياء. وفيه: ذكر الرجل ما كان أصابه من الجهد. وفيه: إباحة الشبع عند الجوع. وفيه: ما كان السلف عليه من الصبر على القلة وشظف العيش والرضا باليسير من الدنيا. وفيه: ستر الرجل حيلة أخيه المؤمن إذا علم منه حاجة من غير أن يسأله ذلك. وفيه: أنه كان من عادتهم إذا استقرأ أحدهم صاحب القرآن يحمله إلى بيته ويطعمه ما تيسر عنده، والله أعلم. 2 ((باب: * (التسمية على الطعام والأكل باليمين) *)) أي: هذا باب في بيان التسيمة على الطعام، أي: القول باسم الله في ابتداء الأكل وأصرح ما ورد في صفة التسمية ما رواه أبو داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة، رضي الله تعالى عنها مرفوعا إذا أكل أحدكم الطعام فليقل: بسم الله فإن نسي في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره، والأمر بالتسمية عند الأكل محمول على الندب عند الجمهور، وحمله بعضهم على الوجوب لظاهر الأمر، وقال النووي: استحباب التسمية في ابتداء الطعام مجمع عليه، وكذا يستحب حمد الله في آخره. قال العلماء: يستحب أن يجهر بالتسيمة لينبه غيره فإن تركها عامدا أو ناسيا أو جاهلا أو مكرها أو عاجزا لعارض ثم تمكن في أثناء أكله يستحب له أن يسمي، وتحصل التسمية بقوله: بسم الله فإن اتبعها بالرحمان الرحيم كان حسنا، ويسمى كل واحد من الآكلين. وقال الشافعي، فإن سمى واحد منهم حصلت التسمية. قوله: (والأكل باليمين) بالجر عطف على التسمية أي: وفي بيان الأكل باليمين، ويأتي عن قريب في حديث عمر بن أبي سلمة: يا غلام اسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك، وقال شيخنا زين الدين: الأمر بالأكل مما يليه والأكل باليمين حمله أكثر أصحابنا على الندب، وبه صرح الغزالي والنووي، وقد نص الشافعي في (الأم) على وجوبه، وزعم القرطبي أن الأكل باليمين محمول على الندب، ولأنه من باب تشريف اليمين، ولأنها أقوى في الأعمال
28 وأسبق وأمكن ولأنها مشتقة من اليمن والبركة وفي حديث أبي داود: يجعل يمينه لطعامه وشرابه وشماله لما سوى ذلك، فإن احتيج إلى الاستعانة بالشمال فبحكم التبعية، وذكر القرطبي أن الأكل مما يلي الآكل سنة متفق عليها وخلافها مكروه شديد الاستقباح إذا كان الطعام واحدا. 5376 حدثنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان قال: الوليد بن كثير أخبرني أنه سمع وهب ابن كيسان أنه سمع عمر بن أبي سلمة يقول: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام: سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك، فما زالت تلك طعمتي بعد. مطابقته للجزء الثاني للترجمة. وهو قوله: والأكل باليمين، وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة. قوله: (قال: الوليد بن كثير) بالثاء المثلثة المخزومي القرشي من أهل المدينة (أخبرني أنه) أي: أن الوليد سمع وهب بن كيسان مولى عبد الله بن الزبير بن العوام، وهكذا وقع أخبرنا سفيان قال: الوليد بن كثير أخبرني أنه سمع وهب بن كيسان، وآخر لفظه: أخبرني، وزاد لفظ: قال: وهذا التصرف من الراوي جائز وقد أخرجه الحميدي في (مسند) وأبو نعيم في (المستخرج) من طريقه عن سفيان. قال: حدثنا الوليد بن كثير إلى آخره، وعمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم وأم عمر المذكور هي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله أحاديث توجب له فضل الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطال عمره. قوله: (كنت غلاما) أي: دون البلوغ، يقال للصبي من حين يولد إلى أن يبلغ غلام، وقد ذكر ابن عبد البر أنه ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة وتبعه غير واحد، قيل: فيه نظر بل الصواب أنه ولد قبل ذلك، فقدصح في حديث عبد الله بن الزبير أنه قال: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة مع النسوة يوم الخندق، وكان أكبر مني بسنتين، ومولد ابن الزبير في السنة الأولى على الصحيح، فيكون مولد عمر قبل الهجرة بسنتين انتهى. قلت: في نظر هذا القائل نظر، لأن ابن عبد البر ذكر: قيل: إن عمر كان يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن تسع سنين، ففهم. قوله: (في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ضبطه بعضهم بفتح الحاء وسكون الجيم، أي: في تربيته وتحت نظره، وأنه يربيه في حضنه تربية الولد واقتصر عليه، وقال الكرماني: في حجره بفتح المهملة وكسرها وهو الصواب بل الأصوب بالكسر على ما تقول، وقال عياض: الحجر يطلق على الحضن وعلى الثوب فيجوز فيه الفتح والكسر، وإذا أريد به الحضانة فبالفتح لا غير، وإن أريد به المنع من التصرف فبالفتح في المصدر وبالكسر في الاسم لا غير، وفي (المغرب) حجر الإنسان بالفتح والكسر: حضنه، وهو ما دون أبطه إلى الكشح ثم قالوا: فلان في حجر فلان أي: في كنفه ومنعته، ومنه قوله تعالى: * (وربائبكم اللائي في حجوركم) * (النساء: 23) قوله: وكانت يدي تطبيش بالطاء المهملة والشين المعجمة أي: تتحرك حوالي الصحفة ولا تقتصر على موضع واحد، وقال: الطيبي: والأصل: أطيش بيدي فأسند الطيش إلى يده مبالغة، والصحفة ما يشبع خمسة، والقصعة ما يشبع عشرة. قوله: (فما زالت تلك طعمتي بعد) أشار بقوله: (تلك) إلى جميع ما ذكر من الابتداء بالتسمية والأكل باليمين والأكل مما يليه. قوله: (طعمتي) بكسر الطاء وهذه الصيغة للنوع وأراد أن أكله كان بعد ذلك على هذا النوع المذكور الذي أشار إليه بقوله: تلك، وقال الكرماني: ويروى بضم الطاء، والطعمة بالضم بمعنى الأكلة، يقال: طعم طعمة إذا أكل أكلة. قوله: (بعد)، مبني على الضم أي: بعد ذلك، فلما حذف المضاف إليه بنى على الضم. وقد ذكرنا عن قريب أن الأمر بالتسمية محمول على الندب عند الجمهور، وأما الأكل باليمين فقد ذهب بعضهم إلى أنه واجب لظاهر الأمر ولورود الوعيد في الأكل بالشمال ففي (صحيح مسلم) من حديث سلمة بن الأكوع: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله. فقال: (كل بيمينك. قال: لا أستطيع). فما منعه إلا الكبر. (فقال: لا استطعت فما رفعها إلى فيه بعد). وروى أحمد بسند حسن عن عائشة رفعته: (من أكل بشماله أكل معه الشيطان)، وروى مسلم من حديث جابر عن رسول الله
29 صلى الله عليه وسلم قال: (لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال)، وقال الطيبي: معنى قوله: إن الشيطان يأكل بشماله، أي: يحمل أولياءه من الإنس على ذلك ليضاربه عباد الله الصالحين، وقال بعضهم: فيه عدول عن الظاهر والأولى حمل الخبر على ظاهره، وأن الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك، وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله. قلت: للناس فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن صنفا منهم يأكلون ويشربون. والثاني: أن صنفا منه لا يأكلون ولا يشربون. والثالث: أن جميعهم يأكلون ولا يشربون. وهذا قول ساقط. وروى أبو عمر بإسناده عن وهب بن منبه. بقوله: وسئل عن الجن ما هم؟ وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون. فقال: هم أجناس، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتوالدون ويتناكحون، منهم السعالي والغول والقطرب وغير ذلك، والذين يقولون: هم يأكلون ويشربون اختلفوا على قولين: أحدهما: أن أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ وبلع، وهذا قول لم يرد عليه الدليل، والآخر: أن أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وهذا القول الذي تشهد له الأحاديث الصحيحة. 3 ((باب: * (الأكل مما يليه) *)) أي: هذا باب في بيان سنية الأكل مما يليه، وليس في بعض النسخ لفظ: باب. وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه. هذا تعليق أسنده ابن أبي عاصم في الأطعمة: له حدثنا هدبة حدثنا مبارك حدثنا بكر وثابت عن أنس به وأصله في (الصحيحين). 5377 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن عمرو ابن حلحلة الديلي عن وهب بن كيسان أبي نعيم عن عمر بن أبي سلمة، وهو ابن أم سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: أكلت يوما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما، فجعلت آكل من نواحي الصحفة. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مما يليك. مطابقته للترجمة ظاهرة، وهذا طريق آخر لحديث عمر بن أبي سلمة المذكور في الباب الذي قبله. وأخرجه مسلم أيضا من حديث محمد بن جعفر محمد بن عمرو بن حلحلة عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة. قال: أكلت يوما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت آخذ من لحم حول الصحفة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مما يليك. 5378 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن وهب بن كيسان أبي نعيم قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة. فقال: سم الله وكل مما يليك. هذا مرسل، كذا رواه أصحاب مالك في (الموطأ) عنه، وقد وصله خالد بن مخلد ويحيى بن صالح الوحاظي، قالا: عن مالك عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة. فإن قلت: روى إسحاق بن إبراهيم الحنيني فقال: عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر؟ قلت: هذا منكر، وإسحاق ضعيف فإن قلت: فكيف استجاز البخاري إخراجه والمحفوظ عن مالك إرساله؟ قلت: لما تبين بالطرفين الذي قبله صحة سماع وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة تحقق أنه موصول في الأصل وأن مالكا قصر بإسناده حيث لم يصرح بوصله، فاستجاز إخراجه. 4 ((باب: * (من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية) *)) أي: هذا باب في بيان جواز من تتبع حوالي القصعة أي: جوانبها وهو بفتح اللام. يقال: رأيت الناس حوله وحوليه وحواليه، واللام مفتوحة في الكل، ولا يجوز كسرها. قوله: (إذا لم يعرف منه)، أي: من الذي يتتبع حوالي القصعة، أراد أن التتبع المذكور إنما لا يكره إذا لم يعرف منه كراهية. قلت: هذا يخالف الحديث الذي قبله في الأمر بالأكل مما يليه؟ قلت: حمل البخاري هنا الجواز على ما إذا علم رضا من يأكل معه. وقال بعضهم: رمز البخاري بذلك إلى تضعيف حديث عكراش الذي أخرجه
30 الترمذي قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا العلاء بن فضل بن عبد الملك بن أبي سرية أبو الهذيل، حدثنا عبيد الله بن عكراش عن أبيه عكراش بن ذؤيب قال: بعثني بنو مرة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمت المدينة فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار. قال: ثم أخذ بيدي فانطلق بي إلى بيت أم سلمة. فقال: هل من طعام؟ فأتتنا بحفنة كثيرة الثريد والودك. فأقبلنا نأكل منها، فجعلت بيدي في نواحيها وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه، فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى، ثم قال: يا عكراش؟ كل من موضع واحد ثم أئتنا بطبق فيه ألوان التمر أو الرطب، شك عبيد الله، فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق قال: يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد! الحديث. ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تفرد العلاء بهذا الحديث، وقال ابن حبان له صحبة غير أني لست بمعتمد على إسناد خبره، وقال البخاري في (التاريخ) روى عنه العلاء بن المفضل ولا يثبت، وقال أبو حاتم: مجهول، وقال ابن حبان: منكر الحديث. قلت: ليت شعري ما دليل هذا القائل على أن البخاري رمز هنا إلى تضعيف هذا الحديث؟. 5379 حدثنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يتتبع الدباء من حوالي القصعة قال: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في البيوع عن عبد الله بن يوسف، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (الدباء)، بضم الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالمد، وحكى القزاز القصر ووقع للنووي في (شرح المهذب) أنه القرع اليابس، وما ذاك إلا سهو، وواحده دباءة ودبة تقتضي أن تكون الهمزة زائدة، ويدل عليه أن الهروي أخرجه في باب دبب. وأخرجه الجوهري على أن همزته منقلبة. قال ابن الأثير: وكأنه أشبه، وقال أيضا: ووزن الدباء فعال ولامه همزة لأنه لم يعرف انقلاب لامه عن واو أو ياء قاله الزمخشري. 5 ((باب: * (التيمن في الأكل وغيره) *)) أي: هذا باب في بيان سنية التيمن في كل شيء، في الأكل والشرب وغيره. 5380 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا شعبة عن أشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها. قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في طهوره وتنصله وترجله، وكان قال بواسط قبل هاذا، في شأنه كله. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن حبلة المروزي، يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن شعبة عن أشعث، بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبالثاء المثلثة، يروي عن أبيه سليم بضم السين التابعي الكوفي. والحديث مر في كتاب الوضوء في باب التيمن في الوضوء والغسل، ومضى الكلام فيه. قوله: (وكان)، أي: شعبة. قال قبله بواسط في الزمان السابق (في شأنه كله) أي: زاد عليه هذه الكلمة. وقال الكرماني: قال بعض المشايخ: القائل بواسط هو أشعث، والله أعلم. 6 ((باب: * (من أكل حتى شبع) *)) أي: هذا باب في بيان حال من أكل من الطعام حتى شبع. 5381 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة: لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت
31 خيارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت ثوبي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: آرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم. قال: بطعام؟ قال: فقلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمن معه قوموا، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة. فقال أبو طلحة: يا أم سليم! قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالناس وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى دخلا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي يا أم سليم، ما عندك؟ فأتت بذلك الخبز، فأمر به ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا. ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا. ثم خرجوا ثم أذن لعشرة فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم ثمانون رجلا. مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس. والحديث مضى في علامات النبوة بطوله، وفي الصلاة مختصرا عن عبد الله بن يوسف، ومضى الكلام فيه هناك وأبو طلحة اسمه زيد الأنصاري النجاري، وأم سليم بضم السين اسمها سهلة أو الرميصاء زوجة أبي طلحة أم أنس. قوله: (دسست)، من دسمت الشيء في التراب إذا أخفيته فيه. قوله: (وردتني) من التردية أي: جعلته رداء لي. (والعكة) بالضم آنية السمن. قوله: (وأدمته) من قولهم: أدم الخبز يأدمه الخبز يأدمه بالكسر وهو بالمد والقصر لغتان. قوله: (ائذن) أي: بالدخول. 5382 حدثنا موسى حدثنا معتمر عن أبيه قال: وحدث أبو عثمان أيضا عن عبد الرحمان ابن أبي بكر، رضي الله عنهما. قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثين ومائة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبيع أم عطية؟ أو قال: هبة؟ قال: لا بل بيع. قال: فاشترى منه شاة فصنعت فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بسواد البطن يشوي، وأيم الله ما من الثلاثين ومائة إلا قد حز له من سواد بطنها إن كان شاهدا أعطاها إياه وإن كان غائبا خبأها له، ثم جعل فيها قصعتين فأكلنا أجمعون وشبعنا وفضل في القصعتين فجعلته على البعير أو كما قال. مطابقته للترجمة ظاهرة. وموسى هو ابن إسماعيل المنقري، ومعتمر هو ابن سليمان يروي عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي البصري. قوله: (وحدث أبو عثمان أيضا)، أراد به أن سليمان قال: حدثني غير أبي عثمان وحدثني أبو عثمان، وهو أيضا عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون، كذا قاله الكرماني: وقال بعضهم: ليس ذلك المراد إنما أراد أن أبا عثمان حدثه بحديث سابق على هذا ثم حدثه بهذا فلذلك قال: أيضا أي: حدثه بحديث بعد حديث. قلت: من تأمل وجه ما قاله الكرماني علم أنه هو الوجه. والحديث مضى في البيوع في: باب الشراء والبيع مع المشركين، فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن معتمر إلى آخره، ومضى أيضا في
32 الهبة عن أبي النعمان، ومضى الكلام فيه. قوله: (مشعان)، بضم الميم وقيل: بكسرها وسكون الشين المعجمة وبالعين المهملة وبالنون المشددة، وهو الطويل في الغاية. وقيل: طويل الشعر منتفشه ثائره. قوله: (أم عطية)، أي: هدية. قوله: (بسواد البطن) هو الكبد. قوله: (حز له حزة) الحز بفتح الحاء المهملة وتشديد الزاي وهو: القطع. 5383 حدثنا مسلم حدثنا وهيب حدثنا منصور عن أمه عن عائشة رضي الله عنها: توفي النبي صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين: التمر والماء. مطابقته للترجمة ظاهرة. ومسلم هو ابن إبراهيم البصري القصاب، ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري، ومنصور هو ابن عبد الرحمن التيمي، يروي عن أمه صفية بنت شيبة بن عثمان الحجبي. والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى ابن يحيى وغيره. قوله: (حين شبعنا) ظرف كالحال. معناه: ما شبعنا قبل زمان وفاته، يعني: كنا متقللين من الدينا زاهدين فيها، هكذا فسره الكرماني وليس معناه هكذا، وإنما معناه توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وقت كوننا شباعى من الأسودين، والدليل على صحة ما قلنا ما مضى في غزوة خيبر من طريق عكرمة عن عائشة. قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر، ومن حديث ابن عمر، قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وظهر من هذا أن ابتداء شبعهم كان من فتح خيبر، وذلك قبل موته بثلاث سنين. قوله: (من الأسودين) تثنية الأسود وهما التمر والماء، وهذا من باب التغليب وإن كان الماء شفافا لا لون له وذلك كالأبوين: للأب والأم، والقمرين، للشمس والقمر، والأحمرين: للحم والشراب، وقيل: الذهب والزعفران، والأبيضين: الماء واللبن، والأسمرين: للماء والملح. وكذلك قالوا: العمرين لأبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما. فغلبوا عمر لأنه أخف وأبعد من قال: هما عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنهما، ويقال: هذه تسمية الشيء بما يقاربه لأن الأسود منهما التمر خاصة، وقال الكرماني: فإن قلت: إنهم كانوا في سعة من الماء فأجاب بأن الري من الماء لم يكن يحصل لهم من دون الشبع من الطعام، وقرنت بينهما لفقد التمتع بأحدهما دون الآخر، وعبرت عن الأمرين الشبع والري بفعل واحد، كما عبرت عن التمر والماء بوصف واحد، وإن كان للماء الري لا الشبع ، وقال ابن بطال: في هذه الأحاديث جواز الشبع وإن كان تركه أحيانا أفضل، وقد ورد عن سليمان وأبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة. وقال الطبري: الشبع وإن كان مباحا فإن له حدا ينتهي إليه، وما زاد على ذلك سرف، والمطلق منه ما أعان الأكل على طاعة ربه، ولم يشغله ثقله عن أداء ما وجب عليه. واختلف في حد الجوع على رأيين: أحدهما: أن يشتهي الخبز وحده، فمتى طلب الأدام فليس بجائع. ثانيهما: أنه إذا وقع ريقه على الأرض لم يقع عليه الذباب، ذكره في (الإحياء) وذكر أن مراتب الشبع تنحصر في سبعة: الأول: ما تقوم به الحياة. الثاني: أن يزيد حتى يصلي عن قيام ويصوم وهذان واجبان. الثالث: أن يزيد حتى يقوي على أداء النوافل. الرابع: أن يزيد حتى يقدر على التكسب، وهذان مستحبان. الخامس: أن يملأ الثلث وهذا جائز. السادس: أن يزيد على ذلك وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه. السابع: أن يزيد حتى يتضرر وهي البطنة المنهي عنها وهذا حرام. 7 ((باب: * (ليس على الأعمى حرج) * إلى قوله: * (لعلكم تعقلون (النور: 61)) أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (ليس على الأعمى حرج) * إلى قوله: * (لعلكم تعقلون) * كذا وقع لبعض رواة (الصحيح) وكذا وقع في رواية الإسماعيلي قوله: إلى قوله: (لعلكم تعقلون) أشار به إلى تمام الآية التي في سورة النور، وهي آية طويلة لا الآية التي في سورة الفتح، لأن المناسب لأبواب الأطعمة هي الآية التي في سورة النور، وفي رواية أبي ذر * (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) * الآية. ووقع في كتاب صاحب (التوضيح) باب: * (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج) * إلى قوله: * (مباركة طيبة) * الآية. والنهد والاجتماع على الطعام لم تثبت هذه الترجمة، إلا في رواية النسفي وحده، والنهد بكسر النون وسكون الهاء وبالدال المهملة من المناهدة، وهي إخراج
33 كل واحد من الرفقة نفقة على قدر نفقة صاحبه، وتقدم تفسيره أيضا في أول الشركة في: باب الشركة والطعام والنهد. قوله: (على الطعام) وفي بعض النسخ: في الطعام، وقد جاء كلمة: في، بمعنى: على، كما في قوله تعالى: * (ولأصلبنكم في جذوع النخل) * (طه: 71) أي عليها. 5384 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال يحيى بن سعيد: سمعت بشير بن يسار يقول: حدثنا سويد بن النعمان. قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر. فلما كنا بالصهباء قال يحيى وهي من خيبر على روحة: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام، فما أتي إلا بسويق، فلكناه فأكلنا منه ثم دعا بماء فمضمض ومضمضنا فصلى بنا المغرب ولم يتوضأ. قال سفيان: سمعته منه عودا وبدءا. مطابقته للترجمة تؤخذ من وسط الآية المذكورة، وهو قوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) * وهو أصل في جواز المخارجة، ولهذا ذكر في الترجمة: النهد، وقال بعضهم: في الحديث لم يؤت إلا بسويق، وليس هو ظاهر المراد من النهد لاحتمال أن يكون ما جيء في السويق إلا من جهة واحدة. قلت: هذا الاحتمال بعيد لا يترتب عليه شيء، بل الظاهر أن من كان عنده شيء من السويق أحضره، لأن قوله: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام) لم يكن من شخص معين، بل كان عاما والحال يدل على أن كل من كان عنده شيء من ذلك أحضر. ه وقال المهلب: مناسبة الآية لحديث سويد ما ذكره أهل التفسير من أنهم كانوا إذا اجتمعوا للأكل عزل الأعمى على حدة والأعرج على حدة والمريض على حدة لتقصيرهم عن أكل الأصحاء، فكانوا يتحرجون أن يتفضلوا عليهم، وهذا قول الكلبي، وقال عطاء بن يزيد: كان الأعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعل يده في غير موضعها، والأعرج كذلك لاتساعه في موضع الأكل، والمريض لرائحته، فنزلت هذه الآية، فأباح الله لهم الأكل مع غيرهم وفي حديث سويد معنى الآية لأنهم جعلوا أيديهم فيما حضر من الزاد سواء، ألا يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أملقوا في السفر جعل أيديهم جميعا فيما بقي من الأزواد سواء، ولا يمكن أن يكون أكلهم سواء أصلا لاختلاف أحوالهم في الأكل، وقد سوغهم ذلك من الزيادة والنقصان فصار ذلك سنة في الجماعات التي تدعى إلى طعام في النهد والولائم والإملاق في السفر، وما ملكت مفاتيحه بأمانة أو قرابة أو صداقة فلك أن تأكل مع الغريب أو الصديق أو وحدك. والحديث المذكور قد ذكره في كتاب الوضوء في: باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ. وأخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سويد بن النعمان إلى آخره، وأخرجه أيضا في أول باب غزوة خيبر عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار الخ، وهنا أخرجه عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير، بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة ابن يسار، ضد اليمين عن سويد، بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف ابن النعمان الأنصاري المدني. قوله: (قال يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري الراوي قوله: (على روحة) هي ضد الغدوة. قوله: (فلكناه) بضم اللام من اللوك، يقال: لكنه في فمي إذا علكته. قوله: (قال سفيان) هو ابن عيينة الراوي. قوله: (عودا وبدءا) أي: عائدا ومبتدئا أي: (أولا وآخرا). 8 ((باب: * (الخبز المرقق والأكل على الخوان والسفرة) *)) أي: هذا باب في بيان الخبز المرقق وهو على صيغة المجهول من رقق على وزن فعل بالتشديد يقال: رقق الصانع الخبز أي: لينه وجعله رقيقا وهو الرقاق أيضا بالضم ، وقال الجوهري: الرقاق، بالضم الخبز الرقيق، وقال عياض: قوله: (مرفقا) أي: ملينا محسنا كخبز الحواري وشبهه، وقال ابن التين: المرقق الخبز السميد وما يصنع منه من كعك وغيره، وقال ابن الجوزي: المرقق هو الخفيف كأنه مأخوذ من الرقاق وهي الخشبة التي يرقق بها. قوله: (على الخوان) بكسر الخاء المعجمة، وهو المشهور، وجاء ضمها. وفيه لغة ثالثة: أخوان، بكسر الهمزة وسكون الخاء وهو معرب. قال الجواليقي: تكلمت به العرب قديما، وقال ابن فارس: إنه اسم أعجمي، وعن ثعلب: سمي بذلك لأنه يتخون ما عليه، أي: ينتقص. وقال عياض: إنه المائدة ما لم يكن عليه طعام ويجمع على أخونة في القلة وخوون بضم أوله في الكثرة والأكل على الخوان من دأب المترفين وصنع
34 الجبابرة. قلت: ليس فيما ذكر كله بيان هيئة الخوان، وهو طبق كبير من نحاس تحته كرسي من نحاس ملزوق به، طوله قدر ذراع يرص فيه الزبادي ويوضع بين يدي كبير من المرتفين ولا يحمله إلا اثنان فما فوقهما. قوله: (والسفرة) وهي: الطعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير حوله حلق من حديد يضم به ويعلق فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به كما سميت المزادة رواية. 5385 حدثنا محمد بن سنان حدثنا همام عن قتادة قال: كنا عند أنس وعنده خباز له، فقال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة حتى لقي الله. مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن سنان، بكسر السين المهملة وتخفيف النون وبعد الألف نون أخرى. أبي بكر العوفي الباهلي الأعمى، وهما بتشديد الميم الأولى هو ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن إسحاق بن منصور وغيره. قوله: * (ولا شاة مسموطة) * قال ابن الأثير: الشاة السميط أي المشوية فعيل بمعنى مفعول، قال ابن الجوزي: وهو أكل المترفين وإنما كانوا يأخذون الجلد لينتفعوا به، ويقال: المسموط الذي أزيل شعره بالماء المسخن ويشوى بجلده أو يطبخ، وإنما يفعل ذلك في الصغير السن الطري، وذلك من فعل المترفين من وجهين: أحدهما: المبادرة إلى ذبح ما لو بقي لازداد ثمنه. وثانيهما: أن المسلوخ ينتفع بجلده في اللبس وغيره، وعبارة ابن بطال: المسموط المشوية بجلدها. وقال صاحب (العين): سمطت الجمل أسمطه سمطا تنقيه من الصوف بعد إدخاله في الماء الحار، وقال صاحب (الأفعال): سمط الجدي وغيره علقه من السموط، وهي معاليق من السرج. وقال الداودي: المسموط التي يغلى لها الماء فتدخل فيه بعد أن تذبح ويزال بطنها فيزول عنها الشعر أو الصوف ثم تشوى وقال ابن بطال: أكل المرقق جائز مباح ولم يتركه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا زهدا في الدنيا وتركا للتنعم وإيثارا لما عند الله وغير ذلك، وكذلك الأكل على الخوان، وليس نفي أنس، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على كل خوان، ولا أنه أكل شاة سميطا يرد قول من روى أنه صلى الله عليه وسلم، أكل على خوان وأنه أكل شواء، وإنما أخبر كل بما علم، ومن علم حجة على من لم يعلم، لأنه زاد عليه فوجب قبولها، وكذلك قال أنس: ما أعلم أو ما رأيت أنه أكل شاة مسموطة، ولم يقطع على أنه لم يأكل، وجرى ابن بطال فيما قاله على أن المسموط هو المشوي عنده. فإن قلت: إذا كان المسموط هو المشوي عنده فيعارضه حديث أم سلمة الذي أخرجه الترمذي أنها قربت للنبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه. قلت: الجواب ما ذكرناه من أن من علم حجة على من لم يعلم إلى آخره. 5386 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي عن يونس قال: علي، هو الإسكاف: عن قتادة عن أنس، رضي الله عنه. قال: ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سكرجة قط ولا خبز له مرفق قط، ولا أكل على خوان. فقيل لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، ومعاذ بن هشام يروي عن أبي هشام بن أبي عبد الله الدستوائي واسم أبي عبد الله سفيان، والدستوائي نسبته إلى دستوا من نواحي الأهواز. قوله: (عن يونس)، وقع هكذا في السند غير منسوب فبينه علي وهو ابن المديني، وقال: هو الإسكاف، وهو يونس بن أبي الفرات القرشي مولاهم البصري، وإنما بينه لأن في طبقته يونس بن عبيد البصري أحد الثقات المكثرين، ووقع في رواية ابن ماجة مصرحا عن يونس بن أبي الفرات، وليس ليونس هذا في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وثقه أحمد وابن معين، وقال ابن عدي: ليس بالمشهور، وقال ابن سعد كان معروفا وله أحاديث، وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به. وفي سند هذا الحديث رواية الأقران لأن هشاما ويونس من طبقة واحدة. والحديث أخرجه الترمذي في الأطعمة أيضا عن محمد بن بشار. وأخرجه النسائي في الرقائق عن إسحاق بن
35 إبراهيم وفي الوليمة عن عمرو بن علي. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن محمد بن بشار. قوله: (على سكرجة) بضم السين والكاف والراء المشددة بعدها جيم مفتوحة. قال عياض كذا قيدناه، ونقل عن ابن مكي أنه صوب فتح الراء وكذا قال التوريشتي، وزاد أنه فارسي معرب والراء في الأصل مفتوحة، ولا حجة في ذلك لأن الاسم الأعجمي إذا نطقت به العرب لم تبقه على أصله غالبا. قال ابن الجوزي: عن شيخه أبي منصور الجواليقي أنه قال بفتح الراء، قال: وكان بعض أهل اللغة يقول: اسكرجة، بالألف وفتح الراء وهي فارسية معربة. وترجمها معرب الحل، وقد تكلمت به العرب، وقال أبو علي: فإن حقرت يعني فإن صغرت حذفت الجيم والراء قلت: أسيكرة. وإن عوضت عن المحذوف تقول: أسيكيرة، وزعم سيبويه أن تصغير الخماسي مستكره، وقال ابن مكي: وهي قصاع صغار يؤكل فيها. ومنها كبيرة وصغيرة، فالكبيرة تحمل قدر ست أواق، وقيل: ما بين ثلثي أوقية إلى أوقية، ومعنى ذلك أن العجم كانت تستعملها في الكواميخ وما أشبهها من الجوار شنات حول الموائد للتشهي والهضم، وقال الداودي: هي قصعة صغيرة مدهونة، وقال ابن قرقول: رأيت لغيره أنها قصعة ذات قوائم من عود كمائدة صغيرة. قوله: فقيل: لقتادة القائل هو الراوي. قوله: (فعلى)، ما كذا هو في رواية الكشميهني بالألف وفي رواية غيره: فعلى م، بغير الألف. قوله: (كانوا يأكلون)، إنما عدل عن قوله: (فعلى ما كان يأكل) إلى قوله: (كانوا يأكلون) بالجمع إشارة إلى أن ذلك لم يكن مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل كان أصحابه يقتفون أثره ويقتدون بفعله ويراعون سنته. قوله: (على السفر) جمع سفرة، وقد مر تفسيرها. 5387 حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرني حميد أنه سمع أنسا يقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم يبني بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته أمر بالأنطاع فبسطت فألقي عليها التمر والأقط والسمن. وقال عمر عن أنس: بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسا في نطع. مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري، وحديثه قد مضى في غزوة خيبر مطولا عنه أيضا أي: عن ابن أبي مريم. قوله: (وقال عمرو)، وهو عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس، رضي الله تعالى عنه، ومضى حديثه في المغازي مطولا. قوله: (حيسا) بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة، وهو الخلط من التمر والسمن ونحوه. قوله: (في نطع) بسكون الطاء وفتحها وكسر النون وفتحها. 5388 حدثنا محمد أخبرنا أبو معاوية حدثنا هشام عن أبيه وعن وهب بن كيسان قال: كان أهل الشأم يعيرون ابن الزبير يقولون: يا ابن ذات النطاقين، فقالت له أسماء: يا بني! إنهم يعيرونك بالنطاقين؟ هل تدري ما كان النطاقان؟ إنما كان نطاقي شققته نصفين، فأوكيت قربة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأحدهما وجعلت في سفرته آخر، قال: فكان أهل الشأم إذا عيروه بالنطاقين يقول: إيها والإلهكان أهل الشأم يعيرون ابن الزبير يقولون: يا ابن ذات النطاقين، فقالت له أسماء: يا بني! إنهم يعيرونك بالنطاقين؟ هل تدري ما كان النطاقان؟ إنما كان نطاقي شققته نصفين، فأوكيت قربة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأحدهما وجعلت في سفرته آخر، قال: فكان أهل الشأم إذا عيروه بالنطاقين يقول: إيها والإله * تلك شكاة ظاهر عنك عارها *. مطابقته للترجمة في قوله: (وجعلت في سقرته) ومحمد هو ابن سلام وأبو معاوية هو محمد بن خازم بالمعجمتين الضرير، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير ويروي أيضا عن وهب بن كيسان وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن يونس عن أبي معاوية فقال فيه عن هشام عن وهب بن كيسان فقط وأصل الحديث مضى في: باب الهجرة إلى المدينة عن عبد الله بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه، وعن فاطمة عن أسماء صنعت سفرة للنبي صلى الله عليه وسلم الخ. قوله: (كان أهل الشام) المراد به عسكر الحجاج بن يوسف حيث كانوا يقاتلون عبد الله بن الزبير على مكة، وهم من قبل عبد الملك بن مروان والمراد عسكر الحصين بن نمير الذين قاتلوه قبل ذلك من قبل يزيد بن معاوية عليه ما يستحق. قوله: (يعيرون) بالعين المهملة أي: يعيبون عبد الله بن الزبير. قوله: (فقالت له أسماء) أي: قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق لابنها عبد الله بن الزبير،
36 (يا بني) بتصغير الشفقة إنهم أي: أن أهل الشام يعيرونك بالنطاقين؟ قيل: الأفصح أن يعدى التعبير بنفسه. يقال: عيرته كذا وقد سمع بكذا يعني: بالباء مثل ما هنا. قوله: (هل تدري ما كان النطاقان) قيل: وقع عند بعضهم في شرحه ما كان النطاقين؟ فإن صح فالمضاف فيه محذوف تقديره: ما كان شأن النطاقين، والنطاق بكسر النون ما كان يشد به الوسط وشقة تلبسها المرأة وتشد وسطها وترسل أعلاها على الأسفل إلى الركبة، وقال القزاز: النطاق ما تشد به المرأة وسطها ترفع به ثيابها وترسل عليه أزارها، وقال ابن فارس: هو إزار فيه تكة تلبسه النساء. وقال ابن الأثير في تفسير المنطق فقال: المنطق النطاق وجمعه مناطق وهو أن تلبس المرأة، وبها ثم تشد وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها وبه سميت أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهما، ذات النطاقين لأنها كانت تطارق نطاقا فوق نطاق. وقيل: كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الآخر الزاد إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وهما في الغار. قوله: (فأوكيت) من الوكاء وهو الذي يشد به رأس القربة. قوله: (أيها) بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبالتنوين معناه: الاعتراف بما كانوا يقولونه. والتقرير له تقول العرب في استدعاء القول من الإنسان أيها وإيه، بغير تنوين قاله الخطابي، واعترض بأن الذي ذكره ثعلب وغيره: إذا استزدت من الكلام قلت: أيه، وإذا أمرت بقطعه. قلت: إيها، ورد بأن غير ثعلب قد جزم بأن إيها كلمة استزادة وبغير التنوين لقطع الكلام، وقال ابن القين: في سائر الروايات يقول: ابنها والإلاه بالباء الموحدة أي: ابن الزبير ولقد أغرب ابن التين فيه حتى نسبه بعضهم إلى التصحيف. قوله: (تلك شكاة ظاهر عنك عارها). * هذا عجز بيت وصدره * وعيرها الواشمون أني أحبها * وهذا من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي من الطويل يرثي بها نسيبة بنت عنس بن محرث الهذلي وأولها: * هل الدهر إلا ليلة ونهارها * وإلا طلوع الشمس ثم غيارها * * أبى القلب إلا أم عمرو فأصبحت * تحرق ناري بالشكاة ونارها * وبعده: وعيرها الواشمون إلى آخره، وبعده: * فلا يهنىء الواشين أني هجرتها * وأظلم دوني ليلها ونهارها * * فإن أعتذر منها فإني مكذب * وإن تعتذر يردد عليها اعتذارها * * فما أم خشف بالعلاية شادن * تنوش البرير حيث نال اهتصارها * وهي تنوف على ثلاثين بيتا وقفت عليها في ديوانه قوله: (شكاة)، بفتح الشين المعجمة ومعناها: رفع الصوت بالقول القبيح، وقيل: بكسر الشين والفتح أصوب لأنه مصدر شكا يشكو شكاية، وشكوى وشكاة إذا أخبر عنه بشر. قوله: (ظاهر)، معناه أنه ارتفع عنك ولم يعلق بك من الظهور والصمود على أعلى الشيء ومنه قوله تعالى: * (فما اسطاعوا أن يظهروه) * (الكهف: 97) أي: يعلو عليه، ومنه ومعارج يظهرون. قوله: (فلا يهنىء الواشين) من هنأ في الطعام يهنئني ويهنأني. قال الجوهري: ولا نظير له في المهموز. قوله: (وأظلم دوني ليلها ونهارها)، معناه: بعدت عني فلا أستطيع أن أتيها فصار الليل والنهار واحدا. قوله: (فإن اعتذر) إلى آخره معناه إن أعتذر من حبها وأقول: ما بيني وبينها شيء فإني مكذب، وإن تعتذر هي أيضا تكذب. قوله: (فما أم خشف)، بكسر الخاء المعجمة وبالشين المعجمة وبالفاء وهو ولد الظبية قوله: (بالعلاية) اسم موضع قوله: (شادن) من شدن لحمه إذا قوي. قوله: (تنوش) أي: تتناول. قوله: (البرير)، بفتح الباء الموحدة وكسر الراء وسكون الباء آخر الحروف وبالراء أيضا، ثمر الأراك. قوله: (اهتصارها) أي: حيث نال أن يهتصره أي: تجذبه. 5389 حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أم حفيد بنت الحارث بن حزن خالة ابن عباس أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمنا وأقطا وأضبا، فدعا بهن فأكلن على مائدته وتركهن النبي صلى الله عليه وسلم كالمتقدر لهن ولو كن حراما ما أكلن على
37 مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر بأكلهن. مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: (على مائدته) لأنها تطلق على السفرة، وقد ذكر بعض المفسرين أن المائدة التي نزلت على عيسى، عليه السلام، كانت سفرة من جلد أحمر، وذكر أكثر المفسرين أن المائدة المذكورة في قصة عيسى، عليه السلام، هي الخوان، وكذلك قال الجوهري: المائدة خوان عليه طعام، وإن لم يفسر المائدة هنا بالسفرة يعكر عليه ما رواه قتادة عن أنس، ولا أكل على خوان، وقد مر الحديث عن قريب فافهم. فإن هذا قد فتح لي من الفيض الإلاهي. وأبو النعمان محمد بن الفضل الملقب بعارم بالعين المهملة والراء، وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو وبعد الألف نون اسمه الوضاح ابن عبد الله اليشكري، وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن إياس اليشكري. والحديث قد مضى في كتاب الهبة في: باب قبول الهدية، لأنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن جعفر بن إياس إلى آخره، وقد مضى الكلام فيه. قوله: (أم حفيد)، بضم الحاء المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة: بنت الحارث بن حزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وبالنون واسمها هزيلة مصغر هزلة ولها أخوات: أم خالد بن الوليد واسمها لبابة بضم اللام الصغرى، وأم ابن عباس وهي اللبابة الكبرى، وميمونة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، أم المؤمنين كلهن بنات الحارث ابن حزن الهلالي. قوله: (وأضبا)، بفتح الهمزة وضم الضاد وتشديد الباء جمع ضب مثل فلس وأفلس، وفي (العين): الضب يكنى أبا حلس وهي دويبة تشبه الورل تأكله الأعراب. وتقول العرب: هو قاضي الطير والبهائم. قوله: (كالمتقذر) أي: كالكاره من القذارة بالذال المعجمة وهو خلاف النظافة، يقال: قذرت الشيء بالكسر أقذره بالفتح، وذكر ابن العربي أنه روي: كالمتقزز من القز بزاءين معجمتين وهو الكراهة لكل محتقر. 9 ((باب: * (السويق) *)) أي: هذا باب في بيان ذكر السويق وهو معروف. 5390 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن يحيى عن بشير عن بشير بن يسار عن سويد بن النعمان أنه أخبره أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، بالصهباء وهي على روحة من خيبر، فحضرت الصلاة فدعا بطعام فلم يجده إلا سويقا فلاك منه فلكنا معه ثم دعا بماء فمضمض ثم صلي وصلينا معه ولم يتوضأ. مطابقته للترجمة ظاهرة. وحماد هو ابن زيد، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري، وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة ابن يسار ضد اليمين. والحديث قد مر قبل الباب الذي قبله، ومر الكلام فيه. قوله: (فلاك منه)، ويروى: فلاكه، من اللوك وهو إدارة الشيء في الفم. قوله: (ولم يتوضأ)، ذكره لبيان أنه لم يجعل أكل السويق ناقضا للوضوء دفعا لمذهب من يقول: يجب الوضوء مما مسته النار. 10 ((باب: * (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل شيئا إذا حضر بين يديه حتى يسمى له فيعلم ما هو) *)) أي: هذا باب فيه ذكر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل شيئا إذا حضر بين يديه حتى يسمى له على صيغة المجهول. أي: يذكر له اسم ذلك الشيء. قوله: (فيعلم)، بالنصب هو عطف على المنصوب قبله بتقدير: أن، وقال ابن بطال كان سؤاله لأن العرب كانت لا تعاف شيئا من المآكل لقلتها عندهم، فلذلك كان يسأل قبل الأكل منه. 5391 حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذي يقال: له سيف الله أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ميمونة وهي خالته وخالة
38 ابن عباس فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، فقدمت الضب لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له: فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده إلى الضب فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قدمتن له؟ هو الضب يا رسول الله! فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضب. فقال خالد بن الوليد: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: لا! ولاكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد: فاحتززته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي. . مطابقته للترجمة. في قوله: (وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له) وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد، والزهري هو محمد بن مسلم، وأبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، بضم الحاء المهملة وفتح النون. والحديث أخرجه البخاري في مسند خالد بن الوليد في الأطعمة هنا وفي الذبائح عن القعني. وأخرجه مسلم في مسند ابن عباس في الذبائح عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة مثل البخاري في مسند خالد فأبو داود في الأطعمة عن القعني، والنسائي في الصيد عن أبي داود والحراني وغيره، وفي الوليمة عن هارون بن عبد الله، وابن ماجة في الصيد عن محمد بن مصفى. قوله: (وهي خالته)، أي: ميمونة خالة خالد بن الوليد خالة ابن عباس أيضا وقد ذكرنا عن قريب في: باب الخبز المرقق أن ميمونة ولبابة الصغرى أم خالد ابن الوليد، ولبابة الكبرى أم ابن عباس وأم حفيدة أخوات، وهن بنات الحارث بن حزن، وذكر هنا حفيدة وهي أم حفيدة، وهو المحفوظ عند أهل النسب، واسمها: هزيلة وقد ذكرناه. قوله: (محنوذا)، أي: مشويا. قال الله عز وجل: * (فجاء بعجل حنيذ) * (هود: 69) أي: مشوي، يقال: حنذت الشاة أحنذها حنذا أي: شويتها وجعلت فوقها حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ. قوله: (وكان فلما يقدم)، من التقديم، وقل، فعل ماض، وما يقدم فاعله وما مصدرية، أي: قبل تقديم يده لطعام حتى يحدث على صيغة المجهول أي: حتى يخبر به ما هو ويسمى مجهول أيضا. قوله: (له)، أي: النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأهوى)، أي: مد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب. قوله: (فقالت امرأة من النسوة الحضور) ووقع في رواية لمسلم: فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل قالت له ميمونة: إنه لحم ضب فكف يده، ووصف النسوة بالحضور الذي هو جمع حاضر مع أن المطابقة شرط بين الصفة والموصوف في التذكير والتأنيث وغيرهما. لأنه لوحظ فيهما صورة الجمع أو يقال: إن الحضور مصدر. قوله: (أحرام الضب)؟ نحو: أقائم زيد؟ فيجوز فيه الأمران. قوله: (فأجدني)، أي: فأجد نفسي. قوله: (أعافه) أي: أكرهه من عاف الرجل الطعام والشراب يعافه عيافا. أي: كرهه فهو عائف. قوله: (ورسول الله صلى الله عليه وسلم) الواو فيه للحال، واحتج بهذا الحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. فقالوا: يجوز أكل الضب، وهو مذهب الظاهرية أيضا، وقال ابن حزم: وصحت إباحته عن عمر بن الخطاب وغيره. وقال صاحب (الهداية) ويكره أكل الضب لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عائشة، رضي الله عنها، حين سألته عن أكله، ولكن الطحاوي في (شرح معاني الآثار) رجح إباحة أكل الضب. وقال: لا بأس بأكل الضب، وهو القول عندنا. وقال: وقد كره قوم أكل الضب منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد. قلت: أراد بالقوم الحارث بن مالك ويزيد بن أبي زياد ووكيعا فإنهم قالوا: أكل الضب مكروه، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله، ثم الأصح عند أصحابنا أن الكراهة كراهة تنزيه لا كراهة تحريم لتظاهر الأحاديث الصحاح، بأنه ليس بحرام، وقال بعض أصحابنا: أحاديث دلت على الإباحة وأحاديث دلت على الحرمة. والتاريخ مجهول فيجعل المحرم مؤخرا عن المبيح فيكون ناسخا له تعليلا للنسخ، ومن جملة الأحاديث الدالة على الحرمة حديث عائشة الذي ذكره صاحب (الهداية). ولكن فيه مقال: ولما ذكر صاحب (تخريج أحاديث الهداية) حديث عائشة قال: هذا حديث غريب. قلت: رواه محمد بن الحسن عن الأسود عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أهدي له ضب فلم يأكله. فسألته عن أكله فنهاني، فجاء سائل فأرادت عائشة أن تعطيه فقال صلى الله عليه وسلم: تعطينه ما لا تأكليه؟ فالنهي يدل على
39 التحريم، ومنها: ما رواه أبو داود في الأطعمة عن إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب، فإن قلت: قال البيهقي: تفرد به ابن عياش وليس بحجة، وقال المنذري: إسماعيل بن عياش وضمضم فيهما مقال، وقال الخطابي: ليس إسناده بذلك. قلت: ضمضم حمصي وابن عياش إذا روى عن الشاميين كان حديثه صحيحا، كذا قاله البخاري ويحيى بن معين وغيرهما والعجب من البيهقي أنه قال في باب ترك الوضوء من الدم مثل ما قال البخاري ويحيى، وهنا يقول: ليس بحجة، ولما أخرج أبو داود هذا الحديث سكت عنه وهو حسن عنده على ما عرف، وقد صحح الترمذي لابن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة وشرحبيل شامي، وروى الطحاوي في (معاني الآثار) مسندا إلى عبد الرحمن بن حسنة. قال: نزلنا أرضا كثيرة الضباب، فأصابتنا مجاعة فطبخنا منها. وإن القدور لتغلي بها إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ فقلنا: أضباب أصبناها، فقال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض إني أخشى أن تكون هذه، فأكفئوها. 11 ((باب: * (طعام الواحد يكفي الإثنين) *)) أي: هذا باب في بيان أن طعام الواحد يكفي الاثنين، وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه ابن ماجة بإسناده عن عمر ابن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة، والأربعة وطعام الأربعة يكفي الخمسة والستة وروى الطبراني من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين، وروى الطبراني أيضا من حديث ابن مسعود. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة، روى الطبراني أيضا من حديث سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طعام الواحد يكفي الاثنين، وحديث الباب يخالف الترجمة على ما لا يخفى لأن مرجع قضية الترجمة النصف ومرجع قضية حديث الباب الثلث والربع. وأجيب: بأنه أشار بالترجمة إلى أن هذه الألفاظ المذكورة في الأحاديث المذكورة، ولما لم يكن أحاديث هؤلاء المذكورين على شرطه ذكر في الترجمة. وذكر حديث أبي هريرة في الباب لكونه على شرطه. 5392 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك وحدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طعام الإثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة. وجه المطابقة بين الترجمة والحديث يفهم مما ذكرناه الآن، وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة. والآخر: عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك إلى آخره. والحديث أخرجه مسلم في الأطعمة عن يحيى بن يحيى عن مالك وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة عن مالك وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة عن مالك وعن غيره. قوله: (وطعام الاثنين كاف الثلاثة) يعني: ما يشبع به اثنان يشبع ثلاثة وما يشبع به ثلاثة يشبع أربعة. قال المهلب: المراد بهذه الأحاديث الحض على المكارمة والتقنع بالكفاية يعني: ليس المراد الحصر في مقدار الكفاية وإنما المراد المواساة، وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضا بحسب من يحضر، وقال ابن المنذر: يؤخذ من حديث أبي هريرة استحباب الاجتماع على الطعام، وأن لا يأكل المرء وحده، فإن البركة في ذلك. قلت: وقد ذكرنا أن الطبراني، روى من حديث ابن عمر: (كلوا جميعا ولا تفرقوا) الحديث. 12 ((باب: * (المؤمن يأكل في معى واحد) *)) أي: هذا باب يذكر فيه المؤمن يأكل في معي واحد، فلفظ معي مقصور بكسر الميم والتنوين، ويجمع على: أمعاء، وهي المصارين وتثنيته: معيان. قال أبو حاتم: أنه مذكر مقصور ولم أسمع أحدا أنث المعى، وقد رواه من لا يوثق به، والهاء في سبعة في
40 الحديث تدل على التذكير في الواحد ولم أسمع معى واحدة ممن أثق به. وحكى القاضي عياض عن أهل الطب والتشريح أنهم زعموا أن أمعاء الإنساء سبعة: المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب والصائم والرقيق، وهي كلها رقاق ثم ثلاثة غلاظ: الأعور والقولون والمستقيم، وطرفه الدبر: ولقد نظم شيخنا زين الدين رحمه الله الأمعاء السبعة ببيتين وهما: * سبعة أمعاء لكل آدمي * معدة بوابها مع صائم * * ثم الرقيق أعور قولون مع * المستقيم مسلك للطاعم * وقيل: أسماء الأمعاء السبعة: الاثنا عشر والصائم والقولون واللفائفي بالفاءين وقيل: بالقافين وبالنون، والمستقيم والأعور، فللمؤمن يكفيه ملء أحدها، والكافر لا يكفيه إلا ملء كلها. 5393 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن واقد بن محمد عن نافع قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتي بمسكين يأكل معه، فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا فقال: يا نافع لا تدخل هذا علي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء. مطابقته للترجمة ظاهرة. لأن الترجمة هي نصف الحديث، وعبد الصمد هو عبد الوارث، وواقد بالقاف والدال المهملة هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنه. والحديث أخرجه مسلم في الأطعمة عن أبي بكر بن خلاد. قوله: (لا تدخل)، بضم التاء من الإدخال. قوله: (علي) بتشديد الياء. قوله: (المؤمن يأكل في معى واحد) وإنما عدى الأكل بكلمة: في علي معنى: أوقع الأكل فيها وجعلها مكانا للمأكول. قال تعالى: * (إنما يأكلون في بطونهم نار) * (النساء: 10) أي: ملء بطونهم، واختلف في المراد بهذا الحديث، فقيل: هو مثل ضرب المؤمن وزهده في الدنيا وللكافر وحرصه عليها. وقيل: هو تخصيص للمؤمن على أن يتحامى ما يجره كثرة الأكل من القسوة والنوم، ووصف الكافر بكثرة الأكل ليتجنب المؤمن ما هو صفة للكافر، كما قال عز وجل: * (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام) * (محمد: 12) وهذا في الغالب والأكثر، وإلا فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا بحسب العادة أو لعارض، ويكون في الكفار من يعتاد قلة الأكل إما المراعاة الصحة. كالأطباء أو للتقلل كالرهبان، أو لضعف المعدة، وقيل: يمكن أن يراد به أن المؤمن يسمي الله عز وجل عند طعامه فلا يشركه الشيطان، والكافر لا يسمي الله عند طعامه وقيل: المراد بالمؤمن التام الإيمان لأن من حسن إسلامه وكمل إيمانه اشتغل فكره فيما يصل إليه من الموت وما بعده، فيمنعه ذلك من استيفاء شهوته، وأما الكافر فمن شأنه الشره، فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية. وقال الطحاوي: سمعت ابن أبي عمران يقول: قد كان قوم حملوا هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما يقول: (فلان يأكل الدنيا أكلا) أي يرغب فيها ويحرص عليها، فالمؤمن يأكل في معى واحد لزهادته في الدنيا، والكافر في سبعة أمعاء أي: لرغبته فيها ولم يحملوا ذلك على الطعام. قالوا: وقد رأينا مؤمنا أكثر طعاما من كافر، ولو تأول ذلك على الطعام استحال معنى الحديث، وقيل: هو رجل خاص بعينه، وكان كافرا ثم أسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، واختلفوا في هذا الرجل. فقيل: ثمامة بن أثال، وبه جزم المازري والنووي، وقيل: جهجاه الغفاري، وقيل: نضلة بن عمرو الغفاري، وقيل: أبو بصرة الغفاري، وقيل: ابنه بصرة بن أبي بصرة الغفاري، وقيل: أبو غزوان غير مسمى، وروى الطبراني، بإسناد صحيح من رواية أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبع رجال فأخذ كل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما اسمك قال أبو غزوان، قال: فحلب له النبي صلى الله عليه وسلم سبع شياه، فشرب لبنها كله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك يا أبا غزوان أن تسلم؟ قال: نعم، فأسلم فمسح النبي صلى الله عليه وسلم صدره فلما أصبح حلب له النبي صلى الله عليه وسلم شاة واحدة فلم يتم لبنها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مالك يا أبا غزوان؟ فقال: والذي بعثك بالحق لقد رويت. قال: إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا واحد. قلت: أبو بصرة بالباء الموحدة وسكون الصاد المهملة، واسمه حميل بضم الحاء المهملة وفتح
41 الميم. قوله: (في سبعة أمعاء) اختلف في المراد بها. فقيل: هو على ظاهره، وقيل: للمبالغة وليست حقيقة العدد مرادة، وإنما خرج مخرج الغالب، وقيل: تخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كما في قوله تعالى: * (والبحر يمده من بعده سبعة أبحر) * (لقمان: 27) قال النووي: الصفات السبعة في الكافر وهي: الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن، وقال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن وأما الكافر فيأكل بالجميع. ((باب: * (المؤمن يأكل في معى واحد، فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) *)) إعادة هذه الترجمة بعينها مع ذكر أبي هريرة على وجه التعليق لم تثبت إلا في رواية أبي ذر عن السرخسي وحده، ولم تقع في رواية أبي الوقت عن الداودي عن السرخسي، ووقع في رواية النسفي ضم الحديث الذي قبله إلى ترجمة: طعام الواحد يكفي الاثنين، وإيراد هذه الترجمة لحديث ابن عمر بطرقه، وحديث أبي هريرة بطريقيه، ولم يذكر فيها التعليق، وهذا هو الوجه وليس لإعادة الترجمة بلفظها معنى، وكذا ذكر حديث أبي هريرة في الترجمة. ثم إيراده فيها موصولين من وجهين. 5393 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن واقد بن محمد عن نافع قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتي بمسكين يأكل معه، فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا فقال: يا نافع لا تدخل هذا علي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء. مطابقته للترجمة ظاهرة. لأن الترجمة هي نصف الحديث، وعبد الصمد هو عبد الوارث، وواقد بالقاف والدال المهملة هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنه. والحديث أخرجه مسلم في الأطعمة عن أبي بكر بن خلاد. قوله: (لا تدخل)، بضم التاء من الإدخال. قوله: (علي) بتشديد الياء. قوله: (المؤمن يأكل في معى واحد) وإنما عدى الأكل بكلمة: في علي معنى: أوقع الأكل فيها وجعلها مكانا للمأكول. قال تعالى: * (إنما يأكلون في بطونهم نار) * (النساء: 10) أي: ملء بطونهم، واختلف في المراد بهذا الحديث، فقيل: هو مثل ضرب المؤمن وزهده في الدنيا وللكافر وحرصه عليها. وقيل: هو تخصيص للمؤمن على أن يتحامى ما يجره كثرة الأكل من القسوة والنوم، ووصف الكافر بكثرة الأكل ليتجنب المؤمن ما هو صفة للكافر، كما قال عز وجل: * (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام) * (محمد: 12) وهذا في الغالب والأكثر، وإلا فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا بحسب العادة أو لعارض، ويكون في الكفار من يعتاد قلة الأكل إما المراعاة الصحة. كالأطباء أو للتقلل كالرهبان، أو لضعف المعدة، وقيل: يمكن أن يراد به أن المؤمن يسمي الله عز وجل عند طعامه فلا يشركه الشيطان، والكافر لا يسمي الله عند طعامه وقيل: المراد بالمؤمن التام الإيمان لأن من حسن إسلامه وكمل إيمانه اشتغل فكره فيما يصل إليه من الموت وما بعده، فيمنعه ذلك من استيفاء شهوته، وأما الكافر فمن شأنه الشره، فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية. وقال الطحاوي: سمعت ابن أبي عمران يقول: قد كان قوم حملوا هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما يقول: (فلان يأكل الدنيا أكلا) أي يرغب فيها ويحرص عليها، فالمؤمن يأكل في معى واحد لزهادته في الدنيا، والكافر في سبعة أمعاء أي: لرغبته فيها ولم يحملوا ذلك على الطعام. قالوا: وقد رأينا مؤمنا أكثر طعاما من كافر، ولو تأول ذلك على الطعام استحال معنى الحديث، وقيل: هو رجل خاص بعينه، وكان كافرا ثم أسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، واختلفوا في هذا الرجل. فقيل: ثمامة بن أثال، وبه جزم المازري والنووي، وقيل: جهجاه الغفاري، وقيل: نضلة بن عمرو الغفاري، وقيل: أبو بصرة الغفاري، وقيل: ابنه بصرة بن أبي بصرة الغفاري، وقيل: أبو غزوان غير مسمى، وروى الطبراني، بإسناد صحيح من رواية أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبع رجال فأخذ كل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما اسمك قال أبو غزوان، قال: فحلب له النبي صلى الله عليه وسلم سبع شياه، فشرب لبنها كله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك يا أبا غزوان أن تسلم؟ قال: نعم، فأسلم فمسح النبي صلى الله عليه وسلم صدره فلما أصبح حلب له النبي صلى الله عليه وسلم شاة واحدة فلم يتم لبنها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مالك يا أبا غزوان؟ فقال: والذي بعثك بالحق لقد رويت. قال: إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا واحد. قلت: أبو بصرة بالباء الموحدة وسكون الصاد المهملة، واسمه حميل بضم الحاء المهملة وفتح الميم. قوله: (في سبعة أمعاء) اختلف في المراد بها. فقيل: هو على ظاهره، وقيل: للمبالغة وليست حقيقة العدد مرادة، وإنما خرج مخرج الغالب، وقيل: تخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كما في قوله تعالى: * (والبحر يمده من بعده سبعة أبحر) * (لقمان: 27) قال النووي: الصفات السبعة في الكافر وهي: الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن، وقال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن وأما الكافر فيأكل بالجميع. ((باب: * (المؤمن يأكل في معى واحد، فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) *)) إعادة هذه الترجمة بعينها مع ذكر أبي هريرة على وجه التعليق لم تثبت إلا في رواية أبي ذر عن السرخسي وحده، ولم تقع في رواية أبي الوقت عن الداودي عن السرخسي، ووقع في رواية النسفي ضم الحديث الذي قبله إلى ترجمة: طعام الواحد يكفي الاثنين، وإيراد هذه الترجمة لحديث ابن عمر بطرقه، وحديث أبي هريرة بطريقيه، ولم يذكر فيها التعليق، وهذا هو الوجه وليس لإعادة الترجمة بلفظها معنى، وكذا ذكر حديث أبي هريرة في الترجمة. ثم إيراده فيها موصولين من وجهين. 5394 حدثنا محمد بن سلام أخبرنا عبدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن يأكل في معى واحد وإن الكافر أو المنافق فلا أدري أيهما قال عبيد الله: يأكل في سبعة أمعاء. وقال ابن بكير: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. وجه المطابقة موجود، وعبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، والحديث من أفراده. قوله: (أو المنافق) شك من عبدة، وأشار إليه بقوله: (فلا أدري أيهما قال عبيد الله) يعني: ابن عمر العمري، ورواه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر بلفظ: الكافر، بغير شك، وكذا رواه عمرو بن دينار كما يأتي في الباب، ووقع في رواية الطبراني من حديث سمرة بلفظ: المنافق، بدل الكافر. قوله: (وقال ابن بكير)، هو يحيى بن عبد الله بن بكير، أبو زكريا المخزومي المصري روى عنه البخاري في بدء الوحي وغير موضع. قال الدمياطي: قال ابن يونس: ولد يحيى بن بكير ستة أربع وخمسين ومائة، ومات في صفر سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وهذا التعليق وصله أبو نعيم: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد حدثنا الفضل بن عياش حدثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك فذكره. قوله: (بمثله) أي: بمثل أصل الحديث لا خصوص الشك الواقع في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع. 5395 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو، قال: كان أبو نهيك رجلا أكولا، فقال له ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء، فقال: فأنا أومن بالله ورسوله. هذا طريق آخر في حديث ابن عمر أخرجه علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار إلى آخره، والحديث من أفراده. قوله: (كان أبو نهيك)، بفتح النون وكسر الهاء وبالكاف، قال الكرماني: كان رجلا من أهل مكة. قلت: أخذه من كلام الحميدي فإن في روايته قيل لابن عمر: أن أبا نهيك رجل من أهل مكة يأكل أكلا كثيرا. قوله: (فقال) أي: أبو نهيك (أنا أومن بالله ورسوله) ومن هذا حمل الحديث على ظاهره كما ذكرنا. 5396 حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأكل المسلم في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء.
42 إيراد هذا هنا ظاهر. أخرجه عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة. والحديث من أفراده. 5397 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا، فأسلم فكان يأكل أكلا قليلا فذكر ذالك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء. هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة أخرجه عن سليمان بن حرب عن شعبة بن الحجاج عن عدي بن ثابت هو عدي بن أبان بن ثابت الأنصاري الكوفي ابن ابنه عبد الله بن يزيد الخطمي، مات سنة خمس عشرة ومائة، وكان إمام مسجد الشيعة وقاضيهم بالكوفة، وقد اتفقا على الاحتجاج به، وهو يروي عن أبي حازم سلمان الأشجعي، وليس هو سلمة ابن دينار الزاهد، فإنه أصغر من الأشجعي ولم يدرك أبا هريرة. والحديث أخرجه النسائي في الوليمة عن عمرو بن يزيد عن بهز عن شعبة نحوه: جاء كافر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، فجعل يأكل قليلا وكان قبل ذلك يأكل كثيرا. الحديث وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن إسحاق بن عيسى عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضافه ضيف وهو كافر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشرب، ثم أخرى فشرب، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشاة فشرب حلابها، ثم أمر بأخرى فلم يستتمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن يشرب في معى واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء. 13 ((باب: * (الأكل متكئا) *)) أي: هذا باب في بيان كيف حكم الأكل حال كونه متكئا، وإنما لم يجزم بحكمه لأنه لم يأت فيه نهي صريح، وقد ترجم الترمذي هذا الباب بقوله: باب ما جاء في كراهة الأكل متكئا، ثم روى حديث أبي جحيفة، وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله: حمل الترمذي أحاديث الأكل متكئا على الكراهة كما بوب عليه، وهو قول الجمهور وقد أكل غير واحد من الصحابة والتابعين متكئا، رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه) ثم قال: اختلف في المراد بالاتكاء في حالة الأكل؟ فقيل: المراد المتربع المتقعد كالمتهيىء للطعام انتهى كلامه. وفي (التلويح) المتكىء هنا هو المعتمد على الوطاء الذي تحته، وكل من استوى قاعدا على وطأه فهو المتكىء كأنه أوكى مقعدته وسدها بالقعود على الوطاء الذي تحته. وقيل: الاتكاء هو أن يتكئ، على أحد جانبيه، وهو فعل المتجبرين، والمتكىء أصله الموتكىء قلبت الواو تاء وأدغمت التاء في التاء، وهو من معتل الفاء مهموز اللام تقول: أتكأ على شيء فهو متكئ وأصل التاء في جمع مواده واو. 5398 حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر عن علي بن الأقمر: سمعت أبا جحيفة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آكل متكئا. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم الفضل بن دكين، ومسعر بكسر الميم وسكون السين المهملة ابن كدام العامري الكوفي، وعلي بن الأقمر بن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني بسكون الميم الوادعي الكوفي، ثقة عند الجميع وما له في البخاري سوى هذا الحديث وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء، واسمه وهب بن عبد الله السوائي. والحديث أخرجه أبو داود في الأطعمة عن محمد بن كثير. وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة وفي الشمائل عن بندار. وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة به وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن محمد بن عيسى. قوله: (لا آكل متكئا) أي: حال كوني متكئا. وقال الخطابي حسب العامة أن المتكىء هو المائل على أحد شقيه، وليس كذلك، بل المتكىء هنا هو المعتمد على الوطأة
43 الذي تحته، وكل من استوى قاعدا على طائه فهو متكئ أي: إذا أكلت لم أقعد متمكنا على الأوطئة فعل من يستكثر من الأطعمة، ولكنني آكل العلقة من الطعام فيكون قعودي مستوفرا. له ولفظ الترمذي: أما أنا فلا آكل متكئا، واستدل به بعضهم على أن ترك الأكل متكئا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقد عده أبو العباس بن القاص من خصائصه. والظاهر عدم التخصيص، وقد روى الطبراني في (الأوسط) من حديث أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تأكل متكئا، ورجال إسناده ثقات، وقال البيهقي: يكره أيضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا، وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولى فاستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جانبا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى. 5399 حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا جرير عن منصور عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده: لا آكل وأنا متكىء. هذا طريق آخر في حديث أبي جحيفة أخرجه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر الكوفي عن علي بن الأقمر. الخ والفرق بين قوله: (لا آكل وأنا متكئ) وبين قوله في الحديث الماضي: لا آكل متكئا أن اسم الفاعل يدل على الحدث، والجملة الإسمية تدل على الثبوت. فالثاني أبلغ من الأول في الإثبات وأما في النفي فبالعكس فالأول أبلغ، فإن قلت: روى أبو داود من حديث ثابت البناني عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه. قال: ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط، وروى النسائي من حديث ابن عباس أنه كان يحدث أن الله عز وجل أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة مع جبريل، عليه الصلاة والسلام، فقال: إن الله مخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا، فقال: لا بل أكون نبيا عبدا، فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا. وفي (علل عبد الرحمن) من حديث عبد الله بن السائب بن خباب عن أبيه عن جده. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل قديدا متكئا. قلت: أما حديث عبد الله بن عمرو فإنه محمول أنه ما رئي يأكل متكئا بعد قضية الملك. وأما حديث السائب عن أبيه عن جده فقد قال عبد الرحمن عن أبيه: إن هذا حديث باطل. فإن قلت: كيف روى ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم ما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا، وقد روى ابن أبي شيبة من حديث يزيد بن زياد قال أخبرني من رأى ابن عباس يأكل متكئا؟ قلت: الذي رواه ابن أبي شيبة ضعيف، ولو صح لكانت العبرة لما روى لا لما رأى عند البعض، ومذهب جماعة أن الراوي إذا خالف روايته دل عنده على نسخ ما رواه. 14 ((باب: * (الشواء) *)) أي: هذا باب في بيان جواز أكل الشواء بكسر الشين المعجمة من شويت اللحم شيا والاسم الشواء، والقطعة منه شواة. وقول الله تعالى: * (فجاء بعجل حنيذ) * (هود: 69) أي مشوي هذا في إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وهو الجائي بعجل حنيذ. وقصته أن قوم لوط، عليه الصلاة والسلام، لما أفسدوا وطغوا وبغوا دعا لوط ربه بأن ينصره عليهم، فأرسل أربعة من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل ودردائيل لإهلاكهم وبشارة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، بالولد فأقبلوا مشاة في صورة رجال مرد حسان حتى نزلوا على إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وكان الضيف قد حبس عنه خمس عشرة ليلة حتى شق ذلك عليه، وكان لا يأكل إلا مع الضيف مهما أمكنه، فلما رآهم سربهم، وقال: لا يخدم هؤلاء إلا أنا فخرج إلى أهله فجاء بعجل حنيذ، وهو المشوي بالحجارة فعيل بمعنى مفعول من حنذت اللحم أحنذه حنذا إذا شويته بالحجارة المسخنة. واللحم حنيذ ومحنوذ. قوله: (أي مشوي)، كلمة أي: لم تثبت إلا في رواية النسفي، وفي رواية السرخسي: حنيذ مشوي، وليس فيه كلمة أي. 5400 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي
44 أمامة بن سهل عن ابن عباس عن خالد بن الوليد قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم، بضب مشوي، فأهوى إليه ليأكل فقيل له: إنه ضب فأمسك يده، فقال خالد: أحرام هو؟ قال: لا، ولاكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه، فأكل خالد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر. قال مالك عن ابن شهاب: بضب محنوذ. مطابقته للترجمة في قوله: (بضب مشوي) والحديث مضى قبله بثلاثة أبواب، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (مالك عن ابن شهاب بضب محنوذ)، هذا رواه مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهيل بن حنيف عن عبد الله بن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيت ميمونة، فأتي بضب محنوذ، الحديث، وقال ابن بطال، والحديث ظاهر لما ترجم له وهو جواز أكل الشواء لأنه صلى الله عليه وسلم أهوى ليأكل منه لو كان مما لا يتقزز أكله غير الضب. 15 ((باب: * (الخزيرة) *)) قال النضر الخزيرة من النخالة، والحريرة من اللبن. أي: هذا باب فيه ذكر الخزيرة، بفتح الخاء المعجمة والزاي المكسورة والياء آخر الحروف الساكنة ثم الراء المفتوحة وهو ما يتخذ من الدقيق على هيئة العصيدة لكنه أرق منها قاله الطبري، وقال ابن فارس: دقيق يخلط بشحم، وقال الجوهري: الخزيرة أن يؤخذ اللحم فيقطع صغار أو يصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق، وإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة. وقيل: الخزيرة مرقة تصفى من بلالة النخالة ثم تطبخ، وقيل: هي حساء من دقيق ودسم، وقال ابن الأثير: الحساء، بالفتح والمد طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن، وقد يحلى ويكون رقيقا يحسى. قوله: (قال النضر)، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وفي آخره راء: هو ابن شميل، بضم الشين المعجمة وفتح الميم: النحوي اللغوي المحدث المشهور، يكنى أبا الحسن، أصله من البصرة ومولده بمر والروذ، خرج مع أبيه هاربا إلى البصرة من الفتنة سنة ثمان وعشرين ومائة، وهو ابن ست سنين ثم رجع إلى مرو والروذ وسمع إسرائيل وشعبة وهشام بن عروة وغيرهم، روى عنه إسحاق الحنظلي ومحمود بن غيلان ومحمد بن مقاتل وآخرون. قال أبو جعفر الدارمي: مات سنة أربع ومائتين. قوله: (الخزيرة من النخالة)، يعني: بالخاء المعجمة، (والحريرة) بالحاء المهملة (من اللبن) ووافقه على هذا أبو الهشيم لكن قال: من الدقيق، بدل: اللبن. 5401 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ممن شهد بدرا من الأنصار، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنني أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطيع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم، فوددت يا رسول الله أنك تأتي فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى. فقال: سأفعل إن شاء الله، قال عتبان: فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال لي: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ فأشرت إلى ناحية من البيت فقام النبي صلى الله عليه وسلم فكبر فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم وحبسناه على خزير صنعناه. فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد فاجتمعوا فقال قائل منهم: أين مالك ابن الدخشن؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل ألا تراه قال: لا إلاه إلا الله، يريد بذلك وجه الله؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: قلنا: فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى
45 المنافقين، فقال: فإن الله حرم على النار من قال: لا إلاه إلا الله يبتغي بذلك وجه الله. قال ابن شهاب: ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري: أحد بني سالم وكان من سراتهم عن حديث محمود فصدقه. مطابقته للترجمة في قوله: (وحبسناه على خزير). والحديث قد مضى في الصلاة في: باب مساجد البيوت، فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب إلى آخره نحوه، ومضى أيضا مختصرا في: باب الرخصة في المطر والعلة، ومضى الكلام فيه مستوفى. قوله: (أن عتبان)، ويروى عن عتبان، قيل: الصحيح عن قال الكرماني: أن أيضا صحيح ويكون أن ثانيا تأكيدا لأن الأول كقوله تعالى: * (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) * (المؤمنون: 25) قوله: (أنكرت بصري)، أي: ضعف بصري أو هو عمي. قوله: (وحبسناه)، أي: منعناه عن الرجوع عن منزلنا لأجل خزير صنعناه له ليأكل وكلمة: على هنا للتعليل كما في قوله تعالى: * (ولتكبروا الله على ما هديكم) * (البقرة: 185) قوله: (فثاب) أي: اجتمع قوله: (من أهل الدار)، أي: من أهل المحلة. قوله: (ابن الدخشن) بضم الدال المهملة وسكون الخاء المعجمة وبالنون، ويروى: الدخيشن، بالتصغير، وقال أبو عمر: الدخشن بالنون ابن مالك بن الدخشن بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف، شهد العقبة في قول ابن إسحاق وموسى والواقدي: وقال أبو معتمر: لم يشهد، وقال أبو عمر: لم يختلف أنه شهد بدرا وما بعدها من المشاهد. وكان يتهم بالنفاق ولا يصح عنه النفاق، وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه. قوله: (فقال بعضهم) قيل: إنه عتبان بن مالك، قوله: (ونصيحته) أي: إخلاصه ونقاوته. قوله: (قال ابن شهاب) هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (الحصين) بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة. مصغر حصن وهو ابن محمد السالمي الأنصاري التابعي، وضبطه القابسي بضاد معجمة ولم يوافقه أحد عليه، ونقل ابن التين من الشيخ أبي عمر أن قال: لم يدخل البخاري في (جامعه) الحضير، يعني: بالمهملة والضاد المعجمة وبالراء في آخره، وأدخل الحصين بالمهملتين وبالنون، قيل: هذا قصور منه فإن أسيد بن حضير، وإن لم يخرج له البخاري من روايته موصولا. ولكنه علق عنه، ووقع ذكره عنده في غير موضع، فلا يليق نفي إدخاله في كتابه انتهى. قلت: الكلام هنا في الحصين بالمهملتين وبالنون. لا في حضير بمهملة ومعجمة وراء، فلا حاجة إلى ذكره هاهنا. قوله: (من سراتهم)، سراة القوم ساداتهم وأشرافهم وهو جمع سري: وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة، ولا يعرف غيره، وجمع السراة سراوات وأصل هذه المادة من السر، وهو السخاء والمروءة. يقال: سرا يسرو وسرى بالكسر يسري سروا فيهما، وسرو، يسرو سراوة أي: صار سريا. 16 ((باب: * (الأقط) *)) أي: هذا باب يذكر فيه الأقط، وهو بفتح الهمزة وكسر القاف، وقد تسكن وفي آخره طاء مهملة. وفي (التوضيح) لأقط شيء يصنع من اللبن وذلك أن يؤخذ اللبن فيطبخ، فكلما طفا عليه من بياض اللبن شيء جمع في إناء، وهو من أطعمة العرب. قلت: ليس هو مخصوصا بالعرب، بل في سائر البلدان الشمالية والترك الرحالة يعلمون هذا. وقال ابن الأثير: الأقط لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به. قلت: لا يطبخ به إلا بعد أن يعركوه بالماء السخن في الأواني الخزف حتى ينحل ويصير كاللبن ثم يطبخون به ما شاؤوا من الأطعمة التي يطبخونها باللبن. وقال حميد: سمعت أنسا: بنى النبي صلى الله عليه وسلم بصفية فألقي التمر والأقط والسمن حميد هو ابن أبي حميد الطويل، وهذا التعليق تقدم موصولا في: باب الخبز المرقق. (وقال عمرو بن أبي عمرو عن أنس: صنع النبي صلى الله عليه وسلم حيسا) عمرو بن أبي عمرو، بالفتح فيهما مولى المطلب بن عبد الله المخزومي، وهذا التعليق أيضا قد مر في الباب المذكور معلقا. ومضى الكلام فيه هناك. والحبس، بفتح الحاء المهملة وسكون الباء آخر الحروف وبالسين المهملة: وهو الخلط من التمر والسمن.
46 5402 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: أهدت خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضبابا وأقطا ولبنا فوضع الضب على مائدته فلو كان حراما لم يوضع وشرب اللبن وأكل الأقط. مطابقته للترجمة في قوله: (أقطا) وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة وفي آخره راء، واسمه جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري البصري، ويقال الواسطي: وسعيد هو ابن جبير. والحديث قد مضى في الهبة في: باب قبول الهبة فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. 17 ((باب: * (السلق والشعير) *)) أي: هذا باب يذكر فيه السلق والشعير. 5403 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد. قال: إن كنا لنفرح بيوم الجمعة كانت لنا عجوز تأخذ أصول السلق فتجعله في قدر لها فتجعل فيه حبات من شعير، إذا صلينا زرناها فقربته إلينا، وكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك، وما كنا نتغدى ولا نقيل إلا بعد الجمعة، والله ما فيه شحم ولا ودك. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي اسمه سلمة بن دينار. والحديث مضى في أواخر كتاب الجمعة في: باب قوله عز وجل: * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا) * (الجمعة: 10) ولكنه فرقه هناك على ما تقف عليه هناك. قوله: (نتغدى)، بالدال المهملة. قوله: (ولا نقيل)، بفتح النون من القيلولة ومنه أخذ بعضهم بجواز الجمعة قبل الزوال. والجمهور على خلافه، ومضى الكلام فيه هناك مستوفى. 18 ((باب: * (النهس وانتشال اللحم) *)) أي: هذا باب في بيان نهس اللحم، وهو بفتح النون وسكون الهاء وفي آخره سين مهملة أو معجمة، وهما بمعنى واحد، وبه جزم الأصمعي والجوهري أيضا، وهو القبض على اللحم بالفم وإزالته من العظم وغيره، وقيل: هذا تفسيره بالمعجمة، وأما بالمهملة فهو تناوله بمقدم الفم، وقيل: النهس بالمهملة القبض على اللحم ونثره عند أكله، ونقل ابن بطال عن أهل اللغة: نهس الرجل والسبع اللحم نهسا قبض عليه ثم نثر. قوله: (وانتشال اللحم)، بالشين المعحمة. وهو التناول والقطع والاقتلاع يقال: نشلت اللحم من المرق أي: أخرجته منه ونشلت اللحم عن القدر وانتشلته إذا انتزعته منها، وقيل: هو أخذ اللحم قبل النضج، والنشيل ذلك اللحم. 5404 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد حدثنا أيوب عن محمد عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: تعرق رسول الله صلى الله عليه وسلم كنيفا ثم قام فصلى ولم يتوضأ، وعن أيوب وعاصم عن عكرمة عن ابن عباس. قال: انتشل النبي صلى الله عليه وسلم عرقا من قدر، فأكل ثم صلى ولم يتوضأ. مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة، ويمكن أن تؤخذ المطابقة للجزء الأول من قوله: (تعرق) من حيث حاصل المعنى لا من حيث اللفظ، وذلك لأن معنى: تعرق كتفا، تناول اللحم الذي عليه، والنهس أيضا تناول اللحم بالفم وإزالته من العظم كما ذكرناه. وحماد هو ابن زيد، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، وقال يحيى بن معين: لم يسمع محمد من ابن عباس إنما روى عن عكرمة عنه، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه، لم يسمع محمد من ابن عباس، يقول في كلها: بلغت عن ابن عباس، وقال ابن المديني: قال شعبة: أحاديث محمد عن ابن عباس إنما سمعها من عكرمة، لقيه أيام المختار بن أبي عبيد ولم يسمع محمد من ابن عباس شيئا. قيل: ماله في البخاري غيره عن ابن عباس. وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن عيسى بن الطباع عن
47 حماد بن زيد فأدخل بين محمد بن سيرين وابن عباس عكرمة، وإنما صح عنده لمجيئه بالطريق الأخرى الثابتة فأورده على الوجه الذي سمعه. قلت: غرض هذا القائل دفع من يدعى انقطاع ما أخرجه البخاري هاهنا، ولكن ما يجد به ذلك كما ينبغي على ما لا يخفى. قوله: (تعرق) على وزن تفعل بالتشديد أي: أكل ما كان اللحم على الكتف، ويوضحه ما رواه في كتاب الطهارة من حديث عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس، رضي الله تعالى عنهما. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ. فإن قلت: روى مسلم من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية خبز ولحم، فأكل ثلاث لقم الحديث. قلت: الظاهر تعدد القضية والله أعلم. قوله: (وعن أيوب وعاصم) إلى آخره. أيوب هو السختياني المذكور، وعاصم هو ابن سليمان الأحول البصري، ذكره صاحب (التوضيح) والتعليق عن أيوب ذكره صاحب (الأطراف) أن البخاري رواه في الأطعمة عن عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد عنه وعن عاصم كلاهما عن عكرمة وتبعه على ذلك صاحب (التوضيح) وقال بعضهم. قوله: (وعن أيوب) معطوف على السند الذي قبله، وأخطأ من زعم أنه معلق، وقد أورد أبو نعيم في (المستخرج) من طريق الفضل بن الحارث عن الحجبي، وهو عبد الله بن عبد الوهاب شيخ البخاري فيه بالسند المذكور، وحاصله أن الحديث عند حماد بن زيد عن أيوب بسندين على لفظين: أحدهما: عن ابن سيرين باللفظ الأول. والثاني: عنه عن عكرمة وعاصم الأحول باللفظ الثاني انتهى. قلت: الظاهر أن هذا القائل هو الذي أخطأ في دعواه الاتصال لأن في مقاله رواية الحديث بسندين مختلفين بسند واحد، فلا يتجه ذلك على ما لا يخفى. قوله: (انتشل) قد مر تفسيره الآن. 19 ((باب: * (تعرق العضد) *)) أي: هذا باب في بيان تعرق العضد فتفسير التعرق قد مضى، والعضد هو العظم الذي بين الكتف والمرفق ومراده أخذ اللحم الذي على العضد ونهسه إياه. 5406 حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثني عثمان بن عمر حدثنا فليح حدثنا أبو حازم المدني حدثنا عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو مكة. أخرج البخاري حديث أبي قتادة في كتاب الحج في أربعة أبواب، وأخرجه هنا في موضعين: أحدهما: مختصر عن محمد بن المثنى عن عثمان بن عمر بن فارس البصري عن فليح بضم الفاء مصغر فلح ابن سليمان عن أبي حازم سلمة بن دينار عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة الحارث بن ربعي، وقيل: عمرو بن ربعي، وقيل: غير ذلك السلمي الأنصاري. والآخر: أخرجه عن عبد العزيز بن عبد الله، والكل حديث واحد عن أبي قتادة. وفيه: تعرق العضد، وهو وجه المطابقة هنا بين الحديث والترجمة. 5407 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا محمد بن جعفر عن أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة السلمي عن أبيه أنه قال: كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به وأحبوا لو أني أبصرته فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح فقالوا: لا والله لا نعينك عليه بشيء فغضبت فنزلت فأخذتها ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلونه ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد معي فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن ذالك. فقال: معكم منه شيء؟ فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وهو محرم.
48 مطابقته للترجمة في قوله: (فناولته العضد) إلى آخره، وفي بعض النسخ حدثني بالإفراد وفي بعضها: وحدثني، بواو العطف عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن أبي حازم سلمة بن دينار إلى آخره. وأخرجه مسلم عن أحمد بن عبدة الضبي عن فضيل بن سليمان عن أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه الحديث، وقد مضى الكلام فيه في كتاب الحج في الأبواب الأربعة المذكورة فيه. قوله: (أخصف نعلي)، بكسر الصاد المهملة أي: أخرزه وألزق بعضه ببعض. قوله: (فلم يؤذنوني) أي: فلم يعلموني به أي: بالصيد. قوله: (فوقعوا فيه) أي: في الصيد المذكور بعد أن طبخوه وأصلحوه. قوله: (شكوا) يعني في كونه حلالا أو حراما. قوله: (حتى تعرقها) أي: حتى أكل ما عليها من اللحم، وقال صاحب (العين) تعرقت العظم وأعرقته وعرقته أعرقه عرقا أكلت ما عليه من اللحم. والعراق العظم بلا لحم، فإن كان عليه لحم فهو عرق. قوله: (وهو محرم) الواو فيه للحال. قال محمد بن جعفر وحدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة مثله. هذا معطوف على السند الذي قبله، وهو محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، ووقع في رواية النسفي: قال ابن جعفر، غير مسمى ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني، قال: أبو جعفر، والظاهر أن الثلاثة واحد، فمنهم من ذكره باسم أبيه صريحا ومنهم من لم يصرح باسمه ونسبه إلى أبيه جعفر، ومنهم من ذكره بالكنية. لأن كثيرا من الناس من يتكنى باسم جده، ولا يبعد ذلك، والله أعلم. وروى مسلم عن قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة في حمار الوحش مثل حديث أبي النضر، وكان قدر روى من حديث أبي النضر عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة وساق الحديث إلى آخره. ثم قال بعد قوله: مثل حديث أبي النضر، غير أن في حديث زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل معكم من لحمه شيء؟. 20 ((باب: * (قطع اللحم بالسكين) *)) أي: هذا باب في بيان جواز قطع اللحم بالسكين. وفيه لغة وهي السكينة، والأول أشهر. قال الجوهري: السكين يذكر ويؤنث، والغالب عليه التذكير. 5408 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده، فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها ثم قام فصلى ولم يتوضأ. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي. والحديث قد مر في كتاب الطهارة في: باب من لم يتوضأ من لحم الشاة، فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب إلى آخره، وابن شهاب هو الزهري. قوله: (يحتز)، أي: يقطع، وفيه جواز قطع اللحم بالسكين، وقال ابن حزم: وقطع اللحم بالسكين للأكل حسن ولا يكره أيضا قطع الخبز بالسكين إذ لم يأت نهي صريح عن قطع الخبز وغيره بالسكين. فإن قلت: روى الطبراني عن ابن عباس وأم سلمة، رضي الله تعالى عنهم: لا تقطعوا الخبز بالسكين كما تقطعه الأعاجم، وإذا أراد أحدكم أن يأكل اللحم فلا يقطعه بالسكين ولكن ليأخذه بيده فلينهسه بفيه، فإنه أهنأ وأمرأ، وروى أبو داود من رواية أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم)، فانهسوه فإنه أهنأ وأمرأ. قلت: في سند حديث الطبراني عباد بن كثير الثقفي وهو ضعيف، وحديث أبي داود قال النسائي: أبو معشر له أحاديث مناكير منها هذا، وقال ابن عدي: لا يتابع عليه وهو ضعيف، واسم أبي معشر نجيح. 21 ((باب: * (ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما) *)) أي: هذا باب في بيان ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما من الأطعمة المباحة وأما الحرام فكان يذمه ويمنع تناوله وينهى عنه، وقيل: إن
49 كان التعييب من جهة الخلقة فهو لا يجوز لأن خلقة الله لا تعاب، وإن كان من جهة صنعة الآدميين لم يكره. قال النووي: من آداب الطعام أن لا يعاب كقوله: مالح قليل الملح حامض غليظ رقيق غير ناضج ونحو ذلك. 5409 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه. مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد بن كثير ضد القليل وسفيان هو ابن عيينة، والأعمش هو سليمان وأبو حازم سلمان الأشجعي. والحديث قد مر في: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أخرجه هناك عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش إلى آخره. 22 ((باب: * (النفخ في الشعير) *)) أي: هذا باب في بيان مباشرة النفخ في الشعير بعد طحنه ليطير منه قشوره ولا ينخل بالمنخل، وقال بعضهم: فكأنه نبه بهذه الترجمة على أن النهي عن النفخ في الطعام خاص بالمطبوخ. قلت: لا نسلم ذلك، بل المراد أن الشعير إذا طحن ينفخ فيه حتى يذهب عنه القشور ثم يستعمل خبزا أو طعاما أو سويقا أو غير ذلك. ولا ينخل بالمنخل، ونفس معنى الحديث يدل على ذلك والذي قاله هذا القائل بمعزل من ذلك صادر عن عدم التأمل. 5410 حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم أنه سأل سهلا هل رأيتم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم النقي؟ قال: لا. فقلت: هل كنتم تنخلون الشعير؟ قال: لا ولاكن كنا ننفخه. مطابقته للترجمة في قوله: (كنا ننفخه) وأبو غسان هو محمد بن مطرف الليثي، وأبو حازم هذا هو سلمة بن دينار لا سلمان الأشجعي، وكلاهما تابعيان، وسهل هو ابن سعد الأنصاري. والحديث من أفراده. قوله: (النقي) بفتح النون وكسر القاف وهو: الخبز الحواري الأبيض، وهو الذي ينخل دقيقه بعد الطحن. قوله: (هل كنتم تنخلون الشعير) أي: بعد طحنه. وقال بعضهم: في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، أظن أنه احترز عما قبل البعثة لكونه، عليه السلام، كان مسافرا في تلك المدة إلى الشام تاجرا وكانت الشام إذ ذاك مع الروم والخبز النقي عندهم كثير، وكذا المناخل وغيرها من آلات الترفه. فلا ريب أنه رأى ذلك عندهم فأما بعد البعثة فلم يكن إلا بمكة والطائف والمدينة، ووصل إلى تبوك وهي من أطراف الشام، ولكنه لم يفتحها ولا طالت إقامته بها انتهى. قلت: هذا الذي قاله هذا القائل فيه نظر من وجوه: الأول: في قوله: كان مسافرا في تلك المدة تاجرا، ولم يكن تاجرا لأنه صلى الله عليه وسلم خرج أولا إلى ناحية الشام مع عمه أبي طالب وكان له من العمر اثنتي عشرة سنة شهران وعشرة أيام. قاله الواقدي: وقال الطبري: كان له تسع سنين، والأول أصح، وفيه وقعت قصة بحيرى الراهب، وخرج في المرة الثانية في سنة خمس وعشرين من مولده مع غلام خديجة بنت خويلد، استأجرته خديجة على أربع بكرات وخرج في مالها ولم يكن له شيء، وفي المرتين لم يتعد بصري ولم يمكث إلا قليلا. الثاني: أن قوله: فلا ريب أنه رأى ذلك عندهم، غير مسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخالط الروم هناك ولا جالسهم ولا واكلهم فمن أين أنه وقف على الأخباز النقية البيضاء؟ ومن أين رأى المناخل ونحوها حتى يجزم بذلك بقوله: ولا ريب أنه رأى ذلك؟ الثالث: أن قوله فأما بعد البعثة إلى آخره يستلزم عدم رؤيته المنخل نفي سماعه بالمنخل، إذ المنخل كان موجودا عندهم، والدليل عليه قول أبي حازم لسهل بن سعد هل كنتم تنخلون الشعير؟ غاية ما في الباب أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن رأى المنخل لعدم طلبه إياه لأجل اكتفائه بمجرد النفخ بعد الطحن سواء كان شعيرا أو قمحا، ولكن لما كان غالب قوتهم شعيرا سأل أبو حازم عن نخل الشعير. 23 ((باب: * (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون) *)) أي: هذا باب في بيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه وأصحابه يأكلون. 5411 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن عباس الجريري عن أبي عثمان النهدي
50 عن أبي هريرة. قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم يوما بين أصحابه تمرا فأعطى كل إنسان سبع تمرات، فأعطاني سبع تمرات إحداهن حشفة فلم يكن فيهن تمرة أعجب إلي منها شدت في مضاغي. مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إشعارا لبيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يأكلون وأنه في غالب الأوقات التمر، ويقنعون باليسير من ذلك. وأبو النعمان محمد بن الفضل الذي يقال له عارم السدوسي البصري، وعباس بالباء الموحدة والسين المهملة ابن فروج بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وبالجيم الجريري بضم الجيم وفتح الراء الأولى البصري، وهو نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وائل وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون نسبة إلى نهد بن زيد بن ليث بن سودين ألحاف بن قضاعة. والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن عمرو بن علي وأخرجه النسائي في الوليمة عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجة في الزهد عن أبي بكر بن أبي شيبة. قوله: (حشفة)، وهو أردأ التمر، وهو الذي لم يطب في النخلة ولم يتناهى طيبه فييبس. قوله: (منها)، أي: من الحشفة. قوله: (شدت)، الضمير فيه يرجع إلى الحشفة. قوله: (في مضاغى)، بفتح الميم عند الأصيلي وكسرها. وقال ابن الأثير: المضاغ بالفتح الطعام يمضغ وهو المضغ نفسه، يقال: لقمة لينة المضاغ وشديدة المضاغ أراد أنها كانت قوية عند مضغها. وطال مضغه لها كالعلك فلذلك قال: (فلم يكن فيهن تمرة أعجب إلي منها). 5412 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن إسماعيل عن قيس عن سعد قال: رأيتني سابع سبعة مع النبي صلى الله عليه وسلم مالنا طعام إلا ورق الحبلة، أو الحبلة، حتى يضع أحدنا ما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، خسرت إذا وضل سعيي. مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إشعارا لبيان ما كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه في قلة من العيش مع القناعة والرضا بما قسم الله عز وجل. وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وسعد هو ابن أبي وقاص، أحد العشرة المبشرة بالجنة، ووقع في (التوضيح) عن قيس بن سعد عن أبيه. كأنه توهمه أنه قيس بن سعد ابن عبادة، وهو غلط فاحش، ووقع في رواية مسلم عن قيس سمعت سعد بن أبي وقاص. والحديث قد مضى في مناقب سعد فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن عون عن خالد عن عبد الله عن إسماعيل عن قيس. قال: سمعت سعدا إلى آخره، وفي آخره، وكانوا وشوابه إلى عمر، رضي الله تعالى عنه، قالوا: لا يحسن يصلي، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (رأيتني)، أي: رأيت نفسي. قوله: (سابع سبعة مع النبي صلى الله عليه وسلم)، أراد به أنه كان قديم الإسلام، وأنه سابع من أسلم أولا، ووقع عند أبي خيثمة، هؤلاء السبعة. وهم أبو بكر وعثمان وعلي وزيد بن حارثة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنهم، قوله: (ما لنا طعام إلا ورق الحبلة) أشار به إلى أنهم كانوا في ذلك الوقت في قلة وضيق معيشة ولم يكن طعامهم إلا من ورق الحبلة، بفتح الحاء وسكون الباء الموحدة وهو ثمر السمر يشبه اللوبيا، وقيل: ثمر العضاء وهو شجر له شوك كالطلح والعوسج. قوله: (أو الحبلة)، شك من الراوي وهو بضم الحاء والباء معا، ولم يقع عند الأصيلي إلا الأول، والحبلة بفتحتين ورق الكرم، وقال الجوهري: وربما سكن الباء. قوله: (ثم أصبحت بنو أسد)، قيل: أراد به قبيلة عمر، رضي الله تعالى عنه، إذ هو من بني أسد، كذا نقله الكرماني وهو غير صحيح، ولكنه معذور لأنه نقله من كلام ابن بطال حيث قال: وعمر بن الخطاب من بني أسد، وهذا خلاف الإجماع على أن عمر، رضي الله تعالى عنه، من رهط عدي بن كعب وليسوا من بني أسد. قوله: (تعزرني)، ويروى: يعزروني من التعزير بمعنى التأديب أي: يؤدبونني على (الإسلام) ويعلمونني أحكامه، وذلك أنهم كانوا وشوا به إلى عمر، رضي الله تعالى عنه، حتى قالوا: لا يحسن يصلي، وأصل التعزير التأديب، ولهذا يسمى الضرب دون الحد التعزير. قوله: (خسرت إذا)، جواب وجزاء أي: إن كنت كما قالوا: محتاجا إلى تأديبهم وتعليمهم خسرت حينئذ
51 وضل سعيي فيما تقدم. فإن قلت: ما وجه قول سعد: ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، والنبي صلى الله عليه وسلم يرفع مما أفاء الله عليه من النضير وفدك قوته وقوته عياله لسنة؟ وأنه كان يعطي الأعطية التي لا يذكر مثلها عمن تقدم من الملوك مع كونه بين أرباب الأموال العظام كأبي بكر وعثمان وشبههما؟ وكذلك قول عائشة: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة. من طعام البر ثلاث ليال حتى قبض وشبهه مما جاء مثل ذلك؟ قلت: وقال الطبري، رحمه الله كان ذلك حينا بعد حين لأن من كان منهم ذا مال كان مستغرقا في نوائب الحقوق ومواساة الضيفان حتى يقل كثيره أو يذهب جميعه، فغير مستنكر لهم ضيق الحال التي يحتاجون معها إلى الاستسلاف وأكلهم الحبلة كما قال سعد، رضي الله تعالى عنه، وأما قول عائشة فوجهه أن البر كان قليلا عندهم فغير نكير أن يؤثر صلى الله عليه وسلم أهل بلده من الشعير والتمر، ويكره أن يخص نفسه بما لا سبيل للمسلمين إليه من الغذاء، وهذا هو الأشبه بأخلاقه صلى الله عليه وسلم. وأما ما روي من أنه لم يشبع من خبز الشعير، فإن ذلك لم يكن لعوز ولا لضيق في غالب أحواله. لأن الله تعالى أفاء عليه قبل وفاته بلاد العرب كلها ونقل إليه الخراج من أكثر بلاد العجم، ولكن بعضه لا يثار نوائب الحق، وبعضه كراهية منه للشبع وكثرة الأكل. فإن قلت: كيف جاز لسعد أن يمدح نفسه، ومن شأن المؤمن التواضع؟ قلت: إذا اضطر المرء إلى التعريف بنفسه حسن، قال الله عز وجل حاكيا عن يوسف عليه السلام * (إني حفيظ عليم) * (يوسف: 55). 5413 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب عن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، النقي؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قال: قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار وما بقي ثريناه فأكلناه. مطابقته للترجمة ظاهرة. لأن فيه بيان ما كان يأكلونه. ويعقوب هو ابن عبد الرحمن القاري، من القارة، حليف بني زهرة وأبو حازم، وهو سلمة بن دينار راوي رواية سهل، كما أن سليمان راوي رواية أبي هريرة. والحديث مضى عن قريب. قوله: (مناخل)، جمع منخل. قال الكرماني: هو الغربال. قلت: المنخل غير الغربال. لأن الغربال يغربل به القمح والشعير ونحوهما، والمنخل ما ينخل به الدقيق، وهو أحد ما جاء من الأدوات على مفعل بضم الميم. قوله: (ثريناه)، بتشديد الراء من ثريت السويق إذا بللته بالماء، وأشار به إلى عجنه وخبزه، كذا قاله بعضهم، وهو خلاف ما قاله أهل اللغة، وليس المراد هنا العجن ولا الخبز، وإنما المراد أنهم كانوا إذا طحنوا الشعير يأخذون دقيقه وينفخونه فيطير منه القشور وما بقي يرشون عليه الماء ثم يأكلونه، وكذا قال ابن الأثير في قوله: (فأتى بالسويق فأمر به فثرى) أي: بل بالماء من ثرى التراب يثريه تثرية إذا رش عليه الماء. وقال الجوهري: ثريت السويق بللته، وثريت الموضع تثرية إذا رششته، وقال أيضا: الثرى التراب الندي. 5414 حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح بن عبادة حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المغيري عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية. فدعوه فأبى أن يأكل. قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من الخبز الشعير. مطابقته للترجمة من حيث أن أبا هريرة استحضر حينئذ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ضيق من العيش، فلذلك ترك من الأكل من تلك الشاة التي كانت بين يدي القوم، والحال أنهم دعوه، وليس هذا بترك الإجابة لأنه في طعام الوليمة لا في كل طعام. وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، وابن أبي ذئب ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب بلفظ الحيوان المشهور، وسعيد هو ابن أبي سعيد واسم أبيه أبي سعيد كيسان المدني مولى بني ليث، وإنما سمى بالمقبري لأنه كان يسكن بالقرب من
52 المقبرة. والحديث من أفراده. قوله: (مصلية)، أي: مشوية. قال بعضهم: من الصلاة بالكسر والمد وهو الشئ، قلت: الصلاة الشواء وليس بالشي، يقال: صليت اللحم أصليه صليا: شويته، وصليته بالتشديد وأصليته: ألقيته في النار. 5415 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا معاذ حدثني أبي عن يونس عن قتادة عن أنس بن مالك. قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم، على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق. قلت لقتادة: على ما يأكلون؟ قال: على السفر. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود، واسم أبي الأسود حميد بن الأسود أبو بكر بن أخت عبد الرحمن بن مهدي البصري الحافظ. مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين ومعاذ بضم الميم ابن هشام الدستوائي يروي عن أبيه هشام، ويونس هو ابن أبي الفرات القرشي مولاهم البصري الإسكاف. كان سمع قتادة، روى عنه هشام الدستوائي في الأطعمة في الموضعين، وهو من أفراده. والحديث أخرجه الترمذي في الأطعمة عن محمد بن بشار، وقال: غريب، وأخرجه النسائي في الرقائق عن إسحاق بن إبراهيم، وفي الوليمة عن عمرو بن علي وإسحاق بن إبراهيم. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن محمد بن المثنى والحديث مضى في: باب الخبز المرقق فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن معاذ إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. 5416 حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض. مطابقته للترجمة ظاهرة. وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي، والأسود هو ابن يزيد النخعي، خال إبراهيم النخعي. والحديث أخرجه أيضا في الرقاق عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه مسلم في أواخر الكتاب عن زهير بن حرب وغيره. وأخرجه النسائي في الوليمة عن محمد بن قدامة. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن محمد بن يحيى الذهلي. قوله: (من طعام البر)، من إضافة العام إلى الخاص أو من باب الإضافة البيانية نحو: شجر الأراك إن أريد بالطعام البر خاصة. قوله: (تباعا)، بكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف الباء الموحدة من تابعته على كذا متابعة وتباعا، والتباع الولاء المعنى ثلاث ليال متتابعة متوالية. قوله: (حتى قبض)، أي: إلى أن قبض، وعلى إيثار الجوع وقلة الشبع مع وجود السبيل إليه مرة وعدمه أخرى مضى الأخيار من الصحابة والتابعين. وروى أسد بن موسى من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أكلت ثريدة من لحم سمين فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أتجشؤ. فقال: أكفف عليك من جشائك أبا جحيفة. فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة فما أكل أبو جحيفة بملء بطنه حتى فارق الدنيا. كان إذا تغدى لا يتعشى، وإذا تعشى لا يتغدى، وروي عن وهب بن كيسان عن جابر قال: لقيني عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، ومعي لحم اشتريته بدرهم، فقال عمر: ما هذا؟ فقلت: يا أمير المؤمنين اشتريته للصبيان والنساء. فقال عمر، رضي الله تعالى عنه، لا يشتهي أحدكم شيئا إلا وقع فيه أو لا يطوي أحدكم بطنه لجاره وابن عمه أين تذهب عنكم هذه الآية. * (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها) * (الأحقاف: 2) وقال هشيم: عن منصور عن ابن سيرين أن رجلا قال لابن عمر: اجعل جوارشنا. قال: وما هي؟ قال: شيء إذا لضك الطعام فأصبت منه سهل عليك، قال ابن عمر: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وما ذاك أن لا أكون له واجدا. ولكن عهدت قوما يشبعون مرة ويجوعون مرة. قوله: (إذا لضك الطعام)، أي: إذا امتلأت وأثقلك. 24 ((باب: * (التلبينة) *)) أي: هذا باب في بيان التلبينة بفتح التاء المثناة من فوق وسكون اللام وكسر الباء الموحدة وسكون الباء آخر الحروف وبالنون، وهي طعام يتخذ من دقيق أو نخالة وربما يجعل فيه عسل، سميت بذلك لشبهها باللبن في بياضها والرقة، والنافع منها ما كان رقيقا نضيجا لا غليظا نيا ويقال: التلبينة حساء من دقيق أو نخالة، ويقال التلبين أيضا لأنه يشبه اللبن في بياضه
53 فإن كانت ثخينة فهي الخزيرة. وقد يجعل فيها العسل واللبن. وقال ابن الأثير: التلبين والتلبينة حساء يعمل من دقيق، وهي تسمية بالمرة من التلبين مصدر لبن القوم إذا اسقاهم اللبن، وقال: الحساء بالفتح والمد طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن، وقد يحلى ويكون رقيقا يحسى من الحسوة. وهي الجرعة. وفي حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، بالمشنئة النافعة التلبين، وفي أخرى بالبغيض النافع التلبينة. قلت: المشنئة بمعنى البغيضة إنما قالت: البغيضة لأن المريض يبغضها كما يبغض الأدوية. وذكره ابن قرقول في باب الباء الموحدة مع الغين، قال: وعند المروزي التغبض بالنون، قال: ولا معنى له. 5417 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت: كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التلبينة مجمة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن. مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجال إسناده على هذا الوجه مرت غير مرة. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن حبان بن موسى، وأخرجه مسلم في الطب أيضا عن عبد الملك بن شعيب بن الليث وأخرجه الترمذي فيه عن حسين بن محمد الجريري. وأخرجه النسائي في الوليمة عن محمد بن حاتم، وفي الطب عن نصير بن الفرج. قوله: (مجمة)، بفتح الميم والجيم وفتح الميم الأخرى الشديدة أي: مكان الاستراحة أي: استراحة قلب المريض، ويروى: مجمة، بضم الميم وكسر الجيم أي: مريحة يقال: جم الفرس إذا ذهب إعياؤه، والجمام الراحة، وقال ابن فارس: الجمام الراحة وضبطه بضم الميم على أنه اسم فاعل من أجم، وقال الشيخ أبو الحسن الذي أعرف بفتح الميم فهي على هذا مفعلة من جم يجم، وقال القرطبي: يروى بفتح الميم والجيم وبضم الميم وكسر الجيم، فعلى الأول يكون مصدرا. وعلى الثاني يكون اسم فاعل، وقال عبد اللطيف: الفؤاد هنا رأس المعدة، وفؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، وهذا الغذاء يرطبها ويقويها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض. 25 ((باب: * (الثريد) *)) أي: هذا باب فيه ذكر الثريد وفضله على سائر الأطعمة، وهو بفتح الثاء المثلثة وكسر الراء وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم، وقال ابن الأثير: الثريد غالبا لا يكون إلا من لحم، والعرب قل ما تجد طبيخا ولا سيما بلحم. 5418 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة الجملي عن مرة الهمداني عن أبي موسى الأشعري عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. مطابقته للترجمة ظاهرة. وغندر لقب محمد بن جعفر، وعمرو بن مرة، بضم الميم وتشديد الراء الجملي بفتح الجيم نسبة إلى جمل بطن من مراد ومرة الهمداني بضم الميم وتشديد الراء ابن شراحيل الهمداني الكوفي، وأبو موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، اسمه عبد الله بن قيس. والحديث قد مضى في كتاب الأنبياء، عليهم السلام في: باب قوله تعالى: * (إذ قالت الملائكة يا مريم) * (آل عمران: 42، 45) فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن عمرو بن مرة إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك، وقال ابن الأثير: قوله صلى الله عليه وسلم: (كفضل الثريد)، قيل ولم يرد عين الثريد، وإنما أراد الطعام المتخذ من اللحم والثريد معا وفي (التوضيح) ومقتضاه فضل عائشة على فاطمة، والذي أراه أن فاطمة أفضل لأنها بضعة منه، ولا يعدل ببضعته.
54 5419 حدثنا عمرو بن عون حدثنا خالد بن عبد الله عن أبي طوالة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو بن عون الواسطي، وخالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان الواسطي وأبو طوالة بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو عبد الله بن عبد الرحمن بن حزم الأنصاري. والحديث مر في فضل عائشة، عن عبد العزيز ابن عبد الله الأويسي، وقد مر الكلام فيه. 5420 حدثنا عبد الله بن منير سمع أبا حاتم الأشهل بن حاتم حدثنا ابن عون عن ثمامة بن أنس عن أنس، رضي الله عنه، قال: دخلت مع النبي، صلى الله عليه وسلم، على غلام له خياط، فقدم إليه قصعة فيها ثريد، قال: وأقبل على عمله، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يتتبع الدباء، قال: فجعلت أتتبعه فأضعه بين يديه. قال: فما زلت بعد أحب الدباء. مطابقته للترجمة في قوله: (فيها ثريد) وعبد الله بن منير، بضم الميم وكسر النون على وزن اسم الفاعل من الإنارة المروزي، وأبو حاتم اسمه الأشهل بن حاتم البصري، وابن عون هو عبد الله بن عون البصري، وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس بن مالك، يروي عن جده. وفرق البخاري هذا الحديث فرواه عن أشهل بن حاتم عن ابن عون، وعن النضر بن شميل عن ابن عوف، وعن عمرو بن سعد عن ابن عون وأخرجه النسائي في الوليمة عن الحسين بن عيسى البسطامي. قوله: (على غلام له) لم يدر اسمه والدبا بالمد والقصر. قوله: (بعد)، مبني على الضم أي: بعد أن رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، يتتبع الدباء ما زلت أحب الدباء. 26 ((باب: * (شاة مسموطة والكتف والجنب) *)) أي: هذا باب في ذكر شاة مسموطة، وفي الكتف وكلاهما مذكوران في حديثي الباب، وأما الجنب فلا ذكر له، وقال بعضهم: وأما الجنب فأشار به إلى حديث أم سلمة أنها قربت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشوبا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة أخرجه الترمذي وصححه. قلت: من أين يعلم أنه أشار به إلى حديث أم سلمة؟ مع أن الإشارة لا تكون إلا للحاضر، والأوجه أن يقال: ذكر الجنب استطرادا وألحاقا للجنب بالكتف، والشاة المسموطة هي التي أزيل شعرها وشويت. 5421 حدثنا هدية بن خالد حدثنا همام بن يحيى عن قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك، رضي الله عنه وخبازه قائم، قال: كلوا فما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم، رأى رغيفا مرفقا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. مطابقته للترجمة في قوله: (ولا رأى شاة سميطا). والحديث قد مر عن قريب في: باب الخبز المرقق. قوله: (فما أعلم)، نفي العلم وأراد نفي المعلوم، أعني: الرؤية ثم أراد منه نفي أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الكرماني: قال (شارح التراجم) مقصوده جواز أكل المسموط، ولا يلزم من كونه لم ير شاة مسموطة أنه لم ير عضوا مسموطا فإن الأكارع لا تؤكل إلا كذلك وقد أكلها. قوله: (ولا رأى شاة سميطا)، وفي رواية الكشميهني: مسموطة. 5422 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن جعفر ابن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فأكل منها فدعي إلى الصلاة فقام فطرح السكين فصلى ولم يتوضأ. مطابقته للترجمة في قوله: (من كتف شاة) وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ومعمر هو ابن راشد. والحديث قد مر عن قريب
55 في: باب قطع اللحم بالسكين. 27 ((باب: * (ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره) *)) أي: هذا باب في بيان ما كان السلف من الصحابة والتابعين يدخرون في بيوتهم ليتقوتون في المستقبل في الحضر، ويدخرون أيضا بالتزود في أسفارهم لكفاية مدة من الأيام. قوله: (من الطعام)، يتعلق بقوله: (يدخرون) وكلمة: من، بيانية أي: من أنواع الطعام من أي طعام كان ومن اللحم بأنواعه وغير ذلك مما يدخرون ويحفظ من الأقوات، وأراد البخاري بهذا الرد على الصوفية ومن يذهب إلى مذهبهم في قولهم: إنه لا يجوز إدخار طعام لغد، وأن المؤمن الكامل الإيمان لا يستحق اسم الولاية حتى يتصدق بما يفضل عن شبعه ولا يترك طعاما لغد ولا يصبح عنده شيء من عين ولا عرض ويمسي كذلك، ومن خالف ذلك فقد أساء الظن بربه ولم يتوكل عليه حق توكله، وقد جاء في الأخبار الثابتة بإدخار الصحابة وتزود الشارع وأصحابه في أسفارهم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفق على أهله نفقة سنتهم مما أفاء الله عليه من بني النضير، على ما سلف، في كتاب الخمس، وفيه مقنع وحجة كافية في الرد عليهم. وقالت عائشة وأسماء صنعنا للنبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر سفرة. مطابقته هذا التعليق للترجمة ظاهرة لأن صنع عائشة وأسماء السفرة كانت حين سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه إلى المدينة مهاجرين، وقد مر في: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، في حديث طويل، قالت عائشة: فجهزناهما أحب الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب الحديث، وهذا من أقوى الحجج لجواز التزود للمسافرين، وأسماء بنت أبي بكر وأخت عائشة من الأب لأن أم عائشة أم رومان بنت عامر، وأم أسماء أم العزى قيلة، وهي شقيقة عبد الله بن أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. 5423 حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا سفيان عن عبد الرحمان بن عابس عن أبيه قال: قلت لعائشة: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يؤكل من لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير وإن كنا لنرفع الكراع فنأكله بعد خمس عشرة، قيل: ما اضطركم إليه؟ فضحكت. قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وإن كنا لنرفع الكراع فنأكله بعد خمس عشرة) وقال بعضهم: ليس في شيء من أحاديث الباب للطعام ذكر، وإنما يؤخذ منها بطريق الإلحاق. قلت: هذا تصرف عجيب أليس قوله: (لنرفع الكراع) يطلق عليه الطعام، وليس المراد من قوله في الترجمة: من الطعام وجود لفظ الطعام صريحا، وإنما المراد كل شيء يطعم يؤكل يطلق عليه الطعام. وخلاد بن يحيى بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام أبو محمد السلمي الكوفي، سكن مكة ومات بها سنة ثلاث عشرة ومائتين، وهو من أفراده، وسفيان هو الثوري، و عبد الرحمن بن عابس يروي عن أبيه عابس بالعين المهملة وبالباء الموحدة المكسورة والسين المهملة ابن ربيعة النخعي الكوفي التابعي الكبير. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأيمان والنذور عن محمد بن يوسف، وأخرجه مسلم في أواخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه الترمذي في الأضاحي عن قتيبة وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم، وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وفي الأطعمة عن محمد بن يحيى الذهلي. قوله: (أنهى)، استفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (فوق ثلاث)، أي: ثلاثة أيام. قوله: (قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه)، أرادت عائشة بذلك أن النهي عن إدخار لحوم الأضاحي بعد الثلاث نسخ، وأن سبب النهي كان خاصا بذلك العام للعلة التي ذكرتها. قوله: (الغني)، مرفوع لأنه فاعل (يطعم) من الإطعام (والفقير) منصوب على أنه مفعوله. قوله: (وإن كنا)، كلمة إن
56 مخففة من الثقيلة، والكراع في الغنم مستدق الساق. قوله: (بعد خمس عشرة)، أي: ليلة. قوله: (ما اضطركم إليه)، أي: ما ألجأكم إلى تأخير هذه المدة. قوله: (فضحكت)، أي: عائشة، وضحكها كان للتعجب من سؤال عابس عن ذلك مع علمه أنهم كانوا في التقليل وضيق العيش، وبينت عائشة ذلك بقولها: (ما شبع آل محمد) قوله: (مأدوم)، أي: مأكول بالأدام. قوله: (ثلاثة أيام)، أي: متواليات. (وقال ابن كثير: أخبرنا سفيان حدثنا عبد الرحمان بن عابس بهاذا). أي: قال محمد بن كثير، وهو من مشايخ البخاري، أخبرنا سفيان الثوري حدثناعبد الرحمن بن عابس بهذا أي: بهذا الحديث المذكور، وهذا التعليق وصله الطبراني في (الكبير) عن معاذ بن المثنى عن محمد بن كثير فذكره، وغرض البخاري من هذا التعليق بيان تصريح سفيان بإخبار عبد الرحمن بن عابس له به فافهم. 5424 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن جابر قال: كنا نتزود لحوم الهدي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة. مطابقته للترجمة في قوله: (وأسفارهم) وعبد الله بن محمد هو المسندي، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح، وجابر هو ابن عبد الله الأنصاري. والحديث مضى في الجهاد، وسيأتي أيضا في الأضاحي عن علي بن عبد الله. والهدي ما يهدى إلى الحرم من النعم، وهذا يدل على جواز التزود للمسافرين في أسفارهم وفي التزود معنى الإدخار. (تابعه محمد وعن ابن عيننة) أي: تابع عبد الله بن محمد المسندي محمد بن سلام عن سفيان بن عيينة. قال: بعضهم: قيل: إن محمدا هذا هو ابن سلام. قلت: القائل بهذا هو الكرماني ولم يقل هو وحده، وكذا قاله أبو نعيم، ثم رواه من طريق الحميدي: حدثنا سفيان بن عيينة. (وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أقال: حتى جئنا المدينة؟ قال: لا) أي: قال عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. قلت لعطاء بن أبي رباح: أقال؟ أي: هل قال جابر في قوله: كنا نتزود لحرم الهدي حتى جئنا إلى المدينة؟ قال عطاء: لا أي: لم يقل ذلك جابر، وقد وقع في رواية مسلم قلت لعطاء: أقال جابر حتى جئنا المدينة؟ قال: نعم، وقد نبه الحميدي في جمعه على اختلاف البخاري ومسلم في هذه اللفظة ولم يذكر أيهما أرجح، والظاهر أن يرجح ما قاله البخاري لأن أحمد أخرجه في (مسنده) عن يحيى بن سعيد كذلك وأخرجه النسائي أيضا عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد كذلك، وقال بعضهم: ليس المراد بقوله: لا، نفي الحكم بل مراده أن جابرا لم يصرح باستمرار ذلك حتى قدموا فيكون على هذا معنى قوله في رواية عمرو بن دينار عن عطاء: كنا نتزود لحوم الهدي إلى المدينة أي: لتوجهنا إلى المدينة، ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتى يصلوا المدينة. قلت: هذا كلام واه لأنه قال: إلى المدينة، بكلمة إلى التي أصل وضعها للغاية، وهنا للغاية المكانية كما في قوله تعالى: * (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) * (الإسراء: 1) وفيما قاله جعل: إلى، للتعليل ولم يقل به أحد، ويقوي وهاء كلام هذا القائل ما رواه مسلم من حديث ثوبان قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم أضحية. ثم قال لي: يا ثوبان أصلح لحم هذه، فلم أزل أطعمه منه حتى قدم المدينة. 28 ((باب: * (الحيس) *)) أي: هذا باب في ذكر الحيس، وهو بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة، وهو ما يتخذ من التمر والأقط والسمن ويجعل عوض الأقط الفتيت والدقيق. 5425 حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: التمس غلاما من غلمانكم يخدمني، فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما
57 نزل فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال، فلم أزل أخدمه حتى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها فكنت أراه يحوي لها وراءه بعباءة أو بكساء ثم يردفها وراءه حتى إذا كنا بالصهباء صنع حيسا في نطع ثم أرسلني فدعوت رجالا فأكلوا، وكان ذلك بناءه بها ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال: هاذا جبل يحبنا ونحبه، فلما أشرف على المدينة قال: اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم. مطابقته للترجمة في قوله: (صنع حيسا) والحديث مر في البيوع في: باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها فإنه أخرجه هناك عن عبد الغفار بن داود عن يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس، رضي الله تعالى عنه، وأخرجه أيضا في الجهاد عن قتيبة، وفي المغازي عن أحمد، وفي الدعوات عن قتيبة أيضا.. قوله: (لأبي طلحة)، اسمه زيد بن سهل زوج أم أنس، رضي الله تعالى عنه. قوله: (من الهم والحزن)، قيل: هما بمعنى واحد، وقيل: الهم لما تصوره العقل من المكروه الحالي، والحزن المكروه وقع في الماضي. قوله: (والكسل) وهو التثاقل عن الأمر ضد الخفة والجلادة. قوله: (والبخل) ضد الكرم (والجبن) ضد الشجاعة. قوله: (وضلع الدين) بفتح الضاد المعجمة واللام فهو ثقل الدين وشدته. وقال الكرماني: أنواع الفضائل ثلاثة: نفسية وبدنية وخارجة. فالنفسانية ثلاثة بحسب القوى الثلاث التي للإنسان العقلية والغضبية والشهوية فالهم والحزن مما يتعلق بالعقلية، والجبن بالغضبية، والبخل بالشهوية والعجز والكسل بالبدنية. والثاني: عند سلامة الأعضاء وتمام الآلات. والأول: عند نقصان العضو كما في الأعمى والأشل والضلع والغلبة بالخارجية. والأول مالي، والثاني جاهي، فهذا الدعاء من جوامع الكلم له صلى الله عليه وسلم، قوله: (بصفية) بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد الياء آخر الحروف بنت حيي بن أخطب النضرية أم المؤمنين من بنات هارون بن عمران أخي موسى بن عمران، عليهما السلام، وأمها برة بنت سموأل، سباها النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر في شهر رمضان سنة سبع من الهجرة ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها. قال الواقدي: ماتت في خلافة معاوية سنة خمسين، وقال غيره: ماتت في خلافة علي، رضي الله تعالى عنه، في سنة ست وثلاثين. قوله: (قد حازها) بالحاء المهملة وبالزاي أي: اختارها من الغنيمة، وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه. قوله: (فكنت أراه) أي: النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (يحوي لها)، بضم الياء وفتح الحاء المهملة وكسر الواو والمشددة أي: يجعل لها حوية وهو كساء محشو يدار حول سنام الراحلة يحفظ راكبها من السقوط ويستريح بالاستناد إليه. قوله: (بالصهباء) بفتح المهملة والباء اسم منزل بين خيبر والمدينة. قوله: (في نطع) فيه أربع لغات: نطع بفتح النون وسكون الطاء ونطع بفتحتين، ونطع بكسر النون وسكون الطاء، ونطع بكسر النون وفتح الطاء، ويجمع على نطوع وانطاع. قوله: (وكان ذلك بناؤه بها) أي: دخوله بصفية. قوله: (بدا له)، أي: ظهر له من بعيد. قوله: (يحبنا) الظاهر أنه مجازا أو إضمار أي: يحبنا أهله وهم أهل المدينة، ويحتمل الحقيقة لشمول قدرة الله تعالى. قوله: (مثل ما حرم) المثلية بين حرم المدينة ومكة في الحرمة فقط لا في الجزاء وغيره، وقال الكرماني: فإن قلت: لفظ: (به) زائد قلت: لا بل مثل منصوب بنزع الخافض أي: أحرم مثل ما حرم به. فإن قلت: ما ذاك؟ قلت: دعاؤه بالتحريم يحتمل أن يكون معناه: وأحرم ما بين جبليها بهذا اللفظ، وهو أحرم مثل ما حرم إبراهيم، عليه الصلاة والسلام. قوله: (في مدهم) المد رطل وثلث رطل أو رطلان، والصاع أربعة أمداد، والمقصود بارك لهم فيما يقدر بالمد والصاع وهو الطعام والبركة في الموزون به يستلزم البركة في الموزون. 29 ((باب: * (الأكل في إناء مفضض) *)) أي: هذا باب في بيان حرمة الأكل في إنا مفضض، وهو المرصع بالفضة يقال: لجام مفضض أي: مرصع بالفضة ومعناه: إناء مفضض وإناء متخذ من فضة وإناء مضبب بفضة وإناء مطلي بالفضة، أما الإناء المفضض فيجوز الشرب فيه عند أبي
58 حنيفة إذا كان يتقي موضع الفضة، وهو أن يتقي موضع الفم وموضع اليد، وكذلك الجلوس على السرير المفضض والكرسي المفضض بهذا الشرط وقال أبو يوسف يكره ذلك وبه قال محمد في رواية وفي رواية أخرى مع أبي حنيفة وأما الإناء المتخذ من الفضة فلا يجوز استعماله أصلا لا بالأكل ولا بالشرب ولا بالإدهان ونحو ذلك للرجال والنساء وأما الإناء المضبب بالفضة أو الذهب فعلى الخلاف المذكور، والمضبب هو المشدد بالفضة أو الذهب ومنه: ضبب أسنانه بالفضة إذا شدها، وأما الإناء المطلي بالفضة أو الذهب فإن كان يخلص شيء منها بالإذابة فلا يجوز استعماله، وإن كان لا يخلص شيء فلا بأس به عند أصحابنا. 5426 حدثنا أبو نعيم حدثنا سيف بن أبي سليمان قال: سمعت مجاهدا يقول: حدثني عبد الرحمان بن أبي ليلى أنهم كانوا عند حذيفة فاستسقى فسقاه مجوسي فلما وضع القدح في يده رماه به، وقال: لولا أني نهيته غير مرة ولا مرتين؟ كأنه يقول: لم أفعل هاذا، ولاكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة. قال صاحب (التلويح) ما حاصله: لا مطابقة بين الحديث والترجمة. لأن الترجمة في إناء مفضض، والحديث في إناء المتخذ من الفضة إلا إن كان الإناء الذي سقي فيه حذيفة كان مضببا وأن الضبة موضع الشفة عند الشرب فله وجه على بعد، وقال بعضهم: أجاب الكرماني بأن لفظ: مفضض، وإن كان ظاهرا فيما فيه فضة لكنه يشمل ما كان متخذا كله من فضة. قلت: فيه نظر لأنه إن أراد بالشمول بمعنى أنه يطلق على المعنيين بحسب اللغة فيحتاج إلى دليل، وإن كان بحسب الاصطلاح بالفقهاء قد فرقوا بين المفضض والمتخذ من الفضة، وقال ابن المنذر: المفضض ليس بإناء ذهب ولا فضة وليس بحرام ما لم يقع النهي عنه، وكذلك المضبب، وهو وجه لبعض الشافعية. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسيف بن أبي سليمان، ويقال ابن سليمان المخزومي، وقال يحيى القطان: كان حيا سنة خمسين ومائة، وكان عندنا ثقة ممن يصدق ويحفظ، وروى له مسلم أيضا، وحذيفة هو ابن اليمان العبسي. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأشربة عن أبي موسى وفي اللباس عن علي بن المديني وفي الأشربة أيضا عن حفص بن عمر الحوضي، وفي اللباس أيضا عن سليمان بن حرب، وأخرجه مسلم في الأطعمة عن أبي موسى به وعن غيرهم وأخرجه أبو داود في الأشربة عن حفص بن عمر به وعن غيره وأخرجه الترمذي فيه عن بندار به وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن عبد الله بن يزيد وفي الوليمة عن إسحاق بن إبراهيم به وعن غيره. وأخرجه ابن ماجة في الأشربة عن محمد بن عبد الملك وفي اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة. قوله: (فسقاه مجوسي)، وفي رواية مسلم من حديث عبد الله بن حكيم، قال: كنا مع حذيفة بالمدائن فاستسقي حذيفة فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة فرماه، وفي رواية الترمذي عن ابن أبي ليلى يحدث أن حذيفة استقى فأتاه إنسان بإناء من فضة فرماه به، وقال إني كنت نهيته فأبى أن ينتهي الحديث. قوله: (رماه به) أي: رمى القدح بالشراب أو رمى الشراب بالقدح، وليس بإضمار قبل الذكر لأن قوله: (فاستسقى فسقاه) يدل عليه ويروى رمى به. قوله: (غير مرة) أي: لولا أني نهيته مرارا كثيرة عن استعمال آنية الذهب والفضة لما رميت به ولا اكتفيت بالزجر اللساني، لكن لما تكرر النهي باللسان فلم ينزجر رميت به تغليظا عليه. قوله: (كأنه يقول) أي: كان حذيفة يقول: لم أفعل هذا أي: الشرب في آنية الذهب والفضة، ثم استدرك في بيان ذلك بقوله ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره. قوله: (ولا الديباج) وقال ابن الأثير الديباج الثياب المتخذة من الإبريسم، فارسي معرب، وقد يفتح داله ويجمع على: دبابج ودبايج، بالباء والياء لأن أصله دباج بتشديد الياء. قوله: (في صحافها) جمع صحفة وهي إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها. والضمير فيه يرجع إلى الفضة وكان القياس أن يقال: صحافهما، وهذا كما في قوله تعالى: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) * (التوبة: 34)
59 فإذا علم حكم الفضة يلزم حكم الذهب منه بالطريق الأولى. قوله: (لهم) أي: للكفار والسياق يدل عليه. وهذا الحديث يدل على تحريم استعمال الحرير والديباج وعلى حرمة الشرب والأكل من إناء الذهب والفضة، وذلك للنهي المذكور وهو نهي تحريم عند كثير من المتقدمين وهو قول الأئمة الأربعة وقال الشافعي: إن النهي فيه كراهة تنزيه في قوله القديم حكاه أبو علي السنجي من رواية حرملة. 30 ((باب: * (ذكر الطعام) *)) أي: هذا باب فيه ذكر الطعام قيل: لا فائدة في موضع هذه الترجمة لأنه ليس فيها إلا مجرد ذكر الطعام، وقال صاحب (التوضيح) ما ملخص كلامه إن معناها إباحة أكل الطعام الطيب وكراهة أكل المر، وأن الزهد ليس في خلاف ذلك لأن في حديث الباب تشبيه المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة التي طعمها طيب وريحها طيب والذي لا يقرؤه بالتمرة طعمها حلو ولا ريح لها، وشبه المنافق بالحنظلة والريحانة اللتين طعمهما مر وذلك غاية الذم للطعام المر. 5427 حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل النمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر. مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر لفظ الطعم بالتكرار، وأبو عوانة الوضاح اليشكري، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري. وفيه: رواية الصحابي عن الصحابي. والحديث قد مر في فضائل القرآن فإنه أخرجه هناك عن هدبة بن خالد عن همام عن قتادة عن أنس عن أبي موسى. قوله: (كالأترجة) بالإدغام ويروى: كالأترنجة. فإن قلت: ذكر هناك: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به، ولم يذكر هنا. قلت: المقصود الفرق بين من يقرأ وبين من لا يقرأ لا. بيان حكم العمل، مع أن العمل لازم للمؤمن الكامل سواء ذكر أم لا. وقال هناك: كالحنظلة ريحها مر. وهنا قال: لا ريح لها، فاثبت الريح هناك ونفى هنا لأن المنفي الريح الطيبة بقرينة المقام والمثبت المر. 5428 حدثنا مسدد حدثنا خالد عبد الله بن عبد الرحمان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. مطابقته للترجمة في قوله: الطعام، وخالد هو ابن عبد الله الطحان الواسطي من الصالحين، وعبد الله بن عبد الرحمن المكني بأبي طوالة، والحديث مر عن قريب في: باب الثريد. 5429 حدثنا أبو نعيم حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم: نومه وطعامه، فإذا قضى نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله. مطابقته للترجمة في قوله: * (وطعامه) * وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسمى، بضم السين المهملة وتخفيف الميم المفتوحة وتشديد الياء آخر الحروف مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي، وأبو صالح ذكوان السمان. والحديث قد مر في الحج عن القعني، وفي الجهاد عن عبد الله بن يوسف، وهذا الحديث تفرد به مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: ما لأهل العراق يسألون عن هذا الحديث، قيل: لأنك انفردت به. قال: لو علمت أني انفردت به ما حدثت به. قوله: (نهمته)، بفتح النون وضمها وكسرها: بلوغ الهمة في الشيء. قوله: (من وجهه)، أي: من جهة سفره.
60 31 ((باب: * (الأدم) *)) أي: هذا باب فيه ذكر الأدم، بضم الهمزة والدال المهملة ويجوز إسكانها، وهو جمع أدام، وقيل: هو بالإسكان المفرد وبالضم الجمع. 5430 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن ربيعة أنه سمع القاسم بن محمد يقول: كان في بريرة ثلاث سنن، أرادت عائشة أن تشتريها فتعتقها فقال أهلها: ولنا الولاء فذكرت ذالك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لو شئت شرطتيه لهم فإنما الولاء لمن أعتق. قال: وأعتقت فخيرت في أن تقر تحت زوجها أو تفارقه، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوما بيت عائشة وعلى النار برمة تفور فدعا بالغداء فأتي بخبز وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر لحما؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولاكنه لحم تصدق به على بريرة فأهدته لنا فقال: هو صدقة عليها وهدية لنا. مطابقته للترجمة في قوله: (وأدم من أدم البيت) وربيعة، بفتح الراء هو المشهور بربيعة الرأي، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. ومر هذا الحديث أكثر من عشرين مرة وهو هاهنا مرسل لأنه لم يسند فيه إلى عائشة ولكن البخاري اعتمد على إيراده وصولا من طريق مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة كما مر في النكاح والطلاق. قوله: (ولنا الولاء)، الواو لا تدخل بين القول والمقول لكن هذا عطف على مقدر أي: قال أهلها: نبيعها ولنا الولاء. قوله: (شرطتيه)، الياء فيه حاصلة من إشباع الكسرة وهو جواب: لو، قيل: في اشتراط الولاء لهم صورة مخادعة مع أنه شرط مفسد، وأجيب بأن هذا من خصائص عائشة رضي الله تعالى عنها، أو المراد التوبيخ لأنه كان بين لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل فلما ألحوا في اشتراطه فقال لها: لا تبالي سواء شرطتيه أم لا فإنه شرط باطل، وقيل: في الرواية التي جاءت فيه اشترطي لهم الولاء أن اللام بمعنى: على، كما في قوله تعالى: * (وإن أسأتم فلها) * (الإسراء: 7) قوله: (في أن تقر)، بكسر القاف وفتحها. 32 ((باب: * (الحلواء والعسل) *)) أي: هذا باب في ذكر الحلواء والعسل، والحلواء عند الأصمعي مقصور يكتب بالياء وعند الفراء ممدود، وكل ممدود يكتب بالألف، وقيل: يمد ويقصر، وقال الليث: هو ممدود عند أكثرهم، وهو كل حلو يؤكل وقال الخطابي: اسم الحلواء لا يقع إلا على ما دخلته الصنعة. وفي (المخصص) لابن سيده. هو كل ما عولج من الطعام بحلاوة، وهو أيضا الفاكهة. 5431 حدثني إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن أبي أسامة عن هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق هذا هو المعروف بابن راهويه، والحنظلي نسبة إلى حنظلة بن مالك بن زيد بن منات بن تميم بطن عامتهم بالبصرة وهو شيخ مسلم أيضا مات بنيسابور سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأشربة عن عبد الله بن أبي شيبة وفيه وفي الطب عن علي بن عبد الله، وفي ترك الحيل عن عبيد بن إسماعيل الكل عن أبي أسامة وأخرجه مسلم في الطلاق عن أبي كريب وهارون بن عبد الله. وأخرجه أبو داود في الأشربة عن الحسن بن علي الخلال عن أبي أسامة. وأخرجه الترمذي في الأطعمة عن سلمة بن شبيب وغيره. وأخرجه النسائي في الوليمة عن إسحاق بن إبراهيم وفي الطب عن عبيد الله بن سعيد وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. قوله: (يحب الحلواء)، قال ابن بطال: الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى: * (كلوا من الطيبات) * وفيه تقوية لقول من قال: المراد به المستلذ من المباحات، ودخل في معنى هذا الحديث كل ما شابه الحلوى والعسل من أنواع المآكل اللذيذة،
61 وقال الخطابي: لم يكن حبه، صلى الله عليه وسلم، لها على معنى كثرة التشهي لها وشدة نزاع النفس إليها، وإنما كان يتناول منها إذا حضرت إليه نيلا صالحا فيعلم بذلك أنها تعجبه. 5432 حدثنا عبد الرحمان بن شيبة قال: أخبرني ابن أبي الفديك عن ابن أبي ذؤيب عن المقبري عن أبي هريرة. قال: كنت ألزم النبي صلى الله عليه وسلم لشبع بطني حين لا آكل الخمير ولا ألبس الحرير ولا يخدمني فلان ولا فلانة. وألصق بطني بالحصباء وأستقرىء الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة ليس فيها شيء فنشتقها فنلعق ما فيها. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (العكة) لأن الغالب يكون العسل فيها، على أنه جاء مصرحا به في بعض طرقه. و عبد الرحمن بن شيبة هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة أبو بكر القرشي الخزامي بالحاء المهملة والزاي المدني وهو منسوب إلى جد أبيه، وقد غلط بعضهم فقال: عبد الرحمن بن أبي شيبة وزاد لفظه أبي وما لعبد الرحمن هذا في البخاري إلا في موضعين أحدهما: هذا، وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك بضم الفاء مصغر فدك بالفاء والدال المهملة والكاف ويروى ابن أبي الفديك بالألف واللام، وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب بكسر الذال بلفظ الحيوان المشهور و المقبري، هو سعيد بن أبي سعيد وقد مر عن قريب. والحديث قد مضى في مناقب جعفر بن أبي طالب، ومضى الكلام فيه. قوله: (لشبع بطني) أي: لأجل شبع بطني، والشبع بكسر الشين وفتح الباء وفي رواية الكشميهني: بشبع بطني، أي: بسبب شبع بطني، ويروى ليشبع بطني بصيغة المجهول واللام فيه للتعليل. قوله: (الخمير) بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم الخمير والخميرة التي تجعل في الخبز، يقال: عندي خبز خمير أي: خبز بائت. قوله: (ولا ألبس الحرير)، براءين كذا في رواية الكشميهني وبالياء الموحدة بدل الراء الأولى في رواية الأصيلي والقابسي وعبدوس، وكذا في رواية أبي ذر عن الحموي، ورجح عياض الرواية بالباء الموحدة، وقال: هو الثوب المحبر وهو المزين الملون مأخوذ من التحبير، وهو التحسين. وقيل: الحبير ثوب وشي مخطط، وقيل: الجديد. قوله: (ولا يخدمني فلان ولا فلانة)، هما كنايتان عن الخادم والخادمة. قوله: (وهي معي)، أي: تلك الآية محفوظي وفي خاطري. لكن استقرىء أي: أطلب القراءة من الرجل حتى يوديني إلى بيته فيطعمني قوله: (فنشتفها) ضبطه عياض بالشين المعجمة والفاء، وقال ابن التين بالقاف وهو الأظهر لأن معنى الذي بالفاء أن نشرب ما في الإناء والذي بالقاف أن نشق العكة حتى يلعقوها. 33 ((باب: * (الدباء) *)) أي: هذا باب فيه ذكر الدباء، وقد مر تفسيره، ويحتمل أن يكون وضع هذه الترجمة إشارة إلى أن الدباء لها خاصية تختص بها فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها، وروى الطبراني من حديث واثلة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ، وفي (فوائد الشافعي) رحمه الله من حديث عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا طبخت فأكثري فيه الدباء فإنه يشد قلب الحزين، وقال شيخنا: وفي بعض طرق حديث أنس أنه يريد في العقل وفي بعض طرق حديث أنس في (مسند الإمام أحمد) أن القرع كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. 5433 حدثنا عمرو بن علي حدثنا أزهر بن سعد عن ابن عون عن ثمامة بن أنس عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مولى له خياطا فأتي بدباء فجعل يأكله فلم أزل أحبه منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأكله. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصير في، وهو شيخ مسلم أيضا، وأزهر بن سعد الباهلي
62 السمان البصري، وأبو عون هو عبد الله بن عون، وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميمين ابن عبد الله بن أنس يروي عن جده أنس. وقد مر الحديث في كتاب الأطعمة في باب من تتبع حوالي القصة ومر أيضا في البيوع في: باب ذكر الخياط، وفيه روايات في رواية باب ذكر الخياط أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه: قرب خبز أو مرقا فيه دياء، وقديد، وفي: باب من تتبع حوالي القصة: أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ذكر الدياء فقط. وفي حديث الباب أن مولى له خياط، ولا منافاة بين هذه الروايات لأن الثقة إذا زاد يقبل، وقال الداودي: وجه ذلك أنهم كانوا لا يكتبون فربما أغفل الراوي عند التحديث كلمة. 34 ((باب: * (الرجل يتكلف الطعام لإخوانه) *)) أي: هذا باب في بيان: حال الرجل الذي يتكلف الطعام لإخوانه، وقال الكرماني: وجه التكلف في حديث الباب أنه حصر العدد والحاصر متكلف قلت: لأنه ألزم نفسه بعدد معين، وهذا تكلف لاحتمال الزيادة والنقصان. 5434 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود الأنصاري. قال: كان من الأنصار رجل يقال له: أبو شعيب، وكان له غلام لحام، فقال: اصنع لي طعاما أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فتبعهم رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك دعوتنا خامس خمسة، وهاذا رجل قد تبعنا فإن شئت أذنت له وإن شئت تركته، قال: بل أذنت له. مطابقته للترجمة، تؤخذ من قوله: (أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة) وقد ذكرنا أنه تكلف حيث حصر العدد. ومحمد ابن يوسف هو أبو أحمد البخاري البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة، والأعمش هو سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو مسعود عقبة بن عمر والأنصاري البدري. والحديث قد مر في البيوع في: باب ما قيل في اللحام والجزار، فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود إلى آخره، وفي المظالم أيضا عن أبي النعمان، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (اللحام)، أي: بياع اللحم، وتقدم في البيوع بلفظ: قصاب. قوله: (خامس خمسة)، معناه: ادعو أربعة أنفس ويكون النبي صلى الله عليه وسلم خامسهم، يقال: خامس أربعة وخامس خمسة بمعنى واحد، وفي الحقيقة يكون المعنى الخامس مصير الأربعة خمسة، وانتصاب خامس على الحال ويجوز الرفع تقدير: ادعو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خامس خمسة، والجملة أيضا تكون حالا، وفي رواية مسلم عن الأعمش: اصنع لنا طعاما لخمسة نفر. قوله: (فتبعهم رجل)، وفي رواية أبي عوانة عن الأعمش، فاتبعهم، بتشديد التاء المثناة من فوق بمعنى: تبعهم، وفي رواية حفص بن غياث فجاء معهم رجل. ومثل هذا الرجل الذي يتبع بلا دعوة يسمى طفيليا منسوبا إلى رجل من أهل الكوفة يقال له: طفيل من بني عبد الله بن غطفان كان يأتي الولائم من غير أن يدعى إليها، وكان يقال له: طفيل الأعراس، وهذه الشهرة إنما اشتهر بها من كان بهذه الصفة بعد الطفيل المذكور. وأما شهرته عند العرب قديما فكانوا يسمونه: الوارش، بالشين المعجمة هذا إذا دخل لطعام لم يدع إليه، فإن دخل لشراب لم يدع إليه يسمونه الواغل بالغين المعجمة. قوله: (وهذا رجل قد تبعنا) وفي رواية جرير وأبي عوانة اتبعنا، بالتشديد وفي رواية أبي معاوية لم يكن معنا حين دعوتنا. قوله: (فإن شئت أذنت له) الخ وفي رواية أبي عوانة. فإن شئت أن يرجع رجع، وفي رواية جرير، وإن شئت رجع، وفي رواية أبي معاوية: أنه اتبعنا ولم يكن معنا حين دعوتنا فإن أذنت له دخل. قوله: (بل أذنت له) وفي رواية أبي أسامة لا بل أذنت له وفي رواية جرير لا بل ائذن له يا رسول الله وفي رواية أبي معاوية فقد أذنا له فليدخل. وفيه فوائد كثيرة: قد ذكرناها في باب ما قيل في اللحام في كتاب البيوع. فإن قلت: كيف استأذن النبي، صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث على الرجل الذي معه، وقال في حديث أبي طلحة في (الصحيح) لمن معه. قوموا؟ قلت: أجيب بأجوبة: الأول: أنه علم من أبي طلحة رضاه بذلك فلم يستأذن ولم يعلم رضا أبي شعيب فاستأذنه. الثاني: أن أكل القوم عند
63 أبي طلحة مما خرق الله تعالى به العادة وبركة أحدثها الله عز وجل، لا ملك لأبي طلحة عليها فإنما أطعمهم مما لا يملكه فلم يفتقر إلى استئذان. الثالث: بأن يقال: إن الأقراص جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجده ليأخذها منه فكأنه قبلها وصارت ملكا له فإنما استدعى لطعام يملكه فلا يلزمه أن يستأذن في ملكه. ق ال محمد بن يوسف: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: إذا كان القوم على المائدة ليس لهم أن يناولوا من مائدة إلى مائدة أخرى، ولاكن يناول بعضهم بعضا في تلك المائدة أو يدعوا. هذا لم يثبت في البخاري إلا عند أبي ذر عن المستملي وحده، ومحمد بن يوسف هو الفريابي ومحمد بن إسماعيل هو البخاري، وروى محمد هذا عن البخاري نفسه هذا الكلام قاله البخاري استنباطا من استئذان النبي صلى الله عليه وسلم الداعي في الرجل الطارىء، وذلك أن الذين دعوا لهم التصرف في الطعام المدعو إليه بخلاف من لم يدع فافهم فإنه دقيق. 5434 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود الأنصاري. قال: كان من الأنصار رجل يقال له: أبو شعيب، وكان له غلام لحام، فقال: اصنع لي طعاما أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فتبعهم رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك دعوتنا خامس خمسة، وهاذا رجل قد تبعنا فإن شئت أذنت له وإن شئت تركته، قال: بل أذنت له. مطابقته للترجمة، تؤخذ من قوله: (أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة) وقد ذكرنا أنه تكلف حيث حصر العدد. ومحمد ابن يوسف هو أبو أحمد البخاري البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة، والأعمش هو سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو مسعود عقبة بن عمر والأنصاري البدري. والحديث قد مر في البيوع في: باب ما قيل في اللحام والجزار، فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود إلى آخره، وفي المظالم أيضا عن أبي النعمان، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (اللحام)، أي: بياع اللحم، وتقدم في البيوع بلفظ: قصاب. قوله: (خامس خمسة)، معناه: ادعو أربعة أنفس ويكون النبي صلى الله عليه وسلم خامسهم، يقال: خامس أربعة وخامس خمسة بمعنى واحد، وفي الحقيقة يكون المعنى الخامس مصير الأربعة خمسة، وانتصاب خامس على الحال ويجوز الرفع تقدير: ادعو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خامس خمسة، والجملة أيضا تكون حالا، وفي رواية مسلم عن الأعمش: اصنع لنا طعاما لخمسة نفر. قوله: (فتبعهم رجل)، وفي رواية أبي عوانة عن الأعمش، فاتبعهم، بتشديد التاء المثناة من فوق بمعنى: تبعهم، وفي رواية حفص بن غياث فجاء معهم رجل. ومثل هذا الرجل الذي يتبع بلا دعوة يسمى طفيليا منسوبا إلى رجل من أهل الكوفة يقال له: طفيل من بني عبد الله بن غطفان كان يأتي الولائم من غير أن يدعى إليها، وكان يقال له: طفيل الأعراس، وهذه الشهرة إنما اشتهر بها من كان بهذه الصفة بعد الطفيل المذكور. وأما شهرته عند العرب قديما فكانوا يسمونه: الوارش، بالشين المعجمة هذا إذا دخل لطعام لم يدع إليه، فإن دخل لشراب لم يدع إليه يسمونه الواغل بالغين المعجمة. قوله: (وهذا رجل قد تبعنا) وفي رواية جرير وأبي عوانة اتبعنا، بالتشديد وفي رواية أبي معاوية لم يكن معنا حين دعوتنا. قوله: (فإن شئت أذنت له) الخ وفي رواية أبي عوانة. فإن شئت أن يرجع رجع، وفي رواية جرير، وإن شئت رجع، وفي رواية أبي معاوية: أنه اتبعنا ولم يكن معنا حين دعوتنا فإن أذنت له دخل. قوله: (بل أذنت له) وفي رواية أبي أسامة لا بل أذنت له وفي رواية جرير لا بل ائذن له يا رسول الله وفي رواية أبي معاوية فقد أذنا له فليدخل. وفيه فوائد كثيرة: قد ذكرناها في باب ما قيل في اللحام في كتاب البيوع. فإن قلت: كيف استأذن النبي، صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث على الرجل الذي معه، وقال في حديث أبي طلحة في (الصحيح) لمن معه. قوموا؟ قلت: أجيب بأجوبة: الأول: أنه علم من أبي طلحة رضاه بذلك فلم يستأذن ولم يعلم رضا أبي شعيب فاستأذنه. الثاني: أن أكل القوم عند أبي طلحة مما خرق الله تعالى به العادة وبركة أحدثها الله عز وجل، لا ملك لأبي طلحة عليها فإنما أطعمهم مما لا يملكه فلم يفتقر إلى استئذان. الثالث: بأن يقال: إن الأقراص جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجده ليأخذها منه فكأنه قبلها وصارت ملكا له فإنما استدعى لطعام يملكه فلا يلزمه أن يستأذن في ملكه. ق ال محمد بن يوسف: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: إذا كان القوم على المائدة ليس لهم أن يناولوا من مائدة إلى مائدة أخرى، ولاكن يناول بعضهم بعضا في تلك المائدة أو يدعوا. هذا لم يثبت في البخاري إلا عند أبي ذر عن المستملي وحده، ومحمد بن يوسف هو الفريابي ومحمد بن إسماعيل هو البخاري، وروى محمد هذا عن البخاري نفسه هذا الكلام قاله البخاري استنباطا من استئذان النبي صلى الله عليه وسلم الداعي في الرجل الطارىء، وذلك أن الذين دعوا لهم التصرف في الطعام المدعو إليه بخلاف من لم يدع فافهم فإنه دقيق. 35 ((باب: * (من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله) *)) أي: هذا باب في بيان حال من أضاف رجلا إلى طعام لا يتعين عليه أن يأكل مع المدعو بل له أن يقبل على عمله ويترك المدعو يشتغل بما قدمه إليه. 5435 حدثني عبد الله بن منير سمع النضر أخبرنا ابن عون قال: أخبرني ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس، رضي الله عنه، قال: كنت غلاما أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، على غلام له خياط، فأتاه بقصعة فيها طعام وعليه دباء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتتبع الدباء قال: فلما رأيت ذالك جعلت أجمعه بين يديه قال: فأقبل الغلام على عمله، قال أنس: لا أزال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع ما صنع. مطابقته للترجمة من حيث إن الغلام لما وضع القصعة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، واشتغل النبي صلى الله عليه وسلم، يتتبع الدباء منها أقبل الغلام على عمله، وقال ابن بطال: لا أعلم في اشتراط أكل الداعي مع الضيف إلا أنه أبسط لوجهه وأذهب لاحتشامه، فمن فعل فهو أبلغ في قرى الضيف، ومن ترك فهو جائز. وعبد الله بن منير بضم الميم على وزن اسم فاعل من أنار، والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل، يروي عن عبد الله بن عون، وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم وكلهم قد ذكروا عن قريب. والحديث أيضا قد مر في: باب الثريد، ومضى الكلام فيه هناك. 36 ((باب: * (المرق) *)) أي: هذا باب في ذكر المرق، وترجم به إشارة إلى أن له فضلا على الطعام الثخين، ولهذا كان السلف يأكلون الطعام الممرق، وفي مسلم من حديث أبي ذر، رفعه: إذا طبخت قدرا فأكثر مرقها. وفيه: فليطعم جيرانه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بإكثار المرق بقصد التوسعة على الجيران وأهل البيت والفقراء والأمر فيه محمول على الندب، وقد روى الترمذي من حديث علقمة بن عبد الله المزني عن أبيه. قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إذا اشترى أحدكم لحما فليكثر مرقته فإن لم يجد لحما أصاب مرقة) وهو أحد اللحمين. وروى أيضا من حديث أبي ذر مرفوعا. وفيه: إذا اشتريت لحما أو طبخت قدرا فأكثر مرقته وأغرف لجارك منه. 5436 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم، لطعام صنعه، فذهبت مع النبي صلى الله عليه
64 وسلم، فقرب خبز شعير ومرقا فيه دباء وقديد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي القصعة فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ. مطابقته للترجمة في قوله: (ومرقا فيه دباء) والحديث مر في الأطعمة في: باب من تتبع حوالي القصعة فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن مالك إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك. 37 ((باب: * (القديد) *)) أي: هذا باب في ذكر اللحم القديد وترجم به إشارة إلى أن القديد من طعام النبي صلى الله عليه وسلم وطعام السلف. 5438 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن عبد الرحمان بن عابس عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس أراد أن يطعم الغني الفقير، وإن كنا لنرفع الكراع بعد خمس عشرة وما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز بر مأدوم ثلاثا. هذا حديث مختصر من حديث عائشة الماضي في: باب ما كان السلف يدخرون، فإنه أخرجه هناك عن خلاد بن يحيى عن سفيان وهنا أخرجه عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري إلى آخره وكان ينبغي أن يذكر هذا هناك ولا وجه لذكره هاهنا. قوله: (ما فعله)، الضمير المنصوب فيه يرجع إلى النهي الدال عليه. قوله: في أول الحديث المذكور في: باب ما كان السلف يدخرون، قلت لعائشة: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤكل لحوم الأضاحي فرق ثلاث؟ قالت عائشة: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه. 38 ((باب: * (من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا) *)) أي: هذا باب في بيان حكم من ناول إلى صاحبه أو قدم إليه شيئا، والحال أنهما على المائدة، ويوضح هذا الذي ذكره عن ابن المبارك حيث قال. وقال ابن المبارك: لا بأس أن يناول بعضهم بعضا، ولا يناول من هاذه المائدة إلى مائدة أخرى. أي: قال عبد الله بن المبارك المروزي إلى آخره، أما جواز مناولة بعضهم بعضا في مائدة واحدة فلأن الطعام قدم لهم بأعيانهم وهم شركاء فيه، فإذا ناول واحد منهم صاحبه مما بين يديه فكأنه آثره بنصيبه مع ماله فيه معه من المشاركة، وأما منع ذلك من مائدة إلى مائدة أخرى فلعدم مشاركة من كان في المائدة الأخرى لمن كان في المائدة الأولى، والمناول فيه، وإن كان له حق فيها بين يديه ولكن لا حق للآخر فيه في تناوله منه إذ لا شركة له فيه. 5439 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لطعام صنعه. قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ذالك الطعام فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد، قال أنس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة فلم أزل أحب الدباء من يومئذ. (وقال ثمامة عن أنس: فجعلت أجمع الدباء بين يديه). هذا حديث قد تقدم قبل هذا الباب بباب، وهو: باب المرق، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة القعني عن مالك وهنا أخرجه عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك، وكان ينبغي أن يذكر هذا هناك، ولا وجه لإيراده هاهنا ولقد تكلف
65 بعضهم في بيان المطابقة بقوله: لا فرق بين أن يناوله من إناء إلى إناء أو يضم ذلك إليه في نفس الإناء الذي يأكل منه أخذ ذلك من قول ثمامة: (فجعلت أجمع الدباء بين يديه) قلت: هذا فيه بعد عظيم لأن الإناء الذي يأكل منه له حق شائع فيما في هذا الإناء بخلاف الإناء الآخر الذي لا يأكل منه. 39 ((باب: * (الرطب بالقثاء) *)) أي: هذا باب في بيان أكل الرطب بالقثاء، وأراد بهالجمع بينهما في حالة الأكل، القثاء ممدود وفي ضم القاف وكسرها لغتان، وقرأ يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف، وقثائها بضم القاف وقال أبو نصر: القثاء الخيار وفي (المنتهى) لأبي المعالي: القثاء الشعرور عند من جعله فعلا من قث، وعند ابن ولاد: هو بالكسر والضم ممدود، وقال أبو حنيفة: ذكر بعض الرواة أنه يقال للقثاء القشعر بلغة أهل الجون من اليمن، الواحدة قشعرة، قال: أحسبه الجون من مراد. 5440 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنهما، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء. مطابقته للترجمة ظاهرة، وأما على النسخة التي وقع فيها: باب القثاء بالرطب فوجهها أن الباء للمصاحبة وكل منهما مصاحب للآخر أو للملاصقة وقد وقع في رواية النسفي على وفق لفظ الحديث كما وقع في نسختنا هذه. وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف من صغار التابعين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب من صغار الصحابة ولدته أسماء بنت عميس بأرض الحبشة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه المدينة وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه، وتوفي بالمدينة سنة ثمانين وهو ابن تسعين سنة، وصلى عليه أبان بن عثمان وهو أمير المدينة وكان يسمى: بحر الجود، يقال: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه. والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأطعمة عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمر. وأخرجه الترمذي فيه عن إسماعيل بن موسى وأخرجه ابن ماجة فيه عن يعقوب ابن حميد. قوله: (يأكل الرطب بالقثاء)، وصفته ما رواه الطبراني في (الأوسط) من حديث عبد الله بن جعفر، وفيه ورأيت في يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم قثاء وفي شماله رطبا وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة، وفي إسناده أصرم بن حوشب وهو ضعيف جدا، ولا يلزم من هذا الحديث. لو ثبت أكله بشماله فلعله كان يأخذ بيده اليمنى من الشمال رطبة فيأكلها مع القثاء التي في يمينه فلا مانع من ذلك، والحكمة في جمعه صلى الله عليه وسلم بينهما كما ورد في بعض طرقه يطفئ حر هذا برد هذا وروى أبو الشيخ ابن حبان في (كتاب أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم) من رواية يحيى بن هاشم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب والقثاء بالملح، ويحيى بن هاشم السمسار كذبه يحيى وغيره. 40 ((* (باب) *)) أي: هذا باب كذا وقع عند جميع الرواة مجردا. وكانت عادته أن يذكر مثل هذا كالفصل لما قبله ويكون المذكور بعده ملحقا به لمناسبة بينهما ولا مناسبة أصلا بين الحديث المذكور بعده وبين الحديث قبله، ولهذا اعترض الإسماعيلي بأنه ليس فيه للرطب والقثاء ذكر، ولم يذكر لفظ: باب. 5441 حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عباس الجريري عن أبي عثمان. قال: تضيفت أبا هريرة سبعا، فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا يصلي هاذا ثم يوقظ هاذا، وسمعته يقول: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أصحابه تمرا فأصابني سبع تمرات إحداهن حشفة. الظاهر أنه أراد أن يضع ترجمة للتمر ثم أهمله إما نسيانا وإما لم يدركه، ويمكن أن يكون سقط من الناسخ بعد العمل. وعباس بتشديد الباء الموحدة وبالسين المهملة، والحريري: بضم الجيم وفتح الراء الأولى وسكون الياء آخر الحروف نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث بن عبادة بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وائل، وعباد بضم العين وتخفيف الباء الموحدة،
66 وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي. والحديث مضى عن قريب في: باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون، فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن حماد ولم يذكر هناك. قوله: (تضيفت)، إلى قوله: (وسمعته يقول) ومر الكلام فيه. قوله: (تضيفت) بضاد معجمة وفاء أي: نزلت به ضيفا. قوله: (سبعا)، أي: سبع ليال، وقال الكرماني: أي أسبوعا، وفيه تأمل. قوله: (وامرأته)، اسمها بسرة، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة بنت غزوان الصحابية. وقال الذهبي: بسرة بنت غزوان التي كان أبو هريرة أجيرها ثم تزوجها ولم أر أحدا ذكرها. قوله: (يعتقبون) أي: يتناوبون قيام الليل. قوله: (أثلاثا) أي: كل واحد منهم يقوم بثلث الليل ومن كان يفرغ من ثلثه يوقظ الآخر. قوله: (وسمعته يقول)، القائل أبو عثمان النهدي، والمسموع أبو هريرة قوله: (إحداهن حشفة) هي الفاسد اليابس من التمر، وقيل: الضعيف الذي لا نوى له. حدثنا محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل بن زكرياء عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قسم النبي صلى الله عليه وسلم، بيننا تمرا فأصابني منه خمس أربع ثمرات وحشفة، ثم رأيت الحشفة هي أشدهن لضرسي. هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن محمد بن الصباح بتشديد الباء الموحدة البغدادي عن إسماعيل بن زكريا الخلقاني الكوفي عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عبد الرحمن بن أبي هريرة. قوله: (خمس)، أي: خمس تمرات. قوله: (أربع تمرات وحشفة)، عطف بيان ويجوز أن يكون ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي أربع تمرات وحشفة، وقال الكرماني: ويروى أربع تمرة بالإفراد، والقياس: تمرات، ثم قال: إن كانت الرواية برفع تمرة فمعناه كل واحدة من الأربع تمرة، وأما بالجر فهو شاذ على خلاف القياس نحو: ثلاثمائة وأربعمائة. فإن قلت: في الرواية الأولى سبع تمرات وهنا خمس؟ قلت: قال ابن التين: إما أن تكون إحدى الروايتين وهما أو يكون ذلك وقع مرتين، وقال بعضهم: الثاني بعيد لاتحاد المخرج ثم قال: وأجاب الكرماني: بأن لا منافاة إذ التخصيص بالعدد لا ينافي الزائد، وفيه نظر، وإلا لما كان لذكره فائدة والأولى أن يقال: إن القسمة أولا اتفقت خمسا خمسا ثم فضلت فقسمت ثنتين ثنتين. فذكر أحد الراويين مبدأ الأمر والآخر منتهاه انتهى. قلت: دعوى هذا القائل: إن القسمة وقعت مرتين مرة خمسة خمسة ومرة ثنتين ثنتين يحتاج إلى دليل، وهذا إن صح يقوي كلام ابن التين، أو يكون ذلك مرتين فيكون قوله الثاني بعيدا وبعدما يكون يقال أيضا من هو المراد من أحد الراويين فإن كان هو أبا هريرة فهو عين الغلط على ما لا يخفى، وإن كان أبا عثمان الراوي عنه أو غيره ممن دونه فهو عين التعدد، والدليل عليه أن في رواية الترمذي من طريق شعبة عن عباس الجريري بلفظ: أصابهم جوع فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم تمرة تمرة، وفي رواية النسائي من هذا الوجه بلفظ: قسم سبع تمرات بين سبعة أنا فيهم، وفي رواية ابن ماجة وأحمد من هذا الوجه بلفظ: أصابهم جوع وهم سبعة فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات لكل إنسان تمرة، وهذه الروايات متفقة في المعنى لأنه لم تكن القسمة إلا تمرة تمرة، وهذه تخالف رواية البخاري ظاهرا، ولكن لا تخالفها في الحقيقة لتعدد القصة، ولا ينكر هذا إلا معاند، ورد هذا القائل: كلام الكرماني أيضا ساقط لأن ما قاله أصل عند أهل الأصول. 5441 حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عباس الجريري عن أبي عثمان. قال: تضيفت أبا هريرة سبعا، فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا يصلي هاذا ثم يوقظ هاذا، وسمعته يقول: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أصحابه تمرا فأصابني سبع تمرات إحداهن حشفة. الظاهر أنه أراد أن يضع ترجمة للتمر ثم أهمله إما نسيانا وإما لم يدركه، ويمكن أن يكون سقط من الناسخ بعد العمل. وعباس بتشديد الباء الموحدة وبالسين المهملة، والحريري: بضم الجيم وفتح الراء الأولى وسكون الياء آخر الحروف نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث بن عبادة بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وائل، وعباد بضم العين وتخفيف الباء الموحدة، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي. والحديث مضى عن قريب في: باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون، فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن حماد ولم يذكر هناك. قوله: (تضيفت)، إلى قوله: (وسمعته يقول) ومر الكلام فيه. قوله: (تضيفت) بضاد معجمة وفاء أي: نزلت به ضيفا. قوله: (سبعا)، أي: سبع ليال، وقال الكرماني: أي أسبوعا، وفيه تأمل. قوله: (وامرأته)، اسمها بسرة، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة بنت غزوان الصحابية. وقال الذهبي: بسرة بنت غزوان التي كان أبو هريرة أجيرها ثم تزوجها ولم أر أحدا ذكرها. قوله: (يعتقبون) أي: يتناوبون قيام الليل. قوله: (أثلاثا) أي: كل واحد منهم يقوم بثلث الليل ومن كان يفرغ من ثلثه يوقظ الآخر. قوله: (وسمعته يقول)، القائل أبو عثمان النهدي، والمسموع أبو هريرة قوله: (إحداهن حشفة) هي الفاسد اليابس من التمر، وقيل: الضعيف الذي لا نوى له. حدثنا محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل بن زكرياء عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قسم النبي صلى الله عليه وسلم، بيننا تمرا فأصابني منه خمس أربع ثمرات وحشفة، ثم رأيت الحشفة هي أشدهن لضرسي. هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن محمد بن الصباح بتشديد الباء الموحدة البغدادي عن إسماعيل بن زكريا الخلقاني الكوفي عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عبد الرحمن بن أبي هريرة. قوله: (خمس)، أي: خمس تمرات. قوله: (أربع تمرات وحشفة)، عطف بيان ويجوز أن يكون ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي أربع تمرات وحشفة، وقال الكرماني: ويروى أربع تمرة بالإفراد، والقياس: تمرات، ثم قال: إن كانت الرواية برفع تمرة فمعناه كل واحدة من الأربع تمرة، وأما بالجر فهو شاذ على خلاف القياس نحو: ثلاثمائة وأربعمائة. فإن قلت: في الرواية الأولى سبع تمرات وهنا خمس؟ قلت: قال ابن التين: إما أن تكون إحدى الروايتين وهما أو يكون ذلك وقع مرتين، وقال بعضهم: الثاني بعيد لاتحاد المخرج ثم قال: وأجاب الكرماني: بأن لا منافاة إذ التخصيص بالعدد لا ينافي الزائد، وفيه نظر، وإلا لما كان لذكره فائدة والأولى أن يقال: إن القسمة أولا اتفقت خمسا خمسا ثم فضلت فقسمت ثنتين ثنتين. فذكر أحد الراويين مبدأ الأمر والآخر منتهاه انتهى. قلت: دعوى هذا القائل: إن القسمة وقعت مرتين مرة خمسة خمسة ومرة ثنتين ثنتين يحتاج إلى دليل، وهذا إن صح يقوي كلام ابن التين، أو يكون ذلك مرتين فيكون قوله الثاني بعيدا وبعدما يكون يقال أيضا من هو المراد من أحد الراويين فإن كان هو أبا هريرة فهو عين الغلط على ما لا يخفى، وإن كان أبا عثمان الراوي عنه أو غيره ممن دونه فهو عين التعدد، والدليل عليه أن في رواية الترمذي من طريق شعبة عن عباس الجريري بلفظ: أصابهم جوع فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم تمرة تمرة، وفي رواية النسائي من هذا الوجه بلفظ: قسم سبع تمرات بين سبعة أنا فيهم، وفي رواية ابن ماجة وأحمد من هذا الوجه بلفظ: أصابهم جوع وهم سبعة فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات لكل إنسان تمرة، وهذه الروايات متفقة في المعنى لأنه لم تكن القسمة إلا تمرة تمرة، وهذه تخالف رواية البخاري ظاهرا، ولكن لا تخالفها في الحقيقة لتعدد القصة، ولا ينكر هذا إلا معاند، ورد هذا القائل: كلام الكرماني أيضا ساقط لأن ما قاله أصل عند أهل الأصول. 41 ((باب: * (الرطب والتمر) *)) أي: هذا باب في الرطب والتمر، وربما أشار به إلى أن التمر له فضل على غيره من الأقوات فلذلك ذكر. قوله: * (وهزي إليك) * (مريم: 25) الآية على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وقد روى الترمذي من حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بيت لا تمر فيه جياع أهله، وقال: هذا حديث حسن غريب، والرطب والتمر من طيب ما خلق الله عز وجل وأباحه للعباد، وهو طعام أهل الحجاز وعمدة أقواتهم، وقد دعا إبراهيم، عليه السلام، لتمر مكة بالبركة ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة بمثل ما دعا به إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فلا تزال البركة في تمرهم وثمارهم إلى الساعة. وقد وقع في كتاب ابن بطال: باب الرطب بالتمر بالباء الموحدة وليس في حديث الباب مثل لذلك.
67 وقول الله تعالى: * (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (مريم: 25) [/ ح. قوله: * (هزي) * خطاب لمريم أم عيسى عليهما السلام أي: حركي جذع النخلة، وكانت ليس لها سعف ولا كرانيف ولا عذوق وكانت في موضع يقال له: بيت لحم. وهي قرية قريبة من بيت المقدس على ثلاثة أميال، وكانت لما حملت بعيسى، عليه السلام، خافت على نفسها من قومها فخرجت مع ابن عمها يوسف طالبة أرض مصر، فلما وصلت إلى النخلة وأدركها النفاس احتضنتها النخلة وأحدقت بها الملائكة فنوديت * (أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) * أي: نهرا ولم يكن هناك نهر ولا عين، وقيل: المراد بالسري عيسى، عليه السلام، وعلى الأول الجمهور، وقال مقاتل: لما سقط عيسى على الأرض ضرب برجله فنبع الماء واطلعت النخلة وأورقت وأثمرت، وقيل لها: (وهزي إليك بجذع النخلة) أي: حركيه * (تساقط عليك رطبا جنيا) * أي: غضا طريا، وقال الربيع بن خيثم: ما للنفساء عندي خير من الرطب، ولا للمريض من العسل، ثم قرأ هذه الآية رواه عبد بن حميد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى الموصلي من حديث علي، رضي الله تعالى عنه، رفعه قال: أطعموا نفساءكم الولد الرطب، فإن لم يكن رطب فتمر وليس من الشجر شجرة أكرم على الله تعالى من شجرة نزلت تحتها مريم، عليها السلام، وقراءة الجمهور: تساقط، بتشديد السين وأصله: تتساقط، فأبدلت من إحدى التاءين سين وأدغمت السين في السين، وقراءة حمزة بالتخفيف، وهي رواية عن أبي عمر، وعلى حذف إحدى التاءين وفيها قراآت شاذة. وقال محمد بن يوسف عن سفيان عن منصور بن صفية: حدثتني أمي عن عائشة، رضي الله عنها. قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين: التمر والماء. مطابقته هذا التعليق عن محمد بن يوسف شيخ البخاري للجزء الثاني للترجمة ظاهرة.. وسفيان هو الثوري، ومنصور بن صفية، بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد الياء آخر الحروف: بنت شيبة بن عثمان من بني عبد الداربن قصي، ذكرت في الصحابيات، روى عنها ابنها منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة الحجبي. والحديث قد مر عن قريب في: باب من أكل حتى شبع، ومر الكلام فيه هناك، وإطلاق الأسود على الماء من باب التغليب، وكذلك الشبع مكان الري. 41 ((باب: * (الرطب والتمر) *)) أي: هذا باب في الرطب والتمر، وربما أشار به إلى أن التمر له فضل على غيره من الأقوات فلذلك ذكر. قوله: * (وهزي إليك) * (مريم: 25) الآية على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وقد روى الترمذي من حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بيت لا تمر فيه جياع أهله، وقال: هذا حديث حسن غريب، والرطب والتمر من طيب ما خلق الله عز وجل وأباحه للعباد، وهو طعام أهل الحجاز وعمدة أقواتهم، وقد دعا إبراهيم، عليه السلام، لتمر مكة بالبركة ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة بمثل ما دعا به إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فلا تزال البركة في تمرهم وثمارهم إلى الساعة. وقد وقع في كتاب ابن بطال: باب الرطب بالتمر بالباء الموحدة وليس في حديث الباب مثل لذلك. وقول الله تعالى: * (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (مريم: 25) [/ ح. قوله: * (هزي) * خطاب لمريم أم عيسى عليهما السلام أي: حركي جذع النخلة، وكانت ليس لها سعف ولا كرانيف ولا عذوق وكانت في موضع يقال له: بيت لحم. وهي قرية قريبة من بيت المقدس على ثلاثة أميال، وكانت لما حملت بعيسى، عليه السلام، خافت على نفسها من قومها فخرجت مع ابن عمها يوسف طالبة أرض مصر، فلما وصلت إلى النخلة وأدركها النفاس احتضنتها النخلة وأحدقت بها الملائكة فنوديت * (أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) * أي: نهرا ولم يكن هناك نهر ولا عين، وقيل: المراد بالسري عيسى، عليه السلام، وعلى الأول الجمهور، وقال مقاتل: لما سقط عيسى على الأرض ضرب برجله فنبع الماء واطلعت النخلة وأورقت وأثمرت، وقيل لها: (وهزي إليك بجذع النخلة) أي: حركيه * (تساقط عليك رطبا جنيا) * أي: غضا طريا، وقال الربيع بن خيثم: ما للنفساء عندي خير من الرطب، ولا للمريض من العسل، ثم قرأ هذه الآية رواه عبد بن حميد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى الموصلي من حديث علي، رضي الله تعالى عنه، رفعه قال: أطعموا نفساءكم الولد الرطب، فإن لم يكن رطب فتمر وليس من الشجر شجرة أكرم على الله تعالى من شجرة نزلت تحتها مريم، عليها السلام، وقراءة الجمهور: تساقط، بتشديد السين وأصله: تتساقط، فأبدلت من إحدى التاءين سين وأدغمت السين في السين، وقراءة حمزة بالتخفيف، وهي رواية عن أبي عمر، وعلى حذف إحدى التاءين وفيها قراآت شاذة. وقال محمد بن يوسف عن سفيان عن منصور بن صفية: حدثتني أمي عن عائشة، رضي الله عنها. قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين: التمر والماء. مطابقته هذا التعليق عن محمد بن يوسف شيخ البخاري للجزء الثاني للترجمة ظاهرة.. وسفيان هو الثوري، ومنصور بن صفية، بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد الياء آخر الحروف: بنت شيبة بن عثمان من بني عبد الداربن قصي، ذكرت في الصحابيات، روى عنها ابنها منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة الحجبي. والحديث قد مر عن قريب في: باب من أكل حتى شبع، ومر الكلام فيه هناك، وإطلاق الأسود على الماء من باب التغليب، وكذلك الشبع مكان الري. 5443 حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان. قال: حدثني أبو حازم عن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن أبي ربيعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان بالمدينة يهودي وكان يسلفني في تمري إلى الجذاذ، وكانت لجابر الأرض التي بطريق رومة، فجلست نخلا عاما فجاءني اليهودي عند الجذاذ ولم أجذ منها شيئا، فجعلت أستنظره إلى قابل فيأتي، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لأصحابه: امشوا نستنظر لجابر من اليهودي فجاؤني في نخلي، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يكلم اليهودي فيقول: أبا القاسم لا أنظره! فلما رآه النبي، صلى الله عليه وسلم، قام فطاف في النخل ثم جاءه فكلمه فأبى. فقمت فجئت بقليل رطب فوضعته بين يدي النبي، صلى الله عليه وسلم، فأكل ثم قال: أين عريشك يا جابر؟ فأخبرته فقال: افرش لي فيه ففرشته فدخل فرقد ثم استيقظ، فجئته بقبضة أخرى فأكل منها ثم قام فكلم اليهودي فأبى عليه فقام في الرطاب في النخل الثانية، ثم قال: يا جابر خذ واقض فوقف في الجذاذ
68 فجذذت منها ما قضيته وفضل مثله فخرجت حتى جئت النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته. فقال: أشهد أني رسول الله. مطابقته للجزء الأول من الترجمة في ذكر الرطب في ثلاثة مواضع، وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون اسمه محمد بن مطرف، وأبو حازم سلمة بن دينار، و إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، واسم أبي ربيعة عمرو، ويقال: حذيفة، وكان يلقب ذا الرمحين، وهو من مسلمة الفتح وولى الجند من بلاد اليمن لعمر ابن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. فلم يزل بها حتى جاء لسنة حصر عثمان رضي الله تعالى عنه، لينصره فسقط عن راحلته فمات ولإبراهيم عنه رواية في النسائي قال أبو حاتم: إنها مرسلة وليس لإبراهيم في البخاري سوى هذا الحديث وأمه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وله رواية عن أمه وخالته عائشة، رضي الله تعالى عنهما، وهذا من أفراده، ورواه الإسماعيلي عن محمد بن أحمد بن القاسم: حدثنا يحيى بن صاعد حدثنا أحمد بن منصور وسعيد بن أبي مريم به سواء، ثم قال: هذه القصة رواها المعروفون فيما كان على أبي جابر، والسلف إلى الجذاذ مما لا يجيزه البخاري وغيره ففي هذا الإسناد نظر، وكذا قال ابن التين: الذي في أكثر الأحاديث أن الدين كان على والد جابر، وأجيب بأنه ليس في الإسناد من ينظر في حاله سوى إبراهيم، وقد ذكره ابن حبان في (ثقات التابعين) وروى عنه أيضا ولده إسماعيل والزهري. قلت: قال ابن القطان: لا يعرف حاله وأجيب: عن قوله: والسلف إلى الجذاذ مما لا يجيزه البخاري بأنه يعارضه الأمر بالسلم إلى أجل معلوم فيحمل على أنه وقع في الاقتصار على الجذاذ اختصارا وأن الوقت كان في الأصل معينا. ومن قوله: هذه القصة رواها المعروفون فيها كان على أبي جابر، بأن القصة متعددة ففعل صلى الله عليه وسلم في النخل المختص بجابر فيما كان عليه من الدين كما فعل فيما كان على والده من الدين، والله أعلم. قوله: (يسلفني)، بضم الياء، من الإسلاف. قوله: (إلى الجذاذ)، بكسر الجيم ويجوز فتحها وبالذال المعجمة ويجوز أهمالها أي: زمن قطع ثمر النخل وهو الصرام. قوله: (وكانت لجابر الأرض التي بطريق رومة)، فيه التفات من الحضرة إلى الغيبة، وكان القياس أن يقال: وكانت لي الأرض التي بطريق رومة. فإن قلت: هل يجوز أن يكون مدرجا من كلام الراوي؟ قلت: يمنعه ما رواه أبو نعيم في (المستخرج) من طريق الرمادي عن سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري فيه: وكانت الأرض لي بطريق رومة، بضم الراء وسكون الواو، وهي البئر التي اشتراها عثمان، رضي الله تعالى عنه، وسبلها، وهي في نفس المدينة. وقيل: إن رومة رجل من بني غفار كانت له البئر قبل أن يشتريها عثمان فنسبت إليه، وقال الكرماني: رومة بضم الراء موضع، وفي بعضها بضم الدال المهملة بدل الراء ولعلها دومة الجندل، وقال بعضهم ونقل الكرماني: أن في بعض الروايات دومة بدال بدل الراء ولعلها دومة الجندل قال: وهذا باطل، لأن دومة الجندل إذ ذاك لم تكن فتحت حتى يمكن أن يكون لجابر فيها أرض انتهى. قلت: هذا الذي قاله باطل لأن الذي في الحديث بطريق رومة، وهذا ظاهر، وأما رواية الدال فمعناها: كانت لجابر أرض كائنة بالطريق التي يسافر منها إلى دومة: الجندل، وليس معناها التي بدومة الجندل حتى يقال: لأن دومة الجندل إذ ذاك لم تكن فتحت، ودومة الجندل على عشر مراحل من المدينة. قوله: (فجلست)، كذا هو بالجيم واللام في رواية القابسي وأبي ذر، وعليه أكثر الرواة، والضمير فيه يرجع إلى الأرض أي: فجلست الأرض من الأثمار نخلا بالنون والخاء المعجمة أي: من جهة النخل قال عياض: وكان أبو مروان من سراج يصوب هذه الرواية إلا أنه يضبطها على صيغة المتكلم بضم التاء ويفسره أي: تأخرت عن القضاء، ويقول: فخلا، بالفاء والخاء المعجمة واللام المشددة من التخلية. أي: تأخر السلف عاما. وقال: ووقع للأصيلي: فحبست، بحاء مهملة ثم باء موحدة على صيغة المجهول، وفي رواية أبي الهيثم فخاست، بالخاء المعجمة وبعد الألف سين مهملة يعني: خالفت
69 معهودها وحملها يقال: خاس فلان عهده إذا خانه أو تغير عن عادته وخاس الشيء إذا تغير، وروى خنست، بخاء معجمة ثم نون أي: تأخرت. قوله: (ولم أجد)، بفتح الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال ويجوز في مثل هذه المادة ثلاثة أوجه: الفتح في آخره والكسر وفك الإدغام. قوله: (استنظره)، أي: اطلب منه أن ينظرني إلى قابل أي: عام آت. قوله: (فيأبى)، أي: فيمتنع اليهودي عن النظرة. قوله: (فأخبر)، على صيغة المجهول من الماضي، قيل: يحتمل أن يكون بضم الراء على صيغة نفس المتكلم من المضارع والضمير فيه لجابر، ووقع في رواية أبي نعيم (المستخرج) فأخبرت. قوله: (أبا القاسم)، أي: يا أبا القاسم فحذف منه حرف النداء. قوله: (عريشك)، العريش ما يستظل به عند الجلوس تحته، وقيل: البناء، على ما يجيء الآن أراد أين المكان الذي اتخذته في بستانك لتستظل به وتقبل فيه؟ قوله: (فجئته)، أي: النبي، صلى الله عليه وسلم. قوله: (قبضة أخرى)، أي: من الرطب. قوله: (فقام في الرطاب في النخل الثانية)، بالنصب أي: المرة الثانية، ولا يظن أنه صفة النخل لأنه ما ثم إلا نحل واحد. قوله: (جد)، بضم الجيم وتشديد الدال المفتوحة. وهو أمر من جد يجد، ويجوز فيه أيضا الأوجه الثلاثة المذكورة، ولا يدرك طعم هذا إلا من له يد في علم الصرف. قوله: (وأقض)، أمر من القضاء. أي: افض الدين الذي عليك، يعني: أوفه لليهودي. قوله: (وفضل مثله)، أي: مثل الدين، ويروى: وفضل منه. قوله: (أشهد أني رسول الله)، إنما قال ذلك لأن فيه خرق العادة الظاهرة، وهو دليل من أدلة النبوة وعلم من أعلامها حيث قضى بالقليل الذي لم يكن يفي بدينه تمام الدين وفضل منه مثله. (عرش وعريش بناء. وقال ابن عباس: معروشات ما يعرش من الكروم وغير ذالك، يقال: عروشها أبنيتها قال محمد بن يوسف: قال أبو جعفر: قال محمد بن إسماعيل فخلى ليس عندي مقيدا ثم قال: نخلا ليس فيه شك). هذا كله لم يثبت إلا للمستملي. قوله: (عرش وعريش بناء) يعني: أن العرش بفتح العين وسكون الراء، وعريش بكسر الراء بعدها ياء آخر الحروف ساكنة معناهما بناء هكذا فسره أبو عبيدة. قوله: (وقال ابن عباس: معروشات) قد مر هذا في آخر تفسير سورة الأنعام. قوله: (يقال: عروشها أبنيتها) أشار به إلى تفسير قوله تعالى: * (خاوية على عرشها) * (البقرة: 259) أي: على أبنيتها، وهو تفسير أبي عبيدة أيضا. ومحمد بن يوسف هو الفربري، وأبو جعفر محمد بن أبي حاتم، ومحمد بن إسماعيل هو البخاري قوله: (فخلا ليس عندي مقيدا) أي: مضبوطا، ثم قال: (نخلا) يعني: بالنون والخاء المعجمة (ليس فيه شك) هذا هو الذي يظهر، والله أعلم. 42 ((باب: * (أكل الجمار) *)) أي: هذا باب في بيان أكل الجمار، وهو بضم الجيم وتشديد الميم جمع جمارة، وهي قلب النخلة وشحمتها. 5444 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: حدثني مجاهد عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما. قال: بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم، جلوس إذ أتي بجمار نخلة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم فظننت أنه يعني النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة يا رسول الله؟ ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم فسكت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. مطابقته للترجمة ظاهرة. من حديث ذكر الجمار، وليس فيه ذكر أكلها، ولكن من المعلوم أنه إنما أتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأجل أكلها. وهذا الحديث قد مضى في كتاب العلم فإنه أخرجه فيه في أربعة مواضع: الأول: في: باب قول المحدث حدثنا قتيبة عن إسماعيل بن جعفر بن عبد الله بن دينار عن ابن عمر. والثاني: في: باب طرح الإمام المسألة عن خالد بن مخلد عن سليمان عن عبد الله بن دينار. الثالث: باب الفهم في العلم، عن علي عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. الرابع: في: باب الحياء في العلم، عن إسماعيل عن مالك عن عبد الله بن دينار، وقد مر الكلام فيه. قوله: (لما بركته) كلمة ما زائدة واللام للتأكيد ويروى: لها بركة أي: للشجر فأنث باعتبار النخلة أو نظرا إلى اعتبار الجنس. قوله: (فظننت أنه) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعني أي: يقصد النخلة. قوله: (أحدثهم) أي: أصغرهم سنا، فسكت رعاية لحق الأكابر.
70 43 ((باب: * (العجوة) *)) أي: هذا باب فضل العجوة على غيرها من التمر وفي (الترغيب) على أكلها وهي بفتح العين المهملة وسكون الجيم وهي أجود تمر المدينة ويسمونه: لينة، وقيل: هي أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد، وذكر ابن التين أن العجوة غرس النبي صلى الله عليه وسلم. 5445 حدثنا جمعة بن عبد الله حدثنا مروان أخبرنا هاشم بن هاشم أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذالك اليوم سم ولا سحر. مطابقته للترجمة ظاهرة. وجمعة، بضم الجيم وسكون الميم: ابن عبد الله بن زياد بن شداد السلمي أبو بكر البلخي، ويقال: اسمه يحيى وجمعة لقب، ويقال له أيضا: أبو خاقان وكان من أئمة الرأي أولا ثم صار من أئمة الحديث. قال ابن حبان في (الثقات): مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة وليس له في البخاري بل ولا في الكتب الستة سوى هذا الحديث، ومروان هو ابن معاوية الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء، وهاشم بن هاشم بن عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن أبي وقاص الزهري، وعامر بن سعد يروي عن أبيه سعد بن أبي وقاص، وأبو وقاص اسمه مالك بن أهيب الزهري. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في الأطعمة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه أبو داود في الطب عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في الوليمة عن إسحاق بن إبراهيم وغيره. قوله: (من تصبح)، أي: أكل صباحا قبل أن يأكل شيئا. قوله: (عجوة)، مجرور بالإضافة من إضافة العام إلى الخاص، ويروى: عجوة بالنصب على التمييز. قوله: (لم يضره)، بضم الضاد وتشديد الراء من الضرر، ويروى: لم يضره، بكسر الضاد وسكون الراء من ضاره يضيره ضيرا إذا أضره. قوله: (سم)، يجوز الحركات الثلاث في السين، وقال الخطابي: كونها عوذة من السحر والسم إنما هو من طريق التبرك لدعوة سلفت من النبي صلى الله عليه وسلم فيها، لا لأن من طبع التمر ذلك. وقال النووي: تخصيص من عجوة المدينة وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع ولا نعلم نحن حكمتها فيجب الإيمان بها وهو كأعداد الصلوات ونصب الزكاة، وقال المظهر: يجوز أن يكون في ذلك النوع منه هذه الخاصية، وفي (العلل الكبير: الدارقطني: من أكل مما بين لابثي المدينة سبع تمرات على الريق، وفي لفظ: من عجوة العالية الحديث، وروى الدارمي بإسناده من حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في عجوة العالية شفاء أو ترياق أول البكرة على الريق، وعن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وأبي هررة رفعاه العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم، وعن مشمعل بن إياس: حدثني عمرو بن سليم حدثني، رافع بن عمرو المزني مرفوعا: العجوة والصخرة من الجنة، روى ابن عدي من حديث الطفاوي عن هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعا، يمنع من الجذام أن يأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة كل يوم يفعل ذلك سبعة أيام ثم قال: لا أعلم رواه بهذا الإسناد غير الطفاوي، وله غرائب وإفرادات وكلها يحتمل ولم أر للمتقدمين فيه كلاما. قلت: قال ابن معين: فيه صالح. وقال أبو حاتم: صدوق، والطفاوي بضم الطاء وتخفيف الفاء نسبة إلى بني طفاوة وقيل: الطفاوة منزل بالبصرة، وقال الطيبي في قوله صلى الله عليه وسلم: من عجوة المدينة تخصيص المدينة، أما لما فيها من البركة التي حصلت فيها بدعائه أو لأن تمرها أوفق لمزاجه من أجل قعوده بها. 44 ((باب: * (القران في التمر) *)) أي: هذا باب في بيان حكم القران في التمر ولم يذكر حكمه اكتفاء بالذي ذكره في حديث الباب، وهو أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه والقران: بكسر القاف من قرن بين الشيئين يقرن ويقرن بضم الراء وكسرها قرانا والمراد ضم تمرة إلى تمرة لمن أكل مع جماعة، وقد ورد في لفظ الحديث القران والإقران من أقرن، والمشهور استعماله ثلاثيا وعليه اقتصر الجوهري. وحكى ابن الأثير: الإقران.
71 5446 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا جبلة بن سحيم قال: أصابنا عام سنة مع ابن الزبير رزقنا تمرا فكان عبد الله بن عمر يمر بنا ونحن نأكل ويقول: لا تقارنوا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القران، ثم يقول: إلا أن يستأذن الرجل أخاه. قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر. مطابقته للترجمة ظاهرة. وجبلة بفتح الجيم والباء الموحدة الخفيفة، من سحيم، بضم السين المهملة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف التابعي الكوفي الثقة ماله في البخاري عن غير ابن عمر شيء. والحديث قد مضى في المظالم عن حفص ابن عمر، وفي الشركة عن أبي الوليد. وأخرجه بقية الجماعة، وقد مر الكلام فيه. قوله: (عام سنة) بالإضافة أي: عام قحط وغلاء. قوله: (مع ابن الزبير)، وهو عبد الله بن الزبير بن العوام أراد أيامه في الحجاز. قوله: (رزقنا)، ويروى: فرزقنا بالفاء أي أعطانا في أرزاقنا. وهو القدر الذي كان يصرف لهم في كل سنة من الخراج وغيره بدل النقد تمرا لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة التي حصلت. قوله: (ونحن نأكل)، الواو فيه للحال. قوله: (لا تقارنوا) وفي رواية أبي الوليد في الشركة. فيقول: لا تقرنوا، وكذا لأبي داود الطيالسي في (مسنده) قوله: (نهى عن القران) وفي رواية الأكثرين: عن الإقران من الثلاثي المزيد فيه قوله: (أخاه) أي: صاحبه الذي اشترك معه في أكل التمر، فإذا أذن له في ذلك جاز. وقال النووي: اختلفوا في هذا النهي: هل هو على التحريم أو الكراهة؟ الصواب: التفصيل فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، ويحصل بتصريحهم أو بما يقوم مقامه من قرينة حال بحيث يغلب على الظن ذلك، وإن كان الطعام لغيرهم حرم، وإن كان لأحدهم وأذن لهم في الأكل اشترط ويحرم بغيره، وذكر الخطابي: أن شرط هذا الاستئذان إنما كان في زمنهم حيث كانوا في قلة من الشيء فأما اليوم مع اتساع الحال لا يحتاج إلى الاستئذان، واعترض عليه النووي بأن الصواب التفصيل لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لو ثبت السبب كيف وهو غير ثابت؟ ويقوي هذا حديث أبي هريرة أخرجه البزار من طريق الشعبي عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا بين أصحابه فكان بعضهم يقرن فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن إلا بإذن أصحابه، ورواه الحاكم في (المستدرك) بلفظ: كنت في الصفة فبعث إلينا النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عجوة. فسكبت بيننا وكنا نقرن الثنتين من الجوع، فكنا إذا قرن أحدنا قال لأصحابه: أني قد قرنت فأقرنوا، قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال البزار: لم يروه عن عطاء بن السائب عن الشعبي إلا جرير بن عبد الحميد، ورواه عمران بن عيينة عن عطاء عن محمد بن عجلان عن أبي هريرة انتهى. قال: شيخنا وعطاء بن السائب تغير حفظه بآخره، وجرير ممن روى عنه بعد اختلاطه، قاله أحمد بن حنبل: فلا يصح الحديث إذا والله أعلم. فإن قلت: روى البزار والطبراني في (الأوسط) من رواية يزيد بن يزيغ عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن الإقران في التمر، فإن الله قد وسع عليكم فأقرنوا. قلت: يزيد بن يزيغ ضعفه يحيى بن معين والدارقطني. قوله: (قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر)، هو موصول بالسند الذي قبله، وأشار به إلى أنه مدرج، والحاصل أن أصحاب شعبة اختلفوا فأكثرهم رواه عنه. مدرجا وطائفة منهم رووا عنه التردد في كون هذه الزيادة مرفوعة أو موقوفة. وآدم في رواية البخاري جزم عن شعبة بأن هذه الزيادة من قول ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما. 45 ((باب: * (القثاء 27) *)) أي: هذا باب في بيان ذكر القثاء، وهذه الترجمة زائدة لا فائدة تحتها لأنه ذكر عن قريب: باب الرطب بالقثاء، وذكر الحديث الذي ذكره في هذا الباب والاختلاف بينهما في شيخه فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله، وهنا عن إسماعيل بن عبد الله، وكلاهما عن إبراهيم بن سعد. 5447 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه. قال: سمعت عبد الله بن جعفر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء.
72 مطابقته للترجمة في قوله: بالقثاء وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أويس، وهنا صرح سعد والد إبراهيم بالسماع عن عبد الله بن جعفر وهناك روى بالعنعنة. فافهم. 46 ((باب: * (بركة النخل) *)) أي: هذا باب في بيان بركة النخل. 5448 حدثنا أبو نعيم حدثنا محمد بن طلحة عن زبيد عن مجاهد قال: سمعت ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من الشجر تكون مثل المسلم وهي النخلة. هذا الحديث قد مر عن قريب في: باب أكل الجمار، وقد أنهينا الكلام هناك. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وزبيد بضم الزاي وفتح الياء الموحدة والباء آخر الحروف الساكنة وبالدال المهملة مصغر الزبد. 47 ((باب: * (جمع اللونين أو الطعامين بمرة) *)) أي: هذا باب في بيان حكم جمع اللونين أو الطعامين بمرة. أي: في حالة واحدة. وهذه الترجمة سقطت. وحديثها من رواية النسفي ولم يذكرهما الإسماعيلي أيضا. قال المهلب: لا أعلم من نهى عن خلط الأدم إلا شيئا يروى عن عمر ويمكن أن يكون ذلك من السرف، والله أعلم، لأنه كان يمكن أن يأتدم بأحدهما ويرفع لآخر إلى مرة أخرى، ولم يحرم ذلك عمر، رضي الله تعالى عنه، لأجل الاتباع في أكل الرطب بالقثاء والقديد مع الدباء، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبين هذا روى عبد الله بن عمر القواريري: حدثنا حمزة بن نجيح الرقاشي حدثنا سلمة بن حبيب عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه، عليه الصلاة والسلام، نزل بقباء ذات يوم وهو صائم فانتظره رجل يقال له: أوس بن خولي، حتى إذا دنا إفطاره أتاه بقدح فيه لبن وعسل، فناوله صلى الله عليه وسلم قدامه فوضعه على الأرض. ثم قال: يا أوس بن خولي ما شرابك هذا؟ قال: هذا لبن وعسل يا رسول الله. قال: إني لا أحرمه، ولكني أدعه تواضعا لله، فإن من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر قصمه الله ومن بذر أفقره الله، ومن اقتصد أغناه الله، ومن ذكر الله أحبه الله. 5449 حدثنا ابن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عبد الله ابن جعفر، رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء. مطابقته للترجمة ظاهرة، وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وقد مر الحديث عن قريب في: باب القثاء، وفي باب: الرطب بالقثاء، ومر الكلام فيه. 48 ((باب: * (من أدخل الضيفان بينه عشرة عشرة، والجلوس على الطعام عشرة عشرة) *)) أي: هذا باب في ذكر من أدخل الضيفان بيته عشرة عشرة، وفي ذكر الجلوس أيضا على المائدة عشرة عشرة، وذلك لضيق الطعام أو لضيق المجلس. 5450 حدثنا الصلت بن محمد حدثنا حماد بن زيد عن الجعد أبي عثمان عن أنس. ح وعن هشام عن محمد عن أنس. ح وعن سنان أبي ربيعة عن أنس: أن أم سليم أمه عمدت إلى مد من شعير جشته وجعلت منه خطيفة وعصرت عكة عندها ثم بعثتني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته وهو في أصحابه فدعوته، قال: ومن معي؟ فجئت فقلت: إنه يقول: ومن معي؟ فخرج إليه أبو طلحة، قال: يا رسول الله، إنما هو شيء صنعته أم سليم فدخل فجيء به، وقال: أدخل علي عشرة، فدخلوا فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال: أدخل علي عشرة، فدخلوا فأكلوا حتى
73 شبعوا، ثم قال: أدخل علي عشرة، حتى عد أربعين ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام فجعلت أنظر هل نقص منها شيء. مطابقته للترجمة ظاهرة، وقد مرت هذه القصة في علامات النبوة بأتم منها، ومضى الكلام فيها. وأخرجه من ثلاث طرق: الأول: عن الصلت بن محمد الخاركي عن حماد بن زيد عن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن دينار اليشكري البصري الصيرفي المكني بأبي عثمان عن أنس. الطريق الثاني: عن حماد بن يزيد عن هشام بن حسان الأزري عن محمد بن سيرين عن أنس. الطريق الثالث: عن حماد بن زيد عن سنان، بكسر السين المهلمة وخفة النون المكنى بأبي ربيعة عن أنس، وقال عياض: وقع في رواية ابن السكن: سنان بن أبي ربيعة، وهو خطأ، وإنما هو سنان أبو ربيعة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وهو مقرون بغيره لأن يحيى بن معين وأبا حاتم تكلما فيه، وقال ابن عدي له أحاديث قليلة. وأرجو أنه لا بأس به. قوله: (أن أم سليم أمه)، أي: أم أنس، وفي اسمها أقوال، وقد مر ذكرها مرارا عديدة. قوله: (عمدت)، أي: قصدت. قوله: (جشته) بجيم وشين معجمة من التجشية أي: جعلته جشيشا، والجشيش دقيق غير ناعم. قوله: (خطيفة)، بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء وبالفاء وهي لبن يدر عليه الدقيق ثم يطبخ فيلعقه الناس ويختطفونه بسرعة، وقال الخطابي: هي الكبولاء، بفتح الكاف وضم الباء الموحدة، تسمى بها لأنها قد تختطف بالملاعق. قوله: (عكة) بالضم آنية السمن. قوله: (أبو طلحة) هو زيد بن سهل زوج أم سليم. قوله: (إنما هو شيء صنعته أم سليم) يعني شيء قليل، وفيه اعتذار لنفسه. قوله: (أدخل) بفتح الهمزة أمر من الإدخال. قوله: (عشرة) ليس للتنصيص عليها، وإنما ذكرها لأنها كانت قصعة واحدة ولا يتمكنون من التناول منها إذا كانوا أكثر من عشرة مع قلة الطعام قال ابن بطال: الاجتماع على الطعام من أسباب البركة، وقد روى أبو داود من حديث وحشي بن حرب رفعه: اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم قوله: (فجعلت أنظر) إلى آخره. قائله: أنس. وفيه: معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم حيث شبع أربعون وأكثر من مد واحد ولم يظهر فيه نقصان. 49 ((باب: * (ما يكره من الثوم والبقول) *)) أي: هذا باب في بيان ما يكره من أكل الثوم من نيئه ومطبوخه، وما يكره أيضا من أنواع البقول، مثل الكراث ونحوه مما له رائحة كريهة، والثوم بضم الثاء المثلثة ولغة البلدين: توم بالتاء المثناة من فوق. (فيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي: في بيان هذا الباب روي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومر هذا مسندا في آخر كتاب الصلاة في: باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث، قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله. قال: حدثنا نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: في غزوة خيبر: من أكل من هذه الشجرة. يعني: الثوم، فلا يقربن مسجدنا ومر الكلام فيه. 5451 حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز قال: قيل لأنس: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في الثوم؟ فقال: من أكل فلا يقربن مسجدنا. مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد الوارث هو ابن سعيد، وعبد العزيز هو ابن صهيب، والحديث مضى في الباب الذي ذكرناه الآن فإنه أخرجه هناك عن أبي معمر عن عبد الوارث إلى آخره. قوله: (من أكل الثوم) يتناول النيء والنضيج، وهذا عذر في ترك الجمعة والجماعة وذلك لأن رائحته تؤذي جاره في المسجد وتنقر الملائكة عنها ومرت مباحثه هناك. 5452 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أبو صفوان عبد الله بن سعيد أخبرنا يونس عن ابن
74 شهاب قال حدثني عطاء أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما زعم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من أكل ثوما أو بصلا فليعتز لنا أو ليعتزل مسجدنا. مطابقته للترجمة في قوله: (من أكل ثوما) ولم يورد حديثا في كراهة شيء من البقول نحو الكراث، وهذا الحديث أيضا مضى في الباب المذكور بأتم منه. ومر الكلام فيه. 50 ((باب: * (الكباث وهو تمر الأراك) *)) أي: هذا باب في بيان حل أكل الكباث، وهو بفتح الكاف والباء الموحدة الخفيفة والثاء المثلثة، وهو ثمر الأراك، بفتح الهمزة وتخفيف الراء وبالكاف، وهو شجر معروف له حمل كعناقيد العنب، واسمه الكباث، وإذا نضج سمي المرد والأسود منه أشد نضجا ووقع في رواية أبي ذر عن مشايخه: وهو ورق الأراك واعترض عليه ابن التين فقال ورق الأراك ليس بصحيح و الذي في اللغة أنه تمر الأراك وقال أبو عبيد هو تمر الأراك إذا يبس وليس له عجم، وقال أبو زياد: يشبه التين يأكله الناس والإبل والغنم، وقال أبو عمر: وهو حار مالح كان فيه ملحا. 5453 حدثنا سعيد بن عفير حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجني الكباث، فقال: عليكم بالأسود منه فإنه أيطب، فقال: أكنت ترعى الغنم؟ قال: نعم، وهل من نبي إلا رعاها. مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد ذكروا غير مرة. والحديث قد مضى في أحاديث الأنبياء عليهم السلام. قوله: (بمر الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء، والظهران بلفظ تثنية الظهر وهو موضع على مرحلة من مكة. قوله: (نجني) أي: نقتطف الكبات، وكان هذا في أول الإسلام عند عدم الأقوات فإذ قد أغنى الله عباده بالحنطة والحبوب الكثيرة وسعة الرزق فلا حاجة بهم إلى ثمر الأراك. قوله: (أيطب)، مقلوب: أطيب، مثل أجذب وأجبذ، ومعناهما واحد. قوله: (فقال) أي: جابر: (أكنت ترعى الغنم)؟ ويروى: فقيل الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار، ونقل ابن التين عن الداودي الحكمة في اختصاص الغنم بذلك لكونها لا تركب فلا تزهو نفس راكبها. وقال صاحب (التوضيح) كان بعضهم يركب تيوس المعز في البلاد الكثيرة الجبال والحرارة كما ذكره المسعودي وغيره. قلت: قول من قال: إنه يركب تيوس المعز، عبارة عن كون تيوسهم كبيرة جدا حتى إن أحدا يركب على تيس ولا يفكر، وليس المراد منه أنهم يركبونها كركوب غيرها من الدواب التي تركب. قوله: (وهل من نبي) أي: وما من نبي (إلا رعى الغنم)؟ والحكمة فيه أن يأخذ الأنبياء عليهم السلام، لأنفسهم بالتواضع وتصفي قلوبهم بالخلوة ويترفوا من سياستها بالنصيحة إلى سياسة أممهم بالشفقة عليهم، وهدايتهم إلى الصلاح. 51 ((باب: * (المضمضة بعد الطعام) *)) أي: هذا باب في بيان فعل المضمضة بعد أكل الطعام. 5454 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان سمعت يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سويد بن النعمان قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فلما كنا بالصهباء دعا بطعام فما أتي إلا بسويق. فأكلنا فقام إلى الصلاة فتمضمض ومضمضنا. قال يحيى: سمعت بشيرا يقول: حدثنا سويد خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فلما كنا بالصهباء قال يحيى وهي من خيبر على روحة، دعا بطعام فما أتي إلا بسويق، فلكناه فأكلنا معه، ثم دعا بماء فمضمض ومضمضنا معه، ثم صلى بنا المغرب ولم يتوضأ، وقال سفيان: كأنك تسمعه من يحيى.
75 مطابقته للترجمة ظاهرة، وعلي هو ابن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، و يحيى بن سعيد الأنصاري، وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الباء آخر الحروف ابن يسار ضد اليمين. وهذا الحديث بعين هذا الإسناد والمتن مع بعض اختلاف فيه بزيادة ونقصان قد مر في كتاب الأطعمة في باب * (ليس على الأعمى حرج) * (النور: 61) وقد مر الكلام فيه. قوله: (كأنك تسمعه من يحيي)، أي: قال سفيان بن عيينة: نقلت الحديث من يحيى بن سعيد بلفظه بعينه صحيحا فكأنك ما تسمعه إلا منه. 5454 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان سمعت يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سويد بن النعمان قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فلما كنا بالصهباء دعا بطعام فما أتي إلا بسويق. فأكلنا فقام إلى الصلاة فتمضمض ومضمضنا. قال يحيى: سمعت بشيرا يقول: حدثنا سويد خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فلما كنا بالصهباء قال يحيى وهي من خيبر على روحة، دعا بطعام فما أتي إلا بسويق، فلكناه فأكلنا معه، ثم دعا بماء فمضمض ومضمضنا معه، ثم صلى بنا المغرب ولم يتوضأ، وقال سفيان: كأنك تسمعه من يحيى. مطابقته للترجمة ظاهرة، وعلي هو ابن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، و يحيى بن سعيد الأنصاري، وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الباء آخر الحروف ابن يسار ضد اليمين. وهذا الحديث بعين هذا الإسناد والمتن مع بعض اختلاف فيه بزيادة ونقصان قد مر في كتاب الأطعمة في باب * (ليس على الأعمى حرج) * (النور: 61) وقد مر الكلام فيه. قوله: (كأنك تسمعه من يحيي)، أي: قال سفيان بن عيينة: نقلت الحديث من يحيى بن سعيد بلفظه بعينه صحيحا فكأنك ما تسمعه إلا منه. 52 ((باب: * (لعق الأصابع ومصها قبل أن تمسح بالمنديل) *)) أي: هذا باب في بيان استحباب لعلق الأصابع ومصها بعد الفراغ من أكل الطعام قبل أن يمسح يده بالمنديل، وإنما قيده بالمنديل إشارة إلى ما وقع في بعض طرق الحديث كما أخرجه مسلم من طريق سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: فلا يمسح يده بالمنديل، وأشار بقوله: (ومصها) إلى ما وقع في بعض طرقه عن جابر أيضا، فيما أخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي سفيان عنه بلفظ: إذا طعم أحدكم فلا يمسح يده حتى يمصها. 5456 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه مسلم في الأطعمة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، وأخرجه النسائي في الوليمة عن محمد بن يزيد وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن ابن أبي عمرو به. قوله: (إذا أكل أحدكم) أي: طعاما وكذا في رواية مسلم. قوله: (حتى يلعقها) بفتح الياء من لعق يلعق من باب علم يعلم لعقا. قوله: (أو يلعقها) بضم الياء. وكلمة: أو ليست للشك. وإنما هي للتنويع أي: أو يلعقها غيره. وقال النووي: معناه والله أعلم لا يمسح يده حتى يلعقها هو، فإن لم يفعل فحتى يلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك كزوجة أو ولدا وخادم يحبونه ولا يتقذرونه، وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد البركة بلعقها، وكذا لو ألعقها شاة ونحوها. وقال البيهقي كلمة: أو للشك من الراوي، فإن كانا جميعا محفوظين فإنما أراد أن يلعقها صغيرا أو من يعلم أنه لا يتقذر بها ويحتمل أن يكون أراد أن يلعق إصبعه فمه، فيكون بمعنى: يلعقها، فتكون: أو للشك. والكلام في هذا الباب على أنواع. الأول: أن نفس اللعق مستحب محافظة على تنظيفها ودفعا للكبر، والأمر فيه محمول على الندب والإرشاد عند الجمهور، وحمله أهل الظاهر على الوجوب، وقال الخطابي: قد عاب قوم لعق الأصابع، لأن الترفة أفسد عقولهم وغير طباعهم الشبع والتخمة، وزعموا أن لعق الأصابع مستقبح أو مستقذر أو لم يعلموا أن الذي على أصابعه جزء من الذي أكله فلا يتحاشى منه إلا متكبر ومترفه تارك للسنة. الثاني: أن من الحكمة في لعق الأصابع ما ذكره في حديث أبي هريرة، وأخرجه الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة). وأخرجه مسلم أيضا والنسائي وابن ماجة من رواية سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان. ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة، يعني: فيما أكل أو فيما بقي في الإناء، فيلعق يده ويمسح الإناء رجاء حصول البركة. والمراد بالبركة. والله أعلم ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوى على طاعة الله تعالى، وغير ذلك، وقال النووي: وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والامتناع به. والثالث: أنه ينبغي في لعق الأصابع الابتداء بالوسطى ثم السبابة ثم الإبهام. كما جاء في حديث كعب بن عجرة رواه الطبراني في الأوسط قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأكل بأصابعه الثلاث قبل أن يمسحها بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث فيلعق الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام، وكان السبب في ذلك أن الوسطى أكثر الثلاثة تلويثا بالطعام لأنها أعظم الأصابع وأطولها. فينزل في الطعام منه أكثر مما ينزل من السبابة، وينزل من السبابة في الطعام أكثر من الإبهام لطول السبابة على الإبهام ويحتمل أن يكون البدء بالوسطى لكونها أول ما ينزل في الطعام لطولها. والرابع: أن في الحديث: فلا يمسح يده حتى يلعقها، وهذا
76 مطلق، والمراد به الأصابع الثلاث التي أمر بالأكل بها كما في حديث أنس أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث وبين الثلاث في حديث كعب بن عجرة المذكور أنفا: وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم، كان يأكل بهذه الثلاث المذكورة في حديث كعب. وقال ابن العربي: فإن شاء أحد أن يأكل بالخمس فليأكل فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يتعرق العظم وينهش اللحم ولا يمكن أن يكون ذلك في العادة إلا بالخمس كلها. وقال شيخنا: فيه نظر لأنه يمكن بالثلاث، ولئن سلمنا ما قاله: فليس هذا أكلا بالأصابع الخمس، وإنما هو ممسك بالأصابع فقط لا آكل بها، ولئن سلمنا أنه آكل بها لعدم الإمكان فهو محل الضرورة كمن ليس له يمين، فله الأكل بالشمال. قلت: حاصل هذا أن شيخنا منع استدلال ابن العربي بما ذكره، والأمر فيه أن السنة أن يأكل بالأصابع الثلاث وإن أكل بالخمس فلا يمنع، ولكنه يكون تاركا للسنة إلا عند الضرورة فافهم. الخامس: أنه ورد أيضا استحباب لعق الصحفة أيضا على ما روى الطبراني من حديث العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لعق الصحفة ولعق أصابعه أشبعه الله في الدنيا والآخرة. وروى الترمذي من حديث أبي اليمان. قال: حدثتني أم عاصم، وكانت أم ولد لسنان بن سلمة قالت: دخل علينا نبيشة الخير ونحن نأكل في قصعة، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من أكل في قطعة ثم لحسها استغفرت له القصعة، وقال: هذا حديث غريب، ونبيشة، بضم النون وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبشين معجمة: ابن عبد الله بن عمرو بن عتاب بن الحارث بن نصير بن حصين بن رابغة، وقيل: لرابغة بن لحيان بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار الهذلي، ويقال له نبيشة الخير، ويقال: الخيل باللام، وهو ابن عم سلمة بن المحبق. السادس: ما المراد باستغفار القصعة؟ يحتمل أن الله تعالى يخلق فيها تمييزا أو نطقا تطلب به المغفرة، وقد ورد في بعض الآثار أنها تقول: آجرك الله كما آجرتني من الشيطان، ولا مانع من الحقيقة. ويحتمل أن يكون ذلك مجازا كنى به. 53 ((باب: * (المنديل) *)) أي: هذا باب فيه ذكر المنديل. قال الجوهري: المنديل معروف. تقول منه: تندلت بالمنديل وتمندلت، وأنكر الكسائي تمندلت. قلت: هذا يدل على أن الميم فيه زائدة وذكره أيضا. في باب ندل، وذكر في باب منديل: تمدل بالمنديل لغة في تندل، وهذا يدل على أن النون فيه زائدة. 5457 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثني محمد بن فليح قال: حدثني أبي عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سأله عن الوضوء مما مست النار فقال: لا قد كنا زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لا نجد مثل ذلك من الطعام إلا قليلا فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ. مطابقته للترجمة في قوله: (لم يكن لنا مناديل). ومحمد بن فليح: بضم الفاء وفتح اللام يروي عن أبيه فليح بن سليمان المدني، وسعيد بن الحارث بن أبي العلا الأنصاري قاضي المدينة. والحديث أخرجه ابن ماجة أيضا في الأطعمة عن أبي الحارث محمد بن سلمة المصري. قوله: (أنه)، أي: أن سعيد بن الحارث سأل جابر بن عبد الله عن الوضوء مما مسته النار، يجب أم لا؟ فقال جابر: لا يجب. قوله: (مثل ذلك)، أي: مما مست النار. قوله: (إلا أكفنا)، بفتح الهمزة وضم الكاف جمع كف، أراد أنهم إذا أكلوا من الأطعمة مما يحتاجون فيها إلى مسح أياديهم ولم يكن لهم مناديل يمسحون بأكفهم وسواعدهم وأقدامهم، وكان عمر، رضي الله عنه، يمسحها برجليه. قاله مالك عنه، وحكم الوضوء مما مسته النار قد تقدم في كتاب الطهارة. 54 ((باب: * (ما يقول إذا فرغ من طعامه) *)) أي: هذا باب في بيان ما يقول الآكل إذا فرغ من أكل طعامه، وحديث الباب يبين ما يقوله. 5458 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ثور عن خالد بن معدان عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم
77 كان إذا رفع مائدته قال: الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا. مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح معنى الترجمة ويبينها. وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري، وثور بلفظ الحيوان المشهور وهو ابن يزيدالشامي، وخالد بن معدان بفتح الميم وسكون العين المهملة الكلاعي بفتح الكاف وتخفيف اللام، وأبو أمامة بضم الهمزة صدي بن عجلان الباهلي. والحديث أخرجه البخاري أيضا عن أبي عاصم، يأتي عن قريب. وأخرجه أبو داود أيضا في الأطعمة عن مسدد. وأخرجه الترمذي في الدعوات عن بندار. وأخرجه النسائي في الوليمة عن عمرو بن منصور عن أبي نعيم به، وعن غيره، وفي اليوم والليلة عن محمد بن إسماعيل. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن دحيم. قوله: (مائدته)، قد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم، لم يأكل على الخوان، وهنا يقول: إذا رفع مائدته، والجواب عن هذا إما أن يريد بالمائدة الطعام أو ذلك الراوي، وهو أنس لم ير أنه أكل عليها. أو كان له مائدة لكن لم يأكل هو بنفسه صلى الله عليه وسلم، عليها وسئل البخاري أنه هاهنا يقول: على المائدة وثمة قال: على السفرة لا على المائدة. فقال: إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع ذلك الشيء والطعام يقال: رفعت المائدة. قوله: (كثيرا)، أي: حمدا كثيرا وكذا في رواية ابن ماجة. قوله: (طيبا). أي: خالصا. قوله: (مباركا فيه). أي: في الحمد. ومباركا من البركة، وهي الزيادة. قوله: (غير مكفي)، بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد الياء، قال ابن بطال: يحتمل أن يكون من كفأت الإناء إذا كببته. فالمعنى غير مردود عليه إنعامه وإفضاله إذا فضل الطعام على الشبع فكأنه قال: ليست تلك الفضلة مردودة ولا مهجورة، ويحتمل أن يكون من الكفاية، ومعناه: أن الله تعالى غير مكفي رزق عباده أي: ليس أحد يرزقهم غيره. وقال الخطابي: غير محتاج إلى أحد فيكفي لكنه، يطعم ويكفي، وقال القزاز: غير مستكفي أي: غير مكتف بنفسي عن كفايته، وقال الداودي: غير مكفي أي: لم يكتف من فضل الله ونعمه، وقال ابن الجوزي: غير مكفي إشارة إلى الطعام والمعنى: رفع هذا الطعام غير مكفي أي: غير مقلوب عنا من قولك: كفأت الإناء إذا قلبته، والمعنى غير منقطع هذا كله على أن الضمير لله. وقال إبراهيم الحربي: الضمير للطعام ومكفي بمعنى مقلوب من الإكفاء وهو القلب غير أنه لا يكفي الإناء للاستغناء عنه، وذكر ابن الجوزي عن أبي منصور الجواليقي، أن الصواب غير مكافأ بالهمزة. أي: أن نعمة الله لا تكافأ. قلت: هذا التطويل بلا طائل، بل لفظ مكفي، من الكفاية وهو اسم مفعول أصله مكفوي على وزن مفعول، ولما اجتمعت الواو والياء قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ثم أبدلت ضمة الياء كسرة لأجل الياء والمعنى: هذا الذي أكلنا ليس فيه كفاية لما بعده بحيث إنه ينقطع ويكون هذا آخر الأكل، بل هو غير منقطع عنا بعد هذا، بل تستمر هذه النعمة لنا طول أعمارنا، ولا تنقطع والله أعلم. قوله: (ولا مودع)، بضم الميم وفتح الواو، وتشديد الدال المفتوحة قالت الشراح: معناه: غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده. قلت: معناه غير مودع منا من الوداع يعني: لا يكون آخر طعامنا ويجوز كسر الدال يعني: غير تارك الطعام لما بعده. قوله: (ولا مستغني عنه) يؤكد المعنى الذي قلنا: وحاصله لا يكون لنا استغناء منه. قوله: (ربنا)، أي: يا ربنا فحذف منه حرف النداء، ويجوز رفعه بأن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو ربنا. قالوا: ويصح أن ينصب بإضمار أعني، وكذلك ضبط في بعض الكتب، ويصح خفضه بدلا من الضمير في عنه، قيل: ويصح أن يرتفع بالابتداء ويكون خبره مقدما عليه وهو غير مكفي. 5459 حدثنا أبو عاصم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا فرغ من طعامه وقال مرة: إذا رفع مائدته قال: الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفي ولا مكفور، وقال مرة: الحمد لله ربنا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى ربنا. هذا طريق آخر أخرجه عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل إلى آخره. قوله: (وقال مرة: إذا رفع مائدته) أي: طعامه، كما ذكرنا أن المائدة تأتي بمعنى الطعام. وقوله: (كفانا) هذا يدل على أن الضمير فيما تقدم يرجع إلى الله تعالى لأن الله تعالى. هو الكافي لا مكفي قوله: (وأروانا) من عطف الخاص على العام لأن: كفانا من الكفاية وهي: أعم من الشبع
78 والري، ووقع في رواية ابن السكن: وآوانا بالمد من الإيواء قوله: (ولا مكفور) أي: ولا غير مشكور. ووقع في حديث أبي سعيد أخرجه أبو داود: (الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين). ووقع في حديث أبي أيوب أخرجه أبو داود والترمذي (الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا)، ووقع في حديث أبي هريرة أخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم ما في حديث أبي سعيد، وزيادة في حديث مطول. 55 ((باب: * (الأكل مع الخادم) *)) أي: هذا باب في بيان الأكل مع الخادم على قصد التواضع والتذلل وترك الكبر، وذلك من آداب المؤمنين وأخلاق المرسلين والخادم يطلق على الذكر والأنثى، وأعم من أن يكون رقيقا أو حرا. 5460 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن محمد هو ابن زياد قال: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين أو لقمة أو لقمتين فإنه ولي حره وعلاجه. مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث والحديث مضى في العتق عن حجاج بن منهال. قوله: (أحدكم)، بالنصب على المفعولية، (وخادمه) بالرفع على الفاعلية. قوله: (فإن لم يجلسه)، بضم الياء من الإجلاس، وفي رواية مسلم: فليقعده معه فليأكل، وفي رواية إسماعيل بن خالد عن أبيه عن أبي هريرة عند أحمد والترمذي: فليجلسه معه فإن لم يجلسه معه فليتناوله، وفي رواية لأحمد عن عجلان عن أبي هريرة: فادعه فإن أبى فأطعمه منه، وفاعل: أبى، يحتمل أن يكون السيد، والمعنى: إذا ترفع عن مواكلة غلامه، ويحتمل أن يكون الخادم يعني: إذا تواضع عن مواكلة سيده، ويؤيد الاحتمال الأول أن في رواية جابر عند أحمد: أمرنا أن ندعوه، فإن كره أحدنا أن يطعم معه فليطعمه في يده. قوله: (فليناوله أكله)، بضم الهمزة اللقمة قوله: (وأكلتين)، كلمة أو، فيه للتقسيم. وفي قوله: أو لقمة للشك من الراوي وفي رواية الترمذي من حديث إسماعيل بن خالد عن أبيه عن أبير هريرة يخبرهم ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليأخذ بيده فليقعده معه، فإن أبى فليأخذ لقمة فليطعمها إياه. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو خالد والد إسماعيل اسمه سعد، وفي رواية مسلم: فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليصنع في يده منه أكلة أو أكلتين، يعني: لقمة أو لقمتين. قوله: (فإنه)، أي: فإن الخادم (ولي حره) أي: حر الطعام حيث طبخه. قوله: (وعلاجه)، أي: وولي علاجه. أي: تركيبه وتهيئته وإصلاحه ونحو ذلك. وفي رواية لأحمد فإنه ولي حره ودخانه، وروى أبو يعلى من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي للرجل أن يلي مملوكه حر طعامه وبرده فإذا حضر عزله عنه، وفي إسناده حسين بن قيس وهو متروك، وروى الطبراني من حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا صلى مملوك أحدكم طعاما فولي حره وعمله فقربه إليه فليدعه فليأكل معه، فإن أبى فليضع في يده مما يضع، وإسناده منقطع الأمر في هذه الأحاديث محمول على الاستحباب. وقال المهلب: هذا الحديث يفسر حديث أبي ذر في الأمر بالتسوية مع الخادم في المطعم والملبس فإنه جعل الخيار إلى السيد في إجلاس الخادم معه وتركه قيل: ليس في الأمر في قوله في حديث أبي ذر: أطعموهم مما تطعمون إلزام بمواكلة الخادم، بل فيه أن لا يستأثر عليه بشيء بل يشركه في كل شيء لكن بحسب ما يدفع به شر عينيه، ونقل ابن المنذر عن جميع أهل العلم أن الواجب إطعام الخادم من غالب القوت الذي أكل منه مثله في تلك البلدة، وكذلك القول في الأدم والكسوة، وأن للسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك، وإن كان الأفضل أن يشرك معه الخادم في ذلك وفي (التوضيح) قوله: فإن لم يجلسه، دال على أنه لا يجب على المرء أن يطعمه مما يأكل، قيل لمالك: أيأكل الرجل من طعام لا يأكله أهله وعياله ورقيقه ويلبس غير ما يكسوهم؟ قال: أي: والله، وأراه في سعة من ذلك ولكن يحسن إليهم. قيل: فحديث أبي ذر؟ قال: كان الناس ليس لهم هذا القوت. 56 ((باب: * (الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر) *)) أي: هذا باب يقال فيه: الطاعم الشاكر، وهو مرفوع بالابتداء. قوله: مثل الصائم الصابر، خبره أي: الشاكر الذي يأكل ويشكر
79 الله ثوابه مثل ثواب الذي يصوم ويصبر على الجوع. قيل: الشكر نتيجة النعماء والصبر نتيجة البلاء، فكيف يشبه الشاكر بالصابر؟ وأجيب بأن التشبيه في أصل الاستحقاق لا في الكمية ولا في الكيفية ولا تلزم المماثلة في جميع الوجوه. وقال الطيبي: ورد الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر، وربما يتوهم متوهم أن ثواب الشكر يقصر عن ثواب الصبر فأزيل توهمه به، يعني: هما متساويان في الثواب: ووجه الشبه حبس النفس إذ الشاكر يحبس نفسه على محبة المنعم بالقلب والإظهار باللسان وقال أهل اللغة: رجل طاعم حسن الحال في المطعم، ومطعام كثير القرى، ومطعم كثير الأكل، وقال ابن العربي: سوى بين درجتي الطاعة من الغني والفقير في الأجر. * (فيه: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) * أي: روي في هذا الباب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر ابن بطال هذه الزيادة في شرحه، بل وصل الباب بالباب الآتي بعده، وابن حبان قد خرج هذا في (صحيحه) فقال: حدثنا بكر بن أحمد العابد حدثنا نصر بن علي حدثنا معتمر بن سليمان عن معمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر. وأخرجه الحاكم بلفظ: مثل الصائم الصابر نحو الترجمة المذكورة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرجه ابن ماجة من حديث الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن أبي حرة عن حكيم بن أبي حرة عن سنان بن سنة الأسلمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم. قلت: سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون ابن سنة بفتح السين المهملة والنون المشددة له صحبة ورواية، وقال ابن حبان: معنى الحديث أن يطعم ثم لا يعصي بإرثه بقوته، ويتم شكره بإتيان طاعته بجوارحه لأن الصائم قرن به الصبر وهو صبره عن المحظورات، وقرن بالطاعم الشكر فيجب أن يكون هذا الشكر الذي يقوم بإزاء ذلك الصبر أن يقاربه ويشاركه وهو ترك المحظورات. فإن قيل: هل يسمى الحامد شاكرا قيل: نعم، لما روى معمر عن قتادة عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده، وقال الحسن: ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أعظم منها كائنة ما كانت، وقال النخعي: شكر الطعام أن تسمي إذا أكلت وتحمد إذا فرغت، وفي علل ابن أبي حاتم، قال علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه: شكر الطعام أن تقول: الحمد لله. 57 ((باب: * (الرجل يدعى إلى طعام فيقول: وهذا معي) *)) أي: هذا باب في بيان أمر الرجل الذي يدعى على صيغة المجهول إلى طعام، وتبعه رجل لم يدع فيقول المدعو: وهذا رجل معي، يعني: تبعني. * (وقال أنس: إذا دخلت على مسلم لا يتهم فكل من طعامه واشرب من شرابه) * مطابقة هذا التعليق عن أنس بن مالك للترجمة من حيث إن الرجل إذا دخل على رجل مسلم سواء بدعوة أو بغيرها فوجد عنده أكلا أو شربا هل يتناول من ذلك شيئا فقال أنس: يأكل ويشرب إذا لم يكن الرجل المدخول عليه لا يتهم في دينه ولا في ماله، ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة من طريق عمير الأنصاري، سمعت أنسا يقول مثله لكن قال على رجل لا يتهمه، وقد روى أحمد والحاكم والطبراني من حديث أبي هريرة نحوه مرفوعا بلفظ: إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه. 5461 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا أبو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا شقيق حدثنا أبو مسعود الأنصاري قال: كان رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب، وكان له غلام لحام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في أصحابه فعرف الجوع في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى غلامه اللحام فقال: إصنع لي طعاما يكفي خمسة لعلي أدعو النبي صلى الله عليه وسلم، خامس خمسة، فصنع له طعيما ثم أتاه
80 فدعاه فتبعهم رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا شعيب إن رجلا تبعنا فإن شئت أذنت له وإن شئت تركته)، قال: لا. بل أذنت. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فتبعهم رجل إلى آخره. والحديث قد مضى في كتاب الأطعمة في: باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري، وهنا أخرجه عن عبد الله بن أبي الأسود، واسم أبي الأسود حميد بن الأسود البصري الحافظ عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أبي مسعود الأنصاري، وقد مر الكلام فيه. 58 ((باب: * (إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه) *)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا حضر العشاء، قال الكرماني: قوله: إذا حضر العشاء روي بفتح العين وكسرها وهو بالكسر من صلاة المغرب إلى العتمة، وبالفتح الطعام خلاف الغداء، ولفظ: عن عشائه، هو بالفتح لا غير. 5462 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري (ح) وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية: أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي كان يحتز بها ثم قام فصلى ولم يتوضأ. مطابقته للترجمة تؤخذ من استنباطه من اشتغاله صلى الله عليه وسلم، بالأكل وقت الصلاة. وقال الكرماني: فإن قلت: من أين خصص بالعشاء والصلاة أعم منه. قلت: هو من باب حمل المطلق على المقيد بقرينة الحديث بعده، ومر في صلاة الجماعة. فإن قلت: ذكر ثمة أنه كان يأكل ذراعا هاهنا قال: كتف شاة؟ قلت: لعله كانا حاضرين عنده يأكل منهما أو أنهما متعلقان باليد فكأنهما عضو واحد انتهى. كلامه. ثم إنه أخرج الحديث المذكور من طريقين: أحدهما: عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة الحمصي عن محمد بن مسلم الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية إلى آخره. والآخر: معلق حيث قال: وقال الليث إلى آخره، ووصله الذهلي في الزهريات، عن أبي صالح عن الليث. قوله: (يحتز)، بالحاء المهملة والزاي. أي: يقطع قوله: (فدعى)، بضم الدال على صيغة المجهول. قوله: (فألقاها) أي: قطعة اللحم التي كان احتزها. وقال الكرماني: الضمير يرجع إلى الكتف وإنما أنث باعتبار أنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه أو هو مؤنث سماعي قوله: (والسكين) أي: وألقى السكين أيضا، وقد ذكرنا فيما مضى أن السكين تذكر وتؤنث. 5463 حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء. مطابقته للترجمة ظاهرة. ومعلى، بضم الميم وفتح العين وتشديد اللام المفتوحة بلفظ المفعول من التعلية، ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري، وأيوب هو السختياني، وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي، والحديث من أفراده. قوله: (العشاء) بالفتح في الموضعين، وإنما تؤخر الصلاة عن الطعام تفريغا للقلب عن الغير تعظيما لها كما أنها تقدم على الغير لذلك فلها الفضل تقديما وتأخيرا. * (وعن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) * هو معطوف على السند الذي قبله، وهو من رواية وهيب عن أيوب السختياني عن نافع، وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن سهل عن معلى بن أسد شيخ البخاري فيه. وعن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه تعشى مرة وهو يسمع قراءة الإمام.
81 هو أيضا عطف على ما قبله وأخرجه ابن أبي عمر من طريق عبد الوارث عن أيوب ولفظه قال: فتعشى ابن عمر ليلة وهو يمسع قراءة الإمام. 5465 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء. مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن يوسف الفريابي، وسفيان هو الثوري، والحديث من أفراده. قوله: (وحضر العشاء) بكسر العين. قوله: (فابدأوا بالعشاء) بفتح العين. * (قال وهيب ويحيى بن سعيد عن هشام: إذا وضع العشاء) *. أي: قال وهيب بن خالد المذكور ويحيى بن سعيد القطان إلى آخره فرواية وهيب أخرجها الإسماعيلي من رواية يحيى ابن حسان ومعلى بن أسد قالا: حدثنا وهيب به. ولفظه: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء، ورواية يحيى بن سعيد وصلها أحمد عنه أيضا بهذا اللفظ. 59 ((باب: * (قول الله تعالى: * (فإذا طعمتم فانتشروا) * (الأحزاب: 53)) وهذا باب في قوله تعالى: * (فإذا طعمتم) * إلى آخره، المراد بالانتشار هنا بعد الأكل التوجه عن مكان الطعام وقد مر الكلام فيه في تفسير سورة الأحزاب. 5466 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب أن أنسا قال: أنا أعلم الناس بالحجاب كان أبي بن كعب يسألني عنه أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، عروسا بزينب ابنة جحش وكان تزوجها بالمدينة فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس معه رجال بعد ما قام القوم حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى ومشيت معه حتى بلغ باب حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجعت معه فإذا هم جلوس مكانهم فرجع ورجعت معه الثانية حتى بلغ باب حجرة عائشة فرجع ورجعت معه فإذا هم قد قاموا فضرب بيني وبينه سترا وأنزل الحجاب. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وأنزل الحجاب). أي: آية الحجاب، وهي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم فانتشروا) * (الأحزاب: 53) الآية. وعبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وصالح هو ابن كيسان المدني يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. والحديث مضى في تفسير سورة الأحزاب، فإنه أخرجه هناك بطرق كثيرة عن أنس، ومضى الكلام فيه مستقصى وأخرجه مسلم في النكاح عن عمرو الناقذ وأخرجه النسائي في الوليمة عن عبيد الله بن سعد. قوله: (بالحجاب) أي: بشأن نزول آية الحجاب. قوله: (عروسا) هو يطلق على الذكر والأنثى. 71 ((* (كتاب العقيقة) *)) أي: هذا كتاب في بيان أحكام العقيقة. وقال الأصمعي: العقيقة أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وسميت الشاة التي تذبح عنه في تلك الحال عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح. وقال الخطابي: هي اسم الشاة المذبوحة عن الولد، وسميت بها لأنها تعق عن ذابحها. أي: تشق وتقطع، ويقال: وربما يسمى الشعر عقيقة بعد الحلق على الاستعارة، وإنما سمي الذبح عن الصبي يوم سابعه عقيقة باسم الشعر لأنه يحلق في ذلك اليوم وعق عن ابنه يعق عقا: حلق عقيقته وذبح عنه شاة وتسمى الشاة التي ذبحت لذلك عقيقة وقال: أصل العق الشق فكأنها قيل لها: عقيقة. أي: مشقوقة وكل
82 مولود من البهائم فشعره عقيقة. 1 ((باب: * (تسمية المولود غداة يولدلمن يعق عنه وتحنيكه) *)) أي: هذا باب في بيان تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني، وسقطت لفظة عن عند الجمهور وفي رواية النسفي: وإن لم يعق عنه بدل: لمن لم يعق عنه وأراد بالغداة الوقت لأنها تطلق ويراد بها مطلق الوقت ويقهم من قوله: (لمن لم يعق)، أنه يسمى المولود وقت الولادة إن لم تحصل العقيقة وإن حصلت يسمى في اليوم السابع ويفهم من رواية النسفي أنه يسمى وقت الولادة سواء حصلت العقيقة أو لم تحصل والأول أولى لأن الأخبار وردت في التسمية يوم السابع لما سيجيء إن شاء الله تعالى، ويفهم من رواية النسفي أيضا أن العقيقة غير واجبة. وقد اختلف العلماء في هذا الفضل أي: العقيقة، فقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق: سنة لا ينبغي تركها لمن قدر عليها، وقال أحمد: هي أحب إلي من التصدق بثمنها على المساكين وقال مرة: إنها من الأمر الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا. وقال مالك: هي من الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم، وقال يحيى بن سعيد: أدركت الناس وما يدعونها عن الغلام والجارية. وقال ابن المنذر: وممن كان يراها ابن عباس وابن عمر وعائشة، رضي الله تعالى عنهم، وروى عن فاطمة، رضي الله تعالى عنها، وروى عن الحسن وأهل الظاهر أنها واجبة، وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم: (مع الغلام عقيقة) على الوجوب وقال ابن حزم: هي فرض واجب يجبر الإنسان عليها إذا فضل له من قوته مقدارها وفي (شرح السنة) وأوجبها الحسن قال: يجب عن الغلام يوم سابعه فإن لم يعق عنه عق عن نفسه، وقال ابن التين قال أبو وائل: هي سنة في الذكور دون الإناث، وكذا ذكره في (المصنف) عن محمد والحسن، وقال أبو حنيفة: ليست بسنة. وقال محمد بن الحسن: هي تطوع كان الناس يفعلونها ثم نسخت بالأضحى، ونقل صاحب (التوضيح) عن أبي حنيفة والكوفيين: أنها بدعة وكذلك قال بعضهم في شرحه والذي نقل عنه أنها بدعة أبو حنيفة. قلت: هذا افتراء فلا يجوز نسبته إلى أبي حنيفة وحاشاه أن يقول مثل هذا: وإنما قال: ليست بسنة فمراده إما ليست بسنة ثابتة، وإما ليست بسنة مؤكدة وروى عبد الرزاق عن داود بن قيس. قال: سمعت عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن العقيقة فقال: لا أحب العقوق. قالوا: يا رسول الله! ينسك أحدنا عمن يولد له فقال: من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة، فهذا يدل على الاستحباب. قوله: (وتحنيكه)، بالجر عطف على قوله: تسمية المولود. أي: في بيان تحنيك المولود، وهو مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي، وذلك تحنيكه به، يقال: حنكت الصبي إذا مضغت التمر أو غيره ثم دلكته بحنكه والأولى فيه التمر فإن لم يتيسر فالرطب وإلا فشئ حلو، وعسل النحل أولى من غيره. ثم ما لم تمسه النار. 5467 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا أبو أسامة قال؛ حدثني بريد عن أبي بردة عن أبي موسى، رضي الله عنه، قال: ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إلي وكان أكبر ولد أبي موسى. مطابقته للترجمة ظاهرة. لأنها في تسمية المولود وتحنيكه والحديث يشملها. وإسحاق هو ابن إبراهيم بن نصر البخاري، نزل المدينة. فالبخاري: تارة يقول: إسحاق بن إبراهيم، وتارة ينسبه إلى جده، وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء واسمه عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، ويريد المذكور يروي عن جده أبي موسى. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي كريب، وأخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة، وغيره. وفيه (حكمان). الأول: تسمية المولود أنه يعجل تسمية المولود ولا ينتظر بها إلى السابع ألا يرى كيف أسرع أبو موسى بإحضار مولوده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه إبراهيم، وقال البيهقي: تسمية المولود حين يولد أصح من الأحاديث في تسميته يوم السابع
83 وأورد عليه بما رواه البزار وابن حبان والحاكم في (صحيحيهما) عن عائشة. قالت: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الحسن والحسين، رضي الله عنهما، يوم السابع وسماهما وروى الترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتسمية المولود لسابعه، وعن ابن عباس قال: سبعة من السنة فالصبي يوم السابع: يسمى، ويختن، يماط عنه الأذى، ويثقب أذنه ويعق عنه، ويحلق رأسه، ويلطخ من عقيقته، ويتصدق بوزن شعره ذهب أو فضة أخرجه الدارقطني في (الأوسط) وفي سنده ضعف، وفيه أيضا عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، رفعه إذا كان يوم السابع للمولود فأهريقوا عنه دما واميطوا عنه الأذى وسموه، وإسناده حسن. وقال الخطابي: ذهب كثير من الناس إلى أن التسمية تجوز قبل ذلك. وقال محمد بن سيرين وقتادة والأوزاعي: إذا ولد وقد تم خلقه يسمى في الوقت إن شاء. وقال المهلب: وتسمية المولود حين يولد وبعد ذلك بليلة أو ليلتين وما شاء إذا لم ينو الأب العقيقة عند يوم سابعه جائز، وإن أراد أن ينسك عنه فالسنة أن تؤخر تسميته إلى يوم النسك وهو السابع. والحكم الثاني: تحنيك المولود، وقد ذكرناه. فإن قلت: ما الحكمة في تحنيكه؟ قلت: قال بعضهم: يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل فيقوى عليه، فيا سبحان الله ما أبرد هذا الكلام، وأين وقت الأكل من وقت التحنيك؟ وهو حين يولد والأكل غالبا بعد سنتين أو أقل أو أكثر؟ والحكمة فيه أنه يتفاءل له بالإيمان لأن التمر ثمرة الشجرة التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمؤمن، وبحلاوته أيضا، ولا سيما إذا كان المحنك من أهل الفضل والعلماء والصالحين لأنه يصل إلى جوف المولود من ريقهم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما حنك عبد الله بن الزبير حاز من الفضائل والكمالات ما لا يوصف؟ وكان قارئا للقرآن عفيفا في الإسلام، وكذلك عبد الله بن أبي طلحة كان من أهل العلم والفضل والتقدم في الخير ببركة ريقه المبارك. 5468 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. قالت: أتي النبي صلى الله عليه وسلم، بصبي يحنكه فبال عليه فأتبعه الماء. مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة. ويحيى هو القطان، وهشام هو ابن عروة بن الزبير. والحديث من أفراده وأخرجه أيضا في كتاب الطهارة في: باب بول الصبيان عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة الحديث. 5469 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة قالت: فخرجت وأنا متم، فأتيت المدينة فنزلت قباء فولدته بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بالتمرة ثم دعا له فبرك عليه، وكان أول مولود ولد في الإسلام ففرحوا به فرحا شديدا لأنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم. مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن نصر وشيخه قد ذكرا عن قريب. والحديث قد مضى في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، عن زكرياء بن يحيى، وأخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. قوله: (وأنا متم)، بضم الميم وكسر التاء المثناة من فوق، يقال: أتمت الحبلى فهي متم إذا أتمت أيام حملها. قوله: (قباء)، والفصيح فيه المد والصرف وحكى القصر وكذا ترك الصرف. قوله (في حجره) بفتح الحاء وكسرها. قوله: (ثم تقل) بالتاء المثناة من فوق والفاء أي: بزق. قوله: (في فيه) أي: في فمه. قوله: (فبرك عليه) بتشديد الراء أي: دعا له بالبركة. قوله: (أول مولود في الإسلام) أي: أول مولود بالمدينة بعد الهجرة من أولاد المهاجرين وإلا فالنعمان بن بشير الأنصاري ولد قبله بعد الهجرة.
84 5470 حدثنا مطر بن الفضل حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الله بن عون عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك، رضي الله عنه. قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي. فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ فقالت أم سليم: هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: وار الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره. فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم. قال: اللهم بارك لهما في ليلتهما فولدت غلاما قال لي أبو طلحة: احفظيه حتى نأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسلت معه بتمرات. فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أمعه شيء؟ قالوا: نعم! تمرات. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم، فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في في الصبي وحنكه به، وسماه عبد الله. مطابقته للترجمة في آخر الحديث ومطر بن الفضل المروزي ويزيد من الزيادة وأنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين. والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة. قوله: (لأبي طلحة)، وهو يزيد بن سهل زوج أم أنس، رضي الله تعالى عنه. قوله: (يشتكي)، من الاشتكاء من الشكو وهو المرض. قوله: (أم سليم)، هي: أم أنس بن مالك. قوله: (أسكن ما كان) أرادت به سكون الموت، وهو أفعل التفضيل، وظن أبو طلحة أنها تريد سكون الشفاء. قوله: (ثم أصاب منها) أي: جامعها. قوله: (وار الصبي) أي: ادفنه من المواراة، ويروى: وأروا الصبي. قوله: (أعرستم) من الإعراس وهو الوطء. يقال: أعرس بأهله إذا غشيها، ووقع في رواية الأصيلي، أعرستم؟ بفتح العين وتشديد الراء وقال عياض: هو غلط لأن التعريس النزول في آخر الليل، ورد عليه بأنه لغة يقال: أعرس وعرس إذا دخل بأهله، والأفصح: أعرس، وهذا السؤال للتعجب من صنعهما وصبرهما وسروره بحسن رضائها بقضاء الله تعالى. قوله: (احفظيه) هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: احفظه. وفيه: استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، والتمسية يوم ولادته، وتفويض التسمية إلى الصالحين، ومنقبة أم سليم من عظيم صبرها وحسن رضائها بالقضاء، وجزالة عقلها في إخفائها موته عن أبيه في أول الليل ليبيت مستريحا واستعمال المعاريض، وأجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حقهما حيث حملت بعبد الله بن أبي طلحة، وجاء من عبد الله عشرة صالحون علماء، رضي الله تعالى عنهم. * (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن محمد عن أنس، وساق الحديث) *. أشار به إلى أن الحديث المذكور دائر بين الأخوين فالذي مضى عن أنس بن سيرين، وهذا عن أخيه محمد بن سيرين كلاهما رويا عن أنس بن مالك فروى البخاري هذا عن محمد بن المثنى ضد المفرد عن محمد بن أبي عدي عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك. قوله: (وساق الحديث)، أي: الحديث الذي رواه محمد بن المثنى وساقه البخاري في كتاب اللباس في باب الخميصة السوداء. قال: حدثني محمد بن المثنى. قال: حدثني ابن أبي عدي عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن أنس. قال: لما ولدت أم سليم الحديث. 2 ((باب: * (إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة) *)) أي: هذا باب في بيان إماطة الأذى أي: إزالة الأذى. قال: الكسائي: مطت عنه الأذى، وأمطت نحيت، وكذلك، مطت غيري وأمطته وأنكر ذلك الأصمعي. وقال: مطت أنا وأمطت غيري، وفي (التوضيح). وإماطة الأذى عن الصبي: حلق الشعر الذي على رأسه. 5471 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن سلمان بن عامر قال: مع الغلام عقيقة.
85 مطابقته للترجمة في قوله في العقيقة، وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، وسليمان بن عامر الضبي بالضاد المعجمة والباء الموحدة المشددة صحابي سكن البصرة ماله في البخاري غير هذا الحديث. وقد أخرج البخاري حديثه من عدة طرق فهذا الحديث موقوف مختصر، وقال الكلاباذي: روى عن سلمان الضبي محمد ابن سيرين حديثا موقوفا في الأطعمة، وهو في الأصل مرفوع، ومعناه: عقيقة مصاحبة للغلام بعد ولادته، يعني: يعق عنه، واعترض عليه الإسماعيلي هنا بأنه، وإن كان موصولا لكنه موقوف وليس فيه ذكر إماطة الأذى الذي ترجم به وأجيب عنه بأن المعتمد عليه في طرق هذا الحديث التي أخرجها هو طريق حماد بن زيد لكن أورده مختصرا اكتفاء بما ورد تمامه في بعض طرقه على ما يجيء وذلك على عادته هكذا في مواضع كثيرة فافهم. وفيه: حجة على أنه لا يعق عن الكبير، وعليه أئمة الفتوى بالأمصار. * (وقال حجاج: حدثنا حماد أخبرنا أيوب وقتادة وهشام وحبيب عن ابن سيرين عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم،) *. هذا الطريق مرفوع، ولكنه معلق أخرجه عن حجاج بن منهال عن حماد هو ابن سلمة عن أيوب السختياني وقتادة ابن دعامة السدوسي، وهشام بن حسان الأزدي وحبيب بن شهيد عن محمد بن سيرين عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووصله الطحاوي وابن عبد البر والبيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة به. واعترض الإسماعيلي فقال: حماد بن سلمة ليس من شرطه في الاحتجاج، وأجيب عنه بأنا سلمنا أن حماد بن سلمة ليس من شرطه، ولكن لا يضره إيراده للاستشهاد به. * (وقال غير واحد عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم) *. هذا طريق آخر، وهو معلق مرفوع، وفيه مبهم وهو قوله: (غير واحد). فمن الذين أبهمهم عن عاصم بن سليمان الأحول سفيان بن عيينة أخرجه أحمد عنه بهذا الإسناد وصرح برفعه. قوله: (وهشام)، عطف على عاصم، وهو هشام بن حسان وممن أخرج عنه عبد الرزاق أخرجه أحمد عنه عن هشام به وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق عبد الرزاق، وممن أخرج عن هشام أيضا عبد الله بن نمير أخرجه ابن ماجة من طريقه. وحفصة بنت سيرين أخت محمد بن سيرين روت عن الرباب بفتح الراء وبباءين موحدتين بينهما ألف، والأولى منهما مخففة إبنت صليع مصغر الصلع بالمهملتين ابن عامر الضبي يروي عن عمها سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم. * (ورواه يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن سلمان قوله) *. هذا طريق آخر معلق مصرح فيه بالوقف أخرجه عن يزيد من الزيادة ابن إبراهيم التستري عن محمد بن سيرين عن سلمان الضبي. قوله: (قوله)، أي: قول سلمان، وصرح به أنه موقوف عليه، ووصله الطحاوي في كتابه (مشكل الآثار) وقال حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا حجاج بن منهال حدثنا يزيد بن إبراهيم به موقوفا. وقال أصبغ: أخبرني ابن وهب عن جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين حدثنا سلمان بن عامر الضبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى. هذا طريق آخر مرفوع، ولكنه معلق أخرجه عن أصبغ بن الفرج المصري أحد مشايخ البخاري عن عبد الله بن
86 وهب المصري، وأحد مشايخ الطحاوي عن جرير بن حازم بالحاء المهملة والزاي عن أيوب السختياني منسوب إلى عمل السختيان أو بيعه، وهو فارسي معرب، وهي جلود عن محمد بن سيرين إلى آخره، ووصله الطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى عن بن وهب به واعترض عليه الإسماعيلي أيضا. فقال: ذكر هذا الحديث بلا خبر، وقد قال أحمد: حديث جرير بمصر كان على التوهم. أو كما قال: وقال الساجي حدث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ وأجيب بأنه قد وافقه غيره عن أيوب وفي الجملة هذه الطرق الخمسة يقوي بعضها بعضا والحديث في الأصل مرفوع فلا يضره الوقف. قوله: (مع الغلام عقيقة)، تمسك بظاهر لفظة الحسن وقتادة، وقال: يعق عن الغلام ولا يعق عن الجارية وعند الجمهور: يعق عنهما لورود الأحاديث الكثيرة بذكر الجارية أيضا على ما يجيء الآن. قوله: (فأهريقوا)، يقال: هراق الماء يهريقه هراقة أي: صبه، وأصله: أراق يريق إراقة. وفيه لغة أخرى: أهرق الماء يهرقه إهراقا على أفعل يفعل إفعالا لغة ثالثة أهرق يهريق إهرياقا واعلم أنه أبهم فيه ما يهراق، وكذا في حديث سمرة الآتي، وبين ذلك في عدة أحاديث. ومنها: حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، أخرجه الترمذي مصححا من رواية يوسف بن ماهك بأنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمرهم عن الغلام شاتان مكافيتان وعن الجارية شاة وأخرجت الأربعة من حديث أم كرز أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم، عن العقيقة فقال: عن الغلام شاتان وعن الجارية واحدة ولا يضركم ذكرانا كن أم إناثا. قال الترمذي: صحيح وأخرج أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه في أثناء حديث قال: من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافيتان وعن الجارية شاة. وقال داود بن قيس، رواية عن عمرو: سألت زيد بن أسلم عن قوله: (مكافأتان)، فقال: متشابهتان تذبحان جميعا. أي: لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى، وحكى أبو داود عن أحمد المتكافيان المتقاربان. قال الخطابي: أي: في السن، وقال الزمخشري: معادلتان لما تجزي في الزكاة وفي الأضحية، ووقع في رواية الطبراني في حديث آخر، قيل: ما المتكافيتان؟ قال: المثلان. قوله: (وأميطوا)، أي: أزيلوا وقد مر في أول الباب. قوله: (والأذى)، قيل: هو إما الشعر أو الدم أو الختان، وقال الخطابي: قال محمد بن سيرين: لما سمعنا هذا الحديث طلبنا من يعرف معنى إماطة الأذى فلم نجد، وقيل: المراد بالأذى هو شعره الذي علق به دم الرحم فيماط عنه بالحلق، وقيل: إنهم كانوا يلطمون برأس الصبي بدم العقيقة، وهو أذى فنهى عن ذلك، وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس، وأخرجه أبو داود عن الحسن كذلك، والأوجه أن يحمل الأذى على المعنى الأعم، ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه أقذاره، رواه أبو الشيخ. * (حدثني عبد الله بن أبي الأسود حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن: ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته. فقال: من سمرة بن جندب) *. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود، واسم أبي الأسود حميد، وقريش مصغر القرش، بالقاف والراء والشين المعجمة ابن أنس بفتح الهمزة والنون البصري، مات سنة تسع ومائتين وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، وحبيب بفتح الحاء المهملة، وسمرة بن جندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وضمها الفزاري بالفاء وتخفيف الزاي وبالراء الكوفي الصحابي. والحديث أخرجه الترمذي في الصلاة عن محمد بن المثنى عن قريش بن أنس به وأخرجه النسائي في العقيقة عن هارون بن عبد الله عن قريش به، وقد توقف البرد نجي في صحة هذا الحديث من أجل اختلاط قريش، هذا وزعم أنه تفرد به وأنه وهم، وكأنه تبع في ذلك ما حكاه الأثرم عن أحمد أنه ضعف حديث قريش هذا، وقال: ما أراه بشيء قلت: قريش تغير سنة ثلاث ومائتين واستمر على ذلك ست سنين، ومات سنة تسع ومائتين، ولقريش متابع، روى الطبراني في (الأوسط) من أن أبا حمزة رواه عن الحسن كرواية قريش سواء، ولعل سماع شيخ البخاري عن قريش كان قبل الاختلاط، وقال ابن حزم: لا يصح للحسن سماع عن سمرة إلا حديث العقيقة وحده، ورد عليه بما رواه
87 البخاري في (تاريخه الكبير). قال لي علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح. قوله: (أمرني ابن سيرين) أي: محمد بن سيرين (أن أسأل) أي: بأن أسأل الحسن البصري. قوله: (فسألته) أي: قال ابن الشهيد فسألت الحسن فقال: سمعت من سمرة بن جندب. فإن قلت: لم يبين البخاري حديث العقيقة. قلت: كأنه اكتفى عن إيراده بشهرته، وقد أخرجه أصحاب السنن من رواية قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الغلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى. وقال الترمذي: حسن صحيح. قال: والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أن يذبح عن الغلام العقيقة يوم السابع. فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشر، فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين قوله: مرتهن، بفتح التاء معناه: رهن بعقيقته يعني: العقيق لازمة له لا بد منها، فشبهه بلزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن. وقال الخطابي: تكلم الناس في هذا وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل، رحمه الله. قال: هذا في الشفاعة، يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلا لم يشفع في والديه، وقيل: مرهون بأذى شعره، ويروى: كل غلام رهينة بعقيقته الرهينة الرهن والهاء للمبالغة كالشتيمة والشتم ثم استعملا بمعنى المرهون، يقال: هو رهن بكذا ورهينة بكذا. قوله: (يذبح عنه يوم السابع)، على صيغة المجهول وقد احتج به من قال: إن العقيقة مؤقتة باليوم السابع، فإن ذبح قبله لم يقع الموقوع، وإنها تفوت بعده، وهذا قول مالك، وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايتان، وعند الشافعية أن ذكر السابع للاختيار لا للتعيين، ونقل الرافعي أنه يدخل وقتها بالولادة، قال: وذكر السابع في الخبر بمعنى أن لا يؤخر عنه اختيارا، ثم قال: والاختيار أن لا يؤخر عن البلوغ فإن أخرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه. لكن إن أراد هو أن يعق عن نفسه فعل. وقوله: يوم السابع، أي: من يوم الولادة، وهل يحسب يوم الولادة؟ وقال ابن عبد البر: نص مالك على أن أول السبعة اليوم الذي يلي يوم الولادة إلا أن ولد قبل طلوع الفجر، وكذا نقله البويطي عن الشافعي. قوله: (ويحلق رأسه)، على صيغة المجهول. أي: يحلق جميع رأسه لثبوت النهي عن القزع، وحكى الماوردي كراهة حلق رأس الجارية. وعن بعض الحنابلة يحلق. قلت: هذا أولى لأن في حديث سلمان: أميطوا عنه الأذى ومن جملة الأذى شعر رأسه الملوث من البطن، وبعمومه يتناول الذكر والأنثى وروى الترمذي من حديث علي بن أبي طالب. رضي الله تعالى عنه، قال: عق النبي صلى الله عليه وسلم، عن الحسن بشاة. وقال: يا فاطمة أحلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة، فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم. وقال: هذا حديث حسن غريب. قوله: (ويسمي)، على صيغة المجهول أيضا وإن لم يستهل لم يسم. وقال محمد بن سيرين وقتادة والأوزاعي: إذا ولد وقد تم خلقه يسمى في الوقت إن شاؤوا قال المهلب: وتسمية المولود حين يولد وبعد ذلك بليلة وليلتين وما شاء إذا لم ينو الأب العقيقة عند يوم سابعه جائز وإن أراد أن ينسك عنه فالسنة أن يؤخر تسميته إلى يوم النسك، وهو السابع. 5471 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن سلمان بن عامر قال: مع الغلام عقيقة. مطابقته للترجمة في قوله في العقيقة، وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، وسليمان بن عامر الضبي بالضاد المعجمة والباء الموحدة المشددة صحابي سكن البصرة ماله في البخاري غير هذا الحديث. وقد أخرج البخاري حديثه من عدة طرق فهذا الحديث موقوف مختصر، وقال الكلاباذي: روى عن سلمان الضبي محمد ابن سيرين حديثا موقوفا في الأطعمة، وهو في الأصل مرفوع، ومعناه: عقيقة مصاحبة للغلام بعد ولادته، يعني: يعق عنه، واعترض عليه الإسماعيلي هنا بأنه، وإن كان موصولا لكنه موقوف وليس فيه ذكر إماطة الأذى الذي ترجم به وأجيب عنه بأن المعتمد عليه في طرق هذا الحديث التي أخرجها هو طريق حماد بن زيد لكن أورده مختصرا اكتفاء بما ورد تمامه في بعض طرقه على ما يجيء وذلك على عادته هكذا في مواضع كثيرة فافهم. وفيه: حجة على أنه لا يعق عن الكبير، وعليه أئمة الفتوى بالأمصار. * (وقال حجاج: حدثنا حماد أخبرنا أيوب وقتادة وهشام وحبيب عن ابن سيرين عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم،) *. هذا الطريق مرفوع، ولكنه معلق أخرجه عن حجاج بن منهال عن حماد هو ابن سلمة عن أيوب السختياني وقتادة ابن دعامة السدوسي، وهشام بن حسان الأزدي وحبيب بن شهيد عن محمد بن سيرين عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووصله الطحاوي وابن عبد البر والبيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة به. واعترض الإسماعيلي فقال: حماد بن سلمة ليس من شرطه في الاحتجاج، وأجيب عنه بأنا سلمنا أن حماد بن سلمة ليس من شرطه، ولكن لا يضره إيراده للاستشهاد به. * (وقال غير واحد عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم) *. هذا طريق آخر، وهو معلق مرفوع، وفيه مبهم وهو قوله: (غير واحد). فمن الذين أبهمهم عن عاصم بن سليمان الأحول سفيان بن عيينة أخرجه أحمد عنه بهذا الإسناد وصرح برفعه. قوله: (وهشام)، عطف على عاصم، وهو هشام بن حسان وممن أخرج عنه عبد الرزاق أخرجه أحمد عنه عن هشام به وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق عبد الرزاق، وممن أخرج عن هشام أيضا عبد الله بن نمير أخرجه ابن ماجة من طريقه. وحفصة بنت سيرين أخت محمد بن سيرين روت عن الرباب بفتح الراء وبباءين موحدتين بينهما ألف، والأولى منهما مخففة إبنت صليع مصغر الصلع بالمهملتين ابن عامر الضبي يروي عن عمها سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم. * (ورواه يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن سلمان قوله) *. هذا طريق آخر معلق مصرح فيه بالوقف أخرجه عن يزيد من الزيادة ابن إبراهيم التستري عن محمد بن سيرين عن سلمان الضبي. قوله: (قوله)، أي: قول سلمان، وصرح به أنه موقوف عليه، ووصله الطحاوي في كتابه (مشكل الآثار) وقال حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا حجاج بن منهال حدثنا يزيد بن إبراهيم به موقوفا. وقال أصبغ: أخبرني ابن وهب عن جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين حدثنا سلمان بن عامر الضبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى. هذا طريق آخر مرفوع، ولكنه معلق أخرجه عن أصبغ بن الفرج المصري أحد مشايخ البخاري عن عبد الله بن وهب المصري، وأحد مشايخ الطحاوي عن جرير بن حازم بالحاء المهملة والزاي عن أيوب السختياني منسوب إلى عمل السختيان أو بيعه، وهو فارسي معرب، وهي جلود عن محمد بن سيرين إلى آخره، ووصله الطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى عن بن وهب به واعترض عليه الإسماعيلي أيضا. فقال: ذكر هذا الحديث بلا خبر، وقد قال أحمد: حديث جرير بمصر كان على التوهم. أو كما قال: وقال الساجي حدث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ وأجيب بأنه قد وافقه غيره عن أيوب وفي الجملة هذه الطرق الخمسة يقوي بعضها بعضا والحديث في الأصل مرفوع فلا يضره الوقف. قوله: (مع الغلام عقيقة)، تمسك بظاهر لفظة الحسن وقتادة، وقال: يعق عن الغلام ولا يعق عن الجارية وعند الجمهور: يعق عنهما لورود الأحاديث الكثيرة بذكر الجارية أيضا على ما يجيء الآن. قوله: (فأهريقوا)، يقال: هراق الماء يهريقه هراقة أي: صبه، وأصله: أراق يريق إراقة. وفيه لغة أخرى: أهرق الماء يهرقه إهراقا على أفعل يفعل إفعالا لغة ثالثة أهرق يهريق إهرياقا واعلم أنه أبهم فيه ما يهراق، وكذا في حديث سمرة الآتي، وبين ذلك في عدة أحاديث.
88 ومنها: حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، أخرجه الترمذي مصححا من رواية يوسف بن ماهك بأنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمرهم عن الغلام شاتان مكافيتان وعن الجارية شاة وأخرجت الأربعة من حديث أم كرز أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم، عن العقيقة فقال: عن الغلام شاتان وعن الجارية واحدة ولا يضركم ذكرانا كن أم إناثا. قال الترمذي: صحيح وأخرج أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه في أثناء حديث قال: من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافيتان وعن الجارية شاة. وقال داود بن قيس، رواية عن عمرو: سألت زيد بن أسلم عن قوله: (مكافأتان)، فقال: متشابهتان تذبحان جميعا. أي: لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى، وحكى أبو داود عن أحمد المتكافيان المتقاربان. قال الخطابي: أي: في السن، وقال الزمخشري: معادلتان لما تجزي في الزكاة وفي الأضحية، ووقع في رواية الطبراني في حديث آخر، قيل: ما المتكافيتان؟ قال: المثلان. قوله: (وأميطوا)، أي: أزيلوا وقد مر في أول الباب. قوله: (والأذى)، قيل: هو إما الشعر أو الدم أو الختان، وقال الخطابي: قال محمد بن سيرين: لما سمعنا هذا الحديث طلبنا من يعرف معنى إماطة الأذى فلم نجد، وقيل: المراد بالأذى هو شعره الذي علق به دم الرحم فيماط عنه بالحلق، وقيل: إنهم كانوا يلطمون برأس الصبي بدم العقيقة، وهو أذى فنهى عن ذلك، وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس، وأخرجه أبو داود عن الحسن كذلك، والأوجه أن يحمل الأذى على المعنى الأعم، ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه أقذاره، رواه أبو الشيخ. * (حدثني عبد الله بن أبي الأسود حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن: ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته. فقال: من سمرة بن جندب) *. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود، واسم أبي الأسود حميد، وقريش مصغر القرش، بالقاف والراء والشين المعجمة ابن أنس بفتح الهمزة والنون البصري، مات سنة تسع ومائتين وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، وحبيب بفتح الحاء المهملة، وسمرة بن جندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وضمها الفزاري بالفاء وتخفيف الزاي وبالراء الكوفي الصحابي. والحديث أخرجه الترمذي في الصلاة عن محمد بن المثنى عن قريش بن أنس به وأخرجه النسائي في العقيقة عن هارون بن عبد الله عن قريش به، وقد توقف البرد نجي في صحة هذا الحديث من أجل اختلاط قريش، هذا وزعم أنه تفرد به وأنه وهم، وكأنه تبع في ذلك ما حكاه الأثرم عن أحمد أنه ضعف حديث قريش هذا، وقال: ما أراه بشيء قلت: قريش تغير سنة ثلاث ومائتين واستمر على ذلك ست سنين، ومات سنة تسع ومائتين، ولقريش متابع، روى الطبراني في (الأوسط) من أن أبا حمزة رواه عن الحسن كرواية قريش سواء، ولعل سماع شيخ البخاري عن قريش كان قبل الاختلاط، وقال ابن حزم: لا يصح للحسن سماع عن سمرة إلا حديث العقيقة وحده، ورد عليه بما رواه البخاري في (تاريخه الكبير). قال لي علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح. قوله: (أمرني ابن سيرين) أي: محمد بن سيرين (أن أسأل) أي: بأن أسأل الحسن البصري. قوله: (فسألته) أي: قال ابن الشهيد فسألت الحسن فقال: سمعت من سمرة بن جندب. فإن قلت: لم يبين البخاري حديث العقيقة. قلت: كأنه اكتفى عن إيراده بشهرته، وقد أخرجه أصحاب السنن من رواية قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الغلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى. وقال الترمذي: حسن صحيح. قال: والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أن يذبح عن الغلام العقيقة يوم السابع. فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشر، فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين قوله: مرتهن، بفتح التاء معناه: رهن بعقيقته يعني: العقيق لازمة له لا بد منها، فشبهه بلزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن. وقال الخطابي: تكلم الناس في هذا وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل، رحمه الله. قال: هذا في الشفاعة، يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلا لم يشفع في والديه، وقيل: مرهون بأذى شعره، ويروى: كل غلام رهينة بعقيقته الرهينة الرهن والهاء للمبالغة كالشتيمة والشتم ثم استعملا بمعنى المرهون، يقال: هو رهن بكذا ورهينة بكذا. قوله: (يذبح عنه يوم السابع)، على صيغة المجهول وقد احتج به من قال: إن العقيقة مؤقتة باليوم السابع، فإن ذبح قبله لم يقع الموقوع، وإنها تفوت بعده، وهذا قول مالك، وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايتان، وعند الشافعية أن ذكر السابع للاختيار لا للتعيين، ونقل الرافعي أنه يدخل وقتها بالولادة، قال: وذكر السابع في الخبر بمعنى أن لا يؤخر عنه اختيارا، ثم قال: والاختيار أن لا يؤخر عن البلوغ فإن أخرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه. لكن إن أراد هو أن يعق عن نفسه فعل. وقوله: يوم السابع، أي: من يوم الولادة، وهل يحسب يوم الولادة؟ وقال ابن عبد البر: نص مالك على أن أول السبعة اليوم الذي يلي يوم الولادة إلا أن ولد قبل طلوع الفجر، وكذا نقله البويطي عن الشافعي. قوله: (ويحلق رأسه)، على صيغة المجهول. أي: يحلق جميع رأسه لثبوت النهي عن القزع، وحكى الماوردي كراهة حلق رأس الجارية. وعن بعض الحنابلة يحلق. قلت: هذا أولى لأن في حديث سلمان: أميطوا عنه الأذى ومن جملة الأذى شعر رأسه الملوث من البطن، وبعمومه يتناول الذكر والأنثى وروى الترمذي من حديث علي بن أبي طالب. رضي الله تعالى عنه، قال: عق النبي صلى الله عليه وسلم، عن الحسن بشاة. وقال: يا فاطمة أحلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة، فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم. وقال: هذا حديث حسن غريب. قوله: (ويسمي)، على صيغة المجهول أيضا وإن لم يستهل لم يسم. وقال محمد بن سيرين وقتادة والأوزاعي: إذا ولد وقد تم خلقه يسمى في الوقت إن شاؤوا قال المهلب: وتسمية المولود حين يولد وبعد ذلك بليلة وليلتين وما شاء إذا لم ينو الأب العقيقة عند يوم سابعه جائز وإن أراد أن ينسك عنه فالسنة أن يؤخر تسميته إلى يوم النسك، وهو السابع. 3 ((باب: * (الفرع) *)) أي: هذا باب في بيان الفرع بفتح الفاء والراء وبالعين المهملة، وذكر أبو عبيد أنه بفتح الراء، وكذلك الفرعة، وهو أول ما تلده الناقة، وكانوا يذبحون ذلك لآلهتهم وقد أفرع القوم إذا فعلت إبلهم ذلك، وذكر شمر أن أبا مالك قال: كان الرجل إذا تمت إبله مائة قدم بكرا فذبحه لصنمه، فذلك الفرع. 5473 حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا معمر أخبرنا الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا فرع ولا عتيرة . والفرع أول النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم. والعتيرة في رجب. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب. والحديث أخرجه مسلم في الأضاحي عن محمد بن رافع وغيره. وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان. قوله: (لا فرع ولا عتيرة)، قد مر الآن تفسير الفرع، والعتيرة بفتح العين المهملة
88 وكسر التاء المثناة من فوق وسكون الباء آخر الحروف وبالراء، وهي النسيكة التي تعتر أي: تذبح، وكان أهل الجاهلية يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية، وأوله الشافعي على أن المراد لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة. قلت: يرد هذا التأويل إحدى روايتي النسائي في هذا الحديث بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الفرع والعتيرة، وقد جاء هكذا في رواية لأحمد أيضا. لا فرع ولا عتيرة فصورته نفي ومعناه نهي. وقد اختلفت الأحاديث في حكم الفرع والعتيرة فروى النسائي من حديث الحارث بن عمرو أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع الحديث، وفيه قال رجل من الناس: يا رسول الله! العتائر والفرائع؟ قال: من شاء عتر ومن شاء لم يعتر، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع، وروى النسائي أيضا من حديث أبي ذر بن لقيط بن عامر العقيلي قال: قلت: يا رسول الله! إنا كنا نذبح في الجاهلية في رجب فنأكل ونطعم من جاءنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس به، وروى الطبراني في (الأوسط) من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عنها يوم عرفة فقال: هي حق، يعني: العتيرة وروى أيضا فيه من حديث أنس قال: قال رجل: يا رسول الله! إنا كنا نعتر في الجاهلية. قال: اذبحوا في أي شهر كان وأطعموا. وروى أيضا فيه من حديث يزيد بن عبد الله المزني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: في الإبل فرع، وفي الغنم فرع. وروى عبد الرزاق من حديث حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن عائشة. قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالفرع من كل خمسين واحدة، وروى الترمذي من حديث مخنف سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة يقول: يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، وقال: هذا حديث حسن غريب، وروى أبو داود عن نبيشة، قال: نادى رجل: يا رسول الله! إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: اذبحوا لله في أي شهر كان. قال: إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية فما تأمرنا؟ فقال: في كل سائمة فرع قال أبو قلابة: السائمة مائة. فهذه الأحاديث كلها تدل على الإباحة. وقال ابن بطال: وكان ابن سيرين من بين العلماء يذبح العتيرة في رجب، وفي (الآثار) للطحاوي، وكان ابن عمر يعتر، وقال النووي: الصحيح عند أصحابنا وهو نص الشافعي، استحباب الفرع والعتيرة، وزعم القاضي عياض والحازمي أن حديث النهي ناسخ لأحاديث الإباحة، وعليه جماهير العلماء، وقال ابن المنذر: ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل، ولا نعلم أن أحدا من أهل العلم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم، كان نهاهم عنهما أي: عن الفرع والعتيرة، ثم أذن فيهما. قوله: (والفرع أول النتيجة)، إلى آخره ذكر أبو قرة موسى بن طارق في (كتاب السنن) تأليفه: أن تفسير العتيرة والفرع من كلام الزهري. 4 ((باب: * (في العتيرة) *)) أي: هذا باب في بيان العتيرة، وقد مر تفسيرها. 5474 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال الزهري حدثنا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا فرع ولا عتيرة. قال: والفرع أول نتاج كان ينتج لهم كانوا يذبحونه لطواغيتهم. والعتيرة في رجب. أعاد الحديث المذكور فيما قبله بعينه من رواية علي بن عبد الله المعروف بابن المديني. واختلف في سفيان هذا ففي مسلم: هو ابن عيينة وقال النسائي: حدثنا ابن مثنى عن أبي داود عن شعبة، قال: أخبرنا حديث أبي إسحاق عن معمر وسفيان بن حسين عن الزهري قال أحدهما: لا فرع ولا عتيرة، وقال الآخر: نهى عن الفرع والعتيرة. والصواب الأول. قوله: (قال الزهري: حدثنا عن سعيد) أي: قال محمد بن مسلم الزهري حال كونه حدثنا عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه. قوله: (لطواغيتهم) جمع طاغية وهي ما كانوا يعبدونه من الأصنام وغيرها. * (بسم الله الرحمن الرحيم) * وقعت البسملة هكذا قبل ذكر الكتاب في رواية أبي الوقت، ووقعت في رواية النسفي بعد ذكر الكتاب، والأول أوجه. 72 ((كتاب: * (الذبائح والصيد) *))
89 أي: هذا كتاب في بيان أحكام الذبائح وأحكام الصيد وبيان التسمية عند إرسال الكلب على الصيد، وهكذا وقع في رواية الأصيلي وكريمة وأبي ذر في رواية وفي رواية أخرى له، ولأبي الوقت: باب بدل كتاب وسقط للنسفي أصلا، والذبائح جمع ذبيحة بمعنى المذبوحة. قوله: (والتسمية على الصيد) أي: وفي بيان وجوب التسمية على الصيد. 1 ((باب: * (التسمية على الصيد) *)) أي: هذا باب في بيان وجوب التسمية على الصيد، ولفظ: باب لم يثبت في رواية كريمة ولا في رواية الأصيلي وأبي ذر، وثبت للباقين. والصيد مصدر من صاد يصيد صيدا فهو صائد وذاك مصيد وقد يقع الصيد على المصيد نفسه تسمية بالمصدر كما في قوله عز وجل: * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * (المائدة: 95) قيل: لا يقال للشيء صيد حتى يكون ممتنعا حلالا لا مالك له. وقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد) * إلى قوله: * (عذاب أليم) * (المائدة: 94) وقوله جل ذكره: * (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) * (المائدة: 1) وقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * إلى قوله: * (فلا تخشوهم واخشون) * (المائدة: 3). في كثير من النسخ ذكر هذه الآيات الثلاث وهي في المائدة الأولى: قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) * الثانية: قوله تعالى: * (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد) * الثالثة: قوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقيموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون) * (المائدة: 3) وفي بعض النسخ: وقول الله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * إلى قوله: * (فلا تخشوهم واخشون) * وقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد) * قال بعض الشراح. كذا لأبي ذر، وقدم وأخر في رواية كريمة والأصيلي، وزاد بعدقوله: * (تناله أيديكم ورماحكم) * الآية. إلى قوله: * (عذاب أليم) * وعند النسفي في قوله: * (أحلت لكم بهيمة الأنعام) *. الآيتين وكذا لأبي الوقت لكن قال إلى قوله: * (فلا تخشوهم واخشون) * وفرقهما في رواية كريمة والأصيلي. قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم) * الآية. نزلت في عمرة الحديبية فكانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم فيتمكنون من صيدها أخذا بالأيدي وطعنا بالرماح جهرا أو سرا لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره، وقال الوالبي عن ابن عباس: ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم. قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره يبتلي الله به عباده في إحرامهم حتى لو شاؤوا لتناولوه بأيديهم فنهاهم الله أن يقربوه، قال مجاهد: تناله أيديكم، يعني: صغار الصيد وفراخه، ورماحكم كباره. قوله: (فمن اعتدى بعد ذلك)، أي: بعد هذا الإعلام والإنذار * (فله عذاب أليم) * أي: لمخالفة أمر الله وشرعه. قوله: (أحلت لكم بهيمة الأنعام)، هي: الإبل والبقر والغنم. قاله الحسن وقتادة. قوله: (إلا ما يتلى عليكم)، استثناء من قوله: (أحلت لكم) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني بذلك الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، والمنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، فإن هذه وإن كانت من الأنعام إلا أنها تحرم بهذه العوارض، ولهذا قال: * (إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب) * منها فإنه حرام لا يمكن استدراكه. قوله: (غير محلى الصيد) نصب على الحال، والمراد بالأنعام ما يعم الإنسي من الإبل والبقر والغنم، وما يعم الوحشي كالظباء ونحوه، فاستثنى من الإنس ما تقدم، واستثني من الوحشي الصيد في حال الإحرام، والحرم جمع حرام. قوله: (إن الله يحكم ما يريد) يعني: أن الله حكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه. قوله: (حرمت عليكم الميتة) استثنى منها السمك والجراد. قوله: (والدم) يعني: المسفوح. قوله: (ولحم الخنزير)، سواء كان إنسيا أو وحشيا. وقوله: (واللحم يعم جميع أجزائه. قوله: (وما أهل لغير الله به) أي: ما ذبح
90 على اسم غير الله من صنم أو وثن أو طاغوت، أو غير ذلك، من سائر المخلوقات فإنه حرام بالإجماع. قوله: (والمنخنقة)، هي التي تموت بالخنق إما قصدا أو اتفاقا بأن تتخبل في وثاقها فتموت فهي حرام. قوله: (والموقوذة) هي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدود حتى تموت، وقال قتادة: كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصا حتى إذا ماتت أكلوها. قوله: (والمتردية)، هي التي تقع من شاهق فتموت بذلك فتحرم، وعن ابن عباس: إنها التي تسقط من جبل، وقال قتادة: هي التي تتردى في بئر. قوله: (النطيحة)، هي التي تموت بسبب نطح غيرها لها وإن جرحها القرن وسال منها الدم ولو من مذبحها. قوله: (وما أكل السبع)، أي: ما عدا عليها أسد أو فهد، أو نمر، أو ذئب أو كلب فأكل بعضهم فماتت بذلك فهي حرام وإن كان قد سال منها الدم ولو من مذبحها فهي حرام بالإجماع. قوله: (إلا ما ذكيتم)، عائد على ما يمكن عوده عليه مما اتفق سبب موته وأمكن تداركه وفيه حياة مستقرة. وعن ابن عباس إلا ما ذبحتم من هذه الأشياء وفيه روح فكلوه فهو ذكي، وكذا روي عن سعيد بن جبير والحسن البصري والسدي، وروي عن طاووس والحسن وقتادة وعبيد بن عمير والضحاك وغير واحد، أن المذكاة متى تحركت حركة تدل على بقاء الروح فيها بعد الذبح فهي حلال وهذا مذهب جمهور الفقهاء، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وأحمد، رحمهم الله. قوله: (وما ذبح على النصب)، قال مجاهد وابن جريج: كانت النصب حجارة حول الكعبة قال ابن جريج: وهي ثلاثمائة وستون نصبا كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها ويلطخون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب. قوله: (وأن تستقسموا بالأزلام)، أي: وحرم عليكم أيها المؤمنون الاستقسام بالأزلام، وهو جمع زلم بفتح الزاي، وهي عبارة عن أقداح ثلاثة على أحدها مكتوب افعل، وعلى الآخر: لا تفعل، والثالث: غفل ليس عليه شيء. وقيل: مكتوب على الواحد أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، والثالث غفل ليس عليه شيء، فإذا جاء السهم الآمر فعله، أو الناهي تركه وإن طلع الفارغ أعاد الاستقسام. قوله: (ذلكم فسق)، أي: تعاطيه فسق وغي وضلال وجهالة وشرك. قوله: (اليوم يئس الذين كفروا)، يعني: يئسوا أن يراجعوا دينهم. وقيل: يئسوا من مشابهة المسلمين بما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله ولهذا أمر الله عباده المؤمنين أن يصيروا ويثبتوا في مخالفة الكفار ولا يخافوا أحدا إلا الله تعالى. فقال: * (فلا تخشوهم واخشون) *. حتى: أنصركم عليهم وأظفركم بهم وأشف صدوركم منهم وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة. * (وقال ابن عباس: العقود العهود ما أحل وحرم إلا ما يتلى عليكم الخنزير) *. أي: قال ابن عباس في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (المائدة: 1) وفسر العقود بالعهود، وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: العقود يعني: ما أحل الله وما حرمه وما جاء في القرآن كله. ولا تغدروا ولا تنكثوا قوله: (إلا ما يتلى عليكم). قال ابن عباس: يعني: الميتة والدم ولحم الخنزير، وقد مر تفسيره عن قريب. * (يجرمنكم: يحملنكم شنآن: عداوة) *)) أشار به إلى قوله تعالى: * (ولا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم عن المسجد الحرام) * (المائدة: 2) أي: لا يحملنكم بغض قوم على العدوان، وقرأ الأعمش بضم الياء في: لا يجرمنكم وفسر قوله: شنآن بقوله: عداوة وقرئ بسكون النون أيضا، وأنكر السكون من قال: لا يكون المصدر على فعلان. * (المنخنقة: تخنق فتموت. الموقودة، تضرب بالخشب يوقذها فتموت، والمتردية: تتردى من الجبل. والنطيحة، تنطح الشاة، فما أدركته يتحرك بذنبه أو بعينه فاذبح وكل) *. قد مر تفسير هذه الأشياء عن قريب قوله: يوقذها من أو قذ والموقودة من وقذ يقال: وقذه وأوقذه، والوقذ بالذال المعجمة في الأصل: الضرب المثخن، والكسر المؤدي للموت. قوله: (فما أدركته)، بفتح التاء على خطاب الحاضر. قوله: (يتحرك) في موضع الحال أي: فما أدركته حالة كونه متحركا بذنبه قوله: (فاذبح) أمر من ذبح (وكل) أمر من أكل.
91 5475 حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن عامر عن عدي بن حاتم، رضي الله عنه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، عن صيد المعراض؟ قال: ما أصاب بحده فكله وما أصاب بعرضه فهو وقيذ وسألته عن صيد الكلب؟ فقال: ما أمسك عليك فكل فإن أخذ الكلب ذكاة وإن وجدت مع كلبك أو كلابك كلبا غيره فخشيت أن يكون أخذه معه وقد قتله فلا تأكل فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره. مطابقته للترجمة ظاهرة على تقدير وجود قوله: باب التسمية على الصيد وإلا فلقوله: كتاب الصيد والذبائح والتسمية على الصيد أظهر لأن في الحديث ثلاثة أشياء مشروعية الصيد، ووجوب ذكاته حقيقة أو حكما ووجوب التسمية وللترجمة ثلاثة أجزاء يطابق كل واحد من الثلاثة المذكورة، وكل واحد من أجزاء الترجمة. وأبو نعيم الفضل بن دكين؟ وزكريا هو ابن أبي زائدة، وعامر هو الشعبي، وعدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي الجواد بن الجواد، وكان إسلامه سنة الفتح، وثبت هو وقومه على الإسلام نزل الكوفة وشهد الفتوح بالعراق، ثم كان مع علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، ومات بالكوفة زمن المختار سنة ثمان وستين وهو ابن عشرين ومائة سنة، ويقال: مات بقرقيسيا، وقال أبو حاتم في (كتاب المعمرين). قالوا: عاش عدي بن حاتم مائة وثمانين سنة، وكان أعور. والحديث مضى في كتاب الطهارة في: باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، من غير ذكر قصة المعراض، ومضى أيضا في أوائل كتاب البيوع في: باب تفسير المشبهات بتمامه. وأخرجه مسلم في الصيد عن محمد بن عبد الله بن نمير وغيره، وأخرجه الترمذي فيه عن يوسف بن عيسى وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن سويد بن نصر وآخرين. وأخرجه ابن ماجة فيه عن عمرو بن عبد الله الأزدي وغيره. قوله: * (عن عدي بن حاتم) * وفي رواية الإسماعيلي: حدثنا عامر حدثنا عدي بن حاتم، وأشار بهذا إلى أن زكرياء مدلس وقد عنعن. قلت: عن قريب يأتي عن الشعبي: سمعت عدي بن حاتم. قوله: (المعراض) بكسر الميم وسكون العين المهملة وفي آخره ضاد معجمة. قال الخليل وآخرون: هو سهم لا ريش له ولا نصل. وقال ابن دريد وابن سيده: سهم طويل له أربع قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض، وقال الخطابي: المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة. وقيل: عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وهو المسمى بالحذافة، وقيل: خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها وقد لا يحدد. وقال ابن التين: المعراض عصا في طرفها حديدة يرمي الصائد بها الصيد فما أصاب بحده فهو ذكي فيؤكل، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ، وهو معنى قوله: (فهو وقيذ) بفتح الواو وكسر القاف وبالذال المعجمة على وزن فعيل، بمعنى مفعول، وقد مر تفسير الموقوذة عن قريب. قوله: (فإن أخذ الكلب ذكاة) أي: حكمه حكم التذكية فيحل أكله كما يحل أكل المذكاة. قوله: (أو كلابك)، شك من الراوي. قوله: (كلبا غيره) أراد به كلبا لم يرسله من هو أهله. وهذا الحديث مشتمل على أحكام قد ذكرناها فيما مضى من الأبواب التي ذكرناها، ولكن نذكر بعض شيء من ذلك لبعد المسافة فنقول. الأول من الأحكام: مشروعية الصيد به وبالقرآن أيضا. وهو قوله تعالى: * (إذا حللتم فاصطادوا) * وقال عياض: الاصطياد يباح لمن اصطاده للاكتساب والحاجة والانتفاع بالأكل والثمن، واختلفوا فيمن اصطاد للهو، ولكن يقصد التذكية والإباحة والانتفاع فكرهه مالك وأجازه الليث وابن عبد الحكم فإن فعله بغير نية التذكية فهو حرام لأنه فساد في الأرض وإتلاف نفس عبثا وقد نهى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قتل الحيوان إلا لمأكلة ونهى أيضا عن الإكثار من الصيد، وروى الترمذي من حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما مرفوعا: من سكن البادية فقد جفا، ومن اتبع الصيد فقد غفل، ومن لزم السلطان افتتن وقال: حسن غريب وأعله الكرابيسي بأبي موسى أحد رواته، وقال حديثه ليس بالقائم، وروى أيضا من حديث أبي هريرة بأسناد ضعيف، وأيضا من حديث البراء بن عازب، قال الدارقطني: تفرد به شريك. الثاني: أن سيد
92 المعراض إن لم يصبه بحده فلا يحل أكله. الثالث: أن قتل الكلب المعلم ذكاة فإذا أكل فليس بمعلم، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ومذهبهما أن تعليمه أن لا يأكل وهو شرط عندهما وبه قال أحمد وإسحاق، وأبو ثور وابن المنذر وداود، وقال الشافعي في قول ضعيف ومالك: ليس بشرط، وهو قول سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وعلي وابن عمر وأبي هريرة، رضي الله تعالى عنهم، ومن التابعين قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن والزهري، واحتجوا بقوله تعالى: * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * (المائدة: 4) وإنه ذكاة يستباح بها الصيد فلا يفسد بأكله منه وحجة الحنفية والشافعية. قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن أكل فلا تأكل) فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه، على ما يأتي عن قريب في الباب الذي يلي هذا الباب. فإن قلت: قال القاضي في حديث عدي خلاف يعني: في الحديث الذي يأتي، وهو أن قوله: فإنه لم يمسك عليك إلى آخره، ذكره الشعبي ولم يذكره هشام وابن أبي مطر وأيضا هو معارض بما روي أبو ثعلبة الخشني أنه قال له: النبي صلى الله عليه وسلم كل وأن أكل منه، أخرجه أبو داود وسكت ولم يضعفه. قلت: في إسناده داود بن عمرو الدمشقي، قال ابن حزم: هذا حديث لا يصح، وداود هذا ضعيف ضعفه أحمد وقد ذكر بالكذب فإن قلت: داود بن عمرو المذكور وثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: لا أرى بروايته بأسا، وقال أبو داود صالح: وذكره ابن حبان في الثقات. قلت: وإن سلمنا هذا فهو لا يقاوم الذي في (الصحيح) ولا يقاربه، وقيل: حديث أبي ثعلبة محمول على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه وفارقه ثم عاد فأكل منه فهذا لا يضر، ومنهم من حمله على الجواز وحديث عدي على التنزيه لأنه كان موسعا عليه فأفتاه بالكف تورعا وأبو ثعلبة كان محتاجا فأفتاه بالجواز. الرابع: اشتراط التسمية لأنه علل بقوله: فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره، وقال ابن بطال: اختلف العلماء في التسمية على الصيد والذبيحة فروي عن محمد بن سيرين ونافع مولى عبد الله والشعبي: أنها فريضة فمن تركها عامدا أو ساهيا لم يؤكل ما ذبحه وهو قول أبي ثور والظاهرية وذهب مالك والثوري وأبو حنيفة، وأصحابهم إلى أنه إن تركها عامدا لم يؤكل، وأن تركها ساهيا أكلت. وقال ابن المنذر: وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وابن المسيب والحسن بن صالح وطاووس وعطاء والحسن بن أبي الحسن النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد والحكم وربيعة وأحمد وإسحاق ورواه في (المصنف) عن الزهري وقتادة وفي (المغنى) وعن أحمد رواية وهو المذهب أنها شرط إن تركها عمدا أو سهوا فهي ميتة وفي رواية إن تركها على إرسال السهم ناسيا أكل، وإن تركها على الكلب أو الفهد لم يؤكل. وقال الشافعي: يؤكل الصيد والذبيحة في الوجهين جميعا تعمد ذلك أو نسيه، روي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وعطاء. 2 ((باب: * (صيد المعراض) *)) أي: هذا باب في بيان حكم صيد المعراض، وقد مر تفسير المعراض عن قريب. * (وقال ابن عمر في المقتولة بالبندقة: تلك الموقوذة) * قيل: لا وجه لذكر أثر ابن عمر ولا للآثار التي بعده في هذا الباب قلت: فيه وجه حسن وهو أن المقتولة بالبندقة موقوذة، كما أن مقتولة المعراض بغير حده موقوذة فهذا المقدار كاف في المطابقة وتعليق ابن عمر وصله البيهقي من طريق ابن عامر العقدي عن زهير هو ابن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه كان يقول: المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة. * (وكرهه سائم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن. وكره الحسن رمي البندقة في القرى والأمصار، ولا يرى به بأسا فيما سواه. أي: كره سالم بن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهم، أكل مقتولة البندقة، وكذلك كرهه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهم، ومجاهد بن جبر وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري، أما أثر سالم والقاسم فأخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن الثقفي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنهما كانا يكرهان البندقة إلا ما أدركت ذكاته وأما أثر مجاهد فأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن ابن المبارك عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كرهه، وأما أثر إبراهيم النخعي فأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم: لا تأكل ما أصبت بالبندقية إلا أن تذكي.
93 وأما أثر عطاء فأخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال عطاء: إذا رميت صيدا ببندقة فأدركت ذكاته فكله وإلا فلا تؤكله. وأما أثر الحسن فأخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن، إذ رمى الرجل الصيد بالجلاهقة فلا تأكل إلا أن تدرك ذكاته وقال بعضهم: والجلاهقة بضم الجيم وتشديد اللام وكسر الهاء بعدها قاف هي: البندقة بالفارسية، والجمع جلاهق قلت: المشهور في لسان الفارسية أن اسم البندقة كل كمان. قوله: (وكره الحسن)، أي: البصري (رمى البندقة في القرى) الخ. إنما كرهه في القرى والأمصار تحرزا عن إصابة الناس بخلاف الصحراء، وهذا ظاهر. وقال ابن المنذر: وممن روينا عنه أنه كره صيد البندقة ابن عمر والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. 5476 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي قال: سمعت عدي بن حاتم، رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن المعراض؟ فقال: إذا أصبت بحده فكل فإذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل فقلت: أرسل كلبي؟ قال: إذا أرسلت كلبك وسميت فكل قلت: فإن أكل؟ قال: فلا تأكل فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه قلت: أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر؟ قال: لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على آخر. مطابقته للترجمة ظاهرة. وقد مضى الحديث الآن، والكلام فيه وعبد الله بن أبي السفر بفتح السين المهملة وفتح الفاء، واسم أبي السفر سعيد بن يحمد الهمداني الكوفي يروي عن عامر الشعبي. قوله: (فإنه لم يمسك عليك)، قال الله تعالى: * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * (المائدة: 4). 3 ((باب: * (ما أصاب المعراض بعرضه) *)) أي: هذا باب في بيان حكم ما أصاب المعراض بعرضه. 5477 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم، رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله! إنا نرسل الكلاب المعلمة؟ قال: كل مما أمسكن عليك قلت وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن. قلت: وإنا نرمي بالمعراض؟ قال: كل ما خزق وما أصاب بعرضه فلا تأكل. هذا طريق آخر في الحديث المذكور قبله، أخرجه عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن همام بتشديد الميم ابن الحارث النخعي الكوفي. قوله: (كل ما خزق)، بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها قاف أي: نفذ يقال: سهم خازق أي: نافذ، ويقال: خسق، بالسين المهملة أيضا إذا أصاب الرمية ونفذ منها وخزق يخزق خزوقا وسهم خازق وخاسق، وقال ابن التين: خزق أصاب مجده وأصل الخزق في اللغة الطعن. قوله: (وما أصاب بعرضه)، بفتح العين يعني: بغير طرفه الحاد فلا تأكل، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق، وقال الشعبي وابن جبير: يؤكل إذا خزق وبلغ المقاتل، وقال ابن بطال: وذهب الأوزاعي ومكحول وفقهاء الشام إلى جواز أكل ما قتل بالمعراض خزقه أو لم يخزق وكان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد لا يريان به بأسا. 4 ((باب: * (صيد القوس) *)) أي: هذا باب في بيان حكم الصيد بالقوس، والقوس يذكر ويؤنث، فمن أنثه يقول في تصغيره، قويسة، ومن ذكره يقول: أسفل قويس ويجمع على قسي وأقواس وقياس، وقال أبو عبيدة منشدا. * ووتر الأساود القياسا. * والقوس أيضا بقية التمر في الحلة والقوس برج في السماء وتقول: قست الشيء بغيره وعلى غيره أقيس قيسا وقياسا فانقاس إذا قدرته على مثاله.
94 وقال الحسن وإبراهيم: إذا ضرب صيدا فبان منه يد أو رجل لا تأكل الذي بان وتأكل سائره) *. قيل: لا وجه لإيراد الأثر المذكورة في هذا الباب قلت: الوجه لأنه يمكن ضرب صيد بسهم قوس فأبان منه يده أو رجله. والحسن هو البصري، وإبراهيم هو النخعي أما أثر الحسن فأخرجه ابن أبي شيبة عن هشيم عن يونس عنه في رجل ضرف صيدا فأبان منه بدا أو رجلا، وهو حي ثم مات تأكله ولا تأكل ما بان منه إلا أن تضربه فتقطعه فيموت من ساعته فإذا كان ذلك فلتأكله كله وفي (الأشراف) عن الحسن خلاف هذا، قال في الصيد يقطع منه عضو، قال: يأكله جميعا ما بان وما بقي وأما أثر إبراهيم فأخرجه ابن أبي شيبة أيضا: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة. قال: إذا ضرب رجل الصيد فبان عضو منه ترك ما سقط وأكل ما بقي، وإبراهيم لما روى هذا ولم يعترض عليه بشيء فكأنه رضيه. قوله: (سائره)، أي: باقيه، وقيل: لا يستعمل سائره إلا بمعنى جميعه، وليس كذلك بل اللغة الفصيحة أنه يستعمل بمعنى باقيه قل الباقي أو كثر. * (وقال إبراهيم إذا ضربت عنقه أو وسطه فكله) *. أي: قال إبراهيم النخعي. قوله: (أو وسطه)، بفتح السين المهملة لأنه اسم لمعنى ما بين طرفي الشيء كمركز الدائرة، وبالسكون اسم مبهم لداخل الدائرة. * (وقال الأعمش عن زيد: استعصى على رجل من آل عبد الله حمار فأمرهم أن يضربوه حيث تيسر، دعوا ما سقط منه وكلوه) *. الأعمش سليمان، وزيد هو ابن وهب، وعبد الله هو ابن مسعود، وهذا التعليق وصله أبو بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: سئل ابن مسعود عن رجل ضرب رجل حمار وحشي فقطعها فقال: دعوا سقط وذكوا ما بقي وكلوه، وحكاه ابن أبي شيبة أيضا عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، من حديث الحارث عنه، وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وقتادة وعطاء: لا تأكل العضو وذك، الصيد وكله. وقال عكرمة: إن عدا حيا بعد سقوط العضو منه فلا تأكل العضو، وذك الصيد وكله، وإن مات حين ضرب فكله كله وبه قال قتادة وأبو ثور والشافعي: كذلك قال: إذا كان لا يعيش بعد ضربة ساعة أو مدة أكثر منها وفي التمهيد عن مالك إن قطع عضوه لا يؤكل العضو وأكل الباقي وقال الشافعي إن قطع قطعتين أكله وإن كانت إحداهما أقل من الأخرى إذا مات من تلك الضربة. وقال أبو حنيفة والثوري: إذا قطعه نصفين أكلا جميعا وإن قطع الثلث فإن كان مما يلي الرأس أكله جميعه، وإن كان من الذي يلي العجز أكل الثلثين مما يلي الرأس ولا يأكل الثلث الذي يلي العجز. 5478 حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة، قال: أخبرني ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة الخشني قال: قلت: يا نبي الله! إنا بأرض قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم! وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمسلم وبكلبي المسلم، فما يصلح لي؟ قال: أما ما ذكرت من أهل الكتاب؟ فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل. مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد الله بن يزيد من الزيادة المقري، وحيوة ابن شريح. مصغر شرح بالشين المعجمة والراء المصري أبو زرعة، وربيعة بن يزيد من الزيادة الدمشقي القصير، وأبو إدريس عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني، وأبو ثعلبة بلفظ الحيوان المشهور الخشني بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وبالنون نسبة إلى خشين بن النمر بن وبرة بن ثعلب
95 ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وفي اسمه واسم أبيه خلاف، والأكثر على أنه: جرهم بضم الجيم والهاء وسكون الراء، ابن ناشم بالنون وكسر الشين المعجمة وهو من المبايعين تحت الشجرة مات سنة خمس وسبعين. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن أبي عاصم في موضعين منه على ما يجيء وعن أحمد بن أبي رجاء وأخرجه مسلم في الصيد عن هناد وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن هناد بقصة الكلب وأخرجه الترمذي في السير عن هناد بقصة الآنية. وأخرجه النسائي في الصيد عن محمد بن عبيد بقصة القوس والكلب. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن المثنى بتمامه. قوله: (أنا بأرض قوم) يعني: بالشام وكانت جماعة من قبائل العرب سكنوا الشام وتنصروا منهم آل غسان وتنوخ وبهراء وبطون من قضاعة. منهم: بنو خشين من آل أبي ثعلبة قوله: (في آنيتهم) جمع إناء وفي (المغرب) الإناء وعاء الماء، وجمع التقليل آنية والتكثير: الأواني. ونظيره سوار وأسورة وأساور. واستغتى أبو ثعلبة المذكور رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مسألتين. الأولى: عن الأكل في آنية أهل الكتاب فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فإن وجدتم غيرها) أي: غير آنية أهل الكتاب فلا تأكلوا فيها وإلا فاغسلوها وكلوا فيها. وهذا التفصيل يقتضي كراهة استعمالها إن وجد غيرها مع أن الفقهاء قالوا بجواز استعمالها بعد الغسل بلا كراهة سواء وجد غيرها أو لا وأجيب أن المراد النهي عن الآنية التي يطبخون فيها لحوم الخنازير ويشربون فيها الخمور، وإنما نهى عنها بعد الغسل للاستقذار وكونها معدة للنجاسة، ومراد الفقهاء أواني الكفار التي ليست مستعملة في النجاسات غالبا. قلت: التحقيق في هذا أن في حديث أبي ثعلبة هذا ترجيح الظاهر على الأصل لأن الأصل في آنية أهل الكتاب والمجوس الطهارة، ومع هذا فقد أمر بغسلها عند عدم وجود غيرها. والصحيح أن الحكم للأصل حتى تتحقق النجاسة ثم يحتاج إلى الجواب عن الحديث فأجيب بجوابين: أحدهما: أن الأمر بالغسل للاحتياط والاستحباب. والثاني: أن المراد بالحديث حالة تحقق نجاستها، ويدل عليه قوله في رواية أبي داود: إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها بالماء وكلوا واشربوا). فافهم. المسألة الثانية: عن الصيد بالقوس وبالكلب المعلم وغير المعلم فأجاب بقوله: (وما صدت) إلى آخر. ويستفاد منه أحكام. الأول: فيه جواز الصيد بالقوس إذا ذكر اسم الله عليه، وفي رواية أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له: أبو ثعلبة، قال: يا رسول الله! إن لي كلابا معلمة الحديث، وفيه: افتني في قوسي، قال: كل ما ردت عليك قوسك ذكيا وغير ذكي، قال: وإن تغيب عني؟ قال: وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثر غير سهمك. قوله: (ما لم يصل) بكسر الصاد المهملة واللام الثقيلة أي: ما لم ينتن. الثاني: وجوب اشتراط التسمية، وقد مرت مباحثها عن قريب. الثالث: أن الكلب لا بد أن يكون معلما؟ فإذا صاد بكلبه المعلم وذكر اسم الله عند الإرسال فإنه يؤكل، وإذا صاد بكلب غير معلم فإن أدرك ذكاته يذكى ويؤكل، وإلا فلا يؤكل. الرابع: أن ذكر الكلب مطلقا يتناول أي لون كان أبيض أو أسود أو أحمر، فيجوز بأي لون كان، وفيه حجة على أحمد حيث لا يجوز بالكلب الأسود، وإن كان معلما. الخامس: أن فيه شرطين: كون معلما. والتسمية فإذا أرسل كلبا غير معلم أو أرسل معلما بغير تسمية، أو وجد كلبا قد صاد من غير إرسال فلا يحل صيده إلا بأن يدركه وفيه حياة مستقرة ثم يذكيه. 5 ((باب: * (الخذف والبندقة) *)) أي: هذا باب في بيان حكم الخذف، وهو بالخاء والذال المعجمتين، وهو الرمي بالحصى بالأصابع. وقال ابن المنذر: الخذف رميك حصاة أو نواة تأخذ بين سبابتيك وترمي بها، أو تتخذ مخذفة من خشب ثم ترمي بها الحصاة بين إبهامك والسبابة، وأما الحذف بالحاء المهملة فهو الرمي بالعصا وقال ابن الأثير: يستعمل في الرمي والضرب معا، والبندقة، بضم الباء الموحدة وسكون النون طينة مدورة مجففة يرمى بها عن الجلاهق، وهو بضم الجيم وتخفيف اللام وكسر الهاء وبالقاف: اسم لقوس البندقة.
96 5479 حدثنا يوسف بن راشد حدثنا وكيع ويزيد بن هارون، واللفظ ل يزيد عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل: أنه رأى رجلا يخذف فقال له: لا تخذف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن الخذف، أو كان يكره الخذف. وقال: إنه لا يصاد به صيد ولا ينكى به وعدو ولاكنها قد تكسر السن وتفقأ العين، ثم رآه بعد ذالك يخذف فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن الخذف. أو كره الخذف، وأنت تخذف؟ لا أكلمك كذا وكذا. مطابقته للترجمة ظاهرة. وقد أوضح الحديث الإبهام الذي في الترجمة وقال بعضهم: يأتي تفسير الخذف في الباب. قلت: لم يفسر الخذف في الباب قط، وإنما بين حكمه، وهذا ظاهر. ويوسف بن راشد هو يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الرازي نزيل بغداد، نسبه البخاري إلى جده، ووكيع هو ابن الجراح الكوفي، ويزيد من الزيادة ابن هارون الواسطي من مشايخ أحمد بن حنبل، وكهمس بفتح الكاف والميم وبالسين المهملة ابن الحسن أبو الحسن التميمي، نزل البصرة في بني قيس، وعبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الباء آخر الحروف وبالدال المهملة ابن خصيب الأسلمي قاضي مرو أبو سهل المروزي أخو سليمان بن بريدة، وكانا توأمين ولم يزل قاضيا بمرو إلى أن مات بها. وقال الدمياطي: قيل: مات عبد الله وسليمان في يوم واحد سنة خمس ومائة وكان عمرهما مائة سنة والأصح أن سليمان تولى القضاء قبله ومات بمرو وهو على القضاء بها سنة خمس ومائة، وولي أخوه القضاء بها بعده، ومات وهو على القضاء سنة خمس عشرة ومائة، فعلى هذا يكون عمر سليمان تسعين سنة، وعمر عبد الله مائة سنة، وعبد الله بن مغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة ابن عبد نهم بن عفيف بن أسحم المزني، نزل البصرة ومات بها سنة ستين، وصلى عليه أبو برزة. والحديث أخرجه مسلم في الذبائح أيضا عن عبد الله بن معاذ وغيره. وأخرجه النسائي في الديات عن أحمد بن سليمان. قوله: (رأى رجلا) لم يدر اسمه وفي رواية مسلم: رأى رجلا من أصحابه، وله من رواية سعيد بن جبير عن عبد الله بن مغفل: إنه قريب لعبد الله بن مغفل. قوله: (يخذف) بالخاء المعجمة، وقد مر تفسيره آنفا. وهو الذي يرمي الحصاة بالمخذفة بكسر الميم وهو الذي يسمى بالمقلاع بكسر الميم. قوله: (أو كان يكره)، الخذف شك من الراوي، وفي رواية أحمد عن وكيع: نهى عن الخذف من غير شك، وأخرجه عن محمد بن جعفر عن كهمس بالشك، وبين أن الشك من كهمس. قوله: (إنه لا يصاد به صيد) قال المهلب: أباح الله الصيد على صفة فقال: * (تناله أيديكم ورماحكم) * (المائدة: 94) وليس الرمي بالبندقة ونحوها من ذلك، وإنما هو وقيذ، وإنما نهى عن الخذف لأنه يقتل الصيد بقوة رامية لا بحده. قوله: (ولا ينكى به) قال عياض: الرواية بفتح الكاف والهمزة في آخره وهي لغة، والأشهر بكسر الكاف بغير همزة وفي (شرح مسلم) لا ينكأ، بفتح الكاف مهموز. قلت: المناسب هنا كسر الكاف بغير همزة لأن معناه من نكيت في العد وأنكي نكاية. فأنا ناك إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك، وأما الذي بالهمز فمن قولهم: نكأت القرحة أنكؤها إذا قشرتها ولا يناسب هنا إلا الأول على ما لا يخفى. وقال ابن سيده: نكيت العدو نكاية أصبت منهم نكأت العدو أنكؤهم لغة في نكيت. فعلى هذا الوجهان صحيحان. قوله: (ولكنها)، أي: الرمية، وأطلق السن ليشمل سن الآدمي وغيره. قوله: (كذا وكذا)، وفي رواية معاذ ومحمد بن جعفر: لا أكلمك كلمة كذا وكذا. وكلمة، بالنصب والتنوين، وكذا وكذا لإبهام الزمان، ووقع في رواية سعيد بن جبير عند مسلم لا أكلمك أبدا. وفيه: جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجران فوق ثلاث لأنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه. وفيه: تغيير المنكر ومنع الرمي بالبندق فلا يحل ما قتله إلا إذا أدرك ذكاته فيحل حينئذ، وقال أبو الفتح القشيري: المنقول عن بعض متقدمي الشافعية منع الاصطياد بالبندق إما تحريما وإما كراهة وعن بعض المتأخرين جوازه واستدل على ذلك
97 بحديث الاصطياد بالكلب الذي ليس بمعلم، وبالعلة التي في الحديث المذكور لأنه قال: (لا ينكى به العدو) فمفهوم هذا أن ما ينكي العدو ويقتل الصيد: لا ينهى عنه لزوال علة النهي، وهذا دليل مفهوم. قلت: هذا ليس بحجة عند الجمهور. 6 ((باب: * (من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية) *)) أي: هذا باب في بيان من اقتنى من الاقتناء. وهو الاتخاذ والإدخار للقنية. قوله: (ليس بكلب صيد) صفة لقوله: (كلبا) وماشية، أي: أوليس بكلب ماشية، وهو اسم يقع على الإبل والبقر والغنم، ولكن أكثر ما يستعمل في الغنم، ويجمع على المواشي ولم يبين الحكم اكتفاء بما في الحديث. 5480 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من اقتنى كلبا ليس بكلب ماشية أو ضارية نقص كل يوم من عمله قيراطان. مطابقته للجزء الثاني للترجمة وهو قوله أو ماشية صريحا، وللجزء الأول من حيث المعنى، وهو قوله: (وضارية) لأنه من ضري الكلب بالصيد ضراوة أي: تعود. وكان حقه أن يقال: أو ضار، ولكنه أنث للتناسب للفظ ماشية نحو: لا دريت ولا تليت، وحقه تلوت وكذلك نحو الغدايا والعشايا وقيل: صفة للجماعة الصائدين أصحاب الكلاب المعتادة للصيد فسموا ضارية استعارة. والحديث قد مضى في المزارعة في: باب اقتناء الكلب للحرث، من رواية أبي هريرة، وفيه أيضا من رواية سفيان بن أبي زهير كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومضى أيضا من حديث أبي هريرة في كتاب بدء الخلق في: باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم، وعن سفيان بن أبي زهير أيضا فيه، ومضى الكلام فيه مستوفى. قوله: (قيراطان) وجاء في حديث آخر: قيراط قال ابن بطال: إنه غلظ عليهم في اتخاذها لأنها تروع الناس فلم ينتهوا. فزاد في التغليظ فجعل مكان قيراط قيراطين وفي (التوضيح) هل هذا النقص من ماضي عمله أو من مستقبله؟ أو قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل، أو قيراط من الفرض وقيراط من النفل؟ فيه خلاف حكاه في (البحر) والقيراط في الأصل نصف دانق والمراد هنا مقدار معلوم عند الله. أي: ننقص الجزء من أجزأ عمله. 5481 حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالما يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: من اقتنى كلبا إلا كلب ضار لصيد أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان. هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن المكي بن إبراهيم بن بشير البلخي، وقال الكرماني: منسوب إلى مكة شرفها الله، وليس كذلك، بل هو علم له يروي عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، واسم أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن مات سنة إحدى وخمسين ومائة. قوله: (إلا كلب ضار) من إضافة الموصوف إلى صفته، نحو: شجر الأراك، وقيل: لفظ ضار صفة للرجل الصائد أي: إلا كلب الرجل المعتاد للصيد، ويروى: ضاري، والقياس حذف الياء منه، ولكن جاء في لغة إثبات الياء في المنقوص. فإن قلت: ما وجه هذا الاستثناء؟ قلت: إلا هاهنا بمعنى غير، والاستثناء متعذر اللهم إلا أن ينزل النكرة منزلة المعرفة فيكون استثناء. قوله: (قيراطان)، ويروى: قيراطين، وفيما مضى أيضا وجه الرفع ظاهر لأنه فاعل ينقص هنا، وهناك نقص، وأما وجه النصب فلأن نقص جاء لازما متعديا باعتبار اشتقاقه من النقصان والنقص. واختلفوا في سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب، فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته، وقيل: لما يلحق المارين من الأذى، وقيل: لما يبتلى به من ولوغه في الإناء عند غفلة صاحبه وقال الكرماني: فإن قلت: كيف يجمع بين الحصرين؟ إذ المحصور هنا كلب الماشية والحرث، ومفهوم أحدهما دخول كلب الصيد في المستثنى منه، ومفهوم الآخر خروجه عنه وهما متنافيان وكذا حكم كلب الحرث، فإنه مستثنى وغير مستثنى قلت:
98 مدار أمر الحصر على المقامات واعتقاد السامعين لا على ما في الواقع فالمقام الأول اقتضى استثناء كلب الصيد، والثاني استثناء كلب الحرث، فصارا مستثنيين فلا منافاة في ذلك. 5482 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضار نقص من عمله كل يوم قيراطان. هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن عبد الله بن يوسف إلى آخره. قوله: (أو ضار). أي: أو إلا كلب ضار، والمعنى إلا كلبا ضاريا. قوله: (من عمله) ويروى: من أجره. 7 ((باب: * (إذا أكل الكلب) *)) أي: هذا باب يذكر فيه أكل الكلب من الصيد، وجواب: إذا محذوف تقديره إذا أكل الكلب من الصيد لا يؤكل، ولم يذكره اعتمادا على ما يفهم من متن الحديث. وقوله تعالى: * (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين) * الصوائد والكواسب، اجترحوا: اكتسبوا * (تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) * إلى قوله: * (سريع الحساب) * (المائدة: 4). قوله: مرفوع عطفا على قوله: (باب)، لأنه مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف. كما قلنا، وسبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني عبد الله بن لهيعة حدثني عطاء بن دينار وعن سعيد بن جبير أن عدي بن حاتم ويزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله! قد حرم الله الميتة، فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت: * (يسألونك) * الآية. قوله: (قل أحل لكم الطيبات) يعني: الذبائح الحلال طيبة لهم قاله سعيد بن جبير: وقال مقاتل بن حيان: الطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه، وهو الحلال من الرزق. قوله: (وما علمتم من الجوارح) أي: وأحل لكم ما اصطدتموه بما علمتم من الجوارح وهي الكلاب والفهود والصقور وأشباه ذلك، وهذا مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة وممن قال ذلك: علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: * (ما علمتم من الجوارح مكلبين) * وهي: الكلاب المعلمة والبازي وكل طير يعلم للصيد، وروى ابن أبي حاتم عن خيثمة وطاووس ومجاهد ومكحول ويحيى ابن أبي كثير: أن الجوارح الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها. قوله: (مكلبين)، حال من قوله: (مما علمتم) وهو جمع مكلب وهو مؤدب الجوارح ومضربها بالصيد لصاحبها ورائضها لذلك، وقال بعضهم: مكلبين مؤدبين فليس هو تفعيل من الكلب الحيوان المعروف إنما هو من الكلب بفتح اللام وهو الحرص. انتهى. قلت: هذا تركيب فاسد ومعنى غير صحيح ودعوى اشتقاق من غير أصله، ولم يقل به أحد، بل الذي يقال هنا ما قاله الزمخشري الذي هو المرجع إليه في التفسير، وهو أنه قال: واشتقاقه أي: اشتقاق مكلبين من الكلب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه. فإن قلت: قال الزمخشري أيضا: ومن الكلب الذي هو بمعنى الضراوة؟ يقال: هو كلب بكذا إذا كان ضاربا به قلت: نحن ما ننكر أن يكون اشتقاق مكلبين من غير الكلب الذي هو الحيوان، وإنما أنكرنا على هذا القائل قوله: وليس هو تفعيل من الكلب، وإنما هو الكلب بفتح اللام، فالذي له أدنى مسكة من علم التصريف لا يقول بهذه العبارة. وأيضا فقد فسر الكلب بفتح اللام بمعنى الحرص وليس كذلك معناه هاهنا، وإنما معناه مثل ما قاله الزمخشري، وهو معنى الضراوة. قوله: (الصوائد)، جمع صائدة. (والكواسب) جمع كاسبة وهو صفة لقوله: (الجوارح) وقال بعضهم: صفة محذوف تقديره: الكلاب الصوائد. قلت: هذا أيضا فيه ما فيه، بل هي صفة للجوارح كما قلنا. وقوله: الصوائد، رواية الكشميهني ولغيره، الكواسب. قوله: (الصوائد والكواسب) وقوله: (اجترحوا: اكتسبوا) ليس من الآية الكريمة بل هو معترض بين قوله: (مكلبين) وبين قوله: (تعلمونهن) فذكر الصوائد والكواسب تفسيرا للجوارح، وذكر اجترحوا بمعنى اكتسبوا استطرادا لبيان أن
99 الاجتراح يطلق على الاكتساب. قوله: (تعلمونهن)، أي: الجوارح، وتعليمهن أنه إذا أرسل استرسل وإذا أشلاه استشلى وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه ولا يمسكه لنفسه، ولهذا قال: * (فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله) * (المائدة: 4) في مخالفة أمره. * (وإن الله سريع الحساب) *. * (وقال ابن عباس: إن أكل الكلب فقد أفسده إنما أمسك على نفسه والله يقول: * (تعلمونهن مما علمكم الله) * فتضرب وتعلم حتى تترك) *. هذا التعليق وصله سعيد بن منصور مختصرا من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس، قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه. قوله: (أفسده)، أي: أخرجه عن صلاحيته للأكل. وقوله: (إنما أمسك) إلى آخره تعليل لما قال. قوله: (فتضرب)، على صيغة المجهول. وكذلك (تعلم) قوله: (حتى تتركه)، أي: الأكل. * (وكرهه ابن عمر رضي الله عنهما) * أي: كره أكل الصيد الذي أكل منه الكلب عبد الله بن عمر بن الخطاب، ووصله وكيع بن الجراح حدثنا سفيان ابن سعيد عن ليث عن مجاهد عنه. * (وقال عطاء: إن شرب الدم ولم يأكل فكل) * أي: قال عطاء بن أبي رباح: إن شرب الكلب دم الصيد ولم يأكل من لحمه فكل، يعني: كل هذا الصيد. وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن حفص بن غياث عن ابن جريج عنه، وذكر عن عدي بن أبي حاتم: إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يتعلم ما علمته وعن الحسن: إن أكل فكل فإن شرب فكل، وزعم ابن حزم أن الجارح إذا شرب من دم الصيد لم يضر ذلك شيئا لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حرم علينا أكل ما قتيل: إذا أكل ولم يحرم إذا ولغ قال القرطبي: وهو قول سعد بن أبي وقاص وابن عمر وسلمان، رضي الله عنهم، قالوا: إذا أكل الجارح يؤكل ما أكل، وهو قول مالك. وقال ابن بطال، وهو قول علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن بن أبي الحسن ومحمد بن شهاب وربيعة والليث، وقال أبو حنيفة ومحمد بن إدريس وأحمد بن حنبل وإسحاق: إن أكل لا يؤكل وقال القرطبي: وهو قول الجمهور من السلف وغيرهم منهم ابن عباس وأبو هريرة وابن شهاب في رواية، والشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وعطاء بن أبي رباح وعكرمة وقتادة. 5483 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن فضيل عن بيان عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إنا قوم نصيد بهاذه الكلاب؟ فقال: إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فعل مما أمسكن عليكم، وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل. مطابقته للترجمة ظاهرة. وبيان، بفتح الياء الموحدة وتخفيف الباء آخر الحروف، ابن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة الأحمسي بالمهملتين، والشعبي هو عامر بن شراحيل. والحديث قد مر بوجوه مختلفة وطرق عديدة. قوله: (إذا أرسلت)، فيه إشعار بأنه إذا استرسل بنفسه فلا يؤكل صيده، وهو قول الجمهور إلا ما حكي عن الأصم من إباحته، وإذا غصب كلبا واصطاد هل يكون للمالك أو للغاصب؟ فقيل: للمالك. لأن الصيد بكلبه، وقيل: للغاصب لأن الكلب يتملك. 8 ((باب: * (الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة) *)) أي: هذا باب في بيان حكم الصيد إذا غاب عنه أي: عن الصائد يومين أو ثلاثة أيام. 5484 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا ثابت بن يزيد حدثنا عاصم عن الشعبي عن عدي بن حاتم، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك
100 وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتل، وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل. مطابقته للترجمة في قوله: (بعد يوم أو يومين)، وذكر الثلاثة في الحديث الذي يأتي عقيب هذا. وثابت بالثاء المثلثة ضد الزائل ابن يزيد من الزيادة الأحول البصري، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، والشعبي هو عامر. وهذا الحديث مشتمل على أحكام. الأول: إذا أرسل كلبه وسمى فأمسك على صاحبه يحل أكله. الثاني: إن أكل منه لا يحل. الثالث: إذا خالط كلبه كلابا أخرى لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن لا يحل أكله، وعلله بقوله: (لا تدري أيها) أي: الكلاب (قلته) وفي (التوضيح) إن جمهور العلماء بالحجاز والعراق متفقون على أنه إذا أرسل كلبه على الصيد ووجد معه كلبا آخر ولم يدر أيهما أخذ فإنه لا يؤكل هذا الصيد، وممن قال ذلك عطاء والأربعة وأبو ثور، وكان الأوزاعي يقول: إذا أرسل كلبه المعلم فعرض له كلب آخر معلم فقتلاه فهو حلال، وإن كان غير معلم فقتلاه لم يؤكل وعبارة القرطبي، الكلب المخالط مجهول غير مرسل من صائد أخر، وأنه إنما انبعث في طلب الصيد بطبعه، ولا يختلف في هذا فأما إذا أرسله صائد آخر على ذلك الصيد فاشترك الكلبان فيه فإنه للصائدين، فلو نفذ أحد الكلبين مقاتله ثم جاء الآخر بعد فهو للأول. الرابع: إذا رمى الصيد وغاب عنه ثم وجد بعد يوم أو بعد يومين وليس به إلا أثر سهمه فإنه يؤكل، واختلف العلماء فيه. فقال الأوزاعي: إذا وجده من الغد ميتا ووجد سهمه أو أثرا من كلبه فليأكله، وهو قول أشهب وابن الماجشون وابن عبد الحكم، وروي عن مالك فيما رواه عنه ابن القصار، والمعروف عنه خلافه ففي (الموطأ) و (المدونة) لا بأس بأكل الصيد وإن غاب عنه مصرعه إذا وجدت به أثر كلبك أو كان به سهمك ما لم يبت فإذا بات لم يؤكل، وعنه الفرق بين السهم فيؤكل وبين الكلب فلا يؤكل. وقال أبو حنيفة: إذا توارى عنه الصيد والكلب في طلبه فوجده مقتولا والكلب عنده كرهت أكله. وقال الشافعي: القياس أنه لا يؤكل إذا غاب عنه لاحتمال أن غيره قتله، وقال النووي: الحل أصح. الخامس: إذا وقع الصيد في الماء فلا يؤكل لاحتمال أن الماء أهلكه، وإذا تحقق أن سهمه أنفذ مقاتله قبل وقوعه في الماء فمذهب الجمهور أكله، وروى ابن وهب عن مالك كراهته. وقال عبد الأعلى عن داود عن عامر عن عدي أنه قال: للنبي صلى الله عليه وسلم، يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه؟ قال: يأكل إن شاء عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة البصري، يروي عنه داود بن أبي هند عن عامر الشعبي. وهذا التعليق وصله أبو داود عن الحسين بن معاذ بن عبد الأعلى، فذكره. قوله: (فيقتفي)، من الاقتفاء وهو الاتباع، يقال: اقتفيته وقفوته وقفيته: إذا اتبعته، وهو رواية الكشميهني، ويروى: فيقتفر بالقاف والفاء والراء أي: يتبع، يقال: اقتفرت الأثر وقفرته إذا تبعته وقفوته، وكذا في رواية مسلم وهي رواية الأصيلي أيضا. قوله: (اليومين والثلاثة)، فيه زيادة على رواية عاصم، بعد يوم أو يومين وروى مسلم من حديث أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا رميت سهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن، وفي رواية في الذي يدرك صيده بعد ثلاث إلا أن ينتن يدعه واختلف في تأويله فمنهم من قال: إذا أنتن الحق بالمستقذر الذي تمجه الطباع، فلو أكله جاز، كما جاء أنه أكل إهالة سنخة أي: منتنة، ومنهم من قال: هو معلل بما يخاف منه الضرر على أكله، وعلى هذا يكون أكله محرما إن كان الخوف محققا والله أعلم. 9 ((باب: * (إذا وجد مع الصيد كلبا آخر) *؟)) أي: هذا باب في بيان ما إذا وجد الصائد مع كلبه الذي أرسله كلبا آخر، ولم يذكر جواب إذا اكتفاه بما ذكر في الحديث. 5486 حدثنا آدم حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عدي بن
101 حاتم قال: قلت يا رسول الله! إني أرسل كلبي وأسمي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أرسلت كلبك وسميت فأخذ فقتل فأكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه. قلت: إني أرسل كلبي أجد معه كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه؟ فقال: لا تأكل. فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره. وسألته عن صيد المعراض؟ فقال: إذا أصبت بحده فكل، وإذا أصبت بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل. هذا الحديث بعينه متنا وإسنادا قد مر في: باب المعراض، غير أنه هناك روى عن سليمان بن حرب عن شعبة إلى آخره، وهنا روي عن آدم بن أبي إياس عن شعبة إلى آخره، فلأجل اختلاف شيخه وضع لكل منهما ترجمة يطابقها حديثه. والله أعلم. 10 ((باب: * (ما جاء في التصيد) *)) أي: هذا باب في بيان ما جاء في التصيد، أي: في التكلف بالصيد والاشتغال به لأجل التكسب، وقد علم أن باب التفعل للتكلف والاعتمال، وهذا غير ممنوع بخلاف ما إذا كان تولعه به لأجل اللهو والتنزه فإنه ممنوع، كما قد ذكرناه. 5487 حدثني محمد أخبرني ابن فضيل عن بيان عن عامر عن عدي بن حاتم، رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إنا قوم نتصيد بهاذه الكلاب؟ فقال: إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك، إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلب من غيرها فلا تأكل. مطابقته للترجمة في قوله: (إنا قوم نتصيد)، ومحمد هو ابن سلام. قاله الغساني: وابن فضيل بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة مصغر فضل هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي، وبيان بالباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف ابن بشر الكوفي، وعامر هو الشعبي. وقد مر الحديث عن قريب في: باب إذا أكل الكلب، فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن فضيل إلى آخره، وفيه (إنا قوم نصيد) وهاهنا نتصيد، ومر الكلام فيه. 5488 حدثنا أبو عاصم عن حيوة (ح) وحدثني أحمد بن أبي رجاء حدثنا سلمة بن سليمان عن ابن المبارك عن حيوة بن شريح قال: سمعت ربيعة بن يزيد الدمشقي قال : أخبرني أبو إدريس عائذ الله قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني، رضي الله عنه، يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إنا بأرض قوم أهل الكتاب نأكل في آنيتهم، وأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم والذي ليس معلما فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذالك؟ فقال: أما ما ذكرت أنك بأرض قوم أهل الكتاب تأكل في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها، وأما ما ذكرت أنك بأرض صيد فما صدت بقوسك فاذكر اسم الله ثم كل، وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ثم كل وما صدت بكلبك الذي ليس معلما فأدركت ذكاته فكل. هذا الحديث أيضا قد مر عن قريب فإنه أخرجه في: باب ما أصاب المعراض بعرضه عن عبد الله بن يزيد عن حيوة وأخرجه هاهنا من طريقين: أحدهما: عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل عن حيوة بن شريح عن ربيعة بن يزيد من الزيادة عن أبي إدريس عائذا لله بالذال المعجمة. والآخر: عن أحمد بن أبي رجاء بفتح الراء والجيم المخففة وبالمد الهروي عن سلمة بن سليمان
102 المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن حيوة إلى آخره، وهذا الطريق أنزل من الأول، ومر الكلام فيه. 5489 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني هشام بن زيد عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعوا عليها حتى لغبوا فسعيت عليها حتى أخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة، فبعث إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، بوركها وفخذيها فقبله. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فسعوا عليها حتى لغبوا) لأن معناه: حتى تعبوا. وفيه معنى التصيد وهو التكلف في الاصطياد. ويحيى هو القطان، وهشام بن زيد بن أنس بن مالك يروي عن جده. والحديث قد مر في الهبة في: باب قبول هدية الصيد فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن هشام بن زيد الخ. ومر الكلام فيه هناك. قوله: (أنفجنا)، بالنون والفاء والجيم أي: هيجنا، يقال: نفج الأرنب إذا أثاره. قوله: (بمر الظهران)، موضع بقرب مكة. قوله: (حتى لغبوا)، بالغين المعجمة المكسورة وبالفتح أفصح، وفي رواية الكشميهني: حتى تعبوا. قوله: (إلى أبي طلحة)، وهو زوج أم أنس، واسمه زيد بن سهل الأنصاري. قوله: (بوركها) في رواية الأكثرين بالإفراد، وفي رواية الكشميهني: بوركيها بالتثنية. 5490 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم، فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطا فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى بعضهم فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألوه عن ذالك؟ فقال: إنما هي طعمة أطعمتكموها الله. مطابقته للترجمة في قوله: (ثم شد على الحمار) فإن فيه معنى التكلف في التصيد. وإسماعيل هو ابن أبي أويس عبد الله بن أخت مالك بن أنس، وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي، وأبو قتادة الحارث الأنصاري. والحديث قد مر في كتاب الحج عن عبد الله بن محمد وغيره. وفي الجهاد عن عبد الله بن يوسف، ومر الكلام فيه قوله: (طعمة) بضم الطاء أي: مأكلة. 5491 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة مثله إلا أنه قال: هل معكم من لحمه شيء. هذا طريق آخر في الحديث المذكور، ومضى حديث أبي قتادة في كتاب الحج في أربعة أبواب متوالية بطرق مختلفة ومتون بزيادة ونقصان وأخرجه مسلم مثله في رواية حدثنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة في حمار الوحشي مثل حديث أبي النضر، غير أن في حديث زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: هل معكم من لحمه شيء؟. 11 ((باب: * (التصيد على الجبال) *)) أي: هذا باب في بيان التصيد على الجبال، جمع جبل بفتح الجيم والباء الموحدة. 5492 حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي قال: حدثني ابن وهب أخبرنا عمرو أن أبا النضر حدثه عن نافع مولى أبي قتادة وأبي صالح مولى التوأمة قالا: سمعنا أبا قتادة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه
103 وسلم، فيما بين مكة والمدينة وهم محرمون وأنا رجل حل على فرس وكنت رقاء على الجبال، فبينا أنا على ذالك إذ رأيت الناس متشوفين لشيء فذهبت أنظر فإذا هو حمار وحش، فقلت لهم: ما هاذا قالوا: لا ندري. قلت هو حمار وحشي؟ فقالوا: هو ما رأيت، وكنت نسيت سوطي فقلت لهم: ناولوني سوطي فقالوا: لا نعينك عليه، فنزلت فأخذته ثم ضربت في أثره فلم يكن إلا ذاك حتى عقرته فأتيت إليهم فقلت لهم: قوموا فاحتملوا قالوا: لا تمسه فحملته حتى جئتهم به، فأبى بعضهم وأكل بعضهم. فقلت: أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم، فأدركته فحدثته الحديث فقال لي: أبقي معكم شيء منه؟ قلت: نعم، فقال: كلوا فهو طعم أطعمكموها الله. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وكنت رقاء على الجبال) لأن معناه: كنت كثير الرقي على الجبال، من رقى يرقى من باب علم يعلم رقيا ورقيا بالتشديد للمبالغة، والرقي الصعود والارتفاع، ولا يخلو من المشقة والتكلف والترجمة فيها معنى التكلف، ومراده. كان في ذلك الوقت على الجبل، ولهذا يقول: فنزلت. أي: من الجبل أو من الفرس. ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي نزل مصر، يروي عن عبد الله بن وهب المصري يروي عن عمرو بن الحارث المصري عن أبي النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم عن نافع مولى أبي قتادة، وأبي صالح نبهان بفتح النون وسكون الباء الموحدة مولى التؤمة، حكى عياض عن المحدثين بضم الثاء المثناة من فوق، وقال: الصواب فتح أوله، وحكى ابن التين والتؤمة، بوزن الحطمة. وقال الكرماني: مولى التؤمة بفتح الفوقانية، يقال: أتأمت المرأة إذا وضعت اثنين في بطن، والولدان توأمان، يقال: هذا توأم لهذا، وهذه توأمة لهذه، والجمع توائم نحو: جعفر وجعافر، وهي بنت أمية بن خلف الجمحي وسميت بها لأنها كانت مع أخت لها في بطن أمها وليس لنبهان هذا في البخاري إلا هذا الحديث ونافع المذكور وأبو صالح كلاهما يرويان عن أبي قتادة والحديث محفوظ لأبي صالح نبهان لا لابنه صالح، ومن ظن غير هذا فقد غلط. قوله: (وهم محرمون) الواو فيه للحال، وكذلك الواو في (وأنا رجل حل) بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام أي: حلال قوله: (فبينا) طرف مضاف إلى جملة. قوله: (إذ رأيت الناس) جوابه. قوله: (متشوفين) من قولهم: تشوف فلان للشيء أي: لمح له ونظر إليه، ومادته شين معجمة، وواو وفاء. قوله: (في أثره) أي: وراءه، وقال الجوهري: يقال: خرجت في أثره وأثره يعني: بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة وبفتحهما أيضا. قوله: (عقرته) أي: جرحته. قوله: (فاحتملوا) صيغة أمر للجماعة قوله: (فأبى بعضهم) يعني: امتنع بعضهم من الأكل. قوله: (استوقف لكم) أي: أسأله أن يقف لكم. قوله: (أبقى) الهمزة فيه للاستفهام على وجه الاستخبار. 12 ((باب: * (قول الله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر) * (المائدة: 96)) أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (أحل لكم صيد البحر) * وهذا المقدار رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم) * وروى سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب عن ابن عباس في قوله: * (أحل لكم صيد البحر) *. يعني: ما يصطاد منه طريا وطعامه ما يتزود منه مليحا يابسا قوله: (متاعا لكم) أي: منفعة وقوتا لكم أيها المخاطبون وانتصابه على أنه مفعول له. أي: تمتيعا لكم. قوله: (وللسيارة) جمع سيار، وقال عكرمة: لمن كان بحضرة البحر والسفر. * (وقال عمر: صيده ما اصطيد وطعامه ما رمى به) * أي: قال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه صيده. أي: صيد البحر (ما اصطيد) أي: الذي اصطيد، وطعام البحر ما رمى به أي: ما قذفه، وهذا التعليق وصله عبد بن حميد من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة. قال: لما قدمت البحرين سألني أهلها عما قذف البحر فأمرتهم أن يأكلوه فلما قدمت على عمر، رضي الله تعالى عنه، فذكرت قصته. قال: فقال عمر: قال الله عز وجل في كتابه: (أحل لكم صيد البحر وطعامه) فصيده ما صيد، وطعامه ما قذف به.
104 * (وقال أبو بكر: الطافي حلال) * أي: قال أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه. قوله: (الطافي)، هو الذي يموت في البحر ويعلو فوق الماء، ولا يرسب فيه، وهو من طفا يطفو، وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس، قال: أشهد على أبي بكر أنه قال: السمكة الطافية على الماء حلال، زاد الطحاوي في (كتاب الصيد) حلال لمن أراد أكله. وقال أصحابنا الحنفية: يكره أكل الطافي، وقال مالك والشافعي وأحمد والظاهرية، لا بأس به لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: (البحر هو الطهور ماؤه والحل ميتته). واحتج أصحابنا بما رواه أبو داود وابن ماجة عن يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه). فإن قلت: ضعف البيهقي هذا الحديث، وقال يحيى بن سليم: كثير الوهم سئ الحفظ وقد رواه غيره موقوفا. قلت: يحيى بن سليم أخرج له الشيخان فهو ثقة وزاد فيه الرفع، ونقل ابن القطان في كتابه عن يحيى أنه ثقة. فإن قلت: قال ابن الجوزي: إسماعيل بن أمية متروك. قلت: ليس كذلك لأنه ظن أنه إسماعيل بن أمية أبو الصلت الزارع، وهو متروك الحديث، وأما هذا فهو إسماعيل بن أمية القرشي الأموي، والذي ظنه ليس في طبقته. فإن قلت: قال أبو داود: رواه الثوري وأيوب وحماد عن أبي الزبير موقوفا على جابر، وقد أسند من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما اصطدتموه وهي حي فكلوه. وما وجدتم ميتا طافيا فلا تأكلوه. وقال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: ليس بمحفوظ، وروى عن جابر خلاف هذا، ولا أعرف لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئا. قلت: قول البخاري: أعرف لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئا على مذهبه في أنه يشترط لاتصال الإسناد المعنعن ثبوت السماع، وقد أنكر مسلم ذلك إنكارا شديدا. وزعم أنه قول مخترع، وأن المتفق عليه أنه يكفي للاتصال إمكان اللقاء والسماع، وابن أبي ذئب أدرك زمان أبي الزبير بلا خلاف وسماعه منه ممكن. فإن قلت: قال البيهقي: ورواه عبد العزيز بن عبد الله عن وهب بن كيسان عن جابر مرفوعا وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به. قلت: أخرج الحاكم في (المستدرك) حديثا عنه وصحح سنده. وأخرج حديثه هذا الطحاوي في (أحكام القرآن). فقال: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا أسد بن موسى حدثنا إسماعيل بن عياش حدثني عبد العزيز بن عبد الله عن وهب بن كيسان ونعيم بن عبد الله المجمر عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما جزر البحر فكل وما ألقى فكل وما وجدته طافيا فوق الماء فلا تأكل. وقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * (المائدة: 3) عام خص منه غير الطافي من السمك بالاتفاق، والطافي مختلف فيه فبقي داخلا في عموم الآية. * (وقال ابن عباس: طعامه ميتته إلا ما قذرت منها) * أي: قال ابن عباس في تفسير: وطعامه في قوله تعالى: * (وأحل لكم صيد البحر وطعامه) * (المائدة: 96) أي: ميتة البحر إلا ما قدرت منها. أي: من الميتة. وقذرت بكسر الذال المعجمة وفتحها وتعليق ابن عباس هذا وصله الطبري من طريق أبي بكر بن حفص عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه) * قال: وطعامه ميتته. * (والجري لا تأكله اليهود ونحن نأكله) * أي: هذا قول ابن عباس أيضا ورواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري به، وقال في رواية سألت ابن عباس عن الجري فقال: لا بأس به إنما تحرمه اليهود ونحن نأكله، والجري، بفتح الجيم وكسر الراء المشددة وبالياء آخر الحروف المشددة قال عياض: وجاء فيه كسر الجيم أيضا وهو من السمك ما لا قشر له وقال عطاء: لما سئل عن الجري قال: كل كل ذنيب سمين منه. وقال ابن التين: ويقال له أيضا: الجريث. وقال الأزهري: الجريث نوع من السمك يشبه الحيات ويقال له أيضا: المار ما هي والسلور مثله، وقيل: هو سمك عريض الوسط دقيق الطرفين. قلت: الجريث السمك السود، والمار ما هي لفظ فارسي لأن مار بالفارسية الحيكة وما هي: هو السمك والمضاف إليه يتقدم على المضاف في لغتهم.
105 * (وقال شريح: صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، كل شيء في البحر مذبوح) * هذا التعليق لم يثبت في رواية أبي زيد وابن السكن والجرجاني، وإنما ثبت في رواية الأصيلي، وقال: أبو شريح، وهو وهم نبه على ذلك أبو علي الغساني وقال مثله عياض. وزاد وهو شريح بن هانىء والصواب أنه غيره وهو شريح بن هانىء بن يزيد بن كعب الحارثي جاهلي إسلامي يكنى أبا المقدام، وأبوه هانىء بن يزيد له صحبة، وأما ابنه شريح فله إدراك ولم يثبت له سماع ولا لقى، وشريح المذكور هنا هو الذي ذكره أبو عمر فافهم. وقال الجياني: الحديث محفوظ لشريح لا لأبي شريح، وكذا ذكره البخاري في (تاريخه) عن مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني عمرو وأبو الزبير سمعا شريحا. وقال أبو عمر: شريح رجل من الصحابة حجازي روى عنه أبو الزبير وعمرو بن دينار سمعاه يحدث عن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، قال: كل شيء في البحر مذبوح ذبح الله لكم كل دابة خلقها في البحر، قال أبو الزبير وعمرو بن دينار، وكان شريح هذا قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حاتم: له صحبة وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع. * (وقال عطاء: أما الطير فأرى أن يذبحه) * أي: قال عطاء بن أبي رباح هذا التعليق ذكره أبو عبد الله بن منده في (كتاب الصحابة) أثر حديث شريح المذكور من طريق ابن جريج قال: فذكرت ذلك لعطاء فقال: (أما الطير فأرى أن يذبحه). * (وقال ابن جريج: قلت لعطاء: صيد الأنهار وقلاة السيل أصيد بحر هو؟ قال: نعم. ثم تلا * (هاذا عذب فرات سائغ شرابه وهاذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا) * (فاطر: 12) أي: قال عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج قلت لعطاء بن أبي رباح: قلات السيل بكسر القاف وتخفيف اللام وبالتاء المثناة من فوق جمع. قلت: وهي النقرة التي تكون في الصخرة يستنقع فيها الماء، وكل نقرة في الجبل أو غيره فهي. قلت: وإنما أراد ما ساق السيل من الماء وبقي في الغدير وكان فيه حيتان، وهذا التعليق رواه أبو قرة موسى بن طارق السكسكي في سننه عن ابن جريج، ورواه عبد الرزاق أيضا في (تفسيره) عن ابن جريج نحوه سواء. * (وركب الحسن عليه السلام على سرج من جلود كلاب الماء) * قيل: الحسن هو ابن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهما، وقيل: هو الحسن البصري، وقال بعضهم: ويؤيد القول الأول أنه وقع في رواية وركب الحسن، رضي الله تعالى عنه. قلت: فيه نوع مناقشة لا تخفى قوله: (من جلود) أي: سرج متخذ من جلود كلاب الماء. * (وقال الشعبي: لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم) * أي: قال عامر بن شراحيل الشعبي إلى آخره والضفادع جمع ضفدع بكسر الضاد وسكون الفاء وفتح الدال وكسرها وحكى بضم الضاد، وفتح الدال، وفي (المحكم) الضفدع والضفدع لغتان فصيحتان والأنثى ضفدعة وقال الجوهري: وناس يقولون: ضفدع: بفتح الدال، وقد زعم الخليل أنه ليس في الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم وهجرع وهبلع وقلعم الهجرع: الطويل، والهبلع الأكول، والقلعم الجبل، وزاد غيره الضفدع، وجزم صاحب ديوان الأدب بكسر الضاد والدال، وحكى ابن سيده في (الإقتضاب) بضم الضاد وفتح الدال وهو نادر، وحكى ابن دحية ضمهما وقال الجاحظ الضفدع لا يصيح ولا يمكنه الصياح حتى يدخل حنكه الأسفل في الماء وهو من الحيوان الذي يعيش في الماء ويبيض في الشط مثل السلحفاة ونحوها وهي تنق فإذا أبصرت النار أمسكت وهي من الحيوان الذي يخلق من أرحام الحيوان ومن أرحام الأرضين إذا لقحها الماء، وأما قول من قال: إنها من السحاب فكذب وهي لا عظام لها وتزعم الأعراب في خرافاتها أنها كانت ذات ذنب، وأن الضب سلبه إياها، وتقول العرب: لا يكون ذلك حتى يجمع بين الضب والنون، وحتى يجمع بين الضب والضفدع، أجحظ الخلق عينا ويصبر عن الماء الأيام الصالحة. وهي تعظم ولا تسمن كالأرنب
106 والأسد ينتابها في الربيع فيأكلها أكلا شديدا والحيات تأتي مناقع المياه لطلبها، ويقال له: نيق وتهدر. ولم يبين الشعبي هل تذكى الضفادع أم لا. واختلف مذهب مالك في ذلك. فقال ابن القاسم في (المدونة) عن مالك: أكل الضفدع والسرطان والسلحفاة جائز من غير ذكاة، وروى عن ابن القاسم: ما كان مأواه الماء يؤكل من غير ذكاة وإن كان يرعى في البر، وما كان مأواه ومستقره البر لا يؤكل إلا بذكاة وعن محمد بن إبراهيم: لا يؤكلان إلا بذكاة. قال ابن التين: وهو قول أبي حنيفة والشافعي. ثم اعلم أن قول الشعبي يرده ما رواه أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي في (كتاب الأطعمة) بسند صحيح أن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ضفدع يجعله في دواء فنهى صلى الله عليه وسلم، عن قتله، قال أبو سعيد فيكره أكله إذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قتله لأنه لا يمكن أكله إلا مقتولا. وإن أكل غير مقتول فهو ميتة وزعم ابن حزم أن أكله لا يحل أصلا ووى أبو داود في الطب وفي الأدب، والنسائي في الصيد عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي: أن طبيبا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الضفدع يجعلها في دواء فنهى عن قتلها. ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في (مسانيدهم) والحاكم في (المستدرك) في الطب، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال البيهقي: وأقوى ما ورد في الضفدع هذا الحديث وقال الحافظ المنذري فيه دليل على تحريم أكل الضفدع لأن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن قتله، والنهي عن قتل الحيوان إما لحرمته كالآدمي، وإما لتحريم أكله كالصرد، والهدهد، والضفدع ليس بمحرم فكان النهي منصرفا إلى الوجه الآخر. ولم ير الحسن بالسلحفاة بأسا أي: الحسن البصري، ووصله ابن أبي شيبة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن. قال: لا بأس بأكلها، وروى من حديث يزيد بن أبي زياد عن جعفر: أنه أتى بسلحفاة فأكلها ومن حديث حجاج عن عطاء. لا بأس بأكلها يعني: السلحفاة. وزعم ابن حزم أن أكلها لا يحل إلا بذكاة، وأكلها حلال بريها وبحريها. وأكل بيضها وروي عن عطاء إباحة أكلها، وعن طاووس ومحمد بن علي وفقهاء المدينة إباحة أكلها، وعندنا يكره أكل ما سوى السمك من دواب البحر، كالسرطان والسلحفاة والضفدع وخنزير الماء، واحتجوا بقوله تعالى: * (ويحرم عليهم الخبائث) * (الأعراف: 157) وما سوى السمك خبيث، وقال مقاتل: إن السلحفاة من المسوخ، وفي (الصحاح) إنها بفتح اللام وحكي إسكانها وحكي سقوط الهاء، وحكي الرواسي: سلحفية. مثل: بلهنية، وهما مما يلحق بالخماسي بألف وفي (المحكم) السلحفات والسلحفاه من دواب الماء. * (وقال ابن عباس: كل من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي) * قال الكرماني: كذا وقع في النسخ القديمة، وفي بعض النسخ: كل من صيد البحر وإن صاده نصراني أو يهودي أو مجوسي. قلت: المعنى لا يصح إلا على هذا، ولا بد من هذا التقدير على قول النسخ القديمة ويروى كل من صيد البحر ما صاده نصراني أو يهودي أو مجوسي وروى البيهقي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس. قال: كل ما القى البحر وما صيد منه صاده يهودي أو نصراني أو مجوسي، قال ابن التين: مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء وهو كذلك عند قوم. * (وقال أبو الدرداء في المري ذبح الخمر النينان والشمس) * أبو الدرداء اسمه عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي، والمري، بضم الميم وسكون الراء وتخفيف الياء، وكذا ضبطه النووي، وقال: ليس عربيا وهو يشبه الذي يسميه الناس: الكامخ، بإعجام الخاء. وقال الجواليقي: التحريك لحن، وقال الجوهري: بكسر الراء وتشديدها وتشديد الياء كأنه منسوب إلى المرارة، والعامة يخففونه، وقال الحربي: هو مري يعمل بالشام يؤخذ الخمر فيحمل فيها الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير طعمه إلى طعم المري، يقول: كما أن الميتة والخمر حرامان والتنذكية تحل الميتة بالذبح، فكذلك الملح. قوله: والنينان: بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وتخفيف النون الثانية وهو جمع، نون وهو الحوت، ثم تفسير كلام أبي الدرداء بقوله: (في المري) مقدم لفظا، ولكن في المعنى متأخر تقديره: ذبح الخمر النينان
107 والشمس في المري، وذبح فعل ماض على صيغة المعلوم، والخمر منصوب به لأنه مفعول، والنينان بالرفع فاعله والشمس عطف عليه، وقيل: لفظ ذبح مصدر مضاف إلى الخمر فيكون مرفوعا بالابتداء وخبره هو قوله النينان، والمعنى: زوال الخمر في المري النينان والشمس أي: تطهيرها فهذا يدل على أن أبا الدرداء ممن يرى جواز تخليل الخمر، وهو مذهب الحنفية. وقال أبو موسى في: (ذيل الغريب) عبر عن قوة الملح والشمس وغلبتهما على الخمر وإزالتهما طعمها ورائحتها بالذبح، وإنما ذكر النينان دون الملح لأن المقصود من ذلك يحصل بدونه، ولم يرد أن النينان وحدها هي التي خللته وقال: كان أبو الدرداء: يفتي بجواز تخليل الخمر فقال: إن السمك بالآلة التي أضيفت إليه تغلب على ضراوة الخمر وتزيل شدتها، والشمس تؤثر في تخليلها فتصير حلالا. قال: وكان أهل الريف من الشام يعجنون الري بالخمر وربما يجعلون فيه السمك الذي يربى بالملح والأبزار مما يسمونه الصحناء، والقصد من المري هضم الطعام يضيفون إليه كل ثقيف أو حريف ليزيد في جلاء المعدة واستدعاء الطعام بحرافته، وكان أبو الدرداء وجماعة من الصحابة يأكلون هذا المري المعمول بالخمر. قال: وأدخله البخاري في طهارة صيد البحر يريد أن السمك طاهر حلال وأن طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح حتى تصير الحرام النجسة بإضافتها إليه طاهرة حلالا وفي (التوضيح) وكان أبو هريرة وأبو الدرداء وابن عباس وغيرهم من التابعين يأكلون هذا المري المعمول بالخمر ولا يرون به بأسا، ويقول أبو الدرداء: إنما حرم الله الخمر بعينها وسكرها وما ذبحته الشمس والملح فنحن نأكله ولا نرى به بأسا. 5493 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو أنه سمع جابرا، رضي الله عنه يقول: غزونا جيش الخبط وأمر أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا فألقى البحر حوتا ميتا لم ير مثله يقال له: العنبر فأكلنا منه نصف شهر فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته. مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو القطان وابن جريج عبد الملك وعمر وهو ابن دينار. والحديث قد مضى في المغازي في: باب غزوة سيف البحر، بعين هذا الإسناد عن مسدد عن يحيى وفيه زيادة على ما تقف عليها. قوله: (جيش الخبط) قيل: إنه منصوب بنزع الخافض أي: مصاحبين الجيش الخبط أو فيه الخبط بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة الورق الذي يخبط لعلف الإبل قوله: (وأمر أبو عبيدة) وهو عامر بن عبد الله بن الجراح أحد العشرة المبشرة. وقوله: (أمر) على صيغة المجهول أي: جعل عليهم أميرا، ويروى: وأميرنا أبو عبيدة، قوله: (العنبر) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالراء. 5494 حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا سفيان عن عمرو قال: سمعت جابرا يقول: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم، ثلاثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة نرصد عيرا لقريش، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط، فسمي جيش الخبط، وألقى البحر حوتا يقال له: العنبر فأكلنا نصف شهر وادهنا بودكه حتى صلحت أجسامنا قال: فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه فمر الراكب تحته، وكان فينا رجل فلما اشتد الجوع نحر ثلاث جزائر ثم ثلاث جزائر ثم نهاه أبو عبيدة. هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن عبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار. قوله: (عيرا لقريش) بكسر العين الإبل التي تحمل الميرة. قوله: (بودكه) بفتح الواو والدال المهملة وهو دهنه. قوله: (ضلعا) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام. قوله: (رجل) هو قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري. قوله: (ثلاث جزائر) غريب لأن الجزائر جمع جزيرة
108 والقياس جزر جمع الجزور، ومر الكلام فيه في المغازي مستوفى. 13 ((باب: * (أكل الجراد) *)) أي: هذا باب في بيان جواز أكل الجراد الواحدة جرادة الذكر والأنثى فيه سواء كالحمامة قيل: إنه مشتق من الجرد لأنه لا ينزل على شيء إلا جرده، والجراد يلحس التراب وكل شيء يمر عليه، ونقل عن الأصمعي: إنه إذا خرج من بيضه فهو دباب والواحدة دباة. قال: ولعابه سم على الأشجار لا يقع على شيء إلا أحرقه وقال: الذكر من الجراد هو العنظب أو الحنطب زاد الكسائي، والعنطوب، وقال أبو المعالي: الجندب ضرب منه، وقال أبو حاتم: وأبو جحادب شيخ الجنادب وسيدها، وقال ابن خالويه ليس في كلام العرب للجراد اسم أغرب من العصفود، وللجراد نيف وستون اسما فذكرها وصفة الجراد عجيبة فيها صفة عشرة من الحيوانات وذكر بعضها ابن الشهرزوري في قوله: * لها فخذا بكر وساقا نعامة * وقادمتا نسر وجوءجوء ضيغم * * حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت * عليها جياد الخيل بالرأس والفم * قيل: وفاته: عين الفيل وعنق الثور وقرن الإبل وذنب الحية، واختلف في أصله فقيل: نثرة حوت، ورد في حديث ضعيف أخرجه ابن ماجة عن أنس رفعه بأن الجراد نثرة حوت من البحر، وقيل: إنه بري، وقيل: هو صنفان أحدهما يطير في الهواء يقال له الفارس، والآخر ينزو نزوا يقال له: الراجل، وله ستة أرجل، إذا كان أيام الربيع وأراد أن يبيض التمس الأرض الصلبة والصخرة الصلدة التي لا تعمل فيها المعاول فيضربه بيده فينفرج فيلقي فيها بيضه ويلقي كل واحد مائة بيضة ويطير ويتركها فإذا أتى أيام الربيع واعتدل الزمان وينشق ذلك البيض فيظهر مثل الذر الصغار فيسيح على وجه الأرض ويأكل زرعها حتى يقوي فينهض إلى أرض أخرى ويبيض كما فعل في العام الأول، وآفتها الطير والبرد، وأجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكية إلا أن المشهور عند المالكية اشتراط تذكيته، واختلفوا في صفتها فقيل: يقطع رأسه. وقال ابن وهب: أخذه ذكاته، وعن مالك إذا أخذه حيا ثم قطع رأسه أو شواء أو قلاه فلا بأس بأكله، وما أخذه حيا فغفل عنه حتى مات لا يؤكل، وذكر الطحاوي في (كتاب الصيد) أن أبا حنيفة، رضي الله تعالى عنه، قيل له أرأيت الجراد هو عندك بمنزلة السمك من أصاب منه شيئا أكله سمى أو لم يسم؟ قال: نعم. قلت: وأينما وجدت الجراد آكله؟ قال: نعم. قلت: وإن وجدته ميتا على الأرض؟ قال: نعم. قلت: وإن أصابه مطر فقلته؟ قال: نعم. لا يحرم الجراد شيء على حال. 5495 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي يعفور قال: سمعت ابن أبي أوفى، رضي الله عنهما. قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم، سبع غزوات. أو ستا كنا نأكل معه الجراد. قال سفيان وأبو عوانة وإسرائيل عن أبي يعفور عن ابن أبي أوفى سبع غزوات. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو يعفور بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وضم الفاء وبالواو وبالراء متصرفا اسمه وقدان بفتح الواو وسكون القاف وبالدال المهملة وبالنون، ويقال: اسمه واقد، ووقدان لقبه، وكذا قاله مسلم وهو الأكبر ولهم أبو يعفور الأصغر اسمه عبد الرحمن بن عبيد وكلاهما ثقة من أهل الكوفة. وليس للأكبر في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الصلاة في أبواب الركوع من صفة الصلاة، وجزم النووي بأنه الأصغر هنا. وتبع في ذلك ابن العربي وغيره، والصواب أنه الأكبر، وبه جزم الكلاباذي، والذي يرجح كلامه جزم الترمذي بعد تخريجه هذا الحديث بأن راوي حديث الجراد هو الذي اسمه واقد، ويقال: وقدان، وهذا هو الأكبر، ويؤيده أيضا أن ابن أبي حاتم جزم في ترجمة الأصغر بأنه لم يسمع من عبد الله بن أبي أوفى، وقال شيخنا زين الدين: رحمه الله، أبو يعفور الأصغر لم يسمع من أحد من الصحابة، وأبو يعفور الأكبر سمع من جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وأنس وعبد الله بن أبي أوفي، ومات سنة عشرين ومائة، واسم أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي. والحديث أخرجه
109 مسلم في الذبائح عن محمد بن مثنى وغيره وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن حفص بن عمرو وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد ابن منيع وغيره وأخرجه النسائي في الصيد عن قتيبة وغيره. قوله: (سبع غزوات أو ستا)، كذا في رواية الأكثرين، ووقع في رواية النسفي: أو ست وقال شيخنا: اختلفت ألفاظ الحديث في عدد الغزوات وذكر الترمذي بعد أن رواه بلفظ: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات تأكل الجراد هكذا روى سفيان بن عيينة عن أبي يعفور هذا الحديث، وقال: ست غزوات. وروى سفيان الثوري هذا الحديث عن أبي يعفور وقال: سبع غزوات، وذكر الاختلاف بين السفيانين، ولم يذكر في رواية شعبة عن أبي يعفور عدد الغزوات، وهو عند البخاري على الشك، وكذا في رواية أبي داود. وقال النسائي: ست غزوات من غير شك، ونقل بعضهم عن ابن مالك: سبع غزوات أو ثمان، وأطال الكلام عنه فلا فائدة فيه هنا لأنه لم يثبت عن أحد ممن روي هذا الحديث لفظ أو ثمان. والله أعلم. قوله: (قال سفيان)، هو الثوري (وأبو عوانة) الوضاح اليشكري (وإسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي كلهم رووا عن أبي يعفور عن عبد الله بن أبي أوفى (سبع غزوات) وأما رواية سفيان فقد وصلها الدارمي عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان هو الثوري، ولفظه غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم، سبع غزوات نأكل الجراد وأما رواية أبي عوانة فقد وصلها مسلم عن أبي كامل عنه، وأما رواية إسرائيل فقد وصلها الطبراني من طريق عبد الله بن رجاء، عنه ولفظه سبع غزوات كنا نأكل معه الجراد. وهذا الحديث يدل على جواز أكل الجراد قالوا أكل الجراد حلال بالإجماع، وخصه ابن العربي بغير جراد الأندلس لما فيه من الضرر المحض، وعن المالكية في المشهور خلافه ووردت أحاديث أخرى بأكله. ومنها حديث ابن عمر أخرجه ابن ماجة من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أحلت لنا ميتتان الحوت والجراد. كذا رواه في أبواب الصيد ثم رواه في أبواب الأطعمة وزاد فيه ودمان: الكبد والطحال، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف ضعفه يحيى بن معين وغيره. ومنها حديث جابر رواه أحمد في (مسنده) من رواية جابر الجعفي وهو ضعيف عن جابر بن عبد الله، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصبنا جرادا فأكلنا. ومنها حديث أبي هريرة رواه ابن ماجة من رواية أبي المهزم وهو ضعيف عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربهن بأسواطنا ونعالنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوه فإنه من صيد البحر). ووردت أحاديث أخرى بالوقف وبالمنع. منها: ما رواه الدارقطني من حديث زينب بنت منجل، ويقال: منخل عن عائشة، رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زجر صبياننا عن الجراد وكانوا يأكلونه قال أبو الحسن: والصواب أنه موقوف. ومنها: ما رواه أبو داود عن سليمان سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الجراد فقال: لا أحله ولا أحرمه. قال: وقد روي مرسلا وروى ابن أبي عاصم من حديث بقية: حدثني نمير ابن يزيد حدثني أبي أنه سمع صدي بن عجلان يحدث أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: إن مريم بنت عمران، عليها السلام، سألت ربها عز وجل أن يطعمها لحما لا دم له، فأطعمها الجراد فقالت: اللهم أنعشه بغير رضاع وتابع بينه وبين بنيه بغير شياع، يعني: الصوت وروى أيضا من حديث محمد بن عيسى الهذلي عن ابن المنكدر عن جابر قال: قال عمر، رضي الله تعالى عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إن الله خلق ألف أمة: ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر، فأول شيء يهلك من هذه الأمة الجراد فإذا هلك الجراد تتابعت الأمم مثل سلك النظام. 14 ((باب: * (آنية المجوس) *)) أي: هذا باب في بيان حكم آنية المجوس في الأكل والشرب منها، وقد ترجم هكذا، وليس في حديث الباب ذكر المجوس وإنما فيه ذكر أهل الكتاب، فقيل: لعل البخاري يرى أن المجوس من أهل الكتاب، وقيل: بني الحكم هكذا لأن المحذور من ذلك واحد وهو عدم توقيهم النجاسات، وقال الكرماني: هما متساويان في عدم التوقي عن النجاسات فحكم بأحدهما على الآخر بالقياس، وباعتبار أن المجوس يزعمون التمسك بالكتاب، وقيل: نص في بعض طرق الحديث على المجوس، رواه الترمذي عن أبي ثعلبة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قدور المجوس؟ فقال: اتقوها غسلا واطبخوا فيها ومن عادة البخاري أنه يترجم به ثم يورد على الباب ما يؤخذ منه الحكم بطريق الإلحاق.
110 5496 حدثنا أبو عاصم عن حيوة بن شريح قال حدثني ربيعة بن يزيد الدمشقي قال: حدثني أبو إدريس الخولاني قال: حدثني أبو ثعلبة الخشني قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إنا بأرض أهل الكتاب! فنأكل في آنيتهم وبأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم وبكلبي الذي ليس بمعلم فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: أما ما ذكرت أنك بأرض أهل كتاب فلا تأكلوا في آنيتهم إلا أن لا تجدوا بدا فإن لم تجدوا بدا ما ذكرت أنك بأرض أهل كتاب فلا تأكلوا في آنيتهم إلا أن لا تجدوا فإن لم تجدوا بدا فاغسلوها وكلوا فيها، وأما ما ذكرت أنكم بأرض صيد فما صدت بقوسك فاذكر اسم الله وكل، وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله. وكل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكله. وجه المطابقة قد ذكرناها وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد وأبو إدريس عائذ الله بالذال المعجمة والحديث قد مر عن قريب في باب ما جاء في التصيد ومر الكلام فيه هناك قوله بدا أي فراقا وقال الجوهري قولهم لا بد من كذا كأنه قال لا فراق منه ويقال البد العرض. 5497 حدثنا المكي بن إبراهيم قال حدثني يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: لما أمسوا يوم فتحوا خيبر أو قدوا النيران قال النبي صلى الله عليه وسلم: على ما أوقدتم هاذه النيران؟ قالوا: لحوم الحمر الإنسية! قال: أهريقوا ما فيها واكسروا قدورها فقام رجل من القوم فقال: نهريق ما فيها ونغسلها! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو ذاك. وجه إيراد هذا الحديث في هذا الباب هو أنه لما ثبت تحريم الحمر الأهلية صارت كالميتة، ولما أباح صلى الله عليه وسلم، استعمال القدور بعد غسلها صارت كذلك آنية المجوس، فيجوز استعمالها بعد غسلها، لأن ذبائحهم ميتة وهذا الحديث هو السابع عشر من ثلاثيات البخاري. والمكي علم بخلاف ما قاله الكرماني إنه منسوب إلى مكة المشرفة، وقد مضى في المظالم في: باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر؟ بعين هذا الإسناد، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (أهريقوا)، بفتح الهمزة وسكون الهاء من أهراق يهريق، والهاء فيه زائدة. قوله: (أو ذاك)، إشارة إلى التخيير بين الكسر والغسل. وقال النووي: ما أمر أولا بكسرها جزما يحتمل أنه كان بوحي أو اجتهاد، ثم نسخ أو تغير الاجتهاد. 15 ((باب: * (التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدا) *)) أي: هذا باب في بيان حكم التسمية على الذبيحة، وفي بيان من ترك التسمية على الذبيحة حالة كونه متعمدا وهذه الترجمة هكذا هي عند الأكثرين، وفي بعض النسخ كتاب الذبائح، وليس بصحيح لأنه ترجم أولا. كتاب الصيد والذبائح وكتاب الذبائح، ويكون ذكره تكرارا بلا فائدة وقيد بقوله: (متعمدا) إشارة إلى أنه إذا ترك التسمية ناسيا على الذبيحة لا يكون مانعا من الحل كما مر الخلاف فيه. * (قال ابن عباس من نسي فلا بأس) * أي: قال ابن عباس من نسبي التسمية على الذبيحة فلا بأس، يعني: لا تحرم الذبيحة، ووصل هذا التعليق الدارقطني من طريق شعبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء. قال: حدثني عين عن ابن عباس أنه لم ير به بأسا. يعني: إذا نسي. وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة بهذا الإسناد فقال في سنده. عن عين، يعني: عكرمة عن ابن عباس فيمن ذبح ونسي التسمية فقال المسلم فيه اسم الله وإن لم يذكر التسمية، وسنده صحيح وهو موقوف، وذكره مالك بلاغا عن ابن عباس وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا. * (وقال الله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) * والناسي: لا يسمى فاسقا. وقوله:
111 وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) * (الأنعام: 121) أورد هذه الآية تقوية لاحتجاج الحنفية بها في قولهم: إن التسمية شرط فإن تركها عامدا فلا يحل أكله وإن تركها ناسيا فلا عليه شيء وبين وجه ذلك بقوله: (والناسي لا يسمى فاسقا) وذكر الآية الأخرى التي هي من تمام الآية. تقوية لاحتجاج الشافعية حيث قالوا: ما لم يذكر اسم الله عليه كناية عن الميتة أو ما ذكر اسم غير الله عليه. قرينة وإنه لفسق وهو مؤول بما أهل به لغير الله وقوله: (وإن الشياطين ليوحون) أي: ليوسوسون إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم بقولهم: ولا تأكلوا مما قتله الله قالوا: وبهذا ترجح تأويل من أوله بالميتة والتحقيق في هذا المقام أن قوله تعالى: * (ولا تأكلوا) * الآية. نهى، والنهي المطلق للتحريم ويدل عليه قوله: (وأنه لفسق) وأكدا النهي بحرف من لأنه في موضع النهي للمبالغة فيقتضي حرمة كل جزء منه والهاء في قوله: (وإنه لفسق) إن كانت كتابة من الأكل فالفسق أكل الحرام، وإن كانت كناية عن المذبوح فالمذبوح الذي يسمى فسقا يكون حراما، كما في قوله تعالى: * (أو فسقا أهل لغير الله) * وفي الآية. بيان أن الحرمة لعدم ذكر اسم الله تعالى لأن التحريم يوصف بذلك الوصف وهو الموجب للحرمة كالميتة والموقوذة، وبهذا تبين فساد حمل الآية على الميتة وذبائح المشركين فإن الحرمة هناك ليست لعدم ذكر اسم الله تعالى حتى إنه، وإن ذكر اسم الله لم يحل فإن قلت: النص مجمل لأنه يحتمل الذكر حالة الذبح وحالة الطبخ وحالة الأكل فلم يصح الاحتجاج به قلت: ما سوى حالة الذبح ليس بمراد بالإجماع، وأجمع السلف على أن المراد حالة الذبح فلا يكون مجملا وقد حررنا الكلام في هذا المقام مبسوطا في شرحنا البناية في شرح الهداية، فمن أراد التحقيق فيه فليرجع إليه. 5498 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة ابن رافع عن جده رافع بن خديج قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، بذي الخليفة فأصاب الناس جوع فأصبنا إبلا وغنما وكان النبي صلى الله عليه وسلم، في أخريات الناس فعجلوا فنصبوا القدور فدفع إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بالقدور فأكفئت ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير، فند منها بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لهاذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم منها فاصنعوا به هاكذا قال: وقال جدي: إنا لنرجو أو نخاف أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدي، أفنذبح بالقصب؟ فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر وسأخبركم عنه أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة. مطابقته للترجمة في قوله: (وذكر اسم الله عليه فكل) وموسى بن إسماعيل أبو سلمة البصري الذي يقال له: التبوذكي، وأبو عوانة الوضاح اليشكري، وسعيد بن مسروق هو والد سفيان الثوري وعباية، بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف ابن رفاعة بكسر الراء وبالفاء وبالعين المهملة ابن رافع ضد الخافض ابن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبالجيم ابن رافع الأنصاري، وعباية هذا يروي عن جده رافع بن خديج. وقال الغساني في بعض الروايات عباية عن أبيه عن جده زيادة لفظ عن أبيه وهو سهو. والحديث مضى في الشركة في: باب من عدل عشرة من الغنم بجزور في القسم، فإنه أخرجه هناك عن محمد عن وكيع عن سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج إلى آخره، وفيه أيضا: عن علي بن الحكم الأنصاري، وفي الجهاد في: باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم، ومضي الكلام فيه مبسوطا. قوله: (بذي الحليقة)، قال الداودي: والحليفة المذكورة هنا من أرض تهامة بين الطائف ومكة وليست التي بالقرب من المدينة
112 وكذا قال يعقوب: هي موضع بين حادة وذات عرق من تهامة وليست بالمهل، وذكر ابن بطال عن القابسي أنها المهل فقال عنه وكان في هذه الغنيمة بذي الحليفة من المدينة، وكذا ذكره النووي، وقال: كان ذلك عند رجوعهم من الطائف سنة ثمان. قوله: (أخريات الناس)، جمع الأخرى تأنيث الآخر. قوله: (كفئت)، أي: قلبت قالوا: إنما أمرهم بالإكفاء وإراقة ما فيها عقوبة لهم لاستعجالهم في السير وتركهم النبي صلى الله عليه وسلم، في الأخريات معرضا لمن يقصده من العدو ونحوه. وقيل: لأن الأكل من الغنيمة المشتركة قبل القسمة لا يحل في دار الإسلام. قوله: (فعدل)، أي: قابل وكان هذا بالنظر إلى قيمة الوقت، وليس هذا مخالفا لقاعدة الأضحية في إقامة البعير مقام سبع شياه إذ ذاك بحسب الغالب في قيمة الشاة والإبل المعتدلة. قوله: (فند)، أي: نفر وذهب على وجهه هاربا. قوله: (فأعياهم)، أي: أتعبهم وأعجزهم. قوله: (أوابد)، جمع الآبدة التي تأبدت أي: توحشت ونفرت من الإنس. قوله: (هكذا)، أي: مجروحا بأي وجه كان قدرتم عليه فإن حكمه حكم الصيد في ذلك. قوله: (قال: وقال جدي) أي: قال عباية: قال جدي رافع بن خديج. قوله: (إنا لنرجوا ونخاف) شك من الراوي. قوله: (نرجو) إشارة إلى حرصهم على لقاء العدو لما يرجونه من فضل الشهادة أو الغنيمة. وقوله: (نخاف) إشارة إلى أنهم لا يحبون أن يهجم عليهم العدو بغتة وفي رواية أبي الأحوص أن نلق العدو غدا بالجزم ولعلهم عرفوا ذلك بالقرائن والغرض من ذكر لقاء العدو عند السؤال عن الذبح بالقصب أنهم لو استعملوا السيوف في المذابح لكلت عند اللقاء ولعجزوا عن المقاتلة بها. قوله: (مدى)، جمع مدية وهي الشفرة. قوله: (ما أنهر الدم) أي: ما أسال الدم كما يسيل الماء في النهر، وكلمة إما شرطية وإما موصولة وقال عياض: هذا هو المشهور في الروايات بالراء، وذكره أبو ذر الخشني بالزاي، وقال النهر بمعنى الدفع وهو غريب. قوله: (ليس السن والظفر) بالنصب على الاستثناء بكلمة ليس، ويجوز الرفع أي: ليس السن والظفر مجزيا وفي رواية أبي الأحوص: ما لم يكن سن أو ظفر، وفي رواية عمر بن عبيد غير السن والظفر، وفي رواية داود بن عيسى إلا سنا أو ظفرا. قوله: (وسأخبركم) وفي رواية أبي ذر: سأحدثكم. قوله: (فعظم) يعني: لا يجوز به فإنه يتنجس بالدم، وهو زاد الجن أو لأنه غالبا لا يقطع إنما يجرح فتزهق النفس من غير أن يتيقن وقوع الذكاة به. وأما الظفر فإن معناه أن الحبشة يدمون مذابح الشاة بأظفارهم حتى تزهق النفس خنقا وتعذيبا. 16 ((باب: * (ما ذبح على النصب والأصنام) *)) أي: هذا باب في بيان فساد ما ذبح على النصب بضم النون واحد الأنصاب، وقيل: النصب جمع والواحد نصاب، وقال الجوهري: النصب بسكون الصاد وضمها ما نصب وعبد من دون الله. وقال الزمخشري: كانت لهم أحجار منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها تعظيما لها بذلك ويتقربون به إليها تسمى الأنصاب قوله: والأصنام أي: ما ذبح على الأصنام، وهو جمع صنم، وهو ما اتخذ إلاها من دون الله. وقيل: هو ما كان له جسم أو صورة فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن، ووجه عطف الأصنام على النصب أن النصب إذا كانت أحجارا فهو ظاهر، وعلى تقدير أن تكون هي المعبودة فهو من العطف التفسيري كذا قاله الكرماني: قلت النصب كانت أحجارا وكانت ثلاثمائة وستين حجرا مجموعة عند الكعبة كانوا يذبحون عندها لآلهتهم، ولم تكن أصناما، لأن الأصنام كانت صورا مصورة وتماثيل. 5499 حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد العزيز يعني ابن المختار أخبرنا موسى بن عقبة قال: أخبرني سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لقي زيد بن عمرو ابن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه. مطابقته للترجمة ظاهرة، وسالم هو ابن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما. والحديث مضى في آخر
113 المناقب في باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل فإنه أخرجه هناك مطولا عن محمد بن أبي بكر عن فضيل بن سليمان عن موسى إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك وزيد بن عمرو بن نفيل بضم النون القرشي والد سعيد أحد العشرة المبشرة كان يتعبد في الجاهلية على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام: قوله: (بلدح)، بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الدال المهملة، وفي آخره حاء مهملة منصرفا وغير منصرف وهو اسم موضع بالحجاز قريب من مكة قوله: (فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، سفرة وفي هذا الموضع اختلاف فرواية الأكثرين هكذا وهو أن الضمير في إليه يرجع إلى زيد ورسول الله مرفوع لأنه فاعل قدم وسفرة منصوب على المفعولية وفي رواية الكشميهني: فقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، سفرة على أن قدم على صيغة المجهول وسفرة مرفوع به والجمع بينهما بأن القوم الذين كانوا هناك قدموا إلى رسول صلى الله عليه وسلم، سفرة فقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى زيد. قوله: (سفرة فيها لحم)، رواية أبي ذر. وفي رواية غيره: (سفرة لحم). قوله: (قابى)، أي: زيد. أي: امتنع عن الأكل وقال الخطابي: امتناع زيد من أكل ما في السفرة إنما هو من خوفه أن يكون اللحم مما ذبح على الأنصاب المنصوبة للعبادة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيضا لا يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لأنصابهم وأما ذبحهم لمآكلهم فلم نجد في الحديث أنه كان يتنزه عنه وقال الكرماني: وكونه في سفرته لا يدل على أنه كان يأكل منه وقال ابن زيد: (ما ذبح). على النصب وما أهل به لغير الله واحد ومعنى: ما أهل به لغير الله ذكر عليه غير اسم الله من أسماء الأوثان التي كانوا يعبدونها وكذا المسيح وكل اسم سوى الله عز وجل. واختلف العلماء في ذلك فكره عمر وابنه وعلي وعائشة رضي الله تعالى عنهم، ما أهل به لغير الله وعن النخعي والحسن والثوري، مثله وكره مالك ذبائح النصارى لكنائسهم وأعيادهم وقال: يكره ما سمى عليه المسيح من غير تحريم وقال أبو حنيفة: لا يؤكل ما سمى المسيح عليه. وقال الشافعي: لا يحل ما ذبح لغير الله ولا ما ذبح للأصنام ورخص في ذلك آخرون وروى ذلك عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي أمامة وقال عطاء والشعبي: قد أحل الله ما أهل به لغير الله، لأنه قد علم أنهم سيقولون هذا القول وأحل ذبائحهم وإليه ذهب الليث وفقهاء أهل الشام مكحول وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعي، وقالوا: (سواء) سمى المسيح على ذبيحة أو ذبح لعيد أو كنيسة وكل ذلك حلال لأنه كتابي قد ذبح لدينه وكانت هذه ذبائحهم قبل نزول القرآن وأحلها الله تعالى في كتابه. 16 ((باب: * (قول النبي صلى الله عليه وسلم فليذبح على اسم الله) *)) أي: هذا باب يذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليذبح أضحيته على اسم الله عز وجل). 32 - (حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن جندب بن سفيان البجلي قال ضحينا مع رسول الله أضحية ذات يوم فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة فلما انصرف رآهم النبي أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله) مطابقته للترجمة في آخر الحديث قيل فائدة هذه الترجمة بعد تقدم الترجمة على التسمية التنبيه على أن الناسي يذبح على اسم الله لأنه لم يقل فيه فليسم وإنما جعل أصل ذبح المسلم على اسم الله من صفة فعله ولوازمه كما ورد ذكر الله على قلب كل مسلم سمى أو لم يسم انتهى (قلت) التنبيه هنا على أن من ذبح قبل صلاة العيد يعيدها بالتسمية حيث قال فليذبح على اسم الله واعلم به أن وقت الأضحية بعد الصلاة يذبحها مقرونة بالتسمية لأن كلمة على هنا فيها معنى المصاحبة كما في قوله اركب على اسم الله أي مصاحبا باسم الله وقال بعضهم قوله فليذبح على اسم الله يحتمل أن يكون المراد به الإذن في الذبيحة حينئذ أو المراد به الأمر بالتسمية (قلت) المراد به أن الذبيحة بعد الصلاة بالتسمية وأنه لا يجوز قبل الصلاة ولا بدون التسمية وهذا هو الذي يفهم من الحديث والقرائن أيضا تدل عليه وما ذكره هذا القائل بالاحتمالين من سوء التصرف من غير تأمل في معنى الحديث
114 وأبو عوانة الوضاح اليشكري والأسود بن قيس العبدي أبو قيس الكوفي وجندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وضمها ابن عبد الله بن سفيان البجلي بفتح الباء الموحدة والجيم والحديث مر في العيدين في باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد فإنه أخرجه هناك عن مسلم عن شعبة عن الأسود عن جندب إلى آخره ومر الكلام فيه قوله ضحينا من ضحى يضحي بالتشديد قوله أضحية بضم الهمزة وكسرها وفيه لغتان أخراوان الضحية والأضحى قوله ذات يوم أي في يوم ولفظ ذات مقحم للتأكيد قالت النحاة هو من باب إضافة المسمى إلى اسمه قوله على اسم الله قال الداودي أي باسم الله وقد ذكرناه وقال بعض الناس لا يقال على اسم الله لأن اسم الله تعالى على كل شيء ويرد بما ذكرناه وفيه العقوبة بالمال لمخالفة السنة والتقرير عليها وفيه أن أصل السنة أن من استعجل شيئا قبل وجوبه أنه يحرمه كقاتل مورئه 18 ((باب: * (ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد) *)) أي: هذا باب في بيان ما أنهر الدم أي: أساله قوله: (من القصب والمروة والحديد) ذكر هذه الثلاثة. وليس في أحاديث الباب شيء منها وليس فيها إلا الذبح بالحجر، أما الذبح بالقصب فقد ورد في بعض طرق حديث رافع عند الطبراني: أفأذبح بالقصب والمروة؟ وأما الذبح بالمروة ففي حديث أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة من طريق الشعبي عن محمد بن صفوان. وفي رواية عن محمد بن صيفي قال: ذبحت أرنبين بمروة فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم، يأكلهما وصححه ابن حبان والحاكم، والمروة قال الأصمعي: هي حجارة بيض رقاق يقدح منها النار، وأما الذبح بالحديد فيؤخذ من حديث أخرجه ابن ماجة من رواية جرير بن حازم عن أيوب عن زيد بن أسلم قال جرير: فلقيت زيد بن أسلم فحدثني عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، قال: كانت لرجل من الأنصار ناقة ترعى في قبل أحد فعرض لها فنحرها بوتد فقلت لزيد: وتد من خشب أو حديد قال لا بل من خشب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلها، انتهى فإذا كان بوتد من خشب جاز فمن وتد من حديد بالطريق الأولى، وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية سماك بن حرب عن موسى بن قطري عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول أرأيت أن أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال: أنهر الدم بما شئت واذكر اسم الله عز وجل، هذا لفظ أبي داود، وقال النسائي: فاذبحه بالمروة والعصا وقال ابن ماجة: فلا نجد سكينا إلا الظرارة وشقة العصا. قلت: الظرارة جمع ظررة، وهو حجر صلب محدد، ويجمع أيضا على ظران، وروى أحمد في (مسنده) من حديث سفينة أن رجلا شاط ناقته بجذل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بأكلها. قلت: الجذل بكسر الجيم وفتحها أصل الشجرة يقطع وقد يجعل العود جدلا ومعنى شاط ناقته ذبحها بعود. 5501 حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا عن عبيد الله عن نافع سمع ابن كعب ابن مالك يخبر ابن عمر أن أباه أخبره أن جارية لهم كانت ترعى غنما بسلع، فأبصرت بشاة من غنمها موتا فكسرت حجرا فذبحتها به فقال لأهله لا تأكلوا حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأسأله أو حتى أرسل إليه من يسأله فأتي النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعث إليه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بأكلها. يمكن أن تؤخذا المطابقة بين الترجمة والحديث من قوله: (فكسرت حجرا) لأن المروة أيضا حجر. ومحمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي بتشديد الدال مفتوحة، وروى عنه مسلم أيضا ومعتمر هو ابن سليمان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، ونافع مولى ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وابن كعب جزم المزي في (الأطراف) أنه عبد الله بن كعب. وقيل: عبد الرحمن بن كعب بن مالك يروي عن أبيه كعب بن مالك الأنصاري أحد الثلاثة الذين تيب عليهم. وفي (التوضيح) وفي هذا الإسناد لطيفة وهي رواية صحابي عن تابعي، لأن ابن عمر رواه عن ابن كعب بن مالك وهو تابعي. قلت: ابن عمر لم يرو هذا الحديث عن أحد هنا، وإنما ابن كعب أخبره به. ومضى الحديث في الوكالة في باب إذا أبصر الراعي
115 أو الوكيل شاة تموت، فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن إبراهيم عن معتمر إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (أن جارية)، ذكر هنا بلفظ الجارية في ثلاث مواضع، وفي الوكالة أيضا وأكثر ما تستعمل هذه اللفظ في الأمة وقد جاء مصرحا به في رواية أخرى، وذكره البخاري بعد بلفظ: امرأة وبلفظ: جارية. قوله: (بسلع)، بفتح السين المهملة وسكون اللام وبفتحها وبالعين المهملة. جبل معروف بالمدينة. قوله: (فأبصرت بشاة)، هكذا رواية أبي ذر. وفي رواية غيره فأصيبت شاة من غنمها. قوله: (موتا)، منصوب بقوله: (أبصرت) وفي رواية السرخسي والمستملي موتها. قوله: (فذبحتها)، وفي رواية الكشميهني: فذكتها. قوله: (به)، أي: بالحجر، وسقطت هذه اللفظة لغير أبي ذر. قوله: (أو حتى أرسل إليه) شك من الراوي. وفي هذا الحديث خمس فوائد ذبيحة المرأة، وذبيحة الأمة والذكاة بالحجر، وذكاة ما أشرف على الموت، وذكاة غير المالك بلا وكالة. واختلف إذا ذبح الراعي شاة، وقال: خشيت عليها الموت. قال ابن القاسم: لا ضمان عليه، وضمنه غيره. 5502 حدثنا موسى حدثنا جويرية عن نافع عن رجل من بني سلمة أخبرنا عبد الله أن جارية لكعب بن مالك ترعى غنما له بالجبيل الذي بالسوق وهو بسلع؟ فأصيبت شاة فكسرت حجرا فذبحتها به، فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بأكلها. هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن موسى بن إسماعيل المنقري عن جويرية بن أسماء البصري عن نافع مولى ابن عمر عن رجل من بني سلمة إلى آخره، وبنو سلمة بفتح السين وكسر اللام. قال الكرماني: وإسناد الحديث مجهول لأن الرجل غير معلوم، وقيل: هو ابن لكعب بن مالك السلمي الأنصاري. 5503 حدثنا عبدان قال: أخبرني أبي عن شعبة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رافع عن جده أنه قال: يا رسول الله! ليس لنا مدى؟ فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس الظفر والسن. أما الظفر فمدى الحبشة وأما السن فنظم. وند بعير فحبسه فقال: إن لهاذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا هاكذا. مطابقته للترجمة في قوله: (أنهر الدم) والحديث مضى في: باب التسمية على الذبيحة عن قريب. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة يروي عن أبيه عن شعبة عن سعيد بن مسروق، وهو أبو سفيان الثوري عن عباية بن رفاعة هكذا رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: عباية بن رافع، ورافع جد عباية وأبوه رفاعة فنسبه في هذه الرواية. أعني: رواية غير أبي ذر. إلى جده، ولو أخذ بظاهره لكان الحديث عن خديج والد رافع وليس كذلك. قوله: (فحبسه) فيه حذف تقديره: فحسبه رجل بسهم، والباقي قد مر. 19 ((باب: * (ذبيحة المرأة والأمة) *)) أي: هذا باب في بيان جواز ذبيحة المرأة وذبيحة الأمة وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى رد من منع هذا. وقد نقل محمد بن عبد الحكم عن مالك كراهته. وفي المدونة جوازه، وهو قول جمهور الفقهاء، وذلك إذا أحسنت الذبح، وكذلك الصبي إذا أحسنه: واختلف في كراهة ذبح الخصي، وروى ابن حزم عن طاووس منع ذبيحة الزنجي، كما يجيء إن شاء الله تعالى. 5504 حدثنا صدقة أخبرنا عبدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن لكعب بن مالك عن أبيه أن امرأة ذبحت شاة بحجر فسئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فأمر بأكلها. مطابقته للترجمة ظاهرة، وصدقة هو ابن الفضل المروزي، وعبدة هو ابن سليمان الكوفي، وعبيد الله هو ابن عمر العمري. والحديث مضى قبل الباب من طريق جويرية عن نافع.
116 * (وقال الليث: حدثنا نافع أنه سمع رجلا من الأنصار يخبر عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن جارية لكعب بهاذا) * هذا التعليق وصله الإسماعيلي من رواية أحمد بن يونس عن الليث به وهذا أيضا فيه مجهول. قوله: (بهذا)، أي: بهذا الحديث المذكور. 5505 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد. أو سعد بن معاذ أخبره أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها فذبحتها بحجر فسئل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كلوها. هذا أيضا طريق آخر في الحديث المذكور، وفيه مجهول: وتردد في معاذ بن سعد أخرجه عن إسماعيل ابن أبي أويس عن مالك عن نافع إلى آخره قال الكرماني: والشك من الراوي في معاذ لا يقدح لأن كلا منهما صحابي والصحابة كلهم عدول. قلت: ليس هنا اثنان، وإنما هو واحد غير أن التردد في أن معاذا هو ابن وسعد أبوه أو أن سعدا ابن ومعاذ أبوه ولهذا لم يذكر في (الاستيعاب) معاذ بن سعد، وذكر الذهبي: معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ. كذا روى مالك عن نافع في الذكاة بحجر. 20 ((باب: * (لا يذكى بالسن والعظم والظفر) *)) أي: هذا باب يذكر فيه لا يذكى إلى آخره. قال الكرماني: ما هذا العطف؟ والسن عظم خاص وكذا الظفر. وأجاب بقوله: لعل البخاري نظر إلى أنهما ليسا بعظمين عرفا قال الأطباء أيضا ليسا بعظمين، والصحيح أنهماعظم وعطف العظم على ما قبله عطف العام على الخاص، وعطف ما بعده عليه عطف الخاص على العام، وقال أيضا ترجم بالعظم وليس في الحديث ذكره. وأجاب بأن حكم العظم يعلم منه، وقيل: عادة البخاري أنه يشير إلى ما في أصل الحديث، فإن فيه أما السن فعظم. 5506 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل. يعني: ما أنهر الدم إلا السن والظفر. هذا قطعة من حديث رافع بن خديج، ومر الكلام فيه أخرجه عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن أبيه سعد بن مسروق عن عباية بن رفاعة إلى آخره. 21 ((باب: * (ذبيحة الأعراب ونحوهم) *)) أي: هذا باب في بيان حكم ذبيحة الأعراب، وهم ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلون المدن إلا لحاجة، والعرب اسم لهذا الجبل المعروف من الناس لا واحد له من لفظه أقام بالبادية أو المدن، والنسية إليهما أعرابي وعربي. قوله: (ونحوهم)، بالواو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني والنسفي، ونحرهم بالراء من نحر الإبل. 5507 حدثنا محمد بن عبيد الله حدثنا أسامة بن حفص المدني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها. أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، إن قوما يأتونا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوه. قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إن قوما يأتون) لأن المراد منهم الأعراب الذين يأتون إليهم من البادية. ومحمد بن عبيد الله بن زيد أبو ثابت بالثاء المثلثة والموحدة والمثناة، مولى عثمان بن عفان القرشي الأموي المدني، وهو من أفراد البخاري، وأسامة بن حفص المدني يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة، وهذا الحديث من أفراده. قوله: (يأتونا)، بالإدغام والفك. قوله: (باللحم)، في رواية أبي خالد باللحمان، وفي رواية النسائي: إن ناسا من الأعراب، وفي رواية مالك:
117 من البادية. قوله: (أذكر)، على صيغة المجهول والهمزة فيه للاستفهام، وفي رواية الطفاوي التي مضت في البيوع: اذكروا وفي رواية أبي خالد: لا ندري يذكرون، وزاد أبو داود في روايته: أم لم يذكروا أفنأكل منها؟ قوله: (وكانوا)، أي: القوم السائلون. وقد استدل قوم بهذا الحديث على أن التسمية على الذبيحة ليست بواجبة، إذ لو كانت واجبة لما أمرهم صلى الله عليه وسلم، بأكل ذبيحة الأعراب أهل البادية. وأجيب: بأن هذا كان في ابتداء الإسلام، والدليل عليه أن مالكا زاد في آخره. وذلك في أول الإسلام، ويمكن أنهم لم يكونوا جاهلين بالتسمية. * (تابعه علي عن الدراوردي) * يعني: تابع أسامة بن حفص عن هشام علي بن المديني عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي بفتح الدال المهملة والراء والواو وسكون الراء وبالدال المهملة نسبة إلى دراورد قرية من قرى خراسان ومراده من متابعته إياه أنه رواه عن هشام بن عروة مرفوعا، كما رواه أسامة بن حفص، ووصل هذه المتابعة الإسماعيلي من طريق يعقوب بن حميد عن الدراوردي. * (وتابعه أبو خالد والطفاوي) * أي: وتابع أسامة بن حفص أيضا أبو خالد سليمان بن حيان الأحمر في روايته عن هشام بن عروة مرفوعا ووصل هذه المتابعة البخاري في كتاب التوحيد متصلا عن يوسف بن موسى عنه قوله: والطفاوي أي: وتابعه أيضا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي بضم الطاء المهملة وتخفيف الفاء والواو نسبة إلى طفاوة بنت حزم بن زياد بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن ألحاف بن قضاعة، ووصل متابعته البخاري في كتاب البيوع عن أحمد بن المقدام العجلي عنه وسماه هناك محمد بن عبد الرحمن، وزاد الإسماعيلي أنه تابعه أيضا عبد الرحيم بن سليمان ويونس بن بكير ومحاضر ومالك بن أنس، وزاد الدارقطني: تابعه أيضا النضر بن شميل وعمر بن مجمع، وقال في (غرائب الموطأ) تفرد به عبد الوهاب عن مالك متصلا وغيره يرويه عن مالك عن هشام عن أبيه مرسلا وادعى أبو عمر أنه لم يختلف عن مالك في إرساله، وقال الدارقطني في (علله) ورواه حماد بن سلمة وحماد بن زيد وابن عيينة ويحيى القطان ومفضل بن فضالة عن هشام عن أبيه مرسلا ليس فيه عن عائشة، والمرسل أشبه بالصواب وله طريق آخر مرسل أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن الشعبي: أني رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك بمحنية، فقيل: إن هذا طعام يصنعه المجوس، فقال: اذكروا اسم الله عليه وكلوه. 22 ((باب: * (ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم) *)) أي: هذا باب في بيان حكم ذبائح أهل الكتاب. قوله: وشحومها. أي: شحوم أهل الكتاب قوله: من أهل الحرب كلمة من يجوز أن تكون بيانية، ويجوز أن تكون للتبعيض أي: من أهل الحرب الذين لا يعطون الجزية. قوله: (وغيرهم)، أي: وغير أهل الحرب من الذين يعطون الجزية، وأشار بهذه الترجمة إلى جواز ذبائح أهل الكتاب وجواز أكل شحومهم، وهو قول الجمهور وعن مالك وأحمد: تحريم ما حرم أهل الكتاب كالشحوم. * (وقوله تعالى: * (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) * وقوله: بالجر عطف على قوله: الذبائح، أي: وبيان قوله تعالى: * (اليوم أحل لكم الطيبات) * وهذا المقدار في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره إلى قوله: * (حل لكم) * وأورد هذه الآية في معرض الاستدلال على جواز أكل ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى من أهل الحرب وغيرهم لأن المراد من قوله عز وجل: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب) * ذبائحهم، وبه قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدي، ومقاتل بن حيان، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله تعالى ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه ما هو منزه عنه، ولا تباح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم لأنهم
118 لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم، وهم لا يتعبدون بذلك ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة، بل يأكلون الميتة بخلاف أهل الكتاب ومن شاكلهم من السامرة والصابئة ومن تمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام، على أحد قولي العلماء ونصارى العرب كبني تغلب وتنوخ وبهزام وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور. * (وقال الزهري: لا بأس بذبيحة نصارى العرب وإن سمعته يسمى لغير الله فلا تأكل وإن لم تسمعه فقد أحله الله وعلم كفرهم) * أي: قال محمد بن مسلم الزهري إلى آخره، وقد وصل هذا عبد الرزاق عن معمر. قال: سألت الزهري عن ذبائح نصارى العرب فذكر نحوه، وقال في آخره: وإهلاله أن يقول: باسم المسيح. قلت: وهو في (الموطأ) مرفوعا. * (ونذكر عن علي نحوه) * ذكره بصيغة التمريض إشارة إلى ضعفه أي: ويذكر عن علي بن أبي طالب نحو: ما روى عن الزهري، وجاء عن علي رضي الله تعالى عنه، من وجه صحيح المنع من ذبائح بعض نصارى العرب أخرجه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي، رضي الله تعالى عنه، لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر. * (وقال الحسن وإبراهيم: لا بأس بذبيحة الأقلف) * أي: قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي. لا بأس بذبيحة الأقلف، بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح اللام وبالفاء، وهو الذي لم يختتن، والقلفة بالقاف ويقال بالغين المعجمة الغرلة وهي الجلدة التي تستر الحشفة، وإثر الحسن رواه عبد الرزاق عن معمر قال: كان الحسن يرخص في الرجل إذا أسلم بعد ما يكبر فيخاف على نفسه إن اختتن أن لا يختتن وكان لا يرى بأكل ذبيحته بأسا وأثر إبراهيم أخرجه أبو بكر الخلال من طريق سعيد بن أبي عروبة عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال: لا بأس بذبيحة الأقلف. * (وقال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم) * أي: قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب) * إن المراد من طعامهم ذبائحهم، وقام الاتفاق على أن المراد من طعامهم ذبائحهم دون ما أكلوه لأنهم يأكلون الميتة ولحم الخنزير والدم، ولا يحل لنا شيء من ذلك بالإجماع، وقد مر هذا عن قريب، وهذا التعليق ذكره هنا عند المستملي، وعند السرخسي والحموي في آخر الباب عقيب الحديث المذكور بعده. 5508 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، قال: كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لآخذه فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحييت منه. مطابقته للترجمة في قوله: (فيه شحم) وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي. والحديث مر في الخمس في: باب ما يصيب من المغانم في أرض الحرب، فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد والمتن عن أبي الوليد عن شعبة إلى آخره. وأخرجه أيضا في المغازي، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (فنزوت) بنون وزاي أي: وثبت من النزو، وهو الوثبة وفي رواية الكشميهني، فبدرت أي: سارعت. وفيه: حجة على من منع ما حرم عليهم كالشحوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أقر عبد الله بن معفل على الانتفاع بالجراب المذكور. وفيه: جواز أكل الشحم مما ذبحه أهل الكتاب. ولو كانوا أهل الحرب. 23 ((باب: * (ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش) *)) أي: هذا باب في بيان حكم ما ند أي: نفر من البهائم فهو أي الذي ند بمنزلة الوحش أي: في جواز عقره كيف ما اتفق.
119 * (وأجازه ابن مسعود) * أي: أجاز عبد الله بن مسعود كون حكم ما ند من البهائم كحكم الحيوان الوحشي في العقر كيف ما كان، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود ما يؤدي هذا المعنى. قال: حدثني وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة أن حمارا لأهل عبد الله ضرب رجل عنقه بالسيف، فسئل عبد الله فقال: كلوه فإنما هو صيد. * (وقال ابن عباس: ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد وفي بعير تردى في بئر من حيث قدرت عليه فذكه) * هذان أثران معلقان، وصل الأول ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عنه بهذا قال: فهو بمنزلة الصيد، ووصل الثاني عبد الرزاق عن عكرمة عنه قال: إذا وقع البعير في البئر فاطعنه من قبل خاصرته واذكر اسم الله وكل. قوله: (مما في يديك) أي: مما كان لك، وفي تصرفك وعجزت عن ذبحه المعهود. * (ورأي ذلك علي وابن عمر وعائشة) * ذلك إشارة إلى ما ذكر من أن حكم البهيمة التي تند مثل حكم الحيوان الوحشي، فرأى ذلك علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم، فأثر علي رضي الله تعالى عنه، رواه أبو بكر عن حفص عن جعفر عن أبيه أن ثورا مر في بعض دور المدينة فضربه رجل بالسيف وذكر اسم الله قال: فسئل عنه علي، فقال: ذكاة، وأمرهم بأكله وأثر عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أخرجه عبد الرزاق عن شعبة وسفيان كلاهما عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رافع بن خديج عنه. وأثر عائشة ذكره ابن حزم فقال: هو أيضا قول عائشة ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف. قال: وهو قول أبي حنيفة والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وأصحابهم وأصحابنا. وقال مالك: لا يجوز أن يذكي أصلا إلا في الحلق واللبة، وهو قول الليث وربيعة، وقال ابن بطال: وقال سعيد بن المسيب: لا تكون ذكاة كل أنسي إلا بالذبح والنحر، وإن شرد لا يحل إلا بما يحل به الصيد. 5509 حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثنا أبي عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج. قال: قلت: يا رسول الله! إنا لاقو العدو مدا وليست معنا عدا. فقال: أعجل. أو أرن ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر، وسأحدثك أما السن فعظم. وأم الظفر فمدى الحبشة، وأصبنا نهب إبل وغنم فند منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لهاذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هاكذا. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو بن علي بن بحر البصري الصيرفي، ويحيى القطان، وسفيان هو الثوري يروي عن أبيه سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن خديج يروي عن جده رافع بن خديج كذا وقع في رواية كريمة وفي رواية غيره. عن عباية بن رافع بن خديج فنسبه إلى جده. والحديث مضى عن قريب في: باب التسمية على الذبيحة فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن سعيد بن مسروق وهو أبو سفيان الثوري عن عباية إلى آخره، ومضى الكلام فيه. قوله: (فقال: أعجل) أو أرن شك من الراوي أي: قال أعجل أو قال أرن، وإعجل بكسر الهمزة وسكون العين وفتح الجيم، أمر من العجلة ثم إن الرواة اختلفوا في ضبط أرن ففي رواية كريمة بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون، وكذا ضبطه الخطابي في (سنن أبي داود) وفي رواية أبي ذر بسكون الراء وكسر النون، وفي رواية الإسماعيلي: أرني، بإثبات الياء، وفي رواية ذكرها الخطابي. فقال: قوله: (إعجل أو أرن) صوابه ائرن بوزن إعجل من أرن يأرن إذا خف أي:
120 أعجل ذبحها لئلا تموت حتفا، ووجه الخطابي وجها آخر وهو: ائزز، من أزز الرجل إصبعه في الشيء إذا أدخلها فيه، وأززت الجرادة إذا أدخلت ذنبها في الأرض وادعى أن غيره تصحيف وأن هذا هو الصواب. قلت: قد أطال الشراح هنا كلاما كثيرا أكثره على خلاف القواعد الصرفية، ولم يذكر أحد منهم كيف أعراب: ما أنهر الدم، فنقول بعون الله وتوفيقه: هنا أوجه. الوجه الأول: رواية كريمة أرن بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون على وزن: إفل لأن عين الفعل حذفت في الأمر لأنه أمر من أران يرين، والأمر: أرن كأطع من أطاع يطيع، يقال: أرأنت القوم إذا هلكت مواشيهم والمعنى، هنا أهلك الذي تذبحه بما أنهر الدم وحرف الصلة محذوف. والوجه الثاني: رواية أبي ذر: أرن، بسكون الراء وكسر النون قال بعضهم: بوزن أعط بمعنى أدم الحز من قولك: رنوت إذا أدمت النظر إلى الشيء. قلت: هذا غلط فاحش لأن رنوت من باب رنا يرنو رنوا من باب نصر ينصر والأمر فيه لا يأتي ألا ارن بضم الهمزة وسكون الراء مثل انصر وليس هو الأمر من أرني يرني من باب أفعل، والأمر منه أرن، بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر النون، والمعنى على هذا: أنظر ما أنهر الدم إلى الذي تذبحه فيكون محل ما أنهر الدم، نصبا على أنه مفعول: أنظر من الإنظار. الوجه الثالث: رواية الإسماعيلي: أرني، هو مثل ما قبله غير أن النون لما أشبعت بالكسرة تولدت منها الياء. الوجه الرابع: ما قال الخطابي، وهو ائزز، بكسر الهمزة الأولى وسكون الثانية وفتح الزاي الأولى إن كان من باب: أزز مثل علم فلا يجيء الأمر منه إلا أئزز مثل اعلم، وإن كان من أزز الشيء من باب نصر ينصر يكون الأمر منه أؤزز، بضم الهمزة الأولى وسكون الثانية وضم الزاي الأولى فمعنى الباب الأول الإغراء والتهييج، ومعنى الباب الثاني: ضم بعض الشيء إلى بعض. 24 ((باب: * (النحر والذبح) *)) أي: هذا باب في بيان النحر والذبح، وفي رواية أبي ذر. والذبائح، وقال بعضهم: الذبائح بصيغة الجمع وكأنه جمع باعتبار أنه الأكثر. قلت: كل أحد يعرف أن صيغة الذبائح صيغة جمع، وقوله: وكأنه إلى آخره يشعر بأن الذبائح جمع ذبح وليس كذلك، بل هو جمع ذبيحة، ومع هذا ذكره بصيغة الجمع لا طائل تحته بل قوله: والذبح أحسن ما يكون لأنه مصدر يعم كل ذبح في كل ذبيحة، وقال ابن التين: الأصل في الإبل النحر، وفي الشاة ونحوها الذبح، وأما البقر فجاء في القرآن ذكر ذبحها وفي السنة ذكر نحرها، واختلف في نحر ما يذبح وذبح ما ينحر، فأجازه الجمهور ومنعه ابن القاسم، وقال ابن المنذر: روي عن أبي حنيفة والثوري والليث ومالك والشافعي جواز ذلك إلا أنه يكره، وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور: لا يكره وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة وقال أشهب: إن ذبح بعيرا من غير ضرورة لا يؤكل. * (وقال ابن جريج عن عطاء: لا ذبح ولا منحر إلا في المذبح والمنحر. قلت: أيجزىء ما يذبح أن أنحره؟ قال: نعم، ذكر الله ذبح البقرة فإن ذبحت شيئا ينحر جاز والنحر أحب إلي، والذبح قطع الأوداج. قلت: فيخلف الأوداج حتى يقطع النخاع. قال: لا إخال وأخبرني نافع أن ابن عمر: نهى عن النخع، يقول: يقطع ما دون العظم ثم يدع حتى تموت) * ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح. قوله: (لا ذبح ولا نحر إلا في المذبح والمنحر)، هذا لف ونشر على الترتيب، فالذبح والنحر مصدران والمذبح والمنحر اسم مكان الذبح والنحر. قوله: (قلت)، القائل هو ابن جريج. قوله: (أيجزىء)، من الإجزاء. قوله: (ما يذبح)، على صيغة المجهول. قوله: (أن أنحر) على صيغة نفس المتكلم وحده. قوله: (ذكر الله) فعل وفاعل. وذبح البقرة بالنصب مفعوله. وهو في قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * وروت عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: دخل علينا يوم النحر بلحم فقيل: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أزواجه البقر فجاز فيها الوجهان. قوله: (فإن ذبحت)، شيئا خطاب من عطاء لابن جريج. قوله: (ينحر)، على صيغة المجهول. قوله: (والنحر أحب إلي)، من كلام عطاء وإلي بتشديد الياء. قوله: (والذبح قطع الأوداج)، تفسير الذبح، والأوداج جمع ودج بفتح
121 الواو والدال وبالجيم، وقال بعضهم: وذكره الأوداج فيه نظر لأنه ليس فيه إلا ودجان بالتثنية وهما عرقان غليظان متقابلان. قلت: لما كان الشرط قطع العروق الأربعة: وهي الحلقوم والمريء والودجان أطلق عليها لفظ: الأوداج، بطريق الغلبة ولهذا ورد في بعض الحديث: أفر الأودج وأنهر بما شئت، حيث أطلق على الأربعة: الأوداج، وأفر، بالفاء بمعنى: اقطع وقال الصغافي: الودج عرق في العنق وهما ودجان. وقال الليث: الودج عرق متصل من الرأس إلى النحر. واختلف العلماء في اشتراط قطع الأوداج كلها فعندنا أن قطع الأربعة المذكورة حل الأكل وإن قطع أكثرها فكذلك عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين حتى لو قطع بعض الحلقوم أو المريء لم يحل، هكذا ذكر القدوري الاختلاف في (مختصره) والمشهور في كتب مشايخنا أن هذا قول أبي يوسف وحده، والحاصل أن عند أبي حنيفة: إذا قطع الثلاث أي: ثلاث كان من الأربعة جاز وعن أبي يوسف ثلاث روايات: إحداها: هذه. والثانية: اشتراط قطع الحلقوم مع الآخرين. والثالثة: اشتراط قطع الحلقوم والمري وأحد الودجين وعن محمد: يعتبر أكثر كل فرد، يعني: أكثر كل واحد من الأربعة، وفي (وجيز الشافعية) يعتبر قطع الحلقوم والمريء دون الآخرين، وبه قال أحمد، وعن الإصطخري يكفي قطع الحلقوم أو المريء وفي (الحلية) هذا خلاف نص الشافعي وخلاف الإجماع، وعن الثوري: إن قطع الودجان أجزأ ولو لم يقع الحلقوم والمري، وعن مالك والليث يشترط قطع الودجين والحلقوم فقط. قوله قلت: (فيخلف الأوداج)، القائل هو ابن جريج سأل عطاء بقوله: فيخلف الأوداج على صيغة المجهول يعني: تترك الأوداج ولا يكتفي بقطعها حتى يقطع النخاع، بتثليث النون، وهو خيط أبيض يكون داخل عظم الرقبة ويكون ممتدا إلى الصلب حتى يبلغ عجب الذنب. هكذا فسره الكرماني، وهذا أخذه من صاحب (المغرب) فإنه فسره هكذا، ورد عليه بعض أصحابنا بأن بدن الحيوان مركب من عظام، وأعصاب وعروق وشرايين وأوتار وما ثمة شيء يسمى بالخيط أصلا وقال الكرخي في (مختصره) ويكره إذا ذبحها أن يبلغ النخاع وهو العرق الأبيض الذي يكون في عظم الرقبة. قوله: (قال لا إخال) أي: قال عطاء: لا أظن وإخال بفتح الهمزة وكسرها والكسر أفصح. قوله: (وأخبرني نافع) هذا من كلام ابن جريج أي: قال ابن جريج، وأخبرني مولى ابن عمران بن عمر رضي الله تعالى عنهما، نهى عن النخع بفتح النون وسكون الخاء المعجمة، وهو أن ينتهي بالذبح إلى النخاع. وقال اصحب (الهداية) ومن بلغ بالسكين النخاع أو قطع الرأس كره له ذلك، وتؤكل ذبيحته وأما الكراهة فلما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه نهى أن تنخع الشاة إذا ذبحت. قلت: هذا رواه محمد بن الحسن في (كتاب الصيد) من الأصل عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مرسل، وروى الطبراني في (معجمه) حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحارث حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا عبد الحميد بهرام عن شهر بن حوشب عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن الذبيحة أن تفرس، وقال إبراهيم الحربي في (غريب الحديث) الفرس أن تذبح الشاة فتنخع. وقال أبو عبيدة: الفرس النخع، يقال: فرست الشاة ونخعتها، وذلك أن ينتهي الذابح إلى النخاع. قوله: (يقول) إلى آخره إشارة إلى تفسير النخع وهو قطع ما دون العظم ثم يدع أي: ثم يترك حتى يموت. * (وقول الله تعالى: * (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * وقال: * (فذبحوها وما كادوا يفعلون) * وقول الله بالجر عطف على قوله: النحر والذبح المجروران بالإضافة والعطف، تقديره: باب في بيان النحر والذبح، وفي بيان قول الله عز وجل: * (وإذ قال موسى لقومه) * إلى آخره، وهذا من تمام الترجمة وفيها إشعار بأن البقرة لها اختصاص بالذبح قوله: (إذا قال) أي: اذكر يا محمد حين (قال موسى لقومه إن الله يأمركم). وقال أبو عبد الله. وكان نزول قصة البقرة على موسى، عليه السلام، في أمر القتيل قبل نزول القسامة في القتيل، وقصته مشهورة. قوله: (وقال فذبحوها) أي: البقرة التي جاؤوا بها على الوصف المذكور الذي وصفه الله تعالى. قوله: * (وما كانوا يفعلون) * لكثرة ثمنها. وقيل: خوف الفضيحة إن اطلع الله على قاتل النفس الذي اختصموا فيه. * (وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس الذكاة في الحلق واللبة) *
122 أي: قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: الذكاة في الحلق واللبة. قال بعضهم: اللبة، بكسر اللام وتشديد الباء الموحدة: هي موضع القلادة من الصدر وهي المنحر قلت: ليست اللبة بكسر اللام وإنما هي بفتحها وقال الدودى: هي أعلى العنق ما دون الخرزة. وفي (المبسوط) ما بين اللبة واللحيين، واللبة رأس الصدر، واللحيان الذقن، وفي الجامع (الصغير) لا بأس بالذبح في الحلق كله وسطه وأعلاه وأسفله، وقول ابن عباس الذكاة في الحلق واللبة أي: بين الحلق واللبة وكلمة في بمعنى: بين كما في قوله تعالى: * (فادخلي في عبادي) * (الفجر: 29) أي: بين عبادي وتعليق ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، رواه أبو بكر عن ابن المبارك عن خالد عن عكرمة عنه. * (وقال ابن عمر وابن عباس وأنس: إذا قطع الرأس فلا بأس) * أثر ابن عمر وصله أبو موسى الزمن من رواية أبي مجاز: سألت ابن عمر عن ذبيحة قطع رأسها؟ فأمر ابن عمر بأكلها وأثر ابن عباس وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عباس سأل عن ذبح دجاجة طير رأسها. فقال: ذكاة وحية بفتح الواو وكسر الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف أي: شريعة منسوبة إلى الوحاء وهو الإسراع والعجلة، وأثر أنس بن مالك وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أن جزارا لأنس ذبح دجاجة فاضطربت فذبحها من قفاها فأطار رأسها فأرادوا طرحها فأمرهم أنس بأكلها. 5510 حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا سفيان عن هشام بن عروة قال: أخبرتني فاطمة بنت المنذر امرأتي عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، قالت: نحرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فرسا فأكلناه. مطابقته للترجمة ظاهرة وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي سكن مكة ومات بها قريبا من سنة ثلاث عشرة ومائتين، وسفيان هو الثوري، وفاطمة بنت المنذر زوجة هشام الراوي. والحديث أخرجه مسلم في الذبائح أيضا عن محمد بن نمير وغيره وأخرجه النسائي فيه عن عيسى بن أحمد وغيره. وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة. وقال بعض العلماء: حكم الخيل في الذكاة حكم البقر يريد أنها تنحر وتذبح وأن الأحسن فيها الذبح. وفيه حجة للشافعي، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن على جواز أكل لحم الخيل، وقال أبو حنيفة ومالك يكره كراهة تحريم، وقيل: تنزيه. 5511 حدثنا إسحاق سمع عبدة عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: ذبحنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرسا ونحن بالمدينة فأكلناه. هذا طريق آخر أخرجه إسحاق قال الكلاباذي: لعله إسحاق بن راهويه، وعبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان إلى آخره، وهنا قال: ذبحنا وفي الحديث السابق قال: نحرنا، وجه الجمع بينهما أنهم مرة نحروها ومرة ذبحوها أو أحد اللفظين مجاز والأول هو الصحيح المعول عليه إذ لا يعدل إلى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة، ولا تعذر هاهنا. بل في الحقيقة فائدة وهي ذبح المنحور ونحر المذبوح، وقيل: هذا الاختلاف على هشام، وفيه إشعار بأنه تارة يرويه بلفظ: نحرنا، وتارة بلفظ: ذبحنا، وهو مصير منه إلى استواء اللفظين في المعنى، وإن النحر يطلق على الذبح، والذبح يطلق على النحر. 5512 حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن هشام عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه. هذا طريق آخر في الحديث المذكور، أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن جرير بن عبد الحميد إلى آخره. * (تابعه وكيع وابن عيينة عن هشام: في النحر) * أي: تابع جريرا وكيع وسفيان بن عيينة عن هشام في لفظ النحر، فرواية وكيع أخرجها أحمد عنه بلفظ: نحرنا، وكذلك
123 مسلم أخرجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه وحفص بن غياث ووكيع، ثلاثتهم عن هشام بلفظ: نحرنا ورواية ابن عيينة أخرجها البخاري بعد بابين عن الحمدي عن سفيان عن هشام إلى آخره بلفظ: نحرنا. 25 ((باب: * (ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة) *)) أي: هذا باب في بيان كراهة المثلة بضم الميم وهو قطع أطراف الحيوان أو بعضها يقال: مثل بالحيوان يمثل مثلا كقتل يقتل قتلا إذا قطع أطرافه أو أنفه أو أذنه ونحو ذلك، والمثلة الاسم. قوله: (والمصبورة)، هي الدابة التي تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه، (والمجثمة) بالجيم والثاء المثلثة المفتوحة التي تجثم ثم ترمى حتى تقتل، وقيل: إنها في الطير خاصة والأرنب وأشباه ذلك. وقال الخطابي: المجثمة هي المصبورة بعينها. وقال: بين المجثمة والجاثمة فرق لأن الجاثمة هي التي جثمت بنفسها فإذا صيدت على تلك الحال لم تحرم، والمجثمة هي التي ربطت وحبست قهرا وروى الترمذي من حديث أبي الدرداء قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أكل المجثمة وهي التي تصبر بالنبل، وقال: حديث غريب وهو من أفراده وروى الترمذي أيضا من حديث العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى يوم خيبر عن كل ذي ناب من السبع وعن كل ذي مخلب من الطير وعن لحوم الحمر الأهلية وعن المجثمة وعن الخليسة وأن توطأ الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن. قال محمد بن يحيى هو شيخ الترمذي: في هذا الحديث سأل أبو عاصم عن المجثمة فقال: أن ينصب الطير أو الشيء فيرمى وسئل عن الخليسة فقال: الذئب أو السبع يدركه الرجل فيأخذ منه فيموت في يده قبل أن يذكيه. قلت: الخليسة، بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وسكون الباء آخر الحروف وبسين مهملة وهي فعيلة بمعنى مفعولة، والجثوم من جثم الطائر جثوما إذا لزم الأرض والتصق بها، وهو بمنزلة البروك للإبل. 5513 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن هشام بن زيد قال: دخلت مع أنس على الحكم بن أيوب فرأى غلمانا أو فتيانا نصبوا دجاجة يرمونها. فقال أنس: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، أن تصبر البهائم. مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وهشام بن زيد بن أنس بن مالك يروي عن جده أنس بن مالك. والحديث أخرجه مسلم في الذبائح عن أبي موسى عن غندر وغيره. وأخرجه أبو داود في الأضاحي عن أبي الوليد، وفيه قصة أخرى. وأخرجه ابن ماجة عن علي بن محمد عن وكيع. قوله: (على الحكم بن أيوب)، بن أبي عقيل الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف نائبه على البصرة وزوج أخت زينب بنت يوسف، وهو الذي يقول فيه جرير يمدحه: * حتى انخناها على باب الحكم * خليفة الحجاج غير المتهم * وقع ذكره في عدة أحاديث، وكان يضاهي في الجور ابن عمه. قوله: (وفتيانا)، شك من الراوي. قوله: (أن تصبر)، على صيغة المجهول أي: تحبس لترمى حتى تموت، وذلك لأنه تضييع للمال وتعذيب للحيوان. وأخرج العقيلي في (الضعفاء) من طريق الحسن عن سمرة. قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، أن تصبر البهيمة وأن يؤكل لحمها إذا صبرت وقال العقيلي: جاء في النهي عن صبر البهيمة أحاديث جيادا وأما النهي عن أكلها فلا يعرف إلا في هذا. وقال شيخنا في (شرح الترمذي) فيه تحريم أكل المصبورة لأنه قتل مقدور عليه بغير ذكاة شرعية. قلت: إن أدركت وذكيت فلا بأس كما في المقتول بالبندقة. 5514 حدثنا أحمد بن يعقوب أخبرنا إسحاق بن سعيد بن عمرو عن أبيه أنه سمعه يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما. أنه دخل على يحيى بن سعيد وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها فمشى إليها ابن عمر حتى حلها، ثم أقبل بها وبالغلام معه فقال: ازجروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطير للقتل فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل.
124 مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن يعقوب المسعودي الكوفي، وإسحاق بن سعيد يروي عن أبيه سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، وهو أخو عمرو المعروف بالأشدق، وسعيد هذا يروي عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما. والحديث من أفراده. قوله: (وغلام من بني يحيى). يعني: ابن سعيد المذكور، وكان ليحيى أولاد ذكور وهم: عثمان وعنبسة وأبان وإسماعيل وسعيد ومحمد وهشام وعمرو، وكان يحيى بن سعيد قد ولى إمرة المدينة مرة كذلك أخوه عمر. وقوله: (حتى حلها) بتشديد اللام هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية السرخسي والمستملي: حملها من الحملان، ووقع في رواية الإسماعيلي وأبي نعيم في (المستخرج)، فحل الدجاجة انتهى. قوله: (غلامكم) وفي رواية الكشميهني: غلمانكم قوله: (عن أن يصبر) وفي رواية الكشميهني: أن يصبروا قوله: (هذا الطير) قال الكرماني: هذا على لغة قليلة في إطلاق الطير على الواحد وإلا فالمشهور أن الواحد يقال له: الطائر، والجمع: الطير. وقال بعضهم: وهو هنا محتمل لإرادة الجمع، بل الأولى أنه لإرادة الجنس. قلت: هذا غير موجه لأنه أشار بقوله: هذا الطير. إلى قوله: دجا جة، وهي واحدة فكيف يحتمل إرادة الجمع ودعواه الأولوية لإرادة الجنس أبعد من الأول لأن الإشارة إليها تنافي ذلك على ما لا يخفى. قوله: (وغيرها)، فلفظة أو هنا للتنويع لا للشك فيتناول الطيور والبهائم. 5515 حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير. قال: كنت عند ابن عمر فمروا بفتية أو بنفر نصبوا دجاجة يرمونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها. وقال ابن عمر من فعل هاذا؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن من فعل هاذا. مطابقته للجزء الثاني للترجمة فإن المنصوبة هي المصبرة وأبو النعمان محمد بن الفضل، وأبو عوانة الوضاح، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية وهذا الإسناد بعينه لمتون أخرى قد مر غير مرة. قوله: (بفتية)، جمع فتى. قوله: (وبنفر)، شك من الراوي، وهو رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه قوله: (من فعل هذا)، أشار به إلى نصبهم دجاجة للرمي، وفي رواية مسلم: لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح فرضا بالمعجمتين وفتح الراء، وهو الذي ينصب للرمي، وفي رواية مسلم وابن ماجة من حديث جابر بن عبد الله يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يقتل شيء من الدواب صبرا وروى البزار من حديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا وروى الطبراني من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قوم من الأنصار يرمون حمامة فقال: لا تتخذوا الروح عرضا. وإسناده حسن، وروى النسائي من حديث عبد الله بن جعفر قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ناس وهم يرمون كبشا بالنبل، فكره ذلك، فقال: لا تمثلوا بالبهائم وروى ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري. قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يمثل بالبهائم وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه) من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن صبر البهيمة. تابعه سليمان عن شعبة * (حدثنا المنهال عن سعيد عن ابن عمر لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان) * أي: تابع أبا بشر المذكور سليمان بن حرب، ورواه عن شعبة عن المنهال بكسر الميم ابن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عمرو، وصل هذه المتابعة البيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب. قوله: (من مثل)، بالتشديد أي: صيره مثلة. * (وقال عدي: عن سعيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) * أشار بهذا إلى أن عدي بن ثابت خالف أبا بشر والمنهال فروى الحديث المذكور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التعليق رواه مسلم والنسائي من رواية شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لا تتخذوا شيئا فيه الروح عرضا)، ورواه أبو داود في (سننه) والنسائي من رواية حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الترمذي من حديث الثوري عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا.
125 5515 حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير. قال: كنت عند ابن عمر فمروا بفتية أو بنفر نصبوا دجاجة يرمونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها. وقال ابن عمر من فعل هاذا؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن من فعل هاذا. مطابقته للجزء الثاني للترجمة فإن المنصوبة هي المصبرة وأبو النعمان محمد بن الفضل، وأبو عوانة الوضاح، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية وهذا الإسناد بعينه لمتون أخرى قد مر غير مرة. قوله: (بفتية)، جمع فتى. قوله: (وبنفر)، شك من الراوي، وهو رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه قوله: (من فعل هذا)، أشار به إلى نصبهم دجاجة للرمي، وفي رواية مسلم: لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح فرضا بالمعجمتين وفتح الراء، وهو الذي ينصب للرمي، وفي رواية مسلم وابن ماجة من حديث جابر بن عبد الله يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يقتل شيء من الدواب صبرا وروى البزار من حديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا وروى الطبراني من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قوم من الأنصار يرمون حمامة فقال: لا تتخذوا الروح عرضا. وإسناده حسن، وروى النسائي من حديث عبد الله بن جعفر قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ناس وهم يرمون كبشا بالنبل، فكره ذلك، فقال: لا تمثلوا بالبهائم وروى ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري. قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يمثل بالبهائم وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه) من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن صبر البهيمة. تابعه سليمان عن شعبة * (حدثنا المنهال عن سعيد عن ابن عمر لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان) * أي: تابع أبا بشر المذكور سليمان بن حرب، ورواه عن شعبة عن المنهال بكسر الميم ابن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عمرو، وصل هذه المتابعة البيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب. قوله: (من مثل)، بالتشديد أي: صيره مثلة. * (وقال عدي: عن سعيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) * أشار بهذا إلى أن عدي بن ثابت خالف أبا بشر والمنهال فروى الحديث المذكور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التعليق رواه مسلم والنسائي من رواية شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لا تتخذوا شيئا فيه الروح عرضا)، ورواه أبو داود في (سننه) والنسائي من رواية حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الترمذي من حديث الثوري عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا. 5516 حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال: أخبرني عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن النهبة والمثلة. مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة وعبد الله بن يزيد بن زيد الخطمي الأنصاري أمير الكوفة. والحديث مضى في المظالم في: باب النهي بغير إذن صاحبه، فإنه أخرجه هناك عن آدم بن أبي إياس عن شعبة إلى آخره. قوله: (النهبة)، بضم النون وسكون الهاء ويروى عن النهي مقصورا وهو أخذ مال الغير قهرا جهرا ومنه أخذ مال الغنيمة قبل القسمة اختطافا بغير تسوية انتهى. 26 ((باب: * (الدجاج) *)) أي: هذا باب في بيان أكل الدجاج وفي بعض النسخ: باب لحم الدجاج، مثلث الدال وقيل: الضم ضعيف، وهو اسم جنس والواحدة دجاجة وقال الجوهري: دخلتها الهاء الموحدة مثل الحمامة وعن إبراهيم الحربي أن الدجاج بالكسر اسم للذكران دون الإناث، والواحدة منها ديك وبالفتح الإناث دون الذكران والواحدة دجاجة. قال: وسمى به لإسراعه في الإقبال والإدبار من دج يدج إذا أسرع. 5517 حدثنا يحيى حدثنا وكيع عن سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم الجرمي عن أبي موسى. يعني: الأشعري رضي الله عنه. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، يأكل دجاجا. مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى. قال الكرماني: قيل: هو إما ابن موسى وإما ابن جعفر. قلت: قال ابن السكن: أنه ابن موسى البلخي، وجزم الكلاباذي وأبو نعيم بأنه ابن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي، وسفيان هو الثوري وأيوب هو السختياني، وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجزمي، وزهدم بفتح الزاي وسكون الهاء بن مضرب الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء نسبة إلى جرم بطن من قضاعة وجرم أيضا بطن من طي، وليس له في البخاري سوى حديثين: هذا الحديث وقد أخرجه في مواضع، وحديث آخر عن عمران بن حصين مضى في المناقب، وأبو موسى عبد الله بن قيس. وأخرجه البخاري في مواضع منها في المغازي في: باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن عبد السلام عن أيوب عن أبي قلاب عن زهدم إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، ورواه هنا مختصرا. 5518 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب بن أبي تميمة عن القاسم عن زهدم قال: كنا عند أبي موسى الأشعري وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء، فأتي بطعام فيه لحم دجاج، وفي القوم رجل جالس أحمر فلم يدن من طعامه قال: ادن فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأكل منه. قال: إني رأيته أكل شيئا فقذرته فحلفت أن لا آكله. فقال: أدن أخبرك أن أحدثك إني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان وهو يقسم نعما من نعم الصدقة فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا قال: ما عندي ما أحملكم عليه ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنهب من إبل فقال: أين الأشعريون أين الأشعريون؟ قال: فأعطانا خمس ذود غر الذري، فلبثنا غير بعيد فقلت لأصحابي: نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمينه فوالله لئن تففلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمينه لا نفلح أبدا فرجعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا يا رسول الله! إنا استحملناك فحلفت أن لا تحملنا فظننا أنك نسيت يمينك!
126 فقال: إن الله هو حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها. مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري، وعبد الوارث هو ابن سعيد البصري، وأيوب هو السختياني، وذكره هنا بكنية أبيه أبي تميمة واسمه كيسان أبو بكر البصري، والقاسم ابن عاصم الكلبي التميمي البصري، وهنا روى أيوب عن القاسم عن زهدم، وفي الرواية التي سبقت عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم. ومضى الحديث في: باب قدوم الأشعريين ومضى الكلام فيه مستوفى. قوله: (بيننا وبين هذا الحي)، هكذا وقع في رواية الكشميهني، وقال ابن التين: بيننا وبينه هذا الحي، وهذا الحي بالجر بدلا من الضمير في بينه، قيل: رد هذا لفساد المعنى لأنه يصير تقدير الكلام أن زهدم الجرمي قال: كان بيننا وبين هذا الحي من جرم أخاء، وليس المراد، إنما المراد أن أبا موسى وقومه الأشعريين كانوا أهل مودة وإخاء لقوم زهدم، وهم بنو جرم. قوله: (إخاء)، بكسر الهمزة والمد أي: مؤاخاة. وقال ابن التين ضبطه بعضهم بالقصر وهو خطأ انتهى قوله: (أحمر) أي: أحمر اللون، وفي رواية حماد بن زيد، رجل من بني تيم الله أحمر كأنه من الموالي، أي: العجم. قيل: هذا الرجل هو زهدم الراوي أبهم نفسه. فإن قلت: وقد وصف الرجل في رواية حماد بأنه من تيم الله، وزهدم من بني جرم. قلت: لا يعد في هذا لأنه يصح أن ينسب زهدم تارة إلى بني تيم الله وتارة إلى بني جرم، وقد روى أحمد هذا الحديث عن عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان الثوري، فقال في روايته: رجل من بني تيم الله. يقال له: زهدم قال: كنا عند أبي موسى فأتى بلحم دجاج. قوله: (فقذرته)، بكسر الذال المعجمة وفتحها. أي: كرهته، وفي رواية أبي عوانة إني رأيتها تأكل قذرا. قوله: (فقال: أدن أخبرك)، كذا هو عند الأكثرين أمر من الدنو. ووقع عند المستملي والسرخسي: إذن، بكسر الهمزة وبذال معجمة مع التنوين وهو تحريف، فعلى الأول: أخبرك مجزوم وعلى الثاني منصور. قوله: (أو أحدثك) شك من الراوي. قوله: (خمس ذود)، بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة، وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة. وقوله: (خمس ذود) بالإضافة، واستنكره أبو البقاء في (غريبه) فقال: الصواب تنوين خمس، وأن يكون ذود بدلا من خمس فإنه لو كان من غير تنوين لتغير المعنى لأن العدد المضاف غير المضاف إليه، فيلزم أن يكون خمس ذود خمسة عشر بعيرا لأن الإبل الذود ثلاثة ورده بعضهم بقوله: ولكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرا فما الذي يضر؟ وقد ثبت في بعض طرقه خذ هذين القرنين وهذين القرينين، إلى أن عد ست مرات قلت: رده مردود عليه لأن أبا البقاء إنما قال ما قاله في هذه الرواية ولم يقل: إن الذي قاله يتأتى في جميع طرق هذا الحديث. قوله: (غر الذرى) الغر، بضم الغين المعجمة جمع أغر وهو الأبيض، والذرى، بضم الذال المعجمة والقصر جمع ذروة، وذروة كل شيء أعلاه، والمراد هنا أسنمة الإبل، ولعلها كانت بيضاء حقيقة أو أراد وصفها بأنها لا علة فيها ولا دبر. قوله: (فاستحملناه) أي: طلبنا منه إبلا تحملنا. قوله: (تغفلنا) أي: طلبنا غفلته أو سألناه في وقت شغله. قوله: (حملكم) أي: ساق هذا النهب إلينا ورزقنا هذه الغنيمة. قوله: (وتحللتها ) من التحلل وهو التفصي عن عهدة اليمين والخروج منها بالكفارة أو الاستثناء. وفي الحديث: جواز أكل لحم الدجاج، وفي (التوضيح) قام الإجماع على حله، وهو من رقيق المطاعم وناعمها، ومن كره ذلك من المتقشفين من الزهاد فلا عبرة بكراهته، وقد أكل منها سيد الزهاد وإن كان يحتمل أن تكون جلالة وروى الطبراني عن ابن عمر أنه كان لا يأكلها حتى يقصرها أياما. وروي عنه أيضا أنه كان إذا أراد أن يأكل بيض الدجاجة قصرها ثلاثة أيام وقال أبو حنيفة الدجاجة تخلط و الجلالة لا تأكل غير العذرة وهي التي تكره: وزعم ابن حزم أن الجلالة من ذوات الأربع خاصة ولا يسمى الطير والدجاجة جلالة وقال ابن بطال: والعلماء مجمعون على جواز أكل الجلالة. وقد سئل سحنون عن خروف أرضعته خنزيرة فقال: لا بأس بأكله وقال الطبري: والعلماء مجمعون على أن جملا أو جديا غذي بلبن كلبة أو خنزيرة غير حرام أكله. ولا خلاف أن ألبان الخنازير نجسة كالعذرة والله تعالى أعلم. 27 ((باب: * (لحوم الخيل) *))
127 أي: هذا باب في بيان جواز أكل لحوم الخيل، وإنما لم يصرح بالحكم لتعارض الأدلة فيه. 5519 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكلناه. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحميدي عبد الله بن حميد بن عيسى ونسبه إلى أحد أجداده، وحميد بضم الحاء وسفيان هو ابن عيينة، وهشام هو ابن عروة وفاطمة هي بنت المنذر زوجة هشام الراوي، وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما. والحديث مضى عن قريب: في باب النحر والذبح، فإنه أخرجه هناك عن خلاد بن يحيى عن سفيان إلى آخره، وقد مر الكلام فيه، والصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان له حكم الرفع. 5520 حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهم، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل. مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو الباقر أبو جعفر. والحديث مضى في المغازي في غزوة خيبر، وأخرجه مسلم أيضا في الذبائح عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن سليمان بن حرب به وعن غيره. وأخرجه النسائي في الصيد وفي الوليمة عن قتيبة وأحمد بن عبدة. واحتج بهذا الحديث عطاء وابن سيرين والحسن والأسود بن يزيد وسعيد بن جبير والليث وابن المبارك والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وأبو ثور على جواز أكل لحم الخيل وقال أبو حنيفة والأوزاعي ومالك وأبو عبيد: يكره أكله ثم قيل: الكراهة عند أبي حنيفة: كراهة تحريم، وقيل: كراهة تنزيه وقال فخر الإسلام وأبو معين: هذا هو الصحيح، وأخذ أبو حنيفة في ذلك بقوله تعالى: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * (النحل: 8) خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى منافعها والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها ولأنه آلة إرهاب العدو فيترك أكله احتراما له. واحتج أيضا بحديث أخرجه أبو داود عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وأخرجه النسائي وابن ماجة والطحاوي، ولما رواه أبو داود سكت عنه فسكوته دلالة رضاه به غير أنه قال: وهذا منسوخ، وقال النسائي: ويشبه أن كان هذا صحيحا أن يكون منسوخا ويعارض حديث جابر والترجيح للمحرم، وقد بسطنا الكلام فيه في غزوة خيبر. وأما لحم الحمر الأهلية. فقال: ابن عبد البر: لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمه، وإنما حكى عن ابن عباس وعائشة إباحته بظاهر قوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما) * (الأنعام: 145) الآية. قلت: ذكر في التفريع للمالكية ولا بأس بأكل لحم الحمر الأهلية ولا البغل، ويكره أكل لحوم الخيل، وسيجئ الكلام فيه عن قريب، والله سبحانه وتعالى أعلم. 28 ((باب: * (لحوم الحمر الإنسية) *)) أي: هذا باب في بيان حكم لحوم الحمر الأنسية واحترز بالإنسية عن الوحشية فإنها تؤكل والإنسية بكسر الهمزة وسكون النون نسبة إلى الإنس، ويقال فيه: إنسية بفتحتين نسبة إلى الإنس بفتحتين وهو ضد الوحشة. * (فيه عن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم) * أي: في هذا الباب حديث سلمة بن الأكوع، ومضى حديثه موصولا مطولا في المغازي في أوائل باب غزوة خيبر. 5521 حدثنا صدقة أخبرنا عبدة عن عبيد الله عن سالم ونافع عن ابن عمر رضي الله عنهما نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. مطابقته للترجمة ظاهرة. وصدقة هو ابن الفضل المروزي، وعبدة هو ابن سليمان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري. ومضى الحديث في غزوة خيبر فإنه أخرجه هناك عن عبيد بن إسماعيل عن أبي إسماعيل عن أبي أسامة
128 عن عبيد الله إلى آخره. 5522 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن لحوم الحمر الأهلية. هذا طريق آخر عن مسدد عن يحيى القطان عن عبيد الله العمري إلى آخره. * (تابعه ابن المبارك عن عبيد الله عن نافع، وقال أبو أسامة، عن عبيد الله عن سالم) * أي: تابع يحيى عبد الله بن المبارك في روايته عن عبيد الله العمري عن نافع، وأسند هذه المتابعة البخاري في المغازي عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن عبيد الله. قوله: (وقال أبو أسامة)، هو حماد بن أسامة عن عبيد الله بن عمر العمري عن سالم بن عبد الله بن عمر، وأسنده أيضا البخاري في المغازي عن عبيد الله بن إسماعيل عن أبي أسامة به. 5523 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي رضي الله عنهم. قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن المتعة عام خيبر ولحوم حمر الإنسية. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في كتاب النكاح في باب نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن نكاح المتعة آخرا، ومضى الكلام فيه هناك. 5524 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل. مطابقته للترجمة ظاهرة. وحماد بن زيد، وعمرو هو ابن دينار، ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. والحديث قد مضى في المغازي في غزوة خيبر بعين هذا الإسناد والمتن. 5526 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة قال حدثني عدي عن البراء وابن أبي أوفى، رضي الله عنهم قالا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن لحوم الحمر. مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو القطان وعدي هو ابن ثابت، والبراء هو ابن عازب وابن أبي أوفى هو عبد الله واسم ابن أبي أوفى علقمة، والحديث مضى في غزوة خيبر بأتم منه. 5527 حدثنا إسحاق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن أبا إدريس أخبره أن أبا ثعلبة قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحوم الحمر الأهلية. مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق هو ابن راهيوه، وقال الغساني: ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، وصالح هو ابن كيسان، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وأبو إدريس عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني، وأبو ثعلبة اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا شديدا فقيل: جرهم، وقيل: جرنون، وقيل: ابن ناشب، وقيل: ابن جرثومة، ولم يختلفوا في صحبته، وكان بايع تحت الشجرة ثم نزل الشام ومات في خلافة معاوية. وقيل: مات في سنة خمس وسبعين في ولاية عبد الملك بن مروان. والحديث أخرجه مسلم عن حسن الحلواني في الذبائح. * (تابعه الزبيدي وعقيل عن ابن شهاب) * أي: تابع صالحا محمد بن الوليد الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة نسبة
129 إلى زبيد قبيلة ووصل النسائي رواية الزبيدي من طريق بقية قال: حدثني الزبيدي. قوله: (عقيل)، أي: وتابعه أيضا عقيل بضم العين ابن خالد في رواية عن الزهري، ووصل هذا أحمد في (مسنده). * (وقال مالك ومعمر والماجشون ويونس وابن إسحاق عن الزهري نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن كل ذي ناب من السباع) * أشار بهذا إلى أن هؤلاء الخمسة. أعني: مالكا ومن معه لم يتعرضوا في حديث أبي ثعلبة المذكور لذكر الحمر وإنما قالوا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن كل ذي ناب من السباع. أما حديث مالك فقد رواه البخاري في الباب الذي يلي هذا الباب فقال: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن كل ذي ناب من السباع. وأما حديث معمر بفتح الميمين ابن راشد ويونس بن يزيد الأيلي فوصل حديثهما الحسن بن سفيان من طريق عبد الله بن المبارك عنهما. وأما حديث الماجشون بفتح الجيم وكسرها. وقيل: بضمها وبضم الشين المعجمة وبالواو وبالنون فوصله مسلم عن يحيى بن يحيى عنه، والماجشون معرب (ماه وكون) يعني: المشبه بالقمر، والمراد به هنا يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة. واسمه دينار، وهكذا صرح بيوسف مسلم في (صحيحه) وقال الكرماني: هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة القرشي المدني. قلت: هو أيضا يلقب بالماجشون. ولكن الأصح ما قاله مسلم. وأما حديث محمد بن إسحاق بن يسار فوصله إسحاق بن راهويه عن عبدة بن سليمان ومحمد بن عبيد كلاهما عنه. 5528 حدثنا محمد بن سلام أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد عن أنس بن مالك، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءه جاء فقال: أكلت الحمر ثم جاءه جاء فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء فقال: أفنيت الحمر، فأمر مناديا فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، وفي بعض النسخ صرح بابن سيرين. والحديث مضى في أوائل غزوة خيبر فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن عبد الوهاب عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد عن أنس رضي الله تعالى عنه، إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك، ووقع في مسلم أن الذي نادى بذلك هو أبو طلحة. فإن قلت: وقع عند النسائي أن المنادي بذلك عبد الرحمن بن عوف قلت لعل عبد الرحمن نادى أولا بالنهي مطلقا ثم نادى أبو طلحة ثانيا بزيادة على ذلك. وهو قوله: (فإنها رجس) إلى آخره. قوله: (جاءه جاء) ذكر ثلاث مرات. قال بعضهم: يحتمل أن يكونوا يعني: هؤلاء الجائين واحدا فإنه قال: أولا أكلت فإما لم يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، وإما لم يكن أمر فيها بشيء، وكذا في الثانية فلما قال الثالثة: (أفنيت الخمر) أي: لكثرة ما ذبح منها. ليطبخ صادف نزول الإمر بتحريمها. قلت: (قوله) (فإنها رجس). أي: نجس، وكذا وقع في رواية الطحاوي من حديث أنس قال: لما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم، خيبر أصابوا منها حمرا فطبخوا منها مطبخة فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها نجس فأكفؤا القدور قوله: (فأكفئت) أي: قلبت قوله: (وإنها لتفور) أي: لتغلي والواو فيه للحال. 5529 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمر و: قلت ل جابر بن زيد: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن الحمر الأهلية؟ فقال: قد كان يقول ذلك الحكم
130 بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة، ولاكن أبى ذاك البحر ابن عباس، وقرأ: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) * (الأنعام: 145). مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبيد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وجابر بن زيد هو أبو الشعثاء البصري، والحكم بن عمرو الغفاري بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء الصحابي وقال الكرماني: نزل البصرة ومات بمرو سنة خمس وأربعين وقال أبو عمر: بعثه زياد بن أمية على البصرة، واليافي أول ولاية زياد على العراقين ثم عزله عن البصرة وولاه بعض أعمال خراسان ومات بها وقيل: مات بالبصرة سنة خمسين. والحديث رواه أبو داود في الأطعمة عن إبراهيم بن الحسن عن حجاج عن ابن جريج عن عمرو بن دينار بمعناه. قوله: (يقول ذاك)، أشار به إلى قوله: (نهى عن الحمر الأهلية) قوله: (ولكن أبى)، أي: منع ذلك القول. قوله: (البحر)، صفة لابن عباس سمي به لسعة علمه ويراد به: بحر العلم وقال بعضهم: هو من تقديم الصفة على الموصوف مبالغة في تعظيم الموصوف. قلت: لا تتقدم الصفة على الموصوف. بل قوله: (ابن عباس) عطف بيان لقوله: (البحر) ويروى: الحبر، سمي به لأنه كان يزين ما قاله. قوله: (وقرأ)، أي: ابن عباس قوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما) * الآية. يعني: أنه استدل بهذه الآية لأن المحرم في هذه الآية ما ذكره الله فيها فتقتصر الحرمة عليها وما وراء ذلك فعلى أصل الإباحة. وفقهاء الأمصار مجمعون على تحريم الحمر الأهلية إلا أنه روي عن ابن عباس أنه أباح أكلها، وروي مثله عن عائشة والشعبي. فإن قلت: قد ذكر في أول المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة وما ذكر معهما وهي خارجة عن هذه الآية. قلت: المنخنقة وما ذكر معها داخلة في الميتة أو نقول: أن سورة الأنعام مكية فيجوز أن لا يكون حرم في ذلك الوقت إلا ما ذكر في هذه الآية. وسورة المائدة مدنية وهي آخر ما نزل من القرآن فإن قلت: الأحاديث التي وردت في تحريم لحوم الحمر الأهلية أخبار آحاد والعمل بها يوجب نسخ الآية المذكورة، وهذا لا يجوز. قلت: قد خصت من هذه الآية أشياء كثيرة بالتحريم غير مذكورة فيها كالنجاسات والحمر ولحم القردة فحينئذ يجوز تخصيصها بأخبار الآحاد. وقال ابن العربي: اختلف في تحريم الحمر على أربعة أقوال: الأول: حرمت شرعا. الثاني: حرمت لأنها كانت جوال القرى. أي: تأكل الجلة وهي النجاسة. والثالث: أنها كانت حمولة القوم. الرابع: أنها حرمت لأنها أفنيت قبل القسمة. فمنع النبي صلى الله عليه وسلم، عن أكلها حتى تقسم. قلت: ذكر الطحاوي هذه الأقوال فأخرج في القول الأول: عن اثني عشر نفرا من الصحابة في تحريم أكل الحمر الأهلية من غير قيد، وقد ذكرناهم في (شرحنا لمعاني الآثار) وأخرج في القول الثاني: عن ابن مرزوق عن وهب عن شعبة عن الشيباني، قال: ذكرت لسعيد بن جبير حديث ابن أبي أوفى في أمر النبي صلى الله عليه وسلم، إياهم بإكفاء القدور يوم خيبر، فقال: إنما نهى عنها لأنها كانت تأكل العذرة. وأخرج في القول الثالث: من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال ابن عباس: ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية إلا من أجل أنها ظهر وأخرج في القول الرابع: من حديث عدي بن ثابت عن ا لبراء أنهم أصابوا من الفيء حمرا فذبحوها ففيه أنها كانت نهبة ولم تكن قسمت. ثم أجاب عن الأقوال الثلاثة بحديث أبي ثعلبة أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! حدثني ما يحل لي مما يحرم علي؟ فقال: لا تأكل الحمار الأهلي رواه من حديث مسلم بن مشكم كاتب أبي الدرداء عنه، ثم قال: فكان كلام النبي صلى الله عليه وسلم، جوابا لسؤال أبي ثعلبة إياه عما يحل له مما يحرم عليه، فدل ذلك على نهيه صلى الله عليه وسلم، عن أكل لحوم الحمر الأهلية لا لعلة بل كان التحريم في نفسه مطلقا. وقال بعضهم: قال الطحاوي: لولا تواتر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر يقتضي حلها لأن كلما حرم من الأهلي الحيوان أجمع على تحريمه إذا كان وحشيا كالخنزير، وقد أجمع على حل الحمار الوحشي فكان النظر يقتضي حل الحمار الأهلي ثم قال هذا القائل. قلت: وما ادعاه من الإجماع مردود، فإن كثيرا من الحيوان الأهلى مختلف في نظيره من الحيوان الوحشي كالهر. قلت: دعواه الرد عليه مردودة لأنه فهم عكس ما أراده الطحاوي، لأن مراده كلما حرم من الحيوان الأهلي، أجمع على تحريمه إذا كان وحشيا. ومثل لذلك بالخنزير فإنه مجمع على
131 حرمته من غير فرق بين كونه أهليا يعني: مستأنسا أو وحشيا غير مستأنس، وليس مراده أن كلما أجمع على تحريمه من الوحشي يقتضي حله من الأهلي كالضيون فإنه مختلف فيه فلا يقتضي حل السنور الأهلي، وقد روى الترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أكل الهر، وثمنه. وقال: هذا حديث غريب. 29 ((باب: * (أكل كل ذي ناب من السباع) *)) أي: هذا باب في بيان حكم كل أكل ذي ناب من سباع البهائم والمراد بالناب ما يعدو به على الحيوان ويتقوى به، ولم يبين حكمه اكتفاء بما بينه في الحديث. 5530 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع. مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو إدريس هو عائذ الله الخولاني. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن عبد الله بن محمد. وأخرجه مسلم في الصيد عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه أبو داود في الصيد عن القضى عن مالك به وأخرجه الترمذي في الصيد عن أحمد بن الحسن الترمذي وغيره. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن الصباح. واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فذهب الكوفيون والشافعي إلى أن النهي فيه للتحريم، ولا يؤكل ذو الناب من السباع ولا ذو المخلب من الطير، واستثنى الشافعي منه الضبع والثعلب خاصة لأن نابهما ضعيف. قلت: هذا التعليل في مقابلة النص فهو فاسد. وقال ابن القصار: حمل النهي في هذا الحديث على الكراهة عند مالك، والدليل على ذلك أن السباع ليست بمحرمة كالخنزير لاختلاف الصحابة فيها، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه أجاز أكل الضبع. وأخرجه الحاكم من حديث جابر. وقال: صحيح الإسناد، وهو ذو ناب فدل بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم، أراد بتحريم كل ذي ناب من السباع الكراهة والحاصل في هذا الباب أن عطاء بن أبي رباح ومالكا والشافعي وأحمد وإسحاق أباحوا أكل الضبع وهو مذهب الظاهرية، وقال الحسن البصري وسعيد بن المسيب والأوزاعي والثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: لا يؤكل الضبع وحجتهم فيه الحديث المذكور، فإنه بعمومه يتناول كل ذي ناب والضبع ذو ناب. وحديث جابر ليس بمشهور، وهو محلل والمحرم يقضي على المبيح احتياطا وقيل: حديث جابر منسوخ، ووجهه أن طلب المخلص عن التعارض في الأحاديث بوجوه منها طلب المخلص بدلالة التاريخ والتعارض ظاهر بين الحديثين، ودلالة التاريخ فيه أن النص المحرم ثابت من حيث الظاهر فيكون متأخرا عن المبيح، فالأخذ به يكون أولى، ولا يجعل المبيح متأخرا لأنه يلزم منه إثبات النسخ مرتين فلا يجوز. وقيل: حديث جابر انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار وليس بمشهور بنقل العلم ولا هو حجة إذا انفرد فكيف إذا خالفه من هو أثبت منه. * (تابعه يونس ومعمر وابن عيينة والماجشن عن الزهري) * أي: تابع مالكا يونس بن يزيد ومعمر بن راشد وسفيان بن عيينة ويوسف بن يعقوب الماجشون في روايتهم عن محمد بن مسلم الزهري، وقد ذكرنا متابعة هؤلاء في الباب الذي قبله غير ابن عيينة فمتابعة ابن عيينة أخرجها البخاري في أخر الطب في باب البان الاتن فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني. قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن أكل كل ذي ناب من السباع، ويروى من السبع والله أعلم. 30 ((باب: * (جلود الميتة) *)) أي: هذا باب في بيان حكم جلود الميتة قبل أن تدبغ. 5531 حدثنا زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح قال: حدثني
132 ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مر بشاة ميتة، فقال: هلا استمتعتم بإهابها؟ قالوا: إنها ميتة. قال: إنما حرم أكلها. مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه. وهو أيضا يبين حكم الترجمة. وزهير مصغر زهر. بالزاي والراء ابن حرب ضد الصلح ويعقوب ابن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن مضي عبد الرحمن بن عوف، وصالح هو ابن كيسان، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وعبيد الله بضم العين بن عبد الله بفتح العين ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة. والحديث مضى في الزكاة في: باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير، ومضى في البيوع أيضا. قوله: (ميتة) التخفيف والتثقيل فيه سواء على قول أكثر أهل اللغة، وقيل بالتخفيف لما مات، وبالتشديد لما لم يمت بعد، وعند حذاق أهل البصرة والكوفيين هما واحد. قوله: (بإهابها) الإهاب بكسر الهمزة وتخفيف الهاء اسم لجلد لم يدبغ. وقيل: هو اسم لجلد دبغ، ويجمع على أهب، بفتحتين ويجوز بضمتين أيضا على الأصل، والأول على غير القياس. قوله: (حرم) بالتشديد على صيغة المجهول، ويروى بالتخفيف بفتح الحاء وضم الراء. وبهذا الحديث احتج جمهور الفقهاء وأئمة الفتوى على جواز الانتفاع بجلد الميتة بعد الدباغ، وذكر ابن القصار أنه آخر قول مالك، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وروي عن ابن شهاب أنه أباح الانتفاع بها قبل الدباغ مع كونها نجسة وأما أحمد فذهب إلى تحريم الجلد وتحريم الانتفاع به قبل الدباغ وبعده واحتج بحديث عبد الله بن عكيم قال: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل موته: أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي، وفي رواية للشافعي وأحمد وأبي داود قبل موته بشهر، وقال الترمذي: كان أحمد يذهب إليه، ويقول هذا آخر الأمر ثم تركه لما اضطر بوافي إسناده، وكذا قال الجلال نحوه، ورد ابن حبان على من ادعى فيه الاضطراب. وقال: سمع ابن عكيم الكتاب يقرأ وسمعه من مشايخ جهينة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا اضطراب، وأعله بعضهم بالانقطاع وهو مردود، وبعضهم بكونه كتابا وليس بعلة قادحة وبعضهم بأن ابن أبي ليلى راوية عن ابن عكيم لم يسمعه منه. لما وقع عند أبي داود عنه أنه انطلق وأناس معه إلى عبد الله بن عكيم قال: فدخلوا وقعدت على الباب، فخرجوا إلي فأخبروني، فهذا يقتضي أن في السند من لم يسم ولكن صح بتصريح عبد الرحمن بن أبي ليلى بسماعه من ابن عكيم فلا أثر لهذه العلة أيضا. والجواب الصحيح عنه أن حديث ابن عباس المذكور من الصحاح، وإنه سماع، وحديث ابن عكيم كتابة فلا يقاوم ذلك لما في الكتابة من شبهة الانقطاع. قلت: وذكر فيه أيضا من العلل الاختلاف في صحبة ابن عكيم، فقال البيهقي وغيره: لا صحبة له فهو مرسل. فإن قلت: روى الطبري في (تهذيب الآثار) من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تنتفعوا من الميتتة بشيء وروى أيضا من حديث ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتفع من الميتة بإهاب وروى أبو داود والترمذي وصححه أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن جلود السباع أن تفترش. قلت: في رواة حديث جابر زمعة وهو ممن لا يعتمد على نقله وفي عامة إسناد حديث ابن عمر مجاهيل لا يعرفون. وأما النهي عن جلود السباع فقد قيل: إنها كانت تستعمل قبل الدباغ. 5532 حدثنا خطاب بن عثمان حدثنا محمد بن جبير عن ثابت بن عجلان قال: سمعت سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس، رضي الله عنهما يقول: مر النبي صلى الله عليه وسلم، بعنز ميتة. فقال: ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها. مطابقته للترجمة ظاهرة وخطاب، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وبالباء الموحدة الفوزي، بفتح الفاء وسكون الواو وبالزاي: نسبة إلى فوز قرية من قرى حمص، ومحمد بن حمير، بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الياء آخر الحروف وبالراء، وقال الغساني: وفي بعض النسخ حمير بضم الحاء وفتح الميم وهو تصحيف وقال بعضهم: وأخطأ من قال بالتصغير، أخذه
133 من الغساني وأظهره في صورة يظن الواقف عليه أنه من كلامه، وثابت بالثاء المثلثة ضد الزائد ابن عجلان أبو عبد الله الأنصاري التابعي. وهؤلاء الثلاثة كلهم شاميون حمصيون ما لهم في البخاري سوى هذا الحديث، إلا محمد بن حمير فله حديث آخر سبق في الهجرة إلى المدينة فإن قلت: هؤلاء متكلم فيهم، فكيف وضعه البخاري في (صحيحه) أما خطاب فقد قال الدارقطني: ربما أخطأ وأما محمد بن حمير فقال فيه أبو حاتم لا يحتج به وأما ثابت فقال أحمد أنا أتوقف فيه. وقال العقيلي: لا يتابع في حديثه؟ قلت: قال بعضهم: إن هؤلاء من المتابعات لا من الأصول والأصل فيه الذي قبله انتهى. وهذا غير كاف للرد ولكن نقول: أما خطاب فإنه كان يعد من الأبدال، وذكره ابن حبان في (الثقات) ووثقه أيضا الدارقطني مع قوله: ربما أخطأ. وأما محمد بن حمير، فعن يحيى ودحيم ثقة وعن النسائي: ليس به بأس وروى له. وأما ثابت فقد قال فيه أبو حاتم: صالح الحديث، ولما ذكره العقيلي في (الضعفاء) أنكر عليه ابن القطان. والحديث أخرجه النسائي أيضا في الذبائح عن سلمة بن أحمد بن عثمان الفوزي عن جده لأمه خطاب بن عثمان به. قوله: (بعنز)، بفتح العين وسكون النون وبالزاي، أي قال بعضهم: هي واحدة المعز، وكذا قال صاحب (التوضيح) هي واحدة المعز. قلت: هذا ليس بصحيح، والصحيح ما قاله الجوهري: العنز الماعزة وهي الأنثى من المعز، وكذلك العنز من الظباء والأوغال. قوله: (فقال ما على أهلها) أي: ليس على أهلها حرج. 31 ((باب: * (المسك) *)) أي: هذا باب يذكر فيه المسك، وهو بكسر الميم، وهو معروف عند كل أحد، وهو فارسي معرب، وأصله بالشين المعجمة والعرب إذا استعملوا لفظا أعجميا غيروه بزيادة أو نقصان أو بقلب حرف بحرف غيره. وقال الكرماني: وجه إيراد هذا الباب في كتاب الصيد لكون المسك فضلة الظبي، والظبي مما يصاد. وقال الجاحظ: المسك هو من دويبة تكون في الصين تصاد لتوافجها وسررها، فإذا صيدت شدت بعصائب وهي مدلية يجتمع فيها دم فإذا ذبحت فورت السرة التي عصبت ودفنت في الشعر حتى يستحيل ذلك الدم المتخمر الجامد مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام من النتن ونقل ابن الصلاح أن النافجة في جوف الظبية كالأنفحة في جوف الجدي، وقيل: غزال المسك كالظبأ إلا أن له نابين معتنقين خارجين من فمه كالفيل والخنزير، ويؤخذ المسك من سرته وله وقت معلوم من السنة يجتمع في سرته. فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن يسقط منه، ويقال: إن أهل تلك البلاد يجعلون لها أوتادا في البرية تحتك بها فتسقط وقال النووي: أجمعوا على أن المسك طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب ويجوز بيعه، وحكى ابن التين عن ابن شعبان من المالكية أن فأرة المسك إنما تؤخذ في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من الكفرة وهي مع ذلك محكوم بطهارتها لا يستحيل عن كونها دما حتى تصير مسكان كما يستحيل في حال الدم إلى اللحم فيطهر ويحل أكله، وليست بحيوان حتى يقال: تنجست بالموت، وإنما هو شيء يحدث بالحيوان كالبيض. وقد أجمع المسلمون على طهارة المسك إلا ما حكى عن عمر، رضي الله تعالى عنه، من كراهته، وهكذا حكى ابن المنذر عن جماعة ثم قال: ولا يصح المنع فيه إلا عن عطاء بناء على أنه جزء منفصل، وقال أصحابنا: المسك حلال للرجال وللنساء وفي (التوضيح) قال ابن المنذر: وممن أجاز الانتفاع بالمسك علي بن أبي طالب وابن عمر وأنس وسلمان الفارسي، ومن التابعين: سعيد بن المسيب وابن سيرين وجابر بن زيد، ومن الفقهاء مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وخالف ذلك آخرون، وذكر ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه أنه كره المسك، وقال: لا تحنطوني به وكرهه عمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن ومجاهد والضحاك وقال أكثرهم لا يصلح للحي ولا للميت، وهو عندهم بمنزلة ما قطع من الميتة وقال ابن المنذر: لا يصح ذلك إلا عن عطاء، وهذا قياس غير صحيح، وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: أطيب طيبكم المسك، وهذا نص قاطع للخلاف. وقال ابن المنذر: وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإسناد جيد أنه كان له مسك يتطيب به. 5533 حدثنا مسدد عن عبد الواحد حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما من مكلوم يكلم في الله إلا جاء يوم
134 القيامة وكلمه يدمى. اللون لون دم، والريح ريح مسك. مطابقته للترجمة في قوله: (ريح مسك) وعبد الواحد هو ابن زياد البصري، وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع بفتح القافين وسكون العين المهملة الأولى، وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة واسمه هرم بن عمرو بن جرير بفتح الجيم وكسر الراء الأولى البجلي. والحديث مضى في الجهاد في: باب من يخرج في سبيل الله، ولكن بغير هذا الإسناد قيل: وجه استدلال البخاري بهذا الحديث على طهارة المسك، وكذا بالذي بعده وقوع تشبيه دم الشهيد به لأنه في سياق التكريم والتعظيم، فلو كان نجسا لكان من الخبائث، ولم يحسن التمثيل به في هذا المقام. قوله: (يكلم)، على صيغة المجهول أي: يجرح، من الكلم بالفتح وهو الجرح. قوله: (في الله) أي: في سبيل الله، وهكذا في بعض الروايات. قوله: (وكلمه) بفتح الكاف وسكون اللام أي: جرحه. قوله: (يدمي) بفتح الياء وسكون الدال وفتح الميم من دمى يدمى من باب علم يعلم أي: يسيل منه الدم. قوله: (اللون لون دم) تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه، وكذلك (الريح ريح مسك). 5534 حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد بضم الباء وفتح الراء مصغر برد ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، واسم أبي بردة عامر، وقيل: الحارث، واسم أبي موسى عبد الله بن قيس، وبريد بن عبد الله يكنى أبا بردة يروي عن جده أبي بردة عن أبي موسى. والحديث مضى في البيوع في: باب العطار وبيع المسك فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد عن أبي بردة، ومضى الكلام فيه. قوله: (مثل الجليس الصالح)، ويروى: مثل جليس الصالح، بإضافة الموصوف إلى صفته. قوله: (الكير)، بكسر الكاف وهو زق غليظ ينفخ فيه. قوله: (يحذيك)، بضم الياء وسكون الحاء وكسر الذال المعجمة بمعنى: يعطيك وزنا ومعنى من الإحذاء وهو الإعطاء يقال: أحذيت الرجل إذا أعطيته الشيء واتحفته به. وفيه: مدح المسك المستلزم لطهارته ومدح الصحابة حيث كان جليسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قيل: ليس للصحابي فضيلة أفضل من فضيلة الصحبة، ولهذا سموا بالصحابة مع أنهم علماء كرماء شجعاء إلى تمام فضائلهم. 32 ((باب: * (الأرنب) *)) أي: هذا باب في بيان حكم أكل الأرنب، ولم يبينه في الترجمة اكتفاء بما في الحديث، ونذكر حكمه عن قريب. الأرنب دويبة معروفة تشبه العناق ولكن في رجليها طول بخلاف يديها وهو اسم جنس للذكر والأنثى، ويقال للذكر أيضا الخزز، على وزن عمر بمعجمات، والأنثى عكرشية ويقال للصغير: خرنق، بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح النون بعدها قاف، وقال الجاحظ: لا يقال الأرنب إلا للأنثى، ويقال الأرنب شديدة الجبن كثيرة الشبق وإنها تكون سنة ذكر أو سنة أنثى، وأنها تحيض، وإنها تنام مفتوحة العين انتهى. 5535 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس، رضي الله عنه، قال: أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران فسعى القوم فلغنوا فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة فذبحها فبعث بوركيها أو قال: بفخذيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبلها. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك، وهشام بن زيد بن أنس يروي عن جده أنس. والحديث مضى في الهبة
135 في باب قبول الصيد فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة إلى آخره. قوله: (أنفجنا) من الإنفاج بالنون والفاء والجيم وهو التهييج والإثارة في رواية مسلم استنفجنا وهو من باب الاستفعال ومنه يقال: نفج الأرنب إذا ثار وعدا وانتفج كذلك وأنفجته أنا أثرته من موضعه، ووقع في (شرح مسلم للمازري) بعجنا، بالباء الموحدة والعين المهملة والجيم، وفسره بالشق من بعج بطنه إذا شقه، ورده عياض ونسبه إلى التصحيف لفساد المعنى لأن الذي يشق بطنه كيف يسعى خلفه؟ قوله: (بمر الظهران)، قد فسرناه عن قريب بأنه اسم موضع على مرحلة من مكة. قوله: (فلغبوا)، بفتح الغين المعجمة وكسرها. أي: تعبوا ووقع في رواية الكشميهني بلفظ: تعبوا قوله: (فأخذتها)، وزاد في كتاب الهبة فأدركتها فأخذتها وفي رواية مسلم: فسعيت حتى أدركتها وفي رواية أبي داود وكنت غلاما حزورا أي: مراهقا. قوله: (إلى أبي طلحة)، هو زوج أم أنس، واسمه زيد بن سهل الأنصاري. قوله: (فذبحها)، وفي رواية الطيالسي: فذبحها بمروة. قوله: (أو بفخذيها)، شك من الراوي. قوله: (فقبلها)، أي: الهدية وتقدم في الهبة قلت: وأكل منه؟ قال: وأكل منه. واختلفوا فيه فعامة العلماء على جواز أكل الأرنب وكرهه عمرو بن العاص وابنه وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعكرمة، وحكى الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها وغلطه النووي في النقل عن أبي حنيفة. قلت: هذا جدير بالتغليظ فإن أصحابنا قالوا: لا خلاف فيه لأحد من العلماء قال الكرخي: ولم يروا جميعا بأسا بأكل الأرنب، وأنه ليس من السباع ولا من أكلة الجيف. ورويت فيه أحاديث وأخبار كثيرة. منها: ما رواه الترمذي من رواية الشعبي عن جابر بن عبد الله أن رجلا من قومه صاد أرنبا أو ثنتين فذبحهما بمروة فقطعهما حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فأمره بأكلهما وانفرد الترمذي به. ومنها: ما رواه ابن ماجة من حديث الشعبي عن محمد بن صيفي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، بأرنبين فذبحتهما بمروة فأمرني بأكلهما. ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد جيد من حديث عمار قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدى إليه رجل من الأعراب أرنبا فأكلناه. فقال الأعرابي: إني رأيت بها دما فقال صلى الله عليه وسلم: (لا بأس). ومنها: ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس عن عائشة. قالت: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرنب وأنا نائمة فخبأ لي منها العجز فلما قمت أطعمني، وفي سنده زيد بن عياض وهو ضعيف. ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إبراهيم أن رجلا سأل عبد الله بن عمير عن الأرنب؟ فقال: لا بأس بها قال: إنها تحيض؟ قال: إن الذي يعلم حيضها يعلم طهرها، وإنما هي حاملة من الحوامل وعن ابن المسيب عن سعد أنه كان يأكلها. قيل لسعد: ما تقول؟ قال: كنت آكلها وعن عبيد بن سعد أن بلالا رأى أرنبا فذبحها فأكلها وعن الحسن أنه كان لا يرى يأكلها بأسا وقال طاووس: الأرنب حلال. وقال حسن بن علي، رضي الله تعالى عنهم: أنا أعافها ولا أحرمها على المسلمين وقال ابن حزم: وصح من حديث أبي هريرة أنه عليه السلام أتى بأرنب مشوية فلم يأكل منها. وأمر القوم بأكلها. وأما ما رواه عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بأرنب فقيل له: إنها تحيض فكرهها فمرسل، وما رواه عبد الرزاق عن إبراهيم بن عمر عن عبد الكريم بن أمية قال: سأل جرير بن أنس النبي صلى الله عليه وسلم، عن الأرنب فقال: لا آكلها أنبئت أنها تحيض. فقال ابن حزم: أبو أمية هالك، وذكر حمزة الأصبهاني أن الجن تهرب من لعب الأرنب، وذلك أن الأرنب ليست من مطايا الجن لأنها تحيض. 33 ((باب: * (الضب) *)) أي: هذا باب في بيان أحكام الضب، وهي دويبة تشبه الحرذون، وأكبر منه، وتكنى أبا حسل، بكسر الحاء وسكون السين المهملتين وباللام، ويقال للأنثى: ضبة ويقال للذكر ذكران لأجل أن لذكره فرجين وذكر ابن خالويه أن الضب يعيش بسبعمائة سنة وأنه لا يشرب الماء ويكتفي بالنسيم وبرد الهواء، ولا يخرج من جحره في الشتاء، ويبول في كل أربعين يوما قطرة، ولا يسقط له سن، ويقال: إن أسنانه قطعة واحدة ويجمع على ضباب وأضب مثل كف وأكف، وفي (المحكم) والجمع ضبان وفي المثل أعق من ضب لأنه ربما أكل أصوله، ويقال ضبب البلد وأضب إذا كثر ضبابه، وأرض ضبيبة كثيرة الضباب وأرض مضببة ذات ضباب، والجمع مضاب، والمضبب الحارس الذي يصب الماء في جحره حتى يخرج ليأخذه. 5536 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الضب لست آكله ولا أحرمه.
136 مطابقته للترجمة ظاهرة وبين الحديث الإبهام الذي في الترجمة. لأن قوله: ولا أحرمه يدل على الإباحة. وعبد العزيز بن مسلم بكسر اللام الخفيفة المروزي. والحديث من أفراده، وهذا الحديث صريح في الإباحة وعلل بالعيافة، وهذا الضب جاء أنه أهدته خالة ابن عباس أم حفيدة، وفي لفظ: حفيدة بنت الحارث أخت ميمونة، وكانت بنجد تحت رجل من بني جعفر. وفي لفظ: كلوا فإنه حلال، وفي لفظ: لا بأس به، وفي لفظ: لا آكله ولا أنهى عنه، وروى أبو داود عن ابن عباس. قال: كنت في بيت ميمونة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه خالد. فجاؤوا بضبين مشويين فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له خالد: إخالك تقذره يا رسول الله؟ قال: أجل وروى مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعا: إن الله غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض، فلا أدري لعل هذا منها، فلست آكلها ولا أنهى عنها. قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك، قال عمر رضي الله تعالى عنه، إن الله عز وجل لينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة الرعاة، ولو كان عندي لطعمته، وإنما عافه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الباب أحاديث كثيرة بألفاظ مختلفة عن رجال شتى من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، لم يصحح أحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، تحريمها، وأكثر من روى أنه أمسك عن أكلها عيافة، وقد وضع الطحاوي بابا للضباب فروى أولا حديث عبد الرحمن بن حسنة، قال: نزلنا أرضا كثيرة الضباب فأصابتنا مجاعة فطبخنا منها، وإن القدور لتغلي بها إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ فقلنا: ضباب أصبناها فقال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وإني أخشى أن تكون هذه وإسناده لا بأس به، وقال ابن حزم: حديث صحيح إلا أنه منسوخ بلا شك. ثم قال الطحاوي: ذهب قوم إلى تحريم لحوم الضباب، واحتجوا بهذا الحديث. قلت: أراد بالقوم هؤلاء الأعمش وزيد بن وهب وآخرين. ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بها بأسا. قلت: أراد بالآخرين هؤلاء عبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومالكا والشافعي وأحمد وإسحاق، وبه قالت الظاهرية، ثم قال: وقد كره قوم أكل الضب منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد. ثم قال: الأصح عند أصحابنا أن الكراهة كراهة تنزيه لا كراهة تحريم لتظاهر الأحاديث الصحاح بأنه ليس بحرام. 5537 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيت ميمونة، فأتي بضب محنود فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيده فقال بعض النسوة: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما يريد أن يأكل. فقالوا: هو ضب يا رسول الله! فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله! فقال: لا ولاكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ينظر. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن مسلمة بفتح الميمين القعني، وأبو أمامة بضم الهمزة أسعد بن سهل الأنصاري وله رواية ولأبيه سهل بن حنيف صحبة. وفيه: رواية صحابي عن صحابي، واختلف فيه على الزهري، هل هو من مسند ابن عباس أو من مسند خالد بن الوليد، وكذا اختلف فيه على مالك فقال الأكثرون: عن ابن عباس عن خالد، وقال يحيى ابن بكير في (الموطأ) وطائفة عن مالك بسنده عن ابن عباس وخالد أنهما دخلا وقال يحيى بن يحيى عن مالك بلفظ عن ابن عباس قال: دخلت أنا وخالد على النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم عنه. والحديث مضى في الأطعمة في: باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فإنه أخرجه هناك عن محمد بن مقاتل، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (بيت ميمونة)، هي خالة خالد بن الوليد. قوله: (محنوذ)، بالذال المعجمة أي: مشوي. قوله: (فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده)، أي: أمال يده إليه ليأخذه، وقيل: قصد بيده إليه. قوله: (فأجدني)، أي: فأجد نفسي أعافه أي: أكرهه. قوله: (ينظر)، زاد يونس في روايته إلي. 24 ((باب: * (إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب) *))
137 أي: هذا باب في بيان ما إذا وقعت الفأرة في السمن، وليس السمن بقيد، وكذا الدهن والعسل ونحوها وأراد بقوله: (الجامد أو الذائب) هل يفترقان في الحكم أم لا. وقد تقدم في كتاب الطهارة على ما ذكرناه ما يدل على أن المختار أنه لا ينجس إلا بالتغير. 5538 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بأنه سمع ابن عباس يحدثه عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل النبي صلى الله عليه وسلم، عنها فقال: ألقوها وما حولها وكلوه. قيل لسفيان، فإن معمر أيحدثه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، رضي الله عنه؟ قال: ما سمعت الزهري يقول إلا عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته منه مرارا. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث يبين ما أبهم في الترجمة. والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى أحد أجداده حميد وسفيان هو ابن عيينة وميمونة بنت الحارث أم المؤمنين. والحديث قد مضى في كتاب الطهارة في: باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله إلى آخره، ومضى الكلام فيه. قوله: (ألقوها) يدل على أن السمن كان جامدا، لأنه لا يمكن طرح ما حولها من المائع الذائب لأنه عند الحركة يمتزج بعضه ببعض، وقام الإجماع على أن هذا حكم السمن الجامد، وأما المائع من السمن وسائر المائعات فلا خلاف في أنه إذا وقع فيه فأرة أو نحو ذلك لا يؤكل منها شيء. واختلفوا في بيعه والانتفاع به فقال الحسن بن صالح وأحمد لا يباع ولا ينتفع بشيء منه كما لا يؤكل وقال الثوري ومالك والشافعي يجوز الإستصباح والانتفاع به في الصابون وغيره، ولا يجوز بيعه ولا أكله. وقال أبو حنيفة وأصحابه والليث ينتفع به في كل شيء ما عدا الأكل ويجوز بيعه بشرط البيان، وروى عن أبي موسى أنه قال: بيعوه وبينوا لمن تبيعونه منه، ولا تبيعوه من مسلم، وروي عن ابن وهب عن القاسم وسالم أنهما أجازا بيعه وأكل ثمنه بعد البيان. قوله: (فقيل لسفيان) قيل: القائل هو شيخ البخاري علي بن المديني كذا ذكره في علله قوله فإن معمرا يحدثه إلى آخره طريق معمر هذا وصله أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني وأحمد بن صالح كلاهما عن عبد الرزاق عن معمر بإسناده المذكور إلى أبي هريرة، ونقل الترمذي عن البخاري أن هذا الطريق خطأ. والمحفوظ رواية الزهري من طريق ميمونة، وجزم الذهلي بأن الطريقين صحيحان قوله قال: (ما سمعت الزهري) أي: قال سفيان قوله: (ولقد سمعته منه مرارا) يعني: من طريق ميمونة فقط. 5539 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري عن الدابة تموت في الزيت والسمن وهو جامد أو غير جامد، الفأرة أو غيرها، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قرب منها فطرح ثم أكل عن حديث عبيد الله بن عبد الله. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وعبد الله بن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد الأيلي. قوله: (عن الدابة) أي: عن حكم الدابة تموت في الزيت هل ينجس الكل أم لا؟ قوله: (وهو جامدا) الواو فيه للحال ظاهر هذا يدل على أن الزهري في هذا الحكم ما كان يفرق بين الجامد وغيره، وكذا لم يفرق بين السمن وغيره لأنه في السؤال هكذا ثم استدل بالحديث في السمن والحق غير السمن به قياسا عليه. قوله: (الفأرة) بالجر لأنه إما بدل من الدابة. وإما عطف بيان لها ويروى بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: الدابة هي فأرة وأشار بقوله: (أو غيرها) إلى أن ذكر الفأرة ليس بقيد قوله: (بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا بلاغ صورته صورة إرسال أو وقف ولكنه ليس كذلك بل هو مرفوع لأنه صرح أولا وآخرا بالرفع، فالآخر هو قوله: (عن حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) وكلمة عن تتعلق بقوله: بلغنا أي: بلغنا عن حديث عبيد الله قوله: بما قرب منها أي: من الفأرة، وهو في المعنى مثل قوله: ألقوها
138 وما حولها، ولم يرد بطريق صحيح قدر ما يلقى، ولكن جاء في مرسل عطاء بن يسار أنه يكون قدر الكف، أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند جيد، وروى الدارقطني من رواية يحيى القطان عن مالك في هذا الحديث فأمر أن يقور ما حولها فيرمى به، وهذا يصرح بأنه كان جامدا كما ذكرنا عن قريب. 5540 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهم قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن فأرة سقطت في سمن، فقال: ألقوها وما حولها وكلوه. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني. وفيه: رواية صحابي عن صحابية. والحديث مر في الطهارة في: باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن معن عن مالك إلى آخره، ومضى الكلام فيه. قوله: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم) وأبهم السائل في أكثر الروايات، ووقع في رواية الأوزاعي عن أحمد تعيين من سأل ولفظه عن ميمونة أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن فأرة الحديث. 35 ((باب: * (الوسم والعلم في الصورة) *)) أي: هذا باب في بيان حكم الوسم بفتح الواو وسكون السين المهملة، وقيل: بالمعجمة، ومعناهما واحد، وهو أن يعلم الشيء بشيء يؤثر فيه تأثيرا بليغا يقال: وسمه إذا أثر فيه بعلامة وكية وأصل ذلك أن يجعل في البهيمة ليميزها عن غيرها. وقيل: الوسم بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر الجسد، فعلى هذا الصواب بالمهملة لقوله: (في الصورة) قوله: (والعلم) بفتحتين بمعنى العلامة وفي بعض النسخ: باب العلم والوسم، قال ابن الأثير: يقال: وسمه يسمه وسما وسمة إذا أثر فيه بالكي، ومنه الحديث أنه كان يسم إبل الصدقة أي: يعلم عليها بالكي انتهى. قلت: إذا كان الوسم بالكي يكون عطف العلم على الوسم من عطف العام على الخاص لأن العلامة أعم من أن تكون بالكي وغيره، وأما على النسخة التي قدم العلم على الوسم فيها يكون عطف الوسم على العلم عطفا تفسيريا. قوله: (في الصورة) صفة للعلم أي: العلم الكائن في الصورة ويروى: في الصور، على صيغة جمع الصورة وقال الكرماني: قيل: المراد بالصورة الوجه كما يعمل الكي في صور سودان الحبشة وكما يغرز بالإبرة في الشفة وغيرها ويحشى بنيلة ونحوها وأبهم الحكم في الترجمة اكتفاء بما في الحديث على عادته هكذا في غالب التراجم. 5541 حدثنا عبيد الله بن موسى عن حنظلة عن سالم عن ابن عمر أنه كره أن تعلم الصورة. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبيد الله بن موسى بن باذام الكوفي، قال البخاري: مات في سنة ثلاث عشرة ومائتين، وقال كاتب الواقدي مثله، وزاد في ذي القعدة، وحنظلة هو ابن أبي سفيان الجمحي، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم وهو من أفراده قوله الصورة أي: الوجه وفي رواية الكشميهني الصور: بصيغة الجمع في الموضعين، وفي (التوضيح) الوسم في الصورة مكروه عند العلماء كما قاله ابن بطال. وعندنا أنه حرام، وفي أفراد مسلم من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم، مر على حمار قد وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه، وإنما كرهوه لشرف الوجه وحصول الشين فيه وتغيير خلق الله، وأما الوسم في غير الوجه للعلامة والمنفعة بذلك فلا بأس إذا كان يسيرا غير شائن ألا ترى أنه يجوز في الضحايا وغيرها؟ والدليل على أنه لا يجوز الشائن من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم، حكم على أن من شان عبده أو مثل به باستئصال أنف أو أذن أو جارحة عتقه عليه، وأن يعتق إن جرحه أو يشق أذنه، وقد وسم الشارع إبل الأضحية، وقد تقدم وسم البهائم في: باب وسم الإمام إبل الصدقة في كتاب الزكاة. * (وقال ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب) * هذا أمر موصول بالسند المتقدم ذكر أولا الموقوف ثم أعقبه بالمرفوع مستدلا به على ما ذكر من الكراهة لأنه إذا ثبت النهي
139 عن الضرب كان منع الوسم أولى. قوله: (أن تضرب)، أي: الصورة، وجاء في رواية مسلم من حديث جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه وقد ذكرنا آنفا عن جابر أيضا ما رواه فيه. * (تابعه قتيبة حدثنا العنقزي عن حنظلة وقال تضرب الصورة) * أي: تابع عبد الله بن موسى شيخ البخاري المذكور قتيبة بن سعيد شيخ البخاري أيضا في رواية حنظلة عن سالم، وأوضح قتيبة في هذه المتابعة أن المراد من قوله: أن تعلم الصورة في رواية عبيد الله أن تضرب الصورة، ورواه قتيبة عن عمرو بن محمد الكوفي العنقزي بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح القاف بعدها زاي نسبة إلى بيع العنقز. قاله ابن حبان ووثقه أيضا والعنقز المرزنجوش. وقيل: الريحان وفي (ديوان الأدب) العنقز المردكوش. قلت: المرزنجوش معرب مردكوش وهو نبت مشهور قوله: (عن حنظلة) أي: بالسند المذكور، وهو عن حنظلة عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر، وهذه المتابعة لها حكم الوصل عند ابن الصلاح لأن قتيبة من شيوخ البخاري، كما ذكرنا. 5542 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، بأخ لي يحنكه وهو في مربد له فرأيته يسم شاة حسبته قال: في آذانها. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وهشام بن زيد بن أنس بن مالك يروي عن جده أنس. والحديث أخرجه مسلم في اللباس عن أبي موسى وغيره وأخرجه أبو داود في الجهاد عن حفص بن عمر وأخرجه ابن ماجة في اللباس عن سويد بن سعيد. قوله: (بأخ)، هو أخوه من أمه وهو عبد الله بن أبي طلحة. قوله: (يحنكه) من التحنيك وهو أن يدلك في حنكه ثمرة ممضوغة ونحوها. قوله: (في المربد) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة. وهو الموضع الذي تحبس فيه الإبل كالحظيرة للغنم فإطلاق المربد هنا على موضع الغنم إما مجاز وإما حقيقة بأن أدخل الغنم إلى مربد الإبل ليسمها. قوله: (يسم) من الوسم كما ذكرنا. أي: يكوي. قوله: (شاة) وفي رواية الكشميهني، شاء، بالهمز جمع شاة. قوله: (حسبته) القائل شعبة، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى هشام بن زيد، وقد وقع مبيتا في رواية مسلم. وفيه: جواز الوسم في غير الآدمي، وبيان ما كان النبي، صلى الله عليه وسلم عليه من التواضع وفعل الأشغال بيده، ونظره في مصالح المسلمين. وفيه: استحباب تحنيك المولود وحمله إلى أهل الصلاح ليكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين، وقال النووي: الضرب في الوجه منهي عنه في كل حيوان محترم لكنه في الآدمي أشد لأنه مجمع المحاسن، وربما شانه أو آذى بعض حواسه، وأما الوسم ففي الآدمي حرام وفي غيره مكروه والوسم هو أثر الكي قال الكرماني: والوسم في نحو نعم الصدقة في غير الوجه مستحب وقال أبو حنيفة: مكروه لأنه تعذيب ومثلة، وقد نهى عنهما. وأجيب: عنه بأن ذلك النهي عام وحديث الوسم خاص فوجب تقديمه قلت: إذا علم تقارنهما يقضي للخاص على العام، وإلا فلا. 36 ((باب: * (إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما أو إبلا بغير أمر أصحابهم لم تؤكل لحديث رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم) *)) أي: هذا باب في بيان ما إذا أصاب جماعة غنيمة، بفتح الغين على وزن عظيمة فذبح واحد منهم غنما أو إبلا من تلك الغنيمة بغير أمر البقية من أصحابه لم تؤكل تلك الذبيحة ولعل البخاري صار في هذا إلى أن من ذبح غير من له ولاية الذبح شرعا بالملكية أو الوكالة أو نحوها غير معتبر قوله: (لحديث رافع) الذي يذكره الآن، وجه الاستدلال به من حيث إن سرعان الناس في قصة حديثه أصابوا من الغنائم والنبي صلى الله عليه وسلم، في آخر الناس فذبحوا وعلقوا القدور فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى ذلك أمر بإكفاء القدور لأنه لم يكن لهم أن يفعلوا ذلك قبل القسمة. * (وقال طاووس وعكرمة في ذبيحة السارق: اطرحوه) *
140 يعني: حرام لا تأكلوه وهذا أيضا مصير منهما أن من ليس له ولاية الذبح إذا ذبح لا يؤكل، ووصل هذا التعليق عبد الرزاق من حديثهما بلفظ: أنهما سئلا عن ذلك فكرهاها ونهيا عنها وقال ابن بطال: لا أعلم من تابع طاووسا وعكرمة على كراهية أكلها غير إسحاق بن راهويه وجماعة الفقهاء على إجازتها. 5543 حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن أبيه عن جده رافع بن خديج قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إننا نلقى العدو غدا وليس معنا مدى فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكلوا ما لم يكن سن ولا ظفر. وسأحدثكم عن ذالك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة، وتقدم سرعان الناس فأصابوا من الغنائم والنبي صلى الله عليه وسلم، في آخر الناس فنصبوا قدورا فأمر بها فأكفئت وقسم بينهم وعدل بعيرا بعشر شياه، ثم ند بعير من أوائل القوم ولم يكن معهم خيل فرماه رجل بسهم فحبسه الله فقال: إن لهاذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها هاذا فافعلوا مثل هاذا. مطابقته للترجمة من حيث إنه ذكر أولا قوله لحديث رافع، وأورد بعده الحديث بتمامه مسندا. وأبو الأحوص اسمه سلام الحنفي الكوفي، وسعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وعباية بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف ابن رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء وقال الغساني: سائر رواة هذا الحديث يروونه عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن جده، ولم يقل أحد عن أبيه عن جده غير أبي الأحوص. وقيل: أخطأ أبو الأحوص فيه حيث قال: عن أبيه. وهذا الحديث مضى عن قريب في: باب التسمية على الذبيحة ومضى الكلام فيه. قوله: (وتقدم سرعان الناس) قال الجوهري: سرعان الناس بالتحريك أوائلهم وقال الكسائي سرعان الناس أخفاؤهم المستعجلون منهم وضبطه بعضهم بسكون الراء وضبطه الأصيلي وغيره سرعان، وقال ابن التين: وضبط بضم السين، فعلى هذا يكون جمع سريع كقفيز وقفزان. وقال الخطابي: وأما قولهم: سرعان ما فعلت فبالفتح والضم والكسر وإسكان الراء وفتح النون أبدا. 37 ((باب: * (إذا ند بعير لقوم فرماه بعضهم بسهم فقتله فأراد صلاحهم فهو جائز لخبر رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم) *)) أي: هذا باب في بيان ما إذا ند أي: نفر هاربا بعير كائن لقوم فرماه بعضهم أي: بعض القوم بسهم فقتله فأراد أي: الرامي صلاحهم أي: صلاح القوم يعني: إذا علم مرادهم فأراد حبسه على أربابه ولم يرد إفساده عليهم فلذلك لم يضمن البعير وحل أكله، وإذا قتل بعيرا لقوم بغير إذنهم فعليه ضمانه إلا أن يقيم بينة بأنه صال عليه، وفي رواية الكشميهني: فأراد إصلاحه أي: إصلاح البعير، وفي رواية كريمة صلاحه، بغير ألف قوله: فهو جائز، جزاء إذا ند إلى آخره أراد أنه يجوز أكله ولا يلزمه شيء كما ذكرنا قوله: لخبر رافع أي: لحديث رافع بن خديج الذي تقدم لأن فيه بيان جواز هذا كما مر. 5544 حدثنا محمد بن سلام أخبرنا عمر بن عبيد الطنافسي عن سعيد بن مسروق عن عباية ابن رفاعة عن جده رافع بن خديج، رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، في سفر، فند بعير من الإبل، قال: فرماه رجل بسهم فحبسه. قال: ثم قال: إن لها أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هاكذا قال: قلت يا رسول الله! إنا نكون في المغازي والأسفار، فنريد أن نذبح فلا تكون
141 مدى قال: أرن ما نهر، أو أنهر الدم واذكر اسم الله فكل غير السن والظفر، فإن السن عظم والظفر مدى الحبشة. مطابقته للترجمة في قوله: (فند بعير من الإبل) وابن سلام هو محمد بن سلام، وفي بعض النسخ صرح بمحمد بن سلام، وعمرو بفتح العين ابن عبيد بضم العين الطنافسي نسبة إلى بيع الطنافس أو اتخاذها، وهو جمع طنفسة وهي بساط له خمل، وسعيد بن مسروق والد سفيان الثوري. والحديث قد تقدم عن قريب في: باب ما ند من البهائم، ومضى الكلام فيه. قوله: (أرن) ويروى أرن. قوله: (أو أنهر الدم) شك من الراوي. قوله: (واذكر اسم الله) بصورة الأمر، ويروى: وذكر اسم الله، بصيغة المجهول من الماضي. 38 ((باب: * (أكل المضطر) *)) أي: هذا باب في بيان حكم أكل المضطر الميتة وفي بعض النسخ: باب إذا أكل المضطر. أي: من الميتة. لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم الله عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) * (البقرة: 172، 173) وقال: * (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم) * (المائدة: 30). وقوله: * (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين) * (الأنعام: 145). وقوله جل وعز: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) * (الأنعام: 145) وقال ابن عباس مهراقا. وقال: * (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) * (النحل: 114) * (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) * (البقرة: 173). وضع هذه الترجمة في المضطر إلى أكل الميتة ولم يذكر فيها حديثا أصلا فقيل: لأنه لم يظفر فيه بشيء على مقتضى شرطه واكتفى بسوق الآيات المذكورة فإن فيها بيانا لأحوال المضطر. وقيل: لأنه بيض موضعا للحديث ليكتبه عند الظفرية فلم يدركه. فانضم بعض تلك الآيات إلى بعض عند نسخ الكتاب. قلت: روى الإمام أحمد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثنا حسان عن عطية عن أبي واقد الليثي أنهم قالوا: يا رسول الله! إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تجتفئوا بقلا فشأنكم بها. قال ابن كثير: تفرد بها أحمد من هذا الوجه، وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين، وروى ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم أخبرنا ابن علية عن ابن عون. قال: وجدت عند الحسن كتاب سمرة فقرأته عليه وكان فيه يجزئ من الاضطرار صبوح أو غبوق وروى أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله أنبأنا الفضل بن دكين أخبرنا وهب بن عقبة بن وهيب العامري سمعت أبي يحدث عن الفجيع العامري أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يحل لنا من الميتة؟ قال: ما طعامكم؟ قلنا: نغتبق ونصطبح. قال أبو نعيم فسره لي عقبة قدح غدوة وقدح عشية، قال: ذاك وأبي الجوع. وأحل لهم الميتة على هذا الحال. قال ابن كثير: تفرد به أبو داود، وكأنهم كانوا يغتبقون ويصطبحون شيئا لا يكفيهم، فأحل لهم الميتة لتمام كفايتهم، وقد يحتج به من يرى جواز الأكل منها حتى يبلغ حد الشبع ولا يتقيد ذلك بسد الرمق. قلت. المخمصة ضمور البطن من الجوع. قوله: (إذا لم تصطبحوا)، يعني: به الغداة. ولم تغتبقوا يعني به العشاء. قوله: (ولم
142 تجتفئوا بقلا)، أي: لم تقلوه وترموا به من جفات القدر إذا رمت ما يجتمع على رأسها من الزبد والوسخ، ومادته جيم وفاء وهمزة: (فشأنكم بها) أي: الميتة استمتعوا بها غير مضيق عليكم، والشأن في الأصل الخطب والحال والأمر، وانتصابه بإضمار فعل قوله: (صبوح أو غبوق) أريد بالصبوح الغداة وبالغبوق العشاء. قوله: (عن الفجيع العامري) بالفاء والجيم والعين المهملة، قال أبو عمر: الفجيع ابن عبد الله بن جندح العامري من بني عامر بن صعصعة سكن الكوفة روي عنه وهب ابن عقبة البكالي. قوله: (لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات) * إلى قوله: * (فلا أثم عليه) * (البقرة: 172، 173) آيتان من سورة البقرة استدل البخاري بذكر هذه الآيات المذكورة في أكل المضطر الذي وضعه ترجمة فلذلك قال: (لقوله تعالى) بلام التعليل، وتمام الآيتين: * (إن الله غفور رحيم) * ولم يذكر في رواية أبي ذر إلا إلى قوله: (فلا إثم عليه) وفي رواية كريمة ذكر آخر الآية. وهو قوله: (إن الله غفور رحيم) قوله: (من طيبات) أي: من حلالات ما رزقناكم. قوله: (إن كنتم إياه تعبدون) أي: توحدون يعني: إن كنتم مؤمنين بالله فاشكروا له فإن الإيمان يوجب ذلك، وهو من شرائطه وهو مشهور في كلامهم، يقول الرجل لصاحبه الذي قد عرف أنه يحبه: إن كنت محبا لي فافعل كذا فيدخل حرف الشرط في كلامه تحريكا له على ما يأمر به وإعلاما له بأن ذلك من شرائط المحبة. وقيل: إن كنتم عازمين على الثبات فاشكروا له فإن ترككم الشكر يخرجكم عنه. قوله: (إنما حرم عليكم الميتة) ذكر هنا أربعة أشياء ولم يذكر سائر المحرمات لأنهم كانوا يستحلون هذه الأشياء فبين الله عز وجل أنه حرمها ثم أباح التناول منها عند الضرورة وعند فقد غيرها من الأطعمة. فقال: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) أي: في غير بغي ولا عدوان، وهو مجاوزة الحد (فلا إثم عليه) في أكل ذلك (إن الله غفور رحيم) قال مجاهد: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قاطعا للسبيل أو مفارقا للأئمة أو خارجا في معصية الله فلا رخصة له، وإن اضطر إليه، وكذا روي عن سعيد بن جبير، وقيل: غير باغ في أكلها ولا متعد فيه من غير ضرورة، وقيل: غير مستحل لها ولا عاد متزود منها. وقيل: غير باغ في أكلها شهوة وتلذذا ولا عاد ولا يأكل حتى يشبع ولكن يأكل ما يمسك رمقه، وقيل: عاد. أي: عائد فهو من المقلوب كشاكي السلاح أصله: شائك ومعنى: الإثم هو أن يأكل منها فوق الشبع. واختلف في: الشبع وسد الرمق والتزود، فقال مالك: أحسن ما سمعت في المضطر أنه يشبع ويتزود فإذا وجد غنى عنها طرحها. وهو قول الزهري وربيعة، وقال أبو حنيفة والشافعي في قول: لا يأكل منها إلا مقدار ما يمسك الرمق والنفس، وحكى الداودي قولا إنه يأكل منها ثلاث لقم، وقيل: إن تغدى لا يتعشى وإن تعشى لا يتغدى قوله: * (فمن اضطر في مخمصه) *، (المائدة: 3) الآية في سورة المائدة، وقبله: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) * (المائدة: 3) قوله: (غير متجانف) أي: غير منحرف إليه كقوله: (غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) لا يؤاخذ بذلك. قوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه)، إلى قوله: * (هو أعلم بالمعتدين) * (الأنعام: 119) في سورة الأنعام. قوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه)، إباحة من الله لعباده المؤمنين أن يأكلوا من الذبائح ما ذكر اسم الله عليه، مفهومة أنه لا يباح ما لم يذكر اسم الله عليه، ثم ندب إلى الأكل مما ذكر اسم الله عليه فقال: (ما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم) أي: بين لكم (ما حرم عليكم) ووضحه بقوله: (إلا ما اضطررتم إليه) أي: إلا في حال الاضطرار فإنه يباح لكم ما وجدتم ثم بين جهالة المشركين في آرائهم الفاسدة من استحلالهم الميتات فقال: (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين) باعتدائهم وكذبهم وافترائهم. قوله: * (قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه) *، (الأنعام: 745) إلى قوله: (فإن ربك غفور رحيم) في سورة الأنعام أي: قل يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله. قوله: (على طاعم يطعمه)، أي: على آكل يأكله. قوله: (أو دما مسفوحا) قال العوفي عن ابن عباس يعني مهراقا وليس في بعض النسخ هذا. قوله: (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا)، كذا ثبت هنا لكريمة والأصيلي وسقط للباقين، وتمامه * (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) * (المائدة: 88) وهي في سورة المائدة. قوله: * (واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) * (النحل: 114) هذا في سورة النحل. وأوله: * (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله) *. وقوله: * (إنما حرم عليكم الميتة) * إلى آخره بعد قوله: * (واشكروا نعمة الله) * (البقرة: 173) وهي في سورة النحل قد ذكرنا فيما قبل هذه الآية بعينها في سورة
143 البقرة، ويظهر هنا تكرار لا فائدة في إعادتها وليس كذلك لأن كلا منهما في سورة، ولهذا توجدان في كثير من النسخ والله سبحانه وتعالى أعلم. 73 ((* (كتاب الأضاحي) *)) أي: هذا كتاب في بيان أحكام الأضاحي، وهي جمع أضحية. قال الأصمعي: في الأضحية أربع لغات: أضحية، بضم الهمزة وإضحية، بكسر الهمزة وضحية وجمعها أضاحي، وأضحاة وجمعها أضحى كما يقال: أرطاة وأرطى، قال: وبه سمى يوم الأضحى. وفي (نوادر اللحياني) وضحية بكسر الضاد وجمعها كجمع المفتوحة الضاد وعند ابن التياني: أضحاة، بكسر الهمزة وفي (الدلائل) للسرقسطي: أضحية بضم الهمزة وتخفيف الياء، وفي (نوادر ابن الأعرابي) كل ذلك للشاة التي تذبح ضحوة. وقيل: وبه سمى يوم الأضحى وهو يذكر ويؤنث وكان تسميتها اشتقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه. 1 ((باب: * (سنة الأضحية) *)) أي: هذا باب سنة الأضحية وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف مثل جرد قطيفة، أي: القطيفة التي انجرد خملها، وخلقت. * (قال ابن عمر: هي سنة ومعروف) * أي: قال عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما: الأضحية سنة. قوله: (ومعروف)، المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله عز وجل والتقرب إليه والإحسان إلى الناس ولكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات، وهو من الصفات الغالبة أي: أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه. واختلفوا فيها فقال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعلقمة والأسود والشافعي وأبو ثور: لا تجب فرضا لكنها مندوب إليها من فعلها كان مثابا ومن تخلف عنها لا يكون آثما وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدري وبلال. وقال الليث وربيعة: لا نرى أن يتركها الموسر المالك لأمر الضحية، وقال مالك: لا يتركها فإن تركها بئس ما صنع إلا أن يكون له عذر، وحكى عن النخعي أنه قال: الأضحى واجب على أهل الأمصار ما خلا الحجاج وقال ابن المنذر: قال محمد بن الحسن: الأضحى واجب على كل مقيم في الأمصار إذا كان موسرا. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف تجب على الحر المقيم المسلم الموسر، وتخصيص ابن المنذر يقول محمد وحده لا وجه له، وتحرير مذهبنا ما قاله صاحب (الهداية) بالأضحية واجبة على كل مسلم حر مقيم موسر في يوم الأضحى عن نفسه وعن ولده الصغار، أما الوجوب فقول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن وإحدى الروايتين عن أبي يوسف وعن أبي أبي يوسف، إنها سنة وذكر الطحاوي إنها على قول أبي حنيفة واجبة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد سنة مؤكدة، وجه السنية ما رواه الجماعة غير البخاري عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رأى هلال ذي الحجة منكم وأراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب، وبهذا استدل ابن الجوزي في التحقيق لمذهب أحمد ووجه الوجوب ما رواه ابن ماجة عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب وذكر ابن حزم عن أبي حنيفة أنه قال: هي فرض. 5545 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن زبيد الأيامي عن الشعبي عن البراء، رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء)، فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال: إن عندي جذعة فقال: إذبحها ولن تجزي عن أحد بعدك. قال مطرف عن عامر عن البراء قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذبح بعد الصلاة ثم نسكه وأصاب سنة المسلمين).
144 مطابقته للترجمة ظاهرة. وغندر لقب محمد بن جعفر البصري، وزبيد بضم الزاء وفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة ابن عبد الكريم الأيامي، ويقال: اليامي، بالياء آخر الحروف نسبة إلى يام بن أصبي، بطن من همدان، والشعبي هو عامر بن شراحيل. والحديث مضى في العيدين في: باب الأكل يوم النحر بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (نصلي)، أي: أن نصلي، وهو من قبيل قولهم: وتسمع بالمعيدي أي: وأن تسمع، أو هو تنزيل الفعل منزلة المصدر، ويروى بأن أيضا فلا يحتاج إلى تقدير. قوله: (من ذبح قبل)، أي: قبل مضي وقت الصلاة. قوله: (ليس من النسك)، أي: العبادة أي: لا ثواب فيها بل هي لحم ينتفع به أهله. قوله: (فقام أبو بردة)، بضم الباء الموحدة وسكون الراء وبالدال المهملة اسمه هانىء، بالنون بعد الألف قبل الهمزة ابن نيار بكسر النون وتخفيف الباء آخر الحروف وبالراء البلوى بفتح الباء الموحدة واللام وبالواو. قوله: (جذعة)، هي جذعة معز كانت لا تجوز، وأما الجذعة من الضأن فتجوز. قال أبو عبد الله الزعفراني: الجذع من الضأن ما تمت له سبعة أشهر وطعن في الشهر الثامن ويجوز في الأضحية إذا كان عظيم الجثة، وأما الجذع من المعز فلا يجوز إلا ما تمت له سنة وطعن في الثانية انتهى. قوله: (ولن تجزي)، أي: لن تكفي، من جزى يجزي كقوله تعالى: * (واتقوا يوما لا تجزي نفس) * (البقرة: 48، 123) قوله: (عن أحد بعدك) يعني: لغيرك، وهذا من خصائص هذا الصحابي، رضي الله تعالى عنه. قوله: (قال مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة وبالفاء ابن طريف الحارثي بالثاء المثلثة. قوله: (عن عامر)، أي: عن الشعبي عن البراء بن عازب، وتعليق مطرف هذا وصله البخاري في العيدين، ويأتي أيضا بعد ثمانية أبواب. 5546 حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين). مطابقته للترجمة من حيث إن فيه شرطا من جملة شروط الأضحية، وهو أن يكون ذبحها بعد الصلاة وإسماعيل هو ابن علية وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين. والحديث مضى في صلاة العيد، ومضى الكلام فيه هناك. 2 ((باب: * (قسمة الإمام الأضاحي بين الناس) *)) أي: هذا باب في بيان قسمة الإمام الأضاحي بين الناس بنفسه أو بوكيله، وغرضه من هذه الترجمة بيان قسمته، صلى الله عليه وسلم، الضحايا بين أصحابه فإن كان قسمها بين الأغنياء كانت من الفيء أو ما يجري مجراه مما يجوز أخذه للأغنياء وإن كان قسمها بين الفقراء خاصة كانت من الصدقة، وإنما أراد البخاري بهذا والله أعلم إن إعطاء الشارع الضحايا لأصحابه دليل على تأكدها وندبهم إليها. قيل: لو كان الأمر كما ذكر لم يخف ذلك على الصحابة الذين قصدوا تركها وهم موسرون. وأجيب بأن من تركها منهم لم يتركها لأنها غير وكيدة، وإنما تركها لما روي عن معمر والثوري عن أبي وائل. قال: قال أبو مسعود الأنصاري: إني لأدع الأضحى وأنا موسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي، وروى الثوري عن ابن إبراهيم بن مهاجر عن النخعي عن علقمة. قال: لأن لا أضحي أحب أن أراه حتما علي، وقال ابن بطال: وهكذا ينبغي للعالم الذي يقتدي به إذا خفي من العامة أن يلتزموا السنن التزام الفرائض أن يتركها لئلا يتأسى به، ولئلا يختلط على الناس أمر دينهم فلا يفرقوا بين فرضهم ونفلهم. 5547 حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى عن بعجة الجهني عن عقبة بن عامر الجهني قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم، بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة، فقلت: يا رسول الله! صارت جذعة؟ قال: ضح بها. مطابقته للترجمة ظاهرة وهشام هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، وبعجة بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة
145 وفتح الجيم ابن عبد الله الجهني، وهو تابعي معروف ما له في البخاري إلا هذا الحديث. وأخرجه مسلم في الأضاحي عن ابن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود وغيره. قوله: (لعقبة)، أي: ابن عامر. قوله: (صارت جذعة) أي: حصلت لي جذعة. ولفظه أعم من أن يكون من المعز لكن قال البيهقي وغيره: كانت هذه رخصة لعقبة كما كان مثلها رخصة لأبي بردة في حديث البراء، ويقال: الجذعة وصف لسن معين من بهيمة الأنعام، فمن الضأن ما أكمل السنة، وهو قول الجمهور، وقيل: دونها، ثم اختلف في تقديره، فقيل: ابن ستة أشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: عشرة، وحكى الترمذي عن وكيع أنه ابن ستة أشهر أو سبعة أشهر، وأما الجذع من المعز فهو ما دخل في السنة الثانية، ومن البقر ما أكمل الثالثة، ومن الإبل ما دخل في الخامسة. قوله: (ضح)، أمر من ضحى يضحي. قوله: (بها)، أي: بالجذعة المذكورة. 3 ((باب: * (الأضحية للمسافر والنساء) *)) أي: هذا باب في بيان حكم الأضحية للمسافر والنساء، وقال بعضهم: فيه إشارة إلى خلاف من قال: لا أضحية عليهن، ويحتمل أن يكون أشار إلى خلاف منع تضحيتهن. قلت: لا إشارة فيه أصلا لما قاله. وإنما وضع هذه الترجمة لبيان أن المسافر والنساء هل عليهما أضحية أم لا؟ غير أنه أبهم ذلك اكتفاء بما يفهم من حديث الباب: على ما لا يخفى على من له ذوق في إدراك معاني الأحاديث. وقوله: (ويحتمل) إلى آخره أبعد من الأول لأن الترجمة ليس فيها ما يدل على ذلك ولا في حديث الباب. 5548 حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها وحاضت بسرف قبل أن تدخل مكة وهي تبكي، فقال: مالك؟ أنفست! قالت: نعم. قال: هاذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت: ما هاذا؟ قالوا: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أزواجه بالبقر. مطابقته للترجمة ظاهرة. لأن فيه أضحية المسافر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان مسافرا وفيه تعرض للأضحية للنساء، وهو ظاهر. فالكلام هنا في فصلين. الأول: هل يجب على المسافر أضحية؟ اختلفوا فيه. فقال الشافعي: هي سنة على جميع الناس وعلى الحاج بمنى وبه قال أبو ثور. وقال مالك: لا أضحية عليه ولا يؤمر بتركها إلا الحاج بمنى وذكر ابن المواز عن مالك أن من لم يحج من أهل مكة ومنى فليضح وحكى ابن بطال: أن مذهب ابن عمر أن الأضحية تلزم المسافر. قلت: قد مر أن ابن عمر قال: هي سنة ومعروف، نعم هو قول الأوزاعي والليث، وقال أبو حنيفة: لا تجب على المسافر أضحية، وعن النخعي: رخص للحاج والمسافر أن لا يضحي. الفصل الثاني: أن من أوجب الأضحية أوجبها على النساء ومن لم يوجبها لم يوجبها عليهن، واستحبها في حقهن. وسفيان في السند هو ابن عيينة، وعبد الرحمن يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. رضي الله تعالى عنهم، عن عائشة أم المؤمنين. والحديث مضى في أول كتاب الغسل في كتاب الطهارة فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله المديني عن سفيان إلى آخره، ومضى الكلام فيه. قوله: (بسرف)، بفتح السين المهملة وكسر الراء وفتح الفاء وهو ما بين مكة والمدينة بقرب مكة على أميال قال النووي: قبل ستة، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، وقيل: عشرة، وقيل: اثني عشر ميلا. قوله: (أنفست)، معناه أحضت؟ وهو بفتح النون وضمها لغتان مشهورتان، والفتح أفصح والفاء مكسورة فيهما. وأما النفاس الذي هو الولادة فيقال فيه: نفست، بالضم لا غير. قوله: (هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم) هذا تسلية لها وتخفيف لها ومعناه: أنك لست بمختصة به بل كل بنات آدم يكون هذا منهن كما يكون من الرجل ومنهن البول والغائط وغيرهما وقال النووي: استدل البخاري بعموم هذا الحديث على أن الحيض كان في جميع بنات آدم. وأنكر به على من قال: إن الحيض أول ما وقع في بني إسرائيل. قوله: (فاقضي) أي: افعلي كما في الرواية الأخرى: فاصنعي. وفيه: دليل على أن الطواف
146 لا يصح من الحائض، وهذا مجمع عليه، ولكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة للطواف. فقال مالك والشافعي وأحمد: هي شرط، وقال أبو حنيفة: ليست بشرط، وبه قال داود فمن شرط الطهارة قال: العلة في بطلان طواف الحائض عدم الطهارة، ومن لم يشترطها قال: العلة فيه كونها ممنوعة من اللبث في المسجد. قوله: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) وفي رواية مسلم: عن نسائه. قال النووي: هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم، استأذنهن في ذلك، فإن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه. 4 ((باب: * (ما يشتهي من اللحم يوم النحر) *)) أي: هذا باب في بيان ما يشتهي كلمة ما يجوز أن تكون موصولة ويجوز أن تكون مصدرية وذلك لأن العادة بين الناس الالتذاذ بأكل اللحم. وقد قال الله تعالى: * ( فذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * (الحجرات: 28) ومن اشتهى اللحم يوم النحر لا حرج عليه ولا يتوجه عليه ما قال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، حين لقي جابر بن عبد الله ومعه حمال لحم بدرهم. فقال له: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قر منا إلى اللحم. فقال له: أين تذهب هذه الآية. * (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها) * (الأحقاف: 20) لأن يوم النحر مخصوص بأكل اللحم، وأما في غير زمن النحر فأكله مباح إلا أن السلف كانوا لا يواظبون على أكله دائما لأن اللحم ضراوة كضراوة الخمر. 5549 حدثنا صدقة أخبرنا ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يوم النحر: من كان ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن هاذا يوم يشتهى فيه اللحم وذكر جيرانه وعندي جذعة خير من شاتي لحم. فرخص له في ذلك فلا أدري أبلغت الرخصة من سواه أم لا. ثم انكفأ النبي صلى الله عليه وسلم، إلى كبشين فذبحهما وقام الناس إلى غنيمة فتوزعوها. أو قال فتجزعوها. مطابقته للترجمة ظاهرة. وصدقة هو ابن الفضل، وابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية اسم أمه، وأيوب هو السختياني، وابن سيرين محمد. والحديث مضى في كتاب العيدين في: باب الأكل يوم النحر. قوله: (يوم النحر) أي: قال في يوم النحر. قوله: (فقام رجل) هو أبو بردة بن نيار كما في حديث البراء، رضي الله تعالى عنه قوله: (وذكر جيرانه) أي: ذكر احتياج جيرانه وفقرهم كأنه يريد به عذره في تقديم الذبح على الصلاة، وفي رواية مسلم، وإني عجلت فيه نسيكتي لا طعم أهلي وجيراني وأهل داري. قوله: (وعندي جذعة) هي جذعة المعز. قوله: (خير من شاتي لحم)، أي: أطيب لحما وأنفع لسمنها ونفاستها قوله: (في ذلك) أي: في التضحية بتلك الجذعة من المعز قوله: (فلا أدري) كلام أنس إنما قال: لا أدري لأنه لم يبلغه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تجزي عن أحد بعدك). قوله: (من سواه)، منصوب بقوله: (أبلغت) قوله: (ثم انكفأ) بالهمز أي: مال وانعطف من كفأت الإناء إذا أملته، والمراد أنه رجع من مكان الخطبة إلى مكان الذبح. قوله: (غنيمة) تصغير غنم قوله: (فتوزعوها) أي: فتفرقوها والتوزيع التفرقة قوله: (أو قال فتجزعوها) شك من الراوي بالجيم والزاي من الجزع وهو القطع أي: اقتسموها حصصا وليس المراد أنهم اقتسموها بعد الذبح فأخذ كل واحد قطعة من اللحم، وإنما المراد أخذ حصة من الغنم، والقطعة تطلق على الحصة من كل شيء. 5 ((باب: * (من قال: الأضحى يوم النحر) *)) أي: هذا باب في بيان من قال: إن الأضحى يوم النحر، يعني: يوم واحد وهو يوم النحر، وهو قول ابن سيرين، وحكاه ابن حزم عن حميد بن عبد الرحمن أنه كان لا يرى النحر إلا يوم النحر. وهو قول ابن أبي سليمان. وفي هذا الباب أقوال: أحدها: يوم النحر ويومان بعده، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوري وأحمد، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس رضي الله تعالى عنهم، ذكره ابن القصار، وذكره ابن وهب عن ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه،
147 الثاني: أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة بعده، وهو قول عطاء والحسن البصري والأوزاعي والشافعي وأبي ثور وروى ذلك عن علي وابن عباس قالا: أيام النحر الأيام المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده. الثالث: يوم النحر وستة أيام بعده وهو قول قتادة. الرابع: عشرة أيام حكاه ابن التين. الخامس: إلى آخر يوم من ذي الحجة يروى عن الحسن البصري، وقال ابن التين: ويروى عن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، أيضا ونقله ابن حزم عن سليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن قالا: الأضحى إلى هلال المحرم. السادس: يوم واحد في الأمصار وفي منى ثلاثة أيام. وهو قول سعيد بن جبير وجابر بن زيد. السابع: يوم واحد فقط وعليه ترجم البخاري كما ذكرنا، وأخذه من إضافة اليوم إلى النحر في حديث الباب، وهو قوله عليه السلام: (أليس يوم النحر؟ قلنا بلى) واللام فيه للجنس فلا يبقى نحر إلا في ذلك اليوم. وأجيب عن هذا بأن المراد النحر الكامل، واللام تستعمل كثيرا للكمال كقوله: الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، وفيه تأمل. وقال القرطبي: التمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول ضعيف مع قوله تعالى: * (ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * (الحج: 28) وقال ابن بطال: وليس استدلال من استدل من قوله صلى الله عليه وسلم: (أليس يوم النحر؟) أنه لا يكون نحر ولا ذبح في غيره بشيء لأن النحر في أيام منى قد فعله الخلف والسلف. وجرى عليه العمل في جميع الأمصار فلا حجة مع من خالفه واستدل من قال: الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بما روي في صحيح ابن حبان من حديث جبير بن مطعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (كل فجاج منى منحر وفي كل أيام التشريق ذبح). قلت: هذا رواه أحمد وابن حبان من حديث عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم، وقال البزار في مسنده لم يلق ابن أبي حسين جبير بن مطعم فيكون منقطعا. فإن قلت: أخرجه أحمد أيضا والبيهقي عن سليمان بن موسى عن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: قال البيهقي: سليمان بن موسى لم يدرك جبير بن مطعم. فيكون منقطعا. فإن قلت: أخرج ابن عدي في (الكامل) عن معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيام التشريق كلها ذبح. قلت: معاوية بن يحيى ضعفه النسائي وابن معين وعلي بن المديني، وقال ابن أبي حاتم في (كتاب العلل) قال أبي هذا حديث موضوع بهذا الإسناد. فإن قلت: أخرج البيهقي من حديث طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس. قال: الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر. قلت: خرج الطحاوي بسند جيد عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما. قال: الأضحى يومان بعد يوم النحر، ولأصحابنا الحنفية ما رواه الكرخي في (مختصره) حدثنا أبو بكر محمد بن الجنيد قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش وعبادة بن عبد الله الأسدي عن علي، رضي الله تعالى عنه، أنه كان يقول أيام النحر ثلاثة أيام أولهن أفضلهن، وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، قالا: النحر ثلاثة أيام أولها أفضلها. 5550 حدثنا محمد بن سلام حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن محمد عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم: ثلاث متواليات. ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. أي شهر هاذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى. قال: أي بلد هاذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى. قال: فأي يوم هاذا؟ قلنا. الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس يوم النحر؟ قلنا بلى قال: فإن دماءكم وأموالكم. قال محمد: وأحسبه قال: وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هاذا في بلدكم هاذا في شهركم هاذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم
148 ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه وكان محمد إذا ذكره قال: صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ألا هل بلغت! ألا هل بلغت. مطابقته للترجمة في قوله: (أليس يوم النحر؟) وقد مر فيه في أول الباب. وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وأيوب السختياني، ومحمد هو ابن سيرين وابن أبي بكرة عبد الرحمن يروي عن أبيه أبي بكرة نفيع بن الحارث مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الثقفي البصري. والحديث مضى أولا في كتاب العلم في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رب مبلغ أوعى من سامع)، وأخرج بعضه أيضا في العلم في: باب ليبلغ الشاهد الغائب، وأخرجه أيضا في كتاب الحج في: باب الخطبة في أيام منى وأخرج بعضه أيضا في كتاب بدء الخلق في باب ما جاء في سبع أرضين، وأخرجه أيضا في التفسير وفي الفتن، ومضى الكلام في هذه المواضع. قوله: (الزمان)، قال الكرماني: يراد به هنا السنة. والزمان يقع على جميع الدهر وبعضه. قوله: (كهيئته)، صفة لمصدر محذوف أي: استدار استدارة مثل حالته يوم خلق السماوات والأرض. وقال ابن الأثير: يقال: دار يدور واستدار يستدير بمعنى: إذا طاف حول الشيء وعاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه، ومعنى الحديث أن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر وهو النسيء ليقاتلوا فيه ويفعلون ذلك سنة بعد سنة، فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى يحملوه في جميع شهور السنة، فلما كانت تلك السنة كان قد عاد إلى زمنه المخصوص به قبل النقل، ودارت السنة كهيئة الأولى فوافق حجة الوداع أصله فوقع الحج في ذي الحجة، وبطل النسيء الذي كان في الجاهلية وعادت الأشهر إلى الوضع القديم قوله: (أربعة حرم) جمع حرام أي: يحرم القتال فيها ثلاث منها سرد وواحد فرد. قوله: (ثلاث) القياس ثلاثة، ولكن التمييز إذا كان محذوفا جاز فيه الأمران. قوله: (ورجب مضر) إنما خصه بمضر لأنهم كانوا يعظمونه غاية التعظيم ولم يغيروه عن موضعه الذي بين جمادى الآخرة وشعبان، وإنما وصفه به تأكيدا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء، ومضر بضم الميم قبيلة وهي مضر بن نزار بن معد بن عدنان. قوله: (أليس البلدة)، أي: المعهودة التي هي أشرف البلاد وأكثرها حرمة يعني: مكة المشرفة، وذكر ثابت في (غريب الحديث) البلدة بفتح اللام. قال: ومنى أيضا يسمى البلدة. قلت: في القرآن بإسكان اللام (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة) ولا يعرف ما قال ثابت إلا أن يكون لغة للعرب أيضا بفتح اللام. قوله: (أليس يوم النحر)؟ أي: يوم ينحر فيه الأضاحي في سائر الأقطار والهدايا بمنى. قوله: (قال محمد) هو ابن سيرين. قوله: (وأحسبه) أي: وأحسب ابن أبي بكرة قال في حديثه: (وأعراضكم) جمع عرض بكسر العين وهو موضع المدح والذم من الإنسان كالغيبة وذلك كالقتل في الدماء والغصب في الأموال وشبهها في الحرمة باليوم والشهر والبلد لأنهم لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال، وإنما قدم السؤال عنها تذكارا للحرمة. قوله: (ضلالا) بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام جمع ضال. قوله: (يضرب) بالرفع والجزم. قوله: (ليبلغ) من التبليغ. قوله: (من يبلغه) على صيغة المعلوم ويروى على صيغة المجهول وهو مضارع من التبليغ. قوله: (فلعل) جعل لعل بمعنى عسى في دخول أن في خبره. قوله: (أوعى) أي: أحفظ. ويروى: أرعى من الرعاية. قيل: هو الأشبه لأن المقصود الرعاية له والامتثال به. قوله: (وكان محمد) هو ابن سيرين أيضا. قوله: (إذا ذكره) في رواية الكشميهني: إذا ذكر، بدون الضمير المنصوب قوله: (ألا هل بلغت) القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بقية الحديث ولكن الراوي فصل بين قوله: (بعض من يسمعه) وبين قوله: (ألا هل بلغت) بكلام ابن سيرين المذكور وبلغت مذكور مرتين. 6 ((باب: * (الأضحى والنحر بالمصلى) *)) أي: هذا باب في بيان كون الأضحى والنحر بالمصلى، وهو الموضع الذي يصلى فيه صلاة العيد والمقصود من هذه الترجمة بيان السنة في ذبح الإمام وهو أن يذبح في المصلى لئلا يذبح أحد قبله ليذبحوا بعده بيقين وليتعلموا أيضا صفة الذبح فإنه مما يحتاج فيه إلى البيان وليبادروا أيضا بعد الصلاة إلى الذبح كما قال صلى الله عليه وسلم: (أول ما نبدأ به أن نصلي) ثم ننصرف فنحر. قوله: والنحر وفي بعض النسخ: والمنحر بالميم في أول النحر.
149 5551 حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا عبيد الله عن نافع قال: كان عبد الله ينحر في المنحر قال: عبيد الله يعني منحر النبي صلى الله عليه وسلم. مطابقته للترجمة من حيث إنه لما كان معلوما منحره صلى الله عليه وسلم، بالمصلى علم منه الترجمة بجزئيها ومحمد بن أبي بكر المقدمي، بفتح الدال المشددة: نسبة إلى أحد أجداده، وخالد بن الحارث أبو عثمان الهجيمي البصري، وعبيد الله بن عمر العمري عن نافع مولى ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وهذا موقوف ولم ير مالك هذا لغير الإمام. 5552 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن كثير بن فرقد عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذبح وينحر بالمصلى. هذا مرفوع، رواه عن يحيى بن بكير بضم الباء الموحدة عن الليث بن سعد عن كثير بالثاء المثلثة بن فرقد بفتح الفاء وسكون الراء وفتح القاف وبالدال المهملة. 7 ((باب: * (في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين ويذكر سمينين) *)) أي: هذا باب في بيان أضحية النبي صلى الله عليه وسلم، بكبشين تثنية كبش، وهو فحل الضأن في أي سن كان قوله: أقرنين أي: صاحبا قرن يعني: لكل منهما قرنان. قوله: ويذكر سمينين، يعني: كبشين، سمينين وروى الترمذي من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، خيرا لأضحى الكبش، وروى أبو داود من حديث عبادة بن الصامت، وفيه الأقرن، وفيه استحباب التضحية بالأقرن وأنه أفضل من الأجم مع الاتفاق على جواز تضحية الأجم، وهو الذي لا قرن له واختلفوا في مكسور القرن وروى البزار من حديث أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا ضحى اشترى كبشين سميتين أقرنين أملحين الحديث. * (وقال يحيى بن سعيد: سمعت أبا أمامة بن سهل قال: كنا نسن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون) * يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو أمامة بضم الهمزة واسمه أسعد الصحابي، وادعى ابن التين أنه من كبار التابعين، وولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له حديث قلت سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبرك عليه وهو أحد الستة من الصحابة ممن يكنى بأبي أمامة، وتعليقه وصله أبو نعيم في (المستخرج) من طريق أحمد بن حنبل عن عبادة ابن العوام أخبرني يحيى بن سعيد به وقال ابن التين: كان بعض المالكية يكره تسمين الأضحية لئلا يتشبه باليهود، وقول أبي أمامة أحق قاله الداودي. 5553 حدثنا آدم بن إياس حدثنا شعبة حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين. مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث من أفراده، وفيه أفضيلة الضأن في الأضحية. 5554 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وأيوب السختياني، وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي. والحديث من أفراده. قوله: (انكفأ) أي: انعطف ومال قوله: (أملحين) تثنية أملح وهو الأغبر وهو الذي فيه سواد وبياض وعبارة العين الملحة والملح بياض يشوبه شيء من سواد وكبش أملح وعنب ملاحي لضرب منه في حبه طول
150 وعبارة الجوهري وابن فارس الأملح الأبيض يخالط بياضه سواد وقد أملح الكبش أملاحا صار أملح وعبارة ابن الأعرابي أنه التقى البياض وقال أبو عبيد الكسائي وأبو زيد أنه الذي فيه البياض والسواد ويكون البياض أكثر قوله فذبحهما بيده فيه أن ذبح الشخص أضحيته بيده أفضل إذا كان يحسن الذبح. * (تابعه وهيب عن أيوب) * أي تابع عبد الوهاب المذكور عبد الوهاب المذكور وهيب مصغر وهب ابن خالد البصري في روايته عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس وأخرج الإسماعيلي هذه المتابعة من طريقة كذلك كذا وقع متابعة وهيب مقدما على قوله وقال إسماعيل إلى آخره في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر بالعكس. * (وقال إسماعيل وحاتم بن وردان عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس) * أي قال إسماعيل بن علية إلى آخره إنما قال هنا وقال إسماعيل وفي رواية وهيب تابعه لأن القول إنما يستعمل إذا كان على سبيل المذاكرة وأما المتابعة فهي عند النقل والتحميل أما حديث إسماعيل فقد وصله البخاري بعد أربعة أبواب في أثناء حديث وأما حديث حاتم بن وردان فوصله مسلم كذا قال بعضهم وليس بصحيح لأن مسلما ما ذكر حديث حاتم بن وردان إلا في باب من ذبح قبل الصلاة نعم ذكر في باب الضحية بكبشين أملحين أقرنين من طريق شعبة عن قتادة عن أنس قال ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده. 5555 حدثنا عمرو بن خالد حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ضح أنت به. مطابقته للترجمة من حيث إن عطاه النبي صلى الله عليه وسلم ضحاياه لأصحابه كأنه ذبح عنهم فيضاف نسبته إليه عليه السلام وعمرو بن خالد الجزري الحراني سكن مصر ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب أو رجاء المصري وأبو الخير مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وبالدال المهملة ابن عبد الله اليزني بالياء أخر الحروف المصري وعقبة بن عامر الجهني والحديث مر في أو الوكالة بعين هذا الإسناد والمتن وفي الشركة أيضا في باب قسمة الغنم والبدل فيها عن قتيبة بن سعيد عن الليث إلى آخره نحوه قوله (غنما) يشمل الضأن والمعز قوله (على صحابته) ويروى (على أصحابه) قيل الضمير فيه يحتمل أن يكون عائدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون عائدا إلى عقبة قلت الظاهر أنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقيل يحتمل أن يكون الغنم ملكا للنبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقسمتها بينهم شرعا ويحتمل أن يكون من الفيء وإليه مال القرطبي حيث قال في الحديث أن الإمام ينبغي له أن يفرق الضحايا على من لا يقدر عليها من بيت مال المسلمين وقال ابن بطال إن كان قسمتها بين الأغنياء فهي من الفيء وإن كان خص بها الفقراء فهي من الزكاة قوله (فبقى عتود) بفتح العين المهملة وضم التاء المثناة من فوق وهو من أولاد المعز خاصة وهو ما رعى ولم يبلغ سنة وقيل العتود الجذع من المعز قال ابن بطال وهو ابن خمسة أشهر ونقل ابن التين عن أهل اللغة أن الصغير من أولاد المعز إذا قوى ورعى وأتى عليه حول فهو عتود واعتدة وعتدان وعودان على الأصل وعبارة الداودي أنه الجذع ولا يجوز الجذع من المعز في الضحايا وإنما يجوز منها الثنى وهو بعد دخوله في السنة الثانية فالحديث خاص لعبة لا يجوز لغيره إلا أبا بردة بن نيار الذي رخص له الشارع مثله دون غيرهما وجزم ابن التين بأنه منسوخ بحديث أبي بردة قال أو يكون سن العتود فوق الجذع والله أعلم. قوله ضح به أنت ويروى ضح أنت به وزاد البيهقي في روايته من طريق يحيى بن بكير عن الليث ولا رخصة لا حدة فيها بعدك. 8 ((* (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبى بردة ضح بالجذع من المعز ولن تجزي عن أحد بعدك) *)) أي هذا باب في بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن نيار وضح بالجذع قال صلى الله تعالى عليه
151 وسلم له في حديث الباب الذي أخرجه عن البراء بن عازب على ما يأتي الآن وقال له أيضا ولن تجزى عن أحد بعدك أراد به أنه مخصوص بذلك كما ذكرنا. 5556 حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا مطرف عن عامر عن البراء بن عازب رضي الله عنهما ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتك شاة لحم فقال يا رسول الله إن عندي داجنا جذعة من المعز قال اذبحها ولن تصلح لغيرك ثم قال من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين. مطابقته للترجمة ظاهرة ومطرف بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء وبالفاء ابن طريف الحارثي وعامر هو الشعبي وأخرج البخاري حديث البراء هذا في مواضع كثيرة في العيدين أيضا عن آدم وعن سليمان بن حرب وفي العيدين وفي الأضاحي عن بندار عن غندور وفي العيدين عن أبي نعيم وغيرهما ومضى الكلام فيها قوله فقال له أبو بردة بضم الباء الموحدة واسمه هانىء البلوى من حلفاء الأنصار وشهد العقبة وبدرا والمشاهد وعاش إلى سنة خمس وأربعين وله في البخاري حديث سيأتي في الحدود قوله (شاة لحم) أي لسيت بأضحية بل هو لحم ينتفع به كما وقع في رواية زبيد فإنما هو لحم يقدمه لأهله وفي رواية مسلم قال شيء عجلته لأهلك قبل في إضافة شاة لحم أشكال لأنها ليست من الإضافة اللفظية وهي إضافة اسم الفاعل أو الصفة المشبهة إلى معمولها كضارب زيد وحسن الوجه ولا هي من أنواع الإضافة المعنوية وهي الإضافة بمعنى من كخاتم فضة وبمعنى اللام كغلام زيد وبمعنى في كمكر الليل وأجيب بأن أبا بردة لما اعتقد أن شاته أضحية أجاب صلى الله عليه وسلم بقوله شاة لحم موضع شاة غير أضحية قلت هذا جواب غير مقنع لظهور الأشكال فيه وبقائه أيضا ويمكن أن يقال أن الإضافة فيه بمعنى اللام التقدير شاة واقعة لأجل لحم ينتفع به لا لأجل أضحية لوقوع ذبحها في غير وقتها قوله داجنا الداجن بكسر الجيم الشاة التي تالف البيوت وتستانس وليس لها سن معين قيل إنما لم يدخل التاء في داجن لأن الشاة مما يفرق بين جنسه وواحده بالتاء فتانيثه وتذكيره يظهر بالوصف ورد هذا بأن هذا التقدير لا يصح هنا لأن قوله جذعة بالنصب عطف بيان للداجن وهي للمؤنث فيلزم أن يكون مذكر أو مؤنثا والجواب الموجه أن يقال الداجن صار اسما لما يألف البيوت واضمحل معنى الوصفية عنه فاستوى فيه المذكر والمؤنث. * (تابعه عبيدة عن الشعبي وإبراهيم) * أي تابع مطرفا عبيدة بضم العين وفتح الموحدة ابن معتب بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر التاء المثناة من فوق المشددة الضبي في روايته عن عامر الشعبي عن البراء بن عازب بهذه القصة وليس لعبيدة في البخاري إلا هذا الموضع الواحد قوله (وإبراهيم) أي وتابعه أيضا عن إبراهيم النخعي عن البراء وهو منقطع لأن إبراهيم لم يلق أحدا من الصحابة قال ابن المديني فأدخل على عائشة وهو صبي ولم يسمع منها شيئا وقال أبو حاتم وأدرك أنسا ولم يسمع منه وكان يحيى يقول مراسيل إبراهيم أحب إلي من مراسيل الشعبي. * (وتابعه وكيع عن حريث عن الشعبي) * أي تابع عبيدة في رواية عن الشعبي وكيع عن حريث مصغر الحرث أي الزرع ابن أبي مطر واسمه عمرو الأسدي الكوفي الحناط بالنون قال ابن معين لا شيء وقال أبو حاتم ضعيف الحديث بابه عبيدة الضبي وعبد الأعلى الخزاز ونظرائهما وقال النسائي متروك الحديث وقال البخاري فيه نظر واستشهد به ههنا وروى له الترمذي وابن ماجة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وهذا التعليق وصله أبو الشيخ في كتاب الأضاحي من طريق سهل بن عثمان العسكري عن وكيع عن حريث عن الشعبي عن البراء أن خاله سأله فذكر الحديث.
152 * (وقال عاصم وداود عن الشعبي عندي عناق لبن) * أي قال عاصم بن سليمان الأحول وداود بن أبي هند عن عامر الشعبي في روايته عن البراء عناق لبن العناق بفتح العين المهملة وتخفيف النون الأنثى من ولد المعز وقال ابن بطال العناق من المعز ابن خمسة أشهر أو نحوها وقال الكرماني العناق من أولاد المعز ذات سنة أو قريب منها وأضيف إلى اللبن إشارة إلى صغرها قريبة من الرضاع وقال الداودي العناق هي التي استحقت أن تحمل وأنها تطلق على الذكر والأنثى وأنه بين بقوله لبن أنها أنثى وقال ابن التين غلط في نقل اللغة وفي تأويل الحديث فإن معنى عناق لبن أنها صغيرة ترضع أمها أما تعليق عاصم فقد وصله مسلم حدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل حدثنا عبد الواحد يعنى ابن زياد حدثنا عاصم الأحول عن الشعبي عن البراء بن عازب قال حدثنا رسول الله تعالى عليه وسلم في يوم النحر وقال لا يضحين أحد حتى يصلى قال رجل عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم قال فضح بها ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك وأما تعليق داود فقد وصله مسلم أيضا حدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن الشعبي عن البراء بن عازب قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال لا يذبحن أحد حتى يصلى فقد خالي يا رسول الله أن هذا يوم النحر فيه مكروه وأني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعد نسكا فقال يا رسول الله أن عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم فقال هي خير نسيكتك ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك. * (وقال زبيد وفراس عن الشعبي عندي جذعة) * زبيد بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة ابن الحارث اليامي بالياء آخر الحروف والميم وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالسين المهملة ابن يحيى الكوفي أما تعليق زبيد فقد وصله البخاري في أول الأضاحي كذلك وأما تعليق فراس فوصله البخاري أيضا في باب من ذبح قبل الصلاة أعاد. * (وقال أبو الأحوص حدثنا منصور عناق جذعة) * أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي الكوفي ومنصور هو ابن المعتمر قوله (عناق) بالتنوين وكذلك جذعة بالتنوين عطف بيان وهذا التعليق وصله البخاري عن منصور عن الشعبي عن البراء في العيدين. * (وقال ابن عون عناق جذع عناق لبن) * ابن عون هو عبد الله بن رطبان البصري قوله عناق جذع عناق لبن يعني أن في رواية ابن عون عن الشعبي عن البراء باللفظين جميعا وعناق جذع صفة موصوف وعناق لبن مضاف ومضاف إليه ووصله البخاري في كتاب الأيمان والنذور من طريق معاذ بن معاذ باللفط المذكور وقيل قال عناق تارة وجذعة تارة وجمع بينهما تارة وأجيب لا منافاة بينهما إذ المرار بالجذعة ما هو من المعز والعناق أيضا ولد المعز ويشترط فيهما عدم بلوغهما إلى حد النزوان وقيل أيضا قال مرة جذع مذكر وتارة جذعة مؤنث وأجيب بأن الجذعة للواحدة أو أرد بالجذع الجنس. 5557 حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سلمة عن أبي جحيفة عن البراء قال ذبح أبو بردة قبل الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أبدلها قال ليس عندي إلا جذعة قال شعبة وأحسبه قال هي خير من مسنة قال اجعلها مكانها ولن تجزي عن أحد بعدك. مطابقته للترجمة ظاهرة وسلمة بفتحتين هو ابن كهيل مصغر كهل الحضرمي الكوفي وأبو جحيفة مصغر حجفة بالجيم والحاء المهملة والفاء اسمه وهب بن عبد الله السوائي الصحابي المشهور يروى عن البراء بن عازب والحديث أخرجه مسلم أيضا في الضحايا عن بندار وهو محمد بن بشار شيخ البخاري وغير قوله أبو بردة بضم الباء الموحدة ابن نيار الذي تقدم ذكره قوله (أبدلها) بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة أمر من الابدال يعنى اذبح مكانها أخرى قوله واحسبه
153 أي احسب أبا بردة قال هي الجذعة خير من مسنة يعنى من مسنة بالغة والخيرية بحسب السمن والنفاسة قوله قال اجعلها مكانها أي قال النبي صلى الله عليه وسلم تعالى عليه وسلم اجعل هذه الجذعة مكان المسنة وهذا أيضا مخصوص به فلهذا قال ولن تجزى عن أحد بعدك والذين ذهبوا إلى وجوب الأضحية احتجوا بقوله أبدلها لأنه أمر بالابدال فلو لم تكن واجبة لما أمر بالابدال وهو العوض ووردت أحاديث كثيرة تدل على الوجوب منها ما رواه أصحاب السنن الأربعة عن ابن عون عن أبي رملة حدثنا محفف من سليم قال كنا وقوفا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال (يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة) الحديث قال الترمذي حديث حسن غريب فإن قلت قال عبد الحق إسناده ضعيف وقال ابن القطان وعلته الجهل بحال أبي رملة واسمه عامر فلا يعرف إلا بهذا يروى عنه ابن عون قلت تحسين الترمذي إياه يكفى للاستدلال به على الوجوب ومحفف بن سليم بن الحارث الأزدي الغامدي روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره أبو نعيم في تاريخ أصبهان أن عليا رضي الله تعالى عنه استعمله على أصبهان ونزل الكوفة وأبو رملة ذكره أبو داود مصرحا باسمه عامر قوله (وأن تجزى) بفتح أوله غير مهموز أي أن تقضى يقال جزى فلان عني كذا أي قضى ومنه (لا تجزى نفس عن نفس شيئا) أي لا تقضى عنها وقال ابن برى الفقهاء يقولون لا تجزىء بالضم والهمزة في موضع لا تقضى والصواب بالفتح وترك الهمزة وقال لكن يجوز الضم والهمزة بمعنى الكفاية يقال أجزأ عنك وقال صاحب الأساس بنو تميم يقولون البدنة تجزى عن سبعة بضم أوله وأهل الحجاز وتجزى بفتح أوله وبهما قرىء (لا تجزى نفس عن نفس شيئا) وفي هذا رد على من نقل الاتفاق على منع ضم أوله. * (وقال حاتم بن وردان عن أيوب عن محمد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقال عناق جذعة) * حاتم بالحاء المهملة وانتاء المثناة من فوق المكسورة ابن وردان أبو صالح البصري وأيوب هو السختياني ومحمد بن سيرين وهذا التعليق أخرجه مسلم حدثني زياد بن يحيى الحساني حدثنا حاتم يعني ابن وردان حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى قال فوجد ريح لحم فنهاهم أن يذبحوا قال من كان ضحى فليعد ثم قال يمثل حديثهما يعنى رواية إسماعيل بن علية عن أيوب ورواية هشام عن محمد بن سيرين قوله عناق جذعة بالتنوين فيهما وجذعة عطف بيان لعناق. 9 ((* (باب من ذبح الأضاحي بيده) *)) أي هذا باب في بيان من ذبح الأضاحي بيده كيف حكمه هل يشترط ذبح أضحيته بيده أم لا أن هو الأولى وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها فلا يشترط الذبح بيده لكن جاءت رواية عن المالكية بعدم الأجزاء عند القدرة وعند أكثرهم يكره لكن يستحب أن يشهدها ويكره أن يستنيب حائضا أو صبيا أو كتابيا. 5558 حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة حدثنا قتادة عن أنس قال ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده. مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث رواه مسلم أيضا في الذبائح عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود وغيره وأخرجه ابن ماجة في الأضاحي عن نصر بن علي وغيره قوله على صفاحهما الصفاح جمع صفحة وصفحة كل شيء جانبه وقيل الذابح لا يضع رجله إلا على صفحته فلم قال على صفاحهما وأجيب لعله على مذهب من قال إن أقل الجمع اثنان كقوله تعالى فقد صغت قلوبكما فكأنه قال صفحتيهما وإضافة المثنى إلى المثنى تفيد التوزيع فكان معناه وضع رجله على صفحة كل منهما والحكمة فيه التقوى على الاظهار عليها ويكون أسرع لموتها وليس ذلك من تعذيبها المنهى عنه إذ لا يقدر على ذبحها إلا بتعافها وقال ابن القاسم الصواب إن يضجعها على شقها الأيسر وعلى ذلك مضى عمل المسلمين
154 فإن جهل فأضجعها على الشق الآخر لم يحرم أكلها. قوله: (يسمى حال)، وكذا قوله: (واضعا) وفيه التسمية والتكبير وذبح الأضحية بيده إن كان يحسن ذلك فالتكبير مع التسمية مستحب وكذا وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن وأما التسمية فهي شرط وقد مر بحثها. 10 ((باب: * (من ذبح أضحية غيره) *)) أي: هذا باب في بيان من ذبح أضحية غيره يعني: بإذنه، ووضع هذه الترجمة إشارة إلى أن الترجمة التي قبلها للاشتراط. * (وأعان رجل ابن عمر في بدنته) * يعني: أعانه عند ذبحه قيل: لا يطابق هذا الأثر الترجمة لأنه لا يلزم من إعانة الرجل إذا ذبح أضحيته أن يكون ذابح أضحية غيره لأن حقيقة ذبح الرجل أضحية غيره أن يكون هو الذابح بنفسه وإلا فالذي يعينه في مسكها ونحوه لا يسمى ذابحا ويؤيد هذا ما رواه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: رأيت ابن عمر ينحر بدنة بمنى وهي باركة معقولة ورجل يمسك بحبل في رأسها وابن عمر يطعن، وأجيب بأن الاستعانة إذا كانت مشروعة التحقت بها الاستنابة. قلت: وفيه تأمل ونظر. * (وأمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن) * لا مطابقة لهذه الترجمة بل بينهما مباينة. وكان محله في الباب الذي قبله على ما لا يخفى. وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري ووصل هذا التعليق الحاكم في (المستدرك) من طريق المسيب بن رافع أن أبا موسى كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بأيديهن، وسنده صحيح وفيه: أن ذبح النساء نسائكهن يجوز إذا كن يحسن الذبح. 5559 ح دثنا قتيبة حدثنا سفيان عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسرف وأنا أبكي فقال: مالك! أنفست؟ قلت: نعم. قال: هاذا أمر كتبه الله على بنات آدم اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت، وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن نسائه بالبقر. ليس فيه مطابقة تامة للترجمة فإن تعسف فيه فيؤخذ من قوله: (وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر) لأنهم قالوا: إنه عليه السلام، ضحى عن نسائه بإذنهن. والحديث مضى عن قريب في باب: الأضحية للمسافر والنساء، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن سفيان، وهنا عن قتيبة بن سعيد عن سفيان إلى آخره، ومضى الكلام فيه. قوله: (اقضي)، لا يراد به القضاء الاصطلاحي بل القضاء اللغوي الذي هو معنى الأداء. 11 ((باب: * (الذبح بعد الصلاة) *)) أي: هذا باب في بيان وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد. 5560 حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا شعبة قال أخبرني زبيد قال: سمعت الشعبي عن البراء، رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يخطب فقال: أول ما نبدأ به من يومنا هاذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل هاذا فقد أصاب سنتنا، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله ليس من النسك في شيء فقال أبو بردة: يا رسول الله! ذبحت قبل أن أصلي وعندي جذعة خير من مسنة، فقال: اجعلها مكانها ولن تجري أو توفي عن أحد بعدك. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أن نصلي ثم نرجع فننحر) وزبيد بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ابن الحارث اليامي، والشعبي عامر والحديث مضى في أول كتاب الأضحية ومضى الكلام. فيه قوله: (أو توفي)، شك من الراوي، من التوفية أو من الإيقاء أي: لن تعطي حق التضحية عن أحد بعدك أو لن تكمل ثوابه.
155 12 ((باب: * (من ذبح قبل الصلاة أعاد) *)) أي: هذا باب في بيان أن من ذبح نسكه قبل صلاة العيد أعاده. 5561 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن محمد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من ذبح قبل الصلاة فليعد. فقال رجل: هذا يوم يشتهى فيه اللحم وذكر هنة من جيرانه فكأن النبي صلى الله عليه وسلم، عذره، وعندي جذعة خير من شاتين، فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم، فلا أدري بلغت الرخصة أم لا، ثم انكفأ إلى كبشين، يعني: فذبحهما ثم انكفأ الناس إلى غنيمه فذبحوها. مطابقته للترجمة ظاهرة. والأسود بن قيس العبدي، وجندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها ابن عبد الله بن سفيان البجلي بفتح الباء الموحدة والجيم. والحديث مضى في العيدين في: باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد فإنه أخرجه هناك عن مسلم عن شعبة عند الأسود عن جندب إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، ومضى عن قريب أيضا في الذبائح في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليذبح على اسم الله) فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن أبي عوانة عن الأسود عن جندب إلى آخره. قوله: (ومن لم يذبح)، أي: قبل الصلاة (فليذبح) بعد الصلاة واحتج به من يرى وجوب الأضحية. 5563 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن فراس عن عامر عن البراء قال صلى صلى الله عليه وسلم، ذات يوم. فقال: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فلا يذبح حتى ننصرف، فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله! فعلت. فقال: هو شيء عجلته. قال: فإن عندي جذعة هي خير من مسنتين آذبحها؟ قال: نعم، ثم لا نجزي عن أحد بعدك قال عامر: هي خير نسيكته. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فلا يذبح حتى ننصرف) ومن قوله: (هي شيء عجلته)، لأن معناه: لا يقوم ذلك عن الأضحية فلا بد من إعادتها. وأبو عوانة الوضاح، وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالسين المهملة ابن يحيى، وعامر هو الشعبي ومباحث حديث البراء قد تقدمت على تكراره. قوله: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا) معناه: من كان على دين الإسلام. قوله: (حتى ننصرف) أي: نحن أو ينصرف، أي: هو والمعنى إذا انصرف من الصلاة ذبح بعدها. قوله: (فعلت) بضم التاء أي: فعلت الذبح
156 قبل الصلاة. قوله: (عجلته) من التعجيل أي: قدمته لأهلك. قوله: (مسنتين) تثنية مسنة. قال الداودي: هي التي أسقطت أسنانها للبدل، قال الجوهري: يكون ذاك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السادسة. قوله: (آذبحها) همزة الاستفهام فيه مقدرة أي: أأذبحها؟ قال: صلى الله عليه وسلم: (نعم أذبحها). قوله: (قال عامر) هو الشعبي: (هي خير نسيكته) أي: الجذعة الموصوفة خير ذبيحة. قيل: اسم التفضيل يقتضي الشركة والذبيحة الأولى لم تكن نسيكة. (وأجيب) أنه وإن وقعت لحم شاة له فيها ثواب لكونه قاصدا جيران الجيران، وهي أيضا عبادة، أو صورتها كانت صورة النسيكة. وفي الحديث إن من ذبح قبل الصلاة فعليه الإعادة بالإجماع لأنه ذبح قبل وقته، واختلفوا فيمن ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام فذهب أبو حنيفة الثوري، والليث إلى أنه يجوز. وقال مالك والشافعي والأوزاعي: لا يجوز لأحد أن يذبح قبل الإمام. أي: مقدار الصلاة والخطبة واختلفوا في ذبح أهل البادية، فقال عطاء: يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس، وقال الشافعي: وقتها كما في الحاضرة مقدار ركعتين وخطبتين، وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة وأصحابه: من ذبح من أهل السواد بعد طلوع الفجر أجزأه لأنه ليس عليهم صلاة العيد، وهو قول الثوري وإسحاق. 5563 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن فراس عن عامر عن البراء قال صلى صلى الله عليه وسلم، ذات يوم. فقال: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فلا يذبح حتى ننصرف، فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله! فعلت. فقال: هو شيء عجلته. قال: فإن عندي جذعة هي خير من مسنتين آذبحها؟ قال: نعم، ثم لا نجزي عن أحد بعدك قال عامر: هي خير نسيكته. مطابقته للترجمة في قوله: (فما يحرم عليه)، إلى آخره أحمد بن محمد بن موسى. يقال له: مردويه السمسار المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وإسماعيل هو ابن أبي خالد. والحديث مضى في الحج في: باب تقليد الغنم فإنه أخرجه هناك بأخصر منه عن أبي نعيم عن زكريا عن عامر عن مسروق عن عائشة وقد مضى أيضا عن عمرة عن عائشة، وعن القاسم عن عائشة وعن
157 الأسود عن عائشة الكل في الحج، وقد مضى الكلام فيه مبسوطا. قو له: (أن تقلد) على صيغة المجهول من التقليد وهو أن يعلق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي قوله: (بدنته) هي ناقة تنحر بمكة. قوله: (قال: فسمعت) أي: قال مسروق: فسمعت (تصفيقها) أي: تصفيق عائشة وهو ضرب إحدى اليدين على الأخرى ليسمع لها صوت، وإنما صفقت عائشة إما تعجبا من ذلك، وأما تأسفا على وقوع ذلك. وفي هذا الحديث رد على من قال: إن من بعث بهدية إلى الحرم لزمه الإحرام إذا قلده ويجتنب ما يجتنبه الحاج حتى ينحر هديه، وروي هذا عن ابن عباس وابن عمرو به قال عطاء بن أبي رباح وأئمة الفتوى على خلافه. وقال ابن بطال: هذا الحديث يرد ما روي عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من رأى منكم هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي رواه مسلم في (صحيحه) مرفوعا، وبه قال سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق، وقال الليث: قد جاء هذا الحديث وأكثر الناس على خلافه، وقال الطحاوي: حديث عائشة أحسن مجيئا من حديث أم سلمة لأنه قد جاء مجيئا متواترا وحديث أم سلمة قد طعن في إسناده، فقيل: إنه موقوف على أم سلمة ولم يرفعه وفي (التوضيح) ذهب إليه الشافعي وأبو ثور وأهل الظاهر، فمن دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من أظفاره شيئا. ونقل ابن المنذر عن مالك والشافعي أنهما كانا يرخصان في أخذ الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي ما لم يحرم غير أنهما يستحبان الوقوف عن ذلك عند دخول العشر إذا أراد أن يضحي، ورأى الشافعي أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر اختيار. 16 ((باب: * (ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها) *)) أي: هذا باب في بيان ما يجوز أكله من لحوم الأضاحي من غير تقييد بثلث أو نصف كذا، قاله بعضهم: قلت: يتناول أيضا جواز أكلها في ثلاثة أيام وأكثر، فعلى كل حال هو مبهم توضح إبهامه أحاديث الباب، فحديث جابر يدل على جواز التزود منها للمسافر فيدل على جواز الأكل في أكثر من ثلاثة أيام، وحديث سلمة بن الأكوع يدل أولا على عدم الجواز بعد الثلاث وآخرا يدل على الجواز أكثر من ذلك لعلة ذكرها. وحديث عائشة رضي الله عنها يدل على الرخصة في ذلك أكثر من ذلك وأثر علي بن أبي طالب يدل على عدم الجواز في أكثر من ثلاثة أيام، ويأتي الجواب عنه. قوله: (وما يتزود منها) أي: وفي بيان جواز ما يتزود منها للسفر. 5567 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: عمر و: أخبرني عطاء سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة. وقال غير مرة لحوم الهدي. مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة، وعلي بن عبد الله بن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح. والحديث مضى في الجهاد عن علي بن عبد الله أيضا. قوله: (على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) أي: على زمانه، وقد علم أن قول الصحابي: كنا نفعل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، في حكم المرفوع. قوله: (وقال غير مرة) أي: قال سفيان غير مرة، وابن المديني كان يقول: قال سفيان مرة لحوم الأضاحي، ومرارا يقول: لحم الهدي، ووقع هنا عن الكشميهني وقال غيره يعني: غير سفيان وهو غير صحيح، والصحيح أن قائله هو سفيان يحكي عنه علي بن عبد الله بن المديني. 5568 ح دثنا إسماعيل قال حدثني سليمان عن يحيى بن سعيد عن القاسم أن ابن خباب أخبره أنه سمع أبا سعيد يحدث أنه كان غائبا، فقدم فقدم إليه لحم قالوا: هاذا من لحم ضحايانا، فقال: أخروه لا أذوقه، قال: ثم قمت فخرجت حتى آتي أخي أبا قتادة وكان أخاه لأمه وكان بدريا فذكرت ذالك له فقال: إنه قد حدث بعدك أمر.
158 مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وسليمان هو ابن بلال، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وابن خباب هو عبد الله بن خباب الأنصاري التابعي، وخباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى ابن الإرث الصحابي، وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك. والأسناد كله مدنيون. وفيه ثلاثة من التابعين على نسق: يحيى والقاسم وشيخه، وفيه صحابيان أبو سعيد وقتادة بن النعمان الظفري بفتح الظاء المعجمة والفاء. والحديث أخرجه النسائي والطبراني وأحمد والطحاوي، ولفظه أن أبا سعيد أتى أهله فوجد عندهم قصعة ثريد ولحم من لحم الأضحى، فأبى أن يأكله، فأتى قتادة بن النعمان أخاه فحدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام الحج قال: (إني كنت نهيتكم أن لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام وإني أحله لكم، فكلوا منه ما شئتم). قوله: (فقدم)، بفتح القاف وكسر الدال أي: فقدم من سفره. قوله: (فقدم)، بضم القاف وكسر الدال المشددة من التقديم. قوله: (حتى آتي أخي أبا قتادة)، قال أبو علي: كذا وقع في نسخة أبي محمد والقابسي من رواية أبي زيد وأبي أحمد، والصواب: حتى آتي أخي قتادة. وفي رواية الليث: فانطلق إلى أخيه لأمه قتادة بن النعمان، وأم أبي سعيد وقتادة أنيسة بنت أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك من بني عدي بن النجار. قوله: (وكان بدريا)، أي: ممن حضر غزوة بدر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فقال أبي قتادة: إنه حدث بعدك أمر)، أي: أمر ناقض لما كانوا ينهون من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، وقد أخرجه أحمد من رواية محمد بن إسحاق قال: حدثني أبي ومحمد بن علي بن حسين عن عبد الله بن خباب مطولا ولفظه: عن أبي سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد نهانا أن نأكل لحوم نسكنا فوق ثلاث قال: فخرجت في سفر ثم قدمت على أهلي، وذلك بعد الأضحى بأيام فأتتني صاحبتي بسلق قد جعلت فيه قديدا. فقالت: هذا من ضحايانا. فقلت لها: أو لم ينهنا؟ قالت: إنه قد رخص للناس بعد ذلك، فلم أصدقها حتى بعثت إلى أخي قتادة بن النعمان فذكره، وفيه: قد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، للمسلمين في ذلك، ومثله ما ذكرناه عن النسائي والطحاوي. واختلف العلماء في هذا الباب فذهب قوم إلى تحريم لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وهم: عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وجماعة من الظاهرية، واحتجوا فيه بما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لا يأكل أحدكم من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام، وبأحاديث أخر وردت فيه، وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بأكلها وادخارها بأسا وهم جماهير العلماء وفقهاء الأمصار منهم الأئمة الأربعة وأصحابهم، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور، وبأحاديث أخر، وقال ابن التين: اختلف في النهي الوارد فيه، فقيل: على التحريم ثم طرأ النسخ بإباحته، وقيل: للكراهة، فيحتمل نسخها وعدمه، ويحتمل أن يكون المنع من الإدخار ثبت لعلة وارتفع لعدمها، يوضحه قوله: وكان بالناس ذلك العام جهد. 5569 حدثنا أبو عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله: نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها. مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عاصم الضحاك الملقب بالنبيل بفتح النون وكسر الباء الموحدة، ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد. وهذا هو الثامن عشر من ثلاثيات البخاري. قوله: (فلا يصبحن من الإصباح)، قوله: (بعد ثالثة)، أي: ليلة ثالثة من وقت التضحية. قوله: (وفي بيته)، الواو فيه للحال. قوله: (وادخروا) بالدال المهملة المشددة لأن أصلها اذتخروا من ذخر بالذال المعجمة اجتمع مع تاء الافتعال وقلبت التاء دالا فصار إذ دخروا. ثم قلبت الذال دالا وأدغمت الدال في الذال فصار: ادخروا. قوله: (جهد)، أي: مشتقة يقال: جهد عيشهم أي: نكد واشتد وبلغ غاية المشقة ففي الحديث دلالة على أن تحريم ادخار لحم الأضاحي كان لعلة، فلما زالت العلة زال التحريم. قال الكرماني: فإن قلت: فهل يجب الأكل من لحمها لظاهر الأمر وهو قوله: كلوا قلت:
159 ظاهره حقيقة في الوجوب إذا لم تكن قرينة صارفة عنه، وكان ثمة قرينة على أنه لرفع الحرمة أي: للإباحة ثم إن الأصوليين اختلفوا في الأمر الوارد بعد الحظر. أهو للوجوب أم للإباحة، ولئن سلمنا أنه الوجوب حقيقة فالإجماع هنا مانع من الحمل عليها. قوله: (فأردت أن تعينوا فيها)، من الإعانة وفي رواية مسلم، فأردت أن تفشوا فيهم، وفي رواية الإسماعيلي: فأردت أن تقسموا فيهم. كلوا وأطعموا وادخروا. قال عياض الضمير في تعينوا فيها للمشقة المفهومة من الجهد أو من الشدة. أو من السنة لأنها سبب الجهد وفي تفشوا فيهم أي: في الناس المحتاجين إليها قال في (المشارق) ورواية البخاري أوجه وقال في (شرح مسلم) رواية مسلم أشبه، وقال بعضهم: قد عرفت أن مخرج الحديث واحد ومداره على أبي عاصم، وأنه قال: تارة هذا وتارة قال: هذا، والمعنى: في الكل صحيح فلا وجه للترجيح. قلت: لا وجه لنفي الترجيح فكل من له أدنى ذوق يفهم أن رواية مسلم أرجح فمن دقق النظر عرف ذلك. 5570 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني أخي عن سليمان عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمان عن عائشة، رضي الله عنها قالت: الضحية كنا نملح منها فنقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بالمدينة فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام وليست بعزيمة ولاكن أراد أن يطعم منه والله أعلم. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وليست بعريمة) إلى آخره، وإسماعيل بن عبد الله هو ابن أبي أويس، وأبو أويس اسمه عبد الله وأخوه أبو بكر عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري والحديث من أفراده. قوله: (الضحية)، بفتح الضاد المعجمة وكسر الحاء. قوله: (منها)، رواه الكشميهني، أي: من الضحية. وفي رواية غيره. منه أي: من لحم الضحية. قوله: (فنقدم) بفتح النون وسكون القاف من القدوم، وفي رواية: فنقدم، بضم النون وفتح القاف وتشديد الدال من التقديم، أي نضع بين يديه قيل هذا أوجه. قوله: (لا تأكلوا) أي: منه، هذا صريح في النهي عنه. فإن قلت: وقع في رواية الترمذي من طريق عابس بن ربيعة عن عائشة أنها سئلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن لحوم الأضاحي؟ فقالت: لا وبين الروايتين منافاة. قلت: لا منافاة لأنها نفت نهي التحريم لا مطلق النهي، ويؤيده قوله في هذه الرواية: (وليست بعزيمة ولكن أراد أن نطعم منه) بضم النون وسكون الطاء أي: نطعم منه غيرنا ومعنى قوله: (ليست بعزيمة) أي: ليس النهي للتحريم ولا ترك الأكل بعد الثلاثة واجبا، بل كان غرضه أن يصرف منه إلى الناس. واختلفوا في هذا النهي، فقال قوم: هو منسوخ من باب نسخ السنة بالسنة، وقال آخرون كان النهي للكراهة لا للتحريم والكراهة باقية إلى اليوم، وقال آخرون: كان التحريم لعلة فلما زالت تلك العلة زال الحكم وجاء في رواية مسلم من حديث عبد الله بن واقد. قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، إلى أن قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. فقال: إنما نهيتكم من أجل الدأفة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا. وقال الخطابي: الدف بالدال المهملة وبالفاء الثقيلة السير السريع، والدافة من يطرأ من المحتاجين. وقال ابن الأثير: الدافة قوم من الأعراب يريدون المصر يريد أنهم قوم قدموا المدينة عيد الأضحى فنهاهم عن إدخار لحوم الأضاحي ليفرقوها ويتصدقوا بها فينتفع هؤلاء القادمون بها. فإن قلت: قوله، عليه الصلاة والسلام: كلوا يدل على إيجاب الأكل منها. قلت: قال الطبري، رحمه الله. هو أمر بمعنى الإطلاق والإذن للآكل لا بمعنى الايجاب، ولا خلاف بين سلف الأئمة وخلفها في عدم الحرج على المضحي بترك الأكل من أضحيته، ولا إثم، فدل ذلك على أن الأمر بمعنى الإذن والإطلاق، وقال ابن التين: لم يختلف المذهب أن الأكل غير واجب، خلاف ما ذكره القاضي أبو محمد عن بعض الناس أنه واجب، وقال ابن حزم: فرض على كل مضح أن يأكل من أضحيته ولو لقمة فصاعدا. 5571 حدثنا حبان بن موسى أخبرنا عبد الله. قال: أخبرني يونس عن الزهري قال: حدثني
160 أبو عبيد مولى ابن أزهر: أنه شهد العيد يوم الأضحى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فصلى قبل الخطبة ثم خطب الناس. فقال: يا أيها الناس! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد نهاكم عن صيام هاذين العيدين أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون نسككم. 5572 حدثنا قال أبو عبيد: ثم شهدت مع عثمان بن عفان فكان ذالك يوم الجمعة فصلى قبل الخطبة ثم خطب فقال: يا أيها الناس! إن هاذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينظر ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له. قال أبو عبيد: ثم شهدته مع علي بن أبي طالب فصلى قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث. مطابقته للترجمة في أثر علي، رضي الله تعالى عنه، في آخر الحديث، وذلك لأن الترجمة قوله: باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وهو يشمل ما يؤكل منها في ثلاثة أيام وما يؤكل في أكثر من ذلك ولكن في أثر على بين أنه لا يجوز فوق ثلاثة أيام كما ذكرنا في أول الباب. وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، والزهري هو محمد بن مسلم، وأبو عبيد بضم العين وفتح الباء الموحدة واسمه سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر بن عوف بن أخي عبد الرحمن بن عوف، وينسب أيضا إلى عبد الرحمن بن عوف قال يحيى بن بكير: مات سنة ثمان وتسعين. قوله: (نسككم) بضمتين. أي: أضحيتكم. قوله: (قال أبو عبيد)، هو موصول بالسند المذكور. قوله: (ثم شهدت مع عثمان)، أي: ثم شهدت العيد مع عثمان، وكذا في بعض النسخ: لفظ العيد مذكور، ولكنه لم يبين أي: عيد. قال بعضهم: والظاهر أنه عيد الأضحى الذي قدمه في حديثه عن عمر، رضي الله تعالى عنه، فتكون اللام فيه للعهد. قلت: يحتمل أحد العيدين ولا سيما في الرواية التي لم يذكر فيها لفظ العيد. قوله: (فكان ذلك)، أي: فكان يوم العيد ذاك يوم الجمعة. قوله: (فيه عيدان)، يعني: عيد الجمعة ويوم العيد حقيقة وسمى يوم الجمعة عيدا لأنه زمان اجتماع المسلمين في يوم عظيم لإظهار شعائر الشريعة كيوم العيد والإطلاق على سبيل التشبيه. قوله: (من أهل العوالي) وهو جمع العالية وهي قرى بقرب المدينة من جهة الشرق، وأقربها من المدينة على أربعة أميال أو ثلاثة، وأبعدها ثمانية. قوله: (فلينتظر) أي: فليتأخر إلى أن يصلي الجمعة. قوله: (أن يرجع)، أي: إلى منزله (فقد أذنت له) بالرجوع، وبه استدل أحمد على سقوط الجمعة على من صلى العيد إذا وافق العيد يوم الجمعة، وبه قال مالك مرة: وأجيب بأنهم إنما كانوا يأتون العيد والجمعة من مواضع لا يجب عليهم المجيء فأخبر بما لهم في ذلك. قوله: (ثم شهدت مع علي، رضي الله تعالى عنه) أي: ثم شهدت العيد مع علي، والمراد به عيد الأضحى لدلالة السياق عليه، ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد أنه سمع عليا رضي الله تعالى عنه، يقول: يوم الأضحى. قوله: (فوق ثلاث)، زاد عبد الرزاق في روايته، فلا تأكلوها بعدها. قال القرطبي: اختلف في أول الثلاث التي كان الإدخار فيها جائزا فقيل: أولها يوم النحر فمن ضحى فيه جاز له أن يمسك يومين بعده ومن ضحى بعده أمسك ما بقي له من الثلاثة، وقيل: أولها يوم يضحي فيه فلو ضحى في آخر أيام النحر جاز له أن يمسك ثلاثا بعدها ويحتمل أن يؤخذ من قوله فوق ثلاث أن لا يحسب اليوم الذي يقع فيه النحر من الثلاث وتعتبر الليلة التي تليه وما بعدها. والجواب عن أثر علي، رضي الله تعالى عنه، أنه محمول على أن السنة التي خطب فيها علي كان بالناس فيها جهد كما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك أجاب ابن حزم فقال: إنما خطب علي، رضي الله تعالى عنه، بالمدينة في الوقت الذي كان عثمان حوصر فيه وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة فأصابهم الجهد، فلذلك قال علي ما قال، ويؤيد صحة هذا أن الطحاوي أخرج من طريق الليث
161 عن عقيل عن الزهري في هذا الحديث، ولفظه: صليت مع علي العيد وعثمان محصور، وعن الشافعي: لعل عليا لم يبلغه النسخ والنهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث منسوخ في كل حال، وقال أبو عمر: لا خلاف فيما علمته بين العلماء في إجازة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وإن النهي عن ذلك منسوخ. وأخرج الطحاوي أحاديث النسخ عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. منهم: علي بن أبي طالب. قال: حدثنا ابن أبي داود حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثني علي ابن زيد قال: حدثني النابغة بن مخارق بن سليم قال: حدثني أبي أن علي بن أبي طالب. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تؤخروها فوق ثلاثة أيام فادخروها ما بدا لكم). وأخرجه أحمد في (مسنده) من حديث ربيعة بن النابغة عن أبيه عن علي، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن زيارة القبور الحديث، وفي آخره: نهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تحبسوها بعد ثلاث فاحبسوا ما بدا لكم قال الذهبي: ربيعة بن النابغة عن أبيه عن علي في الأضحية لم يصح، وقال ابن حبان: ربيعة روى عن أبيه عن علي، وعداده في أهل الكوفة وهو ثقة، ثم وفق الطحاوي بين الروايتين المتنافيتين بما ذكرناه الآن بقولنا والجواب عن أثر علي، رضي الله عنه. * (وعن معمر عن الزهري عن أبي عبيح 6 نحوه) * هذا ظاهره أنه معطوف على السند المذكور، فيكون من رواية حبان بن موسى عن ابن المبارك عن معمر بن راشد، ويحتمل أن يكون معلقا رواه الشافعي في (الأم) فقال: حدثنا الثقة عن معمر فذكره. قوله: (نحوه)، أي: نحو ما روى عن علي، رضي الله تعالى عنه، وهو قوله: نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث. 5574 حدثنا محمد بن عبد الرحيم أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا من الأضاحي ثلاث. وكان عبد الله يأكل بالزيت حين ينفر من منى من أجل لحوم الهدي. مطابقته للترجمة من حيث إنها تشمله كما ذكرنا في أول الباب. ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له: صاعقة، وهو من أفراده، وابن أخي ابن شهاب محمد بن عبد الله بن مسلم يروي عن عمه ابن شهاب محمد بن محمد بن مسلم الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم. والحديث من أفراده. قوله: (ثلاثا)، أي: ثلاثة أيام. قوله: (وكان عبد الله يأكل بالزيت)، أي: يأكل الخبز بالزيت حتى يرجع من منى احترازا عن أكل لحوم الهدى، قيل: الهدى أخص من الأضحية فلا يلزم منه أنه كان محترزا من لحوم الضحايا. وأجيب: بأن ذكر الهدى لمناسبة النفر من منى. قوله: (حين ينفر)، ووقع في رواية الكشميهني وحده: حتى ينفر بدل حين وهو تصحيف لأنه مفسد المعنى لأن ابن عمر كان لا يأكل من لحم الأضحية بعد ثلاثة. فكان إذا انقضت ثلاثة منى إيتدم بالزيت ولا يأكل اللحم تمسكا بالأمر المذكور، وعلى رواية الكشميهني ينعكس الأمر ويعير المعنى: كان يأكل الزيت إلى أن ينفر، فإذا نفر أكل الزيت فيدخل فيه لحم الأضحية وقال الشافعي رضي الله عنه، لم يبلغ النهي عليا ولا عبد الله بن واقد ولو بلغهما ما حدثا بالنهي، والنهي منسوخ، بكل حال، والله أعلم. * (بسم الله الرحمان الرحيم) * 74 ((* (كتاب الأشربة) *)) أي: هذا كتاب في بيان أحكام الأشربة ما يحرم من ذلك وما يباح، وهي جمع شراب وهو اسم لما يشرب وليس بمصدر لأن المصدر: هو الشرب بتثليث الشين يقال: شرب الماء وغيره شربا وشربا. وقرئ (فشاربون شرب الهيم) بالوجوه الثلاثة قال أبو عبيدة: الشرب بالفتح مصدر، وبالخفض والضم إسمان من شرب.
162 وقول الله تعالى: * (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) * وقول الله بالجر عطف على الأشربة المجرورة بالإضافة، والآية بتمامها مذكورة في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر إلى قوله: (رجس) الآية. وأول الآية: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * (المائدة: 90) الآية وذكر البخاري هذه الآية تمهيدا لما يذكره من الأحاديث التي وردت في الخمر، وقد ذكرناها في سورة المائدة، وسبب نزولها ما قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: لما نزل تحريم الخمر، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت هذه الآية التي في البقرة: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) * (البقرة: 129) فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت الآية التي في النساء: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء: 43) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قام إلى الصلاة ينادي أن لا يقرب الصلاة سكران فدعى عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ: * (فهل أنتم منتهون) * (المائدة: 61) قال عمر: انتهينا انتهينا، وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن إسرائيل عن أبي إسحاق، وصحح هذا الحديث الترمذي وعلي بن المديني. قوله: (الخمر)، اختلف أهل اللغة في اشتقاق اسم الخمر على ألفاظ قريبة المعاني، فقيل: سميت خمرا لأنها تخمر العقل أي: تغطيه وتستره، ومنه خمار المرأة لأنه يغطي رأسها وقيل: مشتقة من المخامرة. وهي المخالطة لأنها تخالط العقل، وقيل: سميت خمرا لأنها تركت حتى أدركت يقال: خمر العجين أي: بلغ إدراكه، وقيل: سميت خمرا لتغطيتها الدماغ، وقال أبو حنيفة: هي مؤنثة وقد ذكر ذلك الفراء، وأنشد قول الأعشى: * وكان الخمر العتيق من الإسف * ط ممزوجة ماء زلال * وذكرها حيث قال: العتيق لإرادة الشراب، ولها أسماء كثيرة وذكر صاحب (التلويح) ما يناهز تسعين اسما، وذكر ابن المعتز مائة وعشرين اسما وذكر ابن دحية مائة وتسعين أسما قوله: (والميسر) الغمار، وعن عطاء ومجاهد وطاووس كل شيء من القمار فهو الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز، وقال راشد بن سعيد وحمزة بن حبيب: حتى الكعاب والجوز والبيض التي يلعب بها الصبيان وقال الزمخشري: الميسر القمار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهما، يقال: يسرته إذا قمرته واشتقاقه من اليسر لأنه أخذ مال الرجل بيسر ومهولة من غير تعب ولا كد أو من اليسار لأنه يسلب يساره. قوله: (والأنصاب)، جمع نصب بضم الصاد وسكونها وهو حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية ويتخذونه صنما فيعبدونه. وقيل: كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدم. قوله: (والأزلام) جمع زلم وهو بفتح الزاي، وهي عبارة عن قداح ثلاثة على أحدها: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، والثالث: عطل ليس عليه شيء فإذا خرج الأمر فعله، وإذا خرج الناهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد الاستقسام، وقيل: نعتت الخمر بأنها رجس أي: نجسة وقذرة ولا عين توصف بذلك إلا وهي محرمة يدل على ذلك الميتة والدم، والرجس قد ورد في كتاب الله عز وجل والمراد به الكفر. قال الله تعالى: * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) * (التوبة: 125) يعني: الكفر، ولا يصح أن يكون الرجس المذكور في آية الخمر يراد به الكفر لأن الأعيان لا يصح أن تكون أيمانا ولا كفر أو لأن الخمر لو كانت كفرا لوجب أن يكون العصير أيمانا لأن الكفر والإيمان طريقهما الاعتقاد والقول، وإنما أطلق عليها الرجس لكونها أقوى في التحريم وأوكد عند العلماء، وقد مر في التفسير بأبسط من هذا. 5575 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضا عن القعني ويحيى بن يحيى فرقهما. وأخرجه النسائي فيه وفي الوليمة عن قتيبة وغيره. قوله: (حرمها) بضم الحاء وكسر الراء المخففة على صيغة المجهول وهو متعد إلى المفعولين لأنه
163 ضد أعطت أي: لا يشربها كما قال تعالى: * (وأنهار من خمر لذة للشاربين) * (محمد: 15) فإن قلت: المعصية لا توجب حرمان الجنة. قلت: يدخلها ولا يشرب من نهرها فإنها من فاخر شراب أهلها. فإن قلت: فيها كل ما تشتهي الأنفس. قلت قيل: إنه ينسى شهوتها، وقيل: لا يشتهيها وإن ذكرها. وقال القرطبي: ظاهر الحديث تأبيد التحريم، فإن دخل الجنة شرب من جميع أشربتها إلا الخمر، ومع ذلك فلا يتألم لعدم شربها ولا يحسد من يشربها ويكون حاله كحال أصحاب المنازل في الخفض والرفعة فكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه لا يشتهيها أيضا، وليس ذلك بعقوبة له. قال تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا) * (الحجر: 47) وقيل: إنه يعذب في النار فإذا خرج من النار بالرحمة وبالشفاعة ودخل الجنة لم يحرم شيئا. قولنا: في لبس الحرير والشرب في آنية الذهب والفضة. وقال أبو عمر: قال بعض من تقدم: إن من شرب الخمر ثم لم يتب منها لم يدخل الجنة وهو مذهب غير مرضي عندنا إلا إذا كان على القطع في إنفاذ الوعيد، ومحمله عندنا أنه لا يدخل الجنة إلا أن يغفر الله له إذا مات غير تائب منها كسائر الكبائر، وكذلك قولهم: لم يشربها في الآخرة معناه: عندنا إلا أن يغفر الله له فيدخل الجنة ويشربها وهو عندنا في المشيئة، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، فإن عذبه بذنبه ثم أدخله الجنة برحمته لم يحرمها إن شاء الله عز وجل. 5576 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتي ليلة أسري به بإبلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما ثم أخذ اللبن فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة ولو أخذت الخمر غوت أمتك. مطابقته للترجمة ظاهرة. قيل: محل الترجمة قوله: (غوت أمتك) وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف الحكم بن نافع الحمصي، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي. والحديث أخرجه بقية الستة بأسانيد مختلفة. وقال الترمذي: رواه مالك، رحمه الله تعالى، عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، موقوفا ولم يرفعه. وفيه نظر. قوله: (أتي) على صيغة المجهول. قوله: (بإيلياء) بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف الخفيفة مع المد وهو اسم مدينة بيت المقدس، وقيل: بالقصر والمعنى: عرض ذلك عليه صلى الله عليه وسلم، كان بإيلياء، وقيل: جيء بثلاثة أقداح قدح من عسل وقدحان من خمر ولبن، وأجيب بأن عرض القدحين في إيلياء وعرض الثلاثة عند رفعه إلى سدرة المنتهى. قوله: (للفطرة) أي: للإسلام والاستقامة. قوله: (ولو أخذت الخمر غوت أمتك) أي: ضلت وانهمكت في الشرب ولكن بلطف الله تعالى اختار اللبن لكونه سهلا طيبا طاهرا سائغا للشاربين سليم العاقبة. وفيه: استحباب حمد الله تعالى عند تجدد النعمة وحصول ما كان يتوقع حصوله. واندفاع ما كان يخاف وقوعه. * (تابعه معمر وابن الهاد وعثمان بن عمر والزبيدي عن الزهري) * أي: تابع شعيبا في روايته عن الزهري معمر بفتح الميمين ابن راشد وابن الهاد ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي وعثمان بن عمر بن موسى بن عبد الله بن عبيد الله بن معمر التيمي والزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الشامي الحمصي، والزبيدي هذا ما وقع مع هؤلاء المذكورين إلا في غير رواية أبي ذر، أما متابعة معمر فوصلها البخاري في قصة موسى من أحاديث الأنبياء عليهم السلام، وليس فيه ذكر إيلياء، وفيه إشرب أيهما شئت فأخذت اللبن وشربته، وأما رواية ابن الهاد فوصلها النسائي من طريق الليث عنه عن عبد الوهاب بن بخت عن ابن شهاب وهو الزهري فعلى هذا قد سقط ذكر عبد الوهاب من الأصل بين ابن الهاد وابن شهاب، علي أن ابن الهاد قد روى عن الزهري أحاديث بغير واسطة ووصله أحمد من طريق ابن الهاد عن الزهري بغير واسطة وأما رواية عثمان بن عمر فوصلها تمام الرازي في فوائده من طريق إبراهيم بن المنذر عن عثمان بن عمر، وأما رواية الزبيدي فوصلها النسائي من طريق محمد بن حرب عنه لكن ليس فيه ذكر إيلياء. 5577 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنس، رضي الله عنه، قال: سمعت من
164 رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثا لا يحدثكم به غيري. قال: من أشراط الساعة أن يظهر الجهل ويقل العلم ويظهر الزنا وتشرب الخمر ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيمهن رجل واحد. مطابقته للترجمة في قوله: (وتشرب الخمر) وهشام هو الدستوائي، والحديث من أفراده وقد مر في كتاب العلم في: باب رفع العلم وظهور الجهل. قوله: (لا يحدثكم به غيري) إنما قال هذا إما لأنه كان آخر من بقي من الصحابة ثمة أو لأنه عرف أنه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، غيره. قوله: (من أشراط الساعة) أي: من علاماتها وهو جمع شرط بفتح الراء. قوله: (ويشرب الخمر) أي: ظاهرا علانية. وفي رواية الكشميهني، وشرب الخمر، بلفظ المصدرين وبالإضافة ورواية الجماعة أولى للمشاكلة. قوله: (ويقل الرجال) لكثرة الحروب ولقتال الرجال فيها. قوله: (حتى يكون لخمسين) وفي رواية الكشميهني: حتى يكون خمسون امرأة (قيمهن رجل واحد). 5578 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمان وابن المسيب يقولان: قال أبو هريرة، رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يزني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن. قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الملك بن أبي بكر ابن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام أن أبا بكر كان يحدثه عن أبي هريرة ثم يقول: كان أبو بكر يلحق معهن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم فيها حين ينتهبها وهو مؤمن. مطابقته للترجمة في قوله: (ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ويونس بن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري والحديث مر في كتاب المظالم في باب النهي بغير إذن صاحبه فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه إلى آخره وأخرجه مسلم في الأيمان عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب إلى آخره قوله وابن المسيب هو سعيد بن السميب قوله يقولان في موضع الحال قوله لا يزنى حين يزنى وقع في أكثر الروايات هكذا بلا ذكر فاعل لا يزنى أي لا يزنى المؤمن أو لا يزنى الزاني أو لا يزنى الرجل وقال ابن مالك فيه دلالة على جواز حذف الفاعل قلت الأصل عدم جواز حذفه إلا عند قيام قرينة قطعية تدل على ذلك وهنا كذلك قوله ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن وقال ابن بطال: هذا أشد ما ورد في شرب الخمر، وبه تعلق الخوارج فكفروا مرتكب الكبيرة عامدا عالما بالتحريم وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل أي: لا يكون كاملا في الإيمان حالة كونه في شرب الخمر. قيل: هو من باب التغليظ والتهديد العظيم نحو قوله تعالى: * (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) * (آل عمران: 97) وقال الخطابي: أي: من فعل ذلك مستحلا له. قلت: وكذلك المعنى في كل ما ورد من هذا القبيل فمن ذلك ما رواه ابن منده بإسناده عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر. وروى ابن أبي حاتم من حديث حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه من لقي الله وهو مدمن خمر كان كعابد الوثن، وروى ابن أبي عدي من حديث أبي هريرة يرفعه مدمن الخمر كعابد الوثن. قوله: (قال ابن شهاب) هو موصول بالسند المذكور قوله: (أن أبا بكر) هو والد عبد الملك قوله: (يلحق) بضم الياء من الإلحاق، ومعنى الإلحاق أنه كان يزيد ذلك في حديث أبي هريرة. قوله: (معهن) أي: مع المذكورات، وهي الزنا وشرب الخمر والسرقة. قوله: (نهبة) بفتح النون وهو مصدر وبضم النون المال المنهوب. قوله: (ذات شرف) أي: مكان عال يعني: لا يأخذ الرجل مال الناس قهرا أو ظلما مكابرة وعلو أو عيانا وهم ينظرون إليه
165 فيتضرعون ولا يقدرون على دفعه وقد مرت مباحثه في كتاب المظالم. 2 ((باب الخمر من العنب)) قوله: (الخمر من العنب) يحتمل وجهين من حيث الإعراب: أحدهما: أن يكون لفظ باب مضافا إلى الخمر، فالتقدير: هذا باب في بيان الخمر من العنب، أي: الخمر الكائنة من العنب وهذا لا ينافي أن يكون خمر من غير العنب. والآخر: أن يكون الخمر مرفوعا بالابتداء، ومن العنب، خبره، وهذا صورته صورة الحصر وهو يمشي على مذهب أبي حنيفة، فإن مذهبه: الخمر هي ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، والخمر من غير العنب لا يسمى خمرا حقيقة، وعلى مذهب غيره لا يراد منه الحصر، وإن كانت صورته صورة الحصر كما في قوله عليه السلام: الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة، رواه مسلم من حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه فإن ظاهره يقتضي أن ينحصر الخمر على هاتين الشجرتين، لأن قوله: الخمر اسم للجنس فاستوعب بذلك جميع ما يسمى خمرا، فانتفى بذلك أن يكون الخارج منهما أن يسمى باسم الخمر، مع أنه ورد في حديث ابن عمر: نزل تحريم الخمر: وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، على ما يجيء عن قريب، فإن كان الأمر كذلك يؤل الحديث. وقد أولوه بتأويلات. الأول: أن يكون المراد من قوله: من هاتين الشجرتين، إحداهما كما في قوله عز وجل: * ((6) يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) * (الأنعام: 130). والرسل من الإنس لا من الجن، وقوله عز وجل: * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) * (الرحمن: 22)، وإنما يخرج من أحدهما فيكون المقصود من قوله: الخمر، هي الكائنة من العنب لا من النخلة، وكذلك الكلام في حديث ابن عمر المذكور. الثاني: أن يكون عنى به الشجرتين جميعا، ويكون ما خمر من ثمرهما خمرا. والثالث: أن يكون المراد كون الخمر من هاتين الشجرتين وإن كانت مختلفة، ولكن المراد من العنب هو الذي يفهم منه الخمر حقيقة، ولهذا يسمى خمرا سواء كان قليلا أو كثيرا، أسكر أو لم يسكر، أو يكون المراد من التمر ما يكون مسكرا فلا يكون غير المسكر منه داخلا فيه، وكذا الكلام في كل ما جاء من إطلاق الخمر على غير العنب. فإن قلت: كل ما أسكر يطلق عليه أنه خمر، ألا ترى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام. قلت: المعنى في هذا الخبر وفيما جاء مثله من الأخبار أنه يسمى خمرا حالة وجود السكر دون غيره، بخلاف ماء العنب المشتد فإنه خمر سواء أسكر أو لم يسكر، والدليل قوله عليه السلام: الخمر ما خامر العقل، على ما يجيء عن قريب، فإنه إنما يسمى خمرا عند مخامرته العقل، بخلاف ماء العنب المشتد، وهذا هو التحقيق في هذا المقام، فإني ما رأيت أحدا من الشراح حرر هذا الموضع، بل أكثرهم غضوا عنه عيونهم، غير أني رأيت في (شرح ابن بطال) كذا ذكر باب الخمر من العنب وغيره، فإن صح هذا من البخاري فلا يحتاج إلى كلام أصلا وإلا فالمخلص فيه ما ذكرناه مما فتح لنا من الفيض الإلهي، فله الشكر والمنة. 5579 حدثنا الحسن بن صباح حدثنا محمد بن سابق حدثنا مالك هو ابن مغول عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: لقد حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء. (انظر الحديث: 4616). مطابقته للترجمة من حيث إن المطلق لا يحمل إلا على المأخوذ من العنب. والحسن بن صباح، بفتح الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة: البزار بالزاي ثم الراء الواسطي، ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري، وروى عنه هنا بالواسطة، ومالك هو ابن مغول بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو وباللام البجلي بالباء الموحدة والجيم المفتوحتين، وذكره دفعا للالتباس بمالك بن أنس. قوله: (لقد حرمت) على صيغة المجهول من التحريم وتحريم الخمر كان في سنة الفتح قبل الفتح، وجزم الدمياطي أنه كان في سنة الحديبية، والحديبية كانت سنة ست، وذكر ابن إسحاق أنه كان في وقعة بني النضير، وهي بعد أحد وذلك سنة أربع على الراجح، وفيه نظر لأن أنسا كان الساقي يوم حرمت وأنه لما سمع تحريمها بادر، فأراقها فلو كان ذلك سنة أربع لكان أنس يصغر عن ذلك. قوله: (وما بالمدينة) أي: وما في المدينة (منها)، أي: من الخمر (شيء) ومراده الخمر التي من ماء العنب لأن غيرها من الأنبذة من غير العنب كانت موجودة حينئذ، والدليل عليه ما في حديث أنس الآتي عقيبه، أو أن ابن عمر نفى بمقتضى علمه من ذلك، أو أراد المبالغة في النفي كما يقال: فلان ليس بشيء.
166 5580 حدثناأحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عبد ربه بن نافع عن يونس عن ثابت البناني عن أنس، قال: حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نجد يعني: بالمدينة خمر الأعناب إلا قليلا، وعامة خمرنا البسر والتمر. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وأبو شهاب هو كنية عبد ربه بإضافة العبد إلى الرب ابن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة المدايني، ويونس هو ابن عبيد البصري، وثابت ضد الزائل ابن أسلم البصري أبو محمد ونسبته إلى بنانة بضم الباء الموحدة وتخفيف النونين، وهي زوجة سعد بن لؤي بن غالب بن فهر، فنسب بنوها إليها وقيل: كانت أمة لسعد حضنت بنيه، وقيل: كانت حاضنة بنته. والحديث من أفراده. قوله: (وما نجد بالمدينة) أي: في المدينة. قوله: (وعامة خمرنا البسر والتمر) البسر هو المرتبة الرابعة لثمرة النخل: أولها طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب، والخلال بكسر الخاء المعجمة جمع خلالة بالفتح، وقال ابن الأثير: هو البسر أول إدراكه، وقال الكرماني: الخمر مائع والبسر جامد فكيف يكون هو إياه؟ قلت: هو مجاز عن الشراب الذي يؤخذ منه عكس: أراني أعصر خمرا، أو ثمة إضمار أي: عامة أصل خمرنا. فإن قلت: تقدم أنه قال: ما بالمدينة فيها شيء، فكيف قال: عامة خمرنا؟ قلت: المراد بقوله فيها خمر العنب إذ هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق، أو المطلق محمول عليها. وفي (التوضيح) في هذا الحديث، وفي الذي بعده رد على الكوفيين في قولهم: إن الخمر من العنب خاصة، وإن كل شراب يتخذ من غيره فغير محرم ما دون المسكر منه. قلت: فيما ذكرنا في أول الباب يرد ما قاله فراجع إليه، تعرف المردود ما هو، وقال المهلب أيضا: ليس لأحد أن يقول: إن الخمر من العنب وحده فهؤلاء الصحابة فصحاء العرب والفهماء عن الله ورسوله، قالوا: إن الخمر من خمسة أشياء، وقد أخبر الفاروق بذلك حكاية عما نزل من القرآن، وقال: الخمر ما خامر العقل، وخطب بذلك على منبره صلى الله عليه وسلم، بحضرة الصحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم ولم ينكره أحد فصار كالإجماع. قلت: كل من لا يفهم دقة ما قاله الكوفيون رد عليهم برد مردود، وقول الكوفيين: الخمر من العنب وحده لا ينافي قول الصحابة إن الخمر من خمسة أشياء ولا يضر فصاحتهم لأنهم استعملوا في كلامهم الحقيقة والمجاز وهو عين الفصاحة، ولا يفرق بينهما من كلام الصحابة إلا من له ذوق من إدراك دقائق الكلام. وقوله: (فصار كالإجماع) فيه نظر قوي، وقال صاحب (التوضيح) وروي عن ابن مسعود أنه قال في نقيع التمر: إنه خمر، وقال الشعبي وابن أبي ليلى والنخعي والحسن البصري وعبد الله بن إدريس ومالك والأوزاعي والثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث، المسكر خمر. قلت: إطلاقهم الخمر على هذه الأشياء ليس من طريق الحقيقة، وإنما قالوا: خمر، لمخامرته العقل، ونحن نقول به من هذه الحيثية، وقد مر تحقيقه عن قريب، وقال أيضا: قال أبو حنيفة: المحرم عصير العنب النيء فمن شرب منها ولو نقطة حد وما عداها لا يحد إلا بالسكر، وموضع الرد عليه من الحديث أنهم كانوا يشربون بالمدينة الفضيخ، وهو ما يتخذ من البسر والتمر، فلما جاءهم منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن الخمر قد حرمت، امتنعوا وكسروا الجرار ولم ينكروا، ولا قالوا: كنا نشرب الفضيخ، بل امتنعوا، فلولا أنه عندهم خمر لما امتنعوا منه. قلت: هو لم يحرر موضع الرد، حتى رد على الإمام، والفضيخ الذي كانوا يشربونه حينئذ كان مسكرا، والمسكر يطلق عليه اسم الخمر باعتبار مخامرته العقل لأن حقيقة الخمر من العنب النيء المشتد حتى يتعلق به الحد في قليله، وغير ماء العنب من الأشياء المذكورة لا يتعلق الحد إلا بالمسكر منها. 5581 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن أبي حيان حدثنا عامر عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: قام عمر على المنبر، فقال: أما بعد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل.
167 مطابقته للترجمة على تقدير صحة النسخة: باب الخمر من العنب وغيره، كما في (شرح ابن بطال) ظاهرة. وأما على غالب النسخ بدون لفظ: وغيره، فعلى كون لفظ: باب، مضافا إلى الخمر من العنب، ولا يراد به الحصر كما ذكرنا وجهه في أول الباب، ويدخل فيه كل ما يخامر العقل. ويحيى هو القطان، وأبو حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالنون اسمه يحيى بن سعيد التيمي الكوفي، وعامر هو الشعبي يروي عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما. والحديث مضى في تفسير سورة المائدة، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (أما بعد نزل) والقياس أن يقال: فقد نزل، ولكن جاء حذف الفاء كما في كتاب الحج، قال: فأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافا واحدا. قوله: (ما خامر العقل) أي: كتم وغطى، وهذا تعريف بحسب العرف وأما بحسب اللغة فهو ما يخامر العقل من عصير العنب خاصة. 3 ((باب نزل تحريم الخمر وهي من البسر والتمر)) أي: هذا باب يذكر فيه أنه نزل تحريم الخمر إلى آخره. قوله: وهي أي: والحال أن الخمر كان يصنع من البسر والتمر. 5582 حدثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدثني مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ زهو وتمر، فجاءهم آت، فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها. مطابقته للترجمة في قوله: (من فضيخ زهو) والفضيخ بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالخاء المعجمة وهو اسم للبسر إذا شدخ ونبذ، وقد يقال: الفضيخ، من الفضخ وهو الشدخ والكسر: شراب يتخذ من البسر ويصب عليه الماء ويترك حتى يغلي. قوله: (زهو) بفتح الزاي وسكون الهاء وبالواو، وقد يضم الزاي وهو البسر الملون الذي ظهر فيه الحمرة والصفرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس واسمه عبد الله ابن أخت مالك بن أنس، وقد تكرر ذكره. والحديث أخرجه البخاري أيضا في خبر الواحد عن يحيى بن قزعة. وأخرجه مسلم في الأشربة أيضا عن أبي الطاهر بن السرح. قوله: (أبا عبيدة) هو ابن الجراح واسمه عامر أحد العشرة المبشرة، وأبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس، رضي الله تعالى عنهم واسم أم أنس: أم سليم، كذا اقتصر في هذه الرواية على هؤلاء الثلاثة، فأما أبو طلحة فلكون القصة كانت في منزله، وأما أبو عبيدة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم، آخى بينه وبين أبي طلحة، وأما أبي بن كعب فلأنه كان كبير الأنصار وعالمهم، ووقع في رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس في تفسير المائدة: إني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا، كذا وقع بالإبهام، وسمى في رواية مسلم منهم أبا أيوب، وسيأتي بعد أبواب من رواية هشام عن قتادة عن أنس: إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء، وأبو دجانة بضم الدال المهملة وتخفيف الجيم وبعد الألف نون اسمه سماك بن خرشة بمعجمتين بينهما راء مفتوحات ولمسلم من طريق سعيد عن قتادة نحوه وسمى فيهم: معاذ بن جبل، ولأحمد عن يحيى القطان عن حميد عن أنس كنت أسقي أبا عبيدة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ونفرا من الصحابة عند أبي طلحة ووقع عند عبد الرزاق عن معمر عن ثابت وقتادة وغيرهما عن أنس أن القوم كانوا أحد عشر رجلا، ووقع عند ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان عن أنس أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كانا فيهم وهو منكر جدا، وقيل: إنه غلط، وقد أخرج أبو نعيم في (الحلية) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: حرم أبو بكر رضي الله تعالى عنه الخمر على نفسه فلم يشربها في جاهلية ولا إسلام، فإن قلت: سند حديث ابن مردويه جيد. قلت: إن كان محفوظا يحتمل أن أبا بكر وعمر زارا أبا طلحة في ذلك اليوم ولم يشربا. قوله: (من فضيخ زهو) وقد فسرناه عن قريب. قوله: (فجاءهم آت) لم يدر من هو. قوله: (فأهرقها) أمر من الإهراق، وأصله أرقها من الإراقة، ويروى: فهرقها، بفتح الهاء وكسر الراء أي: أرقها فأبدلت الهمزة هاء، وكذلك الكلام في: أهرقها وهرقتها، ووقع في رواية ثابت عن أنس في التفسير بلفظ: فإهراقها، ومن رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس، فقالوا: أرق هذه القلال يا أنس، وهذا محمول على أن المخاطب له بذلك أبو طلحة، ورضي الباقون بذلك، فنسب الأمر بالإراقة إليهم جميعا.
168 5583 حدثنا مسدد حدثنا معتمر عن أبيه قال: سمعت أنسا قال: كنت قائما على الحي أسقيهم عمومتي وأنا أصغرهم الفضيخ، فقيل: حرمت الخمر، فقالوا: إكفئها، فكفأنا. قلت لأنس: ما شرابهم؟ قال: رطب وبسر، فقال أبو بكر بن أنس: وكانت خمرهم، فلم ينكر أنس. وحدثني بعض أصحابي أنه سمع أنسا يقول: كانت خمرهم يومئذ. مطابقته للترجمة في قوله: (وبسر). ومعتمر هو ابن سليمان يروي عن أبيه سليمان بن طرخان البصري. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضا عن يحيى بن أيوب وغيره. وأخرجه النسائي فيه وفي الوليمة عن سويد بن نصر. قوله: (كنت قائما على الحي أسقيهم عمومتي) الحي: واحد أحياء العرب. قوله: (عمومتي) جمع عم، قال الكرماني: عمومتي بدل عن الضمير، أو منصوب على الاختصاص، وفي رواية مسلم. إني لقائم على الحي على عمومتي أسقيهم من فضيخ لهم وأنا أصغرهم سنا، وهذا أحسن من ذاك. وفيه: أن الصغير يخدم الكبير. قوله: إكفئها) بكسر الهمزة وسكون الكاف وكسر الفاء وسكون الهمزة بمعنى: إقلبها يعني: أرقها. قوله: (فكفأنا) لجماعة المتكلم من الماضي أي: قلبناها قوله: (قلت لأنس) القائل هو سليمان والدمعتمر الراوي. قوله: (وقال أبو بكر) هو ابن أنس بن مالك في حضور أبيه، فكانت خمرهم أي: الفضيخ كانت خمرهم، ووجه التأنيث مع أن المذكور الشراب باعتبار أنه خمر. قوله: فلم يذكر أنس) وفي رواية مسلم: فلم ينكر أنس ذلك، وكأن أنسا لم يحدثهم بهذه الزيادة وهي قوله: (وكانت خمرهم) إما نسيانا وإما اختصارا، فذكره به ابنه أبو بكر فأقره عليها أنس. قوله: (وحدثني بعض أصحابي) القائل بهذا أيضا سليمان المذكور، ويروي: بعض أصحابنا وهو موصول بالسند الأول المذكور، قيل: هذا المبهم يحتمل أن يكون بكر بن عبد الله المزني، فإن روايته في آخر الباب تومىء إلى ذلك، ويحتمل أن يكون قتادة، وسيأتي بعد أبواب من طريقه عن أنس بلفظ: وأنا نعدها يومئذ الخمر. 5584 حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا يوسف أبو معشر البراء قال: سمعت سعيد بن عبيد الله: قال حدثني بكر بن عبد الله أن أنس بن مالك حدثهم: أن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر. مطابقته للترجمة ظاهرة والمقدمي بفتح الدال المشددة مر عن قريب، ويوسف هو ابن يزيد وكنيته أبو معشر وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه، ويقال له أيضا: القطان، وكان مشهورا أيضا بالبراء بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء وبالمد، وكان يبري السهام وهو بصري وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وآخر في الطب سيأتي إن شاء الله تعالى، وسعيد ابن عبيد الله بن جبير بالجيم والباء الموحدة ابن حية بالحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وما له أيضا في البخاري إلا هذا الحديث، وآخر تقدم في الجزية، وبكر بن عبد الله المزني البصري، وهو من أفراده. قوله: (حرمت) على صيغة المجهول من التحريم. قوله: (والخمر)، الواو فيه للحال، وفي (التوضيح): هذا الحديث أيضا حجة على العراقيين، إنما الخمر من العنب وحده لأن الصحابة القدوة في علم اللسان ولا يجوز عليهم أن يفهموا أن الخمر إنما هي من العنب خاصة، قلت: قد تكرر هذا الكلام في هذه الأبواب بلا فائدة، والذي قاله نقص في حقهم لنسبته إياهم إلى عدم المعرفة بفنون الكلام وهم القدوة في فنون الكلام، وإنما قالوا الغير المتخذ من العنب خمرا للتشبيه بالمتخذ منه في مخالطة العقل، وقد حققنا هذا الموضع فيما مضى عن قريب. 4 ((باب الخمر من العسل وهو البتع)) الكلام فيه مثل الكلام في: باب الخمر من العنب في الوجوه التي ذكرناها. قوله (وهو البتع) بكسر الباء الموحدة وسكون التاء المثناة من فوق وبالعين المهملة، قال القزاز: وهو يتخذ من عسل النحل صلب يكره شربه لدخوله في جملة
169 ما يكره من الأشربة لفعله وصلابته وفي كتاب (الواعي) صلابته كصلابة الخمر، وقال أبو حنيفة: البتع خمر يمانية وأهل اليمن يفتحون تاءه، وقال ابن محيريز: سمعت أبا موسى يخطب على منبر البصرة: ألا إن خمر أهل المدينة البسر والتمر، وخمر أهل فارس العنب، وخمر أهل اليمن البتع، وخمر الحبش السكركة وهو الأرز. وقال معن: سألت مالك بن أنس عن الفقاع؟ فقال: إذا لم يسكر فلا بأس، وقال ابن الدراوردي سألنا عنه فقالوا: لا يسكر لا بأس به. معن بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالنون ابن عيسى القزاز بالقاف وتشديد الزاي الأولى، قال ابن سعد: مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وتسعين ومائة. وقال صاحب (التلويح): هذا التعليق أخذه البخاري عن معن مذا كرة فيما قاله بعض العلماء. قلت: كيف يتصور أخذ البخاري عن معن ومولده في شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وكان عمره يوم مات معن أربع سنين؟ وكأنه غره ما حكاه ابن الصلاح في تعاليق البخاري عن شيوخه مطلقا، لا في خصوص هذا الأثر، وأراد ببعض العلماء ابن الصلاح، وأبعد صاحب (التوضيح) حيث قال: أخذ البخاري هذا التعليق عن معن مذا كرة، وهو قلد صاحب (التلويح) وزاد في البعد مسافة، قوله: (عن الفقاع) بضم الفاء وتشديد القاف وبالعين المهملة، قال الكرماني: المشروب المشهور. قلت: الفقاع لا يشرب بل يمص من كوزه، وقال بعضهم: الفقاع معروف قد يصنع من العسل، وأكثر ما يصنع من الزبيب. قلت: لم يقل أحد إن الفقاع يصنع من العسل، بل أهل الشام يصنعونه من الدبس، وفي عامة البلاد ما يصنع إلا من الزبيب المدقوق، وحكم شربه ما قاله مالك: إن لم يسكر لا بأس به، والفقاع لا يسكر، نعم إذا بات في إنائه الذي يصنعونه فيه ليلة في الصيف أو ليلتين في الشتاء يشتد جدا، ومع هذا لا يسكر، وقد سئل بعض مشايخنا: ما قول السادة العلماء في فقاع يتخذ من زبيب بحيث أنه إذا قلع سداد كوزه لا يبقى فيه شيء من شدته يخرج وينتثر؟ فقال: لا بأس به، وأما إذا صار بحال بحيث إنه يسكر من شدته فيحرم حينئذ قليلا كان أو كثيرا. قوله: (وقال ابن الدراوردي) هو عبد العزيز بن محمد، وهذا من رواية معن بن عيسى عنه أيضا. والظاهر أن ابن الدراوردي سأل عن فقهاء أهل المدينة في زمانه، وهو قد شارك مالكا في لقاء أكثر مشايخه المدنيين. 5585 حدثناعبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمان أن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن البتع فقال: كل شراب أسكر فهو حرام. (انظر الحديث: 242 وطرفه). مطابقته للترجمة ظاهرة. وقد مضى في كتاب الطهارة في: باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ، فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل شراب أسكر فهو حرام، ولم يعرف اسم السائل صريحا. قيل: يحتمل أن يكون السائل أبا موسى الأشعري لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فسأله عليه السلام عن أشربة تصنع بها، فقال: ما هي؟ قال: البتع والمزر، فقال: كل مسكر حرام. 5586 حدثناأبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع، وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شراب أسكر فهو حرام. (انظر الحديث: 242 وطرفه). وعن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تنتبذوا في الدباء ولا في المزفت. وكان أبو هريرة يلحق معهما الحنتم والنقير.
170 مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، يروي عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. والحديث مضى في الطهارة مختصرا في: باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ، وقد ذكرناه عن قريب. قوله: (كل شراب أسكر) من جوامع الكلم لأنه سئل عن البتع وأجاب عن جنس المشروب المسكر. قوله: (وعن الزهري) هو من رواية شعيب أيضا عن الزهري، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (في الدباء) بضم الدال وتشديد الباء الموحدة وبالمد وهو القرع. قوله: (والمزفت) بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الفاء المفتوحة وهو الإناء المزفت بالزفت، وهو شيء كالقير. قوله: (وكان أبو هريرة) القائل بهذا هو الزهري، وقع ذلك عند شعيب عنه مرسلا. وأخرجه مسلم والنسائي من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي عيينة عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: لا تنتبذوا في الدباء ولا في المزفت، ثم يقول أبو هريرة: (واجتنبوا الحناتم)، ورفعه من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، وزاد فيه: والدباء. قوله: (يلحق) بضم الياء من الإلحاق. قوله: (معهما) أي: مع الدباء والمزفت. قوله: (الحنتم) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق، وهي الجرة الخضراء، والنقير بفتح النون وكسر القاف وهو الخشب المنقور، وخصت هذه الظروف بالنهي لأنها ظروف منبذة فإذا انتبذ صاحبها كان على خطر منها لأن الشراب فيها قد يصير مسكرا وهو لا يشعر بها. 5 ((باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب)) أي: هذا باب في بيان ما جاء من الأخبار في أن الخمر هو ما خامر العقل من شرب الشراب. 5588 حدثناأحمد بن أبي رجاء حدثنا يحياى عن أبي حيان التيمي عن الشعبي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل. والخمر ما خامر العقل، وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا. عهدا: الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا؟ قال: قلت: يا أبا عمر و أفشيء يصنع بالسند من الرز؟ قال: ذاك لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو قال: على عهد عمر. وقال حجاج عن حماد عن أبي حيان مكان العنب: الزبيب. مطابقته للترجمة في قوله: (والخمر ما خامر العقل) وأحمد بن أبي رجاء بالجيم اسمه عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي، و يحيى هو ابن سعيد القطان، وأبو حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالنون واسمه يحيى بن سعيد التيمي، و الشعبي عامر بن شراحيل. والحديث قد مضى في تفسير سورة المائدة فإنه أخرجه هناك إلى قوله: (والخمر ما خامر العقل) وأخرجه أيضا في الاعتصام. وأخرجه بقية الجماعة غير ابن ماجة، ومضى الكلام فيه. قوله: (قد نزل تحريم الخمر) أراد به عمر رضي الله عنه نزول الآية المذكورة في أول كتاب الأشربة وهي آية المائدة. * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * (المائدة: 90) الآية. وقال بعضهم: أراد عمر، رضي الله تعالى. عنه، التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصا بالمتخذ من العنب، بل يتناول المتخذ من غيرها. قلت: نعم يتناول غير المتخذ من العنب من حيث التشبيه لا من حيث الحقيقة. قوله: (وهي من خمسة أشياء) جملة حالية لا تقتضي الحصر ولا ينبغي إطلاق الخمرية على نبيذ الذرة والأرز وغيرهما، وقال الخطابي: إنما عد عمر رضي الله عنه هذه الأنواع الخمسة لاشتهار أسمائها في زمانه ولم يكن بوجد بالمدينة الوجود العام فإن الحنطة كانت عزيزة والعسل مثلها أو أعز، فعد عمر رضي الله عنه ما عرف منها، وجعل ما في معناها مما يتخذ من الأرز وغيره خمر بمثابتها إن كان مما يخامر العقل ويسكر كإسكارها. قوله: (والخمر ما خامر العقل) أي: غطاه وخالطه، ولم يتركه على حاله، وهو من مجاز التشبيه. وقال الكرماني: فيه دليل على إحداث الاسم بالقياس وأخذه من طريق الاشتقاق. قلت: هذا
171 الباب فيه خلاف. وقيل: هذا تعريف بحسب اللغة لا بحسب العرف فإنه بحسبه ما يخامر العقل من عصير العنب خاصة. قلت: لا نسلم أن هذا التعريف بحسب اللغة، بل هو تعريف بحسب العرف، وهذا القائل عكس الأمر فيه لأن الأصل في خمر العنب رعاية المعنى اللغوي، وفي العرف لا يستعمل في غيره إلا بطريق المجاز. قوله: (وثلاث) قال بعضهم: هي صفة موصوف أي: أمور أو أحكام. قلت: الموجه أن يقال: أي ثلاث قضايا أو ثلاث مسائل. قوله: (وددت) أي: تمنيت، وإنما تمنى ذلك لأنه أبعد من محذور الاجتهاد فيه وهو الخطأ فيه على تقدير وقوعه، ولو كان مأجورا عليه فإنه يفوته بذلك الأجر الثاني، والعمل بالنص إصابة محضة. قوله: (لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا) أي: حتى يبين لنا، وفي رواية مسلم: عهدا ننتهي إليه قوله: (الجد) أي: الأول من الثلاث الجد أي: مسألة الجد في أنه يحجب الأخ أو ينحجب به أو يقاسمه وفي قدر ما يرثه لأن الصحابة اختلفوا فيه اختلافا كثيرا فروي عن عبيدة أنه قال: حفظت عن عمر رضي الله عنه في الجد سبعين قضية كلها يخالف بعضها بعضا، وعن عمر أنه جمع الصحابة ليجتمعوا في الجد على قول، فسقطت حية من السقف فتفرقوا، فقال عمر رضي الله عنه أبى الله إلا أن يختلفوا في الجد، وقال علي رضي الله عنه: من أراد أن يفتح جراثيم جهنم فليقض في الجد، يريد أصولها، والجراثيم جمع جرثومة وهي الأصل. وقال أبو بكر وابن الزبير وابن عباس وعائشة وأبو موسى رضي الله عنهم: هو يحجب الأخوة. وبه قال أبو حنيفة، وقال زيد: هو كأحد الأخوة ما لم تنقصه المقاسمة، فإذا أنقصته أعطي الثلث وقسموا للأخوة ما بقي، وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي، وروي عن علي رضي الله عنه: هو أخ معهم ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث. قوله: (والكلالة) أي: والثاني من الثلاث مسألة الكلالة، بفتح الكاف وتخفيف اللام: وهو من لا ولد له ولا والد قاله أبو بكر وعمر وعلي وزيد وابن مسعود والمدنيون والبصريون والكوفيون، وروي عن ابن عباس: هو من لا ولد له وإن كان له والد، وقال شيخنا أمين الدين في (شرحه للسراجية): الكلالة تطلق على ثلاثة: على من لم يخلف ولدا ولا والدا، وعلى من ليس يولد ولا والد من المخلفين، وعلى القرابة من جهة الولد والوالد، قال: وهو في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الإعياء فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد لأنها بالإضافة إلى قرابتهما ضعيفة، وإذا جعل صفة للموروث أو الوارث فبمعنى ذي كلالة، كما يقال: فلان من قرابتي أي: من ذي قرابتي. قوله: (وأبواب من أبواب الربا) الثالث من الثلاث، وأبواب الربا كثيرة غير محصورة حتى قال بعضهم: لا ربا إلا في النسيئة ، وقول عمر رضي الله عنه: وأبواب، يدل على أنه كان عنده نص في بعض أبوابه دون بعض ولهذا تمنى معرفة البعض. قوله: (يا أبا عمر) وأصله يا أبا عمر وحذفت الألف للتخفيف وهو كنية الشعبي، والقائل بهذا أبو حيان التيمي. قوله: (وشئ) مبتدأ تخصص بالصفة وهو قوله: (يصنع) وخبره محذوف تقديره: وشئ يصنع بالسند من الأرز ما حكمه؟ والسند بكسر السين المهملة وسكون النون، وبالدال المهملة وهي بلاد بالقرب من الهند. قوله: (من الرز) ويروى: من الأرز. قال الجوهري: الأرز حب وفيه ست لغات: أرز وأرز تتبع الضمة الضمة، وأرز وأرز مثل رسل ورسل، ورز ورنز، وهي لعبد القيس. قلت: وفيه لغة سابعة: أرز بفتح الهمزة مع تخفيف الزاي، كعضد. قوله: (ذاك) أي: الذي يصنع من الرز لم يكن موجودا في المدينة أو معروفا على زمن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أو قال) شك من الراوي. قوله: (وقال حجاج عن حماد) أي: حجاج بن منهال، وهو شيخ البخاري عن حماد بن سلمة عن أبي حيان المذكور في الحديث مكان العنب الزبيب، يعني: روى هذا الحديث عن أبي حيان بهذا السند والمتن فذكر الزبيب عوض العنب وذكر البخاري هذا عن الحجاج مذاكرة، ووصله علي بن عبد العزيز في (مسنده) عن حجاج بن منهال كذلك. 5589 حدثناحفص بن عمر حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر. قال: الخمر تصنع من خمسة: من الزبيب والتمر والحنطة والشعير والعسل. هذا طريق آخر أخرجه عن حفص بن عمر بن الحارث أبو عمر الحوضي النمري الأزدي عن شعبة بن الحجاج عن
172 عبد الله بن أبي السفر ضد الحضر واسمه سعيد محمد الهمداني الكوفي يروي عن عامر الشعبي عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ومر الكلام في: باب الخمر من العنب، في حديث عمر مثل هذا، لكن هناك العنب أحد الخمسة، وهنا الزبيب، وقد قلنا غير مرة: إن التنصيص على عدد معين لا ينافي ما عداه، وإن إطلاق الخمر على غير ماء العنب المشتد ليس بطريق الحقيقة، وإنما هو من: باب التشبيه، وقال بعضهم: وقال صاحب (الهداية) من الحنفية: الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وهو معروف عند أهل اللغة وأهل العلم. قال: وقيل: هو اسم لكل مسكر لقوله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر، وقوله: (الخمر من هاتين الشجرتين) ولأنه من مخامرة العقل وذلك موجود في كل مسكر، ولنا: إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمر بالعنب، ولهذا اشتهر استعمالها فيه، ولأن تحريم الخمر قطعي وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظني، قال: وإنما سمي الخمر خمرا لتخمره لا لمخامرة العقل. قال: ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصا به، كما في النجم فإنه مشتق من الظهور ثم هو خاص بالثريا. انتهى. ثم قال: هذا القائل: والجواب عن الحجة الأولى وأطال الكلام به كما نذكره ونرد عليه، ثم قال: وعن الثانية وعن الثالثة كذلك نذكرهما ونرد عليه. قلت: أما أولا فذكر صاحب (الهداية) عشرة أوجه في ثبوت ما ادعاه من إطلاق اسم الخمر على عصير العنب إذا غلا واشتد هو المعروف عند أهل اللغة. وأهل العلم وبين وجه كل وجه من العشرة، وهذا القائل المعترض اعترض على ثلاثة أوجه منها وسكت عن الباقي لعدم الإدراك الكامل والفهم الناقص. بيان الوجه الأول: من ذلك هو قوله: والجواب عن الحجة الأولى ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمرا، وقال الخطابي: زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عرب فصحاء، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه. انتهى قلت: سبحان الله! كيف يكون هذا الكلام جوابا عن الحجة الأولى وبيان بطلانه من وجوه. الأول: قوله ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة إلى آخره، دعوى مجردة، فمن هو ذلك البعض من أهل اللغة؟ بل المنقول من أهل اللغة أن الخمر من العنب والمتخذ من غيره لا يسمى خمرا إلا مجازا، وقد نفى أبو الأسود الدؤلي الذي هو من أعيان أهل اللغة اسم الخمر عن الطلاء، بقوله. * دع الخمر يشربها الغواة فإنني * رأيت أخاها مغنيا لمكانها * وجعل الطلاء أخا للخمر، وأخو الشيء غيره والطلاء كل ما خثر من الأشربة وهو المثلث، ويقال: المنصف، وكل ذلك بالطبخ من أي عصير كان. الثاني: استدل بقول الخطابي، وهو ليس من أهل اللغة، وإنما هو ناقل. والثالث: هو أن قوله: إن الصحابة الذين سموا إلى آخره، لا ينكره أحد ولا ينكر أحد أيضا كونهم فصحاء وأعيان أهل اللغة، ولكن ما أطلقوا على العصير من غير العنب خمرا بطريق الوضع اللغوي بل بطريق التسمية والتسمية غير الوضع بلا خلاف، ووجه تسميتهم من باب التشبيه والمجاز، ومن جملة ما قال في الجواب عن الحجة الأولى: وقال أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم: كل مسكر خمر، فنقول نحن: لا ننازع في هذا لأن معناه: كل شراب أسكر فحكمه حكم الخمر في الحرمة وبقية الأحكام، فلا يدل هذا على إطلاق الخمر على المتخذ من غير العنب خمرا على الحقيقة، بل بطريق التشبيه والتشبيه لا عموم له، وقال أيضا: ومن الحجة لهم أن القرآن لما نزل بتحريم الخمر فهم الصحابة، وهم أهل اللسان، أن كل شيء يسمى خمرا يدخل في النهي، فأراقوا المتخذ من التمر والرطب ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب انتهى. قلنا: إنما أراقوا المتخذ من التمر والرطب لأنه كان مسكرا حينئذ، فأطلقوا عليه الخمر من جهة إسكاره. والدليل على أنه كان مسكرا حين بلغهم الخبر بتحريم الخمر ما رواه أبو عاصم بلفظ: حين مالت رؤوسهم، فدخل داخل فقال: إن الخمر حرمت. قال: فما خرج منا خارج ولا دخل داخل حتى كسرنا القلال وأهرقنا الشراب... الحديث، فلو كان غير مسكر لما فعلوا ذلك. وروى الطحاوي من حديث أنس قال: كان أبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب عند أبي طلحة وأنا أسقيهم من شراب حتى كاد يأخذ فيهم... الحديث وفي آخره: وإنها البسر والتمر، وإنها لخمرنا يومئذ، ورواه أحمد أيضا، وفيه أيضا: حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم، وفي رواية للطحاوي: حتى أسرعت فيهم، فهذا ينادي بأعلى صوته أن مشروبهم يومئذ كان مسكرا، ولما بلغهم الخبر بتحريم
173 الخمر بطلوا الشراب وأراقوا ما بقي منه. وبيان الوجه الثاني من ذلك هو قوله: وعن الثانية يعني: الجواب عن الحجة الثانية ما تقدم من أن اختلاف المشتركين في الحكم في الغلظ لا يلزم منه افتراقهما في التسمية كالزنا مثلا، فإنه يصدق على من وطئ أجنبية، وعلى من وطئ امرأة جاره. والثاني أغلظ من الأول، وعلى من وطئ محرما له وهو أغلظ، واسم الزنا مع ذلك شامل للثلاثة. ا ه. قلنا: سبحان الله ما أبعد هذا الجواب بشيء ونحن قائلون به، وذلك أن الاشتراك في الحكم في الغلظ لا يستلزم افتراقهما في التسمية عند وجود السكر في العصير المتخذ من غير العنب، فمن قال: إن العصير المتخذ من غير العنب قيل السكر مشترك مع عصير العنب المشتد في الحكم وكيف يكون ذلك والعصير المتخذ من غير العنب قبل السكر لا يسمى حراما فضلا عن أن يسمى خمرا، بخلاف العصير من العنب المشتد فإنه حرام أسكر أو لم يسكر؟ فأني يشتركان في الحكم، والزنا حرام في كل حالة مطلقا من غير تفصيل. وبيان الوجه الثالث من ذلك هو قوله وعن الثالثة: أي الجواب عن الحجة الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب بما نفاه هو، كيف؟ وهو يستجيز أن يقول: لا لمخامرة العقل مع قول عمر رضي الله عنه بمحضر الصحابة: الخمر ما خامر العقل، وكان مستنده ما ادعاه من اتفاق أهل اللغة فيحمل قول عمر على المجاز. ا ه. قلنا: قول صاحب (الهداية) فإنما سمى خمرا لتخمره لا لمخامرته العقل غير معارض لكلام عمر رضي الله عنه فإن مراده من حيث الاشتقاق لأن الخمر ثلاثي فكيف يشتق من المخامرة الذي هو مزيد الثلاثي؟ وإنكاره من هذه الجهة على أنه قال بعد ذلك: على أن ما ذكرتم لا ينافي كون اسم الخمر خاصا في النيء من ماء العنب إذا أسكر، فإن النجم مشتق من الظهور وهو اسم خاص للنجم المعروف وهو الثريا، وليس هو باسم لكل ما ظهر، وهذا كثير النظائر نحو: القارورة فإنها مشتقة من القرار وليست اسما لكل ما يقرر فيه شيء ولم أر أحدا من شراح (الهداية) حرر هذا الموضع كما ينبغي، وقد بسطنا الكلام فيه بما فيه الكفاية ولله الحمد. وملخص الكلام بما فيه الرد على كل من رد على أصحابنا فيما قالوه من إطلاق الخمر حقيقة على النيء من ماء العنب المشتد وعلى غيره مجازا وتشبيها، منهم: أبو عمر والقرطبي والخطابي والبيهقي وغيرهم بما رواه الطحاوي عن ابن عباس بإسناد صحيح، قال: حرمت الخمرة بعينها والمسكر من كل شراب، وروى أيضا من حديث ابن شهاب عن ابن أبي ليلى عن عيسى: أن أباه بعثه إلى أنس رضي الله عنه في حاجة فأبصر عنده طلاء شديدا، والطلاء مما يسكر كثيره. فلم يكن عند أنس ذلك خمرا وإن كثيره يسكر فثبت بذلك أن الخمر لم يكن عند أنس من كل شراب يسكر، ولكنها من خاص من الأشربة، وهذا يدل على أن أنسا كان يشرب الطلاء، ومع هذا قال الرافعي: ذهب أكثر الشافعية إلى أن الخمر حقيقة فيما يتخذ من العنب مجاز في غيره، وقال بعضهم: وخالفه ابن الرفعة فنقل عن المزني وابن أبي هريرة وأكثر الأصحاب أن الجميع يسمى خمرا حقيقة. قلت: هذا القائل لم يدر الفرق بين الرافعي وابن الرفعة، والله سبحانه وأعلم. 6 ((باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه)) أي: هذا باب في بيان ما جاء في حق من يرى الخمر حلالا. قوله: (ويسميه) أي: يسمي الخمر أي: وفي بيان من يسمى الخمر بغير اسمه، وإنما ذكر ضمير الخمر بالتذكير مع أن الخمر مؤنث سماعي باعتبار الشراب. قال الكرماني: ويروى يسميها بغير اسمها يعني: بتأنيث الضمير على الأصل. 5590 وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمان بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثنا عبد الرحمان بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر. أو أبو مالك الأشعري. والله ما كذبني، سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم يعني: الفقير لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة.
174 مطابقة الجزء الأول للترجمة ظاهرة، وليس فيه ما يطابق الجزء الثاني قيل: أشار بقوله (ويسميه) بغير اسمه إلى حديث روي في ذلك، ولكنه لم يخرجه لكونه على غير شرطه، وهو ما رواه أبو داود من طريق مالك بن أبي مريم عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم، ليشربن ناس الخمر يسمونها بغير اسمها، وصححه ابن حبان، وروى ابن أبي شيبة من حديث أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، وصححه ابن حبان، وروى ابن أبي شيبة من حديث أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير. قوله: وقال هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي الدمشقي، وهو أحد مشايخ البخاري وروى عنه في فضل أبي بكر رضي الله عنه وفي البيوع أسند عنه في هذين الموضعين، وفي ثلاث مواضع يقول: قال هشام بن عمار في الأشربة هذا، وفي المغازي: إن الناس كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية تفرقوا في ظلال شجر، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، ففي هذه المواضع الثلاثة لا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، والظاهر أنه أخذ هذا الحديث عن هشام هذا مذاكرة. والحديث صحيح وإن كانت صورته صورة التعليق، وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا إلى من علقه عنه، ولو لم يكن من شبوخه. فإن قلت: قال ابن حزم: هذا الحديث منقطع فيما بين البخاري وصدقة بن خالد والمنقطع لا تقوم به حجة. قلت: وهم ابن حزم في هذا، فالبخاري إنما قال: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة ولم يقل: قال صدقة بن خالد. قال صاحب (التوضيح) وليته أعله بصدقة فإن يحيى قال فيه: ليس بشيء، رواه ابن الجنيد عنه، وروى المروزي عن أحمد: ليس بمستقيم ولم يرضه. قلت: هذا تمن غير مرجو فيه، المراد فإن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال عن أبيه، فقيه ثقة ليس به بأس، أثبت من الوليد بن مسلم صالح الحديث. وقال دحيم والعجلي ومحمد بن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة، وروى عن يحيى أيضا، وذهل صاحب (التوضيح) وظن أنه المنقول عن أحمد ويحيى فيه وليس كذلك، وإنما قال ذلك في صدقة بن عبد السمين وهو أقدم من صدقة بن خالد، وقد شاركه في كونه دمشقيا، وفي رواية عن بعض شيوخه كزيد بن واقد وهو صدقة بن خالد القرشي الأموي أبو العباس الدمشقي مولى أم البنين أخت معاوية بن أبي سفيان. قاله البخاري وأبو حاتم، وقيل: مولى أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قاله هشام بن عمار الراوي عنه، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وآخر تقدم في مناقب أبي بكر، وصدقة هذا يروي عن عبد الرحمن بن يزيد من الزيادة ابن جابر الأزدي مر في الصوم وهو يروي عن عطية بن قيس الكلابي الشامي التابعي يروي عن عبد الرحمن بن غنم، بفتح الغين المعجمة وسكون النون: ابن كريب بن هانىء مختلف في صحبته، وقال ابن سعد: كان أبوه ممن قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحبة أبي موسى الأشعري، وذكر ابن يونس أن عبد الرحمن كان مع أبيه حين وفد، وقال أبو زرعة الدمشقي وغيره من حفاظ الشام: إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلقه. وقال أبو عمر عبد الرحمن بن غنم الأشعري جاهلي: كان مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، ولم يفد عليه، ولازم معاذ بن جبل رضي الله عنه منذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن إلى أن مات في خلافة عمر رضي الله عنه وسمع من عمر بن الخطاب، وكان أفقه أهل الشام، وهو الذي فقه عامة التابعين بالشام، ومات بالشام سنة ثمان وسبعين. قوله: (قال حدثني أبو عامر، أو أبو مالك الأشعري) هكذا رواه أكثر الحفاظ عن هشام بن عمار بالشك، وكذا وقع عند الإسماعيلي من رواية بشر بن بكر، لكن وقع في رواية أبي داود من رواية بشر بن بكر حدثني أبو مالك بغير شك، والراجح أنه عن أبي مالك الأشعري وهو صحابي مشهور، قيل: اسمه كعب، وقيل: عمرو، وقيل: عبد الله، وقيل: عبيد يعد في الشاميين، وأما أبو عامر الأشعري فقال المزي: اختلف في اسمه، فقيل: عبيد الله بن هانىء وقيل: عبد الله بن وهب، وقيل: عبيد بن وهب، سكن الشام وليس بعم أبي موسى الأشعري، ذاك قتل أيام حنين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه عبيد بن حضار، وهذا بقي إلى زمن عبد الملك بن مروان. فإن قلت: قال المهلب: هذا حديث ضعيف لأن البخاري لم يسنده من أجل شك المحدث في (الصاحب) فقال أبو عامر أو أبو مالك: قلت:
175 هذا ليس بشيء إذ الترديد في الصحابي لا يضر إذ كلهم عدول. قوله (والله ما كذبني) هذا تأكيد ومبالغة في صدق الصحابي لأن عدالة الصحابة معلومة، وقال بعضهم: هذا يؤيد رواية الجماعة أنه عن واحد لا عن اثنين قيل: هذا كلام ساقط لأنه من قال: إن هذا الحديث من اثنين حتى يؤيد بهذا اللفظ أنه من واحد. قلت: لا بل هو كلام موجه لأن ابن حبان روى عن الحسين بن عبد الله عن هشام بهذا السند إلى عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين يقولان فذكر الحديث، كذا قال، والمحفوظ رواية الجماعة بالشك. قوله (من أمتي) قال ابن التين. قوله (من أمتي) يحتمل أن يريد من تسمى بهم ويستحل ما لا يحل فهو كافر إن أظهر ذلك، ومنافق إن أسره أو يكون مرتكب المحارم تهاونا واستخفافا فهو يقارب الكفر، والذي يوضح في النظر أن هذا لا يكون إلا ممن يعتقد الكفر ويتسم بالإسلام، لأن الله عز وجل لا يخسف من تعود عليه رحمته في المعاد، وقيل: كونهم من الأمة يبعد معه أن يستحلوها بغير تأويل ولا تحريف، فإن ذلك مجاهرة بالخروج عن الأمة إذ تحريم الخمر معلوم ضرورة. قوله: (يستحلون الحر) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء أي: الفرج، وأصله: الجرح، فحذفت إحدى الحائين منه، كذا ضبطه ابن ناصر، وكذا هو في معظم الروايات من (صحيح البخاري) وقال ابن التين: هو بالمعجمتين يعني: الخز وقال ابن العربي: هو تصحيف، وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج، والمعنى: يستحلون الزنا، وقال أبو الفتح القشيري: إن في كتاب أبي داود والبيهقي ما يقتضي أنه الخز بالزاي والخاء المعجمة، وقال ابن بطال: وهو الفرج وليس كما أوله من صحفه، فقال: الخز من أجل مقارنته الحرير فاستعمل التصحيف بالمقارنة، وحكى عياض فيه تشديد الراء، وقال ابن قرقول: مخفف الراء، فرج المرأة وهو الأصوب، وقيل: أصله بالتاء بعد الراء فحذفت، وقال الداودي: أحسب أن قوله: (من الخز) ليس بمحفوظ لأن كثيرا من الصحابة لبسوه، وقال المنذري: أورد أبو داود هذا الخبر في: باب ما جاء في الخز، كذا الرواية فدل أنه عنده كذلك وكذا وقع في البخاري، وهي ثياب معروفة لبسها غير واحد من الصحابة والتابعين، فيكون النهي عنه لأجل التشبه. قلت: الصواب ما قاله ابن بطال، وقد جاء في حديث يرويه أبو ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم يستحل الخز والحرير، يراد به استحلال الحرام من الفرج. قوله: (والحرير) قال ابن بطال: واستحلالهم الحرير أي: يستحلون النهي عنه، والنهي عنه في كتاب الله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * (النور: 63). قوله والمعازف الملاهي جمع معزفة، يقال: هي آلات الملاهي، ونقل القرطبي عن الجوهري: إن المعازف القيان، والذي ذكره في (الصحاح) أنها آلات اللهو، وقيل: أصوات الملاهي، وفي (حواشي الدمياطي): المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به، ويطلق على الغناء عزف، وعلى كل لعب عزف، ووقع في رواية مالك بن أبي مريم تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف. قوله (علم) بفتحتين الجبل والجمع أعلام، وقيل: العلم رأس الجبل. قوله: (يروح عليهم) فاعل يروح محذوف أي: يروح عليهم الراعي بقرينة السارحة لأن السارحة هي الغنم التي تسرح لا بد لها من الراعي، ويروى: تروح عليهم سارحة، بدون حرف الباء، فعلى هذا سارحة مرفوع بأنه فاعل يروح أي: تروح سارحة كائنة لهم، المعنى: أن الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها، وتروح أي: ترجع بالعشي إلى مألفها. قوله (يأتيهم) فاعله (الفقير) ولهذا قال: يعني الفقير، وفي رواية يأتيهم فقط فاعله محذوف، وهو الفقير يدل عليه قوله (لحاجة) وقال الكرماني: وفي بعض المخرجات: يأتيهم رجل لحاجة، تصريحا بلفظ: رجل، وفي رواية الإسماعيلي: فيأتيهم طالب حاجة. قوله: (فيبيتهم الله) أي: يهلكهم بالليل، والبيات هجوم العدو ليلا. قوله: (ويضع العلم) أي: يضع الجبل بأن يدكدكه عليهم ويوقعه على رؤوسهم، ويروى: ويضع العلم عليهم بزيادة لفظ: عليهم. قوله: (ويمسخ آخرين) أي: يمسخ جماعة آخرين ممن لم يهلكهم البيات، وقال ابن العربي: يحتمل الحقيقة كما وقع في الأمم الماضية، ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم، وقال ابن بطال: المسخ في حكم الجواز في هذه الأمة إن لم يأت خبر يهلكهم يرفع جوازه، وقد وردت أحاديث بينة الأسانيد أنه يكون في هذه الأمة خسف ومسخ، وقد جاء في الحديث أن القرآن يرفع من الصدور، وأن الخشوع والأمانة ينزعان منهم، ولا مسخ أكثر من هذا، وقد يكون الحديث على ظاهره فيمسخ الله من أراد تعجيل عقوبته، كما أهلك قوما بالخسف، وقد رأينا ذلك عيانا، فكذلك المسخ يكون، وزعم
176 الخطابي أن الخسف والمسخ يكونان في هذه الأمة كسائر الأمم، خلافا لمن زعم أن ذلك لا يكون، وإنما مسخها بقلوبها، وفي كتاب سعيد بن منصور: حدثنا أبو داود وسليمان بن سالم البصري حدثنا حسان بن سنان عن رجل عن أبي هريرة يرفعه: يمسخ قوم من أمتي آخر الزمان قردة وخنازير، قالوا: يا رسول الله! ويشهدون أنك رسول الله وأن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، ويصلون ويصومون ويحجون. قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال: اتخذوا المعازف والقينات والدفوف ويشربون هذه الأشربة فباتوا على لهوهم وشرابهم فأصبحوا قردة وخنازير، ولما رواه الترمذي قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي (النوادر) للترمذي: حدثنا عمرو بن أبي عمر حدثنا هشام بن خالد الدمشقي عن إسماعيل بن عياش عن أبيه عن ابن سابط عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون في أمتي فزعة، فيصير الناس إلى علمائهم، فإذا هم قردة وخنازير. 7 ((باب الأنتباذ في الأوعية والتور)) أي: هذا باب في بيان حكم الانتباذ أي: اتخاذ النبيذ في الأوعية وهو جمع وعاء. قوله: والتور، من عطف الخاص على العام، وهو بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الواو وبالراء، وهو ظرف من صفر، وقيل: هو قدح كبير كالقدر، وقيل: مثل الأجانة، وقيل: هو مثل الطشت، وقيل: هو من الحجر، ويقال: لا يقال له تور إلا إذا كان صغيرا، وقال ابن المنذر: وكان هذا التور الذي ينتبذ فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حجارة. 5591 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم قال: سمعت سهلا يقول: أتى أبو أسيد الساعدي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه فكانت امرأته خادمهم وهي العروس، قال: أتدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له ثمرات من الليل في تور. مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار وسهل هو ابن سعد بن مالك الأنصاري المدني، كان اسمه حزنا، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: سهلا، وكان آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة إحدى وتسعين، وقيل: ثمان وثمانين، وأبو أسيد بضم الهمزة وفتح السين مصغر أسد اسمه مالك بن ربيعة الساعدي. والحديث مضى في كتاب النكاح في: باب قيام المرأة على الرجال في العرس. قوله: (خادمهم) والخادم يطلق على الذكر والأنثى. قوله: (قال: أتدرون؟) القائل هو سهل. قوله: (انقعت له) أي: للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال المهلب: النقيع حلال ما لم يشتد، فإذا اشتد وغلا حرم، وشرط الحنفية أن يقذف بالزبد. قلت: لم يشترط القذف بالزبد إلا أبو حنيفة في عصير العنب، وعند صاحبيه: لا يشترط القذف، فبمجرد الغليان والاشتداد يحرم. قوله (من الليل) قال المهلب: ينقع من الليل ويشرب يوما آخر، وينقع بالنهار ويشرب من ليلته. 8 ((باب ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الأوعية والظروف بعد النهي)) أي: هذا باب في بيان ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الانتباذ في الأوعية، والظروف جمع ظرف وفي (المغرب): الظرف الوعاء، فعلى قوله، لا فرق بين الوعاء والظرف، ووجه العطف على هذا باعتبار اختلاف اللفظين، ويقال: الظرف هو الزق، فإن صح هذا فالعطف من باب عطف الخاص على العام. 5592 حدثنا يوسف بن موسى حدثنا محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن منصور عن سالم عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظروف، فقالت الأنصار: إنه لا بد لنا منها، قال: فلا إذا. مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث. ويوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي سكن بغداد ومات بها سنة اثنتين وخمسين ومائتين، والزبيري نسبة إلى زبير أحد أجداده، وسفيان هو الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر، وسالم هو
177 ابن أبي الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة. والحديث أخرجه أبو داود في الأشربة أيضا عن مسدد عن يحيى به. وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان وكذلك النسائي. قوله: (عن الظروف) أي: عن الانتباذ في الظروف: قوله: (إنه) أي: الشأن (لا بد لنا منها) أي: من الظروف، وفي رواية الترمذي: فشكت إليه الأنصار فقالوا: ليس لنا وعاء. قوله: (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (فلا إذن) جواب وجزاء أي: إذا كان لا بد لكم منها فلا نهي عنها، وحاصله أن النهي كان على تقدير عدم الاحتياج إليها، فلما ظهرت الضرورة إليها قررهم على استعمالهم إياها، أو نسخ ذلك بوحي نزل إليه في الحال، أو كان الحكم في تلك المسألة مفوضا إلى رأيه صلى الله عليه وسلم، وقال ابن بطال: النهي عن الأوعية إنما كان قطعا للذريعة، فلما قالوا: لا بد لنا، قال: انتبذوا فيها وكذلك كل نهي كان لمعنى النظر إلى غيره، كنهيه عن الجلوس في الطرقات، فلما ذكروا أنهم لا يجدون بدا من ذلك قال: إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: الانتباذ في جميع الأوعية كلها مباح وأحاديث النهي عن الانتباذ منسوخة بحديث جابر هذا، ألا ترى أنه عليه الصلاة السلام أطلق لهم جميع الأوعية والظروف حين قال له الأنصار: لا بد لنا منها، فقال: فلا إذا، ولم يستثن منها شيئا. وقال لي خليفة: حدثنا يحياى بن سعيد حدثنا سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بهذا. خليفة هو ابن خياط أحد مشايخ البخاري رواه عنه مذاكرة عن يحيى بن سعيد القطان عن سفيان بن عيينة عن منصور بن المعتمر عن سالم بن أبي الجعد، واسمه رافع الأشجعي الكوفي قوله: (بهذا) أي: بالحديث المذكور، ويروى عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بهذا، وأفاد هذا أن سالما الذي ذكر مجردا في الحديث السابق هو ابن أبي الجعد، وأن سفيان هناك الثوري وهاهنا ابن عيينة. ح دثنا عبد لله بن محمد حدثنا سفيان بهذا، وقال فيه: لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأوعية. هذا وقع في بعض النسخ في آخر الباب ويروى: حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي البخاري المعروف بالمسندي يروي عن سفيان بن عيينة بهذا أي: بالحديث المذكور. قوله: وقال، أي: قال سفيان في روايته. قوله: وقال: لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الأوعية أراد بهذا أن قول جابر رضي الله عنه في الحديث الذي ذكر من رواية يوسف بن موسى عن محمد بن عبد الله عنه في الحديث الذي ذكر عن سفيان عن منصور عن سالم عن جابر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظروف، وقع في رواية عبد الله بن محمد عن سفيان عن منصور عن سالم عن جابر، قال: لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية، قال: قالت الأنصار: إنه لا بد لنا، قال: فلا إذا. وهذه رواية أبي داود في (سننه) أخرجه عن مسدد عن يحيى عن سفيان إلى آخره، مثل ما ذكرنا. 5593 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن سليمان بن أبي مسلم الأحول عن مجاهد عن أبي عياض عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، قال: لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأسقية قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ليس كل الناس يجد سقاء، فرخص لهم في الجر غير المزفت. مطابقته للترجمة في قوله: (فرخص لهم) وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو عياض بكسر العين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وبعد الألف ضاد معجمة، واختلف في اسمه فقال النسائي في (الكنى): أبو عياض عمرو بن الأسود العبسي، وقيل: قيس بن ثعلبة، وقال ابن المديني: إن لم يكن اسم أبي عياض قيس بن ثعلبة فلا أدري، وقال الكرماني: اسمه عمرو، ويقال عمير بن الأسود العنبسي بالنون بين المهملتين الزاهد، وروى أحمد في (الزهد) أن عمر أثنى على أبي عياض، وذكره أبو موسى في (ذيل الصحابة) وعزاه لابن أبي عاصم، وكأنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يثبت له صحبة، وقال الذهبي في (تجريد الصحابة) عمرو بن الأسود العنسي أدرك الجاهلية وروى عن عمر وسكن داريا، ويقال له: عمير، وقد عمر دهرا طويلا ثم قال: عمرو بن الأسود ذكره بعضهم في الصحابة، ولعله الذي قبله، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال
178 ابن عبد البر: أجمعوا على أنه كان من العلماء الثقات، وقيل: إذا ثبت هذا فالراجح أن الذي روى عنه مجاهد عمرو بن الأسود وأنه شامي، وأما قيس بن ثعلبة فهو أبو عياض آخر، وهو كوفي ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال: إنه يروى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم، روى عنه أهل الكوفة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، هكذا هو في جميع نسخ البخاري، ووقع في بعض نسخ مسلم: عبد الله بن عمر، بضم العين وهو تصحيف نبه عليه أبو علي الجياني. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن أبي عمر. وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن جعفر وغيره. وأخرجه النسائي فيه وفي الوليمة عن إبراهيم بن سعيد مختصرا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في الجر غير المزفت. قوله: (عن الأسقية) قال الكرماني: السياق يقتضي أن يقال: إلا عن الأسقية، بزيادة إلا على سبيل الاستثناء، أي: نهى عن الانتباذ إلا عن الانتباذ في الأسقية، وقال: يحتمل أن يكون معناه: لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة الأنبذة عن الجرار بسبب الأسقية وعن جهتها كقوله. * يرمون عن أكل وعن شرب * أي: يسمنون بسبب الأكل والشرب ويتباهون في السمن به، وقال الزمخشري في مثله في قوله تعالى: * (فأزلهما الشيطان عنها) * (البقرة: 2) أي: بسببها. وقال الحميدي: ولعله نقص منه عند الرواية وكان أصله: نهى عن النبيذ إلا في الأسقية، وكذا في رواية عبد الله بن محمد: عن الأوعية، وقال عياض: ذكر الأسقية وهم من الراوي، وإنما هو: عن الأوعية، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه قط عن الأسقية، وإنما نهى عن الظروف قلت: الأسقية جمع سقاء وهو ظرف الماء من الجلد، وقال ابن السكيت: السقاء يكون للبن والماء، والوطب للبن خاصة، والنحي للسمن، والقربة للماء. قلت: لا وهم هنا لأن سفيان كان يرى استواء اللفظين، أعني: الأوعية والأسقية، فحدث بأحدهما مرة وبالأخرى مرة، ألا ترى أن البخاري لم يعد هذا وهما خصوصا على قول من يرى جواز القياس في اللغة؟ لا اعتراض أصلا هاهنا، فافهم. قوله: (قيل للنبي) صلى الله عليه وسلم قيل: القائل بذلك أعرابي. قوله: (فرخص)، وفي رواية: (فأرخص)، وهي لغة يقال: رخص وأرخص، وفي رواية ابن أبي شيبة، (وأذن لهم في شيء منه). قوله: (في الجر) بفتح الجيم وتشديد الراء وهو جمع جرة وهي الإناء المعمول من الفخار، وإنما قال: (غير المزفت) لأن المزفت أسرع في الشدة والتخمير، والمزفت المطلي بالزفت. 5594 حدثنامسدد حدثنا يحياى عن سفيان حدثني سليمان عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن علي رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت. وجه ذكر هذا في هذا الباب لمطابقته لقوله في الحديث السابق: في الجر غير المزفت، وصرح هنا بالنهي عن المزفت، أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن سفيان، يحتمل أن يكون سفيان هذا هو الثوري، ويحتمل أن يكون ابن عيينة لأن يحيى القطان روى عن السفيانين كليهما، وكل منهما روى عن سليمان الأعمش، والأعمش روى عن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي عن الحارث بن سويد التيمي أيضا عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأشربة عن سعيد بن عمرو وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن بشار عن يحيى القطان به، وتفسير الدباء قد مر غير مرة. حدثنا عثمان حدثنا جرير عن الأعمش بهاذا. هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن سليمان الأعمش بهذا أي: بالحديث المذكور وبالإسناد المذكور إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخرجه الإسماعيلي عن عمران بن موسى عن عثمان إلى آخره نحوه. 5595 حدثني عثمان حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قلت ل لأسود: هل سألت عائشة أم المؤمنين عما يكره أن ينتبذ فيه؟ فقال: نعم. قلت: يا أم المؤمنين! عما نهى النبي صلى الله عليه
179 وسلم أن ينتبذ فيه؟ قالت: نهانا في ذلك أهل البيت أن ننتبذ في الدباء والمزفت. قلت: أما ذكرت الجر والحنتم؟ قال: إنما أحدثك ما سمعت أحدث ما لم أسمع. وجه ذكر هذا أيضا في هذا الباب مثل الذي ذكرناه في الحديث السابق. أخرجه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن خالد الأسود بن يزيد النخعي. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضا عن زهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم. وأخرجه النسائي فيه وفي الوليمة عن محمود بن غيلان. قوله: (عما يكره) أصله: عن ما فأدغمت الميم في الميم بعدما قلبت النون ميما، وفي رواية الإسماعيلي ما نهى بحذف عن قوله: (أن ينتبذ فيه) على صيغة المجهول في الموضعين. قوله: (أهل البيت) منصوب على الاختصاص، ويجوز أن يكون نصبا على البدل من الضمير المنصوب في نهانا. قوله: (قلت: أما ذكرت)، القائل إبراهيم يخاطب الأسود بذلك. قوله: (والحنتم) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق وهي جرار خضر مدهونة كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ثم اتسع فيها، فقيل للخزف كله: حنتم، واحدتها حنتمة، وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ فيها لأنها تسرع الشدة فيها لأجل دهنها، وقيل: لأنها كانت تعمل من طين يعجن بالدم، فنهى عنها ليمتنع عن عملها. قال ابن الأثير: والأول أوجه. قوله (أحدث ما لم أسمع؟) أصله أأحدث؟ بهمزة الاستفهام الإنكاري وفي رواية الكشميهني: (أفأ حدث؟) بالإفراد، وفي رواية الأكثرين أفنحدث؟ بنون الجمع، وفي رواية الإسماعيلي: أفأحدثك ما لم أسمع؟. 5596 حدثناموسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا الشيباني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجر الأخضر، قلت: أنشرب في الأبيض؟ قال: لا. وجه ذكر هذا أيضا هنا مثل ما ذكرنا في الحديث السابق. أخرجه عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد بن زياد البصري عن سليمان بن أبي سليمان فيروز الشيباني بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة وبالنون عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما واسم أبي أوفى: علقمة، له ولأبيه صحبة. والحديث أخرجه النسائي في الأشربة عن محمود بن غيلان وغيره. قوله: (عن الجر الأخضر) أي: عن نبيذ الجر الأخضر. قوله: (قلت: أنشرب؟) القائل عبد الله بن أبي أوفى. قوله: (قال: لا) يعني: أن حكمه حكم الأخضر، وفي رواية النسائي: قلت: والأبيض؟ قال: لا أدري. وفي رواية: نهى عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض. وقال الكرماني: مفهوم الأخضر يقتضي مخالفة حكم الأبيض له، وأجاب بأن شرط اعتبار المفهوم أن لا يكون الكلام خارجا مخرج الغالب، وكانت عادتهم الانتباذ في الجرار الخضر، فذكر الأخضر لبيان الواقع لا للاحتراز. وقال الخطابي: لم يعلق الحكم في ذلك بخضرة الجر وبياضه، وإنما يعلق بالإسكار، وذلك أن الجرار أوعية منتنة قد يتغير فيها الشراب ولا يشعر به فنهوا عن الانتباذ فيها، وأمروا أن ينتبذوا في الأسقية لزفتها، فإذا تغير الشراب فيها يعلم حالها فيجتنب عنه، وأما ذكر الخضرة فمن أجل أن الجرار التي كانوا ينتبذون فيها كانت خضرا والأبيض بمثابته فيه والآنية لا تحرم شيئا ولا تحلله، وقال ابن عبد البر: هذا عندي كلام خرج على جواب سؤال، كأنه قيل: الجر الأخضر؟ فقال: لا تنتبذوا فيه، فسمعه الراوي فقال: نهى عن الجر الأخضر، وأخرجه الشافعي، رحمه الله، عن سفيان عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض والأحمر. قلت: حاصل الكلام أن النهي يتعلق بالإسكار لا بالخضرة ولا بغيرها، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبي أوفى: أنه كان يشرب نبيذ الجر الأخضر. وأخرج أيضا بسند صحيح عن ابن مسعود: أنه كان ينتبذ له في الجر الأخضر. 9 ((باب نقيع التمر ما لم يسكر)) أي: هذا باب في بيان حكم شرب نقيع التمر ما لم يسكر قيد بقوله: ما لم يسكر، لأنه مباح وإذا أسكر يكون حراما. حدثنا يحيى بن بكير حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان القاري عن أبي حازم قال: سمعت
180 سهل بن سعد الساعدي أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعرسه فكانت امرأته خادمهم يومئذ وهي العروس، فقالت: ما تدرون ما أنقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور. مطابقته للترجمة ظاهرة، والقاري بالقاف والراء والياء المشددة نسبة إلى القارة قبيلة، وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي سلمة بن دينار، وأبو أسيد بضم الهمزة وفتح السين المهملة الساعدي، واسمه مالك بن ربيعة. والحديث قد تقدم عن قريب في: باب الانتباذ في الأوعية، ومضى الكلام فيه. 10 ((باب الباذق)) أي: هذا باب في بيان حكم الباذق بالباء الموحدة وفتح الذال المعجمة، ونقل عن القابسي أنه حدث به بكسر الذال، وسئل عن فتحها فقال: ما وقفنا عليه، وقال ابن التين: هو اسم فارسي عربته العرب، وقال الجواليقي: باذه أي: باذق وهو الخمر المطبوخ، وقال الداودي: هو يشبه الفقاع إلا أنه ربما يشتد، وقال ابن قرقول: الباذق المطبوخ من عصير العنب إذا أسكر أو إذا طبخ بعد أن اشتد، وقال ابن سيده: إنه من أسماء الخمر، ويقال: الباذق المثلث وهو الذي بالطبخ ذهب ثلثاه، وقال القزاز: هو ضرب من الأشربة، ويقال: هو الطلاء المطبوخ من عصير العنب، كان أول من صنعه وسماه بنو أمية لينقلوه عن اسم الخمر، وكان مسكرا، والاسم لا ينتقل عن معناه الموجود فيه. وقالت الحنفية: العصير المسمى بالطلاء إذا طبخ فذهب أقل من ثلثيه يحرم شربه، وقيل: الطلاء هو الذي ذهب ثلثه فإن ذهب نصفه فهو المنصف وإن طبخ أدنى طبخه فهو الباذق، والكل حرام إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، وكذا يحرم نقيع الرطب، وهو المسمى بالسكر إذا غلا واشتد، وقذف بالزبد وكذا نقيع الزبيب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، ولكن حرمة هذه الأشياء دون حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها ولا يجب الحد بشربها ما لم يسكر ونجاستها خفيفة، وفي رواية: غليظة، ويجوز بيعها عند أبي حنيفة، ويضمن قيمتها بالاتلاف، وقال: لا يحرم بيعها ولا يضمنها بالإتلاف. * (ومن نهى عن كل مسكر من الأشربة) * أي: وفي بيان من نهى عن كل مسكر من الأشربة بأنواعها لقوله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام، ويدخل فيه سائر ما يتخذ من الحبوب ومن النبات كالحشيش وجوز الطيب ولبن الخشخاش إذا أسكر. * (ورأى عمر وأبو عبيدة ومعاذ شرب الطلاء على الثلث) * أي: رأى عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم جواز شرب الطلاء إذا طبخ فصار على الثلث، ونقص منه الثلثان، أما أثر عمر، رضي الله عنه فأخرجه مالك في (الموطأ) من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكى إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال: اشربوا العسل، قالوا: لا يصلحنا، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ فقال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث وأتوا به عمر فأدخل فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء مثل طلاء الإبل، فأمرهم عمر أن يشربوه، وقال عمر رضي الله عنه: لا أحل لهم شيئا حرم عليهم، وأما أثر أبي عبيدة ومعاذ فأخرجه أبو مسلم الكجي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق قتادة عن أنس أن أبا عبيدة ومعاذ بن جبل، وأبا طلحة كانوا يشربون من الطلاء ما طبخ على الثلث وذهب ثلثاه. * (وشرب البراء وأبو جحيفة على النصف) * أي: شرب البراء بن عازب وأبو جحيفة وهب بن عبد الله على النصف أي: إذا طبخ فصار على النصف وأثر البراء أخرجه ابن أبي شيبة من رواية عدي بن ثابت عنه أنه كان يشرب الطلاء على النصف وأثر أبي جحيفة أخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق حصين بن عبد الرحمن، قال: رأيت أبا جحيفة... فذكر مثله. * (وقال ابن عباس: اشرب العصير ما دام طريا) * هذا وصله النسائي من طريق أبي ثابت الثعلبي، قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل يسأله عن عصير؟ فقال:
181 اشربه ما كان طريا قال: إني طبخت شرابا، وفي نفسي منه شيء، قال: أكنت شاربه قبل أن تطبخه؟ قال: لا قال: فإن النار لا تحل شيئا قد حرم. * (وقال عمر: وجدت من عبيد الله ريح شراب وأنا سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته) *. أي: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى آخره، وعبيد الله بالتصغير هو ابن عمر رضي الله عنه ووصله مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء، وإني سائل عما يشرب فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تاما، وسنده صحيح وفيه حذف تقديره: فسأل عنه فوجده يسكر فجلده، وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن الزهري: سمع السائب بن يزيد يقول: قام عمر رضي الله عنه على المنبر فقال: ذكر لي أن عبيد الله بن عمر وأصحابه شربوا شرابا، وأنا سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته، قال ابن عيينة: فأخبرني معمر عن الزهري عن السائب قال: رأيت عمر يجلدهم. واختلف في جواز الحد بمجرد وجدان الريح، والأصح لا، واختلف في السكران فقيل: من اختلط كلامه المنظوم وانكشف ستره المكتوم، وقيل: من لا يعرف السماء من الأرض ولا الطول من العرض. 5598 حدثنامحمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي الجويرية قال: سألت ابن عباس عن الباذق، فقال: سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق، فما أسكر فهو حرام. قال: الشراب الحلال الطيب؟ قال: ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث. مطابقته للترجمة ظاهرة. وسفيان هو الثوري، وأبو الجويرية بالجيم مصغر واسمه حطان بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء وبالنون ابن خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى الجرمي بفتح الجيم والراء. قوله: (سبق محمد صلى الله عليه وسلم) أي: سبق حكمه بتحريمه حيث قال: كل ما أسكر فهو حرام. وقال ابن بطال: أي سبق محمد صلى الله عليه وسلم بالتحريم للخمر قبل تسميتهم لها بالباذق وهو من شراب العسل، وليس تسميتهم لها بغير اسمها بنافع إذا أسكرت، ورأى ابن عباس أن سائله أراد استحلال الشراب المحرم بهذا الاسم فمنعه بقوله: (فما أسكر فهو حرام) وأما معنى: (ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث) فهو أن الشبهات تقع في حيز الحرام وهي الخبائث، وقيل: قوله: (الشراب الطيب) إلى آخره، هكذا وقع في جميع النسخ المشهورة بين الناس ولم يعين القائل هل هو قول ابن عباس أو قول غيره من بعده، والظاهر أنه من قول ابن عباس، وبذلك جزم القاضي إسماعيل في أحكامه في رواية عبد الرزاق. 5599 حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. مطابقته للترجمة من حيث إن الذي يحل من المطبوخ هو ما كان في معنى الحلواء، والذي يجوز شربه من عصير العنب بغير طبخ فهو ما كان في معنى العسل، والحديث قد تقدم في الأطعمة في: باب الحلواء والعسل. 11 ((باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرا وأن لا يجعل إدامين في إدام)) أي: هذا باب في بيان من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان أي: خلطهما مسكرا فقال ابن بطال. قوله: إذا كان مسكرا خطأ، لأن النهي عن الخليطين عام وإن لم يسكر كثيرهما لسرعة سريان الإسكار إليهما من حيث لا يشعر صاحبه، وليس النهي عن الخليطين لأنهما يسكران حالا، بل لأنهما يسكران مآلا، فإنهما إذا كانا مسكرين في الحال لا خلاف في النهي عنهما. وقال الكرماني: ليس خطأ بل غايته أنه أطلق مجازا مشهورا، وقيل: لا يلزم البخاري ذلك، إما لأنه يرى جواز الخليطين قبل
182 الإسكار، وإما لأنه ترجم على ما يطابق الحديث الأول في الباب، وهو حديث أنس، لأنه لا شك أن الذي كان يسقيه حينئذ للقوم مسكرا، ولهذا دخل عندهم في عموم تحريم الخمر. وقد قال أنس: وإنا لنعدها يومئذ الخمر، دل على أنه مسكر. قلت: وممن يرى جواز الخليطين قبل الإسكار أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنه قالا: وكل ما طبخ على الانفراد حل، كذلك إذا طبخ مع غيره، ويروى مثل ذلك عن ابن عمر والنخعي. قوله: (وأن لا يجعل إدامين في إدام) أي: وممن رأى أن لا يجعل إدامين في إدام، نحو أن يخلط التمر والزبيب فيصيران كإدام واحد لورود الحديث الصحيح بالنهي عن الخليطين، رواه أبو سعيد. وفي حديث أبي قتادة: نهى أن يجمع بين التمر والزبيب، وفي حديث جابر: بين الزبيب والتمر، والبسر والرطب، والعلة فيه إما توقع الإسكار بالاختلاط، وإما تحقق الإسكار بالكثير، وإما الإسراف والشره، والتعليل بالإسراف مبين في حديث النهي عن القرآن في التمر، هذا والتمرتان نوع واحد فكيف بالتعدد؟ 5600 حدثنامسلم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن البيضاء خليط بسر وتمر إذ حرمت الخمر فقذفتها وأنا ساقيهم وأصغرهم، وإنا نعدها يومئذ الخمر. وقال عمرو بن الحارث: حدثنا قتادة سمع أنسا مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (خليط بسر وتمر) وذلك لأنهما كانا خليطين وقت شرب هؤلاء المذكورين في الحديث، فلما بلغهم تحريم الخمر قذفوه وتركوه فصاروا ممن رأى أن لا يخلط البسر والتمر. ومسلم هو ابن إبراهيم الأزدي، وهشام هو الدستوائي. والحديث عن أنس قد تقدم في أوائل الكتاب في: باب نزل تحريم الخمر وهي من البسر والتمر بوجوه مختلفة في المتن والإسناد، وهناك قال أنس: أسقي أبا عبيدة وأبي بن كعب، وهنا ذكر أبا دجانة وسهيلا، ولا يضر ذلك على ما لا يخفى، وأبو دجانة سماك بن خرشة. قوله: (وقال عمرو بن الحارث) إلى آخره، تعليق أراد به بيان سماع قتادة لأنه في الرواية المتقدمة بالعنعنة، ووصله أبو نعيم عن محمد بن عبد الله بن سعد حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو الطاهر حدثنا بن وهب أخبرنا عمرو فذكره. 5601 حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني عطاء أنه سمع جابرا رضي الله عنه يقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الزبيب والتمر والبسر والرطب. مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد البصري يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله الأنصاري. والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأشربة عن محمد بن حاتم وغيره. وأخرجه النسائي فيه وفي الوليمة عن يعقوب بن إبراهيم. قوله: (عن الزبيب) إلى آخره ليس فيه بيان الخلط صريحا، وقد بينه مسلم بلفظ: (لا تجمعوا بين الرطب والبسر وبين الزبيب والتمر)، وحكمة النهي خوف إسراع الشدة إليه مع الخلط. وقال الداودي: لأن أحدهما لا يصير نبيذا حلوا حتى يشتد الآخر فيسرع إلى الشدة فيصير خمرا، وهم لا يظنون. واختلف هل ترك ذلك واجب أو مستحب؟ فقال محمد يعاقب عليه، وقال القاضي عبد الوهاب: أساء في تخليطه، فإن لم تحدث الشدة المطربة جاز شربه، وعن بعض العلماء أنه كره أن يخلط للمريض شرابان مثل شراب ورد وغيره، وأنكر ذلك غيره، وسئل الشافعي عن رجل شرب خليطين مسكرا فقال: هذا بمنزلة رجل أكل لحم خنزير ميت، فهو حرام من جهتين: الخنزير حرام، والميتة حرام، والسكر حرام. قلت: في هذا الباب أقوال: أحدها: أنه يحرم، وروي ذلك عن أبي موسى الأنصاري وأنس وجابر وأبي سعيد رضي الله عنهم ومن التابعين عطاء وطاووس، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. والثاني: يحرم خليط كل نوعين مما ينتبذ في الانتباذ، وبعد الانتباذ لا يخص شيء من شيء، وهو قول بعض المالكية. والثالث: أن النهي محمول على التنزيه وأنه ليس بحرام ما لم يصر مسكرا، وقال شيخنا زين الدين: حكاه النووي عن مذهبنا، وأنه قول جمهور العلماء. والرابع: روي عن الليث أنه قال: لا بأس أن يخلط نبيذ الزبيب ونبيذ التمر ثم يشربان جميعا، وإنما
183 جاء النهي عن أن ينتبذا جميعا، لأن أحدهما يشد صاحبه. والخامس: أنه لا كراهة في شيء من ذلك، ولا بأس به، وهو قول أبي حنيفة في رواية عن أبي يوسف: قال النووي: أنكر عليه الجمهور، وقالوا: هذه منابذة لصاحب الشرع، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه، فإن لم يكن حراما كان مكروها. قلت: هذه جرأة شنيعة على إمام أجل من ذلك، وأبو حنيفة لم يكن قال ذلك برأيه، وإنما مستنده في ذلك أحاديث منها ما رواه أبو داود عن عبد الله الحربي عن مسعر عن موسى بن عبد الله عن امرأة من بني أسد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان ينبذ له زبيب فيلقي فيه تمر، أو تمر فيلقى فيه زبيب، وروى أيضا عن زياد الحساني: حدثنا أبو بحر حدثنا عتاب بن عبد العزيز حدثتني صفية بنت عطية قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة، رضي الله عنها، فسألنا عن التمر والزبيب، فقالت: كنت أخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في الإناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم، وروى محمد بن الحسن في (كتاب الآثار) أخبرنا أبو حنيفة عن ابني إسحاق وسليمان الشيباني عن ابن زياد: أنه أفطر عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسقاه شرابا فكأنه أخذ منه، فلما أصبح غدا إليه فقال له: ما هذا الشراب؟ ما كدت أهتدي إلى منزلي. فقال ابن عمر: ما زدناك على عجوة وزبيب. فإن قلت: قال ابن حزم: في الحديث الأول لأبي داود امرأة لم تسم، وفي الثاني أبو بحر لا يدري من هو عن عتاب، وهو مجهول عن صفية ولا يدري من هي؟ قلت: هذه ثلاثة أحاديث بشد بعضها بعضا على أن ابن عدي قال: أبو بحر مشهور معروف وله أحاديث غرائب عن شعبة وغيره من البصريين، وهو ممن يكتب حديثه، وفي (كتاب الساجي): قال يحيى بن سعيد: هو صدوق صاحب حديث، وهو عبد الرحمن بن عثمان بن أمية بن عبد الرحمن بن أبي بكرة البكراوي، وذكره ابن شاهين وابن حبان في كتاب الثقات، وقال البخاري: لم يستبن لي طرحه. وقال أبو عمر وأحمد بن صالح العجلي: هو ثقة بصري، وفي (كتاب الصريفيين) ذكره ابن حبان في كتاب (الثقات) وخرج حديثه في (صحيحه) كذلك الحاكم وعتاب بن عبد العزيز، روى عنه يزيد بن هارون وأحمد بن سعيد الدارمي وآخرون، وذكره ابن حبان في (الثقات). 5602 حدثنامسلم حدثنا هشام أخبرنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهو والتمر والزبيب ولينبذ كل واحد منهما على حدة. مطابقة الجزء الثاني للترجمة ظاهرة. والحديث يدل على منع الجمع بين الإدامين، أشار إليه في الترجمة بقوله: وأن لا يجعل إدامين في إدام. ومسلم هو ابن إبراهيم، وهشام هو الدستوائي وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضا عن يحيى بن أيوب وعن آخرين. وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه النسائي في الوليمة عن يحيى بن درست. وأخرجه ابن ماجة في الأشربة عن هشام بن عمار. قوله: (والزهو) بفتح الزاي وسكون الهاء وهو الملون من البسر. قوله: (ولينبذ) على صيغة المجهول، وفي رواية مسلم: لا تنتبذوا الزهو والرطب جميعا، ولا تنتبذوا الزبيب والتمر جميعا وانتبذوا كل واحد منهما على حدته. قوله: (منهما) إنما ثنى الضمير ولم يقل: منها باعتبار أن الجمع بين الاثنين لا بين الثلاثة أو الأربعة أي من كل اثنين منها، فيكون الجمع بين أكثر بطريق الأولى. قوله: (على حدة) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الدال أي على انفراده. وقال بعضهم: بعدها هاء تأنيث. قلت: ليس كذلك، بل هذه التاء عوض عن الواو التي في أوله، لأن أصله: وحد، فلما حذفت الواو عوضت عنها التاء كما في: عدة أصلها: وعد، فلما حذفت الواو تبعا لفعله عوضت عنها التاء، وفي رواية الكشميهني: على حدته، بالهاء بعد التاء. وفيه: كراهة الجمع بين الإدامين ولكن كراهة تنزيه لا تحريم. واختلف في وجه النهي، فقيل: لضيق العيش، وقيل: للسرف، وقال المهلب: لا يصح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن خلط الأدم، وإنما روي ذلك عن عمر رضي الله عنه من أجل السرف لأنه كان يمكن أن يأتدم بأحدهما ويرفع الآخر إلى مرة أخرى.
184 12 ((باب شرب اللبن)) أي: هذا باب في بيان شرب اللبن. وضع هذه الترجمة للرد على قول من قال: إن الكثير من شرب اللبن يسكر، وهذا ليس بشيء. قال المهلب: شرب اللبن حلال بكتاب الله تعالى، وليس قول من قال: إن الكثير منه يسكر، بشيء. وقال ابن بطال: إنما كان السكر منه لصناعة تدخله. وقول الله تعالى: * (من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) * (النحل: 66). وقول الله، بالجر عطفا على قوله: شرب اللبن، ووقع في معظم النسخ يخرج * (من بين فرث ودم) * هذا المقدار، وزاد في رواية أبي ذر لبنا خالصا، وفي رواية غير موقع تمام الآية وقوله يخرج، ليس في القرآن، والذي في القرآن * (نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم) * ولفظ: يخرج، في آية أخرى من السورة * (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه) * والظاهر أن زيادة لفظ: يخرج، هنا ليست من البخاري، بل هي ممن دونه، وبدون لفظ. يخرج، جرى الإسماعيلي وابن بطال وغيرهما، وهذه الآية صريحة في إحلال شرب ألبان الأنعام بجميع أنواعها لوقوع الامتنان به، والفرث ما يجمع في الكرش، وقال القزاز: هو ما ألقي من الكرش، يقال: فرثت الشيء إذا أخرجته من وعائه، وبعد خروجه يقال له السرجين وزبل. وأخرج عن ابن عباس: أن الدابة إذا أكلت العلف واستقل في كرشها فكان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما، والكبد مسلطة عليه فتقسم الدم وتجريه في العروق وتجري اللبن في الضرع ويبقى الفرث في الكرش وحده. قوله: (خالصا) أي: من حمرة الدم وقذارة الفرث. قوله: (سائغا) أي: لذيذا هنيئا لا يغص به شارب. 5603 حدثناعبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بقدح لبن وقدح خمر. مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتي ليلة الإسراء بلبن وخمر اختار اللبن، وهو من أعظم نعم الله على عبيده. فإن قلت: ما الحكمة في أنه صلى الله عليه وسلم خير ليلتئذ بين اللبن والخمر مع أن اللبن حلال والخمر حرام؟ قلت: لأن الخمر كانت من الجنة وخمر الجنة ليست بحرام. وقيل: لأن الخمر حينئذ لم تكن حرمت. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي وقد تكرر ذكره، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، والزهري هو محمد بن مسلم. والحديث قد مضى في تفسير سورة * (سبحان الذي أسرى بعبده) * قوله (ليلة) قال الكرماني بالتنوين وعدمه، وقال بعضهم: حكى فيه تنوين ليلة، والذي أعرفه في الرواية الإضافة. قلت: إذا جاز الوجهان فإسناد هذا القائل معرفته إلى الإضافة تعمق في المفاخرة الباردة. 5604 حدثنا الحميدي سمع سفيان أخبرنا سالم أبو النضر أنه سمع عميرا مولى أم الفضل يحدث عن أم الفضل قالت: شك الناس في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بإناء فيه لبن فشرب، فكان سفيان ربما قال: شك الناس في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه أم الفضل، فإذا وقف عليه، قال: هو عن أم الفضل مطابقته للترجمة في قوله: (فيه لبن فشرب) والحميدي عبد الله بن الزبير نسبة إلى أحد أجداده حميد، وقد تكرر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، وعمير مصغر عمر ومولى أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب. وقد مر الحديث في الحج والصوم. قوله: (فإذا وقف عليه) بضم الواو وكسر القاف المشددة وبالفاء، معناه: أن سفيان ربما كان أرسل الحديث فلم يقل في الإسناد: عن أم الفضل، فإذا سئل عنه، هل هو موصول أو مرسل؟ قال: هو عن أم
185 الفضل، وهو في قوة هو موصول. ووقع في رواية أبي ذر: فإذا أوقف، بضم الهمزة وسكون الواو وكسر القاف من الإيقاف والأول يجوز أن يكون من التوقيف، ويجوز أن يكون من الوقف. 5605 حدثناقتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح وأبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: جاء أبو حميد بقدح من لبن من النقيع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عودا؟. (انظر الحديث: 5605 طرفه في: 5606). مطابقته للترجمة في قوله: (بقدح من لبن) وجرير هو ابن عبد الحميد، والأعمش هو سليمان، وأبو صالح ذكوان، وأبو سفيان طلحة بن نافع القرشي. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضا عن أبي شيبة عن جرير، وأبو حميد مصغر حمد عبد الرحمن، وقيل: المنذر بن سعد الساعدي. قوله: (من النقيع) بفتح النون وكسر القاف وبالعين المهملة وهو موضع بوادي العقيق وهو الذي حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعي الغنم، وقيل: إنه غير الحمى، وقد تقدم في الجمعة: نقيع الخصومات، وهو يدل على التعدد، وكان واديا يجتمع فيه الماء، والماء الناقع هو المجتمع، وقيل: كانت تعمل فيه الآنية. وقال ابن التين: رواه أبو الحسن يعني: القابسي بالباء الموحدة، وكذا نقله عياض عن أبي بحر سفيان بن العاص وهو تصحيف، فإن البقيع مقبرة المدينة. وقال القرطبي: الأكثر على النون وهو من ناحية العقيق على عشرين فرسخا من المدينة. قوله: (ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام بمعنى: هلا. قوله: خمرته بالخاء المعجمة وتشديد الميم أي هلا عطيته ومنه خمار المرأة لأنه يسترها قوله: (ولو أن تعرض) بضم الراء، قاله الأصمعي، وعليه الجمهور، وأجاز أبو عبيد كسر الراء وهو مأخوذ من العرض، أي: تجعل العود عليه بالعرض، والمعنى: إن لم تغطه فلا أقل من عود تعرض به عليه، أي: تمده عرضا لا طولا. ومن فوائده: صيانته من الشيطان فإنه لا يكشف الغطاء، ومن الوباء الذي ينزل من السماء في ليلة من السنة، ومن النجاسة والمقذورات، ومن الهامة والحشرات ونحوها. 5606 حدثناعمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش، قال: سمعت أبا صالح يذكر أراه عن جابر رضي الله عنه قال: جاء أبو حميد رجل من الأنصار من النقيع بإناء من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عودا وحدثني أبو سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بهاذا. (انظر الحديث: 5605). هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان. قوله: (أراه) أي: أظنه. قوله: (وحدثني) كلام الأعمش أي: حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الإسماعيلي عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وعن أبي صالح عن أبي هريرة، والمحفوظ: عن جابر. 5607 حدثني محمود أخبرنا النضر أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم، من مكة وأبو بكر معه: قال أبو بكر: مررنا براع وقد عطش رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر رضي الله عنه فحلبت كثبة من لبن في قدح فشرب حتى رضيت، وأتانا سراقة بن جعشم على فرس فدعا عليه، فطلب إليه سراقة أن لا يدعو عليه وأن يرجع، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم.
186 مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فحلبت كثبة من لبن في قدح فشرب). ومحمود هو ابن غيلان، والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هو ابن شميل، وأبو إسحاق هو عمرو السبيعي، والبراء هو ابن عازب. ومضى الحديث في: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه إلى المدينة، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق إلى آخره، ومر الكلام فيه. قوله: (وأبو بكر معه) الواو فيه للحال، وكذلك الواو في قوله: (وقد عطش) قوله: (فحلبت) أسند هنا الحلب إلى نفسه مجازا، وتقدم هناك: فأمرت الراعي فحلب. قوله: (كثبة) بضم الكاف وسكون الثاء المثلثة وفتح الباء الموحدة، قال ابن فارس: هي القطعة من اللبن أو التمر، وقال الخليل: كل قليل جمعته فهو كثبة، وقال أبو زيد: هي من اللبن ملء القدح، وقيل: قدر حلبة تامة. قوله: (حتى رضيت) أي: حتى علمت أنه شرب حاجته وكفايته، فإن قيل: كيف شرب هذا اللبن من مال الغير؟ (أجيب) بأجوبة (منها) أن صاحبه كان حربيا لا أمان له، أو كان صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو صديق أبي بكر رضي الله عنه يحب شربهما، أو كان في عرفهم التسامح بمثله، أو كان صاحب الغنم أجاز للراعي مثل ذلك أو كانا مضطرين. قوله: (سراقة) بضم السين المهملة وتخفيف الراء وبالقاف ابن مالك بن جعشم بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الشين المعجمة الكناني بالنونين المدلجي، أسلم آخرا وحسن إسلامه. قوله: (فدعا عليه) أي: فأراد أن يدعو عليه فقال له سراقة: لا تدع علي وأنا أرجع، فترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء عليه، وقد مر في المناقب مطولا. 5608 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم الصدقة اللفحة الصفي منحة، والشاة الصفي منحة، تغدو بإناء وتروح بآخر. (انظر الحديث: 2629). مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث على ما لا يخفى، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، و عبد الرحمن هو ابن هرمز الأعرج. والحديث قد مضى في العارية في: باب فضل المنحة، فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن أبي الزناد، وعن الأعرج عن أبي هريرة، ومضى الكلام فيه. قوله: (اللقحة) بكسر اللام ويجوز فتحها وسكون القاف وبالحاء المهملة، قال الكرماني: هي الحلوب من الناقة، وقال بعضهم: هي التي قرب عهدها بالولادة. قلت: الأول أولى وأظهر. قوله: (الصفي) بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد الياء، أصله صفي بياءين على وزن فعيل بمعنى مفعول، ومعناه: المختارة، وقيل: غزيرة اللبن، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. قوله: (منحة) بكسر الميم وهي العطية، نصب على التمييز نحو: نعم الزاد زاد أبيك زادا، وهي ناقة تعطيها غيرك ليحتلبها ثم يردها عليك. قوله: (تغدو) من الغدو وهو أول النهار، (وتروح) من الرواح وهو آخر النهار، وهذه كناية عن كثرة اللبن. 5609 حدثناأبو عاصم عن الأوزاعي عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فمضمض، وقال: إن له دسما. (انظر الحديث: 211). مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. والحديث مضى في كتاب الوضوء في: باب هل يمضمض من اللبن؟ ومضى الكلام فيه هناك. 5610 وقال إبراهيم بن طهمان: عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفعت إلي السدرة فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران ونهران باطنان، فأما الظاهران: فالنيل والفرات، وأما الباطنان: فنهران في الجنة فأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل،
187 وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن فشربت فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك. إبراهيم بن طهمان بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الهروي أبو سعيد، سكن نيسابور ثم سكن مكة، مات سنة ستين ومائة، وتعليقه رواه الإسماعيلي فقال: أخبرنا أبو حاتم مكي بن عبدان وأبو عمران موسى العباس قالا أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي أخبرنا محمد بن عقيل أخبرنا حفص بن عبد الله أنبأنا ابن طهمان به، ورواه أبو نعيم أيضا: حدثنا أبو بكر الآجري أخبرنا عبد الله بن عباس الطيالسي أخبرنا محمد بن عقيل أخبرنا حفص بن عبد الله بن طهمان. قوله: (رفعت) في رواية الأكثرين بضم الراء وكسر الفاء وفتح العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق على صيغة المجهول. قوله: (إلي) بتشديد الياء. قوله: (السدرة) مرفوع بقوله: (رفعت) وفي رواية المستملي: دفعت، بالدال موضع الراء على صيغة المجهول للمتكلم. وقوله: إلى، حرف جر، والسدرة مجرور به، وهي سدرة المنتهى سميت بها لأن علم الملائكة ينتهي إليها. قوله (فإذا) كلمة مفاجأة. قوله (النيل) هو نهر مصر، وقال الكرماني: (والفرات) نهر بغداد. قلت: ليس كذلك بل الفرات نهر الكوفة، قاله الجوهري، وأصله من أطراف إرمينية يأتي ويمر بأرض ملطية على مسيرة ميلين منها، ثم على سميساط وقلعة الروم والبيرة وجسر منبج وبالس وقلعة حصير والرقة والرحبة وقرقيسيتا وعانة والحديثة وهيت والأنبار، ثم يمر بالطفوف ثم بالحلة ثم بالكوفة وينتهي إلى البطائح ويصب في البحر الشرقي، وأما نهر بغداد فهو دجلة يخرج من أصل جبل بقرب آمد ثم يمتد إلى ميا فارقين ثم إلى حصن كيفا ثم إلى جزيرة ابن عمر ثم إلى الموصل وينصب فيه الزابان ومنهما يعظم إلى بغداد ثم إلى واسط ثم إلى البصرة ثم ينصب في بحر فارس. قوله: (فنهران في الجنة) قيل: هما السلسبيل والكوثر، وهما النهران الباطنان، وقال ابن بطال: في حديث أنس: إذا بدلت الأرض ظهرا إن شاء الله تعالى. قوله: (فأتيت) على صيغة المجهول. قوله: (بثلاثة أقداح) وقد مر عن قريب أنه قدحان فلاتنا في بينهما لأن مفهوم العدد لا اعتبار له مع احتمال أن القدحين كانا قبل رفعه إلى سدرة المنتهى، والثلاثة بعده. قوله: (قدح فيه لبن) يجوز في: قدح، الرفع والجر، أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: أحدها قدح فيه لبن، وأما الجر فعلى أنه بيان لقوله (بثلاثة أقداح) هو وما عطف عليه من قدحين، وكذلك الكلام في (قدح فيه عسل، وقدح فيه خمر) قوله: (أصبت الفطرة) أي: علامة الإسلام والاستقامة. قوله: (أنت) تأكيد للضمير الذي في: (أصبت) قوله: (وأمتك) أي: ولتصب أمتك، وإعرابه كإعراب قوله تعالى: * (اسكن أنت وزوجك الجنة) * تقديره: وليسكن زوجك. قال هشام وسعيد وهمام عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأنهار نحوه، ولم يذكروا ثلاثة أقداح. أي: قال هشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة وهمام بتشديد الميم ابن يحيى يعني: كلهم رووا الحديث المذكور عن قتادة عن أنس بن مالك، وزادوا في الإسناد: مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عمر: مالك بن صعصعة الأنصاري المازني من بني مازن بن النجار، روى عنه أنس بن مالك حديث الإسراء، وتعليق هشام وسعيد وهمام قد وصله البخاري في كتاب بدء الخلق في: باب ذكر الملائكة، مطولا أخرجه عن هدبة بن خالد عن همام عن قتادة وعن خليفة عن يزيد بن زريع عن سعيد وهشام كلاهما عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (في الأنهار نحوه) أراد أنهم توافقوا في المتن على ذكر الأنهار نحوالمذكور في الحديث السابق. قوله: (ولم يذكروا الأقداح) أي: لم يذكر هؤلاء ثلاثة الأقداح في روايتهم، وفي رواية الكشميهني: ولم يذكر ثلاثة أقداح، بإفراد: لم يذكر، فظاهر هذا أنه لم يقع ذكر الأقداح أصلا في رواية هؤلاء الثلاثة. فإن قلت: قد ذكرت ثلاثة أقداح في رواية همام، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن، وإناء من عسل قلت: يحتمل أن يكون المراد بالنفي ذكر لفظ الأقداح بخصوصها، ويحتمل أن تكون رواية الكشميهني هي الصحيحة أعني لم يذكر بالإفراد، ويكون فاعل: لم يذكر، هشام الدستوائي، فإنه تقدم في بدء الخلق من طريق يزيد بن زريع عن سعيد
188 وهشام جميعا عن قتادة بطوله، وليس فيه ذكر الآنية أصلا. 13 ((باب استعذاب الماء)) أي: هذا باب في بيان استعذاب الماء أي: في طلب الماء العذب، أي: الحلو. 5611 حدثناعبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب ماله إليه بيرحاء، وكانت مستقبل المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (آل عمران: 92). قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله! إن الله يقول: * (لن تنالو البر حتاى تنفقوا مما تحبون) * وإن أحب مالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ ذالك مال رابح أو: رايح شك عبد الله، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وفي بني عمه، وقال إسماعيل ويحياى بن يحياى: رايح. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب) وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستعذب ماءها، وذكر الواقدي من حديث سلمى امرأة أبي رافع كان أبو أيوب رضي الله عنه حين نزل عنده النبي صلى الله عليه وسلم يستعذب له الماء من بئر مالك بن النضر والدانس، ثم كان أنس وهند وحارثة أبناء أسماء يحملون الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا، وكان رباح الأسود عنده يستقي له من بئر عروس مرة ومن بيوت سقيا مرة، وقال ابن بطال: استعذاب الماء لا ينافي الزهد ولا يدخل في الترفه المذموم، بخلاف تطيب الماء بالمسك ونحوه، فقد كرهه مالك لما فيه من السرف، وأما شرب الماء الحلو وطلبه فمباح قد فعله الصالحون، وليس في شرب الماء الملح فضيلة. والحديث مضى في الزكاة في: باب الزكاة على الأقارب، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره، ومضى الكلام فيه أيضا في الوصايا عن عبد الله بن يوسف، وفي الوكالة عن يحيى بن يحيى، وفي التفسير عن إسماعيل، وفي تفسير بيرحاء وجوه تقدمت في الزكاة، وهو اسم بستان. قوله: (بخ) بفتح الموحدة وبالخاء المعجمة كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، وتكرر للمبالغة، فإن وصلت خففت ونونت وربما شددت. قوله: (رابح أو: رياح شك عبد الله) بن مسلمة فيه فالأول بالباء الموحدة من الربح، والثاني بالياء آخر الحروف من الرواح. قوله: (وقال إسماعيل) هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس، ويحيى بن يحيى بن بكير أبو زكريا التميمي الحنظلي. قوله: (رايح) يعني بالياء من الرواح. 14 ((باب شرب اللبن بالماء)) أي: هذا باب في بيان شرب اللبن ممزوجا بالماء، وقيده بالشرب احترازا عن الخلط عند البيع، فإنه غش، ووقع في رواية الكشميهني: باب شوب اللبن بالماء، بالواو بدل الراء، والشوب الخلط. قيل: مقصود البخاري أن ذلك لا يدخل في النهي عن الخليطين، وإنما كانوا يمزجون اللبن بالماء عند الشرب، لأن اللبن عند الحلب يكون حارا، وتلك البلاد في الغالب حارة فكانوا يكسرون حر اللبن بالماء البارد. 5612 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أنه رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا وأتى داره فحلبت شاة فشبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من البئر، فتناول القدح فشرب وعن يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي فأعطى الأعرابي فضله ثم، قال: الأيمن فالأيمن.
189 مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وقد تكرر ذكره وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد الأيلي، والزهري هو محمد بن مسلم. والحديث مضى في كتاب الهبة، ولكن من رواية أبي طوالة عن أنس. قوله: (وأتى داره) أي: دار أنس، والواو فيه للحال. قوله: (فشبت) أي: خلطت لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء من البئر وهو من الشوب بلفظ المتكلم، ووقع في رواية الأصيلي: شيب، بكسر الشين وسكون الياء وفتح الباء على صيغة المجهول. قوله: (وعن يساره أبو بكر) وفي رواية أبي طوالة عن يونس التي تقدمت في الهبة: وعمر رضي الله عنه تجاهه. قوله: (فأعطى الأعرابي فضله) أي: فضل اللبن الذي فضل منه في الإناء بعد شربه، قيل: الأعرابي هو خالد بن الوليد، ولم يصح لأنه لا يقال لمثل خالد أعرابي قوله: (الأيمن) تقديره يقدم الأيمن، أو الأيمن مقدم لفضل الأيمن على الأيسر. 5613 حدثناعبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة وإلا كرعنا، قال: والرجل يحول الماء في حائطه قال: فقال الرجل: يا رسول الله! عندي ماء بائت، فانطلق إلى العريش، قال: فانطلق بهما فسكب في قدح ثم حلب عليه من داجن له، قال: فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شرب الرجل الذي جاء معه. (انظر الحديث: 5613 طرفه في 5621). مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي بفتحتين. والحديث أخرجه أبو داود في الأشربة عن أبي عامر أيضا، وعن يحيى بن صالح. وأخرجه ابن ماجة فيه عن أحمد بن منصور الزيادي. قوله: (على رجل من الأنصار) قيل: إنه أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري. قوله: (ومعه) أي: ومع النبي صلى الله عليه وسلم صاحب له، وهو أبو بكر رضي الله عنه. (قوله: (في شنة) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون، وهي القربة الخلقة. وقال الداودي: هي التي زال شعرها من البلاء بكسر الباء. قلت: من كثرة الاستعمال. قوله: (وإلا كر عنا) فيه حذف تقديره: إن كان عندك إناء فاسقنا وإلا كرعنا، من الكرع، وهو تناول الماء بالفم من غير إناء ولا كف، وقال ابن النين: حكى عبد الملك أنه الشرب باليدين معا، قال: وأهل اللغة على خلافه، وكرع بفتح الراء، وقال الجوهري بالكسر أيضا: يكرع كرعا، والنهي عن الشرب بالكرع لئلا يعذب نفسه بكراهته في كثرة الجرعات. قوله: (والرجل يحول الماء في حائطه) أيضا أي: ينقل الماء من مكان إلى مكان آخر من البستان ليعم أشجاره بالسقي. قوله: (إلى العريش) أراد به ما يستظل به. وقيل: هو خيمة من خشب وثمام بضم الثاء المثلثة مخففا، وهو نبات ضعيف له خوص، وقد يجعل من الجريد كالقبة أو من العيدان، ويظلل عليها وليس منافيا للزهد. قوله: (فسكب في قدح) في رواية أحمد: فسكب ماء في قدح. قوله: (من داجن) بكسر الجيم وهو الشاة التي تألف البيوت. قوله: (ثم شرب الرجل) في رواية أحمد: شرب النبي صلى الله عليه وسلم، وسقى صاحبه. وفيه: أنه لا بأس بطلب الماء البارد في سموم الحر. وفيه: قصد الرجل الفاضل بنفسه حيث يعرف مواضعه عند إخوانه، وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصح جسمك وأرويك من الماء البارد؟ وفيه: جواز خلط اللبن بالماء عند الشرب، ولا يجوز عند البيع: وفيه: أن من قدم إليه طعام لا يلزمه أن يسأل من أين صار إليه؟ إلا إذا علم أن أكثر ماله حرام، فإنه لا يأكله فضلا عن أن يسأله. 15 ((باب شراب الحلواء والعسل)) أي: هذا باب في بيان شراب الحلواء، وهو بالمد عند المستملي، وعند غيره بالقصر، وقيل: هما لغتان، وقال الكرماني: القصر أظهر لأنه لا يشرب غالبا، وقال ابن التين عن الداودي: هو النقيع الحلو، وعليه يدل تبويب البخاري: بشراب الحلواء، وقال الخطابي: الحلواء ما يعقد من العسل ونحوه، ويقال: العرب لا تعرف هذه الحلواء المعقودة التي هي الآن معهودة، فتعين أن
190 المقصود ما يمكن شربه وهو الماء المنبوذ فيه التمر، ونحوه وكذلك العسل. فإن قلت: قوله: (الحلواء) يشمل العسل وغيره من كل حلو، فما فائدة ذكر العسل بالخصوصية؟ قلت: هذا من قبيل التخصيص بعد التعميم كما في قوله: تعالى: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) * (الرحمن: 68). ويحتمل أن يكون ذكره للتنبيه على جواز شرب العسل إذ قد يتخيل أن شربه من السرف. وقال الزهري: لا يحل شرب بول الناس لشدة تنزل لأنه رجس، قال الله تعالى: * (أحل لكم الطيبات) * (المائدة: 5). قيل: ترجم البخاري على شيء ثم أعقبه بضده، قلت: أراد هذا القائل أن البخاري قال: باب شراب الحلواء والعسل، ثم قال عن الزهري: لا يحل شرب بول الناس إلى آخره، وبينهما تضاد. أقول: مقصود البخاري من إيراد قول الزهري، هو قوله: قال الله تعالى: * (أحل لكم الطيبات) * والحلواء والعسل، وكل شيء يطلق عليه أنه حول من الطيبات، وهذا في معرض التحليل للترجمة غاية ما في ا لباب أنه ذكر أولا عن الزهري مسألة شرب البول تنبيها على أنه ليس من الطيبات، وتعليق الزهري هذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه. قوله: (لشدة) أي: لضرورة، وهذا خلاف ما عليه الجمهور، وتعليله بقوله: (لأنه رجس) أي: لأن البول نجس غير ظاهر، لأن الميتة والدم ولحم الخنزير رجس أيضا مع أنه يجوز التناول منها عند الضرورة. وقالت الشافعية: يجوز التداوي بالبول ونحوه من النجاسات خلا الخمر والمسكرات، وقال مالك: لا يشربها لأنها لا تزيده إلا عطشا وجوعا، وأجاز أبو حنيفة أن يشرب منها مقدار ما يمسك به رمقه. وقال ابن مسعود في السكر: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. الذي قيل في إيراد أثر الزهري قيل: هنا أيضا: والجواب من جهة الزهري قد مر، وأما الجواب عن إيراده أثر ابن مسعود هنا، فهو أنه أشار بذكر هذا إلى قوله تعالى: * (فيه شفاء للناس) * (النحل: 69). فدل على ضده أن الله لم يجعل الشفاء فيما حرمه، وأما تعيين السكر هنا من دون سائر المحرمات من هذا الجنس فهو أن ابن مسعود سئل عن ذلك على التعيين، فلذلك قال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم، وأوضح ذلك علي بن حرب الطائي عن سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل، قال: اشتكى رجل منا يقال له: خيثم بن العدا داء ببطنه يقال له الصفر، فنعت له السكر، فأرسل إلى ابن مسعود يسأله فذكره، وأخرجه ابن أبي شيبة عن جرير عن منصور وسنده صحيح على شرط الشيخين، فهذا وجه تعيين السكر في هذا الأثر، والسكر بفتحتين الخمر فيما نقله ابن التين عن بعضهم، وقيل: هو نبيذ التمر إذا اشتد، وقيل: المراد من السكر والمسكر، وقال صاحب (الهداية) ونقيع التمر وهو السكر، ونقيع الزبيب إذا اشتد، وغلا عد هذين القسمين من أنواع الأشربة المحرمة الأربعة، وعد قبلهما اثنين آخرين، وهما الخمر والطلاء وفي (المحيط) والمتخذ من التمر ثلاثة: السكر والفضيخ والنبيذ، وقال أبو الحسن: إن كان البخاري أراد سكر الأشربة فيمكن أن يكون سقط من الكلام، شيء، وهو ذكر السؤال عن ذلك، وإن كان أراد السكر بفتح السين وسكون الكاف، فهو الذي يسد به النهر فيكون السؤال من ابن مسعود عن السكر عند التداوي بشيء من المحرمات، فقال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. 5614 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أبو أسامة، قال: أخبرني هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعجبه الحلواء والعسل. هذا يطابق الترجمة من غير تعسف، وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وأبو أسامة هو حماد بن أسامة يروي عن هشام بن عروة، يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة. والحديث قد مر في كتاب الأطعمة في باب الحلواء والعسل، ومر الكلام فيه هناك. 16 ((باب الشرب قائما)) أي: هذا باب في بيان حكم الشرب حال كونه قائما، وقال ابن بطال: أشار بهذه الترجمة إلى أن الأحاديث الواردة في كراهة الشرب قائما لم تصح عنده، وقال بعضهم: ليس بجيد، بل إذا تعارضت عنده الأحاديث لا يتعرض إلى الحكم.
191 قلت: كلام ابن بطال في واد وكلام هذا القائل في واد آخر، وليس بجيد نسبة كلامه إلى عدم الجودة، وإنما عادته في الغالب أنه يبهم الحكم في الترجمة ولا يصرح بالجواز ولا بالعدم على عادته في ذلك اعتمادا على ما يفهم من الحكم في أحاديث الباب. 5615 حدثناأبو نعيم حدثنا مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال. قال: أتى علي رضي الله عنه على باب الرحبة فشرب قائما، فقال: إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم، وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت. (انظر الحديث: 5615 طرفه في: 5616). هذا الحديث يطابق الترجمة في الشرب قائما، ويوضح الحكم بأنه جائز أخرجه عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن مسعر بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين وبالراء ابن كدام الكوفي عن عبد الله بن ميسرة ضد الميمنة الزراد بالزاي والراء والدال المهملتين عن النزال بفتح النون وتشديد الزاي بن سبرة بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وبالراء، وهؤلاء الثلاثة كلهم هلاليون كوفيون وأبو نعيم أيضا كوفي، وعلي أيضا نزل الكوفة ومات بها، والنزال تقدمت له رواية عن ابن مسعود في فضائل القرآن وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين. والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الأشربة عن مسدد عن يحيى. وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أبي كريب. وأخرجه النسائي في الطهارة عن عمرو بن يزيد الجرمي. قوله: (على باب الرحبة) أراد به رحبة مسجد الكوفة، وفي رواية شعبة أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، والرحبة بفتحات: المكان الواسع والرحب بسكون الحاء أيضا المكان المتسع. قوله: (أن يشرب) أي: بأن يشرب، وأن، مصدرية تقديره: يكره الشرب وهو قائم أي: في حالة القيام. قوله: (فعل) أي: شرب قائما. قوله: (كما رأيتموني) أي: كرؤيتكم إياي فعلت، أي: شربت. واعلم أن لفظ: فعل، أعم الأفعال، يستعمل في معنى كل فعل، ولهذا عينه أهل الصرف في الأوزان. واعلم أنه قد وردت أحاديث بجواز الشرب قائما، ووردت أحاديث بمنعه. (فمن أحاديث الجواز) حديث علي، وحديث ابن عباس. رواهما البخاري هنا، وحديث ابن عمر رواه الترمذي من حديث نافع عنه، وقال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن ماجة وابن حبان، وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رواه الترمذي في الشمائل عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائما، وإسناده حسن، وحديث عائشة أخرجه النسائي من حديث مسروق عنها، قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا... الحديث، وحديث أنس رواه أحمد في (مسنده) أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل وقربة معلقة فشرب من فم القربة وهو قائم الحديث، وحديث الحسين بن علي رويناه عن شيخنا زين الدين، رحمه الله، رواه في الجزء العاشر من (فوائد أبي بكر الشافعي) من رواية زياد بن المنذر عن بشير بن غالب عن حسين بن علي رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما، وحديث خباب بن الأرت. رويناه عن شيخنا، وهو يرويه عن مجاهد من حديث الطبراني عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فأصابنا العطش وليس معنا ماء، فتنوخت ناقة لبعضنا فإذا بين رجليها مثل السقاء فشربنا من لبنها، فهذا من فعل الصحابة في زمنه فيكون في حكم المرفوع، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه رويناه عن شيخنا وهو يروى من حديث سعيد بن جبير في (المعجم الصغير) للطبراني أنه قال: حدثني أبو هريرة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يشرب من زمزم قائما، وحديث أم سليم رويناه عن شيخنا وهو يروى من حديث أنس عن أمه في (مسند أحمد) قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت قربة معلقة فشرب منها قائما، وحديث كبشة أخرجه الترمذي وابن ماجة عنها، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة قائما، وحديث كلثم رواه أبو موسى المديني في كتاب (معرفة الصحابة) قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من قربة معلقة وهو قائم، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه عبد الرزاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب قائما وقاعدا، وحديث عبد الله بن السائب بن خباب عن أبيه عن جده، قال:
192 رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى فخارة فيها ماء فشرب قائما، رواه أبو محمد بن أبي حاتم الرازي بسند صحيح. (ومن أحاديث المنع) ما رواه الأثرم عن معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: لو يعلم الذي يشرب وهو قائم لاستتاء وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسي فليستقىء، وروى من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما، وروى أيضا من حديث أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما، وروى الترمذي من حديث الجارود بن المعلى: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما، وقال: هذا حديث حسن غريب. واستدل أهل الظاهر بهذه الأحاديث على تحريم الشرب قائما ثم كيفية الجمع بينهما على أقوال: أحدها: أن النهي محمول على التنزيه لا على التحريم، وهو الذي صار إليه الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه كالخطابي وأبي محمد البغوي وأبي عبد الله المازري، والقاضي عياض وأبي العباس القرطبي، وأبي زكريا النووي، رحمهم الله تعالى. الثاني: أن المراد بالقائم هنا الماشي لأن الماشي يسمى قائما، قال الله عز وجل: * (إلا ما دمت عليه قائما) * (آل عمران: 75). أي: مواظبا بالمشي إليه، والعرب تقول: قم في حاجتنا أي: امش فيها، قاله ابن التين. الثالث: أنه محمول على أن يأتي الرجل أصحابه بشراب فيبدأ قبل أصحابه فيشرب قائما، ذكره أبو الوليد الباجي والمازري. الرابع: تضعيف أحاديث النهي عن الشرب قائما، قاله جماعة من المالكية، منهم: أبو عمر بن عبد البر، وفيه نظر. الخامس: أن أحاديث النهي منسوخة قاله أبو حفص بن شاهين وابن حبان في صحيحه. السادس: ما قاله ابن حزم أن أحاديث النهي ناسخة لأحاديث الشرب قائما، وقال النووي في (شرح مسلم): الصواب أن النهي محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيانه للجواز فلا إشكال ولا تعارض، قال: وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه، قال: وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط غلطا فاحشا، وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ؟ وأنى له بذلك، والله أعلم. قلت: جزم النووي هنا بالكراهة، وخالف ذلك في (الروضة) تبعا للرافعي، فقال: إن الشرب قائما ليس بمكروه. 5616 حدثناآدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة سمعت النزال بن سبرة يحدث عن علي رضي الله عنه أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتي بماء فشرب وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضله وهو قائم، ثم قال: إن ناسا يكرهون الشرب قائما، وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت. (انظر الحديث: 5615). هذا طريق آخر في حديث علي رضي الله عنه أخرجه عن آدم بن أبي إياس إلى آخره. قوله: (في حوائج الناس) الحوائج جمع حاجة على غير القياس، وذكر الأصمعي أنه مولد، والجمع حاجات وحاج، وقال ابن ولاد: الحوجاء الحاجة وجمعها حواجي بتشديد الياء، ويجوز التخيف، قال: فلعل حوائج مقلوبة من حواجي مثل: سوايع من سواعي، وقال الهروي: قيل: الأصل حائجة فيصح الجمع على حوائج. قوله: (ثم أتى بماء) وفي رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة عند الإسماعيلي: فدعا بوضوء، وللترمذي من طريق الأعمش عن عبد الملك بن ميسرة: ثم أتي علي بكوز من ماء، ومثله في رواية بهز بن أسد عند النسائي، وكذا لأبي داود الطيالسي في (مسنده) عن شعبة. قوله: (وذكر رأسه) أي: وذكر آدم رأسه ورجليه، وكان آدم توقف في سياقه فعبر بقوله: (وذكر رأسه ورجليه) وفي رواية بهز: فأخذ منه كفا فمسح وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه، وعند الطيالسي: فغسل وجهه ويديه ومسح على رأسه ورجليه، ووقع في رواية الأعمش: فغسل يديه ومضمض واستنشق ومسح بوجهه وذراعيه ورأسه، وفي رواية الإسماعيلي: فمسح بوجهه ورأسه ورجليه، وقد ثبت في آخر الحديث قول علي رضي الله عنه: هذا وضوء من لم يحدث، وقعت هذه الزيادة في رواية النسائي والإسماعيلي من طريق شعبة، وقال الكرماني: فإن قلت: لم فصل الرأس والرجلين عما تقدم ولم يذكرها على وتيرة واحدة؟ قلت: حيث لم يكن الرأس مغسولا بل ممسوحا فصله عنه وعطف الرجل عليه وإن كانت مغسولة، على نحو قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) * (لمائدة: 6) إذ كان
193 لابس الخف فمسحه أيضا، وقيل ذلك لأن الراوي الثاني نسي ما ذكره الراوي الأول في شأن الرأس والرجلين. قوله: (فضله) أي: فضل الماء الذي توضأ منه. قوله: (قائما) كذا هو في رواية الأكثرين، ووقع في رواية الكشميهني: قياما، وهذه أولى، وفي رواية الطيالسي: أن يشربوا قياما. قوله: (صنع مثل ما صنعت) ويروى: صنع كما صنعت، أي: من الشرب قائما، وصرح به الإسماعيلي في روايته، فقال: شرب فضل وضوئه. قائما كما شربت. 5617 حدثناأبو نعيم حدثنا سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي عن ابن عباس قال: شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائما من زمزم. (انظر الحديث: 1637). مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو نعيم الفضل بن دكين روى عن سفيان، قال الكرماني: قال الكلاباذي: أبو نعيم سمع الثوري وابن عيينة وهما سمعا عاصما الأحول، فهذا سفيان يحتمل أن يكون هذا وأن يكون ذاك، وقال بعضهم بعد نقله كلام الكرماني: ليس الاحتمالان فيهما هنا على السواء، فإن أبا نعيم مشهور بالرواية عن الثوري معروف بملازمته وروايته عن ابن عيينة قليلة وإذا أطلق اسم شيخه حمل على من هو أشهر بصحبته وروايته أكثر انتهى قلت بعد أن ثبتت رواية أبي نعيم عن ابن عيينة الاحتمال باق ولا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر بما ذكره، لأن ابن عيينة روى هذا الحديث بعينه عند مسلم وأحمد في (مسنده) وأخرجه الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا عاصم الأحول ومغيرة عن الشعبي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، شرب من زمزم وهو قائم، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه النسائي أيضا، وفي لفظ: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم. 17 ((باب من شرب وهو واقف على بعيره)) أي: هذا باب في بيان حكم من شرب والحال أنه واقف على بعيره، وقال ابن العربي: لا حجة في هذا على الشرب قائما، لأن الراكب على البعير قاعد غير قائم، وأجيب بأن البخاري أراد بهذا بيان حكم هذه الحالة، وليس في صدد بيان الاستدلال به على جواز الشرب قائما. وبين حكم هذه الهيئة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لأن الراكب يشبه القائم من حيث كونه سائرا، ويشبه القاعد من حيث كونه مستقرا على الدابة. 5618 حدثنامالك بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة أخبرنا أبو النضر عن عمير مولى ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن وهو واقف عشية عرفة فأخذ بيده فشربه. زاد مالك عن أبي النضر: على بعيره. مطابقته للترجمة ظاهرة. ومالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي الكوفي من كبار شيوخ البخاري، وروى مسلم عن هارون بن عبد الله عنه في الحدود، قال البخاري: مات سنة تسع عشرة ومائتين، وعبد العزيز بن أبي سلمة بفتحتين الماجشون واسم أبي سلمة دينار وهو جد عبد العزيز لأنه ابن عبد الله بن أبي سلمة، وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، واسمه سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني، وعمير مصغر عمرو مولى ابن عباس رضي الله عنهما وأم الفضل بنت الحارث واسمها لبابة بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة الأولى والثانية، زوج العباس بن عبد المطلب. والحديث قد مر عن قريب في: باب شرب اللبن، أخرجه عن الحميدي عن سفيان عن سالم أبي النضر إلى آخره، وقد ذكرنا أنه أخرجه أيضا في الحج عن القعنبي، وفي الصوم عن عبد الله بن يوسف، وعن مسدد. فإن قلت: ذكر في: باب شرب اللبن، أن عميرا مولى أم الفضل، وذكر هنا أنه مولى ابن عباس. قلت: أم الفضل أم ابن عباس، ولما كان عمير مولى للأم وملازما للابن صحت النسبتان، والإضافة صحيحة بأدنى ملابسة، ومر الكلام فيه. قوله: (زاد مالك عن أبي النضر) أي: زاد مالك بن أنس في روايته عن أبي النضر سالم لفظ: (على بعيره) يعني: شرب وهو على بعيره،
194 وبهذه الزيادة تتضح المطابقة بين الحديث والترجمة، فإذا جاز الشرب قائما على الأرض فالشرب على الدابة أحرى بالجواز لأن الراكب أشبه بالحالين. 18 ((باب الأيمن فالأيمن في الشرب)) أي: هذا باب يذكر فيه يقدم الذي على يمين الشارب، فارتفاع الأيمن بالفعل المقدر الذي ذكرناه، ويجوز أن يكون مرفوعا على أنه مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: الأيمن أحق لفضيلة اليمين على الشمال. قوله: (فالأيمن) عطف عليه، ويجوز فيهما النصب أيضا أي: أعط الأيمن. فالأيمن. قوله: (في الشرب) أعم من شرب الماء وغيره من المشروبات، ونقل عن مالك وحده أنه خصه بالماء قال ابن عبد البر: لا يصح هذا عن مالك. 5619 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن شماله أبو بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال: الأيمن فالأيمن. مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل بن أبي أويس. والحديث مر عن قريب في أول شرب اللبن بالماء. قوله: (قد شيب) على صيغة المجهول من الماضي من الشوب وهو الخلط، وأصل شيب شوب قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. قوله: (وعن يمينه أعرابي) الواو فيه للحال أي: والحال أن الذي عن يمينه أعرابي، والذي عن شماله أبو بكر رضي الله عنه فإن قلت: يقال: عن يمينه وعلى يمينه، وعن شماله وعلى شماله، فما الفرق بينهما؟ قلت: معنى: على يمينه، أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه، ومعنى: عن يمينه، أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين، ثم كثر استعماله في المتجافي وغيره، وقال الملهب: التيامن في الأكل والشرب وجميع الأشياء من السنن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب التيامن استشعارا منه بما شرف الله عز وجل به أهل اليمين. وقال القرطبي: إنما أعطى الأعرابي لأنه كان من كبار قومه، ولذلك جلس عن يمينه. قلت: الأظهر أنه سنة، أو لعله سبق إلى اليمين، فلذلك لم يقمه لأجل الصديق، فإنه سبقه به بخلاف الصلاة، لقوله: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، وإن لم يكن في اليمين أحد فالأكبر الأكبر، كما مضى في موضعه. 19 ((باب هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب ليعطي الأكبر)) أي: هذا باب فيه: هل يستأذن الرجل أي: يطلب الإذن من الذي هو جالس على يمينه، وقوله: من، بفتح الميم موصولة، وإنما لم يجزم الحكم وذكره بصورة الاستفهام على سبيل الاستخبار لكونها واقعة عين فيتطرق إليها احتمال التخصيص، فلا يطرد الحكم فيها لكل جليس. 5620 حدثناإسماعيل قال: حدثني مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هاؤلاء؟ فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. قال: فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده. مطابقته للترجمة في قوله: وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي واسمه سلمة بن دينار، وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري. والحديث مضى في المظالم في: باب إذا أذن له أو أحله، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره نحوه سواه ومضى أيضا في الهبة عن يحيى بن قزعة وقتيبة، وقد مر الكلام فيه في: باب المظالم. قوله: (غلام) الأصح أنه كان عبد الله بن عباس، والأشياخ: خالد بن الوليد وغيره. قوله: (أتأذن لي؟) فإن قلت: لم يقل في حديث أنس: أتأذن لي؟ قلت: أجاب النووي وغيره بأن السبب فيه أن الغلام كان ابن عمه وله عليه إدلال، وكان من اليسار أقارب الغلام أيضا
195 وطيب نفسه مع ذلك بالإستئذان لبيان الحكم وأن السنة تقديم الأيمن، ولو كان مفضولا بالنسبة إلى من على اليسار. فإن قلت: قد يعارض حديث سهل هذا وحديث أنس الذي مضى عن قريب حديث سهل بن أبي خيثمة الآتي في القسامة: كبركبر، وتقدم في الطهارة حديث ابن عمر في الأمر بمناولة السواك الأكبر، وأخص من هذا حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو يعلى بسند قوي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقي قال: ابدأوا بالأكبر. قلت: الجواب في هذا أنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساويين، إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه أو حيث لا يكون فيهم، فيخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن، أو يخص من عموم هذا الأثر بالبداءة بالكبير ما إذا جلس بعض عن يمين الرئيس وبعض عن يساره، ففي هذه الصورة يقدم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل، ويظهر من هذا أن الأيمن ما امتاز بمجرد الجلوس في الجهة اليمنى، بل لحصول كونها يمين الرئيس، فالفضل إنما فاض عليه من الأفضل. قوله أتأذن لي؟ ظاهره أنه لو أذن له لأعطاهم، ويؤخذ من ذلك جواز الإيثار بمثل ذلك. قيل: إنه مشكل على ما اشتهر من أنه لا إيثار بالقرب، وإنما الإيثار المحمود ما كان من حظوظ النفس دون الطاعات، وقد اقتصر القاضي في النقل عن العلماء على كراهة الإيثار بالقرب بخلاف ما يتوهمه كثير من الناس أنه يحرم الإيثار بالقرب. قوله: (فتله) بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد اللام أي: وضعه، وقال الخطابي: وضعه بعنف، وأصله من الرمي على التل وهو المكان العالي المرتفع، ثم استعمل في كل شيء يرمى به وفي كل إلقاء. 20 ((باب الكرع في الحوض)) أي: هذا باب في بيان الكرع بفتح الكاف وسكون الراء وهو الشرب من الحوض أو من النهر بالفم، وهو من كرع يكرع من باب فتح يفتح، وقد جاء بالكسر في الماضي من باب علم يعلم، وقال ابن سيده: كرع تناول بفيه من غير إناء، وقيل: هو أن يدخل النهر فيشرب، وقيل: هو أن يصوب رأسه في الماء وإن لم يشرب، وفي (الجامع): كل خائض في الماء فهو كارع شرب أو لم يشرب، وفي (التهذيب): كرع في الإناء إذا أمال نحوه عينه فشرب منه. 5621 حدثنايحياى بن صالح حدثنا فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له، فسلم النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فرد الرجل فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، وهي ساعة حارة، وهو يحول في حائط له يعني الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات في شنة وإلا كرعنا والرجل يحول الماء في حائط. فقال الرجل: يا رسول الله! عندي ماء بات في شنة، فانطلق إلى العريش فسكب في قدح ماء ثم حلب عليه من داجن له فشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أعاد فشرب الرجل الذي جاء معه. (انظر الحديث: 5643). مطابقته للترجمة في قوله: (وإلا كرعنا) ويحيى بن صالح الوحاظي أبو زكريا، ويقال: أبو صالح الشامي الدمشقي، ويقال: الحمصي وهو من جملة الأئمة الحنفية وأصحاب الإمام أبي حنيفة وكان عديل محمد بن الحسن إلى مكة ومات سنة اثنتين وعشرين ومائتين. والحديث مضى عن قريب في: باب شرب اللبن بالماء، ومضى الكلام فيه. وأخرجه أبو داود في الأشربة عن عثمان ابن أبي شيبة. وأخرجه ابن ماجة فيه عن أحمد بن منصور الزيادي. قوله: (فرد الرجل) أي: السلام. قوله (بأبي أنت وأمي) أي: أنت مفدى بأبي وأمي. قوله: (والرجل يحول الماء) إنما كرره لأنهما حالان باعتبار فعلين مختلفين، والتحويل هو النقل من قعر البئر إلى ظاهره، أو إجراء الماء من جانب إلى جانب في بستانه. 21 ((باب خدمة الصغار الكبار)) أي: هذا باب في بيان خدمة الصغار الكبار. 5622 حدثنا مسدد حدثنا معتمر عن أبيه وقال: سمعت أنسا رضي الله عنه قال: كنت قائما على
196 الحي أسقيهم عمومتي وأنا أصغرهم الفضيخ، فقيل: حرمت الخمر، فقال: اكفئها، فكفأنا. قلت. لأنس: ما شرابهم؟ قال: رطب وبسر، فقال أبو بكر بن أنس: وكانت خمرهم فلم ينكر أنس. وحدثني بعض أصحابي أنه سمع أنسا يقول: كانت خمرهم يومئذ. مطابقته للترجمة ظاهرة. ومعتمر يروى عن أبيه سليمان. والحديث مضى في أوائل الأشربة في: باب نزل تحريم الخمر وهي من البسر والتمر، فإنه أخرجه هناك بعين هذا االإسناد وعين هذا المتن، ومضى الكلام فيه مستوفى. قوله: (عمومتي) بدل أو منصوب على الاختصاص، والفضيخ بالمعجمتين. 22 ((باب تغطية الإناء)) أي: هذا باب في بيان حكم تغطية الإناء. 5623 حدثناإسحاق بن منصور أخبرنا روح بن عبادة أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفؤوا مصابيحكم. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وخمروا آنيتكم) لأن معناه: غطوا آنيتكم. وإسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي، انتقل بآخره إلى نيسابور، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء بن أبي رباح. والحديث قد مر في صفة إبليس فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن جعفر عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن جريج إلى آخره، ومر الكلام فيه. قوله: (جنح الليل) بكسر الجيم وضمها الظلام معناه طائفة من ظلام الليل. قوله: (أو أمسيتم) أي: دخلتم في المساء. قوله: (فكفوا صبيانكم) أي: امنعوهم من الخروج في هذا الوقت أي: يخاف عليهم حينئذ لكثرة الشياطين وإيذائهم، وقال ابن بطال: خشي صلى الله عليه وسلم على الصبيان عند انتشار الجن أن تلم بهم فتصرعهم، فإن الشيطان قد أعطاه الله تعالى قوة عليه. وأعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن التعرض للفتن. مما لا ينبغي وأن الاحتراس منها أحزم على أن ذلك الاحتراس لا يرد قدرا، ولكن ليبلغ النفس عذرها، ولئلا يتسبب له الشيطان إلى لوم نفسه في التقصير. قوله: (فحلوهم) بضم الحاء المهملة، وقال: الكرماني: فحلوهم بإعجام الخاء. قوله: (وأوكوا) من أوكى ما في سقائه إذا شده بالوكاء وهو ما يشد به رأس القربة. قوله: (وخمروا) من التخمير وهو التغطية. قوله: (ولو أن تعرضوا) بضم الراء وكسرها أي: إن لم يتيسر التغطية بكمالها فلا أقل من وضع عود على عرض الإناء، وجواب: لو محذوف نحو: لكان كافيا. وإنما أمر بالتغطية لأن في السنة ليلة ينزل فيها وباء وبلاء لا يمر بإناء مكشوف إلا نزل فيه من ذلك، والأعاجم يتوقعون ذلك في كانون الأول. قوله: (واطفئوا مصابيحكم) وهو جمع مصباح، وذلك لأجل الفأرة فإنها تضرم على الناس بيوتهم، وأما القناديل المعلقة في المساجد والبيوت فإن خيف منها أيضا فتطفأ وإلا فلا. 5624 حدثناموسى بن إسماعيل حدثنا همام عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أطفئوا المصابيح إذا رقدتم، وغلقوا الأبواب وأوكوا الأسقية وخمروا الطعام والشراب، وأحسبه قال: ولو بعود تعرضه عليه. هذا طريق آخر في حديث جابر المذكور أخرجه عن موسى بن إسماعيل البصري التبوذكي عن همام بن يحيى
197 عن عطاء بن أبي رباح عن جابر رضي الله عنه قوله: (الأسقية) جمع سقاء بكسر السين وهو ظرف الماء. قوله: (خمروا) أي: غطوا من التخمير. 23 ((باب اختناث الأسقية)) أي: هذا باب في بيان حكم اختناث الأسقية الاختناث من اختنث السقاء إذا ثنيته إلى خارج فشربت منه، وأصله التكسر والانطواء، ومنه سمي الرجل المتشبه بالنساء في أفعاله مخنثا، والأسقية جمع سقاء وهو ظرف ماء. 5625 حدثنا آدم حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية، يعني: أن تكسر أفواهها فيشرب منها. (انظر الحديث: 5625 طرفه في: 5626). مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس، وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث، فقيه أهل المدينة ممن كان يأمر بالمعروف، واسم أبي سعيد الخدري سعد بن مالك. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة عن عمر والناقد عن سفيان بن عيينة إلى آخره نحوه، وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد. وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة من رواية يونس. قوله: (يعني: أن تكسر أفواهها) المراد من كسرها ثنيها لا كسرها حقيقة ولا إبانتها، ولأفواه جمع فم على سبيل الرد إلى الأصل لأن أصل فم فوه حذفت منه الهاء لاستثقالها عند الضمير لو قيل: فوهه، فلما حذفت عوضت عنها الميم. وقال الخطابي: أحسب أن قوله: يعني: أن تكسر أفواهها عن الزهري فيكون هذا التفسير مدرجا، والدليل عليه أن أحمد رواه عن أبي النضر عن ابن أبي ذئب بحذف لفظ: يعني وقال المهلب: معنى هذا النهي والله أعلم على وجه الأدب لجواز أن يكون في أفواهها حية أو بعض الهوام لا يدريها الشارب فيدخل في جوفه. وروى ابن ماجة والحاكم في (مستدركه) من رواية زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية وأن رجلا بعدما نهى رسول الله قام من الليل إلى السقاء فاختنثه فخرجت منه حية. 5626 حدثنامحمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن اختناث الأسقية. قال عبد الله: قال معمر، أو غيره: هو الشرب من أفواهها. (انظر الحديث: 5625). هذا طريق آخر من حديث أبي سعيد أخرجه عن محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم الزهري، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع أبا سعيد الخدري، وهنا صرح عبيد الله بالسماع عن أبي سعيد، بخلاف الطريق الأول، فإنه بالعنعنة وكذلك صرح أبو سعيد هنا بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف الطريق الأول. قوله: (قال عبد الله) هو ابن المبارك وقال معمر بن راشد أو غيره أي: غير معمر: (هو الشرب) يعني اختناث الأسقية هو الشرب من أفواه الأسقية، وشك عبد الله في هذا التفسير، هل قاله معمر أو غيره؟ وأخرجه مسلم من غير تردد: حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها، فإن قلت: قال ابن حزم: فإن قيل: إنه صلى الله عليه وسلم شرب من فم قربة؟ قلنا: لا حجة في شيء منه، لأن أحدهما من طريق الحارث بن أبي أسامة وقد ترك، وفيه البراء ابن بنت أنس وهو مجهول، وآخر من طريق رجل لم يسم قلت: أحد الحديثين اللذين ذكرهما رواه أحمد في (مسنده) والترمذي في الشمائل من رواية عبد الكريم الجزري عن البراء ابن بنت أنس بن مالك عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل وقربة معلقة فشرب من فم القربة... الحديث، والبراء هذا ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رواته محتج بهم، وتابع البراء
198 عليه حميد الطويل، رواه الطحاوي في كتاب (شرح معاني الآثار) من رواية شريك عن حميد عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من قربة ماء معلقة وهو قائم... والحديث الآخر الذي فيه رجل لم يسم. 24 ((باب الشرب من فم السقاء)) أي: هذا باب في بيان ما ورد من النهي عن الشرب من فم السقاء، ويجوز تشديد الميم، ويروى: من في السقاء، قيل: لم يكتف البخاري بالترجمة التي قبلها لئلا يظن أن النهي خاص بصورة الاختناث، وأشار بأن النهي يعم ما يمكن اختناثه وما لا يمكن كالفخار مثلا. قلت: روى أحاديث تدل على جواز الشرب من فم السقاء، منها: ما رواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة، قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة، وقال: حديث حسن صحيح. ومنها: حديث أنس بن مالك رواه الترمذي في الشمائل، وقد ذكرناه قبل هذا الباب. ومنها: حديث عبد الله بن أنيس عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى قربة معلقة فخنقها ثم شرب من فمها، رواه الترمذي وأبو داود، وقد صح عن جماعة من الصحابة والتابعين فعل ذلك، فروى ابن أبي شيبة في (المصنف) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأسا بالشرب من في الإداوة، وعن سعيد بن جبير قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يشرب من في الإداوة، وعن نافع، أن ابن عمر كان يشرب من في السقاء، وعن عباد بن منصور قال: رأيت سالم بن عبد الله بن عمر يشرب من في الإداوة. فإن قلت: كيف يجمع بين هذه الأحاديث التي تدل على الجواز وبين حديثي الباب اللذين يدلان على المنع؟ قلت: قال شيخنا، رحمه الله: لو فرق بين ما يكون لعذر كأن تكون القربة معلقة ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء متيسرا ولم يتمكن من التناول بكفه فلا كراهة حينئذ، وعلى هذا تحمل هذه الأحاديث المذكورة، وبين ما يكون لغير عذر فيحمل عليه أحاديث النهي. قيل: لم يرد حديث من الأحاديث التي تدل على الجواز إلا بفعله صلى الله عليه وسلم وأحاديث النهي كلها من قوله فهي أرجح، والله أعلم. 5627 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا أيوب قال: قال لنا عكرمة: ألا أخبركم بأشياء قصار حدثنا بها أبو هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فم القربة أو السقاء وأن يمنع جاره أن يغرز خشبه في داره. (انظر الحديث: 2463 وطرفه). مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يوضح الإبهام الذي فيها وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأيوب هو السختياني، وعكرمة هو مولى ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث أخرجه ابن ماجة في الأشربة عن بشر بن هلال الصواف عن عبد الوارث بن سعيد عن أيوب به. قوله: (حدثنا) فاعل حدثنا أبو هريرة، والضمير في: بها، يرجع إلى قوله: (بأشياء) والذي أخبر به شيئان، وقد قال: ألا أخبركم بأشياء؟ ولعله أخبر بها ولم يذكرها بعض الرواة، ويجوز أن يكون ذلك عمدا أو نسيانا، وقيل: أو يكون أقل الجمع عنده اثنان، وبين قوله: حدثنا، وبين قوله: ألا أخبركم؟ شيء مقدر تقديره: ألا أخبركم بأشياء قصار؟ قلنا: نعم، أو نحو ذلك، فقال: حدثنا بها. قوله: (أو السقاء) شك من الراوي، والفرق بين القربة والسقاء أن القربة للماء والسقاء للماء واللبن. قوله: (وأن يمنع) أي: ونهى أن يمنع الشخص جاره أن يغرز أي: بأن يغرز، وأن مصدرية أي: غرز خشبة، بإضافة الخشب إلى الضمير الذي يرجع إلى الجار، ويروى: خشبة بالتنوين. قوله: (في داره) ويروى: في جداره، وهذا أوضح (. وفي (التوضيح): هو عندنا وعند مالك محمول على الاستحباب، والقديم عندنا وجوبه، وبه قال ابن حبيب وغيره. 5628 حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب من في السقاء. (انظر الحديث: 2463 وطرفه). مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق. وإسماعيل هو ابن علية، وأيوب هو السختياني. وقال النووي: اتفقوا على أن النهي هنا للتنزيه لا للتحريم قيل في دعواه الاتفاق نظر، لأن أبا بكر الأثرم صاحب أحمد أطلق أن أحاديث النهي
199 ناسخة للإباحة لأنهم كانوا أولا يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء، فنسخ الجواز. ووجه الحكمة في النهي ما قاله قوم من أنه لا يؤمن من دخول شيء من الهوام مع الماء في جوف السقاء فيدخل فم الشارب ولا يدري فعلى هذا لو ملأ السقاء وهو يشاهد الماء الذي يدخل فيه، ثم ربطه ربطا محكما، ثم لما أراد أن يشرب حله فشرب منه لا يتناوله النهي، وقيل: ما أخرجه الحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها بسند قوي بلفظ: نهى أن يشرب من في السقاء، لأن ذلك ينتنه، وهذا عام، وقيل: إن الذي يشرب الماء من فم السقاء قد يغلبه الماء فينصب منه أكثر من حاجته فلا يأمن أن يشرق به أو تبتل ثيابه. وقيل: ينزل بقوة فيقطع العروق الضعيفة التي بإزاء القلب، فربما كان سببا للهلاك. 5629 حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء. مطابقته للترجمة ظاهرة. وخالد هو الحذاء. والحديث أخرجه ابن ماجة في الأشربة عن بكر بن خلف عن يزيد بن زريع به. 25 ((باب النهي عن التنفس في الإناء)) أي: هذا باب في بيان النهي عن التنفس في الإناء عند الشرب، والتنفس أخذ النفس. 5630 حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه، وإذا تمسح أحدكم فلا يتمسح بيمينه. (انظر الحديث: 153 وطرفه). مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي، ويحيى هو ابن أبي كثير، واسم أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري. والحديث مضى في كتاب الطهارة في: باب النهي عن الاستنجاء باليمين، فإنه أخرجه هناك عن معاذ بن فضالة عن هشام عن يحيى بن أبي كثير إلى آخره، ولفظه هناك: وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه، ومر الكلام فيه هناك. وقال الكرماني: وروي: لا يتنفس ولا يمسح ولا يتمسح، بالنفي والنهي. وقال الملهب: التنفس إنما نهى عنه كما نهى عن النفخ في الطعام والشراب والله أعلم من أجل أنه لا بد أن يقع فيه شيء من ريقه فيعافه الطاعم له ويستقذر أكله فنهى لذلك لئلا يفسد على من يريد تناوله، وهذا إذا أكل أو شرب مع غيره، وإذا كان وحده أو مع من يعلم أنه لا يستقذر شيئا منه فلا بأس بالتنفس في الإناء. 26 ((باب الشرب بنفسين أو ثلاثة)) أي: هذا باب في بيان الشرب بنفسين أو ثلاثة أنفاس قيل: بين الترجمتين مع حديثيهما تعارض، لأن الترجمة الأولى في النهي عن التنفس في الإناء، وهذه في ثبوت التنفس. وأجيب بأجوبة مختلفة، وأحسنها أن البخاري جعل الإناء في الترجمة الأولى ظرفا للتنفس، والنهي عنه لاستقذاره، وقال في هذه الترجمة: الشرب بنفسين فجعل التنفس للشرب أن لا يقتصر على نفس واحد بل يفصل بين الشربين بنفسين أو ثلاثة خارج الإناء، فبهذا ينتفي التعارض. 5631 حدثناأبو عاصم وأبو نعيم قالا: حدثنا عزرة بن ثابت قال: أخبرني ثمامة بن عبد الله قال: كان أنس يتنفس في الإناء مرتين أو ثلاثا، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس ثلاثا. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعزرة بفتح العين المهملة وسكون الزاي بعدها راء ابن ثابت بالثاء المثلثة في أوله الأنصاري التابعي أصله من المدينة نزل البصرة، وقد سمع من جده لأمه عبد الله بن يزيد الخطمي، وعبد الله بن أبي أوفى وغيرهما، وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس رضي الله عنه يروي عن جده. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة عن أبي بكر وقتيبة. وأخرجه الترمذي فيه عن بندار. وأخرجه
200 النسائي في الوليمة عن إبراهيم بن مسعود وغيره. وأخرجه ابن ماجة في الأشربة عن أبي بكر بن أبي شيبة. قوله: (أو ثلاثا) يحتمل أن يكون أو للتنويع أي: ثلاث مرات، ويحتمل أن يكون للشك، وقد أخرج إسحاق بن راهويه الحديث عن عبد الرحمن بن مهدي عن عزرة بلفظ: كان يتنفس ثلاثا، ولم يقل: أو، وروى الترمذي قال: حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن يزيد بن سنان الجزري عن ابن عطاء بن أبي رباح عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشربوا واحدا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم. وقال: هذا حديث غريب، وقال بعضهم: سنده ضعيف، فإن كان محفوظا. فهو يقوى ما تقدم من التنويع. قلت: قال شيخنا: حسن الترمذي حديث ابن عباس، وفيه: من لم يسم، وهو ابن عطاء بن أبي رباح، وكان له ولدان روى كل واحد منهما عنه وهما: خلاد ويعقوب، ويعقوب روى له النسائي باسمه، وضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات. وأما خلاد فليس له رواية في الكتب الستة. قال البخاري فيه: منكر الحديث، وقال الترمذي ويزيد بن سنان: هو أبو فروة الرهاوي، وقال شيخنا: ضعفه أحمد وابن معين وابن المديني، وتركه النسائي، وقال البخاري: مقارب الحديث، وإنما قال الترمذي ويزيد بن سنان هو أبو فروة الرهاوي لأن لهم يزيد بن سنان المقرئ البصري ثقة، روى عنه النسائي، متأخر الطبقة عن هذا. قوله: (وزعم) أي: قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس ثلاثا) أي: ثلاث مرات. وأخرج الترمذي أيضا عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس مرتين، ثم قال: وهذا حديث حسن غريب فإن قلت: ما التوفيق بينهما؟ قلت: هذا ليس بنص على المرتين بل هو من باب الاكتفاء، والأصل أن المستحب الشرب في ثلاثة أنفاس. وفي حديث ابن عباس المذكور عن قريب، وهو قوله اشربوا مثنى وثلاث، وفيه الاقتصار على الشرب مرتين إذا حصل الاكتفاء بذلك، ولكن ينبغي أن يزيد ثالثة، وإن اكتفى بمرتين. واختلفوا: هل يجوز الشرب بنفس واحد؟ فروي عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح أنهما أجازاه بنفس واحد، وروي عن ابن عباس وطاووس وعكرمة كراهة الشرب بنفس واحد، وقال ابن عباس: هو شرب الشيطان، وقال الأثرم: هذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة والوجه فيها عندنا أنه يجوز الشرب بنفس وباثنين وبثلاثة وبأكثر منها، لأن اختلاف الرواية في ذلك يدل على التسهيل فيه، وإن اختار الثلاث فحسن. 27 ((باب الشرب في آنية الذهب)) أي: هذا باب في بيان حكم الشرب في آنية الذهب، ولم يصرح بالحكم اكتفاء بما في الحديث من صريح النهي عن ذلك. 5632 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال: كان حذيفة بالمدائن فاستسقاى فأتاه دهقان بقدح فضة فرماه به، فقال: إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته، وإن النبي صلى الله عليه وسلم نهنا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة. وقال: هن لهم في الدنيا. وهي لكم في الآخرة. ابقته للترجمة في قوله: (والشرب في آنية الذهب). والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة مصغر عتبة الدار وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن، وحذيفة بن اليمان واسم اليمان حسل بن جابر واليمان لقب، وهو من كبار الصحابة، رضي الله تعالى عنهم. والحديث مضى في كتاب الأطعمة في: باب الأكل في إناء مفضض، فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن سيف بن أبي سليمان عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وانظر التفاوت بينهما في المتن والإسناد. قوله: (بالمدائن) وهي مدينة عظيمة على دجلة بينها وبين بغداد سبعة فراسخ، وكانت مسكن ملوك الفرس، وبها إيوان كسرى المشهور، وكان فتحها على يد سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر، رضي الله عنه، سنة عشر. وقيل قبل ذلك، وكان حذيفة عاملا عليها في خلافة عمر ثم عثمان إلى أن مات بعد قتل عثمان سنة ست وثلاثين في أول خلافة علي، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فاستسقى) أي طلب الماء للشرب. قوله: (دهقان) بكسر الدال المهملة وضمها بعدها هاء ساكنة ثم قاف وبعد الألف نون، وهو زعيم القوم وكبير القرية بالفارسية منصرفا وغير منصرف، وفي
201 رواية الترمذي: فأتاه إنسان، وقد مر في كتاب الأطعمة: فسقاه مجوسي، وفي رواية أحمد عن وكيع عن شعبة: استسقى حذيفة من دهقان أو علج. قوله: (بقدح فضة) بالإضافة مثل خاتم فضة، وفي رواية أبي داود عن حفص شيخ البخاري فيه: بإناء من فضة، وفي رواية مسلم من طريق عبد الله بن عكيم: كنا عند حذيفة فجاء دهقان بشراب في إناء من فضة، ويأتي في اللباس عن سليمان بن حرب عن شعبة بلفظ: بماء في إناء. قوله: (فرماه به) أي: رمى الدهقان بالقد، ويوضحه رواية وكيع: فجذفه به، قوله: (إني لم أرمه) أي القدح، وفي رواية الإسماعيلي: لم أكسره، وهذا اعتذار من حذيفة لأنه تقدم إلى دهقان مرة أو مرتين، ويقول: لم أفعل به هذا، وهو معنى قوله: (إلا أني نهيته) أي: الدهقان فلم ينته، ويوضح هذا رواية يزيد: لولا أني تقدمت إليه مرة أو مرتين، ورواية عبد الله بن عكيم: إني أمرته أن لا يسقيني فيه، ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا... إلى آخره. قوله: (والديباج) هو الثياب المتخذة من الإبريسم، وهو فارسي معرب. قوله: (هن) كذا هو في الموضعين، وفي رواية، أبي داود: هي، ووقع في رواية مسلم: هو، أي: جميع ما ذكر. قوله: (لهم) أي: للكفار، والسياق يدل عليه. وقال الإسماعيلي: ليس المراد بقوله: (هن لهم في الدنيا) إباحة استعمالهم إياه، وإنما المعنى بقوله: (لهم) أي: هم يستعملونه مخالفة لزي المسلمين، وكذا قوله: (ولكم في الآخرة) أي: تستعملونه مكافأة لكم على تركه في الدنيا، ويمنعه أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعماله. قلت: الظاهر أن الذي يستعمله في الدنيا لا يتعاطاه في الآخرة، كما في شرب الخمر. والكلام فيه مثل الكلام في الخمر على الوجه الذي فيها. 28 ((باب آنية الفضة)) أي: هذا باب في بيان حكم استعمال آنية الفضة. وإنما أفرد هذه الترجمة مع أنها داخلة في الترجمة السابقة لأن في حديث الترجمة الأولى بين حرمة الذهب والفضة بلفظ الإخبار بالفعل الماضي من النهي، وهنا بين بلفظ: لا تشربوا، وبينهما فرق لا يخفى. 5633 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن مجاهد عن ابن أبي ليلى، قال: خرجنا مع حذيفة، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تلبسوا الحرير والديباج فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة. مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي عدي هو محمد، واسم أبي عدي إبراهيم البصري، وابن عون عبد الله بن عون، وابن أبي ليلى عبد الرحمن. قوله: (خرجنا مع حذيفة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم)، وكذا ذكره مختصرا، وفيه حذف كثير بينه الإسماعيلي فقال: خرجنا مع حذيفة إلى بعض السواد، فاستسقى فأتاه دهقان بإناء من فضة فرمى به في وجهه، قال: فقلنا: اسكتوا، فإنا إن سألناه لم يحدثنا، قال: فسكتنا، فلما كان بعد ذلك قال: أتدرون لم رميت بهذا في وجهه؟ قلنا: لا. قال: ذلك أني كنت نهيته. قال: فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة). الحديث، وأصله في (صحيح مسلم) إلا أنه ذكر بعضه مقطعا. 5634 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك بن أنس عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله قال: الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم. مطابقته للترجمة في قوله: (في إناء الفضة) وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وزيد بن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنه، هو تابعي ثقة، وقد مضت روايته عن أبيه في إسلام عمر، رضي الله تعالى عنه، وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين، وهذا الإسناد كله مدنيون، و عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق هو ابن أخت أم سلمة التي روى عنها هذا الحديث، وأمه قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وهو ثقة ماله في البخاري غير هذا الحديث، وأم سلمة أم المؤمنين اسمها هند بنت أبي أمية. والحديث أخرجه مسلم في الأطعمة عن يحيى بن يحيى عن مالك به، وعن آخرين. وأخرجه النسائي في الوليمة عن علي بن حجر به، وعن غيره. وأخرجه ابن ماجة في الأشربة عن محمد بن رمح به. قوله: (يجرجر) بضم الياء وفتح الجيم وسكون الراء
202 وكسر الجيم الثانية من الجرجرة، وهو صوت يردده البعير في حنجرته إذا هاج نحو صوت اللجام في فك الفرس، والمعنى يصوت في بطنه نار جهنم، وقال الداودي: يتجرع نار جهنم، وقال النووي: اتفقوا على كسر الجيم الثانية من يجرجر، قيل: رد عليه بما حكى الموفق بن حمزة الفتح في كلامه على المهذب، وجوز ابن مالك كون: يجرجر على البناء للفاعل والمفعول، ورد عليه بأن أحدا من الحفاظ قديما وحديثا لم يرو على البناء للمفعول، مع أن الأصل إسناد الفعل إلى الفاعل. قوله: (نار جهنم) قال الطيبي: اختلفوا في نار جهنم بالنصب أم بالرفع، والصحيح المشهور النصب، ورجحه الزجاج والخطابي والأكثرون، ويؤيده الرواية الثانية. قلت: أراد به ما رواه مسلم بلفظ، فإنما يجرجر في بطنه نارا من جهنم، وقال الزمخشري: الأكثر النصب، والشارب هو الفاعل، والنار مفعوله. يقال: جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعا متواترا صوت، فالمعنى: كأنما يجرع نار جهنم، وأما الرفع فمجاز لأن جهنم على الحقيقة لا تجرجر في جوفه، ولكنه جعل صوت تجرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على استعمالها كجرجرة نار جهنم في بطنه بطريق المجاز، وأجاز الأزهري النصب على أن الفعل عدى إليه وابن السيد الرفع على أنه خبر: أن، واسمها: ما، الموصولة. قال: ومن نصب جعل: ما، زائدة كافة لأن عن العمل وهو نحو: * (إنما صنعوا كيد ساحر) * (طه: 69). فقرىء يرفع: كيد، ونصبه قيل: ويدفعه أنه لم يقع في شيء من النسخ بفصل: ما، من: إن قلت: عدم وقوعه بالفصل لا يدفع ما قاله، فافهم. 5635 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن الأشعث بن سليم عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسبع ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإجابة الداعي وإفشاء السلام ونصر المظلوم وإبرار المقسم، ونهانا عن خواتيم الذهب وعن الشرب في الفضة أو قال: آنية الفضة وعن المياثر والقسي وعن لبس الحرير والديباج والإستبرق. مطابقته للترجمة في قوله: (أو آنية الفضة). وأبو عوانة بفتح العين المهملة وبالنون بعد الألف، اسمه الوضاح اليشكري، والأشعث بالشين المعجمة ثم بالعين المهملة ثم بالثاء المثلثة ابن سليم مصغر السلم، وسويد مصغر السود ومقرن اسم فاعل من التقرين. والحديث قد مضى في أوائيل الجنائز في: باب الأمر باتباع الجنائز، فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن الأشعث... إلى آخره، ومضى الكلام فيه. قوله: (وتشميت العاطس). بالشين المعجمة والمهملة، وهو قولك للعاطس: يرحمك الله، وهو سنة على الكفاية. قوله: (وإفشاء السلام) من أفشى كلامه إذا أذاعه ونشره بين الناس، وذكر في كتاب الجنازة: ورد السلام، وهنا قال: وإفشاء السلام، لأن المقصود من السلام ما يجري بين المسلمين عند الملاقاة مما يدل على الدعاء لأخيه المسلم، وإرادة الخير له ثم لا شك أن بعض هذه الأمور سنة وبعضها فريضة، فالرد من الواجبات والإفشاء من السنن، فصح الاعتباران، وإنما جاز إرادة الفريضة والسنة بإطلاق واحد وهو لفظ: أمرنا، باعتبار عموم المجاز عند الحنفية وجواز إرادة الحقيقة والمجاز كليهما من لفظ واحد عند الشافعية. قوله: (وإبرار المقسم) بضم الميم وسكون القاف وكسر السين وهو أن يفعل ما سأله الملتمس. قوله: (وخواتيم الذهب) قال الجوهري: الخاتم والخاتم بكسر التاء والخيتام والخاتام كله بمعنى الجمع والخواتيم. قوله: (أو قال: آنية الفضة) شك من الراوي. قوله: (والمياثر) جمع الميثرة بكسر الميم من الوثارة بالمثلثة يعني: اللين، وهي وطاء كانت النساء تصنعه لأزواجهن على السروج وأكثرها من الحرير، وقيل: هي من الأرجوان الأحمر، وقيل: هي جلود السباع. وقال أبو عبيدة: المياثر الحمر كانت من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير، وقال ابن التين، وهذا أبين لأن الأرجوان لم يأت فيه تحريم ولا في جلود السباع إذا ذكيت. قوله: (وعن القسي) بفتح القاف وتشديد السين المهملة المكسورة، قال الكرماني: القسي منسوب إلى بلد بالشام: ثوب مضلع بالحرير. قلت: ليس كذلك، وإنما القسي ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتى بها من مصر، نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريبا من تنيس يقال لها: القس، بفتح القاف، وبعض أهل الحديث يكسرها
203 كذا قاله ابن الأثير. قلت: القس وتنيس والفرماء كلها كانت بلادا على ساحل البحر بالقرب من دمياط، وقد خربت واندرست، وقيل: أصل القسي القزي بالزاي منسوب إلى القز وهو ضرب من الإبريسم، فأبدل من الزاي سين، وقيل: منسوب إلى القس، وهو الصقيع لبياضه. قوله: (والديباج) قد مر تفسيره، (والإستبرق) ضرب من الديباج غليظ، قيل: وفيه ذهب وهو فارسي معرب أصله: استبره، والمعروف أن الإستبرق غليظ الديباج، وقال الداودي: رقيقه. 29 ((باب الشرب في الأقداح)) أي: هذا باب في بيان جواز الشرب في الأقداح وهو جمع قدح، وقال في (المغرب): القدح بفتحتين الذي يشرب به، وقال بعضهم: لعله أشار إلى أن الشرب فيها وإن كان من شعار الفسقه لكن ذلك بالنظر إلى المشروب وإلى الهيئة الخاصة. قلت: هذا كلام غير مستقيم، وكيف يقول: إن الشرب فيها من شعائر الفسقة وقد وضع البخاري عقيب هذا: باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم؟ وذكر فيه أن للنبي صلى الله عليه وسلم، قدحا كان عند أنس، على ما يأتي الآن، وذكروا أيضا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم، قدح يقال له: الريان، وآخر يقال له: المغيث، وآخر مضبب بثلاث ضبات من فضة، وقيل: من حديد، وفيه حلقة يعلق بها أصغر من المد وأكثر من نصف المد. وعن عاصم قال: رأيت عند أنس قدح النبي صلى الله عليه وسلم، فيه ضبة من فضة، رواه الإمام أحمد، وفي رواية البيهقي: وكان قد انصدع فسلسله من فضة، قال: وهو قدح عريض من نضار، والقدح الذي يشرب به الفسقة معلوم بين الناس أنه من زجاج ومن بلور ومن فضة ونحوها، وكانت أقداح النبي صلى الله عليه وسلم كلها من جنس الخشب، فإن قلت: روى البزار من حديث ابن عباس أن المقوقس أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير فكان يشرب منه؟ قلت: هذا حديث ضعيف، ولئن سلمنا صحته فنقول: لم يكن شرب النبي صلى الله عليه وسلم منه مثل شرب غيره من المترفين، ولا شرابه مثل شرابهم. 5636 حدثني عمرو بن عباس حدثنا عبد الرحمان حدثنا سفيان عن سالم أبي النضر عن عمير مولى أم الفضل عن أم الفضل: أنهم شكوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فبعث إليه بقدح من لبن فشربه. مطابقته للترجمة في قوله: (فشربه) وعمر وبفتح العين ابن عباس بفتح العين المهملة وتشديد الباء البصري، و عبد الرحمن هو ابن مهدي، و سفيان هو الثوري: والحديث مضى عن قريب في: باب من شرب وهو واقف على بعيره. 30 ((باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته)) أي: هذا باب في بيان شرب جماعة من قدح النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وآنيته) أي: والشرب من آنية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من عطف العام على الخاص لأن الآنية أعم من أن تكون قدحا أو قصعة أو مخضبا أو طشتا أو نحو ذلك، وقيل: أراد البخاري بهذه الترجمة دفع توهم من يقع في خياله أن الشرب في قدح النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته تصرف في ملك الغير بغير إذن، فبين أن السلف كانوا يفعلون ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث وما تركه فهو صدقة، ولا يقال: إن الأغنياء كانوا يفعلون ذلك، والصدقة لا تحل للغني لأن الجواب: أن الممتنع على الأغنياء من الصدقة هو المفروض منها، وهذا ليس من الصدقة المفروضة. قلت: الأحسن أن يقال: إنما كانوا يشربون من قدح النبي صلى الله عليه وسلم، لأجل التبرك به، أما في حياته فلا نزاع فيه، وأما بعد موته فكذلك للتبرك به، ولا يقال: إن من كان عنده شيء من ذلك أنه استولى عليه بغير وجه شرعي، ألا ترى أنه كان عند أنس قدح، وعند سهل قدح، وعند عبد الله بن سلام آخر؟ وكانت جبته عند أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهما، ولا يقال: إنهم حازوا هذه الأشياء بغير وجه شرعي. * (وقال أبو بردة: قال لي عبد الله بن سلام: ألا أسقيك في قدح شرب النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟) *.
204 أبو بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء هو ابن أبي موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، واسمه عامر، وعبد الله بن سلام بتخفيف اللام صحابي مشهور، وهو طريق من حديث سيأتي موصولا في كتاب الاعتصام. قوله: (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للعرض والحث، وهذا يدل على أن هذا القدح كان للنبي صلى الله عليه وسلم لأن الترجمة تدل عليه، ثم حازه عبد الله بن سلام بوجه شرعي، ولا يظن فيه أنه استولى عليه بغير طريق شرعي. 5637 حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد، رضي الله عنه قال: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها، فأرسل إليها فقدمت فنزلت في أجم بني ساعدة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءها، فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أعوذ بالله منك. فقال: قد أعذتك مني. فقالوا لها: أتدرين من هاذا؟ قالت: لا. قالوا: هاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك. قالت: كنت أنا أشقى من ذالك. فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ حتى جلس في سقيفة بني ساعدة هو وأصحابه، ثم قال: اسقنا يا سهل. فخرجت لهم بهاذا القدح فأسقيتهم فيه، فأخرج لنا سهل ذالك القدح فشربنا منه قال: ثم استوهبه عمر بن عبد العزيز بعد ذالك فوهبه له. (انظر الحديث 5256). مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فخرجت لهم بهذا القدح فأسقيتهم فيه) ووجه المطابقة أن الترجمة في شربهم من قدح النبي صلى الله عليه وسلم، فلو لم يكن القدح في الأصل للنبي صلى الله عليه وسلم، لم توجد المطابقة، ومما يدل عليه استيهاب عمر بن عبد العزيز هذا القدح من سهل لأنه إنما استوهبه منه لكونه في الأصل للنبي صلى الله عليه وسلم، لأجل التبرك به، وهذا شيء ظاهر لا يخفى، ولم أر أحدا من الشراح ولا ممن يعتني ببيان التراجم ومطابقة الأحاديث لها ذكر شيئا هنا. بيان رجاله: سعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم أو الحكم بن محمد بن أبي مريم، واسم أبي مريم سالم الجمحي مولاهم المصري، مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون اسمه محمد بن مطرف على صيغة اسم الفاعل من التطريف وأبو حازم سلمة بن دينار، وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري، وأبو أسيد مصغر أسد مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري. والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأشربة عن محمد بن سهل وأبي بكر بن إسحاق، كلاهما عن ابن أبي مريم به. قوله: (ذكر امرأة) وهي الجونية بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون، قيل: اسمها أميمة، بضم الهمزة وقد تقدمت قصة خطبتها في أول كتاب الطلاق. قوله: (في أجم) بضم الهمزة والجيم، هو بناء يشبه القصر وهو من حصون المدينة، والجمع آجام مثل أطم وآطام. وقال الخطابي: الأجم والأطم بمعنى، وأغرب الداودي فقال: الآجام الأشجار والحوائط، وقال الكرماني: الأجم جمع أجمة وهي الغيضة. وقال الجوهري: هو حصن بناه أهل المدينة من الحجارة وهو الصواب. قوله: (فإذا امرأة) كلمه: إذا، للمفاجأة. قوله: (منكسة) قال الكرماني: على صيغة اسم الفاعل من الإنكاس والتنكيس. قوله: (كنت أشقى من ذلك) ليس أفعل التفضيل هنا على بابه، وإنما مرادها إثبات الشقاء لها لما فاتها من التزوج برسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (في سقيفة بني ساعدة) وهي ساباط كانت لبني ساعدة الأنصاريين، وهو المكان الذي وقعت فيه البيعة لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. قوله: (فخرجت لهم بهذا القدح) هكذا هو في رواية المستملى، وفي رواية غيره: فأخرجت لهم هذا القدح. قوله: (فأخرج لنا سهل) قائل هذا أبو حازم الراوي، وصرح بذلك مسلم. قوله: (ثم استوهبه عمر بن عبد العزيز)، رضي الله تعالى عنه: (كان استيهابه لما كان هو متولي إمرة المدينة). وفيه: أن الشرب من قدحه صلى الله عليه وسلم وآنيته من باب التبرك بآثاره. * لعلي أراهم أو أرى من يراهم * ومن باب الإمساك بفضله، كما كان ابن عمر رضي الله عنهما، يصلي في المواضع
205 التي كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، ويدور ناقته حيث أدارها تبركا بالاقتداء به وحرصا على اقتفاء آثاره. وفيه: التبسط على الصاحب واستدعاء ما كان عنده من مأكول ومشروب، وتعظيمه بدعائه بكنيته. 5638 حدثنا الحسن بن مدرك قال: حدثني يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة عن عاصم الأحول، قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم. عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فسلسله بفضة. قال: وهو قدح جيد عريض من نضار، قال: قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هاذا القدح أكثر من كذا وكذا. قال: وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركه. (انظر الحديث 3109). مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عوانة الوضاح اليشكري. والحديث قد مرت منه قطعة في أواخر كتاب الجهاد في: باب ما جاء من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، أخرجها عن عبدان عن أبي حمزة عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس ابن مالك: أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة، قال عاصم: رأيت القدح وشربت منه. قوله: (قد انصدع) أي: انشق. قوله: (فسلسله بفضة)، أي: وصل بعضه ببعض، وظاهره أن الذي وصله هو أنس، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ظاهر رواية أبي حمزة المذكورة الآن. قوله: (قال: وهو قدح) القائل هو عاصم الأحول. قوله: (عريض) يعني: ليس بمتطاول، بل طوله أقصر من عمقه. قوله: (من نضار) بضم النون وتخفيف الضاد المعجمة وبالراء. وقال أبو حنيفة بضم النون وكسرها وهو أجود الخشب للآنية ويعمل منه ما رق من الأقداح واتسع وما غلظ، وقال ابن الأعرابي: النضار النبع، وقال أيضا: هو شجر الأثل، والنضار الخالص من كل شيء، وقال ابن سيده: من التبر والخشب. وقال ابن فارس: النضار أثل يكون بالغور، وقيل: إنه من الأثل الطويل المستقيم الغصون، وقال القزاز: العرب تقول: قدح نضار، مضاف إلى هذا الخشب، وإنما سمى الأثل نضارا لأنه ينبت في الجبل، وذكر شمر أن النضار هذه الأقداح الحمر الحبشانية. قوله: (قال: قال أنس) أي: قال عاصم الأحول: قال أنس بن مالك: (لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى مسلم من حديث ثابت عن أنس قال: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحي هذا الشراب كله: العسل والنبيذ والماء واللبن. قوله: (قال: وقال ابن سيرين) أي: قال عاصم: وقال محمد بن سيرين، موصول بالإسناد المتقدم. قوله: (أو فضة) شك من الراوي. قوله: (قال أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس. قوله: (لا تغيرن) كذا بنون التأكيد في رواية الأكثرين: وفي رواية الكشميهني: لا تغير، بدون نون التأكيد. وكلام أبي طلحة هذا إن كان سمعه ابن سيرين من أنس وإلا فيكون أرسله عن أبي طلحة لأنه لم يلقه. وفي الحديث: جواز اتخاذ ضبة الفضة، وكذلك السلسلة والحلقة، ولكن فيه اختلاف. فقال الخطابي: منعه مطلقا جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول مالك والليث، وعن مالك: يجوز من الفضة إذا كان يسيرا، وكرهه الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه: فلا بأس إذا اتقى وقت الشرب موضع الفضة، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور، وتحرم ضبة الذهب مطلقا ومنهم من سوى بين ضبتي الفضة والذهب. فإن قلت: روى الدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق زكرياء ابن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من شرب في إناء من ذهب أو فضة، أو في إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجر جر في بطنه نار جهنم. قلت: قال أبو الحسن بن القطان: زكرياء وأبوه لا يعرف لهما حال، وقيل: الحديث معلول بإبراهيم، فإنه مجهول وكذا ولده وروى الطبراني في (الأوسط) من حديث أم عطية: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن لبس الذهب وتفضيض الأقداح، ثم رخص في تفضيض الأقداح، وهو حجة على الشافعي. 31 ((باب شرب البركة والماء المبارك)) أي: هذا باب في بيان شرب البركة، وأراد بالبركة الماء، وأطلق عليه هذا الاسم لأن العرب تسمي الشيء المبارك فيه: بركة،
206 ولا شك أن الماء مبارك فيه: فلذلك قال جابر في حديث الباب: فعلمت أنه بركة، ومنه قول أيوب، عليه السلام: لا غنى لي عن بركتك، فسمى الذهب بركة، وذلك فيما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فناداه ربه عز وجل: يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك. 5639 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الأعمش قال: حدثني سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، هاذا الحديث قال: قد رأيتني مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضرت العصر وليس معنا ماء غير فضلة، فجعل في إناء فأتي النبي صلى الله عليه وسلم، به فأدخل يده فيه وفرج أصابعه ثم قال: حي على أهل الوضوء! البركة من الله، فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه فتوضأ الناس وشربوا، فجعلت لا آلوا ما جعلت في بطني منه، فعلمت أنه بركة. قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفا وأربعمائة. مطابقته للترجمة في قوله: (فعلمت أنه بركة) ويمكن أن يجل قوله: (البركة من الله) مطابقا للجزء الثاني للترجمة، وهو قوله: (والماء المبارك). وجرير هو ابن عبد الحميد، والأعمش هو سليمان. والحديث قد مر في علامات النبوة من رواية حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر. قوله: (هذا الحديث) أشار به إلى الذي بعده. قوله: (قد رأيتني) أي: قد رأيت نفسي، وهذا يعد من باب التجريد. قوله: (وقد حضرت العصر) أي: صلاة العصر، وكان ذلك في الحديبية. قوله: (غير فضلة)، الفضلة ما فضل من الشيء. قوله: (فأتي) على صيغة المجهول. قوله: (حي على أهل الوضوء) هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي: حي على الوضوء، بإسقاط لفظ: أهل، وهذه أصوب، ووجه الأول أن: حي، معناه: أسرعوا، وأهل الوضوء منصوب على النداء، وحذف منه حرف النداء. وقال بعضهم: كأنه قال: حي على الوضوء المبارك يا أهل الوضوء. قلت: ليس كذلك، بل تقديره: حي علي، بتشديد الياء يعني: أسرعوا إلي يا أهل الوضوء، وهو بفتح الواو اسم لما يتوضأ به. قوله: (يتفجر) من التفجر، وهو التفتح بالسعة والكثرة. قوله: (من بين أصابعه) يحتمل أن يكون الانفجار من نفس الأصابع ينبع منها وأن يخرج من بين الأصابع لا من نفسها، وعلى كل تقدير فالكل معجزة عظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والأول أقوى لأنه من اللحم. قوله: (لا آلو) أي: لا أقصر في الاستكثار من شربه، ولا أفتر فيما أقدر أن أجعله في بطني من ذلك الماء. وفيه: من الفقه: أن الإسراف في الطعام والشراب مكروه إلا الأشياء التي أرى الله فيها بركة غير معهودة، وأنه لا بأس بالاستكثار منها وليس في ذلك سرف ولا استكثار ولا كراهية. قوله: (قلت لجابر) القائل هو سالم بن أبي الجعد. قوله: (ألفا وأربعمائة) بالنصب على أنه خبر: كان، والتقدير: كنا ألفا وأربعمائة، وعند الأكثرين: ألف وأربعمائة، بالرفع تقديره: نحن يومئذ ألف وأربعمائة، فيكون ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، وقد مر الكلام على الاختلاف على جابر في عددهم يوم الحديبية. * (بسم الله الرحمان الرحيم) * 75 ((كتاب المرضى)) أي: هذا كتاب في بيان أحوال المرضى، وهو جمع مريض، والمرض خروج الجسم عن المجرى الطبيعي، ويعبر عنه بأنه حالة أو ملكة تصدر بها الأفعال عن الموضوع لها غير سليمة، وقدم ابن بطال عليه: كتاب الأيمان والنذور، وذكره بعد كتاب الأدب. 1 ((باب ما جاء في كفارة المرض)) أي: هذا باب في بيان ما جاء من الأخبار في كفارة المرض، والكفارة صيغة المبالغة من الكفر، وهو التغطية قيل: المرض ليس له كفارة بل هو كفارة للغير. وأجيب بأن الإضافة بيانية، نحو: شجر الأراك، أي: كفارة هي مرض أو الإضافة بمعنى: في، فكان
207 المرض ظرف للكفارة، أو هو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، ثم إعلم بأنه قد جرت العادة بين المؤلفين على أنهم إذا ذكروا لفظ: الكتاب، في أي شيء كان يذكرون عقيبه لفظ: الباب بابا بعد باب إلى أن تنتهي الإشارة بالأبواب إلى الأنواع التي تتضمن الكتاب والباب بمعنى النوع، يأتي: وهكذا وقعت هذه الترجمة عقيب الترجمة بكتاب المرضى عند الأكثرين وخالفهم النسفي فلم يفرد كتاب المرضى من كتاب الطب، بل صدر بكتاب الطب ثم ذكر التسمية، ثم قال: ما جاء.. إلى آخره، ولهذا وقع في بعض النسخ هنا موضع كتاب المرضى كتاب الطب. وقول الله تعالى: * (من يعمل سوءا يجز به) * (النساء: 123). وقول الله بالجر عطفا على قوله: ما جاء، لأنه مجرور محلا بالإضافة. قال الكرماني: وجه مناسبة الآية بالكتاب هو أن الآية أعم من يوم القيامة، فيتناول الجزاء في الدنيا بأن يكون مرضه عقوبة لتلك المعصية، فيغفر له بسبب ذلك المرض. وقيل: الحاصل أن المرض كما جاز أن يكون مكفرا للخطايا كذلك يكون جزءا لها. وقال ابن بطال: ذهب أكثر أهل التأويل إلى أن معنى الآية أن المسلم يجازى على خطاياه في الدنيا بالمصائب التي تقع له فيها، فتكون كفارة لها. وقال الليث: عن علي، رضي الله تعالى عنه، قال: لما نزل قوله تعالى: * (من يعمل سوءا يجز به) * خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد أنزلت علي آية هي خير لأمتي من الدنيا، وما فيها، ثم قرأها، ثم قال: إن العبد إذا أذنب ذنبا فتصيبه شدة أو بلاء في الدنيا فإن الله تعالى أكرم من أن يعذبه ثانيا. 5640 حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها. مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن الترجمة فيما جاء في كفارة المرض. وحديث عائشة مما جاء في ذلك. والحديث أخرجه مسلم من طريق مالك بن أنس ويونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مصيبة يصاب بها المسلم إلا كفر بها عنه، حتى الشوكة يشاكها... وأخرج الترمذي من حديث الأسود عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة. قوله: (ما من مصيبة) أصل المصيبة الرمية بالسهم ثم استعملت في كل نازلة، وقال الراغب: أصاب يستعمل في الخير والشر، قال الله عز وجل: * (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة) * (التوبة: 50)... الآية قال: وقيل: الإصابة في الخير مأخوذة من الصوب، وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر، وفي الشر مأخوذة من أصابة السهم. وقال الكرماني: المصيبة في اللغة ما ينزل بالإنسان مطلقا، وفي العرف: ما نزل به من مكروه خاصة، وهو المراد هنا. قوله: (حتى الشوكة يشاكها) قال الطيبي: الشوكة مبتدأ، أو يشاكها خبره، ورواية الجر ظاهرة، والضمير في: يشاكها، مفعوله الثاني، والمفعول الأول مضمر. أي: يشاك المسلم تلك الشوكة. قيل: ويجوز النصب بتقدير عامل أي: حتى وجد الشوكة يشاكها. قوله: (يشاكها) بالضم، قال الكسائي: شكت الرجل الشوكة أي: أدخلت في جسده شوكة، وشيك، هو ما لم يسم فاعله، يشاك شوكا، وقال الأصمعي: شاكتني الشوكة إذا دخلت في جسدي، ويقال: أشكت فلانا أي: آذيته بالشوكة. وقال الكرماني: وهو متعد إلى مفعول واحد، فما هذا الضمير؟ قلت: هو من باب وصل الفعل أي: يشاك بها، فحذف الجار وأوصل الفعل. وقال ابن التين: حقيقة قوله: (يشاكها) أي: يدخلها غيره. قلت: يرده ما رواه مسلم من رواية هشام بن عروة لا يصيب المؤمن شوكة، بإضافة الفعل إليها، وهو الحقيقة، ولكن لا يمنع: إرادة المعنى الأعم، وهو أن تدخل هي بغير فعل أحد، أو تدخل بفعل أحد. فإن قلت: على هذا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز. قلت: هذا لا يمنع عند من يجوز الجمع بين إرادة الحقيقة والمجاز، وأما عند من يمنع ذلك فيكون من باب عموم المجاز. 5641 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الملك بن عمر و حدثنا زهير بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
208 قال: ما ي صيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وعبد الملك بن عمرو هو أبو عامر العقدي مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وزهير مصغر الزهر هو ابن محمد أبو المنذر التميمي، وتكلموا في حفظه لكن قال البخاري في (التاريخ الصغير): ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح. وقال في (رجال الصحيحين): زهير بن محمد التميمي العنبري الخراساني المروزي روى عنه أبو عامر العقدي عند البخاري في غير موضع، وقيل: ليس له في البخاري إلا هذا الحديث وحديث آخر في الاستئذان ومحمد بن عمرو بن حلحلة بفتح الحاءين المهملتين وسكون اللام الأولى وعطاء بن يسار ضد اليمين وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك. والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن أبي بكر وأبي كريب، وأخرجه الترمذي في الجنائز عن سفيان بن وكيع. قوله: (من نصب) أي: من تعب وزنه ومعناه. قوله: (ولا وصب) وهو المرض وزنه ومعناه. قوله: (ولا هم) وهو المكروه يلحق الإنسان بحسب ما يقصده، والحزن ما يلحقه بسبب حصول مكروه في الماضي وهما من أمراض الباطن، والأذى ما يلحقه من تعدي الغير عليه، والغم بالغين المعجمة ما يضيق على القلب، وقيل: في هذه الأشياء الثلاثة، وهي الهم والغم والحزن: إن الهم ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به، والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل، والحزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده، وقيل: الغم والحزن بمعنى واحد، وقال الكرماني: الغم يشمل جميع المكروهات لأنه إما بسبب ما يعرض للبدن أو للنفس، والأول إما بحيث يخرج عن المجرى الطبيعي أو لا، والثاني إما أن يلاحظ فيه الغير أو لا ثم ذلك إما أن يظهر فيه الانقباض والاغتمام أو لا ثم ذلك بالنظر إلى الماضي أو لا. 5643 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن سعد عن عبد الله بن كعب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: مثل المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح مرة وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (مثل المؤمن كالخامة من الزرع) لأن المراد من تشبيه المؤمن بالخامة في كونه تارة يصح وتارة يضعف، كالخامة تحمر ثم تصفر فلا تبقى على حالة واحدة. ويحيى هو ابن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وسعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه، وعبد الله بن كعب يروي عن أبيه كعب بن مالك أبو عبد الرحمن الأنصاري، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم. والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه النسائي في الطب عن محمد بن بشار به. قوله: (كالخامة) بالخاء المعجمة وتخفيف الميم هي الفضة الرطبة من النبات أول ما ينب، وفي (المحكم) هي أول ما ينبت على ساق واحد، وقيل: هي الطاعة الغضة منه. وقيل: هي الشجرة الغضة الرطبة، وقال القزاز، وروي الخافة بالفاء وهي الطاقة، وقال الخليل: الخامة الزرع أول ما ينبت على ساق واحد، والألف فيها منقلبة عن واو، ووقع في (مسند أحمد) في حديث جابر: مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر مرة، وله في حديث أبي بن كعب: مثل المؤمن مثل الخامة تحمر مرة وتصفر أخرى. قوله: (تفيئها الريح) أي: تميلها، وعن أبي عبد الملك أي: ترقدها، ومادته: فاء وياء وهمزة، وأصله من فاء إذا رجع، وأفاءه غيره إذا رجعه. وقال ابن قرقول: وفي رواية أبي ذر: تفيأها، بفتح التاء والفاء. قوله: (وتعدلها أخرى) بفتح التاء وكسر الدال، أي: ترفعها، ويروى بضم أوله وفتح ثانيه والتشديد، وفي رواية مسلم: تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها أخرى، ومثل المنافق كالأرزة... وفي حديث أبي هريرة المذكور بعده: ومثل الفاجر، وفي رواية مسلم: ومثل الكافر. قوله: (كالأرزة) بفتح الهمزة وسكون الراء وبالزاي، قال ابن قرقول: كذا الرواية، وقال أبو عبيدة: إنما هو الآرزة على وزن فاعلة ومعناها الثابتة في الأرض، وأنكر هذا أبو عبيد بأن الرواة اتفقوا على عدم المد وإنما اختلفوا في سكون الراء وتحريكه والأكثر
209 على السكون وقال أبو حنيفة: راؤه ساكنة وليس هو نبات أرض العرب ولا السباخ بل يطول طولا شديدا ويغلظ. قلت: شاهدته في بلاد الروم في أراضي بين جبال طرسوس والأرندة وتكيده، أما طوله فإن شجرة منه قلعها هبوب الرياح الشديدة من جبل ووصل طرفه إلى جبل آخر وبينهما واد عظيم فصار كالجسر من جبل إلى جبل، وأما غلظه فإن عشرين نفسا وأكثر مسك بعضهم بأيادي بعض ولم يقدروا على أن يحضنوها. قيل: ولا يحمل شيئا وإنما يستخرج من أغصانه الزفت، وقال قوم: الأرزة على وزن فعلة محركة العين أي الراء، قالوا: هو ضرب من الشجر يقال له: الأرزن، له صلابة. وقالوا: الأرز معروف واحدته أرزة وهو الذي يقال له: الصنوبر، وإنما الصنوبر ثمر الأرز. وقال الخطابي: الأرزة مفتوحة الراء الصنوبر، وقال ابن فارس: هي شجرة بالعراق تسمى الصنوبر. قوله: (انجعافها) أي: انقلاعها، قاله ابن سيده، وقال الداودي: يريد كسرها من وسطها، ومادته جيم وعين مهملة وفاء، يقال: جعفته فانجعف مثل قلعته فانقلع، وقال المهلب: معنى هذا الحديث أن المؤمن من حيث جاءه أمر الله انطاع له ولان له ورضي به، وإن جاء مكروه رجا فيه الخير، وإذا سكن البلاء اعتدل قائما بالشكر لربه على البلاء، بخلاف الكافر فإن الله عز وجل لا يتفقده باختبار بل يعافيه في دنياه وييسر عليه أموره ليعسر عليه في معاده حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه قصم الأرزة الصماء ليكون موته أشد عذابا عليه وألما. * (وقال زكرياء: حدثني سعد حدثنا ابن كعب عن أبيه كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم) *. زكرياء هو ابن أبي زائدة، وسعد هو ابن إبراهيم المذكور، وابن كعب هو عبد الله بن كعب بن مالك، وهذا التعليق وصله مسلم من طريق عبيد الله بن نمير ومحمد بن بشر كلاهما عنه، وأشار البخاري بهذا التعليق إلى شيئين: أحدهما: فيه اسم ابن كعب مبهم، والآخر: تصريحه بالتحديث عن سعد. 5644 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثني محمد بن فليح قال: حدثني أبي عن هلال بن علي من بني عامر بن لؤي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها، فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء، والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء (الحديث 5644 طرفه في: 7466). مطابقته للترجمة مثل ما ذكرناه في الحديث السابق وإبراهيم بن المنذر بن عبد الله أبو إسحاق الحزامي المديني، ومحمد بن فليح مصغر الفلح بالفاء واللام والحاء المهملة، يروي عن أبيه فليح بن سليمان، وهلال بن علي من بني عامر بن لؤي بضم اللام وفتح الواو والهمزة على القولين فيه وتشديد الياء، وليس هلال هذا من أنفسهم وإنما هو من مواليهم، واسم جده أسامة، وقد ينتسب إلى جده ويقال له أيضا: هلال بن أبي ميمونة، وهلال بن أبي هلال تابعي صغير مدني موثق، وفي الرواة: هلال بن أبي هلال الفهري تابعي مدني أيضا يروي عن ابن عمر، روى عنه أسامة بن زيد الليثي وحده، ووهم من خلط فيهما، وفيهم أيضا: هلال بن أبي هلال، مذحجي تابعي أيضا يروي عن أبي هريرة، وهلال بن أبي هلال أبو ظلال بصري تابعي أيضا يأتي ذكره قريبا في: باب من ذهب بصره، وهلال بن أبي هلال شيخ يروي عن أنس رضي الله تعالى عنه، وعطاء بن يسار بفتح الياء آخر الحروف وبالسين المهملة المخففة وبالراء. والحديث من أفراده. قوله: (كفأتها) بفتح الكاف والفاء والهمزة أي: أمالتها، ونقل ابن التين أن منهم من رواه بغير همزة كأنه سهلها. قوله: (فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء) قال عياض: وصوابه فإذا انقلبت، ثم يكون قوله: (تكفأ) رجوعا إلى وصف المسلم. وقال الكرماني: البلاء إنما يستعمل فيما يتعلق بالمؤمن، فالمناسب أن يقال بالريح، وأجاب بأن الريح أيضا بلاء بالنسبة إلى الخامة أو أراد بالبلاء ما يضر بالخامة، أو لما شبه المؤمن بالخامة أثبت للمشبه به ما هو من خواص المشبه. قوله: (صماء) أي: الصلبة المكتنزة الشديدة ليست بجوفاء ولا خوارة ضعيفة. قوله: (حتى يقصمها الله) من القصم بالقاف والصاد المهملة، وهو الكسر عن إبانة بخلاف القصم بالفاء.
210 5645 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة أنه قال: سمعت سعيد بن يسار أبا الحباب يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يصب منه. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (يصب منه) وأبو الحباب، بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة الأولى. والحديث أخرجه النسائي في الطب عن سعيد بن نصر وغيره. قوله: (يصب منه) بضم الياء وكسر الصاد والضمير الذي فيه يرجع إلى الله عز وجل، وفي: منه، يرجع إلى: من كذا، هو في راوية الأكثرين معناه: يبتليه بالمصائب، قاله محيى السنة، وقال المطهري: يوصله الله إلى مصيبة ليطهره من الذنوب، وقال ابن الجوزي: أكثر المحدثين يرويه بكسر الصاد، وسمعت ابن الخشاب بفتح الصاد وهو أحسن وأليق. وقال الطيبي: الفتح أحسن للأدب كما في قوله تعالى: * (وإذا مرضت فهو يشفين) * (الشعراء: 80) وقال الزمخشري: أي نيل منه بالمصائب فعلى الفتح يكون يصب على صيغة المجهول مفعول ما لم يسم فاعله. 2 ((باب شدة المرض)) أي: هذا باب في بيان ما في شدة المرض من الفضل. 5646 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش، وحدثني بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرج هذا الحديث من طريقين: أحدهما: عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق بن الأجدع عن عائشة. والآخر: عن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد بن أبي محمد السختياني المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن شعبة بن الحجاج عن سليمان الأعمش... إلى آخره. والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن عثمان بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه النسائي في الطب وفي الوفاة عن إبراهيم بن محمد التيمي. وأخرجه ابن ماجة في الجنائز عن محمد بن عبد الله بن نمير به. قوله: (الوجع) أي: المرض، والعرب تسمي كل وجع مرضا، وقد خص الله تعالى أنبياءه بشدة الأوجاع والأوصاب لما خصهم به من قوة اليقين وشدة الصبر والاحتساب ليكمل لهم الثواب ويعم لهم الخير. 5647 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وهو يوعك وعكا شديدا، وقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا! قلت: إن ذاك بأن لك أجرين؟ قال: أجل ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر.. مطابقته للترجمة في قوله: (وهو يوعك وعكا شديدا) لأن الوعك الذي هو الحمى مرض شديد. ومحمد بن يوسف هو الفريابي، وسفيان هو الثوري، والأعمش هو سليمان، وإبراهيم التيمي هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب الكوفي، والحارث ابن سويد بضم السين المهملة مصغر السود الكوفي، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه. والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن عثمان بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه النسائي في الطب عن أبي كريب وغيره. قوله: (وهو يوعك) جملة حالية بفتح العين، يقال: وعك! الرجل يوعك فهو موعوك، والوعك بسكون العين وفتحها الحمى، وقيل: ألمها وتعبها. وقال صاحب (المطالع): الوعك
211 قيل: هو إرعاد الحمى وتحريكه إياه. وقال الأصمعي: الوعك شدة الحر فكأنه أراد حر الحمى وشدتها، وفي (المحكم): الوعك الألم يجده الإنسان من شدة التعب. قوله: (إن ذاك) لفظ: ذاك، إشارة إلى تضاعف الحمى. قوله: (أجل) أي: نعم. قوله: (حات الله) بفتح الحاء المهملة وبعد الألف تاء مثناة مشددة وهو من باب المفاعلة، وأصله حاتت فأدغمت التاء في التاء أي: نثر الله عنه خطاياه، يقال: تحات الشيء أي: تناثر. قوله: (كما تحات) أي: كما يسقط ورق الشجر، وقال ابن الأثير: حاتت عنه ذنوبه أي: تساقطت، وقال الكرماني. فإن قلت: هذا يدل على ما صدقه بقوله: أجل، إذ ذاك يدل على أن في المرض زيادة الحسنات، وهذا يدل على أنه يحط الخطيئات؟ قلت: أجل تصديق لذلك الخبر فصدقه أو لأثم استأنف الكلام وزاد عليه شيئا آخر وهو حط السيئات، فكأنه قال: نعم يزيد الدرجات ويحط الخطيئات أيضا. واختلف العلماء فيه فقال أكثرهم: فيه رفع الدرجة وحط الخطيئة، وقال بعضهم: إنه يكفر الخطيئة فقط. 3 ((باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول)) أي: هذا باب في بيان ما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ولفظ الحديث ما رواه الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا شريك عن عاصم بن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله؟ أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.. الحديث. وأخرجه ابن ماجة أيضا وابن بطال ذكر الترجمة بلفظ الحديث، وهو أولى قوله: (ثم الأول فالأول) هكذا وقع في رواية النسفي، وفي رواية الأكثرين: ثم الأمثل فالأمثل، مثل ما في الحديث، والمستملي جمعهما في روايته، ويمكن أن قوله: (ثم الأول فالأول) إشارة إلى ما أخرجه النسائي والحاكم وصححه من حديث فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نساء نعوده، فإذا سقاء يقطر عليه من شدة الحمى، فقال: إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، وإنما قال أولا: ثم الأمثل بلفظ: ثم وقال ثانيا: فالأمثل، بالفاء للإعلام بالبعد والتراخي في المرتبة بين الأنبياء وغيرهم، وعدم ذلك بين غير الأنبياء إذ لا شك أن البعد بين النبي والولي أكثر من البعد بين ولي وولي، إذ مراتب الأولياء بعضها قريبة من البعض، ولفظ الأول تفسير للأمثل. إذ معنى الأول المقدم في الفضل، ولذا لم يعطف عليه بثم، والأمثل الأفضل. 5648 حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله! إنك توعك وعكا شديدا، قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذالك أن لك أجرين؟ قال: أجل ذالك كذالك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. مطابقته للترجمة من جهة قياس الأنبياء على نبينا صلى الله عليه وسلم، وإلحاق الأولياء بهم لقربهم منهم، وإن كانت درجتهم منحطة عنهم، والسر فيه أن البلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد، ومن ثمة ضوعف حدا الحر على العبد، قاله الكرماني. وهذا الحديث مضى قبل هذا الباء، غير أنه من طريق آخر وبينهما بعض زيادة ونقصان أخرجه عن عبدان وهو لقب عبد الله بن عثمان عن أبي حمزة بالحاء المهملة وبالزاي محمد بن ميمون السكري عن سليمان الأعمش عن إبراهيم التيمي عن عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، ومعناه قد مر هناك. قوله: (أذى) التنكير للتقليل لا للجنس ليصح ترتب ما فوقها وما دونها في العظم والحقارة عليه بالفاء، وهو يحتمل وجهين: فوقها في العظم، ودونها في الحقارة. وعكس ذلك. قوله: (شوكة)، بالرفع بدل من أذى، أو بيان قوله: (سيئاته) جمع مضاف فيفيد العموم فيلزم منه تكفير جميع الذنوب صغيرة وكبيرة، نرجو ذلك منك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين. قوله: (كما تحط) بفتح التاء وضم الحاء وتشديد الطاء المهلة أي: تلقيه منتثرا. وحاصل المعنى: أن المرض إذا اشتد ضاعف الأجر ثم زاد عليه بعد ذلك أن المضاعفة تنتهي إلى أن تحط السيئات كلها، وقد روى أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بلفظ: لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله، وليس عليه خطيئة. 4 ((باب وجوب عيادة المريض))
212 أي: هذا باب في بيان وجوب عيادة المريض، يقال: عدت المريض أعوده عيادة إذا زرته، وسألت عن حاله. وأصل عيادة عوادة قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وأصل العود الرجوع، يقال: عاد إلى فلان يعود عودا وعودة: إذا رجع، وهذا يتعدى بنفسه وبحرف الجر بإلى وعلى وفي وباللام، وأطلق الوجوب على عيادة المريض لظاهر الحديث فيحتمل أن يكون من فروض الكفاية، ويحتمل أن يكون ندبا، ويتأكد في حق بعض الناس. وقال الداودي: هو فرض يحمله بعض الناس عن بعض. 5649 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن أبي وائل عن أبي موساى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وعودوا المريض) وأبو عوانة الوضاح، ومنصور بن المعتمر، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى عبد الله بن قيس. والحديث قد مر في أول كتاب الأطعمة، وفي النكاح أيضا. قوله: (وفكوا العاني) أي: الأسير وفكه تخليصه بالفداء، واستدل بعموم قوله: (وعودوا المريض) على مشروعيته العيادة في كل مرض واستثنى بعضهم الأرمد، ويرد عليه بما رواه أبو داود من حديث زيد بن الأرقم، قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم، من زوج كان بعيني. فإن قلت: روى البيهقي والطبراني مرفوعا: ثلاثة ليس لهم عيادة: العين والدمل والضرس. قلت: صحيح البيهقي أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير، ويستدل بعموم الحديث أيضا على عدم التقييد بزمان يمضي من ابتداء مرضه، وهو قول الجمهور، وجزم الغزالي في (الإحياء) بأنه لا يعاد إلا بعد ثلاث، وأسند إلى حديث أخرجه ابن ماجة عن أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم، لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث. قلت: هذا ضعيف جدا تفرد به مسلمة بن علي وهو متروك، وقد سئل عنه أبو حاتم فقال: هو حديث باطل. فإن قلت: لحديث أنس هذا شاهد من حديث أبي هريرة رواه الطبراني في (الأوسط). قلت: فيه راو متروك أيضا، ويستدل بإطلاق الحديث أيضا على أن العيادة لا تقيد بوقت دون وقت، لكن جرت العادة بها في طرفي النهار، وترجم البخاري في (الأدب المفرد): العيادة في الليل. 5650 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة قال: أخبرني أشعث بن سليم قال: سمعت معاوية ابن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب، رضي الله عنهما، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع، نهانا عن خاتم الذهب ولبس الحرير والديباج والإستبرق وعن القسي والميثرة، وأمرنا أن نتبع الجنائز ونعود المريض ونفشي السلام. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث قد مضى عن قريب في كتاب الأشربة في: باب آنية الفضة، ومر أيضا في الجنائز في: باب الأمر باتباع الجنائز، واقتصر هنا في النهي على خمسة، وفي الأمر على ثلاثة، ولم يذكر إبرار المقسم وإجابة الدعوة ونصر المظلوم وتشميت العاطس. 5 ((باب عيادة المغمى عليه)) أي: هذا باب في بيان عيادة المغمى عليه، من: أغمي، بضم الهمزة من الإغماء وهو الغشي، وهو تعطل جل القوى المحركة والحساسة: كضعف القلب واجتماع الروح كله إليه واستفراغه وتخلله، وقيل: فائدة هذه الترجمة أن لا يعتقد أن عيادة المغمى عليه ساقطة الفائدة لكونه لا يعلم بعائده. 5651 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن ابن المنكدر سمع جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، يقول: مرضت مرضا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان، فوجداني أغمي علي، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله!
213 كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضى في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث. مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: (فوجد أني أغمي علي) وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وسفيان بن عيينة، وابن المنكدر هو محمد بن المنكدر بن عبد الله المدني. والحديث قد مر في كتاب الطهارة فإنه أخرجه هناك في: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه على المغمى عليه عن أبي الوليد عن شعبة عن محمد بن المنكدر. قوله: (نزلت آية الميراث) وهناك: حتى نزلت آية الفرائض، ومر الحديث أيضا في تفسير سورة النساء، وهي قوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم) * (النساء: 11) الآية. 6 ((باب فضل من يصرع من الريح)) أي: هذا باب في بيان فضل من يصرع من الريح، كلمة: من، تعليلية أي: فضل من يحصل له صرع بسبب الريح، أي: الريح التي تحتبس في مناقد الدماغ وتمنع الأعضاء الرئيسية عن انفعالها منعا غير تام، أو بخار يرتفع إليه من بعض الأعضاء، والريح هو ما يكون منشأ للصرع وسببه: شدة تعرض في بطون الدماغ، وفي مجاري الأعصاب المحركة، وسبب الزبد غلظ الرطوبة والريح وقد يكون الصرع من الجن ولا يقع إلا من النفوس الخبيثة منهم، وقال الشيخ أبو العباس: صرع الجن للإنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق، كما يتفق للإنس مع الإنس، وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما ولد، وقد يكون عن بغض ومجازاة مثل أن يؤذيهم بعض الناس أو يبول على بعضهم أو يصب ماء حارا ويقتل بعضهم، وإن كان الإنس لا يعرف ذلك، وأنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي ومحمد بن زكرياء الطبيب وآخرون دخول الجن في بدن المصروع، وأحالوا وجود روحين في جسد مع إقرارهم بوجود الجن، وهذا خطأ، وذكر أبو الحسن الأشعري في (مقالات أهل السنة والجماعة) أنهم يقولون: إن الجن يدخل في بدن المصروع كما قال لله عز وجل: * (الذين يأكلون الربا ألا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * (البقرة: 275) وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن قوما يقولون: إن الجن لا تدخل في بدن الإنس، فقال: يا بني! يكذبون، هو ذا يتكلم على لسانه، وفي حديث أم أبان الذي رواه أبو داود وغيره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج عدو الله، وكذا في حديث أسامة بن زيد: أخرج يا عدو الله فإني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال القاضي عبد الجبار: أجسامهم كالهواء فلا يمتنع دخولهم في أبدان الإنس كما يدخل الريح والنفس المتردد، والله أعلم. 5652 حدثنا مسدد حدثنا يحيى ا عن عمران أبي بكر قال: حدثني عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى. قال: هاذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك. فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. مطابقته للترجمة في قوله: (إني أصرع) وقال صاحب (التلويح): هذا الحديث ليس فيه ذكر الريح الذي ترجم له. قلت: الترجمة معقودة في فضل من يصرع، فالحديث يدل عليه. وقوله: (من الريح) بيان سبب الصرع كما قلنا، ولا يلزم أن يكون له شيء. ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعمران هو ابن مسلم بصري تابعي صغير وكنيته أبو بكر، فلذلك قال: عن عمران أبي بكر وهو معروف بالقصير. والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن القواريري. وأخرجه النسائي في الطب عن يعقوب بن إبراهيم. قوله: (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للعرض. قوله: (هذه المرأة السوداء) روى أبو موسى في (الذيل) من رواية عطاء الخراساني عن عطاء بن أبي رباح في هذا الحديث: فأراني حبشية صفراء عظيمة، فقال: هذه سعيرة الأسدية، وسعيرة بضم السين وفتح العين المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وبالراء، ويقال: شقيرة بضم الشين المعجمة وفتح القاف، قال الذهبي في باب الشين المعجمة: شقيرة الأسدية مولاتهم حبشية، قيل: هي سعيرة التي كانت تصرع، وفي رواية المستغفري: سكيرة بالكاف قوله: (إني أصرع) على صيغة المجهول. قوله: (أتكشف) بالتاء المثناة من فوق وتشديد الشين المعجمة من التكشف
214 من باب التفعل ويروى: انكشف، بالنون من الانكشاف من باب الانفعال، أرادت أنها تخشى أن تظهر عورتها وهي لا تشعر. قوله: (إن شئت صبرت)... إلى الخ، خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أن تصبر على هذه الهيئة ولها الجنة، وبين أن يدعو الله تعالى فيعافيها، فاختارت الصبر، ثم قالت: أخشى من كشف العورة، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطع عنها التكشف. قوله: (فادع الله أن لا أتكشف) بالتاء المثناة من فوق، ويروى: فادع الله أن لا أنكشف، بالنون وبزيادة كلمة لي، وفيه فضيلة ما يترتب على الصبر على الصرع، وأن اختيار البلاء والصبر عليه يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه أنه يطيق التمادي على الشدة، ولا يضعف عن التزامها. ح دثنا محمد أخبرنا مخلد عن ابن جريح أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر تلك امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة. الذي: يفهم من هذه الرواية التي رواها البخاري عن محمد بن سلام عن مخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عطاء بن أبي رباح: أن أم زفر هي المرأة السوداء المذكورة، وبهذا قال الكرماني: أم زفر، بضم الزاي وفتح الفاء وبالراء، كنية تلك المرأة المصروعة، ولكن الذي يفهم من كلام الذهبي في (تجريد الصحابة) أن أم زفر غير السوداء المذكورة لأنه ذكر كل واحدة منهما في باب، وكذلك يفهم من كلام ابن الأثير: إن أم زفر غيرها، حيث قال: أم زفر ماشطة خديجة كانت عجوزا سوداء يغشاها صلى الله عليه وسلم في زمان خديجة، رضي الله تعالى عنها، وذكر الذهبي أن أم زفر ثنتان حيث قال في باب الكنى: أم زفر كان بها جنون، ذكرت في حديث مرسل، وقال أيضا: أم زفر ماشطة خديجة فيما قيل، فعلم على الأولى علامة البخاري ولم يعلم على الثانية، وعن هذا قال صاحب (التلويح): ذكرت في الصحابيات أم زفر ثنتان، ثم طول الكلام من غير تحرير، وقول الذهبي: ذكرت في حديث مرسل، هو ما ذكره أبو عمر في (الاستيعاب) فقال: أم زفر التي كان بها مس من الجن. ذكر حجاج وغيره عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم أنه أخبره أنه سمع طاووسا يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يؤتى بالمجانين فيضرب صدر أحدهم ويبرأ، فأتي بمجنونة يقال لها: أم زفر، فضرب صدرها فلم تبرأ ولم يخرج شيطانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو معها في الدنيا ولها في الآخرة خير. قوله: (تلك امرأة) هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: تلك المرأة قوله: (على ستر الكعبة) بكسر السين المهملة، أي: جالسة على ستر الكعبة أو معتمدة عليه، وعلى يتعلق بقوله: رأى، وقال أبو عمر: قال ابن جريج: أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر تلك المرأة سوداء طويلة على سلم الكعبة، وروى البزار من حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني، فدعا لها، فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها. 7 ((باب فضل من ذهب بصره)) أي: هذا باب في بيان فضل من ذهب بصره، قيل: سقطت هذه الترجمة وحديثها من رواية النسفي، وقد جاء بلفظ الترجمة حديث أخرجه البزار عن زيد بن أرقم بلفظ: ما ابتلي عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره، ومن ابتلي ببصره فصبر حتى يلقى الله لقي الله تعالى ولا حساب عليه. 5653 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال: حدثني ابن الهاد عن عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة يريد: عينيه. مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي عن عمرو بفتح العين ابن أبي عمرو وميسرة مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس، رضي الله تعالى عنه. والحديث بهذا الإسناد من أفراده. قوله: (بحبيبتيه) قد فسرهما في آخر الحديث بقوله: (يريد: عينيه) وحبيبتيه بمعنى محبوبتيه لأنها أحب أعضاء الإنسان إليه، ولا يخفى ذلك على أحد. قوله:
215 (فصبر). ويروى: ثم صبر، وزاد الترمذي في روايته: واحتسب، ومعناه صبر مستحضرا ما وعد الله به للصابرين من الثواب، لا أن يصبر مجردا عن ذلك، لأن الأعمال بالنيات، هذا الذي ذكروه، والظاهر أن المراد بصبره أن لا يشتكي ولا يقلق ولا يظهر عدم الرضا به. قوله: (يريد عينيه) من كلام أنس، أي: يريد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (حبيبته عينيه). * (تابعه أشعث بن جابر، وأبو ظلال عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) *. أي: تابع عمرا في روايته عن أنس أشعث بن جابر وهو أشعث بن عبد الله بن جابر نسب إلى جده، وهو أبو عبد الله البصري الأعمى الحداني بضم الحاء المهملة وتشديد الدال المهملة وبالنون نسبة إلى جدان، بطن من الأزد، ولهذا يقال له: الأزدي أيضا. واختلف فيه، فقال الدارقطني: يعتبر به، ووثقه النسائي وليس له في البخاري إلا هذا الموضع تعليقا ومتابعة أخرجها أحمد بلفظ: قال، ربكم: من أذهبت كريمتيه ثم صبر واحتسب كان ثوابه الجنة. قوله: وأبو ظلال أي: وتابعه أيضا أبو ظلال، بكسر الظاء المعجمة وتخفيف اللام واسمه هلال بن هلال وهو أيضا أعمى وهو ضعيف عند الجميع إلا أن البخاري قال: وهو مقارب الحديث وليس له في (صحيحه) غير هذه المتابعة أخرجها الترمذي عن عبد الله بن معاوية الجمحي حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا أبو ظلال عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة). 8 ((باب عيادة النساء للرجال)) أي: هذا باب في بيان حكم عيادة النساء للرجال: ولو كانوا أجانب بشرطه المعتبر. وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار أم الدرداء هذه زوجة أبي الدرداء عويمر، والمسجد مسجد المدينة. فإن قلت: أبو الدرداء له زوجتان كل منهما تسمى أم الدرداء إحداهما: أم الدرداء الكبرى اسمها خيرة بنت أبي حدرد اسمه عبد الله الأسلمي كانت صحابية من فضلاء النساء وعقلائهن، ماتت بالشام في خلافة عثمان قبل أبي الدرداء بسنتين، والأخرى: أم الدرداء الصغرى اسمها هجيمة بنت حيي الوصابية، وقال أبو عمر: لا أعلم لها خبرا يدل على صحبة أو رؤية، ومن خبرها أن معاوية خطبها بعد أبي الدرداء فأبت أن تتزوجه، فأيتهما التي عادت رجلا من أهل المسجد من الأنصار؟ قلت: قال الكرماني: الظاهر أن المرادة ههنا الكبرى، وقيل: ليس كذلك بل هي الصغرى، لأن الأثر المذكور أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) من طريق الحارث بن عبيد وهو شامي تابعي صغير لم يلحق أم الدرداء الكبرى فإنها ماتت قبل موت أبي الدرداء في خلافة عثمان، كما قلنا. قال: رأيت أم الدرداء على راحلة أعواد ليس لها غشاء تعود رجلا من الأنصار في المسجد، والصغرى عاشت إلى أواخر خلافة عبد الملك بن مروان، وماتت في سنة إحدى وثمانين بعد الكبرى بنحو خمسين سنة، فإن قلت: قد جعل ابن منده وأبو نعيم وأبو مسهر، خيرة وهجمية واحدة. قلت: قالوا: هذا وهم والصحيح أنهما ثنتان كما ذكرنا، ولي فيه تأمل لا يخفى. 5654 حدثنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال، رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، قلت: يا أبت! كيف تجدك؟ ويا بلال! كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: * كل امرىء مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله * وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول: * ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي إذ خر وجليل * * وهل أردن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل *
216 قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله فأخبرته، فقال: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد اللهم وصححها وبارك لنا في مدها وصاعها. وانقل حماها فاجعلها بالجحفة. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فدخلت عليهما) لأن دخول عائشة علي أبي بكر وبلال كان لعيادتهما، وهما متوعكان. والحديث قد مر في: باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك... إلى آخره، وهنا عن قتيبة بن سعيد عن مالك، ومر الكلام فيه مبسوطا، تركنا أكثره هنا خوفا من التكرار. قوله: (كيف تجدك؟) بالتاء المثناة من فوق، أي: كيف تجد نفسك. قوله: (أدنى) أي: أقرب، والشراك بكسر الشين المعجمة أحد سيور النعل التي تكون على وجهه. قوله: (بواد) بالتنكير أي: وادي مكة، والإذخر والجليل نباتان، ومجنة بفتح الميم والجيم وتشديد النون اسم موضع على أميال من مكة، وكان سوقا في الجاهلية. قوله: (يبدون) بالنون الخفيفة أي: هل يظهر، وشامة وطفيل جبلان بمكة، والجحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء موضع بين مكة والمدينة، وهي ميقات أهل الشام، وكان اسمها: مهيعة، بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء آخر الحروف والعين المهملة فأجحف السيل بأهلها فسميت جحفة، وجوز طائفة نقل الحمى مع أنها عرض. والمعنى الصحيح أن تعدم من المدينة وتظهر في الجحفة وكان أهلها يهود شديد الإيذاء والعداوة للمؤمنين، فلذلك دعا عليهم وأراد الخير لأهل الإسلام. 9 ((باب عيادة الصبيان)) أي: هذا باب في بيان عيادة الصبيان، وعيادة مصدر مضاف إلى مفعوله، وطوى فيه ذكر الفاعل، والتقدير: باب عيادة الرجال الصبيان. 5655 حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال: أخبرني عاصم قال: سمعت أبا عثمان عن أسامة بن زيد، رضي الله عنهما، أن ابنة للنبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم، وسعد وأبي بن كعب يحسب أن ابنتي قد حضرت، فأشهدنا فأرسل إليها السلام ويقول: إن لله ما أخذ وما أعطى، وكل شيء عنده مسمى فلتحتسب ولتصبر، فأرسلت تقسم عليه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا فرفع الصبي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه تقعقع ففاضت عينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هاذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده، ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء. مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى ابنته فأخذ ابنها فوضعه في حجره، وهذا عيادة بلا شك. وعاصم هو ابن سليمان، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون. ومضى الحديث في الجنائز في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببكاء أهله عليه، فإنه أخرجه هناك عن عبدان ومحمد كلاهما عن عبد الله عن عاصم عن أبي عثمان. قال: حدثني أسامة بن زيد إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (إن ابنة للنبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية الكشميهني: إن بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم، قال صاحب (التلويح). وبنته التي أرسلت إليه تدعوه صلى الله عليه وسلم هي زينب، وابنها اسمه علي، كذا بخط شيخنا أبي محمد الدمياطي، وقال ابن بطال: إن هذا الحديث لم يضبطه الراوي فمرة قال: قالت: ابنتي قد احتضرت، ومرة قال: فرفع الصبي ونفسه تقعقع، فأخبر مرة عن صبي ورمة عن صبية. قوله: (وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم) أي: والحال أن أسامة مع النبي صلى الله عليه وسلم: (وسعد) أي: ابن عبادة وأبي بن كعب قوله: (نحسب) أي: يظن الراوي أن أبيا كان معه، ولا يجزم بكون أبي معه في ذلك الوقت، ويدل على هذا ما سيجئ في كتاب النذور حيث قال: ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة وسعد أو أبي، على الشك. قوله: (قد حضرت) على صيغة بناء المجهول، ويروى: احتضرت، أي: حضرها الموت. قوله: (فاشهدنا) أي احضر إلينا قوله: (وكل شيء مسمى) ويروى: مسمى إلى أجل. قوله: (فلتحتسب) أي: لتطلب الأجر من عند الله، ولتجعل الولد في حسابها الله تعالى راضية بقضائه. قوله: (في حجر النبي صلى الله عليه وسلم) بفتح
217 الحاء وكسرها. قوله: (ونفسه) بسكون الفاء. قوله: (تقعقع) أي: تضطرب ويسمع لها صوت. قوله: (فقال سعد: ما هذا؟) إنما قال ذلك لأنه استغرب ذلك منه لأنه مخالف ما عهده منه من مقاومة المصيبة بالصبر. قوله: (هذه رحمة) ويروى: هذه الرحمة أي: أثر رحمة جعلها الله في قلوب الرحماء، وليس من باب الجزع وقلة الصبر، وقد صح أن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون، وفيها يتراحمون وبها يعطف الوحش على ولده، وأخر تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة، أخرجه مسلم، وروى البخاري نحوه. 10 ((باب عيادة الأعراب)) أي: هذا باب في بيان عيادة الأعراب، بفتح الهمزة، وهم: سكانو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة، والعرب اسم لهذا الجيل من الناس ولا واحد له من لفظه، وسواء أقام بالبادية أو المدن والنسبة إليها أعرابي وعربي. 11 ((باب عيادة المشرك)) أي: هذا باب في بيان عيادة المشرك، قال ابن بطال: إنما يعاد لمشرك ليدعى إلى الإسلام إذا رجى إجابته وإلا فلا. قلت: الظاهر أن هذا يختلف باختلاف المقاصد، فقد تقع لعيادته مصلحة أخرى، ولا يخفى ذلك. 5657 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، رضي الله عنه، أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: أسلم، فأسلم. (انظر الحديث 1356). مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مر في الجنائز بأتم منه في: باب إذا أسلم الصبي فمات. * (وقال سعيد بن المسيب عن أبيه لما حضر أبو طالب جاءه النبي صلى الله عليه وسلم) *. هذا التعليق قد مر موصلا في تفسير سورة القصص، وفي الجنائز أيضا، وأبو سعيد هو المسيب بن حزن صحابي ممن بايع تحت الشجرة. وأبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم اسمه: عبد مناف.
218 12 ((باب إذا عاد مريضا فحضرت الصلاة فصلى بهم جماعة)) أي: هذا باب فيه إذا عاد ناس مريضا. قوله: (فحصرت الصلاة فصلى) أي: المريض. بهم أي بمن عاده من الناس. 5658 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحياى حدثنا هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه ناس يعودونه في مرضه، فصلى بهم جالسا فجعلوا يصلون قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما فرغ قال: إن الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا. مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى هو ابن سعيد القطان، و هشام هو ابن عروة. والحديث مر في كتاب الصلاة في: باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (قياما) القيام جمع قائم أو هو مصدر بمعنى: قائمين. قوله: (ليؤتم به) على صيغة بناء المجهول وهو بكسر اللام أبي: لأن يؤتم به وقال الكرماني: وبفتحها أيضا، قلت: إن صحت الرواية بذلك فتكون اللازم للتأكيد ويؤتم يكون مرفوعا. قوله: (وإذا رفع) أي: رأسه فارفعوا أي: رؤوسكم وإن صلى جالسا أي: وإن صلى الإمام حال كونه جالسا لعذر فصلوا جلوسا أي: جالسين. * (قال أبو عبد الله: قال الحميدي: هذا الحديث منسوخ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، آخر ما صلى صلى قاعدا والناس خلفه قيام) *. أبو عبد الله هو البخاري نفسه. والحميدي قد مر غير مرة، وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبد الله بن حميد، والحميدي نسبة إلى بطن من قريش يقال له: حميد بن زهير، ووجه النسخ وباقي المسألة من الخلاف قد ذكرناه في: باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، وبالذي قاله الحميدي. قال أبو حنيفة والشافعي، والمنسوخ منه قعودهم معه فقط، وأخذ أحمد وإسحاق بظاهره وأن الإمام إذا صلى جالسا تابعوه فيه، وحمل ابن القاسم حديث الباب على أنه كان نافلة وهو غلط. 13 ((باب وضع اليد على المريض)) أي: هذا باب في بيان وضع عائد المريض يده عليه للتأنيس له ولمعرفة مرضه، ويدعو له على حسب ما يبدو منه، وربما يرقيه بيده ويمسح على ألمه فينتفع به العليل خصوصا إذا كان العائد صالحا يتبرك بيده ودعائه، كما كان صلى الله عليه وسلم يفعله، وذلك من حسن الأدب واللطف بالعليل، وقد يكون واضع يده عارفا بالعلاج فيصف له بما يناسبه. 5659 حدثنا المكي بن إبرااهيم أخبرنا الجعيد عن عائشة بنت سعد أن أباها قال: تشكيت بمكة شكواى شديدة، فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت: يا نبي الله إني أترك مالا وإني لم أترك إلا ابنة واحدة، فأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث؟ فقال: لا. فقلت: فأوصي بالنصف وأترك النصف؟ قال: لا. قلت: فأوصي بالثلث واترك لها الثلثين؟ قال: الثلث والثلث كثير، ثم وضع يده على جبهته، ثم مسح يده على وجهي وبطني ثم قال: أللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته، فمازلت أجد برده على كبدي فيما يخال إلي حتى الساعة. مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: (ثم وضع يده على جبهته ثم مسح يده على وجهي وبطني). و المكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد البرجمي التميمي الحنظلي البلخي، مات سنة خمس عشرة ومائتين، و الجعيد بضم الجيم وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهلمة ابن عبد الرحمن الكندي، ويقال: الجعد، مكبرا، أو عائشة بنت سعد بن أبي وقاص رضي الله
219 عنه. والحديث قد مضى في كتاب الوصايا في: باب أن تترك ورثتك أغنياء، من رواية عامر بن سعد عن أبيه سعد. وأخرجه بقية الجماعة من هذا الوجه. وأما من رواية عائشة بنت سعد فأخرجه أبو داود في الجنائز عن هارون بن عبد الله عن مكي بن إبراهيم به مختصرا، وأخرجه النسائي في الفرائض عن يعقوب بن إبراهيم وغيره. قوله: (تشكيت) من باب التفعل الذي يدل على المبالغة. قوله: (شكوى) بالتنوين وبغيره: الشكوى والشكو والشكاة والشكاية: المرض. قوله: (شديدة) في رواية المستملي: شديدا بالتذكير على إرادة المرض. قوله: (كثير) بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة. قوله: (ثم وضع يده على جبهته) من باب التجريد وفي رواية الكشميهني: على جبهتي، على الأصل. قوله: (وأتمم له هجرته) إنما دعا له بإتمام الهجرة لأنه كان مريضا وخاف أن يموت في موضع هاجر منه، فاستجاب الله عز وجل دعاء رسوله وشفاه، ومات بعد ذلك بالمدينة. قوله: (بردة) الضمير عائد إلى المسح أو إلى اليد باعتبار العضو. قوله: (فيما يخال) أي: فيما يتخيل ويتصور، وقال ابن التين: صوابه: فيما يتخيل إلي، بالتشديد لأنه من التخيل، قال الله تعالى * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * (طه: 66). قلت: جاء يخال ويتخيل بمعنى واحد، وفي (المحكم): خال الشيء يخاله يظنه وتخيله ظنه. قوله: (حتى الساعة) حتى هنا بمعنى إلي فلذلك جرت الساعة. 5660 حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد، قال: قال عبد الله بن مسعود: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا، فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله! أنك توعك وعكا شديدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. فقلت: ذالك أن لك أجرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يصيبه أذى مرض فما سواه إلا حط الله له سيئاته كما يحط الشجرة ورقها. مطابقته للترجمة في قوله: (فمسسته بيدي) والحديث قد مر عن قريب في: باب أشد الناس بلاء الأنبياء، فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش إلى آخره. وهنا أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن سليمان الأعمش إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (أذى) بالذال المعجمة. قوله: (مرض) بيان له، وقال الكرماني: يروى: أدنى مرض، فما سواه أي: أقل مرض فما فوقه، ثم قال: ويروى أذى بإعجام الذال. 14 ((باب ما يقال للمريض وما يجيب)) أي: هذا باب في بيان ما يقال للمريض عند العيادة، وفي بيان ما يجيبه المريض. 5661 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فمسسته وهو يوعك وعكا شديدا فقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا، وذالك أن لك أجرين. قال: أجل، وما من مسلم يصيبه أذى إلا حاتت عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر. مطابقته للترجمة في قول ابن مسعود للنبي صلى الله عليه وسلم وجواب النبي صلى الله عليه وسلم له. وقبيصة بن عقبة وسفيان هو الثوري. والحديث قد مر الآن في الباب الذي قبله. 5662 حدثنا إسحاق حدثنا خالد بن عبد الله عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل على رجل يعوده فقال: لا بأس! طهور إن شاء الله، فقال: كلا، بل حمى تفور على شيخ كبير كيما تزيره القبور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذا. (انظر الحديث: 3616). مطابقته للترجمة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس طهور) وجواب المريض له: كلا إلى آخره.
220 وإسحاق هو ابن شاهين الواسطي، وخالد الأول هو ابن عبد الله الطحان، والثاني خالد الحذاء. والحديث قد مر عن قريب في: باب عيادة الأعراب، ومر الكلام فيه. 15 ((باب عيادة المريض راكبا وماشيا وردفا على الحمار)) أي: هذا باب في بيان عيادة المريض حال كونه راكبا. وحال كونه ماشيا، وحال كونه ردفا أي: مرتدفا بغيره على حماره. 5663 حدثني يحياى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فدكية وأردف أسامة وراءه يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر، فسار حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله، وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، قال: لا تغبروا علينا، فسلم النبي صلى الله عليه وسلم ووقف ونزل، فدعاهم إلى الله فقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد الله بن أبي: يا أيها المرء! إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا، فلا تؤذنا به في مجلسنا وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه قال ابن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذالك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم، حتى سكتوا فركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له: أي سعد! ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ يريد عبد الله بن أبي. قال سعد: يا رسول الله! اعف عنه واصفح، فلقد أعطاك الله ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل هاذه البحرة أن يتوجوه فيعصبوه، فلما رد ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذالك، فذلك الذي فعل به ما رأيت. (انظر الحديث: 2987). مطابقته للترجمة في قوله: (فركب على حمار) وقوله: (وأردف أسامة وراءه يعود سعد بن عبادة). ورجاله قد ذكروا غير مرة. والحديث قد مر في آخر تفسير سورة آل عمران فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عروة: أن أسامة بن زيد أخبره الخ... ومر الكلام فيه هناك. قوله: (على إكاف) بدل من قوله 1764; (على حمار) وقوله: (على قطيفة) بدل من قوله: (على إكاف) وكلا البدلين في حكم الطرح، والقطيفة الدثار المهذب. قوله: (فدكية) نسبة إلى فدك بفتح الفاء والدال المهملة وهي قرية بخيبر كأن القطيفة صنعت فيها. قوله: (سعد بن عبادة) بضم العين المهلمة وتخفيف الباء الموحدة، سيد الخزرج. قوله: (عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف، وسلول بفتح السين المهملة وضم اللام اسم أم عبد الله، فلا بد أن يقرأ ابن سلول بالرفع لأنه صفة لعبد الله لا صفة لأبي. قوله: (واليهود) عطف على: (المشركين) ويجوز أن يكون عطفا على (عبدة الأوثان) لأنهم أيضا مشركون حيث قالوا: عزير ابن الله، تعالى وتعظم عن ذلك. قوله: (عجاجة الدابة) بفتح العين المهملة وتخفيف الجيم الأولى، وهي الغبار. قوله: (خمر) بالخاء المعجمة وتشديد الميم أي غطى قوله: (لا أحسن مما تقول) لفظ: أحسن، أفعل التفضيل، ومن، في مما زائدة. قال التيمي: أي ليس أحسن مما تقول أي: إنما تقول حسن جدا، قال ذلك استهزاء، ويروى: لا أحسن، بلفظ فعل المتكلم من المضارع، وما تقول مفعوله قوله: (إن كان حقا) يصح تعلقه بما قبله وبما بعده. قوله: (إلى رحلك) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة أي: إلى منزلك، ويقال: الرجل مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث. قوله: (يتثاورون) أي: يتثاوبون ويتهايجون غضبا. قوله: (حتى سكنوا) بالنون من السكون، ويروى: سكتوا، بالتاء المثناة من فوق من السكوت. قوله: (أبو حباب) بضم الحاء المهلمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى كنية عبد الله بن أبي
221 قوله: (البحرة) بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة: البلدة، يقال: هذه بحرتنا أي: بلدتنا. قوله: (أن يتوجوه) أي: يجعلوا التاج على رأسه وهو كناية عن الملك أي: يجعلونه ملكا ويشدون عصابة السيادة على رأسه، وهذا يحتمل أن يكون على سبيل الحقيقة وعلى المجاز. قوله: (فلما رد) بضم الراء وتشديد الدال. قوله: (شرق) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء أي: غص به والشرق: الشجي والغصة. 5664 حدثنا عمرو بن عباس حدثنا عبد الرحمان حدثنا سفيان عن محمد هو ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغل ولا برذون. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ليس براكب بغل ولا برذون) أراد أنه كان ماشيا. وعمرو بن عباس أبو عثمان البصري، و عبد الرحمن هو ابن مهدي العنبري، و سفيان هو ابن عيينة، صرح به الحافظ المزي في (الأطراف) [/ ح. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفرائض وفي الاعتصام. وأخرجه مسلم في الفرائض عن عمر والناقد. وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل. وأخرجه الترمذي فيه عن الفضل بن الصباح وفي التفسير عن عبد بن حميد عن يحيى بن آدم. وأخرجه النسائي في الطهارة وفي الفرائض وفي التفسير عن محمد بن منصور وفي الطب عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة في الجنائز عن محمد بن عبد الأعلى وفي الفرائض عن هشام. قوله: (والبرذون) بكسر الباء الموحدة وفتح الذال المعجمة الدابة لغة لكن العرف خصصه بنوع من الخيل، قاله الكرماني. 16 ((باب قول المريض: إني وجع، أو: وارأساه، أو: اشتد بي الوجع)) أي: هذا باب في بيان قول المريض: إني وجع، وفي بعض النسخ: باب ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، بفتح الواو وكسر الجيم، قال الجوهري: يقال: وجع فلان يوجع وييجع وياجع فهو وجع، وقوم وجعون ووجعي ووجعات وقال: الوجع المرض، والجمع أوجاع ووجاع. قوله: أو وا رأساه، أي: أو قول المريض: وا رأساه، وهو تفجع على الرأس من شدة صداعه، وهو مذكور صريحا في حديث الباب. قوله: أو اشتد بي الوجع، أي: أو قول المريض: اشتد بي الوجع، بفتح الجيم وفي بعض النسخ هذا غير مذكور. وقول أيوب عليه الصلاة والسلام: * (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) * (الأنبياء: 83). وقول، مجرور عطفا على قول المريض المجرور بالإضافة، قال صاحب (التوضيح): قول أيوب عليه الصلاة السلام: إني مسني الضر، ليس مما يشاكل تبويبه، لأن أيوب عليه الصلاة السلام إنما قال ذلك داعيا ولم يذكره للمخلوقين، وقد ذكر أنه كان إذا سقطت دودة من بعض جراحه ردها مكانها. قلت: هذا نقله ابن التين فإنه هو الذي ذكر هذا، ولكن أجيب عن هذا بأن مطلق الشكوى لا يمنع، ولعله أشار بهذا إلى الرد على من زعم من الصوفية أن الدعاء لكشف البلاء يقدح في الرضى والتسليم. قلت: المذموم هو الشكوى إلى الخلق، أما إلى الخالق فلا، ولقد شكى الألم والوجع النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وجماعة ممن يقتدى بهم، روي أن الحسن البصري دخل عليه أصحابه وهو يشكو ضرسه، فقال: رب مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، ولا أحد من بني آدم إلا وهو يألم من الوجع ويشتكي من المرض إلا أن المذموم من ذلك ذكره للناس تضجرا وتسخطا، وأما من أخبر به إخوانه ليدعوا له بالشفاء والعافية وأن أنينه وتأوهه استراحة فليس ذلك بشكوى، وجزم أبو الطيب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه، وقال النووي: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك، واحتج بحديث عائشة المذكور في الباب. 5665 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح وأيوب عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت القدر، فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم، فدعا الحلاق فحلقه، ثم أمرني بالفداء.
222 مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أيؤذيك هو أم رأسك؟ قلت: نعم) فإن كعبا أخبر أن هوام رأسه تؤذيه، وهذا ليس بشكوى منه، بل إنما أخبره به لبيان الواقع. وسفيان هو ابن عيينة، وابن أبي نجيح هو عبد الله، وأبو نجيح اسمه يسار، وأيوب هو السختياني. والحديث قد مضى في الحج في: باب قول الله عز وجل: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) * (البقرة: 196) ومر الكلام فيه هناك. 5666 حدثنا يحيى بن يحياى أبو زكرياء أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: وارأساه. فقال رسول الله: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة: واثكلياه! والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو: يدفع الله ويأبى المؤمنون. مطابقته للترجمة في قوله: (وا رأساه) ويحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن أبو زكريا التميمي الحنظلي النيسابوري، وهو شيخ مسلم أيضا وليس له في البخاري إلا مواضع يسيرة في الزكاة والوكالة والتفسير والأحكام، وأكثر عنه مسلم، ويقال: إنه تفرد بهذا الإسناد. وقال الدمياطي: وكان من العباد الزهاد الفضلاء، وقال البخاري: مات يوم الأربعاء سلخ صفر سنة ست وعشرين ومائتين، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام. قوله: (ذاك) بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي: لو مت وأنا حي وأنا أستغفر لك، وفي رواية عبد الله بن عتبة: لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك. قوله: (واثكلياه) مندوب، وقال بعضهم: واثكلياه بضم الثاء المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام وبالياء الخفيفة وبعد الألف هاء ندبة قلت: ليس كذلك لأن ثكلياه لا يخلوا إما أن يكون مصدرا أو صفة للمرأة التي فقدت ولدها، فإن كان مصدرا فالثاء مضمومة واللام مكسورة، وإن كان اسما فالثاء مفتوحة واللام كذلك يقال: ثكلته أمه ثكلا بالضم، والثكل فقدان المرأة ولدها، وكذلك الثكل بفتحتين، وامرأة ثاكل وثكلى، وأثكله الله أمه، وهذا لا يراد به حقيقته بل هو كلام كان يجري على لسانهم عند إصابة مصيبة أو خوف مكروه ونحو ذلك. قوله: (إني لأظنك تحب موتى) كأنها أخذت ذلك من قوله (لها: لو مت قبلي) قوله: (ولو كان ذاك) هكذا رواية الكشميهني بغير اللام، وفي رواية غيره: ذلك، باللام وهو إشارة إلى موتها. قوله: (لظللت) بكسر اللازم قوله: (معرسا) بضم الميم وسكون العين وكسر الراء من أعرس بأهله إذا بنى بها، وكذلك إذا غشيها، ويروى بتشديد الراء من التعريس يقال: أعرس وعرس بمعنى واحد. قوله: (بل أنا وا رأساه) أتى بكلمة إضراب لأن معناه دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي إذ لا بأس بك وأنت تعيشين بعدي، عرف صلى الله عليه وسلم، ذلك بالوحي. قوله: (أو أرادت) شك من الراوي. قوله: (إلى أبي بكر وابنه) كذا في رواية الأكثرين بعطف لفظ الابن عليه، ووقع في رواية مسلم: أو ابنه، بكلمة: أو التي هي للشك أو للتخيير، ويروى: إلى أبي بكر أو آتيه، من الإتيان بمعنى المجيء، ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه، وقال: ويوضح الصواب قولها في الحديث الآخر عند مسلم: ادعى لي أباك وأخاك، وأيضا فإن مجيئه إلى أبي بكر كان متعسرا لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته. قوله: (واعهد) أي أوصى بالخلافة له، يقال عهدت إليه أي: أوصته. قيل: ما فائدة ذكر الابن إذ لم يكن له دخل في الخلافة؟ وأجيب: بأن المقام مقام استمالة قلب عائشة، يعني أن الأمر مفوض إلى والدك كذلك الايتمار في ذلك بحضور أخيك وأقاربك هم أهل أمري وأهل مشورتي، أو لما أراد تفويض الأمر إليه بحضورها أراد إحضار بعض محارمه حتى لو احتاج إلى رسالة إلى أحد أو قضاء حاجة لتصدي لذلك، والله أعلم. قوله: (أن يقول القائلون) أي: كراهة أي: يقول القائلون: الخلافة لفلان أو
223 لفلان أو واحد منهم، يقول الخلافة لي، وكلمة أن، مصدرية، ويقول القائلون محذوف. قوله: (أو يتمنى المتمنون) أي: الخلافة عينه قطعا للنزاع. وقال صاحب (التوضيح)، ناقلا عن ابن التين: ضبط في غير كتاب بفتح النون يعني النون التي في المتمنون، وإنما هو بضمها لأن أصله المتمنيون على زنة المتطهرون، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان الياء والواو فحذفت الياء كذلك وضمت النون لأجل الواو إذ لا يصح وو قبلها كسرة، وتبع هذا الكلام بعضهم في شرحه. قلت: ضبط النون بالفتح هو الصواب وهو الأصل كما في قولك: المسمون إذ لا يقال فيه بضم الميم، وتشبيه القائل المذكور المتمنون بقوله: المتطهرون، غير مستقيم لأن هذا صحيح وذاك معتل اللام، وكل هذا عجز وقصور عن قواعد علم الصرف. قوله: (يأبى الله) لغير أبي بكر (ويدفع المؤمنون) غيره. قوله: (ويدفع) إلى آخره، شك من الراوي في التقديم والتأخير. 5667 حدثنا موسى حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا سليمان عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا. قال: أجل كما يوعك رجلان منكم، قال: لك أجران؟ قال: نعم ما من مسلم يصيبه أذى مرض فما سواه إلا حط الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث. وموسى هو ابن إسماعيل المنقري، وسليمان هو الأعمش، وقد مر الحديث عن قريب في: باب شدة المرض، وفي: باب أشد الناس بلاء، وفي: باب وضع اليد على المريض، وفي: باب ما يقال للمريض. 5668 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة أخبرنا الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بي زمن حجة الوداع فقلت: بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا قلت: بالشطر؟ قال: لا قلت: الثلث؟ قال: الثلث كثير، أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، ولن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في امرأتك. مطابقته للترجمة في قوله: (يعودني من وجع اشتد بي) وعامر بن سعد يروي عن أبيه سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة. والحديث قد مضى عن قريب في باب وضع اليد على المريض، ومضى أيضا في كتاب الوصايا في: باب أن تترك ورثتك أغنياء، وفي: باب الوصية بالثلث، ومضى الكلام فيه مكررا. قوله: (زمن حجة الوداع) وقد تقدم عن ابن عيينة: زمن الفتح، والأول أصح. قوله: (أن تدع) أي: لأن تدع. قوله: (حتى ما تجعل) كلمة ما موصولة بمعنى: الذي. 17 ((باب قول المريض قوموا عني)) أي: هذا باب في بيان قول المريض للعواد: قوموا عني، إذا وقع منهم ما يستدعي ذلك. 5669 حدثنا إبراهيم بن موساى حدثنا هشام عن معمر. (ح) وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والإختلاف
224 عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا. قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذالك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. مطابقته للترجمة في قوله: (قوموا) ولم يقل في هذه الرواية: عني، ووقع في رواية كتاب العلم: قوموا عني، وهو المطابق للترجمة: وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، ومعمر هو ابن راشد، وعبد الله بن محمد هو المسندي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. والحديث قد مضى في كتاب العلم في: باب كتابة العلم وفي المغازي. قوله: (حدثنا إبراهيم) ويروى: حدثني إبراهيم. قوله: (حدثنا هشام) ويروى: أخبرنا هشام. قوله: (لما حضر) على صيغة المجهول. قوله: (هلم) قيل: كان المناسب أن يقول: هلموا. وأجيب: بأن عند الحجازيين يستوي في: هلم الواحد والجمع. قوله: (أكتب لكم) بالجزم والرفع. قوله: (لن تضلوا) ويروى: لا تضلوا، بالنفي حذف منه النون لأنه جواب ثان للأمر، أو بدل عن الجواب الأول. قوله: (إن الرزية) مدغما وغير مدغم: المصيبة. قوله: (ولغطهم) اللغط بفتح اللام وفتح الغين المعجمة: الصوت المختلط. 18 ((باب من ذهب بالصبي المريض ليدعاى له)) أي: هذا باب في بيان من ذهب بالصبي المريض إلى الصالحين وأهل الفضل ليدعى له لينتفع ببركة الدعاء، وفي رواية الكشميهني: ليدعو له، أي: ليدعو له من أتي به إليه. 19 ((باب تمني المريض الموت)) أي: هذا باب في بيان منع تمني المريض الموت لشدته. 5671 حدثني آدم حدثنا شعبة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. مطابقته للترجمة من حيث إن الضرب الذي يصيب أعم من أن يكون من المرض وغيره. والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن محمد بن أحمد بن أبي خلف. قوله: (لا يتمنين) بالنون الخفيفة. قوله: (أحدكم) الخطاب للصحابة والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين. قوله: (من ضر) أي: لأجل ضر أصابه، وهو يشمل المرض وغيره من أنواع الضرر. قوله: (فاعلا) أي: متمنيا، وفي رواية الدعوات: فإن كان لا بد متمنيا للموت. قوله: (ما كانت الحياة) أي: مدة كون الحياة خيرا. وفيه: النهي عن تمني الموت
225 عند نزول البلاء. قيل: أنه منسوخ بقول يوسف عليه السلام. * (توفني مسلما) * (يوسف: 101) وبقول سليمان عليه السلام: * (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) * (الإسراء: 80) وحديث الباب: وألحقني بالرفيق الأعلى، ودعا عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز بالموت، ورد بأن هؤلاء إنما سألوا ما قارن الموت، فالمراد بذلك ألحقنا بدرجاتهم، وحديث عمر رضي الله تعالى عنه، رواه معمر عن علي بن زيد، وهو ضعيف. 5672 حدثني آدم حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، قال: دخلنا على خباب نعوده وقد اكتوى سبع كيات، فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعا إلا التراب، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به، ثم أتيناه مرة أخراى وهو يبني حائطا له، فقال: إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هاذا التراب. مطابقته للترجمة في قوله: (ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به). وآدم هو ابن أبي إياس، وإسماعيل بن أبي خالد البجلي واسم أبي خالد سعد، وقيل: هرمز، وقيل: كثير، وقيس بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي، وخباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى ابن الأرت بفتح الهمزة والراء وتشديد التاء المثناة من فوق. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات وفي الرقاق. وأخرجه مسلم في الدعوات عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمد بن بشار. قوله: (نعوده) جملة حالية، وكذا قوله: (وقد اكتوى) أي: في بطنه، والنهي الذي جاء عن الكي هو لمن يعتقد أن الشفاء من الكي، أما من اعتقد أن الله عز وجل هو الشافي فلا بأس به، أو ذلك للقادر على مداواة أخرى وقد استعجل ولم يجعله آخر الدواء. قوله: (إن أصحابنا الذين سلفوا) كأنه عنى بهؤلاء الذين ماتوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (مضوا ولم تنقصهم الدنيا) لأنهم كانوا في قلة وضيق عيش، وأما الذين من بعدهم فقد اتسعت لهم الدنيا بسبب الفتوحات وما زاد من الدنيا فقد نقص من الآخرة. قوله: (وإنا أصبنا) قول خباب، يعني: إنا أصبنا من الدنيا ما لا نجد له موضعا يعني: مصرفا نصرفه فيه إلا التراب يعني: البنيان، فعلم من هذا أن صرف المال في البنيان مذموم، لكن المذمة فيمن بنى ما يفضل عنه ولا يضطر إليه، فذلك الذي لا يؤجر فيه لأنه من التكاثر المنهي عنه لا من بني ما يكنه، ولا غنى به عنه. قوله: (لدعوت به) أي: بالموت وذلك لشدة ما به من ألم المرض. قوله: (ثم أتيناه مرة أخرى) هو كلام قيس بن أبي حازم، أي: ثم أتينا خبابا مرة ثانية، والحال أن يبنى حائطا له. قوله: (فقال: إن المسلم يؤجر).. إلى آخره، موقوف على خباب، وقد أخرجه الطبراني مرفوعا من طريق عمر بن إسماعيل بن مجالد: حدثنا أبي عن بيان بن بشر وإسماعيل بن أبي خالد جميعا عن قيس بن أبي حازم قال: دخلت على خباب نعوده... فذكر الحديث وفيه: وهو يعالج حائطا له، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم يؤجر في نفقته كلها إلا ما يجعله في التراب، وعمر المذكور كذبه يحيى بن معين. 5673 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو عبيد مولى عبد الرحمان بن عوف أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن يدخل أحدا عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة، فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب. مطابقته للترجمة في قوله: (ولا يتمنين) وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة، والزهري محمد بن مسلم، وأبو عبيد مصغر العبد هو مولى ابن أزهر واسمه سعد بن عبيد، وابن أزهر هو الذي ينسب إليه عبد الرحمن
226 بن أزهر بن عوف وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري. والحديث أخرجه مسلم إلى قوله: (فسددوا) بطرق مختلفة: منها: عن بشر بن سعيد عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال: لن ينجي أحدا منكم عمله، قال رجل: ولا إياك يا رسول الله؟ ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله برحمته، ولكن سددوا. ومنها: عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يدخله عمله الجنة، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني ربي برحمة. ومنها: عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس أحد ينجيه عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتداركني الله منه برحمة. ومنها: عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة إلى آخره، نحو رواية البخاري. ومنها: عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاربوا وسددوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله.. الحديث. قوله: (لن يدخل) بضم الياء مضارع معلوم وفاعله قوله: (عمله) و (أحدا) بالنصب مفعوله والجنة نصبت أيضا بتقدير في الجنة. قوله: (إلا أن يتغمدني الله) بالغين المعجمة، يقال: تغمده الله برحمته أي: غمره بها وستره بها وألبسه رحمته، وإذا اشتملت على شيء فغطيته فقد تغمدته أي: صرت له كالغمد للسيف، وأما الاستثناء فهو منقطع. فإن قلت: كل المؤمنين لا يدخلون الجنة إلا أن يتغمدهم الله بفضله فما وجه تخصيص الذكر برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: تغمد الله له بعينه مقطوع به، أو إذا كان له بفضل الله فلغيره بالطريق الأولى أن يكون بفضله لا بعمله. فإن قلت: قال الله تعالى: * (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * (الزخرف: 72) قلت الباء ليست للسببية بل للإلصاق أو المصاحبة أي: أورثتموها مصاحبة أو ملابسة لثواب أعمالكم. (ومذهب أهل السنة) أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب بل ثبوتهما بالشريعة، حتى لو عذب الله تعالى جميع المؤمنين كان عدلا، ولكنه أخبر بأنه لا يفعل بل يغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين. (والمعتزلة) يثبتون بالعقل الثواب والعقاب ويجعلون الطاعة سببا للثواب موجبة له، والمعصية سببا للعقاب موجبة له. والحديث يرد عليهم. قوله: (فسددوا) أي أطلبوا السداد أي الصواب وهو ما بين الإفراط والتفريط أي: فلا تغلوا ولا تقصروا واعملوا به فإن عجزتم عنه فقاربوا أي: أقربوا منه، ويروى: فقربوا أي: قربوا غيركم إليه، وقيل: سددوا معناه اجعلوا أعمالكم مستقيمة وقاربوا أي: اطلبوا قربة الله عز وجل. قوله: (ولا يتمنين) بنون التأكيد الخفيفة في رواية غير الكشميهني لفظه نفي بمعنى النهي، وفي روايته: ولا يتمن، بحذف التحتية والنون بلفظ النهي. قوله: (إما محسنا) تقديره: إما أن يكون محسنا، ويروى إما محسن، على تقدير: إما هو محسن قوله: (إما مسيئا) فعلى الوجهين المذكورين. قوله: (أن يستعتب) من الاستعتاب وهو طلب زوال العتب، وهو استفعال من الإعتاب الذي الهمزة فيه للسلب لا من العتب وهو من الغرائب، أو من العتبى وهو الرضا، يقال: استعتبته فأعتبني أي: استرضيته فأرضاني. قال الله عز وجل: * (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) * (فصلت: 24) والمقصود يطلب رضا الله بالتوبة ورد المظالم. 5674 حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن هشام عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: سمعت عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مستند إلي يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق. (انظر الحديث: 4440). قيل: لا يطابق الترجمة لأن فيه التمني للموت إذ لا يمكن الإلحاق بالرفيق، وهم أصحاب الملأ الأعلى، إلا بالموت. وأجيب: بأنه ليس بتمن للموت، غايته أنه مستلزم لذلك، والمنهي ما يكون هو المقصود لذاته، أو المنهي هو المقيد وهو ما يكون من ضر أصابه وهذا ليس منه بل للإشتياق إليهم، ويقال: إنه قال ذلك بعد أن علم أنه ميت في يومه ذلك، ورأى الملائكة المبشرين له عن ربه بالسرور الكامل، ولهذا قال لفاطمة رضي الله تعالى عنها: لا كرب على أبيك بعد اليوم، وكانت نفسه مفرغة في اللحاق بكرامة الله له وسعادة الأبد، فكان ذلك خيرا له من كونه في الدنيا، وبهذا أمر أمته حيث قال: فليقل: اللهم توفني ما كانت الوفاة خيرا لي. وعبد الله بن أبي شيبة هو أبو بكر صاحب (المصنف) (والمسند) وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة، وعباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ابن عبد الله بن الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنهم. والحديث مضى في المغازي في: باب مرض النبي
227 صلى الله عليه وسلم فإنه أخرجه هناك عن معلى بن أسد عن عبد العزيز بن مختار: حدثنا هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير... إلى آخره، وقد مضى الكلام فيه، والرفيق هم الملائكة أصحاب الملأ الأعلى. 20 ((باب دعاء العائد للمريض)) أي: هذا باب في بيان كيفية دعاء العائد للمريض عند دخوله عليه. وقالت عائشة بنت سعد عن أبيها: اللهم اشف سعدا، قاله النبي صلى الله عليه وسلم. سعد هو سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه، وهو طرف من حديثه الطويل بالوصية بالثلث، وقد مضى موصولا عن قريب في: باب وضع اليد على المريض. 5675 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا. أو أتي به. قال: أذهب الباس رب الناس، اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما.. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عوانة الوضاح، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي، ومسروق بن الأجدع. والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عبد الله بن أبي شيبة وعمرو بن علي فرقهما كلاهما عن يحيى بن سعيد. وأخرجه مسلم في الطب عن شيبان بن فروخ وغيره. وأخرجه النسائي فيه وفي اليوم والليلة عن محمد بن قدامة وغيره. قوله: (أو أتى به) على صيغة المجهول شك من الراوي. قوله: (أذهب) بفتح الهمزة من الإذهاب. والبأس بالنصب، مفعوله وهو بالباء الموحدة الشدة والعذاب والحزن. قوله: (رب الناس) أي: يا رب الناس، وحرف النداء محذوف. قوله: (لا شفاء إلا شفاؤك) حصر لتأكيد قوله: (أنت الشافي) لأن خبر المبتدأ إذا كان معرفا باللام أفاد الحصر، لأن الدواء لا ينفع إذا لم يخلق الله فيه الشفاء. قوله: (شفاء لا يغادر سقما) مكمل لقوله: (اشف)، والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق، والتنكير في: سقما، للتقليل، ومعنى: لا يغادر: لا يترك، من المغادرة وهو الترك، والسقم بفتحتين وبضم السين وسكون القاف. * (وقال عمرو بن أبي قيس وإبراهيم بن طهمان: عن منصور عن إبراهيم وأبى الضحى: إذا أتي بالمريض، وقال جرير عن منصور عن أبي الضحى وحده، وقال: إذا أتى مريضا) *. أشار بهذا إلى الاختلاف في قوله: (إذا أتى مريضا) أو: (أتى به) فقال عمرو بن أبي قيس الرازي: وأصله من الكوفة ولا يعرف اسم أبيه وهو صدوق ولم يخرج له البخاري إلا تعليقا، وروايته: إذا أتى بالمريض، على صيغة المجهول، وكذلك رواية إبراهيم بن طهمان كلاهما عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي، وأبي الضحى مسلم بن صبيح، ووصل تعليق إبراهيم بن طهمان الإسماعلي عن القاسم قال: أنا محمد بن إسحاق الصنعاني حدثنا يحيى بن معلى الرازي حدثنا محمد بن سابق حدثنا إبراهيم به. قوله: (وقال جرير) أي: ابن عبد الحميد عن منصور عن أبي الضحى وحده أي: بدون رواية إبراهيم النخعي: (إذا أتى) على صيغة بناء المعلوم، وهذا وصله ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جرير: إذا أتى المريض فدعا له، والله أعلم. 21 ((باب وضوء العائد للمريض)) أي: هذا باب في بيان وضوء العائد عند دخوله على المريض. 5676 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا مريض، فتوضأ فصب علي، أو قال: صبوا عليه فعقلت فقلت: يا رسول الله! لا يرثني إلا كلالة! فكيف الميراث؟ فنزلت آية الفرائض.
228 مطابقته للترجمة في قوله: (فتوضأ وصب علي) وغندر لقب محمد بن جعفر. والحديث قد مضى عن قريب في: باب عيادة المغمى عليه، ومضى الكلام فيه. 22 ((باب من دعا برفع الوباء والحمى)) أي: هذا باب في بيان من دعا برفع الوباء بالقصر والمد، وهو الطاعون والمرض العام، وقد وبئت الأرض فهي وبئة ووبيئة، ووبئت أيضا فهي موبوءة، والحمى على وزن فعلى اسم لمرض مخصوص، ومنه حم الرجل. 5677 حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما فقلت: يا أبت! كيف تجدك؟ ويا بلال! كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: * كل امرىء مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله * وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته، فيقول: * ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي إذ خر وجليل * * وهل أردن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل * قال: قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال: أللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة. مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس. والحديث قد مضى عن قريب في: باب عيادة النساء للرجال. ومضى الكلام في مستوفى. وقال ابن بطال: وضوء العائد للمريض إذا أتى في الخبر يتبرك به، وصب الماء عليه مما يرجى نفعه، ويحتمل أن يكون مرض جابر الحمى التي أمرنا بإبرادها بالماء، ويكون صفة الإيراد هكذا: يتوضأ الرجل الفاضل ويصب فضل وضوئه. * (بسم الله الرحمن الرحيم) * 76 ((كتاب الطب)) أي: هذا كتاب في بيان الطب وأنواعه والطب علم يعرف به أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عنه الصحة لتحفظ الصحة حاصله وتسترد زائله، والطب على قسمين. أحدهما: العلم. والثاني: العمل. والعلم هو معرفة حقيقة الغرض المقصود وهو موضوع في الفكر الذي يكون به التدبير، والعمل: هو خروج ذلك الموضوع في الفكر إلى المباشرة بالحس والعمل باليد. والعلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام. أحدها: العلم بالأمور الطبيعية. والثاني: العلم بالأمور التي ليست بطبيعية. والثالث: العلم بالأمور الخارجة عن الأمر الطبيعي، والمرض هو خروج الجسم عن المجرى الطبيعي والمداواة رده إليه، وحفظ الصحة بقاؤه عليه، وذكر ابن السيد في مثله: أن الطب مثلث الطاء اسم الفعل، وأما الطب بفتح الطاء فهو الرجل العالم بالأمور، وكذلك الطبيب، وامرأة طبة، والطب بالكسر السحر، والطب الداء من الإضداد، والطب الشهوة، هذه كلها مكسورة وفي (المنتهى) لأبي المعالي: والطب الحذق بالشيء والرفق، وكل حاذق عند العرب طبيب، وإنما خصوا به المعالج دون غيره من العلماء تخصيصا وتشريفا، وجمع القلة: أطبة، والكثرة: أطباء، والطب طرائق ترى في شعاع الشمس إذا طلعت، وأما الطب الذي كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليه ينقسم إلى ما عرفه من طريق الوحي وإلى ما عرفه من عادات العرب، وإلى ما يراد به التبرك كالاستشفاء بالقرآن. 1 ((باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)) أي: هذا باب في بيان ما أنزل الله داء أي: ما أصاب الله أحدا بداء إلا قدر له دواء والمراد بإنزاله إنزال الملائكة الموكلين بمباشرة
229 مخلوقات الأرض من الداء والداواء. قيل: إنا نجد كثيرا من المرضى يداوون ولا يبرؤون. وأجيب: إنما جاء ذلك من الجهل بحقيقة المداواة، أو بتشخيص الداء لا لفقد الدواء. 5678 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عمرو بن سعيد بن أبي حسين قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء. الحديث عين الترجمة. وأبو أحمد هو محمد بن عبد الله الزبيري منسوبا إلى مصغر الزبر بالزاي والباء الموحدة والراء، وهو جده، وعمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي القرشي المكي. والحديث أخرجه النسائي في الطب عن نصر بن علي ومحمد بن المثنى. وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وإبراهيم بن سعيد الجوهري. قوله: (دواء) بفتح الدال والمد، والدواء فتح داله أفصح من كسرها، قاله القرطبي: والشفاء ممدود. والحديث ليس على عمومه، واستثنى منه الهرم والموت وفيه إباحة التداوي وجواز الطب، وهو رد على الصوفية أن الولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل به من البلاء، ولا يجوز له مداواته، وهو خلاف ما أباحه الشارع. 2 ((باب هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل؟)) أي: هذا باب فيه يقال: هل يداوي الرجل المرأة؟ اسفهم على سبيل الاستخبار، ولم يجزم بالحكم اكتفاء بما في حديث الباب على عادته في غالب التراجم. قوله: ( والمرأة الرجل؟) أي: وهل تداوي المرأة الرجل؟ فالرجل في الأول مرفوع والمرأة منصوبة، وفي الثاني بالعكس. 5679 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان عن ربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسقي القوم ونخذمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة. (انظر الحديث 2882 وطرفه). مطابقته الجزء الثاني للترجمة ظاهرة. والجزء الأول يعلم بالقياس. وبشر بكسر الباء وسكون الشين المعجمة ابن المفضل على صيغة اسم المفعول من التفضيل بالضاد المعجمة، وخالد بن ذكوان بفتح الذال المعجمة المدني، وربيع، بضم الراء وفتح الباء الموحدة وكسر الياء آخر الحروف المشددة وبالعين المهملة: بنت معوذ على صيغة اسم الفاعل من التعويذ بالعين المهملة والذال المعجمة بن عفراء بالمد تأنيث الأعفر بالعين المهملة والفاء والراء، وهي من الصحابيات المبايعات تحت الشجرة، وأبوها معوذ بن الحارث بن رفاعة، وعفراء أمه وهو الذي قتل أبا جهل يوم بدر، ثم قاتل حتى قتل يومئذ ببدر شهيدا، قتله أبو مسافع. والحديث مضى في الجهاد في: باب مداواة النساء الجرحى في الغزو. 3 ((باب الشفاء في ثلاث)) أي: هذا باب يذكر فيه الشفاء في ثلاث قوله: الشفاء، مبتدأ وفي ثلاث، خبره أي: الشفاء كائن في ثلاثة أشياء، ولم تقع الترجمة في رواية النسفي، وكذا لم يقع لفظ: باب، للسرخسي. 5680 حدثني الحسين حدثنا أحمد بن منيع حدثنا مروان بن شجاع حدثنا سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: الشفاء في ثلاثة: شربة عسل وشرطة محجم وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي، رفع الحديث. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحسين، كذا وقع غير منسوب في رواية الكل، وجزم جماعة أنه الحسين بن محمد بن زياد النيسابوري المعروف بالقباني، وقال الكلاباذي: كان يلازم البخاري لما كان بنيسابور، وعاش بعد البخاري ثلاثا وثلاثين سنة، وكان من أقران مسلم، ورواية البخاري عنه من رواية الأكابر عن الأصاغر وقال الحاكم: هو ابن يحيى بن جعفر
230 البيكندي، وأحمد بن منبع بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وبعين مهملة البغوي، وهو من شيوخ البخاري وكانت وفاته في سنة أربع وأربعين ومائتين وله أربع وثمانون سنة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، ومروان ابن شجاع الجزري، وسالم هو ابن عجلان الأفطس الجزري. والحديث أخرجه ابن ماجة عن أحمد بن منيع به، وهذا الحديث أوله موقوف لكن آخره يشعر بأنه مرفوع أشار إليه بقوله: (رفع الحديث) أي: رفع ابن عباس هذا الحديث. قوله: (الشفاء في ثلاث) لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم، الحصر في الثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها، وإنما نبه بهذه الثلاثة على أصول العلاج، لأن المرض إما دموي أو صفراوي أو سوداوي أو بلغمي، فالدموي بإخراج الدم وذلك بالحجامة وإنما خصت بالذكر لكثرة استعمال العرب وإلفهم لها، بخلاف الفصد فإنه، وإن كان في معنى الحجم، لكنه لم يكن معهودا، على أن قوله: (وشرطة محجم) يتناول الفصد، ووضع العلق أيضا وغيرهما في معناهما، والحجم في البلاد الحارة أنجح من الفصد، والفصد في البلاد التي ليست بحارة أنجح من الحجم، وبقية الأمراض بالدواء المسهل اللائق بكل خلط منها. ونبه عليه بذكر العسل، وأما الكي فإنه يقع آخرا لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات. فإن قلت: كيف نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه؟ قلت: هذا لكونهم كانوا يرون أنه يحسم الداء بطبعه، فكرهه لذلك، وأما إثبات الشفاء فيه عند تعيينه بالطريق الموصل إليه فمع الاعتقاد بأن الله تعالى هو الشافي، ويؤخذ من هذين الوجهين أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا، بل يستعمل بالوجه الذي ذكرنا، وكيف وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم، سعد بن معاذ وغيره، واكتوى غير واحد من الصحابة؟ قوله: (محجم)، بكسر الميم الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص ويراد به ههنا الحديدة التي يشرط بها موضع الحجامة، يقال: شرط الحاجم إذا ضرب على موضع الحجامة لإخراج الدم. ورواه القمي عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: في العسل والحجم. أي: روى الحديث المذكور الفمي بضم القاف وتشديد الميم. قال الجياني: هو يعقوب بن عبد الله بن سعد، ذكره البخاري هاهنا استشهادا. وفي (التلويح)، ووقع في بعض النسخ الشعبي، والصواب الأول. قلت: سعد بن مالك بن هانىء بن عامر بن أبي عامر الأشعري، فلجده أبي عامر صحبة، وكنية يعقوب أبو الحسن وهو من أهل قم، وهي مدينة عظيمة حصينة وعليها سور، وأهلها شيعة، وهي من بلاد الجيل، وهي عراق العجم، ومن الري إلى قم أحد وعشرون فرسخا، والقمي هذا نزل الري، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقواه النسائي، وماله في البخاري سوى هذا الموضع، وليث شيخه هو ابن أبي سليم الكوفي سئ الحفظ، وهذا التعليق رواه البزار من رواية عبد العزيز بن الخطاب عنه. وقال صاحب (التلويح): وتبعه صاحب (التوضيح) وقال أبو نعيم الحافظ في (كتاب الطب): حدثنا عمر بن أحمد بن الحسن أنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن عبد الله بن يوسف وجبارة بن المغلس قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الله القمي عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. احتجموا لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم، وقال بعضهم: وقصر بعض الشراح فنسبه إلى تخريج أبي نعيم في الطب، والذي في الطب عند أبي نعيم حديث آخر في الحجامة فذكره. قلت: رمى بهذا التقصير صاحبي (التلويح) و (التوضيح) مع أن صاحب (التوضيح) أحد مشايخه على زعمه، وليس الذي ذكره بموجه لأنهما لم يقولا: إن هذا التعليق ذكره أبو نعيم، ثم ذكر الحديث، وإنما صاحب (التلويح) ذكره من غير تعرض إلى ذكر شيء، وإنما ذكره لزيادة فائدة نعم شيخه. قال: وأسنده أبو نعيم، ثم ذكر الحديث، ولكن قال بلفظ: احتجموا، ولم يقع منه التقصير إلا في قوله: وأسنده، أي: الحديث المذكور، وهذا الحديث غير مذكور، والله أعلم. قوله: (في العسل والحجم) ويروى: والحجامة، وفي رواية الكشميهني ولم يقع ذكر الكي في هذه الرواية، فلذلك ذكره بقوله: (ورواه القمي) إشارة إليه. 5681 حدثنا محمد بن عبد الرحيم أخبرنا سريج بن يونس أبو الحارث حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
231 الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي. (انظر الحديث: 5680). مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى يقال له صاعقة، وسريج بضم السين المهملة وفتح الراء وبالجيم مصغر سرج ابن يونس أبو الحارث البغدادي، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. والحديث قد مر الآن. 4 ((باب الدواء بالعسل)) أي: هذا باب في بيان الدواء بالعسل، وهو يذكر ويؤنث، وأسماؤه تزيد على المائة، وله منافع كثيرة. يجلي الأوساخ التي في العروق والأمعاء، ويدفع الفضلات، ويغسل خمل المعدة ويسخنها تسخينا معتدلا، ويفتح أفواه العروق، ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة، وفيه تحليل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية،. وفيه حفظ للمعجونات وإذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة، وتنقية للكبد والصدر وإدرار البول والطمث، ونفع للسعال الكائن من البلغم، ونفع لأصحاب البلاغم والأمزجة الباردة، وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء، ثم هو غذاء من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلوى من الحلاوات وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات، ومن منافعه أنه: إذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان، وإذا شرب بماء نفع من عضة الكلب الكلب، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر، وكذا الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك من الفواكه، وإذا لطخ به البدن للقمل قتل القمل والصيبان، وطول الشعر وحسنه ونعمه، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر، وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها، وهو عجيب في حفظ جثة الموتى فلا يسرع إليها البلاء وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة، ولم يكن معول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه، ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلا، وهو في أكثر الأمراض والأحوال أنفع من السكر لأنه مليح ويجلو ويدر ويحلل ويغسل، وهذه الأفعال في السكر ضعيفة، وفي السكر إرخاء المعدة وليس ذلك في العسل، وكان صلى الله عليه وسلم يشرب كل يوم قدح عسل ممزوجا بماء على الريق، وهي حكمة عجيبة في حفظ الصحة، ولا يعقلها إلا العالمون، وكان بعد ذلك يتغدى بخبزالشعير مع الملح أو الخل ونحوه، ويصابر شطف العيش ولا يضره لما سبق من شربه العسل. وقول الله تعالى: * (فيه شفاء للناس) * (النحل: 69). وقول الله، بالجر عطفا على قوله: الدواء بالعسل، إنما ذكر قوله * (فيه شفاء للناس) * (النحل: 69) لينبه به على فضيلة العسل على سائر ما يشرب من المشروبات، وكيف وقد أخبر الله بأنه شفاء؟ وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا خرجت به قرحة أو شيء لطخ الموضع بالعسل، ويقرأ * (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) * (النحل: 69) وكان يقول: عليكم بالشفاءين: القرآن والعسل، وقال شقيق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المبطون شهيد ودواء المبطون العسل، فإن قلت: الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخي يشتكي بطنه! فقال: اسقه عسلا، فسقاه فلم يفده، حتى أتى الثانية والثالثة، فكذلك حتى قال صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك... الحديث على ما يأتي في هذا الباب. قلت: قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن غيب أطلعه الله عليه وأعلمه بالوحي أن شفاءه بالعسل، فكرر عليه الأمر يسقي العسل ليظهر ما وعد به، وأيضا قد علم أن ذلك النوع من المرض يشفيه العسل. وقال النووي: اعترض بعض الملاحدة فقال: العسل مسهل فكيف يشفي صاحب الإسهال؟ وهذا جهل من المعترض، وهو كما قال بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، فإن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة، ومنها الإسهال الحادث من الهيضة، وقد أجمع الأطباء على أن علاجه بأن تترك الطبيعة وفعلها، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت، فيحتمل أن يكون إسهاله من الهيضة، وأمره بشرب العسل معاونة إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال، وقد يكون ذلك من باب التبرك، ومن دعائه وحسن أثره ولا يكون ذلك حكما عاما لكل الناس، وقد يكون ذلك خارقا للعادة من جملة المعجزات، وقيل: المعنى: فيه شفاء لبعض الناس، وأولوا الآية وحديث أبي سعيد الذي يأتي على الخصوص، وقالوا: الحجامة وشرب العسل والكي إنما هي شفاء لبعض الأمراض دون بعض، ألا ترى قوله: أو لذعة بنار، توافق الداء؟ فشرط صلى الله عليه وسلم موافقتها للداء، فدل هذا على أنها إذا لم توافق الداء فلا دواء فيها، وقد جاء في القرآن ما لفظه لفظ العموم. والمراد به الخصوص، كقوله
232 تعالى: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * يريد المؤمنين، وقال في بلقيس: وأوتيت من كل شيء ولم تؤت ملك سليمان عليه الصلاة والسلام كثير، واختلف أهل التأويل فيما عادت عليه الهاء في قوله * (فيه شفاء للناس) * فقال بعضهم: على القرآن وهو قول مجاهد، وقال آخرون. على العسل، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، وهو قول الحسن وقتادة وهو أولى بدليل حديثي الباب. 5682 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أبو أسامة قال: أخبرني هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعجبه الحلواء والعسل. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله (يعجبه) لأن الإعجاب أعم من أن يكون على سبيل الدواء أو الغذاء. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين. والحديث مضى في كتاب الأشربة في: باب شرب الحلواء والعسل، بعين هذا الإسناد والمتن. 5683 حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمان بن الغسيل عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: إن كان في شيء من أدويتكم أو: يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي. مطابقته للترجمة في قوله (أو شربة عسل) وأبو نعيم الفضل بن دكين، و عبد الرحمن بن الغسيل، واسم الغسيل: حنظلة بن أبي عامر الأوسي الأنصاري، استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة، فقيل له الغسيل، وهو فعيل بمعنى مفعول، وهو جد عبد الرحمن بن عبد الله بن حنظلة، وعبد الرحمن معدود في صغار التابعين لأنه رأى أنسا وسهل بن سعد، وجل روايته عن التابعين وهو ثقة عند الأكثرين، واختلف فيه قول النسائي، وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرا وكان قد عمر فجاوز المائة فلعله تغير حفظه في الآخر، وقد احتج به الشيخان، و عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري الأوسي يكنى أبا عمر ماله في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في: باب من بنى مسجدا، في أوائل الصلاة، وهو تابعي ثقة عندهم، وقال عبد الحق في (الأحكام): وثقه ابن معين وأبو زرعة وضعفه غيرهما، ورد ذلك أبو الحسن بن القطان على عبد الحق، وقال: لا أعرف أحدا ضعفه ولا ذكره في الضعفاء. والحديث أخرجه مسلم أيضا في الطب عن هارون بن معروف وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن وهب بن بيان. قوله: (أو يكون في شيء) كذا وقع بالشك، وسيأتي بعد أبواب باللفظ الأول بغير شك، وكذا لمسلم، وقال ابن التين: الصواب: أو يكن لأنه معطوف على مجزوم فيكون مجزوما، وكذا وقع في رواية أحمد: إن كان، أو: إن يكن، قيل: لعل الراوي أشبع الضمة فظن السامع أن فيها واوا فأثبتها، وفيه تأمل. قوله: (أو لذعة) بفتح اللام وسكون الذال المعجمة وبالعين المهملة، واللذع الخفيف من حرق النار، وأما اللدغ بالدال المهملة وبالغين المعجمة فهو عض ذات السم. قوله: (توافق الداء) أشار به إلى أن الكي إنما يشرع منه ما يتعين أنه يزول الداء به، وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق. قوله: (وما أحب أن أكتوي) أشار به إلى أنه يؤخر العلاج به حتى لا يوجد الشفاء إلا فيه لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي. 5684 حدثنا عياش بن الوليد حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أخي يشتكي بطنه. فقال: إسقه عسلا، ثم أتى الثانية، فقال: إسقه عسلا، ثم أتاه الثالثة فقال: إسقه عسلا، ثم أتاه فقال: فعلت، فقال: صدق الله
233 وكذب بطن أخيك، إسقه عسلا، فسقاه فبرأ. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن الوليد النرسي بالنون والراء الساكنة وبالسين المهملة، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وسعيد بن أبي عروبة، وأبو المتوكل هو علي الباجي بالنون والجيم والياء المشددة، وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك، والأسناد كلهم بصريون. والحديث أخرجه البخاري أيضا عن بندار عن غندر. وأخرجه مسلم في الطب عن أبي موسى وبندار به وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي وفي الوليمة أيضا عنه به. قوله: (ثم أتى الثانية) أي: المرة الثانية، أي: فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا. قوله: (ثم أتاه) أي: المرة الثالثة: (فقال: فعلت) أي: سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق الله) أي: في قوله: * (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) * قوله. (وكذب بطن أخيك) إسناد الكذب إلى البطن مجاز، لأن الكذب يختص بالأقوال فجعل، بطن أخيه حيث لم ينجع فيه العسل كذبا لأن الله تعالى قال: * (فيه شفاء للناس) *. ويقال: العرب تستعمل الكذب بمعنى الخطأ والفساد، فتقول: كذب سمعي، أي: زل ولم يدرك ما سمعه، فكذب بطنه حيث ما صلح للشفاء فزل عن ذلك. قوله: (اسقه عسلا) هذا بعد الرابعة (فسقاه فبرأ) وأوضح هكذا في رواية مسلم حيث قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إسقه عسلا فسقاه، ثم جاء فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: إسقه عسلا، فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك، فسقاه فبرأ. يقال أبرأ من المرض برءا بالفتح فأنا بارىء، وأبرأني من المرض، وغير أهل الحجاز يقولون: برئت، بالكسر برءا بالضم، وقال الجوهري: يقول: برئت منك ومن الديون والعيوب براءة، وبرئت من المرض برءا بالضم، وأهل الحجاز يقولون: برأت من المرض برءا بالفتح، وأصبح فلان بارئا من المرض، وأبرأه الله من المرض، وبرأ الله الخلق برأ أيضا، يعني بالفتح، وبقية الكلام قد مرت عن قريب. 5 ((باب الدواء بألبان الإبل)) أي: هذا باب في بيان الدواء بألبان الإبل في المرض الملائم له. 5685 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا سلام بن مسكين حدثنا ثابت عن أنس أن ناسا كان بهم سقم قالوا: يا رسول الله! آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة، فأنزلهم الحرة في ذود له، فقال: اشربوا من ألبانها، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا ذوده، فبعث في آثارهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت. قال سلام فبلغني أن الحجاج قال لأنس: حدثني بأشد عقوبة عاقبه النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بهاذا، فبلغ الحسن فقال: وددت أنه لم يحدثه بهذا. مطابقته للترجمة في قوله (اشربوا من ألبانها) وسلام بفتح السين المهملة وتشديد اللام بن مسكين الأزدي النمري، وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سيأتي في الأدب، قيل: وقع في اللباس عن موسى بن إسماعيل: حدثنا سلام عن عثمان بن عبد الله، فزعم الكلاباذي أنه سلام بن مسكين، وليس كذلك، بل هو سلام بن أبي مطيع، وثابت ضد الزائل البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه. ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون. وهذا (حديث العرنيين) وقد مر الكلام فيه في كتاب الطهارة في: باب أبوال الإبل والدواب. قوله: (إن ناسا) زاد بهز في روايته: من أهل الحجاز. قوله: (كان بهم سقم) بفتح السين وضمها مثل حزن وحزن بفتحتين أيضا. قوله: (آونا) بالهمزة الممدودة وكسر الواو، أي: أنزلنا في مأوى وهو المنزل، من آوى يؤوي وثلاثية: أوى يأوي، يقال: أويت إلى المنزل، وآويت غيري، وأويته بالقصر أيضا أنكره بعضهم. وقال الأزهري: هي لغة فصيحة. قوله: (فلما صحوا) فيه حذف تقديره: فآواهم وأطعمهم فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة، بفتح الواو وكسر
234 الخاء المعجمة أي: غير موافقة لساكنها. قوله (فأنزلهم الحرة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، وهي أرض ذات حجارة سود. قوله: (في ذود) أي: بين ذود، بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة، وهو من الإبل ما بين ثلاثة إلى عشرة، وذكر ابن سعد: كان عدد الذود خمس عشرة. قوله من ألبانها وتقدم في رواية أبي قلابة من ألبانها وأبوالها. قوله: (فلما صحوا) فيه حذف أيضا تقديره: فخرجوا فشربوا فلما صحوا قتلوا الراعي إلى آخره. قوله: (وسمر أعينهم) كذا بالراء في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: وسمل، باللام موضع الراء، ومعنى: سمر كحلها بالمسامير المحماة، يقال: سمرت بالتشديد والتخفيف، ومعنى: سمل أعينهم، أي: فقاها بحديدة محماة أو غيرها، وقيل: هو فقؤها بالشوك، وإنما فعل بهم ذلك لأنهم فعلوا بالراعي كذلك، فجازاهم على صنعهم، وقيل: إن هذا كان قبل أن ينزل الحدود، فلما نزلت نهى عن المثلة. قوله: (يكدم الأرض) بضم الدال وكسرها من الكدم وهو العض بأدنى الفم كالحمار، وزاد بهز في روايته: مما يجد من الغم والوجع. قوله: (قال سلام) أي: سلام بن مسكين، هو موصول بالسند المذكور. قوله: (إن الحجاج) هو ابن يوسف الثقفي حاكم العراق المشهور. قوله: (عافية) كذا بالتذكير باعتبار العقاب، وفي رواية بهز: عاقبها، على ظاهر اللفظ. قوله: (فبلغ الحسن) أي: البصري، وإنما قال: وددت، لأن الحجاج كان ظالما يتمسك في الظلم بأدنى شيء، وفي رواية بهز: فوالله ما انتهى الحجاج حتى قام بها على المنبر، فقال: حدثنا أنس فذكره، وقال: قطع النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي والأرجل وسمر الأعين في معصية الله، أفلا نفعل نحو ذلك في معصية الله وساق الإسماعيلي من وجه آخر عن ثابت: حدثني أنس قال: ما ندمت على شيء ما ندمت على حديث حدثت به الحجاج، فذكره. 6 ((باب الدواء بأبوال الإبل)) أي: هذا باب في بيان التداوي بأبوال الإبل. 5686 حدثنا موسى بن اسماعيل حدثنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن ناسا اجتووا في المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، أن يلحقوا براعيه يعني: الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعيه فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم، فقتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في طلبهم فجيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم. قال قتادة: فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود. مطابقته للترجمة في قوله: (وأبو الها) وهمام هو ابن يحيى بن دينار. والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن هدبة. قوله: (اجتووا في المدينة) كذا هو بإثبات: في، وهي ظرفية أي: حصل لهم الجوى بالجيم وهم في المدينة، ووقع في رواية أبي قلابة عن أنس: اجتووا المدينة، بدون كلمة: في، أي كرهوا الإقامة بها. قال الجوهري: اجتويت البلدة إذا كرهتها، والجوى المرض وداء الجوف إذا تطاول. قوله: (براعيه يعني: الإبل) كذا في الأصل، وفي رواية مسلم من هذا الوجه: أن يلحقوا براعي الإبل. قوله: (حتى صلحت) بفتح اللام، قال الجوهري: يقول: صلح الشيء يصلح صلوحا، وحكى الفراء الضم، وفي رواية الكشميهني: حتى صحت. قوله: (قال قتادة) هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (إن ذلك) إشارة إلى قوله: (وسمر أعينهم) ويعكر على قول قتادة عن محمد بن سيرين رواية مسلم من طريق سليمان التيمي، وإنما سملهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم سملوا أعين الرعاة. 7 ((باب الحبة السوداء)) أي: هذا باب في بيان الحبة السوداء، وذكر منافعها، وقد فسرها الزهري بأنها الشونيز، على ما يجيء في آخر الباب قال القرطبي: الشونيز قيده بعض مشايخنا بفتح الشين المعجمة، وقال ابن الأعرابي: الشينيز، كذا تقول العرب، وقال غيره الشونيز، بالضم وهي الحبة الخضراء، والعرب تسمي الأخضر أسود والأسود أخضر. وقال عبد اللطيف البغدادي المعروف بالمطجن: هو الكمون الأسود، ويسمى: الكمون الهندي، ومن منافعه أنه يجلو ويقطع ويحلل ويشفي من الزكام
235 إذا قلي واشتم، ويقتل الدود إذا أكل على الريق، وإذا وضع في البطن من خارج لطوخا ودهنه ينفع من داء الحية، ومن الثآليل والخيلان، وإذا شرب منه مثقال نفع من البهر وضيق النفس ويحدر الطمث المحتبس، والضماد به ينفع الصداع الباردة، وإذ نقع منه سبع حبات بالعدد في لبن امرأة ساعة وسعط به صاحب اليرقان نفع نفعا بليغا، وإذا طبخ بخل وخشب الصنوبر نفع من وجع الأسنان من برد مضمضة، ويدر الطمث والبول واللبن، وإذا شرب بنطرون شفى من عسر النفس وينفع من شر الرتيلاء، ودخنته تطرد الهوام، وخاصيته تذهب الجشاء الحامض الكائن من البلغم والسوداء، وإذا تضمد به مع الخل نفع البثور والجرب المنقرح وحلل الأورام البلغمية المزمنة والأورام الصلبة، وإذا خلط ببول عتيق ووضع على الثآليل المسمارية قلعها، وإذا ضمدت به السن أخرج الدود الطواف، وإذا نقع بخل واستعط به نفع من الأوجاع المزمنة في الرأس ومن اللقوة، وينفع من البهق والبرص طلاء بالخل، ويسقى بالماء الحار والعسل للحصاة في المثانة والكلى، وإن عجن بماء الشيح أخرج الحيات من البطن، وإذا حرق وخلط بشمع مذاب ودهن سوسن وطلي على الرأس نفع من تناثر الشعر، وإذا سحق مع دم الأفاعي أو دم الخطاطيف وطلي به الرضخ جبره، وإذا استعط بدهنه نفع من الفالج والكززاز وقطع البلة والبرد الذي يجتمع فيصير منه الفالج، وإذا سحق ونخل واستف منه كل يوم درهمين نفع من عضة الكلب الكلب، وإذا سحق وشرب بسكنجبين نفع من حميات الربع المتقادمة، وإذا عجن بسمن وعسل نفع من أوجاع النفساء عند امتساك دم النفاس، وينفع أيضا لوجع الأرحام، وإذا نثر على مقدم الرأس سخنه ونفع من توالي النزلات، وإذا خلط في الأكحال جفف الماء النازل في العين، وإذا عجن بخل ودهن ورد نفع من أنواع الجرب، وإذا ضمد به أوجاع المفاصل نفعها، ويخرج الأجنة أحياء وموتى والمشيمة. 5687 حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله حدثنا إسرائيل عن منصور عن خالد بن سعد، قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبجر فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبي عتيق فقال لنا: عليكم بهاذه الحبيبة السويداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هاذا الجانب وفي هذا الجانب، فإن عائشة رضي الله عنها حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن هاذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام. قلت: وما السام؟ قال: الموت. مطابقته للترجمة في قوله: (إن في هذه الحبة السوداء) وعبد الله بن أبي شيبة كذا سماه ونسبه لجده وهو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، وكنيته أبو بكر وشهرته بكنيته أكثر من اسمه، مات في المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين، وهو شيخ مسلم أيضا، وعبيد الله هو ابن موسى الكوفي، وهو من كبار مشايخ البخاري، وروى عنه هنا بالواسطة، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ومنصور هو ابن المعتمر، وخالد بن سعد مولى أبي مسعود البدري الأنصاري، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وغالب بن أبجر بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الجيم وبالراء، هو الصحابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية، وحديثه عند أبي داود، وابن أبي عتيق هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. والحديث أخرجه ابن ماجة أيضا عن عبد الله بن أبي شيبة شيخ البخاري، وهذا حديث عزيز. قوله: (بهذه الحبيبة السويداء) وكذا وقع بالتصغير فيهما، وفي رواية الكشميهني: السوداء. قوله: (فإن عائشة حدثتني: أن في هذه الحبة السوداء شفاء) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: أن في هذه الحبة شفاء، وفي رواية: هذه الحبة السوداء التي تكون في الملح، يريد به الكمون، وكانت عادتهم جرت أن يخلط بالملح. قوله: (من كل داء) بعمومه يتناول الانتفاع بالحبة السوداء في كل داء غير الموت، وأوله الموفق البغدادي بأكبر الأدواء، وعدد جملة من منافعها، وكذا قال
236 الخطابي: هو من العموم الذي أريد به الخصوص وليس بجتمع في شيء من النبات جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدوية، وإنما أراد: شفاء كل داء يحدث من الرطوبة والبلغم لأنه حار يابس، وقال الكرماني: يحتمل إرادة العموم منه بأن يكون شفاء للكل لكن بشرط تركيبه مع الغير، ولا محذور فيه، بل تجب إرادة العموم لأن جواز الاستثناء معيار وقوع العموم، فهو أمر ممكن. وقد أخبر الصادق عنه، اللفظ عام بدليل الاستثناء أفيجب القول به؟ وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء لكل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، وإذا كان المراد بقوله: في العسل * (فيه شفاء للناس) * (النحل: 69) الأكثر الأغلب، فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى، وقال غيره: كان صلى الله عليه وسلم يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض، فلعل قوله: (في الحبة السوداء) وافق مرض من مزاجه بارد فيكون معنى قوله: (شفاء من كل داء) أي: من هذا الجنس الذي وقع فيه القول، والتخصيص بالحيثية كثير شائع. وقال ابن أبي حمزة، رحمه الله: تكلم ناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة، ولإخفاء بغلط قائل ذلك، وذلك لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار علمهم غالبا إنا هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم. قوله: (إلا من السام) بتخفيف الميم. قوله: (قلت: وما السام؟ قال: الموت) لم يدر السائل ولا المجبب، وقيل بالظن: إن السائل خالد بن سعد، والمجيب ابن أبي عتيق. 5688 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عن عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبرهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام. قال ابن شهاب: والسام: الموت، والحبة السوداء: الشونيز. مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة، وعقيل بضم العين بن خالد، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف. والحديث أخرجه مسلم في الطب أيضا عن محمد بن رمح. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن رمح وعمرو بن الحارث. قوله: (قال ابن شهاب) هو محمد بن مسلم الزهري الراوي: (السام الموت) وأنه فسر السام بالموت والحبة السوداء بالشونيز، وقد مر الكلام فيه في أول الباب، وقد قال إبراهيم الحربي في (غريب الحديث) عن الحسن البصري: إن الحبة السوداء الخردل، وحكى أبو عبيد الهروي في (الغريبين): أنها ثمرة البطم، بضم الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة واسم شجرها الضرو، بكسر الضاد المعجمة وسكون الراء. قلت: البطم كثيرا ما ينبت في البلاد الشمالية، وهو حب أخضر يقارب الحمص يأكله أهل البلاد كثيرا، ويجعلونه في الأقراص يستخرجون منه الدهن ويأكولنه وقال القرطبي: تفسير الحبة السوداء بالشونيز أولى من وجهين. أحدهما: أنه قول الأكثر. والثاني: كون منافعها أكثر، بخلاف الخردل والبطم. 8 ((باب التلبينة للمريض)) أي: هذا باب في ذكر التلبينة وصنعها للمريض، وقد مر في كتاب الأطعمة: باب التلبينة، وزاد هنا لفظ: للمريض، وهي بفتح التاء المثناة من فوق وسكون اللام وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وبالهاء، وقد يقال: بلا هاء، وقد مر تفسيرها هناك. 5689 حدثنا حبان بن موسى أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك وكانت تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن التلبينة تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن. (انظر الحديث 5417 وطرفه). مطابقته للترجمة ظاهرة. وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالنون المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي. والحديث مر في كتاب الأطعمة، ومر الكلام فيه. قوله: (وللمحزون على الهالك) أي: المصاب، أي: أهل الميت.
237 قوله: (تجم) بفتح التاء المثناة من فوق وضم الجيم، ويروى بضم أوله وكسر ثانيه، وهما بمعنى أي: تريح، والجمام الراحة ومادته جيم وميم، وقيل: معناه تجمع وتكمل صلاحه ونشاطه، وقال ابن بطال: ويروى: تخم، بالخاء المعجمة أي: تنقي، والمخمة المكنة. قوله: (وتذهب) من الإذهاب. وفيه: أن الجوع يزيد الحزن وأن التلبينة تذهب الجوع، وقال الداودي: يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه ويجعل حسوا، وهو كثير النفع على قلته لأنه لباب لا يخالطه شيء. 5690 حدثنا فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة: أنها كانت تأمر بالتلبينة، وتقول: هو البغيض النافع. (انظر الحديث 5417 وطرفه). مطابقته للترجمة ظاهرة. وفروة بفتح الفاء وسكون الراء وبالواو، وابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء والمد الكندي بالنون والدال المهملة، وعلي بن مسهر على صيغة اسم الفاعل من الإسهار بالسين المهملة، قاضي الموصل، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها. قوله: (هو البغيض) بالباء الموحدة وبالمعجمتين على وزن عظيم من البغض، يعني: يبغضه المريض مع كونه ينفعه كسائر الأدوية، وحكى عياض أنه وقع في رواية أبي زيد المروزي بالنون بدل الموحدة، قال: ولا معنى له ههنا. وفي (التوضيح): وفي رواية الشيخ أبي الحسن: النغيض، بالنون ولا أعلم له وجها. قلت: إذا كان بالنون والغين المعجمة والصاد المهملة له وجه يكون من تنغص العيش وهو تكدره. 9 ((باب السعوط)) أي: هذا باب في بيان حكم السعوط، وهو بفتح السين: الدواء يصب في الأنف، وفي (تهذيب الأزهري): السعوط والنشوق والنسوع في الأنف، ولخيته ولخوته وألخيته إذا سعطته، ويقال: أسعطته وكذلك: وجرته وأجرته، لغتان وأما النشوق فيقال: أنشقته إنشاقا وهو طيب السعوط والسعاط والإسعاط وفي (المحكم): سعطه الدواء يسعطه ويسعطه والضم أعلى والصاد في كل ذلك لغة عن اللحياني، وأسعطه أدخله في أنفه، والسعوط اسم الدواء والسعيط المسعط، والسعيط دهن الخردل والسعيط دهن البان وفي (الصحاح): اسعطته، واستعط هو بنفسه، وفي (الجامع): المسعوط والمسعط والسعيط: الرجل الذي يفعل به ذلك، والسعطة المرة الواحدة من الفعل، والإسعاطة مثلها. وقال أبو الفرج: الإسعاط تحصيل الدهن أو غيره في أقصى الأنف سواء كان يجذب النفس أو بالتفريغ فيه. 5691 حدثني معلى بن أسد حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (واستعط) ووهيب هو ابن خالد، وابن طاووس هو عبد الله بن طاوس. والحديث قد مضى في كتاب الإجارة في: باب خراج الحجام، عن موسى بن إسماعيل، ومضى الكلام فيه. قوله: (واستعط) أي: استعمل السعوط، وهو أن يستلقي على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس. 10 ((باب السعوط بالقسط الهندي والبحري وهو الكست. مثل الكافور والقافور مثل كشطت وقشطت نزعت. وقرأ عبد الله قشطت)) أي: هذا باب في بيان السعوط بالقسط، بضم القاف قال الجوهري: عقاقير البحر، وقال ابن السكيت: القاف بدل من الكاف، وفي (المنتهى) لأبي المعالي: الكست والكسط والقسط، ثلاث لغات وهو جزر البحر، وفي (الجامع) لابن البيطار: أجوده ما كان من بلاد المغرب وكان أبيض خفيفا، وهو البحري، وبعده الذي من بلاد الهند وهو غليظ أسود خفيف مثل الغشاء، وبعده الذي من بلاد سوريا وهو ثقيل ولونه لون البقس ورائحته ساطعة، وأجودها ما كان حديثا أبيض ممتلئا غير متآكل ولا زهم يلدغ
238 اللسان وقوته مسخنة مدرة للبول والطمث وينفع من أوجاع الأرحام إذا استعمل، وذكر له منافع كثيرة. قوله: (الهندي والبحري) قال أبو بكر بن العربي: القسط نوعان: هندي وهو أسود، وبحري وهو أبيض، والهندي أشدهما حرارة. قوله: (وهو الكست) أي: القسط بالقاف هو الكست بالكاف، أراد أنه يقال بالقاف وبالكاف لقرب مخرج القاف من مخرج الكاف. قوله: (مثل الكافور والقافور). كما يقال: الكافور بالكاف ويقال بالقاف، وقد مر هذا في: باب القسط للحادة، قوله: (مثل كشطت وقشطت) بمعنى كما يقال أيضا فيهما بالكاف والقاف، كما ذكرنا. قوله: (نزعت) زاده النسفي في روايته، وأراد به أن معنى كشطت نزعت، يقال: كشطت البعير كشطا نزعت جلده، ولا يقال: سلخت، وقال الجوهري: كشطت الجل عن ظهر الفرس أو الغطاء عن الشيء إذا كشفته عنه، والقسط لغة فيه، وفي قراءة عبد الله: وإذا السماء قشطت، وهو معنى قوله: قرأ عبد الله: قشطت، أي عبد الله بن مسعود، ولم تشتهر هذه القراءة. 5692 حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة قال: سمعت الزهري عن عبيد الله عن أم قيس بنت محصن، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: عليكم بهاذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية: يستعط به من العذرة ويلد به من ذات الجنب. ودخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، بابن لي لم يأكل الطعام فبال عليه فدعا بماء فرش عليه. (انظر الحديث 223). مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن عيينة هو سفيان وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأم قيس بنت محصن الأسدية أسد خزيمة كانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أخت عكاشة. والحديث أخرجه البخاري أيضا عن أبي اليمان عن شعيب وعن محمد بن عتاب. وأخرجه مسلم في الطب أيضا عن يحيى بن يحيى وآخرين. وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة بن سعيد وغيره. قوله: (عليكم) أي: إفعلوه، وهو اسم للفعل بمعنى: خذوا، ويستعمل بالباء وبغيرها، يقال: عليك بزيد، وعليك زيدا. قوله: (العود الهندي) خشب يؤتى به من بلاد الهند طيب الرائحة قابض فيه مرارة يسيرة، وقشره كأنه جلد موشى ويصلح إذا مضغ أو يمضمض بطبيخه لطيب النكهة، وإذا شرب منه قدر مثقال نفع من لزوجة المعدة وضعفها وسكون لهيبها وإذا شرب بالماء نفع من وجع الكبد ووجع الجنب وقرحة الأمعاء والمغص، وأجود العود المندلي ثم الهندي. قال الشافعي: الهندي يفضل على المندلى بأنه لا يولد القمل. والعود على أنواع: الهندي أفضل من الكل، فلذلك خصه النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر. قوله: (سبعة أشفية) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الفاء وفتح الياء آخر الحروف: جمع شفاء كأدوية جمع دواء. وقال ابن العربي: ذكر صلى الله عليه وسلم، سبعة أشفية في القسط فسمى منها اثنين ووكل باقيها إلى طلب المعرفة أو الشهرة فيها، وقد عدد الأطباء فيها عدة منافع. فإن قلت: إذا كان فيه كثرة المنافع فما وجه تخصيصها بسبع؟ قلت: تعيين السبعة لما أنه صلى الله عليه وسلم علمها بالوحي وتحققها وأما غيرها من المنافع فقد علمت بالتجربة، فذكر ما علمه بالوحي دون غيره، أو نقول: إنما فصل منها ما دعت الحاجة إليه وسكت عن غيره، كأنه لم يبعث لبيان تفاصيل الطب ولا ليعلم صنعته، وقد ذكر الأطباء من منافع القسط: أنه يدر الطمث والبول، ويقتل ديدان الأمعاء، ويدفع السم وحمى الربع والورد، ويسخن المعدة، ويحرك شهوة الجماع، ويذهب الكلف طلاء. قوله: (من العذرة)، بضم العين المهملة وسكن الذال المعجمة، وهو وجع في الحلق يهيج من الدم، وقيل: هي قرحة تخرج بين الأنف والحلق تعرض للصبيان عند طلوع العذرة، وهي خمس كواكب تحت الشعرى العبور، ويطلع وسط الحر، وفي (المحكم): العذرة نجم إذا طلع اشتد الحر، والعذرة والعاذور داء في الحلق، ورجل معذور أصابه ذلك، وقال ابن التين: هو وجع في الحلق من الدم، وذلك الموضع يسمى: عذرة، وهو قريب من اللهاة، واللهاة هي اللحمة الحمراء التي في آخر الفم وأول الحلق، وعادة النساء في علاجها أن تأخذ المرأة خرقة فتفتلها فتلا شديدا وتدخلها في أنف الصبي وتطعن ذلك الموضع
239 فينفجر منه دم أسود، وربما أقرحته، وذلك الطعن يسمى دغرا. ومعنى قوله في الحديث: (تدغرن أولادكن) أنها تغمز حلق الصبي بإصبعها فترفع ذلك الموضع وتكبسه. قوله: (ويلد به) على صيغة المجهول أي: بالقسط، يقال: لدا لرجل فهو ملدود، واللدود بفتح اللام ما يصب في أحد جانبي الفم. قوله: (من ذات الجنب) هو ورم في الغشاء المستبطن للأضلاع. وقال الترمذي: ذات الجنب بالضم. قوله: (السل) وفي (البارع): هو الذي يطول مرضه، وعن النضر: هو الدبيلة وهي قرحة تثقب البطن، وقيل: هي الشوصة، وفي (المنتهى): الجناب بالضم داء في الجنب. قوله: (ودخلت على النبي صلى الله عليه وسلم) إلى آخره، قد مر في كتاب الطهارة في: باب بول الصبيان: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله، وقد مر الكلام فيه هناك. 11 ((باب أي ساعة يحتجم)) أي: هذا باب في بيان أي، ساعة يحتجم فيها، والمراد بالساعة مطلق الزمان لا الساعة المتعارفة. قوله: (أي)، بدون التاء رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: أية ساعة يحتجم، وقد جاء في القرآن * (بأي أرض تموت) * (لقمان: 34) ولم تقل: بأية أرض، وقال الزمخشري: شبه سيبويه تأنيث أي بتأنيث كل في قولهم: كلنهن، وقال الكرماني: غرض البخاري يعني: من هذه الترجمة أنه لا كراهة في بعض الأيام أو الساعات. قلت: وقت الحجامة في أيام الشهر لم يصح فيه شيء عنده، فلذلك لم يذكر حديثا واحدا من الأحاديث التي فيها تعيين الوقت. منها: ما رواه أبو داود من حديث سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء، وروى الترمذي من حديث أنس، رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم الترمذي عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وقال: حديث حسن، وروى أيضا من حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم العبد الحجام يذهب بالدم ويخف الصلب ويجلو عن البصر، وإن خير ما تحتجمون فيه يوم سبعة عشرة ويوم تسعة عشر ويوم إحدى وعشرين، وروى أبو نعيم الحافظ من حديث ابن عباس مرفوعا: الحجامة في الرأس شفاء من سبع: الجنون والجذام والبرص والنعاس ووجع الأضراس والصداع والظلمة يجدها في عينه، ومن حديث بن عمر بسند لا بأس به يرفعه: الحجامة تزيد في الحفظ وفي العقل وتزيد الحافظ حفظا، فعلى اسم الله يوم الخميس ويوم الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء، ولا تحتجموا يوم الأربعاء، فما ينزل من جنون ولا جذام ولا برص إلا ليلة الأربعاء، وروى أبو داود من حديث سلمى، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال: احتجم، ولا وجعا في رجليه إلا قال: اخضبهما. * (واحتجم أبو موسى ليلا) *. أبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري، وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن إسماعيل بن سالم عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه، وذكره البخاري ليدل على أن الحجامة لا تتعين بوقت من النهار أو الليل بل يجوز في أي ساعة شاء من الليل أو النهار. 5694 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم. لما ذكر احتجام أبي موسى ليلا ذكر أيضا احتجام النبي صلى الله عليه وسلم نهارا، لأنه قال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم) يدل على أنه كان نهارا، ولم يعين النهار صريحا، فدل هذا والذي قبله أن الحجامة لا تتعين بوقت معين. وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري، وعبد الوارث بن سعيد، وأيوب السختياني. والحديث قد تقدم في الصيام في: باب الحجامة والقيء للصائم، بعين هذا الإسناد وعين المتن المذكور. 12 ((باب الحجم في السفر والإحرام))
240 أي: هذا باب في بيان الحجامة في السفر وحالة الإحرام للحج. قاله ابن بحينة عن النبي صلى الله عليه وسلم. أي: قال بالحجم في السفر والإحرام عبد الله بن بحينة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون، وبحنية اسم أمه، وهو عبد الله بن مالك بن القشب الأزدي من أزدشنوءة، مات في عمل مروان الآخر على المدينة أيام معاوية، وبحينة بنت الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وسيجئ حديثه موصولا عن قريب. 5695 حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس وعطاء عن ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم. مطابقته الجزء الثاني للترجمة ظاهرة، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح، والحديث قد تقدم في الحج في: باب الحجامة للمحرم، ومضى الكلام فيه هناك. 13 ((باب الحجامة من الداء)) أي: هذا باب في بيان الحجامة من أجل الداء، وكلمة: من تعليلية، وذكره ابن بطال: من الدواء. 5696 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه، أنه سئل عن أجر الحجام فقال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه. وقال: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري. وقال: لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وعليكم بالقسط. مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث. وعبد الله هو ابن المبارك. والحديث من أفراده. قوله: (عن أجر الحجام) أي: عن أجرته. قوله: (أبو طيبة) بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة واسمه نافع على الأكثر، كان مولى لبني بياضة. قوله: (من طعام) أي: من قمح. قوله: (فخففوا عنه) أي: خففوا ضريبته يعني: خراجه الذي عينوه عليه. قوله: (وقال: إن أمثل) موصول بالإسناد المذكور، ومعنى: إن أمثل، أي: إن أفضل. قوله: (القسط) بضم القاف وقد مر تفسيره عن قريب. قوله: (بالغمز) أي: بالعصر بالأصابع، كانت النساء يغمزن لهاة الصبي لأجل العذرة، وقد مر تفسيرها أيضا. والخطاب في (لا تعذبوا) لأهل الحجاز، ومن كان في معناهم من أهل البلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وتميل إلى ظاهر الأبدان لجذب الحرارة الخارجة من أبدانهم إلى سطح البدن، ويؤخذ من هذا أيضا أن الخطاب لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم. وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين قال: إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم، قال بعضهم: وهذا محمول على من لم تتعين حاجته إليه، وعلى من لم يعتد به. قلت: هذا أيضا يتمشى فيمن لا تتعين حاجته إليه من الشبان ممن كانوا قبل الأربعين، وفيمن لا يعتد به منهم، وقيل: الأطباء على خلاف ما قاله ابن سيرين، وقال ابن سينا في أرجوزته المطولة في الفصادة. * ومن يكن تعود الفصاده * فلا يكن يقطع تلك العادة * * لكن من قد بلغ الستينا * وكان ذا ضخامة مبينا * * فافصده في سنة مرتين * ولا تحد فيه عن الفصلين * * إن بلغ السبعين فافصد مره * ولا تزد فيه على ذي الكره * * وإن يزد خمسا ففي العامين * في الباسليق افصده مرتين * * وأمنعه بعد ذاك كل فصد * فإن ذاك بالشيوخ مردي * 5697 حدثنا سعيد بن تليد قال: حدثني ابن وهب قال: أخبرني عمرو وغيره أن بكيرا
241 حدثه أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عاد المقنع ثم قال: لا أبرح حتى تحتجم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فيه شفاء. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إن فيه شفاء) على ما لا يخفى، وسعيد بن تليد. بفتح التاء المثناة من فوق وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف، وهو سعيد بن عيسى بن تليد نسب إلى جده، وهو مصري، وثقه ابن يونس. قال: وكان فقيها ثبتا في الحديث وكان يكتب للقضاة، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وعمرو هو ابن الحارث المصري وغيره، قيل: يحتمل أن يكون عبد الله بن لهيعة المصري، وبكير مصغر بكر بن عبد الله بن الأشج. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن أبي نعيم وإسماعيل بن أبان وأبي الوليد. وأخرجه مسلم في الطب أيضا عن هارون بن معروف وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن وهب بن بيان. قوله: (عاد المقنع) بقاف ونون ثقيلة مفتوحة هو ابن سنان التابعي يعني: زاره في مرضه، ثم قال: لا أبرح، أي: لا أخرج من عندك حتى تحتجم. قوله: إن فيه شفاء، الضمير يرجع إلى الحجم الذي يدل عليه. قوله: حتى تحتجم. 14 ((باب الحجامة على الرأس)) أي: هذا باب في بيان الحجامة على الرأس. 5698 حدثنا إسماعيل قال: حدثنيسليمان عن علقمة أنه سمع عبد الرحمان الأعرج أنه سمع عبد الله بن بحينة يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، احتجم بلحيي جمل من طريق مكة وهو محرم في وسط رأسه. 5699 وقال الأنصاري: أخبرنا هشام بن حسان حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه. مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب، وعلقمة بن أبي علقمة مولى عائشة، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعبد الله بن بحينة مر عن قريب. والحديث مضى في الحج في: باب الحجامة للمحرم. قوله: (بلحي جمل) كذا وقع: بحلي جمل، بالتثنية وقد ضمى في الحج بلحي جمل بالإفراد بفتح اللام وسكون الحاء المهملة، والجمل بفتح الجيم والميم وهو اسم موضع، وقال ابن وضاح: هي بقعة معروفة وهي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا، وزعم بعضهم أنها الآلة التي احجتم بها أي: احتجم بعظم جمل. قلت: المعتمد الأول، والباء فيه بمعنى: في أي: في لحيي جمل، وعلى الثاني الباء للاستعانة. قوله: وهو محرم جملة حالية، قوله: وسط رأسه بفتح السين ويجوز تسكينها وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الحج. قوله: (وقال الأنصاري) وهو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك. وهذا التعليق وصله البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي: حدثنا الأنصاري بلفظ: احتجم وهو محرم من صداع كان به أو داء، واحتجم في موضع يقال له: لحي جمل. 15 ((باب من احتجم من الشقيقة والصداع)) أي: هذا باب في بيان من احتجم من الشقيقة، وهي وجع في أحد شقي الرأس، والصداع ألم في أعضاء الرأس، وهو من عطف العام على الخاص، وقد سقطت هذه الترجمة من رواية النسفي، وألحق حديثهما في الباب الذي قبله، وهو الأوجه. 5700 حدثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم، في رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لحيي جمل. (انظر الحديث 1835). 5701 وقال محمد بن سواء: أخبرنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به.
242 مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة. ومحمد بن بشار، بفح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة، وابن أبي عدي محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري، وهشام هو ابن حسان. والحديث أخرجه أبو داود في الحج عن عثمان ولفظه: احتجم وهو محرم في رأسه من داء كان به. وأخرجه النسائي في الطب عن أبي داود. قوله: (من وجع كان به) والوجع هو المفسر في الرواية الثانية وهو قوله: (من شقيقة كانت به). قوله: (بماء) أي: في ماء، أي: في منزل فيه ماء يقال له لحي جمل. قوله: (وقال محمد بن سواء) بالسين المهملة والمد ابن عنبر بالعين المهملة والنون والباء الموحدة السدوسي البصري وماله في البخاري سوى حديث موصول مضى في المناقب، وآخر يأتي في الأدب، وهذا التعليق وصله الإسماعيلي قال: حدثنا أبو يعلى حدثنا محمد ابن عبد الله الأزدي حدثنا محمد بن سواء فذكره سواء، وكان صلى الله عليه وسلم، يحتجم في أماكن مختلفة لاختلاف أسباب الحاجة إليها، وروي أن حجمه في هامته كان لوجع أصابه في رأسه من أكله الطعام المسموم بخيبر. قوله: (من شقيقة) على وزن عظيمة قد ذكرنا معناها، وذكر أهل الطب أنها من الأمراض المزمنة وسببها أبخرة مرتفعة أو أخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ، فإن لم يجد منفذا أحدث الصداع، فإن مال إلى أحد شقي الرأس أحدث الشقيقة، وإن ملك قمة الرأس أحدث داء البيضة، وقد أخرج أحمد من حديث بريدة أنه صلى الله عليه وسلم كان ربما أخذته الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج. 5702 حدثنا إسماعيل بن أبان حدثنا ابن الغسيل قال: حدثني عاصم بن عمر عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شربة عسل أو شرطة محجم أو لذعة من نار، وما أحب أن أكتوي. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أو شرطة محجم) لأنه يتناول الاحتجام من الشقيقة وغيرها. وإسماعيل بن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وبالنون الوراق الكوفي، وابن الغسيل هو عبد الرحمن بن سليمان إلى آخره. والحديث قد مر عن قريب في: باب الدواء بالعسل، ومر الكلام فيه هناك. 16 ((باب الحلق من الأذى)) أي: هذا باب في بيان حلق الرأس أو غيره بسبب الأذى الحاصل. 5703 حدثنا مسدد حدثنا حماد عن أيوب قال: سمعت مجاهدا عن ابن أبي ليلى عن كعب هو ابن عجرة، قال: أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم، زمن الحديبية وأنا أوقد تحت برمة والقمل يتناثر عن راسي، فقال: أيؤذيك هو امك؟ قلت: نعم. قال: فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة، أو انسك نسيكه. قال أيوب: لا أدري بأيتهن بدأ. مطابقته للترجمة في قوله: (فاحلق) ووجه إيراده في باب الطب من حيث إن كل ما يتأذى به المؤمن وإن ضعف أذاه يباح له إزالته وإن كان محرما. وفيه: معنى التطبب لأنه إزالة الأذى الذي يشابه المرض، لأن كل مرض أذى، وتسلط القمل على الرأس أذى، وكل أذى يباح إزالته فالقمل يباح إزالته. وحماد هو ابن زيد، وأيوب هو السختياني، وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن. والحديث مضى في الحج في: باب النسك شاة. 17 ((باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو)) أي: هذا باب في بيان من اكتوى لنفسه، أو كوى غيره. وقال الكرماني: الفرق بينهما أن الأول لنفسه والثاني أعم منه نحو اكتسب لنفسه وكسب له ولغيره، ونحو اشتوى إذا اتخذ الشواء لنفسه، وشوى له ولغيره. وللترجمة ثلاثة أجزاء فأشار بالجزءين الأولين إلى إباحة الكي عند الحاجة، وأشار بالجزء الثالث إلى أن تركة أفضل عند عدم الحاجة إليه.
243 5704 حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة قال: سمعت جابرا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم أو لذعة بنار. وما أحب أن أكتوي. مطابقة الجزء الثالث للترجمة ظاهرة. والحديث قد مر عن قريب في: باب الدواء بالعسل، لكن هنا اقتصر على شيئين وحذف الثالث وهو العسل، وهناك ذكر الثلاثة ومر الكلام فيه. 5705 حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا ابن فضيل حدثنا حصين عن عامر عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: لا رقية إلا من عين أو حمة، فذكرته لسعيد بن جبير فقال: حدثنا ابن عباس، قال، رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرضت علي الأمم فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد حتي رفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هاذه؟ قيل: هاذا موسى وقومه. قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: أنظر هاهنا وهاهنا في آفاق السماء، فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هاذه أمتك، ويدخل الجنة من هاؤلاء سبعون ألفا بغير حساب، ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم وقالوا: نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم، أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام، فإنا ولدنا في الجاهلية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة بن محصن: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ قال: سبقك بها عكاشة. مطابقة الجزء الثالث للترجمة ظاهرة، وعمران بن ميسرة ضد الميمنة وابن فضيل هو محمد بن فضيل مصغر الفضل بالضاد المعجمة الضبي، وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي، وعامر هو ابن شراحيل الشعبي. والحديث مضى مختصرا في أحاديث الأنبياء في: باب وفاة موسى عليه السلام وأخرجه أيضا في الرقاق عن أسد بن زيد وعن إسحاق عن روح. وأخرجه مسلم في الإيمان عن سعيد بن منصور وغيره. وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي حصين ولفظه: لما أسري بالنبي جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم، والنبي والنبيين ومعهم الرهط، فذكره بطوله. وأخرجه النسائي في الطب عن أبي حصين به. وفي (التلويح) في هذا علتان. (الأولى) انقطاع ما بين عامر الشعبي وعمران، قال البخاري في بعض نسخ كتابه: استفدنا من هذا أن حديث عمران مرسل، وحديث ابن عباس مسند. الثانية: هو مع إرساله موقوف، والوقف علة عند جماعة من العلماء وإن كان أبو داود لما رواه عن مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن مالك بن مغول عن حصين عن الشعبي عن عمران رفعه، فقال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا رقية إلا من عين أو حمة، فكأنه غفل عن العلة فيه، وتبعه فيما أرى الترمذي لما رواه من طريق سفيان عن حصين، ثم قال: ورواه شعبة عن حصين عن الشعبي عن بريدة به مرفوعا. وأما مسلم فإنه لما رواه من حديث هشيم عن حصين وقفه، وعنده أيضا من حديث أنس بن مالك مرفوعا أنه رخص في الرقية من العين والحمة والنملة، وعند أبي داود من حديث سهل بن حنيف مرفوعا: لا رقية إلا من نفس أو حمة أو لدغة. انتهى. قوله: (لا رقية) بضم الراء وسكون القاف وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات. قوله: (إلا من عين) هو إصابة العائن غيره بعينه، وهو أن يتعجب الشخص من الشيء حين يراه فيتضرر ذلك الشيء منه. قوله: (أو حمة) بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة وهو السم، وقال الجوهري: حمة العقرب سمها وضرها. وقال ابن سيده: هي الإبرة
244 التي تضرب بها العقرب والزنبور، وأصل حمة حمو أو حمى، والهاء عوض عن الواو أو الياء وجمعها: حمون وحمات، كما قالوا برة وبرون وبرأت، قاله كراع. وقال: كأنها مأخوذة من حميت النار تحمى إذا اشتدت حرارتها، وفي (كتاب اليواقيت) للمطرزي: حمة بالتشديد، وقال الجاحظ: من سمى إبرة العقرب حمة فقد أخطأ، وإنما الحمة سموم ذوات الشعر: كالدبر وذوات الأنياب والأسنان كالأفاعي وسائر الحيات، وكسموم ذوات الإبر من العقارب، ومعنى قول سهل بن حنيف: إلا من نفس، هو العين يقال: أصابت فلانا نفس أي: عين، والنملة في حديث أنس قروح تخرج في الجنب، وقال ابن الأثير: وقد جاء في بعض الأحاديث جواز الرقية، وفي بعضها النهي. والأحاديث في القسمين كثيرة، ووجه الجمع بينهما أن الرقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة، وأن يعتقد أن الرقيا نافعة لا محالة فيتكل عليها، وإياها أراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ما توكل من استرقى، ولا يكره منها ما كان بخلاف ذلك كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله والرقى المروية، وقال أيضا: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا رقية إلا من عين أو حمة، لا رقية أولى وأنفع، وهذا كما قيل: لا فتى إلا علي، وقد أمر صلى الله عليه وسلم غير واحد من الصحابة بالرقية، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم. وقال الخطابي: لم يرد به حصر الرقية الجائزة فيهما، وإنما المراد: لا رقية أحق وأولى من رقية العين والحمة لشدة الضرر فيهما. قوله: (فذكرته لسعيد بن جبير) القائل بذلك هو حصين بن عبد الرحمن. قوله: (ومعهم الرهط) وهو من الرجال ما دون العشرة. وقيل: إلى الأربعين، ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه، ويجمع على أرهط وأرهاط، وأراهط جمع الجمع. قوله: (والنبي ليس معه أحد) قيل: النبي هو المخبر عن الله للخلق فأين الذين أخبرهم؟ وأجيب: بأنه ربما أخبروا لم يؤمن به أحد ولا يكون معه إلا المؤمن. قوله: (حتى رفع لي سواد) هذا رواية الكشميهني: حتى رفع، بالراء والفاء وبلفظ لي، وفي رواية غيره: حتى وقع في سواد، بواو وقاف وبلفظ: في قوله: (بغير حساب) قيل: هل يدخلون وإن كانوا أصحاب معاصي ومظالم؟ وأجيب: بأن الذين كانوا بهذه الأوصاف الأربعة لا يكونون إلا عدولا مطهرين من الذنوب، أو ببركة هذه الصفات يغفر الله لهم ويعفو عنهم. قوله: (ثم دخل) أي: الحجرة ولم يبين للصحابة من السبعون. قوله: (فأفاض القوم) ويقال: أفاض القوم في الحديث إذا اندفعوا فيه وناظروا عليه. قوله: (هم الذين لا يسترقون) قال أبو الحسن القابسي: يريد بالاسترقاء الذي كانوا يسترقون به في الجاهلية، غ وأما الاسترقاء بكتاب الله فقد فعله صلى الله عليه وسلم وأمر به وليس بمخرج عن التوكل. قوله: (ولا يتطيرون) أي: لا يتشاءمون بالطيور ونحوها كما كانت عادتهم قبل الإسلام، والطيرة ما يكون في الشر والفأل ما يكون في الخير، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل. قوله: (ولا يكتوون) يعني: لا يعتقدون أن الشفاء من الكي كما كان عليه اعتقاد أهل الجاهلية. قوله: (وعلى ربهم يتوكلون) والتوكل تفويض الأمر إلى الله تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب. قوله: (أمنهم أنا؟) الهمزة فيه للاستفهام على وجه الاستخبار والاستعلام. قوله: (فقام آخر) قال الخطيب: هذا الرجل سعد بن عبادة، وقيل: إن الرجل الثاني كان منافقا فأراد النبي صلى الله عليه وسلم التسر له والإبقاء عليه لعله أن يتوب فرده ردا جميلا. قال الكرماني: لو صح هذا بطل قول الخطيب، والله أعلم. قوله: (سبقك بها عكاشة) أي: في الفضل إلى منزلة أصحاب هذه الأوصاف الأربعة. وقيل: يحتمل أن يكون سبقك عكاشة بوحي أنه يجاب فيه. ولم يحصل ذلك للآخر. 18 ((باب الإثمد: والكحل من الرمد)) أي: هذا باب في بيان الإثمد، بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة وكسر الميم وبالدال المهلمة، وحكي ضم الهمزة وهو حجر يكتحل به. وفي (المحكم): هو حجر يتخذ منه الكحل، وقيل: هو نفس الكحل وقد عطف البخاري الكحل على الإثمد فدل على أن الكحل غير الإثمد، والإثمد هو حجر معروف يكتحل به بعد صحنه كما ينبغي، والكحل أعم من الإثمد ومن غيره، فعلى هذا يكون من باب عطف العام على الخاص. قوله: (من الرمد) أي: من علة الرمد وكلمة من تعليلية والرمد بفتحتين: ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين وهو بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الأخلاط أو أبخرة
245 تصعد من المعدة إلى الدماغ، فإن اندفع إلى الخياشيم أحدث الزكام أو إلى العين أحدث الرمد أو إلى اللهات والمنخزين أحدث الخنان، بالخاء المعجمة والنون أو إلى الصدر أحدث النزلة أو إلى القلب أحدث الشوصة وإن لم ينحدر وطلب نفاذا ولم يجد أحدث الصداع. فيه أم عطية. أي: في هذا الباب حديث أم عطية، واسمها نسيبة بنت كعب، وأشار بهذا إلى حديثها الذي أخرجه في كتاب الطلاق في: باب القسط للحادة، أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حفصة عن أم عطية، قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل الحديث وأخرج أيضا بعضه من حديثها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج ولا تكتحل الحديث. فإن قلت: ليس في حديث أم عطية بطرقه ذكر للإثمد! قلت: كأن البخاري اعتمد على أن الإثمد يدخل في غالب الأكحال لا سيما أكحال العرب، وأما ذكره والتنصيص عليه فكأنه لم يصح على شرطه، وقد ذكر ابن حبان في (صحيحه) من حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن خير أكحالكم الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر، وعند الترمذي محسنا: اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه، وفي رواية: وثنتين في اليسرى، وفي (العلل الكبير): سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: هو حديث محفوظ. 5706 حدثنا مسدد حدثنا يحياى عن شعبة قال: حدثني حميد بن نافع عن زينب عن أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة توفي زوجها فاشتكت عينها، فذكروها للنبي صلى الله عليه وسلم وذكروا له الكحل وأنه يخاف على عينها، فقال: لقد كانت إحداكن تمكث في بيتها في شر أحلاسها، أو: في أحلاسها في شر بيتها فإذا مر كلب رمت بعرة فلا أربعة أشهر وعشرا. (انظر الحديث: 5336 وطرفه). مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وذكروا له الكحل) وليس فيه ذكر للإثمد، كما ذكرنا الآن. و يحيى هو القطان، وزينب هي بنت أم سلمة وأبوها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعت أمها أم سلمة. والحديث قد مضى في الطلاق في: باب الكحل للحادة فإنه أخرجه هناك عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن حميد عن نافع عن زينب ابنة أم سلمة عن أمها: أن امرأة... الحديث. قوله: (فاشتكت عينها) بالرفع والنصب. وقوله: (في شر أحلاسها) جمع حلس بالكسر وهو كساء للبعير يكون تحت البردعة، والمراد هنا من شر أحلاسها ما يبسط تحت الثياب، قاله الجوهري وقال الداودي: هي الثياب التي تلبس، وكان في الجاهلية اعتداد المرأة هو أن تمكث في بيتها في شر ثيابها سنة، فإذا مر كلب بعد ذلك رمت ببعرة إليه يعني: أن مكثها هذه السنة أهون عندها من هذه البعرة ورميها. قوله: (فلا) تكتحل حتى تمضي أربعة أشهر وعشرا، وتكون: لا هذه لنفي الجنس نحو: لا غلام رجل، والاستفهام الإنكاري مقدر، فافهم. 19 ((باب الجذام)) أي: هذا باب في ذكر الجذام، وأنه مما يفر من الذي به الجذام، وهو بضم الجيم وتخفيف الذال المعجمة: علة يحمر بها اللحم ثم ينقطع ويتناثر، وقيل: هو علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله بحيث يفسد مزاج الأعضاء وهيآتها، وقال ابن سيدة: سمي بذلك لتجذم الأصابع وتقطعها. 5707 وقال عفان: حدثنا سليم بن حيان حدثنا سعيد بن ميناء قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد..
246 مطابقته للترجمة في قوله: (فر من المجذوم) وعفان هو ابن مسلم الصفار وهو من شيوخ البخاري، ولكن أكثر ما يخرج عنه بواسطة، وهذا تعليق صحيح وقد جزم أبو نعيم أنه أخرجه عنه بلا رواية، وعلى طريقة ابن الصلاح يكون موصولا، ووصله أبو نعيم من طريق أبي داود الطيالسي، وأبو قتيبة مسلم بن قتيبة كلاهما عن سليم بن حيان شيخ عفان فيه، وسليم بفتح السين المهلمة وكسر اللام ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وسعيد بن ميناء بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون بالمد والقصر. والحديث رواه ابن حبان بزيادة: ولا نوء، وروى أبو نعيم من حديث الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا المجذوم كما يتقي الأسد، وروى أيضا من حديث ابن أبي أوفى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين). فإن قلت: روى أبو داود عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فأدخله معه في القصعة، ثم قال: (كل بسم الله، وثقة بالله، وتوكلا عليه). وأخرجه الترمذي وقال: غريب، فكيف وجه الجمع بين هذا وبين حديث الباب؟ قلت: أجيب بأجوبة: منها: أن هذا الحديث لا يقاوم حديث الباب، والمعارضة لا تكون إلا مع التساوي. الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل معه، وإنما أذن له بالأكل، ذكره الكلاباذي. والثالث: على تقدير أكله معه أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكن الله تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب. ففي الحديث الأول نفي ما كان يعتقده الجاهلي من أن ذلك يعدي بطبعه، ولهذا قال: فمن أعدى الأول؟ وفي قوله: (فر من المجذوم) أعلم أن الله تعالى جعل ذلك سببا، فحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله عز وجل. الرابع: ما قاله عياض: اختلفت الآثار في المجذوم، فجاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع مجذوم، وقال: ثقة بالله وتوكلا عليه، قال: فذهب عمر رضي الله عنه وجماعة من السلف إلى الأكل معه، ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ، وممن قال بذلك عيسى بن دينار من المالكية. (الخامس) ما قاله الطبري: اختلف السلف في صحة هذا الحديث، فأنكر بعضهم أن يكون صلى الله عليه وسلم أمر بالبعد من ذي عاهة جذاما كان أو غيره، قالوا: قد أكل مع مجذوم وأقعده معه، وفعله أصحابه المهديون، وكان ابن عمر وسلمان يصنعان الطعام للمجذومين ويأكلان معهم، وعن عائشة: أن امرأة سألتها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فر من المجذوم فرارك من الأسد؟ فقالت عائشة: كلا والله، ولكنه قال: لا عدوى، وقال: فمن أعدى الأول؟ وكان مولى لنا أصابه ذلك الداء فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي). قالوا: وقد أبطل صلى الله عليه وسلم العدوي (السادس) ما قاله بعضهم: إن الخبر صحيح، وأمره بالفرار منه لنهيه عن النظر إليه. قوله: (لا عدوى) هو اسم من الإعداء كالرعوى والبقوي من الإرعاء والإبقاء، يقال: أعداه الداء يعديه إعداء وهو أن يصيبه مثل ما يصاحب الداء، وكانوا يظنون أن المرض بنفسه يعدي فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر ليس كذلك، وإنما الله عز وجل هو الذي يمرض وينزل الداء، ولهذا قال: فمن أعدى الأول؟ أي: من أين صار فيه الجرب. قوله: (ولا طيرة) بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن هي التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطير يقال: تطير طيرة وتحير حيرة، ولم يجيء من المصادر هكذا غيرهما، وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر. قوله: (ولا هامة) الهامة الرأس واسم طائر وهو المراد في الحديث، وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها وهي من طير الليل، وقيل: هي البومة، وقيل: كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره يصير هامة فيقول: اسقوني اسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت، وقيل: كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل: روحه تصير هامة فتطير ويسمونه: الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه، وذكره الهروي في الهاء والواو، وذكره الجوهري في الهاء والياء. قوله: (ولا صفر) كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال لها: الصفر، تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه، وإنها تعدي فأبطل الإسلام ذلك، وقيل: أراد به النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وهو تأخير المحرم إلى صفر ويجعلون صفر هو الشهر الحرام، فأبطله الإسلام. قوله: (فر) من فر يفر من باب ضرب يضرب، ويجوز فيه فتح الراء وكسرها، ويجوز الفك أيضا على ما عرف في علم الصرف. قوله: (كما تفر) كلمة ما مصدرية أي: كفرارك من الأسد. 20 ((باب المن شفاء للعين))
247 أي: هذا باب يذكر فيه: المن شفاء للعين، وكذا وقع في رواية االأكثرين باللام، ووقع في رواية الأصيلي: شفاء من العين، ووجهه أن المضاف فيه محذوف تقديره: المن شفاء من داء العين مثل: * (واسأل القرية) * (يوسف: 82) أي: أهل القرية، وليس المراد من قولهم: المن المصدر الذي هو الامتنان، بل المراد به هو العسل الحلو الذي ينزل من السماء على شجر فيؤخذ منه، وهو الذي كان ينزل من السماء على بني إسرائيل، ووجه كونه شفاء للعين أنه يربي به الكحل والتوتيا ونحوهما مما يكتحل به فينتفع بذلك، وليس بأن يكتحل به وحده لأنه يؤذي العين ويقذيها. 5708 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عبد الملك قال: سمعت عمرو بن حريث قال: سمعت سعيد بن زيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين. (انظر الحديث: 4478 وطرفه). مطابقته للترجمة من حيث إن الكمأة لما كانت من المن وأن ماءها شفاء للعين كان المن أيضا شفاء للعين لأنه الذي ثبت للفرع فثبوته للأصل بالطريق الأولى. وأما معنى كون الكمأة من المن فهو أن المن ينزل من السماء عفوا بلا علاج، وكذلك الكمأة لا مؤنة فيها ببذر ولا سقي، ويقال: المراد بالعين التي هي النظرة للشيء يتعجب منه، والدليل عليه رواية من روى: شفاء من العين. وغندر، بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال وضمها هو لقب محمد بن جعفر، وعبد الملك هو ابن عمير وقد صرح به أحمد في روايته عن غندر، وعمرو بن حريث المخزومي الصحابي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. وفيه: رواية الصحابي عن الصحابي. وقد مر الحديث في تفسير سورة البقرة، ومر الكلام فيه من أن الكمأة جمع واحدها (كمء) على غير قياس، وهو من النوادر. قال شعبة وأخبرني الحكم بن عتيبة عن الحسن العرني عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال شعبة: لما حدثني به الحكم لم أنكره من حديث عبد الملك. قوله: (قال شعبة) موصول بالإسناد المذكور، ووقع في رواية أبي ذر: وقال شعبة، بواو العطف وصورته صورة التعليق. والحكم بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الباب، والحسن العرني بضم العين المهملة وفتح الراء وبالنون هو ابن عبد الله البجلي الكوفي وثقه أبو زرعة والعجلي وابن سعد، وقال يحيى بن معين: صدوق وماله في البخاري إلا هذا الموضع. قوله: (لم أنكره من حديث عبد الملك) أشار به إلى أن عبد الملك لما كبر وتغير حفظه توقف شعبة في حديثه، فلما تابعه الحكم في روايته ثبت عند شعبة فلم ينكره، وانتفى عنه التوقف. وقال الكرماني: لم أنكره، أي: ما أنكرت على الحكم من جهة ما حدثني به عبد الملك، وذلك لأن الحكم روى معنعنا وعبد الملك بلفظ: سمعت أو لأن الحكم مدلس، فلما تقوى برواية عبد الملك لم يبق محل للإنكار، أو معناه: لم يكن الحديث منكورا أي: مجهولا لي من جهة أني كنت حفظته من عبد الملك، فعلى الأول الضمير للحكم، وهو بمعنى الإنكار، وعلى الثاني للحديث، وهو من النكرة ضد المعرفة، ويحتمل العكس بأن يراد: لم أنكر شيئا من حديث عبد الملك. 21 ((باب اللدود)) أي: هذا باب في بيان اللدود، بفتح اللام وبدالين مهملتين الأولى مضومة وهو الذي يصب من أحد جانبي فم المريض، يقال: لددت المريض لدا ألقيت الدواء في شق فيه، وهو التحنيك بالإصبع كما قال سفيان. 5709 5710 5711 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا يحياى بن سعيد حدثنا سفيان قال: حدثني موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وعائشة أن أبا بكر رضي الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت. 5709 (انظر الحديث: 4456)، 5710 5712 قال: وقالت عائشة: لددناه في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني. فقلنا: كراهية المريض
248 للدواء فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني؟ قلنا: كراهية المريض للدواء. فقال: لا يبقاى في البيت أحد إلا لد وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم. مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وموسى بن أبي عائشة الكوفي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. والحديث قد مضى في: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، عن علي عن يحيى، ومر الكلام فيه. قوله: (لا تلدوني) بضم اللام وكسرها. قوله: (كراهية المريض) بالنصب وبالرفع. قوله: (وأنا أنظر) جملة حالية أي: لا يبقى أحد في البيت إلا يلد في حضوري، وحال نظري إليهم مكافأة لفعلهم، أو عقوبة لهم حيث خالفوا إشارته في اللد بنحو ما فعلوه به. قوله: (لم يشهدكم) أي: لم يحضركم حالة الأمر. 5713 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن أم قيس، قالت: دخلت بابن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعلقت عليه من العذرة، فقال: على ما تدغرن أولادكن بهاذا العلاق؟ عليكن بهاذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب يسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب، فسمعت الزهري يقول: بين لنا اثنين ولم يبين لنا خمسة. قلت لسفيان: فإن معمرا يقول: أعلقت عليه. قال: لم يحفظ، إنما قال: أعلقت عنه حفظته من في الزهري، ووصف سفيان الغلام يحنك بالإصبع. وأدخل سفيان في حنكه إنما يعني رفع حنكه بإصبعه ولم يقل: اعلقوا عنه شيئا. مطابقته للترجمة في قوله: (ويلد من ذات الجنب) وحديث أم قيس قد مر عن قريب في: باب السعوط بالقسط الهندي، ولكن هنا أتم منه. قوله: (أعلقت عليه) من الإعلاق بالعين المهملة وهو معالجة عذرة الصبي ورفعها بالإصبع، والعذرة بضم العين المهلمة وسكون الذال المعجمة وبالراء وجع الحلق، وذلك الموضع أيضا يسمى عذرة، يقال: أعلقت عنه أمه إذا فعلت ذلك به وغمزت ذلك المكان بإصبعها. قوله: (تدغرن) بفتح الغين المعجمة من الدغر بالدال المهملة والغين المعجمة والراء، وهو رفع لهاة المعذور، وأصل الدغر الرفع. قوله: (العلاق) بكسر العين وفتحها، ويروى: بهذا الإعلاق، مصدر ومعناه: إزالة العلوق وهي الداهية والآفة. قوله: (ويسعط من العذرة) يقال: سعطته وأسعطته فاستعط، والاسم: السعوط، بالفتح وهو ما يجعل من الدواء في الأنف: ويسعط، على بناء المجهول، وكذلك قوله: (ويلد) قوله: (من ذات الجنب) قد مر تفسيره. قوله: (فسمعت الزهري) القائل سفيان. قوله: (بين لنا) أي: بين رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين وهما اللدود والسعوط، ولم يبين الخمسة الباقية من السبعة، وقال التيمي: قال ابن المديني: قال سفيان: بين لنا الزهري اثنين. قوله: (قلت لسفيان) القائل هو علي بن المديني. قوله: (معمرا) بفتح الميمين ابن راشد يقول: أعلقت عليه. قوله: (قال: لم يحفظ) أعلقت عليه أي: قال سفيان: لم يحفظ أعلقت عليه بل أعلقت عنه حفظته من في الزهري، أي: من فمه، وقال الخطابي: صوابه ما حفظه سفيان، وقد يجيء: على، بمعنى: عن. قال تعالى: * (إذا اكتالوا على الناس) * (المطففين: 2). أي: عنهم، وقال ابن بطال: الصحيح أعلقت عنه، وقال النووي: أعلقت عنه وعليه لغتان. قوله: (ووصف سفيان) غرضه من هذا الكلام التنبيه على أن الأعلاق هو رفع الحنك لا تعليق شيء منه على ما هو المتبادر إلى الذهن، ونعم التنبيه. 22 ((باب)) أي: هذا باب كذا وقع: باب، مجردا عن الترجمة، ولم يذكر ابن بطال لفظ: باب، وأدخل الحديث في الباب الذي قبله. 5714 حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر ويونس قال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي، فأذن له
249 فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس وآخر، فأخبرت ابن عباس فقال: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا. قال: هو علي. قالت عائشة: فقال النبي صلى الله عليه وسلم، بعدما دخل بيتها واشتد به وجعه: هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلي أعهد إلى الناس، قالت: فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتن. قالت: وخرج إلى الناس فصلى لهم وخطبهم. قيل: لا وجه لذكر هذا الحديث هنا لأنه ليس فيه ذكر اللدود، ولا للباب المجرد ترجمة حتى يطلب بينهما المطابقة. وأجيب بجواب فيه تعسف، وهو أنه: يحتمل أن يكون بينه وبين الحديث السابق نوع تضاد، لأن في الأول. فعلوا ما لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فحصل عليهم الإنكار واللوم بذلك، وفي هذا فعلوا ما أمر به وهو ضد ذاك في المعنى، والأشياء تتبين بضدها. وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد السختياني المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي. والحديث مضى في مواضع بطوله أولها في كتاب الطهارة في: باب الغسل والوضوء في المخضب، فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري الخ... ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (أن يمرض) على صيغة المجهول من التمريض وهو القيام على المريض وتعاهده. قوله. (فأذن) بنون الجمع المشددة. قوله: (هريقوا) ويروى: (أريقوا وأهريقوا)، أي: صبوا. قوله: (أوكيتهن) جع الوكاء وهو ما يشد به رأس القربة، وإنما اشترط هذا لأن الأيدي لم تخالطه، وأول الماء أطهره وأصفاه. قوله: (لعلي أعهد) أي: أوصي. قوله: (في مخضب) بكسر الميم وسكون المعجمة الأولى وهي الإجانة التي تغسل فيها الثياب. قوله: (طفقنا) أي: شرعنا نصب الماء عليه. قوله: (أن قد فعلتن) ويروى: أن قد فعلتم، وكلاهما صحيح باعتبار الأنفس والأشخاص، أو باعتبار التغليب، وهذا كثير. 23 ((باب العذرة)) أي: هذا باب في بيان العذرة، بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء، وهو وجع الحلق وهو الذي يسمى: سقوط اللهاة، بفتح اللام وهي اللحمة التي تكون في أقصى الحلق. 5715 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن أم قيس بنت محصن الأسدية أسد خزيمة وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم وهي أخت عكاشة أخبرته أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بابن لها قد أعلقت عليه من العذرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على ما تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب. يريد الكست وهو العود الهندي. وقال يونس وإسحاق بن راشد عن نالزهري: علقت عليه. مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث قد مر عن قريب في: باب اللدود عن علي بن عبد الله عن سفيان عن الزهري وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن حمزة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. قوله: (وكانت من المهاجرات) يحتمل أن يكون من كلام الزهري فيكون مدرجا، ويحتمل أن يكون من كلام شيخه فيكون موصولا. قوله: (أسد خزيمة) إنما قال ذلك لئلا يتوهم أنه من أسد بن عبد العزى، أو من أسد بن ربيعة، أو من أسد بن سويد بضم السين. قوله: (قد أعلقت عليه) أي: قد عالجته برفع الحنك بإصبعها، قوله: (تدغرن) بالمهملة والمعجمة والراء خطاب للنسوة، قوله: (بهذا العلاق) بالحركات الثلاث ومر عن قريب. قوله: (عليكم)، وفي رواية الكشميهني: (عليكن). قوله: (وقال يونس) تعليق هو ابن يزيد الأيلي، وإسحاق بن راشد الجزري بالجيم والزاي
250 والراء أراد أنهما رويا عن الزهري بلفظ: أعلقت عليه وحديث يونس أخرجه مسلم أبو داود وابن ماجة، وحديث إسحاق يأتي عن قريب في: باب ذات الجنب. 24 ((باب دواء المبطون)) أي: هذا باب في بيان دواء المبطون، وهو الذي يشتكي بطنه لإسهال مفرط، وأسباب ذلك كثيرة. 5716 حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال: إسقه عسلا فسقاه، فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال: صدق الله وكذب بطن أخيك. مطابقته للترجمة ظاهرة. وصالح هو ابن كيسان. والحديث أخرجه مسلم في الطب أيضا عن محمد بن حاتم وغيره. قوله: (لا عدوى ولا صفر ولا هامة) مر تفسيرها عن قريب في باب الجذام. قوله: (فمن أعدى الأول) أي: البعير الذي جرب أولا، ولو كان الجرب بالعدوى بالطبع لم يجرب بالأول لعدم المعدي، فإذا جاز في الأول جاز في غيره لا سيما والدليل قائم على أن لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى. قوله: (ورواه الزهري) أي: روى الحديث المذكور محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسنان بن أبي سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى في اللفظين الدؤلي المدني، واسم أبي سنان يزيد بن أمية، يعني: كلاهما رويا عن أبي هريرة، وتأتي راية كل منهما مفصلة في: باب لا عدوى. 26 ((باب ذات الجنب)) أي: هذا باب في بيان ذات الجنب، وهو ورم حار يعرض الغشاء المستبطن للأضلاع وقد يطلق على ما يعرض في نواحي الجنب من رياح غليظة تحبس بين الصفافات والعضل التي في الصدر والأضلاع فتحدث وجعا، والأول هو ذات الجنب الحقيقي الذي تكلم عليه الأطباء، والمراد بذات الجنب في حديثي الباب الثاني، لأن القسط، وهو العود الهندي، هو الذي يداوي به الريح الغليظة. 5718 حدثني محمد أخبرنا عتاب بن بشير عن إسحاق عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن أم قيس بنت محصن وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أخت عكاشة بن محصن أخبرته أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
251 بابن لها قد علقت عليه من العذرة، فقال: اتقوا الله! على ما تدغرون أولادكم بهاذه الأعلاق؟ عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب، يريد الكست، يعني: القسط، قال: وهي لغة. مطابقته للترجمة في قوله: (منها ذات الجنب) ومحمد هو ابن سلام، قاله الكرماني، وقال بعضهم: هو الهذلي يعني: محمد بن يحيى الهذلي النيسابوري. قلت: الذي قاله الكرماني هو الصواب لأن صاحب (رجال الصحيحين) قال في ترجمة عتاب بن بشير: روى عنه محمد غير منسوب، قال أبو أحمد الحافظ النيسابوري: هو ابن سلام، روى عنه البخاري في الطب والاعتصام، وعتاب بفتح العين المهملة وتشديد التاء المثناة من فوق وبعد الألف موحدة ابن بكير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة الحراني بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبالنون، مات سنة تسعين ومائة، وإسحاق هو ابن راشد الجزري. والحديث مضى عن قريب في: باب اللدود. قوله: (على ما تدغرون) بخطاب جمع المذكر، ويروى: علام تدغرن، بخطاب جمع المؤنث وبإسقاط الألف من كلمة: ما، وقد ذكرنا أنه من الدغر بالدال المهملة والغين المعجمة والراء وهو غمز الحلق بالإصبع، وذلك أن الصبي تأخذه العذرة، وهي وجع يهيج في الحلق من الدم، فتدخل المرأة إصبعها فتدفع بها ذلك الموضع وتكبسه. قوله: (بهذه الأعلاق) بفتح الهمزة جمع العلق، قال الكرماني: نحو الوطب والأوطاب وهي الدواهي والآفات، وقال ابن الأثير: ويروى: بهذه العلاق، وفي أخرى: بهذه العلق، والمعروف: الأعلاق، بكسر الهمزة مصدر أعلقت، والعلق بضم العين وفتح اللام جمع علوق وهي الداهية، وأعلقت عنه أزلت عنه العلوق أي: ما عذبته به من دغرها. قوله: (يريد الكست) بضم الكاف وسكون السين المهملة وبالتاء المثناة من فوق، يعني: يريد من القسط الكست. قوله: (قال: وهي لغة) أي: قال الزهري: الكست لغة في القسط. 5719 حدثنا عارم حدثنا حماد قال: قرىء على أيوب من كتب أبي قلابة منه ما حدث به ومنه ما قرىء عليه وكان هاذا في الكتاب عن أنس: أن أبا طلحة وأنس بن النضر كوياه وكواه أبو طلحة بيده. 5720 وقال عباد بن منصور: عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك، قال: أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأهل بيت من الأنصار أن يرقوا من الحمة والأذن. 5721 ق ال أنس: كويت من ذات الجنب ورسول الله صلى الله عليه وسلم، حي، وشهدني أبو طلحة وأنس بن النضر وزيد بن ثابت، وأبو طلحة كواني. (الحديث 5719 طرفة في: 5721) (انظر الحديث 5719). مطابقته للترجمة في قوله: (من ذات الجنب). وعارم بالعين المهملة والراء لقب محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي، وحماد هو ابن زيد، وأيوب هو السختياني، وأبو قلابة بكسر القاف وتخفيف اللام وبالباء الموحدة عبد الله بن زيد الجرمي. قوله: (قرىء على أيوب) قيل: كيف جاز الرواية بما قرىء في الكتاب؟ وأجيب: بأن الكتاب كان مسموعا لأيوب، ومع هذا مرتبته دون مرتبة الرواية عن الحفظ، نعم، لو لم يكن مسموعا لجاز الرواية عن الكتاب الموثوق به عند المحققين، ويسم هذا بالوجادة، وفي المسألة مباحث واختلافات. قوله: (وكان هذا في الكتاب) أي: في كتاب أبي قلابة، ووقع في رواية الكشمهني: قرأ الكتاب بدل قوله: في الكتاب، قيل: هو تصحيف. قوله: (عن أنس) هو ابن مالك. قوله: (أن أبا طلحة) هو زيد بن سهل زوج والدة أنس أم سليم. قوله: (وأنس بن النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة عم أنس بن مالك بن النضر. قوله: (كوياه)، أي: كويا أنس بن مالك، أسند الكي إليهما ثم أسنده إلى أبي طلحة لأنه باشره بيده وأما إسناده إلى أبي طلحة وأنس بن النضر فلرضاهما به. قوله: (وقال عباد بن منصور)... إلى آخره، تعليق نذكره الآن، وعباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن منصور الناجي بالنون وبالجيم وكنيته أبو سلمة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق، وهو من كبار أتباع التابعين، وفيه مقال من وجوه. الأول: أنه رمي بالقدر لكنه لم يكن داعية. الثاني: أنه كان مدلسا. الثالث: أنه كان قد
252 تغير حفظه. وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه ووصل أبو يعلى هذا التعليق عن إبراهيم بن سعد الجوهري عن ريحان بن سعيد عن عباد بطوله، وفائدة هذا التعليق شيئان: أحدهما: من جهة الإسناد وهو أنه بين أن حماد بن زيد بين في روايته صورة أخذ أيوب هذا الحديث عن أبي قلابة وأنه كان قرأه عليه من كتابه، وأطلق عباد بن منصور وروايته بالعنعنة. والآخر: من جهة المتن، وهي الزيادة التي فيه، وهي أن الكي المذكور كان بسبب ذات الجنب، وأن ذلك كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأن زيد بن ثابت كان فيمن حضر ذلك، وفي رواية عباد بن منصور زيادة أخرى في أوله، أفردها بعضهم وهي حديث أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت من الأنصار أن يرقوا من الحمة والأذن، وقال ابن بطال: أي، وجع الأذن أي: رخص في رقية الأذن إذا كان بها وجع. فإن قلت: قد مر أن لا رقية إلا من عين أو حمة، فكيف الجمع بينهما؟ قلت: يجوز أن يكون رخص فيه بعد أن منع منه أو يكون المعنى: لا رقية أنفع من رقية العين والحمة، ولم يرد نفي الرقى عن غيرهما، وقال الكرماني: قال ابن بطال: الأدر جمع الأدر، أقول: يعني نحو الحمر والأحمر من الأدرة وهي نفخة الخصيتين وهو غريب شاذ، وقال بعضهم: وحكى الكرماني عن ابن بطال أن ضبط الأدر بضم الهمزة وسكون المهملة بعدها راء، وأنه جمع أدرة وهي نفخة الخصية. قلت: الذي قاله الكرماني ذكرته، فانظر: هل قال: إن الأدر جمع أدرة ولم يقل إلا جمع آدر ولهذا مثل بقوله: نحو الحمر والأحمر. وقوله: ولم أر ذلك في كتاب ابن بطال، لا يستلزم نفي رؤية غيره، ومن البعد أن يرى الكرماني هذا في موضع ثم ينسبه إلى ابن بطال. قوله: (لأهل بيت من الأنصار) هم آل عمرو بن حزم، ووقع ذلك عند مسلم في حديث جابر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (أن يرقوا)، أصله بأن يرقوا فإن مصدرية أي: بالرقية، وأصل يرقوا يرقووا استثقلت الضمة على الواو فحذفت فصار يرقوا. قوله: (من الحمة)، قد مر ضبطه وتفسيره عن قريب وكذلك مر الآن تفسير الأذن. قوله: (كويت) على صيغة المجهول. قوله: (من ذات الجنب)، أي: بسبب ذات الجنب، وكلمة: من، تعليلية وقد مر تفسيره الآن، وروى الحاكم على شرط مسلم: ذات الجنب من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي. فإن قلت: روي عن عائشة أنها قالت: مات صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب. قلت: قالوا: إن هذا خبر واه. 27 ((باب حرق الحصير ليسد به الدم)) أي: هذا باب في بيان حرق الحصير ليؤخذ رماده ويسد به الدم، أي: يقطع به الدم النازل من الجرح، وهو بالسين المهملة وقال بعضهم: أي مجاري الدم. قلت: المقصود سد الدم لا سد مجاريه، فربما سد مجاريه يضر لانحباس الدم المنفصل من البدن فيها فيتضرر المجروح من ذلك، فمن طبع الرماد أنه يقطع الدم وينشف مجراه، وقال بعضهم أيضا: القياس إحراق الحصير لأنه من أحرق، وقال ابن التين، أو يقال: تحريق الحصير. قلت: يقال: حرقت الشيء، وأما أحرقت وحرقت بالتشديد فلا يقال إلا إذا أريد به المبالغة، وأطلق الحصير ليشمل أنواع الحصير كلها. قال أهل الطب: الحصير كلها إذا أحرقت تبطل زيادة الدم، والرماد كله كذلك. 6722 حدثني سعيد بن عفير حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان القاري عن أبي حارم عن سهل بن سعد الساعدي قال: لما كسرت على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضة وأدمي وجهه وكسرت رباعيته، وكان علي يختلف بالماء في المجن، وجاءت فاطمة تغسل عن وجهه الدم، فلما رأت فاطمة، عليها السلام، الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقأ الدم. مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعيد بن عفير مصغر عفر بالعين المهملة والفاء والراء وهو سعيد بن كثير بن عفير المصري، وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار. والحديث قد مضى في غزوة أحد في: باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد ومضى الكلام فيه. قوله: (البيضة) ما يتخذ من الحديد كالقلنسوة: قوله: (رباعيته)، بفتح الراء
253 وتخفيف الباء الموحدة والياء آخر الحروف مثل الثمانية الأضراس، وأولها من مقدم الفم الثنايا ثم الرباعيات ثم الأنياب ثم الضواحك ثم الأرحاء وكلها رباع اثنان من فوق واثنان من أسفل. قوله: (يختلف) أي: يجيء ويذهب. قوله: (في المجن)، بكسر الميم وهو الترس. قوله: (فأحرقتها) أي: الحصير، وإنما ذكرها بالتأنيث باعتار القطعة منه. قوله: (فرقأ) مهموز أي: سكن. وقال المهلب فيه: إن قطع الدم بالرماد من المعلوم القديم المعمول به لا سيما إذا كان الحصير من ديس السعد فهي معلومة بالقبض وطيب الرائحة، فالقبض يسد أفواه الجرح وطيب الرائحة يذهب بزهم الدم، وأما غسل الدم أولا فينبغي أن يكون إذا كان الجرح غير غائر، أما إذا كان غائرا فلا يؤمن ضرر الماء إذا صب فيه. قلت: بعد الإحراق هل يبقى طيب الرائحة؟ 28 ((باب الحمى من فيح جهنم)) أي: هذا باب في بيان أن الحمى من فيح جهنم، بفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبحاء مهملة، وسيأتي في حديث رافع آخر الباب من فوح بالواو، وتقدم في صفة النار بلفظ فور بالراء بدل الحاء والكل بمعنى واحد. وقال الجوهري: الفيح والفوح لغتان، يقال: فاحت رائحة المسك تفيح وتفوح فيحا وفوحا وفووحا، ولا يقال: فاحت ريح خبيثة. ويجوز أن يكون قوله: (من فيح جهنم) حقيقة، ويكون اللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم، وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها لتعتبر العباد بذلك، كما أن أنواع الفرح وللذة من نعيم الجنة أظهرها الله في هذه الدار عبرة ودلالة، ويجوز أن يكون من باب التشبيه على معنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم تنبيها للنفوس على شدة حر النار. وقال الطيبي وهو شيخ شيخي: من، ليست بيانية حتى يكون تشبيها، وهي إما ابتدائية أي: الحمى نشأت وحصلت من فيح جهنم، أو تبعيضية أي: بعض منها، ويدل على هذا ما ورد في (الصحيح): اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف... الحديث، فكما أن حرارة الصيف أثر من فيحها كذلك الحمى. 5723 حدثني يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب قال: حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء. قال نافع: وكان عبد الله يقول: اكشف عنا الرجز. (انظر الحديث 3264). مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي، سكن مصر وروى عن عبد الله بن وهب المصري. والحديث أخرجه مسلم في الطب أيضا عن هارون بن سعيد. وأخرجه النسائي فيه عن الحارث بن مسكين. قوله: (فأطفئوها) بهمزة قطع من الإطفاء ولما كان الحمى من فيح جهنم وهو سطوع حرها ووهجه، والنار تطفأ بالماء كذلك حرارة الحمى تزال بالماء، واعترض عليه بأن الإطفاء والإبراد تحقن الحرارة في الباطن فتزيد الحمى وربما تهلك الجواب أن أصحاب الصناعة الطبية يسلمون أن الحمى الصفراوية صاحبها يسقي الماء البارد ويغسل أطرافه به. قوله: (قال نافع وكان عبد الله) أي: ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهذا موصول بالسند الذي قبله. قوله: (اكشف عنا الرجز) أي: العذاب، ولا شك أن الحمى نوع منه. 5724 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، كانت إذا أتيت بالمرأة قدحمت تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها. قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نبردها بالماء. مطابقته للحديث السابق في قوله: (فاطفئوها بالماء) والمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء. وهشام هو ابن عروة، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، وهي بنت عمه وزوجته، وأسماء بنت أبي بكر جدتيهما لأبويهما معا. والحديث أخرجه مسلم في الطب أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه الترمذي فيه عن هارون بن إسحاق. وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة
254 وغيره. وأخره ابن ماجة فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة. قوله: (إذا أتيت) على صيغة المجهول وكذلك قوله: (حمت) وهي في موضع الحال. قوله: (تدعو لها) في موضع النصب على الحال أيضا. قوله: (أخذت الماء) خبر كان. قوله: (جيبها)، بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة وهو ما يكون مفرجا من الثوب كالطوق والكم. قوله: (أن نبردها بالماء)، بفتح النون وضم الراء المخففة وفي رواية أبي ذر: أن نبردها، بضم النون وفتح الباء وتشديد الراء من التبريد. وقال الكرماني: نبردها من التبريد، والإبراد يعني إما من باء التفعيل نبردها بالتشديد، وإما من باب الإفعال نبردها بضم النون وسكون الباء، وقال الجوهري: لا يقال: أبردته يعني من باب الإفعال إلا في لغة رديئة، واللغة الفصيحة هي التي ضبطناها أولا. وقال الجوهري: برد الشيء بالضم وبردته أنا فهو مبرود وبردته تبريدا. 5725 حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى ا حدثنا هشام أخبرني أبي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء. (انظر الحديث 3263). مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو القطان، وهشام هو ابن عروة يروى عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين. والحديث أخرجه مسلم أيضا من حديث ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة إلى آخره نحوه. قوله: (فأبردوها بالماء) وعن ابن الأنباري: أن معنى: فابردوها بالماء، تصدقوا بالماء أي: عن المريض يشفه الله عز وجل لما روي: أن أفضل الصدقة سقي الماء. 5726 حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحمى من فوح جهنم فأبردوها بالماء. (انظر الحديث 3262). مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الأحوص سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي الكوفي، وسعيد بن مسروق أبو سفيان الثوري، وعباية بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة ابن رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء، وخديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبالجيم. وللحديث مضى في صفة النار عن عمرو بن العباس. قوله: (من فوح جهنم)، هكذا هو رواية السرخسي، وفي رواية غيره: من فيح جهنم، وقد ذكرنا أن الفيح والفوح والفور بمعنى واحد. قوله: (فأبردوها بالماء) قال ابن بطال: قد تختلف أحوال المحمومين، فمنهم من يصلح بصب الماء عليه وهي الحمى التي يكون أصلها من الحر، فالحديث يراد به الخصوص. 29 ((باب من خرج من أرض لا تلايمه)) أي: هذا باب في بيان من خرج من أرض لا تلايمه، أي: لا توافقه، وأصل: لا تلايمه، بالهمزة وسهلت طلبا للتخفيف، وفي بعض النسخ: من خرج من الأرض التي لا تلايمه. 42 - (حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد حدثنا قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن ناسا أو رجالا من عكل وعرينة قدموا على رسول الله وتكلموا بالإسلام وقالوا يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف واستوخموا المدينة فأمر لهم رسول الله بذود وبراع وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتى كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله واستاقوا الذود فبلغ النبي فبعث الطلب في آثارهم وأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم) مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله واستوخموا المدينة فإنهم لما استوخموا طلبوا الخروج لأن المدينة لم تلائمهم فأمرهم النبي
255 بالخروج وسعيد هو ابن أبي عروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وفتح الباء الموحدة والحديث قد مر في المغازي عن عبد الأعلى بن حماد أيضا في باب قصة عكل وعرينة وفي الجهاد عن معلى بن أسد في باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق ومضى الكلام فيه مستوفى وعكل بضم العين المهملة وسكون الكاف وباللام وعرينة بضم العين المهملة وفتح الراء وبالنون قبيلتان قوله أهل ضرع أي أهل مواشي وأهل ريف بكسر الراء أي أهل أرض فيها زرع قوله واستوخموا من قولهم بلدة وخيمة إذا لم توافق ساكنها قوله ' بذود ' بفتح الذال المعجمة وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة قوله ' وأبوالها ' وجه شربها إما أنه كان قبل التحريم وإما أنه كان للمداواة قوله ' الحرة ' بفتح الحاء المهملة وبالراء المشددة أرض ذات حجارة سود قوله فبعث الطلب بفتحتين جمع طالب قوله فسمروا أعينهم أي كحلوا أعينهم بالمسامير المحماة بالنار * - 30 ((باب ما يذكر في الطاعون)) أي: هذا باب في بيان ما يذكر في أمر الطاعون وهو على وزن فاعول من الطعن وضعوه على هذا الوزن ليدل على الموت العام. وقال ابن الأثير: الطاعون المرض العام الذي يفسد له الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان. وقال الجوهري: الطاعون الموت العام. وقال الكرماني: الطاعون بثر مؤلم جدا يخرج غالبا في الآباط مع لهيب واسوداد حواليه وخفقان القلب والقيء. قلت: هذا من كلام النووي، فنقله عنه، يقال: طعن الرجل فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون. وقال ابن العربي: الطاعون الوجع الغالب الذي يطعن الروح كالذبحة، سمي بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله، وقال الباجي: وهو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس، ويكون مرضهم واحدا بخلاف بقية الأوقات فتكون الأمراض مختلفة. وقال الداودي: الطاعون حبة تخرج في الأرفاغ وفي كل طي من الجسد، والصحيح أنه الوباء، وقال عياض: أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد، والوباء عموم الأمراض فسميت طاعونا لشبهها بها في الهلاك، وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا، قال: ويدل على ذلك أن وباء الشام الذي وقع في عمواس إنما كان طاعونا. وما ورد في الحديث: أن الطاعون وخز الجن. قلت: طاعون عمواس كان في سنة ثمان عشرة، وعمواس قرية بين الرملة وبيت المقدس، وطاعون عمواس هو أول طاعون وقع في الإسلام ومات في الشام في هذا الطاعون ثلاثون ألفا. وأما الحديث المذكور فرواه أحمد في (مسنده) من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فناء أمتي بالطعن والطاعون. قالوا: يا رسول الله! هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: وخز إخوانكم من الجن، وفي كل شهادة. ورواه ابن أبي الدنيا في (كتاب الطواعين) وقال فيه: وخز أعدائكم من الجن، ولا تنافي بين اللفظين لأن الأخوة في الدين لا تنافي العداوة لأن عداوة الإنس والجن بالطبع، وإن كانوا مؤمنين فالعداوة موجودة. وقال ابن الأثير: الوخز طعن ليس بنافذ، وقال بعضهم: لم أر لفظ: إخوانكم، بعد التتبع الطويل البالغ في شيء من طرق الحديث. قلت: هذه اللفظة ذكرها هنا ابن الأثير وذكرها أيضا ناقلا من (مسند أحمد) قاضي القضاة بدر الدين محمد بن عبد الله أبي البقاء الشبلي الحنفي، وكفى بهما الاعتماد على صحتها، وعدم اطلاع هذا القائل لا يدل على العدم. وقال ابن عبد البر: الطاعون غدة تخرج في المراق والآباط، وقد تخرج في الأيدي والأصابع وحيث شاء الله تعالى، وقيل: الطاعون انصباب الدم إلى عضو، وقيل: هيجان الدم وانتفاخه، وقال المتولي: وهو قريب من الجذام من أصابه تآكلت أعضاؤه وتساقط لحمه. وقال الغزالي: هو انتفاخ جميع البدن من الدم مع الحمى، أو انصباب الدم إلى بعض الأطراف، فينتفخ ويحمر وقد يذهب ذلك العضو. وقال ابن سينا: الطاعون مادة سمية تحدث ورما قتالا لا يحدث إلا في المواضع الرخوة والمغاير من البدن، وأغلب ما يكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الأرنبة، قال: وسببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويغير ما يليه ويؤدي إلى القلب كيفية ردية فيحدث القيء والغثيان والغشي والخفقان، وهو لرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع، وأردؤه ما يقع في الأعضاء الرئيسة، والأسود منه قل من يسلم منه، وأسلمه الأحمر ثم الأصفر، فإن قلت إن
256 الشارع أخبر بأن الطاعون من وخزالجن فبينه وبين ما ذكر من الأقوال في تفسير الطاعون منافاة ظاهرا أقلت: الحق ما قاله الشارع، والأطباء تكلموا في ذلك على ما افتضته قواعدهم، وطعن الجن أمر لا يدرك بالعقل فلم يذكروه على أنه يحتمل أن تحدث هذه الأشياء فيمن يطعن عند وخز الجن، ومما يؤيد أن الطاعون من وخز الجن وقوعه غالبا في أعدل الفصول وفي أصح البلاد هواء وأطيبها ماء، ولو كان من فساد الهواء لعم الناس الذين يقع فيهم الطاعون ولطعنت الحيوانات أيضا. 5728 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت ابراهيم بن سعد قال: سمعت أسامة بن زيد يحدث سعدا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، فقلت: أنت سمعته يحدث سعدا ولا ينكره؟ قال: نعم. (انظر الحديث: 3473 وطرفه). مطابقته للترجمة من حيث إن فيه مما ذكر في الطاعون، وسعد هو ابن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة. والحديث أخرجه مسلم في الطب أيضا عن وهب بن بقية. قوله (يحدث سعد) أي: والد إبراهيم المذكور ووقع في رواية الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم بن سعد عن أسامة بن زيد، وسعد أخرجه مسلم. قوله: (بأرض) أي: وقع بأرض. قوله: (وأنتم بها) جملة حالية قوله: (فقلت) القائل هو حبيب بن أبي ثابت يخاطب إبراهيم بن سعد. بقوله: (أنت سمعته) يعني أسامة بن زيد يحدث سعدا ولا ينكر ذلك، (قال: نعم). 5729 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمان بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشأم حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم. قال ابن عباس فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشأم فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجت لإمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هاذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هاذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه. قال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله؟ وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمان بن عوف، وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هاذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع
257 بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، قال: فحمد الله عمر ثم انصرف. ( مطابقته للترجمة في قوله: (إذا سمعتم به) إلى آخره. و عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي، كان واليا لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على الكوفة، و عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب لجد أبيه نوفل ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم صحبة وكذا لولده الحارث، وولد عبد الله بن الحارث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فعد لذلك في الصحابة فهم ثلاثة من الصحابة في نسق، وكان عبد الله بن الحارث يلقب ببه، بباءين موحدتين الثانية مشددة، ومعناه: الممتلىء البدن من النعمة، ويكنى أبا محمد، مات سنة أربع وثمانين، وأما ولده راوي هذا الحديث فهو ممن وافق اسمه اسم أبيه، وكان يكنى أبا يحيى، ومات سنة تسع وتسعين وماله في البخاري سوى هذا الحديث. وفي هذا السند: ثلاثة من التابعين في نسق واحد، وصحابيان في نسق، وكلهم مدنيون. والحديث أخرجه مسلم في الطب أيضا عن يحيى بن يحيى عن مالك وغيره. وأخرجه أبو داود في الجنائز عن القعنبي عن مالك مختصرا. وأخرجه النسائي في الطب عن هارون بن عبد الله وعن الحارث بن مسكين مختصرا. قوله: (خرج إلى الشام) كان ذلك في ربيع الآخر سنة ثمان عشرة، وذكر خليفة بن خياط: أن خروج عمر إلى الشام هذه المرة كان سنة سبع عشرة يتفقد فيها أحوال الرعية وأمرائهم، وكان قد خرج قبل ذلك سنة ست عشرة لما حاصر أبو عبيدة بيت المقدس، فقال أهله: يكون الصلح على يدي عمر رضي الله عنه فخرج لذلك. قوله: (بسرغ) بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالغين المعجمة منصرفا وغير منصرف، قرية في طريق الشام مما يلي الحجاز، ويقال: هي مدينة افتتحها أبو عبيدة هي واليرموك والجابية متصلات، وبينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة. وقال أبو عمر: قيل: إنه وادي تبوك، وقيل: بقرب تبوك، وقال الحازمي: هي أول الحجاز وهي من منازل حاج الشام. قوله: (أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه) هم خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد قسم البلاد بينهم وجعل أمر القتال إلى خالد، ثم رده عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة، وقال الكرماني: لأجناد. قيل: المراد بهم أمراء مدن الشام الخمس، وهي: فلسطين والأردن وحمص وقنسرين ودمشق. قوله: (فأخبروه) أي: أخبروا عمر رضي الله عنه أن الوباء قد وقع، وفي رواية يونس: أن الوجع قد وقع بأرض الشام، والوباء بالمد والقصر، وقال الخليل: هو الطاعون، وقال آخرون: هو المرض العام، فكل طاعون وباء دون العكس، وهذا الوباء المذكور هنا كان طاعونا، وهو طاعون عمواس. قوله: (قال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين) وهم الذين صلوا إلى القبلتين، وفي رواية يونس: إجمع لي المهاجرين. قوله: (بقية الناس) أي: بقية الصحابة وإنما قال كذلك تعظيما لهم، أي: كان الناس لم يكونوا إلا الصحابة قال الشاعر. * هم القوم كل القوم يا أم خالد * قوله: (وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) عطف تفسيري قوله: (أن تقدمهم) بضم التاء من الإقدام بمعنى التقديم والمعنى: لا نرى أن تجعلهم قادمين عليه. قوله: (فقال: ارتفعوا عني) أي: فقال عمر: أخرجوا عني، وفي رواية يونس: فأمرهم فخرجوا عنه. قوله: (فسلكوا سبيل المهاجرين) أي: مشوا على طريقتهم فيما قالوا. قوله: (من مشيخة قريش) ضبطه بعضهم بوجهين الأول بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف، والثاني بفتح الميم وكسر الشين وسكون الياء آخر الحروف جمع شيخ. قلت: الذي قاله أهل اللغة هو الوجه الثاني، وقال الجوهري: جمع الشيخ شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشيخة ومشايخ ومشيوخاء، والمرأة شيخة. قوله: (من مهاجرة الفتح) أي: الذين هاجروا إلى المدينة عام الفتح، أو المراد: مسلمة الفتح أو أطلق على من تحول إلى المدينة بعد فتح مكة مهاجرا صورة وإن كانت الهجرة بعد الفتح حكما قد ارتفعت وأطلق ذلك عليهم احترازا عن غيرهم من مشيخة قريش ممن أقام بمكة ولم يهاجر أصلا. قوله: (إني مصبح) بضم الميم وسكون الصاد وكسر الباء الموحدة أي: مسافر في الصباح راكبا على ظهر الراحلة راجعا إلى المدينة، فأصبحوا راكبين متأهبين للرجوع إليها. قوله: (عليه) أي على الظهر وهو الإبل الذي يحمل عليه ويركب. يقال: عند فلان ظهر أي: إبل. قوله: (فرارا من قدر الله؟) أي: أترجع فرارا من قدر الله تعالى؟ وفي رواية هشام بن سعد: فقالت طائفة، منهم أبو عبيدة: أمن الموت نفر؟ إنما نحن نقدر * (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) * (التوبة: 51) فإن قلت: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ قلت: القضاء عبارة عن الأمر الكلي الإجمالي الذي حكم الله به في الأزل، والقدر
258 عبارة عن جزئيات ذلك الكلي ومفصلات ذلك المجمل التي حكم الله بوقوعها واحدا بعد واحد في الإنزال، قالوا: وهو المراد بقوله تعالى: * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) * (الحجر: 21). قوله: (لو غيرك قالها) جزاء: لو، محذوف أي: لو قال غيرك لأدبته، وذلك لاعتراضه على مسألة اجتهادية وافقه عليها أكثر الناس من أهل الحل والعقد، أو لم أتعجب منه، ولكني أتعجب منك مع علمك وفضلك كيف تقول هذا، أو كلمة: لو هنا للتمني. فلا تحتاج إلى جواب، والمعنى: أن غيرك ممن لا فهم له إذا قال ذلك يعذر. قوله: (نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله) وفي رواية هشام بن سعد: إن تقدمنا فبقدر الله وإن تأخرنا فبقدر الله، أطلق عليه فرارا لشبهه في الصورة، وإن كان ليس فرارا شرعا، والمراد أن هجوم المرء على ما يهلكه منهي عنه، ولو فعل لكان من قدر الله وتجنبه ما يؤذيه مشروع، وقد يقدر الله وقوعه فيما فر منه، فلو كان فعله أو تركه لكان من قدر الله، وحاصل الكلام أن شيئا ما لا يخرج عن القدر. قوله: (أرأيت) أي: أخبرني قوله: (له عدوتان) بضم العين المهملة وكسرها يعني طرفان والعدوة هو المكان المرتفع من الوادي وهو شاطئه. قوله: (خصبة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة وبالباء الموحدة، كذا ضبط في كتب اللغة، وفي (المطالع): خصبة بكسر الخاء وسكون الصاد والخصب بالكسر نقيض الجدب، وقال بعضهم: خصيبة على وزن عظيمة، وليس كذلك، والخصبة بفتح الخاء وسكون الصاد واحدة الخصاب، وهو النخل الكثير الحمل. قوله: (جدبة) بسكون الدال وكسرها يعني: الكل بتقدير الله سواء ندخل أو نرجع، فرجوعنا أيضا بقدر الله تعالى، فعمر رضي الله عنه استعمل الحذر وأثبت القدر معا فعمل بالدليلين اللذين كل متمسك به من التسليم للقضاء والاحتراز عن الإلقاء في التهلكة. قوله: (فجاء عبد الرحمن بن عوف) موصول عن ابن عباس بالسند المذكور. قوله: (وكان متغيبا) من باب التفعل معناه: لم يكن حاضرا في المشاورة. قوله: (علما) وفي رواية مسلم: لعلما، بلام التأكيد. قوله: (إذا سمعتم به) أي: بالطاعون. قوله: (فلا تقدموا) بفتح الدال. قوله: (فرارا) أي: لأجل الفرار، وفيه: دليل على جواز الخروج لغرض آخر لا بقصد الفرار منه. قوله: (فحمد الله عمر رضي الله عنه) يعني: على موافقة اجتهاده واجتهاد معظم أصحابه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن بطال: فإن قيل: لا يموت أحد إلا بأجله فلا يتقدم ولا يتأخر، فما وجه النهي عن الدخول والخروج؟ قلنا: لم ينه عن ذلك إلا حذرا من أن يظن أن هلاكه كان من أجل قدومه عليه وأن سلامته كانت من أجل خروجه، فنهى عن الدنو كما نهى عن الدنو من المجذوم مع علمه بأنه لا عدوى، وقيل: إذنه صلى الله عليه وسلم للذين استوخموا المدينة بالخروج حجة لمن أجاز الفرار. وأجيب بأنه: لم يكن ذلك فرارا من الوباء إذ هم كانوا مستوخمين خاصة دون سائر الناس، بل للاحتياج إلى الضرع ولاعتيادهم المعاش في الصحاري. وفي هذا الحديث من الفوائد: خروج الإمام بنفسه لمشاهدة أحوال رعيته، وإزالة ظلم المظلوم وكشف الكرب، وتخويف أهل الفساد وإظهار شعائر الإسلام، وتلقي الأمراء والمشاورة معهم، والاجتماع بالعلماء، وتنزيل الناس منازلهم، واجتهاد في الحروب، وقبول خبر الواحد، وصحة القياس، واجتناب أسباب الهلاك. 5730 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن عامر: أن عمر خرج إلى الشأم، فلما كان بسرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فأخبره عبد الرحمان بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. (انظر الحديث: 5729 وطرفه). هذا طريق آخر لحديث عبد الرحمان بن عوف: وعبد الله بن عامر بن ربيعة الأصغر ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: سنة ست من الهجرة، وحفظ عنه وهو صغير، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع سنين، ومات سنة خمس وثمانين، وأبو عامر ابن ربيعة من كبار الصحابة. والحديث أخرجه مسلم أيضا.
259 5731 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نعيم المجمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون. (انظر الحديث: 1880 وطرفه). مطابقته للترجمة في قوله: (ولا الطاعون) ونعيم بضم النون وفتح العين المهملة ابن عبد الله القرشي المدني مولى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه والمجمر بضم الميم وسكون الجيم وبالراء على صيغة اسم الفاعل من الإجمار من أجمرت الثوب إذا بخرته بالبخور والطيب، والذي يتولى ذلك مجمر ومجمر بالتشديد أيضا نعيم هذا وكان يجمر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فسمي المجمر. والحديث مضى في الحج في: باب لا يدخل الدجال المدينة، أخرجه عن إسماعيل عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، وأخرجه هنا مختصرا، وذكر هناك الدجال وهنا المسيح، والمسيح هو الدجال، وقد مر الكلام فيه هناك. فإن قلت: الطاعون شهادة، وكيف منعت من المدينة وما وجه ذكر المسيح مقارنا بالطاعون؟ قلت: قد تكلموا في الجواب بكلام كثير، والحاصل أن المراد بالطاعون هو وخز الجن وكفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخول المدينة، ومن اتفق دخوله إليها لا يتمكن من طعن أحد منهم. فإن قلت: طعن الجن لا يختص بكفارهم بل قد يقع من مؤمنيهم قلت: دخول كفار الإنس المدينة ممنوع ولا يسكنها إلا المسلمون، وإن كان فيهم من ليس بخالص الإسلام فيحصل الأمن من وصول الجن إلى طعنهم فلذلك لا يحصل فيها الطاعون أصلا، وقد روى أحمد من رواية أبي عسيب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أتاني جبرائيل عليه السلام بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام، والحكمة في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة كان في قلة من أصحابه عددا ومددا، وكانت المدينة وبئة، ثم خير النبي صلى الله عليه وسلم في أمرين يحصل بكل منهما الأجر الجزيل فاختار الحمى حينئذ لقلة الموت بها غالبا، بخلاف الطاعون، ثم لما احتاج إلى جهاد الكفار وأذن له في القتال كانت قضية استمرار الحمى بالمدينة أن تضعف أجساد الذين يحتاجون إلى التقوية لأجل الجهاد، فدعا بنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة، فعادت المدينة أصح بلاد الله بعد أن كانت بخلاف ذلك وأبو عسيب، بفتح العين وكسر السين المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة، وقال أبو عمر: أبو عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم له صحبة ورواية، أسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين أحدهما في الحمى والطاعون، قيل: اسم أبي عسيب: أحمر. 5732 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا عاصم حدثتني حفصة بنت سيرين قالت: قال لي أنس بن مالك رضي الله عنه: يحياى بما مات؟ قلت من الطاعون. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون شهادة لكل مسلم. (انظر الحديث: 2830). مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الواحد هو ابن زياد، وعاصم هو ابن سليمان الأحول. والأسناد كله بصريون، وليس لحفصة بنت سيرين عن أنس في البخاري إلا هذا الحديث، ومضى الحديث في الجهاد عن بشر بن محمد عن عبد الله بن المبارك. وأخرجه مسلم أيضا في الطب. قوله: (يحيى بما مات؟) يحيى هو ابن سيرين أخو حفصة المذكورة، سألها أنس: بما مات يحيى؟ فقالت. مات من الطاعون، ويروى: بم مات؟ بحذف الألف من ربما يعني: من أي شيء؟ وهو الأشهر، ووقع في رواية مسلم: يحيى بن أبي عمرة، وهو ابن سيرين لأنها كنية سيرين، وكانت وفاة يحيى في حدود التسعين من الهجرة. قوله: (شهادة لكل مسلم) يعني: إذا مات مطعونا صار كالشهيد في سبيل الله لمشاركته إياه فيما كابده من الشدة. 5733 حدثنا أبو عاصم عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المبطون شهيد، والمطعون شهيد.
260 مطابقته للترجمة في قوله. (والمطعون شهيد) وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي، وأبو صالح ذكوان السمان. والحديث مضى في الجهاد من رواية عبد الله بن يوسف عن مالك مطولا بلفظ: الشهداء خمسة... الحديث، وقد مضى الكلام فيه هناك. (والمبطون) الذي مات بمرض البطن، (والمطعون) الذي مات بالطاعون. أي: لهما ثواب الشهادة. وقال القاضي البيضاوي: من مات بالطاعون أو بوجع البطن ملحق بمن قتل في سبيل الله لمشاركته إياه في بعض ما يناله من الكرامة بسبب ما كابده من الشدة، لا في جملة الأحكام والفضائل. 31 ((باب أجر الصابر في الطاعون)) أي: هذا باب في بيان أجر الصابر على الطاعون سواء وقع به أو وقع في بلد هو مقيم بها، ووقع في (مسند أحمد) من حديث جابر رفعه: الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف، وفي رواية له: ومن صبر كان له أجر شهيد، ورواه ابن خزيمة باللفظين في (كتاب التوكل). 5734 حدثنا إسحاق أخبرنا حبان حدثنا داود بن أبي الفرات حدثنا عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرتنا أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون؟ فأخبرها نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد. (انظر الحديث: 3474 وطرفه). مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فليس من عبد) إلى آخره. وإسحاق، قال بعضهم: ابن راهويه، وقال الغساني: لعله ابن منصور. قلت: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي، انتقل بآخره إلى نيسابور وهو شيخ مسلم أيضا، وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالنون ابن هلال الباهلي البصري، ومن جملة من روى عنه إسحاق بن منصور، وهو يدل على أن الصواب مع الغساني، وداود بن أبي الفرات بضم الفاء وبالراء المخففة وفي آخره تاء مثناة من فوق، اسام أبي فرات عمرو، وهو من أفراد البخاري، وعبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء مصغر البردة الأسلمي التابعي البصري القاضي بمرو، ويحيى بن يعمر بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح الميم وضمها المروزي قاضيها. والحديث مضى في بني إسرائيل فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن داود بن أبي الفرات إلى آخره، ومضى أيضا في التفسير، ومضى الكلام فيه في بني إسرائيل. قوله: (على من يشاء) وفي رواية الكشميهني: على من شاء، بلفظ الماضي، يعني: على من شاء من كافر أو عاص. قوله: (رحمة للمؤمنين) أي: من هذه الأمة، ويروى: رحمة للمسلمين، وهو رحمة من حيث إنه يتضمن مثل (أجر الشهيد) وإن كان هو محنة صورة. قوله: (فليس من عبد) أي: مسلم يقع الطاعون في أي مكان هو فيه فيمكث في بلده، وفي رواية أحمد في بيته. قوله: (في بلده) مما تنازع الفعلان فيه، أعني: قوله: يقع، وقوله: فيمكث، قوله: (صابرا) حال مفرد أي: غير منزعج ولا قلق بل مسلما الأمر الله راضيا بقضائه. قوله: (يعلم) حال جملة من الفعل والفاعل. قوله: (إلا كان له مثل أجر الشهيد) فإن قلت: ما معنى المثلية هنا مع أنه جاء: من مات بالطاعون كان شهيدا؟ قلت: معنى المثلية أن من أتصف بالصفات المذكورة ووقع به الطاعون ثم لم يمت منه أنه يحصل له مثل أجر الشهيد، وإذا مات بالطاعون يحصل له أجر الشهيد. قوله: (من مات بالطاعون كان شهيدا) يعني: حكما لا حقيقة. تابعه النضر عن داود. أي: تابع حبان بن هلال النضر بن شميل في روايته عن داود. 32 ((باب الرقى بالقرآن والمعوذات)) أي: هذا باب في بيان الرقى، بضم الراء وبالقاف مقصور، جمع رقية بضم الراء وسكون القاف، ويقال: رقى بالفتح يرقي بالكسر
261 من باب رمى يرمي، ورقيت فلانا بكسر القاف أرقيه، واسترقى طلب الرقية والكل بلا همز، ومعنى الرقية: التعويذ، بالذال المعجمة، وقال ابن الأثير: الرقية والرقى والاسترقاء: العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات. قوله: (بالقرآن) أي: بقراءة شيء من القرآن. قوله: (والمعوذات) من عطف الخاص على العام. قال الكرماني: وكان حقه أن يقول: والمعوذتين لأنهما سورتان فجمع إما لإرادة هاتين السورتين وما يشبههما من القرآن، أو باعتبار أن أقل الجمع اثنان، ويقال: المراد بالمعوذات: سورة الفلق والناس وسورة الإخلاص 7 لأنه جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي بسورة الإخلاص والمعوذتين، وهو من باب التغليب. 5735 حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عنه بهن، وأمسح بيد نفسه لبركتها. فسألت الزهري: كيف ينفث؟ قال: كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه. مطابقته للترجمة في قوله: (بالمعوذات) وإبراهيم بن موسى بن يزيد الرازي يعرف بالصغير، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد. والحديث أخرجه في الأدب أيضا عن عبد الله بن محمد. وأخرجه مسلم في الطب عن عبد بن حميد. قوله: (كان ينفث) بضم الفاء وكسرها والنفث شبه النفخ وهو أقل من التفل والتفل لا بد فيه شيء من الريق. قوله: (في المرض الذي مات فيه) أشارت به عائشة رضي الله عنها إلى أن ذلك وقع في آخر حياته: وأن ذلك لم ينسخ. قوله: (كنت أنفث عنه) وفي رواية الكشميهني: عليه. قوله: (وامسح بيد نفسه) هكذا هو في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: وامسح بيده نفسه، ونفسه منصوب على المفعولية، أي: أمسح بجسده بيده. قوله: (لبركتها) أي: للتبرك بتلك الرطوبة أو الهواء والنفس المباشر لتلك الرقية والذكر، وقد يكون على وجه التفاؤل بزوال الألم عن المريض وانفصاله عنه، كما ينفصل ذلك النفث عن الراقي. قوله: (فسألت الزهري) السائل هو معمر وهو موصول بالإسناد المذكور. وفيه: التبرك بالرجل الصالح وسائر أعضائه خصوصا اليد اليمنى. ثم الكلام هنا على أنواع. الأول: قال ابن الأثير: وقد جاء في بعض الأحاديث جواز الرقى، وفي بعضها النهي عنها، فمن الجواز قوله صلى الله عليه وسلم استرقوا لها فإن بها النظرة، أي: اطلبوا لها من يرقيها، ومن النهي قوله: لا يسترقون ولا يكتوون، والأحاديث في القسمين كثيرة، ووجه الجمع بينهما أن الرقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة، وأن يعتقد أن الرقية نافعة لا محالة، فيتكل عليها، وإياها أراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ما توكل من استرقى، ولا يكره منها ما كان بخلاف ذلك، كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله تعالى والرقى المروية. وفي (موطأ مالك) رضي الله عنه: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: إرقيها بكتاب الله، يعني بالتوراة والإنجيل، ولما ذكره ابن حبان ذكره مرفوعا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل... الحديث. الثاني: هل يجوز رقية الكافر للمسلم؟ فروي عن مالك جواز رقية اليهودي والنصراني للمسلم إذا رقى بكتاب الله، وهو قول الشافعي، وروي عن مالك أنه قال: أكره رقي أهل الكتاب ولا أحبه لأنا لا نعلم هل يرقون بكتاب الله أو بالمكروه الذي يضاهي السحر، وروى ابن وهب أن مالكا سئل عن المرأة ترقي بالحديدة والملح، وعن الذي يكتب الكتاب يعلقه عليه، ويعقد في الخيط الذي يربط به الكتاب سبع عقد، والذي يكتب خاتم سليمان في الكتاب، فكرهه كله مالك، وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس. الثالث: فيه إباحة النفث في الرقى والرد على من أنكر ذلك من الإسلاميين، وقد روى الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال: إذا رقيت بآي القرآن فلا تنفث. وقال الأسود: أكره النفث، وكان لا يرى بالنفخ بأسا، وكرهه أيضا عكرمة والحكم وحماد، قال أبو عمر: أظن حجة من كرهه ظاهر قوله عز وجل: * (ومن شر النفاثات في العقد) * (الفلق: 4)، وذلك نفث سحر والسحر محرم، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولى، وفيه الخير والبركة. الرابع: فيه
262 المسح باليد عند الرقية، وفي معناه المسح باليد على ما يرجى بركته وشفاؤه وخيره، مثل المسح على رأس اليتيم وشبهه. 33 ((باب الرقى بفاتحة الكتاب)) أي: هذا باب في بيان الرقية بقراءة فاتحة الكتاب، أراد به جواز ذلك. فإن قلت: روى شعبة عن الركين قال: سمعت القاسم بن حسان يحدث عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره الرقي إلا بالمعوذات. قلت: قال الطبري: هذا حديث لا يجوز الاحتجاج بمثله إذ فيه من لا يعرف، ثم إنه لو صح لكان إما غلطا أو منسوخا بقوله صلى الله عليه وسلم: وما أدراك أنها رقية. ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. يذكر على صيغة المجهول وهو صيغة التمريض، ولا يذكر صيغة التمريض إلا إذا كان الحديث على غير شرطه مع أنه ذكر حديث ابن عباس في الرقية بفاتحة الكتاب وهو الذي أخرجه في الباب الذي يأتي عقيب هذا الباب، وهو: باب الشرط في الرقية أخرجه عن سيدان بن مضارب، على ما يأتي عن قريب، وهذا يعكر عليه. وقال صاحب (التلويح): هذا يرد قول ابن الصلاح وغيره: إن البخاري إذا علق بصيغة التمريض يكون غير صحيح عنده. قلت: ابن الصلاح وغيره من أهل الحديث على أن الذي يورده البخاري بصيغة التمريض لا يكون على شرطه، وحديث ابن عباس على شرطه كما ذكرنا، وإلا يراد عليه باق غير أن أحد مشايخنا ساعد البخاري، وذكر أنه قد يصنع ذلك إذا ذكر الخبر بالمعنى، ولا شك أن الذي ذكره عن ابن عباس ليس فيه التصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بالرقية بفاتحة الكتاب، وفيه نظر لا يخفى. 5736 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذالك إذ لدغ سيد أولائك، فقالوا: هل معكم من دواء أوراق؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا، فجعلوا لهم قطيعا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فضحك، وقال: وما أدراك أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم. (انظر الحديث: 2276). مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فجعل يقرأ بأم الكتاب) وهي الفاتحة، وغندر هو محمد بن جعفر، وفي بعض النسخ صرح باسمه، وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري البصري، ويقال: الواسطي، وأبو المتوكل علي بن داود الناجي بالنون والجيم السامي بالسين المهملة من سامة بن لؤي، وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك والحديث مضى في الإجارة في: باب ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب، ومر الكلام فيه. قوله: (فلم يقروهم) أي: فلم يضيفوهم. قوله: (فبيناهم) ويروى: فبينما هم، بزيادة الميم. قوله: (أو راق) أصله: راقي، فاعل إعلال قاض قوله: (جعلا) بضم الجيم ما جعل للإنسان الغير المعين من الشيء على عمل يعمله (والقطيع) بفتح القاف: الطائفة من الغنم، وقيل: كان ثلاثين. قوله: (بالشاء) جمع شاة. قوله: (فجعل يقرأ) أي: طفق يقرأ أبو سعيد لما ثبت أنه كان الراقي. قوله: (ويتفل) بالياء وضم الفاء وكسرها. قوله: (بسهم) أي: نصيب. 34 ((باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم)) أي: هذا باب في بيان الشرط في قراءة الرقية بقطيع بطائفة من الغنم ليأتون به. 5737 حدثني سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلي حدثنا أبو معشر البصري هو صدوق يوسف بن يزيد البراء، قال: حدثني عبيد الله بن الأخنس أبو مالك عن ابن أبي مليكة عن
263 ابن عباس: أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو: سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلا لديغا أو: سليما، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذالك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا؟ حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله! أخذ على كتاب الله أجرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله. مطابقته للترجمة في قوله: (فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء) وسيدان، بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة وبالنون ابن مضارب اسم فاعل من المضاربة بالضاد المعجمة والراء والباء الموحدة أبو محمد الباهلي بالباء الموحدة وكسر الهاء نسبة إلى باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة قبيلة، مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وهو من أفراد الأسماء غريب، وأبو معشر اسمه يوسف بن يزيد البراء بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء، كان يبري السهم وكان عطارا، أو إنما قال: (هو صدوق) لكونه صدوقا عنده فلذلك خرج له، وكذلك خرج له مسلم، وقال يحيى بن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال المقدمي: ثقة، وعبيد الله بضم العين ابن الأخنس بخاء معجمة ساكنة ونون مفتوحة وسين مهملة، نخعي كوفي يكنى أبا مالك، وثقه الأئمة، وقال ابن حبان: يخطئ كثيرا. وما لهؤلاء الثلاثة في البخاري سوى هذا الحديث، ولكن لعبيد الله بن الأخنس حديث آخر في الحج، ولأبي معشر آخر في الأشربة، وابن أبي مليكة عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه: زهير قاضي ابن الزبير. والحديث من أفراده، وهذا وحديث أبي سعيد المذكور في قصة واحدة، وأنها وقعت لهم مع الذي لدغ. قوله: (مروا بماء) أي: بقوم نازلين على ماء. قوله: (أو: سليم) شك من الراوي، سمي اللديغ سليما على العكس تفاؤلا، كما قيل للمهلكة: مفازة. قوله: (إن في الماء رجلا) ويروى: رجل، بالرفع على لغة بني ربيعة. قوله: (فانطلق رجل منهم) وهو أبو سعيد الخدري. قوله: (على شاء) أي: قرأ مشروطا على شاء أو مقررا أو مصالحا عليه، والشاء جمع شاة أصله شاهة. فحذفت الهاء وجمعها: شياه وشاء وشوي. قوله: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) قال صاحب (التوضيح) فيه: حجة على أبي حنيفة رضي الله عنه في منعه أخذ الأجرة على تعليم القرآن. قلت: من له ذوق من معاني الأحاديث لا يتلفظ بهذا الكلام الذي ليس له معنى، وليس معنى هذا ما فهمه هو حتى يورده على الإمام، وإنما معناه في أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة أو غيرها من القرآن، فالإمام لا يمنع هذا، وإنما الذي يمنعه عن أخذ تعليم القرآن وتعليم القرآن غير الرقية به، ومع هذا أبو حنيفة ما انفرد بهذا، وهو مذهب عبد الله بن شقيق والأسود بن ثعلبة وإبراهيم النخعي وعبد الله بن يزيد وشريح القاضي والحسن بن حيي، وتعيين هذا المعترض الإمام من بين هؤلاء من أريحة التعصب البارد واحتجوا في ذلك بما رواه ابن أبي شيبة: حدثنا عفان بن مسلم حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثني يحيى بن أبي كثير عن زيد هو ابن أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول؛ (تعلموا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به). قوله: (لا تغلوا) من الغلو بالغين المعجمة: وهو التشدد والمجاوزة عن الحد. قوله: (ولا تجفوا) أي: تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته وهو من الجفاء وهو البعد عن الشيء. قوله: (ولا تأكلوا به) أي: بمقابلة القرآن أراد: لا تجعلوا له عوضا من سحت الدنيا. 35 ((باب رقية العين)) أي: هذا باب في بيان رقية العين أي: رقية الذي يصاب بالعين، وليس المراد به الرمد، بل الإضرار بالعين والإصابة بها كما يتعجب الشخص من الشيء بما يراه بعينه فيتضرر ذلك الشيء من نظره. وقال النووي: أنكرت طائفة العين، قالوا: لا أثر لها، والدليل على فساد قولهم أنه أمر ممكن، والصادق أخبر بذلك، يعني بوقوعه فلا يجوز رده، وقال بعضهم: العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك، كما تنبعث من الأفعى، والمذهب أن الله تعالى أجرى العادة بخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص
264 لشخص آخر، وأما انبعاث شيء منه إليه فهو من الممكنات. وقال ابن الجوزي: العين نظر باستحسان وأن يشوبه شيء من الحسد ويكون الناظر خبيث الطبع كذوات السموم، ولولا هذا لكان كل عاشق يصيب معشوقه بالعين، يقال: عنت الرجل إذا أصبته بعينك فهو معين ومعيون والفاعل عائن. 5738 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان قال: حدثني معبد بن خالد قال: سمعت عبد الله بن شداد عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرني رسول صلى الله عليه وسلم أو: أمر أن يسترقى من العين. مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن كثير، قال الكرماني ضد القليل وقال صاحب (التوضيح): شيخ البخاري محمد بن كبير بالباء الموحدة بعد الكاف. قلت: هذا غلط، والظاهر أنه من الناسخ الجاهل، وسفيان هو الثوري، ومعبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة ابن خالد القاضي الكوفي التابعي، وعبد الله بن شداد هو المعروف بابن الهاد، له رؤية وأبوه صحابي. والحديث أخرجه مسلم في الطب عن أبي بكر وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن عبد الله بن نمير. وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور وأخرجه ابن ماجة فيه عن علي بن محمد. قوله: (أو أمر)، شك من الراوي، وأخرجه أبو نعيم في (مستخرجه) عن شيخ البخاري فيه فقال: أمرني، جزما، وكذا أخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق أبي نعيم عن سفيان الثوري، وفي رواية لمسلم من طريق عبد الله بن نمير عن سفيان: كان يأمرني أن أسترقي، وعنده من طريق مسعر عن معبد بن خالد: كان يأمرها. قوله: (أن يسترقي) أي: بطلب الرقية ممن يعرف الرقي بسبب العين، وقال الخطابي: الرقية التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما يكون بقوارع القرآن، وبما فيه ذكر الله تعالى على ألسن الأبرار من الخلق الطاهرة النفوس، وهو الطب الروحاني، وعليه كان معظم الأمر في الزمان المتقدم الصالح أهله، فلما عز وجود هذا الصنف من أبرار الخليقة مال الناس إلى الطب الجسماني حيث لم يجدوا الطب الروحاني نجوعا في الأسقام لعدم المعاني التي كان يجمعها الرقاة المقدسة من البركات، وما نهى عنه هو رقية العزامين ومن يدعى تسخير الجن. 5739 حدثني محمد بن خالد حدثنا محمد بن وهب بن عطية الدمشقي حدثنا محمد بن حرب حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب ابنة أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة. مطابقته للترجمة في آخر الحديث. قوله: (محمد بن خالد) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي بضم الذال المعجمة، وقد نسبه إلى جد أبيه، وكذا قال الحاكم والجوزقي والكلاباذي وأبو مسعود ومن تبعهم، ووقع في رواية الأصيلي هنا: حدثنا محمد بن خالد الذهلي، فانتفى الظن بهذا أن يذهب الوهم إلى محمد بن خالد بن جبلة الرافعي الذي ذكره ابن عدي في شيوخ البخاري، ومحمد بن وهب بن عطية سلمي قد أدركه البخاري ولا يدري لقبه، وما له عنده إلا هذا الحديث، ومحمد بن حرب الخولاني الحمصي كان كاتبا لمحمد بن الوليد الزبيدي وهو ثقة عند الجميع. وفي هذا السند نكتة غريبة جدا، وهي أنه اجتمع من نفس البخاري إلى عروة ستة أنفس اسم كل منهم محمد فهو مسلسل بالمحمدين الأول: البخاري اسمه محمد، والثاني: محمد بن خالد، والثالث: محمد بن وهب، والرابع: محمد بن حرب، والخامس: محمد بن الوليد، والسادس: محمد بن مسلم، وهو الزهري، ومن روى البخاري من طريق الفراوي عن الحفصي عن الكشميهني عن الفربري كانوا عشرة، وهذا السند مما نزل فيه البخاري في حديث عروة ثلاث درجات فإنه أخرجه في (صحيحه): حدثنا عبيد الله بن موسى عن هشام بن عروة عن أبيه، وهو في العتق، فكان بينه وبين
265 عروة رجلان وهاهنا بينه وبينه خمسة أنفس. وأخرجه مسلم عاليا بالنسبة لرواية البخاري هذه، قال: حدثنا أبو الربيع حدثنا محمد بن حرب فذكره. قوله: (سفعة) بفتح السين المهملة وبضمها وسكون الفاء وبعين مهملة، قال الكرماني: السفعة الصفرة والشحوب في الوجه، وقال إبراهيم الحربي: هو سواد في الوجه، وعن أبي العلاء المعري: هي بفتح السين أجود وقد يضم سينها من قولهم: رجل أسفع أي: لونه أسود، وأصل السفع الأخذ بالناصية، قال الله تعالى * (لنسفعا بالناصية) * (العلق: 15)، وقيل: كل أصفر أسفع. وقال الجوهري: هو سواد في خد المرأة الشاحبة. قوله: (استرقوا لها) أي: اطلبوا من يرقي لها. قوله: (فإن بها النظرة) أي: أصابتها عين، يقال: رجل منظور إذا أصابته العين، وقال ابن قرقول: النظرة بفتح النون وسكون الظاء أي: عين من نظر الجن، وقال أبو عبيد: أي: أن الشيطان أصابها وقال الخطابي: عيون الجن أنفذ من الأسنة، ولما مات سعد سمع قائل من الجن يقول: * نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده * قال: فتأوله بعضهم أي: أصبناه بعين. وقال عقيل عن الزهري: أخبرني عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا تعليق مرسل لم يذكر في إسناده زينب ولا أم سلمة، وعقيل بضم العين ابن خالد عن محمد بن مسلم الزهري، وروى رواية عقيل عبد الله بن وهب عن أبي لهيعة عن عقيل، ولفظه: أن جارية دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة، فقال: كان بها سفعة. تابعه عبد الله بن سالم عن الزبيدي أي: تابع محمد بن حرب عبد الله بن سالم أبو يوسف الحمصي في روايته عن محمد بن الوليد الزبيدي، وروى هذه المتابعة الذهلي في (الزهريات) والطبراني في (مسند الشاميين) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي عن عمرو بن الحارث الحمصي عن عبد الله بن سالم به سندا أو متنا. 36 ((باب العين حق)) أي: هذا باب يذكر فيه العين حق أي: الإصابة بالعين ثابتة موجودة، ولها تأثير في النفوس، وأنكر طائفة من الطبايعين العين وأنه لا شيء إلا ما تدركه الحواس الخمس وما عداها فلا حقيقة له. والحديث يرد عليهم، وروى مسلم من حديث ابن عباس رفعه: العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا، وروى أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين، وروى النسائي من حديث عامر بن ربيعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه شيئا يعجبه فليدع بالبركة، فإن العين حق، وروى الترمذي من حديث أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول الله! إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أو نسترقي لهم؟ قال: نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وفي كتاب ابن أبي عاصم من طريق صعصعة: أكثر ما يحفر لأمتي من القبور العين، وقال أبو عمر. قوله صلى الله عليه وسلم: علام يقتل أحدكم أخاه؟ دليل على أن العين ربما قتلت، وكانت سببا من أسباب المنية وقوله: (ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له، وأن العين لا تسبق القدر ولكنها من القدر، قوله: فليدع بالبركة، فيه دليل على أن العين لا تضر ولا تعدو إذا برك العائن فواجب على كل من أعجبه شيء أن يبرك فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، والتبريك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم بارك فيه، ويؤمر العائن بالاغتسال ويجبر إن أبى، لأن الأمر حقيقة للوجوب ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو لا سيما إذا كان سببه، وهو الجاني عليه، والاغتسال هو أن يغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه، ويروى: ويديه إلى المرفقين والركبتين، وقال أبو عمر: وأحسن شيء في تفسير الاغتسال ما وصفه الزهري راوي الحديث الذي عند مسلم: يؤتى بقدح من ماء ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى، ثم بكفه اليمنى على كفه اليسرى ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمنى ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمنى ثم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة واحدة ولا يضع القدم حتى يفرغ، وأن يصب من خلفه صبة واحدة يجري على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض، ويغسل أطرافه
266 وركبتيه وداخلة إزاره في القدح. قال النووي: ولا يوضع القدح في الأرض ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين، واختلفوا في داخلة إزاره، فقيل: هو الطرف المتدلى الذي يلي حقوه الأيمن، وقيل: داخلة الإزار هي المئزر، والمراد بداخلته ما يلي الجسد منه، وقيل: المراد موضعه من الجسد، وقيل: مذاكره، وقيل: المراد وركه إذ هو معقد الإزار، قال عياض: قال بعض العلماء ينبغي إذا عرف واحد بالإصابة بالعين أن يتجنب ويحترز منه، وينبغي للإمام منعه من مداخلته الناس ويلزمه بلزوم بيته، وإن كان فقيرا رزقه ما يكفيه فضرره أكثر من آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد لئلا يؤذي الناس، ومن ضرر المجذوم الذي منعه عمر، رضي الله عنه وقال القرطبي: لو انتهت إصابة العين إلى أن يعرف بذلك ويعلم من حاله أنه كلما تكلم بشيء معظما له أو متعجبا منه أصيب ذلك الشيء، وتكرر ذلك بحيث يصير ذلك عادة فما أتلفه بعينه غرمه وإن قتل أحدا بعينه عامدا لقتله قتل به كالساحر القاتل بسحره عند من لا يقتله كفرا، وأما عندنا فيقتل على كل حال، قتل بسحره أو لا لأنه كالزنديق. 5740 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: العين حق ونهى عن الوشم. (انظر الحديث: 5740 طرفه في: 5944). مطابقته للترجمة ظاهرة، وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري كان ينزل بالمدينة بباب بني سعد، وعبد الرزاق بن همام، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد، وهمام بتشديد الميم ابن منبه الأنباري الصنعاني أخو وهب بن منبه. والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن يحيى وأخرجه مسلم في الطب عن محمد بن رافع. وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل، ولم يذكر الوشم. قوله: (العين حق) مر الكلام فيه عن قريب. قوله: (ونهى) أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوشم بفتح الواو وسكون الشين المعجمة وهو غرز بالإبرة في العضو ثم التحشية بالكحل فيخضر وقال بعضهم لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين فكأنهما حديثان مستقلان، ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثانية من روايتيهما مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق الذي أخرجه البخاري، ويحتمل أن يقال: المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي. قلت: في كله نظر أما قوله: فكأنهما حديثان مستقلان، زعم بالظن والتخمين أن الظن لا يغني من الحق شيئا، واستدلاله على هذا الظن بعدم إخراج مسلم وأبي داود الجملة الثانية استدلال فاسد، لأنه يلزم منه نسبة رواية البخاري إلى زيادة لم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ونسبة مسلم وأبي داود إلى نقص شيء منه قاله صلى الله عليه وسلم، بل هذا حديث مستقل كما رواه البخاري، والاقتصار في رواية مسلم وأبي داود من الرواة. وأما قوله: (ويحتمل أن يقال) إلى آخره، احتمال بعيد لأن دعواه المناسبة بين الجملتين بالاشتراك غير مطردة لأن إحداث العين اللون غير اللون الأصلي غير مقصور على عضو، بل إحداثها يعم البدن كله، والوجه في المناسبة بين الجملتين أن يقال: الظاهر أن قوما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن العين، وقوما آخرين سألوه عن الوشم، في مجلس واحد، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن العين بقوله: العين حق، ونهى عن الوشم تنبيها لمن سأله عنه بأنه: لا يجوز، فحصل الجوابان في مجلس واحد، ورواه أبو هريرة بالجملتين، ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: العين حق، وحضر في مجلس آخر سألوه عن الوشم فنهى عنه، ثم إن أبا هريرة رواه عند روايته بالجمع بينهما لكونه سئل: هل له علم من العين والوشم؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: العين حق ونهى عن الوشم. 37 ((باب رقية الحية والعقرب)) أي: هذا باب في بيان مشروعية الرقية عند لدغ الحية والعقرب. 5741 حدثنا موسى بن اسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا سليمان الشيباني حدثنا عبد الرحمان بن الأسود عن أبيه قال: سألت عائشة عن الرقية من الحمة؟ فقالت: رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة. (انظر الحديث: 5740 طرفه في: 5944).
267 مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (الرقية من كل ذي حمة) لأن الحمة كل شيء يلدغ أو يلسع، قاله الخطابي، وقيل: هي شوكة العقرب، وقد مر الكلام فيه عن قريب، وهي بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم بعدها هاء. وعبد الواحد هو ابن زياد وسليمان الشيباني بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة وبالنون، وكنيته أبو إسحاق، وعبد الرحمان بن الأسود يروى عن أبيه الأسود بن يزيد النخعي. والحديث أخرجه مسلم في الطب أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن رافع وغيره. قوله: (رخص) مشعر بأنه كان منهيا، ولعله نهاهم عنها لما عسى أن يكون فيها من ألفاظ الجاهلية، فلما علم أنها عارية عنها أباح لهم، وروى ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: بلغني عن رجال من أهل العلم أنهم كانوا يقولون: إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الرقي حتى قدم المدينة، وكان الرقي في ذلك الزمن فيها كثير من كلام الشرك فلما قدم المدينة لدغ رجل من أصحابه، قالوا: يا رسول الله! قد كان آل حزم يرقون من الحمة، فلما نهيت عن الرقى تركوها، فقال صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي عمارة، وكان قد شهد بدرا، قال: اعرض علي رقيتك، فعرضها عليه ولم ير بها بأسا وأذن له فيها. 38 ((باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم)) أي: هذا باب في بيان رقية النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يرقي بها. 5742 حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز قال: دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك فقال ثابت: يا أبا حمزة اشتكيت؟ فقال أنس: ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى. قال: اللهم رب الناس مذهب الباس إشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما. مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الوارث هو ابن سعدو عبد العزيز هو ابن صهيب وثابت بالثاء المثلثة هو ابن أسلم البناني بضم الباء الموحدة وتخفيف النون الأولى والحديث أخرجه أبو داود أيضا عن مسدد في الطب وأخرجه الترمذي في الجنائز وأخرجه النسائي في اليوم والليلة جميعا عن قتيبة قوله (يا با حمزة) أصله يا أبا حمزة فحذفت الألف للتخفيف وأبو حمزة كنية أنس بن مالك قوله (اشتكيت) أي مرضت قوله (ألا) بتخفيف اللام للعرض والتنبيه قوله (أرقيك) بفتح الهمزة قوله (مذهب الباس) على صورة اسم الفاعل ويروى اذهب الباس بصورة الأمر من الأذهاب والباس الهمزة في الأصل فحذفت للمواخاة والباس الشدة والعذاب قوله (اشف) أمر من شفي يشفى قوله (أنت الشافي) قيل يؤخذ منه جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن بشرطين (أحدهما) أن لا يكون في ذلك ما يوهم نقصا والآخر أن يكون له أصل في القرآن وهذا من ذاك فإن في القرآن (وإذا مرضت فهو يشفين) قلت هذا الباب فيه خلاف منهم من قال أسماء الله توقيفية فلا يجوز أن يسمى بما لم يسمع في الشرع ومنهم من قال غير توقيفية ولكن اشترطوا الشرط الأول فقط فافهم قوله (لا شافي إلا أنت) إشارة إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي إن لم يصادف تقدير الله عز وجل فلا ينجح قوله (شفاء) منصوب بقوله اشف وقال بعضهم يجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ أي هو قلت هذا تصرف غير مستقيم على ما لا يخفى قوله لا يغادر سقما هذه الجملة صفة لقوله شفاء ومعنى لا يغادر لا يترك وسقما بفتحتين مفعوله ويجوز فيه ضم السين وتسكين القاف. 5743 حدثنا عمر بن علي حدثنا سفيان حدثني سليمان عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول اللهم رب الناس أذهب الباس اشفه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء إلا يغادر سقما. قال سفيان: حدثت به منصورا فحدثني عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة نحوه.
268 مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بفتح العين ابن علي بن بحر الصيرفي البصري، وهو شيخ مسلم أيضا، ويحيى هو القطان، وسفيان هو الثوري، وسليمان هو الأعمش ومسلم بضم الميم وسكون السين وكسر اللام. قال بعضهم هو أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه، ثم قال: وجوز الكرماني أن يكون مسلم بن عمران لكونه يروي عن مسروق ويروي الأعمش عنه، وهو تجويز عقلي محض يمجه سمع المحدث، على أني لم أر لمسلم بن عمران البطين رواية عن مسورق. قلت: الذي قاله هذا القائل يمجه سمع كل أحد، ودعواه أنه لم ير لمسلم بن عمران رواية عن مسروق باطلة، لأن جامع (رجال الصحيحين) ذكر فيه مسلم بن أبي عمارن، ويقال: ابن عمران، ويقال: ابن أبي عبد الله البطين، يكنى أبا عبد الله سمع سعيد بن جبير عندهما، يعني (: عند الشيخين، ومسروقا عند البخاري، وروى عنه الأعمش عندهما، وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وكيف يدعى هذا المدعى بدعواه الفاسدة ردا على من سبقه في شرح هذا الحديث مشنعا عليه بسوء أدب قل كل يعمل على شاكلته؟ والحديث أخرجه مسلم في الطب عن شيبان بن فروخ وغيره وأخرجه النسائي فيه وفي اليوم والليلة عن محمد بن قدامة وعن آخرين. قوله: (يعوذ) من التعويذ بالذال المعجمة. قوله: (يمسح) أي: يمسح على موضع الوجع بيده اليمنى، قال الطبري: هو على طريق التفاؤل لزوال ذلك الوجع. قوله: (لا شفاء) بالمد مبني على الفتح وخبره محذوف أي: لا شفاء حاصل لنا أوله إلا بشفائك قوله: (إلا شفاؤك) بالرفع بدلا من موضع: لا شفاء قوله: (شفاء) بالنصب على أنه مصدر: إشفه. قوله: (قال سفيان) هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (حدثت به) أي: بهذا الحديث منصورا يعني: ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي، والحاصل أن فيه طريقين: طريق عن مسلم عن مسروق، وطريق عن إبراهيم عنه. 5744 حدثنا أحمد بن أبي رجاء حدثنا النضر عن هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي، يقول: امسح الباس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت. مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن أبي رجاء بالجيم والمد واسمه عبد الله أبو الوليد الحنفي الهروي، والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل، وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والحديث من أفراده. قوله: (يقول) حال من الضمير الذي في: يرقي قوله: (رب الناس) أي: يا رب الناس. قوله: (لا كاشف له) أي: للمرض أو للمريض الذي يرقي له، فقرينة الحال تدل على ذلك. 5745 حدثناعلي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: حدثني عبد ربه بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا. (انظر الحديث: 5745 طرفه في: 5746). مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله بن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعبد ربه بإضافة عبد إلى ربه وإضافة الرب إلى الضمير هو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد، وعمرة هي بنت عبد الرحمن التابعية. والحديث أخرجه مسلم في الطب أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن زهير بن حرب وغيره. وأخرجه النسائي فيه وفي اليوم والليلة عن أبي قدامة السرخسي. وأخرجه ابن ماجة في الطب عن أبي بكر بن أبي شيبة. قوله: (كان يقول للمريض) وفي رواية أبي داود: كان يقول للإنسان إذا اشتكى. قوله: (تربة أرضنا) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هذه تربة أرضنا أو: هذا المريض. قوله: (بريقة بعضنا) فيه دلالة على أنه كان يتفل عند الرقية، وقال النووي: معنى الحديث أنه إذا أخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة ثم وضعها على التراب فعلق به شيء منه ثم مسح به الموضع العليل أو الجريح قائلا الكلام المذكور في حالة المسح، وتكلموا في هذا الموضع بكلام كثير، وأحسنه ما قاله التوربشتي: بأن المراد بالتربة الإشارة إلى فطرة آدم، والريقة الإشارة إلى النطفة، كأنه تضرع بلسان الحال أنك اخترعت الأصل الأول من التراب ثم أبدعته منه من ماء مهين
269 فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته. وقال النووي: قيل المراد بأرضنا أرض المدينة خاصة لبركتها، وبعضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرف ريقه، فيكون ذلك مخصوصا، وفيه نظر لا يخفى. قوله: (يشفي سقيمنا) على بناء المجهول، وسقيمنا مرفوع، به ويروى: يشفي به سقيمنا، ويروى يشفي سقيمنا، على بناء الفاعل فاعله مقدر، وسقيمنا بالنصب على المفعولية. 5746 حدثني صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة عن عبد ربه بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الرقية: بسم الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا. (انظر الحديث: 5745). مطابقته للترجمة ظاهرة، وهذا طريق آخر أخرجه عن صدقة عن سفيان بن عيينة إلى آخره. 39 ((باب النفث في الرقية)) أي: هذا باب في بيان جواز النفث بفتح النون وسكون الفاء وبالثاء المثلثة في الرقية، وفيه رد على من كره النفث فيها كالأسود ابن يزيد التابعي، وقد مر الكلام فيه عن قريب. 5747 حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا سلمة، قال: سمعت أبا قتادة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات ويتعوذ من شرها، فإنها لا تضره: وقال أبو سلمة: فإن كنت لأرى الرويا أثقل علي من الجبل، فما هو إلا أن سمعت هاذا الحديث فما أباليها. قال بعضهم. قوله: (فلينفث) هو المراد من الحديث المذكور في هذه الترجمة. قلت: الترجمة في النفث في الرقية، وفي الحديث: النفث في الرؤيا، فلا مطابقة إلا في مجرد ذكر النفث، ولكن النفث إذا كان مشروعا في هذا الموضع، يكون مشروعا في غير هذا الموضع أيضا قياسا عليه، وبهذا يحصل التطابق بين الترجمة والحديث، وقال الكرماني: فإن قلت: ما وجه تعلقه بالترجمة إذ ليس فيه ذكر الرقية؟ قلت التعوذ هو الرقية انتهى. قلت: هذا أيضا مثل كلام البعض المذكور، وليس فيما قالاه ما يشفي العليل، ولا ما يروي الغليل، والوجه ما ذكرناه. قوله: (حدثنا خالد) ويروى: حدثني خالد بن مخلد بفتح الميم، وسليمان هو ابن بلال، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، وقيل غير ذلك. والحديث أخرجه البخاري أيضا في التعبير عن أحمد بن يونس وغيره. وأخرجه مسلم في الرؤيا عن عمر والناقد وغيره. وأخرجه أبو داود فيه عن عبد الله بن محمد النفيلي. وأخرجه الترمذي في الرؤيا عن قتيبة به. وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن آخرين. وأخرجه ابن ماجة في الديات عن محمد بن رمح به. قوله: (الرؤيا) أي: الصالحة من الله، يعني: بشارة من الله يبشر بها عبده ليحسن به ظنه ويكثر عليها شكره. قوله: (والحلم) بضم اللام وسكونها أي: الرؤيا المكروهة هي التي يريها الشيطان الإنسان ليحزنه فيسوء ظنه بربه، ويقل حظه من الشكر، فلذلك أمره أن ينفث أي: يبصق من جهة شماله ثلاث مرات، ويتعوذ من شره كأنه يقصد به طرد الشيطان وتحقيره، واستقذاره. قوله: (ويتعوذ) بالجزم قوله: (وقال أبو سلمة) موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فإن كنت) وفي رواية الكشميهني: إن كنت بدون الفاء. قوله: (أثقل علي من الجبل) أي: لأجل ما كان يتوقع من شرها. قوله: (فما هو إلا أن سمعت) أي: ما الشأن إلا سماعي، وقال المازري: حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات، فإن كان ذلك الاعتقاد علامة على الخير كان خلقه بغير حضرة الشيطان، وإن كان على الشر فهو بحضرته، فنسب إلى الشيطان مجازا إذ لا فعل له حقيقة، إذ الكل خلق الله تعالى، وقيل: أضيفت المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف بخلاف المكروهة وإن كانا بخلق الله تعالى. 5748 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، حدثنا سليمان عن يونس عن ابن شهاب
270 عن عروة بن الزبير عن عائشة. رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه * (بقل هو الله أحد) * وبالمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه، وما بلغت يداه من جسده، قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذالك به. قال يونس: كنت أرى ابن شهاب يصنع ذلك إذا أوى إلى فراشه. (انظر الحديث: 5017 وطرفه). وجه المطابقة بين الحديث. والترجمة هو الذي ذكرناه عند الحديث السابق، والأويسي نسبة إلى أحد أجداده أويس بن سعد، وسليمان هو ابن بلال، ويونس هو ابن يزيد. والحديث مضى في المغازي عن حبان عن عبد الله. وأخرجه مسلم في الطب عن أبي الطاهر بن السرج وغيره. قوله: * (بقل هو الله أحد)) * أي: يقرؤها ويقرأ معها المعوذتين بكسر الواو وينفث حالة القراءة. قوله: (فلما اشتكى) أي: فلما مرض. قوله: (كان) أي النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (قال يونس) أي: الراوي عن ابن شهاب. 5749 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد أن رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هاؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لراق، ولاكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يتفل ويقرأ الحمد لله رب العالمين حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فجعل يتفل) على الوجه الذي ذكرناه عند أول حديث الباب. وأبو عوانة الوضاح اليشكري، وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي إياس اليشكري البصري، وأبو المتوكل علي بن داود الناجي بالنون والجيم. والحديث قد مضى عن قريب في: باب الرقية بفاتحة الكتاب. قوله: (فجعل يتفل) وقد مضى أن النفث دون التفل فإذا جاز التفل جاز النفث بالطريق الأولى. قوله: (نشط) قيل: صوابه أنشط. قال الجوهري: أنشطته أي: حللته، ونشطته أي: عقدته والعقال بكسر العين المهملة وبالقاف: الحبل الذي يشد به. قوله: (يمشي) حال وكذا قوله: (ما به قلبة) بالفتحات ومعناه: ما به ألم يقلب على الفراش لأجله، وقيل: أصله من القلاب بضم القاف وهو داء يأخذ البعير فيمسك على قلبه فيموت من يومه. قوله: (فقال الذي رقى) هو أبو سعيد الخدري . قوله: (فذكروا له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: (وما يدريك؟) أي: أي شيء دراك أنها أي: إن قراءة الفاتحة رقية. قوله: (اقسموا) هذه القسمة من باب المروآت والتبرعات وإلا فهو ملك للراقي مختص به، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: (اضربوا إلى معكم بسهم) أي: بنصيب، تطييبا
271 لقلوبهم ومبالغة في تعريفهم أنه حلال. 40 ((باب مسح الراقي الوجع بيده اليمنى)) أي: هذا باب في بيان مسح الذي يرقي الوجع بيده. 5750 حدثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا يحيى عن سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما، فذكرته لمنصور فحدثني عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها بنحوه. مطابقته للترجمة في قوله: (يمسحه بيمينه) وعبد الله بن أبي شيبة هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي شيخ مسلم أيضا، ويحيى القطان، وسفيان الثوري، والأعمش سليمان، ومسلم هو أبو الضحى، ومسروق ابن الأجدع. والحديث مر عن قريب ومر الكلام فيه. قوله: (يعوذ بعضهم) وفي الرواية المتقدمة: يعوذ بعض أهله. قوله: (يمسحه بيمينه) جملة حالية، قوله: (أذهب الباس) مقول قول مقدر. قوله: (فذكرته) قائله سفيان الثوري أي: فذكرت الحديث لمنصور بن معتمر فحدثني عن إبراهيم النخعي عن مسروق. قوله: (بنحوه) أي: بنحوالحديث المذكور في رواية مسلم عن مسروق. 41 ((باب المرأة ترقي الرجل)) أي: هذا باب في بيان حكم المرأة ترقي الرجل. 5751 حدثني عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان ينفث على نفسه في مرضه الذي قبض فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنا أنفث عليه بهن فأمسح بيد نفسه لبركتها، فسألت ابن شهاب: كيف كان ينفث؟ قال: ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه. مطابقته للترجمة في قوله: (كنت أنا أنفث عليه) وهشام هو ابن يوسف. والحديث قد مر عن قريب في: باب النفث في الرقية. قوله: (بالمعوذات) هي سورة الإخلاص والمعوذتان. ومضى الكلام فيه هناك. 42 ((باب من لم يرق)) أي هذا باب في بيان من لم يرق بفتح الياء وكسر القاف وبضم الياء وفتح القاف أعني على صيغة المعلوم وصيغة المجهول. 5752 حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير عن حصين بن عبد الرحامان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فرجوت أن يكون أمتي، فقيل: هذا موساى وقومه، ثم قيل لي: انظر فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل لي: انظر هاكذا وهاكذا، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل: هاؤلاء أمتك ومع هاؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فتفرق الناس ولم يبين لهم، فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك ولاكنا آمنا بالله ورسوله، ولاكن هاؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ فقال: سبقك بها عكاشة.
272 مطابقته للترجمة في قوله: (ولا يسترقون) وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وبنون ابن نمير مصغر نمر الحيوان المشهور الواسطي الضرير، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وحصين كذلك ابن عبد الرحمن الكوفي. والحديث قد مر في: باب من اكتوى، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (ومعه الرجل)، هذه الكلمة في هذه المواضع جاءت بالواو وبدونها. 43 ((باب الطيرة)) أي: هذا باب في بيان الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء آخر الحروف وقد تسكن وهو التشاؤم بالشيء، وقال ابن الأثير: وهو مصدر تطير يقال تطير طيرة وتخير خيرة، ولم يجيء من المصادر هكذا غير هذين. قلت: قد ذكر هو أيضا طيبة بكسر الطاء وفتح الياء فعلة من الطيب، ولكن الظاهر أنه اسم لا مصدر كالتولة بكسر التاء المثناة وفتح الواو، وجاء في الحديث التولة من الشرك، وهو ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره، وجعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى. 5753 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عثمان بن عمر حدثنا يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث. في المرأة والدار والدابة. مطابقته للترجمة في قوله: (ولا طيرة) وعبد الله بن محمد الجعفي المسندي، وعثمان بن عمر بن فارس البصري، ويونس بن يزيد، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر. والحديث أخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن المثنى. قوله: (لا عدوى) أي: لا تعدية للمرض من صاحبه إلى غيره، وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله: (ولا طيرة) قد فسرناها الآن. قال ابن العربي: اختلفوا في تأويل قوله: (لا طيرة) فمنهم من قال معناه الأخبار عما يعتقده الجاهلية، وقيل: معناه الإخبار عن حكم الله الثابت في الدار والمرأة والفرس بأن الشؤم فيها عادة، أجراها الله تعالى وقضاه أنفذه يوجده حيث شاء منها متى شاء، والأول ساقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر عن الناس ما كانوا يعتقدونه، وإنما بعث ليعلم الناس ما يلزمهم أن يعملوه ويعتقدوه، وأصل الطيرة أنهم كانوا ينفرون الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في حوائجهم، وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن ذلك وتشاءموا بها، فأبطله الشرع، وأخبر بأنه لا تأثير له في نفع أو ضرر. ويقال: إنهم كانوا يعتمدون في الجاهلية على الطير فإذا كان لأحدهم أمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وكانوا يسمونه: السانح والبارح، فالسانح بسين مهملة ثم نون مكسورة وبحاء مهملة وهو ما والاك ميامنة بأن يمر عن يسارك إلى يمينك، والبارح بباء موحدة وراء مكسورة ثم حاء مهملة هو بعكس ذلك. قوله: (والشؤم في ثلاث) أي: في ثلاثة أشياء، هذا معارض في الظاهر لقوله: (لا طيرة) ودفع الخطابي هذه المعارضة حيث قال: هذا عام مخصوص إذ هو في معنى الاستثناء من الطيرة، أي: الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس كذلك فليفارقهن، وقيل: شؤم الدار ضيقها وسوء جارها، وشؤم المرأة سلاطة لسانها وعدم ولادتها، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها. وقال مالك: هو على ظاهره، فإن الدار قد يجعل الله سكناها سببا للضرر، وكذا المرأة المعينة أو الفرس قد يحصل الضرر عنده بقضاء الله تعالى، وقال ابن الجوزي. قوله: (الشؤم في ثلاث) ولم يقل فيه إن وفي رواية أخرى: إن كان الشؤم في شيء، وفي أخرى: إن كان في شيء ففي كذا وكذا، فكيف يجمع بين هذه وبين قوله: (لا طيرة؟) الجواب: إن عائشة رضي الله عنها قد غلظت على من روى هذا الحديث، وقالت: إنما كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة. قال: وهذا رد لصريح خبر رواته ثقات، والصحيح أن المعنى إن خيف من شيء أن يكون سببا لما يخاف شره ويتشاءم به فهذه الأشياء لا على السبيل الذي يظنها أهل الجاهلية من الطيرة والعدوي. وقال الخطابي: لما كان الإنسان لا يستغني عن هذه الأشياء: الدار والفرس والزوجة، وكن لا يسلمن من عارض مكروه، فأضيف إليها الشؤم إضافة محل، وقال ابن التين: الشؤم مهموز ويسمى كل محذور ومكروه شؤما ومشامة والشومى الجهة اليسرى.
273 5754 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طيرة وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم. (انظر الحديث: 5754 طرفه في: 5755). مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة. والحديث أخرجه مسلم في الطب أيضا عن عبد بن حميد وغيره. قوله: (وخيرها) أي: خير الطيرة، قال الطيبي: وقد علم أن الطيرة كلها لا خير فيها فهو كقوله تعالى: * (أصحاب الجنة يؤمئذ خير مستقرا) * (الفرقان: 24). وهو مبني على زعمهم أو هو من باب قولهم: الصيف خير من الشتاء، أي: الفال في بابه أبلغ من الطيرة في بابها، ومعنى الترخص في الفأل والمنع من الطيرة هو أن الشخص لو رأى شيئا فظنه حسنا وحرضه على طلب حاجته فليفعل ذلك، وإن رأى ما يعده مشئوما ويمنعه من المضي إلى حاجته فلا يجوز قبوله، بل يمضي لسبيله، فإذا قبل وانتهى عن المضي في طلب حاجته فيه فهو الطبيعة لأنها اختصت أن تستعمل في الشؤم. وقال الكرماني: إضافة الخير إلى الطيرة مشعرة بأن الفأل من جملة الطيرة، ثم قال: الإضافة لمجرد التوضيح فلا يلزم أن يكون منها وأيضا الطيرة في الأصل أعم من أن يكون في الشر، لكن العرب خصصته بالشر، وقال ابن الأثير: الطيرة بمعنى الجنس والفأل بمعنى النوع، ومنه الحديث: أصدق الطيرة الفأل، وقال النووي: الفأل يستعمل فيما يسر وفيما يسوء، والغالب في السرور، والطيرة لا تكون إلا في السوء، وقد تستعمل مجازا في السرور. وقال الخطابي: الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل إنما هو من طريق حسن الظن بالله، والطيرة إنما هي من طريق الاتكال على ما سواه. قوله: (قالوا) ويروى: قال. قوله: (الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم) مثل من خرج من داره لطلب حاجة فسمع شخصا يقول للآخر، يا نجاح، وقال الأصمعي: سألت ابن عون عن الفأل فقال: هو أن يكون مريضا فيسمع: يا سالم، وروى أبو داود من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث غلاما سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به وإن كره اسمه رئي كراهة ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه فرح به ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهة ذلك في وجهه. 44 ((باب الفأل)) أي: هذا باب في بيان أمر الفأل وأصله الهمزة وقد يسهل، والجمع فؤول بالهمزة جزما، يقال: تفاءلت وتفاولت على التخفيف والقلب. 5755 حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا طيرة وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم. (انظر الحديث: 5754). مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد المسندي، وهشام الدستوائي عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة. وأخرجه مسلم في الطب عن عبد بن حميد ومضى الكلام فيه الآن. قوله: (قالوا) بصيغة الجمع رواية الكشميهني، وفي رواية الأكثرين: قال، بالإفراد. 5756 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عدواى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة. (انظر الحديث: 5756 طرفه في: 5776). مطابقته للترجمة في قوله: (ويعجبني الفأل) وهشام هو الدستوائي كما في الحديث السابق. والحديث أخرجه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري أيضا في الطب. وأخرجه الترمذي في السير عن محمد بن بشار. قوله: (الكلمة الحسنة) بيان لقوله: (الفأل الصالح) وكان صلى الله عليه وسلم يستحب الاسم الحسن والفأل الصالح، وقد جعل الله في النظر محبة ذلك كما جعل فيهم الارتياح بالمنظر
274 الأنيق والماء الصافي وإن لم يشربه ولم يستعمله. 45 ((باب لا هامة)) أي: هذا باب في بيان ما ورد في الحديث: لا هامة، وفي بعض النسخ: باب لا هامة ولا صفر. 5757 حدثنامحمد بن الحكم حدثنا النضر أخبرنا إسرائيل أخبرنا أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر. مطابقته للترجمة في قوله: (ولا هامة) ومحمد بن الحكم بالفتحتين الأحول المروزي والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل بضم الشين المعجمة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي، وأبو صالح ذكوان الزيات السمان. والحديث من أفراده وتفسير هذه الأشياء الأربعة قد مر في: باب الجذام، مستقصى. 46 ((باب الكهانة)) أي: هذا باب في بيان أمور الكهانة ووقع لابن بطال: باب الكهانة والسحر وقد ترجم البخاري للسحر بابا مفردا على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وهي بكسر الكاف وفتحها والفتح أشهر، وهي ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب، ويقال: هي الإخبار بما يكون في أقطار الأرض أما من جهة التنجيم أو العرافة وهي الاستدلال على الأمور بأسبابها أو بالزجر أو نحوه، والكاهن يطلق على العراف والمنجم الذي يضرب بالحصى، وفي (المحكم): الكاهن القاضي بالغيب. وقال في (الجامع): العرب تسمى كل من آذن بشيء قبل وقوعه كاهنا. وقال الخطابي: الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شديدة وطباع نارية فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور وساعدتهم بكل ما اتصلت به قدرتهم إليه، وكانت الكهانة في الجاهلية فاشية خصوصا في العرب لانقطاع النبوة فيهم، فلما جاء الإسلام ندر ذلك جدا حتى كاد يضمحل. 5758 حدثنا سعيد بن عفير حدثنا الليث قال: حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابت بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة فقال ولي المرأة التي غرمت: كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل؟ فمثل ذلك يطل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان.. مطابقته للترجمة في قوله: (إنما هذا من إخوان الكهان) وسعيد بن عفير بضم العين المهملة وفتح الحاء وسكون الياء آخر الحروف وبالراء. وهو سعيد بن كثير بن عفير المصري. والحديث من أفراده. قوله: (هذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وهو ابن مدركة بن الياس بن مضر قبيلة. قوله: (اقتتلتا) أي: تقاتلتا. قوله: (وهي حامل) جملة حالية. قوله: (فاختصموا) مثل قوله: * (هذان خصمان اختصموا) * (الحج: 19). قوله: (غرة) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وهي بياض في الوجه وعبر بالغرة عن الجسم كله إطلاقا للجزء وإرادة الكل ولفظ: غرة بالتنوين ولفظ: عبد أو أمة بدل منه، ويروى بالإضافة وكلمة: أو، هنا للتقسيم لا للشك. قوله: (فقال ولي المرأة) هو حمل بفتح الحاء المهملة وتخفيف الميم ابن مالك بن النابغة الهذلي الصحابي نزل البصرة وكنيته أبو فضلة. قوله: (ولا استهل) يقال استهل الصبي إذا صاح عند الولادة. قوله: (يطل) بضم الياء آخر الحروف وفتح الطاء وتشديد اللام، هكذا في رواية الأكثرين ومعناه: يهدر، يقال: طل الدم بضم الطاء وبفتحها، وحكي: أطل. وأنكره الأصمعي، وقال أبو زيد: طل دمه فهو مطلول وأطل دمه وطله الله وأطله، قال: ولا يقال: طل دمه، بالفتح، وأبو عبيدة والكسائي يقولانه، وفي رواية الكشميهني: بطل، بالباء الموحدة من البطلان
275 وقال عياض: إنه وقع هنا للجميع بالباء الموحدة، قال: وبالوجهين في (الموطأ) وقد رجح الخطابي أنه من البطلان، وأنكره ابن بطال فقال: كذا يقول أهل الحديث من طل الدم إذا هدر قيل: لا وجه لإنكاره بعد ثبوت الرواية، ومعناه يرجع إلى الرواية الأخرى. قوله: (إنما هذا من إخوان الكهان) شبهه بهم إذ الأخوة تقتضي المشابهة، وذلك بسبب السجع، وقال الخطابي: لم يرده رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأجل السجع نفسه لكنه إنما أعاب منه رد الحكم وتزيينه بالسجع على مذهب الكهان في ترويج أباطيلهم بالأسجاع التي يروجون بها الباطل ويوهمون الناس أن تحتها طائلا، والسجع هو تناسب آخر الكلمة لفظا والجمع أسجاع وأساجيع، وقال ابن بطال: فيه ذم الكهان ومن تشبه بهم في ألفاظهم حيث كانوا يستعملونه في الباطل، كما أراد هو بسجعه دفع ما أوجبه صلى الله عليه وسلم فاستحق بذلك الذم إلا أنه صلى الله عليه وسلم جبل على الصفح عن الجاهلين. فإن قلت: قد وقع في كلامه صلى الله عليه وسلم: الأسجاع مثل صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، وغير ذلك. قلت: الفرق أنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله، وأيضا أنه تكلف فيه بخلاف ما في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. وفيه: وجوب الغرة عند كافة العلماء، وخالف فيه قوم فقالوا لا شيء فيه حكاه في (المعونة) وهو منابذة للنص فلا يلتفت إليه. وفيه: أن الغرة عبد أو أمة، وقال مالك: الحمران أحب إلي من السودان، يريد البيض، فإن لم يكن في البلد فالسود قاله الأبهري، وقال أبو عمرو بن العلاء: لا يؤخذ إلا من البيض لقوله: (غرة) وإلا لقال: عبدا ووليدة، وقال مالك عن ربيعة: يقوم بخمسين دينارا أو ستمائة درهم. واختلف فيمن يرث الجنين، فقال مالك: هو موروث على فرائض الله، وقال أيضا: هو كبضعة من أمه ترثه وحدها، وقال أيضا هو بيت أبويه: الثلثان للأب وللأم الثلث، وبه قال أبو حنيفة والشافعي. 5759 حدثنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأتين رمت إحداهما الأخرى بحجر، فطرحت جنينها، فقضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو وليدة. هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة، وهو مختصر. 5760 وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة، فقال الذي قضي عليه: كيف أغرم مالا أكل ولا شرب ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك بطل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هاذا من إخوان الكهان. هذا مرسل. قوله: (يقتل) على صيغة المجهول في محل الحال من الجنين. قوله: (قضى عليه) أي: على ولي المرأة لأن الغرة متى وجبت فهي على العاقلة. 5761 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمان ابن الحارث عن أبي مسعود، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن. مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وعبد الله بن محمد المسندي وابن عيينة سفيان، وأبو مسعود هو عقبة البدري الأنصاري الكوفي. والحديث قد مر في البيع في: باب ثمن الكلب، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (مهر البغي) البغي فعيل أو فعول، وهي الزانية ومهرها هو ما تأخذه على الزنا، والحلوان بالضم ما يعطى على الكهانة. 5762 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن يحياى بن عروة بن الزبير عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسول الله صلى الله
276 عليه وسلم ناس عن الكهان، فقال: ليس بشيء. فقالوا: يا رسول الله! إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة، قال علي: قال عبد الرزاق: مرسل، الكلمة من الحق، ثم بلغني أنه أسنده بعده. مطابقته للترجمة في قوله: (عن الكهان) وعلي بن عبد الله بن المديني، و يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام القرشي المدني، يروي عن أبيه عروة، والظاهر أن الزهري فاته هذا الحديث عن عروة مع كثرة روايته عن عروة، فجعله عن ابنه يحيى وليس ليحيى في البخاري إلا هذا الحديث، ويحيى وقع عن ظهر بيت تحت أرجل الدواب فقطعته. والحديث أخرجه البخاري في التوحيد عن أحمد بن صالح وفي الأدب عن محمد بن سلام. وأخرجه مسلم في الطب عن عبد بن حميد وغيره. قوله: (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس) وفي رواية الكشميهني: سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند مسلم من رواية معقل مثله. قوله: (فقال: ليس بشيء) أي: ليس قولهم بشيء يعتمد عليه، وفي رواية مسلم: ليسوا بشيء. قوله: (يحدثونا) ويروى يحدثوننا بنونين على الأصل. قوله: (حقا) أي: واقعا ثابتا، وليس المراد به ضد الباطل. قوله: (تلك الكلمة من الحق) كذا بحاء مهملة وقاف، ووقع في مسلم: تلك الكلمة المسموعة من الجن. وقال النووي: كذا في نسخ: بلادنا، بالجيم والنون، أي: الكلمة المسموعة من الجن، وقال: حكى عياض أنه وقع في مسلم بالحاء والقاف. قوله: (يخطفها من الجني) هكذا رواية السرخسي أن الكاهن يخطفها من الجني، وفي رواية الأكثرين: يخطفها الجني، والخطف الأخذ بالسرعة، وفي رواية الكشميهني: يحفظها، بتقديم الفاء بعدها ظاء معجمة من الحفظ. قوله: (فيقرها) بفتح الياء والقاف وتشديد الراء، أي: يصبها، تقول: قررت على رأسه دلوا إذا صببته فكأنه صب في أذنه ذلك الكلام، وقال القرطبي: ويصح أن يقال: معناه ألفاها في أذنه بصوت يقال: قر الطائر إذا صوت، وفي رواية يونس: فيقر قرها، أي: يرددها. يقال: قرقرت الدجاجة تقرقر قرقرة إذا رددت صوتها، وقال الخطابي: ويقال أيضا: قرت الدجاجة تقرقرا وقريرا، وإذا رجعت في صوتها يقال: قرقرت قرقرة وقرقرية، والمعنى أن الجني إذا ألقى الكلمة لوليه تسامع بها الشياطين فيناقلوها كما إذا صوتت الدجاجة فسمعها الدجاج فجاوبتها. قوله: (في إذن وليه) أي: الكاهن إنما عدل من الكاهن إلى قوله: (وليه) للتعميم في الكاهن وغيره ممن يوالي الجن. قوله: (مائة كذبة) وفي رواية ابن جريج: أكثر من مائة كذبة، ويدل هذا على أن ذكر المائة للمبالغة لا للتعيين. قوله: (كذبة) بالفتح وحكي الكسر، قال بعضهم: وأنكره بعضهم لأنه بمعنى الهيئة والحالة وليس هذا موضعه. قلت: هذا موضعه لأن كذبتهم بالكسر تدل على أنواع الكذبات، وهذا أبلغ من معنى الفتح على ما لا يخفى قوله: (قال علي) هو ابن المديني، (قال عبد الرزاق: هو مرسل الكلمة الحق) أراد أن ابن المديني قال: إن عبد الرزاق كان يرسل هذا القدر من الحديث، ثم إنه بعد ذلك وصله بذكر عائشة فيه، وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد من حديث عبد الرزاق موصولا كرواية هشام بن يوسف عن معمر. 47 ((باب السحر)) أي: هذا باب في بيان السحر وأنه ثابت محقق، ولهذا أكثر البخاري في الاستدلال عليه بالآيات الدالة عليه. والحديث الصحيح وأكثر الأمم من العرب والروم والهند والعجم بأنه ثابت وحقيقته موجودة وله تأثير، ولا استحالة في العقل في أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام ونحوه على وجه لا يعرفه كل أحد، وأما تعريف السحر فهو أمر خارق للعادة صادر عن نفس شريرة لا يتعذر معارضته، وأنكر قوم حقيقته وأضافوا ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقيقة لها، وهو اختيار أبي جعفر الاستراباذي من الشافعية وأبي بكر الرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري، والصحيح قول كافة العلماء يدل عليه الكتاب والسنة. فإن قلت: ما وجه إيراد: باب السحر، في كتاب الطب؟ قلت: لا شك أن السحر نوع من المرض وهو يمرض المسحور، ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (أما والله لقد شفاني) على ما يأتي عن
277 قريب في: باب هل يستخرج السحر، والشفاء يكون لمرض موجود ثم إنه جمع بين: باب السحر، وباب الكهانة، لأن مرجع كل منهما الشياطين، وكأنهما من واد واحد، ولا يقال: لم قدم باب الكهانة على باب السحر؟ لأنه سؤال دوري وهو غير وارد، فافهم. وقول الله تعالى: * (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد على الحق اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) * (البقرة: 2)، وقوله تعالى: * (ولا يفلح الساحر حيث أتى) * (طه: 69)، وقوله: * (أفتأتون السحر وأنتم تبصرون) * (الأنبياء: 3)، وقوله: * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * (طه: 66)، وقوله: * (ومن شر النفاثات في العقد) * (الفلق: 4)، والنفاثات: السواحر، تسحرون: تعمون. وقول الله بالجر عطفا على السحر المضاف إليه لفظ: باب، والتقدير: باب في بيان السحر وفي بيان قول الله عز وجل، وذكر هذه الآيات الكريمة للاستدلال بها على تحقق وجود السحر وإثباته، وعلى بيان حرمته أما الآية الأولى وهي قوله تعالى * (ولكن الشياطين كفروا) * ففي رواية الأكثرين * (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) *... الآية فهذا المقدار هو المذكور، وفي رواية كريمة ساقها إلى قوله * (من خلاق) * ففي هذه الآية بيان أصل السحر الذي تعمل به اليهود ثم هو مما وضعته الشياطين على سليمان بن داود عليهما السلام ومما أنزل الله تعالى على هاروت وماروت بأرض بابل وهذا متقدم على الأول لأن قصة هاروت وماروت كانت من قبل زمن نوح عليه السلام وكان السحر أيضا فاشيا في زمن فرعون، وملخص ما ذكر في هذه الآية الكريمة ما قاله السدي في قوله تعالى: * (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) * أي: على عهد سليمان، قال: كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع فيسمعون من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا، وزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب وفشا في بني إسرائيل: أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمان عليه السلام لجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه ولم يكن أحد من الناس يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق. وقال: لا أسمع أحدا يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه، فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان جاء شيطان في صورة إنسان إلى نفر من بني إسرائيل فقال لهم: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا؟ قالوا: نعم. قال: فاحفروا تحت الكرسي، فحفروا ووجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والجن والطير بهذا السحر، ثم طار وذهب وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا، فاتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب، فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها فذلك قوله: تعالى: * (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) * فقوله: الناس: مفعول أول. والسحر مفعول ثان، والجملة حال من فاعل كفروا، أي: كفروا معلمين، وقيل: هي بدل من كفروا. وقوله عز وجل * (وما أنزل على الملكين) * كلمة: ما، موصولة ومحلها النصب عطفا على السحر، تقديره يعلمون الناس السحر والمنزل على الملكين. قوله: (ببابل) يتعلق: بأنزل، أي: في بابل وهي مدينة بناها نمرود بن كنعان وينسب إليها السحر والخمر، وهي اليوم خراب، وهي أقدم أبنية العراق وكانت مدينة الكنعانيين وغيرهم. وقيل: إن الضحاك أول من بنى بابل، وقال مؤيد الدولة: وببابل ألقى إبراهيم عليه السلام في النار. قوله: (هاروت وماروت) بدل من الملكين أو عطف بيان وفيهما اختلاف كثير، والأصح أنهما كانا ملكين أنزلا من السماء إلى الأرض فكان من أمرهما ما كان، وقصتهما مشهورة. قوله: (وما يعلمان) وقرئ: يعلمان، من الإعلام. قوله: (فتنة) أي: محنة وابتلاء، وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج في هذه الآية: لا يجترىء على السحر إلا كافر، وقال النووي: عمل السحر حرام، وهو
278 من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا، بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستتيب منه ولا يقتل، فإن تاب قبلت توبته وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر، وعن مالك: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب بل يتحتم قتله كالزنديق، قال عياض: ويقول مالك: قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين، وفي (الفتاوى الصغرى): الساحر لا يستتاب في قول أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف، والزنديق يستتاب عندهما، وعن أبي حنيفة روايتان وعن أبي حنيفة: إذا أتيت بزنديق استتبته، فإن تاب قبلت توبته، وقال ابن بطال: واختلف السلف هل يسأل الساحر عن حل من سحره فأجازه سعيد بن المسيب وكرهه الحسن البصري، وقال: لا يعلم ذلك إلا ساحر، ولا يجوز إتيان الساحر لما روى سفيان عن أبي إسحاق عن هبيرة عن ابن مسعود: من مشي إلى ساحر أو كاهن فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم وقال الطبري: نهيه صلى الله عليه وسلم عن إتيان الساحر إنما هو على التصديق له فيما يقول: فأما إذا أتاه لغير ذلك، وهو عالم به وبحاله، فليس بمنهي عنه ولا عن إتيانه، وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين: إما لتمييز ما فيه كفر من غيره، وإما لإزالته عمن. وقع فيه. قوله: * (ولا يفلح الساحر حيث أتى) * (طه: 69) فيه نفي الفلاح وهو الفوز عن الساحر وليس فيه ما يدل على كفره. قوله: * (أفتأتون السحر وأنتم تبصرون) * (الأنبياء: 3) هذا خطاب لكفار قريش يستبعدون كون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا لكونه بشرا فقال قائلهم منكرا على من اتبعه: * (أفتأتون السحر) * أي: أفتتبعونه حتى تصيروا كمن اتبع السحر، وهو يعلم أنه سحر. قوله: * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * (طه: 66) أوله * (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * يعني: يخيل إلى موسى عليه السلام أنها حيات تسعى، وذلك لأنهم لطخوا حبالهم بالزيبق، فلما حميت الشمس اهتزت وتحركت فظن موسى أنها تقصده احتج بهذا من زعم أن السحر إنما هو تخييل ولا حجة لهم في هذا، لأن هذه وردت في قصة سحرة فرعون، وكان سحرهم كذلك ولا يلزم أن جميع أنواع السحر كذلك تخييل. قوله: * (ومن شر النفاثات) * (الفلق: 4) قد فسر النفاثات: بالسواحر، وهو تفسير الحسن البصري، وأريد به السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر قوله: (تسحرون) أشار به إلى قوله تعالى: * (سيقولون الله قل فأنى تسحرون) * (البقرة: 102) أي: كيف تعمون عن هذا وتصدون عنه. قوله: (تعمون) بضم التاء المثناة من فوق وفتح العين المهملة وتشديد الميم المفتوحة، وقيل بسكون العين، وقال ابن عطية. السحر هنا مستعار لما وقع منهم من التخليط، ووضع الشيء في غير موضعه كما يقع من المسحور. فإن قلت: هذا لا يقوم به الاحتجاج على ما ذكر البخاري في هذه الآيات للاحتجاج على تحريم السحر. قلت: السحر على أنواع: منها: أنه بمعنى لطف ودق، ومنه: سحرت الصبي خدعته واستملته، فكل من استمال شيئا فقد سحره، وفي هذه الآية إشارة إلى هذا النوع. الثاني: ما يقع بخداع أو تخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده، وإليه الإشارة بقوله: * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * (طه: 66). الثالث: ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: * (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) * (البقرة: 102) الرابع: ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانياتها. الخامس: ما يوجد من الطلسمات. 5763 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له: لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لاكنه دعا ودعا، ثم قال: يا عائشة أشعرت أن الله أفتأني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال
279 مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شي؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ناس من أصحابه فجاء فقال: يا عائشة! كأن ماءها نقاعة الحناء أو: كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا، فأمر بها فدفنت. مطابقته للترجمة في قوله: (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل) وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. والحديث مضى في صفة إبليس، بعين هذا الإسناد. قوله: (حدثنا إبراهيم بن موسى) وفي رواية أبي ذر: حدثني بالإفراد. قوله: (عن أبيه) وقع في رواية يحيى القطان عن هشام: حدثني أبي، وسيأتي في رواية ابن عيينة عن ابن جريج: حدثني آل عروة عن عروة، وفي رواية الحميدي: عن سفيان عن ابن جريج حدثني بعض آل عروة عن عروة. قوله: (من بني زريق) بضم الزاي وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالقاف وهم بطن من الأنصار مشهور من الخزرج، وكان بين كثير من الأنصار وبين كثير من اليهود قبل الإسلام حلف وود، فلما جاء الإسلام ودخل الأنصار فيه تبرؤا منهم، والسنة التي وقع فيها السحر سنة سبع، قاله الواقدي، وعن الإسماعيلي: أقام فيه أربعين ليلة، وعند أحمد: ستة أشهر، وعن السهيلي: أنه لبث سنة، ذكره في (جامع معمر) عن الزهري. قوله: (حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه) على صيغة المجهول من التخييل وبعض المبتدعة أنكروا هذا الحديث وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها لأن كل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وتجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع، ورد عليهم ذلك بقيام الدليل على صدقه فيما بلغه من الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر: كالأمراض، وقيل: لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك، وقال عياض: السحر تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده، والدليل عليه ما روى في مرسل سعيد بن المسيب: حتى كاد ينكر بصره. قوله: (حتى إذا كان ذات يوم) لفظ: ذات، مقحم للتأكيد. وقال الزمخشري: هو من إضافة المسمى إلى اسمه، وقال الكرماني: ذات يوم، بالرفع، ويروى بالنصب. قوله: (أو ذات ليلة) شك من الراوي، وقال بعضهم: الشك من البخاري لأنه أخرجه في صفة إبليس: حتى كان ذات يوم، ولم يشك. قلت: الشك من عيسى بن يونس فإن إسحاق بن راهويه أخرجه في (مسنده) عنه على الشك. قوله: (لكنه دعا ودعا) قال الكرماني: لكنه، للاستدراك فما المستدرك منه؟ فأجاب بقوله: إما هو عندي أي: كان عندي، لكن لم يشتغل بي بل بالدعاء، وإما كان يخيل إليه أنه يفعله أي: كان المتخيل في الفعل لا في القول، والعلم إذ كان دعاؤه على الصحيح والقانون المستقيم، ووقع في رواية ابن نمير عند مسلم: فدعا ثم دعا ثم دعا، وهذا هو المعهود منه أنه كان يكرر الدعاء ثلاثا. قوله: (أشعرت؟) أي: أعلمت. قوله: (أفتاني فيما استفتيته) أي: أجابني فيما دعوته، وفي رواية الحميدي: (أفتاني في أمر استفتيته فيه)، ووقع في رواية عمرة عن عائشة: (إن الله أنبأني بمرضي). قوله: (أتاني رجلان) ووقع في رواية أحمد والطبراني كلاهما عن هشام: (أتاني ملكان)، وسماهما ابن سعد في رواية منقطعة: (جبرائيل وميكائيل عليهما السلام. قوله: (فقعد أحدهما عند رأسي)، الظاهر أن الذي قعد عند رأسه جبريل عليه السلام لخصوصيته به صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل؟) روى النسائي من حديث زيد بن أرقم: (سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن رجلا من اليهود سحرك. عقد لك عقدا في بئر كذا). فدل هذا على أن المسؤول هو جبريل والسائل ميكائيل عليهما السلام. قوله: (ما وجع الرجل؟) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية ابن عيينة: (ما بال الرجل؟) وفي حديث ابن عباس عند البيهقي: ما نرى فيه. فإن قلت: هذا السؤال والجواب: هل كانا والنبي صلى الله عليه وسلم نائم أو في اليقظة؟ قلت: قيل كان ذلك في المنام: إذ لو جاء إليه وهو يقظان كانا يخاطبانه، وهو يسمع، وأطلق في رواية عمرة عن عائشة أنه كان نائما، ووقع عند ابن سعد من حديث ابن عباس
280 بسند ضعيف جدا، فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان، وعلى كل حال رؤيا الأنبياء عليهم السلام، وحي. قوله: (مطبوب) أي: مسحور، يقال: طب الرجل بالضم إذا سحر، فقال: كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا، كما قالوا للديغ: سليم، وقال ابن الأنباري الطب من الأضداد، يقال لعلاج الداء: طب، والسحر من الداء، فيقال له: طب. قوله: (في مشط ومشاطة) المشط بضم الميم وسكون الشين وبضمها وبكسر الميم وإسكان الشين، وأنكر أبو زيد كسر الميم وأثبته أبو عبيد، وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الرأس واللحية، والمشط العظم العريض في الكتف وسلاميات القدم ونبت صغير يقال له مشط الذئب، وقال القرطبي: يحتمل أن يكون الذي سحر فيه النبي أحد هذه الأربعة. قلت: المشهور هو الأول والمشاطة بضم الميم وتخفيف الشين المعجمة ما يخرج من الشعر عند التسريح، وفيه خلاف يأتي في آخر الباب. قوله: (وجف طلع نخلة ذكر) بإضافة جف إلى طلع، وإضافة طلع إلى نخلة، ويروى: طلعة نخلة، وقال الكرماني: التاء في طلعة ونخلة للفرق بين الجنس ومفرده، كتمر وتمرة، وقال عياض: وقع للجرجاني في البخاري، وللعذري في مسلم: جف، بالفاء ولغيرهما بالباء الموحدة، وفي رواية عيسى بن يونس هنا بالفاء، وللكشميهني ولغيره بالباء الموحدة، وفي روايته في بدء الخلق بالفاء للجميع، وفي رواية أبي أسامة للمستملي بالباء الموحدة، وللكشميهني بالفاء، وفي رواية أبي ضمرة في الدعوات بالفاء للجميع، وهو بضم الجيم وتشديد الفاء وعاء طلع النخل: وهو الغشاء الذي يكون عليه. وذكر القرطبي: الذي هو بالفاء وعاء الطلع مثل ما ذكرنا، وبالباء الموحدة داخل الطلعة إذا خرج منها الكفري، قاله شمر، ويطلق الجف على الذكر والأنثى فلذلك وصفه بقوله (ذكر) و (الطلع) ما يطلع من النخل وهو الكمء قبل أن ينشق، ويقال: ما يبدو من الكمء طلع أيضا وهو شيء أبيض يشبه بلونه الإنسان وبرائحته المني. قاله في (المغرب) قوله: (ذروان) بفتح الذال المعجمة وسكون الراء، وحكى ابن التين فتحها وأنه قرأه كذلك، قال: ولكنه بالسكون أشبه، وقال صاحب (التوضيح) وفي بعض نسخه: ذي أروان، بفتح الهمزة وسكون الراء وبالواو والنون، وهو بالمدينة في بني زريق، ووقع في (كتاب الدعوات): منه ذروان في بني زريق وعند الأصيلي عن أبي زيد: ذي أوان، بواو من غير راء، قال ابن قرقول: هو وهم إنما: ذو أوان، موضع آخر على ساعة من المدينة وبه بنى مسجد الضرار. وفي كتاب البكري: قال القتبي: هي بئر أروان، بالهمزة مكان الذال، وقال الأصمعي: وبعضهم يخطئ ويقول: ذروان قوله: (فأتاها) أي: فأتى البئر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (فجاء) أي: لما أتاها النبي صلى الله عليه وسلم وشاهدها، ثم رجع فجاء إلى عائشة وأخبرها، وفي رواية وهيب: فلما رجع قال: يا عائشة، وفي رواية أبي أسامة: فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى البئر فنظر إليها ثم رجع إلى عائشة. قوله: (نقاعة الحناء) بضم النون وتخفيف القاف، أراد أن ماء هذا البئر لونه كلون الماء الذي ينقع فيه الحناء، يعني: أحمر، والحناء بالمد معروف. وقال القرطبي: كان ماء البئر تغير إما لرداءته وطول إقامته، وإما لما خالطه من الأشياء التي ألقيت في البئر. قوله: (وكان رؤوس نخلها رؤوس الشياطين) وفي رواية بدء الخلق كأنه رؤوس الشياطين بدون ذكر النخل، شبهها برؤوس الشياطين في وحاشة منظرها وسماجة شكلها، وهو مثل في استقباح الصورة، قال الفراء: فيه ثلاثة أوجه. أحدها: أن يشبه طلعها في قبحه برؤوس الشياطين لأنهاموصوفة بالقبح. الثاني: أن العرب تسمى بعض الحيات شيطانا الثالث: نبت قبيح يسمي رؤوس الشياطين، قيل إنه يوجد باليمين فإن قلت: كيف شبهه بها ونحن لم نرها؟ قلت: على قول من قال: هي نبت أو حيات، ظاهر. وعلى القول الثالث: إن المقصود ما وقع عليه التعارف من المعاني، فإذا قيل: فلان شيطان، فقد علم أن المعنى خبيث قبيح، والعرب إذا قبحت مذكرا شبهته بالشيطان، وإذا قبحت مؤنثا شبهته بالغول، ولم ترها. والشيطان نونه أصلية ويقال: زائدة. قوله: (قلت: يا رسول الله) القائلة هي عائشة، ويروى: أفلا استخرجته. قوله: (قد عافاني الله) يحتمل معنيين: أحدهما: لما عافاني الله من مرض السحر فلا حاجة إلى استخراجه، والآخر: عافاني الله من الاشتغال باستخراج ذلك، لأن فيه تهييج الشر، وما أنا بفاعل لذلك. قوله: (أن أثور) بفتح الثاء المثلثة وتشديد الواو، ويروى: أن أثير، من الإثارة، وكلاهما بمعنى واحد. قوله: (شرا) منصوب لأنه مفعول: أثور، وفي رواية الكشميهني سوء وهو تعليم المنافقين السحر من ذلك ويؤذون المسلمين به، وهذا من باب ترك مفسدة لخوف مفسدة أعظم منها، ووقع في رواية ابن عيينة أنه استخرجه، وأن
281 سؤال عائشة إنما وقع عن النشر فأجابها بلا، وفي رواية عمرة عن عائشة: فنزل رجل فاستخرجه، وفيه من الزيادة أنه وجد في الطلعة تمثالا من شمع، تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا فيه إبر مغروزة وإذا وترفيه إحدى عشرة عقدة، فنزل جبريل عليه السلام بالمعوذتين، فكلما قرأ آية انحلت عقدة، وكلما نزع إبرة وجد لها ألما، ثم يجد بعدها راحة. وقوله: (على الناس) فيه تعميم ووقع في رواية ابن نمير: على أمتي، وهو أيضا قابل للتعميم، لأن الأمة تطلق على أمة الإجابة، وأمة الدعوة، وعلى ما هو أعم، وهو يرد على من زعم: أن المراد بالناس هنا لبيد بن الأعصم، لأنه كان منافقا فأراد صلى الله عليه وسلم أن لا يثير عليه شرا، لأنه كان يؤثر الإغضاء عمن يظهر الإسلام ولو صدر منه ما صدر، ووقع في حديث عمرة عن عائشة: فقيل: يا رسول الله! لو قتلته. قال: ما وراءه من عذاب الله أشد، وفي رواية عمرة: فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف فعفا عنه، وقد تقدم في كتاب الجزية قول ابن شهاب: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله. وأخرج ابن سعد من مرسل عكرمة: أنه لم يقتله، ونقل عن الواقدي أن ذلك أصح من رواية من قال: إنه قتله. قوله: (فأمر بها) أي: بالبئر (فدفنت). تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد عن هشام. أي: تابع عيسى يونس هؤلاء الثلاثة في روايتهم عن هشام بن عروة. الأول: أبو أسامة حماد بن أسامة ويأتي موصولا بعد بابين، وهو: باب السحر، فإنه أخرجه هناك عن عبيد بن إسماعيل عن هشام إلى آخره. الثاني: أبو ضمرة، بفتح الضاد المعجمة وإسكان الميم وبالراء: أنس بن عياض الليثي المدني، وسيأتي موصولا في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى. الثالث: ابن أبي الزناد، بالزاي والنون عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان مفتي بغداد. وقال الليث وابن عيينة عن هشام: في مشط ومشاقة. أي: قال الليث بن سعد وسفيان بن عيينة في روايتهما عن هشام بن عروة: في مشط ومشاقة، بضم الميم وتخفيف الشين المعجمة وبالقاف، قال الكرماني: ما يغزل من الكتان. قلت: المشاقة ما يتقطع من الكتان عند تخليصه وتسريحه، وقيل: المشاقة هي المشاطة بعينها، والقاف بدل من الطاء لقرب المخرج، وفيه نظر. ويقال: المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط، والمشاقة من مشاقة الكتان. وهي رواية أبي ذر قوله: (مشط) على صيغة المجهول. قوله: (والمشاقة من مشاقة الكتان)، والصواب: المشاقة من الكتان، إلا إذا فتح الميم من مشاقة الكتان، ويكون معنى المشاقة من: مشق الكتان، وهو تخليص الكتان منه. 48 ((باب الشرك والسحر من الموبقات)) أي: هذا باب في بيان أن الشرك بالله والسحر من الموبقات أي: المهلكات، وهو جمع موبقة، من أوبق يقال: وبق يبق من باب ضرب يضرب، ووبق يوبق من باب علم إذا هلك، وأوبقه غيره فهو موبق بفتح الباء، والفاعل موبق بكسرها، وهذا الباب لم يذكره ابن بطال وغيره، وحذف الحديث أيضا لكونه سلف في الوصايا. 5764 حدثني عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر. (انظر الحديث: 2766 وطرفه). مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني، وسليمان هو ابن بلال، وثور بلفظ الحيوان المشهور ابن زيد الدئلي المدني، وأبو الغيث بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة سالم مولى عبد الله بن مطيع، وهكذا أورد الحديث مختصرا، وقد تقدم في كتاب الوصايا في: باب قول الله تعالى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * (النساء: 10) الآية فإنه أخرجه هناك بكماله بعين هذا الإسناد عن عبد العزيز بن عبد الله عن سليمان الخ... قال بعضهم: النكتة في اقتصاره على اثنتين من السبع هنا الرمز إلى تأكيد أمر السحر، وظن بعض الناس أن هذا القدر جملة الحديث، فقال: ذكر الموبقات وهو صيغة جمع وفسرها باثنتين فقط، وهو من قبيل قوله تعالى: * (فيه آيات بينات مقام إبراهيم
282 ومن دخله كان آمنا) * (آل عمران: 97) فاقتصر على اثنتين فقط، فهذا على أحد الأقوال في الآية ولكن ليس الحديث كذلك فإنه في الأصل: سبعة، حذف منها البخاري خمسة، وليس شأن الآية كذلك انتهى. قلت: النكتة في اقتصاره على اثنتين من السبع هنا الرمز إلى تأكيد أمر السحر كلام واه جدا، لأنه لو ذكر الحديث كله مع وضع الترجمة المذكورة له لما كان فيه رمز إلى تأكيد أمر السحر. قوله: (وظن بعض الناس) الخ... أراد به الكرماني، ولكن الذي ذكره تقول على الكرماني فإنه لم يقل أن هذا القدر جملة الحديث بل صرح بقوله: هذا الذي في الكتاب مختصر من مطول، ولهذا ذكر الاثنتين فقط. وقوله: وليس شأن الآية كذلك، كلام مردود، وكيف لا يكون كذلك فإنه ذكر فيه أولا. * (فيه آيات بينات) * فهذا يتناول العدد الكثير ثم ذكر منه اثنين فقط، وهما: مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وقوله: * (ومن دخله كان آمنا) * وقد ذكر الزمخشري فيه وجوها كثيرة، فمن أراد الوقوف عليه فليرجع إليه. قوله: (الشرك بالله والسحر) قال ابن مالك: يجوز الرفع فيهما على تقدير: منهن. قلت: الأحسن أن يقال: إن التقدير الأول: الشرك بالله والثاني السحر، وكذلك يقدر في البواقي هكذا فيكون وجه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. 49 ((باب هل يستخرج السحر)) أي: هذا باب في بيان: هل يستخرج السحر، إنما ذكره بحرف الاستفهام إشارة إلى الاختلاف فيه. وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه. لما ذكر الترجمة بالاستفهام أورد الذي روى عن قتادة إشارة إلى ترجيح جواز استخراج السحر وعلقه عن قتادة، ووصله أبو بكر الأثرم في (كتاب السنن) من طريق أبان العطار مثله. قوله: (به طب) بكسر الطاء وتشديدذ الباء أي: سحر. قوله: (أو يؤخذ) بضم الياء آخر الحروف وفتح الهمزة على الواو وتشديد الخاء المعجمة وبالذال المعجمة أي: يحبس الرجل عن مباشرة امرأته ولا يصل إلى جماعها، وهذا هو المشهور بعقد الرجل، وقال الجوهري: الأخذة بالضم الرقية كالسحر، أو حرزة يؤخذ بها الرجال عن النساء من التأخيذ. قوله: (أيحل؟) بهمزة الاستفهام على صيغة المجهول. قوله: (أو ينشر؟) بضم الياء آخر الحروف وفتح النون وتشديد الشين المعجمة وبالراء على صيغة المجهول أيضا: من التنشير من النشرة، بضم النون وسكون الشين وهي كالتعويذ والرقية يعالج به المجنون ينشر عنه تنشيرا، وكلمة: أو، يحتمل أن تكون شكا وأن تكون تنوعا شبيها باللف والنشر، بأن يكون الحل في مقابلة الطب والتنشير في مقابلة التأخيذ. قوله: (فأما) ما ينفع، ويروى: ما ينفع الناس فلم ينه عنه على صيغة المجهول. 5765 حدثني عبد الله بن محمد قال: سمعت ابن عيينة، يقول: أول من حدثنا به ابن جريج يقول: حدثني آل عروة عن عروة، فسألت هشاما عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يراى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذاا، فقال: يا عائشة! أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم، رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقا قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاقة. قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان. قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه، فقال: هاذه البئر التي أريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء
283 وكأن نخلها رؤوس الشياطين. قال: فاستخرج. قالت: فقلت: أفلا؟ أي: تنشرت. فقال: أما والله فقد شفاني الله وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا. مطابقته للترجمة في قوله: (حتى استخرجه) وفي قوله: (فاستخرج) وهذا الحديث قد مضى في: باب السحر، عن قريب أخرجه عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن آل عروة إلى آخره، وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى. قوله: (قال سفيان) هو ابن عيينة، وهو موصول بالسند المذكور. قوله: (تحت راعوفة) هكذا بزيادة ألف في رعوفة رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: تحت رعوفة، وقال ابن التين: راعوفة رواية الأصيلي فقط، وهو عكس ما قاله الأكثرون، ووقع في مرسل عمر بن الحكم: ارعوفة، ووقع عند أحمد: رعوثة، بثاء مثلثة بدل الفاء والمشهور في الروايات راعوفة،. وهو حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي، وقد يكون في أسفل البئر إذا حفرت. وقال أبو عبيد: هي صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفر تجلس عليها الذي ينظف البئر، وقيل: هي حجر تأتي في بعض البئر صلبا لا يمكنهم حفره فيترك على حاله، وفي (التلويح). راعوفة البئر وراعوفها وأرعوفتها. حجر تأتي على رأسها إلى آخر ما ذكرناه أولا وقال الزهري: قال شمر عن خالد: راعوفة البئر النظافة، قال: وهي مثل عين على قدر حجر العقرب، نيط في أعلى الركبة، فيجاوزونها في الحفر خمس قيم، وأكثر فربما وجدوا ماء كثيرا، قال شمر: من ذهب بالراعوفة إلى النظافة فكأنه أخذه من رعاف الأنف وهو سيلان دمه وقطراته، ومن ذهب بالراعوفة إلى الحجر الذي يتقدم طي البئر فهو من رعف الرجل أو الفرس إذا تقدم وسبق، وكذلك: استرعف. قوله: (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه) إلى أن قال: (فاستخرج) كذا وقع في رواية سفيان بن عيينة، وفي رواية عيسى بن يونس: قلت: يا رسول الله! أفلا استخرجته؟ وفي رواية وهيب: فقلت: يا رسول الله! فأخرجه للناس. وفي رواية ابن نمير: أفلا أخرجته؟ قال: لا، وكذا في رواية أبي أسامة التي تأتي بعد هذا الباب. وقال ابن بطال: ذكر المهلب أن الرواة اختلفوا على هشام في إخراج السحر المذكور فأثبته سفيان، وجعل سؤال عائشة عن النشرة ونفاه عيسى بن يونس، وجعل سؤالها عن الاستخراج ولم يذكر الجواب. وأجيب: بأن رواية سفيان مر جحة لتقدمه في الضبط والإتقان، ولا سيما أنه كرر استخراج السحر في روايته مرتين، فبعد من الوهم وزاد ذكر النشرة، والزيادة منه مقبولة. وقيل: استخراج المنفي غير استخراج المثبت في رواية سفيان، فالمثبت هو استخراج الجف والمنفي استخراج ما حواه، ووقع في رواية عمرة: فاستخرج جف طلعة من تحت راعوفة. فإن قلت: وقع في رواية أبي أسامة: أفلا أخرجته، ووقع عند مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة: أفلا أحرقته؟ بالحاء المهملة والقاف من الإحراق قلت: قال النووي: كلتا الروايتين صحيحة، كأنها أي: كأن عائشة طلبت أن يخرجه ثم يحرقه، وقيل: رواية أبي كريب شاذة وأغرب من هذا أن القرطبي جعل الضمير في: أحرقته، للبيد بن أعصم. قوله: (التي أريتها) على صيغة المجهول. قوله: فقلت: أفلا؟ (أي: تنشرت) ووقع في رواية الحميدي: فقلت: يا رسول الله! فهلا؟ قال سفيان: يعني: تنشرت. قوله: (أي تنشرت) تفسير لقوله: (أفلا) فكان سفيان عين الذي أرادت بقولها: أفلا، فلم يستحضر اللفظ فذكره بالمعنى، وقال الكرماني: قوله: (أفلا. أي: تنشرت) بزيادة كلمة التفسير، ويروى أفلا آتي بنشرة، بلفظ المجهول ماضي الإتيان، ثم قال: والنشرة بضم النون وسكون الشين المعجمة، وهي الرقية التي بها يحل عقد الرجل عن مباشرة الأهل، وهذا يدل على جواز النشرة، وأنها كانت مشهورة عندهم ومعناها اللغوي ظاهر فيها، وهو نشر ما طوى الساحر، وتفريق ما جمعه. فإن قلت: روى عبد الرزاق عن عقيل بن معقل عن همام بن منبه قال: سئل جابر بن عبد الله عن النشرة؟ فقال: من عمل الشيطان قلت: ترك النبي صلى الله عليه وسلم الإنكار على عائشة لما ذكرت له النشرة دليل الجواز، وما روي عن جابر فمحمول على نشرة بألفاظ لا يعلم معانيها. وقال الشعبي: لا بأس بالنشرة العربية التي لا تضر إذا وطئت، وهي أن يخرج الإنسان في موضع عضاء فيأخذ عن يمينه وشماله من كل ثم بذيبه ويقرأ فيه، ثم يغتسل به، وفي كتب وهب بن منبه: أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقها بين حجرين ثم يضربها بالماء، ثم يقرأ
284 فيه آية الكرسي وذوات: قل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به، فإنه يذهب عنه كل عاهة وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله. 50 ((باب السحر)) أي: هذا باب في بيان السحر وهو مكرر بلا فائدة لأنه ذكر فيما قبل بابين فلذلك بعض الرواة أسقطه، وكذا ابن بطال والإسماعيلي وغيرهما لم يذكروه، وهو الصواب. 5766 حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة، قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق، قال: فيماذا؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان. قال فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها فقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين. قلت: يا رسول الله! أفأخرجته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شرا وأمر بها فدفنت. تكرر هذا الحديث على اختلاف رواته وألفاظه، وقد مضى الكلام فيه. قوله: (أنه يفعل الشيء وما فعله) وفي رواية الكشميهني، هذا بكماله إلى آخره، وكذا المستملي كلاهما من رواية أبي أسامة حماد بن أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة، ووقع في هذه الرواية ذي أروان، وقد مر الكلام في بيان اختلافه. 51 ((باب من البيان سحر)) أي: هذا باب يذكر يه من البيان سحر في رواية الأصيلي، والكشميهني، وفي رواية المستملي السحر بالألف واللام. 5767 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحرا، أو: إن بعض البيان لسحر. (انظر الحديث: 5146). مطابقته للترجمة في لفظ: البيان سحر، فقط، لأن لفظ الحديث: إن من البيان إلى آخره، ومضى الحديث أيضا في كتاب النكاح في: باب الخطبة: إن من البيان سحرا، بدون لام التأكيد في خبر: إن، وكذا لفظ أبي داود أخرجه في كتاب الأدب في: باب رواية الشعر من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ولفظ الترمذي: إن من البيان سحرا، أو: إن بعض البيان سحر، أخرجه في أبواب البر عن قتيبة عن عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم، ومضى الكلام فيه في كتاب النكاح، ولنذكر بعض شيء. فقال ابن بشكوال: رواه أكثر رواة (الموطأ) مرسلا ليس فيه ابن عمر، وقال ابن بطال: الرجلان هما: عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر، وقال أبو عمر وبن الأهتم التميمي المنقري أبو ربعي، والأهتم أبوه اسمه سنان بن خالد بن سمي، قدم وافدا في وجوه قومه من بني تميم فأسلم، وذلك في سنة تسع من الهجرة، وكان فيمن قدم معه الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم البهدلي السعدي التميمي، يكنى أبا عياش، فأسلم وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه، وأقره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على ذلك. وقال الأصمعي: الزبرقان القمر، والزبرقان الرجل الخفيف
285 اللحية واسمه الحصين بن بدر، وإنما سمى الزبرقان لحسنه شبه بالقمر، وقد ذكرنا خطبة الزبرقان في كتاب النكاح وما جرى له مع عمرو بن الأهتم. واختلف العلماء في تأويل الحديث المذكور، فقال قوم من أصحاب مالك: إنه خرج على الذم للبيان، ولهذا مالك أدخله في: باب ما يكره من الكلام، وقالوا: إنه صلى الله عليه وسلم شبه البيان بالسحر والسحر مذموم محرم قليله وكثيره، وذلك لما في البيان من التفيهق وتصوير الباطل في صورة الحق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون، ويقال: الرجل يكون على الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق، وقال آخرون: هو كلام خرج على مدح البيان، واستدلوا عليه بقوله في الحديث. فعجب الناس لبيانهما، قالوا. والإعجاب لا يكون إلا بما يحسن ويطيب سماعه، قالوا: وتشبيهه بالسحر مدح لأن معنى السحر الاستمالة، وكل من استمالك فقد سحرك، وكان صلى الله عليه وسلم أمين الناس بفضل البلاغة لبلاغته فأعجبه ذلك القول واستحسنه، فلذلك شبهه بالسحر. ويقال: أحسن ما يقال في هذا الحديث إنه ليس بذم للبيان كله ولا بمدح له كله، ألا ترى أن فيه كلمة من للتبعيض؟ وقد شك المحدث أنه قال: إن من البيان أو: إن من بعض البيان، وكيف يذم البيان كله وقد عده نعمة على عبيده؟ فقال: * (خلق الإنسان علمه البيان) * (الرحمن: 3 4) قوله: (من المشرق) أراد به النجد لأنه في شرق المدينة، وهي سكنى بني تميم من جهة العراق. قوله: (سحرا) أي: هو شبيه بالسحر في جلب العقول من حيث إنه خارق للعادة. 52 ((باب الدواء بالعجوة للسحر)) أي: هذا باب في بيان التداوي بالعجوة لأجل السحر، أي: لأجل دفعه وتبطيله، والعجوة نوع من أجود التمر بالمدينة. وقال الداودي: هو من وسط التمر، وقال ابن الأثير: هو أكبر من التمر الصيحاني يضرب إلى السواد، وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيد في المدينة. 5768 حدثنا علي حدثنا مروان أخبرنا هاشم أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل، وقال غيره: سبع تمرات. مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي هو ابن عبد الله بن المديني فيما ذكره أبو نعيم في (المستخرج) والمزي في (الأطراف) وقال الكرماني في بعض النسخ: علي بن سلمة، بفتح اللام اللبقى بالباء الموحدة المفتوحة وبالقاف، وقال بعضهم: ما عرفت سلفه فيه. قلت: مقصوده التشنيع على الكرماني بغير وجه لأنه ما ادعى فيه جزما أنه علي بن سلمة، وإنما نقله عن نسخة هكذا، ولو لم تكن النسخة معتبرة لما نقله منها، ومروان هو ابن معاوية الفزاري، وهاشم هو ابن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص يروى عن ابن عمر عن أبيه عامر بن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة. والحديث قد مضى في كتاب الأطعمة في: باب العجوة. قوله: (من اصطبح) في رواية أبي أسامة: من تصبح، وكذا في الرواية المتقدمة في الأطعمة، وكذا في رواية مسلم من حديث ابن عمرو كلاهما بمعنى التناول صباحا، وأصل الصبوح والاصطباح تناول الشراب صبحا ثم استعمل في الأكل ومقابلة الصبوح الغبوق والاغتباق، وحاصل معنى قوله: (من اصطبح) أي: من أكل في الصباح (كل يوم تمرات) لم يذكر العدد في رواية علي المذكور شيخ البخاري، ووقع في غير هذه الرواية مقيدا بسبع تمرات على ما يجيء. قوله: (تمرات) منصوب بقوله: (اصطبح) قوله: (عجوة) يجوز فيه الإضافة بأن يكون تمرات مضافة إلى العجوة كما في قولك: ثياب خزو ويجوز فيها التنوين على أنه عطف بيان أو صفة لتمرات، وقال بعضهم: يجوز النصب منونا على تقدير فعل أو على التمييز. قلت: فيه تأمل لا يخفى. قوله: (سم) بتثليث السين فيه. قوله: (ذلك اليوم) أي: في ذلك اليوم. قوله: (وقال غيره) أي: غير علي شيخ البخاري: (سبع تمرات) بزيادة لفظة سبع. ثم الكلام فيه على أنواع. الأول: قيد بقوله: اصطبح، لأن المراد تناوله بكرة النهار حتى إذا تعشى بتمرات لا تحصل الفائدة المذكورة، هذا تقييد بالزمان، وجاء في رواية أبي ضمرة التقييد بالمكان أيضا، ولفظه: من تصبح
286 بسبع تمرات عجوة من تمر العالية، والعالية القرى التي في جهة العالية من المدينة، وهي جهة نجد، وله شاهد عند مسلم من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة بلفظ: في عجوة العالية شفاء في أول البكرة. الثاني: قيد التمرات بالعجوة لأن السر فيها أنها من غرس النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكرنا، ووقع في رواية النسائي من حديث جابر رفعه: العجوة من الجنة، وهي شفاء من السم، وقال الخطابي: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة، لا لخاصية في التمر، وقال ابن التين: يحتمل أن يكون نخلا خاصا من المدينة لا يعرف الآن، وقيل: يحتمل أن يكون ذلك لخاصية فيه، وقيل: يحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمانه صلى الله عليه وسلم، وهذا يرده وصف عائشة لذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال المازري: هذا مما لا يعقل معناه في طريقة علم الطب، ولعل ذلك كان لأهل زمنه صلى الله عليه وسلم خاصة، أو لأكثرهم. الثالث: التقييد بالعدد المذكور، وقال النووي: خصوص كون ذلك سبعا لا يعقل معناه كأعداد الصلوات، ونصب الزكوات، وقد جاء هذا العدد في مواطن كثيرة من الطب، كحديث: صبوا علي من سبع قرب، وقوله للمفؤد الذي وجهه للحارث بن كلدة أن يلده بسبع تمرات، وجاء تعويذه بسبع مرات، وقيل: وجه التخصيص فيه لجمعه بين الأفراد والأشفاع لأنه زاد على نصف العشرة، وفيه أشفاع ثلاثة وأوتار أربعة، وهو من نمط غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا. الرابع: التقييد بقوله: (ذلك اليوم إلى الليل) مفهومه أن الفائدة المذكورة فيه ترتفع إذا دخل الليل في حق من تناوله في أول النهار، لأن في ذلك الوقت كان تناوله على الريق، وقال بعضهم: يحتمل أن يلحق به من يتناوله أول الليل على الريق كالصائم، قلت: في حديث ابن أبي مليكة: شفاء في أول البكرة، أو ترياق، وهذا يدفع الاحتمال المذكور. 5769 حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو أسامة حدثنا هاشم بن هاشم قال: سمعت عامر بن سعد سمعت سعدا رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر. هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن إسحاق بن منصور بن بهرام المروزي عن أبي أسامة حماد بن أسامة إلى آخره. قوله: (سبع تمرات) وفي رواية الكشميهني: بسبع تمرات، بزيادة الباء الموحدة. 53 ((باب لا هامة)) أي: هذا باب يذكر فيه: لا هامة، وقد مر تفسيره في: باب الجذام، وهو بتخفيف الميم في رواية الكافة، وخالفهم أبو زيد فقال: هي بالتشديد فكأنه يجعله من باب: هم بالأمر إذا عزم عليه، ومنه الحديث: كان يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام فيقول: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل سامة وهامة، والهامة كل ذات سم تقتل، والجمع: الهوام، فأما ما يسم ولا يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور، وقد يقع الهوام على ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات. 5770 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله! فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول. مطابقته للترجمة في قوله: (ولا هامة) وعبد الله بن محمد المسندي، وبقية الرجال قد تكررت في الكتاب. والحديث مضى في: باب لا صفر، فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز عن إبراهيم بن سعد عن أبي صالح عن ابن شهاب عن أبي سلمة وغيره، وأخرجه
287 أبو داود في الطب عن محمد بن المتوكل العسقلاني وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن محمد بن عبد الأعلى. قوله: (لا عدوى) أي: لا سراية للمرض عن صاحبه إلى غيره، وقد مر تحقيقه غير مرة، وكذا مر تفسير قوله: (ولا صفر ولا هامة) في: باب الجذام. قوله: (فما بال الإبل) بالباء الموحدة أي: فما شأنها. قوله: (كأنها الظباء) بكسر الظاء المعجمة جمع ظبي، شبهها بها في صفاء بدنها وسلامتها من الجرب وغيره من الأدواء. قوله: (فيخالطها) من المخالطة، يعني: يدخل البعير الأجرب بين الإبل الصحاح عن الجرب فيجربها، بضم الياء، يعني: يعدي جربه إليها فتجرب. قوله: فمن أعدى الأول؟ أي من أجرب البعير الأول، يعني ممن سرى إليه الجرب؟ فإن قلت: من بعير آخر يلزم التسلسل، وإن قلت: بسبب آخر، فعليك بيانه، وإن قلت: إن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني، ثبت المدعي، وهو أن الذي فعل في الجميع ذلك هو الله الخالق القادر على كل شيء، وهذا جواب من النبي صلى الله عليه وسلم في غاية البلاغة والرشاقة. 5771 حدثنا وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة بعد يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يوردن ممرض على مصح. وأنكر أبو هريرة حديث الأول، قلنا: ألم تحدث أنه لا عدوى؟ فرطن بالحبشية. قال: أبو سلمة: فما رأيته نسي حديثا غيره. (انظر الحديث: 5771 طرفه في: 5774). قوله: وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة، عطف على قوله: عن أبي سلمة عن أبي هريرة. قوله: (بعد) أي بعد أن سمع منه لا عدوى إلى آخره. يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يوردن ممرض) إلى آخره. قوله: (لا يوردن) بنون التأكيد للنهي عن الإيراد وفي رواية مسلم: لا يورد، بلفظ النفي وهو خبر بمعنى النهي، ومفعول: لا يوردن محذوف تقديره: لا يوردن ممرض ماشية على ماشية مصح. قوله: (ممرض) بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الراء وبالضاد المعجمة، وهو اسم فاعل من الإمراض من أمرض الرجل إذا وقع في ماله آفة، والمراد بالممرض هنا الذي له إبل مرضى. قوله: (على مصح) بضم الميم وكسر الصاد المهملة وتشديد الحاء، وهو الذي له إبل صحاح، والتوفيق بين الحديثين بما قاله ابن بطال وهو: أن لا عدوى، إعلام بأنها لا حقيقة لها، وأما النهي فلئلا يتوهم المصح أن مرضها من أجل ورود المرضى عليها فيكون داخلا بتوهمه ذلك في تصحيح ما أبطله النبي صلى الله عليه وسلم من العدوي. وقال النووي: المراد بقوله: (لا عدوى) يعني: ما كانوا يعتقدونه أن المرض يعدي بطبعه، ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدرة الله تعالى وجعله، وبقوله: (لا يوردن) الإرشاد إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله وقدره، وقيل: النهي ليس للعدوى بل للتأذي بالرائحة الكريهة ونحوها. قوله: (وأنكر أبو هريرة الحديث الأول) وهو قوله: (لا عدوى) إلى آخره، ووقع في رواية المستملي والسرخسي: حديث الأول، بالإضافة وهو من قبيل قولهم: مسجد الجامع. قوله: (قلنا ألم تحدث) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا عدوى) الخ... القائل أبو سلمة ومن معه في ذلك الوقت أي: قلنا لأبي هريرة ألم تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا عدوى إلى آخره. قوله: (فرطن بالحبشية) قال الكرماني: أي تكلم بالعجمية أي: تكلم بما لا يفهم، والحاصل في ذلك أنه غضب فتكلم بما لا يفهم، ولا رطانة بالحبشية هنا حقيقة. قوله: (فما رأيته) أي: أبا هريرة. قوله: (غيره) أي: غير الحديث الذي هو قوله: لا عدوى إلى آخره. فإن قلت: قد مضى في: باب حفظ العلم، أن أبا هريرة قال: فما نسيت شيئا بعده أي: بعد بسط الرداء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: هو قال: ما رأيته نسي، ولا يلزم من عدم رؤيته النسيان نسيانه. وقال في (صحيح مسلم) بهذه العبارة: لا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر، وقال ابن التين: لعل أبا هريرة كان سمع هذا الحديث قبل أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديث: من بسط رداءه ثم ضمه إليه لم ينس شيئا سمعه من مقالتي، وقيل: المراد أنه لا ينسى تلك المقالة التي قالها ذلك اليوم، لا أنه ينتفي عنه النسيان أصلا، وقيل: كان الحديث الثاني ناسخا للأول فسكت عن المنسوخ، وفيه نظر لا يخفى. 54 ((باب لا عدواى))
288 أي: هذا باب فيه ذكر لا عدوى، وقد أسقط ابن بطال هذا الباب من أصله والصواب معه. 5772 حدثناسعيد بن عفير قال: حدثني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله وحمزة أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا طيرة إنما الشؤم في ثلاث: في الفرس والمرأة والدار. مطابقته للترجمة في قوله: (لا عدوى) والحديث قد مر في: باب لا طيرة، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، وزاد في هذه الرواية بعد سالم حمزة وهو أخو سالم، وتقدم في أوائل النكاح من طريق مالك عن الزهري عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر، وفي تصريح الزهري فيه بقوله: أخبرني سالم، دفع لتوهم انقطاعه بسب ما رواه ابن أبي ذئب عن الزهري، فأدخل بين الزهري وسالم رجلا وهو محمد بن زيد بن قنفذ، فيدل على أن الزهري حمله من محمد بن زيد عن سالم ثم سمعه عن سالم، وبقية معناه قد مرت هناك. 5774 ق ال أبو سلمة بن عبد الرحمان: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا توردوا الممرض على المصح (انظر الحديث: 5771). 5775 وعن الزهري قال: أخبرني سنان بن أبي سنان الدولي أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى، فقام أعرابي فقال: أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء فيأتيها البعير الأجرب فتجرب؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول؟. مطابقته للترجمة في قوله: (لا عدوى) وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة: والحديث مضى في: باب لا صفر، عن قريب ومضى الكلام فيه. قوله: (لا توردوا) ويروى على صيغة المجهول. قوله: (وعن الزهري) موصول بما قبله وسنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى ابن أبي سنان واسمه يزيد بن أمية، وليس له في البخاري عن أبي هريرة سوى هذا الحديث الواحد، وله آخر عن جابر، والدؤلي بضم الدال وكسر الهمزة نسبة إلى الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. قوله: (فتجرب) بفتح الراء على صيغة المعلوم. 5776 حدثني محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة. (انظر الحديث: 5756). مطابقته للترجمة في قوله: (لا عدوى) وابن جعفر هو محمد بن جعفر المشهور بغندر وفي بعض النسخ صرح باسمه. والحديث قد مر في: باب الفأل عن قريب، ومضى الكلام فيه. 55 ((باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم)) أي: هذا باب في بيان ما يذكر من سم النبي، صلى الله عليه وسلم وإضافة السم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الإضافة إلى المفعول وطوى فيه ذكر الفاعل. وقال الكرماني: سم، بالحركات الثلاث. قلت: ليس في هذا المحل فإن السين فيه مفتوحة جزما لأنه مصدر، والحركات الثلاث عند كونه اسما، فافهم.
289 رواه عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: روى سم النبي صلى الله عليه وسلم عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكره معلقا أيضا في آخر المغازي، فقال: قال يونس عن ابن شهاب، قال عروة. قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة! ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم. وقد وصله البزار وغيره. 5777 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود، فجمعوا له، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم، بل أبوكم فلان فقالوا: صدقت وبررت، فقال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أهل النار؟ فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخسؤا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا، ثم قال لهم: فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم. فقال: هل جعلتم في هاذه الشاة سما؟ فقالوا: نعم. فقال: ما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إن كنت كذابا نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك. (انظر الحديث: 3169 وطرفه). مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (هل جعلتم في هذه الشاة سما) والحديث مضى في الجزية والمغازي. قوله: (أهديت) على صيغة المجهول من الإهداء. وقوله: (شاة) مرفوع به ولم يعرف المهدي من هو، وأوضح ذلك ما تقدم في الهبة من حديث أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم، بشاة مسمومة فأكل منها الحديث، فعلم من ذلك أن التي أهدت هي امرأة يهودية ولكن ليس فيه بيان اسمها، وقد تقدم في المغازي أنها زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم، فعلم منه أن اسمها زينب. قوله: (فهل أنتم صادقي) بكسر الدال والقاف وتشديد الياء وأصله، فهل أنتم صادقونني، فلما أضيف لفظ: (صادقون) إلى ياء المتكلم حذفت النون لأجل الإضافة، فالتقى ساكنان: واو الجمع وياء المتكلم، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصار: صادقي بضم القاف وتشديد الياء، ثم أبدلت ضمة القاف كسرة لأجل الياء، فصار: صادقي، بكسر القاف وتشديد الياء، ووقع في بعض النسخ: فهل أنتم صادقوني، في ثلاث مواضع، وقال ابن التين: والأول هو الصواب، وقال بعضهم إنكار ابن التين الرواية من جهة العربية ليس بجيد، ثم ذكر عن ابن مالك ما حاصله أن نون الجمع حذفت ونون الوقاية أبقيت. قلت: ابن التين لم ينكر الرواية، وكيف يشنع عليه بما لم يقل به. وقوله: والأول هو الصواب، يعني بالنسبة إلى قواعد العربية، ولكون ما ذكره هو الأصل فيها. قوله: (وبررت) بكسر الراء الأولى، وفي (التوضيح): وحكي فتحها، ومعناه: أحسنت. قوله: (ثم تخلفوننا) بضم اللام المخففة أي: تدخلون فتقيمون في المكان الذي كنا فيه، وقال بعضهم: وضبطه الكرماني بتشديد اللام. قلت: لم يضبط الكرماني كذا، وإنما قال: تخلفوننا، بالادغام والفك، وقد أخرج الطبري من طريق عكرمة، قال: خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا: لن ندخل النار إلا أربعين ليلة وسيخلفنا إليها قوم آخرون، يعنون محمدا وأصحابه،
290 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رؤوسهم: بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفنكم فيها أحد، فأنزل الله تعالى: * (وقالوا لن تمسنا إلا أياما معدودات) * (آل عمران: 24) الآية. قوله: (اخسؤا فيها) من خسأت الكلب إذا طردته وخسا الكلب بنفسه يتعدى ولا يتعدى. قوله: (إن كنت كذابا) هكذا رواية المستملي والسرخسي، وفي رواية غيرهما: إن كنت كاذبا. قوله: (وإن كنت نبيا لم يضرك) يعني: على الوجه المعهود من السم، وفي مرسل الزهري: أنها أكثرت السم في الكتف والذراع لأنه بلغها أن ذلك كان أحب الأعضاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف فنهس منها، وفيه: فلما ازدرد لقمة قال: إن الشاة تخبرني، يعني أنها مسمومة، واختلفوا: هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أو تركها؟ ووقع في حديث أنس رضي الله عنه فقيل: ألا تقتلها؟ قال: لا، ومن المستغرب قول ابن سحنون: أجمع أهل الحديث على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها، واختلف فيمن سم طعاما أو شرابا لرجل فمات منه، فذكر ابن المنذر عن الكوفيين أنه لا قصاص عليه وعلى عاقلته الدية، وقال مالك: إذا استكرهه فسقاه سما فقتله فعليه القود، وعن الشافعي: إذا سقاه سما غير مكره له ففيه قولان: أحدهما: أنه عليه القود، وهو أشبههما، وثانيهما: لا قود عليه، وهو آثم. 56 ((باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث)) أي: هذا باب في بيان شرب السم إلى آخره، وأبهم الحكم اكتفاء بما يفهم من حديث الباب، وهو عدم جوازه لأنه يفضي إلى قتل نفسه فإن قلت: أخرج ابن أبي شيبة وغيره: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه لما نزل الحيرة قيل له: احذر السم لا يسقيكه الأعاجم، فقال: ائتوني به، فأتوه به فأخذه بيده، ثم قال: بسم الله، واقتحمه فلم يضره. قلت: وقع هكذا كرامة لخالد فلا يتأسى به، ويؤكد عدم جوازه حديث أبي هريرة، رضي الله عنه قوله: (والدواء به) أي: وفي بيان التداوي به، وهو أيضا لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. قوله: (وبما يخاف منه) عطف على الجار والمجرور أعني قوله: (به) وإنما جاز لإعادة الجار، وفي بعض النسخ: وما يخاف، بدون حرف الباء، فعلى هذا يكون عطفا على لفظ السم وهو بضم الياء على صيغة المجهول، وقال بعضهم: قال الكرماني: يجوز فتحه، قلت: لم يذكر الكرماني شيئا من ذلك، والمعنى بما يخاف به من الموت أو استمرار المرض. قوله: (والخبيث) أي: والدواء الخبيث ويقع هذا بوجهين: أحدهما: من جهة نجاسبته كالخمر ولحم الحيوان الذي لا يؤكل، والآخر: من جهة استقذاره، فتكون كراهته لإدخال المشقة على النفس، قاله الخطابي. وقد ورد النهي عن تناول الدواء الخبيث، أخرجه أبو داود والترمذي، وصححه ابن حبان. 5778 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن سليمان قال: سمعت ذكوان يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجاء بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. (انظر الحديث: 1365). هذا الحديث يوضح إبهام ما في الترجمة من الحكم، وهو وجه المطابقة بينهما. وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجي البصري، مات في سنة ثمان وعشرين ومائتين، وخالد بن الحارث بن سليمان أبو عثمان البصري، وسليمان هو الأعمش، وذكوان بفتح الذال المعجمة أبو صالح الزيات السمان المديني. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن حبيب. وأخرجه الترمذي في الطب عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمد بن عبد الأعلى. قوله: (من تردى) أي: أسقط نفسه منه. وقال الكرماني: تردى إذا سقط في البئر. قوله: (ومن تحسى) بالمهملتين من باب التفعل بالتشديد، ومعناه: تجرع، وأصله من حسوت المرق حسوا، والحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة، وبالفتح المرة. قوله: (يجاء)، بفتح
291 الياء وتخفيف الجيم وبعد الألف همزة، من وجأته بالسكين إذا ضربته وأصل يجاء يوجيء بكسر الجيم فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة ثم فتحت الجيم لأجل الهمزة. وقال ابن التين: في رواية الشيخ أبي الحسن: يجاء بضم أوله، ولا وجه لذلك، وإنما يبنى للمجهول بإعادة الواو فيقال: يوجأ، ووقع في رواية مسلم: يتوجأ على وزن يتكبر من باب التفعل. قوله: (خالدا مخلدا فيها) أي: في نار جهنم، وجهنم اسم لنار الآخرة غير منصرف إما للعجمة والعلمية، وإما للتأنيث والعلمية، والمراد بذلك إما في حق المستحل أو المراد المكث الطويل لأن المؤمن لا يبقى في النار خالدا مؤبدا. وحكى ابن التين عن غيره: أن هذا الحديث ورد في حق رجل بعينه كافر، فحمله الناقل على ظاهره، وقال بعضهم: هذا بعيد. قلت: لا بعد فيه، فما المانع من ذلك؟ 5779 حدثنا محمد أخبرنا أحمد بن بشير أبو بكر أخبرنا هاشم بن هاشم، قال: أخبرني عامر بن سعد قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر. لم أر أحدا من الشراح ذكر وجه إيراد هذا الحديث في هذا الباب، ولا سيما الشارح الذي يدعي أن في هذا الفن يرجع إليه، وظهر لي فيه شيء من الأنوار الإلهية، وإن كان فيه تعسف، وهو أن الترجمة إنما وضعت للنهي عن استعمال السم مطلقا. ففي الحديث ما يمنع ذلك من الأصل فبين ذكرهما متعاقبين وجه لا يخفى. قوله: (حدثني محمد) كذا وقع في رواية الأكثرين مجردا عن نسبته، ووقع لأبي ذر عن المستملي: محمد بن سلام، وأحمد بن بشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة أبو بكر مولى امرأة عمرو بن حريث الكوفي من أفراد البخاري سوى هذا الموضع، وقال ابن معين: لا بأس به، هكذا رواه عباس الدوري عنه، وقال عثمان الدارمي، عن ابن معين: متروك، ورد عليه الخطيب، وقال: التبس على عثمان بآخر، يقال له: أحمد بن بشير، لكن كنيته أبو جعفر وهو بغدادي من طبقة صاحب الترجمة، فلأجل ذلك قيد البخاري أحمد بن بشير بذكر كنيته أبو بكر دفعا للالتباس، مات هو بعد وكيع بخمسة أيام، ومات وكيع سنة تسع وتسعين ومائة. والحديث قد مر عن قريب في: باب الدواء بالعجوة. 57 ((باب ألبان الأتن)) أي: هذا باب في بيان حكم ألبان الأتن، وبيان الحكم في الحديث. والأتن بضم الهمزة والتاء المثناة من فوق: جمع أتان، وهي الحمارة. 5780 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السبع قال الزهري: ولم أسمعه حتى أتيت الشأم. (انظر الحديث: 5530 وطرقه). 5781 وزاد الليث، قال: حدثني يونس عن ابن شهاب قال: وسألته: هل نتوضأ أو نشرب ألبان الأتن أو مرارة السبع أو أبوال الإبل؟ قال: قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بذلك بأسا، فأما ألبان الأتن فقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحومها ولم يبلغنا عن ألبانها أمر ولا نهي. وأما مرارة السبع قال ابن شهاب: أخبرني أبو إدريس الخولاني أن أبا ثعلبة الخشني أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السبع. (انظر الحديث: 5530 وطرفه). مطابقته للترجمة لا تخفى. وعبد الله بن محمد هو المسندي، وسفيان هو ابن عيينة، والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، وأبو إدريس هو عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني، وأبو ثعلبة بالثاء المثلثة في اسمه اختلاف كثير، والأكثر على أنه جرهم بالجيم والراء. والحديث مضى في الذبائح في: باب أكل كل ذي ناب من السباع. قوله: (من السبع) كذا هو في رواية المستملي والسرخسي بلفظ الإفراد، والمراد الجنس، وفي رواية الأكثرين من السباع بالجمع. قوله: (ولم أسمعه) أي: الحديث المذكور.
292 قوله: (وزاد الليث) أي: زاد فيه الليث بن سعد عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب هو الزهري، وهذه الزيادة أوردها أبو نعيم في (المستخرج) من طريق أبي ضمرة أنس بن عياض عن يونس بن يزيد. قوله: (قال: وسألته) أي: قال ابن شهاب: وسألت أبا إدريس. قوله: (هل نتوضأ أو نشرب؟) فيه نوع من تنازع الفعلين. قوله: (بها) أي: بأبوال الإبل. قوله: (قال ابن شهاب: أخبرني) ويروى: حدثني، وهو الأصح. وقال الكرماني. فإن قلت: علم من الجواب جواز التداوي بلبن الإبل، فما المفهوم من جواب الآخرين؟ قلت: حرمة لبن الأتان من جهة حرمة لحمه لأن اللبن متولد من اللحم، وحرمة مرارة السبع، إذ لفظ الحديث عام في جميع أجزائه، ويحتمل أن يكون غرضه أنه ليس لنا نص فيهما ولا يعرف حكمها. وقال ابن التين: اختلف في ألبان الأتن على وجهين: أحدهما: على الخلاف في لحومها. هل هي محرمة أو مكروهة؟ والثاني: بعد تسليم التحريم هل لبنهن حلال قياسا على لبن الآدمية ومرارة السبع على الاختلاف أيضا في لحومها؟ هل هي محرمة أو مكروهة؟ 58 ((باب إذا وقع الذباب في الإناء)) أي: هذا باب في ما إذا وقع الذباب في الإناء كيف يكون حكمه، والذباب بضم الذال المعجمة وتخفيف الباء الموحدة. قال أبو هلال العسكري: الذباب واحد والجمع ذبان كغربان يعني: بكسر الذال، والعامة تقول: ذباب، للجمع والواحدة: ذبابة. كقردانة وهو خطأ، وكذا نقل عن أبي حاتم السختياني: أنه خطا، ونقل ابن سيده في (المحكم) عن أبي عبيدة عن خلف الأحمر تجويز ما زعم العسكري أنه خطأ، وحكى سيبويه في الجمع ذب بضم أوله والتشديد، وقال الجوهري: الذباب معروف، الواحدة ذبابة، ولا تقل: ذبابة وجمع القلة أذبة والكثير ذباب مثل غراب وأغربة وغربان، وأرض مذبة ذات ذباب، وقيل: سمي ذبابا لكثرة حركته واضطرابه. وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عمر مرفوعا: عمر الذباب أربعون ليلة، والذباب كله في النار إلا النحل، وقال الجاحظ: كونه في النار ليس تعذيبا له بل ليعذب أهل النار به، وقال الجوهري: يقال: إنه ليس شيء من الطيور يلغ إلا الذباب. وقال أفلاطون: الذباب أحرص الأشياء حتى إنه يلقي نفسه في كل شيء ولو كان فيه هلاكه، ويتولد من العفونة، ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها، والجفن يصقل الحدقة فالذبابة تصقل بيديها فلا تزال تمسح عيينها وهو من أكثر الطيور سفادا، وربما بقي عامة اليوم على الأنثى، وأدنى الحكمة في خلقه: أذى الجبابرة، وقيل: لولا هي لجافت الدنيا. 5782 حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن مسلم مولى بني تميم عن عبيد بن حنين مولى بني زريق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في إحدى جناحيه شفاء وفي الآخر داء. (انظر الحديث: 3320). مطابقته للترجمة في صدر الحديث. والحديث قد مر في بدء الخلق في: باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم إلى آخره. فإنه أخرجه هناك عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم إلى آخره، ولفظه: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم، ولفظ الإناء أشمل، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (كله) تأكيد رفع توهم المجاز من الاكتفاء بغمس بعضه. قوله: (فإن في إحدى جناحيه) وفي رواية أبي داود: فإن في أحد، والجناح يذكر ويؤنث، وقيل: أنث باعتبار اليد وحقيقته للطائر، ويقال لغيره على سبيل المجاز كما في قوله تعالى: * (واخفض لهما جناح الذل) * (الإسراء: 24) ولم يقع تعيين الجناح الذي فيه الشفاء، وذكر عن بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر، فعرف أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء. قوله (داء) المراد به السم الذي فيه، ويوضحه حديث أبي سعيد، فإن فيه أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ولا يحتاج فيه إلى التخريج الذي تكلفه بعض الشراح، فقال: إن في اللفظ مجازا، وهو كون الداء في أحد الجناحين فهو إما من مجاز الحذف، والتقدير: فإن في أحد جناحيه سبب داء، وإما مبالغة بأن يجعل كل الداء في أحد جناحيه لما كان سببا له. وقال الخطابي: هذا مما ينكره من لم يشرح الله قلبه
293 بنور المعرفة، ولم يتعجب من النحلة جمع الله فيها الشفاء والسم معا، فتعسل من أعلاها وتسم من أسفلها بحمتها، والحية سمها قاتل ولحمها مما يستشفى به من الترياق الأكبر من سمها، فريقها داء ولحمها دواء، ولا حاجة لنا مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الصدوق إلى النظائر، وأقوال أهل الطب الذين ما وصلوا إلى علمهم إلا بالتجربة، والتجربة خطر، والله على كل شيء قدير، وإليه التوكل والمصير. * (بسم الله الرحمان الرحيم) * 77 ((كتاب اللباس)) أي: هذا في كتاب بيان أنواع اللباس وأحكامها، واللباس ما يلبس وكذلك الملبس واللبس بالكسر واللبوس أيضا ما يلبس، وأورد ابن بطال هذا الكتاب بعد الاستئذان، ولا وجه له. وقول الله تعالى: * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) * (الأعراف: 23). وقول الله، بالجر عطفا على اللباس، وهذا المقدار من الآية المذكورة قد ذكر في رواية الأكثرين، وزاد أبو نعيم: * (والطيبات من الرزق) * وفي رواية النسفي قال الله تعالى: * (قل من حرم زينة الله) * الآية، وهذه الآية عامة في كل مباح، وقيل: أي من حرم لبس الثياب في الطواف، ومن حرم ما حرموا من البحيرة وغيرها. وقال الفراء: كانت قبائل العرب لا يأكلون اللحم أيام حجهم ويطوفون عراة، فأنزل الله الآية، وكذا روي عن إبراهيم النخعي والسدي والزهري وقتادة وآخرين: أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت وهم عراة. قوله: (والطيبات) أي: المستلذات من الطعام، وقيل: الحلال من الرزق. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة. هذا التعليق في رواية المستملي والسرخسي فقط، ولم يذكر في رواية الباقين، ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون: أنا همام عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. قوله: (من غير إسراف) يتعلق بالمجموع، والإسراف صرف الشيء زائدا على ما ينبغي. قوله: (ولا مخيلة) بفتح الميم الكبر من الخيلاء التكبر، وقال ابن التين: المخيلة على وزن مفعلة من اختال إذا تكبر، وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي: هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه، وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة، فإن السرف في كل شيء يضر بالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف ويضر بالنفس إذا كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضر بالنفس حيث يكسبها العجب، ويضر بالآخرة حيث تكسب الإثم، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس. وقال ابن عباس: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة. هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس. قوله: (ما خطئتك) كذا وقع لجميع الرواة بإثبات الهمزة بعد الطاء، وأورده ابن التين بحذفها، ثم قال: والصواب إثباتها. وقال الجوهري: يقال: خطئت، ولا يقال: خطيت، ومعناه. كل ما شئت من الحلال وألبس ما شئت من الحلال ما دامت أخطأتك، أي: تجاوزتك اثنتان: أي خصلتان. وقال الكرماني: ما أخطأتك أي: ما دام تجاوز عنك خصلتان، والإخطاء التجاوز من الصواب أو ما نافية أي: لم يوقعك في الخطأ اثنتان، والخطء الإثم وقال بعضهم: وفيه بعد، ورواية معمر ترده حيث قال: ما لم يكن سرف أو مخيلة. قلت: لا بعد فيه لأن معناه صحيح لا يخفى ذلك على من يتأمله، قوله: (سرف أو مخيلة) بيان لقوله: اثنتان، وكان القياس أن يقال: سرف ومخيلة، بالواو ولكن: أو تجيء بمعنى الواو كما في قوله تعالى * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * (الإنسان: 24). على تقدير النفي إذ انتفاء الأمرين لازم فيه. 5783 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم
294 يخبرونه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء. مطابقة هذا الحديث ابن عباس الذي قبله ظاهرة لأن في ذاك ذم المخيلة، وفي هذا جر الثوب خيلاء، وهو أيضا من المخيلة. وحديث ابن عباس أيضا مطابق للحديث الذي قبله من هذه الحيثية، وهو أيضا مطابق للآية المذكورة على ما لا يخفى. والحديث أخرجه مسلم في اللباس أيضا عن يحيى بن يحيى. وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة بن سعيد وغيره. قوله: (يخبرونه) أي: هؤلاء الثلاثة: نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم، يخبرون مالكا عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: (من جر ثوبه) يدخل فيه الإزار والرداء والقميص والسراويل والجبة والقباء وغير ذلك مما يسمى ثوبا، بل ورد في الحديث دخول العمامة في ذلك كما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة. قوله: (لا ينظر الله) نفي نظر الله تعالى هنا كناية عن نفي الرحمة، فعبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه، ومن نظر إلى متكبر متجبر مقته، فالنظر إليه في تلك الحالة اقتضى الرحمة أو المقت. قوله: (خيلاء) بالضم والكسر وهو الكبر والعجب، يقال: اختال فهو مختال، وانتصابه على الحال بالتأويل. 2 ((باب من جر إزاره من غير خيلاء)) أي: هذا باب في بيان حكم من جر إزاره من غير قصد التخييل، فإنه لا بأس به من غير كراهة، وكذلك يجوز لدفع ضرر يحصل له، كأن يكون تحت كعبيه جراح أو حكة أو نحو ذلك، إن لم يغطها تؤذيه الهوام كالذباب ونحوه بالجلوس عليها، ولا يجد ما يسترها به إلا إزاره أو ردائه أو قميصه، وهذا كما يجوز كشف العورة للتداوي وغير ذلك من الأسباب المبيحة للترخص. وقال شيخنا زين الدين: وأما جوازه لغير ضرورة لا لقصد الخيلاء، فقال النووي: إنه مكروه وليس بحرام، وحكي عن نص الشافعي، رضي الله عنه التفرقة بين وجود الخيلاء وعدمه، وهذه الترجمة سقطت لابن بطال رحمه الله. 5784 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذالك منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لست ممن يصنعه خيلاء. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وقال أبو بكر، رضي الله عنه) الخ... وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وزهير مصغر زهر بن معاوية أبو خيثمة، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر، يروي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث مضى في فضائل أبي بكر رضي الله عنه فإنه أخرجه هناك عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن موسى بن عقبة إلى آخره. قوله: (إن أحد شقي إزاري) كذا بالتثنية في رواية النسفي والكشميهني وفي رواية غيرهما شق بالإفراد، والشق بكسر الشين المعجمة الجانب ويطلق أيضا على النصف. قوله: (يسترخي) بالخاء المعجمة، وسبب استرخائه كون أبي بكر رجلا أحنى نحيفا لا يستمسك، فإزاره يسترخي عن حقويه. وقال الكرماني: يصح أحنى بالحاء المهملة والجيم، يقال: رجل أحنى الظهر بالمهملة ناقصا أي في ظهره أحد يداب، ورجل أجنأ، بالجيم مهموزا أي: أحدب الظهر، ثم إن الاسترخاء يحتمل أن يكون من طرف القدام نظرا إلى الإحديداب، وأن يكون من اليمين أو الشمال نظرا إلى النحافة، إذ الغالب أن النحيف لا يستمسك إزاره على السوء. قوله: (إلا أن أتعاهد ذلك منه) الاستثناء من قوله (يسترخي) يعني يسترخي إلا عند التعاهد بذلك، وحين غفلت عنه يسترخي. قوله: (لست ممن يصنعه) أي: لست أنت يا أبا بكر ممن يصنع جر الإزار خيلاء، وفي رواية زيد بن أسلم: لست منهم، وفيه أنه لا حرج على من يجر إزاره بغير قصد كما ذكرناه. فإن قلت: روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يكره جر الإزار على كل حال. قلت: قال ابن بطال: هو من تشديداته وإلا فقد روى هو حديث الباب فلم يخف عليه الحكم.
295 ح دثني محمد أخبرنا عبد الأعلى عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خسفت الشمس ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام يجر ثوبه مستعجلا حتى أتى المسجد، وثاب الناس فصلى ركعتين فجلي عنها، ثم أقبل علينا وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا وادعوا الله حتى يكشفها. مطابقته للترجمة في قوله: (فقام يجر ثوبه مستعجلا) ومحمد شيخ البخاري ذكر مجردا. فقال الكرماني: هو ابن يوسف البخاري البيكندي لأنه ممن روى عن عبد الأعلى. وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن عبد الأعلى، فيحتمل أن يكون هو أباه وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة البصري، ويونس هو ابن عبيد البصري، والحسن هو البصري، وأبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث الثقفي. والحديث قد مضى في أول أبواب الكسوف فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن عون عن خالد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه ومنضى الكلام فيه. قوله: (فقام يجر ثوبه مستعجلا) حالان متداخلان. قوله: (يجر) حال من الضمير الذي في: قام، (ومستعجلا) حال من الضمير الذي في: بحر، وفيه دلالة على أن جر الإزار إذا لم يكن خيلاء جاز، وليس عليه بأس. قوله (وثاب الناس) بالثاء المثلثة والباء الموحدة يعني: رجعوا إلى المسجد بعد أن كانوا خرجوا منه. قوله: (فجلي) بضم الجيم وتشديد اللام المكسورة أي: فكشف عنها، أي: عن الشمس. قوله: (حتى يكشفها) أي: حتى يكشف الله الشمس. 3 ((باب التشمير في الثياب)) أي: هذا باب في بيان التشمير في الثياب والتشمير بالشين المعجمة من شمر إزاره إذا رفعه، وشمر في أمره أي: خف. وقال بعضهم: باب التشمر في الثياب هو بالشين المعجمة وتشديد الميم رفع أسفل الثوب. قلت: جعله من باب التفعل وليس كذلك، بل هو من باب التفعيل كما ذكرنا، والذي ذكره مخالف للنسخ المعمتد عليها وللفظ الحديث أيضا فإنه ذكر فيه مشمرا، وهو من باب التشمير لا من باب التشمر، ولم يفرق بين البابين. 5786 حدثني إسحاق أخبرنا ابن شميل أخبرنا عمر بن أبي زائدة أخبرنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه أبي جحيفة قال: فرأيت بلالا جاء بعنزة فركزها ثم أقام الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في حلة مشمرا، فصلى ركعتين إلى العنزة، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يديه من وراء العنزة. مطابقته للترجمة في قوله (خرج في حلة مشمرا) وإسحاق شيخه، قال الكرماني: إما ابن إبراهيم وإما ابن منصور. قلت: ابن إبراهيم هو ابن راهويه، وابن منصور هو إبراهيم بن منصور بن كوسج المروزي، وقال بعضهم: هو ابن راهويه، جزم بذلك أبو نعيم في (المستخرج) قلت: الظاهر أنه ابن راهويه، والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل. مصغر شمل. بالشين المعجمة وعمر بضم العين ابن أبي زائدة واسمه خالد، وهو أخو زكريا بن أبي زائدة الهمداني الكوفي، وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء اسمه وهب بن عبد الله السوائي من صغار الصحابة، قيل: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يبلغ الحلم، نزل الكوفة. والحديث مضى في الصلاة في: باب سترة الإمام سترة لمن خلفه، فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن عون إلى آخره. قوله: (بعنزة) بفتح العين والنون والزاي وهو أطول من العصا وأقصر من الرمح وفيه زج. قوله: (في حلة) وهي إزار ورداء ولا تسمى حلة حتى تكون ثوبين، وتجمع على حلل وهي برود اليمن. وفيه: أن التشمير في الصلاة مباح وعند المهنة والحاجة إليه، وهو من التواضع، ونفي التكبر والخيلاء. 4 ((باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار))
296 أي: هذا باب يذكر فيه ما أسفل من الكعبين فهو في النار، ويذكر معناه في الحديث لأن قوله: ما أسفل من الكعبين، من لفظ الحديث. وقوله: فهو في النار، ليس لفظ الحديث هكذا بل هو ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار، واقتصر في الترجمة في الجزء الثاني وأطلقها ولم يقيدها بلفظ الإزار قصدا للتعميم في الإزار والقيمص ونحو ذلك، وقال بعضهم: باب، منون. قلت: ليس كذلك لأن التنوين علامة الإعراب، والإعراب لا يكون إلا في المركب وكيف يقول: باب، بالتنوين؟ نعم، لو قال: تقديره: هذا باب، مثل ما قلنا لكان منونا. 5787 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار. مطابقته للجزء الأول من للترجمة ظاهرة لأنه عينها. والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي عن شعبة به. وفي (التوضيح). وفي الحديث تقديم وتأخير معناه: ما أسفل من الإزار من الكعبين في النار، وقيل: يعني: ما أسفل من الكعبين من الرجلين فأما الثوب فلا ذنب له، وروى عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي داود عن نافع أنه سئل عن قوله في هذا الحديث: ما أسفل من الكعبين، ففي النار من الثياب ذلك، قال: وما ذنب الثياب؟ بل هو من القدمين، وقال الخطابي: يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين من رجله في النار، كنى بالثوب عن بدن لابسه، وقد أولوا على وجهين. إن ما دون الكعبين من قدم صاحبه في النار عقوبة له، أو إن فعله ذلك محسوب في جملة أفعال أهل النار. وقال الكرماني: كلمة: ما، موصولة وبعض صلته محذوف. وهو: كان، وأسفل خبره، ويجوز أن يرفع أسفل أي: ما هو أسفل، وهو أفعل ويحتمل أن يكون فعلا ماضيا وهذا مطلق يجب حمله على المقيد وهو ما كان للخيلاء قوله: (ففي النار) إنما دخلت الفاء لتضمن كلمة: ما معنى الشرط، ويروى بدون الفاء، وهكذا في غالب نسخ البخاري ورواه النسائي بالفاء. 5 ((باب من جر ثوبه من الخيلاء)) أي: هذا باب في بيان من جر ثوبه لأجل الخيلاء، وكلمة: من، للتعليل، وقد مر تفسيره. 5788 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز. والحديث من أفراده، وقد مر تفسير: لا ينظر الله، عن قريب. قوله: (من) يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص فلذلك سألت أم سلمة عند ذلك بقولها: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ على ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرا. فقالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، وفي الحديث رخصة للنساء في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن. وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله: الظاهر أن المراد بالذراع ذراع اليد وهو شبران، وهو الذراع الذي يقاس به الحصر اليوم، والدليل على ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجة من حديث ابن عمر في ترخيصه صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين في إرخائه شبرا، ثم استزدنه فزادهن شبرا آخر. قوله: (بطرا) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون بفتحتين ويكون مصدرا، ومعناه طغيانا وتكبرا والآخر: أن يكون بكسر الطاء ويكون منصوبا على الحال. وقال الراغب: البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة عن القيام بحقها. 5789 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال
297 النبي أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة. مطابقته للترجمة ظاهرة لأن المشي في حلة من إعجاب النفس معنى جر الثوب خيلاء. والحديث أخرجه مسلم أيضا في اللباس عن عبيد الله بن معاذ وغيره. قوله: (قال النبي أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم) الشك من آدم شيخ البخاري. قوله: (بينما) قد ذكرنا غير مرة أن أصل: بينما، بين فزيدت فيه: ما، ويضاف إلى جملة ويحتاج إلى خبر وخبره هنا. قوله: (إذ خسف الله به) قوله: (رجل) قال الكرماني: هذا الرجل يحتمل أن يكون من هذه الأمة، وسيقع بعد وأن يكون من الأمم السالفة فيكون إخبارا عما وقع، وقيل: هو قارون، وقال السهيلي: إن اسمه هيزن من أعراب فارس، وجزم الكلاباذي والجوهري أنه قارون. قوله: (يمشي في حلة) وفي رواية لمسلم: بينما رجل يمشي قد أعجبته جمته وبرداه إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة. وفي رواية له من حديث الأعرج عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يتبختر يمشي في برديه قد أعجبته نفسه... الحديث، والحلة ثوبان، وقد ذكرناه عن قريب. قوله: (مرجل) من الترجيل بالجيم وهو تسريح شعر الرأس. قوله: (جمته) بضم الجيم وتشديد الميم مجتمع شعر الرأس وهو أكبر من الوفرة، ويقال: هو الشعر الذي يتدلى من الرأس إلى المنكبين وإلى أكثر من ذلك، وأما الذي لا يتجاوز الأذنين فهو الوفرة. قوله: (يتجلجل) من التجلجل بالجيمين وهو الحركة، والمعنى أنه يتحرك وينزل مضطربا، وحكى عياض أنه روى: يتجلل، بجيم واحدة ولام ثقيلة بمعنى يتغطى أي: تغطية الأرض، وحكى أيضا: يتخلخل، بخاءين معجمتين واستبعدها. 5790 حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة. مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في: باب ما ذكر عن بني إسرائيل. تابعه يونس عن الزهري ولم يرفعه شعيب عن أبي هريرة. أي: تابع عبد الرحمن بن خالد يونس بن يزيد في روايته عن محمد بن مسلم الزهري، وذكر هذه المتابعة في أواخر باب ما ذكر عن بني إسرائيل: حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني سالم أن ابن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة. قوله: (ولم يرفعه) أي: لم يرفع الحديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، ووصله الإسماعيلي عن أبي اليمان: حدثنا محمد بن مسلم وأنبأنا القاسم حدثنا ابن زنجويه قالا: حدثنا أبو اليمان عن شعيب عن الزهري أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر قال: بينا امرء جر إزاره الحديث. ح دثني عبد الله بن محمد حدثنا وهب بن جرير أخبرنا أبي عن عمه جرير بن زيد قال: كنت مع سالم بن عبد الله بن عمر على باب داره، فقال: سمعت أبا هريرة، سمع النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. (انظر الحديث: 3485). مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (نحوه) أي: نحو حديث ابن عمر السابق فيكون له مطابقة مثل مطابقته. ووهب بن جرير يروي عن أبيه جرير بن حازم بن زيد الأزدي عن عمه جرير بن زيد أبي سلمة البصري، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث. والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن عبيد الله بن عبد العظيم القرشي عن علي بن المديني عن وهب بن جرير بن حازم نحوه: بينما رجل ممن قبلكم يمشي في حلة له... فذكره. وقال المزي: رواه الزهري وغيره عن
298 سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المحفوظ، وذكر أبو القاسم في ترجمة عبد الله بن عمر عن أبي هريرة: وهو وهم ليس فيه ابن عمر، إنما هو عن سالم عن أبي هريرة، وكذلك هو في رواية أبي الحسن بن حمويه وأبي علي السيوطي عن النسائي على الصواب، وقيل: قد خالف جرير بن زيد الزهري فقال: عن سالم عن أبي هريرة، والزهري يقول: عن سالم عن أبيه، ولكن قوي عند البخاري أنه: عن سالم عن أبيه، وعن أبي هريرة جميعا، والدليل على صحة رواية جرير بن زيد أنه قال في روايته: كنت مع سالم على باب داره فقال: سمعت أبا هريرة فهذه قرينة قوية في حفظه عن سالم عن أبي هريرة. 5791 حدثنا مطر بن الفضل حدثنا شبابة حدثنا شعبة قال: ل قيت محارب بن دثار على فرس وهو يأتي مكانه الذي يقضي فيه فسألته عن هاذا الحديث، فحدثني فقال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه مخيلة لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقلت لمحارب: أذكر إزاره؟ قال: ما خص إزارا ولا قميصا. مطابقته للترجمة ظاهرة. وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى ابن سوار الفزاري، ومحارب على وزن اسم الفاعل من حارب ابن دثار بكسر الدال المهملة وتخفيف الثاء المثلثة وبالراء السدوسي قاضي الكوفة. والحديث رواه مسلم في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن المثنى به. قوله: (مخيلة) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة أي كبرا وعجبا. قوله: (فقلت لمحارب) أذكر؟ القائل هو شعبة سأل عن محارب: هل ذكر عبد الله بن عمر في حديثه إزاره؟ (فقال: ما خص إزارا ولا قميصا) وحاصله أن التعبير بالثوب أشمل يتناول الإزار وغيره. تابعه جبلة بن سحيم وزيد بن أسلم وزيد بن عبد الله عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. أي: تابع محارب بن دثار جبلة بفتح الجيم والباء الموحدة ابن سحيم بضم السين وفتح الحاء المهملتين، وتابعه أيضا زيد بن أسلم وزيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم يعني هؤلاء الثلاثة تابعوا محاربا في روايته عن ابن عمر بلفظ الثوب لا بلفظ الإزار. أما متابعة جبلة فأخرجها مسلم: حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محارب ابن دثار وجبلة بن سحيم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديثهم، فأحاله على ما قبله، وهو حديث نافع وغيره عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة. وأما متابعة زيد بن أسلم فأخرجها مسلم أيضا: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم، كلهم يخبره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء. وأما متابعة زيد بن عبد الله فلم يظفر بها صريحا، ولكن روى أبو عوانة من رواية ابن وهب عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله عن أبيه بلفظ: إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة. وقال الليث عن نافع عن ابن عمر مثله. أي قال الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر مثل الحديث المذكور، ووصل هذا التعليق مسلم عن قتيبة، وابن رمح عن الليث بن سعد، الحديث أحاله مسلم على ما روي قبله، ولفظه: لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه خيلاء... وتابعه موساى بن عقبة وعمر بن محمد وقدامة بن موسى عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه خيلاء. أي: تابع نافعا في روايته بلفظ الثوب موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني، وتابعه أيضا عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، وقدامة بن موسى بن عمر بن قدامة بن مظعون الجمحي المدني التابعي الصغير، وليس له في البخاري
299 إلا هذا الموضع. أما متابعة موسى بن عقبة فذكرها البخاري مسندا في أول أبواب اللباس عن أحمد بن يونس عن زهير عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خيلاء... الحديث. وأما متابعة عمر بن محمد فوصلها مسلم: حدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله أخبرنا عمر بن محمد عن أبيه عن سالم بن عبد الله ونافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء... الحديث. وأما متابعة قدامة بضم القاف وتخفيف الدال المهملة ابن موسى الجمحي فوصلها أبو عوانة في (صحيحه) بلفظ حديث مالك المذكور في أول الباب. 6 ((باب الإزار المهدب)) أي: هذا باب في بيان حكم لبس الإزار المهدب بضم الميم وفتح الهاء وتشديد الدال المهملة وبالباء الموحدة على صيغة اسم المفعول وهو الإزار الذي له هدب جمع هدبة وهي الخملة، وما على أطراف الثوب، قاله الكرماني، وقال غيره: المهدب الذي له هدب وهي أطراف من سدى بغير لحمة، وربما يقصد بها التجمل، وقد تفتل صيانة لها من الفساد، وقال الداودي: هي ما يبقى من الخيوط من أطراف الأردية. ويذكر عن الزهري وأبي بكر بن محمد وحمزة بن أبي أسيد ومعاوية بن عبد الله بن جعفر أنهم لبسوا ثيابا مهدبة. الزهري: هو محمد بن مسلم بن شهاب، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة، وحمزة بن أبي أسيد مصغر أسد الأنصاري الساعدي، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب المدني التابعي، ما له في البخاري سوى هذا الموضع قال ابن بطال. الثياب المهدبة من لبس السلف وأنه لا بأس به وليس ذلك من الخيلاء، وروى أبو داود من حديث جابر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة قد وقع هدبها على قدمه، وفيه: وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة. 5792 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالسة وعنده أبو بكر، فقالت: يا رسول الله! إني كنت تحت رفاعة فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمان بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هاذه الهدبة، وأخذت هدبة من جلبابها، فسمع خالد بن سعيد قولها وهو بالباب لم يؤذن له، قالت: فقال خالد: يا أبا بكر! ألا تنهي هاذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا والله ما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته، فصارت سنة بعد. مطابقته للترجمة في قوله: (إلا مثل هذه الهدبة) وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة. والحديث قد مر في كتاب الطلاق في: باب من أجاز طلاق الثلاث، فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (لا) أي: لا يجوزلك أن ترجعي إلى رفاعة (حتى يذوق عسيلتك) والعسيلة كناية عن لذة الجماع، والعسل يؤنث في بعض اللغات. قوله: (فصارت سنة بعد) من كلام الزهري أي: صارت هذه القضية شريعة بعد ذلك، يعني: أن المطلقة ثلاثا لا تحل للزوج الأول إلا بعد جماع الزوج الثاني. قوله: (بعد) بضم الدال، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: بعده، بالضمير. 7 ((باب الأردية))
300 أي: هذا باب في ذكر الأردية، وهو جمع رداء بالمد، وهو ما يوضع على العاتق أو بين الكتفين من الثياب على أي صفة كان. وقال أنس: جبذ أعرابي رداء النبي صلى الله عليه وسلم هذا التعليق طرف من حديث أخرجه في باب البرود والحبرة على ما يجيء في هذا بعد تسعة أبواب. قوله: جبذ بالجيم والباء الموحدة والذال المعجمة وهو بمعنى: جذب. 5793 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني علي بن حسين أن حسين بن علي أخبره أن عليا رضي الله عنه قال: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى به ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن فأذنوا لهم. مطابقته للترجمة في قوله: (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى به) وعبدان لقب عبد الله بن عثمان، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد. والحديث مضى مطولا في: باب فرض الخمس، فإنه أخرجه هناك أيضا بهذا الإسناد بعينه عن عبدان: أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال: أخبرني علي بن الحسين أن الحسين بن علي أخبره أن عليا رضي الله عنه قال: كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر إلى آخره. قوله: (فيه حمزة) هو ابن عبد المطلب. قوله: (فأذنوا لهم) كذا هو في رواية الأكثرين بصيغة الجمع والمراد حمزة ومن كان معه، وفي رواية المستملي: فاذن، بالإفراد أي: فأذن حمزة رضي الله عنه. 8 ((باب لبس القميص)) أي: هذا باب في بيان لبس القميص، أراد أن لبسه ليس بحادث، وإن كان الشائع في العرب لبس الإزار والرداء. وقول الله تعالى حكاية عن يوسف * (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) * (يوسف: 93). وقول الله، مجرور عطفا على قوله: لبس القميص، ذكر هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن القميص قديم، وقال ابن بطال: إن لبس القميص من الأمر القديم. 5794 حدثنا قتيبة حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله! ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يلبس المحرم القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخفين إلا أن لا يجد النعلين فليلبس ما هو أسفل من الكعبين. مطابقته للترجمة في قوله: (لا يلبس المحرم القميص) وحماد هو ابن زيد، وأيوب هو السختياني. والحديث مضى في كتاب العلم في: باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله، ومضى أيضا في كتاب الحج في: باب ما ينهى عن الطيب للمحرم، ومضى الكلام فيه هناك. 5795 حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا ابن عيينة عن عمر وسمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعدما أدخل قبره فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه، والله أعلم. مطابقته للترجمة في قوله: (وألبسه قميصه) وعبد الله بن محمد هو المسندي، وابن عيينة هو سفيان بن عيينة، وعمرو بن دينار. والحديث مضى بأتم منه في الجنائز في: باب هل يخرج الميت من القبر؟ ومضى الكلام فيه. وعبد الله بن أبي بن سلول المنافق، والله أعلم بالحكمة في هذا الإحسان إليه. قوله: (ركبتيه) بالتثنية، ويروى: ركبته بالإفراد. 5796 حدثنا صدقة أخبرنا يحياى بن سعيد عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع عن عبد الله قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أعطني قميصك
301 أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه، وقال له: إذا فرغت منه فآذنا، فلما فرغ آذنه به فجاء ليصلي عليه فجذبه عمر، فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) * (التوبة: 80). فنزلت: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) * (التوبة: 84) فترك الصلاة عليهم. مطابقته للترجمة في قوله: (أعطني قميصك) وفي قوله: (فأعطاه قميصه). وصدقة هو ابن الفضل، و يحيى بن سعيد القطان، و عبيد الله بن عمر العمري. والحديث مضى في سورة براءة ومضى الكلام فيه. وقال ابن العربي: لم أر للقميص ذكرا صحيحا إلا في الآية المذكورة. وقصة ابن أبي، ولم أر لهما ثالثا فيما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه بأنه جاء ذكر القميص في عدة أحاديث أخر. منها: حديث عائشة الذي مضى في الجنائز: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة. ومنها: حديث أم سلمة رواه الترمذي: (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص) ومنها: حديث أسماء بنت يزيد بن السكن، قالت: (كان كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ) رواه الترمذي أيضا. ومنها: حديث أبي هريرة، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصا بدأ بميامنه)، رواه الترمذي أيضا، ثم قال: رواه غير واحد عن شعبة ولم يرفعه وإنما رفعه عبد الصمد بن عبد الوهاب عن شعبة ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان في (صحيحه) ومنها: حديث أبي سعيد أخرجه الترمذي أيضا: كان صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسم عمامة أو قميصا أو رداء وذكر أبو داود أن حماد بن سلمة وعبد الوهاب أرسلاه. 9 ((باب جيب القميص من عند الصدر وغيره)) أي: هذا باب في ذكر جيب القميص الكائن من عند الصدر، وكأنه أشار بهذا إلى ما وقع في حديث الباب من قوله: ويقول بإصبعه هكذا في جيبه، فإن الظاهر أنه كان لابس قميص وكان في طوقه فتحة إلى صدره، وعن هذا قال ابن بطال: كان الجيب في ثياب السلف عند الصدر، واعترض الإسماعيلي فقال: كان أبا عبد الله أورد الخبر فيصير ما يوضع فيه شيء في الصدر وليس هو كذلك، وإنما الجيب الذي يحيط بالعنق جيب في الثوب أي: جعل فيه ثقب وإدخاله صلى الله عليه وسلم إصبعيه من الجيب حيث يلي الصدر. قلت: الجيب بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة، وهو ما يقور من الثوب ليخرج منه رأس اللابس، ويسمى ذلك الموضع المقور جيبا، وقال الجوهري: الجيب للقميص، تقول: جبت القميص أجوبة وأجيبه إذا قورت جيبه، وذكره في باب معتل العين من الواو، وفي (المطالع): وقيل: هو من ذوات الياء. 5797 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا إبراهيم بن نافع عن الحسن عن طاووس عن أبي هريرة قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هاكذا في جيبه، فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع. مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ويقول بإصبعه هكذا في جيبه) وتمام الكلام مر آنفا، وعبد الله بن محمد هو المنسدي، وأبو عامر عبد الملك العقدي بفتح العين المهملة والقاف، وإبراهيم بن نافع المخزومي، والحسن هو ابن مسلم بن يناق المكي. والحديث قد مرفى الزكاة في: باب مثل المتصدق والبخيل، فإنه أخرجه هناك من طريقين، وأخرجه أيضا في الجهاد عن موسى بن إسماعيل: مثل البخيل والمتصدق شبههما برجلين أراد كل منهما أن يلبس درعا، فجعل مثل المنفق مثل من لبسها سابغة فاسترسلت عليه
302 حتى سترت جميع بدنه وزيادة، ومثل البخيل كرجل يده مغلولة إلى عنقه ملازمة لتر قوته، وصارت الدرع ثقلا ووبالا عليه لا يتسع بل تنزوي عليه من غير وقاية له. قوله: (عليهما جبتان) بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة تثنية جبة. قوله: (إلى ثديهما) بضم الثاء المثلثة وكسر الدال المهملة جمع ثدي، والثدي يذكر ويؤنث، وهو للمرأة والرجل والجمع أثد وثدي على فعول وثدي أيضا بكسر الثاء لما بعدها من الكسر. قوله: (وتراقيهما) تثنية ترقوة بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الراء وضم القاف، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. قوله: (حتى تغشى) أي: حتى تغطي أنامله، وهي رؤوس الأصابع واحدها أنملة، وفيها تسع لغات بتثليث الهمزة مع تثليث الميم. قوله: (وتعفو أثره) أي: تمحو آثار مشية لسبوغها وطولها وإسبال ذيلها. قوله: (قلصت) بالقاف والصاد المهملة، أي: تأخرت وانضمت وانزوت. قوله: (كل حلقة) بسكون اللام وكذا حلقة الباب والقوم وجمعها حلق على غير قياس، يعني: بفتح اللام وحكى عن أبي عمرو: أن الواحد حلقة بالتحريك والجمع حلق بالفتح، وقال الشيباني: ليس في الكلام حلقة بالتحريك إلا جمع حالق. قوله: (يقول بإصبعه هكذا في جيبه) بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني وحده: جبته، بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة بعدها تاء مثناة من فوق ثم ضمير، والأول أولى لموافقته للترجمة وكذا في رواية مسلم، وعليه اقتصر الحميدي. وفيه: دلالة على أن جيبه صلى الله عليه وسلم كان في صدره لأنه لو كان في يده لم تضطر يداه إلى ثدييه وتراقيه. قوله: (فلو رأيته) جوابه محذوف نحو: لتعجبت منه، أو: هو للتمني فلا يحتاج إلى جواب. قوله: (يوسعها) أي: يوسع البخيل الجبة التي عليه يعني: كلما يعالج أن يوسعها فلا تتوسع بل تزداد ضيقا ولزاما. تابعه ابن طاووس عن أبيه وأبو الزناد عن الأعرج في الجبتين. وقال حنظلة: سمعت طاووسا سمعت أبا هريرة يقول: جبتان، وقال جعفر عن الأعرج: جنتان. أي: تابع الحسن بن مسلم ابن طاووس يعني عبد الله عن أبيه طاووس عن أبي هريرة في روايته: جبتان، بالجيم والباء الموحدة. وأخرج البخاري هذه المتابعة مسندة في كتاب الزكاة في: باب مثل المتصدق والبخيل، رواه عن موسى عن وهيب عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة... الحديث، وفيه: جبتان، بالباء الموحدة المشددة. قوله: (وأبو الزناد) أي: وتابعه أيضا أبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأخرج هذه المتابعة أيضا في الباب المذكور عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة. وفيه أيضا: جبتان، بالباء الموحدة. قوله: (وقال حنظلة) هو ابن أبي سفيان إلى آخره... وفيه أيضا: جبتان، بالباء الموحدة، وقد مر في الزكاة أيضا قوله: (وقال جعفر عن الأعرج: جنتان) أي: قال جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج: جنتان، بالنون تثنية جنة، وهي الوقاية هكذا في رواية الأكثرين: جعفر بن ربيعة، وهو الصواب، ووقع في رواية أبي ذر: جعفر بن حيان، وكذا وقع عند ابن بطال، وهو خطأ وقد ذكرها في الزكاة، وقال الليث: حدثني جعفر عن ابن هرمز سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: جنتان. 10 ((باب من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر)) أي: هذا باب يذكر فيه من لببس جبة، وقد ترجم في كتاب الصلاة بقوله: الصلاة في الجبة الشامية، وفي الجهاد: الجبة في السفر والحرب. 5798 حدثنا قيس بن حفص حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش، قال: حدثني أبو الضحى قال حدثني مسروق قال: حدثني المغيرة بن شعبة قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم أقبل فتلقيته بماء فتوضأ وعليه جبة شأمية، فمضمض واستنشق وغسل وجهه، فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين، فأخرج يديه من تحت الجبة فغسلهما ومسح برأسه وعلى خفيه. مطابقته للترجمة ظاهرة. وقيس بن حفص الدارمي البصري من أفراد البخاري، مات سنة سبع وعشرين ومائتين
303 أو نحوها. قاله البخاري وعبد الواحد هو ابن زياد، والأعمش هو سليمان، وأبو الضحى هو مسلم بن صبيح. والحديث قد مر في الوضوء في المسح على الخفين. قوله: (شامية) بتشديد الياء ويجوز تخفيفها. قوله: (فأخرج يديه من تحت الجبة) ووقع في رواية على ابن السكن من تحت بدنه بفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة بعدها نون أي: جبته، والبدن درع ضيقة الكمين. 11 ((باب لبس جبة الصوف في الغزو)) أي: هذا باب في لبس جبة الصوف، وفي بعض النسخ بلفظ: لبس جبة الصوف، وليس في بعض النسخ لفظ: في الغزو، وأراد بلفظ: الغزو السفر، وعن مالك: لا أكره لبس الصوف لمن لم يجد غيره، وأكرهه لمن يجد غيره، لأن غيره أبعد من الشهرة منه. 5799 حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عامر عن عروة بن المغيرة عن أبيه رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في سفر فقال: أمعك ماء؟ قلت: نعم. فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل، ثم جاء فأفرغت عليه الإداوة، فغسل وجهه ويديه، وعليه جبة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه، ثم أهويت لإنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما. مطابقته للترجمة في قوله: (وعليه جبة من صوف) وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وزكريا هو ابن أبي زائدة، وعامر هو الشعبي، وعروة بن المغيرة يروي عن أبيه المغيرة بن شعبة. والحديث قد مضى في الوضوء في: باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان. وأخرجه بعين هذا الإسناد عن أبي نعيم إلى آخره، ولكن هذا أتم من ذاك، ومضى الكلام فيه هناك. 12 ((باب القباء وفروج حرير وهو القباء. ويقال: هو الذي له شق من خلفه)) أي: هذا باب فيه ذكر القباء، بفتح القاف وتخفيف الباء الموحدة وبالمد، فارسي معرب، وقال ابن دريد: هو مأخوذ من قبوت الشيء إذا جمعته.. قوله: (وفروج) بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وبالجيم. قوله: (حرير)، بالجر صفته. قوله: (وهو القباء) أي: الفروج هو القباء. قوله: (ويقال: هو الذي) أي: الفروج هو الذي له شق بفتح الشين المعجمة من خلفه، وقال القرطبي: القباء والفروج كلاهما ثوب ضيق الكمين والوسط مشقوق من خلفه يلبس في السفر والحرب لأنه أعون على الحركة، وقال ابن بطال: القباء من لبس الأعاجم. 5800 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة أنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا، فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لي، قال: فدعوته له فخرج إليه وعليه قباء منها، فقال: خبأت هاذا لك؟ قال: فنظر إليه فقال: رضي مخرمة. مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن أبي مليكة بضم الميم عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، والمسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وبالراء ابن مخرمة بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء كلاهما صحابيان، ومخرمة بن نوفل الزهري كان من رؤساء قريش ومن العارفين بالنسب وأنصاب الحرم، وتأخر إسلامه إلى الفتح وشهد حنينا وأعطى من تلك الغنيمة مع المؤلفة، ومات مخرمة سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وخمس عشرة سنة، ذكره ابن سعد. والحديث قد مضى في الهبة في: باب كيف يقبض العبد والمتاع بعين هذا الإسناد والمتن، ومضى في الشهادات أيضا والخمس. قوله: (ادخل
304 فادعه لي) وفي رواية حاتم بن وردان: فقام أبي على الباب فتكلم، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته وقال ابن التين: لعل خروج النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع صوت مخرمة صادف دخول المسور إليه. قوله: (فخرج) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وعليه قباء منها) أي من تلك الأقبية، ظاهره استعمال الحرير، قيل: ويجوز أن يكون قبل النهي، ويجوز أن يكون خرج، وقد نشرها على يديه فيكون قوله: (وعليه) من إطلاق الكل على الجزء، وقد وقع في رواية حاتم: فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه. قوله: (قال: رضي مخرمة) قال الداودي: هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: من كلام مخرمة، وقد مضى الكلام فيه بأبسط من هذا. 5801 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة ابن عامر رضي الله عنه أنه، قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه ثم انصرف، فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، ثم قال: لا ينبغي هاذا للمتقين. (انظر الحديث: 375). مطابقته للترجمة في قوله: (فروج حرير) ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب واسمه سويد المصري، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني. والحديث مضى في الصلاة في: باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث إلى آخره. قوله: (فروج حرير) بالإضافة، وفي رواية أحمد: فروج من حرير، وفي (التوضيح): الفروج بفتح الفاء وضمها وقال ابن فارس: هو قميص صغير، قال: ويقال: هو القباء، وفي بعض الروايات مخفف الراء وفي بعضها بالتشديد، ويحتمل أن يريد بأن أحدهما غير مضاف والآخر مضاف كثوب حرير وباب حديد، وفي بعض الكتب ضبط أحدهما بفتح الفاء والآخر بضمها والفتح أوجه فافهم قوله: (نزعا شديدا) وزاد في رواية أحمد: عنيفا، أي: بقوة ومبادرة لذلك على خلاف عادته في الرفق، ويجوز أن يكون ذلك لأجل وقوع التحريم حينئذ. قوله: (هذا) يجوز أن يكون إشارة إلى اللبس وأن يكون إشارة للحرير لكونه حرم حينئذ، وقال ابن بطال: يمكن أن يكون نزعه لكونه كان حريرا صرفا، ويمكن أن يكون نزعه لأنه من جنس لباس الأعاجم، وقال القرطبي: المراد بالمتقين المؤمنون، لأنهم هم الذين خافوا الله تعالى واتقوه بإيمانهم وطاعتهم له. تابعه عبد الله بن يوسف عن الليث، وقال غيره: فروج حرير أي: تابع قتيبة بن سعيد في روايته عن الليث عبد الله بن يوسف شيخ البخاري، ورواه عن الليث، ومر هذا مسندا في كتاب الصلاة في: باب من صلى في فروج حرير، ثم نزعه؛ حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر إلى آخره. قوله: (وقال غيره) أي: غير عبد الله بن يوسف، قال: فروج، يعني أن لفظ حرير مرفوع صفة لفروج، وقد روى هذه الرواية أحمد عن حجاج بن محمد ومسلم والنسائي عن قتيبة، والحارث عن يونس بن محمد المؤدب كلهم عن الليث. واختلفوا في المغايرة بين الروايتين على خمسة أوجه. الأول: التنوين والإضافة كما تقول: ثوب خز بالإضافة، وثوب خز بالصفة. الثاني: ضم الفاء فيه وفتحها حكاه ابن التين من حيث الرواية، قال: والفتح أوجه، لأن فعولا لم يرد إلا في سبوح وقدوس وفروخ فرخ الدجاج، وحكى عن أبي العلاء المغربي جواز الضم، وقال القرطبي: حكي الضم والفتح والضم هو المعروف. الثالث: تشديد الراء وتخفيفها، حكاه عياض. الرابع: هل هو بجيم في آخره أو بخاء معجمة؟ حكاه عياض أيضا الخامس: ما حكاه الكرماني فقال: الأول فروج من حرير بزيادة: من، والثاني: بحذفها، وقال بعضهم: وزيادة: من، ليس في (الصحيحين) قلت: ما ادعى الكرماني أنها في (الصحيحين) وهي رواية عن أحمد. 13 ((باب البرانس)) أي: هذا باب يذكر فيه لبس البرانس وهو جمع برنس بضم الباء الموحدة والنون وبينهما راء ساكنة وبالسين المهملة، وهي القلنسوة، وقد مضى الكلام فيه في الحج. 5802 وقال لي مسدد حدثنا معتمر قال: سمعت أبي قال: رأيت على أنس برنسا أصفر من خز.
305 مسدد هو شيخ البخاري كأنه أخذ هذا عنه مذاكرة، ولكنه موصول لقوله: قال لي، ولم يقع في رواية النسفي لفظ. لي، فيكون معلقا، ووصله ابن أبي شيبة: حدثنا إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق قال: رأيت على أنس بن مالك برنس خز. ومعتمر الذي هو أخ الحاج يروي عن أبيه سليمان التيمي. قوله: برنسا ذكر عبد الله بن أبي بكر: ما كان أحد من القراء إلا له برنس يغدو فيه وخميصة يروح فيها، وسئل مالك عن لبسها: أتكرهها؟ فإنه يشبه لباس النصارى، قال: لا بأس بها، وقد كانوا يلبسونها هنا. قوله: (من خز) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاي وهو ما غلظ من الديباج وأصله من وبر الأرنب، ويقال لذكر الأرنب: خذر، بوزن: عمر. وقال الكرماني: الخز هو المنسوج من الإبريسم والصوف، وفي (التوضيح): هو حرير يخلط بوبر وشبهه، وقال ابن العربي: هو ما أحد نوعيه السدى أو اللحمة حرير والآخر سواه، فقد لبسه جماعة من السلف، وكرهه آخرون، فممن لبسه: الصديق وابن عباس وأبو قتادة وابن أبي أوفى وسعد بن أبي وقاص وجابر وأنس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وابن الزبير وعائشة رضي الله عنهم ومن التابعين: ابن أبي ليلى وشريح والشعبي وعروة وأبو بكر بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز أيام إمارته، وزاد ابن أبي شيبة في (مصنفه): القاسم بن محمد وعبيد الله بن عبد الله والحسين بن علي وقيس بن أبي حازم وشبيل بن عزرة وأبا عبيد بن عبد الله ومحمد بن علي بن حسين وعلي بن حسين وسعيد بن المسيب وعلي بن زيد وابن عون، وعن خيثمة: أن ثلاثة عشر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسون الخز، وقال ابن بطال: روي عن مالك أنه قال: لا يعجبني لبس الخز ولا أحرمه، وقال الأبهري: إنما كرهه لأجل السرف ولم يحرمه من أجل من لبسه، وقد كرهه: ابن عمر وسالم والحسن ومحمد وابن جبير، وعند أبي داود من حديث عبد الله بن سعيد عن أبيه قال: رأيت رجلا ببخارى على بغلة عليه عمامة خز سوداء، فقال: كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النسائي: قال بعضهم: قيل: إن هذا الرجل عبد الله بن حازم السلمي أمير خراسان، ولما ذكره البخاري في (تاريخه) قال: ما أرى أنه أدرك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: ذكره الذهبي في (تجريد الصحابة)، وقال عبد الله بن حازم بن أسماء بن الصلت: أبو صالح السلمي أمير خراسان بطل مشهور، قليل: له صحبة، وتمت له حروب كثيرة أوردناها في التاريخ الكامل 5803 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رجلا قال: يا رسول الله! ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران ولا الورس. مطابقته للترجمة في قوله: (ولا البرانس) وإسماعيل هو ابن أبي أويس. والحديث قد مضى في الحج في: باب ما لا يلبس المحرم من الثياب، حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع إلى آخره، وأخرجه في آخر كتاب العلم عن نافع عن ابن عمر وعن الزهري عن سالم عن ابن عمر... الحديث، ومضى الكلام فيه مستوفى. 14 ((باب السراويل)) أي: هذا باب يذكر فيه السراويل، وقال الجوهري: السراويل معروف يذكر ويؤنث، والجمع السراويلات، وقال سيبويه: سراويل واحدة هي عجمية عربت فأشبهت من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة، ومن النحويين من لا يصرفه أيضا في النكرة، ويزعم أنه جمع سروال وسروالة، وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله تعالى: روينا من حديث أبي هريرة مرفوعا أن أول من لبس السروايل إبراهيم عليه السلام رواه أبو نعيم الأصبهاني، وقيل: هذا هو السبب في كون أول من يكسى يوم القيامة، كما ثبت في (الصحيحين) من حديث ابن عباس، فلما كان أول من أتخذ هذا النوع من اللباس الذي هو أستر للعورة من سائر الملابس جوزي بأن يكون أول من يكسى يوم القيامة. وفيه: استحباب لبس السراويل، وقد روى الترمذي من حديث سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر، فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فسادومنا بسراويل... الحديث، ورواه أبو يعلى في (مسنده) من حديث أبي هريرة مطولا. وفيه: إخباره صلى الله
306 عليه وسلم عن نفسه أنه يلبس السراويل، وروى الترمذي أيضا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وكمه صوف وجبة صوف وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار ميت، والكمة القلنسوة الصغيرة. 5804 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عمر وعن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين. مطابقته للترجمة في قوله: (فليلبس سراويل) وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وجابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي الجوفي بالجيم ناحية عمان البصري، ومضى الحديث في الحج في: باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل. 5805 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله قال: قام رجل فقال: يا رسول الله! ما تأمرنا أن نلبس إذا أحرمنا؟ قال: لا تلبسوا القميص والسراويل والعمائم والبرانس والخفاف إلا أن يكون رجل ليس له نعلان فليلبس الخفين أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئا من الثياب مسه زعفران ولا ورس. هذا طريق آخر في حديث ابن عمر الماضي في الباب الذي قبله، وذكر الكلام فيه في الحج مستقصى. 15 ((باب العمائم)) أي: هذا باب فيه ذكر العمائم وهو جمع عمامة، وعممته ألبسته العمامة، وعمم الرجل سود لأن العمائم تيجان العرب كما قيل في العجم توج واعتم بالعمامة وتعمم بها بمعنى، ولم يذكر البخاري في هذا الباب شيئا من أمور العمامة، فكأنه لم يثبت عنده على شرطه في العمامة شيء، وفي (كتاب الجهاد) لابن أبي عاصم: حدثنا أبو موسى حدثنا عثمان بن عمر عن الزبير ابن جوان عن رجل من الأنصار قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن! العمامة سنة؟ فقال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: إذهب فاسدل عليك ثيابك وألبس سلاحك، ففعل ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض ما سدل بنفسه ثم عممه فسدل من بين يديه ومن خلفه، وقال ابن أبي شيبة: حدثنا الحسن بن علي حدثنا ابن أبي مريم عن رشد عن ابن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء من قطن، وأفضل له من بين يديه مثل هذه، وفي رواية عن نافع عن ابن عمر قال: عمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عوف بعمامة سوداء كرابيس وأرخاها من خلفه قدر أربع أصباع، وقال: هكذا فاعتم، وقال مالك: العمة والاحتباء والانتعال من عمل العرب، وسئل مالك عن الذي يعتم بالعمامة ولا يجعلها من تحت حلقه فأنكرها، وقال: ذلك من عمل النبط، وليست من عمة الناس إلا أن تكون قصيرة لا تبلغ أو يفعل ذلك في بيته أو في مرضه فلا بأس به، قيل له) فيرخي بين الكتفين؟ قال: لم أر أحدا ممن أردركته يرخي بين كتفيه إلا عامر بن عبد الله بن الزبير، وليس ذلك بحرام، ولكن يرسلها بين يديه وهو أكمل وروى أبو داود من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه، وروى الترمذي من حديث ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه، قال نافع: وكان ابن عمر يفعله، وقال عبد الله بن عمر: رأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك، وروى الطبراني في (الأوسط) من حديث ثوبان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه ومن خلفه. وفيه: الحجاج بن رشد وهو ضعيف، وفي حديث أبي عبيدة الحمصي عن عبد الله بن بشر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر فعممه بعمامة سوداء أرسلها من ورائه وعن منكبه اليسرى، وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله: إذا
307 وقع إرخاء العذبة من بين اليدين كما يفعله طائفة الصوفية وجماعة من أهل العلم فهل المشروع فيه إرخاؤها من الجانب الأيسر كما هو المعتاد أو إرسالها من الجانب الأيمن لشرفه؟ ولم أر ما يدل على تعيين الجانب الأيمن إلا في حديث أبي أمامة ولكنه ضعيف، وحديث أبي أمامة رواه الطبراني في (الكبير) من رواية جميع بن ثوب عن أبي سفيان الرعيني عن أبي أمامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يولي واليا حتى يعممه ويرخي لها من الجانب الأيمن نحو الأذن وجميع بن ثوب ضعيف، وقال شيخنا: وعلى تقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم يردها من الجانب الأيسر، كما يفعله بعضهم، إلا أنه شعار الإمامية، وقال: ما المراد بسدل عمامته بين كتفيه؟ هل المراد سدل الطرف الأسفل حتى تكون عذبة؟ أو المراد سدل الطرف الأعلى بحيث يغرزها ويرسل منها شيئا خلفه؟ يحتمل كلا من الأمرين، ولم أر التصريح بكون المرخي من العمامة عذبة إلا في حديث عبد الأعلى بن عدي، رواه أبو نعيم في (معرفة الصحابة) من رواية إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن بشر عن عبد الرحمن بن عدي البهراني عن أخيه عبد الأعلى بن عدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم غد يرخم فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه، ثم قال: هكذا فاعتموا، فإن العمائم سيماء الإسلام، وهي الحاجز بين المسلمين والمشركين، وقال الشيخ: مع أن العذبة الطرف كعذبة السوط وكعذبة اللسان أي: طرفه فالطرف الأعلى يسمى عذبة من حيث اللغة، وإن كان مخالفا للإصطلاح العرفي الآن، وفي بعض طرق حديث ابن عمر ما يقتضي أن الذي كان يرسله بين كتفيه من الطرف الأعلى رواه أبو الشيخ وغيره من رواية أبي عبد السلام عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلت لابن عمر: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعتم؟ قال: كان يدير كور العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرخي له ذؤابة بين كتفيه. 5806 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري قال: أخبرني سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوبا مسه زعفران ولا ورس ولا الخفين إلا لمن لم يجد النعلين، فإن لم يجدهما فليقطعهما أسفل من الكعبين. مطابقته للترجمة في قوله: (ولا العمامة) وعلي بن عبد الله بن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، والزهري محمد بن مسلم، وسالم هو ابن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. والحديث قد مضى فيما قبل: باب السراويل، غير أنه أخرجه هنا من غير الطريق الذي أخرجه هناك، ومضى الكلام فيه. 16 ((باب التقنع)) أي: هذا باب في بيان التقنع بفتح التاء المثناة من فوق والقاف وضم النون المشددة وبالعين المهملة وهو: تغطية الرأس، وأكثر الوجه برداء أو غيره. وقال ابن عباس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عصابة دسماء هذا طرف من حديث أخرجه مسندا في مواضع منها: في مناقب الأنصار في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم: حدثنا أحمد بن يعقوب حدثنا ابن الغسيل سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة متعطفا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء... الحديث، والدسماء بمهملتين والمد ضد النظيفة، قلت: هذا تفسير فيه بشاعة، فلا ينبغي أن يفسر عصابة النبي صلى الله عليه وسلم بضد النظافة، وقال الكرماني: ودسماء، قيل: المراد بها سوداء، ويقال: ثوب دسم أي: وسخ، وجزم ابن الأثير أن دسماء سوداء. وفي (التوضيح): والتقنع للرجل عند الحاجة مباح، وقال ابن وهب: سألت مالكا عن التقنع بالثوب، فقال: أما الرجل الذي يجد الحر والبرد أو الأمر الذي له فيه عذر فلا بأس به، وأما لغير ذلك فلا. وقال الأبهري: إذا تقنع لدفع مضرة فمباح ولغيره فمكروه،
308 فإنه من فعل أهل الريب، ويكره أن يفعل شيئا يظن به الريبة. وقال أنس: عصب النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه حاشية برد. هذا أيضا طرف من حديث أخرجه في الباب المذكور في مناقب الأنصار من طريق هشام بن زيد بن أنس: سمعت أنس بن مالك يقول فذكر الحديث، وفيه: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد. قوله: (عصب) بتشديد الصاد، وقال الجوهري: حاشية البرد جانبه، وقال القزاز: حاشية الثوب ناحيتاه اللتان في طرفهما المهدب، واعترض الإسماعيلي بأن ما ذكره من العصابة لا يدخل في التقنع لأن التقنع تغطية الرأس والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة، وأجاب بعضهم بقوله: الجامع بينهما وضع شيء زائد على الرأس فوق العمامة، قلت: في كل من الاعتراض والجواب نظر، أما في الاعتراض فلأن قوله: والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة، ليس كذلك، بل العصابة شد الرأس بخرقة مطلقا، وأما في الجواب فلأن قوله: زائد، لا فائدة فيه، وكذلك قوله: فوق العمامة لأنه يلزم من أنه إذا كانت تحت العمامة لا تسمى عصابة. 5807 حدثنا إبراهيم بن موساى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين وتجهز أبو بكرة مهاجرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلك! فإني أرجو أن يؤذن لي. فقال أبو بكر أو ترجوه بأبي أنت وأمي؟ قال: نعم، فحبس أبو بكر: نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر، قال عروة: قالت عائشة: فبينا نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة، فقال قائل لأبي بكر: هاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، قال أبو بكر: فدا له بأبي وأمي، والله إن جاء به في هاذه الساعة إلا لأمر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال حين دخل لأبي بكر: أخرج من عندك. قال إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإني قد أذن لي في الخروج. قال: فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بالثمن. قالت: فجهزناهما أحث الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب. فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب ولذالك كانت تسمى: ذات النطاقين ثم لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له: ثور، فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لقن ثقف فيرحل من عندهما سحرا فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذالك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذالك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. مطابقته للترجمة في قوله: (هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا). وهشام هو ابن يوسف، ومعمر بن راشد. والحديث بعين هذا الإسناد مضى في الإجارة مختصرا في: باب استئجار المشركين عند الضرورة، ومضى أيضا في: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم مطولا جدا أخرجه عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها إلى آخره ومضى الكلام فيه. قوله: (هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين)، ويروى: هاجر إلى الحبشة
309 من المسلمين، قال الكرماني: من المسلمين صفة أي: هاجر رجال من المسلمين، أو هو فاعل بمعنى بعض المسلمين، جوزه بعض النحاة. قوله: (على رسلك) بكسر الراء أي: على هينتك. قوله: (أو ترجوه؟) الاستفهام فيه على سبيل الاستخبار أي: أو ترجو الإذن؟ يدل عليه قوله: (أن يؤذن لي) قوله: (بأبي أنت) أي: مفدى أنت بأبي. قوله: (ليصحبه) أي: لأن يصحبه، ويروى: لصحبته قوله: (راحلتين) تثنية راحلة وهي من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال والذكر والأنثى فيه سواء، والهاء فيها للمبالغة وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله للنجابة وتمام الخلقة وحسن المنظر فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت. قوله: (السمرة) بضم الميم وهو شجر الطلح. قوله: (جلوس) أي: جالسون. قوله (في نحر الظهيرة) أي: في أول الهاجرة. قوله: (مقبلا) أي: أقبل أوجاء حال كونه مقبلا، والعامل فيه معنى الإشارة في قوله هذا. قوله: (مقنعا) من الأحوال المترادفة أو المتداخلة. قوله: (فدالة) هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره فدالك، وفي (التوضيح): أن كسرت الفاء مددت وإن فتحت قصرت. قال ابن التين: وهو الذي قرأناه. قوله: (إن جاء به) كلمة أن نافية هذا على رواية الكشميهني واللام فيه مكسورة للتعليل، وفي رواية غيره: (لأمر)، بفتح اللام وبالرفع وهي لام التأكيد، وكلمة: إن على هذه مخففة من المثقلة. قوله: (فأذن له) على صيغة المجهول. قوله: (أخرج من عندك) أمر من الإخراج، ومن عندك، في محل النصب على المفعولية. قوله: (فالصحبة) منصوب تقديره: أطلب الصحبة، أو: أريدها، ويجوز أن يكون مرفوعا على تقدير فاختياري أو مقصودي الصحبة، والجهاز بالفتح والكسر أسباب السفر والحث التحضيض والإسراع. قوله: (أحث الجهاز) بالحاء المهملة والثاء المثلثة، وفي رواية الكشميهني: بالباء الموحدة، قيل: إنه تصحيف. قوله: (سفرة) بالضم طعام يعمل للمسافر ومنه سميت السفرة التي يؤكل عليها. قوله: (في جراب) بكسر الجيم فيه أفصح من فتحه، قال الجوهري: والعامة تفتحه. قوله: (من نطاقها)، قال الجوهري: النطاق شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة، والأسفل ينجر على الأرض وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان، وقال الهروي نحوه، وزاد: (وبه سميت أسماء ذات النطاقين) لأنها كانت لها نطاقا على نطاق. وقال ابن التين: شقت نصف نطاقها للسفرة وانتطقت بنصفه، وقال الداودي: النطاق المئزر، وقال ابن فارس: هو إزار فيه تكة تلبسه النساء، وقال الكرماني: سميت ذات النطاقين لأنها جعلت قطعة من نطاقها للجراب الذي فيه السفرة، وقطعة للسقاء، كما جاء في بعض الروايات، أو لأنها جعلت نطاقين نطاقا للجراب، وآخر لنفسها. قوله: (فأوكت) أي: شدت والوكاء هو الذي يشد به رأس القربة. قوله: (ثور) باسم الحيوان المشهور، وهو الغار الذي بات فيه النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (لقن) بفتح اللام وكسر القاف وبالنون، وهو سريع الفهم وجاء بسكون القاف. قوله: (ثقف) بكسر القاف وسكونها أي: حاذق فطن. قوله: (فيرحل) ويروى: فيدخل من الدخول. قوله: (كبائت) أي: كأنه بائت بمكة. قوله: (يكادان به) على صيغة المجهول أي: يمكران به، والضمير فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أبي بكر رضي الله عنه وحاصله مهما يتكلم به قريش في حقهما من الأمور التي يريدون فعلها يضبطه عبد الله ويحفظه ثم يبلغ به إليهما. قوله: (وعاه) من الوعي وهو الحفظ. قوله: (ويرعى عليهما) أي: على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر. قوله: (منحة) بكسر الميم وهي الشاة التي تعطيها غيرك ليحتلبها ثم يردها عليك. قوله: (فيريحها) أي فيردها إلى المراح، هكذا رواه الكشميهني، وفي رواية غيره: فيريحه، بتذكير الضمير أي: يريح الذي يرعاه. قوله: (في رسلها) بكسر الراء: اللبن، هكذا رواية الكشميهني بإفراد الضمير، وفي رواية غيره: في رسلهما، بضمير التثنية، وكذا عند الكشميهني (حتى ينعق بها) بالإفراد، وعند غيره: بهما بالتثنية، يقال: نعق الراعي بغنمه ينعق بالكسر أي: صاح بها. 17 ((باب المغفر)) أي: هذا باب يذكر فيه المغفر بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء وفي آخره راء. وقال الكرماني: هو زرد ينسج من الدرع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة قلت: هكذا المنقول عن الأصمعي، وقال الداودي: يعمل على الرأس والكتفين، وقال ابن بطال: المغفر من حديد وهو من آلات الحرب، وقال ابن الأثير: المغفر هو ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد ونحوه. 5808 حدثنا أبو الوليد حدثنا مالك عن الزهري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله
310 عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر. مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي. والحديث مضى في الحج عن عبد الله بن يوسف، وفي الجهاد عن إسماعيل بن أبي أويس، وفي المغازي عن يحيى بن قزعة، والكل عن مالك. قوله: (دخل) أي: مكة، وفي بعض النسخ لفظ: مكة، مذكور والواو في (وعلى رأسه) للحال فإن قلت: كيف الجمع بين هذا الحديث وبين حديث جابر: أنه دخل يومئذ وعليه عمامة سوداء؟ قلت: لا مانع من لبسهما معا، فقد يكون عليه عمامة سوداء وفوقها المغفر أسفل والعمامة فوقه، أو نقول: إنه كان أولا دخل وعليه المغفر، ثم نزعه ولبس العمامة السوداء في بقية دخوله، ويدل عليه: أنه خطب وعليه عمامة سوداء، وإنما خطب عند باب الكعبة بعد دخوله صلى الله عليه وسلم وقال ابن بطال: دخوله صلى الله عليه وسلم بالمغفر يوم الفتح كان في حال القتال ولم يكن محرما، كما قال ابن شهاب، وقد عد هذا الحديث في أفراد مالك عن الزهري، وإنما الصحيح أنه دخلها يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، كما أخرجه الترمذي من حديث حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر، ثم قال حسن، ولم يكن عليه مغفر لكن في حديث الزهري للنسائي أن الأوزاعي رواه عن الزهري كما رواه مالك بذكر المغفر، ثم وفق بين الحديثين بما ذكرناه الآن. 18 ((باب البرود والحبرة والشملة)) أي: هذا باب يذكر فيه البرود، وهو جمع بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء وبالدال المهملة وهي كساء أسود مربع فيه صغر تلبسه الأعراب، وقال الداودي: البرود كالأردية والميازر وبعضها أفضل من بعض، وقال ابن بطال: النمرة والبردة سواء قوله: (والحبرة) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة المفتوحة على وزن: عنبة، وهي البرد اليماني، وقال الداودي: هي الخضراء لأنها لباس أهل الجنة، ولذلك يستحب في الكفن، وسجى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها والبياض خير منها، وفيه كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: أحد أكفانه حبرة والأول أكثر، وقال الهروي: الموشية المخططة، وقال ابن بطال: البرود هي برود اليمن تصنع من قطن وهي الحبرات يشتمل بها، وهي كانت أشرف الثياب عندهم، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم سجى بها حين توفي، ولو كان شيء أفضل من البرود لسجي به. قوله: (والشملة) بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وهي كساء يشتمل بها أي: يلتحف بها، قاله الجوهري، وقال الداودي: هي البردة. وقال خباب: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له خباب بفتح الخاء المعجمة وبباءين موحدتين الأولى منهما مشددة: ابن الأرت. قوله: (شكونا) أي: من الكفار وإيذائهم لنا. قوله: (بردة له) هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: بردته، وهذا طرف من حديث موصول، وقد مضى في المبعث النبوي في: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة، ومضى الكلام فيه هناك. 5809 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك عن إسحااق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك، قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، أدركه أعربي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد. مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء. (انظر الحديث: 3149 وطرفه). مطابقته للترجمة في قوله: (وعليه برد نجراني) و إسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس. والحديث قد مضى في الخمس عن يحيى بن بكير، وسيأتي في الأدب عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي. قوله: (وعليه برد) وفي رواية الأوزاعي: وعليه رداء. قوله: (نجراني) نسبة إلى نجران بفتح النون وسكون الجيم وبالراء والنون، وهي بلدة من اليمن. قوله: (فأدركه
311 أعرابي) زاد همام من أهل البادية. قوله: (فجبذه) أي: فجذبه وهما بمعنى واحد لغتان مشهورتان. قوله: (في صحفة عاتق) وفي رواية مسلم: عنق، وكذا في رواية الأوزاعي، وصفح الشيء وصفحته جهته وجانبه. قوله: (أثرت بها) كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره: أثرت فيها، وفي رواية همام: حتى انشق البرد وذهبت حاشيته في عنقه، وزاد: أن ذلك وقع من الأعرابي لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى حجرته، والتوفيق بين الروايتين بأنه لقيه خارج المسجد فأدركه لما كاد يدخل، فكلمه وأمسك بثوبه لما دخل المسجد، فلما كاد يدخل الحجرة خشي أن يفوته فجبذه. قوله: (مرلي) وفي رواية الأوزاعي: أعطني. قوله: (ثم ضحك) وفي رواية الأوزاعي: فتبسم، وفي رواية همام (فأمر له بشيء). وفيه: بيان حلمه، صلى الله عليه وسلم وصبره على الأذى في النفس والمال والتجاوز عن جفاء من يريد تألفه على الإسلام وليتأسى به الولاة من بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن. 5810 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة قال سهل: هل تدري ما البردة؟ قال: نعم، هي الشملة منسوج في حاشيتها قالت: يا رسول الله! إني نسجت هاذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره، فجسها رجل من القوم فقال: يا رسول الله! اكسنيها، قال: نعم، فجلس ما شاء الله في المجلس ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إياه وقد عرفت أنه لا يرد سائلا، فقال الرجل: والله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه. مطابقته للترجمة ظاهرة. و يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القاري من القارة، وهي حي من العرب أصله مدني سكن الإسكندرية، وأبو حازم سلمة بن دينار. والحديث مضى في الجنائز في: باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن سلمة عن أبي حازم عن أبيه عن سهل، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (هل تدري) ويروى: هل تدرون؟ وفي رواية: أتدرون؟ قوله: (منسوج) يعني: كانت لها حاشية، وفي نسجها مخالفة لنسج أصلها لونا ودقة ورقة. قوله: (محتاجا إليها) ويروى: محتاج، بالرفع فالنصب على الحال والرفع على تقدير: وهو محتاج إليها. قوله: (فحبسها) بالجيم وتشديد السين المهملة أي: مسها، بيده، ويروى: فحسنها، من التحسين بالمهملتين. 5811 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة من أمتي زمرة هي سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر، فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه، قال: ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم. فقال: اللهم اجعله منهم، ثم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبقك عكاشة. مطابقته للترجمة في قوله: (يرفع نمرة له) والنمرة بفتح النون وكسر الميم هي الشملة التي فيها خطوط ملونة كأنها أخذت من جلد النمر لا شتراكهما في التلون وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث من أفراده. قوله: (إضاءة القمر) أي: كإضاءة القمر. قوله: (سبقك عكاشة) يعني بالدعاء له قيل قد مر في كتاب الطب أن عكاشة قال ذلك في قصة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون، وأجيب بأن القصة واحدة فلا منافاة بينهما. 5812 حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن أنس، قال: قلت له: أي الثياب
312 أي كان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: الحبرة. مطابقته للترجمة في قوله: (الحبرة) وقد مر تفسيرها عن قريب. وعمرو بن عاصم القيسي البصري، وهمام هو ابن يحيى. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود جميعا في اللباس عن هدبة بن خالد، وإنما كانت الحبرة أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليس فيها كثير زينة، ولأنها أكثر احتمالا للوسخ. 5813 حدثني عبد الله بن أبي الأسود حدثنا معاذ قال: حدثني أبي عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة. (انظر الحديث: 5812). هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن محمد بن أبي الأسود حميد البصري الحافظ عن معاذ بن هشام الدستوائي، يروي عن أبيه هشام بن أبي عبد الله عن قتادة إلى آخره. 5814 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين توفي سجي ببردد حبرة. مطابقته للترجمة في آخر الحديث. والحديث أخرجه مسلم في الجنائز عن عبد الله بن عبد الرحمن وغيره. وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل. وأخرجه النسائي في الوفاة عن أبي داود الحراني. قوله: (حين سجي) بضم السين المهملة وتشديد الجيم المكسورة أي: حين توفي غطي ببرد حبرة بالإضافة والصفة ومر الكلام فيه عن قريب. تم بعون الله وحسن توفيقه طبع الجزء الحادي والعشرين من (عمدة القارئ) شرح (صحيح البخاري) ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني والعشرون وأوله باب الأكسية والخمائص وفقنا الله لتمام طبعه، وألهم المسلمين لما فيه خيرهم وصلاحهم آمين.