معرفة السنن و الآثار (جزء 7) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

معرفة السنن و الآثار (جزء 7) - نسخه متنی

احمد بن حسین بیهقی؛ محقق: سید حسن کسروی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: معرفة السنن والآثار
المؤلف: البيهقي
الجزء: 7
الوفاة: 458
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: سيد كسروي حسن
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: لبنان/ بيروت - دار الكتب العلمية
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات:
[بسم الله الرحمن الرحيم]
1134 - [باب]
من يجري عليه الرق
5380 - [144 / أ] / أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
قد سبى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بني المصطلق وهوازن وقبائل من العرب وأجرى عليهم
الرق حتى من عليهم بعد فاختلف أهل العلم بالمغازي فزعم بعضهم:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لما أطلق سبي هوازن قال:
' لو كان تاما على أحد من العرب سبي لتم على هؤلاء ولكنه إسار وفداء '.
قال الشافعي:
فمن ثبت هذا الحديث زعم أن الرق لا يجري على عربي بحال.
وهذا قول الزهري وسعيد بن المسيب والشعبي.
ويروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.

3
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان عن يحيى بن يحيى الغساني عن عمر بن عبد العزيز.
قال: وأخبرنا سفيان عن رجل عن الشعبي أن عمر قال:
لا يسترق عربي.
قال: وأخبرنا عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال في المولى
ينكح الأمة: يسترق ولده.
وفي العربي ينكح الأمة: لا يسترق وله وعليه قيمتهم.
قال الشافعي:
ومن لم يثبت الحديث عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ذهب إلى أن العرب والعجم سواء وأنه
يجري عليهم الرق حيث جرى على العجم.
والله أعلم.
قال الربيع: وبه يأخذ الشافعي رحمه الله.
قال أحمد:
وقد ذكر الشافعي في القديم في رواية الزعفراني هذه المسألة وقال:
أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي قال:
قال عمر: لا يسترق عربي.
قال: وأخبرنا سفيان عن يحيى بن يحيى الغساني:
أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: أن عمر بن الخطاب كان فيما يقضي فيما
تسابت العرب من الفداء بأربع مائة.
قال: وأخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن
عمر بن الخطاب كان يقضي في العرب الذين ينكحون الإماء في الفداء: بالغرة.
قال الشافعي:

4
أخبرنا محمد - وأنا أظنه محمد بن عمر الواقدي - عن موسى بن محمد بن
إبراهيم بن الحارث عن أبيه عن السلولي عن معاذ بن جبل أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال يوم حنين:
' لو كان ثابتا على أحد من العرب سباء بعد اليوم ثبت على هؤلاء ولكن إنما
هو [144 / ب] / إسار وفداء '.
قال الشافعي:
ولا نعلم النبي [صلى الله عليه وسلم] سبى بعد حنين أحدا.
ولا نعلم أبا بكر سبى عربيا من أهل الردة حتى خلاهم عمر.
قال: وقد روى شيء عن أبي بكر في سبي بعض العرب وليس ثابتا إنما كان
أسرهم.
وأحسب أن من قال سباهم إنما ذهبوا إلى هذا.
والحجاز عندنا ليس في أهله عربي علمته جرى عليه سبي في الإسلام.
قال أحمد:
أما قبل سبي هوازن فالسبي كان يجري عليهم.
والأخبار بذلك ناطقة ولو صح حديث معاذ كانت الحجة فيه.
إلا أنه رواية موسى بن محمد بن إبراهيم وليس بالقوي والراوي عنه الواقدي
وهو ضعيف.
ولم أجد هذا اللفظ في شيء من طرق حديث سبي هوازن والله أعلم.
ومن الأحاديث التي وردت في جريان الرق عليهم:
ما ثبت عن عامر الشعبي عن أبي هريرة سمع النبي [صلى الله عليه وسلم] في نذر محرر من بني
إسماعيل كان على عائشة فسبى سبي من بلعنبر فقال لها رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

5
' إن سرك أن تفي بنذرك فاعتقي محررا من هؤلاء '.
فجعلهم من بني إسماعيل إلا أن هذا كان قبل سبي هوازن فيما زعم أهل العلم
بالمغازي.
والله أعلم.
1135 - [باب]
تحريم الفرار من الزحف
5381 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال:
لما نزلت هذه الآية:
* (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) *.
فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين فأنزل الله:
* (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) *.
فخفف عنهم وكتب، أن لا يفر مائة من مائتين.
أخرجه البخاري في الصحيح.
5382 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن
ابن عباس قال:
من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر.
هكذا وجدته وقد سقط من إسناده بين ابن أبي نجيح وابن عباس [145 / أ] / عطاء بن أبي
رباح.
5383 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا

6
أحمد بن شيبان حدثنا سفيان فذكره بمعناه وفي إسناده عطاء.
5384 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال:
قال الشافعي:
قال الله عز وجل:
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار * ومن
يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآء بغضب من الله) *.
قال الشافعي:
والتحرف للقتال الاستطراد إلى أن يمكن المستطرد الكرة في أي حال ما كان
الإمكان.
والتحيز إلى الفئة أين كانت الفئة ببلاد العدو أو ببلاد الإسلام بعد ذلك أو قرب.
وإنما يأثم بالتولية من لم ينو واحدا من المعنيين.
5385 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا أبو عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في سرية فلقوا العدو فحاص الناس حيصة
فأتينا المدينة ففتحتنا بابها وقلنا:
يا رسول الله نحن الفارون فقال:
' بل أنتم العكارون وأنا فئتكم '.

7
5386 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
أنا فئة كل مسلم.
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حكاية عن بعض أهل
العلم منهم الحسن: أن هذه الآية أنزلت في أهل بدر وليست بعامة.
قال أحمد:
قد روي عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري أنه قال:
نزلت في يوم بدر.
قال الشافعي:
آي القرآن عام لجميع الناس وكل الخلق مراد به إلا أن يبين رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عند
الفرض أن الله قصد به إلى قوم دون قوم.
وذكر الشافعي في القديم أحاديث في كيفية بيعة الناس إمامهم ومقصوده منها
هذه المسألة.
ونحن نذكر أسانيدها وما وقع إلينا في البيعة من جهة الشافعي رحمه الله.
5387 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة [145 / ب] /
حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد بن
عبادة بن الصامت أن أباه أخبره عن عبادة بن الصامت قال:
بايعنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره
وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول - أو نقوم - بالحق لا نخاف في الله لومة لائم.
أخرج البخاري في الصحيح من حديث مالك.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن يحيى.

8
5388 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن
أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت قال:
أخذ علينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ستا كما أخذ على النساء: أن لا تشركوا بالله شيئا ولا
تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا يع [ضه] بعضكم بعضا ولا تعصوا في
معروف أمرتكم به فمن أصاب منكم منهن واحدة فعدلت عقوبته فهو كفارة ومن أخرت
عقوبته فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
أخرجه مسلم من حديث هشيم عن خالد الحذاء.
5389 - وبهذا الإسناد قال حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار
عن عبد الله بن عمر قال: كنا إذا بايعنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على السمع والطاعة يقول لنا:
' فيما استطعتم '.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك.
زاد في القديم: حديث مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها
قالت:
أتيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في نسوة نبايعه فقلنا: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك
بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا
ولا نعصيك في معروف.
قالت: فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' فيما استطعتن وأطقتن '.
قالت: فقلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا.

9
هلم نبايعك.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة '.
5390 - أخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا
عثمان [146 / أ] / بن سعيد حدثينا القعنبي فيما قرأ على مالك فذكره غيره أنه قال:
' كقولي لامرأة واحدة - أو مثل قولي - لامرأة واحدة '.
قال الشافعي:
حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال:
لم نبايع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر.
5391 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه حدثنا
بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا أبو الزبير عن جابر فذكره.
رواه مسلم في الصحيح من حديث سفيان.
وذكر الشافعي معنى حديث عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن
زيد قال:
لما كان زمان الحرة أتاه آت فقال له: هناك ابن حنظلة يبايع الناس.
فقال على أي شيء؟ قال: على الموت. قال: لا أبايع على هذا أحدا بعد
رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
5392 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا علي بن عبيد حدثنا هشام
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن عمرو بن يحيى المازني فذكره.
رواه البخاري عن موسى.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب.

10
قال الشافعي:
فالسنة أن يبايع الناس إمامهم على أن يقاتلوا معه ما أمكنهم القتال وأطاقوه فإذا
لم يطيقوه فلا سبيل عليهم على ما وصفه ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يبايع الناس
فيما استطاعوا.
قال الشافعي:
فإن عجزوا عن القتال وسعهم التحيز والفرار إلى فئة وكل المسلمين فئة.
وكذلك قال عمر بن الخطاب:
أنا فئة كل مسلم.
1136 - [باب]
النهي عن قصد النساء والولدان بالقتل
5393 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن كعب بن مالك
عن عمه:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى الذين بعث إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء
والولدان.
وقال في موضع آخر في رواية أبي عبد الله:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والولدان.
[146 / ب] / وذكر في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حديث مالك عن نافع:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء
والصبيان.
5394 - أخبرناه أبو أحمد المهرجاني حدثنا أبو بكر بن جعفر حدثنا محمد بن
إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك.

11
هكذا رواه مالك مرسلا.
ورواه الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أخبره أن امرأة وجدت في بعض
مغازي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مقتولة فأنكر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قتل النساء والصبيان.
5393 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق أخبرنا
إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا الليث.
قال: وأخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا قتيبة حدثنا
الليث فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وقتيبة.
ورواه البخاري عن أحمد بن يونس عن الليث.
وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع موصولا.
وذكر في القديم حديث ابن علية عن يونس عن الحسن عن الأسود بن سريع أن
قوما قتلوا الذرية فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا تقتل ذرية '.
قيل أوليس بأولاد المشركين؟ قال:
' خياركم أولاد المشركين '.
5396 - أخبرناه علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق
حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا يونس بن
عبيد فذكره بإسناده أتم من ذلك.

12
1137 - [باب]
التبييت على المشركين وإصابة نسائهم وذراريهم من غير قصد
5397 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا
أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله
- يعني ابن عبد الله - عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أن النبي [صلى الله عليه وسلم] سئل
عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وأبنائهم؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' هم منهم '.
وربما قال سفيان في الحديث:
' هم من آبائهم '.
وقال في موضع آخر في رواية أبي عبد الله قال:
أخبرني الصعب بن جثامة [147 / أ] / أنه سمع النبي [صلى الله عليه وسلم] يسأل عن أهل الدار من
المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم؟
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' هم منهم '.
قال: وزاد عمرو بن دينار عن الزهري:
' هم من آبائهم '.
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.

13
5398 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وكان سفيان يذهب إلى أن قول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' هم منهم '.
إباحة لقتلهم وأن حديث ابن أبي الحقيق ناسخ له.
قال: وكان الزهري إذا حدث بحديث الصعب بن جثامة أتبعه حديث ابن كعب بن مالك.
قال الشافعي:
وحديث الصعب بن جثامة كان في عمرة النبي [صلى الله عليه وسلم] فإن كان في عمرته الأولى
فقد قتل ابن أبي الحقيق قبلها. وقيل في سنتها.
وإن كان في عمرته الآخرة فهو بعد أمر ابن أبي الحقيق غير شك. والله
أعلم.
قال: ولم نعلمه رخص في قتل النساء والولدان ثم نهى عنه.
ومعنى نهيه عندنا والله أعلم عن قتل النساء والولدان أن يقصد قصدهم بقتل
وهم يعرفون متميزين ممن أمر بقتله منهم.
ومعنى قوله:
' هم منهم '.
أنهم يجمعون خصلتين: أن ليس لم حكم الإيمان الذي يمنع الدم. ولا حكم
دار الإيمان الذي يمنع الغارة على الدار.
وبسط الكلام في شرح ذلك.
قال أحمد:
وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي أن قتل أبي رافع بن أبي

14
الحقيق كان قبل غزوة بني المصطلق وقبل عمرة الحديبية.
وفي حديث الصعب بن جثامة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] مر به وهو بالأبواء أو بودان فأهدى إليه حمار وحش فرده وقال:
' إنا حرم '.
وذكر أنه سئل عن ذراري المشركين فذكره.
وفي ذلك دلالة على صحة ما قال الشافعي من كونه بعد نهيه عن قتل النساء
والصبيان وأن وجه الجمع بين الحديثين ما ذكر الشافعي رحمه الله.
واحتج الشافعي رحمه الله في جواز التبيت أيضا بما:
5399 - أخبرنا [147 / ب] / أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عمر بن حبيب عن عبد الله بن عون أن نافعا كتب إليه
يخبره أن ابن عمر أخبره:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أغار على بني المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع فقتل
المقاتلة وسبي الذرية.
أخرجاه في الصحيح من حديث ابن عون.
وأما الحديث الذي:
5400 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد بن عن أنس قال:
سار رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا طرق قوما
لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم
حين يصبح فلما أصبح ركب وركب المسلمون فخرج أهل القربة ومعهم مكاتلهم
ومساحيهم فلما رأوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قالوا: محمد والخميس فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

15
' الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين '.
قال أنس: وإني لردف أبي طلحة وأن قدمي لتمس قدم رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
فقد قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
رواية أنس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان لا يغير حتى يصبح.
ليس تحريم للإغارة ليلا ولا نهارا ولا غازين في حال.
والله أعلم.
ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطا من أن يؤتوا من كمين
أو من حيث لا يشعرون.
وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا.
قد أصابهم ذلك في قتل ابن عتيك فقطعوا رجل أحدهم.
قال أحمد:
وإنما أراد في قتال ابن عتيك وخروج في قتل ابن أبي الحقيق إلا أن في تلك
القصة أن ابن عتيك سقط فوثئت رجله.
ويحتمل أنه أراد في قتل كعب بن الأشرف فغلظ الكاتب.
ففي قصة قتل كعب بن الأشرف أنه أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في
رأسه ورجله.
قال محمد بن سلمة:
148 / أ] / أصابه بعض أسيافنا.

16
وقيل: بل أصابوا عباد بن بشر في وجهه أو في رجله لا يشعرون.
وذلك في قصة قتل كعب بن الأشرف.
1138 - [باب]
المرأة تقاتل فتقتل
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
حدثنا بعض أصحابنا عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن
عروة عن عائشة قالت:
ما رأيت مثل يهودية من بني قريظة إنها لتحدث عندي وتضحك إذا نودي بها
فقالت: إني الآن لمقتولة. قلت:
وما شأنك؟ قالت: أحدثت حدثا.
5401 - حدثناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أحمد بن
عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق فذكره بإسناده:
قالت: ما قتل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] امرأة من بني قريظة إلا امرأة واحدة.
ثم ذكره أتم من ذلك.
قال الشافعي:
فحدثنا أصحابنا أنها كانت دلت على محمود بن مسلمة رحا فقتلته فقتلت
بذلك.
قال الشافعي:

17
قد جاء الخبر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قتل القرظية ولم يصح خبر على أي معنى
قتلها.
وقد يحتمل أن تكون أسلمت ثم ارتدت ولحقت بقومها فقتلها لذلك.
ويحتمل غيره.
وقد قيل: أن محمود بن مسلمة قتل بخيبر ولم يقتل يوم بني قريظة.
وذاك أن محمد بن مسلمة قال:
يا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ائذن لي أن أخرج إلى مرحب فأنا والله الموتور الثأر.
قال أحمد:
روينا عن ابن إسحاق والواقدي أن خلاد بن سويد الخزرجي دلت عليه فلانة
- امرأة من بني قريظة - رحا فشدخت رأسه فقتلها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فيما ذكر.
قال أحمد:
وقد ذكر الشافعي في القديم حديث رباح بن يحيى أخي حنظلة.
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رأى امرأة ضخمة مقتولة فقال:
' ما أرى هذه كانت تقاتل '.
وفي ذلك دلالة على أنها إذا قاتلت حل قتالها وقتلها. والله أعلم.
1139 - [باب]
[148 / ب] / قطع الشجر وحرق المنازل
5402 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو وحدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا
الربيع بن سليمان قال قال الشافعي: كل ما كان مما يملكون لا روح فيه فإتلافه بكل
وجه مباح.

18
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
قال الله تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
* (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب) * الآية إلى: * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) *.
فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم وإخراب المؤمنين بيوتهم.
ووصفه إياه تبارك وتعالى كالرضا به.
وأمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بقطع ألوان من ألوان نخلهم فأنزل الله رضا بما صنعوا من
قطع نخلهم.
* (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) *.
فرضي القطع وأباح الترك.
5403 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي وأبو بكر بن الحسن القاضي
وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قطع نخل بني النضير وحرق وهي البويرة.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث موسى بن عقبة وغيره.
وذكر بعضهم نزول الآية فيه.
وذكره الشافعي في موضع آخر من رواية أبي سعيد:
5404 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا

19
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حرق أموال بني النضير فقال قائل:
* وهان على سراة بني لؤي
* حريق بالبويرة مستطير
*
قال أحمد:
وقد روي هذا الشعر في حديث نافع عن ابن شهاب موصولا.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
فإن [قال] قائل: فعلل النبي [149 / أ] [صلى الله عليه وسلم] حرق مال بني النضير ثم
تركه.
قيل: على معنى ما أنزل الله وقد حرق بخيبر وهي بعد بني النضير وحرق
الطائف وهي آخر غزاة قاتل بها.
وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل أبنا.
5405 - أخبرنا أبو بكر وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن جعفر قال: سمعت ابن شهاب يحدث
عن عروة عن أسامة بن زيد قال:
أمرني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن أغير صباحا على أهل أبنا وأحرق.
قال أحمد:
كذلك رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري.
وكان أبو مسهر يقول:
نحن أعلم وهي يبنا فلسطين.
5406 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع

20
أخبرنا الشافعي قال قال الأوزاعي:
أبو بكر كان أعلم بتأويل هذه الآية وقد نهى عن ذلك وعمل به أئمة المسلمين.
قال الشافعي:
ولعل أمر أبي بكر رضي الله عنه بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجرا مثمرا إنما هو
لأنه سمع النبي [صلى الله عليه وسلم] يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين فما كان مباحا له أن يقطع
ويترك اختار الترك نظرا للمسلمين.
وقد قطع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم بني النضير فلما أسرع في النخل قيل له: وعدكها
الله فلو استبقيتها لنفسك فكف القطع استبقاء لا أن القطع محرم.
فقد قطع بخيبر ثم قطع بالطائف.
5407 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي قال قال أبو يوسف حدثنا بعض
أشياخنا عن عبادة [بن نسي] عن عبد الرحمن بن غنم أنه قيل لمعاذ بن جبل أن
الروم يأخذون ما حسر من خيلنا فيستفحلونها ويقاتلون عليها أفنعقر ما حسر من
خيلنا؟
فقال: لا ليسوا بأهل أن ينتقصوا منكم إنما هم غدا رقيقكم وأهل
ذمتكم.
قال: وقال أبو يوسف: حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط
قال:
لما بعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى طليحة وبني تميم قال: أيما واد أو دارا
غشيتها فأمسك عنها إن سمعت أذانا حتى تسلهم ما يريدون وما ينقمون.

21
وأيما دار غشيتها فلم تسمع فيها أذانا [149 / ب] / فشن عليه الغارة واقتل وحرق.
قال أبو يوسف: ولا نرى أن أبا بكر نهى عن ذلك بالشام إلا لعلمه بأن
المسلمين سيظهرون عليها ويبقى ذلك لهم.
قال أحمد:
وقد ذكر أبو الأسود عن عروة وذكر موسى بن عقبة في المغازي:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أمر بقطع كروم ثقيف حين حاصرهم بالطائف.
5408 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإذا تحصن العدو فلا بأس أن يرموا بالمنجانيق والعرادات والنيران وغيرها.
نصب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على أهل الطائف منجانيقا أو عرادة.
ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان.
وذكر في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
حديث الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن مكحول أو غيره:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نصب المنجانيق على أهل الطائف.
وحديث أبي عباد عن ابن المبارك عن موسى بن علي عن أبيه أن عمرو بن
العاص نصب المنجانيق على أهل الإسكندرية.
5409 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال
قال الشافعي في العدو يعلون الحصن بأطفال المسلمين يتترسون بهم:
قال الأوزاعي: يكف المسلمون عن رميهم فإن برز أحد منهم رموه فإن الله
تعالى يقول:

22
* (لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم) *.
حتى فرغ من الآية: فكيف يرمي المسلمون من لا يرونه من المشركين؟
قال الشافعي:
والذي تأول الأوزاعي يحتمل ما تأوله عليه ويحتمل أن يكون كفه عنهم لما سبق
في عمله من أنه استسلم منهم طائفة طائعين.
والذي قال الأوزاعي أحب إلينا إذ لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصن.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم على أنفسنا إن كففنا عن حربهم قاتلناهم ولم
نعمد قتل المسلم فإن أصبناه كفرناه.
1140 - [باب]
تحريم إتلاف ما ظفر المسلمون من ذوات الأرواح وعقره
5410 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو]
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب
مولى عبد الله بن عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عن قتله '.
قيل: يا رسول الله: وما حقها؟ قال:
' أن تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فترمي بها '.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي عبد الله وأبي سعيد:
ونهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن المصبورة.

23
5411 - حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله قال:
أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا
يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يقتل شيء من البهائم صبرا.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن حاتم عن يحيى القطان.
5412 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي قال
أبو بكر الصديق:
لا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تعقرن نخلا ولا تحرقنه.
فإن قال قائل: فقد قال أبو بكر: ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته.
فإني إنما قطعته بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وكان أولى بي
وبالمسلمين ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثلة من
أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فيما حفظت مع أن السنة تدل على ما قال أبو بكر في ذوات
الأرواح من أموالهم: فذكر حديث العصفور.
قال الشافعي:
وقد بلغنا عن أبي أمامة الباهلي أنه أوصى ابنه أن لا يعقر جسدا.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى عن عقر الدابة إذا هي قامت.
وعن قبيصة أن فرسه قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره.
وأخبرنا من سمع هشام بن الغاز يروي عن مكحول أنه سأله عنه فنهاه وقال:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن المثلة.

24
قال الشافعي:
وقال الأوزاعي: [150 / ب] / وبلغنا أن من قتل نخلا ذهب ربع أجره ومن قتل جرادا ذهب
ربع أجره.
فإن قال قائل: فقد روي أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عقر عند
الحرب.
فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل
العلم بالمغازي قال أحمد:
الحديث الذي أرسله الأوزاعي روي عن أبي رهم السماعي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من عقر بهيمة ذهب ربع أجره ومن حرق نخلا ذهب ربع أجره '.
وليس بالقوي.
والحديث الذي روي عن جعفر إنما يرويه محمد بن إسحاق بن يسار عن
يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني أبي الذي أرضعني
- وهو أحد بني مرة بن عوف - وكان في تلك الغزاة - غزاة مؤتة - قال:
والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم
حتى قتل.
5413 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق فذكره.
قال أبو داود: هذا الحديث ليس بذلك القوي وقد جاء فيه:
نهى كثير عن أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله وأبي سعيد:
فإن زعم أبو يوسف أنها قياس على ما لا روح فيه فليقل للمسلمين أن [لهم]

25
يحرقوها كما لم أن يحرقوا النخل والبيوت.
وإن زعم أن للمسلمين ذبح ما يذبح منها فإنه إنما أحل ذبحها للمنفعة بأن تكون
مأكولة ليس بأن يعذب بالذبح ولا تكون مأكولة.
وبسط الكلام في هذا.
5414 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
ولكن إن قاتلوا فرسانا لم نر بأسا إذ كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن
نعقرهم كما نرميهم بالمنجانيق وإن أصاب ذلك غيرهم.
وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فأكسعت فرسه به
فسقط عنها فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب فرجع إليه يعدو كأنه سبع
فقتله واستنقذ [151 / أ] / أبا سفيان من تحته فقال أبو سفيان من بعد ذلك:
* قلو شئت نجيتني كميت رجليه
* ولم أجهل النعماء لابن شعوب
*
* وما زال مهري مزجر الكلب منهم
* لدا غدوة حتى دنت لغروب
*
* أقاتلهم طرا وادعوا يال غالب
* وادفعهم عني بركن صليب
*
وقال في موضع آخر:
عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فرسه وذلك بين يدي
رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
فلم نعلم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنكر ذلك عليه ولا نهاه ولا غيره عن مثل هذا.
1141 - [باب]
ما جاء في قتل من لا قتال فيه من الرهبان وغيره
5415 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:

26
ويترك قتل الرهبان إتباعا لأبي بكر رضي الله عنه.
ونص في هذا الكتاب على قتال من لا قتال فيه سوى الرهبان ونص على أنه
إنما قاله في الرهبان إتباعا لا قياسا وقال في كتابه على سير الواقدي المسموع بهذا
الإسناد قال الله عز وجل:
* (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) * الآية.
وقال في غير أهل الكتاب:
* (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) *.
وحقن دماء من دان دين أهل الكتاب بالإيمان وإعطاء الجزية لا أعرف منهم
خارجا من هذا من الرجال.
وقتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة في شجار لا يستطيع الجلوس
فذكر للنبي [صلى الله عليه وسلم] فلم ينكر قتله.
ولا أعرف في الرهبان أن يسلموا أو يؤدوا الجزية أو يقتلوا.
ولا أعرف يثبت عن أبي بكر خلاف هذا ولو كان يثبت لكان يشبه أن يكون
أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم ولا يتشاغلوا بالمقام على صوامع هؤلاء.
وبسط الكلام في هذا [إلى أن] قال:
وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار.
وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الإسلام
والجزية.
قال أحمد:
حديث [151 / ب] / أبي بكر الصديق رضي الله عنه إنما روي عنه منقطعا

27
5416 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو السلمي أخبرنا محمد بن
إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد:
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع
يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر
الصديق:
إما أن تركب وإما أن أنزل.
فقال له أبو بكر: ما أنت بنازل ولا أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل
الله ثم قال:
إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنه
حبسوا أنفسهم له وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر فاضرب ما
فحصوا عن بالسيف.
وإني موصيك بعشر:
لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا
ولا تعقرن شاة ولا بعيرا، إلا لمأكلة ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه ولا تغلل ولا
تجبن.
وبمعناه رواه صالح بن كيسان وأبو عمران الجوني ويزيد بن أبي مالك
الشامي عن أبي بكر.
وكل ذلك منقطع.
ورواه ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن
أبي بكر.
فهذا وإن كان أيضا منقطعا فمراسيل ابن المسيب أقوى من مراسيل غيره.

28
إلا أن أحمد بن حنبل كان يقول:
هذا حديث منكر.
ولم أقف على المعنى الذي لأجله أنكره.
وكان ابنه عبد الله يزعم أنه كان ينكر أن يكون ذلك من حديث الزهري. والله
أعلم.
وفي كل هذه الروايات ذكر الشيخ الكبير.
فإن كان يتبع أبا بكر في الرهبان فليتبعه أيضا في الكبير.
وحديث دريد بن الصمة يشبه أن يكون رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إنما لم ينكر قتله لما كان
فيه من رأي الحرب وتدبير القتال.
وقد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] معنى ما روي عن أبي بكر وأسانيده غير قوية.
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
وقد روى أصحابنا عن أبي الزناد عن المرقع عن رباح أخي حنظلة أن النبي
/ [152 / أ] [صلى الله عليه وسلم] بعث إلى خالد أن لا يقتل عسيفا.
5417 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا
الحسن بن علي بن زياد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن
المخزومي عن أبي الزناد فذكر في حديث أتم منه وقال لرجل:
' الحق خالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا '.
5418 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب
حدثنا هلال بن العلاء حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا عمر بن المرقع بن صيفي بن
رباح بن الربيع أخي حنظلة الكاتب قال: سمعت أبي يحدث عن جدي رباح بن
الربيع قال:

29
كنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في غزاة فرأى ناسا مجتمعين على شيء فقال:
' على ما اجتمع هؤلاء '؟.
فقالوا: على امرأة مقتولة. فقال:
' ما كانت هذه لتقاتل '.
وخالد بن الوليد في المقدمة.
قال: فبعث رجلا فقال:
' قل لخالد لا تقتلن ذرية ولا عسيفا '.
رواه أبو داود. في كتاب السنن عن أبي الوليد إلا أنه قال:
' لا تقتلن امرأة ولا عسيفا '.
وهذا إسناد لا بأس به إلا أن الشافعي قال:
لست أعرف مرقع هذا.
ومرقع هو: ابن صيفي بن رباح بن ربيع ويقال: رياح.
قال البخاري: رياح أصح.
روي عنه هذا الحديث موسى بن عقبة وأبو الزناد وابنه عمر، وأقام إسناده عن
أبي الزناد ابنه والمغيرة بن عبد الرحمن.
ورواه الثوري عن أبي الزناد عن مرقع عن حنظلة الكاتب.
قال البخاري: وهو وهم.
قال الشافعي:
وقد روى عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن رجل عن أبيه أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن
قتل العسفاء والوصفاء.
وهذا كالذي ذكرناه قبله من المجهول.

30
قال أحمد:
وهكذا رواه حماد بن سلمة وحماد بن زيد ووهيب بن خالد عن أيوب
السختياني عن رجل عن أبيه.
وهو مجهول كما قال الشافعي:
وروى إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن حصين عن عكرمة عن
ابن عباس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا تقتلوا الوالدان ولا أصحاب الصوامع '.
وإبراهيم [152 / ب] / بن إسماعيل غير محتج به.
وأخرج أبو داود في كتاب السنن حديث حسن بن صالح عن خالد بن الفزر قال
حدثني أنس بن مالك أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة '.
5419 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
الحسن بن علي بن عفان حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا حسن بن صالح عن خالد - يعني ابن الفزر البصري - قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' انطلقوا بسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قاتلوا أعداء الله في سبيل الله
لا تقتلن شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا
* (إن الله يحب المحسنين) *.
وأخرج أبو داود في مقابلته حديث حجاج بن أرطأة عن قتادة عن الحسن عن
سمرة بن جندب قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

31
' اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم '.
5420 - وقد أخبرناه الحسن بن محمد بن حبيب من أصله قال: حدثنا أبو عبد
الله الصفار حدثنا الحسن بن علي بن بحر أبو سعيد حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم
عن الحجاج فذكره وقال في آخره: يعني الصغار والذرية.
فإذا كان المراد بالشرخ الصغار والذرية فالمراد بالشيوخ في مقابلتهم الرجال
البالغين.
والحجاج بن أرطأة غير محتج به.
والحسن عن سمرة منقطع في غير حديث العقيقة فيما ذهب إليه بعض أهل
العلم بالحديث. والله أعلم.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال:
اتقوا الله في الفلاحين ولا تقتلوهم إلا أن ينصبوا لكم الحرب.
1142 - [باب]
أمان العبد
5421 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه
الله قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' المسلمون يد على من سواهم تكافأ دمائهم ويسعى بذمتهم أدناهم '.
قال أحمد:
وهذا في حديث قيس بن عباد [153 / أ] / عن علي عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:

32
وقد مضى في أول كتاب الجراح.
وذكر في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حديث وكيع عن الأعمش عن
إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال: في الصحيفة التي أورثناها رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
' يسعى بذمتهم أدناهم '.
5422 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
أحمد بن عبد الجبار حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن أبيه قال خطبنا
علي فقال:
من زعم أن عندنا شيئا نقرأه ليس في كتاب الله وهذه الصحيفة معلقة في سيفه
فيها أسنان الإبل وشئ من الجراحات فقد كذب.
وفيها قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها [أو] آوى محدثا فعليه لعنة
الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. ومن ادعى
إلى غير أبيه أو انتمى إلى غيره مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل
منه صرفا ولا عدلا وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله عز وجل منه صرفا ولا عدلا '.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن أبي معاوية
الضرير.
5432 - وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الوليد حدثنا عبد الرحمن بن
أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن الأعمش فذكره بإسناده ومعناه.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي سعيد.

33
وأخرجاه من حديث الثوري عن الأعمش بإسناده عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
5424 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال قال أبو يوسف حدثنا عاصم بن سليمان عن الفضيل بن زيد قال:
كنا محاصرين حصن قوم فعمد عبد لبعضهم فرمى بسهم فيه آمان.
فأجاز ذلك عمر بن الخطاب.
قال الشافعي:
أرأيت عمر بن الخطاب حين أجاز أمان العبد ولم يسل أيقاتل [153 / ب] / أو لا.
أليس ذلك دليلا على أنه إنما أجازه على أنه من المؤمنين.
وبسط الكلام فيه.
وقد رويناه عن شعبة عن عاصم عن فضيل بن زيد وفيه من الزيادة فكتبوا فيه إلى
عمر فكتب عمر:
إن العبد من المسلمين وذمته ذمتهم.
1143 - [باب]
أمان المرأة
احتج الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه بحديث مالك - أظنه
عن أبي النضر - أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ
بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته
تستره بثوب.
قالت: فسلمت عليه فقال:
' من هذه '؟
فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال:
' مرحبا بأم هانئ '.

34
فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد فلما انصرف قلت:
يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن
هبيرة.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ '.
وذلك ضحى.
5425 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن بن عبدوس حدثنا
عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد
الله.
5426 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو علي الحافظ أخبرنا
علي بن الحسين الصفار حدثنا يحيى بن يحيى قال:
قرأت على مالك عن أبي النضر فذكراه بطوله.
وحديث الشافعي مختصرا.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
ورواه البخاري عن القعنبي.
وذكر الشافعي أيضا حديث المقبري عن أبي مرة عن أم هانئ في الآمان.
وقد أخرجاه في كتاب السنن.
5427 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود
عن عائشة قالت:

35
إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز.
وقد ذكره الشافعي من حديث الأعمش عن إبراهيم [154 / أ] / وقال فيما حكي عن
العراقيين أن زينب بنت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمنت زوجها أبا العاص فأجاز ذلك رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
وقد ذكرنا أسانيده في كتاب السنن.
1144 - [باب] كيف الآمان ومن نزل على حكم مسلم من أهل القناعة والثقة
5428 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس بن مالك قال:
حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر فقدمت به على عمر فلما انتهينا
إليه قال له عمر: تكلم قال:
كلام حي أم كلام ميت؟ قال:
تكلم لا بأس.
قال: إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم
ونغضبكم فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان فقال عمر ما تقول.
فقلت يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدوا كثيرا وشوكة شديدة فإن قتلته يئس
القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم.
فقال عمر:
أستحيي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلما خشيت أن يقتله.
قلت: ليس إلى قتله سبيل.
قد قلت له تكلم لا بأس.
فقال عمر: ارتشيت وأصبت منهن.
فقلت: والله ما ارتشيت ولا أصبت.

36
قال: لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو لأبدأن بعقوبتك.
قال فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معي وأمسك عمر وأسلم
[الهرمزان] وفرض له.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد:
وقبول من قبل من الهرمزان أن ينزل على حكم عمر يوافق سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قتل من بني قريظة حين حصرهم وجهدتهم الحرب أن ينزلوا على
حكم سعد بن معاذ.
قال:
وقول عمر يرحم الله لتأتينني بمن شهد على ذلك غيرك.
يحتمل إن لم يذكر ما قال للهرمزان أن لا يقبل إلا بشاهدين.
ويحتمل أن يكون احتياطا كما احتاط في الأخبار.
ويحتمل أن يكون في بدنه فجعل الشاهد غيره لأنه دافع عن من [154 / ب] / في بدنه
وأشبه ذلك أن يكون احتياطا. والله أعلم.
قال الشافعي:
ولا قود على قاتل أحد بعينه لأن الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور
فلم ير عمر عليه قودا.
وقول عمر في هذا موافق لسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قد جاءه قاتل حمزة مسلما فلم
يقتله به قودا.
واحتج في موضع آخر في روايتنا عن أبي عبد الله بإسناده عن الشافعي بقول
الله عز وجل:

37
* (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) *.
وما سلف ما تقضى وذهب.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' الإيمان يجب ما كان قبله '.
قال أحمد:
وهذا في حديث عمرو بن العاص عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وفي رواية أخرى عنه ثابتة:
' أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله '.
5249 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه أنه بلغني أن الرجل
منكم يطلب العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال له الرجل مترس يقول لا تخف
فإن أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا ضربت
عنقه.
قال مالك: لا يقتل به.
قال الشافعي:
إن كان إنما ذهب إلى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا يقتل مسلم بكافر '.
وهذا كافر لزمه إذا جاء عن النبي [صلى الله عليه وسلم] شيء إن يترك كل ما خالفه.

38
قال أحمد:
هذا عن عمر منقطع.
وقد روينا بإسناد موصول عن أبي وائل أنه قال:
جاءنا كتاب عمرو:
إذا حاصرتم قصرا فأرادوكم أن تنزلوا على حكم الله فلا تنزلوهم فإنكم لا
تدرون ما حكم الله فيهم ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم أقضوا فيهم بما أحببتم.
وإذا قال الرجل للرجل لا تخف فقد أمنه.
وإذا قال: مترس فقد أمنه فإن الله يعلم الألسنة.
5430 - أخبرناه يحيى بن إبراهيم أخبرنا محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد
الوهاب أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا [155 / أ] / الأعمش عن أبي وائل فذكره وقد ثبت ما ذكر
عمر في النزول على حكم الله عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
1145 - [باب]
الخروج إلى دار الحرب غازيا بغير إذن الإمام والتقدم على جماعة المشركين
والأغلب أنهم سيقتلونه
5431 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه
الله قال:
استحب أن لا يخرجوا إلا بإذن الإمام بخصال.
فذكر مبسوط ما اختصره المزني ثم قال:
فأما أن يكون ذلك يحرم عليهم فلا أعلمه يحرم وذلك أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ذكر
الجنة فقال له رجل من الأنصار: إن قتلت صابرا محتسبا؟ قال:
' فلك الجنة '.
فانغمس في جماعة العدو فقتلوه.
وألقى رجلا من الأنصار درعا كانت عليه حين ذكر النبي [صلى الله عليه وسلم] الجنة ثم انغمس
في العدو فقتلوه بين يدي رسول الله [صلى الله عليه وسلم].

39
وأن رجلا من الأنصار تخلف عن أصحاب بئر معونة فرأى الطير عكوفا على
مقتلة أصحابه فقال لعمرو بن أمية سأتقدم على هؤلاء العدو فيقتلوني ولا أتخلف عن
مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم] فقال فيه
قولا حسنا.
ويقال فقال لعمرو:
' فهلا تقدمت فقاتلت حتى تقتل '؟
وقال في موضع آخر في هذا الإسناد:
وبعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عمرو بن أمية الضمري ورجلا من الأنصار سرية
وحدهما.
وبعث عبد الله بن أنيس سرية وحده.
قال الشافعي في الموضع الأول:
فإذا أحل للرجل المنفرد أن يتقدم على الجماعة الأغلب عنده وعند من رآه أنها
ستقتله كان هذا أكبر مما في انفراد الرجل والرجال بغير إذن الإمام.
وقد بسط الشافعي الكلام في قتال الواحد جماعة من المشركين في كتاب
القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه وانتهى كلامه إلى أن قال:
فإن كان يرجو النجاة بالحال التي قد ينجو مثله بها فله ذلك وهو [155 / ب] / مثل أن
يقاتل عشرة فقد يهزم الواحد العشرة.
وما أشبه ذلك وما كان من ذلك مما لا ينجو منه فليس ذلك له لأنه بمنزلة من
ألقى نفسه في نار أو بحر يحيط علمه أنه لا ينجو منه.
فإن قالوا: قد بارز عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح جماعة من المشركين فقاتلهم
فلم يعبه رسوله الله [صلى الله عليه وسلم].
وفعل ذلك غير واحد في زمان عمر فلم يعب.
قال الشافعي:
عاصم بن ثابت قد كان علم أن القوم قاتلوه لأنه كان قتل يوم أحد جماعة من

40
بني عبد الدار فجعلت أمه لله عليها نذرا أن تشرب في رأسه الخمر فلما لقي عاصم
القوم علم أنهم قاتلوه ليأتوا برأسه المرأة فيصيبوا به فقاتلهم على الإياس من الحياة.
وكذلك نقول فيمن كان يعلم أنه سيقتل ولعله قتل قبل أن يقتل بقتيل من
المشركين ويغيظهم.
1146 - [باب]
قليل الغلول وكثيره محرم
5432 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه أخبرنا أبو النضر شافع بن
محمد أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ثور بن
زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع قال: ووجه رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
نحو وادي القرى وزعم أن رفاعة بن زيد وهب لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] عبدا أسود يقال له:
مدعم.
قال فخرجنا حتى كنا بوادي القرى فبينما مدعم يخط رحل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذ
جاءه سهم غائر فقتله فقال الناس:
هنيئا له الجنة.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها
المقاسم لتشتعل عليه نارا '.
أخرجاه في الصحيح من وجه آخر عن مالك وفيه من الزيادة:
فجاء رجل إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بشراك أو شراكين، فقال رسول الله [156 / أ] / [صلى الله عليه وسلم]:

41
' شراك من نار أو شراكان من نار '.
5433 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا ابن عبد الحكم
أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني مالك فذكره بإسناده ومعناه وذكر هذه الزيادة.
5434 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا
الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن
أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني قال كنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فمات رجل من أشجع
فلم يصل عليه النبي [صلى الله عليه وسلم] وقال:
' صلوا على صاحبكم '.
فنظروا إلى متاعه فوجدوا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين.
5435 - وبهذا الإسناد قال حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب قال سمعت
يحيى بن سعيد الأنصاري يقول سمعت محمد بن يحيى بن سعيد الأنصاري يقول
سمعت محمد بن يحيى بن حبان يحدث عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني أن
رجلا توفي من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من أشجع يوم خيبر وأنهم ذكروا لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] فزعم أنه قال لهم:
' صلوا على صاحبكم '.
فتغيرت وجوه الناس لذلك. فزعم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إن صاحبكم غل في سبيل الله '.
قال: ففتشنا متاعه فوجدناه خرزا من خرز اليهود والله ما يساوي درهمين.
5436 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قلت للشافعي

42
أفرأيت الذي يغل من الغنائم شيئا قبل أن تقسم؟
فقال لا يقطع ويغرم وإن كان جاهلا علم ولم يعاقب فإن عاد عوقب.
قلت: أفيرجل عن دابته أو يحرق سرجه أو متاعه؟
فقال: لا يعاقب رجل في ماله إنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على
الأبدان.
وكذلك العقوبات وقليل الغلول وكثيره محرم قلت للشافعي فما الحجة فيما
قلت؟
فقال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عجلان كلاهما عن
عمرو بن شعيب.
قال أحمد:
انقطع الحديث من الأصل وهو فيما:
5437 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري [156 / ب] / أخبرنا أبو الحسن بن
محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا إبراهيم بن يسار حدثنا
سفيان حدثنا عمرو بن دينار سمع عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابن عجلان عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لما قفل من غزوة حنين وكان يسير والناس يسألونه حاصت به الناقة
فخطفت شجرة رداءه فقال:
' ردوا علي ردائي أتخشون علي البخل والله لو أفاء الله عليكم نعما مثل سمر
تهامة لقسمتها بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا '.
ثم أخذ وبرة من ذروة سنام بعيره فرفعها وقال:
' مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس وهو مردود عليكم '.
فلما كان عند قسم الخمس أتاه رجل يستحله خياطا أو مخيطا فقال:

43
' ردوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار يوم القيامة '.
قال أحمد:
وأما حديث صالح بن محمد بن زائدة قال:
دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال سمعت
أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إذا وجدتم رجلا قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه '.
قال: فوجدنا في متاعه مصحفا فسأل سالما عنه فقال بعه وتصدق بثمنه.
فهكذا:
5438 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا النفيلي وسعيد بن منصور قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن صالح.
ورواه أبو إسحاق الفزاري عن صالح قال:
غزونا مع الوليد بن هشام فذكر إحراق الوليد متاع للغال ولم يسند الحديث.
قال أبو داود: هذا أصح الحديثين.
قال أحمد:
وقال البخاري: عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول وهذا باطل ليس بشيء
وصالح بن محمد منكر الحديث تركه سليمان بن حرب.
قال أحمد:
ورواه زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا.
وقيل عنه مرسلا. وزهير هذا يقال هو مجهول وليس بالمنكر.

44
1147 - [باب]
[157 / أ] / إقامة الحدود في أرض الحرب
5439 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي قال:
قال أبو يوسف: حدثنا بعض أشياخنا عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال:
لا تقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو.
قال وحدثنا بعض أشياخنا عن ثور بن يزيد عن حكيم بن عمير أن عمر كتب إلى
عمير بن سعد الأنصاري وإلى عماله:
أن لا تقيموا حدا على أحد من المسلمين في أرض الحرب حتى يخرجوا إلى
أرض المصالحة.
قال الشافعي:
لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود.
واحتج بالآيات التي وردت في حد الزاني وقطع السارق وجلد القاذف لم يستثن من
كان في بلاد الإسلام أو بلاد الكفر.
وقال في رواية أبي سعيد وحده في موضع آخر:
وقد أقام رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير
موادعون.
وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه.
وبسط الكلام في ذلك وقال في روايتهما:
فأما قوله يلحق بالمشركين فإن لحق بهم فهو أشقى له.
ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين تركه في سواحل

45
المسلمين ومسالحهم التي تتصل ببلاد الحرب.
وما روي عن عمر بن الخطاب مستنكر وهو يعيب أن نحتج بحديث غير ثابت
ويقول حدثنا شيخ ومن هذا الشيخ؟
ويقول مكحول: عن زيد بن ثابت ومكحول لم ير زيد بن ثابت.
قال أحمد:
واحتج بعضهم بحديث بسر بن أبي أرطأة أنه أتى بسارق وقد سرق بختية.
فقال سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' لا تقطع الأيديي في السفر '.
ولولا ذلك لقطعته.
وهذا إنما يروى بإسناد شامي عن بسر.
وكان أهل المدينة ينكرون أن يكون بسر سمع من النبي [صلى الله عليه وسلم].
[157 / ب] / وكان يحيى بن معين يقول:
بسر بن أبي أرطأة رجل سوء.
قال أحمد:
وذلك لما قد انتشر من سوء فعله في قتال أهل الحرة.
قال أحمد:
وروينا عن عبادة بن الصامت أن نبي الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' أقيموا حدود الله في السفر والحضر على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة
لائم '.

46
وذلك فيما رواه أبو داود في المراسيل بإسناده عن مكحول عن عبادة.
وهو بمعناه في تاريخ يعقوب بإسناد موصول ذكرناه في كتاب السنن.
وروينا عن أبي عبيدة بن الجراح أنه كتب إلى عمر في إقامة الحد على عبد بن
الأزور وضرار بن الخطاب وأبي جندل وكانوا قد شربوا. وكان ذلك بحضرة العدو
فسأله عبد بن الأزور أن يؤخر ذلك حتى يرجع الكتاب ولعل الله أن يكرمهم بالشهادة.
فقتل عبد بن الأزور حين التقى الناس قبل أن يرجع الكتاب فلما رجع حدهما.
1148 - [باب]
بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب
5440 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال:
قال الأوزاعي: الربا عليه حرام في دار الحرب وغيرها لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قد
وضع ربا الجاهلية ما أدركه الإسلام من ذلك فكان أول ربا وضعه ربا العباس بن عبد
المطلب فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم عليه دماءهم وأموالهم.
وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فلا يستحل ذلك.
وقال أبو يوسف: القول ما قال الأوزاعي.
وإنما أحل أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' لا ربا بين أهل الحرب '.
أظنه قال: ' وأهل الإسلام '.
قال الشافعي:

47
القول كما قال الأوزاعي وأبو يوسف وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس
بثابت ولا حجة فيه.
1149 - [باب]
[158 / أ] / ما جاء في ترك دعاء من قد بلغته الدعوة
واحتج الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
في ذلك بحديث ابن علية عن ابن عون قال:
كتبت إلى نافع أسأله عن دعاء المشركين عند القتال فكتب:
أن ذلك كان في أول الإسلام وقد أغار رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على بني المصطلق وهم
غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ جويرية
بنت الحارث - حدثني بذلك ابن عمر. وكان في ذلك الجيش.
5441 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن إبراهيم - وهو ابن علية - قال أخبرنا ابن
عون. فذكره.
أخرجاه في الصحيح من أوجه عن ابن عون.
وذكر حديث الصعب بن جثامة.
وحديث سلمة بن الأكوع في التبييت.
1150 - [باب]
النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو
قال الشافعي في القديم أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن ينالوه.

48
5442 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا يحيى بن منصور القاضي حدثنا
محمد بن عبد السلام حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك. فذكره دون قوله:
مخافة أن ينالوه.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
وأخرجه البخاري عن القعنبي عن مالك.
5443 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النصر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا
الشافعي أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإني أخاف أن يناله العدو '.
رواه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان.
1151 - [باب]
ما أحرزه المشركون على المسلمين
5444 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال سألت الشافعي
رحمه الله / عن العدو يأبق إليهم العبد ويشرد إليهم البعير أو يغيرون فينالونهما فظفر
عليهما المسلمون فجاء صاحبهما؟
فقال: ما لصاحبهما.
فقلت: أرأيت إن وقعا في المقاسم؟
فقال: قد اختلف فيهما المفتون فمنهم من قال:
هما قبل المقاسم وبعدها سواء لصاحبهما.
ومنهم من قال: هما لصاحبهما قبل المقاسم فإذا وقعت المقاسم وصاروا في
سهم رجل فلا سبيل إليهما.

49
ومنهم من قال: صاحبهما أحق بهما ما لم يقسما فإذا قسما فصاحبهما أحق
بهما بالقيمة.
قال الشافعي:
ودلالة السنة فيما أرى - والله أعلم - مع من قال هو لمالكه قبل القسمة وبعده.
فأما القياس فمعه لا شك.
والله أعلم.
فقلت للشافعي: فاذكر السنة فيه؟
فقال: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن
عمران بن الحصين قال: سبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة أصيبت قبلها.
قال الشافعي:
كأنه يعني ناقة النبي [صلى الله عليه وسلم] لأن آخر الحديث يدل ذلك.
قال عمران بن حصين: وكانت تكون فيهم وكانوا يجيئون بالنعم إليهم فانفلتت
ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتتركه حتى
أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة هدرة فقعدت في عجزها ثم صاحت بها
فانطلقت فطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فجعلت لله عليها إن الله أنجاها عليها
لتنحرنها.
فلما قدمت عرفوا الناقة وقالوا:
ناقة رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قالت: إنها قد جعلت لله عليها لتنحرنها.
فقالوا: والله لا تنحرنها حتى نؤذن رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وإنها قد جعلت لله عليها إن نجاها
الله عليها لتنحرنها.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' سبحان الله بئس ما جزتها أن أنجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية

50
الله ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد ' [159 / أ] / أو قال: ' ابن آدم '.
5445 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي فذكروا هذا الحديث بهذا الإسناد
واللفظ.
أخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الوهاب.
5446 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي
المهلب عن عمران بن حصين.
أن قوما أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي [صلى الله عليه وسلم] وكانت الناقة والمرأة
عندهم ثم انفلتت المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة فعرفت ناقة النبي [صلى الله عليه وسلم].
فقالت: إني نذرت لئن أنجاني الله عليها لأنحرنها فمنعوها أن تنحرها حتى
يذكروا ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم].
فذكروا ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' بئس ما جزيتها إن أنجاك الله عليها أن تنحريها لا نذر في معصية الله ولا فيها
لا يملك ابن آدم '
وقالا معا أو أحدهما في الحديث:
وأخذ النبي [صلى الله عليه وسلم] ناقته.
قال أحمد:
وهذه الزيادة أيضا فيما:

51
5447 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
يحيى بن أبي طالب أخبرنا علي بن عاصم عن خالد عن أبي قلابة عن أبي المهلب
عن عمران بن حصين قال:
فقدت ناقة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] العضباء فإذا هم بها صباح يوم وامرأة قد أناختها تريد
أن تنحرها فذهبوا بها إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' ما شأنك '؟
قالت: أنا من المسلمين ممن حول المدينة سباني المشركون وابنتا لي فشدونا
وثاقا فحللت من الليل وثاقي فأتيت ابنتي لأحلها فلم أستطع أحلها فأتيت الإبل
فأخذت أسكنها بعيرا فركبت عليه وجعلت لله علي إن نجاني الله أن أنحرها. قال:
' بئس ما جزيتها لا نذر لابن آدم فيما لا يملك '.
فقبض [159 / ب] / رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ناقته وخلى عن المرأة.
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد وحده: فقد أخذ النبي [صلى الله عليه وسلم]
ناقته بعدما أحرزها المشركون وأحرزتها الأنصارية على المشركين.
ولو كانت الأنصارية أحرزت عليهم شيئا ليس لمالك كان لها في قولنا أربعة
أخماسه وخمس لأهل الخمس.
وفي قول غيرنا كان لها ما أحرزت لا خمس فيه.
وقد أخبر النبي [صلى الله عليه وسلم] أنها لا تملك ما له بلا قيمة.
قال أحمد:
[فإن] قال قائل إنما لم يصح نذرها لأنها قالت ذلك وهي في دار الحرب ما
لم تنج بها إلى دار الإسلام لم تملكها.
قيل له: أليس قد نجت إلى دار الإسلام فوجب أن يبطل نذرها بملكها على
أصلك ولم يجز النبي [صلى الله عليه وسلم] إبطال ملكها إلا بأن يدفع إليها قيمتها فلما لم ينقل في
شيء من الأخبار أنه غرم لها قيمتها دل أنها لم تملكها قط.

52
ولأن ظاهر الخبر أنها هربت عليها وطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فحينئذ
نذرت والغالب أنها كانت قد دخلت دار الإسلام لقرب الشرك من دار الإسلام يومئذ
إلا أنها خشيت خروجهم في إثرها في الصحراء فنذرت فأبطل النبي [صلى الله عليه وسلم] نذرها وأخبر
بأنها نذرت ما لم تملك.
ومن ذهب إلى وقوع الطلاق في الملك إذا عقد قبله مضافا إليه لزمه أن يقول
بلزوم النذر في الملك إذا عقد قبله مضافا إليه.
وها هنا قد أضافت نذرها إلى أن تنجو عليها وإنما يكون ذلك عنده إذا دخلت
دار الإسلام وملكها وهو لا يقول ذلك.
5448 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
الثقة عن نافع عن ابن عمر:
أن عبدا له أبق وفرسا له غار فأحرزه المشركون ثم أحرزه عليهم المسلمون فردا
بلا قيمة.
5449 - وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب
حدثنا محمد [160 / أ] / بن إسحاق الصغاني حدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر قال:
ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] وأبق عبدا له فلحق بالروم فظهر عليه المسلمون فرد عليه خالد بن الوليد - يعني
بعد النبي [صلى الله عليه وسلم] -.
أخرجه البخاري في الصحيح فقال: وقال ابن نمير فذكره.
قال الشافعي في القديم:
ولو كان العدو مالكين لم يكن لهم رده لأن الله تعالى قد جعل الخمس من
الغنيمة لابن السبيل واليتيم وفي ردهم ذلك إلى ابن عمر ترك لإخراج الخمس منه.
5450 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا

53
الثقة عن مخرمة بن بكير عن أبيه - لا أحفظ عن من رواه - أن أبا بكر الصديق رضي
الله عنه قال:
فيما أحرز العدو من مال المسلمين مما غلبوا عليه أو أبق إليهم ثم أحرزه
المسلمون: مالكوه أحق به قبل القسم وبعده.
قال الشافعي:
وإن اقتسم فلصاحبه أخذه وعوض الذي صار في سهمه قيمته من خمس
الخمس.
وذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
حديث علي بن الجعد عن شريك عن الركين بن الربيع عن أبيه:
أن فرسا له غار إلى المشركين فصار في الخمس فأتيت سعدا فأخبرته فدفعه
إلي.
5451 - أخبرناه الإمام أبو الفتح أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح أخبرنا أبو
القاسم البغوي أخبرنا علي بن الجعد فذكره بإسناده ومعناه إلا أنه قال: فوجده في
مربط سعد.
وقد رويناه عن زائدة عن الركين بن الربيع عن أبيه قال:
فرده علينا بعدما قسم وصار في خمس الإمارة.
قال الشافعي في القديم:
سن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن مال المسلم لا يحل إلا بطيب نفس منه وقال:
' دماؤكم وأموالكم حرام '.
وبسط الكلام فيه [إلى أن] قال:
فإن احتج بأن [160 / ب] / بأن تميم بن طرفة روى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] حكم في رجل اشترى بعيرا قد

54
أحرزه العدو أن صاحبه يأخذه بالثمن.
قيل له: تميم بن طرفة لم يدرك النبي [صلى الله عليه وسلم] ولم يسمع منه والمرسل لا تثبت به
حجة لأنه لا يدري عن من أخذه.
5452 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال:
قال أبو يوسف: حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن
عباس عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في عبد وبعيرا أحرزهما العدو ثم ظفر بهما. فقال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] لصاحبهما:
' إن أصبتهما قبل القسمة فهما لك بغير شيء وإن أصبتهما بعد القسمة فهما لك
بالقيمة '.
قال أحمد:
هكذا وجدته عن أبي يوسف عن الحسن بن عمارة.
ورواه غيره عن الحسن بن عمارة بن عبد الملك الزراد عن طاوس عن ابن
عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في بعير واحد.
وهذا الحديث يعرف بالحسن بن عمارة وهو متروك لا يحتج به.
ورواه مسلمة بن علي عن عبد الملك وهو أيضا ضعيف.
وروي بإسناد آخر مجهول عن عبد الملك ولا يصح شيء من ذلك.
وروي من وجه آخر عن ابن عمر وإنما رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة
وياسين بن معاذ الزيات على اختلاف بينهما في لفظه وكلاهما متروك لا يحتج به.
قال الشافعي في القديم:
واحتج محتج بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
من أدرك ما أحرز العدو قبل أن يقسم فهو له وما قسم فلا حق له فيه إلا
بالقيمة.

55
قال الشافعي:
فيقال له هذا إنما روي عن الشعبي عن عمرو عن رجاء بن حيوة عن عمر
مرسلا.
وذكره في موضع آخر من حديث عبد الوهاب عن ابن أبي عروبة عن أبي حريز
عن الشعبي أن عمر قال:
من أدرك ما أحرزه العدو من ماله قبل أن يقسم فهو له وإن قسم فلا سبيل له
عليه إلا بالقيمة.
ومن حديث ابن علية عن [161 / أ] / عمر أو عن أبي عبيدة.
قال الشافعي:
وكلاهما لم يدرك عمر، ولا قارب ذلك.
قال أحمد:
وقد قيل عن رجاء عن قبيصة بن ذؤيب عن عمر.
وهو أيضا مرسل.
قال الشافعي:
المرسل قد يكون عن المجهول والمجهول لا تقوم به حجة.
وحديث سعد أثبت من الحديث عن عمر لأنه عن الركين عن أبيه أن سعدا فعله
به والحديث عن عمر مرسل.
5453 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما
بلغه عن حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي فيمن اشترى ما أحرزه
العدو قال:
هو جائز.
قال الشافعي:

56
وهم يقولون صاحبه إذا جاء بالخيار إن أحب أخذه بالثمن أخذه.
قال أحمد:
رواية خلاس عن علي ضعيفة عند أهل العلم بالحديث يقولون هي من كتاب
وإنها منقطعة ويروون فيه عن زيد بن ثابت وإنما رواه ابن لهيعة بإسناده وابن لهيعة
غير محتج به.
قال أحمد:
حديث عمران بن حصين ثابت لا شك فيه.
وحديث ابن عمر أيضا ثابت إلا أن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة رواه عن عبيد
الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر:
أن غلاما لابن عمر أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى
ابن عمر، ولم يقسم.
5454 - هكذا أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا صالح بن سهيل عن يحيى بن أبي زائدة فذكره.
وفيه أيضا دلالة على أن العدو لم يملكه بالإحراز.
وحديث سعد بن أبي وقاص موصول وفيه دلالة على أنه رده بعد القسمة ولم
ينقل فيه إيجاب القسمة على صاحبه.
وأما سائر الروايات فإنها مقاطيع أو ضعيفة.
والله أعلم.
1152 - [باب]
من أسلم على شيء فهو له
5455 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه
الله قال:
روى [161 / ب] / ابن أبي مليكة مرسلا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:

57
' من أسلم على شيء فهو له '.
قال الشافعي:
وكان معنى ذلك من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له.
واستدل على ذلك أنه لو أحرز حرزا أو أم ولد أو مكاتبا أو مدبرا أو عبدا مرهونا
فأسلم عليهم لم يكونوا له.
فكذلك أموال المسلمين لم تكن له.
قال الشافعي:
والذين قتل المغيرة مشركون: يريد ما روي عن عروة بن الزبير عن المسور في
قصة الحديبية وما جرى بين عروة بن مسعود الثقفي والمغيرة بن شعبة.
قال: وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء
فأسلم فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء '.
وذكر الشافعي في القديم حديث موسى بن داود عن ابن المبارك عن حيوة بن
شرح عن أبي الأسود عن عروة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من أسلم على شيء فهو له '.
وهذا أيضا منقطع ويشبه أن يكون أراد قصة المغيرة بن شعبة.
وذكر أيضا حديث خالد عن موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن
علقمة بن مرثد عن سلميان بن بريدة عن أبيه أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:

58
' لهم ما أسلموا عليه من أرضهم وأموالهم وفي أرضهم العشر '.
5456 - أخبرناه أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان حدثنا أبو
بكر بن محمد بن المؤمل حدثنا الفضل بن محمد الشعراني حدثنا النفيلي عن
موسى بن أعين فذكره بإسناده زاد قال في أهل الذمة:
' لهم ما أسلموا عليه من أموالهم وعبيدهم وأرعيتهم وماشيتهم ليس عليهم فيه
إلا صدقة '.
1153 - [باب] الحربي يدخل بأمان وله مال في دار الحرب ثم يسلم أو يسلم في دار الحرب
5457 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال: قد أسلم ابنا سعية القرظيان من بني قريظة ورسوله الله [صلى الله عليه وسلم] جاثم
عليهم وقد حصرهم فترك لهما رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [162 / أ] / دورهما وأموالهما من النخل والأرض
وغيرهما.
قال الشافعي:
وذلك معروف من بني قريظة.
قال أحمد:
وهذا فيما رواه محمد بن إسحاق صاحب المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة
عن شيخ من بني قريظة قال:
هل تدري عم كان إسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد؟
فذكر قصة في اليهودي الذي كان أخبر بصفة النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
فلما كانت تلك الليلة التي افتتحت فيها قريظة قالوا: يا معشر يهود إنه والله لهو
بصفته ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم وكانت في الحصن فلما فتح
رد ذلك عليهم.

59
5458 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا العطاردي حدثنا
يونس بن بكير عن ابن إسحاق فذكره.
وروينا في حديث صخر بن العيلة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم '.
وروينا في الحديث الثابت عن ابن عباس قال:
لقي ناس من المسلمين رجلا في غنيمة له فقال: السلام عليكم فأخذوه فقتلوه
وأخذوا تلك الغنيمة فنزلت:
* (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) * وقرأها ابن عباس:
(السلام).
5459 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الوليد حدثنا الحسن بن سفيان
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر.
ورواه البخاري عن ابن المديني عن سفيان.
1154 - [باب] المسلم يدخل دار الحرب فيشتري دارا أو غيرها
5460 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال:
سئل أبو حنيفة عن رجل مسلم دخل دار الحرب بأمان فاشترى دارا أو أرضا أو
رقيقا أو ثيابا فظهر عليه المسلمون؟

60
قال: أما الدور والأرضون فهي من فيء المسلمين وأما الرقيق والمتاع فهو
للرجل الذي اشتراه.
[162 / ب] / قال الأوزاعي:
فتح رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأرضيهم ودورهم بمكة ولم
يجعلها فيئا.
وقال أبو يوسف:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عفا عن مكة وأهلها وقال:
' من أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي
سفيان فهو آمن '.
ونهى عن القتل إلا نفرا قد سماهم إلا أن يقاتل أحد فيقاتل.
وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد.
' ما ترون أني صانع بكم '.
قالوا: خيرا أخو كريم وابن أخو كريم. قال:
' اذهبوا فأنتم الطلقاء '.
ولم يجعل منها فيئا قليلا ولا كثيرا ولا دارا ولا أرضا ولا مالا ولم يسب من
أهلها أحدا وقد قاتله قوم فيها فقتلوا وهربوا فلم يأخذ من متاعهم شيئا ولم يجعله
فيئا.
وقد أخبرتك أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ليس في هذا كغيره فهذا من ذلك فتفهم.

61
فأما الرجل المسلم الذي دخل دار الحرب فالقول كما قال أبو حنيفة لأن الدور
والأرضين لا تحول ولا يحوزها المسلم.
قال الشافعي:
القول ما قال الأوزاعي إلا أنه لم يصنع من بالحجة بمكة ولا أبو يوسف شيئا لم
يدخلها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عنوة وإنما دخلها صلحا وقد سبق لهم أمان.
والذين قاتلوا وأذن في قتلهم بمكة بنو نفاثة قتلت خزاعة وليس لهم بمكة دار
ولا مال وإنما هم قوم هربوا إليها فأي شيء يغنم ممن لا مال له.
وأما غيرهم ممن دفع خالد بن الوليد فادعوا أن خالد بن الوليد بدأهم بالقتال
ولم ينفذ لهم أمانا.
وادعى خالد أنهم بدأوه ثم أسلموا قبل أن يظهر لهم على شيء.
ومن لم يسلم صار إلى قبول الأمان بإلقاء السلاح ودخول داره.
فقد تقدم من رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من دخل داره فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن '.
قال: من يغنم مال من له أمان لا غنيمة على مال هذا وما يقتدى فيما صنع
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلا [163 / أ] بما صنع.
وبسط الكلام في هذا وجرى من خلال كلامه: أن ما خص به النبي [صلى الله عليه وسلم] مبين
في كتاب الله أو سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أو فيهما ولو جاز أن قال في شيء لم يبين أنه خاص

62
له لعل هذا من الخاص له جاز هذا في كل حكم فخرجت أحكامه من أيدينا.
قال: وكيف يجوز أن يغنم مال المسلم وقد منعه الله بدينه.
وبسط الكلام في هذا.
واحتج بحديث ابن سعية ومنع أن يكون بين الدور والأراضي وغيرها مما يحول
فرق.
قال أحمد:
احتج بعض من خالفنا في هذا بأحاديث في نقص قريش عهدهم وأنهم لم يبقوا
على الصلح الذي جرى بالحديبية.
وذلك مسلم له إلا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لما نزل مر الظهران ومن أتاه أبو سفيان ومن أتاه
من أهل مكة عقد لأهل مكة الأمان إلا نفرا يسيرا سماهم بشرط فقال:
' من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل
المسجد فهو آمن ومن كف يده فهو آمن '.
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
فأما ما حكي في حديث أبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال للأنصار حين طافوا به:
' انظروا إلى أوباش قريش وأتباعهم '.
ثم قال با [حدى] يديه على الأخرى:
' احصدوهم حصدا '.
فإنما قال ذلك لأنه لم يعلم أن قريشا قبلت ما عقد لهم من الأمان فدخل مكة
مستعدا للقتال خوفا من غدرهم وأمر الأنصار بالقتال إن قاتلوا.
والذي روي في حديثه من قوله لأبي سفيان: ' من دخل داره فهو آمن '.

63
فاختلاف رواته في وقت حكايته يدل على أنهم قصدوا حكاية لفظه دون حكاية
وقته وقد بين عبد الله بن عباس وعكرمة بن الزبير وعكرمة وسائر أصحاب المغازي أن
ذلك القول كان من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وهو بمر الظهران ويجوز أن يكون أعاده بمكة.
وكيف يجوز أن يكون ابتدأه بعدما ظفر بهم وليس للإمام ذلك بعد الظفر بهم.
ودعوى التخصيص من غير حجة غير مقبولة.
[163 / ب] / ولا حجة في توهم الطلقاء أن السيف لا يرفع عنهم وهو كقول أبي سفيان
للعباس حين وقفه ليرى كثرة الناس أغدرا يا بني هاشم؟
فقال العباس: ستعلم أنا لسنا بغدر.
ولولا انعقاد الأمان لهم بما مضى لما قال ذلك.
فلعلهم كانوا يتوهمون ما توهم أبو سفيان. فقال:
' أنتم الطلقاء '.
وهو يريد بالأمان السابق ووجود شرطه.
قال أحمد:
والنبي [صلى الله عليه وسلم] خرج لغزو قريش والفتح يكون بالصلح مرة والقهر أخرى.
وقد سمى الله تعالى صلح الحديبية فتحا.
قال الشافعي في القديم:
قال الله تبارك وتعالى لنبيه [صلى الله عليه وسلم]:
* (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) *.
فلم يختلف الناس أن ذلك نزل يوم الحديبية فسمي صلحهم فتحا.
وقد يقول الناس للمدينة تفتتح افتتحت صلحا ويقال افتتحت عنوة.
فالفتح قد يكون صلحا وقد يكون عنوة.
قال أحمد:

64
فليس في تسمية الناس خروجه غزوا ودخوله مكة فتحا ما يدل على أنها فتحت
عنوة.
وقول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إنما أحلت لي ساعة من نهار '.
يريد - والله أعلم - دخولها معدا للقتال بغير إحرام إن لم يقبلوا الأمان وقاتلوه.
والذي روي في حديث أم هانئ من إرادة علي قتل رجل أجارته فلعله رآه ومعه
السلاح فظن أنه لم يقبل الأمان بدليل أن ذلك كان بعد قوله:
' أنتم الطلقاء '.
وخروجه من المسجد واشتغاله بالغسل وصلاة الضحى في ذلك الوقت لم يجز
إلا قتل من استثناهم بالإجماع والله أعلم.
5461 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عام الفتح جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب
فأسلم بمر الظهران فقال له العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر
فلو جعلت له شيئا قال:
' نعم [164 / أ] / من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن '.
5462 - وأخبرنا أبو علي أخبرنا أبو بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عمرو
الرازي حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن العباس بن عبد الله بن معبد
عن بعض أهله عن ابن عباس قال:
لما نزل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مر الظهران قال العباس: قلت والله لئن دخل رسول

65
الله [صلى الله عليه وسلم] مكة عنوة قبل أن يأتوا فيستأمنوه إنه لهلاك قريش فجلست على بلغة رسوله
الله [صلى الله عليه وسلم] فقلت لعلي أجد ذا حاجة يأتي أهل مكة يخبرهم بمكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
ليخرجوا إليه فيستأمنوه فإني لأسير سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن روقاء فقلت:
يا أبا حنظلة فعرف صوتي قال: أبو الفضل؟
قلت: نعم. قال: ما لك فداك أبي وأمي؟
قلت: هذا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] والناس قال: فما الحيلة؟
قلت: فاركب معي فركب خلفي ورجع صاحبه فلما أصبح غدوت به على
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قلت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يجب الفخر فاجعل له شيئا؟
قال:
' نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل
المسجد فهو آمن '.
قال: فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
وهذا الذي روي في هذا الحديث معروف مشهور فيما بين أهل العلم
بالمغازي.
وقد رواه يوسف بن يعقوب القاضي عن يوسف بن بهلول عن ابن إدريس عن
ابن إسحاق قال قال الزهري:
فحدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس فذكره بمعناه وأتم منه.
5463 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو جعفر البغدادي حدثنا أبو علاثة
محمد بن عمرو بن خالد قال: حدثنا أبي قال ابن لهيعة حدثنا أبو الأسود عن عروة بن
الزبير
5464 - وأخبرنا أبو عبد الله أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل حدثنا
جدي حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح عن [164 / ب] موسى بن عقبة عن ابن شهاب.
5465 - وأخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان أخبرنا محمد بن عبد الله بن

66
عتاب العبدي حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة حدثنا ابن أبي أويس حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن موسى بن عقبة قالوا في فتح مكة وهذا لفظ حديث
القطان.
ثم إن بني نفاثة من بني الديل أغاروا على بني كعب وهم في المدة التي بين
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وبين قريش وكانت بنو كعب في صلح رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وبنو نفاثة
في صلح قريش فأعانت بنو بكر بني نفاثة وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق.
فذكر قصة خروج ركب من بني كعب إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وخروج النبي [صلى الله عليه وسلم] إلى مكة
وقصة العباس وأبي سفيان حين أتي به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بمر الظهران ومعه حكيم بن
حزام وبديل بن ورقاء قال:
فقال أبو سفيان وحكيم: يا رسول الله أدع الناس إلى الأمان أرأيت إن اعتزلت
قريش وكفت يدها أآمنون هم؟
قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' نعم من كف يده وأغلق داره فهو آمن '.
قالوا: فابعثنا نؤذن بذلك فيهم. قال:
' انطلقوا فمن دخل دارك يا أبا سفيان ودارك يا حكيم وكف يده فهو آمن '.
ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفل مكة فلما توجها ذاهبين.
قال العباس: يا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه فأردده
حتى تقفه ويرى جنود الله معك.
فأدركه عباس فحبسه. فقال له أبو سفيان أغدرا يا بني هاشم؟! فقال العباس:
ستعلم أنا لسنا بغدر ولكن لي إليك حاجة فأصبح حتى تنظر جنود الله.
ثم ذكر القصة في مرور الجنود وقال فيها:

67
وبعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سعد بن عبادة في كتيبة [من] الأنصار في مقدمة رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] وأمرهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلوا أحدا إلا
من قاتلهم.
وأمرهم بقتل أربعة نفر منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح والحارث بن نقيذ
وابن خطل ومقيس بن صبابة وأمر بقتل قينتين لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] فمرت الكتائب.
فنادى سعد أبا سفيان: اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة.
فلما مر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بأبي سفيان في المهاجرين قال: يا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمرت
بقومك أن يقتلوا؟
فإن سعد بن عبادة قال كذا فذكره.
وأنا أناشدك الله في قومك. فأرسل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى سعد بن عبادة فعزله
وجعل الزبير بن العوام مكانه على الأنصار مع المهاجرين.
قال: فاندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة فلقيته بنو بكر فقاتلوه
فهزموا وقتل منهم وفر فضضهم حتى دخلوا الدور.
قال: وصاح أبو سفيان حين دخل مكة:
من أغلق داره وكف يده فهو آمن.
فذكر الحديث إلى أن قال: فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لخالد بن الوليد:
' لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال '؟
فقال: هم بدأونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح وأشعرونا بالنيل وقد كففت يدي ما
استطعت.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' قضاء الله خير '.

68
فهذا الذي عليه أهل العلم بالمغازي يؤكد ما قال الشافعي رحمه الله في أمر
مكة.
وقد روينا بعضه عن هشام بن عروة عن أبيه.
وروينا بإسناد موصول عن مصعب بن سعد عن أبيه قال:
لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الناس إلا أربعة نفر وامرأتين فذكرهم
إلا أنه قال: عكرمة بن أبي جهل بدل الحارث بن نقيد.
وقد روينا في حديث ابن عباس وأهل العلم بالمغازي متى عقد لهم الأمان
وبأي شرط عقده وأنهم صاروا إلى قبول الأمان يتفرقهم إلى دورهم وإلى المسجد [165 / ب]
والله أعلم.
وذكر الشافعي في القديم:
حديث يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن
عبد الرحمن بن حاطب أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال يوم فتح مكة وهو ببطن مر:
' من ألقى السلاح فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن '.
قال الشافعي:
فدخل مكة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وقد قال لهم ما قال فلم ينازعه أحد إلا عكرمة بن أبي
جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو فإنهم نازعوه وهربوا فمضى عكرمة وصفوان
وجاء سهيل إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] مسلما بمكة.
فإن قال قائل قيل غنم النبي [صلى الله عليه وسلم] مال عكرمة وصفوان بن أمية وهما ممن حاربا
ولم يقبلا الأمان؟
قيل له: لم يأتنا أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ظهر لهما على مال فلم يقسمه وليس لأحد أن
يحكم بالتوهم.
فإن قال: هل يجوز أن يهربا من مكة ولا رباع لهما بها؟
قيل قد يحتمل أن يكون القوم قد خرجوا من رباعهم قبل ذلك فجعلوها
لأولادهم.

69
ولا يجوز لأحد أن يدفع آية من كتاب الله إلا بخبر عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لا يحتمل
التأويل.
وسلك أبو جعفر بن سلامة - رحمنا الله وإياه - فيه طريقة أخرى وهي أن أهل
مكة كانوا أسلموا ثم كفروا فكيف يجوز أن يؤمن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قوما مرتدين.
واحتج بحديث ابن لهيعة في سجود المشركين بسجود النبي [صلى الله عليه وسلم] وإسلامهم
حتى قدم رؤوس قريش وكانوا بالطائف فقالوا:
أتدعون دين آبائكم فكفروا.
5466 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
إبراهيم بن مرزوق حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني ابن لهيعة.
5467 - وأخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس حدثنا العباس بن محمد الدوري
حدثنا يحيى بن معين حدثنا ابن أبي مريم حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن
عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة عن أبيه قال:
لقد [166 / أ] / أظهر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الإسلام فأسلم أهل مكة كلهم وذلك قبل أن تفرض
الصلاة حتى إن كان ليقرأ بالسجدة فيسجد فيسجدون وما يستطيع بعضهم أن يسجد
من الزحام وضيق المكان لكثرة الناس حتى قدم رؤوس قريش: الوليد بن المغيرة وأبو
جهل وغيرهما وكانوا بالطائف في أرضهم فقالوا: أتدعون دين أبائكم فكفروا.
قال أحمد:
تفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف.
والمشهور عند أهل العلم بالمغازي أن النبي [صلى الله عليه وسلم] حين قرأ النجم وألقى الشيطان
من أمنيته ما ألقى وسمعه المشركون سجدوا بسجوده تعظيما لآلهتهم وفشت تلك
الكلمة حتى بلغت أرض الحبشة وحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا مع
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حتى إذا نسخ الله تعالى ما ألقى الشيطان وبرأه من سجعه انقلب
المشركون بصلاتهم.
فعلى هذا الوجه كان سجودهم. والله أعلم. ولو كان الأمر على ما قال لوجب
أن يجرى الإرث على أصله في دور من مات منهم أو قتل وله وارث مسلم منهم

70
عتبة بن ربيعة قتل يوم بدر وابنه أبو حذيفة مسلم.
وكذلك غيره ممن اسلم وارثه وهو كافر.
وهو لم يجعل شيئا من دور مكة مملوكا ولو كانوا مرتدين لكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لا
يمن على أحد منهم يوم بدر ولا يفاديهم فإن المن والمفاداة غير جائزين في أهل
الردة.
وقد قال في أسارى بدر:
' لو كان مطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له '.
ومثل ذلك لا يجوز في أهل الردة.
ولو كانوا أهل ردة لكان لا يجعل لصفوان بن أمية تسيير أربعة أشهر ولا لغيره من
الطلقاء فإن ذلك لا يجوز في أهل الردة فكل هذا مع غيره مما يطول الكتاب بذكره
يدل على خلاف ما ذهب إليه. والله أعلم.
ثم إن صح أنهم كانوا مرتدين فردتهم كانت قبل نزول الحكم يقتلهم إن لم
يسلموا فصاروا [166 / ب] / بالردة كأنهم لم يسلموا قط وعلى حكم سائر الكفار جرت أحكامهم
على أن أهل الردة إذا امتنعوا فعندنا الإمام يحاربهم وإذا استأمنوه قبل أن يظهر عليهم
وهو يرجو إسلامهم فله أن يؤمنهم.
وإذا أسلموا كانوا على أملاكهم.
فليس فيه شيء يخالف أصلنا بحمد الله ونعمته.
1155 - [باب]
ما قسم من الدور والأراضي ثم أسلم أهلها عليها
5468 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي قال بلغني أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:

71
' أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أو
أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام '.
قال الشافعي:
ونحن نروي فيه حديثا أثبت من هذا بمثل معناه.
قال أحمد:
قد روي هذا الحديث عن إبراهيم بن طهمان عن مالك عن ثور بن زيد عن
عكرمة عن ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
ولعل الشافعي أراد ما رواه موسى بن داود عن محمد بن مسلمة عن عمرو بن
دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] بمعناه.
5469 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو سهل بن زياد النحوي حدثنا
محمد بن أحمد بن حميد المروذي حدثنا موسى بن داود بهذا الحديث.
1156 - [باب]
ترك أخذ المشركين بما أصابوا
' من كتاب السير القديم '
احتج الشافعي رحمه الله في ذلك بحديث حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن
محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في خطبته:
' ألا إن كل دم ومال أصيب في الجاهلية فهو موضوع وأول دم وضع دم ربيعة بن
الحارث '.

72
5470 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا عثمان بن أبي شيبة وسليمان بن عبد الرحمن وغيرهما عن حاتم بن إسماعيل
بهذا الإسناد غير أنه قال:
' ألا [167 / أ] / إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجالية
موضوعة وأول دم أضعه [من] دمائنا دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب '.
وقال عثمان: ' دم ابن ربيعة '. وكان مسترضعا من بني سعد فقتلته هذيل.
' وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه
موضوع كله '.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث حاتم.
قال أحمد:
من قال: ' دم ربيعة ' فإنما أراد دما وليه ربيعة والمقتول ابن له صغير قتل في
الجاهلية فأهدر النبي [صلى الله عليه وسلم] دمه.
كذا قاله ابن الكلبي فيما رواه عنه أبو عبيد.
1157 - [باب]
وقوع الرجل قد شهد الحرب على الجارية من السبي قبل القسم
5471 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال:
قال الأوزاعي كان من سلف من علمائنا يقيمون عليه أدنى الحدين مائة جلدة
ومهرها وقيمة عدل فيلحقونها وولدها به الذي له فيها من الشرك.
قال أبو يوسف:

73
إن كان له فيها نصيب على ما قال الأوزاعي فلا حد عليه فيما بلغنا عن ابن عمر
أنه قال في جارية بين اثنين وطئها أحدهما أنه قال:
لا حد عليه وعليه العقر.
قال: وحدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب أنه قال:
إدرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير
من أن يخطئ في العقوبة وإذا وجدتم لمسلم مخرجا فادرأوا عنه الحد.
قال أبو يوسف:
وبلغنا نحو من ذلك عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فاحتج بهذا في سقوط الحد ثم ساق
كلامه إلى أن قال:
إنه لا يثبت للولد نسب ولا يؤخذ منه مهر لأنه زنى ويدرأ عنه الحد.
قال الشافعي:
ما علمت أبا يوسف احتج بحرف في هذا إلا عليه فإن زعم أن الواقع على
الجارية من الجيش له فيها شرك فابن عمر قال في الرجل يقع على الجارية بينه وبين
آخر عليه العقر ويدرأ عنه الحد.
[167 / ب] / ونحن وهو نلحق به الولد.
وإن جعله زانيا كما قال لزمه أن يحد حد الزنا فجعله زانيا غير زان قياسا على
سبي وخالف بينهما.
والأوزاعي ذهب في أدنى الحدين إلى شيء روي عن عمر رضي الله عنه في
مولاة لحاطب زنت فاستهلت بالزنا فرأى أنها تجهله وهي ثيب فضربها مائة وهي ثيب.
وبسط الكلام في المسألة.
وقد قال في روايتنا عن أبي سعيد وحده في موضع آخر:
أخذ منه عقرها وردت في المغنم.

74
فإن كان من أهل الجهالة نهي وإن كان من أهل العلم عذر ولا حد من قبل
الشبهة في أنه يملك منها شيئا وإنما قصد بما قال ها هنا إبلاء عذر الأوزاعي فيما قال
من أدنى الحدين والله أعلم.
وقد روى قتادة عن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال في رجل غشي جارية بينه وبين رجل قال:
يجلد مائة سوط وتقوم وولدها بأعلى القيمة.
5472 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه حدثنا
الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان
قال:
(...) أن عمر أتي بجارية كانت بين رجلين فوقع عليها أحدهما فحملت.
قال: تقوم عليه.
قال وحدثنا أبو بكر حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عمير بن نمير
قال:
سئل عمر بن الخطاب عن جارية كانت بين رجلين فوقع عليها أحدهما؟
فقال: ليس عليه حد تقوم عليه قيمة ويأخذها.
وهذا يحتمل أن يكون في الجارية إذا حملت منه والله أعلم.
5473 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو النضر حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير الهمداني
عن أبي عمر قال: سمعت عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رأى امرأة مجحا على باب فسطاط فقال:
' لعله قد ألم بها '؟
قال: قالوا: نعم. قال:
' لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره كيف يورثه وهو [168 / أ] / لا يحل له وكيف

75
يستخدمه وهو لا يحل له '.
مخرج في الصحيح من حديث شعبة.
وفيه دلالة على وجوب الاستبراء بعد القسم.
والمجح: الحامل المعرب.
وقال في رواية أبي سعيد الخدري في سبي أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع
حملها ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة.
وقد ذكره الشافعي في الباب الذي يليه.
5474 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
العباس بن محمد الدوري حدثنا السالحيني - يعني يحيى بن إسحاق - حدثنا شريك
عن قيس بن وهب وأبي إسحاق عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] قال في سبي أوطاس:
' لا يوقع على الأمة حتى تحيض ولا على حامل حتى تضع ما في بطنها '.
1158 - [باب]
المرأة تسبى مع زوجها
5475 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال:
سبى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سبى أوطاس وسبى بني المصطلق وأسر من رجال هؤلاء
وهؤلاء وقسم السبي فأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسل
عن ذات زوج ولا غيرها ولأهل سبي زوج من امرأته ولا غيره.

76
قال الشافعي:
وليس قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن بأكثر من استبائهن بعد حريتهن.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد وحده:
وقد ذكر ابن مسعود أن قول الله عز وجل:
* (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) *
ذوات الأزواج اللاتي ملكتموهن بالسباء.
قال الشافعي:
وقد سبى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رجالا من هوازن فما علمناه سأل عن أزواج المسبيات
اسبوا معهن أو قبلهن أو بعدهن أو لم يسبوا.
ولو كان في أزواجهن معنى لسأل عنه إن شاء الله.
فأما قول من قال خلاهن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرجعن إلى أزواجهن [168 / ب] / فإن كان
المشركون استحلوا شيئا من نسائهم فلا حجة بالمشرك وإن كانوا أسلموا فلا يجوز أن
يكن يرجعن إلى أزواجهن إلا بنكاح جديد لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قد أباحهن لمالكيهن
وهو لا يبيحهن [والنكاح ثابت عليهن ولا يبيحهن] إلا بعد انقطاع النكاح.
وإذا انقطع النكاح فلا بد من تجديد النكاح.
1159 - [باب]
وطئ السبايا بالملك قبل الخروج من دار الحرب
5467 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال:

77
قال الأوزعي: له أن يطأها وهذا حلال من الله عز وجل بأن المسلمين وطئوا مع
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ما أصابوا من السبايا في غزوة بني المصطلق قبل أن يقفلوا.
قال الشافعي:
قد وطئ أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعد الاستبراء في بلاد العدو وعرس رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] بصفية بالصهباء وهي غير بلاد الإسلام يومئذ.
وغزا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في غزوة المريسيع بامرأة أو امرأتين من نسائه.
والغزو بالنساء أولى لو كان فيه مكروه أن يخاف على المسلمين أن يؤتى بهن
بلاد الحرب فيسبين [أولى أن يمنع] من أن يتوقى رجل إصابة جارية ملكها
في دار الحرب.
يقول قائل: لعل أهل الحرب يغلبون عليها فتسترق وولد إن كان في
بطنها.
وليس هذا كما قال أبو يوسف.
وهو كما قال الأوزاعي،
وبسط الكلام فيه.
قال أحمد:
روينا في الحديث الثابت عن عبد الله بن محيريز قال: دخلت المسجد فرأيت
أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل؟
فقال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبايا

78
من سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العذوبة وأحببنا الفداء فأردنا أن نعزل
ثم قلنا نعزل ورسول الله [صلى الله عليه وسلم] بين أظهرنا قبل أن نسأله عن ذلك [169 / أ] / فسألناه عن ذلك
فقال:
' ما عليكم أن لا تفعلوا ذلك ما من نسمة كائنة إلى يوم القيمة إلا وهي
كائنة '.
5477 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الحسن بن عبدوس حدثنا
عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن
محمد بن يحيى بن حيان عن ابن محيريز فذكره.
رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
1160 - [باب]
التفريق بين ذوي المحارم
5478 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
إسحاق بن منصور حدثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن الحكم
عن ميمون بن أبي شبيب عن علي: أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي [صلى الله عليه وسلم] عن
ذلك ورد البييع.
وبمعناه رواه أبو مريم عن الحكم.
ورواه الحجاج بن أرطأة عن الحكم عن ميمون عن علي في الأخوين.
والحجاج لا يحتج به لكثرة مخالفته غيره في الأسانيد والمتون.
وروى ابن أبي عروبة عن رجل عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى عن علي بن الأخوين.
ولا ندري من الرجل الذي رواه عنه.

79
وقيل عن شعبة عن الحكم وهو وهم. والله أعلم.
والحديث في الأم وولدها له شواهد.
وروينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: أن أبا أسيد الأنصاري قدم بسبي
من البحرين فإذا امرأة تبكي وقالت بيع ابني في عبس فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] لأبي أسيد:
' لنركبن فلتجيئن به كما بعت بالثمن '.
فركب أبو أسيد فجاء به.
5479 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا ابن عبد الحكم
حدثنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب عن جعفر بن محمد فذكره.
وروينا عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة '.
وروينا عن حكيم بن عقال قال:
نهاني [169 / ب] / عثمان بن عفان رضي الله عنه أن أفرق بين الوالد وولده في البيع.
ورويناه عن عمر، وابن عمر رضي الله عنهما مرسلا.
وروى عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ عن أبيه قال:
كتب إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن لا تفرق بين أخوين مملوكين في
البيع.
5480 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإذا ملك الرجل أهل البيت لم يفرق بين الأم وولدها حتى يبلغ الولد سبع

80
سنين أو ثمان سنين.
روينا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه خير غلاما بين أبويه. وعن عمر.
والغلام غير بالغ عندنا.
وعن علي أنه خير غلاما بين أمه وعمه.
وكان في الحديث عن علي والغلام ابن سبع أو ثمان ثم نظر إلى أخ له أصغر
منه فقال:
وهذا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرناه.
فجعلنا هذا الحد لاستغناء الغلام والجارية وأنه أول مدة يكون لهما في أنفسهما
قول وكذلك ولد الولد
فأما الأخوان فيفرق بينهما وفرق بينهما بالنفقة وغيرها.
قال أحمد:
وأنا أكره التفريق بينهما لما روينا فيه عن عمر وبالله التوفيق.
1161 - [باب]
بيع السبي من أهل الشرك
5481 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي رحمه الله قال:
أسر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أسرى يوم بدر فضل بينهم وأخذ الفدية من بعضهم ومن
على بعض.
ثم أسر بعدهم بدهر ثمامة بن أثال فمن عليه وهو مشرك ثم أسلم بعد.
ومن على غير واحد من رجال المشركين.
ووهب الزبير بن باطا لثابت بن قيس بن شماس ليمن عليه فسأل الزبير أن
يقتل.

81
وسبى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نساء بني قريظة وذراريهم وباعهم من المشركين فاشترى
أبو الشحم اليهودي أهل بيت عجوزا وولدها [170 / أ] / من النبي [صلى الله عليه وسلم].
وبعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بما بقي من السبي أثلاثا ثلثا إلى تهامة وثلثا إلى نجد وثلثا
إلى طريق الشام فبيعوا بالخيل والسلاح والإبل والمال. وفيهم الصغير والكبير من
المشركين.
وقد يحتمل أن يكون هذا من أجل أن أمهات الأطفال معهم.
قال الشافعي:
وفدا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رجلا برجلين.
أخبرنا ابن عيينة وعبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن
عمران بن حصين أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فدى رجلا برجلين.
قال الشافعي:
وكذلك النساء البوالغ قد استوهب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جارية بالغا من أصحابه ففدى
بها رجلين.
5482 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد
الصفار حدثنا عباس بن الفضل الإسفاطي حدثنا أبو الوليد حدثنا عكرمة قال حدثني
إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال خرجنا مع أبي بكر رضي الله عنه وأمره علينا
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فلما صلينا الصبح
أمرنا أبو بكر فشننا الغارة ونزلنا على الماء.
قال سلمة فنظرت على عنق من الناس فيهم الذرية والنساء فخشيت أن يسبقوني
إلى الجبل فأخذت في آثارهم فرميت بسهمي بينهم وبين الجبل فقاموا فجئت أسوقهم
إلى أبي بكر وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن

82
العرب فنفلني أبو بكر ابنتها فما كشفت لها ثوبا حتى قدمت المدينة ولم أكشف لها
ثوبا ولقيني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في السوق فقال:
' يا سلمة هب لي المرأة '.
قلت يا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا [حتى قدمت المدينة].
فسكت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [170 / ب] / وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في
السوق فقال:
' يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك '.
قلت: يا رسول الله لقد أعجبتني والله ما كشفت لها ثوبا وهي لك يا رسول ا
لله
[صلى الله عليه وسلم] فبعث بها إلى أهل مكة ففدى بها رجالا من المسلمين بأيديهم.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عكرمة بن عمار.
5483 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي:
فأما الصبيان إذا صاروا إلينا ليس مع واحد منهم واحد من والديه فلا نبتعهم
منهم ولا نفادي بهم لأن حكمهم حكم آباءهم ما كانوا معهم فإذا تحولوا إلينا ولا والد
مع أحد منهم فإن حكمه حكم مالكه.
وأما قول أبي يوسف: يقوي بهم أهل الحرب قد يمتن الله عليهم بالإسلام
ويدعون إليه ثم قال: أرأيت صلة أهل الحرب بالمال وإطعامهم الطعام أليس بأقوى
لهم في كثير من الحالات مت بيع عبد أو عبدين منهم.
فقد أذن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لأسماء بنت أبي بكر فقالت إن أمي أتتني وهي راغبة في
عد قريش أفأصلها؟
قال:

83
' نعم '.
وأذن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لعمر بن الخطاب فكسا ذا قرابة له مشركا بمكة.
وقال الله عز وجل:
* (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) *.
مع ما وصفت من بيع النبي [صلى الله عليه وسلم] من المشركين سبي بني قريظة.
فأما الكراع والسلاح فلا أعلم أحد أرخص في بيعهما.
وذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
حديث الوليد بن مسلم عن ابن جابر أن عمر بن عبد العزيز فادى بابن بطريق
من البطارقة صغيرا.
قال: ولو كان الأخذ يضر مسلما ما حل الفداء به.
وذكر رواية مبشر الحلبي عن فرات بن سليمان قال:
كنا نكون مع سليمان بن موسى فنصيب الصبيان من السبي فيموتون فلا نصلي
عليهم.
قال أحمد:
المذهب ما ذهب إليه في الجديد.
وقد يحتمل أن يكون ابن البطريق سبي مع أمه وإذا لم يكن معه أبواه ولا
أحدهما ولم يكن بد من [171 / أ] / أن يجعل تبعا لغيره في الدين فاتباعه لسابئه أولى تغليبا
لحكم الإسلام والله أعلم.
1162 - [باب]
الحميل إذا عتق لا يورث حتى تقوم بنسبة بينة من المسلمين
5484 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا

84
الحسن بن علي بن عفان حدثنا ابن نمير حدثنا مجالد عن الشعبي قال: كتب عمر بن
الخطاب إلى شريح أن لا يورث حميلا إلا ببينة ولا تجيز عطية امرأة في بيتها حتى
يحول عليها الحول أو تلد ولدا.
وفي البهيمة تفقأ عينها ربع ثمنها.
قال أحمد:
هذا منقطع وله في الحميل شواهد عن عمر وعثمان وأسانيدها ضعيفة والسنة
في البينة على المدعي دليل في الحميل.
1163 - [باب]
المبارزة
5485 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
ولا بأس بالمبارزة قد بارز يوم بدر عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب
وعلي بن أبي طالب بأمر النبي [صلى الله عليه وسلم].
وبارز محمد بن مسلم مرحب يوم خيبر بأمر النبي [صلى الله عليه وسلم].
وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا.
وبارز يوم الخندق علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وقد بارز عبيدة عتبة فضرب عبيدة عتبة فأرخى عاتقه الأيسر فضربه عتبة فقطع
رجله فأعان حمزة وعلي عبيدة فقتلا عتبة.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
إن معاوية حمزة وعلي على عتبة كانت بعد أن لم يكن في عبيدة قتالا ولم يكن

85
منهم لعتبة أمان يكفون به عنه.
5486 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بن يسار.
فذكر بأسانيده مبارزة عبيدة عتبة.
قال: فاختلفا ضربتين كلامه أثبت صاحبه.
وقال: وبارز حمزة شيبة فقتله مكانه.
وبارز علي الوليد فقتله مكانه.
ثم كرا على عتبة فذففا [عليه] واحتملا صاحبهما.
وذكر مبارزة محمد بن مسلمة مرحبا.
ومبارزة الزبير بن العوام ياسرا.
ومبارزة [171 / ب] / علي عمرو بن عبد ود.
وروينا عن مسلمة بن الأكوع وبريدة أن عليا كان صاحب مرحب.
وقيل: اشتركا فيه فمحمد أثخنه وعلي جهز عليه.
وهذا قول الواقدي.
وأما نقل الرؤوس فقد روينا عن أبي بكر الصديق أنه كره ذلك.
وأما بيع جيفة المشركين منهم فقد روينا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه نهاهم عن ذلك.
1164 - [باب]
السواد وحكم ما يقفه الإمام من الأرض للمسلمين
5487 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه
الله قال:

86
ولا أعرف ما أقول في أرض السواد إلا ظنا مقرونا إلى علم وذلك أني وجدت
أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السواد ليس فيه بيان.
ووجدت أحاديث من أحاديثهم تخالفه منها:
أنهم يقولون: السواد صلح.
ويقولون: السواد عنوة.
ويقولون: بعض السواد صلح وبعضه عنوة.
ويقولون: أن جرير البجلي وهذا أثبت حديث عندهم فيه.
5488 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي
حازم عن جرير بن عبد الله قال كانت بجيلة ربع الناس فقسم لهم ربع السواد
فاستغلوه ثلاثا أو أربع سنين - أنا شككت ثم قدمت على عمر بن الخطاب ومعي فلانة
بنت فلان امرأة منهم قد سماها لا يحضرني ذكر اسمها.
فقال عمر بن الخطاب:
لولا أني قاسم مسؤول لتركتكم على ما قسم لكم ولكني أرى أن تردوا على
الناس.
5489 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وكان في حديثه يعني في حديث جرير وعاضني من حقي فيه نيفا وثمانين
دينار. وكان في حديثه:
فقالت فلانة: شهد أبي القادسية وثبت سهمه ولا أسلمه حتى يعطيني كذا
ويعطيني كذا فأعطاها إياه.
قال الشافعي:
وفي هذا [172 / أ] / الحديث دلالة إذ أعطى جريرا البجلي عوضا من سهمه والمرأة عوضا

87
من سهم أبيها أنه استطاب أنفس الذين أوجفوا عليه فتركوا حقوقهم منه فجعلوها وقفا
للمسلمين.
وهذا حلال للإمام لو افتتح أرض عنه فأحصى من افتتحها وطابوا أنفسنا عن
حقوقهم منها أن يجعلها الإمام وقفا وحقوقهم منها الأربعة الأخماس ويوفى أهل
الخمس حقوقهم إلا أن يدع البالغون منهم حقوقهم فيكون ذلك لهم والحكم في
الأرض كالحكم في المال.
وقد سبى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] هوازن وقسم أربعة أخماسها بين الموجفين ثم جاءته
وفود هوازن مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بأن يرد عليهم ما أخذ منهم فخيرهم بين
الأموال والسبي فقالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فنختار أحسابنا فترك لهم رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] حقه وحق أهل بيته وسمع بذلك المهاجرون فتركوا لهم حقوقهم وسمع بذلك
الأنصار فتركوا له حقوقهم وبقي قوم من المهاجرين الآخرين والفتحيين.
فأمر فعرف على كل عشرة واحد قال ائتوني بطيب أنفس من بقي فمن كره فله
علي كذا وكذا من الإبل إلى وقت ذكره.
فجاءوه بطيب أنفسهم إلا الأقرع بن حابس وعتيبة بن بدر، فإنهما أبيا ليعيرا
هوازن.
فلم يكرهما رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على ذلك حتى كانا هما تركا بعد بأن خدع عتيبة عن
حقه وسلم لهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حق من طاب نفسه عن حقه.
وهذا أولى الأمور بعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندنا في السواد وفتوحه إن
كانت عنوة فهو عندنا كما وصفت ظن عليه دلالة يقين وإنما منعنا أن نجعله يقينا
بالدلالة أن الحديث الذي فيه متناقض فلا ينبغي أن يكون قسم إلا عن أمر عمر
لكبر قدره ولو تفوت [عليه] فيه ما انبغى أن يغيب عنه قسمه ثلاث سنين ولو كان

88
القسم ليس لمن قسم له ما كان لهم منه عوض ولكان عليهم أن تؤخذ منهم الغلة
[172 / ب] / والله أعلم.
كيف كان ولم أجد فيه حديثا يثبت إنما أجدها متناقضة.
والذي [هو] أولى بعمر عندي الذي وصفت.
قال أحمد:
حديث جرير حديث صحيح رواه عن إسماعيل بن أبي خالد عبد الله بن
المبارك وهشيم ويحيى بن زائدة وعبد السلام بن حرب وغيرهم.
إلا أن بعضهم لم يذكر قصة المرأة وقالوا:
ثلاث سنين وبعضهم قال سنتين أو ثلاثا وقالوا: فرده على المسلمين وأعطاه
عمر ثمانين دينارا.
5490 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا إبراهيم بن أبي
طالب حدثنا زناد بن أيوب حدثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال:
أتت بجيلة ربع الناس يوم القادسية فجعل لهم عمر رضي الله عنه ربع السواد
فأخذه سنتين أو ثلاثا.
فوفد عمار إلى عمر ومعه جرير فقال عمر لجرير لولا أني قاسم مسؤول لتركتكم
على ما جعل لكم وأن الناس قد كثروا فأرى أن تردوا عليهم ففعل جرير فأخذه عمر
بثمانين دينارا.
قال: وحديث إسماعيل أيضا عن قيس.
قال: كانت امرأة من بجيلة يقال لها بأم كرز فقالت لعمر يا أمير المؤمنين إن أبي
هلك وسهمه ثابت في السواد وإني لم أسلم فقال لها: يا أم كرز إن قومك قد صنعوا بما
قد علمت.
قالت: إن كانوا صنعوا ما صنعوا فإني لست أسلم حتى تحملني على ناقة ذلول

89
وعليها قطيفة حمراء وتملأ كفي ذهبا.
ففعل ذلك فكانت الدنانير نحوا من ثمانين دينارا.
وذكر الشافعي في القديم رواية شريح عن هشيم وفيه من الزيادة.
فقال جرير: فأنا ضامن لك بجيلة فأجابته بجيلة إلا امرأة يقال لها أم كرز فإنها
قالت:
مات أبي وسهمه ثابت في السواد ولا أسلم.
فلم يزل بها عمر حتى رضيت وملأها عمر كفها ذهبا.
فقالت: رضيت.
قال الشافعي:
فلم يكن عمر يستطيب أنفس بجيلة ويأخذ من غيرهم بغير طيب نفس.
لأن بجيلة ومن سواهم سواء.
قال أحمد:
فالأشبه بما انتهى إلينا من أخبار عمر [173 / أ] / رضي الله عنه في الأراضي المغنومة أنه
كان يرى قسمها بين الغانمين كما قسم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خيبر ثم رأى من المصلحة أن
يجعلها وقفا لتكون لمن بعدهم أيضا.
وكان يحب أن يكون ذلك برضا الغانمين فجعل يستطب قلوبهم.
وروينا عن نافع مولى ابن عمر أنه قال:
أصاب الناس فتح بالشام وفيهم بلاد - وأظنه ذكر معاذ بن جبل - فكتبوا إلى
عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
أن هذا الفيء الذي أصبنا لك خمسه ولنا ما بقي ليس لأحد منه شيء كما صنع
النبي [صلى الله عليه وسلم] بخيبر.
فكتب عمر: أنه ليس كما قلتم ولكني أقفها للمسلمين.
فراجعوه الكتاب وراجعهم يأبون ويأبى فلما أبوا قام عمر فدعا عليهم فقال:
اللهم اكفني بلالا وأصحاب بلال.

90
قال: فما حال الحول حتى ماتوا جميعا.
قال أحمد:
وقد ذكر الشافعي في القديم حديث زيد بن الحباب عن عبد الله بن عمر عن
نافع عن ابن عمر.
وعن زيد بن أسلم عن أبيه:
أن بلالا وأصحابه افتتحوا فتوحا بالشام فقالوا لعمر أقسم بيننا ما غنمنا فقال
اللهم أرحني من بلال وأصحابه.
قال أحمد رحمه الله:
قوله رضي الله عنه أنه ليس على ما قلتم لا يريد ما فتحت قرية إلا قسمها كما
قسم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خيبر وإنما أراد عمر. والله أعلم.
ليست المصلحة فيما قلتم وإنما المصلحة في أن أقفها للمسلمين وجعل يأبى قسمها
لما كان يرجو من تطييب قلوبهم بذلك وجعلوا يأبون لما كان لهم من الحق فلما أبوا
لم يقطع عليهم الحكم بإخراجها من أيديهم ووقفها.
ولكن دعا عليهم حيث خالفوه فيما رأى من المصلحة وهم لو وافقوه وافقه أفناء
الناس. والله أعلم.
وقد روينا أيضا في فتح مصر أنه رأى ذلك ورأى الزبير بن العوام قسمتها كما
قسم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خيبر.
وقول من زعم أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يقسم بعض خيبر وقسم بعضها وفي ذلك [173 / ب] / دلالة
على أن الإمام في ذلك بالخيار مبوأ معرفة منه بالسير فإن الذي لم يقسمه من خيبر هو
ما كان صلحا.
ولو كان الأمر على ما زعم لكان يحتج به عمر على أصحابه.
ولما احتج بقسمة ما قسم منها الزبير بن العوام وبلال ومن طلب القسمة من
الصحابة. والله أعلم.
وقد روينا عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:

91
' أيما قرية افتتحها المسلمون عنوة فخمسها لله ولرسوله وبقيتها لمن قاتل
عليها '.
1165 - [باب]
الإمام يهب لبعض المسلمين جارية من بعض دور الحرب قبل فتحها
5491 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا أبو محمد بن حيان حدثنا
جعفر بن أحمد بن سنان ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن
إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عدي بن حاتم قال قال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' تمثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها '.
فقال رجل فقال: يا رسول الله هب لي بنت بقيلة. فقال:
' هي لك فأعطوه إياها '.
كذا في روايتنا بنت بقيلة.
ورويناه من وجه آخر عن ابن أبي عمر فقال:
ابنة نفيلة. وزاد: فجاء أبوها فقال: أتبيعها؟
قال: نعم. قال: بكم أحكم ما شئت؟
قال: ألف درهم. قال: قد أخذتها.
قالوا له: لو قلت ثلاثين ألف لأخذها.
قال: وهل عدد أكثر من ألف؟
5492 - أخبرناه أبو منصور الدامغاني أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي حدثنا أبو
أحمد بن يوسف القطيعي حدثنا ابن أبي عمر فذكره.

92
وهذا مما تفرد به ابن أبي عمر عن ابن عيينة.
ورواه أبو قدامة وغيره عن سفيان بن عيينة عن ابن جدعان. ذكر للنبي [صلى الله عليه وسلم]
الخبر فذكره وكأنه دخل لابن أبي عمر إسناد في إسناد.
وروي ذلك من وجه آخر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ذكرناه في كتاب دلائل النبوة في غزوة
تبوك بإسناد حسن عن خريم بن أوس أنه سأل النبي [صلى الله عليه وسلم]: المشميساء بنت بقيلة.
1166 - [باب]
[174 / أ] / ما جاء في المسلم يأخذ أرض الخراج
5493 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال:
سئل أبو حنيفة أيكره أن يؤدي الرجل الجزية على خراج الأرض؟
فقال: لا إنما الصغار خراج الأعناق.
وقال الأوزاعي بلغنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' من أقر بذل طائعا فليس منا '.
وقال عبد الله بن عمر: وهو المرتد على عقبيه.
وأجمعت العامة من أهل العلم على الكراهية لها.
وقال أبو يوسف: القول ما قال أبو حنيفة.
أنه كان لعبد الله بن مسعود ولخباب بن الأرت ولحسين بن علي ولشريح
أرض الخراج.
حدثنا المجالد بن سعيد عن عامر عن عتبة بن فرقد السلمي أنه قال لعمر بن
الخطاب:
إني اشتريت أرضا من أرض السواد.
فقال عمر: أكل أصحابها أرضيت؟

93
قال: لا. قال: فأنت فيها مثل صاحبها.
حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة: أن دهاقين من دهاقين السواد من
عظمائهم أسلموا في زمان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
ففرض عمر للذين أسلموا في زمانه ألفين [ألفين]
وفرض علي للذين أسلموا في زمانه ألفين..
قال أبو يوسف: ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه أخرج هؤلاء من أرضهم.
قال الشافعي:
أما الصغار الذي لا شك فجزية الرقية التي يحقن بها الدم.
وهذه لا تكون على مسلم.
وأما خراج الأرض فلا يتبين أنه صغار من قبل أنه لا يحقن به الدم لدم
محقون بالإسلام.
وهو يشبه أن يكون ككراء الأرض بالذهب والفضة والورق.
وقد اتخذ أرض الخراج قوم من أهل الورع والدين وكرهه قوم احتياطا.
قال الشافعي في موضع آخر في روايتنا عن أبي سعيد وحده:
والحديث الذي يروى عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لا ينبغي لمسلم أن يؤدي خراجا ولا لمشرك أن يدخل المسجد الحرام '.
إنما هو خراج الجزية ولو كان الكراء ما حل له أن [174 / ب] / يتكارى من مسلم ولا غيره
شيئا.

94
5494 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن كامل القاضي حدثنا
محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي حدثنا أبي حدثني عمي قال
حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس في تفسير سورة براءة وما جرى في العهد الذي كان
بين رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وبين المشركين قال:
ولا ينبغي لمشرك أن يدخل المسجد الحرام ولا يعطى المسلم الجزية.
وهذا إن صح يؤكد ما قال الشافعي رحمه الله من أنه خراج الجزية.
قال أحمد:
وليس فيما بلغنا عن النبي في كراهية ذلك ما أخذ أرضا بجزيتها حديث
صحيح.
إنما بلغنا بإسناد شامي لم يحتج بمثله صاحبا الصحيح عن أبي الدرداء قال قال
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من أخذ أرضا بجزيتها فقد استقال هجرته '.
واختلف في ذلك من بعده منهم من اتخذها ومنهم من كرهه كما قال الشافعي
رحمه الله.
والذي ذكره أبو يوسف من حديث عتبة بن فرقد عن عمر دليل على أن أرض
السواد صارت للمسلمين وأنه لا يجوز بيعها وإذا أسلم من هي في يده لم يسقط
خراجها.
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
وقد روي عن عمر، وعلي رضي الله عنهما أنهما دفعا إلى مسلم من أهل
الخراج أسلم أرضه وأمراه أن يؤدي ما كان يؤدي.
وذكر حديث طارق بن شهاب وأبي عون.
5495 - وقد أخبرناه أبو سعيد حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا الحسن بن

95
علي بن عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حسن بن صالح عن قيس بن مسلم عن
طارق بن شهاب قال:
أسلمت امرأة من أهل نهر الملك.
قال فقال عمر: أو كتب عمر: إن اختارت أرضها وأدت ما على أرضها فخلوا
بينها وبين أرضها وإلا خلوا بين المسلمين وأرضهم.
قال: وحدثنا يحيى حدثنا وكيع عن المسعودي عن ابن عون قال: أسلم دهقان
من أهل عين كذا فقال له [175 / أ] / علي: أما جزية رأسك فنرفعها وأما أرضك فللمسلمين.
فإن شئت فرضنا لك وإن شئت جعلناك قهرمانا لنا فما أخرج الله منها من شيء
أتينا به.
وفي رواية أبي عباد عن المسعودي وهي الرواية التي ذكرها الشافعي أن عليا
رضي الله عنه قال للرقيل حين أسلم:
إن شئت دفعنا لك أرضك فأديت عنها ما كنت تؤدي.
وفي رواية الربيع بن عميلة: أن الرقيل أسلم في عهد عمر فقال لعمر: دع
أرضي في يدي أعمرها وأعالجها وأدي عليها ما كنت أؤدي عنها ففعل.
وفي رواية أخرى عن أبي عون الثقفي قال:
كان عمر، وعلي إذا أسلم الرجل من أهل السواد تركاه يقوم بخراجه في أرضه.
قال الشافعي:
والذمي المصالح عن الأرض خلاف للذمي (...) ولا شيء عليه إلا
العشر.
وبسط الكلام في الدلالة عليه.

96
وقد ذكر قبل هذا حديث سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال في أهل
الذمة:
' لهم ما أسلموا عليه من أرضهم وأموالهم وفي أرضهم العشر '.
وفي رواية غيره:
' ليس عليهم فيها إلا صدقة '.
1167 - [باب]
الأسارى يستعين بهم المشركون على قتال المشركين
5496 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قد قيل يقاتلونهم قد قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن
مشركين.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ولو قال قائل يمنع من قتالهم لمعاني ذكرها كان مذهبا.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ولا نعلم خبر الزبير يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله [صلى الله عليه وسلم]
وصلى النبي [صلى الله عليه وسلم] عليه.
قال أحمد:
النجاشي كان مسلما كما قال الشافعي:
وحديث أم سلمة في قصة الزبير حديث حسن.

97
وكان ذلك قبل نزول هذه الأحكام في الغنيمة والخمس والجزية التي لأجلها
استحب الشافعي أن يقاتلوا إن لم يستكرهوهم على قتالهم.
1168 - [باب]
[175 / ب] / الأسير يؤخذ عليه العهد أن يبعث إليهم بفداء أو يعود في إسارهم
5497 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في
هذه المسألة:
لا ينبغي له أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام إن أراد أن يعود أن يدعه
والعودة.
ثم ساق الكلام في المال.
إلى أنه ينبغي له أن يؤديه إليهم إذا كان بغير إكراه.
قال الشافعي:
إنما أ [طر] ح عنه ما استكرهوه عليه.
قال الشافعي في موضع آخر في هذه الرواية:
ويروى عن أبي هرمز والثوري وإبراهيم النخعي أنهم قالوا:
لا يعود في إسارهم ويفي لهم بالمال.
وقال بعضهم:
إن أراد العودة منعه السلطان العودة.
وقال ابن هرمز:
يخيس لهم بالمال.
وقال بعضهم:
يفي به ولا يخيس به ولا يكون كديون الناس.

98
وروي عن الأوزاعي والزهري:
يعود في إسارهم إن لم يعطهم المال.
وروي ذلك عن ربيعة وعن ابن هرمز خلاف ما روي عنه في المسألة الأولى.
قال الشافعي:
ومن ذهب مذهب الأوزاعي ومن قال قوله فيما تحتج فيما أراه بما روي عن
بعضهم أنه روي أن النبي [صلى الله عليه وسلم] صالح أهل الحديبية أن يرد من جاءه منهم بعد الصلح
مسلما فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وأبو بصير فرده.
فقتل أبو بصير المردود معه ثم جاء النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال: قد وفيت لهم ونجاني الله
منهم.
فلم يرده النبي [صلى الله عليه وسلم] ولم يعب ذلك عليه وتركه وكان بطريق الشام يقطع على كل
مال لقريش حتى سألوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يضمه إليه لما نالهم من أذاه.
قال أحمد:
وهذا الحديث ثابت عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن
الحكم في قصة صلح الحديبية وسيرد كلام الشافعي عليه - إن شاء الله - في كتاب
أهل الجزية.
1169 - [باب]
ما لا يجوز للأسير في ماله ومن قدم ليقتل والرجل بين الصفين
5498 - [176 / أ] / أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي
أخبرنا بعض أهل المدينة عن محمد بن عبد الله عن الزهري:
أن مسرفا قدم يزيد بن عبد الله بن زمعة يوم الحرة ليضرب عنقه فطلق امرأته
ولم يدخل بها فسألوا أهل العلم فقالوا:

99
لها نصف الصداق ولا ميراث لها.
5499 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا بعض أهل العلم عن هشام عن
أبيه: أن عامة صدقات الزبير تصدق بها وفعل أمورا وهو واقف على ظهر فرسه يوم
الجمل.
قال الشافعي:
روي عن عمر بن عبد العزيز وابن المسيب أنهما قالا: إذا كان الرجل على ظهر
فرسه يقاتل فما صنع فهو جائز.
وروي عن عمر بن عبد العزيز: عطية الحبلى جائزة حتى تجلس بين
القوابل.
وقال القاسم بن محمد وابن المسيب:
عطية الحامل جائزة.
قال الشافعي:
وبهذا كله نقول.
ويجوز للأسير في بلاد العدو ما صنع في ماله في بلاد الإسلام وإن قدم ليقتل ما
لم ينله ضرب يكون مرضا.
وعطية راكب البحر جائزة ما لم يصير إلى الغرق أو شبه الغرق.
قال الشافعي:
وقد روى ابن أبي ذئب أنه قال:

100
عطية الحامل من الثلث وعطية الأسير من الثلث.
وروي ذلك عن الزهري.
قال الشافعي:
وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين والله أعلم.
[ثم] قال قائل في الحبلى عطيتها جائزة حتى تتم ستة أشهر.
وتأول قول الله تعالى:
* (حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت) *
وليس في قول الله عز وجل:
* (فلما أثقلت) *.
دلالة على مرض ويحتمل أن يكون الإثقال حضور الولاد حين تجلس بين
القوابل لأن ذلك الوقت الذي يتحينان فيه قضاء الله ويسألانه أن يؤتيهما صالحا.
وبسط الكلام في ذلك.
قال أحمد:
قوله: وروي ذلك عن الزهري إنما أراد به عطية الأسير.
وأما عطية الحامل:
فقد حكى ابن المنذر عن الحسن البصري والزهري أن عطيتها كعطية الصحيح
وكذا قال الحسن في راكب البحر.
قال [176 / ب] / وقال سعيد بن المسيب:
ما أعطته الحامل والغازي فهو من الثلث.

101
1170 - [باب]
ما جاء في المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين
5500 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن
الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول:
بعثنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنا والزبير والمقداد فقال:
' انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب '.
فخرجنا تغادى بنا خيلنا فإذا نحن بظعينة فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما
معي كتاب.
فقلنا لها: لنخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها.
فأتينا به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فإذا فيه:
من خاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر
النبي [صلى الله عليه وسلم].
فقال:
' ما هذا يا حاطب '؟
فقال: لا تعجل علي [يا رسول الله] إني كنت امرءا ملصقا في قريش ولم
أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قربات يحمون بها قرباتهم ولم يكن
لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا.
والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إنه قد صدق '.
فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.

102
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم
فقد غفرت لكم '.
ونزلت:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) *.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
وذكره الشافعي في القديم من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن علي.
ومن حديث ابن عباس عن عمر.
ومن حديث أبي الزبير عن جابر.
5501 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي [177 / أ] / في
مبسوط كلامه:
قد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' تجافوا لذوي الهيئات '.
وقيل في الحديث:
' ما لم يكن حدا '.
فإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة وقتل بجهالة كما كان هذا من حاطب

103
بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له. وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام
- والله أعلم - تعزيره.
1711 - [باب]
صلاة الحرس
5502 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال:
قال أبو يوسف: حدثنا محمد بن إسحاق والكلبي أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نزل واديا
فقال:
' من يحرسنا في هذا الوادي الليلة '؟
فقال رجلان: نحن.
فأتيا رأس الوادي وهما مهاجري وأنصاري فقال أحدهما لصاحبه أي الليل
أحب إليك؟
فاختار أحدهما أول الليل والآخر آخره.
فنام أحدهما وقام الحارس يصلي.
قال أحمد:
روينا هذا الحديث عن محمد بن إسحاق بن يسار عن صدقة بن يسار عن ابن
جابر عن جابر.
ومبسوط كلام الشافعي يدل على أن الصلاة إذا لم تشغل طرفه وسمعه عن رؤية

104
الشخص وسماع الحس فالصلاة أحب إليه لأنه مصلى حارس فإن كانت فشغله
بالحراسة أحب إليه إلا أن يكون الحرس جماعة فيصلي بعضهم دون بعض.
فالصلاة أعجب إليه إذا بقي من يحرس وبالله التوفيق.
1172 - [باب]
إظهار دين النبي [صلى الله عليه وسلم] على الأديان
5503 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
قال الله جل ثناؤه:
* (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) *.
5504 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إذا هلك كسرى [177 / ب] / فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي
نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله '.
رواه مسلم في الصحيح عن عمرو الناقد وغيره عن سفيان.
وأخرجاه من وجه آخر عن الزهري.
ولما أتى كسرى بكتاب النبي [صلى الله عليه وسلم] مزقه فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' تمزق ملكه '.

105
وحفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي [صلى الله عليه وسلم] ووضعه في مسك.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' ثبت ملكه '.
قال الشافعي:
وعد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الناس فتح فارس والشام فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من
فتحها لقول رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ففتح بعضها وتم فتحها زمان عمر:
وفتح عمر العراق وفارس.
قال الشافعي:
فقد أظهر الله جل ثناؤه دينه الذي بعث به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على الأديان.
بأن [أبان] لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل.
وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها.
وقتل من أهل الكتاب وسبي حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية
صاغرين وجرى عليهم حكمه [صلى الله عليه وسلم].
وهذا ظهوره على الدين كله.
قال الشافعي:
وقد يقال ليظهرن الله دينه على الأديان حتى لا يدان الله إلا به وذلك متى شاء
الله.
قال: وكانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا وكان كثير من معاشها منه وتأتي
العراق فيقال:

106
لما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي [صلى الله عليه وسلم] خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من
الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق
لأهل الإسلام فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده '.
فلم يكن بأرض العراق كسرى ثبت له أمر بعده.
[178 / أ] / وقال:
' إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده '.
فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده.
وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال لهم النبي [صلى الله عليه وسلم].
وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس.
وقيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام.
وقال النبي [صلى الله عليه وسلم] في كسرى:
' مزق الله ملكه '.
فلم يبق للأكاسرة ملك.
وقال في قيصر:
' ثبت ملكه '.
فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام.
وكل هذا متفق يصدق بعضه بعضا.

107
كتاب الجزية
1173 - [
باب الأصل فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ
5505 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه
الله قال:
بعث الله رسوله [صلى الله عليه وسلم] بمكة وهو بلد قومه فقومه أميون وكذلك كان من
حولهم من العرب ولم يكن فيهم من العجم إلا مملوك أو محرز أو مجتاز أو من
لا يذكر.
قال الله عز وجل:
* (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته) *. الآية.
وفرض الله عليه جهادهم فقال:
* (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) *.
فقيل: * (فتنة) * شرك. * (ويكون الدين كله) * واحدا لله.

108
وذكر غيرها من الآيات.
قال الشافعي:
وجاءت السنة بما جاء به القرآن.
أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله فقد
عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله '.
أخرجاه في الصحيح من أوجه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
5506 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن
عصام المزني عن أبيه أن النبي [صلى الله عليه وسلم] إذا بعث سرية قال:
' إن رأيتم مسجدا أو سمعتم [178 / ب] / مؤذنا فلا تقتلن أحدا '.
5507 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر
رضي الله عنهما:
أليس قد قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني
دماءهم وأموالم إلا بحقها وحسابهم على الله '.
قال أبو بكر: هذا من حقها لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لقاتلتهم
عليه.
5508 - قال: وأخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عبيد

109
الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر هذا القول أو معناه.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
من منع الصدقة ولم يرتد.
قال الشافعي:
وهذا مثل الحديثين قبله في المشركين مطلقا وإنما يراد به والله أعلم مشركو
أهل الأوثان ولم يكن يحضره رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ولا قربه [أحد] من مشركي أهل
الكتاب إلا يهود المدينة وكانوا حلفاء للأنصار ولم تكن الأنصار استجمعت أول ما
قدم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إسلاما فوادعت يهود رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ولم تخرج إلى شيء من عداوته
بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعت بدر فتكلم بعضها بعداوته والتحريض عليه
فقتل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فيهم ولم يكن بالحجاز علمه إلا يهودي أو نصارى قليل
بنجران.
وكانت المجوس بهجر وببلاد البربر وفارس نائين عن الحجاز دونهم مشركو
أهل الأوثان كثير.
قال: وأنزل الله عز وجل على رسوله [صلى الله عليه وسلم]: فرض قتال المشركين من أهل
الكتاب فقال:
* (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) *.
ففرق الله جل ثناؤه كما شاء لا معقب لحكمه بين قتال أهل الأوثان ففرض أن
يقاتلوا أو [179 / أ] / يسلموا.

110
وقتال أهل الكتاب فرض أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية أو أن يسلموا وفرق
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بين قتالهم فذكر الحديث الذي:
5538 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن محمد بن أبان عن علقمة بن
مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان إذا بعث جيشا أمر عليهم أميرا
وقال:
' إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال - أو ثلاث خصال شك
علقمة - فادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى
التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن أجابوك فاقبل منهم وأخبرهم إن هم فعلوا
أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم وإن اختاروا المقام في دارهم فأخبرهم
أنهم كأعراب المسلمين فيجري عليهم حكم الله كما يجري على المسلمين وليس
لهم في الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الإسلام فادعهم
إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم وإن أبوا فاستعن بالله [عليهم]
وقاتلهم.
زاد أبو سعيد في روايته قال:
قال الشافعي:
حدثني عدد كلهم ثقة عن غير واحد كلهم ثقة لا أعلم إلا أن فيهم سفيان
الثوري عن علقمة مثل معنى هذا الحديث لا يخالفه.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الثوري وشعبة.

111
1174 - [باب]
من يلحق بأهل الكتاب
5509 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله [رسوله] محمدا [صلى الله عليه وسلم] وينزل عليه
القرآن فدانت دين أهل الكتاب.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
فأخذ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الجزية من أكيدر دومة وهو رجل يقال من غسان أو كندة.
وأخذ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [179 / ب] / الجزية من أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب ومن أهل
نجران وفيهم عرب.
وفي هذا دليل على أن الجزية ليست على النسب إنما هي على الدين.
وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة أهل التوراة من اليهود والإنجيل من
النصارى وكانوا من بني إسرائيل.
وأحطنا بأن الله أنزل كتبا غير التوراة والإنجيل [والفرقان] قال الله عز وجل:
* (أم لم ينبأ بما في صحف موسى [وإبراهيم] الذي وفى].
فأخبر أن لإبراهيم صحفا وقال:
* (وإنه لفي زبر الأولين) *.
5510 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال:
قد أخذ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من أكيدر الغساني.

112
ويروون أنه صالح رجلا من العرب على الجزية.
وأما عمر بن الخطاب ومن بعده من الخلفاء إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بني
تغلب وتنوخ وبهراء وخلط من أخلاط العرب.
وهم إلى الساعة مقيمون على النصرانية تضاعف عليهم الصدقة وذلك جزية
وإنما الجزية على الأديان لا على الأنساب ولولا أن نأثم بتمني باطل وددنا أن الذي
قال أبو يوسف كما قال وأن لا يجري صغار على عربي ولكن الله أجل في أعيننا من أن
نحب غير ما قضى به.
وقال في موضع آخر من هذا الكتاب:
فنحن كنا على هذا أحرص لولا أن الحق في غير ما قال فلم يكن لنا أن نقول
إلا بالحق.
1175 - [باب]
أخذ الجزية من المجوس
5511 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع بجالة
يقول:
ولم يكن عمر بن الخطاب أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن
عوف أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أخذها من مجوس هجر أخرجه البخاري في الصحيح من حديث
سفيان.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد:
[180 / أ] / حديث بجالة متصل ثابت لأنه أدرك عمر وكان رجلا في زمانه كاتبا لعماله.
وقد روي من حديث الحجاز حديثان منقطعان بأخذ الجزية من المجوس.
فذكر ما:

113
5512 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه:
أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟
فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' سنوا بهم سنة أهل الكتاب '.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
إن كان ثابتا فيعني في أخذ الجزية لا في أن تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم.
قال الشافعي:
ولو كان أراد جميع المشركين غير أهل الكتاب لقال - والله أعلم - سنوا بجميع
المشركين سنة أهل الكتاب.
ولكن لما قال:
' سنوا بهم '.
فقد خصهم وإذا خصهم فغيرهم مخالفا لهم ولا يخالفهم إلا غير أهل
الكتاب.
5513 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا:
حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه
بلغه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أخذ الجزية من مجوس البحرين وأن عثمان بن عفان أخذها من
البربر.

114
زاد فيه ابن وهب وغيره عن مالك:
وأن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس فارس.
ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أخذ الجزية من مجوس هجر وأن عمر بن الخطاب أخذها من
مجوس السواد وأن عثمان أخذها من مجوس البربر.
5514 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
كانت المجوس يدينون غير دين أهل الأوثان ويخالفون أهل الكتاب من اليهود
والنصارى في بعض دينهم وكان أهل الكتاب اليهود والنصارى يختلفون في بعض
دينهم وكان المجوس بطرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما
يعرفون من دين [180 / ب] / النصارى واليهود حتى عرفوه وكانوا - والله أعلم - أهل كتاب.
وذكر ما:
5515 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي سعد سعيد بن المرزبان
عن نصر بن عاصم قال قال فروة بن نوفل الأشجعي:
علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب؟
فقام إليه المستورد فأخذ بلببه فقال:
يا عدو الله تطعن على أبي بكر وعمر: وعلى أمير المؤمنين - يعني عليا - وقد
أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج علي عليهما فقال:
ألبدا فجلسا في ظل القصر فقال علي:

115
أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وإن ملكهم
سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا جاءوا
يقيمون عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فلما أتوه قال:
تعلمون دينا خيرا من دين آدم؟ وقد كان ينكح بنيه من بناته فأنا على دين آدم
ما يرغب بكم عن دينه؟ فبايعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فأصبحوا وقد
أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدرهم فهم أهل
كتاب.
وقد أخذ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأبو بكر وعمر منهم الجزية.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد:
حديث نصر بن عاصم عن علي متصل وبه نأخذ وفيه دليل على أن عليا [ما]
خبر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يأخذ الجزية منهم إلا وهم أهل كتاب ولا من بعده ولو
كان يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لقال علي الجزية تؤخذ منهم كانوا أهل
كتاب أو لم يكونوا أهله.
ولم أعلم من سلف المسلمين أحد أجاز أن تؤخذ الجزية من غير أهل
الكتاب.
قال أحمد:
هكذا رواه غير الشافعي عن سفيان بن عيينة والصواب عيسى بن عاصم الأزدي
كذا قاله محمد بن إسحاق بن خزيمة فيما:

116
5516 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي عمرو [181 / أ] / العاصمي عنه.
وكذلك رواه الفضل بن موسى وابن فضيل عن أبي سعد عن عدي بن عاصم.
5517 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت الشيخ أبا الوليد يقول
سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول:
توهمت أن الشافعي رحمه الله أخطأ في حديث ابن عيينة فرأيت الحميدي تابعه
في ذلك فعلمت أن الخطأ من ابن عيينة.
5518 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال سمعت أبا
بكر بن أبي داود السجستاني يقول سمعت أبي يقول:
ما من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه غير ابن علية وبشر بن المفضل.
وما أعلم للشافعي حديثا خطأ.
5519 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ قال:
سمعت عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني يقول سمعت أبا زرعة الرازي يقول:
ما عند الشافعي حديث غلط فيه.
قال أحمد:
وقد روى جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى عن علي بن أبي طالب أنه قال في
المجوس:
قد كانوا أصحاب كتاب وكانت الخمر قد أحلت لهم فتناولها ملك من ملوكهم
حتى ثمل منها فتناول أخته فوقع عليها فلما ذهب عنه السكر ندم وقال لها: ويحك ما
المخرج مما ابتليت به فقالت: أخطب الناس فقل:
يا أيها الناس إن الله أحل نكاح الأخوات وذكر الحديث من امتناع الناس من
قبول ذلك حتى خد لهم الأخدود.
قال: فلم يزالوا منذ ذلك يستحلون نكاح الأخوات.
وهذا فيما ذكره يوسف بن يعقوب عن أبي الربيع عن يعقوب القمي عن جعفر.
وهو فيما أجاز لي أبو منصور الدامغاني روايته عنه عن أبي بكر الإسماعيلي عن
يوسف القاضي.

117
وفيه تأكيد لرواية سعيد بن المرزبان فإن سعيدا يحتاج إلى دعامة وقد وكدها
الشافعي في القديم والجديد بما ذكر معها.
قال الشافعي في القديم:
ظهر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على البحرين فاستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث
إليه بمال من جزيتهم.
قال الشافعي:
ومن البحرين من أهل الكفر مجوس.
قال أحمد:
قد روينا هذا في الحديث الثابت عن المسور بن مخرمة عن عمرو بن عوف:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة
بمال البحرين وذكر الحديث.
قال أحمد:
وروينا عن الحسن بن محمد بن علي قال:
كتب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن اسلم قبل منه
ومن أبي ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة.
وهذا مرسل حسن يؤكده ما روينا عن عمر، وعلي في نصارى بني تغلب
وذلك يرد - إن شاء الله - وعلى هذا عوام أهل العلم.
1176 - [باب]
كم الجزية
5520 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال
قال الله تبارك وتعالى:

118
* (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) *.
وكان معقولا أن الجزية شيء يؤخذ في أوقات وكانت الجزية محتملة للقليل
والكثير وكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] المبين عن الله معنى ما أراد فأخذ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جزية أهل
اليمن دينارا في كل سنة أو قيمته من المعافري وهي الثياب.
وكذلك روي أنه أخذ من أهل إيلة ومن نصارى بمكة دينارا دينارا عن كل
إنسان وأخذ الجزية من أهل نجران [فيها] كسوة [181 / ب]
ولا أدري ما غاية ما أخذ منهم.
وقد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران
يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار وأخذها من أكيدر ومن مجوس
البحرين.
لا أدري كم غاية ما أخذ منهم ولم أعلم أحدا حكى عنه قط أنه أخذ من أحد
أقل من دينار.
5521 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس [182 / أ] / أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم
عن عمر بن عبد العزيز.
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كتب إلى أهل اليمن:
' أن على كل إنسان منكم دينارا كل سنة أو قيمته من المعافر '.
يعني أهل الذمة منهم.

119
5522 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي قال أخبرني مطرف بن مازن وهشام بن
يوسف بإسناد لا أحفظه غير أنه حسن:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] فرض على أهل الذمة من [أهل] اليمن دينارا كل سنة.
فقلت لمطرف بن مازن فإنه يقال وعلى النساء أيضا. فقال: ليس أن
النبي [صلى الله عليه وسلم] أخذ من النساء ثابتا عندنا.
5523 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
فسألت محمد بن خالد وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعددا من أهل اليمن
فكلهم حكى لي عن عدد مضوا قبلهم يحكون عن عدد مضوا قبلهم كلهم ثقة أن
صلح النبي [صلى الله عليه وسلم] لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة.
ولا يثبتون أن النساء كن فيمن تؤخذ منه الجزية.
وقال عامتهم: ولم يأخذ من زروعهم وقد كانت لهم زروع ولا من مواشيهم شيئا
علمناه.
وقال لي بعضهم: قد جاءنا بعض الولاة بخمس زروعهم أو أرادها فأنكر ذلك
عليه وكل من وصفت أخبرني أن عامة ذمة أهل اليمن من حمير.
قال: وسألت عددا كبيرا من ذمة أهل اليمن مفترقين في بلدان وكلهم أثبت لي
لا يختلف قولهم أن معاذا أخذ منهم دينارا عن كل بالغ منهم وسموا البالغ حالما
قالوا:
وكان في كتاب النبي [صلى الله عليه وسلم] مع معاذ:
' أن على كل حالم دينارا '.
قال أحمد:
وهذا الذي حكاه الشافعي عن أهل اليمن من أمر معاذ موافق لما:

120
5524 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا
الحسن بن علي بن عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن
أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن [182 / ب] / جبل قال:
بعثني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارا أو عدله
معافر.
وقد أخرجاه في كتاب الزكاة من حديث الأعمش عن أبي وائل.
وذكر الشافعي في القديم حديث أبي بكر بن عياش وذكر حديث الأعمش.
5525 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ضرب
على نصراني بمكة يقال له موهب دينارا كل سنة.
وأن النبي [صلى الله عليه وسلم] ضرب على نصارى إيلة ثلاثمائة دينار كل سنة وأن يضيفوا من مر
بهم من المسلمين ثلاثا ولا يغشوا مسلما.
5526 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثنا
إسحاق بن عبد الله أنهم كانوا يومئذ ثلاثمائة فضرب عليهم النبي [صلى الله عليه وسلم] ثلاثمائة دينار كل
سنة.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد وحده:
ثم صالح أهل نجران على حلل يؤدونها إليه فدل صلحه إياهم على غير الدنانير
على أنه يجوز ما صالحوا عليه.
قال أحمد:
روينا عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي عن ابن عباس قال:
صالح رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والنصف في
رجب يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من

121
كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها [المسلمون] ضامنون لها حتى يردوها
عليهم إن كان باليمن كيد.
على أن لا تهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم [قس] ولا يفتنون عن دينهم ما لم
يحدثوا أو يأكلوا الربا.
5527 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا مصرف بن عمرو حدثنا يونس - يعني ابن بكير - حدثنا أسباط بن نصر عن
إسماعيل فذكره.
5528 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وصالح عمر بن [183 / أ] / الخطاب أهل الشام على أربعة دنانير [وضيافة].
وروى عنه بعض الكوفيين أنه صالح الموسر من ذمتهم على ثمانية وأربعين
والوسط على أربعة وعشرين والذي دونه على اثني عشر.
فلا بأس بما صالح عليه أهل الذمة وإن كان أكثر من هذا إذا كان العقد على
شيء مسمى بعينه وذكر في القديم في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه حديث
روح بن عبادة السهمي عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي ملجز:
أن عمر بن الخطاب جعل على الغني من أهل الذمة ثمانية وأربعين وعلى
الوسط أربعة وعشرين وعلى الفقير اثني عشر درهما.
وذكر حديث ابن علية عن أيوب عن نافع عن أسلم:
أن عمر بن الخطاب ضرب على أهل الشام أربعة دنانير ومدين من قمح وعلى

122
أهل مصر أربعة دنانير وأردبا من قمح وعلى أهل العراق أربعين درهما وخمسة عشر
صاعا من حنطة.
وذكر حديث شبابة عن شعبة عن الحكم عن عمرو بن ميمون أن عمر بن
الخطاب قال لعثمان بن حنيف:
والله لا تجهدهم إن أخذت من كل جريب قفيزا ودرهما.
وكان عليهم ثمانية وأربعين فجعلها خمسين.
قال الشافعي:
أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب: أن عمر كان إذا استغنى أهل السواد زاد
عليهم وإذا افتقروا وضع عنهم.
وهذا منقطع. وكذلك حديث أبي ملجز.
قال الشافعي في القديم بعد بسط الكلام على هذه الأخبار: وذلك أن عمر لم
يصالح أهل السواد على شيء معلوم إلا أهل الحرة فإنهم صولحوا على شيء معلوم
صالحهم عليه خالد بن الوليد فلم يزد فيه ولم ينقص منه.
1177 - [باب]
الضيافة في الصلح
5529 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
ويروون أن النبي [صلى الله عليه وسلم] جعل على نصارى إيلة جزية دينار على كل إنسان وضيافة
من مر بهم من المسلمين.
وتلك زيادة على الدينار فإن [183 / ب] / بذل أهل الذمة أكثر من دينار بالغا ما بلغ كان
الازدياد للمسلمين أحب إلي.

123
قال الشافعي:
وقد صالح عمر أهل الشام على أربعة دنانير وضيافة.
أخبرنا مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب:
أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير مع ذلك أرزاق المسلمين
وضيافة ثلاثة أيام.
سقط من متن الحديث: وعلى أهل الورق أربعين درهما ثم قال: ومع ذلك
أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام.
5530 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا
عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك فقرأه بتمامه.
وكلام الشافعي بعد هذا يدل على أنه رواه في الحديث فسقط من بعض الرواة
إليه.
قال الشافعي:
وقد روي أن عمر بن الخطاب ضرب على أهل الورق ثمانية وأربعين على أهل
اليسر وعلى الأوساط أربعة وعشرين وعلى من دونهما اثني عشر درهما.
قال الشافعي:
وهذا في الدراهم أشبه بمذهب عمر لأنه عدل الدراهم في الدية اثني عشر
درهما بدينار.
5531 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب:
أن عمر بن الخطاب فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مرض
أو مطر أنفق من ماله.

124
قال الشافعي:
وحديث أسلم بضيافة ثلاث أشبه لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جعل الضيافة ثلاثا.
وقد يجوز أن يكون جعلها على قوم ثلاثا وعلى قوم يوما وليلة ولم يجعل على
آخرين ضيافة كما يختلف صلحه لهم فلا يرد بعض الحديث بعضا.
قال أحمد:
روينا في حديث أبي شريح وأبي سعيد وأبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' الضيافة ثلاثة أيام فما زاد على ذلك فهو صدقة '.
1178 - [باب]
من ترفع عنه الجزية
5532 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي بعد
الاحتجاج بالكتاب وأمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن لا تقتل النساء من أهل الحرب ولا الولدان
وسباهم.
وكان ذلك دليل على خلاف بين النساء والصبيان والرجال ولا جزية على من لم
يبلع من الرجال ولا على المرأة.
وكذلك لا جزية على مغلوب على عقله من قبل أنه لا دين له يمسك به وترك له
الإسلام.
وكذلك لا جزية على مملوك [لأنه لا مال له يعطى منه الجزية].
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
أخبرنا مالك عن نافع عن أسلم:

125
أن عمر بن الخطاب كتب: أن لا تؤخذ الجزية من النساء والصبيان.
وذكر حديث ابن علية عن أيوب عن نافع عن أسلم أن عمر بن الخطاب كتب
إلى عماله: أن لا تأخذوا الجزية من النساء والصبيان ولا تأخذوها إلا ممن جرت عليه
الموسى.
وذكر حديث أبي معاوية ويعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق
قال يعلى عن معاذ. وقال أبو معاوية:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] بعث معاذا فأمره أن يأخذ من كل حالم دينار أو عدله معافري.
وحديث يعلى عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن مسروق عن
معاذ أن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله.
قال أحمد:
أما حديث أبي بكر بن عياش فقد ذكرنا إسناده في هذا الكتاب.
وحديث أبي معاوية قد ذكرنا إسناده في كتاب الزكاة.
وأما حديث يعلى بن عبيد:
5533 - فأخبرناه أبو الحسن بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا
العباس بن محمد الدوري حدثنا يعلى بن عبيد. فذكره إلا أنه قال:
عن مسروق قال قال معاذ:
بعثني رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وأما حديث أبي بكر بن حزم:
أن في الكتاب الذي عندهم وهو الكتاب الذي كتبه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لعمرو بن
حزم:
' وعلى كل حالم ذكرا أو أنثى حرا وعبد دينار واف أو عرضه [184 / ب] / من الثياب '.
فهو حديث منقطع وليس ذلك في الرواية الموصولة عن الزهري.

126
وكذلك حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة حكاية عن كتاب كتبه رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] إلى أهل اليمن.
فهو أيضا منقطع وليس معهما ما يشدهما.
5534 - وقد أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الأصفهاني أخبرنا أبو عمرو بن
حمدان أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن
سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب:
أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله أن لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان
ولا تضربوها إلا على من جرت عليه الموسى ويختم في أعناقهم.
وذكر الحديث.
1179 - [باب]
الشرط على أهل الذمة
5535 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو
العباس محمد بن يعقوب قال أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله:
إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب: فحكى الكتاب وقد
نقلته إلى المبسوط وذكر فيه:
على أن أحدا منهم إن ذكر محمدا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أو كتاب الله أو دينه بما لا
ينبغي أن يذكره به فقد برئت منه ذمة الله عز وجل.
وعلى أن أحدا من رجالهم إن أصاب مسلمة بزنا وذكر أشياء في معنى هذا فقد
نقض عهده.
وعلى أن ليس لكم أن تظهروا في شيء من أمصار المسلمين الصليب ولا تعلنوا
بالشرك ولا تبنوا كنيسة ولا تضربوا بناقوس.
وساق الكتاب.

127
قال أحمد:
وقد روينا عن الشعبي عن علي أن يهودية كانت تشتم النبي [صلى الله عليه وسلم] وتقع فيه فخنقها
رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] دمها.
وفي رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عن الشافعي أنه قال:
لم يختلف أهل السير عندنا ابن إسحاق وموسى بن عقبة وجماعة ممن روى
السيرة [185 / أ] / أن بني قينقاع كان بينهم وبين رسول الله [صلى الله عليه وسلم] موادعة وعهد فأتت امرأة من
الأنصار إلى صائغ منهم ليصوغ لها حليا وكانت اليهود معادية للأنصار فلما جلست عند
الصائغ عمد إلى بعض حداديه فشد به أسفل ذيلها وجيبها وهي لا تشعر فلما قامت
المرأة وهي في سوقهم نظروا إليها منكشفة فجعلوا يضحكون منها ويسخرون فبلغ
ذلك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فنابذهم وجعل ذلك منهم نقضا للعهد قال:
(...) لخيبر حين جلاهم.
وكان سبب ذلك أنه أتاهم يستعينهم (...) فتآمروا أن يلقوا عليه حجرا من
فوق بيت فأطلعه الله (...) من ذلك فحاربهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وما صنع عمر بن الخطاب (...) في اليهودي الذي استكره المرأة فوطأها فأمر
به فصلب وقال: (...) ولا عهد لهم.
وذكر حديث ابن علية عن خالد بن أشوع عن الشعبي عن عوف بن مالك.
أن يهوديا نخس بامرأة من المسلمين وهي على حمار (...) فضربه عوف
فأتى اليهودي عمر فأخبره الخبر (...).
فقال: هؤلاء القوم لهم عهد ما وفوا فإذا بدلوا فلا عهد (...).
وذكر حديث ابن المبارك.

128
5536 - وقد أخبرناه أبو علي الروذباري وأبو محمد إسماعيل بن محمد الصفار
حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن زيد بن رفيع عن
حرام بن معاوية قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
أن أدبوا الخيل ولا يرفعن بين ظهرانيكم الصليب ولا يجاورونكم الخنازير.
الحديث ذكر الشافعي قال:
كتب إلى أهل الشام.
وذكر حديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال: كتب عمر بن عبد العزيز
(...) قرية.
قال الأوزاعي فرأيت قوما [185 / ب] / قعدوا في حملها فخرقت ذقاقهم.
قال الشافعي في جملة ما يشترط على أهل الذمة:
وأن يفرقوا بين هيئتهم في الملبس والمركب وبين هيئة المسلمين وأن يعقدوا
الزنانير في أوساطهم.
وهذا لما روينا في الثابت عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أمراء الأجناد أن
اختموا رقاب أهل الجزية في أعناقهم.
وروي عنه من وجه آخر أنه كتب إلى أمراء الأجناد فأمرهم أن يختموا في رقاب
أهل الجزية بالرصاص ويصلحوا مناطقهم - يعني الزنانير - ويجزوا نواحيهم ويركبوا
على الأكف عرضا ولا يتشبهوا بالمسلمين في ركوبهم.
1180 - [باب]
الوصاة بأهل الذمة خيرا
روينا في الحديث الثابت عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال:
أوصى الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرا أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من

129
ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم.
وروينا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب
نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة ومن قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله حرم الله عليه
ريح الجنة '.
1181 - [باب]
سكنى الحجاز
5537 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن
الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها لأن تركهم
سكنى الحجاز منسوخ وقد كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] استثنى على أهل خيبر حين عاملهم
فقال:
' أقركم ما أقركم الله '.
ثم أمرنا بإجلائهم من الحجاز.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
يحتمل أمر النبي [صلى الله عليه وسلم] بإجلائهم منها أن لا يسكنوها ويحتمل لو ثبت عنه:

130
' لا يبقين دينان بأرض العرب '.
لا يبقين دينان مقيمان.
ولولا أن عمر، ولي إخراج أهل الذمة بما ثبت عنده من أمر رسول الله [186 / أ] / [صلى الله عليه وسلم] وأن
أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يحتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجرا لا يقيم
فيها بعد ثلاث لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال.
قال الشافعي:
أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن عمر بن
الخطاب: - فانقطع الحديث من الأصل - وكأنه تركه لشك عرض له فالحديث عن
عبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس عن نافع عن أسلم مولى عمر:
أن عمر بن الخطاب ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث
ليال يتسوقون بها ويقضون حوائجهم ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال.
قال الشافعي:
ولم أعلم أحدا أجلى أحدا من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست
اليمن بحجاز.
5538 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري - من
أصله - قال أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا
عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:
أخبرنا عمر بن الخطاب أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب لا يبقى فيها إلا مسلم '.

131
رواه مسلم بن الحجاج في الصحيح عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق.
قال أحمد:
وقد روينا في الحديث الثابت عن ابن عباس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال في مرضه:
' أخرجوا المشركين من جزيرة العرب '.
وقال في رواية عمر بن عبد العزيز وابن شهاب منقطعا:
' لا يبقين دينان بأرض العرب '.
والمراد به - والله أعلم - أرض الحجاز خاصة لما روينا في الحديث الثابت عن
ابن عمر:
أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز.
وروينا في حديث سمرة عن أبي عبيدة بن الجراح قال آخر ما تكلم به رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' أن أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب واعلموا أن شر عباد
الله الذين اتخذوا قبورهم [168 / ب] / مساجد '.
5539 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا عثمان بن
عمر حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن إبراهيم بن ميمون قال حدثني سعد بن سمرة بن
جندب عن أبي عبيدة بن الجراح فذكره.
قال الشافعي:
فأما الرسل ومن أراد الإسلام فلا يمنعون من الحجاز لأن الله تعالى يقول
لنبيه [صلى الله عليه وسلم]:

132
* (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) *.
1182 - [باب]
الذمي إذا تجر في غير بلده
5540 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وقد ذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر فيما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين
أن يؤخذ منهم شيء وقته وأمر أن يكتب لهم برأة إلى مثله من الحول.
ولولا أن عمر أخذه منهم ما أخذناه منهم فهو يشبه أن يكون أخذه إياه منهم على
أصل صلح أنهم إذا تجروا أخذ منهم.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ويؤخذ منهم كما أخذ عمر من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف
العشر ومن أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذ لا نخالفه.
5541 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا يحيى بن الربيع
حدثنا سفيان عن هشام عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال:
أمرني عمر بن الخطاب أن آخذ من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف
العشر وممن لا ذمة له العشر.
5542 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه:
أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر.
يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر.
5543 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن
السائب بن يزيد أنه قال:

133
كنت عاملا مع عبد الله بن عتبة على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب
وكان يأخذ من النبط العشر.
زاد أبو سعيد في روايته قال الشافعي:
لعل / السائب حكى أمر عمر أن يؤخذ من النبط العشر في القطنية كما حكى
سالم عن أبيه عن عمر فلا يكونان مختلفين.
أو يكون السائب حكى العشر في وقت آخر فيكون أخذ منهم مرة في الحنطة
والزيت عشرا ومرة نصف العشر.
ولعله كله بصلح يحدثه في وقت برضاه ورضاهم.
1183 - [باب]
المشرك لا يدخل الحرم
5544 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
قال الله تبارك وتعالى:
* (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) *.
فسمعت بعض أهل العلم يقول:
المسجد الحرام الحرم.
وبلغني أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ولا لمشرك أن يدخل الحرم '.
وسمعت عددا من أهل المغازي يروون أنه كان في رسالة النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا '.

134
قال أحمد:
وقد روينا في الحديث الثابت عن الزهري قال:
أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال:
بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك وأن لا [187 / أ]
يطوف بالبيت عريان.
قال: وأنزل الله عز وجل في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين:
* (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) *.
5545 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو محمد المزني قال أخبرنا
علي بن محمد بن عيسى قال حدثنا أبو اليمان قال أخبرني شعيب عن الزهري فذكره
وزاد:
ويوم الحج الأكبر يوم النحر.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان.
5546 - وأخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز النيسابوري أخبرنا أبو منصور
العباس بن الفضل النضروي أخبرنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا
سفيان عن أبي إسحاق الهمداني عن زيد بن يثيع قال:
سألت عليا بأي شيء بعثت؟ قال:
بأربع: أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف [187 / ب] / بالبيت عريان ولا يجتمع
مسلم ومشرك بعد عامهم هذا في الحج ومن كان له عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن
له عهد فأربعة أشهر.

135
1184 - [باب]
الحربي إذا لجأ إلى الحرم
5547 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
ولو أن قوما من أهل دار الحرب لجأوا إلى الحرم أخذوا كما يأخذون من غير
الحرم وحكم فيهم من القتل وغيره كما يحكم فيمن كان في غير الحرم.
فإن قال قائل: وكيف زعمت أن الحرم لا يمنعهم وقد قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في
مكة:
' هي حرام بحرام الله لم تحلل لأحد قبلي لا تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي إلا
ساعة من نهار وهي ساعتنا هذه '؟.
قيل: إنما معنى ذلك والله أعلم أنها لم تحلل أن ينصب عليها الحرب حتى تكون
كغيرها.
فإن قال: ما دل على ما وصفت؟
قيل: أمر النبي [صلى الله عليه وسلم] عندما قتل عاصم بن ثابت وخبيب بقتل أبي سفيان في داره
بمكة غيلة إن قدر عليه.
وهذا في الوقت الذي كانت فيه محرمة.
فدل على أنها لا تمنع أحدا من شيء وجب عليه وإنما يمنع [أحد] من أن
ينصب عليها الحرب كما ينصب على غيرها.
5548 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا

136
الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل
فقال:
يا رسول الله إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' اقتلوه '.
أخرجاه في الصحيح من حديث مالك.
ورأيته في رواية حرملة عن الشافعي قال:
أخبرنا سفيان عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المعفر غير محرم.
وقد رواه غيره أيضا عن سفيان عن مالك.
فيحتمل أن يكون أخذه عن مالك على اللفظ الأول وأخذه [188 / أ] / عن سفيان على ما
رواه عنه.
قال الشافعي رحمه الله في كتاب حرملة:
أخبرنا سفيان حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن العشبي عن عبد الله بن مطيع عن
أبيه مطيع - وكان من عصاة قريش ولم يكن أدرك الإسلام من عصاة قريش غيره فسماه
النبي [صلى الله عليه وسلم] مكان العاص مطيعا - قال: سمعت النبي [صلى الله عليه وسلم] يقول عام الفتح:
' لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم '.
قال سفيان: يعني على الكفر.
5549 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن مطر أخبرنا هارون بن
يوسف بن زياد حدثنا ابن أبي عمرو حدثنا سفيان عن زكريا فذكره إلا أنه لم يذكر قول
سفيان:

137
قال الشافعي:
وحدثنا زكريا عن الشعبي عن الحارث بن مالك بن البرصاء قال: قال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا '.
5550 - أخبرناه أبو نصر محمد بن علي الفقيه أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب
حدثنا أبو أحمد الفراء قال حدثنا جعفر بن عون حدثنا زكريا. فذكره بإسناده ومعناه.
1185 - [باب]
هدايا المشركين
قال الشافعي في كتاب حرملة:
أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن جدعان عن أنس بن مالك قال: أهدى أكيدر دومة
للنبي [صلى الله عليه وسلم] جبة فتعجب الناس من حسنها فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لمناديل سعد في الجنة خير منها '.
5551 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
محمد بن إسحاق حدثنا يحيى بن إسماعيل الواسطي حدثنا سفيان فذكره بإسناده
ومعناه.
والحديث ثابت من جهة قتادة عن أنس بن مالك.
قال الشافعي في رواية عبد الرحمن عنه:

138
قد كانت الملوك من أهل الحرب يهدون إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ويقبل منهم.
قد أهدى أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أدما فقبل منه.
وأهدى إليه صاحب الإسكندرية مارية أم إبراهيم فقبلها.
/ وغيرهما قد أهدى إليه ولم يجعل ذلك بين المسلمين.
قال أحمد:
قد روينا في الحديث الثابت عن أبي حميد الساعدي: أن ملك أيلة أهدى إلى
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بغلة بيضاء فكساه النبي [صلى الله عليه وسلم] برده.
وروينا في حديث بلال فيما أهدى إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] عظيم فدك من ركائب عليهن
كسوة وطعام.
وقول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' فاقبضهن واقض دينك '.
يريد ما استدان لأجل النبي [صلى الله عليه وسلم].
وروى ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال:
أهدى كسرى إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقبل منه وأهدى قيصر إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقبل
منه وأهدى له الملوك فقبل منهم.
وفي حديث ثوير نظر والله أعلم.
وأما حديث عياض بن حمار قال:
أهديت إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' أسلمت '.
قال: لا. قال:

139
' إني نهيت عن زيد المشركين '.
فيحتمل أن يكون على التنزه عنه أو فعل ذلك لعله يسلم لما يلحقه من
الغضاضة برد هديته.
والله أعلم.
1186 - [باب]
نصارى العرب
5552 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
صالح رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أكيدر الغساني وكان نصرانيا عربيا على الجزية.
وصالح نصارى نجران على الجزية وفيهم عرب وعجم.
وصالح ذمة اليمن على الجزية وفيهم عرب وعجم.
فاختلفت الأخبار عن عمر رضي الله عنه في نصارى العرب في تنوخ وبهراء
وبني تغلب.
فروي عنه أنه صالحهم على أن يضاعف عليهم الصدقة ولا يكرهوا على غير
دينهم ولا يصبغوا أبناءهم في النصرانية.
وعلمنا أنه كان يأخذ جزيتهم نعما.
ثم روي أنه قال بعد:
ما نصارى العرب بأهل الكتاب. فذكر ما:
5553 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو [189 / أ] / سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا

140
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد بن
الفلجة مولى عمر أو ابن سعد:
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
ما نصارى العرب بأهل الكتاب وما يحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى
يسلموا أو أضرب أعناقهم.
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد:
فأرى للإمام أن يأخذ منهم الجزية لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أخذها من النصارى من
العرب كما وصفت.
فأما ذبائحهم فلا أجيز أكلها خبرا عن عمر، وعلي بن أبي طالب.
وكذلك لا يحل لنا نكاح نسائهم لأن الله جل ثناؤه إنما أحل لنا من أهل الكتاب
الذين عليهم نزل.
وبسط الكلام في ذلك وجعلهم شبيها بالمجوس.
5554 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة سفيان أو عبد الوهاب أو هما عن أيوب عن
محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال: قال علي بن أبي طالب.
لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم - أو من
دينهم - إلا بشرب الخمر.
الشك من الشافعي.
قال أحمد:
رواه في كتاب تحريم الجمع عن الثقفي ولم يجاوز به عبيدة وشك في تبليغه به
عليا.

141
ورواه في كتاب الضحايا عن الثقفي وقال: عن عبيدة عن علي ولم يشك فيه
وهو فيما:
5555 - أخبرناه أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس فذكروه
بإسناده من غير شك وقال: من دينهم لم يشك.
وقد رواه هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي. فهو عن علي
صحيح.
وذكره الشافعي في رواية أبي عبد الرحمن عنه من رواية هشام.
وذكر حديث ابن علية عن برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن
الحارث قال:
كتبت إلى عمر بن الخطاب في السامرة أنهم يسبتون السبت ويقرأون التوراة ولا
يؤمنون بالبعث فكتب عمر:
إن كانوا يقرأون التوراة ويسبتون / السبت فهم أهل الكتاب.
قال الشافعي رحمه الله:
أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي أن ابن عباس سئل عن ذبائح نصارى
العرب؟ فقال:
* (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) *.
5556 - أخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا
عثمان الدارمي حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد
الله بن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب؟
فقال: لا بأس بها وتلا هذه الآية:
* (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) *.
وذكر الشافعي حديثا رواه شريح بن يونس عن حماد بن زيد وحماد بن سلمة

142
عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس مثله ثم قال:
جعل الله المتولي للقوم منهم فمن انتقل إلى اليهودية والنصرانية من العرب
أخذت منه الجزية وتؤكل ذبيحته وقد رغب عن هذا في الجديد.
وقال في حديث ابن عباس ما:
5557 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي قال:
والذي يروى من حديث ابن عباس وإحلال ذبائحهم إنما هو من حديث عكرمة
أخبرنيه ابن الدراوردي وابن أبي يحيى عن ثور الديلي عن عكرمة عن ابن عباس أنه
سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال قولا حكياه هو إحلالها وتلي:
* (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) *.
ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة.
وثور لم يلق ابن عباس. [189 / ب].
قال أحمد:
يريد بصاحبنا: مالك بن أنس.
وقد رواه ابن وهب عن مالك فذكر فيه عكرمة.
5558 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن بالويه حدثنا حدثنا
أحمد بن علي الخزاز حدثنا خالد بن خداش حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني مالك
فذكره.
كأنه لم ير الاحتجاج برواية عكرمة فلم يذكر اسمه فيه في الموطأ وهو إن صح
فقد عارضه قول علي وعمر.
5559 - أخبرنا أبو سعيد في كتاب الضحايا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال
قال الشافعي:

143
وهو لو ثبت عن ابن عباس كان المذهب إلى قول عمر، وعلي أولى ومعه
المعقول.
فأما / * (من يتولهم منكم فإنه منهم) * فعناها على غير حكمها.
1187 - [باب]
الصدقة
5560 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع [أخبرنا الشافعي]
أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل:
أن عمر صالح نصارى بني تغلب على أن لا يصبغوا أبناءهم ولا يكرهوا على
غير دينهم وأن يضاعف عليهم الصدقة.
قال أحمد:
هكذا رواه. ورواه غيره عن أبي إسحاق الشيباني عن السفاح - هو ابن مطر -
عن داود بن كردوس عن عمر.
5561 - أخبرناه أبو سعيد حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا الحسن بن علي بن
عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق فذكر إسناده ومعناه إلا أنه
قال ' على أن لا يصبغوا في دينهم صبيا.
وقد ذكر الشافعي رحمه الله في رواية أبي عبد الرحمن عنه فيما بلغه عن ابن
معاوية إلا أنه قال:
عن داود بن كردوس عن أبيه.
ورواه عبد السلام بن حرب عن أبي إسحاق عن السفاح عن داود بن كردوس
عن عبادة بن النعمان التغلبي أنه قال لعمر بن الخطاب:
يا أمير المؤمنين إن بني تغلب من قد علمت شوكتهم وإنهم بإزاء العدو فإن
ظاهروا عليك العدو واشتدت مؤنتهم فإن رأيت أن تعطيهم شيئا فافعل.

144
قال: فصالحهم.
5562 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: [190 / أ]
وهكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق فقالوا: راضهم
[على الجزية].
فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من
بعض - يعنون الصدقة.
فقال عمر: لا هذا فرض على المسلمين.
فقالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ففعل فتراضى هو وهم على
أن ضعف عليهم الصدقة.
1188 - [باب]
المهادنة
5563 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله.
فرض الله تعالى قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا
الجزية وقال:
* (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *.
فهذا فرض على المسلمين ما أطاقوه.
[190 / ب] / فإذا عجزوا عنه فإنما كلفوا منه ما أطاقوا فلا بأس أن يكفوا عن قتال الفريقين
من المشركين وأن يهادنوهم وقد كف رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن قتال كثير من أهل الأوثان بلا

145
مهادنة إذا تناطت دورهم عنه مثل بني تميم وربيعة وأسد وطيء حتى كانوا هم الذين
أسلموا.
وهادن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ناسا ووادع حين قدم المدينة يهودا على غير خرج أخذه
منهم.
وبسط الكلام فيه.
1189 - [باب]
المهادنة على النظر للمسلمين
5564 - قال الشافعي في الإسناد الذي ذكرنا:
قامت الحرب بين رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وقريش ثم أغارت سراياه على أهل نجد حتى
توقى الناس لقاء رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خوفا للحرب دونه من سراياه وإعداد من يعدله من
عدوه بنجد ومنعت منه قريش أهل تهامة ومنع أهل نجد منه أهل نجد والمشرق
ثم اعتمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة فسمعت به قريش فجمعت
له وجدت على منعه ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] - بأبي وأمي هو -
فتداعوا الصلح فهادنهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى مدة ولم يهادنهم على الأبد لأن قتالهم
حتى يسلموا فرض عليهم إذا قوي عليهم.
وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ونزل عليه في سفره في أمرهم:
* (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) *.
قال ابن شهاب:
فما كان في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد أحجزت الناس فلما
أمنوا لم يكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله.

146
فلقد أسلم في سنتين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك.
5565 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني الزهري عن
عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة في قصة الحديبية قال:
فدعت [191 / أ] / قريش سهيل بن عمرو فقالوا:
إذهب إلى هذا الرجل فصالحه ولم يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة
هذا لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة فخرج سهيل من عندهم فلما رآه رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] مقبلا قال:
' قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل '.
فلما انتهى إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جرى بينهما القول حتى وقع الصلح على أن
توضع الحرب بينهما عشر سنين وأن يأمن الناس بعضهم من بعض وأن يرجع عنهم
عامهم ذلك حتى إذا كان العام المقبل قدمها خلوا بينه وبين مكة فأقام بها ثلاثا.
وأنه لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب.
وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك.
وأنه من أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا.
وأن بيننا وبينك عيبة مكفوفة.
وأنه لا إسلال ولا إغلال. وذكر الحديث بطوله وفيه:
ثم انصرف رسول الله [صلى الله عليه وسلم] راجعا فلما أن كان بين مكة والمدينة نزلة عليه سورة
الفتح من أولها إلى آخرها:
* (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) *.
وكانت القصة في سورة الفتح وما ذكر من بيعة رسوله تحت الشجرة فلما أمن
الناس وتفاوضوا لم يكلم أحد بالإسلام إلا دخل فيه.

147
فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام أكثر مما كان دخل فيه قبل ذلك.
وكان صلح الحديبية فتحا عظيما.
قال أحمد:
رجعنا إلى إسناد أبي سعيد.
قال الشافعي:
ثم نقض بعض قريش ولم ينكر عليه غيره [إنكارا يعتد به عليه] ولم يعتزل
داره فغزاهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عام الفتح مخفيا لوجهه ليصيب منهم غرة.
قال الشافعي:
وليس للإمام أن يهادن على النظر إلى غير مدة ولكن يهادنهم على أن الخيار إليه
متى شاء أن ينبذ إليه نبذ.
افتتح رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أموال خيبر عنوة وكان رجالها وذراريها إلا أهل حصن واحد
صلحا فصالحوه على أن يقرهم ما أقرهم الله يعملون له وللمسلمين بالشطر من التمر.
فإن قيل [191 / ب] / ففي هذا أنظر للمسلمين.
قيل: نعم كانت خيبر وسط مشركين وكانت يهود أهلها ومحالفين للمشركين
حولها وأقوياء على منعها منهم وكانت وبئة لا توطأ إلا من ضرورة فكفوهم المؤنة ولم
يكن للمسلمين كثرة فينزلها منهم من يمنعها فلما كثر المسلمون أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
بإجلاء يهود الحجاز فثبت ذلك عند عمر فأجلاهم فإن قيل فلم لا يقول أقركم ما أقركم
الله؟
قيل: الفرق بينه وبين رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في أن أمر الله عز وجل كان يأتي رسوله
بالوحي ولا يأتي أحدا غيره بوحي.
وبسط الكلام في خلال ما نقلت وإنما نقلت ما عقله بالخبر وهذا اللفظ:
' نقركم ما أقركم الله '.

148
في رواية مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وروي أيضا في غير هذه الرواية.
وقد روينا في حديث موسى بن علية عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب
أجلى اليهود من أرض الحجاز وكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لما ظهر على خيبر أراد إخراج
اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين فأراد إخراج اليهود
منها فسألت اليهود رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها ولهم نصف التمر
فقال لهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' نقركم بها على ذلك ما شئنا '.
فقروا بها حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيما وأريحا.
5566 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر القطان حدثنا أبو الأزهر حدثنا
محمد بن شرحبيل أخبرنا ابن جريج حدثنا موسى بن عقبة فذكره.
أخرجاه في الصحيح.
وروي ذلك أيضا عن غير موسى عن نافع.
1190 - [باب]
مهادنة من يقوى على قتاله
5567 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
لما قوي أهل الإسلام أنزل الله تعالى على نبيه [صلى الله عليه وسلم] مرجعه من تبوك:
* (براءة من الله ورسوله) *.
فأرسل بهذه الآيات علي بن أبي طالب فقرأها.
[192 / أ] / على الناس في الموسم وكان فرضا أن لا يعطى أحد مدة بعد هذه الآيات
أربعة أشهر لأنها الغاية التي فرضها الله عز وجل.

149
وجعل النبي [صلى الله عليه وسلم] لصفوان بن أمية بعد فتح مكة (...) أربعة أشهر.
لم أعلمه زاد أحدا بعد إذ قوي المسلمون على أربعة أشهر.
فقيل: كان الذين عاهدوا النبي [صلى الله عليه وسلم] قوما موادعين لغير مدة معلومة فجعلها الله
تعالى أربعة أشهر ثم جعلها رسوله [صلى الله عليه وسلم] كذلك وأمر الله نبيه [صلى الله عليه وسلم] في قوم عاهدهم إلى
مدة قبل نزول الآية أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم ما استقاموا له ومن خاف منه خيانة
نبذ إليه [فلم يجر] أن يستأنف مدة بعد نزول الآية وبالمسلمين قوة [إلى] أكثر من
أربعة أشهر لما وصفت من فرض الله فيهم.
وما جعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال: ولا أعرف كم كانت مدة النبي [صلى الله عليه وسلم] ومدة من أمر أن يتم إليه عهده إلى
مدته.
وبسط الكلام فيه.
قال أحمد:
إنما بلغني في هذا ما:
5568 - أخبرنا أبو عبد الرحمن بن محبور الدهان أخبرنا الحسن بن محمد بن
هارون حدثنا أحمد بن محمد بن نصر اللباد حدثنا يوسف بن بلال حدثنا محمد بن
مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في التفسير قال:
أمر الله نبيه [صلى الله عليه وسلم] أن ينظر فمن كان عهده أربعة أشهر أن يقره إلى أن تمضي أربعة
أشهر من يوم النحر ومن كان له من العهد أكثر من أربعة أشهر أن يحطه إلى أربعة
أشهر ومن كان له من العهد أقل من أربعة أشهر يرفعه له فيجعله أربعة أشهر.
ومن لم يكن له عهد أن يجعله خمسين ليلة إلا حيا واحدا من بني كنانة ثم من
بني ضمرة كان بقي لهم من عهدهم تسعة أشهر لم ينقضوه فأمر الله نبيه [صلى الله عليه وسلم] أن يتم
إليهم عهدهم إلى مدتهم.

150
وكانوا عاهدوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في العمرة التي أخليت له فيها مكة بعد الحديبية
بسنة عاهدوه في تلك الأيام عند البيت.
[192 / ب] / قال الشافعي:
ولا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئا بحال على أن يكفوا عنهم واستثنى حال
الضرورة.
واحتج بحديث عمران بن حصين:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] فدا رجلا برجلين.
واحتج أصحابنا بما ذكر محمد بن إسحاق بن يسار عن عاصم بن عمر بن
قتادة:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعث إلى عتيبة بن حصين والحارث بن عوف قائدي غطفان
في حرب الخندق فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا ومن معهما ليكسر عن
أصحابه شوكتهم حين رمتهم العرب عن قوس واحدة حتى سمع من سعد بن معاذ
قوله:
والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال:
' فأنت وذاك '.
فتناول سعد الصحيفة فمحاها.
وذلك قبل عزيمة الصلح.
5569 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا أحمد بن عبد
الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق فذكره في قصة طويلة.
1191 - [باب]
جماع الهدنة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلما من المشركين
5570 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال الشافعي رحمه الله:

151
ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] هادن قريشا عام الحديبية
على أن يأمن بعضهم بعضا وأن من جاء قريشا من المسلمين مرتدا لم يردوه عليه.
ومن جاء النبي [صلى الله عليه وسلم] بالمدينة منهم رده عليهم.
ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلما إلى غير المدينة في بلاد
الإسلام أو الشرك وإن كان قادرا عليه.
قال: ولم يذكر [أحد] منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئا من هذا
الشرط.
وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم:
* (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) *.
فقال بعض المفسرين:
قضينا لك قضاء مبينا.
قال الشافعي:
فتم الصلح بين النبي [صلى الله عليه وسلم] وبين أهل مكة على هذا حتى جاءته أم كلثوم بنت
عقبة بن [193 / أ] / أبي معيط مسلمة مهاجرة فنسخ الله الصلح في النساء وأنزل:
* (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) * الآية - إلى قوله: * (وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا) *.
يعني المهور إذا كانوا أعطوهن إياها.
قال: وجاء أهواها يطلبانها فمنعهما منها وأخبر أن الله تبارك وتعالى نقض
الصلح في النساء وحكم فيهن غير حكمه في الرجال.

152
قال: وإنما ذهبت إلى أن النساء كن في الصلح بأنه لو لم يدخل ردهن في
الصلح لم يعط أزواجهن فيهن عوضا. والله أعلم.
قال الشافعي:
وبهذه الآية مع الآية في براءة قلنا إذا صالح الإمام على ما لا يجوز فالطاعة
نقضه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وبهذا قلنا إذا ظفر المشركون برجل من المسلمين فأخذوا عليه عهودا وأيمانا أن
يأتهم أو يبعث إليهم بكذا [أو بعدد أسرى أو مال] فحلال أن لا يعطيهم قليلا ولا
كثيرا لأنها أيمان مكرهة وكذلك لو أعطى الإمام عليه أن يرده عليهم إن جاءه.
فإن قال قائل ما دل على هذا؟
قيل له: لم يمنع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أبا بصير من وليه حين جاءاه فذهبا به فقتل
أحدهما وهرب منه الآخر.
فلم ينكر ذلك عليه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بل قال قولا يشبه التحسين له.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
حال الأسير وأموال المسلمين في أيدي المشركين خلاف ما أعطى النبي [صلى الله عليه وسلم]
أهل الحديبية من رد رجالهم الذين هم أبناؤهم وإخوانهم وعشائرهم الممنوعون منهم
ومن غيرهم أن ينالوا بتلف.
فإن ذهب ذاهب إلى رد أبي جندل بن سهيل إلى أبيه وعياش بن أبي ربيعة - أو
ابن عياش بن أبي زمعة مثل الربيع - إلى أهله بما أعطاهم قيل له: أبناؤهم

153
وأهلوهم أشفق الناس عليهم وأحرصه على سلامتهم ولعلهم كانوا سيقونهم
بأنفسهم مما يؤذيهم فضلا عن أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف أو أمر لا
يحتملونه من عذاب وإنما نقموا منهم خلافهم [193 / ب] / دينهم ودين آبائهم فكانوا يشددون
عليهم ليتركوا دين الإسلام وقد وضع الله عنهم المأثم في الإكراه فقال:
* (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) *.
ومن أسر مسلما من غير قبيلته أو قرابته فقد يقتله بألوان القتل ويبلوه بالجوع
والجهد وليس حالهم واحدة.
ويقال له أيضا: ألا ترى أن الله نقض الصلح في النساء إذ كن إذا أريدت
بهن الفتنة ضعفن عن عرضها عليهن أو لم يفهمن فهم الرجال بأن التقية تسعهن في
إظهار ما أراد المشركون من القول وكان فيهن أن يصيبهن أزواجهن وهن حرام فأسرى
المسلمين في أكثر من هذه الحال إلا أن الرجال ليس ممن تنكح وربما كان في
المشركين من يفعل فيما بلغنا والله أعلم.
قال أحمد:
وإنما نقلت كلام الشافعي رحمه الله في الفرق بين رجال أبي جندل وغيره من
أهل مكة حيث شرط رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الصلح ردهم ووفى بما شرط وحال غيرهم مما
لا يكون له حيث يرد إليه عشيرة ومنعة لغلط جماعة من السلف بحديث أبي جندل.
وكان الشافعي أيضا يذهب في الأسير إلى أنه ييسر له ما شرطوا عليه من المال
وإلا رجع إليهم.
هكذا رواه عنه أبو عبد الرحمن البغدادي واستدل بحديث الليث عن عقيل عن
ابن شهاب في أمر أبي جندل وهو فيما:
5571 - أخبرناه أبو الحسن بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا عبيد بن

154
شريك حدثنا يحيى حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أنه قال أخبرني عروة بن
الزبير أنه سمع مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن
عمرو على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا
فخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون ذلك وألغطوا به وأبي سهيل إلا ذلك.
[194 / أ] / فكاتبه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ورد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته
أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاءت المؤمنات وكانت أم
كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وهي عاتق فجاء أهلها
يسألون رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [أن] يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن:
* (إذا جاءك المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) * الآية:
أخرجه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير.
وقد أخرجه أيضا من حديث معمر عن الزهري إلا أنه قال في هذه القصة:
فقال سهيل: على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا.
فمن زعم أن النساء لم يدخلن في الصلح احتج بهذه الرواية.
وروينا في إسناد حديث محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري عن عروة عن
مروان والمسور بن مخرمة في هذه القصة بنحو من معنى رواية عقيل وقال:
فإن الصحيفة لتكتب إذ طلع أبو جندل بن سهيل يرسف في الحديد وقد كان
أبوه حبسه فأفلت فلما رآه سهيل قال:
يا محمد لقد ولجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا.
قال:
' صدقت '.

155
وصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنونني
في ديني؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لأبي جندل:
' أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا
ومخرجا '.
5572 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا العطاردي حدثنا
يونس عن ابن إسحاق فذكره.
ثم أن الشافعي في الجديد رجع عن هذا وفرق بين الحالين بما نقلناه.
وأما ما ذكر من حديث عياش أو أبي عياش فهو:
عياش بن أبي ربيعة فيما أعلم.
وإنما الشك من جهة الربيع والغلط من جهة المزني حيث قال في بعض
النسخ: ابن عياش وذاك أن عياش بن أبي ربيعة هاجر إلى المدينة [194 / ب] / في أول ما هاجر
إليها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فجاءه أبو جهل بن هشام وهو أخوه لأمه ورجل آخر معه فقال له:
إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها فأقبل معها فربطاه حتى قدما به
مكة.
هكذا ذكره مجاهد ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي.
ولا يرجع فيما نظن إلا بإذن النبي [صلى الله عليه وسلم] وكان المعنى فيه ما في أبي جندل من
رجوعه إلى عشيرته إلا أن ذلك كان قبل الصلح ولعله رجع بنفسه فلم يمنعه رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] للمعنى الذي ذكرنا والله أعلم.
وأما ما ذكر من حديث أبي بصير فهو في الإسناد الذي ذكرناه عن محمد بن
إسحاق عن عروة عن مروان والمسور بمعناه وأتم منه.
5573 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال الله تبارك وتعالى للمسلمين:

156
* (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) *.
فأبانهن من المسلمين وأبان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن ذلك بمضي العدة.
وكان الحكم في إسلام الزوج الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان وقال:
* (واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا) *.
يعني - والله أعلم - أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهن المشركون إتيان
أزواجهن بالإسلام أتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور كما يؤدي المسلمون ما دفع
أزواج المسلمات من المهور وجعله الله حكما بينهم ثم حكم لهم في مثل ذلك
المعنى حكما ثابتا فقال:
* (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم) *.
كأنه - والله أعلم - يريد فلم تعفوا عنهم إذ لم يعفوا عنكم مهور نسائكم:
* (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) *.
كأنه يعني من مهورهن إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا مسلمة قد أعطاها مائة في
مهرها وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها مائة حبست مائة المسلم بمائة
المشرك.
فقيل تلك العقوبة ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى يعطى
المشرك ما قصصناه به [195 / أ] / من مهر امرأته للمسلم الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير
ذلك ثم بسط الكلام في التفريع.
1192 - [باب]
العبد يخرج من دار الحرب مسلما
5574 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه
الله قال:

157
أمن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في حصار ثقيف من نزل إليه من عبد فأسلم وشرط لهم أنهم
أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم
مسلمين فسألوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يردهم إليهم فقال:
' هم أحرار لا سبيل عليهم '.
ولم يردهم.
5575 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني
حدثنا الشافعي حدثنا يوسف بن خالد السمتي عن إبراهيم بن عثمان عن الحكم بن
عتيبة عن مقسم عن ابن عباس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان نازل أهل الطائف فنادى مناديه:
أن من خرج إلينا من عبد فهو حر فخرج إليه نافع ونفيع فأعتقهما.
قال الشافعي:
كان يوسف بن خالد السمتي رجلا من الخيار وفي حديثه ضعف.
قال أحمد:
هكذا يقوله سائر أهل العلم بالحديث.
وإبراهيم بن عثمان هذا أبو شيبة الكوفي وهو أيضا ضعيف.
وقد رواه الحجاج بن أرطأة عن الحكم.
5576 - أخبرناه أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع
أخبرنا الشافعي قال: قال أبو يوسف حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن
عباس:
أن عبدين خرجا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من الطائف فأعتقهما.
قال أبو يوسف:

158
حدثنا بعض أشياخنا أن أهل الطائف خاصموا في عبيد خرجوا إلى رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] فأعتقهم فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' أولئك عتقاء الله '.
قال أحمد:
ورواه حفص بن غياث عن الحجاج وقال:
أحدهما أبو بكرة.
ورواه حماد بن سلمة عن [195 / ب] / الحجاج: أن أربعة أعبد.
ورواه أبو معاوية عن الحجاج:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أعتق من خرج إليه يوم الطائف من عبيد المشركين.
والاعتماد على نقل أهل المغازي في ذلك والذي ذكره الشافعي مشهور بينهم.
وروي محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن منصور عن ربعي بن خراش
عن علي قال:
خرج عبدان إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم:
والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربا من الرق.
فأبى أن يردهم وقال:
' هم عتقاء الله عز وجل '.
5577 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجراني حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق
فذكره.
قد روينا في الحديث الثابت عن عطاء عن ابن عباس من قوله:
وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين أهل العهد لم يردوا وردت أثمانهم.

159
وإن هاجر عبد منهم - يعني من أهل الحرب - أو أمة فهما حران ولهما ما
للمهاجرين.
5578 - قال الشافعي في الإسناد الذي مضى عن أبي سعيد:
ولا يعتق بالإسلام إلا في موضع وهو:
أن يخرج من بلاد الحرب مسلما كما أعتق النبي [صلى الله عليه وسلم] من خرج من حصن ثقيف
مسلما.
قال الشافعي:
قد جاء النبي [صلى الله عليه وسلم] عبد مسلم ثم جاءه سيده يطلبه فاشتراه النبي [صلى الله عليه وسلم] بعبدين.
ولو كان ذلك يعتقه لم يشتر منه حرا ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب
عليها الحرب.
قال أحمد:
هذا في حديث أبي الزبير عن جابر قال:
جاء عبد يبايع النبي [صلى الله عليه وسلم] على الهجرة ولم يشعر أنه عبد فجاء سيده يريده فقال
النبي [صلى الله عليه وسلم].
' بعنيه '.
فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا بعد حتى يسأله:
' أعبد هو '.
5579 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا [196 / أ] /
إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا الليث بن سعد عن أبي الزبير
فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وغيره.

160
قال أحمد:
قد ذكرنا ما احتج به المزني من حديث ابن عباس فيمن دان دين أهل الكتاب
بعد نزول الفرقان في باب نصارى بني تغلب.
1193 - [باب]
جماع الوفاء بالعهد والنذر ونقضه
5580 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
جماع الوفاء بالنذر والعهد كان بيمين أو غيرها في قول الله تبارك وتعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) *.
وفي قوله:
* (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) *.
وقد ذكر الله الوفاء بالعقود في الأيمان في غير آية من كتابه فذكر تلك الآيات ثم
قال:
وهذا من سعة لسان العرب الذي خوطب به فظاهره عام على كل عقد.
ويشبه - والله أعلم - أن يكون الله أراد أن يوفي بكل عقد إذا كانت فيه لله طاعة
أو لم يكن له فيما أمر بالوفاء منها معصية.
واحتج بأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] صالح قريشا بالحديبية على أن يرد من جاءه منهم
فأنزل الله عز وجل في امرأة جاءته منهم مسلمة:
* (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) *.
فحبسهن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بأمر الله.

161
وعاهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قوما من المشركين فأنزل الله عليه فيه:
* (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) * الآية.
فإن قال قائل فكيف كان صلح النبي [صلى الله عليه وسلم]؟
قيل كان صلح لهم طاعة لله إما عن الله بما يصنع نصا وإما أن يكون الله
جعل له أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل الله قضاءه عليه فصار إلى قضاء الله
ونسخ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فعله بفعله بأمر الله وكل كان لله طاعة في وقته.
ثم شبهه بأمر القبلة [196 / ب] / وما ورد فيه من النسخ.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
فلما قبض رسول الله [صلى الله عليه وسلم] تناهت فرائض الله [فلا يزاد فيها ولا ينقص منها]
فمن عمل منها بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص وعليه أن يرجع عن المعصية.
ثم ساق الكلام إلى الاستدلال بقول رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه '.
وأسر المشركون امرأة من الأنصار وأخذوا ناقة النبي [صلى الله عليه وسلم] فانفلتت الأنصارية
على ناقة النبي [صلى الله عليه وسلم] فنذرت إن نجاها الله عليها أن تنحرها فذكر ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم '.

162
قال الشافعي:
لا نذر يوفي به.
ثم بسط الكلام في بيانه إلى أن قال:
قال الله تبارك وتعالى في الإيمان:
* (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) *.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن
يمينه '.
فأعلم أن طاعة الله أن لا يفي باليمين إذا كان غيرها خيرا منها وأن يكفر بما
فرض الله من الكفارة وكل هذا يدل على أنه إنما يوفي بكل عقد نذر وعهد لمسلم أو
مشرك كان مباحا لا معصية لله فيه.
5581 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي رحمه الله قال الله جل ثناؤه:
* (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) *.
قال الشافعي:
نزلت في أهل هدنة بلغ النبي [صلى الله عليه وسلم] عنهم شيء استدل به على خيانتهم.

163
فإذا جاءت دلالة على أن لم يوف أهل الهدنة بجميع ما عاهدهم عليه فله أن
ينبذ إليهم.
ومن قلت له أن ينبذ إليه فعليه أن يحلقه بمأمنه ثم له أن يحاربه كما يحارب من
لا هدنة له.
5582 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي:
وإذا نقض الذين عقد الصلح عليهم أو نقضت منهم جماعة [197 / أ] / بين أظهرهم فلم
يخالفوا الناقض بقول ولا فعل ظاهر.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
فللإمام أن يغزوهم فإذا فعل فلم يخرج منهم إلى الإمام خارج مما فعله
جماعتهم فللإمام قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم.
وهكذا فعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم الصلح بالمهادنة
فنقض ولم يفارقوه فسار إليهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في عقر دارهم وهي معه بطرف المدينة
فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنم أموالهم وليس كلهم اشترك في المعونة على
النبي [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه ولم يفارق الغادرين منهم إلا نفر فحقن
[ذلك] دماءهم وأحرز عليهم أموالهم.
قال: وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل كان للإمام قتل جماعتهم.
قد أعان على خزاعة وهم في عقد النبي [صلى الله عليه وسلم] ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم
فغزا النبي [صلى الله عليه وسلم] قريشا عام الفتح بغدر النفر الثلاثة وترك الباقون معونة خزاعة وإيوائهم
من قتال خزاعة.

164
قال أحمد:
وهذا الذي ذكره الشافعي من بعض من نقد العهد من بني قريظة ومن أعان على
خراعة من قريش وقتال النبي [صلى الله عليه وسلم] الفريقين معروف مشهور فيما بين أهل السيرة.
ونقلنا إلى كتاب السنن من الأخبار ما دل على ذلك.
وتاريخه أن في حديث عبد الرحمن بن كعب عن رجل من الصحابة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] عاهد بني قريظة.
ثم في حديث محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة وعن سائر شيوخه
أن حيي بن أخطب ومن حزب الأحزاب معه قدموا على قريش ودعوهم إلى حرب
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وجاءوا بأبي سفيان والأحزاب عام الخندق ثم خرج حيي بن أخطب
حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ولم يزل به [197 / ب] / حتى نقض
كعب العهد وأظهر البراءة من رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وفي حديث موسى بن عقبة قال:
فاجتمع ملأهم الغدر على أمر رجل واحد غير أسد وأسيد وثعلبة خرجوا إلى
رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وذكر قصة خروجهم أيضا ابن إسحاق.
5583 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه - من أصله - قال أخبرنا أبو بكر القطان حدثنا
أبو الأزهر حدثنا محمد بن شرحبيل أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن
ابن عمر:
أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فأجلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بني
النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم وقسم
نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا برسول الله [صلى الله عليه وسلم] فأمنهم
وأسلموا.
وأجلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يهود المدينة بني قينقاع وهم قوم عبد الله - يعني ابن

165
سلام - ويهود بني حارثة وكل يهودي بالمدينة.
أخرجاه رحمهما الله في الصحيح.
وروينا في مغازي موسى بن عقبة وغيره أن بني نفاثة من بني الديل أغاروا على
بي كعب وإعانة بنو بكر بني نفاثة وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق.
وممن أعانهم من قريش:
صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهيل بن عمرو.
فخرج ركب من بني كعب وكانوا في صلح النبي [صلى الله عليه وسلم] حتى أتوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
فذكروا له الذي أصابهم وما كان من قريش عليهم في ذلك فتجهز رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
للخروج.
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
لعللك تريد قريشا؟ قال:
' نعم '.
قال: أليس بينك وبينهم مدة؟ قال:
' ألم يبلغك ما صنعوا ببني كعب '؟.
1194 - [باب]
الحكم بين المعاهدين والمهادنين
5584 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه
الله قال:
لم أعلم [198 / أ] / مخالفا من أهل العلم بالسير.
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لما نزل المدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله
عز وجل:

166
* (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) *.
إنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية ولم يقروا بأن يجري
عليهم حكم.
وقال بعضهم: نزلت في اليهوديين اللذين زنيا.
قال: والذي يشبه ما قال لقول الله تعالى:
* (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) *.
وقال: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا) *.
يعني والله أعلم: إن تولوا عن حكمك [بغير رضاهم] فهذا يشبه أن يكون
ممن أتى حاكما غير مقهور على الحكم والذين حاكموا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في امرأة
منهم ورجل زنيا موادعين وكان في التوراة الرجم ورجوا أن لا يكون من حكم رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] الرجم فجاءوه بهما فرجمهما.
5585 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني
حدثنا الشافعي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال:
إن اليهود جاءوا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' ما تجدون في التوراة من شأن الرجم '.

167
فقالوا: نفضحهم ويجلدون.
قال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع
أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها.
فقال له عبد الله بن سلام: إرفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم.
فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما النبي [صلى الله عليه وسلم] فرجما.
قال عبد الله بن عمر فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة.
5586 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن
عمر قال:
رأيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رجم يهوديا ويهودية ورأيته يجاني عليها يقيها الحجارة.
أخرجاه من حديث مالك [198 / ب] / وأيوب في الصحيح.
قال الشافعي في رواية الربيع:
وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا
جاءوه في حد الله وعليه أن يقيمه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
فإن جاءنا محتسب من المسلمين أو غيرهم فذكر أن الذميين يعملون فيما بينهم
أعمالا من ربا وغيرهم لم يكشفهم عنها لأن ما أقررناهم عليه من الشرك أعظم ما لم
يكن لها طالب يستحقها.
وكذلك لا يكشف عن ما استحلوا من نكاح المحارم.
فإن قال قائل: قد كتب عمر رضي الله عنه يفرق بين كل ذي محرم من
المجوس.
فقد يحتمل أن يفرق إذا طالبت ذلك المرأة أو وليها أو طلبه الزوج ليسقط عنه
مهرها.

168
5587 - وأخبرنا أبو سعيد - في كتاب تحريم الجمع - حدثنا أبو العباس قال
حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة حدثنا الفضيل بن عيسى الرقاشي
قال:
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي أن سل الحسن لم أقر المسلمون بيوت
النيران وعبادة الأوثان ونكاح الأمهات والأخوات؟
فسأله فقال الحسن: لأن العلاء بن الحضرمي لما قدم البحرين أقرهم على
ذلك.
قال الشافعي:
فهذا لا أعلم فيه خلافا بين أحد لقيته.
وقال الشافعي في القديم في كتاب القضاء:
وقد زعم بعض المحدثين عن عوف الأعرابي عن الحسن - وانقطع الحديث.
وإنما عنى - والله أعلم - ما:
5588 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي
حدثنا سعد بن نصر حدثنا إسحاق الأزرق عن عوف الأعرابي قال:
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة:
أما بعد فسل الحسن بن أبي الحسن ما منع من قبلنا من الأئمة أن يحولوا بين
المجوس وبين ما يجمعون من النساء اللاتي لا يجمعهن أحد من أهل الملل غيرهم؟
قال فسأل عدي الحسن فأخبره:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قد قبل من مجوس أهل البحرين الجزية وأقرهم على
مجوسيتهم [199 / أ] / (...) رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على البحرين العلاء بن الحضرمي وأقرهم
(...) رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأقرهم عمر بعد أبي بكر.
أشار إليه الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه (...) من
الأحاديث التي ذكرها في رواية (...) عبد العزيز البغدادي عنه إنما هو بلاغ

169
(...) سماع فقد ذكر سماعه وهو كالأحاديث (...) فما كان له منها سماع من
شيوخه (...) ذكر فيه سماعه فهو فيما بلغه عن من سماه.
5589 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال أبو علي (...) عن محمد بن
سفيان عن يونس بن عبد الأعلى (...) حكم بينهم بما أنزل الله لا يحكم بينهم
أبدا (...) ويحكم عليهم وإن لم يتحاكموا في التعدي (...) وهم إذا تعدوا.

170
42 - كتاب الصيد
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله عز وجل:
* (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) *.
5590 - أخبرنا أبو سعيد بن عمرو حدثنا أبو العباس بن يعقوب أخبرنا
الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله:
[الكلب المعلم] إذا أشلى استشلى وإذا أخذ حبس ولم [يأكل فإذا فعل ذلك
مر بعد] مرة كان معلما يأكل صاحبه ما حبس عليه [وإن قتل ما لم يأكل فإذا
أكل] فقد قيل: يخرجه هذا من أن يكون معلما [وامتنع صاحبه من أن يأكل].
ويحتمل القياس أن يأكل وإن أكل منه [الكلب من قبل أنه إذا صار معلما صار
قتله ذكاة].
هذا قول ابن عمر، وسعيد بن أبي وقاص [199 / ب] / وبعض أصحابنا.
وإنما تركنا هذا الأثر الذي ذكر الشعبي عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي [صلى الله عليه وسلم]
يقول:

171
' فإن أكل فلا تأكل '.
فإذا ثبت الخبر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يجز تركه لشيء.
قال أحمد:
أما حديث ابن عمر:
5591 - فأخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا
الحسن بن علي عن عفان حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال:
إذا أرسل أحدكم كلبه المعلم وذكر اسم الله فليأكل مما أمسك عليه أكل أو لم
يأكل.
وأما حديث سعد:
فهو في جامع الثوري عن ابن أبي ذئب عن بكير بن الأشج عن رجل يقال له
حميد بن مالك قال: سألت سعدا قلت: إن لنا كلابا ضواري فيمسكن علينا ويأكلن
ويبقين؟
قال: كل وإن لم يبقين إلا بضعه.
وروي عنه عن علي وسلمان الفارسي وأبي هريرة.
وروي عن ابن عباس أنه كره ذلك.
وأما حديث الشعبي عن عدي:
5592 - فأخبرناه أبو بكر بن فورك حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن
حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي عن عدي قال سألت
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن المعراض فقال:
' إذا أصاب بحده فقتل فكل وإذا أصاب بعرضه فقتل فهو وقيذ فلا تأكل '.

172
قلت: أرسل كلبي قال:
' إذا أرسلت كلبك على الصيد وسميت فأخذ فكل وإن أكل منه فلا تأكل فإنما
أمسك على نفسه '.
قلت: أرسل كلبي فأجد مع كلبي كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه؟ قال:
' فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره '.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث شعبة.
5593 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب وأبو
عمرو بن أبي جعفر قالا: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا الحسن بن عيسى أخبرنا ابن
المبارك أخبرنا عاصم عن الشعبي عن عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله [200 / أ] / [صلى الله عليه وسلم] عن
الصيد فقال:
' إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أدركته ولم يقتل فاذبح واذكر اسم الله وإن
أدركته قد قتل ولم يأكل فكل فقد أمسكه عليك فإن وجدته قد أكل منه فلا تطعم منه
شيئا فإنما أمسكه على نفسه فإن خالط كلبا كلابا فقتلن ولم يأكلن فلا تأكل منه شيئا
فإنك لا تدري أيهما قتل وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فإن أدركته فكل إلا أن
تجده قد وقع في ماء فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك فإن وجدته بعد ليلة أو ليلتين
فلم تجد فيه أثرا غير أثر سهمك فشئت أن تأكل منه فكل '.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن المبارك.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن عاصم.
وأخرجاه من حديث زكريا وغيره عن الشعبي.
ورواه مجالد عن الشعبي عن عدي أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:

173
' ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته.
وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك ' قلت: وإن قتل؟ قال:
' إذا قتله ولم يأكل منه شيئا فإنما أمسكه عليك '.
وقد تفرد مجالد بذكر البازي فيه.
وكان ابن عباس يفرق بينهما.
وكان سلمان يجمع بينهما في الإباحة.
وقد روى الشافعي في كتاب حرملة عن مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم
قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إذا أكل الكلب فلا تأكل فإنما أمسك على نفسك '.
وقد ثبت هذا الحديث برواية الثقات عن الشعبي.
5594 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا: حدثنا أبو العباس
محمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني
حيوة بن شريح أنه سمع ربيعة بن يزيد الدمشقي يقول: سمعت أبا إدريس الخولاني
يحدث أنه سمع أبا ثعلبة الخشني يقول:
أتيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقلت: يا رسول الله إن أرضنا أرض صيد أصيد بالكلب
المكلب وبالكلب الذي ليس بمكلب فأخبرني ماذا يحل لنا مما يحرم علينا من ذلك؟
فقال:
' أما ما صاد كلبك المكلب فكل ما أمسك عليك واذكر اسم الله وأما ما صاد
كلبك الذي ليس بمكلب فأدركت ذكاته فكل منه ما لم تدرك ذكاته فلا تأكل منه '.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي الطاهر عن ابن وهب.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يزيد المقري عن حيوة.

174
وروى عن يونس بن يوسف عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة في هذا الحديث قال
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' ما ردت عليك قوسك وكلبك ويدك فكل ذكي وغير ذكي '.
ورواه داود بن عمرو عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة قال قال
النبي [صلى الله عليه وسلم] في صيد الكلب:
وإذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه وكل ما ردت يدك '.
وهاتان الروايتان قد أخرجهما أبو داود في كتاب السنن.
وأخرج أيضا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا ثعلبة قال: يا
رسول الله فذكر معنى ما في هاتين الروايتين وزاد قال:
وإن تغيب عني؟ قال:
' وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرا غير سهمك '.
5595 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا
علي بن عبد الله بن مبشر حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام حدثنا يزيد بن زريع
حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي [صلى الله عليه وسلم]
يقال له أبو ثعلبة فقال: يا رسول الله: إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها؟ فقال:
' إن كانت كلابا مكلبة فكل مما أمسكن عليك '.
قال: ذكي وغير ذكي؟ قال:
' ذكي وغير ذكي '.

175
قال: وإن أكل منه؟ قال:
' وإن أكل منه '.
قال: يا رسول الله افتني في قوسي؟ قال:
' كل ما ردت عليك قوسك '.
قال: ذكي وغير ذكي؟ قال:
' ذكي وغير ذكي '.
قال: وإن تغيب عني؟ قال:
' وإن [201 / أ] / تغيب عنك ما ' لم يصل أو تجد فيه أثر غير سهمك '.
قال: يا رسول الله أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها؟ قال:
' إغسلها ثم كل فيها '.
قال أحمد:
وحديث عدي بن حاتم أصح من هذا وما خالفه من هذه الروايات ليس في
الرواية التي اعتمدها صاحبا الصحيح.
فالله أعلم.
1195 - [باب]
تسمية الله عند الإرسال
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
أحببت له أن يسمي.
وهذا لما مضى في حديث عدي بن حاتم وأبي ثعلبة.
قال الشافعي:
فإن لم يسم ناسيا فقتل أكل لأنه إذا كان كالذكاة فهو لو نسي التسمية في
الذبيحة أكل لأن المسلم يذبح على اسم الله وإن نسي.

176
قال أحمد:
قد روينا عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال:
إذا ذبح المسلم ونسي أن يذكر اسم الله فليأكل فإن المسلم فيه اسم من أسماء
الله.
5596 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا
علي بن عمر الحافظ حدثنا أحمد بن محمد بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بكر بن
خالد حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن عين عن ابن
عباس:
إذا ذبح المسلم فلم يذكر اسم الله فليأكل فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله عز
وجل.
قوله: عن عين: يعني عن عكرمة.
ورواه معقل بن عبيد الله عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس عن
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' [المسلم] يكفيه اسمه فإن نسي أن يسمي حين يذبح فليذكر اسم الله
وليأكله '.
5597 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أبو أمية
الطرسوسي حدثنا محمد بن يزيد حدثنا معقل بن عبيد الله فذكره.
والمحفوظ رواية سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء عن عكرمة عن ابن
عباس موقوفا عليه كما مضى.
وقد رواه أبو داود في المراسيل بإسناد عن ثور بن يزيد عن الصلت قال قال
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

177
' ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم
الله '.
وهذا المرسل يؤكد [201 / ب] / قول ابن عباس وقد.
5598 - أخبرني أبو عبد الرحمن السلمي فيما قرأت عليه قال أخبرني علي بن
عمر الحافظ حدثنا ابن مبشر حدثنا أبو الأشعث حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
أن قوما قالوا: يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله أم
لا؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' سموا عليه وكلوا '.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي الأشعث.
وأخرجه أيضا من حديث أبي خالد الأحمر وأسامة بن حفص عن هشام موصولا
واستشهد برواية الدراوردي عن هشام.
5599 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
عثمان بن أبي شيبة حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال: جاءت اليهود إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقالوا: تأكل مما قتلنا ولا تأكل مما قتل
الله؟
فأنزل الله عز وجل:
* (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * إلى آخر الآية.

178
1196 - [باب]
في الإرسال على الصيد يتوارى عنك ثم تجده مقتولا
5600 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
فالخبر عن ابن عباس والقياس أن لا يأكله من قبل أنه قد يمكن أن يكون قتله
غير ما أرسل عليه من دواب الأرض.
وقد سئل ابن عباس فقال له قائل: إني أرمي فأصمي وأنمي؟ فقال له ابن
عباس:
كل مما أصميت ودع ما أنميت.
قال الشافعي:
ما أصميت: ما قتلته الكلاب وأنت تراه. وما أنميت: ما غاب عنك مقتله.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ولا يجوز عندي فيه إلا هذا إلا أن يكون جاء عن النبي [صلى الله عليه وسلم] شيء فإني أتوهمه
فيسقط كل شيء خالف رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ولا يقوم معه رأي ولا قياس فإن الله تعالى قطع
العذر بقوله [صلى الله عليه وسلم].
قال أحمد:
أما حديث ابن عباس موقوفا عليه.
5601 - فأخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو [202 / أ] / بن الحارث بن
رحيل حدثه أن عمرو بن ميمون حدثه عن أبيه: أن عربيا أتى عبد الله بن عباس
وميمون عنده فقال: أصلحك الله إني أرمي الصيد فأصمي وأنمي فكيف ترى؟
فقال ابن عباس:

179
كل ما أصميت ودع ما أنميت.
وروى أبو داود في المراسيل من حديث عامر الشعبي وابن رزين عن النبي [صلى الله عليه وسلم]
ما يدل على هذا المعنى فإنه قال في إحدى الروايتين: بات عنك ليلة ولا آمن أن
تكون هامة أعانتك عليه لا حاجة لي فيه.
وقال في الرواية الأخرى:
الليل خلق من خلق الله عظيم لعله أعانك على شيء أنبذها عنك.
وأما الذي توهمه الشافعي من الحديث المرفوع إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فهو ما روينا في
حديث عدي بن حاتم في المسألة قبلها وهو قوله [صلى الله عليه وسلم]:
' فإن وجدته بعد ليلة أو ليلين فلم تجد فيه أثرا غير أثر سهمك فشئت أن تأكل
منه فكل '.
ورواه داود بن أبي هند عن الشعبي عن عدي بن حاتم أنه قال: يا رسول الله
[إن] أحدنا يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه أيأكل؟
قال:
' نعم إن شاء '.
أو قال:
' يأكل إن شاء '.
ورواه سعيد بن جبير بن عدي بن حاتم كما:
5602 - أخبرنا الشيخ أبو بكر بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن جعفر
حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة وهشيم عن أبي بشر عن سعيد بن
جبير عن عدي بن حاتم قال:

180
قلت يا رسول الله أرمي الصيد فأجده من الغد فيه سهمي؟ قال:
' وإذا وجدت فيه سهمك وعلمت أنه قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل '.
قال: وحدثنا شعبة عن عبد الملك من ميسرة قال سمعت سعيد بن جبير يحدث
عن عدي بن حاتم أنه سأل النبي [صلى الله عليه وسلم] فذكره نحوه.
ورواه أبو ثعلبة الخشني كما:
5603 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
يحيى بن معين حدثنا حماد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن
جبير بن نفير عن أبيه عن أبي [202 / ب] / ثعلبة الخشني عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إذا رميت الصيد فأدركته بعد ثلاث ليال وسهمك فيه فكل ما لم ينتن '.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن مهران عن حماد بن خالد.
وحديث البهزي في حمار الوحش العقير وفي الظبي الحاقف فيه سهم.
قد مر في كتاب الحج.
1197 - [باب]
ما أبين من حي
قال الشافعي:
لم نأكل العضو الذي بان منه وفيه الحياة التي يبقى بعده.
5604 - حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو بكر محمد بن المؤمل حدثنا
الفضل بن محمد البيهقي حدثنا علي بن الجعد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن
دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال:

181
قدم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] المدينة والناس يجبون أسنام الإبل ويقطعون آليات الغنم
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة '.
1198 - [باب]
ما لا يجوز فيه الذكاة من السن والظفر
5605 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن سعيد بن
مسروق.
وفي رواية أبي سعيد عن عمرو بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة
عن رافع بن خديج قال قلنا يا رسول الله:
إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى أنذكي بالليط؟ فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' ما أنهر الدم وذكر عليه اسم الله فكلوا إلا ما كان من سن أو ظفر فإن السن
عظم من الإنسان والظفر مدى الحبش '.
ورواه أيضا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن مسلم عن سعيد بن مسروق.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح.
وأخرجه البخاري ومسلم من حديث سفيان عن أبيه سعيد بن مسروق.
قال الشافعي في رواية حرملة:

182
ومعقول في حديث النبي [صلى الله عليه وسلم] أن السن إنما يذكي بها إذا كانت منتزعة فأما [203 / أ] /
وهي ثابتة فلو أراد الذكاة بها كانت منخنقة.
وإذا قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: ' إن السن عظم من الإنسان ' وقال: ' إن الظفر مدى
الحبش ' يعني فيه دلالة على أنه لو كان ظفر الإنسان قاله كما قاله في السنن ولكنه أراد
الظفر الذي هو طيب في بلاد الحبشة يجلب.
وإذا نهى عن الظفر وكان المعقول أنه ما وصفت فحرام ذلك الظفر والإنسان
وعظمه قياس على سنه فلا يجوز أن يذكي من الإنسان بعظم لأن السن عظم ولا بظفر
لأنه من الإنسان.
قال أحمد:
وفي حديث أم عطية عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في إحداد المرأة:
' ولا تمس طيبا إلى أدنى طهرتها إذا تطهرت من حيضتها نبذة من قسط أو
أظفار '.
وفي رواية أخرى:
وقد رخص في طهرها إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من قسط أو
أظفار. وإنما أراد طيبا.
1199 - [باب]
محل الذكاة في المقدور عليه وفي غير المقدور عليه
5606 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه
الله قال:
الذكاة ذكاتان:
فما قدر على ذكاته مما يحل أكله فذكاته في اللبة والحلق بالذبح والنحر.
وما لم يقدر عليه فذكاته أن ينال بالسلاح حيث قدر عليه إنسي كان أو
وحشي.

183
فإن تردى بعير في بئر أو نهر فلم يقدر على منحره ولا مذبحه حيث يذكي فطعن
فيه بسكين أو شيء تجوز الذكاة فيه فأنهر الدم منه ثم مات انحل.
وهكذا ذكاة ما لا يقدر عليه.
وقد تردى بعير في بئر فطعن في شاكلته فسئل عبد الله بن عمر فأمر بأكله وأخذ
منه عبد الله عشيرا بدرهمين.
وسئل ابن المسيب عن المتردي ينال من السلاح فلا يقدر على مذبحه؟ فقال:
حيث ما نلت منه بالسلاح فكله.
وهذا قول أكثر المفتين.
قال الشافعي في موضع آخر في روايتنا:
وأعلم في الإنسي يمتنع خبرا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] [203 / ب] / يثبت بأنه رأى ذكاته كذكاة
الوحشي وإنما أراد ما:
5607 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العابس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن سعيد بن مسروق.
5608 - قال وحدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه - واللفظ له - أخبرنا بشر بن
موسى حدثنا الحميدي حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن
عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال:
أصبنا إبلا وغنما فكنا نعدل البعير بعشر من الغنم فند علينا بعير منها فرميناه
بالنبل ثم سألنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فإذا ند منها فاصنعوا به ذلك وكلوه '.
قال سفيان: وزاد فيه إسماعيل بن مسلم:

184
فرميناه بالنبل حتى رهضناه.
قال أحمد:
إنما ذكر الشافعي في هذا الإسناد في رواية الربيع حديث السن والظفر كما
قدمنا ذكره.
وقد رواه هكذا في الإبل أيضا في سنن حرملة.
وهذا الإسناد يجمع الحديثين جميعا.
وأخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان عن إسماعيل بن مسلم عن
سعيد بن مسروق بتمامه.
5609 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو علي الحسين بن علي الحافظ
أخبرني أبو خليفة حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن
رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج قال:
كنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بذي الحليفة فأصاب الناس جوع فأصبنا إبلا وغنما وكان
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في أخريات الناس فجعلوا فذكوا ونصبوا القدور فدفع إليهم رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] فأمر بالقدور فاكفئت ثم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير فند بعير وكان في
القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا '.
قال: وقالوا: إنا نرجو أو نخاف [204 / أ] / العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب؟
قال:
' ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر وسأحدثكم عنه أما السن
فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة '.

185
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل وغيره عن أبي عوانة.
وأما حديث ابن عمر:
5610 - فأخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا محمد بن أحمد بن محبويه
العسكري حدثنا جعفر بن محمد القلانسي حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن
مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج أن بعيرا وقع في بئر فلم يستطيعوه أن
ينحروه إلا من قبل شاكلته فاشترى ابن عمر منه عشيرا بدرهمين.
وروينا فيه عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود.
وأما الحديث الذي:
5611 - أخبرناه أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن
حبيب حدثنا أبو داود حدثنا [داود] بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه قال:
قلت: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الليلة أو الحلق؟ قال:
' لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك '.
فإنما هو إن ثبت في المتردية وما في معناها. والله أعلم.
وقد رواه الشافعي في سنن حرملة عن الثقة عنده عن حماد بن سلمة مع حديث
رافع بن خديج.
قال أحمد:
وروينا في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مغفل:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عن الحذفة وقال:

186
' إنها لا يصاد بها صيد ولا ينكأ بها عدو وهي تكسر السن وتفقأ العين '.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال:
واتقوا الأرنب أن يحذفها أحدكم بالعصا ولكن ليذك لكم الأسل الرماح
والنبل.
وعن ابن عمر أنه كان يقول في المقتولة بالبندقة:
تلك الموقوذة.
وحديث عدي بن حاتم في صيد المعراض قد مضى ذكره.
1200 - [باب]
الحيتان
5621 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
مالك عن صفوان [204 / ب] / بن سليم عن سعيد بن سلمة أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه
سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يعني في البحر:
' هو الطهور ماؤه والحل ميتته '.
قال الشافعي:
وكل ما كان يعيش في الماء من حوت فأخذه ذكاته وسواء من أخذه من مجوسي
أو وثني لأنه ذكي في نفسه ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ولا أدري أي وجه لكراهية الطافي.
والسنة تدل على أكل ما لفظ البحر ميتا يضع عشرة ليلة.

187
وإنما أراد والله أعلم ما:
5613 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
أحمد بن شيبان الرملي حدثنا سفيان سمع عمرو بن جابر بن عبد الله يقول:
بعثنا النبي [صلى الله عليه وسلم] في ثلاثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح نطلب عير قريش
فأقمنا على الساحل حتى فنى زادنا فأكلنا الخبط ثم أن البحر ألقى لنا دابة يقال لها
العنبر فأكلنا منه نصف شهر حتى صلحت أجسامنا وأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه
فنصبه ونظر إلى أطول بعير في الجيش وأطول رجل فحملت عليه فجاز تحته.
وقد كان رجل نحر ثلاث جزائر [ثم نحر ثلاث جزائر] ثم نهاه أبو عبيدة
وكانوا يرونه قيس بن سعد.
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.
ورواه الحميدي عن سفيان قال:
فأتينا النبي [صلى الله عليه وسلم] فأخبرناه فقال:
' هل معكم منه شيء '.
قلنا: لا.
وأخرجه البخاري من حديث ابن جريج عن عمرو قال:
فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله.
وقال فيه: قال ابن جريج: وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: فقال أبو
عبيدة: كلوا.
فلما قدمنا ذكرنا ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' كلوا رزقا أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم '.

188
فأتاه [بعضهم] فأكله.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد فقال:
يعني من كره السمك الطافي: القياس أنه كله سواء ولكنه بلغه أن بعض
أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] سمى جابرا أو غيره [205 / أ] / كره الطافي فاتبعنا فيه الأثر.
قال أحمد:
وإنما أراد ما روي عن أبي الزبير عن جابر أنه كان يقول ما ضرب به البحر أو
جزر عنه أو صيد فيه فكل وما مات فيه فلا تأكل.
هكذا رواه جماعة عن أبي الزبير موقوفا.
ورواه أبو أحمد الزبير عن سفيان عن أبي الزبير فرفعه.
ورواية الجماعة عن سفيان كرواية الجماعة عن أبي الزبير موقوفا على جابر.
ورواه يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير مرفوعا.
ويحيى بن سليم سيىء الحفظ كثير الوهم.
وروي من أوجه أخر مرفوعا وكلها ضعيف.
وإنما هو قول جابر من رواية أبي الزبير عنه.
وقد خالفه عدد من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم].
5614 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قلت: لو كنت تتبع الآثار والسنن حتى تفرق بين المجتمع منها بالاتباع حمدناك
ولكنك تتركها ثابتة لا مخالف لها عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه وتأخذ [ما] زعمت برواية
عن رجل من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه كره الطافي. وقد أكل أبو أيوب سمكا طافيا وهو
رجل من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] ومعه زعمت القياس وزعمنا السنة.

189
وبسط الكلام فيه ثم قال:
وذكر أيوب عن محمد بن سيرين أن أبا أيوب أكل سمكا طافيا.
5615 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا
المزني حدثنا الشافعي عن عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن إياس بن معاوية بن قرة
عن أبي أيوب الأنصاري أنه أكل سمكا طافيا.
قال أحمد:
وروينا عن ثمامة عن أنس بن مالك عن أبي أيوب أنه ركب البحر في رهط من
أصحابه فوجدوا سمكة طافية على الماء فسألوه عنها؟ فقال: أطيبة هي لم تغير؟
قالوا: نعم. قال فكلوها وارفعوا نصيبي منها. وكان صائما.
وروي عن أبي أيوب وأبي صرمة الأنصاري أنهما أكلا الطافي.
وروينا عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال:
أشهد [205 / ب] / على أبي بكر أنه قال:
السمكة الطافية على الماء حلال لمن أراد أكلها.
وروينا فيه عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن عباس.
1201 - [باب]
الجراد
5616 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني
حدثنا الشافعي عن سفيان حدثنا أبو يعفور العبدي قال:
رأيت ابن أبي أوفى فسألته عن أكل الجراد فقال: غزوت مع النبي [صلى الله عليه وسلم] ست
غزوات أو سبع غزوات وكنا نأكل الجراد.

190
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان.
وأخرجاه من حديث شعبة عن أبي يعفور.
5617 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن
ابن عمر قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' أحلت لنا ميتتان ودمان الميتتان الحوت والجراد والدمان ' - أحسبه قال:
' الكبد والطحال '.
قال أحمد:
هكذا رواه إسماعيل بن أبي أويس عن عبد الرحمن وعبد الله وأسامة بني
زيد بن أسلم عن أبيهم مرفوعا.
ورواه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: أحلت
لنا ميتتان.
وهذا أصح وهو في معنى المرفوع.
5618 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
حاتم بن إسماعيل والدراوردي أو أحدهما عن جعفر بن محمد عن أبيه قال:
النون والجراد ذكي كله.
قال أحمد:
وقد رواه الثوري في الجامع عن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال:
الحيتان والجراد ذكي كله.
وروينا في إباحة أكل الجراد عن عمرو بن عمر، والمقداد وصهيب.

191
وروينا عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: سال طبيب النبي [صلى الله عليه وسلم] عن
ضفدع يجعلها في [206 / أ] / دواء؟
فنهاه النبي [صلى الله عليه وسلم] عن قتلها.
5619 - أخبرناه الشيخ أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني
حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد بن قارظ
عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان فذكره.
وقد رواه الشافعي في كتاب حرملة عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن
ابن أبي ذئب.

192
43 - كتاب الضحايا
5620 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو محمد بن يوسف وأبو بكر وأبو زكريا
المزكي قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا
الشافعي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ضحى بكبشين أملحين.
كذا قالوا.
5621 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة
حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد العزيز بن صهيب
عن أنس بن مالك قال:
كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يضحي بكبشين أملحين.
قال أنس:
وأنا أضحي بكبشين.
هكذا وجدته في هذه الرواية.
ورواه محمد بن المظفر الحافظ البغدادي عن أبي جعفر الطحاوي بهذا الإسناد
ليس فيه: أملحين.
ورواه المزني في المختصر بهذا الإسناد:

193
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان يضحي بكبشين.
قال أنس: وأنا أضحي بكبشين:
قال: وقال أنس في غير هذا الحديث:
ضحى النبي [صلى الله عليه وسلم] بكبشين أملحين.
5622 - وهذا فيما كتب إلي أبو نعيم بن الحسن أن أبا عوانة أخبرهم عن المزني
عن الشافعي.
وهذا هو الصحيح بهذا اللفظ.
فقد رواه إسحاق الحنظلي عن إسماعيل هكذا ليس فيه: أملحين.
وأخرجه البخاري في الصحيح عن آدم عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب
بهذا اللفظ.
وأخرج [206 / ب] / قوله: ' أملحين ' في رواية قتادة عن أنس.
5623 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
محمد بن الجهم السمري حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة حدثنا عبد العزيز بن
صهيب قال: سمعت أنسا يقول:
كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يضحي بكبشين. وأنا أضحي بكبشين.
5624 - وبإسناده قال: حدثنا شعبة حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال:
ضحى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بكبشين أملحين أقرنين فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما
يسمى ويكبر فذبحهما بيده.
رواهما البخاري عن آدم.
وأخرج مسلم حديث قتادة من وجهين آخرين عن شعبة.
5625 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا

194
المزني حدثنا الشافعي حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا حميد الطويل عن أنس بن
مالك:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يضحي بكبشين أملحين.
ويحتمل أن يكون هذا الإسناد مراد المزني بذكر أملحين فيه ودخل للربيع
حديث في حديث. ويحتمل أن يكون أراد حديث قتادة عن أنس. والله أعلم.
5626 - وقد أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو حاتم محمد بن عيسى بن
محمد الوسفندي حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا الأنصاري حدثني حميد الطويل عن
ثابت بن أنس:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ضحى بكبشين أملحين.
وروي ذلك في حديث محمد بن سيرين عن أنس وفي حديث عبد الرحمن بن
أبي بكر وغيره عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
1202 - [باب]
الأمر بالأضحية
5627 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا
الشافعي حدثنا ابن عيينة حدثنا الأسود بن قيس قال: سمعت جندب البجلي يقول:
شهدت العيد مع النبي [صلى الله عليه وسلم] فقلت:
إن أناسا ذبحوا قبل الصلاة فقال:
' من كان منكم ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته ومن لم يكن ذبح فليذبح [207 / أ] / على
اسم الله '.
رواه مسلم في الصحيح من حديث ابن عيينة.
وأخرجاه من حديث شعبة عن الأسود.

195
5628 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي قال:
وروي مالك عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم:
أن عويمر بن أشقر ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى وأنه ذكر ذلك
لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] فأمره أن يعود لضحية أخرى.
قال: وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار:
أن أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبي [صلى الله عليه وسلم] يوم الأضحى فزعم أن رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] أمره أن يعود لضحية أخرى.
قال أبو بردة:
لا أجد إلا جدعا؟ فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' وإن لم تجد إلا جذعا فاذبح '.
هكذا وجدت هذين الحديثين في رواية الربيع لم يذكر فيه سماعه من مالك
وكأنه عرض له شك أو لم يكن معه نسخة السماع فترك ذكره.
5629 -
وقد أخبرناه أبو إسحاق أخبرنا أبو النصلا أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني
حدثنا الشافعي أخبرنا مالك. فذكر الحديثين بالسماع من مالك.
5630 - وبإسناده قال: حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب قال سمعت
يحيى بن سعيد قال أخبرني عباد بن تميم:
أن عويمر بن أشقر ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى وأنه ذكر للنبي [صلى الله عليه وسلم]
بعد أن انصرف فزعم أنه أمره أن يعود بأضحيته؛ قال أحمد:
وهما منقطعان.
وحديث أبي بردة بن نيار قد ثبت موصولا من حديث البراء بن عازب وأنس بن
مالك.

196
5631 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي
رحمه الله:
فاحتمل أن يكون إنما أمره أن يعود لضحيته أن الضحية واجبة.
واحتمل أن يكون أمره أن يعود إن أراد أن يضحي لأن الضحية قبل الوقت ليست
بضحية تجزية فيكون من عداد من ضحى.
فوجدنا الدلالة عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن الضحية [207 / ب] / ليست بواجبة لا يحل تركها
وهي سنة تجب لزومها ونكره تركها لا على إيجابها. فإن قيل: فإن السنة التي دلت
على أن ليس بواجبة؟
قيل: أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم
سلمة قالت قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره
شيئا '.
قال الشافعي:
وفي هذا الحديث دلالة على أن الضحية ليست بواجبة لقول رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' فأراد أحدكم أن يضحي '.
ولو كانت الضحية واجبة أشبه أن يقول:
فلا يمس من شعره حتى يضحي.
5632 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع
قال قال الشافعي: وقد بلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى
بهما فيظن من رآهما أنها واجبة.

197
وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال: اشتروا بهما
لحما ثم قال:
هذه أضحية ابن عباس.
قال الشافعي:
وقد كان [قلما يمر به] يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة.
وإنما أراد بذلك مثل الذي روي عن أبي بكر وعمر ولا يعدو القول في الضحايا
هذا أو أن تكون واجبة فهي على كل أحد [صغير أو كبير] لا تجزي غير شاة عن كل
أحد.
5633 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا
محمد بن غالب حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سعيد بن مسروق عن الشعبي
عن أبي سريحة قال:
أدركت أبا بكر وعمر، وكانا لي جارين وكانا لا يضحيان.
وروينا في كتاب السنن من حديث سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه ومطرف
وإسماعيل عن الشعبي وفي بعض حديثهم كراهية أن يقتدي بهما.
5634 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
العباس بن محمد الدوري حدثنا محاضر بن المورع حدثنا الأعمش عن سفيان قال
قال أبو سعيد الأنصاري:
إني لأترك الأضحى وإني لموسر كراهية أن يرى جيراني وأهلي أنه علي [208 / أ] /
حتم.
وروينا عن عكرمة مولى ابن عباس: أن ابن عباس كان إذا حضر الأضحى

198
أعطى مولى له درهمين فقال: اشتر بهما لحما وأخبر الناس أنه أضحى ابن عباس.
5635 - أخبرناه العنبر بن الطيب أخبرنا جدي يحيى بن منصور القاضي حدثنا
محمد بن عمرو أخبرنا القعنبي حدثنا سلمة بن بخيت عن عكرمة مذكرة.
وكذلك رواه أبو نعيم ضرار بن صرد الطحان عن الدراوردي عن ثور بن زيد عن
عكرمة بمعناه.
وروينا عن ابن عمر أنه ليس بحتم ولكنه أجر وخير وسنة.
وروي عن بلال ما يدل على ذلك.
وأما حديث أبي رملة عن مخنف بن سليم العامري قال:
كنا وقوفا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعرفات فسمعته يقول:
' أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة. هل تدرون ما
العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية '.
5636 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا
الحارث بن أبي أسامة حدثنا روح حدثنا ابن عون حدثنا أبو رملة فذكره.
وهذا إن صح فالمراد به على طريق الاستحباب فقد جمع بينها وبين العتيرة
والعتيرة غير واجبة بالإجماع.
وأما حديث أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من وجد سعة فلم يضح فلا يحضر مصلانا '.
فالصحيح أنه موقوف على أبي هريرة.

199
كذا قاله أبو عيسى الترمذي.
وحديث زيد بن خباب غير محفوظ.
والذي روي عن علي مرفوعا:
' نسخ الأضحى كل ذبح '
إسناده ضعيف بمرة.
إنما رواه المسيب بن شريك واختلف عليه في إسناده.
وكذلك حديث عائشة:
يا رسول الله أستدين وأضحي؟ قال:
' نعم فإنه دين مقضي '.
إسناده ضعيف.
وهدير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج لم يدرك عائشة قاله الدارقطني فيما:
5637 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه قال:
والمسيب بن شريك متروك.
وروينا عن أبي جناب الكلبي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي [[صلى الله عليه وسلم]] قال:
' ثلاث هن علي فرائض [208 / ب] / وهن لكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى '
5638 - أخبرناه أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي وأبو عبد الله
الحسين بن الحسن النضائري ببغداد قالا: حدثنا أبو جعفر الرزاز حدثنا سعدان بن
نضر حدثنا أبو بدر حدثنا أبو جناب الكلبي فذكراه.

200
وروى عن جابر بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس رفعه في النحر وصلاة
الضحى بمعناه.
وروي عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رفعه في النحر.
وأما قوله عز وجل:
* (فصل لربك وانحر) *.
ففي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله:
* (وانحر) * يقول فاذبح يوم النحر.
وفي رواية روح بن المسيب عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس
في هذه الآية قال:
وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر.
ورواه حماد بن زيد عن عمرو عن أبي الجوزاء من قوله.
وفي رواية عقبة بن صهبان وقيل: ابن ظبيان عن علي بن أبي طالب بمعنى
رواية أبي الجوزاء.
وروي عن أنس بن مالك مثله.
وهو قول أبي القموص.
وروي عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن علي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال
لجبريل عليه السلام:
' ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي '؟
قال: إنها ليست بنحيرة ولكنه يأمرك [إذا تحرمت للصلاة] أن ترفع يديك إذا
كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع.
وروينا عن محمد بن علي بن الحسين:

201
* (فصل لربك وانحر) *.
قال: رفع اليدين.
وروينا عن سعيد بن جبير قال:
صل الصلاة بجمع وانحر البدن بمنى.
وعن مجاهد وعكرمة قالا:
فصل الصلاة وانحر البدن.
وعن قتادة قال:
الصلاة: صلاة الأضحى. والنحر: نحر البدن.
وعن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس يقول:
صل لربك قبل أن تذبح ثم انحر البدن.
قال الكلبي:
ويقال في قوله: (وانحر) يعني استقبل القبلة بنحرك إذا كبرت.
وذكره القرافي في كتابه.
وذكر من لسان العرب وأشعارهم ما يؤكده.
1203 - [باب]
[209 / أ] / الاختيار لمن أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره شيئا حتى يضحي
5639 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا سفيان أخبرنا عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم
سلمة قالت قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره
شيئا '.

202
رواه مسلم في الصحيح عن ابن أبي عمر عن سفيان وأخبره عن حجاج بن
الشاعر عن يحيى بن كثير العنبري كما:
5640 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن كامل حدثنا أبو قلابة
حدثنا يحيى بن كثير حدثنا شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن
المسيب عن أم سلمة قالت قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إذا دخل العشر فأراد أحد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره '.
قال أحمد:
هذا حديث قد ثبت مرفوعا من أوجه لا يكون مثلها غلطا وأودعه مسلم بن
الحجاج كتابه.
5641 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي:
فإن [قال] قائل: ما دل على أنه اختيار لا واجب؟
قيل له: روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة [عن عائشة] قالت:
أنا فتلت قلائد هدي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بيدي قلدها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ثم بعث بها مع
أبي فلم يحرم على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] شيء أحله الله له حتى نحر الهدي.
قال الشافعي:
وفي هذا دلالة على ما وصفت.
وعلى أن المرء لا يحرم بالبعثة بهديه.
يقول البعثة بالهدي أكثر من إرادة الضحية.
وهذا الحديث الذي ذكره الشافعي مخرج في الصحيحين من حديث مالك.

203
5642 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
مالك: أن أبا أيوب الأنصاري قال:
كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس من بعد
ذلك فصارت مباهاة.
وهذا الحديث رواه مالك [209 / ب] / في الموطأ عن عمارة بن صياد عن عطاء بن
يسار:
أن أبا أيوب الأنصاري أخبره قال:
كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى من بعد
ذلك فصارت مباهاة.
5643 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا
عثمان الدارمي حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك فذكره.
وروينا عن أبي قتادة أنه كان يضحي عن أهل بيته شاة.
وعن أبي هريرة وعبد الله بن هشام.
وروينا في الحديث الثابت عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عروة عن عائشة:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمرنا بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد
فأتى به ليضحي به فقال:
' يا عائشة هلمي المدية '.
ثم قال:
' اشحذيها بحجر '.
ففعلت فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه وقال:
' بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد '.

204
ثم ضحى به.
5644 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا إسماعيل بن أحمد أخبرنا محمد بن
الحسن بن قتيبة حدثنا حرملة أخبرنا ابن وهب قال: قال حيوة أخبرني أبو صخر عن
يزيد بن قسيط بهذا الحديث.
رواه مسلم في الصحيح عن هارون بن معروف عن ابن وهب.
ورواه عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة
قال:
كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا أضحى أتى بكبشين أقرنين أملحين موجوئين فيذبح
أحدهما عن أمته من شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ ويذبح الآخر عن محمد وآل
محمد.
5645 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمي
حدثنا ابن أبي مريم حدثنا الفريابي عن سفيان عن ابن عقيل.
5646 - وأخبرنا علي أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا هشام بن علي حدثنا أبو
حذيفة حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد. فذكره غير أن في حديث الفريابي:
إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين موجوئين.
5647 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر / بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب الإسكندراني عن عمرو عن المطلب عن جابر بن
عبد الله قال:
شهدت مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره
وأتى بكبش فذبحه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بيده وقال:

205
' بسم الله والله أكبر هذا عني وعن من لم يضح من أمتي '.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
ولو زعمنا أن الضحايا واجبة ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان
شاة أو عن كل سبعة بجزور ولكنها لما كانت غير فرض كان الرجل إذا ضحى في بيته
كانت قد وقعت ثم اسم ضحية ولم يعطل.
وكان من ترك ذلك من أهله لم يترك فرضا.
قال أحمد:
وقوله: موجوئين أراد به منزوعي الخصيتين.
وقيل: الوجاء أن ترض أنثتا الفحل.
وقيل: الوجاء أن توجأ العروق والخصيتان بحالهما.
والخصاء: شق الخصيتين واستئصالهما.
وقد روي أيضا في حديث أبي عياش عن جابر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ضحى بهما.
وفي ذلك كالدلالة على جواز خصاء البهائم.
وإليه ذهب عروة بن الزبير والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز.
وروينا عن عبد الله بن عمر:
أنه كان يكره خصاء البهائم ويقول لا تقطعوا أنامية خلق الله.
وقد أسنده بعض الضعفاء إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وبعضهم إلى عمر بن الخطاب.
والصحيح هو الموقوف على ابن عمر.
وروي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس:

206
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن صبر الروح.
قال الزهري:
وخصاء البهائم صبر شديد.
وقد أدرجه بعض الرواة في الحديث فجعل النهي عنهما جميعا.
والصحيح ما ذكرنا.
وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله:
* (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) *.
يعني خصاء البهائم.
فكأنه عد ذلك مما يأمر به الشيطان من المعاصي [210 / ب] / والله أعلم.
1204 - [باب]
ما يضحى به
5648 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
فإن ضحى فأقل ما يكفيه جذع الضأن أو ثني المعز أو ثني الإبل والبقر والإبل
أحب إلي أن يضحى بها من البقر.
والبقر أحب إلي أن يضحى بها من الغنم وكل ما غلا من الغنم كان أحب إلي
مما رخص.
وكل ما طاب لحمه كان أحب إلي مما يخبث لحمه فالضأن أحب إلي من
المعزى والعفري أحب إلي من السوداء [وسواء في الضحايا أهل مني وأهل

207
الأمصار].
وإذا كانت الضحايا إنما هو دم يتقرب به [إلى الله تعالى] فخير الدماء أحب
إلي.
وقد زعم بعض المفسرين أن قول الله:
* (ذلك ومن يعظم شعائر الله) *.
استسمان الهدي.
وسئل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أي الرقاب أفضل؟ فقال:
' أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها '.
وبسط الكلام في هذا:
والذي حكاه عن بعض المفسرين قد رويناه عن مجاهد.
5649 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا
الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن البراء بن عازب:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قام يوم النحر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
' لا تذبح حتى تصلي '.
فقام خالي فقال: يا رسول الله هذا يوم اللحم فيه مكروه وإني ذبحت نسكي
فأطعمت أهلي وجيراني؟ فقال له النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' قد فعلت فأعد ذبيحا '.
فقال: عندي عناق لبن هو خير من شاتي لحم؟ فقال.
' هي خير نسكيك لا تجزي جذعة عن أحد بعدك '.

208
قال عبد الوهاب: أظن أنها ماعز.
قال الشافعي:
العناق: هي ماعزة كما قال عبد الوهاب.
إنما يقال: للضأنية رحل.
وقول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' هي خير نسكيك '.
إنك ذبحتهما تنوي بهما نسكين فلما قدمت الأولى قبل وقت الذبح كانت
الآخرة هي النسيكة والأولى غير نسيكة وإن نويت بها النسيكة.
وقوله:
' لا تجزي عن أحد بعدك '.
على أنها له خاصة.
وقوله عناق لبن: يعني عناقا تقتنى للبن لا للذبح.
5650 - [211 / أ] / وبإسناده قال حدثنا الشافعي أخبرني أنس بن عياض عن محمد بن
أبي يحيى مولى الأسلميين عن أمه قالت أخبرتني أم بلال بنت هلال عن أبيها هكذا
قرأه المزني أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' يجزي الجذع من الضأن ضحية '.
قال أحمد:
أما حديث البراء فقد أخرجه مسلم في الصحيح من حديث داود بن أبي هند
واستشهد به البخاري.
وأما هذا الحديث فليس فيه أبوها وقد:
5651 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث أخبرنا أبو محمد بن حيان حدثنا عبد
الله بن محمد بن سوار حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا أبو ضمرة وهو
أنس بن عياض فذكره.

209
وليس فيه عن أبيها وهو الصحيح.
كذلك رواه يحيى القطان عن محمد بن أبي يحيى إلا أنه قال:
وكان أبوها يوم الحديبية مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وروينا معناه في حديث مجاشع - رجل من بني سليم - عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وفي الحديث الثابت عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن '.
5652 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا
محمد بن شاذان حدثنا موسى بن داود حدثنا زهير بن معاوية عن أبي الزبير فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن يونس عن زهير.
1205 - [باب]
ما لا يضحى به
قال الشافعي في سنن حرملة.
أخبرنا مالك بن أنس عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز عن البراء بن
عازب أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سئل:
ماذا يتقى من الضحايا؟
فأشار بيده وقال:
' أربعا '.
وكان البراء يشير بيده ويقول: يدي أقصر من يد رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' العرجاء البين ظلعها والعوراء البين عورها. والمريضة البين مرضها والعجفاء
التي لا تتقى '.

210
5653 - أخبرنا أبو زكريا المزكي أخبرنا الحسن الطرائفي حدثنا عثمان الدارمي
حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك فذكره.
وزعم علي بن المديني أن عمرو بن الحارث [211 / ب] / إنما سمعه من يزيد بن أبي
حبيب عن عبيد بن فيروز ويزيد إنما معه من سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد ثم رواه
شعبة عن سليمان قال:
سمعت عبيد بن فيروز.
ورواه عثمان بن عمر عن الليث عن سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم مولى
خالد بن يزيد عن عبيد بن فيروز.
ورواه ابن بكير وسائر أصحاب الليث عن الليث عن سليمان عن عبيد بن فيروز
دون ذكر القاسم فيه.
وكان البخاري يميل إلى تصحيح رواه شعبة ولا يرضى رواية عثمان بن عمر.
والله أعلم.
5654 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن شريح بن النعمان - وكان
رجل صدق - عن علي قال:
أمرنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن نستشرق العين والأذن ولا نضحي بعورة ولا مقابلة ولا
مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء قال زهير: فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء؟
قال: لا. قلت: فما المقابلة؟ قال يقطع طرفا الأذن.
قلت: فما المدبرة؟ قال: يقطع مؤخرا الأذن.
قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق الأذن.
قلت: فما الخرقاء؟ قال: تخرق أذانها السمة.
5655 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال الحسين بن محمد الماسرجسي
فيما قرأته من سماعه في كتابه:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن مسعود النجيبي حدثنا يحيى بن محمد بن أخي حرملة

211
حدثنا عمي حرملة بن يحيى قال قال الشافعي في ألوان الغنم فذكر كلاما كثيرا ثم
قال:
ومنهن الشرقاء والخرقاء المقابلة والمدابرة والجدعاء والقصواء والعصباء
والجلحاء. وذكر غيرهن.
قال: فأما الشرقاء: فالمشقوقة الأذن ثبتين طولا.
والخرقاء: التي في أذنها ثقب مستدير.
والمقابلة: التي قطع من مقدم أذنها وترك معلقا كأنه ذنمة.
والمدابرة: التي قطع من مؤخر الأذن قليلا وترك معلقا.
والجدعاء: التي قد جدعت أذنها كلها.
والقصواء: المقطوعة الأذن بالعرض.
والعصباء: المكسورة القرن.
والعرجاء: التي لا تلحق [212 / أ] / الغنم.
والعقصاء: الملتوية القرن.
والجلحاء: الجماء.
والصمعاء: الصغيرة الأذن.
والعرماء: ميل القرن إلى القرن.
قال أحمد:
وقد قال الشافعي في رواية الربيع:
وإذا زعمنا أن العرجاء والعوراء لا تجوز في الضحية كانت إذا كانت عمياء أو
لا يد لها ولا رجل داخلة في هذا المعنى.
وفي أكثر منه وإذا خلفت لها أذن ما كانت أجزأت وإن خلقت لا أذن لها لم تجز
وكذلك لو جدعت لم تجز لأن هذا نقص من المأكول منها.
ولا تجزي الجرباء.
قال: وليس في القرن نقص فيضحى بالجلحاء وإن كان قرنها مكسور.

212
[كسرا] قليلا أو كثيرا يدمي أو لا يدمي فهي تجزي وهذا فيما:
5656 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي
فذكره.
وعلى قياس هذا قال أصحابنا وينظر في الخرقاء والشرقاء وغيرهما فإن كان قد
ذهب منها قطعة من اللحم لم تجز وإن لم يذهب كرهنا له أن يضحى بها وإن ضحى
جاز لأنه ليس فيه نقص من المأكول منها وهو قياس ما روينا عن علي أنه قال في
مكسورة القرن:
لا تضرك.
5657 - أخبرناه أبو بكر أحمد بن الحسن أخبرنا أبو جعفر بن أدهم أخبرنا
أحمد بن حازم أخبرنا أبو يعلى وقبيصة عن سفيان بن سعيد عن سلمة بن كهيل عن
حجية بن عدي قال:
جاء رجل إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين البقرة؟
فقال: تجزي عن سبعة.
قال: مكسورة القرن؟ قال: لا تضرك.
قال: العرجاء؟ قال: إذ بلغت المنسك أمرنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن نستشرف العين
والأذن.
قال أحمد:
وفي هذا دلالة على ضعف رواية جزي بن كليب بن علي:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن.
لأن عليا لم يخالف النبي [صلى الله عليه وسلم] فيما روي عنه.
أو يكون المراد به: نهي تنزيه لتكون الأضحية كاملة من جميع الوجوه.
أو يكون النهي راجعا إليهما معا ويكون المانع من الجواز ما ذهب من الأذن
والله أعلم.

213
وفيه أيضا دلالة على أن العرج إذا كان يسيرا [212 / ب] / لا يمنع المشي ولا يمنع من
الأجزاء وبالله التوفيق.
وروي عن عمار في مكسورة القرن مثل قول علي.
1206 - [باب]
وقت الأضحى
5658 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
ومن ضحى قبل الوقت الذي يمكن الإمام أن يصلي فيه بعد طلوع الشمس
ويتكلم - يعني الخطبة فتفرغ - فأراد أن يضحي أعاد ولا أنظر إلى انصراف الإمام لأن
اليوم منهم من يؤخر ويقدم إنما الوقت في قدر صلاة النبي [صلى الله عليه وسلم] الذي كان يضعها
موضعها.
5659 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا أبو المثنى
حدثنا مسدد.
5660 - وأخبرنا أبو عبد الله واللفظ لحديثه هذا قال أخبرني أحمد بن سهل
البخاري حدثنا صالح بن محمد بن حبيب البغدادي حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو
الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب قال:
خطبنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم النحر بعد الصلاة ثم قال:
' من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك
شاة لحم '.
قال أبو بردة بن نيار: يا رسول الله والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة
عرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' فقد فعلت فأعد ذبحا آخر '.
قال: يا رسول الله إن عندي عناقا لي خير من شاة لحم أفأذبحها؟. قال:
' نعم وهي خير نسكيك ولا تقضي جذعة عن أحد بعدك '.

214
رواه البخاري في الصحيح عن مسدد.
ورواه مسلم عن هناد.
وقد ذكرنا في كتاب العيدين قدر صلاته ووقتها.
1207 - [باب]
ذكاة المقدور عليه
5661 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
كمال الذكاة بأربع:
الحلقوم، والمرئ، والودجين.
وأقل ما يكفي من الذكاة [213 / أ] / اثنان الحلقوم والمرئ.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وكل ما كان مأكولا من طائر أو دابة فإن تذبح أحب إلي وذلك سنته ودلالة
الكتاب فيه والتفرد داخلة في ذلك لقول الله تعالى:
* (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) *.
وحكايته فقال: (فذبحوها).
قال الشافعي:
إلا الإبل فقط فإنها تنحر لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نحر بدنة.
واحتج في رواية حرملة بحديث حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه
عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نحر من هديه بضعا وستين.
قال الشافعي في روايتنا:

215
وموضع النحر في الاختيار في السنة في اللبة.
وموضع الذبح في الاختيار في السنة أسفل من اللحيين.
والذكاة في جميع ما ينحر ويذبح ما بين اللبة والحلق.
قال ابن عباس:
الذكاة في اللبة والحلق - يعني - لمن قدر.
قال: وروي مثل ذلك عن عمر وزاد عمر بن الخطاب وتعجلوا الأنفس أن
تزهق.
قال أحمد:
وهذا قد رواه الثوري في الجامع عن أيوب عن عبد الله بن سعيد عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال:
الذكاة في الحلق واللبة.
وعن أيوب عن يحيى بن أبي كثير عن فرافصة الحنفي عن عمر بن الخطاب أنه
قال:
الذكاة في الحلق واللبة ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق.
5662 - أخبرناه أبو بكر محمد بن إبراهيم الأصبهاني أخبرنا أبو نصر العراقي
حدثنا سفيان بن محمد الجوهري حدثنا علي بن الحسن حدثنا عبد الله بن الوليد
أخبرنا سفيان فذكرهما.
وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه قال:
يجزي الذبح من النحر والنحر من الذبح في الإبل والبقر.
5663 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:

216
ونهى عمر بن الخطاب عن النخع وأن تعجل الأنفس أن تزهق.
قال الشافعي:
والنخع أن يذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع الذبح لنخعه أو لمكان الكسر
فيه أو تضرب ليعجل قطع حركتها.
فأكره [213 / ب] / هذا ولم يحرمها ذلك لأنها ذكية.
قال أحمد:
وروي عن المعرور الكلبي عن عمر: أنه نهى عن الفرس في الذبيحة.
وفسره أبو عبيد: بالكسر وهو أن تكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد.
وفسر النخع بأن ينتهي بالذبح إلى النخاع وهو عظم في الرقبة.
5664 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر بن سلامة
حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن
أي الأشعث عن شداد بن أوس قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم
فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته '.
أخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق الحنظلي عن عبد الوهاب.
1208 - [باب] ذبائح أهل الكتاب
5665 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:

217
أحل الله جل ثناؤه طعام أهل الكتاب وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه
من أهل التفسير ذبائحهم وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم.
فإن كانت ذبائحهم يسمونها لله فهي حلال وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه
غير اسم الله مثل اسم المسيح لم حل هذا من ذبائحهم وبسط الكلام فيه.
وقد روينا عن ابن عباس ثم عن مجاهد ومكحول أنهم قالوا:
طعامهم ذبائحهم.
وقرأت في كتاب أبي عبد الله الحليمي أن اليهود والنصارى يذبحون لله عز
وجل لأن معبودهم في أصل دينهما ليس إلا الله تعالى جده وإياه ينجوان بذبائحهما.
قال: ولو أن نصرانيا قال سرا: باسم المسيح أو باسم عيسى فلا يخلو من أن
يكون ذابحا لله تعالى جده لأنه لا يقول هذا القول من النصارى إلا من يزعم أن الله
تعالى حال في المسيح ومتحد به وليس عيسى سواه ولا متميزا عنه.
لا أنه يقول لا شيء سوى عيسى.
وإذا كان كذلك فهو إذا قال: باسم المسيح فإنما يخص المسيح بالتسمية لما هو
مختص به عنده واختصاصه عنده بأن الإله متحد به قد صار قصده [214 / أ] / إذا من ذكر
المسيح ذكر الإله فحصل ذابحا لله فلذلك حلت ذبيحته. والله أعلم.
وأما صاحب التقريب فإنه حكى عن الشافعي ما حكيناه من ذبح النصارى
للمسيح ثم قال:
ومعناه: أن يذبحه له فأما إن ذكر المسيح على معنى الصلاة كالصلاة على
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فجائز.
قال الشافعي:
وأحب للمرء أن يتولى ذبح نسكه فإنه يرى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال لامرأة من أهله
فاطمة أو غيرها:
' أحضري ذبح نسكك فإنه يغفر لك عند أول قطرة منها '.

218
قال أحمد:
قد روى هذا النضر بن إسماعيل - وليس بالقوي - عن أبي حمزة الثمالي عن
سعيد بن جبير عن عمران بن حصين أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال لفاطمة:
' قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب
عملتيه وقولي إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك
أمرت وأنا من المسلمين '.
5666 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا
محمد بن أحمد العودي حدثنا عبد الله بن عائشة حدثنا النضر بن إسماعيل البجلي
إمام مسجد الكوفة. فذكره بهذا الإسناد.
قال عمران: يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذلك أنتم أم
للمسلمين عامة؟ قال:
' لا بل للمسلمين عامة '.
وروي ذلك من وجه آخر ضعيف.
قال الشافعي:
وإن ذبح النسيكة غير مالكها أجزأت لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] نحر بعض هديه بيده ونحر
بعضه غيره.
وهذا في ما رواه مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.
وروينا عن ابن عباس أنه كره أن يذبح نسيكة المسلم اليهودي والنصراني.
ورويناه أيضا عن علي والحكم في نصارى بني تغلب قد مضى في كتاب
الجزية.

219
1209 - [باب]
التسمية على الذبيحة
5667 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
وأحب في الذبيحة أن توجه إلى القبلة.
قال: وإن استقبل الذابح القبلة فهو أحب إلي.
قال أحمد:
[214 / ب] / وروينا من حديث جابر في أضحية النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
فلما وجهها قال: ' كذا '.
وفي رواية إلى القبلة.
وروينا عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يستحب أن يستقبل القبلة إذا ذبح.
وروي عنه أنه كان يكره ذبيحة ذبحت لغير القبلة.
وهذا على التنزيه. والله أعلم.
قال الشافعي:
والتسمية على الذبيحة: باسم الله.
فإن زاد بعد ذلك شيئا من ذكر الله فالزيادة خير ولا أكره مع تسميته على الذبيحة
أن يقول صلى الله على رسول الله. بل أحب له وأحب إلي أن يكثر الصلاة عليه
فصلى الله عليه في كل الحالات لأن ذكر الله والصلاة عليه إيمان بالله وعبادة له يؤجر
عليها - إن شاء الله - من قالها.
وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف أنه كان مع النبي [صلى الله عليه وسلم] فتقدمه النبي [صلى الله عليه وسلم] فاتبعه
فوجده عبد الرحمن بن عوف ساجدا فوقف ينتظره فأطال ثم رفع. فقال: عبد الرحمن
لقد خشيت أن يكون الله قبض روحك في سجودك. فقال:
' يا عبد الرحمن إني لما كنت حيث رأيتني لقيني جبريل عليه السلام فأخبرني

220
عن الله أنه قال: من صلى عليك صليت عليه فسجدت لله شكرا '.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من نسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة '.
وبسط الكلام في هذا.
وأما الحديث الأول:
5668 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا
أحمد بن إبراهيم بن ملحان حدثنا ابن بكير حدثنا الليث عن ابن الهاد عن عمرو بن
أبي عمرو عن عبد الرحمن بن الحويرث عن محمد بن جبير عن عبد الرحمن بن
عوف قال:
دخلت المسجد [فرأيت] رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خارج من المسجد فاتبعته أمشي
وراءه ولا يشعر حتى دخل نخلا فاستقبل القبلة فسجد فأطال السجود وأنا وراءه حتى ظننت أن الله قد توفاه فأقبلت أمشي حتى جئته فطاطأت رأسي أنظر في وجهه فرفع
رأسه فقال:
' مالك يا عبد الرحمن '.
فقلت: لما أطلت السجود يا رسول الله خشيت أن يكون الله توفى نفسك
فجئت [215 / أ] / أنظر: فقال:
' إني لما دخلت النخل لقيت جبريل عليه السلام فقال: إني أبشرك أن الله
يقول: من سلم عليك سلمت عليه ومن صلى عليك صليت عليه '.
وقد رواه سليمان بن بلال وغيره عن عمرو بن أبي عمرو عن عاصم بن عمر بن

221
قتادة عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف
وفيه من الزيادة:
' فسجدت لله شكرا '.
وأما الحديث الثاني:
5669 - فأخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا
الباغندي حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من نسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة '.
وأما حديث سليمان بن عيسى عن عبد الرحمن بن زيد العكمي عن أبيه عن
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام وعند الذبح وعند العطاس '.
فإنه باطل من وجوه منها:
انقطاعه. ومنها: ضعف عبد الرحمن بن زيد في الرواية. ومنها: تفرد
سليمان بن عيسى السجزي بذلك وهو في عداد من يضع الحديث.
وقد روينا في الصلاة عند العطاس ما:
5670 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار
الأصبهاني حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا عباد بن زياد الأسدي حدثنا زهير
عن أبي إسحاق عن نافع قال: عطس رجل عند ابن عمر فحمد الله فقال له ابن عمر:
قد بخلت فهلا حيث حمدت الله صليت على النبي [صلى الله عليه وسلم]؟
5671 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وقد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] من وجه لا يثبت مثله أنه ضحى بكبشين فقال في
أحدهما بعد ذكر الله:

222
' اللهم عن محمد وآل محمد '.
وفي الآخر:
' اللهم عن محمد وأمة محمد '.
قال أحمد:
وهذا الحديث إنما رواه عبد الرحمن بن محمد بن عقيل واختلف عليه في
إسناده.
فرواه عنه الثوري عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة.
5672 - أخبرنا علي [215 / ب] / بن محمد بن علي المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن
إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا مؤمل حدثنا سفيان
عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة أو عن عائشة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين موجوئين فيضجع أحدهما
فيقول:
' بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك عن محمد وآل محمد '.
ثم يضجع الآخر فيقول:
' بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك عن محمد وأمته من شهد لك بالتوحيد
وشهد لي بالبلاغ '.
5673 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا سلم بن الفضل الأدمي حدثنا
محمد بن يونس حدثنا مؤمل بن إسماعيل فذكره بإسناده نحوه غير أنه قال: عن أبي
هريرة ولم يقل: أو عن عائشة.
قال أحمد:
ورواه عنه حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه.
ورواه عنه زهير بن محمد بن علي بن الحسين عن أبي رافع.
قال البخاري ولعله سمع من هؤلاء.

223
قال أحمد:
وأصح إسناد فيه عند مسلم بن الحجاج حديث ابن قسيط عن عروة عن عائشة
في الكبش الذي ذبحه النبي [صلى الله عليه وسلم] وقال:
' بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد '.
ثم ضحى به.
وقد مضى ذكره في هذا الكتاب.
وروينا عن أبي عياش عن جابر بن عبد الله في ذبح النبي [صلى الله عليه وسلم] الكبشين قال:
فلما وجههما قال:
' إني وجهت وجهي '.
إلى آخر الدعاء. ثم قال:
' اللهم منك ولك عن محمد وأمته بسم الله والله أكبر '.
ثم ذبح.
وهذا الحديث مخرج في كتاب أبي داود.
1210 - [باب]
الأضحية يصيبها بعد ما يوجبها نقص
قال أحمد:
من اشترى هديا أو ضحية فأوجبها وهي تامة ثم عرض لها نقص وبلغت النسك
قال الشافعي: أجزأت عنه.

224
قال أحمد:
قد روينا عن أبي حصين أن ابن الزبير رأى هديا له فيها ناقة عوراء فقال: إن
كان أصابها بعد ما اشتريتموها فأمضوها وإن كان أصابها قبل أن تشتروها [216 / أ]
فأبدلوها.
5674 - أخبرناه أبو زكريا أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب حدثنا أبو أحمد الفراء
أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا مسعر عن أبي حصين فذكره.
وهذا إسناد صحيح.
5675 - وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن
محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا أبو الربيع حدثنا شريك عن جابر بن
محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري قال اشتريت كبشا لأضحي به فأفلت فعدى
عليه الذئب فقطع أليته فسألت النبي [صلى الله عليه وسلم] عن ذلك فقال:
' ضح به '.
فهذا حديث رواه سفيان وشعبة وإسرائيل وشريك عن جابر بن يزيد الجعفي.
وقال بعضهم في الحديث: فقطع الذئب أليته أو من أليته.
ورواه الحجاج بن أرطأة عن شيخ من أهل المدينة عن أبي سعيد الخدري قال
قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لا بأس بالأضحية المقطوعة الذنب '.
ونحن لا نحتج بالحجاج بن أرطأة ولا بجابر الجعفي واعتمادنا في ذلك من
طريق الأثر على حديث عبد الله بن الزبير.
والذي يطعن في روايتهما قد يحتج بهما إذا رويا ما يوافق مذهبه.
ثم إنه تعلق برواية من رواه بالشك في أليته أو من أليته.

225
وزعم أن في مذهب صاحبه إذا كان المقطوع أقل من الربع ضحى به.
وفي مذهب صاحبه إذا كان أقل من النصف ضحى به فإذا كان أكثر؟
وإذا لم يقل بالحديث ولا بالأثر فمن حد لهم هذا المقدار الذي يرونه والتحديد
لا يوجد إلا من توقيف.
قال الشافعي:
إنما أنظر في هذا كله إلى يوم يوجبه فإذا كان تاما وبلغ ما جعله له أجزأ عنه
بتمامه عند الإيجاب وبلوغه أمده.
1211 - [باب]
الأضحية تضل ثم توجد
قال الشافعي:
ذبحها وإن مضت أيام النحر.
قال أحمد:
روينا عن عائشة أنها ساقت بدنتين فضلتا فنحرت بدنتين مكانهما ثم وجدت
الأوليين فنحرتهما أيضا ثم قالت:
هكذا السنة في البدن.
وروينا فيه عن [216 / ب] / ابن عمر من قوله غير أنه لم يقل: هكذا السنة.
5676 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا دعلج بن أحمد حدثنا أحمد بن
علي الأبار حدثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة عن
أبي طالب الحجا [م] الضبعي وأثنى عليه خيرا عن ابن عباس في الرجل يضل هديه

226
فيشتري مكانها أخرى ثم يجد الأولى؟ قال:
ينحرهما.
وروي في ذلك أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
1212 - [باب]
لحوم الضحايا
5677 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال:
شهدت العيد مع علي بن أبي طالب فسمعته يقول لا يأكلن أحدكم من لحم
نسكه بعد ثلاث.
هكذا رواه الشافعي عن سفيان موقوفا على علي.
وقد أخرجه مسلم في الصحيح عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بإسناده
وزاد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة وقال:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث.
5678 - أخبرنا أبو عبد الله أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة
حدثنا عبد الجبار فذكره وأخرجه البخاري ومسلم من حديث يونس بن يزيد وغيره عن
الزهري مرفوعا.
5679 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد عن علي أنه قال قال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا يأكلن أحدكم من نسكه بعد ثلاث '.

227
وبمعناه رواه عبد الرزاق عن معمر.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح.
5680 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد:
' كلوا وتزودوا وادخروا '.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى عن مالك.
وأخرجاه [217 / أ] / من حديث جابر بمعناه.
قال الشافعي في كتاب حرملة:
أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي
سعيد الخدري قال خطب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث '.
قال: فشكوا إليه قالوا: عيالنا وأهلنا. قال:
' فكلوا وأطعموا وأحبسوا '.
5681 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق
البغوي حدثنا يحيى بن أبي طالب أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء.
أخبرنا سعيد بن إياس الجريري فذكر بإسناد الثقفي ومعناه.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الأعلى عن الجريري.
وأبو سعيد إنما رخص الرخصة عن قتادة بن النعمان.

228
قال الشافعي في سنن حرملة:
أخبرنا سفيان حدثنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: قدم أبو سعيد
الخدري من سفر فوجد عند أهله من لحم الأضاحي فأنكره فقالت له امرأته: إنه قد
حدث بعدك أمر.
فأتى أخاه من أمه قتادة بن النعمان وكان قد شهد بدرا فقال: قد حدث بعدك أمر
لا بأس به.
وهذا الحديث إنما سمعه القاسم بن محمد عن عبد الله بن خباب عن أبي
سعيد.
كذلك رواه سليمان بن بلال والليث بن سعد عن يحيى بن سعيد.
وأخرجه البخاري من حديثهما.
5682 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن واقد بن
عبد الله بن عمر أنه قال:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث.
قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة فقالت: صدق سمعت عائشة
تقول:
دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي '.
قالت: فلما كان بعد ذلك قيل يا رسول الله لقد كان الناس [217 / ب] / ينتفقون من
ضحاياهم يحملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' وما ذاك '؟

229
أو كما قال.
قالوا: يا رسول الله نهيت عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. فقال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إنما نهيتم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى فكلوا وتصدقوا
وادخروا '.
وقال في موضع آخر في رواية أبي عبد الله:
قالوا: يا رسول الله نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث روح عن مالك.
5683 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في
أثناء مبسوط كلامه:
الحديث التام المحفوظ أوله وآخره وسبب التحريم والإحلال فيه حديث عائشة
عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وعلى من علمه أن يصير إليه.
قال: فالرخصة بعدها لواحد من معنيين أظنه قال:
إما لاختلاف الحالين فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد
ثلاث وإذا لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والإدخار والصدقة.
ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخا في كل
حال.
فيمسك الإنسان من ضحيته ما شاء ويتصدق بما شاء.
قال أحمد:
قد روينا في الحديث الثابت عن سلمة بن الأكوع أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' كلوا وأطعموا وادخروا '.

230
فإن ذلك العام كان فيه شدة أو كلمة تشبهها فأردت أن يفشو فيهم.
وهذا يدل على أن النهي كان للمعنى الذي أشار إليه.
كما روينا في حديث عائشة.
وكذلك هو في حديث بريدة ونبيشة بمعناهما.
قال الشافعي:
ويشبه أن يكون نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذا
كانت الدافة على معنى الاختيار لا على معنى الفرض.
واحتج بقوله عز وجل.
* (فكلوا منها وأطعموا) *.
قال أحمد:
وقد روينا في الحديث الثابت عن يحيى بن [218 / أ] / سعيد عن عمرة عن عائشة قالت:
كنا نملح منه ونقدم به المدينة فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لا تأكلوا منه إلا ثلاثة أيام '.
وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعموا منه.
وهذا الحديث يدل على أنه كان على الاختيار.
وروينا في حديث جابر بن عبد الله وقتادة بن النعمان الأنصاريين عن النبي [صلى الله عليه وسلم]
أنه أرخص فيه بعد ما نهى عنه مطلقا.
5684 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال سمعت أنس بن

231
مالك يقول: إنا لندع ما شاء الله من ضحايانا ثم نتزود من بقيتها إلى البصرة.
5685 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وأحب لمن أهدى نافلة أن يطعم البائس الفقير لقول الله:
* (وكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) *.
ولقول الله:
* (وأطعموا القانع والمعتر) *.
قال الشافعي:
والقانع: هو السائل. والمعتر: هو الزائر والمار بلا وقت.
قال أحمد:
وقد روينا مثل هذا التفسير عن الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد.
وروينا أيضا عن مجاهد وإبراهيم.
القانع: الجالس في بيته. والمعتر: الذي يعتريك.
وروي عن ابن عباس:
القانع: بمار أرسلت إليه في بيته.
والمعتر: الذي يعتريك.
قال الشافعي:
فإذا أطعم من هؤلاء واحدا أو أكثر كان من المطعمين وأحب إلي ما أكثر وأن
يطعم ثلثا ويهدي ثلثا ويدخر ثلثا يهبط به [ما] شاء.

232
والضحايا في هذه السبيل. والله أعلم.
قال الشافعي:
وأكره بيع شيء منها. وبسط الكلام في ذلك.
قال أحمد:
وقد روينا عن علي قال:
أمرني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها
وأن لا أعطي الجزار منها. وقال:
' نحن نعطيه من عندنا '.
5686 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن إسحاق أخبرنا إسماعيل [218 / ب] / بن
قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو خيثمة عن عبد الكريم عن مجاهد عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه بهذا.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن عبد الكريم الجزري.
وروينا عن أبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من باع جلد أضحيته فلا أضحية له '.
1213 - [باب]
الاشتراك في الهدي والأضحية
5687 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
أقول بحديث مالك عن أبي الزبير عن جابر:

233
أنهم نحروا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن
سبعة.
قال الشافعي:
وسواء في ذلك كانوا أهل بيت أو غيرهم لأن أهل الحديبية كانوا من قبائل شتى
وشعوب متفرقة.
قال أحمد:
وروينا عن علي وحذيفة وأبي مسعود الأنصاري وعائشة أنهم قالوا:
البقرة عن سبعة.
وأما حديث محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري عن عروة عن مروان بن
الحكم والمسور بن مخرمة:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خرج يريد زيارة البيت وساق معه الهدي سبعين بدنة عن سبع
مائة رجل كل بدنة عن عشرة.
فقد روى معمر بن راشد وسفيان بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد أنهما قالا:
خرج رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من المدينة عام الحديبية في بضع عشرة مائة.
وعلى ذلك تدل رواية جابر بن عبد الله ومعقل بن يسار وسلمة بن الأكوع
والبراء بن عازب وكلهم شهدوا الحديبية.
ثم اختلفت الرواية عن جابر فروي عنه أنهم كانوا ألفا وخمس مائة.
وروى عنه أنهم كانوا ألفا وأربع مائة.
وهذا أصح لموافقته معقل بن يسار وسلمة والبراء.
ثم روى أبو الزبير عن جابر:
أنهم نحروا البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.

234
وبمعناه روي عن سليمان بن قيس وعمرو بن دينار [219 / أ] / عن جابر.
فكأنهم نحروا السبعين عن بعضهم ونحروا البقر عن الباقين عن كل سبعة
واحدة.
وفي رواية زهير عن أبي الزبير عن جابر قال:
خرجنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مهلين بالحج فأمرنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن نشترك في الإبل
والبقر كل سبعة منا في بدنة.
5688 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يعقوب الشيباني حدثنا
يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو خيثمة - وهو زهير بن
معاوية - فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
وروي عن عطاء عن جابر ما دل على ذلك وهو أصح من رواية عليا بن أحمر
عن عكرمة عن ابن عباس في إشراكهم وهم مع النبي [صلى الله عليه وسلم] في الجزور عن عشرة
والبقرة عن سبعة.
وقد روي عن ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في الناقة عن سبعة.
1214 - [باب]
أيام النحر
5689 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
الأضحى جائز يوم النحر وأيام منى كلها لأنها أيام النسك.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
نحر النبي [صلى الله عليه وسلم] وضحى في يوم النحر فلما لم يحظر على الناس أن يضحوا بعد
النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقا لليومين قبله لأنه ينسك فيه ويرمى كما
ينسك ويرمى فيهما.

235
قال: وعن النبي [صلى الله عليه وسلم] فيه دلالة سنة.
وإنما أراد والله أعلم ما:
5690 - أخبرنا أبو سعيد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا
أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي حدثنا أبو نصر التمار حدثنا سعيد بن عبد
العزيز عن سليمان بن موسى عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم قال
قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' في كل أيام التشريق ذبح '.
ورواه أبو معيد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن دينار عن جبير.
وروينا هذا القول عن علي وابن عباس وعطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز.
وكان ابن عمر يقول: يومان بعد [219 / ب] / يوم الأضحى.
وروي عن أنس بن مالك وفي رواية منقطعة عن علي والأول أصح.
وروينا عن أبي سلمة وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأنى ذلك '.
وفي رواية أخرى قال:
' إلى هلال المحرم '.
وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال:
كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر
ذي الحجة.

236
قال أحمد:
هذه الأحاديث منقطعة وإذا لم تثبت فالقياس ما قال الشافعي رحمه الله.
1215 - [باب]
العقيقة
5691 - قرأت فيما روى أبو بكر بن زياد وغيره عن المزني قال قال الشافعي
أخبرني ابن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد عن سباع بن وهب عن أم كرز قالت:
أتيت النبي [صلى الله عليه وسلم] أسأله عن لحوم الهدي فسمعته يقول:
' عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو إناثا '.
وسمعته يقول:
' أقروا الطير على مكناتها '.
هكذا رواه المزني في المختصر وفيه خطأ من وجهين:
أحدهما في قوله: عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع.
وابن عيينة إنما رواه عنه عن أبيه عن سباع.
والآخر في قوله: عن سباع بن وهب وإنما هو سباع بن ثابت.
وقد رواه أبو جعفر بن سلامة الطحاوي عن المزني عن الشافعي على الصحة.
5692 - أخبرنا الفقيه أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني
حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز
قالت:
أتيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالحديبية أسأله عن لحوم الهدي فذكره.
وكذلك رواه سائر أصحاب سفيان بن عيينة.
ورواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت.

237
قال أبو داود: هذا هو الحديث.
وحديث سفيان وهم يعني حين قال عن أبيه.
قال أحمد:
ورواه ابن جريج عن [220 / أ] / عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت أن محمد بن
ثابت بن سباع أخبره أن أم كرز أخبرته.
5693 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا
الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة مولاة عطاء
عن أم كرز قالت:
أتيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فسمعته يقول:
' عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة '.
5694 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي عن سفيان عن عاصم عن حفصة بنت
سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر قال: سمعت النبي [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' مع الغلام عقيقة فاهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى '.
قد استشهد البخاري برواية عاصم الأحول وهشام بن حسان عن حفصة.
وأخرجه من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن سلمان من قوله واستشهد
برواية حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة وهشام وحبيب عن ابن سيرين عن سلمان عن
النبي [صلى الله عليه وسلم].
5695 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود

238
حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن
جندب أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' كل غلام رهينة بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى '.
ورواه همام بن يحيى عن قتادة فقال: ' ويدمى '.
قال أبو داود: ' ويسمى ' أصح.
وقوله رهينة بعقيقته يعني مرهونة والهاء فيه للمبالغة.
وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال:
يريد أنه إن لم يعق عنه فمات طفلا لم يشفع في أبويه.
وقال بعضهم: هو مرهون بعقيقته: أي بأذى شعره ألا تراه قال:
' فأميطوا عنه الأذى '.
وهو ما علق به من دم الرحم. قاله أبو سليمان الخطابي رحمه الله.
قال الشافعي:
وروي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه عق عن الحسن والحسين وحلق شعورهما وتصدقت
فاطمة بزنته فضة.
5696 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود [220 / ب] /
حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: أن رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا.
5697 - أخبرنا أبو زكريا أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان الدارمي

239
حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن جعفر بن محمد عن علي عن أبيه قال:
وزنت فاطمة بنت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم
فتصدقت بزنة ذلك فضة.
وفي حديث حفص بن غياث عن جعفر بن محمد أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال في العقيقة
التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين.
' أن يبعثوا إلى القابلة منها برجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظما '.
وأما الحديث الثاني:
5698 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا
عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني
ضمرة عن أبيه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سئل عن العقيقة فقال:
' لا أحب العقوق '.
وكأنه إنما كره الاسم قال:
' ومن ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل '.
فكذلك روي في حديث عمرو بن شعيب.
5699 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن
حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس قال قرئ على بحر بن نصر الخولاني قال
الشافعي: العقيقة ما عرف الناس وهو ذبح كان يذبح في الجاهلية عن المولود فأمر به
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الإسلام وقد كره منه الاسم.
وقال زيد - يعني بن أسلم - في حديثه سئل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' لا أحب العقوق '.

240
فكأنه إنما كره الاسم.
5700 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع الشافعي أخبرنا
مالك عن يحيى بن سعيد قال سمعت محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي يقول:
تستحب العقيقة ولو بعصفور.
قال مالك: ليس عليه العمل: يعني العقيقة بالعصفور.
وإنما أورده الشافعي إلزاما لمالك فيما ترك من قول أهل المدينة.
5701 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد بن زياد العدل حدثنا [221 / أ] /
محمد بن إسحاق حدثنا بحر بن نصر حدثنا الشافعي في قول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' أقروا الطير على مكناتها '.
إن علم العرب كان في زجر الطير والبوارح والخط والأعياف.
كان أحدهم إذا غدا من منزله يريد أمرا نظر أول طائر يراه فإن يسنح عن يساره
فاحتال عن يمينه قال: هذا طير الأيامن فمضى في حاجته ورأى أنه يستنجحها.
وإن سنح عن يمينه فمر عن يساره قال:
هذا طير الأشائم فرجع وقال:
هذه حاجة مشؤومة.
وقال الخطيئة يمدح أبو موسى الأشعري:
* لا يزجر الطير منتحا إن عرضن له
* ولا يقبضن على قسم بأزلام
*
يعني أنه سلك طريق الإسلام في التوكل على الله وترك زجر الطير.
قال بعض شعراء العرب يمدح نفسه:
* ولا أنا ممن يزجر الطير همه
* أصاح غراب أم تعرض ثعلب
*
قال وكان العرب في الجاهلية إذا لم تر طيرا سانحا فرأى طائرا في وكره حركة
من وكره ليطير فينظر أسلك له طريق الأشائم أو طريق الأيامن.

241
فيشبه قول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' أقروا الطير على مكناتها '.
أن لا تحركوها فإن تحريكها وما يعملون به من الطيرة لا يصنع شيئا وإنما يصنع
فيما يوجهون له قضاء الله عز وجل.
وقد سئل النبي [صلى الله عليه وسلم] عن الطيرة فقال:
' إنما ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم '.
5702 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا أحمد بن
منصور حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن
معاوية بن الحكم أن أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] قالوا: يا رسول الله إن منا رجالا يتطيرون؟
قال:
' ذاك شيء تجدونه في أنفسكم فلا يصدنكم '.
قالوا: ومنا رجال يأتون الكهان؟ قال:
' فلا تأتوا كاهنا '.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الرزاق.
1216 - [باب]
الفرع والعتيرة
5703 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر
حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب [221 / ب] / عن خالد الحذاء عن أبي المليح
عن نبيشة قال سأل رجل النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في رجب فما
تأمرنا؟

242
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إذبحوا لله في أي شهر ما كان وبروا لله وأطعموا '.
فقال: إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية فما تأمرنا؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استجمل ذبحته وأطعمته فإن ذلك
هو خير '.
5704 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي أخبرني من سمع زيد بن أسلم يحدث
عن رجل من بني ضمرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] سئل عن الفرعة فقال:
' الفرعة حق وأن تغذوه حتى يكون ابن لبون شعزبا فتعطيه أرملة أو تحمل عليه
في سبيل الله خير من أن تكفأ إناءك وتوله ناقتك وتأكله يتلصق لحمه بوبره '.
قال أحمد:
حديث نبيشة هذا قد أخرجه أبو داود في كتاب السنن من حديث بشر بن
المفضل عن خالد.
وحديث زيد بن أسلم قد رواه عنه ابن عيينة.
وقد روي في حديث عمرو بن شعيب.
قال الشافعي في كتاب حرملة:
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال
قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

243
' لا فرع ولا عتيرة '.
قال الزهري: الفرعة: أول النتاج، والعتيرة: شاة تذبح عن كل أهل بيت في
رجب.
5705 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا
بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان فذكره بإسناده ومعناه.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن سفيان وأخرجه البخاري من
حديث معمر عن الزهري.
5706 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن أخبرنا
عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال قرأ علي بحر بن نصر قال الشافعي
رحمه الله في تفسير الفرعة: شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم
فكان أحدهم يذبح بكر ناقته - يعني أول نتاج يأتي عليه لا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي
بعده فسألوا النبي [صلى الله عليه وسلم] [222 / أ] / فقال:
' فرعوا إن شئتم '.
أي إذبحوا إن شئتم.
وكانوا يسألونه على ما يصنعونه في الجاهلية خوفا أن يكره في الإسلام فأعلمهم
أنه لا مكره لهم فيه وأمرهم أن يغذوه ثم يحملون عليه في سبيل الله.
قال أحمد:
ويذبحه ويطعمه كما في حديث نبيشة.

244
قال الشافعي:
وقال: ' الفرعة حق ' يعني: ليست بباطل ولكنه كلام عربي يخرج على جواب
السائل.
قال الشافعي:
وروي عنه [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' لا فرع ولا عتيرة '.
وليس باختلاف من الرواة إنما هو: أي لا فرعة ولا عتيرة واجبة.
والحديث الآخر في الفرعة والعتيرة يدل على معنى هذا أنه أباح الذبح واختار له
أن يعطيه أرملة أو يحمل عليه في سبيل الله.
والعتيرة: هي الرجبية وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يتبررون بها يذبحونها في
رجب فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لا عتيرة '.
على معنى: لا عتيرة لازمة.
وقوله حين سئل عن العتيرة:
' إذبحوا لله في أي شهر ما كان وبروا لله وأطعموا '.
أي إذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح لله لا لغيره في أي شهر ما كان لا أنها في
رجب دون ما سواه من الشهور.
1217 - [باب]
ما يكره أن يكنى به
5707 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب
يقول سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول:
لا يحل لأحد أن يكنى بأبي القاسم كان اسمه محمد أو غيره.

245
وهكذا رواه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي.
ورأيت في كتابي في آخر كتاب اختلاف الأحاديث للشافعي الذي قرأناه على
أبي عبد الله الحافظ رحمه الله هذه الأحاديث مضروبا عليها ولعلها لم تكن في نسخة
الحاكم أبي عبد الله رحمه الله أو لم تتفق قراءتها عليه.
قال الربيع قال الشافعي:
حدثنا سفيان بن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختياني عن
محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي '.
5708 - أخبرناه أبو عبد الله [222 / ب] / الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب
حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى بن أسد حدثنا سفيان فذكره بإسناده غير أنه قال:
سمعت أبا هريرة يقول:
قال أبو القاسم [صلى الله عليه وسلم].
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
قال الشافعي:
أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال:
كان النبي [صلى الله عليه وسلم] بالبقيع فنادى رجل يا أبا القاسم فالتفت إليه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
إني لم أعنك فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي '.
5709 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو طاهر المحمد أباذي حدثنا

246
إبراهيم بن عبد الله السعدي أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا حميد عن أنس بن مالك أن
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان بالبقيع فنادى رجل رجلا فقال: يا أبا القاسم فالتفت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال
الرجل: يا رسول الله لم أعنك إنما عنيت فلانا.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي '.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن حميد.
وذكر الشافعي أيضا عن سفيان ما:
5710 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أبو
يحيى زكريا بن يحيى بن أسد حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر سمع جابرا
يقول: ولد لرجل منا غلام فسميناه القاسم فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم ولا تنعم عيننا
فأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] فذكر ذلك له فقال:
' سم ابنك عبد الرحمن '.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان بن عيينة.
وفي رواية الشافعي:
ولد في الحي غلام فأسمي أبو القاسم فقلنا لأبيه لا تكنيه أبو القاسم ولا ننعمك
عينا فأتى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فذكر ذلك له فقال:
' اسم ابنك عبد الرحمن '.
وأخرجه البخاري ومسلم [من] حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر عن
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم بعثت أقسم بينكم '.

247
وروي في حديثه أنهم سموه باسم النبي [223 / أ] / [صلى الله عليه وسلم] فقال:
ذلك والاعتبار باللفظ المنقول عنه.
وأما حديث هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من تسمى باسمي فلا بكتنى بكنيتي ومن تكنى بكنيتي فلا يسمى باسمي '.
5711 - فقد أخبرناه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق حدثنا أبو
محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب البزاز حدثنا أبو مسلم حدثنا مسلم بن إبراهيم
حدثنا هشام فذكره.
وهذا فيما لم يخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح مع كون أبي الزبير من
شرطه ولعله إنما لم يخرجه لمخالفته ابن المنكدر وسالم بن أبي الجعد عن جابر ثم
مخالفته رواية أبي هريرة وأنس بن مالك.
وروي عن أبي هريرة في معنى ما رواه أبو الزبير وهو مختلف فيه وأحاديث
النهي على الإطلاق أكثر وأصح طريقا.
وحديث محمد بن الحنفية قال قال: علي يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد
أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال:
' نعم '.
فهو في أكثر الروايات منقطع.
وروي عن ابن الحنفية أنه قال: كانت رخصة لعلي.
وحديث محمد بن عمران الحجبي عن صفية بنت شيبة عن عائشة عن
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي. أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي '.
لم يثبت إسناده وأحاديث النهي عن التكني بكنيته على الإطلاق من الأحاديث

248
الثابتة الصحيحة التي لا تعارض بأمثال هذا وبالله التوفيق.
قال أحمد:
وكانت كنية مقسم أبو القاسم فجعل طاوس يقول: مقسم ولا يقول أبو القاسم.
فقيل له في ذلك فقال:
والله لا أكنيه بها أبدا.
قال الشافعي في كتاب حرملة:
أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عن القزع.
5712 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن
عبد الله بن مهران الدينوري حدثنا الأويسي حدثنا العمري فذكره غير أنه قال: كره
القزع للصبيان.
وهذا الحديث ثابت من جهة عبيد الله بن عمر عن عمر بن نافع عن أبيه عن
ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
[223 / ب] / أنه نهى عن القزع.
5713 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا
يحيى بن أبي طالب حدثنا شجاع بن الوليد حدثنا عبيد الله بن عمر. فذكره.
أخرجاه في الصحيح من حديث عبيد الله.
1218 - [باب]
ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب
5714 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا

249
الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله:
أصل التحريم نص كتاب أو سنة أو جملة كتاب أو سنة أو إجماع.
قال الله جل ثناؤه:
* (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) *.
قال: وإنما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها وهم العرب الذين
سألوا عن هذا ونزلت فيهم الأحكام وكانوا يكرهون من حيث المأكل ما لا يكرهها
غيرهم.
قال: وسمعت بعض أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل:
* (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) *.
يعني ما كنتم تأكلون.
5715 - وأخبرنا أبو سعيد في موضع آخر حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي قال: فأهل التفسير أو من سمعت منهم يقول في قول الله عز وجل:
* (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما) *.
يعني ما كنتم تأكلون فإن العرب قد كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث
وتحل أشياء على أنها من الطيبات فأحلت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثنى وحرمت
عليهم الخبائث عندهم.
قال الله:
* (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) *.

250
5716 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر القاضي وأبو زكريا المزكي قالوا: حدثنا
أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة
عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن كل ذي ناب من السباع.
5717 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع [224 / أ] / قال قال الشافعي: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس عن أبي
ثعلبة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن كل ذي ناب من السباع.
وفي رواية أبي سعيد: عن أكل كل ذي ناب من السباع.
5718 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي
إدريس عن أبي ثعلبة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك وسفيان.
5719 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان
الحضرمي عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' أكل كل ذي ناب من السباع حرام '.
هكذا رواه في كتاب الرسالة.
5720 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا

251
الربيع قال قال الشافعي: أخبرنا مالك فذكره.
وقال: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' كل ذي ناب من السباع حرام '.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن مالك.
وروينا في الحديث الثابت عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.
5721 - أخبرنا الشيخ أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا
يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا أبو عوانة عن الحكم وأبي بشر عن ميمون
فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن حنبل عن أبي داود.
ورواه علي بن الحكم البناني عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس.
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد:
قال الله جل ثناؤه:
* (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) *
فكان شيئان حلالين فأثبت تحليل أحدهما وهو صيد البحر وطعامه مالحه وكل
ما فيه متاع [224 / ب] / لهم يستمتعون بأكله وحرم عليهم صيد البر أن يستمتعوا بأكله في كتابه
وسنة نبيه [صلى الله عليه وسلم].

252
وهو جل ثناؤه لا يحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم
قبل الإحرام والله أعلم.
فلما أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] المحرم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب
العقور وقتل الحيات دل ذلك على أن لحوم هذه محرمة لأنه لو كان داخلا في جملة ما
حرم الله قتله من الصيد في الإحرام لم يحل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قتله.
ودل ذلك على معنى آخر أن العرب لا تأكل مما أباح رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قتله في
الإحرام شيئا.
قال أحمد:
ومما يؤكد هذه الطريقة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن قتل أشياء كانت العرب تستخبثها
ولو كانت حلالا كانت كبهيمة الأنعام في جواز ذبحها.
5722 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد
الله بن عتبة عن ابن عباس:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة. والنحلة. والهدهد.
والصرد.
وروينا عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا سأل النبي [صلى الله عليه وسلم] عن ضفدع يجعله في
دواء فنهاه النبي [صلى الله عليه وسلم] عن قتلها.
وروينا عن أبي الحويرث:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن قتل الخطاطيف.
وهو منقطع.

253
ورواه أيضا عباد بن إسحاق عن أبيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا.
وروينا عن عبد الله بن عمرو أنه قال:
لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت
المقدس قال: يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم.
1219 - [باب]
أكل الضبع والثعلب
5723 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم وعبد المجيد وعبد الله بن الحارث عن ابن جريج
عن عبيد الله [225 / 1] / بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قال: سألت جابر بن عبد الله عن
الضبع أصيد هي؟
فقال: نعم. قلت: أتؤكل؟: قال: نعم.
قلت: أسمعته من رسول الله [صلى الله عليه وسلم]؟
قال: نعم.
زاد أبو سعيد في روايته.
قال الشافعي:
وما يباع لحم الضبع بمكة إلا بين الصفا والمروة.
قال الربيع قال الشافعي:
وفي مسألة ابن أبي عمار جابرا: أصيد هي؟
فقال: نعم.
وسألته: أتؤكل؟ قال: نعم.

254
وسألته: أسمعته من النبي [صلى الله عليه وسلم]؟
قال نعم.
فهذا دليل على أن الصيد الذي نهى الله المحرم عن قتله ما كان يحل أكله من
الصيد وأنهم إنما يقتلون الصيد ليأكلوه لا عبثا بقتله.
قال أحمد:
وروينا عن إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' الضبع صيد وجزاؤها كبش مسن وتؤكل '.
5724 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا
إسماعيل بن إسحاق حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا حسان بن إبراهيم حدثنا إبراهيم
الصائغ فذكره.
وذلك يؤكد رواية عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر ويدل على أن قوله تؤكل
مرفوع للنبي [صلى الله عليه وسلم] خلاف قول من جعله بالتوهم من قول جابر حين ترك الأخذ بروايته
وعارضه بجملة نهي النبي عن كل ذي ناب من السباع.
وهلا استدل بحديث جابر على أن النهي عن كل ذي ناب من السباع إنما هو
عن كل ما عدا على الناس مكاسرة وقوة في نفسه بنابه دون ما لا يعدو كما فعل
الشافعي ليكون قد قال بالحديثين جميعا.
قال الشافعي:
وفيه دلالة على إحلال ما كانت العرب تأكل مما لم تبصر فيه خبر وتحريم ما
كانت تحرمه مما يعدوا من قبل أنها لم تزل إلى اليوم تأكل الضبع والثعلب وتأكل
الضب والأرنب والوبر وحمار الوحش ولم تزل تدع أكل الأسد والنمر والذئب تحريما
بالتقذر.

255
قال أحمد:
وقد ثبت في الأرنب ما:
5725 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن
حبيب [225 / ب] / حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس قال: انفجنا أرنبا بمر
الظهران فسعى خلفا أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] فلغبوا وأدركتها أنا فذبحتها بمروة فأتيت أبا
طلحة فبعث إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] بفخذيها ووركيها فأكله.
قلت: أكله؟ قال: قبله.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث شعبة.
وحكى ابن المنذر عن طاوس وقتادة في الثعلب أنه يؤكل وهو صيد.
ورويناه عن عطاء.
وروينا في كتاب الحج عن ابن سيرين عن شريح أنه حكم في الثعلب بجدي.
وعن عطاء وعباس بن عبد الله بن معبد أنهما قالا: في الثعلب شاة.
1220 - [باب]
أكل الضب
5726 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سئل عن
الضب فقال:
' لست آكله ولا محرمه '.
5727 - وبهذا الإسناد قال حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار
عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] بنحوه.

256
أخرجه مسلم من حديث الليث وغيره عن نافع وأخرجه البخاري ومسلم من
وجهين آخرين عن عبد الله بن دينار.
وأخرجا حديث الشعبي عن ابن عمر قال:
كان ناس من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يأكلون عنده من لحم فنادتهم امرأة: إنه
لحم ضب فأمسكوا.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' كلوا وأطعموا فإنه حلال '.
أو قال:
' لا بأس به '.
- توبة العنزي شك فيه -.
' ولكنه ليس من طعام قومي '.
5728 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن
حنيف عن ابن عباس - أشك أقال مالك عن ابن عباس عن خالد بن الوليد - أو عن ابن
عباس وخالد بن المغيرة:
أنهما دخلا مع النبي [صلى الله عليه وسلم] [226 / أ] / بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] بيده فقال له بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة أخبرنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ما يريد
أن يأكل فقالوا: هو ضب يا رسول الله فرفع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يده فقلت: أحرام هو؟
فقال:
' لا ولكنه لم يكن بأرض قومي أجدني أعافه '.

257
قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله [صلى الله عليه وسلم] ينظر.
قال أحمد:
رواه القعنبي عن مالك فقال عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه دخل.
وأخرجه البخاري عن القعنبي.
وكذلك قاله ابن أبي أويس عن مالك.
ورواه يحيى بن يحيى عن مالك فقال: عن عبد الله بن عباس قال دخلت أنا
وخالد بن الوليد.
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى.
ورواه يحيى بن بكير عن مالك فقال: عن عبد الله بن عباس وخالد بن
الوليد بن المغيرة.
أنهما دخلا. وكأن مالكا كان يشك فيه.
والصحيح رواية القعنبي.
فكذلك رواه يونس بن يزيد وصالح بن كيسان عن الزهري.
وأخرجا حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أهدت أم حفيد إلى رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] أقطنا وسمنا وأضبا فأكل من الأقط والسمن وترك الأضب تقذرا.
فقال ابن عباس:
فأكل على مائدة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ولو كان حراما ما كان أكل على مائدته.
5729 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
حديث ابن عباس موافق حديث ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] امتنع عن أكل
الضب لأنه عافه لا لأنه حرمه.

258
وقد امتنع من أكل البقول ذوات الريح لأنه جبريل عليه السلام يكلمه ولعله
عافها لا أنه محرم لها.
وقول ابن عمر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لست آكله '.
يعني نفسه قد بين ابن عباس لأنه عافه.
وقال ابن عمر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' ولا محرمه '.
فجاء بمعنى ابن عباس بينا.
[226 / ب] / وإن كان معنى ابن عباس أبين منه.
قال الشافعي:
فأكل الضب حلال وبسط الكلام في شرح ذلك في موضع آخر وهو منقول إلى
المبسوط.
وروينا عن عمر بن الخطاب أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يحرمه إنما عافه وإن الله لينفع به
غير واحد وأنه لطعام عامة هذه الرعاء ولو كان عندي لطعمته.
وروينا في إباحته عن أبي مسعود.
وحديث عبد الرحمن بن شبل أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن أكل الضب لم يثبت
إسناده.
إنما تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة.
وسائر الأحاديث التي وردت فيه محمولة على تقذره له فليس في شيء منها
تحريم. والله أعلم.
قال أحمد:

259
وأما حديث عيسى بن نميلة عن أبيه عن شيخ عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]: أنه
ذكر عنده القنفذ فقال:
' خبيثة من الخبائث '.
فهو إسناده غير قوي ورواية شيخ مجهول.
وفي هذا الإسناد أن ابن عمر سئل عنه فتلا * (قل لا أجد في ما أوحي إلي
محرما) * الآية.
وفي حديث غالب بن حجرة عن ملقام بن تلب قال صحبت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فلم
أسمع لحشرة الأرض تحريما.
وهذا إسناد غير قوي.
وقد روينا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ما دل على تحريم الحية والعقرب.
فكذلك ما في معناهما مما كانت العرب تستخبثه ولا تأكله في غير الضرورة.
والله أعلم.
1221 - [باب]
أكل لحوم الخيل
5730 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع قال قال الشافعي أخبرنا مالك وسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر
قال:
أطعمنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر.

260
قال أحمد:
هذا الحديث لم يسمعه عمرو من جابر إنما سمعه من محمد بن علي بن حسين
عن جابر.
5731 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن محمد [227 / أ] / بن عبدوس حدثنا
عثمان بن سعيد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد وهو ابن زيد عن عمرو عن
محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم خيبر عن لحوم
الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل.
رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن عباد.
5732 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا سفيان عن هشام عن فاطمة عن أسماء
قالت:
نحرنا فرسا على عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] فأكلناه.
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي عن سفيان.
وأخرجاه من أوجه عن هشام.
5733 - أخبرناه أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي
أخبرنا سفيان عن عبد الكريم أبي أمية قال:
أكلت فرسا في عهد ابن الزبير فوجدته حلوا.
قال أحمد:

261
وروينا عن الأسود أنه أكل لحم فرس.
وعن الحسن: لا بأس بلحم الفرس.
وأما حديث صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد
قال:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم خيبر عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من
السباع.
فهذا حديث إسناده مضطرب ومع اضطرابه مخالف لحديث الثقات.
وقد قال البخاري في التاريخ صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب فيه
نظر.
وقال موسى بن هارون: لا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه إلا بجده وهذا
ضعيف.
وزعم الواقدي: أن خالد بن الوليد أسلم بعد فتح خيبر وإنما قول الله عز وجل:
* (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) *.
فإنه في سورة النحل وسورة النحل مكية في قول أهل التفسير غير أربع آيات من
أخر السورة ولم يبلغنا أن أحدا من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] امتنع من أكل لحم الخيل بعد
نزول هذه الآية ولا النبي [صلى الله عليه وسلم] نهاهم عن ذلك حتى حرمه [227 / ب] / زمن خيبر.
وفي ذلك دلالة على أنهم لم يعقلوا من هذه الآية تحريم لحوم عدة دواب وأن
لا حجة فيها لمن ذهب إلى تحريم الخيل والذي يؤكده:
ما روينا عن ابن عباس في نهي النبي [صلى الله عليه وسلم] عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم
خيبر.
لا أدي أنهى عنه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب
حمولتهم أو حرمه ولو كان تحريمها وتحريم ما ذكر معها في الآية ثابتا بالآية لم يقع

262
هذا الاشتباه لابن عباس وهو ترجمان القرآن في النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية
زمن خيبر وهذا الخبر عن ابن عباس يدل على بطلان ما روي عنه بخلاف ذلك.
ثم أن الله عز وجل كما لم يذكر في الآية وجه الانتفاع بهذه الدواب بالأكل لم
يذكر وجه الانتفاع بها بحمل الأثقال عليها.
وذلك لا يدل على تحريمه كذلك الأكل إلا فيما قامت دلالته وفي الآية دلالة
على جواز إنزاء الخيل على الأتن رغبة في إتيانها بالبغال التي امتن الله تعالى علينا بها
كامتنانه بالخيل والحمير.
وإما إنزاء الحمر على الخيل فقد:
5734 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا
عبيد بن شريك حدثنا يحيى هو ابن بكير حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي
الخير عن أبي زرير عن علي بن أبي طالب أنه قال:
أهديت لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] بغلة فركبها فقال علي: لو حملنا الحمر على الخيل
لكان لنا مثل هذه. فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون '.
هكذا رواه الليث بن سعد.
ورواه محمد بن إسحاق بن يسار عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد العزيز بن أبي
الصغير عن أبي أفلح الهمداني عن عبد الله زرير عن علي.
وكذلك روي في إحدى الروايتين عن أبي الوليد عن الليث.
وروي عن علي وعلقمة عن علي.
وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يشبه أن يكون المعنى في ذلك - والله

263
أعلم - أن الحمر إذا حملت على الخيل تعطلت منافع الخيل وقل [228 / أ] / عددها وانقطع.
ثم ذكر المنافع التي في الخيل دون البغال ثم قال:
فإذا كانت الفحول خيلا والأمهات حمرا فقد يحتمل أن لا يكون داخلا في
النهي واحتج بالآية التي احتججنا بها. وضعف قول من قال بخلاف ذلك.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال:
أمرنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بإسباغ الوضوء ونهانا ولا أقول نهاكم أن نأكل الصدقة ولا
ننزي حمارا على فرس.
5735 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
محمد بن علي الميموني حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن أبي جهضم موسى بن
سالم عن عبيد الله - من ولد العباس - عن ابن عباس قال: أمرنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
فذكره.
كذا قاله سفيان الثوري.
ورواه حماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد وغيرهما عن أبي جهضم عن عبيد
الله بن عبيد الله. وهو الصحيح.
وفي الحديث إشارة عن ابن عباس إلى أنهم مخصوصون بهذا النهي كما خصوا
بالنهي عن أكل الصدقة.
فإن كان كذلك أجاز الأمران جميعا لغيرهم والله أعلم.

264
[بسم الله الرحمن الرحيم]
1222 - [باب]
أكل لحوم الحمر الأهلية
5736 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع قال قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني
محمد بن علي عن أبيهما عن علي:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عام خيبر عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية.
زاد أبو سعيد في روايته قال الشافعي:
ففي هذا الحديث دلالتان إحداهما:
تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية.
والآخر إباحة لحوم حمر الوحش لأنه لا صنف من الحمر إلا أهلي ووحشي.
فإذا قصد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالتحريم قصد الأهلي ثم وصفه دل على أنه أخرج

265
الوحشي من التحريم.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
مع أنه قد جاء عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إباحة أكل حمر الوحش أمر أبا بكر [228 / ب] / أن يقسم
حمارا وحشيا قتله أبو قتادة بين الرفقة.
وحديث طلحة: أنهم أكلوا معه لحم حمار وحشي.
قال أحمد:
قوله: قتله أبو قتادة. زيادة وقعت من الكاتب.
أو حديث دخل في حديث.
فإن الذي قتله أبو قتادة أتى به أصحابه وهم محرمون وهو غير محرم حتى
أكلوا منه ثم سألوا عنه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' هل أشار إليه إنسان منكم بشيء '؟
قالوا: لا. فقال:
' كلوا '.
والذي أمر أبا بكر بقسمته بين الرفاق فهو: في حمار وحشي وجدوه عقيرا
بالروحاء فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه '.
فجاء البهزي وهو صاحبه إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله شأنكم بهذا
الحمار.
فأمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أبا بكر فقسمه بين الرفاق.
وهذا الكتاب مما لم يسمعه الربيع من الشافعي.

266
ولو كان قرئ عليه الأمر - والله أعلم - بتغييره.
وقد روينا نهي النبي [صلى الله عليه وسلم] عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر عن سوى علي بن
أبي طالب: عن عبيد الله بن عمر وخالد بن عبد الله والبراء بن عازب وعبد الله بن
أبي أوفى وسلمة بن الأكوع وأبي ثعلبة الخشني وأبي هريرة وأنس بن مالك
والمقدام بن معدي كرب رضي الله عنهم عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
قال الشافعي في سنن حرملة:
أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي أوفى قال:
أصبنا حمرا خارجة من القرية يوم خيبر فنحرناها فنادى منادي النبي [صلى الله عليه وسلم]:
أن أكفوا القدور بما فيها.
فكفأناها وإن القدور لتغلي.
قال أبو إسحاق: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال:
إنما تلك حمر كانت تأكل القذر.
وهذا حديث قد أخرجه البخاري من حديث عباد بن العوام وعبد الواحد بن
زياد.
وأخرجه مسلم من حديث علي بن مسهر وعبد الواحد بن زياد عن سليمان
الشيباني وفي حديثهم قال:
فقال [229 / أ] / ناس إنما نهى عنها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لأنها لم تخمس.
وقال الآخرون: نهى عنها البتة أصحاب عبد الله بن عباس.
فواحد يقول: نهى عنها لأنها كانت تأكل القذر.
وآخر يقول: نهى عنها لأنها لم تخمس.

267
وذلك لشك وقع لعبد الله بن عباس في ذلك.
5737 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه - من أصله - أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين
القطان حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثني أبي عن عاصم
عن عامر عن ابن عباس قال:
لا أدري أنهى عنه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب
حمولتهم أو حرمه في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية.
رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن يوسف.
ورواه البخاري عن محمد بن أبي الحسن عن عمر بن حفص.
وقد بين غير ابن عباس أن النهي عنه وقع على سبيل التحريم فوجب المصير
إليه مع كون الإطلاق يقتضي التحريم.
قال الشافعي في كتاب حرملة أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي فذكر
الحديث الذي:
5738 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا علي بن محمد بن سختويه حدثنا
أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق أخبرنا الثقفي حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن
أنس بن مالك قال:
جاء جائي إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
أكلت الحمر. ثم جاء الثانية فقال: أكلت الحمر. ثم جاء الثالثة فقال: أ فنيت
الحمر.
فأمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مناديا فنادى في الناس:
' أن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الأهلية فإنها رجس '.
قال فكفئت القدور وإنها لتفور باللحم.

268
رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن سلام عن عبد الوهاب.
وأخرجه مسلم من حديث ابن عيينة عن أيوب.
وفي حديث أبي هريرة:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع المجثمة والحمار
الإنسي.
وفي حديث المقدام:
حرم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أشياء يوم خيبر منها [229 / ب] / الحمار الأهلي.
وأما حديث غالب بن أبجر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوالي القرية '.
فإسناده مضطرب وفي إسناده أنه قال: أصابتنا سنة فلم يكن في مالي شيء
أطعم أهلي إلا شيء من حمر.
فكأنه إن صح إنما رخص له في أكله بالضرورة حيث تباح الميتة.
والله أعلم.
1223 - [باب]
الجلالة
روينا عن مجاهد عن ابن عمر. وقيل عنه عن ابن عباس وروينا عن نافع عن
ابن عمر:

269
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن أكل الجلالة وألبانها.
ورويناه عن عكرمة عن أبي هريرة.
وقيل عنه عن ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ورويناه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وفي بعض هذه الروايات النهي عن ركوبها أيضا.
5739 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا
سهل بن بكار حدثنا وهب عن أبي طاوس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها
وأكل لحومها.
5740 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في
الإبل التي أكثر علفها العذرة اليابسة.
وكل ما صبغ هذا من الدواب التي تؤكل فهي جلال وأرواح العذرة توجد في
عرقها وجررها.
لأن لحومها تغتذي بها فيغلبها.
وما كان من الإبل وغيرها أكثر علفا من غير هذا وكان ينال هذا قليلا فلا يبين في
عرقه وجرره لأن اغتذاه من غيره فليس بجلال منهي عنه.
ثم ساق الكلام في علف الجلالة غيره.
حتى يعلم أن اغتذاها قد انقلب فتؤكل.
قال: وقد جاء في بعض الآثار:
بأن البعير يعلف أربعين ليلة والشاة عددا أقل من ذا والدجاجة سبعا.

270
وكلهم فيما نرى أراد المعنى الذي وصفت من تغييرها [230 / أ] / من الطباع المكروهة
إلى الطباع غير المكروهة الذي هو فطرة الدواب.
قال أحمد:
قد روى إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال:
سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الجلالة أن يؤكل لحمها أو يشرب لبنها ولا يحمل عليها
- أظنه قال: - إلا الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة.
5741 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
محمد بن سنان القزاز حدثنا أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الثقفي حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر. فذكره.
وإسماعيل غير قوي في الحديث.
وروينا في الحديث الثابت عن زهدم قال:
رأيت أبا موسى يأكل الدجاج فدعاني فقلت:
إني رأيته يأكل نتنا.
قال: أدن فكل فإني رأيت النبي [صلى الله عليه وسلم] يأكله.
1224 - [باب]
المصبورة
5742 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو النضر الفقيه حدثنا عثمان بن
سعيد الدارمي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن هشام بن زيد بن أنس بن
مالك قال:

271
دخلت مع جدي على الحكم بن أيوب فإذا غلمان قد نصبوا دجاجة يرمونها
فقال أنس:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن تصبر البهائم.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي الوليد عن شعبة.
وأخرجه مسلم من أوجه أخر عن شعبة.
وروينا فيه عن عبد الله بن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وروينا عن ابن عباس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا '.
وعن جابر بن عبد الله قال:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يقتل شيء من الدواب صبرا.
5743 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وقد نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن المصبورة: والمصبورة الشاة تربط ثم ترمى
بالنبل.
5744 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو أحمد [230 / ب] / التميمي أخبرنا
عبد الرحمن بن محمد حدثنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي في نهي النبي [صلى الله عليه وسلم] أن
تصبر البهائم قال:
هي أن ترمى بعد أن تؤخذ.

272
1225 - [باب]
ذكاة ما في بطن الذبيحة
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
إنما تكون ذكاة الجنين في البطن ذكاة أمه لأنه مخلوق منها وحكمه حكمها ما
لم يزايلها.
5745 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
مسدد حدثنا هشيم عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال: قلنا يا رسول الله
ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله؟
قال:
' كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه '.
هكذا أخرجه أبو داود في كتاب السنن.
ورواه أيضا بإسناد له عن عبيد الله بن أبي زياد القداح عن أبي الزبير عن جابر
عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' ذكاة الجنين ذكاة أمه '
وروينا عن الحسن بن بشر البجلي عن زهير عن أبي الزبير.
ورواه ابن أبي ليلى وحماد بن شعيب عن أبي الزبير.
وروي ذلك عن أبي عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي الوداك عن
أبي سعيد مختصرا.

273
وروينا عن ابن عمر، وابن عباس وعمار بن ياسر في إباحته.
وفسروا قوله عز وجل:
* (أحلت لكم بهيمة الأنعام) *.
بذلك.
1226 - [باب]
كسب الحجام
5746 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا المزكي قالوا:
حدثنا أبو العباس - هو الأصم - أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان
عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن محيصة سأل النبي [صلى الله عليه وسلم] عن كسب
الحجام فنهاه عنه فلم يزل يكلمه حتى قال:
' أطعمه رقيقك وأعلفه ناضحك '.
5747 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني
حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن
أبيه:
أن محيصة فذكره بنحوه.
5748 - وبإسناده قال المزني حدثنا الشافعي أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي
فديك عن ابن أبي ذئب [231 / أ] / عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة الحارثي عن
أبيه أنه سأل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن كسب الحجام فنهاه فذكر له الحاجة فأمره أن يعلفه
نواضحه.
5749 - وإسناده قال حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب

274
عن ابن محيصة أحد بني حارثة عن أبيه.
5750 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه
أنه استأذن النبي [صلى الله عليه وسلم] في إجارة الحجام فنهاه عنه فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال:
' أعلفها ناضحك ورقيقك '.
5751 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس
أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن حميد عن أنس:
حجم أبو طيبة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فأمر له رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بصاع من تمر وأمر أهله أن
يخففوا عنه من خراجه.
رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
5752 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس أنه قيل له:
احتجم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]؟ فقال: نعم حجمه أبو طيبة فأعطاه صاعين وأمر مواليه أن
يخففوا عنه من ضريبته.
وقال:
' إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والفسط البحري لصبيانكم من العذرة ولا
تعذبوهم بالغمز أخرجاه في الصحيح من أوجه عن حميد.

275
5753 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس
انقطع متنه من الأصل.
5754 - وقد أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا
المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن عكرمة ومحمد بن سيرين عن ابن عباس:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان خبيثا لم يعطه.
قال أحمد:
وروينا في الحديث الثابت عن الشعبي عن ابن عباس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حجمه عبد [231 / ب] / لبني بياضة فأعطاه أجره ولو كان حراما لم يعطه
وأمر مواليه ان يخففوا عنه من خراجه.
5755 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن طاوس:
احتجم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وقال للحجام:
' اشكموه '.
زاد أبو عبد الله في روايته:
قال الشافعي:
وليس في شيء من هذه الأحاديث شيء مختلف ولا ناسخ ولا منسوخ فإنهم قد
أخبروا أنه رخص لمحيصة أن يعلفه ناصحه ويطعمه رقيقه.

276
ولو كان حراما لم يجز رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لمحيصة أن يملك حراما ولا يعلفه ناصحه
ولا يطعمه رقيقه.
ورقيقه ممن عليه فرض الحلال والحرام.
ولم يعط رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حجاما على الحجامة لأنه لا يعطي إلا ما يحل له أن
يعطيه وما يحل لمالكه ملكه.
والمعنى في نهيه عنه وإرخاصه في أن يطعمه الناضح والرقيق أن من المكاسب
دنيا وحسنا. فكان كسب الحجام دنيا فأحب له تنزيه نفسه عن الدناءة لكثرة المكاسب
التي هي أجمل منه.
فلما زاده فيه أمره أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه تنزيها له لا تحريما عليه.
قال الشافعي:
وقد روي أن رجلا ذا قرابة لعثمان قدم عليه فسأله عن معاشه فذكر له غلة حمام
وكسب حجام أو حجامين.
فقال: إن كسبكم لوسخ - أو قال: - لدنس - أو لدنيء أو كلمة تشبهها.
قال أحمد:
ويستدل بما ذكرنا من الأخبار الصحيحة في الرخصة في كسب الحجام على أن
الذي روي في حديث أبي جحيفة من نهي النبي [صلى الله عليه وسلم] عن ثمن الدم.
وفي حديث رافع بن خديج من قوله [صلى الله عليه وسلم]:
' كسب الحجام خبيث '.
وفي رواية:
' بئس المكسب ثمن الحجام '.

277
أن أراد به التنزيه كما قال الشافعي رحمه الله.
5756 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما
بلغه عن حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن ضمرة عن علي قال:
كسب الحجام من السحت.
قال الشافعي:
وليسوا يأخذون [232 / أ] / بهذا ونحن نروي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه أعطى الحجام أجره ولو
كان سحتا لم يعطه إياه.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي وإسناده غير قوي.
وقد روينا عن أبي جميلة عن علي قال:
احتجم النبي [صلى الله عليه وسلم] وأمرني فأعطيت الحجام أجره.
وهذا يوافق الأحاديث الصحيحة وهو لا يخالف أمر النبي [صلى الله عليه وسلم].
وروينا عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من داء '.
وفي حديث الزهري عن النبي [صلى الله عليه وسلم] منقطعا:
' من احتجم يوم الأربعاء ويوم السبت فرأى وضحا فلا يلومن إلا نفسه '.
ورواه سليمان بن أرقم وهو ضعيف عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة.
وفي حديث عطاف بن خالد عن نافع عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:

278
' إن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلا عرض له داء لا يشفى
منه '.
وعطاف بن خالد ضعيف.
1227 - [باب]
الإكتواء والاسترقاء
قال الشافعي في سنن حرملة:
أخبرنا سفيان حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد عن العقار بن المغيرة بن شعبة
عن أبيه أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لم يتوكل من استرقى واكتوى '.
5757 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد بن علي بن عمر بن
عتيق بن محمد حدثنا سفيان فذكره بإسناده.
5758 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد أخبرنا ابن
أبي قماش حدثنا عمرو بن عون عن سفيان فذكره بإسناده غير أنه قال:
' من استرقى أو اكتوى فلم يتوكل '.
قال أحمد:
وهذا نظير ما روينا في الحديث الثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب '.

279
فقيل: من هم؟ قال:
' هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون '.
قال أحمد:
يشبه أن يكون [232 / ب] / هذا - والله أعلم - ترغيبا في التوكل على الله عز وجل وقطع
القلوب عن الأسباب التي كانوا في الجاهلية يرجون منها الشفاء دون من جعلها أسبابا
لها فإذا كان المسلم متوكلا على الله عز وجل بقلبه لا يرجو الشفاء إلا منه ثم استعمل
شيئا من هذه الأسباب وهو يعتقد أن الله تعالى جعله شيئا للشفاء وأنه إن لم يضع فيه
الشفاء لم يصنع السبب شيئا لم يكن به بأس.
فقد روينا في الحديث الثابت عن جابر بن عبد الله أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إن كان في أدويتكم خير ففي شرطة حجام أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق
داء وما أحب أن اكتوى '.
وعن جابر أن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
بعث إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه.
وعن عوف بن مالك عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' أعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك '.
وقال في حديث جابر بن عبد الله في الرقى:
' من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه '.

280
وقال في حديث أبي هريرة:
' إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء '.
وقال في حديث جابر:
' لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله '.
وقالوا في حديث أسامة بن شريك:
يا رسول الله نتداوى؟ قال:
' تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع دواء غير واحد وهو
الهرم '.
وفي حديث أبي خزامة عن أبيه أنه قال: يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى به
ورقى نسترقها واتقاء نتقيها هل يرد ذلك من قدر الله في شيء؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إنه من قدر الله '.
5759 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال
سألت الشافعي عن الرقية فقال:
لا بأس به أن يرقى الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله.
قلت: أيرقى أهل الكتاب المسلمين؟

281
فقال: نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله.
فقلت: وما الحجة في ذلك؟
فقال: غير حجة فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن
سعيد [233 / أ] / عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية
ترقيها.
فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله.
قال أحمد:
قد ذكرنا في كتاب السنن أسانيد ما أشرنا إليه في هذا الكتاب وما لم نشر إليه
مما روي في النهي عن بعض ذلك.
وفيما ذكرنا دلالة على أنه إنما نهى عنه إذا كان فيه شرك أو استعمل شيئا من
ذلك على الوجه الذي كانوا يستعملونه في الجاهلية من إضافة الشفاء إليه دون الله عز
وجل أو اكتوى قبل وقوع الحاجة إليه والله أعلم.
1228 - [باب]
ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر والفأرة تقع في السمن أو الزيت
قال الشافعي رحمه الله في كتاب حرملة:
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله سمع ابن عباس
يخبر عن ميمونة:
أن فأرة وقعت في سمن فماتت فيه فسئل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' ألقوها وما حولها وكلوه '.
5760 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا يحيى بن الربيع

282
حدثنا سفيان فذكره بإسناده ومعناه.
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي عن سفيان.
ورواه حجاج بن المنهال عن سفيان وزاد فيه: وهو جامد فماتت.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' خذوها وما حولها فألقوه وكلوا ما بقي '.
5761 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد حدثنا
إسماعيل بن إسحاق حدثنا حجاج بن المنهال فذكره.
ورواه معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال:
سئل النبي [صلى الله عليه وسلم] عن فأرة وقعت في سمن؟ فقال:
' إن كان جامدا أخذت وما حولها وألقيت وإن كان ذائبا أو مائعا لم
يؤكل '.
5762 - أخبرناه أبو الحسين بن الفضل أخبرنا أبو سهل بن زياد حدثنا
إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد الواحد بن زياد
أخبرنا معمر فذكره ورواه عبد الرزاق عن معمر وقال في الحديث:
' فإن كان مائعا فلا تقربوه '.
وعبد الواحد بن زياد أحفظ منه والله أعلم.
قال الشافعي رحمه الله في أثناء مبسوط كلامه:
فدل أمره بأكل ما سواه - يعني في الجامد [233 / ب] / على أن ما حولها ما لصق بها دون ما
كان دونه حائل عن اللصوق بها. والله أعلم.

283
وأباح الشافعي رحمه الله الاستصباح بما نجس منه في موضع.
وعلق القول فيه في موضع آخر.
وقد روى عبد الجبار بن عمر - وليس بالقوي - عن ابن شهاب عن سالم عن
عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال:
' ألقوها وما حولها وكلوا ما بقي '.
فقيل يا نبي الله أفرأيت إن كان السمن مائعا؟
قال:
' انتفعوا به ولا تأكلوه '.
5763 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو محمد بن يوسف في آخرين قالوا:
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا
ابن وهب أخبرني عبد الجبار بن عمر فذكروه.
وروي من وجه آخر عن ابن جريج عن ابن شهاب وهو ضعيف.
والصحيح عن ابن عمر من قوله في فأرة وقعت في زيت قال:
استصبحوا به وأدهنوا به أدمكم.
وروي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح.
وقد روينا في الحديث الثابت عن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله
أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟
فقال:
' لا: هو حرام '.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عند ذلك:
قاتل [الله] اليهود أن الله لما حرم عليهم شحومهما جملوه ثم باعوه '.

284
وروينا في حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه '.
ومن أباح الانتفاع بالزيت النجس فرق بينه وبين الميتة فإن نجاسة الميتة أغلظ.
واستعمل الأخبار الواردة فيها على ما وردت وبالله التوفيق.
1229 - [باب]
ما يحل أكله من الميتة بالضرورة
5764 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
قال الله عز وجل:
* (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) * * (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر
غير باغ [234 / أ] / ولا عاد فلا إثم عليه) *.
وقال في ذكر ما حرم:
* (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) *.
قال الشافعي: رحمه الله:

285
فيحل ما حرم من الميتة والدم ولحم الخنزير وكل ما حرم مما لا يغير العقل من
الخمر للمضطر.
ثم ساق الكلام في بيان المضطر إلى أن قال:
وأحب إلي أن يكون آكله إن أكل [وشاربه إن شرب أو جميعهما] فعلى ما
يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع ويروى وإن
أجزأه دونه لأن التحريم قد زال عنه بالضرورة.
وبسط الكلام فيه.
وقد روينا عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال:
ماتت ناقة أو بغل عند رجل فأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] ليستفتيه فزعم جابر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
قال لصاحبها:
' أما لك ما يغنيك عنها '؟
قال: لا. قال:
' إذهب فكلها '.
5765 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد أخبرنا زياد بن
الخليل أبو سهيل حدثنا مسدد وسهل بن بكار قالا: حدثنا أبو عوانة عن سماك عن
جابر بن سمرة قال:
مات فحل عند رجل. فذكره.
وفي حديث حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي:
أن رجلا قال: يا رسول الله إن نكون بالأرض فتصيبنا بها المخمصة فمتى تحل
لنا الميتة؟

286
فقال:
' ما لم تصطبحوا '.
وفي رواية:
إذا لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلا فشأنكم بها '.
وهذا حديث منقطع لم يسمعه حسان بن عطية من أبي واقد.
إنما سمعه من أبي مرثد أو عن أبي مرثد وهو مجهول.
وقال ابن عون:
رأيت عند الحسن كتب سمرة لبنيه أنه يجزي من الاضطرار أو الضرورة صبوح
أو غبوق.
وروي من وجه آخر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إذا أرويت أهلك من اللبن يغبوقا فاجتنب ما نهاك الله عنه من الميتة '.
وفي ثبوت هذه الأحاديث نظر.
وحديث جابر بن سمرة أصحها.
والله أعلم.
1230 - [باب]
تحريم أكل مال الغير بغير إذنه في غير حال الضرورة
5766 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله في [234 / ب] / مبسوط كلامه.
فإن [قال] قائل: ما الحجة في أن ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى

287
يأذن فيه مالكه؟
فالحجة فيه أن الله جل ثناؤه وعز قال:
* (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) *.
وقال:
* (وآتوا اليتامى أموالهم) *.
وقال:
* (وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة) *.
مع آي كثير في كتاب الله حذر فيها [أكل] أموال الناس إلا بطيب أنفسهم إلا
بما فرض الله في كتابه ثم سنة نبيه [صلى الله عليه وسلم] وجاءت به حجة.
5767 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي
أخبرنا مالك.
5768 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا المزكي قالا: حدثنا أبو الحسن
أحمد بن محمد بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك
عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه أيحب أحدكم تؤتى مشربته فتكسر
خزانته [فينتقل] طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحتلبن أحد
ماشية أحد إلا بإذنه ' لفظ حديث القعنبي.

288
وحديث الشافعي قد سقط بعض متنه من الكتاب.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن مالك.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
5769 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وقد روي حديث لا يثبت مثله:
' إذا دخل الحائط فلتأكل ولا يتخذ خبنة '.
وما لا يثبت لا حجة فيه.
ولبن الماشية أولى أن يكون مباحا إن لم يثبت.
هكذا من ثمر الحائط لأن ذلك اللبن يستخلف كل يوم والذي يعرف الناس أنهم
يبذلون منه ويرجون من بذله ما لا يبذلون الثمر. ولو ثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قلنا به ولم
نخالفه.
قال أحمد:
هذا حديث رواه يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن
النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من دخل حائطا فليأكل ولا يتخذ خبنة '.
وذهب أهل العلم بالحديث إلى أنه غلط فيه.
قاله يحيى بن معين [235 / أ] / في رواية الغلابي عنه وقاله البخاري في رواية أبي عيسى
الترمذي عنه.
وإنما يروى هذا اللفظ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو محمول على
حال الضرورة.

289
وكذلك ما روي فيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في غير هذا الحديث مطلقا فهو محمول على
الضرورة فقد:
5770 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد
الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه سئل عن الثمر المعلق فقال:
' من أصاب بغيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء
منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن
المجن فعليه القطع '.
قال أحمد:
قوله:
' فلا شيء عليه '.
يريد لا قطع عليه ولا تضعيف الغرامة والله أعلم.
وقد [أباح] في جواز الأكل أن يكون ذا حاجة فكذلك ما روي فيه من غير
هذا الوجه مع أن شيئا من تلك الروايات لم يخرجه صاحبا الصحيح في الصحيح وفيه
ما قد وقع الإجماع على نسخه.
وحديث مالك وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في المنع من الحلب
من أصح الأسانيد وأثبتها فالحكم له دونه. وبالله التوفيق.
5771 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
ولو اضطر رجل فخاف الموت ثم مر بطعام لرجل لم ير بأسا أن يأكل ما يرد من
جوعه ويغرم له ثمنه منه ولم أر للرجل أن يمنعه في تلك الحال فضلا من طعام عنده.
وخفت أن يضيق ذلك عليه ويكون أعان على قتله إذا خاف عليه بالمنع القتل.
قال أحمد:

290
قد روينا في الحديث الثابت عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن النبي [صلى الله عليه وسلم]
قال:
' من كان عنده فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له '.
وروينا في الحديث الثابت عن أبي موسى عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا [235 / ب] / العاني - يعني - الأسير '.
وروينا في حديث الحسن عن سمرة بن جندب أن نبي الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبه فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب
وليشرب وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثا فإن أجابه فليستأذنه وإلا فليحتلب وليشرب
ولا يحمل '.
واحتج أصحابنا في إيجاب الضمان بما ثبت في الأصل من تحريم مال الغير.
وأنه لو كان معه ما يشتريه به لم يلزمه بدله إلا بعوض.
كذلك إذا أمكنه أن يأخذه بعوض في ذمته.
وفي حديث عمران بن حصين في قصة المزادتين أن النبي [صلى الله عليه وسلم] حين أخذ مائها
ودعا فيهما بالبركة حتى لم تزددا إلا امتلاء أمر أصحابه فجاءوا من زادهم حتى ملأ لها
ثوبها.
5772 - وأما ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب
حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي.
5773 - وحدثنا أبو عبد الرحمن السلمي إملاء قال أخبرنا جدي أبو عمرو

291
حدثنا جعفر بن محمد بن سوار حدثنا قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا الليث عن يزيد بن
أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال:
قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم ولا يقروننا فما ترى في ذلك؟ فقال لنا
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم
حق الضيف الذي ينبغي لهم '.
فقد رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة.
وهو إن كان النزول على أهل الكتاب الذين صولحوا على الضيافة مع الجزية
فعليهم الوفاء بما وقع عليه الصلح.
وإن كان النزول بالمسلمين ووقعت لهم إلى الضيافة لحاجة فإنما عليهم بذلها
لمن اضطر إليها تبذل كما قلنا فيمن اضطر إلى مال الغير. والله أعلم.
وهذا الحديث إنما ورد - والله أعلم - قبل حجة الوداع حين كان يبعث السرايا
ثمن قال في حجة الوداع.
5774 - [أخبرنا] أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ببغداد
حدثنا أبو علي الصواف حدثنا محمد بن يحيى المروزي حدثنا عاصم بن علي حدثنا
عاصم [236 / أ] / بن محمد عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي وهو يقول:
قال عبد الله - وهو ابن عمر - قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في حجة الوداع:
' ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة '.
قالوا: شهرنا هذا. قال:
' أي بلد تعلمونه أعظم حرمة '؟
قالوا: بلدنا هذا. قال:
' أتعلمون أي يوم أعظم '؟

292
قالوا: يومنا هذا. قال:
' فإن الله عز وجل حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة
يومكم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ' ثلاثا.
كل ذلك يجيبونه: ألا نعم.
أخرجه البخاري في الصحيح عن محمد بن عبد الله عن عاصم بن علي نازلا
فيشبه - والله أعلم - أن يكون الحديث في النزول بالمسلمين في غير حال الضرورة
منسوخا بهذا الحديث وغيره في تحريم مال الغير.
أو يكون المراد به النزول بالمعاهدين دون المسلمين بدليل هذا الحديث وما
ورد في معناه. والله أعلم.
قال الشافعي:
وقد قيل أن من الضرورة وجه ثان:
أن يمرض الرجل المرض فيقول له أهل العلم به أو يكون هو من أهل العلم به:
قل ما يبرأ من كان به مثل هذا إلا بأكل كذا أو بشربه.
أو يقال له: إن أعجل ما يبرئك أكل كذا أو شرب كذا فيكون له أكل ذلك وشربه
ما لم يكن خمرا إذا بلغ ذلك ما أسكرته أو شيئا يذهب العقل من المحرمات أو غيرها.
فإذا إذهاب العقل محرم.
وذهاب العقل يمنع الفرائض ويؤدي إلى إتيان المحارم.
قال: ومن قال هذا. قال: أمرني النبي [صلى الله عليه وسلم] الأعراب أن يشربوا ألبان الإبل
وأبوالها.
وقد يذهب الوباء بغير ألبانها وأبوالها إلا أنه أقرب ما هناك أن يذهب عن
الأعراب لإصلاحه لأبدانهم.
قال أحمد:

293
قد مضى حديث العرنيين في كتاب السير.
5775 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه ذكر أن
طارق بن سويد أو سويد بن طارق سأل النبي [صلى الله عليه وسلم] عن الخمر فنهاه ثم سأله فنهاه فقال
له:
يا نبي الله إنها دواء. [236 / ب] / قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لا ولكنها داء '.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث غندر عن شعبة.
وروينا عن أبي الدرداء عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' أن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام '.
وهو محمول على حرام يذهب العقل أو على استعماله وهو غير محتاج إليه فإن
احتاج إلى ما لا يزيل العقل جاز بدليل ما روينا في حديث العرنيين. والله أعلم.
قال أحمد:
وروينا في الخبر عن ابن عمر قال:
أتي النبي [صلى الله عليه وسلم] بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع.
وروينا عن عمر، وابن عمر، وابن مسعود:
كلوا من الجبن ما صنع المسلمون وأهل الكتاب.
وأما الطين الذي يؤكل فقد روي في النهي عن أكله أخبار لم يثبت شيء منها.
قال ابن المبارك:

294
لو علمت أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قاله لحملته على الرأس والعين والسمع والطاعة.
1231 - [باب]
ما حرم على بني إسرائيل
5776 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال الله تبارك وتعالى:
* (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) *.
الآية.
وقال:
* (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) *.
يعني - والله أعلم - طيبات كانت أحلت لهم.
وقال:
* (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) *.
قال الشافعي:
الحوايا: ما حوى الطعام والشراب في البطن. فلم يزل ما حرم الله عز وجل
على بني إسرائيل - اليهود خاصة وغيرهم عامة - محرما من حين حرمه حتى بعث الله
عز وجل محمدا [صلى الله عليه وسلم] ففرض الإيمان به وأمر باتباع نبي الله [صلى الله عليه وسلم] وطاعة أمره.
وبسط الكلام في هذا إلى أن تلا قوله عز وجل:

295
* (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم [237 / أ] / والأغلال
التي كانت عليهم) *.
فقيل: - والله أعلم - أوزارهم وما منعوا بما أحدثوا قبل ما شرع من دين
محمد [صلى الله عليه وسلم].
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وأحل الله جل وعز طعام أهل الكتاب فكان ذلك عند أهل التفسير ذبائحهم.
ولم يستثن منها شيئا.
فلا يجوز أن تحل ذبيحة كتابي وفي الذبيحة حرام على كل مسلم مما كان
حرم على أهل الكتاب قبل محمد [صلى الله عليه وسلم].
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
لأن الله جل وعز أباح ما ذكر عامة لا خاصة.
قال أحمد:
وحديث عبد الله بن مغفل في الشحم الذي وجدوه بخيبر دليل على إباحته.
1232 - [باب]
ما حرم المشركون على أنفسهم
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
حرم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء أبان الله عز وجل أنها ليست
حراما بتحريمهم [وقد ذكرت بعض ما ذكر الله تعالى منها]: وذلك مثل البحيرة

296
والسائبة والوصيلة والحام كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق.
فقال الله جل وعز:
* (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) *.
وقال:
* (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) *.
وذكر الشافعي سائر الآيات التي وردت في ذكر ما حرموا من الأنعام والحرث ثم
قال:
فأعلمهم أنه لا يحرم عليهم بما حرموا.
قال: ويقال: نزل فيهم:
* (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم) *.
فرد إليهم ما أخرجوا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأعلمهم أنه لم
يحرم عليهم ما حرموا بتحريمهم.
وذكر غير ذلك من الآيات التي وردت في معناه.
وبالله التوفيق.
واحتج الشافعي رحمه الله في سنن حرملة في إباحته طعام أهل الكتاب يقول
الله عز وجل:
* (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) *.

297
قال: فاحتمل ذلك الذبائح وما سواها من طعامهم الذي لم ينصب محرما
علينا.
واحتج فيما يغيبون على صنعته من طعامهم:
بأن يهودية أهدت له شاة محنوذة سمتها في ذراعها فأكل منها هو وقال رسول
الله [237 / ب] / [صلى الله عليه وسلم]:
' ما زالت الأكلة التي أكلت من الشاة تعاودني حتى كان هذا أوان قطع
أبهري '.
وهذا اللفظ فيما روينا عن عروة عن عائشة وإهداء اليهودية الشاة وأكله منها فيما
روينا عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك.
5777 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز
حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن برد عن
عطاء عن جابر بن عبد الله قال:
كنا نغروا فنأكل من أوعية المشركين ونشرب من أسقيتهم.

298
44 - كتاب السبق والرمي
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله عز وجل فيما ندب به أهل دينه:
* (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) *
فزعم أهل العلم بالتفسير.
أن القوة هي الرمي.
قال أحمد:
وهذا التفسير فيما:
5778 - أخبرناه طلحة بن علي بن الصقر البغدادي - بها - حدثنا أبو بكر
محمد بن عبد الله الشافعي قال حدثني أبو بكر محمد بن خالد الآجري حدثنا
هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي علي ثمامة أنه
سمع عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
* (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) *.
ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي '.

299
رواه مسلم عن هارون بن معروف.
5779 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي
هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [قال]:
' لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف '.
5780 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي
ذئب عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا سبق [إلا] في حافر أو خف '.
قال أحمد:
ورواه عبد الرحمن بن شيبة عن ابن أبي فديك بإسناده هذا وقال:
' إلا في نصل أو حافر أو خف '.
كما روينا في الحديث الأول.
5781 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر [238 / أ] / وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سابق بين الخيل التي قد أضمرت.

300
5782 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا
المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء فكان أمدها ثنية
الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
5783 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا
الشافعي أخبرنا سفيان أخبرنا إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال:
سابق رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بين الخيل فأرسل ما أضمر منها من الحفياء إلى ثنية الوداع
وما لم يضمر منها من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق.
أخرجه مسلم من حديث ابن عيينة.
5784 - وبإسناده قال حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن
حميد الطويل عن أنس بن مالك قال:
كانت ناقة لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] تسمى العضباء فكانت لا تسبق فجاء أعرابي على
قاعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين فلما رأى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ما في وجوههم
وقالوا له: يا رسول الله سبقت العضباء.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' حق على الله أن لا يرفع في الدنيا شيئا إلا وضعه '.
أخرجه البخاري في الصحيح من أوجه عن حميد.
وروينا في الحديث الثابت عن سلمة بن الأكوع قال:
خرج رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال:

301
' ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا وأنا من بني فلان '.
لأحد الفريقين فأمسكوا أيديهم قال: ' ما لكم ارموا '.
قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال:
' ارموا وأنا معكم كلكم '.
وروي من وجه آخر في هذا الحديث قال:
فرموا عامة يومهم ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضا.
قال الشافعي:
أخبرنا [238 / ب] / ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال:
مضت السنة في النصل والإبل والخيل والدواب حلال.
وهذا أظنه فيما:
5785 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي.
5786 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا
الشافعي أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
سابقت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال:
' هذه بتلك '.
كذا رواه ابن عيينة عن هشام وخالفه أبو أسامة فرواه عن هشام عن رجل عن
أبي سلمة عن عائشة.

302
5787 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب
الشيباني حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير حدثنا
سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من أدخل فرسا بين فرسين ولا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسا بين
فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار '.
رواه أبو داود عن مسدد عن حصين.
وعن علي بن مسلم عن عباد بن العوام كلاهما عن سفيان بن حسين.
5788 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن الزهري بإسناد
عباد ومعناه.
وروينا عن سعيد بن المسيب أنه قال:
ليس برهان الخيل بأس إذا أدخل فيها محلل فإن سبق أخذ السبق وإن سبق لم
يكن عليه شيء.
ورواه أبو الزناد عن أصحابه.
قال الشافعي في أثناء مبسوط كلامه.
وذلك أن يريدا أن يخرجا سبقين من عند أحدهما ولا يجوز حتى يدخلا بينهما
محللا.
والمحلل: فرس أو أكثر.
ولا يجوز حتى يكون كفئا للفرسين لا يأمنا أن يسبقهما المحلل فإن سبقهما

303
المحلل كان ما أخرجا جميعا وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ مال
صاحبه وإن أتيا مستويين لم يأخذ واحد منهما من صاحبه شيئا وإن سبق أحد
الفارسين [239 / أ] / صاحبه فإن سبقه صاحبه كان له السبق وإن سبق صاحبه لم يغرم صاحبه
شيئا وأحرز هو ماله.
فهذا أحد وجوه الاستباق.
والثالث: سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا به فيجعله
للسابق.
وإن شاء جعل للمصلي والثالث والرابع ومن يليه بقدر منا يرى فما جعل
لهم كان لهم على ما جعل لهم.

304
بسم الله الرحمن الرحيم
45 - كتاب الأيمان والنذور
5789 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله:
من حلف بالله أو باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بشيء غير
الله مثل أن يقول الرجل: والكعبة. وأبي وكذا. وكذا. ما كان فحنث فلا كفارة عليه
ومثل ذلك قوله: لعمري.
قال: وكل يمين بغير الله فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت '.
قال الشافعي في كتاب حرملة:
أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن نافع سمع ابن عمر يقول:

305
أدرك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عمر في بعض أسفاره وهو يقول: وأمي وأبي. فقال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت '.
5790 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا يحيى بن الربيع
حدثنا سفيان فذكره بإسناده مثله إلا أنه قال:
عن ابن عمر قال: أدرك.
رواه مسلم في الصحيح عن ابن أبي عمير عن سفيان.
5791 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
سفيان حدثنا الزهري أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال:
سمع النبي [صلى الله عليه وسلم] عمر يحلف بأبيه فقال:
' ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم '.
فقال عمر:
والله ما حلفت بها [239 / ب] / بعد ذاكرا ولا آثرا.
أخرجاه في الصحيح من حديث ابن عيينة.
ورويناه في الحديث الثابت عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك عن
النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء عذب به
في نار جهنم ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله '.

306
5792 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ
حدثنا السري بن خزيمة حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب فذكره.
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي قلابة.
وروينا عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من حلف أنه بريء من الإسلام فإن كان صادقا لم يرجع إلى الإسلام سالما
وإن كان كاذبا فهو كما قال. ومن حلف بالأمانة فليس منا '.
وروينا عن الحسن وقتادة فيمن حلف باليهودية أو النصرانية ثم حنث: ليس عليه
كفارة.
والحديث الذي روي عن سليمان بن أبي داود بإسناده مرفوعا فيه كفارة يمين لا
يصح ولا أصل له من حديث الزهري ولا غيره.
وسليمان بن أبي داود الحراني متروك.
1233 - [باب] من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها
5793 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فواسع له واختار أن يأتي الذي هو
خير ويكفر عن يمينه لقول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن
يمينه '.

307
5794 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا
الأسفاطي - يعني العباس بن الفضل - حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثنا عبد
العزيز بن المطلب حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول
الله [240 / أ] [صلى الله عليه وسلم]:
' من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن
يمينه '.
رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن إسماعيل بن أبي أويس
وأخرجاه من حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وأما الذي روي في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا في هذا
الحديث:
' وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها '.
وفي حديث يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة:
' فأتى الذي هو خير فهو كفارته '.
فإن ذلك لم يثبت.
5795 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة قال أبو داود:
الأحاديث كلها عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' وليكفر عن يمينه إلا ما لا يعبأ به '.
قال أبو داود: قال أحمد بن حنبل:
أحاديث يحيى بن عبيد الله مناكير وأبوه لا يعرف.

308
1234 - [باب] اليمين الغموس
5796 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
ومن حلف عامدا الكذب فقال: والله لقد كان كذا وكذا ولم يكن كفر وأثم
وأساء حيث عمد الحلف بالله باطلا.
فإن قال [قائل] وما الحجة في أن يكفر وقد عمد الباطل؟
قيل: أمر بها قول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه '.
فقد أمره أن يعمد الحنث.
وقول الله تعالى:
* (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى) *.
نزلت في رجل حلف أن لا ينفع رجلا فأمره الله أن ينفعه.
وقول الله عز وجل:
* (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) *.
ثم جعل فيه الكفارة.
وذكر الآية في تحريم قتل الصيد وما جعل الله تعالى فيه من الكفارة من باب لغو
اليمين.
قال أحمد:
أما الحديث الأول:
5797 - فأخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا أبو الأزهر

309
حدثنا وهب بن جرير عن هشام عن الحسن.
5798 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن [240 / ب] / كامل القاضي
حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري وأشهل بن حاتم قالا: حدثنا ابن عون عن
الحسن بن أبي الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسئلة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير
مسئلة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير
وكفر عن يمينك '.
لفظهما سواء.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث ابن عون وذكر رواية أشهل.
وأخرجاه من حديث هشام بن حسان وغيره عن الحسن.
وأما الحديث الآخر:
5799 - فأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا عبيد بن
شريك حدثنا ابن أبي مريم حدثنا ابن أبي الزناد حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] قالت:
كان أبو بكر يعول مسطح بن أثاثة فلما قال في عائشة ما قال أقسم بالله أبو بكر
أن لا ينفعه أبدا فلما أنزل الله:
* (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى) * الآية.
قال أبو بكر:
بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي.
فرد على مسطح وكفر عن يمينه.

310
قال أحمد:
وحديث عطاء بن السائب فيمن حلف بالله الذي لا إله إلا هو فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' بلى فقد فعلت ولكن قد غفر لك بإخلاصك لا إله إلا الله '.
حديث مختلف في إسناده عن عطاء فقيل عنه عن أبي يحيى عن ابن عباس.
وقيل: عنه عن أبي البحتري عن عبيدة عن ابن الزبير.
وحديث ثابت عن أنس في هذا المعنى مختلف في إسناده فرواه عنه أبو قدامة
هكذا.
ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن عمر.
وقد روي عن الحسن عن النبي [صلى الله عليه وسلم] منقطعا.
فالله أعلم.
1235 - [باب] الحلف بصفات الله جل وعز
5800 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
وإن قال لعمرو الله فإن أراد اليمين فهو يمين فإن قال وحق الله وعظمة الله [241 / أ] /
وجلال الله وقدرة الله يريد بهذا كله اليمين أو لا نية له فهي يمين.
قال أحمد:
روينا في الحديث الثابت عن عائشة في قصة الإفك قول سعد بن عبادة:
كذبت لعمرو الله لا تقتله ولا تقدر على قتله.
وقول أسيد بن حضير.
كذبت لعمرو الله لنقتلنه.

311
وكان ذلك بمشهد النبي [صلى الله عليه وسلم].
وفي حديث أنس بن مالك عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في الذي يغمس في الجنة فيقال له:
' هل رأيت بؤسا قط فيقول: لا وعزتك وجلالك '.
وفي حديث أنس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في قصة الشفاعة قال:
' فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. فيقول: ليس ذلك إليك ولكني
وعزتي وكبريائي وعظمتي وجلالي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله '.
وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في حديث الاستخارة:
' اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك '.
وفي حديث ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' أعوذ بعزتك '.
وفي حديث خولة بنت حكيم عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق '.
وفي حديث أبي مسعود أنه دخل على حذيفة فقال:
أعهد إلي فقال: ألم يأتك اليقين؟
فقال: بلى وعزت ربي.
وسئل ابن عمر عن الخمر فقال:
لا وسمع الله لا يحل بيعها ولا ابتياعها.

312
وروينا عن عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلا يحلف بسورة البقرة فقال:
أتراه مكفرا عليه بكل آية يمين.
وروينا عن الحسن البصري عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية كفارة إن شاء بر وإن شاء فجر '.
وعن مجاهد عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله.
ففي هذين المرسلين مع قول عبد الله بن مسعود دلالة على أن الحلف بها
يكون يمينا في الجملة وإنما ترك القول بما فيه التغليظ استدلالا بقوله جل وعز:
* (فكفارته إطعام عشرة مساكين) *.
ولم يفرق بين أن يكون يمينه بالقرآن أو بغيره من أسماء الله وصفاته [241 / ب] / وقول
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه '.
والظاهر أنه أمر بعد الحنث بكفارة واحدة فلم يجب قبله ولم يجب أكثر من
واحدة.
والله أعلم.
وإنما قدم هذا الخبر عليه لثبوته وصحة أسانيده وذهاب أكثر أهل العلم إلى
القول به دون ما [قيل] قبله من التغليظ والله أعلم.
5801 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن أبي نصر حدثني
حمد بن عمرو المعدل حدثنا محمد بن عبد الله بن فورش عن علي بن سهل الرملي
قال سألت محمد بن إدريس الشافعي عن القرآن فقال:
كلام الله غير مخلوق.

313
ورواه الربيع عن أبي الأشعث المصري عن الشافعي.
وروينا في الحديث الثابت عن ابن عمر في قصة أسامة بن زيد قول النبي [صلى الله عليه وسلم]
لأبيه زيد بن حارثة.
' وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة '.
وفي الحديث الثابت عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في قصة سليمان بن داود عليه
السلام:
' وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله '.
وروينا في حديث قتادة قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه بين يدي
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
لاها الله إذا.
وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه قال:
إذا أقسمت فليس بشيء حتى تقول: أقسمت بالله.
ورواه رشد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس في قوله:
أقسم وأشهد لا يكون يمينا حتى يقول بالله.
وروي ذلك عن الحسن البصري رحمة الله عليه.
1236 - [باب] من قال علي نذر ولم يسم شيئا
قال الشافعي رحمه الله:

314
فلا نذر ولا كفارة. وبسط الكلام في حجته.
وقد روينا عن ابن عباس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين '.
واختلفوا في رفعه.
وروي ذلك عن علية بن عامر مرفوعا.
والرواية الصحيحة عن عقبة بن عامر عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' كفارة النذر كفارة اليمين '.
وهو عند جماعة من أهل العلم [242 / أ] / محمول على نذر اللجاج الذي يخرج مخرج
الإيمان.
والله أعلم.
1237 - [باب] الاستثناء في اليمين
5802 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا
المزني يقول قرأت على الشافعي عن سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من حلف يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى '.

315
ورواه وهيب بن خالد وعبد الوارث وحماد بن سلمة وابن علية عن أيوب
مرفوعا.
ثم شك أيوب في رفعه فتركه.
قال حماد بن زيد.
ورواه مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر موقوفا.
من قال: والله ثم قال إن شاء الله فلم يفعل الذي حلف عليه لم يحنث.
ورواه موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر كذلك موقوفا.
وقال فيه: ثم وصل الكلام بالاستثناء.
وفي رواية فقال:
في إثر يمينه إن شاء الله.
وروي عن سالم عن ابن عمر قال:
كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه وإن كان غير موصول فهو حانث.
1238 - [باب] لغو اليمين
5803 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين
أنها قالت:
لغو اليمين قول الإنسان: لا والله بلى والله.
وفي رواية أبي سعيد قال:

316
قلت للشافعي: ما لغو اليمين؟
قال: الله أعلم.
أما الذي نذهب إليه فما قالت عائشة ثم ذكر الحديث.
ثم قال اللغو في لسان العرب: الكلام غير المعقود عليه فيه وجماع اللغو أن
يكون الخطأ.
وبسط الكلام فيه إلى أن قال:
وكانت عائشة أولى أن تتبع لأنها أعلم باللسان مع علمها بالفقه.
5804 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان حدثنا عمرو وابن جريج عن عطاء قال:
ذهبت أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة وهي معتكفة في ثبير فسألناها عن قول الله [242 / ب] /
عز وجل:
* (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) *.
قالت: هو حلف لا والله وبلى والله.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
اللغو اليمين كما قالت عائشة - والله أعلم -.
قول الرجل: لا والله وبلى والله وذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة لا
يعقد على ما حلف عليه.
وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه.
وبسط الكلام فيه.
قال أحمد:
حديث هشام بن عروة قد أخرجه البخاري في الصحيح كذلك موقوفا.

317
وحديث عطاء عن عائشة قد روي عن إبراهيم الصائغ عنه مرفوعا وروي عنه
موقوفا.
والصحيح موقوف كذلك رواه الجماعة عن عطاء عن عائشة.
وروي عن ابن عباس مثل قول عائشة.
5805 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال أبو علي الماسرجسي فيما أخبرت
عنه عن محمد بن سفيان عن يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي:
* (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) *.
ليس فيه إلا قول عائشة حلف الرجل على الشيء بسبقته ثم يجده على غير
ذلك.
قال أحمد:
هكذا وجدته في رواية يونس:
وكذلك رواه عمر بن قيس عن عطاء عن عائشة في هذه الآية قالت:
حلف الرجل على علمه ثم لا يجده على ذلك فليس فيه كفارة. وعمر بن
قيس ضعيف.
ورواية الثقات عن عطاء كما مضى.
ورواه ابن وهب عن الثقة عنده عن الزهري عن عروة عن عائشة.
وهو مجهول.
ورواية هشام بن عروة عن أبيه على ما مضى وتلك الرواية أصح.
ونص الشافعي في رواية الربيع على وجوب الكفارة فيه.
ونحن قد رويناه صحيحا عن الحسن ومجاهد.
والله أعلم.

318
1239 - [باب] الكفارة قبل الحنث
5806 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
ومن حلف بالله على شيء فأراد أن يحنث فأحب إلي لو لم يكفر حتى يحنث
وإن كفر قبل الحنث بإطعام رجوت أن يجزي عنه وإن كفر بصوم قبل الحنث [243 / أ] / لم يجز
عنه.
وذلك أنا نزعم أن الله حقا على العباد في أنفسهم وأموالهم فالحق الذي في
أموالهم إذا قدموه قبل محله أجزأ
وأصل ذلك أن النبي [صلى الله عليه وسلم] تسلف من العباس صدقة عام قبل أن يدخل.
وأن المسلمين قد قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر.
فجعلنا الحقوق التي في الأموال قياسا على هذا.
فأما الأعمال التي على البدن فلا تجزي إلا بعد مواقيتها كالصلاة والصوم.
قال أحمد:
هذا هو الأصل الذي اعتمد عليه الشافعي في هذا وقد:
5807 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن عتاب
العبدي ببغداد حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي حدثنا مسلم بن إبراهيم
حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن حدثنا عبد الرحمن بن سمرة قال قال لي
رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
5808 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب
الحافظ حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير بن حازم
حدثنا الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسئلة وكلت

319
إليها وإن أعطيت عن غير مسئلة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها
خيرا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير '.
لفظ حديثهما سواء.
رواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فروخ.
ورواه البخاري عن أبي النعمان وغيره عن جرير.
وكذلك رواه سليمان وقرة بن خالد ويزيد بن إبراهيم عن الحسن.
وكذلك رواه عبد الله بن بكر عن هشام بن حسان عن الحسن عن عبد
الرحمن بن سمرة.
وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يونس وحميد وثابت وحبيب عن الحسن عن
عبد الرحمن بن سمرة.
ورواه قتادة عن الحسن عن عبد الرحمن أن نبي الله [صلى الله عليه وسلم] قال له: فذكره وقال:
' تكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير '.
ورواه هشيم عن منصور بن زاذان وحميد ويونس.
[243 / ب] / ورواه حماد بن زيد عن سماك بن عطية ويونس بن عبيد وهشام كلهم عن
الحسن نحو رواية ابن عون عن الحسن:
' فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك '.
واختلف فيه أيضا عن سهيل بن أبي صالح عن أبي عن أبي هريرة عن
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
فرواه عنه عبد العزيز بن المطلب كما مضى.
وكذلك رواه أبو حازم عن أبي هريرة.

320
ورواه مالك وسليمان بن بلال عن سهيل:
' فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير '.
ورواه أبو ثور عن الشافعي عن مالك.
5809 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا الوليد الفقيه حدثهم قال: حدثنا
محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد حدثنا أبو عبد
الله محمد بن إدريس الشافعي حدثنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو
خير '.
5810 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي
حدثنا أبو عمرو بن المبارك المستملي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن زيد عن
غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال: أتيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في
نفر من الأشعريين أستحمله فقال:
' والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم '.
ثم لبثنا ما شاء الله فأتي بإبل فأمر لنا بثلاثة ذود فلما انطلقنا قال بعضها لبعض:
لا يبارك الله لنا أتينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نستحمله فحلف لا يحملنا فحملنا.
قال أبو موسى: فأتينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فذكرنا ذلك له فقال:
' ما أنا حملتكم بل الله حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى
خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير '.
5811 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس المحبوبي حدثنا
سعيد بن مسعود حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا حماد بن زيد فذكره بإسناده ومعناه
مختصرا إلا أنه قال:

321
فأعطانا ثلاثة ذود عز الذرى.
رواه البخاري ومسلم [244 / أ] / في الصحيح عن قتيبة.
وكذلك رواه جماعة عن حماد.
ورواه سليمان بن حرب في جماعة عن حماد بالشك.
ورواه حماد أيضا عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم وعن القاسم الكليني عن
زهدم عن أبي موسى واختلف عليه فيه.
ورواه عدي بن حاتم عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وقال:
' فليكفرها وليأت الذي هو خير '.
قال أبو داود في السجستاني:
روي حديث كل واحد منهم ما دل على الحنث قبل الكفارة وبعضها ما دل على
الكفارة بعد الحنث وأكثرها فليكفر يمينه وليأت الذي هو خير.
5812 - أخبرنا بذلك أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة عن أبي داود.
وروينا عن نافع عن ابن عمر أنه كان ريما كفر يمينه قبل أن يحنث وربما كفر
بعد ما يحنث.
1240 - [باب] الإطعام في كفارة اليمين أو الكسوة أو تحرير رقبة
5813 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
ويجزي في كفارة اليمين مد بمد النبي [صلى الله عليه وسلم] من حنطة وإن كان أهل بلد يقتاتون
الذرة أو الأرز أو التمر أو الزبيب أجزأ من كل واحد من ذا مد.

322
وإنما قلنا يجزي لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أتي بعرق تمر فدفعه إلى رجل وأمره أن
يطعمه ستين مسكينا.
والعرق فيما يقدر خمسة عشر صاعا وذلك ستون مدا لكل مسكين مد.
قال أحمد:
قد روينا هذا في حديث الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن
أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في قصة المجامع قال:
فأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] بعرق وفيه تمر خمسة عشر صاعا. قال:
' خذ فتصدق به '.
وقيل فيه: عن الزهري عن عمرو بن شعيب في تقديره بخمس عشر صاعا.
وأما حديث سعيد بن المسيب حيث قال فيه:
خمسة عشر صاعا أو عشرين صاعا.
فقد قال الشافعي رحمه الله:
أكثر ما قال سعيد بن المسيب: مد وربع أو مد وثلث.
وإنما هذا شك أدخله ابن المسيب والعرق كما وصفت [244 / ب] / كان يقدر على خمسة
عشر صاعا.
قال أحمد:
هذا الشك يشبه أن يكون من جهة راويه عن ابن المسيب - وهو عطاء
الخراساني - وليس بالقوي في الحديث.
وقد رواه طلق بن حبيب وإبراهيم بن عامر عن ابن المسيب خمسة عشر صاعا
من غير شك.

323
قال الشافعي:
وليس له إذا كفر بالطعام - يعني كفارة اليمين - أن يطعم أقل من عشرة.
قال: وأقل ما يكفي من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من عمامة أو سراويل
أو إزار أو مقنعة وغير ذلك.
قال: وإذا أعتق في كفارة اليمين لم يجزه إلا رقبة مؤمنة.
ويجزي ولد الزنا وكل ذي نقص بعيب لا يضر بالعمل إضرارا بينا.
وبسط الكلام في شرح هذه الأصناف الثلاثة.
5814 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال:
من حلف على يمين فوكدها فعليه عتق رقبة.
أورده فيما ألزم أصحاب مالك في خلاف ابن عمر وقد:
5815 - أخبرنا أبو زكريا أخبرنا أبو الحسن بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد
حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول:
من حلف بيمين فوكدها ثم حنث فعليه عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين ومن
حلف بيمين فلم يؤكدها فحنث فعليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
قال أحمد:
وظاهر الكتاب يدل على التخيير بين الإطعام والكسوة والإعتقاق في جميع
ذلك.
وفي حديث علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في آية كفارة اليمين: هو
بالخيار في هؤلاء الثلاث الأول فإن لم يجد شيئا من ذلك فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
5816 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا

324
الحسن بن علي بن عفان حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان
إذا كفر يمينه أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد.
وهذا بالمد الأول.
وروينا عن زيد بن ثابت أنه قال في كفارة اليمين:
مد من حنطة لكل مسكين.
وروينا [245 / أ] / عن ابن عباس أنه قال:
لكل مسكين مد من حنطة ريعه ادامه.
وروينا عن أبي هريرة أنه قال:
ثلاثة أشياء فيهن مد: مد في كفارة اليمين. وكفارة الظهار. وفدية طعام مسكين.
قال أحمد:
يريد بها فدية الحامل والمرضع والشيخ الكبير.
وأما فدية الأذى في الإحرام: فهي نصف صاع لكل مسكين فبذلك ورد خبر
كعب بن عجرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فنقول فيها بما ورد فيه الخبر.
وكذلك فيما كان في معناها.
ونقول بخبر أبي هريرة في قصة المواقع في شهر رمضان فيما ورد فيه كفارة
الجماع وكذلك ما كان في معناها ولا نترك بحمد الله ونعمته أحد الحديثين بل نقول
بهما جميعا. وبالله التوفيق.
وأما الذي روي عن يسار بن نمير عن عمر بن الخطاب: أني أحلف أن لا
أعطي أقواما ثم يبدو لي فإذا رأيتني قد فعلت ذلك فأطعم عني عشرة مساكين بين كل
مسكين صاعا من بر أو صاعا من تمر.

325
فيحتمل أن يكون استحب أن يعطي أكثر ما ورد في الكفارات وإن كان يجزي
في اليمين أقل منه والله أعلم.
قال الشافعي في كتاب الأيمان المسموع من أبي سعيد بإسناده:
كل من وجب عليه صوم ليس بمشروطا عليه في كتاب الله أن يكون متتابعا
أجزأه أن يكون متفرقا قياسا على قول الله تبارك وتعالى في قضاء رمضان:
* (فعدة من أيام أخر) *.
والعدة: أن يأتي بعدد صوم لا ولاء.
وقال في كتاب الصيام الكبير:
وصوم كفارة اليمين متتابع والله أعلم.
قال أحمد:
قد روينا عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ:
فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
وروي أيضا عن ابن مسعود.
والرواية عنهما وقعت مرسلة. والله أعلم.
1241 - [باب] يمين المكره والناسي وحنثهما
5817 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
أصل ما أذهب إليه أن يمين المكره غير ثابتة عليه لما احتججت من الكتاب
والسنة.
أما الكتاب: [245 / ب] / فأحتج منه بقوله عز وجل:

326
* (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) *.
قال الشافعي:
وكان المعنى الذي عقلنا أن قول المكره كما لم يقل في الحكم.
وأما السنة:
فلعله أراد ما روينا عن عطاء عن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس عن
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه '.
قال الشافعي:
وقول عطاء: أنه يطرح عن الناس الخطأ والنسيان وقال في موضع آخر من هذا
الكتاب فيمن حلف أن لا يكلم فلانا فمر عليه فسلم وهو عامد السلام عليه وهو لا
يعرفه ففيها قولان:
فأما قول عطاء فلا يحنث لأنه يذهب إلى أن الله عز وجل وضع عن الأمة الخطأ
والنسيان.
وفي قول غيره يحنث.
قال أحمد:
وروينا عن عباد بن صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
' إنما اليمين على نية المستحلف '.
وفي رواية أخرى:
' يمينك على ما يصدقك به صاحبك '.

327
وهذا في الأيمان التي تكون في الحكومات عند الحكام.
قال أحمد:
روينا عن ابن عباس أنه قال في الحين:
قد يكون غدوة وعشية.
وعن علي قال: ستة أشهر.
وعن عكرمة في قوله:
* (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) *.
ما يدري كم أتى منذ خلقه الله.
وفي قوله:
* (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) *.
ما بين صرام النخل إلى وقت ثمرها.
وعن قتادة في قوله:
* (ولتعلمن نبأه بعد حين) *.
قال: بعد الموت.
* (وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين) *.
ثلاثة أيام.
وفي قوله:

328
(تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) *.
قال: سبعة أشهر. وقال مرة: ستة أشهر.
وعن الحسن قال:
ما بين ستة أشهر والسبعة.
وعن ابن المسيب قال:
شهرين. وقال مرة: ستة أشهر.
وقال ربيعة: سنة.
وفي كل ذلك دلالة على أن الحين لا حد له.
قال الشافعي:
ليس في الحين وقت معلوم وذلك أن الحين قد يكون مدة الدنيا كلها وما هو
أقل [246 / أ] / منها إلى يوم القيامة.
والفتيا لمن قال هذا أن يقال له:
إنما حلفت على ما لا نعلم ولا نعلمك مصيرك إلى علمنا والورع لك أن تقضيه
قبل انقضاء يوم ولا نحنشك أبدا.
5818 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيمن
قال والله لأقضين حقك إلى حين. فذكره قال:
5819 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي:
وإذا حلف الرجل ما له مال وله عرض أو دين أو هما حنث لأن هذا مال إلا أن
يكون نوى شيئا.
قال أحمد:
وقد روينا عن سويد بن هبيرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' خير مال المرء مهره مأمورة أو سكة مأبورة '.

329
وروينا عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال:
رأيت النبي [صلى الله عليه وسلم] أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال:
' هذه إدام هذه ' وأكلها.
وفي هذا دلالة على أنه قد يكون ما لا يصطبغ فيه إذا سمي في العادة إدما.
1242 - [باب] من جعل شيئا من ماله صدقة أو في سبيل الله
5820 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله فيمن قال مالي هذا في سبيل الله أو داري هذه في سبيل الله أو غير ذلك مما يملك
صدقة أو في سبيل الله:
إذا كان على معاني الأيمان فالذي يذهب إليه عطاء أنه يجزيه من ذلك كفارة
يمين.
ومن قال هذا القول قاله في كل ما حنث فيه سواء عتق أو طلاق.
وكان مذهب عائشة والقياس ومذهب عدد من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم]. والله
أعلم.
5821 - أخبرنا أبو بكر بن الحسن وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا ابن عبد الحكم أخبرني عبد الله بن عمر عن منصور بن عبد الرحمن
الحجبي عن أمه عن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] أنها سئلت عن امرأة جعلت مالها في رتاج
الكعبة فقالت عائشة: يمين يكفر.

330
قال: وأخبرنا ابن وهب قال أخبرني بن جريج عن عطاء بن أبي رباح [246 / ب] / عن
عائشة مثله.
ورواه الثوري عن منصور عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة أن رجلا أو امرأة
سألتها عن شيء كان بينها وبين ذي قرابة لها فجعلت إن كلمته فما لها في رتاج
الكعبة.
فقالت عائشة:
يكفره ما يكفر اليمين.
وهو في الجامع.
5822 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب
عن سعيد بن المسيب:
أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال:
إن عدت تسألني القسمة فكل مال لي في رتاج الكعبة.
فقال له عمر:
إن الكعبة غنية عن مالك كفر عن يمينك وكلم أخاك سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
يقول:
' لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم ولا فيما لا
تملك '.
وروينا عن أبي رافع في امرأة حلفت بأن مالها في سبيل الله إن لم تفرق بينه
وبين امرأته فسألت عائشة وابن عمر، وابن عباس وحفصة وأم سلمة:

331
فأمروها أن تكفر يمينها وتخلي بينهما.
وفي بعض الروايات:
وعليها المشي إلى بيت الله إن لم تفرق بينهما.
5823 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافي فيمن
حلف بالمشي إلى بيت الله.
ففيها قولان أحدهما معقول معنى قول عطاء:
أن [كل] من حلف بشيء من النسك صوم أو حج أو عمرة فكفارته كفارة
يمين إذا حنث ولا يكون عليه حج ولا عمرة ولا صوم.
ومذهبه أن أعمال البر لله لا تكون إلا الفرض بفرض يؤديه من فرض الله
عليه أو تبررا يريد الله به.
فأما على غلق الأيمان فلا يكون تبررا.
قال أحمد:
قد روينا في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إنما النذر ما ابتغى به وجه الله جل وعز '.
5824 - أخبرناه عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤدب أخبرنا أبو بكر بن
خنب أخبرنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر [247 / أ] بن أبي
أويس عن سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب فذكره.

332
وروينا في حديث كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن شماسة المهري عن أبي
الخير عن عقبة بن عامر الجهني عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' كفارة النذر كفارة اليمين '.
5825 - أخبرناه أبو زكريا في آخرين قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا محمد بن
عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن كعب بن
علقمة. فذكره غير أن ذكر أبي الخير سقط من إسناده.
رواه مسلم في الصحيح عن هارون بن سعيد وغيره عن ابن وهب.
5826 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد حدثنا الحسن بن سفيان
حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب فذكره.
5827 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال وسمعت الشافعي
وسأله رجل عن المشي فحنث بالمشي إلى الكعبة:
فأفتاه بكفارة يمين. فقال له الرجل.
بهذا تقول يا أبا عبد الله؟ قال: هذا قول من هو خير مني قال: من هو؟ قال:
عطاء بن أبي رباح.
قال الشافعي:
وقد قال غير عطاء عليه المشي كما يكون عليه إذا نذره متبررا.
وقال غيره في الصدقة يتصدق بجميع ما يملك إلا أنه قال: ويحبس قدر ما يقوته
فإذا أيسر تصدق بالذي حبس.
وذهب غيره إلى أن يتصدق بثلث ماله.
وغيره إلى أن يتصدق بالزكاة.

333
قال أحمد:
قد روى عثمان بن أبي حاضر في امرأة قالت:
مالها في سبيل الله وجاريتها حرة إن لم تفعل ذلك فسئل عن ذلك ابن عباس
وابن عمر فقالا:
أما الجارية فتعتق وأما قولها مالي في سبيل الله فتصدق بزكاة مالها.
وقد روينا عن ابن عباس وابن عمر ما دل على جواز التكفير. والله أعلم.
ولا حجة لمن ذهب إلى أنه يتصدق بثلث ماله في حديث أبي لبابة حين تاب
الله [عليه]: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأنخلع من
مالي صدقة إلى الله وإلى [247 / ب] / رسوله.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' يجزئ عنك الثلث من مالك '.
فإنه لم يبلغنا أنه نذر شيئا أو حلف على شيء فحنث ولكنه أراد أن يتصدق
بجميع ماله شكرا لله تعالى حين تاب عليه فأمره أن يمسك بعض ماله كما قال
لكعب بن مالك حين قال ذلك.
' أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك '.
1243 - [باب]
من نذر نذرا في معصية الله جل وعز
5828 - [أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:

334
وأصل معقول عطاء في معاني النذور من هذا أنه يذهب إلى أن: من نذر نذرا
في معصية الله لم يكن عليه قضاؤه ولا كفارة وذلك أن يقول لله علي إن شفاني أو شفي
فلانا أن أنحر ابني أو أفعل كذا من الأمر الذي لا يحل له أن يفعله.
قال: وإنما أبطل الله النذر في البحيرة والسائبة لأنها معصية ولم يذكر في ذلك
كفارة وبذلك جاءت السنة.
5829 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الإيلي عن القاسم بن
محمد عن عائشة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعص الله فلا يعصيه '.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك.
5830 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب بن أبي
أميمة السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا نذر في معصية ولا في ما لا يملك ابن آدم '.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
وكان في حديث عبد الوهاب الثقفي بهذا الإسناد أن امرأة من الأنصار نذرت
وهربت على ناقة النبي [صلى الله عليه وسلم] إن نجاها الله عليها لتنحرنها.

335
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] هذا القول وأخذ ناقته ولم يأمرها أن تنحر مثلها ولا تكفر.
[248 / أ] / قال الشافعي:
وبذلك نقول أن من نذر تبررا أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر
ساقط عنه.
5831 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن طاوس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] مر بأبي إسرائيل وهو قائم
في الشمس فقال:
' ما له '؟
فقالوا: نذر أن لا يستظل ولا يقعد ولا يكلم أحدا ويصوم.
فأمره النبي [صلى الله عليه وسلم] أن يستظل ويقعد وأن يكلم الناس ويتم صومه ولم يأمره بكفارة.
قال أحمد:
هذا مرسل جيد.
وقد روى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال:
بينما النبي [صلى الله عليه وسلم] يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه؟
فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم ولا
يفطر. فقال:
' مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه '.
5832 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب فذكره.
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل.

336
قال الشافعي:
فقال قائل في رجل نذر أن يذبح نفسه قال:
يذبح كبشا.
وقال قائل: في رجل آخر ينحر مائة من الإبل واحتجا معا فيه بشيء روي عن
بعض أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم].
ثم ساق الشافعي رحمه الله الكلام في حجته إلى أن قال:
فإن قال فاجعله أصلا بقول الذي قاله قيل له - إن شاء الله - فقد اختلف قوله فيه
فإنه الأصل والسنة موجودة بإبطاله ولا حجة مع السنة.
قال أحمد:
وهذا كما قال فقد:
5833 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أبو القاسم الطبراني أخبرنا ابن
أبي مريم حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في
رجل نذر أن يذبح نفسه قال:
* (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *.
فأفتاه بكبش.
ورواه عثمان بن عمر عن ابن جريج فيمن نذر أن ينحر ابنه ورواية الثوري
أصح.
[248 / ب] / فكذلك روي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن جريج فيمن نذر أن ينحر
نفسه.
ورواه عكرمة عن ابن عباس في رجل نذر أن يذبح ابنه قال يذبح كبشا.
ورواه القاسم بن محمد عن ابن عباس في امرأة نذرت أن تنحر ابنها قال:

337
لا نتحري ابنك وكفري عن يمينك.
ورواه كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: إني نذرت
أن أنحر نفسي فذكر الحديث إلى أن قال:
أتجد مائة من الإبل؟
قال: نعم.
قال: فاذهب فانحر في كل عام ثلثا لا يفسد اللحم.
5834 - أخبرنا أبو محمد - يعني عبد الله بن يوسف أخبرنا أبو سعيد بن
الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد
عن كريب عن ابن عباس فذكره.
واختلاف فتاويه في هذا تدل على أنه كان يقولها على رأيه ولو كان عرف فيه
توقيفا لم يختلف قوله فيه.
أما حديث يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين '.
فهذا حديث لم يسمعه الزهري من أبي سلمة إنما سمعه من سليمان بن أرقم
عن يحيى بن أبي كثير.
وبمعناه رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة.
كذلك رواه محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن الزهري.
وسليمان بن الأرقم متروك والحديث عند غيره عن يحيى بن أبي كثير عن
محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
كذلك رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير.

338
وبمعناه رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير إلا أن في حديث الأوزاعي:
' لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين '.
وكذلك رواه حماد بن زيد عن محمد بن الزبير ورواه أبي عروبة عن محمد بن
الزبير وقال:
' لا نذر في معصية الله '.
ورواه عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن الزبير عن أبيه أن رجلا حدثه أنه سأل
عمران بن حصين عن رجل حلف أنه لا يصلي في مسجد قومه.
فقال عمران [249 / أ] / سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين '.
وفي هذا دلالة على أن أباه لم يسمعه من عمران.
ورواه ابن إسحاق عن محمد بن الزبير عن رجل صحبه عن عمران.
ورواه الثوري عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين إلا أنه
قال:
' لا نذر في معصية أو في غضب '.
فهذا حديث مختلف في إسناده ومتنه كما ذكرنا ولا تقوم الحجة بأمثال ذلك.
وقد روينا عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال:
محمد بن الزبير الحنظلي منكر الحديث وفيه نظر.
5835 - أخبرناه أبو سعيد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال سمعت ابن
حماد يذكره عن البخاري.

339
قال أحمد:
وإنما الحديث فيه عن الحسن عن هياج بن عمران البرجمي: أن غلاما لأبيه
أبق فجعل لله عليه إن قدر عليه ليقطعن يده فلما قدر عليه بعثني إلى عمران بن حصين
فسألته فقال:
إني سمعت النبي [صلى الله عليه وسلم] يحث في خطبته على الصدقة وينهي عن المثلة فقل
لأبيك فليكفر عن يمينه وليتجاوز عن غلامه.
قال وبعثني إلى سمرة فقال مثل ذلك.
5836 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أحمد عن سلمان الفقيه حدثنا
جعفر بن أبي عثمان الطيالسي حدثنا محمد بن سنان العوفي حدثنا همام عن قتادة عن
الحسن فذكره.
هذا أصح ما روي فيه عن عمران واختلف في الذي رواه عنه الحسن فقيل
هكذا وقيل حيان بن عمران البرجمي.
والأمر بالتكفير فيه موقوف على عمران وسمرة.
والذي روي عن ابن عباس مرفوعا.
' من نذر نذرا في معصية الله فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته
كفارة يمين '.
لم يثبت رفعه والله أعلم.
وحكينا عن الربيع بن سليمان أنه قال في هذه المسألة قول آخر.
من نذر أن يفعل معصية فلا يفعلها وعليه كفارة يمين كما لو قال والله لأقتلن
فلانا فلا يقتله وعليه كفارة.
[249 / ب] / قلت: وهذا قول يوافق هذه الآثار.

340
1244 - [باب]
النذور
وروى الشافعي في سنن حرملة عن سفيان بن عيينة الحديث الذي:
5837 - أخبرناه أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي
أخبرني عبد الله بن صالح حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج
عن أبي هريرة. وعن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]: يزيد
أحدهما على صاحبه أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' قال الله تبارك وتعالى إن النذر لا يأتي على ابن آدم شيئا لم أقدره عليه وإنما هو
شيء أستخرج به من البخيل يؤتيني عليه ما لا يؤتيني على البخل '.
هذا الحديث قد أخرجه البخاري من حديث شعيب بن أبي حمزة عن أبي
الزناد.
وأخرجه مسلم من حديث عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج بمعناه.
1245 - [باب]
من نذر أن يمشي إلى بيت الله عز وجل
5838 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
ومن نذر تبررا أن يمشي إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشي إن قدر على المشي
وإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا لأنه لم يأت بما نذر كما نذر.
قال أحمد:
وروينا عن عبد الله بن عمر أنه قال:

341
إذا نذر الإنسان على مشي إلى الكعبة فهذا نذر فليمش إلى الكعبة.
وأما الركوب عند العجز فلما:
5839 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر محمد بن مهرويه بن عباس
الرازي حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني حميد عن
ثابت عن أنس قال:
مر شيخ كبير يتهادى بين ابنيه.
فقال [صلى الله عليه وسلم]:
' ما بال هذا '؟
قالوا: نذر يا رسول الله أن يمشي. قال:
' إن الله عز وجل عن تعذيب هذا نفسه لغني '.
وأمره أن يركب فركب.
أخرجاه في الصحيح من حديث حميد.
وأخرجه مسلم [250 / أ] / أيضا من حديث أبي هريرة.
5840 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرنا يحيى بن
أيوب أن يزيد بن أبي حبيب أخبره أن أبا الخير أخبره عن عقبة بن عامر أنه قال نذرت
أختي أن تمشي إلى بيت الله فأمرتني أن أستفتي لها النبي [صلى الله عليه وسلم] فاستفتيت لها النبي [صلى الله عليه وسلم]
فقال:
' لتمش ولتركب '.

342
قال وكان أبو الخير لا يفارق عقبة.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي عاصم عن ابن جريج.
ورواه مسلم عن محمد بن حاتم وغيره عن روح.
قال أحمد:
هذا هو الصحيح في هذه القصة بهذا اللفظ ليس فيها ذكر الهدي.
وقد روى مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس:
أن أخت عقبة نذرت أن تحج ماشية وأنها لا تطيق ذلك فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إن الله لغني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة '.
5841 - أخبرناه أبو الحسن العلوي أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال
حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن مطر
الوراق. فذكره.
وهذا رواه همام بن يحيى في إحدى الروايتين عنه عن قتادة عن عكرمة.
وروي عنه في رواية أخرى:
' وتهدي هديا '.
وخالفه هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة فروياه عن قتادة دون ذكر الهدي
فيه.
وأرسله سعيد بن أبي عروبة.

343
وكذلك رواه خالد الحذاء عن عكرمة دون ذكر الهدي فيه.
ورواه سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة عن عقبة بن عامر دون ذكر الهدي
فيه.
ورواه شريك القاضي عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن
ابن عباس وقال فيه:
' لتحج راكبة وتكفر يمينها '.
وهذا مما تفرد به شريك.
وقد روي ذلك في حديث حيي بن عبد الله المعافري عن أبي حيي عبد
الرحمن الحبلي عن [250 / ب]
عقبة وليس بالقوي.
ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن زحر عن أبي سعيد الرعيني
عن عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر الجهني قال: نذرت أختي أن تحج لله ماشية
غير مختمرة فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' مر أختك فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام '.
ورواه الثوري عن يحيى واختلف عليه في إسناده.
قال البخاري في التاريخ:
لا يصح فيه الهدي. يعني: في حديث عقبة بن عامر.
قال أحمد:
وروي عن الحسن عن عمران بن حصين أنه قال فيمن نذر أن يحج ماشيا:
فليهد هديا وليركب.

344
وفي رواية أخرى:
فليهد بدنة وليركب.
وروي فيه عن الحسن عن علي وكلاهما منقطع وموقوف.
5842 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن
ابن علية عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن علي في الرجل يجعل عليه المشي قال:
يمشي فإن عجز ركب وأهدى بدنة.
قال الشافعي:
وهم يقولون يمشي إن أحب وكان مطيعا وإلا ركب وأهدى شاة.
ونحن نقول: ليس لأحد أن يركب وهو يستطيع أن يمشي بحال وإن عجز ركب
وأهدى.
فإذا صح مشى الذي ركب وركب الذي مشى حتى يأتي به كما نذره.
وكأنه ذهب إلى ما:
5843 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عروة بن أذينة قال:
خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله حتى إذا كانت ببعض الطرق
عجزت فسألت عبد الله بن عمر فقال عبد الله بن عمر:
مرها فلتركب ثم لتمش من حيث عجزت.
قال مالك: وعليها هدي.
5844 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال:
كان علي مشى فأصابتني خاصرة فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي

345
رباح وغيره فقالوا:
عليك هدي فلما قدمت المدينة سألت [علماءها] فأمروني أن أمشي من
حيث عجزت فمشيت مرة أخرى.
وهذا إنما أورده إلزاما لأصحاب مالك فيما تركوا من قول ابن عمر وأهل
المدينة [251 / أ] / في إيجاب الهدي ولم يرووا عنهم أنهم أمروها بهدي.
وفيما تركوا من قول عطاء وغيره في إيجاب الهدي وهم أمروه بهدي ولم يأمروه
بمشي.
قال أحمد:
وروى الشعبي عن ابن عباس مثل قول ابن عمر إلا أنه قال:
وينحر بدنة.
والصحيح من مذهب الشافعي وأولاه بالسنة الصحيحة ما حكيناه عنه في أول
هذه المسألة والله أعلم.
وروينا عن عطاء أنه قال:
يمشي من ميقاته إلا أن يكون نوى مكانا حتى يصدر.
ورواه الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس في الابتداء دون الانتهاء.
1246 - [باب]
نذر المشي إلى مسجد المدينة أو بيت المقدس
5845 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
وأحب إلي لو نذر المشي إلى مسجد المدينة أن يمشي وإلى [مسجد] بيت

346
المقدس أن يمشي لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى مسجد النبي [صلى الله عليه وسلم] ومسجد الحرام
ومسجد بيت المقدس '.
5846 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله الشيباني حدثنا
يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن
المسيب عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا تشد الرحال إلا [إلى] ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا
ومسجد الأقصى '.
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.
وكان سفيان يقول أكثر ما يحدث به:
' تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد '.
ورواه قزعة عن أبي سعيد عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثل الأول.
قال الشافعي:
ولا يبين لي أن يجب المشي إلى مسجد النبي [صلى الله عليه وسلم] ومسجد بيت المقدس كما
يبين [أن أوجب المشي] إلى بيت الله [الحرام].
وذلك بأن البر بإتيان بيت الله فرض والبر بإتيان هذين نافلة.

347
وأقام في كتاب البويطي الأفضل من هذه المساجد مقام ما هو أدنى منه.
5847 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن
درستويه حدثنا يعقوب بن سفيان الفارسي حدثنا بكار الرام حدثنا حبيب بن
الشهيد [251 / ب] / عن عطاء.
5848 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن
جابر بن عبد الله أن رجلا قال يا رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: إني نذرت زمن الفتح إن فتح الله
عليك أن أصلي في بيت المقدس فقال:
' صل ها هنا '.
فأعادها مرتين أو قال ثلاثا.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' فشأنك إذا '.
هذا لفظ حديث ابن الشهيد.
وفي حديث المعلم: أن رجلا قام يوم الفتح وقال:
يا رسول الله إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس.
قال أبو سلمة - مرة ركعتين - قال:
' صل ها هنا '.
ثم أعاد عليه فقال:
' صل ها هنا '.
ثم أعاد عليه قال:

348
' فشأنك إذا '.
وروينا عن ميمونة أنها قالت لامرأة نذرت أن تصلي في بيت المقدس:
صلي في مسجد الرسول [صلى الله عليه وسلم] فإني سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة '.
1247 - [باب]
نذر النحر بموضع
5849 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإن نذر أن ينحر بمكة لم يجزه إلا أن ينحر بمكة فإن نذر أن ينحر بغيرها
ليتصدق لم يجزه أن ينحر إلا حيث نذر.
وبسط الكلام فيه.
وروينا في حديث ثابت بن الضحاك قال:
نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد '؟
قالوا: لا. قال:
' فهل كان فيها عيد من أعيادهم '؟
قالوا: لا. فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' أوف بنذرك '.
وروي ذلك مختصرا عن ابن عباس.
وروته ميمونة بنت كردم أن أباها قال للنبي [صلى الله عليه وسلم]: إني نذرت أن أذبح عدة من

349
الغنم على رأس بوانة فذكره لم يذكر العيد.
1248 - [باب]
من نذر صوم يوم فوافق يوم فطر أو أضحى
5850 - [252 / أ] / أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي
رحمه الله:
وإذا قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم يوم الفطر أو النحر
أو التشريق لم يكن عليه صوم ذلك اليوم ولا عليه قضاؤه.
لأنه ليس صوم ذلك اليوم طاعة فلا قضاء لما لا طاعة فيه.
5851 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ أخبرنا الحسن بن
محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا
فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة قال حدثني حكيم بن أبي حرة الأسلمي سمع
رجلا يسال عبد الله بن عمر عن رجل نذر أن لا يأتي عليه يوم سماه إلا وهو صائم فيه
فوافق ذلك يوم أضحى أو يوم فطر.
فقال ابن عمر:
* (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *.
لم يكن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يصوم يوم الأضحى ولا يوم الفطر ولا يأمر بصيامهما.
رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن أبي بكر المقدمي.
وفي رواية زياد بن جبير عن ابن عمر في هذا الحديث قال:
قد أمر الله بوفاء النذر ونهانا أن نصوم هذا اليوم.
فكأنه علق فيه القول.

350
وقد قطع في الرواية الأولى بأنه لا يصومه.
وليس فيه أنه أمره بالقضاء.
وقد أخبر في الروايتين جميعا أن نذره صادف يوما لا يجوز صومه.
وقد قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من نذر أن يعص الله فلا يعصيه '.
ولم يبلغنا أنه أمر فيه بكفارة أو قضاء.
والله أعلم.

351
بسم الله الرحمن الرحيم
46 - كتاب أدب القاضي
قال الله عز وجل:
* (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) *.
وبعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [وسلم] العمال والقضاة وكذلك الخلفاء
بعده.
5852 - أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان أخبرنا عبد الله بن جعفر بن
درستويه حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا أبو بكر الحميدي حدثنا سفيان [252 / ب] / حدثنا
إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت قيس بن أبي حازم يقول سمعت عبد الله بن
مسعود يقول قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل
أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها '.
5853 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا حاجب بن أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن
المروزي حدثنا ابن المبارك حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن

352
عبد الله بن مسعود. فذكره. رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن إسماعيل.
وهذا في من قوي على الصيام بواجبات القضاء فإن كان يضعف عنه أو يرى أنه
يعجز عنه فقد قال المصطفى [صلى الله عليه وسلم] لأبي ذر:
' يا أبا ذر أحب لك ما أحب لنفسي إني أراك ضعيفا فلا تأمرن على اثنين ولا
تولين مال يتيم '.
وقال في رواية أخرى:
' يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها
بحقها وأدى الذي عليه فيها '.
وفي مثل ذلك ورد ما:
5854 - أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أخبرنا جدي يحيى بن منصور
القاضي حدثنا محمد بن عمر قشمرد أخبرنا القعنبي أخبرنا ابن أبي ذئب عن
عثمان الأخنسي عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من جعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين '.
وقد رواه المزني في الجامع عن الشافعي قال:
أخبرنا الثقة عن عثمان بن محمد الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة أن
النبي [صلى الله عليه وسلم] قال. بمعناه.
قال أحمد:

353
وهذا لما فيه من الخطر ولأجل ذلك كره من كره التسارع إلى طلبه.
5855 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عبد الأعلى عن بلال عن أنس بن مالك قال
سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل
الله جل وعز ملكا يسدده '.
وروينا عن أبي مسعود الأنصاري أنه كان يكره التسرع إلى الحكم.
وروينا عن ابن أبي أوفى مرفوعا:
[253 / أ] / ' أن الله جل وعز مع القاضي ما لم يجر فإذا جار وكل إلى نفسه '.
5856 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
محمد بن حسان السمتي حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن أبي بريدة عن أبيه
عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف
الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس
على جهل فهو في النار '.
5857 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثه عن الربيع عن
الشافعي رحمه الله قال:
أحب للقاضي أن يقضي في موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب وأن يكون
متوسط المصر.

354
وأن لا يكون في المسجد لكثرة من يغشاه لغير ما بنيت له المساجد.
وأن يكون ذلك في أرفق الأماكن به وأحراها أن لا يسرع ملالته فيه.
وإذا كرهت له أن يقضي في المسجد كنت لأن يقيم الحد في المسجد أو يعزر
أكره.
قال أحمد:
قد روينا عن أبي مريم الأسدي أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' من ولاه الله من أمر الناس شيئا فاحتجب عن حاجتهم وخلتهم وفاقتهم
احتجب الله يوم القيامة عن حاجته وخلته وفاقته '.
وروينا في الحديث الثابت عن أبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك فإن المساجد
لم تبن لهذا '.
وفي حديث أنس بن مالك عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' أن هذه المساجد لم تتخذ لهذا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة
القرآن '.
وروي في حديث أبي الدرداء وغيره عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وإسناده ضعيف:
' جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وسل
سيوفكم وإقامة حدودكم وأجمروها في الجمع واتخذوا على أبواب مساجدكم
مطاهر '.

355
5858 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا الشعبي عن زفر بن وثيمة عن
حكيم بن حزام أنه قال:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يستقاد [253 / ب] / في المسجد وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه
الحدود.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز:
أنه كتب إلى عبد الحميد بن زيد أن لا تقضى في المسجد فإنه يأتيك اليهودي
والنصراني والحائض.
1249 - [باب] التثبت في الحكم
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله جل وعز:
* (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) *.
قال الشافعي:
أمر الله من يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون متثبتا قبل أن يمضيه.
ثم أمر رسول الله في الحكم خاصة أن لا يحكم الحاكم وهو غضبان لأن
الغضبان متخوف على أمرين أحدهما قلة التثبت والآخر أن الغضب قد يتغير معه
العقل ويتقدم به صاحبه على ما لم يكن يتقدم عليه لو لم يكن غضب. وذكر ما:
5859 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا

356
الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة
عن أبيه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا يحكم الحاكم أو لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان '.
5860 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس فذكره بإسناده غير أنه
قال:
' لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان '.
ولم يشك.
أخرجاه في الصحيح من أوجه عن عبد الملك.
قال الشافعي في القديم:
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن هو ابن عوف:
أن رجلا جاء إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله علمني كلمات أعش بهن ولا
تكثر علي فأنسى.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا تغضب '.
5861 - أخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا
عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا القعنبي فيما قرأ مالك فذكره غير أنه قال:

357
أن رجلا أتى رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وهذا مرسل.
وقد رواه معمر عن الزهري عن حميد عن رجل من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم].
وأخرجه البخاري من حديث أبي صالح عن أبي هريرة.
وقيل: عنه عن أبي سعيد.
قال الشافعي:
وقد روي عن الشعبي وكان [254 / أ] / قاضيا:
أنه رأى يأكل خبزا بجبن فقيل له فقال: أخذ حلمي.
قال الشافعي:
كأنه يريد أن الطعام يسكن حر الطبيعة وأن الجوع يحرك حرها وتتوق النفس
إلى المأكل فتشغل عن الحكم.
1250 - [باب] مشاورة القاضي
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله جل وعز:
* (وشاورهم في الأمر) *.
5862 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري قال قال أبو هريرة:
ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال الشافعي:
وقال الله جل وعز:
* (وأمرهم شورى بينهم) *.

358
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله:
وقال الحسن: إن كان النبي [صلى الله عليه وسلم] عن مشاورتهم لغنيا ولكنه أراد أن يستن بذلك
الحكام بعده.
5863 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد حدثنا إبراهيم بن إسحاق
حدثنا لوين حدثنا سفيان عن ابن شبرمة عن الحسن في قوله:
* (وشاورهم في الأمر) *.
قال: والله ما كان يحتاج إليهم ولكن أحب أن يستن به من بعده.
قال الشافعي:
وإنما أمر به بالمشورة لأن المشير ينتبه لما يغفل عنه ويدله من الأخبار على ما
لعله أن يجهله.
فإما أن يقلد مشيرا فلم يجعل الله هذا لأحد بعد رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
1251 - [باب] اجتهاد الحاكم
5864 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي رحمه الله:
قال الله جل ثناؤه:
* (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) *.
قال الشافعي:
قال الحسن بن أبي الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن

359
الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده.
5865 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا
أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد
الله [254 / ب] / بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى
عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله
أجر '.
5866 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز عن يزيد بن الهاد
قال فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: هكذا حدثني أبو
سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد العزيز الدراوردي والليث بن سعد.
وأخرجه البخاري من حديث حيوة عن يزيد بن الهاد.
5867 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله في المجتهدين:
إذا اختلفوا وكانوا ممن لهم الاجتهاد وذهبوا مذهبا محتملا لا يجوز على
واحد منهم أن يقال أخطأ مطلقا ولكن يقال لكل واحد منهم: قد أطاع فيما كلف
وأصاب فيه ولم يكلف علم الغيب الذي لم يطلع عليه.
وجعل مثال ذلك القبلة إذا اجتهدوا فيها فاختلفوا.
وبسط الكلام فيه ثم قال:
فإن قيل فيلزم أحدهما اسم الخطأ؟

360
قيل: أما فيما كلف فلا وأما خطأ عن البيت فنعم لأن البيت لا يكون في جهتين
مختلفتين.
فإن قيل: فيكون مطيعا بالخطأ؟
قيل: هذه مسألة جاهل يكون مطيعا بالثواب لما كلف من الاجتهاد وغير آثم
بالخطأ إذ لم يكلف ثوابه لمغيب العين عنه.
وقال في حديث الاجتهاد: إذا اجتهد فجمع الثواب بالاجتهاد وصواب العين
التي اجتهد كانت له حسنتان.
وإن أصاب بالاجتهاد وأخطأ للعين التي أمر أن يجتهد في طلبها كانت له حسنة
ولا يثاب من يؤدي في أن يخطئ للعين ومن يؤدي فيخطئ أن يكفر عنه.
وهذا يدل على ما وصفت من أنه لم يكلف صواب العين في حال.
قال الشافعي:
من حكم أو أفتى بخبر لازم أو قياس عليه فقد أتى مكلف وحكم وأفتى من
حيث أمر فكان في النص مؤديا ما [255 / أ] / أمر به نصا.
وفي القياس مؤديا ما أمر به اجتهادا وكان مطيعا لله في الأمرين ثم لرسول
الله [صلى الله عليه وسلم] فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمرهم بطاعة الله ثم رسوله ثم الاجتهاد.
فيروى أنه قال لمعاذ:
' بما تقضي '؟
قال: بكتاب الله. قال:
' فإن لم تجد في كتاب الله '؟
قال: فبسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم]. قال:
' فإن لم يكن '؟
قال: اجتهد. قال:
' الحمد لله الذي وفق رسول رسوله '.

361
قال الشافعي:
ومن استجاز أن يحكم أو يفتى بلا خبر لازم ولا قياس عليه كان محجوجا.
فإن معنى قوله افعل ما هويت وإن لم أومر به.
وقد قضى الله عز وجل بخلاف ما قال ولم يترك أحدا إلا متعبدا.
قال الله جل وعز:
* (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) *.
فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن السدى الذي لا يؤمر ولا ينهى.
قال أحمد:
قد روينا هذا التفسير عن مجاهد.
وروينا معناه عن ابن عباس.
1252 - [باب] إذا اجتهد الحاكم ثم رأى أن اجتهاده خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو شيئا في معنى هذا
قال الشافعي:
رده ولا يسعه غير ذلك.
قال الشافعي في كتاب حرملة:
أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم عن عائشة قالت: قال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد '.

362
5868 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا إسماعيل بن أحمد الجرجاني أخبرنا
أبو يعلى حدثنا محمد بن الصباح حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا أبي فذكره بمثله.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن الصباح.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن إبراهيم.
قال الشافعي:
وإن كان فيما يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده.
وبسط الكلام فيه.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب في مسألة المشركة:
أنه لما أشرك الإخوة من الأب والأم مع الإخوة من الأم في الثلث.
قيل له: لقد قضيت عام أول بغير هذا.
قال: تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا.
وروي في ذلك [255 / ب] / عن علي وغيره.
1253 - [باب] المسألة عن الشهود
قال الشافعي بعد ذكر كيفية مسألة القاضي عن أحوال الشهود:
ولا يقبل الجرح إلا بالشهادة من الجارح على المجروح بالسماع أو العيان وأكثر
من ينسب إلى أن تجوز شهادته نفيا حتى تعدو اليسير الذي لا يكون جرحا جرحه.
وحكى فيه حكاية الرجل الصالح الذي جرح رجلا بأن رآه بال قائما.
قال: ولا يقبل التعديل إلا بأن يوقف المعدل عليه فيقول عدل علي ولي.
ثم لا يقبل ذلك هكذا حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت معرفته باطنة متقادمة
قبل ذلك منه.

363
وإن كانت حادثة ظاهرة لم يقبل ذلك منه.
قال أحمد:
قد روينا عن مجاهد أنه قال: مر رجل على النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' من يعرفه '؟
فقال رجل أنا أعرفه بوجهه ولا أعرفه باسمه. قال:
' ليست تلك معرفة '.
وروينا عن الأعمش عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر قال:
شهد رجل عند عمر بن الخطاب شهادة فقال له:
لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك ائت بمن يعرفك.
فقال رجل من القوم:
أنا أعرفه.
قال: بأي شيء تعرفه؟
قال: بالعدالة والفضل.
قال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟
قال: لا.
قال: فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع؟
قال: لا.
قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق.
قال: لا.
قال: فلست تعرفه. ثم قال للرجل. ائت بمن يعرفك.
5869 - أخبرناه الإمام أبو الفتح أخبرنا أبو محمد الشريحي أخبرنا عبد الله بن

364
محمد بن عبد العزيز حدثنا داود بن رشيد حدثنا الفضل بن زياد حدثنا شيبان عن
الأعمش فذكره.
5870 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما
بلغه عن ابن مهدي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرشد عن حجر بن عنبس قال:
شهد رجلان عند علي على رجل فقال السارق:
لو كان رسول الله حيا أنزل عذري من السماء.
فأمر بالناس فضربوا حتى اختلطوا ثم دعا الشاهدين فلم يأتيا فدرأ الحد.
[256 / أ] / أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي.
5871 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي فيما بلغه عن أبي بكر بن عياش عن
عبد العزيز بن رفيع عن موسى بن طريف الأسدي قال:
دخل علي بيت المال فاصرط به وقال:
لا أمسي وفيك درهم. فأمر رجلا من بني أسد فقسمه إلى الليل.
فقال الناس: لو عوضته؟ فقال: إن شاء الله ولكنه سحت.
وهذا أيضا أورده فيما ألزمهم في خلاف علي.
وهذا إسناد ضعيف.
موسى بن طريف غير محتج به.
وقد قيل عنه عن أبيه عن علي.
قال الشافعي:
ولا نرى عليا يعطي شيئا يراه سحتا. إن شاء الله.
قال الشافعي في القديم في القسمة:
إذا أرادها بعضهم وهو ضرر على كلهم فلا تقسم بينهم.

365
قال: وهذا قول من لقينا وقد روى فيه ابن جريج عن صديق بن موسى عن
[محمد بن] أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبي بكر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال ' لا
تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسم '.
5872 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا محمد بن
أحمد الرياحي حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني صديق بن موسى عن محمد بن
أبي بكر عن أبيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فذكره.
قال الشافعي:
ولا يكون مثل هذا الحديث حجة لأنه ضعيف وهو قول من لقينا من فقهائنا.
قال أحمد:
وضعف هذا لانقطاعه.
فأما رواته فكلهم ثقة.
والله أعلم.
1254 - [باب] ما على القاضي في الخصوم والشهود
5873 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا محمد بن عبد الله بن كناسة حدثنا جعفر بن برقان
عن معمر البصري عن أبي العوام البصري قال:
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن القضاء
فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلى إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له وآس
بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس

366
ضعيف من عدلك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين
المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ومن ادعى حقا عليه أو بينة فاضرب له [256 / ب] /
أمدا ينتهي إليه فإن جاء ببينته أعطيته حقه فإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن
ذلك أبلغ للعذر وأجلى للعي ولا يمنعك من قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه لرأيك
وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق لأن الحق قديم لا يبطل الحق شيء ومراجعة
الحق خير من التمادي في الباطل والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشهادة
إلا ما جلود في حد أو مجرب عليه شهادة الزور أو ظنين في ولاء أو قرابة فإن الله جل
وعز تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان ثم الفهم الفهم
فيما أدلى إليك مما ليس في قرآن أو سنة ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال
والأشباه ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحق وإياك والغضب والقلق أو
الضجر والتأذي بالناس عند الخصومة والتنكر فإن القضاء في مواطن الحق يوجب الله
به الأجر ويحسن به الذخر فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه
وبين الناس ومن يزين لهم بما ليس في قلبه شانه الله فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من
العباد إلا ما كان له خالصا وما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته.
وهذا الكتاب قد رواه سعيد بن أبي بردة.
وروي عن أبي المليح الهذلي أنه رواه وهو كتاب معروف مشهور لا بد للقضاة
من معرفته والعمل به.
وقد روينا عن عبد الله بن الزبير أنه قال:
قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن الخصمين يقعدان بين يدي الحكم.
5874 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا شريك عن سماك عن حنش عن علي قال:
بعثني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله: ترسلني وأنا حديث
السن ولا علم لي بالقضاء فقال:

367
' إن الله جل وعز سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان
فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك
القضاء '.
قال: فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد.
قال أحمد:
وروى عبد الله بن عبد العزيز العمري عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا:
أنه لما استعمل عليا [257 / أ] / على اليمن قال له:
' قدم الوضيع قبل الشريف وقدم الضعيف قبل القوي '.
وقال المزني في الجامع قال الشافعي أخبرنا الثقة عن عثمان بن محمد
الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' أد حق الضعيفين الأرملة والمسكين '.
وهذا فيما رواه عبد الله بن جعفر عن الأخنسي.
5875 - وأخبرنا أبو الحسن المقري أخبرنا أبو الحسن محمد بن إسحاق حدثنا
يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن
سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' اللهم إني أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم '.
قال الشافعي:
ولا ينبغي أن يضيف الخصم إلا وخصمه معه.
قال أحمد:
قد روينا عن علي مرفوعا في النهي عن أن يضيف الخصم إلا ومعه خصمه.

368
قال الشافعي:
ولا ينبغي أن تقبل منه هدية وإن كان يهدى له قبل ذلك حتى ينفذ خصومته.
قال أحمد:
وقد مضى ما روى الشافعي فيه من الأخبار في كتاب الزكاة.
5876 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال
حدثنا عباس الدوري حدثنا أبو أحمد الزبيري عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد
الرحمن عن ابن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال:
لعن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الراشي والمرتشي.
رواه أبو داود في كتاب السنن عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب.
5877 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة:
أن هند بنت عتبة أتت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقالت:
يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي منه إلا ما يدخل علي.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف '.
واحتج أصحابنا بهذا فيما قال الشافعي رحمه الله من القضاء على الغائب ومن
قضاء القاضي بعلمه وقد قال في القول الآخر:
لا يقضي بعلمه. وحكاه عن شريح قال:

369
قد جاءه رجل يعلم له حقا فسأله أن يقضي له به فقال:
إيتيني بشاهدين إن كنت تريد أن أقضي لك.
قال: أنت تعلم حقي.
قال: فاذهب إلى الأمير وأشهد لك.
قال الشافعي رحمه الله في الرجل إذا أقر بأن قد شهد بزور وعلم القاضي يقينا
أن قد شهد بزور:
عزره وشهر بأمره ووقفه - يعني في مسجده أو قبلة أو سوقه وقال:
إنا وجدنا هذا شاهد زور فاعرفوه واحذروه.
وحكاه عن بعض العراقيين عن الهيثم عن شريح.
وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أتي بشاهد زور فوقفه للناس يوما
إلى الليل.
وفي رواية أخرى: فجلده وأقامه للناس وقال:
هذا فلان ابن فلان شهد بزور فاعرفوه ثم حبسه.
وروينا عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت:
لما تلا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ما نزل به عذري على الناس أمر برجلين وامرأة ممن كان
باء بالفاحشة فجلدوا الحد.
وفي ذلك دلالة على جواز الحكم لزوجته على خصمها وإذا جاز حكمه لها
جازت شهادته لها كما قال الشافعي رحمه الله.
وهو قول الحسن البصري رحمه الله.

370
47 - كتاب الشهادات
1255 - [باب] الشهادة في البيوع
5878 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن
الشافعي رحمه الله قال:
قال الله جل ثناؤه:
* (وأشهدوا إذا تبايعتم) *.
فاحتمل أمر الله بالإشهاد عند البيع أمرين:
أحدهما أن يكون دلالة على ما فيه الحظ بالشهادة ومباح تركها لا حتما يكون
من تركه عاصيا بتركه.
واحتمل أن يكون حتما منه يعصي من تركه بتركه.
والذي اختار أن لا يدع المتبايعان الإشهاد.
ثم ساق الكلام في فوائد الإشهاد وأن الشهادة سبب قطع التظالم وتثبيت
الحقوق وكل أمر الله ثم أمر رسوله [صلى الله عليه وسلم] الخير الذي لا يعتاض عنه من تركه.

371
قال: والذي يشبه والله أعلم أن يكون دلالة وإياه أسأل التوفيق أن يكون دلالة لا
حتما.
واحتج بقول الله جل وعز:
* (وأحل الله البيع وحرم الربا) *.
قال: فذكر أن البيع حلال ولم يذكر معه بينة.
وقال في آية الدين والدين تبايع:
* (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) *.
ثم قال في سياق الآية:
* (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) *.
فلما أمر إذ لم يجدوا كاتبا بالرهن ثم أباح ترك الرهن [258 / أ] / فقال:
* (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) *.
دل على أن الأمر الأول دلالة على الحظ لا فرضا منه يعصي من تركه والله
أعلم.
قال الشافعي رحمه الله:
وقد حفظ عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه بايع أعرابيا في فرس فجحد الأعرابي بأمر بعض
المنافقين ولم يكن بينهما بينة فلو كان حتما لم يبايع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بلا بينة.
5879 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسن علي بن قرقوب التمار
حدثنا إبراهيم بن الحسين حدثنا أبو اليمان أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري

372
عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وكان من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم]:
أن النبي صلى ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي [صلى الله عليه وسلم] ليقضيه ثمن فرسه
فأسرع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه
بالفرس لا يشعرون أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ابتاعه فنادى الأعرابي النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته.
فقام النبي [صلى الله عليه وسلم] حين سمع نداء الأعرابي [حتى أتى الأعرابي] فقال:
' أوليس قد ابتعته منك '؟
قال الأعرابي: لا والله ما بعتك.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' بلى قد ابتعته منك '.
فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا.
فقال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته.
فأقبل النبي [صلى الله عليه وسلم] على خزيمة فقال:
' بم تشهد '؟
فقال: بتصديقك يا رسول الله.
فجعل النبي [صلى الله عليه وسلم] شهادة خزيمة شهادة رجلين.
ورواه محمد بن زرارة عن عمارة بن خزيمة عن أبيه.
وروينا عن أبي سعيد الخدري أنه تلا:
* (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) *.
حتى بلغ:

373
* (فإن أمن بعضكم بعضا) *.
قال: هذه نسخت ما قبلها.
قال: أحمد:
وليس هذا نسخ على الحقيقة ولكنه بين أن الأمر بما قبله على الاختيار.
والله أعلم.
1256 - [باب]
الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله عز وجل:
* (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) *.
وقال:
* (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا [258 / ب] / عليهم وكفى بالله حسيبا) *.
قال الشافعي في قوله:
* (وكفى بالله حسيبا) *.
كالدليل على الإرخاص في ترك الإشهاد فإن الله يقول:
* (وكفى بالله حسيبا) *.
أي [إن] لم تشهدوا والله أعلم.
وبسط الكلام في أنه قد يكون المعنى في أمر الولي بالإشهاد عليه أنه يبرأ
بالإشهاد عليه إن جحده اليتيم ولا يبرأ بغيره.

374
وقد يكون مأمورا بالإشهاد عليه على الدلالة.
1257 - [باب] عدد شهود الزنا
قال الشافعي:
قال الله جل وعز:
* (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء) * الآية.
وقال:
* (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) *.
وقال:
* (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *.
5880 - أخبرنا أبو زكريا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن سعدا قال يا رسول الله:
أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' نعم '.
وذكر حديث علي بن أبي طالب:
أنه سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها؟
فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.

375
وقد مضى إسناده.
قال الشافعي:
وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنا ولم يثبت الرابع فجلد الثلاثة.
5881 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الوليد الفقيه حدثنا الحسن بن
سفيان حدثنا أبو بكر هو ابن أبي شيبة عن ابن علية عن التيمي عن أبي عثمان قال:
لما شهد أبو بكرة وصاحباه على المغيرة جاء زياد فقال عمر: رجل إن يشهد
- إن شاء الله - إلا بحق فقال: رأيت ابتهارا ومجلسا سيئا.
فقال له عمر: هل رأيت المرود دخل المكحلة؟
فقال: لا.
فأمر بهم فجلدوا.
1258 - [باب] الشهادة في الطلاق والرجعة وما في معناهما
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله جل وعز:
* (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.
فأمر الله جل ثناؤه في الطلاق والرجعة بالشهادة وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى
إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة في الطلاق والرجعة شاهدان.
وساق الكلام [259 / أ] / إلى أن قال:
وذلك لا يحتمل بحال أن يكون إلا رجلين ودل ما وصفت من أني لم ألق مخالفا
حفظت عنه من أهل العلم أن حراما يطلق بغير بينة على أنه - والله أعلم - دلالة اختيار

376
وبسط الكلام فيه:
5882 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد
الطبراني حدثنا حفص بن عمر حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن
الحسن عن عمران بن حصين أن رجلا أتاه فقال:
إن طلقت امرأتي ولم أشهد وراجعت ولم أشهد؟
فقال: طلقت في غير عدة وراجعت في غير سنة أشهد.
ورواه أيضا ابن سيرين عن عمران وقال:
أشهد الآن.
وفي ذلك كالدلالة على نفوذهما وجواز خلوهما عن الشهادة حين قال: أشهد
الآن.
1259 - [باب] الشهادة في الدين وما في معناه
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
* (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * الآية.
وقال في سياقها:
* (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) *.
قال الشافعي:
فذكر الله شهود الزنا وذكر شهود الطلاق والرجعة وذكر شهود الوصية فلم يذكر
معهم امرأة فوجدنا شهود الزنا يشهدون على حد لا مال وشهود الطلاق والرجعة
يشهدون على تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال في واحد منهما وذكر شهود

377
الوصية ولا مال للمشهود له أنه وصي.
ثم لم أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أن لا يجوز في الزنا إلا الرجال.
وعلمت أكثرهم قال: ولا في طلاق ولا رجعة إذا تناكر الزوجان.
وقالوا ذلك في الوصية فكان كما حكيت من أقاويلهم دلالة على موافقة ظاهر
كتاب الله.
وكان أولى الأمور أن يصار إليه ويقاس عليه.
قال: وذكر الله تبارك وتعالى شهود الدين فذكر فيهم النساء وكان الدين أخذ مال
من المشهود عليه.
ثم ساق الكلام في قياس القصاص والحد وغيرهما مما يستحق به غير مال
بالطلاق والرجعة وما يستحق به مال بالدين ثم قال:
وفي [259 / ب] / الدين دلالة على أن لا تجوز شهادة النساء حيث يخبرهن إلا مع رجل ولا
تجوز منهم إلا امرأتان فصاعدا.
قال أحمد:
وقد روينا في حديث رافع بن خديج في الرجل الذي قتل بخيبر فقال
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' ألكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم '؟
قالوا: يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود.
وروينا عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل '.

378
ورويناه عن عمر وابن عباس.
1260 - [باب] حكم الحاكم
5883 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن
أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من
بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ
منه '.
وقال في موضع آخر:
' فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار '.
رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن مالك.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن هشام.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد:
فبهذا نقول.
وفي هذا البيان الذي لا إشكال معه بحمد الله ونعمته على عالم فيقول ولي
السرائر الله تبارك وتعالى فالحلال والحرام على ما يعلم الله والحكم على ظاهر الأمر
وافق ذلك السرائر أو خالفها.
فلو أن رجلا زور بينة على آخر فشهدوا أن له عليه مائة دينار فقضى بها القاضي
لم يحل للمقضي له أن يأخذها إذا علمها باطلا ولا يحيل حكم الحاكم علم المقضي

379
له والمقضي عليه ولا يجعل الحلال على واحد منهما حراما ولا الحرام لواحد منهما
حلالا.
ثم ساق الكلام في الطلاق والبيع وغير ذلك على القياس.
وروينا عن ابن سيرين عن شريح أنه كان يقول للرجل:
إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالما ولكن لا يسعني إلا أن أقضي بما يحضرني
من البينة وإن قضائي لا يحل لك حراما.
1261 - [باب] [260 / أ] / في أن شهادة النساء لا رجل معهن
قال الشافعي رحمه الله:
الولاد وعيوب النساء مما لم أعلم مخالفا لقيته في أن شهادة النساء فيه جائزة لا
رجل معهن.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ثم اختلفوا في شهادة النساء فأخبره مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه
قال:
لا تجوز شهادة النساء لا رجل معهن في أمر النساء أقل من أربع عدول.
5884 - أخبرناه أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي فذكره.
قال الشافعي:
وبهذا نأخذ وذكر الحجة فيه وحكى الخلاف عن من أجاز شهادة المرأة الواحدة
في ذلك وقول من قال منهم فإنا روينا عن علي رضي الله عنه: أنه أجاز شهادة القابلة
وحدها.
قال الشافعي:

380
قلت: لو ثبت عن علي صرنا إليه إن شاء الله ولكنه لا يثبت عندكم ولا عندنا
عنه.
قال أحمد:
وهذا إنما رواه جابر الجعفي عن عبد الله بن يحيى عن علي رضي الله عنه.
وجابر الجعفي ضعيف وعبد الله بن يحيى فيه نظر.
5885 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ
قال حدثني أبو عبد الله بن بطة الأصبهاني حدثنا أبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري
الأصبهاني حدثنا محمد بن خليد الكرماني الملقب بمردويه قال: سمعت محمد بن
أبي بكر المقدمي يقول.
قال الشافعي: فذكر مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن عند هارون
الرشيد قال: فقلت: أرأيت أنت بأي شيء قضيت بشهادة القابلة وحدها حتى ورثت
من خليفة ملك الدنيا ومالا عظيما؟
قال: فعلي بن أبي طالب.
قلت: فعلي إنما رواه عنه رجل مجهول يقال له: عبد الله بن نحي.
وروى عن عبد الله: جابر الجعفي وكان يؤمن بالرجعة.
وقال ابن عيينة دخلت على جابر الجعفي فسألني عن شيء من أمر الكهنة.
5886 - أخبرنا أبو عبد الله أخبرني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن مهدي
حدثنا محمد بن المنكدر بن سعيد قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت
الشافعي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول سمعت من جابر الجعفي كلاما بادرت

381
خفت أن يقع السقف.
قال أحمد:
[260 / ب] / ورواه سويد بن عبد العزيز عن غيلان بن جامع عن عطاء بن أبي مروان
عن أبيه عن علي وسيد هذا ضعيف.
قال إسحاق الحنظلي: لو صحت شهادة القابلة عن علي لقلنا به ولكن في
إسناده خلل.
قال أحمد:
وقد روى محمد بن عبد الملك الواسطي عن أبي عبد الرحمن المدائني عن
الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أجاز شهادة القاذف.
وهذا لا يصح.
قال أبو الحسن الدارقطني فيما:
5887 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه:
أبو عبد الرحمن المدائني رجل مجهول.
قال أحمد:
قد روينا في الحديث الثابت عن ابن عمر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن '.
قالت: يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟
قال:
' أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث

382
الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين '.
5888 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا
علي بن إبراهيم النسوي حدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن الهاد عن عبد
الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] بهذا الحديث.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رمح.
1262 - [باب] شهادة القاذف
5889 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي
قال:
تقبل شهادة المحدودين في القذف وفي جميع المعاصي إذا تابوا والحجة في
قبول شهادة القاذف أن الله تعالى أمر بضربه وأمر أن لا تقبل شهادته وسماه فاسقا ثم
استثنى له إلا أن يتوب والثنيا في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما
يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر.
وليس عند من زعم أنه لا تقبل شهادته وأن الثنيا له إنما هي على طرح اسم
الفسق عنه خبر إلا عن شريح وهم يخالفون شريحا في رأي أنفسهم.
5890 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو
سعيد بن أبي عمرو قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
سفيان بن عيينة قال سمعت الزهري يقول:
زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز فأشهد لأخبرني سعيد بن المسيب
أن عمر بن الخطاب [261 / أ] / قال لأبي بكرة: تب تقبل شهادتك أو إن تبت قبلت
شهادتك.

383
5891 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي:
سمعت سفيان بن عيينة يحدث به هكذا مرارا ثم سمعته يقول شككت فيه فلما
قمت سألت فقال لي عمر بن قيس وحضر المجلس معي: هو سعيد بن المسيب قلت
لسفيان: أشككت حين أخبرك أنه سعيد بن المسيب؟
قال: لا هو كما قال غير أنه قد كان دخلني الشك.
قال الشافعي:
وكان سفيان لا يشك أنه سعيد بن المسيب.
قال: وغيره يرويه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمر.
قال أحمد:
رواه محمد بن يحيى الذهلي عن أبي الوليد عن سليمان بن كثير عن الزهري
عن ابن المسيب:
أن عمر قال لأبي بكرة وشبل بن معبد ونافع من تاب منكم قبلت شهادته.
ورواه الأوزاعي أيضا عن الزهري عن ابن المسيب:
أن عمر استتاب أبا بكر.
5892 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي قال وأخبرني من أثق به من أهل المدينة عن ابن شهاب عن
سعيد بن المسيب:
أن عمر بن الخطاب لما جلد الثلاثة إستتابهم فرجع اثنان فقبل شهادتهما وأبى
أبو بكرة أن يرجع فرد شهادته.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله:

384
وبلغني عن ابن عباس أنه كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب.
قال أحمد:
وهذا في تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله:
* (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) *.
ثم قال * (إلا الذين تابوا) *.
فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل.
5893 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
إسماعيل بن علية عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب قال:
تقبل شهادته وقال: كلنا يقوله عطاء وطاوس ومجاهد.
قال الشافعي:
وسئل الشعبي عن القاذف فقال:
يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته.
قال أحمد:
وهذا فيما رواه أبو حصين عن الشعبي.
ورويناه عن عبد الله بن عتبة وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب
وأبي الزناد.
وأما الذي روي في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الإسلام ولا محدودة ولا ذي

385
غمر على أخيه '.
فهذا حديث لم يروه عن عمرو ثقة والذي رواه عن عمرو، وهو ثقة لم يذكر من
المحدود.
وروى من أوجه [261 - ب] / أخر كلها ضعيف.
والمراد به إن صح قبل أن يتوب كما هو المراد بسائر من ذكر معه.
وهذا هو المراد بما روي في ذلك في كتاب عمر إلى أبي موسى فهو القائل لأبي
بكرة:
تب تقبل شهادتك.
وروينا عن الحسن: أن رجلا من قريش سرق ناقة فقطع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يده
وكان جائز الشهادة.
وهذا مرسل وهو قول الكافة إذا تاب وأصلح.
وبالله التوفيق.
1263 - [باب] التحفظ في الشهادة والعلم بها
5894 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي
قال:
قال الله تبارك وتعالى:
* (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه
مسئولا) *.

386
وقال:
* (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) *.
قال الشافعي:
ولا يسع شاهد أن يشهد إلا بما علم.
ثم ذكر وجوه العلم.
وقد روينا في حديث أبي بكرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' ألا أحدثكم بأكبر الكبائر: الإشراك به وعقوق الوالدين '.
قال: وكان متكئا فجلس فقال:
' وشهادة الزور وشهادة الزور وشهادة الزور '.
وروينا عن ابن عمر أنه قال:
اشهد بما تعلم.
1264 - [باب]
ما يجب على المرء من القيام بشهادته إذا شهد
قال الشافعي:
قال الله جل ثناؤه:
* (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم
على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) *.
وقال:
* (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو
الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا

387
وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) *.
وقال:
* (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) *.
وقال:
* (والذين هم بشهاداتهم قائمون) *.
وقال:
* (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) *.
وقال:
* (وأقيموا الشهادة لله) *.
وقال الشافعي:
الذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في
الشاهد قد لزمته الشهادة وأن فرضا عليه أن يقوم بها.
وبسط الكلام في.
قال الشافعي في القديم:
أخبرنا مالك عن عبد الله [262 / أ] / بن أبي بكر عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن
أبي عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسلها أو يخبر بشهادة قبل
أن يسلها '.

388
5895 - أخبرناه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر
حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن مالك فذكره بنحوه.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن مالك.
وأما الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في القرون قال:
' ثم يخلف بعدهم خلف تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته '.
والذي رواه عمران بن حصين عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في القرون قال:
' ثم ينشأ قوم ينذرون ولا يوفون ويحلفوا ولا يستحلفون ويشهدون ولا
يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون '.
فيحتمل أن يكون ذلك في كراهية التسارع إلى أداء الشهادة وصاحبها بها عالم
حتى يستشهد.
وحديث زيد بن خالد في الرجل يكون عنده لإنسان شهادة وهو لا يعلمها.
ويحتمل أن يكون المراد به في حديث ابن مسعود وعمر: أن الرجل يشهد بما
لا يعمل يكون شاهد زور.
وقد قيل المراد به: كراهية الحلف بالشهادة والإكثار منه.
والله أعلم.
1265 - [باب] ما على من دعى ليشهد قبل أن يشهد أو ليكتب
5896 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
قال الله تعالى:

389
* (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله) *.
يحتمل أن يكون حتما على من دعي للكتاب فإن تركه تاركا كان عاصيا ويحتمل
أن يكون على من حضر من الكتاب أن لا يعطوا كتاب حق بين رجلين فإذا قام به
واحد أجزأ عنهم كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها فإذا قام بها من يكفلها
أخرج ذلك من تخلف عنها من المأثم ولو ترك كل من حضر الكتاب حقت أن يأثموا
بل كأني لا أراهم يخرجون من المأثم وأيهم قام به أجزأ عنهم.
وهذا أشبه معانيه به. والله أعلم.
قال: وقول الله جل وعز:
* (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) *.
يحتمل ما وصفت من أن لا يأبى كل شاهد ابتدى فيدعا ليشهد ويحتمل أن
يكون فرضا على من حضر الحق أن يشهد منهم من فيه الكتابة للشهادة فإذا شهدوا
أخرجوا غيرهم من المأثم وهذا أشبه [262 / ب] / معانيه به. والله أعلم.
قال: فأما من سبقت شهادته بأن أشهد أو علم حقا لمسلم أو معاهد فلا يسعه
التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله إجازة:
وقال جل ثناؤه:
* (ولا يضار كاتب ولا شهيد) *.
فأشبه أن يكون يخرج من ترك ذلك ضرارا وفرض القيام بها في الابتداء على
الكفاية.
قال أحمد:
وقد روينا عن ابن عباس في هذه الآية قال:
أن يجيء فيدعو الكاتب والشهيد فيقولان إنا على حاجة فيضار بهما فقال:
قد أمرتما أن تجيبا فلا يضارهما.

390
1266 - [باب] شرط الذين تقبل شهادتهم
5897 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي
قال:
قال الله جل ثناؤه:
* (اثنان ذوا عدل منكم) *.
وقال:
* (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) *.
إلى قوله:
* (ممن ترضون من الشهداء) *.
قال الشافعي:
فكان الذي يعرف من خوطب بهذا إنما أريد به الأحرار المرضيون المسلمون
من قبل أن رجالنا ومن نرضى من أهل ديننا لا المشركون لقطع الله تعالى الولاية بيننا
وبينهم بالدين ورجالنا أحرارنا لا مماليكنا الذين يغلبهم من يتملكهم على كثير من
أمورهم وإنا لا نرضى أهل الفسق منا.
وأن الرضا إنما يقع على العدول بنا ولا يقع إلا على البالغين لأنه إنما خوطب
بالفرائض البالغون دون من لم يبلغ.
وبسط الكلام في هذا إلى أن قال:
غير أن من أصحابنا من ذهب إلى أن يجيز شهادة الصبيان في الجراح ما لم
يتفرقوا.
وقول الله تعالى: * (من رجالكم) * يدل على أن لا تجوز شهادة الصبيان

391
- والله أعلم - في شيء.
فإن [قال] قائل: أجازها ابن الزبير.
[قيل]: وابن عباس ردها.
5898 - أخبرنا أبو بك وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس في شهادة
الصبيان لا تجوز.
قال: وزاد ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس لأن الله جل وعز يقول:
* (ممن ترضون من الشهداء) *.
5899 - وفيما أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي
قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال:
عدلان حران مسلمان.
يعني قوله: * (ممن ترضون من الشهداء) *.
قال أحمد:
وقال أبو يحيى الساجي: [263 / أ] / روي عن علي والحسن والنخعي والزهري ومجاهد
وعطاء: لا تجوز شهادة العبيد.
قال: وقال أنس بن مالك:
أرى أن تقبل شهادة العبد إذا كان عدلا في الحقوق بين الناس.
وقال ابن المنذر:

392
روي قبول شهادة العبد عن علي بن أبي طالب وقاله أنس بن مالك.
وقال: ما علمت أن أحدا رد شهادة العبد. وهو قول محمد بن سيرين وشريح.
5900 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وفي قول الله جل وعز:
* (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * إلى: * (ممن ترضون من الشهداء) *.
وقول الله:
* (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.
دلالة على أن الله إنما عني المسلمين دون غيرهم.
وقال في موضع آخر:
5901 - بهذا الإسناد: فلما وصف الشهود منا دل على أنه لا يجوز أن نقضي
بشهادة شهود من غيرنا.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وكيف يجوز أن ترد شهادة مسلم بأن تعرفه يكذب على بعض الآدميين ونجيز
شهادة ذمي وهو يكذب على الله تبارك وتعالى.
قال: والمماليك العدول والمسلمون الأحرار وإن لم يكونوا عدولا خير من
المشركين.
فكيف أجيز شهادة الذي هو شر وأرد شهادة الذي هو خير بلا كتاب ولا سنة ولا
أثر ولا أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء؟
ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأعدلهم عندهم أعظمهم بالله شركا أسجدهم
للصليب وألزمهم للكنيسة.

393
قال: فقال لي قائل: إن شريحا أجاز شهادتهم فيما بينهم.
فقلت له: أرأيت شريحا لو قال قولا لا مخالف له فيه مثله ولا كتاب فيه يكون
قوله حجة؟
قال: لا. قلت: فكيف تحتج به على الكتاب ثم على دار السنة والهجرة وعلى
مخالفين له من أهل دار الهجرة والسنة.
قال الشافعي في موضع آخر:
وقد أجاز شريح شهادة العبد فقال له المشهود عليه أتجيز علي شهادة عبد؟
فقال: ثم كلكم بنو عبيد وإماء.
وليس في الآية بعينها بيان الحرية وهي محتملة لها.
وفي الآية بيان شرط الإسلام فلم وافق شريحا مرة وخالفه أخرى؟
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
وإن احتج من يجيز شهادتهم بقول الله:
* (أو آخران من غيركم) *.
فقال: من غير أهل دينكم.
فكيف لم تجزها فيما ذكرت فيه من الوصية على المسلمين في السفر.
وكيف لم تجزها من جميع المشركين وهم غير أهل الإسلام.
وبسط الكلام في ذلك.
قال الشافعي:
وقد سمعت من يتأول هذه الآية على من غير قبيلتكم من المسلمين ويحتج
فيها بقول [263 / ب] / الله تبارك وتعالى:
* (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان

394
ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) *.
فيقول الصلاة للمسلمين والمسلمون يتأثمون من كتمان الشهادة.
فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين
ولا عليهم.
قال: وقد سمعت من يذكر أنها منسوخة بقول الله:
* (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.
والله أعلم.
قال أحمد:
أما ما سمع فيها من التأويل الأول فقد رويناه عن الحسن البصري بقوله:
* (تحبسونهما من بعد الصلاة) *.
ورويناه عن عكرمة.
وأما ما سمع فيها من النسخ: فقد رواه عطية عن ابن عباس.
قال الشافعي:
وقلت لمن خالفنا في هذا:
إنما ذكر الله هذه الآية في وصية مسلم أفتجيزها في وصية مسلم في السفر؟
قال: لا. قلت: أوتحلفهم إذا شهدوا؟
قال: لا. قلت: ولم وقد تأولت أنها في وصية مسلم؟
قال: لأنها منسوخة.
قلت: فإن نسخت فيها أنزلت فيه لم تثبتها فيما لم تنزل فيه؟
قال أحمد:

395
وقد ذهب الشافعي في تأويل الآية في كتاب الجزية إلى ما:
5902 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
أبو سعد معاذ بن موسى الجعفري عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال: بكير
قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قول الله تبارك
وتعالى:
* (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) * الآية.
أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميمي أو قال تميم. والآخر
يماني. صحبهما مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد
علمه أولياؤه من بين آنية وبزورقه فمرض القرشي فجعل وصيته إلى الداريين فمات
وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت وجاءا ببعض ماله فأنكر القوم
قلة المال فقالوا للداريين: إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما أتيتمونا به فهل باع
شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا. قالوا:
فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فأنزل الله عز وجل:
* (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) * إلى آخر الآية.
فلما نزلت: * (تحبسونهما من بعد الصلاة) *.
أمر النبي [صلى الله عليه وسلم] فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السماوات ما ترك مولاكم من
المال إلا ما أتيناكم به وإنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا.
* (ولو كان ذا قربى] 264 / أ] / ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) *.
فلما حلفا خلى سبيلهما ثم أنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت فأخذا
الداريان فقالا: اشترياه منه في حياته وكذبا وكلفا البينة فلم يقدرا عليها فرفع ذلك إلى
النبي [صلى الله عليه وسلم] فأنزل الله عز وجل:
* (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) *.

396
يعني الداريين كتما حقا فآخران من أولياء الميت يقومان:
* (يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان) *.
فيحلفان بالله أن مال صاحبنا كان كذا وكذا وأن الذي نطلب قبل الداريين
لحق.
* (وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين) *.
فهذا قول الشاهدين أولياء الميت.
* (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها) *.
يعني الداريين والناس أن يعودا لمثل ذلك.
قال الشافعي:
يعني من كان في مثل حال الداريين من الناس ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير
جملة ما قال.
ثم ساق الكلام في بيان ذلك وقال في أثناء إنما معنى * (شهادة بينكم) *
أيمان بينكم كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة.
واستدل على ذلك بأنا لا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين
قبلت شهادته أوردت ولا يجوز أن يكون إجماعهم خلاف لكتاب الله عز وجل.
قال أحمد:
ويحتمل أن يكون المراد بقوله:
* (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم) *.
الشهادة نفسها وهو أن يكون للمدعيين اثنان ذوا عدل من المسلمين يشهدان
لهم بما ادعوا على الداريين من الخيانة ثم قال:

397
* (أو آخران من غيركم) *.
يعني إذا لم يكن للمدعيين منم بينة فالداريان اللذان ادعى عليهما يحبسان
من بعد الصلاة فيقسمان بالله - يعني يحلفان - على إنكار ما ادعى عليهما على ما
حكاه مقاتل والله أعلم.
وهذا بين وأصح.
وقد ثبت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس معنى ما قال مقاتل بن حيان إلا أنه
لم يحفظ في حديثه دعوى تميم وعدي أنهما اشترياه وحفظه مقاتل.
5903 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي
القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال:
خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بذا فمات السهمي بأرض
ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوص بالذهب فأحلفهما رسول
الله [صلى الله عليه وسلم].
ثم وجد الجام بمكة فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي فقام رجلن من أولياء
السهمي فحلفا [264 / ب] / لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبنا.
قال: فنزلت فيهم:
* (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) * الآية.
رواه البخاري عن علي بن المديني عن يحيى بن آدم.
وفي حديث علي قال: وفيهم نزلت هذه الآية.
وأما الذي روي فيه عن أبي خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن جابر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أجاز شهادة اليهود بعضهم على بعض أو قال شهادة أهل
الكتاب.

398
فإنه غلط وإنما رواه غيره عن مجالد عن الشعبي قال: كان شريج يجيز شهادة
كل ملة على ملتها ولا يجيز شهادة اليهودي على النصراني ولا النصراني على اليهودي
إلا المسلمين فإنه كان يجيز شهادتهم على الملل كلها.
هكذا رواه عبد الواحد بن زياد عن مجالد.
ورواه داود بن أبي هند عن الشعبي عن شريح:
إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يجد مسلما فأشهد من غير المسلمين
شاهدين فشهادتهما جائزة فإن جاء مسلمان فشهدا بخلاف ذلك أخذ بهما.
وفي رواية إبراهيم عن شريح أنه كان لا يجيز شهادة يهودي ولا نصراني على
المسلمين إلا في الوصية ولا يجيزها في الوصية إلا في السفر.
وروينا عن أبي موسى الأشعري في شهادة نصرانيين على وصية لم يشهد موته
غيرهما فأحلفهما بعد العصر وأجاز شهادتهما.
وهذا كله يخالف مذهب العراقيين في شهادة أهل الكتاب.
وقد روى عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي
هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا ملة محمد فإنها تجوز على غيرهم '.
فلم نر أن نحتج به لضعف حال عمر بن راشد عند أهل النقل.
وبالله التوفيق.

399
1267 - [باب] القضاء باليمين مع الشاهد
5904 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا
أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك
المخزومي عن سيف بن سليمان المكي عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن
عباس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
قال عمرو: في الأموال.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
حديث ابن عباس ثابت عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لا يرد أحد من أهل العلم مثله لو لم
يكن فيه غيره مع أن معه غيره مما يشده.
قال أحمد:
هذا حديث بين رواه جماعة من الأئمة [265 / أ] / عن عبد الله بن الحارث منهم:
أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي.
وقد رواه زيد بن الحباب عن سيف بن سليمان كما رواه عبد الله بن الحارث.
ومن ذلك [الوجه] أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح.
5905 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران العدل أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا
يحيى بن أبي طالب حدثنا زيد بن الحباب.
5906 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
الحسن بن علي بن عفان حدثنا زيد بن الحباب حدثني سيف بن سليمان المكي قال:

400
حدثني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى بشاهد ويمين.
أخرجه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير
عن زيد بن الحباب.
وأخرجه أبو داود السجستاني في كتاب السنن عن عثمان بن أبي شيبة وغيره عن
زيد بن الحباب.
5907 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو تراب أحمد بن محمد الطوسي
حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد الهروي حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
قال: سمعت الشافعي يقول:
قال لي محمد بن [الحسن]: لو علمت أن سيف بن سليمان يروي حديث
اليمين مع الشاهد لأفسدته عند الناس.
قلت: يا أبا عبد الله إذا أفسدته فسد.
قال أحمد:
سيف بن سليمان المكي من الثقات الذين احتج بهم البخاري ومسلم وغيرهما
ممن جمع الصحيح.
وقد قال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد القطان عن سيف بن سليمان
فقال:
كان عندي ثبتا ممن يصدق ويحفظ.
5908 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر الحفيد حدثنا هارون بن
عبد الصمد حدثنا علي بن المديني. فذكره.
ورأيت أبا جعفر الطحاوي رحمنا الله وإياه أنكره واحتج بأنه لا يعلم قيسا
يحدث عن عمرو بن دينار بشيء والذي يقتضيه مذهب أهل الحفظ والفقه في قبول

401
الأخبار أنه متى ما كان قيس بن سعد ثقة والراوي عنه ثقة ثم يروي عن شيخ تحتمله
سنة ول قية غير معروف بالتدليس كان ذلك مقبولا وقيس بن سعد مكي وعمرو بن دينار
مكي.
وقد روى قيس عن من هو أكبر سنا وأقدم موتا من عمرو: عطاء بن أبي رباح
ومجاهد بن جبير.
وروي عن عمرو من كان في قرن قيس وأقدم لقيا منه: أيوب بن أبي تميمة
السختياني.
فإنه رأى أنس بن مالك وروي عن سعيد بن جبير ثم روي عن عمرو بن دينار.
فمن أين جاء إنكار رواية قيس بن عمرو غير أنه روي عنه ما يخالف [265 / ب] / مذهب
هذا الشيخ ولم يمكنه أن يطعن فيه بوجه آخر فزعم أنه منكر.
وقد روى جرير بن حازم وهو من الثقات عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس:
أن رجلا وقصته ناقته وهو محرم. فذكر الحديث.
فقد علمنا قيسا روى عن عمرو بن دينار غير حديث اليمين مع الشاهد فلا يضرنا
جهل غيرنا.
ثم تابع قيس بن سعد على روايته هذه عن عمرو محمد بن مسلم الطائفي.
5909 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا علي بن
عبد العزيز حدثنا أبو حذيفة حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عابس:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
5910 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا محمد بن يحيى وسلمة بن شبيب قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا محمد بن
مسلم عن عمرو بن دينار بإسناد قيس ومعناه.
قال سلمة في حديثه: قال عمرو في الحقوق.

402
وقد روي ذلك من وجه آخر عن ابن عباس.
5911 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن
معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس ورجل آخر سماه فلا يحضرني ذكر اسمه من
أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم]:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
وقد روي من أوجه أخر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] منها ما:
5912 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي عن
ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة
عن أبيه عن جده قال: وجدنا في كتب سعد:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
قال الشافعي:
وذكر عبد العزيز بن المطلب عن سعيد بن عمرو عن أبيه قال: وجدنا في كتب
سعد بن عبادة شهد سعد بن عبادة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمر عمرو بن حزم أن يقضي
باليمين مع الشاهد.
5913 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا بحر بن
نصر قال: حدثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة ونافع بن يزيد عن عمارة بن غزية
الأنصاري عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة:
أنه وجد كتابا في كتب آبائه: هذا ما رقع أو ذكر عمرو بن حزم والمغيرة بن
شعبة قالا: بينا نحن عند رسول الله [صلى الله عليه وسلم] دخل رجلان [266 / أ] / يختصمان مع أحدهما شاهد له
على حقه فجعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يمين صاحب الحق مع شاهده فاقتطع بذلك حقه.

403
ومنها ما:
5914 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
قال عبد العزيز: فذكرت ذلك لسهيل فقال: أخبرني ربيعة - وهو عندي ثقة - أنه
حدثه إياه ولا أحفظه.
قال عبد العزيز: قد كان أصاب سهيلا علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض
حديثه وكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه.
أخرجه أبو داود في كتاب السنن عن الربيع بن سليمان.
وأخرجه من حديث سليمان بن بلال عن ربيعة. وربيعة: ثقة حجة.
وقد ينسى المحدث حديثه فلا يقدح ذلك في سماع من سمعه منه قبل النسيان.
هذا عمرو بن دينار المكي يروي عن أبي معبد عن ابن عباس قال:
كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير.
قال عمرو بن دينار: ثم ذكرته لأبي معبد بعد فقال:
لم أحدثكه.
قال عمرو: وقد حدثنيه وكان من أصدق موالي ابن عباس.
5915 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو فذكره.
قال الشافعي:
كأنه نسيه بعد ما حدثه إياه.
ولهذا أمثال كثيرة قد ذكرنا بعضها في كتاب المدخل.

404
وقد رواه المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن
النبي [صلى الله عليه وسلم].
وهذا إسناد صحيح.
ومنها ما:
5916 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أنه قال لبعض من بناظره قال:
فقلت له: روى الثقفي - وهو ثقة - عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
وهذا الحديث لم يحتج به الشافعي في هذه المسألة لذهاب بعض الحفاظ إلى
كونه غلطا.
وقد رواه عن عبد الوهاب جماعة من الحفاظ منهم: علي بن المديني
وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي.
وقد روي عن حميد بن الأسود وعبد الله العمري وهشام بن سعد وإبراهيم بن
أبي حية عن جعفر بن محمد كذلك موصولا.
[266 / ب] / ورواه سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده وقيل عنه عن
أبيه عن جده عن علي.
5917 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد قال: حدثني جعفر بن محمد قال:
سمعت الحكم بن عتيبة يسأل أبي وقد وضع يده على جدار القبر ليقوم:
أقضى النبي [صلى الله عليه وسلم] باليمين مع الشاهد؟
قال: نعم وقضى بها علي بين أظهركم.
قال مسلم: قال جعفر في الدين.

405
5918 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن خالد بن أبي كريمة
عن أبي جعفر:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
5919 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج
عن عمرو بن شعيب أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال في الشهادة ' فإن جاء شاهد أحلف مع
شاهده '.
قال أحمد:
وقد رواه مطرف بن مازن عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عنه
جده.
5920 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب
عن ابن المسيب:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
5921 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
مالك عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن
زيد بن الخطاب وهو عامل له بالكوفة:
أن أقض باليمين مع الشاهد.
5922 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة من أصحابنا عن محمد بن
عجلان عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن
وهو عامله على الكوفة.

406
أن أقض باليمين مع الشاهد فإنها السنة.
قال أبو الزناد: فقام رجل من كبرائهم فقال:
أشهد أن شريحا قضى بهذا في هذا المسجد.
5923 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا
حفص بن ميمون الثقفي قال:
خاصمت إلى الشعبي في موضحة فشهد القائس أنها موضحة.
فقال الشج للشعبي: أتقبل علي شهادة رجل واحد؟
قال الشعبي: قد شد القائس أنها موضحة ويحلف المشجوج على مثل ذلك.
قال: فقضى الشعبي فيها.
قال الشافعي:
وذكر عن هشيم عن مغيرة أن الشعبي قال:
أن أهل المدينة يقضون باليمين مع الشاهد.
5924 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي [267 / أ] / أخبرنا مالك أن سليمان بن يسار وأبا
سلمة بن عبد الرحمن سئلا أيقضي باليمين مع الشاهد؟
فقال: نعم.
قال الشافعي:
وذكر حماد بن زيد عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن شريحا
قضى باليمين مع الشاهد.
وذكر إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود
قضى باليمين مع الشاهد.

407
قال: وذكر هشيم عن حصين قال:
خاصمت إلى عبد الله بن عتبة بن مسعود فقضى باليمين مع الشاهد.
قال: وذكر عبد العزيز الماجشون عن رزيق بن حكيم قال:
كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أخبره أني لم أجد اليمين مع الشاهد إلا
بالمدينة؟!
قال: فكتب إلي أن أقض بها فإنها السنة.
قال الشافعي:
وذكر عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن أبي جعفر محمد بن
علي:
أن أبي بن كعب قضى باليمين مع الشاهد.
وعن عمران بن حدير عن أبي ملجز قال:
قضى زرارة بن أبي أوفى فقضى بشهادتي وحدي.
قال: وقال شعبة عن أبي قيس وعن أبي إسحاق أن شريحا أجاز شهادة كل
واحد منهما وحده.
قال أحمد:
وروينا عن يحيى بن يعمر:
أنه كان يقضي بشهادة شاهد ويمين.
ورويناه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
5925 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا

408
محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا كلثوم بن زياد قال:
أدركت سليمان بن حبيب والزهري يقضيان بذلك.
يعني بشاهد ويمين.
وقال كلثوم: وكان أبو ثابت سليمان بن حبيب قاضي أهل المدينة ثلاثين سنة
يقضي باليمين مع الشاهد.
وحكاه أبو الزناد عن أصحابه الذين ينتهي إلى قولهم من أهل المدينة.
5926 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
فخالفنا في اليمين مع الشاهد مع ثبوتها عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعض الناس
(...).
وذكر الجواب عن كل واحد منها.
[267 / ب] / ونقلها ها هنا مما يطول به الكتاب.
ومما حكي عن بعضهم أنه قال:
فإن مما رددنا به اليمين مع الشاهد: أن الزهري أنكرها.
قال الشافعي:
فقلت: لقد قضى بها الزهري حين ولي فلو كان أنكرها ثم عرفها وكتب إنما
اقتديت به فيها.
كان ينبغي أن يكون أثبت لها عندك أن يقضي بها بعد إنكارها وتعلم أنه إنما
أنكرها غير عارف وقضى بها مستفيدا علمها.
ثم ناقضهم بإنكار علي رضي الله عنه حديث بروع بنت واشق ومع علي زيد بن
ثابت وابن عمر وابن عباس وهم يقولون بحديث بروع وإنكار عمر بن الخطاب رضي
الله عنه على عمار بن ياسر تيمم الجنب ومع عمر بن مسعود وقد قلنا بتيمم الجنب.

409
وبإنكار أسامة بن زيد صلاة النبي [صلى الله عليه وسلم] في الكعبة وبه كان ابن عباس يفتي وقد
علمنا بحديث بلال أنه صلى فيها.
قال الشافعي:
إذا كان من أنكر الحديث عن النبي [صلى الله عليه وسلم] من أصحابه لا يبطل قول من روى
الحديث.
كان الزهري إذا لم يدرك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أولى بأن لا يوهن به حديث من حدث
عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال: احتج به أصحابنا وبأن عطاء أنكرها.
قال الشافعي:
بالزنجي بن خالد أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: لا رجعة إلا
بشاهدين إلا أن يكون عذر فيأتي بشاهد ويحلف مع شاهده.
فعطاء يفتي باليمين مع الشاهد فيما لا يقول به أحد من أصحابنا ولو أنكرها
عطاء هل كانت الحجة فيه إلا كهي في الزهري.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
فقال: فإنه بلغنا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
أن خزيمة بن ثابت شهد لصاحب الحق فسألت من أخبره فإذا هو يأتي بخبر
ضعيف لا يثبت عندنا مثله ولا عنده ثم أبطله بأنه أحلف صاحب الحق معه ولو كان
يقوم مقام شاهدين لم يحلف صاحب الحق معه.
ثم ذكر حجتهم بالآية وبما روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
والبينة على [268 / أ] / المدعي واليمين على من أنكر '.
وأجاب عن الآية بأن اليمين مع الشاهد لا يخالف من ظاهر القرآن شيئا لأنا

410
نحكم بشاهدين وبشاهد امرأتين ولا يمين فإذا كان شاهد حكمنا بشاهد ويمين بالسنة
وليس هذا يخالف ظاهر القرآن لأنه لم يحرم أن يجوز أقل مما نص عليه في كتابه
ورسول الله [صلى الله عليه وسلم] أعلم بمعنى ما أراد الله عز وجل.
وقد أمرنا الله عز وجل أن نأخذ ما أتانا به وننتهي عما نهانا. ونسأل الله العصمة
والتوفيق.
وأجاب عن الخبر بأنه علي خاص واستدل عليه بحديث القسامة وبما رووا فيها
عن عمرو وذكر فصلا في أن حديث:
' اليمين على المدعي واليمين على من أنكر '.
فإنه إنما رواه ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
ورواه عمرو بن شعيب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قضى باليمين مع الشاهد.
وروى ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
أنه قضى باليمين مع الشاهد.
وروى ذلك عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وروى ذلك أبو هريرة وسعد بن عبادة.
أظنه قال:
وأبو جعفر وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فرددته وهو
أكثر وأثبت.
وثبتها وثبت معنا الذي هو دونه.
قال أحمد:
وقد أخرجه أبو داود في كتاب السنن من حديث الزبيب عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وأخرجاه من حديث جابر بن عبد الله عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ومن حديث علي بن أبي
طالب وعمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].

411
فحديث اليمين مع الشاهد أكثر رواة كما قال الشافعي رحمه الله.
1268 - [باب] موضع اليمين
5927 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن
عبيد بن نسطاس [268 / ب] / عن جابر بن عبد الله أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار '.
ورواه أبو ضمرة وأبو زيد بن شجاع بن الوليد عن هاشم وقالا في الحديث:
' عند المنبر '.
5928 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا يحيى بن
جعفر أخبرنا الضحاك بن مخلد أخبرنا الحسن بن يزيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة
قال:
أشهد لسمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' من حلف عند منبري على يمين آثمة ولو سواك رطب وجبت له النار '.
هذا إسناد حسن.
5929 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عن الضحاك بن عثمان الحزامي عن نوفل بن مساحق العامري عن المهاجر بن أبي
أمية قال:
كتب إلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
أن أبعث إلي بقيس بن مكشوح في وثاق فأحلفه خمسين يمينا عند منبر

412
النبي [صلى الله عليه وسلم] ما قتل دا ذوي.
ورواه في القديم فقال:
أخبرنا من نثق به عن الضحاك بن عثمان عن المقبري عن نوفل بن مساحق
فذكره بمعناه وأتم منه.
5930 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان بن
طريف المري قال:
اختصم زبد بن ثابت وابن مطيع إلى مروان بن الحكم في دار فقضى باليمين
على زيد بن ثابت على المنبر فقال زيد: أحلف له مكاني.
فقال مروان: لا والله إلا عند مقاطع الحقوق.
فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر.
فجعل مروان يتعجب من ذلك.
قال مالك:
كره زيد صبر اليمين.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
وبلغني أن عمر بن الخطاب حلف على المنبر في خصومة كانت بينه وبين
رجل.
وأن عثمان ردت عليه اليمين على المنبر فاتقاها وافتدى منها وقال: أخاف أن
توافق قدر بلاء فيقال بيمينه.
قال الشافعي:
واليمين على المنبر ما لا اختلاف فيه عندنا في قديم ولا حديث علمته.

413
5931 - [269 / أ] / أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي
قال:
ومن حجتهم فيه مع إجماعهم - يريد حكام المكيين - أن مسلما والقداح
أخبراني عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد:
أن عبد الرحمن بن عوف رأى قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال أعلي دم؟
فقالوا: لا.
قال: فعلي عظيم من الأموال؟ قالوا: لا.
قال: لقد حشيت أن يبهى الناس بهذا المقام.
قال الشافعي:
فذهبوا إلى أن العظيم من أموال ما وصفت من عشرين دينارا فصاعدا.
قال: وقال مالك: يحلف على المنبر على ربع دينار.
قال الشافعي:
ولسنا نقول بهذا.
قال الشافعي:
وقد روى الذين خالفونا في هذا حديثا يثبتونه عندهم عن منصور عن الشعبي
وعن عاصم الأحول عن الشعبي:
أن عمر حلف قوما من اليمن فأدخلهم الحجر فأحلفهم.
فإن كان هذا ثابتا عن عمر فكيف أنكروا علينا أن يحلف من بمكة بين الركن
والمقام ومن بالمدينة على المنبر ونحن لا نجلب أحدا من بلده.
قال أحمد:
وقد روينا معنى هذا عن شعبة عن منصور.

414
5933 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
فعاب علينا اليمين على المنبر بعض الناس وقال أن زيدا أنكر اليمين على
المنبر.
قلت له: زيد من أكرم أهل المدينة على مروان فأحراهم أن يقول له ما أراده
ويرجع مروان إلى قوله.
أخبرنا مالك: أن زيدا دخل على مروان فقال:
أتحل بيع الربا؟ فقال مروان:
أعوذ بالله. فقال: إن الناس يتبايعون الصكوك قبل أن يقبضونها.
فبعث مروان حرسا يردونها.
قال الشافعي:
فلو لم يعرف زيدا أن اليمين عليه لقال لمروان:
ما هذا علي.
وبسط الكلام في الجواب عنه.
واحتج في الاستحلاف بعد العصر بقول الله عز وجل:
* (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله) *.
وقال المفسرون صلاة العصر.
قال أحمد:
قد روينا عن أبي موسى:
أنه أحلفهما بعد العصر ما خانا.

415
5933 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع [269 / ب] / أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن مؤمل عن ابن أبي مليكة
قال: كتبت إلى ابن عباس من الطائف في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى ولا
شاهد عليهما.
فكتب: أن أحبسهما بعد العصر ثم إقرأ عليهما:
* (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *.
ففعلت فاعترفت.
5934 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
وقد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف وذلك عندي حسن.
قال: وأخبرنا مطرف بن مازن بإسناد لا أحفظه:
أن ابن الزبير بأن يحلف على المصحف.
قال الشافعي:
ورأيت مطرف بصنعاء يحلف على المصحف.
1269 - [باب] التغليظ في اليمين الفاجرة
5935 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد أخبرنا أبو النضر شافع بن محمد
أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن جامع بن أبي
راشد وعبد الملك يعني بن أعين سمعا أبا وائل يخبر عن عبد الله بن مسعود قال:
سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:

416
' من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان '.
ثم قرأ علينا النبي [صلى الله عليه وسلم] من كتاب الله:
* (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * الآية.
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.
5936 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن
معبد بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أمامة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
قال:
' من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار '.
قالوا: وإن كان يسيرا يا رسول الله؟ قال:
' وإن كان قضيبا من أراك '.
قالها ثلاثا.
أخرجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء.
5937 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي عن ابن عيينة عن ابن إسحاق - يعني
محمدا - عن معبد بن كعب عن أبي أمامة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله [270 / أ] / وهو عليه
غضبنان '.
قيل: يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا؟ قال:
' وإن كان سواكا من أراك '.

417
وفي مسائل حرملة عن مالك أنه قال:
لا بأس أن يفتدي الرجل بيمينه بالشيء يعطيه الذي يريد أن يستحلفه.
وقال الشافعي:
قال أحمد:
قد روينا عن حذيفة أنه أراد أن يشتري يمينه.
وعن جبير بن مطعم أنه فدا يمينه بعشرة آلاف درهم.
قال الشافعي في رواية الربيع:
ويحلف الذميون في بيعهم وحيث يعظمون وعلى التوراة والإنجيل وما عظموا
من كتبهم.
قال أحمد:
قد روينا في حديث أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في قضية الرجم فقال لهم:
' يا معشر اليهود أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في
التوراة من العقوبة على من زنا وقد أحصن '؟
قال الشافعي:
ويطلب الرجل في حق نفسه على البت وعلى علمه في أبيه.
وبسط الكلام في شرحه.
وقد روينا عن أبي يحيى عن ابن عباس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال لرجل حلفه:
' أحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء '.

418
يعني للمدعي.
وروينا في حديث الأشعث بن قيس:
أن رجلا من كندة ورجل من حضرموت اختصما إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في أرض
باليمن فقال الحضرمي: يا رسول الله أرض اغتصبها أو هذا.
فقال للكندي:
' ما تقول '؟
قال أقول: إنها أرضي وفي يدي ورثتها من أبي.
فقال للحضرمي:
' هل لك بينة '؟
قال: لا ولكن يحلف يا رسول الله بالذي لا إله إلا هو ما يعلم أنها أرضي
اغتصبها أبوه.
فتهيأ الكندي لليمين.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إنه لا يقتطع رجل مالا بيمينه إلا لقي الله يوم القيامة وهو أجذم '.
فردها الكندي.
5938 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا تمتام
حدثنا أبو نعيم حدثنا الحارث بن سلميان الكندي حدثني كردوس الثعلبي عن
أشعث بن قيس عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
فذكره.

419
1270 - [باب] من بدأ فحلف قبل أن يحلفه الحاكم أعاد الحاكم عليه اليمين [270 / ب] / حتى يكون يمينه بعد خروج الحكم بها
5939 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
فالحجة فيه أن محمد بن علي بن شافع أخبرنا عن عبد الله بن علي بن السائب
عن نافع عجير بن عبد يزيد: أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ثم أتى رسول [صلى الله عليه وسلم] الله
فقال: إني طلقت امرأتي البتة والله ما أردت إلا واحدة.
فردها إليه.
قال الشافعي:
وإذا حلف رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ركانة في الطلاق فهذا يدل على أن اليمين في الطلاق
كما هي في غيره.
قال أحمد:
وروينا عن نافع عن ابن عمر قال:
إذا ادعت المرأة الطلاق على زوجها فتناكرا فيمينه بالله ما فعل.
1271 - [باب] البينة بعد اليمين
5940 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في
المدعي:

420
إذا سأل أن يحلف له المدعي أحلفه له القاضي فإن ثبت عليه بينة أخذ له بها
وكانت البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة.
وحكى في موضع آخر عن بعض العراقيين أنه قال:
بلغنا عن عمر بن الخطاب وشريح أنهما كانا يقولان: اليمين الفاجرة أحق أن
ترد من البينة العادلة.
1727 - [باب] النكول ورد اليمين
احتج الشافعي رحمه الله في ذلك بأنه اللعان كما نقله المزني رحمه الله.
5941 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد
الرحمن بن سهل أن سهل بن أبي حثمة أخبره ورجال من كبراء قومه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
قال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن:
' تحلفون وتستخفون دم صاحبكم '.
قالوا: لا. قال:
' فتحلف يهود '.
5942 - وبإسنادهم قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة والثقفي [271 / أ] /
عن يحيى بن سعيد وبشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بدأ بالأنصاريين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على اليهود.
5943 - وبإسنادهم قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى عن
بشير بن يسار عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله.

421
هكذا روى الشافعي هذه الأخبار ها هنا مختصرة وقد ساقها بمتونها في كتاب
القسامة وحمل ها هنا حديث سفيان على حديث عبد الوهاب الثقفي.
وكذلك فعله مسلم بن الحجاج لأن سفيان كان يشك فيه.
وقد بينا ذلك في كتاب القسامة.
5944 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن سهل عن سليمان بن يسار:
أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على أصبع رجل من جهينة
فنزى منها فمات.
فقال عمر للذين ادعى عليهم:
تحلفون خمسين يمينا ما مات منها؟
فأبوا وتحرجوا عن الأيمان.
فقال للآخرين: احلفوا أنتم.
فأبوا.
زاد أبو سعيد في روايته قال: قال الشافعي:
فقد رأى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] اليمين على الأنصاريين يستحقون فلما لم يحلفوا حولها
على اليهود يبرؤون بها.
ورأى عمر اليمين على الليثيين يبرؤون بها فلما أبوا حولها على الجهنيين
يستحقون بها.
فكل هذا تحويل يمين من موضع قد رئيت فيه إلى الموضع الذي يخالفه.
فبهذا أو ما أدركنا عليه أهل العلم قلنا في رد اليمين.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
فأمضيت سنته في رد اليمين على ما جاءت وسنته في البينة على المدعي

422
واليمين على المدعي عليه على ما جاءت فيه.
ولم يكن في قول رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رد اليمين على المدعى عليه بيان أن النكول
كالإقرار إذا لم يكن مع النكول شيء يصدقه.
زاد في القديم:
واليمين عليه برأ بها إن حلف ولم تكن بينة لا أنه إن لم يحلف لزمه ما ادعى
عليه.
ثم ناقضهم في الجديد بالقصاص حيث لم يجعلوا النكول فيه ولا في الحدود
كالإقرار.
وفي كتاب الدارقطني عن محمد بن مسروق عن إسحاق بن الفرات عن
الليث بن سعد [271 / ب] / عن نافع عن ابن عمر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رد اليمين على طالب الحق.
5945 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا
أبو هديرة الأنطاكي حدثنا يزيد بن محمد حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا مسروق
فذكره.
وكذلك رواه محمد بن المنذر الهروي عن يزيد بن عبد الصمد الدمشقي
وسليمان بن أيوب عن سليمان بن عبد الرحمن.
5946 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا
محمد بن المنكدر. فذكره.
وكذلك رواه عثمان بن سعيد الدارمي عن سليمان بن عبد الرحمن.
وهو غريب وفي إسناده من يجهل.
وفي ما مضى كفاية.

423
وروي عن علي بن أبي طالب:
وهو فيما رواه حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي أنه قال:
اليمين مع الشاهد فإن لم يكن بينة فاليمين على المدعى عليه فإن نكل حلف
المدعي.
وفي رواية أخرى عنه بهذا الإسناد قال: المدعى عليه أولى باليمين فإن نكل
أحلف صاحب الحق وأخذ.
وهو في كتاب الدارقطني.
وفي كتاب المخرج لأبي الوليد بإسناد صحيح عن الشعبي وفيه إرسال:
أن المقداد استقرض من عثمان بن عفان رضي الله عنه سبعة آلاف درهم فلما
تقاضاه قال:
إنما هي أربعة آلاف فخاصمه إلى عمر.
فقال المقداد: أحلفه أنها سبعة آلاف.
فقال عمر: أنصفك.
فأبى أن يحلف.
فقال عمر: خذ ما أعطاك.
1273 - [باب] الشهادات
5947 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن
الشافعي قال:
ليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلا يمحض الطاعة والمروءة حتى لا
يخلطها بمعصية ولا ترك المروءة ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطها
بشيء من الطاعة والمروءة فإن كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة

424
والمروءة قبلت شهادته وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة
ردت شهادته.
ولك من كان مقيما على معصية فيها [272 / أ] / حد فلا تجوز شهادته.
وكل من كان منكشف الحال في الكذب مظهره غير مستتر به لم تجز شهادته.
وكذلك كل من جرب شهادة زور.
5948 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي فيما قرأت عليه قال: سمعت أبا بكر
محمد بن عبد الله بن شاذان الرازي يقول: سمعت أبا الفضل بن المهاجر يقول
سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي وسئل من العدل؟ قال: ما أحد يطيع الله حتى
لا يعصيه وما أحد يعصي الله حتى لا يطيعه ولكن إذا كان أكثر عمله الطاعة ولا يقدم
على كبيرة فهو عدل.
5949 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال سمعت أبا عمرو بن مطر يقول سمعت
موسى بن عبد المؤمن البستي يقول سمعت ابن عبد الحكم يقول سمعت الشافعي
يقول مثله.
5950 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه قال: سمعت أبا الوليد الفقيه
يقول سمعت أبا العباس بن شريح يقول وسئل عن صفة العدالة فقال:
يكون حرا مسلما بالغا عاقلا غير مرتكب لكبيرة ولا مصرا على صغيرة ولا يكون
تاركا للمروءة في غالب العادة وهذا تلخيص ما قال الشافعي رحمه الله وفيما:
5951 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي
رحمه الله:
العدل يكون جائز الشهادة في أمور مردودا قي أمور إذا شهد في موضع يحز بها
إلى نفسه زيادة أو يدفع بها عن نفسه غرما أو إلى والد وولده أو يدفع بها عنهما
ومواضع الظنين سواهما - يعني: فهو مردودها.
واحتج الشافعي في القديم في رواية الزعفراني بحديث رواه ابن أبي ذئب عن

425
الحكم بن مسلم عن عبد الرحمن الأعرج قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا تجوز شهادة ذي الظنة والحنة '.
5952 - أخبرناه أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أخبرنا جدي يحيى بن منصور
القاضي حدثنا محمد بن عمرو أخبرنا القعنبي حدثنا ابن أبي ذئب. فذكره وزاد
والحنة قال: والحنة الذي تكون بينك وبينه عداوة.
قال الشافعي:
وبهذا نأخذ وهو الأمر الذي لم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يقول بخلافه
ولا يحكي عن أحد من أهل العلم عندنا خلافه وهذا قوي عندنا. والله أعلم.
[272 / ب] / وإن كان الحديث فيه منقطعا.
قال أحمد:
وكذا الشافعي هذا المرسل بأن أكثر [أهل] العلم يقول به.
وقد روي ذلك من وجه آخر منقطعا ببعض معناه وهو ما أخرجه أبو داود في
المراسيل.
وأورده أبو عبيد في كتابه عن طلحة بن عبد الله بن عوف: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
بعث مناديا حتى انتهى إلى الثنية:
' أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين '.
وروي من وجه آخر موصولا.
5953 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا حفص بن عمر حدثنا محمد بن راشد حدثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده:

426
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه ورد شهادة
القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم.
5954 - وأخبرنا أبو علي - يعني الروذباري - أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو
داود حدثنا محمد بن خلف حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد حدثنا سعيد بن عبد العزيز
عن سليمان بن موسى بإسناده قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه '.
قال أحمد:
بلغني عن أبي عبيد أنه قال في هذا الحديث:
لا نراه خص به الخيانة في أمانات الناس دون ما افترض الله على عباده
وائتمنهم عليه فإنه قد سمى ذلك كله أمانة فقال:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) *.
فمن ضيع شيئا مما أمره الله به أو ركب شيئا مما نهاه الله عنه فليس ينبغي أن
يكون عدلا لأنه لزمه اسم الخيانة.
قال الشافعي:
ولا تجوز شهادة الوالد لولده لأنهم منه فكأنه شهد لبعضه ولا لآبائه لأنه من آبائه
فإنما شهد لشيء هو منه.
قال: وهذا فيما لا أعرف فيه خلافا.
قال أحمد:
وقد ذكر ابن المنذر الخلاف فيه عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز
وغيرهما.
وإليه ذهب من أصحابنا أبو ثور والمزني.

427
وفيما روي عن عمر بن الخطاب في ذلك نظر فمشهور عنه:
أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا
مجلود في حدث أو مجرب [273 / أ] / عليه شهادة الزور أو ظنين في ولاء أو قرابة.
قال أبو عبيد:
الظنين في الولاء والقرابة: الذي يتهم بالدعوى إلى غير أبيه أو المتولي غير
مواليه.
وقد يكون أن يتهم في شهادته لقربته كالوالد للولد والولد للوالد.
قال أحمد:
وإذا لم تجز شهادته لنفسه وولده بعض منه وهو بعض والده فكيف تجوز شهادته
له؟
والله أعلم.
وأما شهادة الأخ لأخيه:
فقد روينا عن ابن الزبير أنه أجازها. وهو قول شريح وعمر بن عبد العزيز
والشعبي والنخعي.
قال أحمد:
وروينا عن معمر عن موسى وهو ابن شيبة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أبطل شهادة رجل في كذبة كذبها.
5955 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا
أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر فذكره.
وهذا مرسل وله شواهد في ذم الكذب.
وروينا في الحديث الثابت عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم
بنت عقبة أنها سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:

428
' ليس الكاذب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا '.
وقالت لم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: في الحرب
والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
1274 - [باب] شهادة أهل الأهواء
كلام الشافعي رحمه الله في كتاب أدب القاضي يدل على أنه كان يذهب إلى
قبول شهادتهم إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور على الرجل لأنه
يراه حلال الدم والمال.
فترد شهادته بالزور.
أو يكون منهم من يستحل الشهادة للرجل إذا وثق به فيحلفه له حقه ويشهد له
بالبت به ولم يحضره ولم يسمعه فترد شهادته من قبل استحلاله للشهادة بالزور.
أو يكون منهم من يباين الرجل المخالف مباينة العداوة له فترد شهادته من جهة
العداوة.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وأيهم سلم من هذا أجزت شهادته وشهادة من يرى الكذب شركا بالله أو معصية
له وتوجب عليها النار أولى أن تطيب النفس عليها من شهادة من يخفف المأثم [273 / ب] / فيها
وكأنه لا يرى بكفرهم وقد حكينا عنه وعن غيره من أئمة الدين أنهم كفروا
القدرية ومن أنكر منهم صفات الله الذاتية نحو: الكلام والعلم والقدرة.
فكأنه أراد بالتكفير مما ذهبوا إليه من نفي هذه الصفات التي أثبتها الله تعالى

429
لنفسه في كتابه وجحودهم لها بتأويل بعيد ولم يرد كفرا يخرجون به عن الملة
لاعتقادهم إثبات ما أثبت الله في الجملة وإن كانوا تركوا هذا الأصل في بعض ما
ذهبوا إليه يشبه فأخطأوا كما لم يخرج عن الملة من أنكر إثبات المعوذتين في
المصاحف كسائر السور لما ذهب إليه من الشبهة. والله أعلم.
وقد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] من قوله:
' القدرية مجوس هذه الأمة '.
فإنما سماهم مجوس لمضاهاة بعض ما يذهبون إليه مذاهب المجوس.
وقد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة '.
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله:
فيه دلالة على أن هذه الفرق كلها غير خارجين من الدين إذ النبي [صلى الله عليه وسلم] جعلهم
كلهم من أمته وأن المتأول لا يخرج من الملة وإن أخطأ في تأويله.
قال أحمد:
وسمعت أبا حازم العبدوي الحافظ يقول: سمعت أبا علي زاهر بن أحمد
السرخسي يقول:
لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري رحمه الله في داري ببغداد دعاني
فأتيته فقال:
اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل هذه القبلة لأن الكل يشيرون إلى معبود
واحد وإنما هذا كله اختلاف العبارات.
قال الشافعي:

430
وإن كانوا هكذا - يعني أهل الأهواء - فاللاعب بالشطرنج وإن كرهنا له
وبالحمام وإن كرهنا له أخف حالا من هؤلاء بما لا يحصى ولا يقدر.
فأما إن قامر رجل بالحمام أو بالشطرنج رددنا شهادته.
قال أحمد:
وإنما لم يرد شهادته إذا لم يقامر به لما فيه من اختلاف العلماء.
5956 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب
يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول:
لعب سعيد بن جبير بالشطرنج من وراء ظهره فيقول: بأيش دفع كذا. قال:
بكذا. قال: ادفع بكذا.
5957 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن [274 / أ] / السلمي أخبرنا أبو الحسن بن رشيق إجازة
حدثنا محمد بن الربيع حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا الشافعي قال:
كان محمد بن سيرين وهشام بن عروة يلعبان بالشطرنج استدبارا.
قال أحمد:
كذا وجدته وأظنه أراد سعيد بن جبير دون ابن سيرين.
فقد روينا عن ابن سيرين أنه كرهه.
وروينا عن الشعبي أنه كان يلعب به.
وعن الحسن أنه كان لا يرى به بأسا.
فأما الكراهية فلما روي فيه عن علي:
أنه مر على قوم يلعبون الشطرنج فقال:

431
* (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) *.
وروي عنه أنه قال:
لغير هذا خلقتم.
وروينا عن ابن عباس وابن عمر، وأبي سعيد وعائشة أنهم كرهوا ذلك.
وروينا في كراهيته عن أبي جعفر وابن المسيب وابن سيرين وإبراهيم والزهري
ويزيد بن أبي حبيب ومالك بن أنس.
وروينا عن أبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رأى رجلا يتبع حمامة فقال:
' شيطان يتبع شيطانه '.
5958 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي رحمه الله:
نكره من وجه الخير اللعب بالنرد أكثر ما نكره اللعب بشيء من الملاهي ولا
نحب اللعب بالشطرنج وهي أخف من النرد.
ونكره اللعب بالجزة والغرق وكل ما لعب الناس به. لأن اللعب ليس من صفة
أهل الدين ولا المروءة ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال له لم نرد شهادته.
قال: وإن غفل به عن الصلاة فأكثر حتى تفوته ثم يعود له حتى تفوته رددنا
شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة.
قال والجرة: قطعة خشب يكون فيها حفر يلعبون بها.

432
5959 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو سعيد بن
الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا إسحاق الأزرق حدثنا سفيان الثوري عن
علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من لعب بالنردشير فهو كمن غمس يده في لحم الخنزير ويده '.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الثوري.
5960 - وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا
عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن موسى بن ميسرة عن [274 / ب] / سعيد بن
أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله '.
رواه الشافعي في كتاب حرملة عن مالك.
ورواه عن سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى
الأشعري قال:
من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله.
قال أحمد:
وروينا عن أنس بن مالك عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' لست من دد ولا دد مني '.
قال أبو عبيد:
الدد: اللعب واللهو.

433
قال أحمد:
روينا عن القاسم بن محمد أنه قال:
كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر.
قال الشافعي:
فأما ملاعبة الرجل امرأته وإجراؤه الخيل وتأديبه فرسه وتعليمه الرمي ورميه
فليس ذلك من اللعب ولا ننهى عنه وهذا لما:
5961 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا
العباس بن الوليد بن مرثد حدثنا محمد بن شيب حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر
حدثنا أبو سلام الأسود عن خالد بن زيد أن عقبة بن عامر حدثه قال قال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إن الله جل وعز يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه الذي احتسب في
صنعته الجنة ومنبله والرامي به أرموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا وليس
من اللهو إلا ثلاثة: تأديب الرجل فرسه وملاعبته زوجته ورميه بنبله عن قوسه ومن علم
الرمي ثم تركه فهو نعمة كفرها '.
ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن عبد الله بن زيد بن الأزرق عن
عقبة بن عامر.
1275 - [باب] شهادة أهل الغناء
5962 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن
الشافعي في الرجل يغني فيتخذ الغناء صناعة له يؤتى عليه ويأتي له ويكون منسوبا إليه

434
مشهورا به معروفا والمرأة.
فلا تجوز شهادة واحد منهما وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل وأن
من صنع هذا كان منسوبا إلى السفه وسقاطة المروءة ومن رضي بهذا لنفسه كان
مستخفا وإن لم يكن محرما بين التحريم.
قال أحمد:
وروينا [275 / أ] / عن ابن مسعود أنه قال في قوله:
* (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) *.
قال: هو والله الغناء.
ورويناه عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وإبراهيم.
وروينا عن ابن مسعود أنه قال:
الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع.
وروينا عن القاسم بن محمد أنه سئل عن الغناء فقال:
أنهاك عنه وأكرهه.
قال: أحرام هو؟
قال: أنظر يا ابن أخي إذا ميز الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء؟
قال الشافعي:
ولو كان لا ينسب بصفته إليه وكان إنما يعرف بأنه يطرب في الحال فيترنم فيها
ولا يؤتى لذلك ولا يأتي عليه ولا يرضى به لم يسقط هذا شهادته وكذلك الامرأة.
5963 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا

435
أحمد بن عبد الحميد الحارثي حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
قالت:
دخل أبو بكر وعندي جاريان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم
بعاث.
قالت: وليستا مغنيتين.
فقال أبو بكر: أمزمور الشيطان في بيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم]؟ وذلك يوم عيد.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' يا أبا بكر: إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا '.
أخرجاه في الصحيح من حديث أبي أسامة.
وفي هذا الحديث إشارة إلى جملة ما ذكر الشافعي وذلك لأنها قالت: وليستا
مغنيتين.
فأشارت إلى أن الغناء لم يكن من صناعتهما.
وقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا '.
فأشار إلى أنه يفعل في بعض الأوقات دون بعض.
وقد رواه الزهري عن عروة وزاد فيه:
وعندها جاريتان في أيام منا تغنيان وتدفقان وتضربان.
وروينا عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح وأبي مسعود
الأنصاري ترنمهم بالأشعار في أسفارهم.
ورويناه عن أسامة بن زيد وعبد الله بن الأرقم وعبد الله بن الزبير في
مجالسهم.
وروي أيضا عن بلال.

436
وسئل عطاء عن الغناء بالشعر فقال: لا أرى به بأسا ما لم يكن فحشا.
قال الشافعي في الرجل يتخذ [275 / ب] / الغلام والجارية المعنيين:
إن كان يجمع عليهما ويغنيا فهذا سفه ترد به شهادته وهو في الجارية أكثر من
قبل أن فيه سفها ودياثة.
قال أحمد:
وروينا عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق والديه والديوث ورجلة النساء '.
قال الشافعي:
فأما استماع الحد أو نشيد الأعراب فلا بأس به كثر أو قل وكذلك استماع
الشعر.
5964 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال:
أردفني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء '؟
قال قلت: نعم. قال:
' هيه '.
قال: فأنشدته بيتا. قال:
' هيه '.

437
قال: فأنشدته حتى بلغت مائة بيت.
رواه مسلم في الصحيح عن ابن أبي عمر عن سفيان.
5965 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي رحمه الله:
وسمع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الحداء والرجز وأمر ابن رواحة في سفرة فقال:
' حرك بالقوم '.
فاندفع يرجز.
قال أحمد:
ورجزه في رواية قيس بن أبي حازم رحمه الله:
* والله لولا أنت ما اهتدينا
* ولا تصدقنا ولا صلينا
*
* فأنزلن سكنية علينا
* وثبت الأقدام إن لاقينا
*
ورجزه فيما روي عن أنس:
* خلوا بني الكفار عن سبيله
* قد نزل الرحمن في تنزيله
*
* بأن خير القتل في سبيه
* نحن قاتلناكم على تأويله
*
* كما قاتلناكم على تنزيله
*
وفي رواية أخرى:
* اليوم نضربكم على تنزيله
* ضربا يزيل الهام عن مقبله
*
* ويذهل الخليل عن خليله
* يا رب إني مؤمن بقيله
*
قال الشافعي:
وأدرك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ركبا من بني تميم ومعهم حادي فأمرهم بأن يحدوا وقال:

438
' إن حادينا ونى من آخر الليل '.
قالوا: يا رسول الله نحن أول العرب حدا بالإبل. قال:
' وكيف ذاك '؟
قالوا: كانت العرب تغير بعضها على بعض فأغار رجل منا فاستاق إبلا فتبددت
فغضب على غلامه فضربه بالعصا فأصاب يده.
فقال الغلام: وايداه وايداه.
قال: فجعلت الإبل تجتمع.
قال: هكذا فعل. قال والنبي [صلى الله عليه وسلم] [276 / أ] / يضحك فقال:
' ممن أنتم '؟
قالوا: نحن من مضر. فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' ونحن من مضر '.
فانتسب تلك الليلة حتى بلغ في النسبة إلى مضر.
وهذا فيما:
5966 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا سعدان
حدثنا سفيان عن عكرمة قال:
كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يسير إلى الشام فسمع حاديا من الليل فقال:
' أسرعوا بنا إلى هذا الحادي '.
فذكر معنى ما ذكره الشافعي.
قال سفيان: وزاد فيه العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:

439
' إن حادينا ونى '.
وهذا مرسل.
وقد روينا عن ثابت عن أنس قال:
كان أنجشة يحدو بالنساء وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال وكان أنجشة
حسن الصوت كان إذا حدا أعنقت الإبل.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' ويحك يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير '.
وحدثنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا سعدان بن نصر
حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان التيمي سمع أنس بن مالك يقول:
كان للنبي [صلى الله عليه وسلم] حادي يقال له: أنجشة وكانت أمي مع أزواج النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' يا أنجشة أرفق بالقوارير '.
ورواه الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان.
قال الشافعي في الحداء:
مثل الكلام والحديث المحسن باللفظ وإذا كان هذا هكذا بالشعر كان تحسين
الصوت بذكر الله أو القرآن أولى أن يكون محبوبا.
قد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' ما أذن الله لشيء إذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن '.

440
وأنه سمع عبد الله بن قيس يقرأ فقال:
' لقد أوتي هذا من مزامير آل داود '.
وأما الحديث الأول:
5967 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن عتاب العبدي حدثنا أبو
بكر بن أبي العوام حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به '.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث محمد بن عمرو.
وأخرجاه من حديث الزهري ومحمد بن إبراهيم وغيرهما عن أبي سلمة.
وأخرجه البخاري من حديث ابن جريج عن [276 / ب] / أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' ليس منا من لم يتغن بالقرآن '.
5968 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا عبد الباقي بن قانع حدثنا
محمد بن يحيى بن المنذر حدثنا أبو عاصم عن ابن جريد فذكره.
5969 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس يقول سمعت
الربيع يقول سمعت الشافعي يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن.
فقال له رجل: سنغني به.
فقال: لا ليس هذا معناه ومعناه يقرأ حدرا وتحزينا.
قال أحمد:
الروية الأولى عن أبي سلمة تؤكد ما قال الشافعي وكذلك ما روي عن البراء بن
عازب مرفوعا:

441
' زينوا القرآن بأصواتكم '.
وأما الحديث الآخر الذي ذكره الشافعي رحمه الله:
5970 - فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان حدثنا
يحيى بن أبي طالب أخبرنا زيد بن الحباب حدثنا مالك بن مغول عن عبد الله بن
بريدة بن حصيب عن أبيه: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال لأبي موسى الأشعري - وهو عبد
الله بن قيس - وإذا هو يقرأ في جانب المسجد:
' لقد أعطي هذا مزمارا من مزامير آل داود '.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث مالك بن مغول وأخرجاه من حديث أبي
بريدة عن أبي موسى وزاد فقال: لو علمت لحبرته لك تحبيرا.
قال أحمد:
وأما الضرب بالعود والطبل فقد روينا عن ابن عباس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إن الله حرم الخمر والميسر والكوية '.
وهي الطبل فيما زعم بعض رواته.
قال أبو سليمان رحمه الله:
ويقال: بل هو النرد. ويدخل في معناه كل وتر ومزهر وغير ذلك من الملاهي.
وفي كتاب الغربيين قال ابن الأعرابي:
الكوبة النرد. ويقال: الطبل وقيل: البربط.
قال أحمد '

442
وروينا عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إن ربي حرم علي الخمر والميسر والقنين والكوبة ' والقنين: العود فيما زعم
بعض رواته.
وفي كتاب الغربيين: القنين الطنبور بالحبشية. قاله ابن الأعرابي.
وروينا عن نافع قال:
سمع ابن عمر مزمارا فوضع أصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي: يا
نافع هل تسمع شيئا؟
فقلت: لا فرفع أصبعيه من أذنيه وقال:
كنت مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [277 / أ] / فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا.
1276 - [باب] شهادة أهل العصبية
قال الشافعي:
ومن أظهر العصبية بالكلام وتألف عليها ودعا إليها وإن لم يكن يشهر نفسه بقتال
فيها فهو مردود الشهادة.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
قال الله تبارك وتعالى:
* (إنما المؤمنون إخوة) *.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' وكونوا عباد الله إخوانا '.

443
5971 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد المزني أخبرنا علي بن
محمد بن عيسى حدثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري أخبرني أنس بن مالك
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن
يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ
بالسلام '.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الزهري.
قال الشافعي:
قد جمع الله الناس بالإسلام ونسبهم إليه فهو أشرف أنسابهم فإن أحب امرؤ
فليحبب عليه وإن خص امرؤ قومه بالمحبة ما لم يحمل على غيرهم ما ليس يحل له
فهذه صلة ليست بمعصية فقل امرؤ إلا وفيه محبوب ومكروه.
ثم ساق الكلام في تفسير المكروه.
وقد روينا عن واثلة بن الأسقع أنه قال:
قلت يا رسول الله ما العصبية؟ قال:
' أن تعين قومك على الظلم '.
وروينا عن حميد عن أنس قال:
قيل يا رسول الله: أمن العصبية أن يعين الرجل قومه على الحق؟ قال:
' لا '.

444
1277 - [باب] شهادة الشعراء
5972 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي رحمه الله:
الشعر كلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام غير أنه كلام باق سائر
فذلك فضله على الكلام.
فمن كان من الشعراء لا يعرف ببغض المسلمين وأذاهم والإكثار من ذلك ولا
بأن يمدح فيكثر الكذب لم ترد شهادته. ومن أكثر الوقيعة في الناس على الغضب
أو الحرمان حتى يكون ذلك منه كثيرا ظاهرا مستعلنا وإذا رضي [277 / ب] / مدح الناس بما ليس
فيهم حتى يكون ذلك كثيرا ظاهرا مستعلنا كذبا محضا ردت شهادته بالوجهين
وأحدهما لو انفرد به.
وبسط الكلام فيه.
وقد روى الشافعي في كتاب الحج:
عن إبراهيم عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' الشعر كلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه '.
وعن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعن
مروان بن الحكم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إن من الشعر حكمة '.

445
5973 - أخبرناه أبو زكريا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
إبراهيم بن سعد فذكر الحديثين مرسلين.
والحديث الأول قد رواه عبد الرحمن بن ثابت في آخرين ضعفاء عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وأما الحديث الثاني فقد:
5974 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن
حبيب حدثنا أبو داود حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي بكر عن مروان عن
عبد الرحمن بن [الأسود] عن أبي بن كعب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] موصولا.
ورواه أيضا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري موصولا ومن ذلك الوجه أخرجه
البخاري في الصحيح.
وأما الحديث الثالث عن أبي هريرة وغيره أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لأن يمتلئ جوف الرجل قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا '.
فقد قال أبو عبيد:
وجهه عندي: أن يمتلئ قلبه حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله
فيكون الغالب عليه من أي الشعر كان.
قال أحمد:
وروينا عن سعيد بن زيد عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' من أربى الربا الإستطالة في عرض المسلم بغير حق '.

446
وروينا عن عبد الله بن مسعود عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء '.
ومن حديث عبادة بن الصامت فيما أخذ عليهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
ولا يعضه بعضنا بعضا.
وعن عبد الله بن مسعود أن محمد [صلى الله عليه وسلم] [قال]:
' ألا أنبئكم ما العضه: هي النميمة [278 / أ] / القالة بين الناس '.
وأن محمدا [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الرجل ليكذب حتى يكتب
عند الله كذابا '.
قال الشافعي:
والمزاح لا ترد به الشهادة ما لم يخرج في المزاح إلى عضه النسب أو عضه
لحد أو فاحشة.
فإذا خرج إلى هذا وأظهره كان به مردود الشهادة.
قال أحمد:
روينا عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال:
قيل يا رسول الله إنك تداعبنا؟ قال:
' إني لا أقول إلا حقا '.

447
قال الشافعي:
وتجوز شهادة ولد الزنا على رجل في الزنا.
قال أحمد:
قد روينا عن أنس بن مالك عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' المؤمنون شهداء الله في الأرض '.
وروينا عن الحسن أنه قال في ولد الزنا:
لا يفضله ولد الرشدة إلا بالتقوى.
وعن عطاء والشعبي:
تجوز شهادة ولد الزنا.
وفيما حكى أبو الزناد عن أصحابه الذين ينتهي إلى قولهم من أهل المدينة في
ولد الزنا:
أن أصله لأصل سوء فإذا أحسنت حالته ومروءته جازت شهادته.
قال: وكانوا يرون عتقه حسنا.
قال أحمد:
قد روينا في إعتاق ولد الزنا عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وعائشة.
وأما حديث أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' ولد الزنا شر الثلاثة '.

448
فقد روينا عن السفر بن نسير الأسدي أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إنما قال:
' ولد الزنا شر الثلاثة إن أبويه أسلما ولم يسلم هو '.
وروينا عن الحسن أنه قال:
إنما سمي ولد الزانية شر الثلاثة لأن أمه قالت له لست لأبيك الذي تدعى به
فقتلها فسمي شر الثلاثة.
وروينا عن سفيان الثوري أنه قال:
يعني إذا عمل بعمل والديه.
وروي ذلك في حديث عائشة وابن عباس مرفوعا ورفعه ضعيف.
وروى سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير
قال:
بلغ عائشة أن أبا هريرة يقول أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لأن امتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا '.
وأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [278 / ب] / قال:
' ولد الزنا شر الثلاثة '.
' وأن الميت يعذب ببكاء الحي '.
فقالت عائشة:
رحم الله أبا هريرة ساء سمعا فأساء إجابة ' لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب
إلي من أن أعتق ولد الزنا '.

449
أنها لما نزلت:
* (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة) *.
فقيل: يا رسول الله ما عندنا ما نعتق إلا أن أحدنا له الجارية السواد الخدمة
وتسعى عليه فلو أمرناهن فزنين فجئن بأولاد فأعتقناهم.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لأن امتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن آمر بالزنا ثم أعتق الولد '.
وأما قوله:
' ولد الزنا شر الثلاثة '.
فلم يكن الحديث على هذا إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
فقال:
' من يعذرني من فلان '.
قيل: يا رسول الله مع ما به ولد الزنا؟
فقال:
' هو شر الثلاثة والله تعالى يقول:
* (ولا تزر وازرة وزر أخرى) *.
وأما قوله:
' إن الميت ليعذب ببكاء الحي '.
فلم يكن الحديث على هذا ولكن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مر بدار رجل من اليهود قد
مات وأهله يبكون عليه فقال:
' إنهم ليبكون عليه وإنه ليعذب '.

450
والله جل وعز يقول: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *.
5975 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق أخبرنا
محمد بن غالب حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق حدثنا سلمة بن الفضل فذكره.
وسلمة بن الفضل الأبرش غير قوي.
إلا أنه قد روي عن برد بن سنان أبي سليمان الشامي عن الزهري عن عائشة
مرسلا في إعتاق ولد الزنا.
فدل أن الحديث له أصل من حديث الزهري والله أعلم.
قال الشافعي:
وتجوز شهادة البدوي على القروي والقروي على البدوي.
قال أحمد:
وقد روينا عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية '.
وهذا الحديث ما تفرد به محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار.
فإن كان حفظه فقد قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله:
يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من الجفاء في الدين [279 / أ] /
والجهالة بأحكام الشريعة في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها ولا يقيمونها
على حقها لقصور علمهم عما يحيلها ويغيرها عن جهتها والله أعلم.

451
1278 - [باب] شهادة المختبئ
أشار الشافعي في حكاية بعض أصحابه في شهادة المختبئ إلى قولين:
إما أن لا يجيز لأنه جلس غير مجلس العدول.
وبسط الكلام فيه ثم قال:
وهذا مذهب شريح.
وما أن يجيز الشهادة عليه لأن عمر أجاز شهادة الذين رصدوا رجلا يزني ولكن
لم يتموا أربعة.
قال وهذا أشبه القولين.
5976 - أخبرنا أبو حازم الحافظ حدثنا أبو الفضل بن خميرويه أخبرنا أحمد بن
نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا الأسود بن قيس - أظنه - عن كلثوم
عن شريح قال:
لا أجيز شهادة المختبئ.
قال: وحدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا الشيباني عن محمد بن عبد
الله الثقفي:
أن عمرو بن حريث كان يجيز شهادته ويقول: كذا يفعل بالخائن والفاجر.
1279 - [باب] الرجوع عن الشهادة
5977 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن
سفيان عن مطرف عن الشعبي.
أن رجلين أتيا عليا فشهدا على رجل أنه سرق فقطع علي يده ثم أتياه بآخر

452
فقالا: هذا الذي سرق وأخطئنا على الأول.
فلم يجز شهادتهما على الآخر وغرمهما دية الأول وقال:
لو أعلمكما تعمدتما لقطعتكما.
قال الشافعي:
وبهذا نقول.

453
48 - كتاب الدعوى
5978 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا
مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
قال:
' البينة على المدعي '.
قال الشافعي:
وأحسبه ولا أتبينه أنه قال:
' واليمين على المدعى عليه '.
قال أحمد:
هذا حديث قد رواه جماعة عن [279 / ب] / ابن جريج فمنهم من رواه كما:
5979 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
يحيى بن أبي طالب أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن
أبي مليكة عن ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:

454
' لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على
المدعى عليه '.
وكذلك رواه ابن وهب عن ابن جريج.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح وبمعناه رواه عبد
الله بن داود عن ابن جريج.
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري في الصحيح.
ورواه عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن عثمان بن الأسود عن ابن أبي
مليكة عن ابن عباس وقال فيه:
' ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر '.
وبمعناه رواه الوليد بن مسلم عن ابن جريج.
ورواه نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس نحو رواية ابن
وهب وعبد الله بن داود عن ابن جريج لم يذكر: البينة.
وروى الفريابي عن الثوري عن نافع بن عمر في هذا الحديث أن النبي [صلى الله عليه وسلم]
قال:
' البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه '.
وهو غريب.
5980 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أبو الحسن اللخمي أخبرنا
محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري في كتابه إلينا حدثنا الفريابي حدثنا سفيان.
فذكره.
5981 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا مالك عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن:

455
أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز إذ كان عاملا على المدينة وهو يقضي بين
الناس فإذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقا نظر فإن كانت بينهما مخالطة وملابسة
حلف الذي ادعى عليه وإن لم يكن شيء من ذلك لم يحلفه.
قال أحمد:
وهذا شيء ذهب إليه على وجه الاستحسان والحديث الذي رويناه لا يفرق بين
الحالين.
قال الشافعي:
اليمين على المدعى عليه سواء كانت بينهما مخالطة أو لم تكن.
1280 - [باب] إذا تنازعا شيئا في يد أحدهما
قال الشافعي:
فهو للذي في يديه مع يمينه إذا لم تقم لواحد منهما بينة.
5982 - [280 / أ] / أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم
الشيباني حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين حدثنا أبو الوليد حدثنا أبو عوانة عن
عبد الملك بن عمير عن علقمة بن وائل عن أبيه قال:
كنت عند النبي [صلى الله عليه وسلم] فأتاه خصمان فقال أحدهما وهو امرؤ القيس بن عباس
الكندي وخصمه ربيعة [قال]: يا رسول الله إن هذا انتزى على أرضي في الجاهلية
فقال هي أرض أزرعها. فقال:
' ألك بينة '؟
قال: لا. قال:

456
' فيمينه '.
قال: إنه ليس يبالي ما حلف عليه. قال:
' ليس لك منه إلا ذلك '.
قال: فلما ذهب يحلف.
قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' أما إنه إن حلف على ماله ظلما لقي الله وهو عليه غضبان '.
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن أبي الوليد.
ورواه سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه قال:
جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال الحضرمي:
يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي.
فقال: الكندي هي أرضي وفي يدي أزرعها ليس له فيها حق.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] للحضرمي:
' ألك بينة '.
قال: لا. قال:
' فلك بينة '.
قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من
شيء. فقال:
' ليس لك منه إلا ذلك '.
فانطلق ليحلف له.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لما أدبر:

457
' أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض '.
5983 - أخبرناه أبو عبد الله أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة
حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة وغيره.
وأما حديث الأشعث بن قيس:
ففي رواية منصور عن أبي وائل عن الأشعث قال:
كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' شاهداك أو يمينه '.
فقال: إذا يحلف ولا يبالي.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه
غضبان '.
فأنزل الله تصديق ذلك:
* (إن الذين يشترون [280 / ب] / بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * الآية.
وفي رواية الأعمش عن أبي وائل قال:
' هل لك بينة '؟
فقلت: لا. قال:
' فيمينه '.
قلت: إذا يحلف.
وليس في حديث الأشعث:

458
' ليس لك منه إلا ذاك '.
ولا في حديث وائل:
' شاهداك '.
1281 - [باب] إذا تنازعا شيئا في يد أحدهما وأقام كل واحد منهما بينة
5984 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا ابن أبي يحيى عن إسحاق بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن
جابر بن عبد الله:
أن رجلين تداعيا دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] للذي هي في يديه.
5985 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا محمد بن
إسحاق والمؤمل بن الحسن قالا:
حدثنا الزعفراني أخبرنا الشافعي أخبرنا رجل عن إسحاق بن عبد الله بن أبي
فروة فذكره بإسناده ومعناه.
قال الشافعي في القديم:
وهذه رواية صالحة ليست بالقوية ولا الساقطة ولم أجد أحدا من أهل العلم
يخالف في القول بهذا مع أنها قد رويت من غير هذا الوجه وإن لم تكن قوية.
قال أحمد:
روينا هذا عن محمد بن سيرين عن أبي حنيفة عن هيثم الصيرفي عن الشعبي
عن جابر:
أن رجلين اختصما إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] في ناقة.

459
وروي ذلك عن شريح من قضائه إذا تنازعا شيئا في أيديهما.
5986 - أخبرنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إسماعيل البزاز بالطابران حدثنا عبد
الله بن أحمد بن منصور الطوسي حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ حدثنا روح بن
عبادة حدثنا سعيد بن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال:
اختصم رجلان إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] في بعير ليس لواحد منهما بينة فقضى به رسول
الله بينهما نصفين.
هكذا رواه جماعة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وكذلك رواه سعيد بن بشير
عن قتادة.
ورواه شعبة عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه:
أن رجلين اختصما. فذكره مرسلا.
وخالفهم همام بن يحيى في متنه فرواه عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه
عن أبي موسى:
[281 / أ] / أن رجلين ادعيا بعيرا فبعث كل واحد منهما شاهدين فقسمه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نصفين.
وكذلك روي عن الضحاك بن حمزة عن قتادة عن أبي ملحز عن أبي بردة عن
أبي موسى.
وروي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبي بردة عن أبي
موسى.
وقيل عنه عن قتادة عن النضر بن بشير بن نهيك عن أبي هريرة. وليس
بمحفوظ.

460
والأصل في هذا الباب حديث سماك بن حرب عن تميم بن طرفة:
أن رجلين اختصما إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في بعير فأقام كل واحد منهما شاهدين
فقضى بينهما نصفين.
5987 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا إبراهيم بن
علي حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو عوانة عن سماك فذكره.
وهذا منقطع.
ورأيت في كتاب العلل لأبي عيسى الترمذي قال:
سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه في
هذا الباب فقال يرجع هذا الحديث إلى حديث سماك بن حرب عن تميم بن
طرفة.
قال البخاري:
وروى حماد بن سلمة قال قال سماك بن حرب: أنا حدثت أبا بردة بهذا
الحديث.
قال أحمد:
وإرسال شعبة هذا الحديث عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه.
في رواية غندر عنه كالدلالة على صحة ما قال البخاري رحمه الله والله
أعلم.
وأما حديث خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة:
أن رجلين اختصما في متاع ليس لواحد منهما بينة فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إستهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أو كرها '.

461
فيحتمل أن يكون هذا من تتمة القضية الأولى.
وكأنه [صلى الله عليه وسلم] جعل ذلك بينهما نصفين بحكم اليد فطلب كل واحد منهما يمين
صاحبه في النصف الذي حصل له فجعل عليهما اليمين فتنازعا في البداية فأخذهما
فأمرهما أن يقترعا على اليمين.
والله أعلم.
1282 - [باب] إذا تنازعا شيئا ليس في أيديهما وأقام كل واحد منهما بينة
قال الشافعي في رواية الحسن بن محمد الزعفراني عنه في القديم:
أخبرنا [281 / ب] / الثقة من أصحابنا عن ليث بن سعد أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج
أنه سمع سعيد بن المسيب يقول:
اختصم رجلان إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في أمر فجاء كل واحد مهما بشهداء عدول
على عدة واحدة فأسهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بينهما وقال:
' اللهم أنت تقضي بينهما '.
5988 - أنبأنيه أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي الوليد حدثنا السراج حدثنا
قتيبة وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد أخبرنا أبو الحسين الفسوي حدثنا أبو علي
اللؤلؤي حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث. فذكر بإسناده
مثله في المراسيل.
ورواه ابن أبي مريم عن الليث وزاد:
فقضى للذي خرج له السهم.
قال الشافعي في الجديد:
وكان سعيد بن المسيب يقول بالقرعة ويرويها عن النبي [صلى الله عليه وسلم].

462
والكوفيون يروونها عن علي بن أبي طالب.
قال الشافعي في القديم:
وقد اختصم قوم إلى مروان فبعثهم إلى ابن الزبير - وقصتهم شبيهة بهذه - فأقرع
ابن الزبير بينهم.
وهذا الذي أحفظ عمن لقيت من أصحابنا.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وفيها أخبار عن النبي [صلى الله عليه وسلم] تشبهه منها: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان إذا أراد سفرا أقرع
بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها وخلف البواقي.
وبسط الكلام في التقريب والتشبيه قال:
وأقرع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عام خيبر وقد كان الناس ملكوا ملكا مشاعا فلما كانت
القرعة زال ملك كل واحد منهم عن بعض ما كان يملك وملك شيئا لم يكن بملكه
على الكمال.
قال: وأعتق رجل ستة مملوكين له عند الموت فجزأهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ثلاثة
أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.
وبسط الكلام فيه ثم قال:
وكل ما وصفت لك يشبه خبر ابن المسيب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في القرعة.
وقد ذكر الله القرعة في كتابه فذكر قصة مريم وقصة يونس عليهما السلام.
قال بعض من تكلم معه في هذه المسألة:
قد روى سماك بن حرب عن تميم بن طرفة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] جعل شيئا بين رجلين نصفين [282 / أ] / أقاما عليه بينة.

463
قال الشافعي:
تميم رجل مجهول والمجهول لو لم يعارضه أحد عندنا وعنده لا تكون روايته
حجة.
وسعيد بن المسيب يروي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ما وصفنا وسعيد سعيد.
وقد زعمنا أن الحديثين إذا اختلفا فالحجة في أصح الحديثين ولا أعلم عالما
يشكل عليه أن حديثنا أصح وأن سعيدا من أصح الناس مرسلا.
وهو بالسنن في القرعة أشبه.
قال أحمد:
تميم بن طرفة: الطائي كوفي يروي عن عدي بن حاتم وجابر بن سمرة وهو من
متأخري تابعي أهل الكوفة.
ومتى يدرك درجة سعيد بن المسيب في التقدم والسن والعلم وإدراك المتقدمين
من الصحابة في دار الهجرة والسنة.
وقد روى محمد بن جابر عن سماك في هذه القصة اختصما في بعير كل واحد
منهما أخذ برأسه.
فالحديث في شيء كان بأيديهما. والله أعلم.
وفي كتاب البخاري عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن
منبه عن أبي هريرة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين
أيهم يحلف.
5989 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا
أحمد بن سلمة حدثنا عبد الرحمن بن بشر أخبرنا عبد الرزاق فذكره.
ورواه أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق وقال عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وقال:

464
' إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فيستهما عليها '.
5990 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا أحمد بن حنبل وسلمة بن شبيب قالا: حدثنا عبد الرزاق فقال: عن أحمد
هكذا.
وقال في حديث سلمة:
إذا أكره الاثنان على اليمين.
وقد روى سماك بن حرب عن حنش قال:
أتى علي ببغل [يباع] في السوق فقال رجل هذا بغلي لم أبع ولم أهب ونزع
على ما قال خمسة يشهدون.
وجاء رجل آخر يدعيه ويزعم أنه بغله وجاء بشاهدين فقال علي:
إن فيه قضاء وصلحا.
أما الصلح فيباع البغل فيقسم على سبعة أسهم لهذا خمسة ولهذا اثنان.
فإن أبيتما إلا القضاء بالحق فإنه يحلف أحد الخصمين أنه بغله ما باعه ولا
وهبه فإن نشاححتما أيكما يحلف أقرعت بينكما على الحلف فأيكما قرع فحلف
فقضى بها وأنا [282 / ب] / شاهد.
وهذا فيما:
5991 - أخبرنا أبو عبد الله أخبرنا أبو الوليد حدثنا عبد الله بن محمد قال قال
أبو عبد الله - وهو محمد بن نصر - حدثنا حامد بن عمر حدثنا أبو عوانة عن مساك.
قال أحمد:

465
يحتمل أن يكون الحديث المرفوع ورد في مثل هذا.
وهو أنه أسقط البينتين عند التعارض ثم تنازعا في اليمين فأقرع بينهما والله
أعلم.
وللشافعي قول آخر:
أنه يقضي بينهما نصفين لأن حجة كل واحد منهما فيها سواء.
وروينا عن أبي الدرداء أنه قضى بينهما نصفين في فرس واحدة مع رجل وأقام
كل واحد منهما بينة أنه أنتج عنده.
وقد قال الشافعي في مثل هذه المسألة بعد ذكر القولين:
وهذا مما استخير الله فيه وأنا فيه واقف.
ثم قال: لا يعطى واحد منهما شيء ويوقف حتى يصطلحا.
والأصل في أمثال ذلك حديث أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة
قالت:
جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يختصمان في مواريث قد درس
عليها وهلك من يعرفها فقال:
' إنما أنا بشر أقضي فيما لم ينزل علي فيه شيء برأيي فمن قضيت له شيئا من
حق أخيه فإنما يقتطع أسطاما من نار '.
قالت: فبكيا وقال كل واحد منهما حقي له يا رسول الله. قال:
' اذهبا فاقسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منهما صاحبه '.
5992 - أخبرناه يحيى بن إبراهيم أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب أخبرنا

466
محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا أسامة بن زيد. فذكره غير أنه لم
يقل: ' برأيي '.
وقد قاله عيسى بن يونس وغيره عن أسامة.
1283 - [باب] الحلف مع البينة
5993 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي قال
قائل:
وإذا جاء الرجل بشاهدين على رجل بحق فلا يمين عليه مع شاهديه ولو جعلنا
عليه اليمين مع شاهديه لم يكن لاختلافنا مع الشاهد معنى وكان خلافا لقول
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' البينة على من ادعى واليمين على المدعى عليه '.
5994 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما
بلغه عن حفص بن غياث عن ابن أبي ليلة عن الحكم عن حنش:
أن عليا كان يرى الحلف مع البينة.
قال الشافعي:
[283 / أ] / وهم يخالفون هذا فلا يستحلفون أحدا مع يمينه.
وهم يروون عن شريح أنه استحلف مع البينة.
ولا نعلمهم يروون عن أحد من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] خلافهما.
قال أحمد:
وهذا إنما أورده على طريق الإلزام ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى كان

467
يرى الحلف مع البينة.
وهذا الذي رواه عن علي أظنه فيما وهم فيه.
فقد روينا عن سماك بن حرب عن حنش عن علي: أنه إنما رآه عند تعارض
البينتين. والله أعلم.
1284 - [باب] القسامة
5995 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي:
ومن ادعى دما لا دلالة للحاكم على دعواه إلا بدعواه أحلف المدعي عليه كما
يحلف فيما سوى الدم (...) دعوى المدعي دلالة صدق دعواه كالدلالة التي
كانت في زمن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقضى فيها بالقسامة أحلف المدعون خمسين يمينا
واستحقوا دية المقتول ولا يستحقون دما.
وقال في كتاب الدعوى:
أيمان الدماء مخالفة جميع الأيمان الدم لا يبرأ منه إلا بخمسي يمينا وسواء
النفس والجرح في هذا وقد مضت الأخبار في ذلك [في] كتاب القسامة.
5996 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو الحسن المصري حدثنا
عبده بن سليمان حدثنا مطرف بن عبد الله حدثنا الزنجي عن ابن جريج عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' البينة على من ادعى واليمين على من أنكر في القسامة '.
1285 - [باب] القافة ودعوى الولد
5997 - كتب إلي أبو نعيم عبد الملك بن أبي الحسن أن أبا عوانة أخبرهم

468
حدثنا المزني حدثنا الشافعي حدثنا سفينان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت
دخل على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أعرف السرور في وجهه فقال:
' ألم تر إلى محزز المدلجي نظر إلى أسامة وزيد وعليهما قطيفة قد غطيا
رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض '.
5998 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال سمعت
محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول:
قال المزني قال الشافعي أخبرنا سفيان [283 / ب] / فذكره.
أخرجه البخاري ومسلم رحمهما [الله] في الصحيح من حديث سفيان.
وأخرجاه من حديث ابن جريج وإبراهيم بن سعد والليث بن سعد عن الزهري.
وأخرجه مسلم من حديث يونس بن يزيد عن الزهري وزاد وكان محرز قائفا.
قال الشافعي في رواية الزعفراني:
فرسول الله [صلى الله عليه وسلم] إنما يسر بالحق ويقبله ولو كان أمر القافة باطلا لقال لا تقل في
هذا شيئا فإنك وإن أصبت في بعض فلعلك تخطئ في بعض ولم يطلع الله على
الغيب أحدا ولكنه - والله أعلم - رآه علما أوتيه من أوتيه وأصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
يستعملونه وهو الذي أدركت عليه أهل العلم والحكام ببلدنا لا اختلاف فيه.
وفي رواية أبي بكر بن المنذر عن الربيع قال قال الشافعي:
فلو لم يكن في القافة إلا هذا كان ينبغي أن تكون فيه دلالة لمن سمعه لأن الأمر
لو كان كما قال بعض الناس لقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لا تقل في مثل هذا لأنك إن أصبت
في شيء لم أأمن عليك أن تخطئ في غيره وفي خطئك قذف لمسلمة أو نفي نسب
وما أقره إلا أنه رضيه ورآه علما لأنه لا يقر إلا حقا ولا يسر إلا بالحق.

469
قال: وأخبرني عدد من أهل العلم من أهل المدينة ومكة أنهم أدركوا الحكام
يقضون يقول القافة وأخبرهم من كان قبلهم أنهم أدركوا مثل ما أدركوا ولم يرو بين
أحد يرضونه عندهم تنازعا في القول بالقافة.
قال الشافعي في القديم:
أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رجلين ادعيا
ولد امرأة فدعا عمر قافيا فنظر إليه فقال القائف لقد اشتركا فيه فضربه عمر بالدرة
وقال: ما يدريك؟
ثم دعا المرأة فقال: أخبري خبرك؟
فقالت: كان هذا لأحد الرجلين يأتيها وهي في إبل لأهلها ولا يفارقها حتى يظن
وتظن أن قد استمر بها حمل ثم انصرف عنها فهرقت عليه الدماء ثم تخلف هذا - تعني
الآخر - ولا أدري من أيهما هو. فكبر القائف.
فقال عمر للغلام: وال أيهما شئت.
5999 - أخبرناه أبو أحمد المهرجاني أخبرنا أبو بكر بن جعفر حدثنا محمد بن
إبراهيم قال حدثنا ابن بكير حدثنا مالك فذكره [284 / أ] / بإسناده ومعناه وزاد في أوله:
أن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام.
6000 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد
الرحمن بن حاطب:
أن رجلين تداعيا ولدا فدعا له عمر القافة فقالوا:
قد اشتركا فيه.
فقال له عمر: وال أيهما شئت.
6001 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن
سليمان بن يسار عن عمر مثل معناه.

470
6002 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن
الزهري عن عروة عن عمر بن الخطاب بمثل معناه.
6003 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن علية عن حميد عن
أنس:
أنه شك في ابن له فدعا له القافة.
قال أحمد:
حديث هشام قد رواه أبو أسامة وعبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه
عن يحيى بن عبد الرحمن عن حاطب عن أبيه عن عمر موصولا.
وفي حديث ابن أبي الزناد قال عبد الرحمن:
فكأني أنظر إليه متبع لأحدهما يذهب.
وروينا عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال:
باع عبد الرحمن بن عوف جارية كان يقع عليها قبل أن يستبرئها فظهر بها حمل
عند المشتري فتخاصموا إلى عمر فدعا عمر القافة فنظروا إليه فألحقوه به.
وروينا عن يحيى بن أيوب وغيره عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن
مالك:
أنه مرض فشك في حمل جارية له فقال:
إن مت فادعوا [لولدها] القافة فصح.
وروينا عن محمد بن سيرين:
أن أبا موسى قضى بالقافة.
ويذكر عن ابن عباس ما دل على أنه أخذ بقول القافة.

471
وأما ما روى البصريون عن ابن المسيب عن عمر، وعن الحسن عن عمر فهو
فيما:
6004 - أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أخبرنا علي بن
محمد المصري حدثنا مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا همام بن يحيى عن
قتادة عن سيعد بن المسيب:
أن رجلين اشتركا في طهر امرأة فولدت ولدا فارتفعا إلى عمر بن الخطاب فدعا
لهما ثلاثة من القافة فدعوا بتراب فوطئ فيه الرجلان والغلام ثم قال لأحدهم انظر
فنظر فاستقبل فاستعرض واستدبر.
فقال: أسر أم أعلن؟
فقال: [284 / ب] / أسر.
فقال: لقد أخذ الشبه منهما جميعا فما أدري لأيهما هو فأجلسه.
ثم قال للآخر: انظر فنظر.
ثم ساق الحديث في الثاني والثالث مثل ما ساق في الأول.
ثم قال فقال عمر: إنا نقوف الآثار ثلاثا يقولها وكان عمر قائفا فجعله لهما يرثانه
ويرثهما.
فقال: سعيد أتدري من عصبته؟
[قلت: لا].
قال: الباقي منهما.
6005 - وأخبرنا ابن بشران أخبرنا علي بن محمد المصري حدثنا مالك بن
يحيى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مالك بن فضالة عن الحسن عن عمر:
في رجلين وطئا جارية في طهر واحد فجاءت بغلام فارتفعا إلى عمر فدعا لهما
ثلاثة من القافة فأجمعوا على أنه أخذ الشبه منهما جميعا.

472
وكان عمر قائفا فقال له: قد كانت الكلبة ينزو علينا الكلب الأسود والأصفر
والأغبر فتؤدي إلى كل كلب شبهه ولم أكن أرى هذا في الناس حتى رأيت هذا.
فجعله عمر لها يرثانه ويرثهما وهو للباقي منهما.
قال الشافعي لبعض من كان يناظره:
قلنا: فقد رويت عن عمر أنه دعا القافة فزعمت أنك لا تدعو القافة فخالفته.
قال أحمد:
وفيما روينا دلالة على أنه إنما ألحقه بهما لأنه أخذ الشبه منهما ولم تدر القافة
لأيهما هو ألا تراه قال: إنا نقوف الآثار.
وقال الراوي: وكان عمر قايفا.
فدل على أنه لو كان أخذ الشبه من أحدهما دون الآخر لألحقه به دون الآخر
كما فعل في قصة عبد الرحمن بن عوف.
وهذا يخالف مذهبهم كما قال الشافعي.
وأما إلحاقه الولد بهما فهو يخالف ما روينا عنه من أمره الغلام بأن يوالي أحدهما
عند الاشتباه على القافة.
وقد أجاب عنه الشافعي بأن قال:
إسناد حديث هشام متصل والمتصل أثبت عندنا وعندكم من المنقطع وإنما هذه
حديث منقطع.
قال الشافعي:
وسليمان بن يسار وعروة أحسن مرسلا عن عمر ممن رويت عنه.
يريد رواية مبارك بن فضالة عن الحسن فإن مراسيل الحسن غير قوية ومبارك بن
فضالة ليس بحجة عند أهل العلم بالحديث.
وروي عن عوف عن أبي المهلب عن عمر، وهو أيضا منقطع ولا يشك

473
حديثي [285 / أ] / في أن مرسل سليمان بن يسار وعروة أولى من مرسل أبي المهلب والحسن.
وأما رواية قتادة عن ابن المسيب فهي منقطعة وقد عارضها رواية الحجازيين عن
عروة وسليمان بن يسار.
ورواية أسلم المنقري عن عبد الله بن عبيد بن عمير في قصة عبد الرحمن بن
عوف فهذا أثبت.
والحجازيون أعرف بأحكام عمر، ومع روايتهم رواية هشام بن عروة عن أبيه
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال:
أتى رجلان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يختصمان في غلام من ولاد
الجاهلية يقول هذا هو ابني ويقول هذا هو ابني فدعا عمر قافيا من بني المصطلق
فسأل عن الغلام فنظر إليه المصطلقي ونظر ثم قال لعمر قد اشتركا فيه جميعا.
فقام عمر إليه بالدرة فضربه بها حتى اضطجع ثم قال:
والله لقد ذهب بك النظر إلى غير مذهب.
ثم دعا أم الغلام فسألها فقالت:
إن هذا لأحد الرجلين وقع بي على نحو ما كان يفعل فحملت فيما أرى
فأصابتني هراقة من دم حتى وقع في نفسي أن لا شيء في بطني ثم أن هذا الآخر وقع
بي فوالله ما أدري من أيهما هو.
فقال عمر للغلام اتبع أيهما شئت.
فقام الغلام فاتبع أحدهما.
قال عبد الرحمن فكأني أنظر غليه متبع لأحدهما فذهب به وقال عمر:
قاتل الله أخا بني المصطلق.
6006 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا عبد الله بن
إبراهيم الأكفاني حدثنا بحر بن نبصر حدثنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن أبي
الزناد عن هشام فذكره.

474
ورواه أيضا أبو أسامة عن هشام موصولا وفيه:
أن عبد الرحمن بن حاطب شهد هذه القصة وليس في روايته ما لا يقول به.
وقول المصطلقي قد اشتركا فيه يريد أنه أخذ الشبه منهما فلم يدر من أيهما هو
فأمره عند الاشتباه بأن يوالي أحدهما.
وهذا قولنا لا نخالف منه شيء بحمد الله ونعمته.
ورواية البصريين إن كانت محفوظة حجتنا في القول بالقافة والحكم بالشبه.
ويحتمل إن كان يرى اتباع الشبه هو إن كان من اثنين ثم علم أنه لا يجوز أن
يكون الولد الواحد مخلوقا من ماء رجلين فأمر باتباع أحدهما عند الاشتباه وحكم بقول
القافة إذا لم يكن [285 / ب] / هناك اشتباه.
وفي هذا جمع بين الأخبار الواردة فيه عن عمر، وحمل المنقطع على المتصل
على وجه يصح وبالله التوفيق.
وأما الذي روي فيه عن علي أنه جعل الولد بينهما وهو للباقي منهما: فإنما رواه
سماك عن مجهول لم يسمه على علي وقابوس - وهو غير محتج به - عن أبي ظبيان عن
علي.
وقد روي عن علي في حكم آخر مرفوعا.
6007 - أخبرناه أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي فيما بلغه عن سفيان عن الأجلح عن الشعبي عن علي أنه قال:
اختصم إليه ناس ثلاثة يدعون ولدا فسألهم أن يسلم بعضهم لبعض قالوا:
فقال: أنتم شركاء متشاكسون ثم أقرع بينهم فجعله لواحد منهم خرج سهمه وقضى
عليه بثلثي الدية فذكر ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' أصبت - أو أحسنت '.
قال أحمد:
ورواه يحيى القطان عن الأجلح عن الشعبي عن عبد الله بن الخليل عن زيد بن
أرقم قال:

475
كنت جالسا عند النبي [صلى الله عليه وسلم] [إذ] جاء [ه] رجل من اليمن فقال إن ثلاثة نفر
من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون إليه في ولد وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد
فقال لاثنين منهما: طيبا بالولد لهذا فغلبا. ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا فغلبا. ثم
قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا فغلبا فقال: أنتم شركاء متشاكسون إني مقرع بينكم فمن
قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلث الدية فأقرع بينهم فجعله لمن قرعه.
فضحك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حتى بدت أضراسه أو قال نواجذه.
6008 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا مسدد حدثنا يحيى فذكره.
6009 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما
بلغه عن شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت الشعبي يحدث عن أبي الخليل أو ابن
الخليل:
أن ثلاثة نفر اشتركوا في طهر فلم يدر لمن الولد فاختصموا إلي علي فأمرهم أن
يقترعوا فأمر الذي أصابته القرعة أن يعطي الآخرين ثلثي الدية.
قال الشافعي:
وليسوا يقولون بهذا وهم يثبتون هذا عن علي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ويخالفونه ولو ثبت
عندنا عن النبي صلى [286 / أ] / الله عليه وسلم قلنا به.
قال أحمد:
هذا حديث قد اختلف في إسناده وفي رفعه وقد ذكرناه بالشرح في كتاب
السنن.
قال الشافعي:
ونحن نقول تدعا له القافة فإن ألحقوه بأحدهما فهو منه وإن ألحقوه بكلهم أو لم
يلحقوه بأحدهم فلا يكون له ويوقف حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء.
وقد ذكر الشافعي هذه الرواية عن علي في القديم ثم قال:

476
ولو عرفنا أخذنا بها وكانت الحجة فيها وإنما احتججنا بروايتهم عليهم أنه
يثبتون مثلها ثم يدعونها.
6010 - وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا عبد
الله بن محمد قال قال أبو عبد الله - وهو محمد بن نصر - قال أبو ثور قد كان أبو عبد
الله - يعني الشافعي - قال:
إذا لم تكن قافة وعدم الذي من قبله البيان أقرع بينهم.
6011 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثني يونس بن يزيد قال قال محمد بن مسلم بن
شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] أخبرته:
أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم
يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها.
ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان
فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الذي
تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة
الولد.
فكان هذا النكاح نكاح الإستبضاع.
ونكاح آخر:
يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت
ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع
حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت وهو ابنك يا
فلان تسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها.
ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة ولا تمتنع ممن جاءها
وهن البغايا كن ينصبن رايات على أبوابهن تكن علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا
حملت ووضت حملها جمعوا لها ودعوا لها القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي [286 / ب] / يرون

477
فالتاطه ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك.
فلما بعث الله محمدا [صلى الله عليه وسلم] هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام
اليوم.
أخرجه البخاري في الصحيح عن أحمد بن صالح.
ومن ادعى نسخ القافة بهذا الحديث فقد أحال وذلك لأن النسخ ما كان ثابتا في
شرعنا ثم ورد عليه النسخ وليس في هذا الحديث شيء من ذلك وإنما فيه إبطال
النبي [صلى الله عليه وسلم] حين بعث أنكحة الجاهلية دون واحد ووصفت عائشة ذلك الواحد.
وفيه دلالة على أن النكاح لا يجوز بغير ولي فأما إلحاق الولد بقول القافة فهو
مثل ما ورد في هذا الحديث باطل لأن وطئها بعدما حكم النبي [صلى الله عليه وسلم] ببطلان أنكحتهم زنا
ولا سبيل إلى إلحاق الولد بالزاني وإن كان معروفا وإنما يلحق الولد بأحدهم يقول
القافة عند الاشتباه في الموضع الذي يلحقونه بهم.
وفي الزنا لا يلحقونه بجميع من زنى بها فلا يلحقه بأحدهم بقول القافة. والله
أعلم.
والذي روى سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن
ادعاهم في الإسلام فإنما ذلك فيما سلف من أنكحتهم التي كانوا يعتقدون جوازها
فأما الآن فلو فعل مثل ذلك مسلم لم يلحق به ولدها.
فليس فيه لمن استشهد به حجة وتمام الحديث حجة عليه كما سبق ذكرنا له.
6012 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي قال:
زعم بعض أهل التفسير أن قول الله جل ثناؤه:
* (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) *.
ما جعل لرجل من أبوين في الإسلام.
واستدل بسياق الآية قول الله جل وعز:
* (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) *.

478
قال أحمد:
وروى معمر عن الزهري في هذه الآية قال:
بلغنا أن ذلك كان في شأن زيد بن حارثة ضرب له مثلا يقول: ليس ابن رجل
آخر مثل ابنك.
وهذا فيما ذكره يوسف بن يعقوب عن محمد بن عبيد عن محمد بن ثور عن
معمر.
ومعناه قريب مما حكاه الشافعي عن بعض أهل التفسير.
6013 - وأخبرنا بما حكاه الشافعي رضي الله عنه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو
محمد الكعبي حدثنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا يزيد بن صالح حدثني بكير بن معروف
عن مقاتل [287 / أ] / بن حيان:
فذكر قصة تبني زيد بن حارثة وما أنزل الله في النهي عنه قال وقال:
* (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) *.
يقول: ما جعل الله لرجل من أبوين وكذلك لا يكون لزيد أبوان: حارثة.
ومحمد [صلى الله عليه وسلم].
6014 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه قال أخبرني أحمد بن محمد بن
مهدي حدثنا محمد - يعني ابن المنذر - أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا الشافعي وذكر
القافة فقال:
حمل رجل صبيا معه حتى وقف على منزل القائف ليريه إياه مع جماعة من
الصبيان فخرجت إليهم صبية له صغيرة فقالت: من تطلبون؟ قلنا: فلانا.
قالت لنا ابنته: لعلكم تريدون أن تلحقوا الصبي ذاك ابنك - تعني الغلام -
الذي كانوا قصدوا القائف به.
فلما انصرفت جاء أبوها فقال: ما حاجتكم؟ فقلنا: أردنا أن نلحق بهذا ولده

479
من هؤلاء فقال: أي شيء قالت لكم ابنتي؟ قالوا: ننشدك الله أن تحملنا على ما قالت
ابنتك.
قال: تعالوا فذهب بهم إلى دار فيها غنم كثير لها جدايا ففرق جديانهم جعل
أولاد هذه عند غيرها ودعا ابنته الصغيرة فقال: يا بنية انظري هؤلاء الغنم.
قالت: والله يا أبت ما واحد منهم عندها جداها قال فردي كل واحدة إلى
موضعها.
فجعلت تأخذ كل جدي فترده إلى أمه ووافقها فيما قالت من الصبي.
قال الشافعي في رواية المزني:
وإذا أسلم أحد أبويه وهو صغير أو معتوه كان مسلما. ثم ساق الكلام في
الحجة فيه إلى أن قال:
وكان الإسلام أولى به لأن الله تعالى أعلى الإسلام على الأديان أولى
أن يكون له الحكم.
وقد روي عن عمر بن الخطاب معنى ذلك.
وهذا فيما أرسله الحسن عن عمر.
ورويناه عن شريح والحسن والشعبي.
1286 - [باب] متاع البيت يختلف فيه الزوجان
6015 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي رحمه الله:
إذا اختلف الرجل والمرأة في متاع البيت الذي هما فيه ساكنان فالظاهر أنه في
أيديهما فيحلف كل واحد منهما لصاحبه على دعواه فإن حلفا جميعا فالمتاع بينهما

480
نصفان لأن الرجل قد يملك متاع النساء بالشرى والميراث وغير ذلك.
والمرأة [287 / ب] / قد تملك متاع الرجال بالشرى والميراث وغير ذلك.
وقد استحل علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ببدن من حديد.
وهذا من متاع الرجال وقد كانت فاطمة من تلك الحال مالكة للبدن دون
علي بن أبي طالب.
وقد رأيت امرأة كان بيني وبينها صهر عندها سيف استقامته في ميراث أبيها بمال
عظيم ودرع ومصحف فكان لها دون أخويها.
ورأيت من ورث أمه وأخته فاستحيا من بيع متاعهما وصار مالكا لمتاع النساء.
وإذا كان هذا موجود فلا يجوز فيه غير ما وصفت وأطال الكلام في هذا.
وحكى في رواية أبي عبد الله بالإجازة عن بعض العراقيين أنه كان يحدث عن
حماد عن إبراهيم أنه قال:
ما كان للرجل من المتاع فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان للرجال
والنساء فهو للباقي منهما وذلك إذا توفي أحدهما وإن طلقها فالباقي للزوج.
قال أحمد:
وروي عن الشعبي عن علي: ما كان للرجل فهو للرجل وما كان للنساء فهو
للمرأة.
وهو عنه منقطع.
1287 - [باب] أخذ الرجل حقه ممن منعه إياه
6016 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة

481
أنها حدثته أن هند أم معاوية جاءت تسأل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقالت:
إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا
يعلم فهو علي في ذلك من شيء؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف '.
زاد أبو سعيد في روايته.
قال الشافعي:
إذ كانت هند زوجة لأبي سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها
فأذن لها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن تأخذ من مال أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف.
فمثلها الرجل يكون له على الرجل الحق بأي وجه ما كان فيمنعه إياه فله أن
يأخذ من ماله حيث وجده سرا وعلانية.
ثم ساق الكلام في التفريع وفي الحجة فيه مع من كلمة في هذه المسألة إلى أن
قال:
فإنه يقال أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك '.
[288 / أ] / قال الشافعي:

482
قلنا: ليس بثابت عند أهل الحديث منكم ولو كان ثابتا لم تكن فيه حجة علينا.
ثم ساق الكلام في بيان ذلك إلى أن قال:
إذا دلت السنة وإجماع كثير من أهل العلم على أن يأخذ الرجل حقه لنفسه سرا
من الذي هو عليه فقد دل أن ذلك ليس بخيانة.
الخيانة: أخذ ما لا يحل أخذه.
[قال]: فلو خانني درهما؟
فقلت: لقد استحل خيانتي لم يكن لي أن آخذ منه عشرة دارهم مكافأة بخيانته
لي وكان لي أن آخذ درهما فلا أكون بهذا خائنا ظالما كما كنت خائنا ظالما بأخذ تسعة
مع دراهمي لأنه لم يخنها.
وبسط الكلام فيه.
وهذا الحديث إنما رواه شريك وقيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي صالح
عن أبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك '.
6017 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا حمزة بن العباس العقبي.
6018 - وأخبرنا أبو علي بن شاذان أخبرنا حمزة بن محمد بن العباس حدثنا
العباس بن محمد الدوري حدثنا طلق بن غنام أخبرنا شريك وقيس فذكراه.
زاد أبو عبد الله في روايته: قال أبو الفضل قلت لطلق بن غنام أكتب شريكا
وأدع قيسا؟ قال: أنت أعلم.
قال أحمد:
قيس بن الربيع ضعيف وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بما تفرد به شريك
لكثرة أوهامه.

483
ورواه يوسف بن ماهك عن رجل عن أبيه وهو مجهول.
6019 - وأخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن ومحمد بن موسى قالا: حدثنا أبو
العباس الأصم حدثنا محمد بن إسحاق أخبرنا عمرو بن الربيع بن طارق حدثنا
يحيى بن أيوب عن إسحاق بن أسيد عن أبي حفص الدمشقي عنه مكحول أن رجلا
قال لأبي أمامة الباهلي:
الرجل أستودعه الوديعة أو يكون لي عليه فيجحدني ثمن يستودعني أن يكون له
عندي الشيء أفأجحده؟ قال: لا. سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك '.
قال وأخبرنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن زياد بن أبي الحسن عن
النبي [صلى الله عليه وسلم] بمثل ذلك.
وهذا منقطع وأبو حفص الدمشقي هذا مجهول.
ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئا.
قال الدارقطني فيما:
6020 - أخبرني أبو عبد الرحمن السلمي عنه في موضع آخر.

484
49 - كتاب العتق
6021 - [288 / ب] / أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر
سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن شعبة الكوفي قال:
كنت مع أبي بردة بن أبي موسى على ظهر بيت فدعا بنيه فقال: يا بني إني
سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار '.
قال أحمد:
وروى قتادة عن أبي المليح أن رجلا من قومه أعتق ثلث غلامه فرفع ذلك إلى
النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' هو حر كله ليس لله شريك '.
وفي رواية همام عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه:
أن رجلا أعتق شقيصا له من غلام فذكر ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' ليس لله شريك '.

485
وروي فيه عن عمر بن الخطاب.
وحديث علقمة بن عبد الله المزني عن أبيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' يعتق الرجل من عبده ما شاء إن شاء ثلثا وإن شاء ربعا '.
لا يصح إنما رواه محمد بن فضاء عن أبيه عن علقمة وهو ضعيف عند أهل
العلم بالحديث.
وحديث إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده فيمن أعتق
نصف عبده فجاء العبد فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' يعتق في عتقك ويرق في رقك '.
تفرد به عمر بن حوشب عن إسماعيل وهو منقطع.
عمرو بن سعيد بن العاص ليست له صحبة.
1288 - [باب] عتق الشريك وما في الاستسعاء
6022 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر
أحمد بن الحسن قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك
عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل
فأعطى شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق '.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.

486
وهذا حديث قد رواه جماعة من الثقات عن نافع ثم في رواية بعضهم ما دل
على أنه إذا كان موسرا عتق كله يوم تكلم بالعتق.
وفي رواية بعضهم:
' فيدفع ثمنه إلى شركائه وأعتق في مال الذي أعتقه '.
وفي رواية بعضهم قال:
' فيعطي شركاؤه حصصهم ويخلي سبيل المعتق '.
وقال بعضهم:
فعليه أن يكمل عتقه بقيمة عدل.
وكأنهم لم يراعوا هذا وإنما [289 / أ] / راعوا حصول العتق في الجملة ووجوب الضمان
إذا كان موسرا. والله أعلم.
6023 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله عن أبيه
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' أيما عبد كان بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبيه فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه
بأغلى القيمة أو قيمة عدل ليست بوكس ولا شطط ثم يغرم لهذا حصته '.
وقال في موضع آخر:
' بأغلى القيمة ويعتق '.
وربما قال:
' قيمته لا وكس فيها ولا شطط '.
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.
6024 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس
أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني قيس بن

487
سعد أنه سمع مكحولا يقول سمعت ابن المسيب يقول:
أعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها ولم يكن لها مال غيره فأتي النبي [صلى الله عليه وسلم] في
ذلك فأقرع بينهم فأعتق ثلثهم.
قال الشافعي:
وكان ذلك في مرض المعتق الذي مات فيه.
6025 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن
حصين:
أن رجلا من الأنصار أوصى عند موته فأعتق ستة مماليك وليس مال غيرهم أو
قال أعتق عند موته ستة مماليك وليس له شيء غيرهم.
فبلغ ذلك النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال فيه قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع
بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الوهاب الثقفي.
6026 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي
رحمه الله:
وبهذا كله نأخذ وكل واحد من هذه الأحاديث ثابت عندنا عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
ثم ذكر مذهب نفسه ثم مذهب غيره في استسعاء العبد في باقيه ثم قال:
وسمعت من يحتج بأن روي عن رجل عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن
النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في العبد بين اثنين
يعتقه أحدهما وهو معسر يسعى.
6027 - أخبرناه أبو عبد الحافظ حدثنا [289 / ب] / إبراهيم بن عبد الله
السعدي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس

488
عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من كان له شقص في مملوك فأعتقه فعليه خلاصه في ماله إن كان له مال
فإن لم يكن له مال استسعى العبد في ثمن رقبته غير مشقوق عليه '.
6028 - قال الشافعي في الإسناد الذي تقدم.
قلت له: أرأيت حديثك عن ابن أبي عروبة لو كان متفردا بهذا الإسناد فيه
الاستسعاء وقد خالفه شعبة وهشام.
فقال بعض من حضره: حديث شعبة وهشام هكذا ليس فيه استسعاء وهما
أحفظ من ابن أبي عروبة.
قال أحمد:
حديث شعبة عن قتادة قد أخرجه مسلم في الصحيح ليس فيه ذكر الاستسعاء.
وحديث هشام الدستوائي عن قتادة ليس فيه ذكر الاستسعاء.
قال أبو الحسن الدارقطني فيما:
6029 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث عنه: شعبة وهشام أحفظ من رواه عن قتادة
ولم يذكرا فيه الاستسعاء.
6030 - قال الشافعي في الإسناد الذي تقدم: ولقد سمعت بعض أهل النظر
والتدبر منهم والعلم بالحديث يقول:
لو كان حديث سعيد بن أبي عروبة في الاستسعاء متفردا لا يخالفه غيره ما كان
ثابتا.
قال الشافعي في القديم:
وقد أنكر الناس حفظ سعيد.
قال أحمد:

489
وهذا كما قال فقد اختلط سعيد بن أبي عروبة في آخر عمره حتى أنكروا حفظه.
إلا أن حديث الاستسعاء قد رواه جرير بن حازم عن قتادة ولذلك أخرجه
البخاري ومسلم في الصحيح واستشهد البخاري برواية الحجاج بن الحجاج وأبان بن
يزيد العطار وموسى بن خلف العمي عن قتادة بذكر الاستسعاء فيه.
وإنما يضعف أمر الاستسعاء في هذا الحديث رواية همام بن يحيى عن قتادة
فإنه فصله من الحديث وجعله من قول قتادة.
ولعل الذي أخبر الشافعي بضعفه وقف على رواية همام أو عرف علة أخرى لم
نقف عليها فالله أعلم.
فأما حديث همام.
6031 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب
حدثنا علي بن الحسن الدارابجردي حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا همام عن
قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة:
أن رجلا [290 / أ] أعتق شقصا له في مملوك فغرمه النبي [صلى الله عليه وسلم] بقية ثمنه.
قال همام: وكان قتادة يقول: إن لم يكن له مال استسعى.
وهذا حديث رواه أبو بكر بن المنذر - صاحب الخلافيات - عن علي بن الحسن
واعتمد عليه.
وكذلك رواه محمد بن عبد الله بن زيد المقري عن أبيه.
وقد قال موسى: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول:
أحاديث همام عن قتادة أصح من حديث [غيره] لأنه كتبها إملاء.
6032 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو علي الحافظ أخبرنا أحمد بن

490
محمد بن حريث حدثنا أبو موسى. فذكره.
وفيما حكى علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان قال:
شعبة أعلم الناس بحيث قتادة ما سمع منه وما لم يسمع وهشام أحفظ وسعيد
أكثر.
6033 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أحمد بن كامل يقول:
سمعت أبا قلابة يقول: سمعت علي بن المديني. فذكره عن يحيى بن سعيد.
قال أحمد:
فقد اجتمع ها هنا شعبة مع فضل حفظه وعلمه بما سمع من قتادة وما لم
يمسع.
وهشام يتبع فضل حفظه.
وهمام مع صحة كتابه وزيادة معرفته بما ليس من الحديث على خلاف ابن أبي
عروبة ومن تابعه في إدراج السعاية في الحديث وفي هذا ما يضعف ثبوت الاستسعاء
بأحاديث.
6034 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وقيل لمن حضر من أهل الحديث لو اختلف نافع عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم]
وحده وهذا الإسناد أيهما كان أثبت؟
قال: نافع عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
قلت: وعلينا أن نصير إلى الأثبت من الحديثين؟
قال: نعم. قلت: فمع نافع حديث عمران بن الحصين.
بإبطال الاستسعاء.
قال: فقام بعضهم يناظرني في قولنا وقولك.

491
فقلت: أو للمناظرة موضع مع ثبوت سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بطرح الاستسعاء في
حديث نافع وعمران؟
قال: إنا نقول أن أيوب قال وربما قال نافع: فقد عتق منه ما عتق. وربما لم
يقله؟
قال: وأكبر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه.
قال الشافعي:
فقلت له: لا أحسب عالما بالحديث ورواته يشك في أن مالكا أحفظ لحديث
نافع من أيوب لأنه كان ألزم له من [290 / ب] / أيوب ولمالك فضل حفظه لحديث أصحابه
خاصة.
ولو استويا في الحفظ فشك أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه لم يكن في
هذا موضع لأن يغلط به الذي لم يشك.
إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو يأتي بشيء في الحديث يشركه
فيه من لم يحفظ منه ما حفظ منه وهم عدد وهو متفرد وقد وافق مالكا في زيادة: ' وإلا
فقد عتق منه ما عتق ' - يعني غيره من أصحاب نافع.
قال الشافعي:
وزاد فيه بعضهم:
' ورق منه ما رق '.
قال أحمد:
روينا عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال:
أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر.
وقال أيوب السختياني:
كانت لمالك حلقة في حياة نافع.
وقال علي بن المديني:

492
كان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدم على مالك أحدا.
6035 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو بكر الأشناني قالا: أخبرنا أبو
الحسن الطرائفي قال سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول:
قلت ليحيى بن معين: مالك أحب إليك في نافع أو عبيد الله بن عمر؟
قال: مالك. قلت: فأيوب السختياني؟
قال: مالك.
قال أحمد:
وروينا عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل أنهما قالا:
كان مالك من أثبت الناس في حديثه.
وقال أحمد:
وقد تابع مالك على روايته عن نافع أثبت آل عمر في زمانه وأحفظهم عبيد
الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب.
6036 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر القطان حدثنا محمد بن يزيد
السلمي حدثنا محمد بن عبيد حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من أعتق شركا له في مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه وإن لم
يكن له مال عتق منه ما أعتق '.
6037 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر بن عبد الله أخبرنا
الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن عمر
قال: حدثني نافع فذكره بمثله.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن عبد الله بن نمير.

493
وأخرجه البخاري من حديث أبي أسامة عن عبيد الله.
وأخرجه مسلم من حديث جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم]
وقال فيه:
' وإلا فقد عتق منه ما عتق '.
وأما قوله:
' وإلا عتق منه [291 / أ] / ما عتق ورق ما بقي '.
فهو فيما رواه يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن عمر وإسماعيل بن أمية
ويحيى بن سعيد عن نافع.
6038 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أبو بكر
النيسابوري حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا إسماعيل بن مرزوق
الكعبي حدثنا يحيى بن أيوب فذكره.
6039 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وروي - يعني من احتج في الاستسعاء - عن رجل عن خالد الحذاء عن أبي
قلابة عن رجل من بني عذرة.
فقيل له: أو ثابت حديث أبي قلابة لو لم يخالف فيه الذي رواه عن خالد؟
فقال من حضره هو مرسل ولو كان موصولا كان عن رجل لم يسم لا يعرف لم
يثبت حديثه.
وذكره في القديم أتم من ذلك فقال:
قلت: فعن من رويت الاستسعاء؟
قال: رواه هشيم عن خالد عن أبي قلابة:
أن رجلا من بني عذرة أعتق عبدا له - يعني في مرضه - فأعتق النبي [صلى الله عليه وسلم] ثلثه
واستسعاه في ثلثي قيمته.

494
قال الشافعي:
فقلت له: قد أخبرني عبد الوهاب عن خالد عن أبي قلابة في الرجل من بين
عذرة هذا الخبر وقال:
أعتق ثلثه. ليس فيه استسعاء.
وذكره ابن علية والثوري عن خالد عن أبي قلابة ليس فيه استسعاء.
وثلاثة أحق بالحفظ من واحد.
وابن علية والثوري أحفظ من هشيم ونرى هشيما غلط فيه.
ثم ضعفه بانقطاعه كما قال في الجديد.
قال الشافعي في الجديد في روايتنا:
فعارضنا منهم معارض بحديث آخر في الاستسعاء فقطعه عليه بعض أصحابه
وقال: لا يذكر مثل هذا الحديث أحد يعرف الحديث لضعفه.
قال أحمد:
ولعله عورض برواية الحجاج بن أرطأة عن العلاء بن بدر عن أبي يحيى الأعرج
قال:
سئل النبي [صلى الله عليه وسلم] عن عبد أعتقه مولاه عند موته وليس له مال غيره وعليه دين فأمره
النبي [صلى الله عليه وسلم] أن يسعى في الدين.
هذا منقطع.
وراويه الحجاج بن أرطأة وهو غير محتج به.
وقد رواه الحجاج عن نافع عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في الاستسعاء.
قال عبد الرحمن بن مهدي:
وهذا من أعظم الفرية كيف يكون هذا على ما رواه الحجاج وقد رواه عبيد

495
الله بن عمر، ومالك [291 / ب] / بن أنس وغيرهما عن نافع عن ابن عمر - يعني على ما سبق
ذكرنا له -.
وأطال الكلام في إنكاره على الحجاج.
وقد روى الحجاج عن عمرو بن شعيب عن ابن المسيب قال: كان ثلاثون من
أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقولون يعني بالاستسعاء.
وهذا أيضا منكر.
وقد روينا عن ابن المسيب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثل حديث عمران بن حصين وفيه
دلالة على بطلان الاستسعاء.
قال الشافعي في القديم.
فقال لي: هل رويتم عن أحد من بعد النبي [صلى الله عليه وسلم] في هذا شيئا؟
فقلت له: نعم بمثل قولنا.
قال: فقد روينا أيضا بمثل قولنا. قلنا: روايتين أما أحدهما من الصحة فبخلاف
قولكم خلافا بعيدا قال: وما هي؟
قلت: زعمتم بأحسن إسناد عندكم أن عبدا كان لعبد الرحمن بن يزيد وهو
صغير فيه حق فاستشار شركاؤه عمر في العتق فقال:
أعتقوا فإذا بلغ عبد الرحمن فإن رغب في مثل ما رغبتم وإلا كان علي حقه.
وهذا خلاف قولكم.
ورويتم عن علي أنه قال:
يعتق الرجل من عبده ما شاء.
وهذا أيضا خلاف قولكم.
قال: فقد روينا عن ابن مسعود الاستسعاء.
قلنا: ليس بصحيح عنه وقد ثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم] خلاف الاستسعاء وليس في أحد
مع النبي [صلى الله عليه وسلم] حجة.

496
قال أحمد:
أما الأثر الأول: فقد رواه الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد.
وهذا إسناد صحيح كما قال الشافعي إلا أنه قد روى فيه: حتى يرغب في مثل
ما رغبتم فيه أو يأخذ نصيبه.
ورأيت في رواية بعضهم: وإلا ضمنتكم.
وأما الذي حكاه عن علي: فإنما رواه الحكم عن علي أنه قال:
إذا كان لرجل عبد فأعتق نصفه لم يعتق منه إلا ما عتق.
وهذا منقطع الحكم لم يدرك عليا.
وما الذي رواه الشافعي عن من دون النبي [صلى الله عليه وسلم] في إبطال الاستسعاء: فهو
مذكور في الباب الذي يليه.
وأما الذي رواه عن ابن مسعود في الاستسعاء:
فقد حكى ابن المنذر عن ابن مسعود فيمن أعتق عبدا له في مرضه لا مال له
غيره: أنه يعتق ثلثه ويرق ثلثاه.
وهذا يخالف ما رووا عنه.
وروينا عن ابن التلب عن أبيه: أن رجلا أعتق نصيبا [292 / أ] / له من مملوك فلم يضمنه
النبي [صلى الله عليه وسلم].
وروينا عن أبي ملجز: أن عبدا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه فحبسه
النبي [صلى الله عليه وسلم] حتى باع فيه غنيمة له.
وهذا منقطع فإن صح فيكون الخبر واردا في الموسر.
وحديث ابن التلب في المعسر.
وهو من حديث ابن عمر مجموع.
وروينا عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان:

497
أن رجلا سأل ابن عمر عن العبد يعتق نصفه قال:
أحكامه أحكام العبد حتى يعتق كله.
قال أحمد:
وقد حمل بعض أهل العلم السعاية المذكورة في هذه الأخبار على إستسعاء
العبد عند إعسار الشريك باختيار العبد دون الإجبار ألا تراه قال:
' غير مشقوق عليه '.
وفي إجباره على السعي في قيمته وهو لا يريده مشقة عظيمة. والله أعلم.
وقد روي في بعض طرق حديث ابن عمر عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إذا كان للرجل شرك في غلام ثم أعتق نصيبه وهو حي أقيم عليه قيمة عدل في
ماله ثم أعتق '.
وفي قوله: ' وهو حي ' إن كان محفوظا دلالة على أنه لا تقوم عليه بعد
الموت.
والله أعلم.
1298 - [باب] عتق العبيد لا يخرجون من الثلث
استدل الشافعي رحمه الله في إثبات القرعة بقصة يونس ومريم عليهما السلام
وبإقراع النبي [صلى الله عليه وسلم] إذا أراد سفرا بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها.
6040 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن
حصين:
أن رجلا من الأنصار أوصى عند موته فأعتق ستة مماليك ليس له مال غيرهم أو
قال أعتق عند موته ستة مماليك له وليس له شيء غيرهم فبلغ ذلك النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال فيه

498
قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الوهاب.
وعبد الوهاب كان يشك فيه فرواه عنه محمد بن المثنى على اللفظ الأول.
وإسحاق الحنظلي على معنى اللفظ الثاني.
وقد رواه الشافعي رحمه الله في القديم عن إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن
أيوب عن أبي قلابة [292 / ب] / عن أبي المهلب عن عمران.
أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم فرفع ذلك إلى
النبي [صلى الله عليه وسلم] فجزأهم أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.
وهذا فيما:
6041 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي حدثنا
عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا إسماعيل فذكروه بإسناده ومعناه.
رواه مسلم في الصحيح عن علي بن حجر وغيره عن إسماعيل.
وبمعناه أخرجه من حديث حماد بن زيد عن أيوب.
قال الشافعي:
وأخبرني من سمع هشيما يذكر عن منصور عن الحسن عن عمران بن حصين
عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله.
6042 - حدثناه كامل بن أحمد المستملي أخبرنا أبو سهل الإسفرائيني حدثنا
داود بن الحسين البيهقي حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم عن منصور بن زاذان عن
الحسن عن عمران بن حصين:
أن رجلا من الأنصار أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يترك مالا غيرهم. فبلغ
ذلك النبي [صلى الله عليه وسلم] فغضب فقال:

499
' لقد هممت أن لا أصلي عليه '.
ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع فأعتق اثنين وأرق أربعة.
ورواه حماد بن سلمة عن قتادة وحميد وسماك بن حرب عن الحسن عن
عمران.
وقال في الحديث:
وليس له مال غيرهم فأقرع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بينهن فأعتق اثنين ورد أربعة في
الرق.
6043 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبادن أخبرنا أحمد بن عبيد حدثني
محمد بن إسحاق الصفار ويحيى بن محمد الحنائي قالا: حدثنا عبد الأعلى بن حماد
حدثنا حماد بن سلمة فذكره.
وعن حماد عن عطاء عن سعيد بن المسيب وأيوب عن محمد بن سيرين عن
عمران بن حصين.
قال أحمد:
وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب كما:
6044 - أخبرنا أبو علي الروذباري أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا مسدد
حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق وأيوب عن محمد بن سيرين عن عمران بن
حصين:
أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ولم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي [صلى الله عليه وسلم]
فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.
6045 - وأخبرنا علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق
حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا أبو الربيع حدثنا حماد بن زيد حدثنا [293 / أ] / ويحيى بن

500
عتيق وهشام. فذكراه وزادا في آخره عن ابن سيرين:
ولو لم يبلغني عن النبي [صلى الله عليه وسلم] لكان رأيي.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين.
وأما حديث ابن سيرين فهو مرسل يؤكده رواية عمران بن حصين وقد رواه
الشافعي كما مضى بإسناده ورواه في كتاب القرعة بإسناد آخر وهو فيما:
6046 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي
أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول
عن ابن المسيب:
أن امرأة أعتقت ستة مملوكين لها عند الموت ليس لها مال غيرهم فأقرع
النبي [صلى الله عليه وسلم] فأعتق اثنين وأرق أربعة.
وذكر الشافعي في القديم رواية أبي زيد الأنصاري عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وهي فيما:
6047 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
وهب بن بقية عن خالد عن خالد عن أبي قلابة عن أبي زيد:
أن رجلا من الأنصار فذكره: قال وقال: يعني النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين '.
وروي في ذلك عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
6048 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن
الشافعي أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن أبي الزناد:
أن عمر بن عبد العزيز قضى في رجل أوصى بعتق رقيقه وفيهم الكبير والصغير
فاستشار عمر رجالا منهم:
خارجة بن زيد بن ثابت فأقرع بينهم.

501
فقال أبو الزناد: وحدثني رجل عن الحسن:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أقرع بينهم.
قال الشافعي:
وأخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن أبي الزناد: أن رجلا أعتق ثلث
رقيقه فأقرع بينهم أبان بن عثمان.
قال: وأخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن رجلا في زمان أبان بن
عثمان أعتق رقيقا له جميعا لم يكن له مال غيرهم فأمر [أبان بن] عثمان بذلك
الرقيق فقسموا أثلاثا ثم أسهم على أيهم خرج سهم الميت فيعتقوا فخرج السهم على
أحد الأثلاث فعتقوا.
قال الشافعي:
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت.
قال الشافعي:
وبهذا كله نأخذ.
1290 - [باب] من يعتق بالمال
[293 / ب] / أما عتق الولد على والده والوالد على ولده فإن الشافعي رحمه الله كان يقول به
وعلل فقال: ولا يثبت له ملك على شيء خلق منه كما إذا ملك نفسه عتق.
ويدل عليه من طريق الأخبار ما:
6049 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا موسى بن
إسحاق حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا جرير عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن
أبي هريرة قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

502
' لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه '.
رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن أبي شيبة.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله:
' فيعتقه '.
أي بما فعل من اشترائه وذلك لذهاب أكثر أهل العلم إلى عتقه بالملك من غير
إعتاق جديد.
وقد روينا عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود قال قال عمر بن الخطاب:
من ملك ذا رحم محرم فهو حر.
وقال مرة:
أو ذا محرم. شك الضحاك.
هكذا رواه أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن أبي عوانة عن الحكم.
وقال أبو الوليد الطيالسي:
قرأت في كتاب أبي عوانة بهذا الإسناد عن عمر قال:
لا يسترق ذو رحم.
ويشبه أن يكون المراد به الوالدين والمولودين.
فرواية إبراهيم النخعي وكان يقول.
لا يعتق إلا الولد والوالد.
وقد روي في ذلك عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ما:

503
6050 - حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أخبرنا أبو عبد الله بن جعفر
حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن
سمرة قال قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من ملك ذا رحم محرم فهو حر '.
هكذا رواه جماعة عن حماد بن سلمة.
وقال بعضهم في لفظه:
' من ملك ذا محرم '.
وقال بعضهم:
' ذا رحم '.
ورواه موسى بن إسماعيل عن حماد وقال عن سمرة - فيما يحسب حماد - فكأنه
كان يشك في ذكر سمرة في إسناده.
وقد خالفه سعيد بن أبي عروبة فرواه عن قتادة أن عمر بن الخطاب قال:
من ملك ذا رحم محرم فهو حر.
وعن قتادة عن الحسن قال:
من ملك ذا رحم فهو حر.
والحديث إذا انفرد به حماد بن سلمة ثم يشك فيه ثم يخالفه فيه من هو أحفظ
منه وجب التوقف فيه.
وقد أشار البخاري إلى تضعيف هذا الحديث.
وقال علي بن المديني:

504
هذا عندي منكر.
وأما الذي رواه أبو عمير بن النحاس عن ضمرة بن ربيعة عن الثوري عن عبد
الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من ملك ذا رحم [294 / أ] / محرم فهو عتيق '.
فهذا وهم فاحش والمحفوظ بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن
هبته.
وضمرة بن ربيعة لم يحتج به صاحبا الصحيح.
وأما حديث العرزمي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
جاء رجل يقال له صالح بأخيه فقال: يا رسول الله إني أريد أن أعتق أخي هذا
فقال:
' إن الله أعتقه حين ملكته '.
فهذا مما لا يحل الاحتجاج به والإجماع على ترك الاعتماد على رواية الكلبي
والعرزمي.
وروي عن حفص بن أبي داود عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس.
وحفص ضعيف عند أهل العلم بالحديث.
وأصح شيء فيه حديث شعبة عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن المستورد:
أن رجلا أتى ابن مسعود فقال: إن عمي زوجني جارية له وإنه يريد أن يسترق
ولدي فقال عبد الله:

505
ليس ذاك له.
وفي رواية: كذب ليس له ذلك.
1291 - [باب] الولاء
6051 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة:
أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال: أهلها نبعكها على أن ولاءها لنا
فذكرت ذلك لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' لا يمنعك ذلك إنما الولاء لمن أعتق '.
أخرجاه في الصحيح من حديث مالك.
وذكر الشافعي حديث مالك عن هشام بن عروة بطوله وذلك في كتاب المكاتب
منقول.
وكذلك حديث عمرة.
6052 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا مالك وابن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عن بيع الولاء وعن هبته.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث ابن عيينة.
6053 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا:
حدثنا أبو العباس الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن عن

506
يعقوب بن إبراهيم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب '.
كذا رواه الشافي عن محمد بن الحسن الفقيه عن أبي يوسف القاضي.
وكأنه رواه محمد بن الحسن الشافعي من حفظه فنزل عن ذكر عبيد الله بن عمر
في إسناده.
وقد رواه محمد بن الحسن في كتاب الولاء عن أبي يوسف عن عبيد الله بن
عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] باللفظ الذي رواه الشافعي عنه.
وهذا اللفظ [294 / ب] / بهذا الإسناد غير محفوظ.
ورواية الجماعة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى بيع الولاء وعن هبته.
هكذا رواه عبد الله بن عمر في رواية عبد الوهاب الثقفي وغيره.
ومالك والثوري وشعبة والضحاك بن عثمان وسفيان بن عيينة وسليمان بن بلال
وإسماعيل بن جعفر وغيرهم.
ورواه أبو عمير بن النحاس عن ضمرة عن الثوري على اللفظ الأول الذي
رواه أبو يوسف.
وقد احتج أصحاب الثوري على خلافه.
وروي عن يحيى بن سليم عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر.
وهو واهم على عبيد الله في الإسناد والمتن جميعا.
وروي من أوجه أخر ضعيفة وأصح ما روي فيه حديث هشام بن حسان عن
الحسن قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

507
' الولاء لحمه كلحمة النسب لا تباع ولا توهب '.
وهذا مرسل.
وروي عن قتادة عن عمر بن الخطاب من قوله.
وروي عن علي كما:
6054 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عليا قال:
الولاء بمنزلة الحلف أقره حيث جعله الله.
هكذا رواه الشافعي عن سفيان.
ورواه عباس النرسي عن سفيان قال:
الولاء بمنزلة النسب لا يباع ولا يوهب أقره حيث جعله الله.
ورواه عبد الله بن معقل عن علي قال:
الولاء شعبه من النسب.
6055 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه
الله قال:
قال الله تبارك وتعالى:
* (ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني) *.
وقال:
* (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) *.

508
' فنسب إبراهيم إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح إلى أبيه وابنه كافر.
قال الله تبارك وتعالى لنبيه [صلى الله عليه وسلم] في زيد بن حارثة:
* (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) *.
وقال:
* (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه) *.
فنسب الموالي إلى نسبين أحدهما إلى الآباء والآخر إلى الولاء وجعل الولاء
بالنعمة.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في
كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط فقضاء الله أحق وشرطه أوثق، وإنما الولاء لمن
أعتق '.
فبين رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن الولاء إنما يكون للمعتق.
وروي عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' الولاء لحمه كلحمة النسب [295 / أ] / لا تباع ولا توهب '.
فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق كما يكون
النسب بمتقدم ولازم الأب ألا ترى أن رجلا لو كان لا أب له يعرف جاء رجلا فسأله أن
ينسبه إلى نفسه ورضي ذلك الرجل لم يجوز أن يكون ابنا له أبدا فيكون مدخلا به
على عاقلته مظلمة في أن يعقلوا عنه ويكون ناسبا إلى نفسه غير من ولد وإنما قال
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

509
' الولد للفراش '.
وكذلك إذا لم يعتق الرجل رجلا لم يجز أن يكون منسوبا إليه بالولاء فيدخل
على عاقلته المظلمة في عقلهم عنه وينسب إلى نفسه ولاء من لم يعتق وإنما قال
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' الولاء لمن أعتق '.
وبين في قوله:
' إنما الولاء لمن أعتق '.
أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق.
وبسط الكلام فيه.
فاحتج عليه من كلمه في هذه المسألة بما روي عن تميم الداري أنه قال:
سألت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الرجل يسلم على يدي الرجل فقال:
' هو أولى الناس بحياته ومماته '.
قال الشافعي:
أنه ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري
وابن موهب ليس معروفا عندنا ولا نعلمه لقي تميما الداري.
ومثل هذا لا يثبت عندنا ولا عندك من قبل أنه مجهول ولا أعلمه متصلا.
قال أحمد:
قد رواه أبو نعيم عن عبد العزيز بن عمر عن عبد الله بن موهب قال سمعت
تميم الداري.

510
قال يعقوب بن سفيان: هذا خطأ ابن موهب لم يسمع من تميم ولا لحقه.
وهذا فيما:
6056 - أخبرنا أبو الحسن بن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب
فذكره.
وقال البخاري: وقال بعضهم: عبد الله بن موهب سمع تميم ولا يصح لقول
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' الولاء لمن أعتق '.
وهذا فيما:
6057 - أخبرنا أبو بكر الفارسي أخبرنا أبو إسحاق الأصبهاني حدثنا محمد بن
سليمان عن البخاري فذكره.
قال أحمد:
وقد رواه يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن ابن موهب
عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري.
6058 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر حدثني يحيى بن
حمزة الحضرمي فذكره.
وهذا يدل على خطأ من ذكر فيه سماع ابن موهب من تميم.
ثم هذا قد رواه يزيد بن خالد بن موهب الرملي عن يحيى بن حمزة بإسناده عن
قبيصة بن ذؤيب أن تميما قال:
يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين؟
6059 - أخبرناه [295 / ب] / أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا يزيد بن خالد. فذكره.

511
قال أحمد:
وهذا يدل على إرسال الحديث مع ذكر قبيصة فيه فإن قبيصة لم يشهد سؤال
تميم.
6060 - قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد بإسناده قال:
فإن من حجتنا أن عمر قال في المنبوذ:
هو حر ولك ولاؤه.
يعني الذي التقطه فبسط الكلام في الجواب عنه ووهنه في القديم.
وفي موضع آخر أنه عن سنين بن جميلة عن عمر.
وليس بمعروف عندنا.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' فإنما الولاء لمن أعتق '.
يدل على أن لا ولاء إلا لمن أعتق.
قال الشافعي في روايتنا:
قال: فإن قلت هو أعلم بمعنى حديث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قلت: فنعارضك بما هو
أثبت عن ميمونة وابن عباس من هذا عن عمر.
قال: وما هو؟
قلت: وهبت ميمونة ولاء بني يسار لابن أختها عبد الله بن عباس فأتهبه.
وهذه زوجة النبي [صلى الله عليه وسلم] وابن عباس وهما اثنان.
قال: لا يكون في أحد ولو كانوا أعدادا مع النبي [صلى الله عليه وسلم] حجة.
وفيما حكى الشافعي عن بعض العراقيين عن ليث بن أبي سليم عن أبي
الأشعث الصنعاني عن عمر بن الخطاب:
أنه سئل عن الرجل يسلم على يدي الرجل فيموت ويترك مالا؟ أظنه قال: فهو

512
له فإن أبي فلبيت المسلمين وعن إبراهيم بن محمد - أظنه ابن المنتشر - عن أبيه عن
مسروق.
أن رجلا من أهل الأرض والى ابن عم له فمات وترك مالا فسألوا ابن مسعود
عن ذلك فقال:
ماله له.
وعن ابن أبي ليلى عن مطرف عن الشعبي أنه قال:
لا ولاء إلا لذي نعمة.
قال أحمد:
وبهذا نقول لأنه يوافق قول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إنما الولاء لمن أعتق '.
وهذا الإسناد عن عمر منقطع أبو الأشعث لم يدرك عمر.
وقد روينا عن ابن عباس ما دل على نسخ آية المعاقدة في التوريث بها.
6061 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
هارون بن عبد الله حدثنا أبو أسامة قال حدثني إدريس بن يزيد حدثنا طلحة بن
مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله:
* (والذين عاقدت أيمانكم فاتوهم نصيبهم) *.
قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يورثون الأنصار دون ذوي رحمه
للأخوة التي آخى النبي [صلى الله عليه وسلم] بنيهم فلما نزلت الآية:
* (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) *.
قال نسختها قال:
* (والذين عقدت أيمانكم [296 / أ] / فآتوهم نصيبهم) *.

513
في النصر والنصيحة والرفادة ويوصي له وقد ذهب الميراث.
وروينا عن معاوية عن إسحاق عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا:
أن رجلا جاءه فقال إن فلانا أسلم على يدي قال:
' هو مولاك فإذا مت فأوص له '.
1292 - [باب] المسلم يعتق نصرانيا أو النصراني يعتق مسلما
قال الشافعي:
فالولاء ثابت وإن مات المعتق لم يرثه مولاه باختلاف الدينين.
واحتج في الولاء بقول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إنما الولاء لمن أعتق '.
وفي منع الميراث بقوله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم '.
قال الشافعي:
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي حكيم:
أن عمر بن عبد العزيز أعتق عبدا له نصرانيا فتوفي العبد بعدما أعتق. قال
إسماعيل: فأمرني عمر بن عبد العزيز أن آخذ ماله وأجعله في بيت المسلمين.
6062 - أخبرناه أبو أحمد المهرجاني أخبرنا أبو بكر بن جعفر المزكي حدثنا

514
محمد بن إبراهيم العبدي حدثنا ابن بكير قال حدثنا مالك.
فذكره بمعناه.
1293 - [باب] من أعتق عبدا له سائبة
قال الشافعي:
فالعتق ماض له وله ولاؤه أن هذا معتق.
وقد جعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الولاء لمن أعتق.
6063 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه
الله:
كان أهل الجاهلية يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويعفون
الحام وهذه من الإبل والغنم.
وكانوا يقولون في الحام إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين وقيل نتج له عشرة
حام أي يحمي ظهره ولا يحل أن يركب.
ويقولون في الوصيلة: وهي من الغنم ويقولون في الوصيلة: وهي من الغنم إذا
وصلت بطونا توأما ونتج لنتاجها فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها.
ويسيبون السائبة فيقولون:
قد أعتقناك سائبة ولا ولاء لنا عليك ولا ميراث يرجع منك ليكون أكمل لتبررنا
فيك.
فأنزل الله:
* (فما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) *.
فرد الله ثم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الغنم إلى مالكها إذ العتق لا يقع على غير الآدميين.
وكذلك لو أعتق بعيره لم يمنع بالعتق منه إذ حكم الله أن يرد ذلك ويبطل الشرط

515
فكذلك أبطل الشرط في السائبة وأرده إلى ولاء [296 / ب] / من أعتقه.
وذكره في موضع آخر في تفسير هذه الأجناس أكمل من ذلك وذكر أنهم ذكروا
أن حاطبا أعتق سائبة.
قال الشافعي:
ونحن نقول إن أعتق رجل سائبة فهو حر وولاؤه له.
قال: ويذكر سليمان بن يسار:
أن سائبة أعتقه رجل من الحاج فأصابه غلام من بني مخزوم فقضى عمر عليهم
بعقله.
قال أبو المقضي عليه: [أرأيت] لو أصاب ابني؟
فقال: إذا لا يكون له شيء.
قال: هو إذا مثل الأرقم.
قال عمر: فهو إذا مثل الأرقم.
قال الشافعي:
فقلت: هذا إذا ثبت بقولنا أشبه.
قال: ومن أين؟
قلت: لأنه لو رأى ولاءه للمسلمين رأى عليهم عقله ولكن يشبه أن يكون أعقله
على مواليه فلما كانوا لا يعرفون لم ير فيه عقلا حتى يعرف مواليه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ونحن نروي عن عمر، وغيره مثل معنى قولنا. فذكر ما:
6064 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا مالك أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح:

516
أن طارق بن المرقع أعتق أهل بيت سوائب فأتى بميراثهم.
فقال عمر بن الخطاب: أعطوه ورثة طارق فأبوا أن يأخذوه.
فقال عمر: فاجعلوه في مثلهم من الناس.
قال الشافعي:
حديث عطاء مرسل.
قلت: يشبه أن يكون سمعه من طارق وإن لم يسمعه منه فحديث سليمان مرسل.
6065 - وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عروبة حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء:
أن طارق بن المرقع أعتق أهل أبيات من أهل اليمن سوائب فانقطعوا عن
بضعة عشر ألفا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فأمر أن يدفع إلى طارق أو ورثة
طارق.
قال الشافعي:
هذا إن كان ثابتا يدلك على أن عمر يثبت ولاء السائب لمن سيبه.
6066 - وفيما أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي
قال أخبرنا سفيان أخبرني أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر قال:
كان سالم مولى أبي حذيفة مولى لامرأة من الأنصار يقال لها: عمرة بنت يعار
أعتقته سائبة فقتل يوم اليمامة وأتي أبو بكر رضي الله عنه بميراثه فقال:
أعطوه عمرة. فأبت [أن] تقبله.
وعن الشافعي قال:

517
أخبرنا سفيان عن سليمان بن مهران عن النخعي:
أن رجلا أعتق سائبة فمات فقال عبد الله: هو لك قال: لا أريده. قال فضعه إذا
في بيت المال فإن لذو إرثا كثيرا.
قال أحمد:
حديث [297 / أ] / ابن مسعود هذا قد روي عن علقمة عن عبد الله موصولا.
6067 - وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
يحيى بن أبي طالب أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن
شرحبيل قال:
جاء رجل إلى عبد الله فقال: إني أعتقت غلاما لي وجعلته سائبة فمات وترك
مالا؟
فقال عبد الله: إن أهل الإسلام لا يسيبون إنما كانت تسيب أهل الجاهلية أنت
وارثه وولي نعمته فإن تحرجت من شيء فأدناه نجعله إلى بيت المال.
وأما حديث عمرة بنت يعار وقد سميت في حديث عبد الله بن وديعة بن خدام
سلمى بنت يعار وذكر في حديثه:
أن عمر بن الخطاب دعا وديعة بن خدام فقال:
هذا ميراث مولاكم وأنتم أحق به.
فقال: يا أمير المؤمنين قد أغنانا الله عنه قد أعتقته صاحبتنا سائبة فلا نريد أن
نرزأ من أمره شيئا فجعله عمر في بيت المال.
ومعناه روي عن عروة بن الزبير.
1294 - [باب] الولاء للكبر
6068 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله:

518
أن العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لأم ورجل لعله فهلك أحد
اللذين لأم وترك مالا وموالي فورثه أخوه الذي لأمه وأبيه ماله وولاء مواليه ثم هلك
الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه وأخاه لأبيه.
فقال ابنه: قد أحرزت ما كان أبي أحرز من الماء وولاء الموالي.
وقال أخوه: ليس كذلك إنما أحرزت المال فأما ولاء الموالي فلا أرأيت لو هلك
أخي اليوم ألست أرثه أنا؟
فاختصما إلى عثمان فقضى لأخيه بولاء الموالي.
وروينا عن ابن المسيب:
أن عمر، وعثمان قالا: الولاء للكبر.
ورواه إبراهيم عن عمر، وعلي وعبد الله وزيد بن ثابت.
وروي عن زيد بن وهب عن علي وعبد الله وزيد بن ثابت.
أنهم كانوا يجعلون الولاء للكبر من العصبة ولا يورثون النساء إلا ما أعتقن أو
أعتق من أعتقن.
وروي مثل ذلك عن عمر في النساء:
أنهن لا يرثن من الولاء إلا ما أعتقن.
6069 - أخبرنا أبو زكريا أخبرنا أبو الحسن الطرائدي حدثنا عثمان الدارمي
حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك.
6070 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي
أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر [297 / ب] / أن أباه أخبره:
أنه كان جالسا عند أبان بن عثمان فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني
الحارث بن الخزرج وكانت امرأة من جهينة عند رجل من بني الحارث بن الخزرج يقال له: إبراهيم بن كليب فماتت المرأة وتركت مالا وموالي فورثها ابنها وزوجها ثم

519
مات ابنها فقال ورثته: لنا ولاء الموالي قد كان ابنها أحرزه. وقال الجهنيون: ليس
كذلك إنما هم موالي صاحبتنا فإذا مات ولدها فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم فقضى أبان بن
عثمان للجهنيين بولاء الوالي.
وروينا عن الزهري عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' المولى أخ في الدين ونعمة وأحق الناس بميراثه أقربهم من المعتق '.
وروينا عن الأسود عن عمر أنه قال:
إذا تزوج المملوك الحرة فولدت فولدها يعتقون بعتقها ويكون ولاؤهم لمولى
أمهم فإذا عتق الأب جر الولاء.
وروينا في أصح الروايتين عن عثمان أنه قضى في مثل ذلك بولائهم للزبير.
وروينا معناه عن علي وعبد الله بن مسعود.
وروي عن زيد بن ثابت وبه قال الشافعي في كتاب الشروط والمكاتب.

520
50 - كتاب المدبر
1295 - [باب] بيع المدبر
6071 - أخبرنا القاضي أبو بكر وأبو زكريا المزكي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا:
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا
مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن
عبد الله يقول:
أن أبا مذكور - رجلا من بني عذرة - كان له غلام قبطي فأعتقه عن دبر منه وأن
النبي [صلى الله عليه وسلم] سمع بذلك العبد فباع العبد وقال:
' إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول
ثم إن وجد بعد ذلك فضلا فليتصدق على غيرهم '.
قال الشافعي:
وزاد مسلم بن خالد شيئا هو نحو من سياق الليث بن سعد.
6072 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث وحماد بن سلمة عن أبي

521
الزبير عن جابر قال:
أعتق رجل من بني عذرة عبدا عن دبر فبلغ ذلك النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' ألك مال غيره '؟
فقال: لا. فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من يشتريه مني '؟
فاشتراه نعيم بن النحام بثمان مائة درهم فجاء بها النبي [صلى الله عليه وسلم] فدفعها إليه ثم [289 / أ] /
قال: ' ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل عن نفسك فلأهلك فإن فضل شيء
فلذوي قرابتك فإن فضل شيء عن ذي قرابتك فهكذا وهكذا '.
يريد عن يمينك وعن شمالك.
أخرجه مسلم في الصحيح عن قتيبة ومحمد بن ربح عن الليث بن سعد.
وبمعناه رواه أيوب السختياني وزهير بن معاوية وغيرهما عن أبي الزبير.
6073 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن
جابر بن عبد الله:
أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من يشتريه مني '؟
فاشتراه نعيم بن النحام بثمان مائة درهم وأعطاه الثمن.
6074 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا يحيى بن حسان أخبرنا حماد بن سلمة عن
عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث حماد بن زيد.
6075 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا

522
أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي ابن عيينة عن عمرو بن دينار وعن أبي
الزبير سمعا جابر بن عبد الله يقول:
دبر رجل منا غلاما ليس لي مال غيره فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' من يشتريه مني '؟
فاشتراه نعيم بن النحام.
قال عمرو: فسمعت جابرا يقول:
عبدا قبطيا مات عام أول في إمارة ابن الزبير.
زاد أبو الزبير: يقال له يعقوب.
قال الشافعي:
هكذا سمعته منه عامة دهري ثم وجدت في كتاب:
دبر رجل منا غلاما له فمات. فإما أن يكون خطأ في كتابي أو خطأ من سفيان
فإن كان من سفيان فابن جريج أحفظ لحديث أبي الزبير من سفيان ومع ابن جريج
حديث الليث بن سعد وغيره وأبو الزبير يحد الحديث تحديدا يخبر فيه حياة الذي
دبره.
وحماد بن زيد [مع] حماد بن سلمة [وغيره] أحفظ لحديث عمرو بن
سفيان وحده.
وقد يستدل على حفظ الحديث من خطأه بأقل مما وجدت. في حديث ابن
جريج والليث عن أبي الزبير وفي حديث حماد عن عمرو وغير حماد يرويه عن عمرو
كما رواه حماد.
وقد أخبرني غير واحد ممن لقي سفيان بن عيينة قديما أنه لم يكن يدخل في
حديثه: مات.

523
وعجب بعضهم حين أخبرته أني وجدت في كتاب: مات.
وقال: لعل هذا خطأ منه أو زللا منه حفظها عنه.
قال أحمد:
رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه [289 / ب] / كلهم عن سفيان
ليس فيه هذا اللفظ.
وكذلك لواه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني واحميدي ليس فيه ذلك.
وأخرجه البخاري ومسلم من حديث عطاء عن جابر مثله وقال فيه: فدفع إليه
ثمنه.
ورواه شريك عن سلمة بن كهيل عن عطاء وأبي الزبير عن جابر:
أن رجلا مات وترك مدبرا ودينا.
وقد أجمعوا على خطأ شريك في ذلك لإجماع الرواة عن سلمة بن كهيل
وحسين المعلم والأوزاعي وعبد المجيد بن سهيل كلهم عن عطاء عن جابر أن
النبي [صلى الله عليه وسلم] أخذ ثمنه فدفعه إلى صاحبه.
وعندي أن هذا الخطأ إنما وقع لبعضهم أن في بعض الروايات عن هؤلاء
الرواة عن جابر:
أن رجلا أعتق مملوكه إن حدث به حدث فمات.
قوله فمات من شرط العتق وليس بإخبار عن موت المعتق وإنما هو من قول
المعتق يوم التدبير.
ورواه محمد بن المنكدر عن جابر نحو رواية الجمهور.
وبمعناهم رواه مجاهد عن جابر.
6076 - وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
الشافعي أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال:
باع النبي [صلى الله عليه وسلم] مدبرا احتاج صاحبه إلى ثمنه.
6077 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا

524
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه
عمرة:
أن عائشة دبرت جارية لها فسحرتها فاعترفت بالسحر فأمرت بها عائشة أن تباع
من الأعراب ممن يسيء ملكها فبيعت.
وهذا حديث قد رواه مالك في الموطأ بإسناده هذا.
أن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] كانت أعتقت جارية لها عن دبر منها ثم أن عائشة زوج
النبي [صلى الله عليه وسلم] اشتكت بعد ذلك بما شاء الله أن تشتكي ثم أنه ما دخل عليها رجل سندي
فقال لها: أنت مطبوبة فقالت عائشة: ومن طبني؟ قال امرأة من نعتها كذا وكذا
فوصفها وقال: إن في حجرها الآن صبيا قد بال.
فقالت: ادعوا لي فلانة لجارية لها كانت تخدمها فوجدوها في بيت جيران لهم
في حجرها صبي قد بال.
فقالت: حتى أغسل بول هذا الصبي فغسلته ثم جاءت فقالت لها عائشة:
أسحرتيني؟
فقالت: نعم. قالت: لم؟ قالت: أحببت العتق. قالت عائشة: أحببت العتق
فوالله لا تعتقين أبدا.
ثم أمرت عائشة ابن أخيها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيء ملكتها.
قالت: ثم ابتع لي بثمنها [299 / أ] / رقبة فأعتقها ففعل.
وبها المعنى رواه الشافعي في القديم عن مالك.
6078 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا
عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد
الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن:
أن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] كانت أعتقت جارية لها عن دبر منها فذكره.
6079 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا

525
سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال:
المدبر وصية يرجع فيه صاحبه متى شاء.
6080 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن معمر عن أيوب:
أن عمر بن عبد العزيز باع مدبرا في دين صاحبه.
6081 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن معمر عن عمرو بن مسلم
عن طاوس قال:
يعود الرجل إلى مدبره.
6082 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس
قال:
سألني ابن المنكدر كيف كان أبوك يقول في المدبر أيبيعه صاحبه؟
قال: قلت: كان يبيعه إذا احتاج إليه.
فقال ابن المنكدر: ويبيعه إن لم يحتج.
6083 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال
قال الشافعي قال لي بعض من خالفنا في المدبر:
على أي شيء اعتمدت؟ قلت: على سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] التي قطع الله بها عذر
من علمها.
قال: فعندنا فيها حجة:
ألا ترى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] في حديثكم باعه ولم يسله صاحبه بيعه؟
قلت: نعم العلم يحيط أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان لا يبيع على أحد ماله إلا فيما
لزمه أو بأمره.

526
قال: فبأيهما باعه؟
قلت: أما الذي يدل عليه آخر الحديث في دفعه ثمنه إلى صاحبه الذي دبره
فإنه دبره وهو يرى أنه لا يجوز له بيعه حين دبره وكان يريد بيعه إما محتاجا إلى بيعه
وإما غير محتاج فأراد الرجوع فذكر ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم] فباعه فكان في بيعه دلالة على أن
بيعه جائز إذا شاء وأمره إذا كان محتاجا أن يبدأ بنفسه فيمسك عليها نرى ذلك لئلا
يحتاج إلى الناس.
قال الشافعي:
قال قائل: روينا عن أبي جعفر محمد بن علي:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] إنما باع خدمه المدبر وذكره في كتاب القديم: عن حجاج بن
أرطأة عن أبي جعفر.
قال الشافعي:
فقلت له: ما روي هذا عن أبي جعفر فيما علمت أحد يثبت حديثه ولو رواه من
يثبت حديثه ما كان فيه لك [299 / ب] / الحجة من وجوه.
قال: وما هي؟
قلت: أنت لا تثبت المنقطع لو لم يخالفه غيره فكيف تثبت المنقطع يخالفه
المتصل الثابت؟
قال الشافعي:
ولو ثبت كان يجوز أن أقول باع النبي [صلى الله عليه وسلم] رقبة مدبر كما حدث جابر وخدمة مدبر
كما حدث محمد بن علي.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
أتقول أن بيعة خدمة المدبر جائزة؟
قال: لا إنها غرر.

527
قلت: فقد خالفت ما رويت عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
قال: فلعله باعه من نفسه.
قلت: جابر يسمي باعه بثمان مائة درهما من نعيم بن النحام ويقول عبد قبطي
يقال له: يعقوب مات عام أول في إمارة ابن الزبير فكيف توهم أنه باعه من نفسه؟
وقلت له: روى أبو جعفر: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
فقلت: مرسل. وقد رواه معه عدد فطرحته.
وروايته يوافقه عليها عدد منها حديثان متصلان أو ثلاثة صحيحة ثابتة وهو لا
يخالفه فيه أحد برواية غيره وأردت تثبيت حديث رويته عن أبي جعفر ويخالفه فيه جابر
عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
ما أبعد ما بين أقاويلك؟!
وقلت له: أصل قولك أنه لم لم يثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم]. فقال بعض أصحابه:
شيئا لا يخالفه فيه غيره لزمك وقد باعت عائشة مدبرة لها فكيف خالفتها مع
حديث النبي [صلى الله عليه وسلم]؟ وأنتم تروون عن أبي إسحاق عن امرأته عن عائشة شيئا في البيوع
تزعم وأصحابك أن القياس غيره وتقول لا أخالف عائشة ثم تخالفها ومعها سنة رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] والقياس.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
قال فهو قول أكثر الفقهاء.
قلت: بلى قول أكثر الفقهاء أن يباع.
قال: لسنا نقوله ولا أهل المدينة.
قلت: جابر بن عبد الله وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن المنكدر وغيرهم يبيعه
بالمدينة وعطاء وطاوس ومجاهد وغيرهم من المكيين وعندك بالعراق من يبيعه.
وقول أكثر التابعين يبيعه فكيف ادعيت فيه الأكثر والأكثر ممن مضى عليك مع
أنه لا حجة لأحد مع السنة.
وبسط الكلام فيه وفي القياس.
قال في القديم:

528
قال: فإن بعض أصحابك قد قال هذا.
قال الشافعي:
قلت له: من تبع سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وافقته ومن غلط فتركها خالفته صاحبي
الذي لا أفارقه اللازم للثابت عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وإن بعد.
رحم الله الشافعي ما كان أعظم في قلبه [من] سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وما كان
أحب إليه موافقتها وأشد عليه مخالفتها.
وهذا هو الواجب على كافة المكلفين وهذا الفرض عليهم والله يوفقنا لذلك
بمنه وفضله.
وروي عن محمد بن فضيل عن عبد الملك بن أبي سلمان عن عطاء عن
النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' لا بأس ببيع خدمة المدبر إذا احتاج '.
وقد أطال مسلم بن الحجاج الكلام في تخطئة هذه الرواية وأن الصواب رواية
عبد الملك عن أبي جعفر.
ثم أطال الكلام في تخطئة رواية أبي جعفر أيضا في المتن.
ثم رواية من روى أنه إنما باع المدبر بعد موت السيد واستدل على خطأ هذه
الروايات بما ذكرنا من رواية الحفاظ هاهنا وفي كتاب السنن.
1296 - [باب] المدبر من الثلث
6084 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا علي بن ظبيان عن عبد الله بن عمر عن
نافع عن ابن عمر أنه قال:

529
المدبر من الثلث.
قال الشافعي:
قال لي علي بن ظبيان كنت أحدثه مرفوعا فقال لي أصحابي: ليس بمرفوع هو
موقوف على ابن عمر فوقفته.
والحفاظ الذين حدثوه يقفونه على ابن عمر.
قال أحمد:
رواه عثمان بن أبي شيبة في آخرين عن علي بن ظبيان مرفوعا.
والصحيح موقوف كما رواه الشافعي.
وروي أيضا عن علي وابن مسعود مرسلا موقوفا وروي عن أبي قلابة.
أن رجلا أعتق عبدا له عن دبر فجعله النبي [صلى الله عليه وسلم] من الثلث.
وهذا منقطع.
قال أحمد:
وروينا في كتابة المدبر عن أبي هريرة.
وروينا في جناية المدبر أنها على سيده عن أبي عبيدة وإسناده غير قوي.
1297 - [باب] وطئ المدبرة
6085 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
مالك عن نافع عن ابن عمر:
أنه دبر جاريتين له فكان يطأهما وهما مدبرتان.

530
1298 - [باب] ولد المدبرة من غير سيدها بعد تدبيرها
ذكر الشافعي فيه قولين أحدهما:
أنهم بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها.
قال: وقد [300 / ب] / قال هذا بعض أهل العلم.
قال أحمد:
وقد روينا هذا عن عثمان وابن عمر.
ورواه ابن أبي نجيح عن عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير.
ورويناه عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي والنخعي.
قال الشافعي والقول الثاني:
أنهم مملوكون.
قال: وقد قال هذا غير واحد من أهل العلم.
6086 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال:
أولاد المدبرة مملوكون.
قال أحمد:
قد روينا مثل هذا عن مكحول.
وكذلك رواه ابن جريج عن عطاء.
وفي حديث سليمان بن يسار:
أن زيد بن ثابت أتاه رجل فقال:

531
ابنة عم لي أعتقت جاريتها عن دبر ولا مال لها غيرها.
قال: لتأخذ من رحمها ما دامت حية.
وهذا يدل على أنها تأخذ ولدها.
وفي حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال:
ما أرى أولاد المدبرة إلا بمنزلة أمهم.
فعلق القول فيهم.
1299 - [باب] تدبير الصبي الذي لم يبلغ
علق الشافعي القول فيه في كتاب البويطي على حديث عمر بن الخطاب رضي
الله عنه في وصية الغلام وهو فيما:
6087 - أخبرنا أبو أحمد المهرجاني أخبرنا أبو بكر بن جعفر المزكي حدثنا
محمد بن إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه: أن
عمرو بن سليم الزرقي أخبرنه أنه قيل لعمر بن الخطاب إن هاهنا غلاما - يفاعا لم
يحتلم من غسان ووارثه بالشام وهو ذو مال وليس له هاهنا إلا ابنة عم له.
فقال عمر بن الخطاب: فليوص لها فأوصى لها بمال يقال له بئر جشم.
قال عمرو بن سليم: فبعث ذلك المال بثلاثين ألفا وابنة عمه التي أوصى لها
هي أم عمرو بن سليم.
وهذا وإن كان مرسلا من جهة أن عمرو بن سليم لم يدرك أيام عمر ففيه قوة من
حيث أنها كانت أم عمرو.
والغالب أنه أخذه عن أمه التي وقعت الوصية لها. والله أعلم.
قال ابن المنذر:

532
روينا في إجازة وصية الصبي عن عمر بن الخطاب.
قال: وهو قول شريح وعمر بن عبد العزيز والزهري وعطاء والشعبي والنخعي.
قال ابن المنذر:
روينا عن ابن عباس:
أنها لا تجوز.
وبه قال الحسن البصري ومجاهد.
1300 - [باب] إعتاق الكافر
[301 / أ] / قال الشافعي في سنن حرملة:
حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن حكيم بن حزام أنه قال:
قلت يا رسول الله إني أعتقت في الجاهلية أربعين محررا. فقال لي رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' أسلمت على ما سبق لك من خير '.
كذا روي عن سفيان بن عيينة عن هشام.
6088 - وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أخبرنا جدي يحيى بن منصور
القاضي حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن هشام عن
أبيه عن حكيم بن حزام قال:
قلت يا رسول الله أرأيت شيئا كنت أتحنث به في الجاهلية.
قال هشام: يعني أتبرر فه. فقال رسول الله صلى [الله عليه وسلم]:
' أسلمت على صالح ما سلف لك.

533
فقال: يا رسول الله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية لله إلا صنعته لله في الإسلام
مثلها.
قال: وكان أعتق في الجاهلية مائة رقبة فأعتق في الإسلام مثلها مائة رقبة.
وساق في الجاهلية مائة بدنة فساق في الإسلام مائة بدنة.
أخرجاه في الصحيح من أوجه عن هشام.
وقال أكثرهم في الحديث:
' أسلمت على ما سلف لك من خير '.

534
51 - كتاب المكاتب
6089 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا
الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله قال:
قال الله جل ثناؤه:
* (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا
وآتوهم من مال الله الذي ءآتاكم) *.
قال الشافعي:
وفيه دلالة على أنه إنما أذن أن يكاتب من يعقل ما يطلب لا من لا يعقل أن
يبتغي الكتابة من معتوه ولا غير بالغ بحال.
6090 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عبد الله بن الحارث بن عبد الملك عن ابن جريج أنه قال لعطاء:
ما الخير؟ المال أو الصلاح أم كل ذلك؟
قال: ما نراه إلا المال.
قلت: فإن لم يكن عنده مال وكان رجل صدق؟
قال: ما أحسب (خيرا) إلا ذلك المال والصلاح.

535
قال: وقال مجاهد:
* (إن علمتم فيهم خيرا) *.
المال كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.
قال الشافعي:
الخير كلمة يعرف ما أريد بها بالمخاطبة بها قال الله تعالى:
* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) *.
فعقلنا أنهم * (خير البرية) * بالإيمان وعمل الصالحات لا بالمال.
وقال الله:
* (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير) *.
فعقلنا أن الخير المنفعة بالأجر لا أن في البدن لها مالا.
وقال: * (إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا) *.
فعقلنا أنه إن ترك مالا لأن المال المتروك.
وبقوله: * (الوصية للوالدين والأقربينض) *.
فلما قال الله: * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) *.
كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب قوة على اكتسابه المال وأمانة
لأنه قد يكون قويا فيكتسب فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة.
وأمينا فلا يكون قويا على الكسب فلا يؤدي.
قال الشافعي:

536
وليس الظاهر من القول إن علمت في عبدك مالا بمعنيين أحدهما:
أن المال لا يكون فيه إنما يكون عنده ولكن يكون فيه الاكتساب الذي يفيده
المال.
والثاني: أن المال الذي فيه لسيده.
قال: ولعل من ذهب إلى أن الخير المال أنه أفاد بكسبه مالا للسيد فيستدل على
أنه يفيد مالا يعتق به كما أفاد أولا.
قال أحمد:
هذا هو الأشبه أن يكون مراد من فسره بالمال من السلف.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال:
إن علمت مكاتبتك تقضيك.
وفي رواية أخرى:
إن علمتم لهم حيلة.
وفي رواية أخرى:
أمانة ووفاء.
وعن مكحول قال: الكسب.
وعن الحسن قال:
صدقا ووفاء، أداء وأمانة.
وروى أبو داود في المراسيل عن الحسن بن علي عن أبي عاصم عن عكرمة بن
عمار عن يحيى بن أبي كثير عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في هذه الآية قال:
' إن علمتم منهم حرفة ولا ترسلوهم كلابا على الناس '.

537
1301 - [باب] هل يجب على الرجل مكاتبة عبده قويا أمينا
6091 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عبد الله بن الحارث بن عبد الملك عن ابن جريج قال:
قلت لعطاء: أواجب علي إذا علمت فيه خيرا أن أكاتبه؟
قال: ما أراه إلا واجبا.
وقالها عمرو بن دينار.
فقلت لعطاء: أتأثرها عن أحد؟
قال: لا.
قال الشافعي:
وإذا جمع القوة على الاكتساب والأمانة فأحب إلي لسيده أن يكاتبه ولا يبين لي
أن يجبر عليه لأن الآية محتملة أن تكون إرشادا أو إباحة.
وقد ذهب هذا المذهب عدد ممن لقيت من أهل العلم.
وبسط الكلام في ذلك.
واحتج في جملة ما ذكر بأنه لو كان واجبا محدودا بأقل مما يقع اسم الكتاب أو
بغاية معلومة.
وروينا عن الحسن والشعبي: أنها ليست بعزمة إن شاء كاتب وإن شاء لم
يكاتب.
وروينا عن حبان بن أبي جبلة القرشي [302 / أ] / عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا:
' كل أحد أحق بماله من والده وولد الناس أجمعين '.

538
1302 - [باب] مكاتبة الرجل عبده على نجمين فأكثر بمال صحيح يحل بيعه
واحتج في كتاب البويطي بأن أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] كاتبوا على نجوم وبريرة
كوتبت على تسع أواق بعلم النبي [صلى الله عليه وسلم] في كل عام أوقية.
قال أحمد:
وروينا عن عثمان بن عفان:
أن مملوكا له سأله الكتابة فقال: نعم ولولا آية في كتاب الله ما فعلت أكاتبك
على مائة ألف على أن تعدها لي في عدتين والله لا أعضك منها درهما. وفي الحديث
قصة طويلة.
6092 - أخبرنا به أبو الحسين بن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا
يعقوب بن سفيان حدثني أبو بشر حدثنا سعيد بن عامر حدثنا جويرية بن أسماء عن
مسلم بن أبي مريم عن رجل قال:
كنت مملوكا لعثمان فذكر الحديث في سؤاله الكتابة وجوابه.
وروينا عن أبي عثمان عن سلمان أنه قال:
كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمس مائة فسيلة فإذا علقت فأنا حر.
وفي حديث آخر عن سلمان قال:
فكاتبت على ثلاثمائة نخلة أحييها وأربعين أوقية.
1303 - [باب] كتابة العبيد كتابة واحدة
6093 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا

539
عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال قال عطاء:
إن كاتبت عبدا لك وله بنون يومئذ وكاتبك على نفسه وعليهم فمات أبوهم أو
مات منهم ميت فقيمته يوم يموت توضع من الكتابة.
وإن أعتقه أو بعض بنيه فكذلك.
وقالها عمرو بن دينار.
قال الشافعي:
هذا إن شاء الله كما قالا إذا كان البنون كبارا فكاتب عليهم أبوهم بأمرهم فعلى
كل واحد منهم حصته من الكتابة يقدر قيمته فأيهم مات أو أعتق رفع عن الباقين بقدر
حصته من الكتابة.
1304 - [باب] حمالة العبيد
6094 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال قلت لعطاء:
كتبت على رجلين في بيع أن حيكما على ميتكما أو قال: ميتكما على حيكما
ومليكما على معدمكما أو قال معدمكما على مليكما.
قال أحمد:
أنا أشك. قال يجوز. وقالها عمرو بن دينار وسليمان بن موسى.
وقال: زعامة يعني: حمالة.
6095 - وبإسناده قال الشافعي [302 / ب] / أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال
قلت لعطاء كاتبت عبدين لي وكتبت ذلك عليهما.
قال لا يجوز في عبديك. وقالها سليمان بن موسى.

540
قال ابن جريج فقلت لعطاء:
لم لا تجوز؟ قال:
من أجل أن أحدهما إن أفلس رجع عبدا لم يملك منك شيئا.
1305 - [باب] المكاتب عبد ما بقي عليه درهم
6096 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
يروى أن من كاتب عبده على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو رقيق.
وقال في القديم:
روى عمرو بن شعيب أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من كاتب عبده على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو رقيق '.
قال: ولم أعلم أحدا روى هذا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] إلا عمرو وعلى هذا فتيا المفتين.
6097 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا محمد بن المثنى حدثني عبد الصمد حدثنا همام حدثنا عباس الجريري عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد وأيما عبد كاتب
على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد '.
كذا في كتابي عباس الجريري.

541
6098 - وأخبرنا أبو بكر بن الحارث أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أبو بكر
النيسابوري حدثنا أحمد بن سعيد بن صخر حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا
همام حدثنا عباس الجريري فذكره.
قال علي: وقال المقري وعمرو بن عاصم عن همام عن عباس الجريري.
قال أحمد:
ورواه إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم '.
قال الشافعي:
ونحن نروي عن زيد بن ثابت وابن عمر، وعائشة:
أنه عبد ما بقي عليه شيء.
أما حديث زيد:
6099 - فأخبرنا أبو سعيد وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن مجاهد أن زيد بن
ثابت قال في المكاتب:
هو عبد ما بقي عليه درهم.
قال أحمد:
وكذلك حكاه الشعبي عن زيد بن ثابت.
وأما حديث ابن عمر:
6100 - فأخبرنا علي بن محمد بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا

542
الحسن بن علي حدثنا [303 / أ] / ابن نمير عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول:
المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
وأما حديث عائشة:
6101 - فأخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا سعدان
حدثنا أبو معاوية عن عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة قال:
استأذنت عليها فقالت:
من [هذا]؟ فقلت: سليمان. قالت: كم بقي عليك من مكاتبتك؟ قال
قلت: عشرة أواق.
قالت: أدخل فإنك عبد ما بقي عليك درهم.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال:
المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
وروي عنه أنه قال:
إذا أدى المكاتب النصف لم يسترق.
وروي بأن مكاتب طلق امرأته فأنزله عثمان منزلة العبد.
وعن ابن عباس قال:
لا يقام على المكاتب إلا حد لعبد.
6102 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن
حماد بن خالد الخياط عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي الأحوص قال قال
عبد الله:

543
إذا أدى المكاتب قيمته فهو حر.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف عبد الله بن مسعود.
6103 - وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان الثوري
عن طارق عن الشعبي أن عليا قال في المكاتب:
يعتق منه بحساب.
وفيما بلغه عن حجاج عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن الحارث عن علي:
يعتق من المكاتب بقدر ما أدى ويرث بقدر ما أدى.
قال الشافعي:
وقال ابن عمر، وزيد بن ثابت:
هو عبد ما بقي عليه شيء.
وروي ذلك عن عمرو بن شعيب.
فبذلك نقول ويقولون معنا.
وهم يخالفون هذا الذي رووه عن علي.
قال أحمد:
وقد روى حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد
بحساب ما عتق منه '.
6104 - وبهذا الإسناد قال:
' يؤدي المكاتب بحصته ما أدى دية حر وما بقي دية عبد '.

544
والحديث الأول: من إفراد حماد بن سلمة.
والحديث الثاني: قد رواه وهيب عن أيوب عن عكرمة عن علي مرفوفا.
ورواية عكرمة عن علي مرسلة.
ورواه حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]
مرسلا.
وروي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس [303 / ب] / مرفوعا في الدية.
واختلف فيه على هشام الدستوائي عن يحيى فرفعه عنه جماعة ووقفه على ابن
عباس بعضهم.
ورواه علي بن المبارك عن يحيى مرفوعا ثم قال يحيى قال عكرمة عن ابن
عباس:
يقام عليه حد المملوك.
وهذا خالف رواية حماد بن سلمة في النص والرواية المرفوعة في القياس.
وسئل أحمد بن حنبل عن الحديث المرفوع فقال:
أنا أذهب إلى حديث بريرة:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمر بشرائها.
يعني أنها بقيت على الرق حين أمر بشرائها.
وكان ذلك برضاها فيما نحسب. والله أعلم.
قال الشافعي في القديم:
أخبرنا سفيان قال سمعت الزهري وثبتني معمر بذكر عن نبهان مولى أم سلمة
زوج النبي [صلى الله عليه وسلم]:

545
أنه كان معها وأنها سألته: كم بقي عليك من كتابتك؟ فذكر شيئا قد سماه وإنه
عنده فأمرته أن يعطيه أخاها أو ابن أخيها وألقت الحجاب فاستترت منه وقالت:
عليك السلام.
وذكر ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
' إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحجب منه '.
6105 - أخبرناه أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة
حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن الزهري عن نبهان مولى أم سلمة فذكر
الحديث بنحوه وقال:
قال سفيان: فسمعت الزهري وثبتنيه معمر.
قال الشافعي في القديم:
ولم أحفظ عن سفيان أن الزهري سمعه من نبهان ولم أر من رضيت من أهل
العلم يثبت واحدا من هذين الحديثين. والله أعلم.
قال أحمد:
أراد هذا.
وحديث عمرو بن شعيب في المكاتب قد رويناه موصولا.
وحديث نبهان قد ذكر فيه معمر سماع الزهري من نبهان إلا أن صاحبي
الصحيح لم يخرجاه إما لأنهما لم يجدا ثقة يروى عنه غير الزهري فهو عندهما لا
يرتفع عنه اسم الجهالة برواية واحد عنه.
أو لأنه لم يثبت عندهما من عدالته ومعرفته ما يوجب قبو خبره. والله أعلم.
قال الشافعي:

546
وقد يجوز أن يكون أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أم سلمة إن كان أمرها بالحجاب من
مكاتبها إذا كان عنده ما يؤدي على ما عظم الله به أزواج النبي [صلى الله عليه وسلم] أمهات المؤمنين
يرحمهن الله وخصهن به فرق بينهن وبين النساء أن اتقين ثم تلا الآيات في
اختصاصهن بأن جعل عليهن الحجاب من المؤمنين وهن [304 / أ] / أمهات المؤمنين ولم يجعل
على امرأة سواهن أن تحتجب ممن يحرم عليه نكاحها.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ومع هذا إن احتجاب المرأة ممن له أن يراها واسع لها.
وقد أمر النبي [صلى الله عليه وسلم] - يعني سودة - أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها.
وذلك يشبه أن يكون للاحتياط وأن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح.
1306 - [باب] تفسير قوله: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) *
6106 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع الشافعي أخبرنا
الثقة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر:
أنه كاتب عبدا له بخمسة وثلاثين ألف ووضع عنه خمسة آلاف.
أحسبه قال: من آخر نجومه.
قال الشافعي:
وهذا والله أعلم عندي مثل قول الله عز وجل:
* (وللمطلقات متاع بالمعروف) *.

547
قال أحمد:
وكذلك رواه إسماعيل بن علية عن أيوب.
وروينا في الوضع عن المكاتب عن عمر، وابن عباس.
6107 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر القطان حدثنا أبو الأزهر حدثنا
روح حدثنا ابن جريج وهشام بن أبي عبد الله قالا: أخبرنا عطاء بن السائب عن أبي
عبد الرحمن السلمي عن علي في قوله عز وجل:
* (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) *.
قال: رفع الكتابة.
هذا هو المحنوط موقوف.
ورواه حجاج بن محمد وعبد الرزاق عن ابن جريج مرفوعا إلى النبي [صلى الله عليه وسلم].
1307 - [باب] موت المكاتب
6108 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال: قلت له - يعني عطاء - المكاتب يموت وله
ولد أحرار ويدع أكثر مما بقي عليه من كتابته قال: يقضى عنه ما بقي من كتابته وما
كان من فضل فلبنيه.
فقلت: أبلغك هذا عن أحد؟
قال: زعموا أن علي بن أبي طالب كان يقضي به.
6109 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله عن ابن جريج قال
أخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول:

548
يقضي عنه ما عليه ثم لبنيه ما بقي.
وقال: عمرو بن دينار قال:
ما أراه لبنيه.
قال الشافعي:
يعني: أنه لسيده والله أعلم.
ويقول عمرو بن دينار نقول وهو قول زيد بن ثابت.
فأما ما روي عن عطاء أنه بلغه عن علي فهو روى عنه أنه كان يقول في
المكاتب:
يعتق منه بقدر ما أدى.
ولا أدري أيثبت عنه أم لا؟
وإنما نقول يقول زيد فيه.
قال أحمد:
ومع قول زيد قول عمر في إحدى الروايتين عنه وقول [304 / ب] / ابن عمر، وعائشة.
1308 - [باب] إفلاس المكاتب
6110 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال قلت - يعني لعطاء -.
أفلس مكاتبي وترك مالا وترك دينا للناس عليه ولم يدع وفاء أيبدأ بالحق
للناس قبل كتابتي؟
قال: نعم وقالها لي عمرو بن دينار.

549
قال ابن جريج: قلت لعطاء:
أما أحاطهم بنجم من نجومه حل عليه أنه قد ملك عمله لي سنته؟
قال: لا.
قال الشافعي:
فبهذا نأخذ.
فإذا مات المكاتب وعليه دين بدئ بديون الناس لأنه مات رقيقا وبطلت الكتابة
ولا دين للسيد عليه وما بقي مال للسيد.
قال أحمد:
وروينا عن زيد بن ثابت أنه قال:
يبدأ بالدين.
1309 - [باب] المكاتب بين قوم
6111 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال قلت لعطاء:
مكاتب بين قوم فأراد أن يقاطع بعضهم؟
قال: لا! لا أن يكون له من المال مثل ما قاطع عليه هؤلاء.
قال الشافعي:
وبهذا نأخذ فلا يكون لأحد الشركاء في المكاتب أن يأخذ من المكاتب شيئا
دون صاحبه.

550
1310 - [باب] ولد المكاتب والمكاتبة
روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال:
ولدها بمنزلة بعض المكاتب.
وروينا عن ابن سيرين عن شريح أنه سئل عن بيع ولد المكاتبة؟ فقال:
ولدها منها إن عتقت عتق وإن رقت رق.
وعن إبراهيم قال:
يباع ولدها للعتق تستعين به الأم في مكاتبتها.
وعن عطاء في ولد المكاتب بعد كتابته قال: هم في كتابته.
وقاله عمرو بن دينار.
قال الشافعي:
إذا ولد للمكاتب من جاريته لم يكن أن يبيعه ولده فإذا عتق عتق ولده معه.
وإذا ولدت المكاتبة فولدها موقوف فإن أدت فعتقت عتق وإن ماتت قبل أن
تؤدي فقد ماتت رقيقا وولدها رقيق.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وقد قيل: ما ولدت المكاتبة فهو رقيق.
والقول الأول أحب إلي.
3112 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
فذكره أبسط من ذلك.
وأما ولد المكاتب وماله قبل الكتابة:

551
6113 - فأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عبد الله بن الحارث [305 / أ] / عن ابن جريج قال قلت لعطاء:
رجل كاتب عبدا له وقاطعه فكتمه مالا له وعبيدا ومالا غير ذلك؟
فقال: هو للسيد.
وقالها عمرو بن دينار وسليمان بن موسى.
6114 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن
جريج قال قلت لعطاء:
فإن كان السيد قد سأله ماله فكتمه؟
قال: هو لسيده.
قال ابن جريج قلت لعطاء:
وكتمه ولدا له من أمة له أو لم يسأله؟
قال: هو لسيده.
وقالها عمرو بن دينار وسليمان بن موسى.
قال ابن جريج قلت له:
أرأيت إن كان سيده قد علم بولد العبد فلم يذكره السيد ولا العبد عن الكتابة؟
قال: فليس في كتابته هو مال سيده.
وقالها عمرو بن دينار.
قال الشافعي:
القول ما قال عطاء وعمرو بن دينار في ولد العبد المكاتب سواء علمه السيد أو
لم يعلمه هو مال للسيد وكذلك ماله مال السيد.

552
1311 - [باب] تعجيل الكتابة
6115 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وروي عن عمر بن الخطاب أن مكاتبا لأنس جاءه فقال:
إني أتيت بمكاتبتي إلى أنس فأبى أن يقبلها.
فقال:
إن أنسا يريد الميراث ثم أمر أنسا أن يقبلها أحسبه قال: فأبى. فقال:
أخذها فأضعها في بيت المال فقبلها أنس.
قال الشافعي:
وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه روي شبيها بهذا عن بعض الولاة.
فكأنه أعجبه.
قال أحمد:
وروينا عن أنس بن سيرين عن أبيه قال:
كاتبني أنس بن مالك على عشرين ألف درهم فأتيت بكتابته فأبى أن يقبلها مني
إلا نجوما فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له فقال:
أراد أنس الميراث.
وكتب إلى انس: أن اقبلها من الرجل. فقبلها.
6116 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني محمد بن محمد بن إسماعيل
حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا سعد بن بحر القراطيسي حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا
علي بن سويد بن منجوف حدثنا أنس بن سيرين عن أبيه فذكره.
وقد روي في غير هذا الإسناد الزيادة التي ذكرها الشافعي.
وروينا في قصة أبي سعيد المقبري حين كاتب على أربعين ألف درهم:

553
وأبت أن تقبل ما بقي منها حتى تأخذ شهرا بشهر وسنة بسنة.
فقال عمر بن الخطاب: أرفعه إلى بيت المال ثم بعث إليها فقال: هذا مالك
وقد عتق أبو سعيد فإن [305 / ب] / شئت فخذي شهرا بشره وسنة بسنة.
قال: فأرسلت فأخذته.
وروينا عن عثمان بن عفان أنه فعل ذلك.
وروينا عن ابن عمر:
أنه كان يكره أن يقول عجل لي منها كذا وكذا فما بقي فلك.
وروينا عن ابن عباس:
أنه لم ير به بأسا.
وروينا عن ابن عمر أنه قال:
لا بأس أن يأخذ من مكاتبه العروض.
1312 - [باب] ما جاء في بيع رقبة المكاتب برضاه
6117 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة أنها قالت:
جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواقي في كل عام أوقية
فأعينيني.
فقالت لها عائشة:

554
إن أحب أهلك أن أعدها لها عددتها ويكون ولاؤك لي فعلت.
فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها فجاءت من عند أهلها
رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جالس فقالت:
إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم مع ذلك.
فسمع ذلك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فسألها النبي فأخبرته عائشة فقال لها رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لم أعتق '.
ففعلت عائشة ثم قام رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
' ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في
كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن
أعتق '.
رواه البخاري في الصحيح عن ابن أبي أويس عن مالك وأخرجاه من أوجه أخر
عن هشام بن عروة.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي عبد الله:
إذا رضي أهلها بالبيع ورضيت المكاتبة بالبيع فإن ذلك ترك للكتابة.
6118 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا
أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك قال حدثني يحيى بن سعيد عن
عمرة بنت عبد الرحمن:
أن بريرة جاءت تستعين عائشة فقال عائشة: إن أحب أهلك أن أصب لهم
ثمنك صبة واحدة وأعتقك فعلت.
فذكرت ذلك بريرة لأهلها فقالوا: لا إلا أن يكون ولاؤك لنا.

555
قال مالك: قال يحيى:
فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك للنبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' لا يمنعك ذلك اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق '.
[306 / أ] / رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف عن مالك وأرسله مالك في
أكثر الروايات عنه وأسنده عنه مطرف بن عبد الله وأسنده أيضا الشافعي في كتاب
اختلاف الأحاديث وأرسله في كتاب المكاتب وكتاب البحيرة والسائبة وأرسله أيضا في
رواية المزني وغيره. وهو المحفوظ من حديث مالك وكأنه شك فيه في كتاب اختلاف
الحديث فكتب إسناده وتركه فلم يسق متنه في أكثر النسخ.
وقد رواه غير مالك موصولا.
6119 - أخبرنا أبو إسحاق الأرموي أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا
المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت:
أردت أن أشتري بريرة فأعتقها فاشترط علي مواليها أن أعتقها ويكون الولاء لهم.
قالت عائشة: فذكرت ذلك لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ' ثم خطب الناس فقال:
' ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله فمن اشترط شرطا ليس في
كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط '.
6120 - أخبرنا أبو عبد الله أخبرنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
حديث يحيى عن عمرة عن عائشة أثبت من حديث هشام.
وأحسبه غلط في قوله:

556
' واشترطي لهم الولاء '.
وأحسب حديث عمرة أن عائشة شرطت لهم الولاء بغير أمر النبي [صلى الله عليه وسلم] وهي ترى
ذلك يجوز فأعلمها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنها إن أعتقتها فالولاء لها وقال:
' لا يمنعك عنها ما تقدم من شرطك '.
ولا أرى أمرها تشترط لهم ما لا يجوز.
قال أحمد:
حديث عمرة قد رواه جماعة سوى سفيان بن عيينة موصولا منهم:
يحيى بن سعيد القطان وجعفر بن عون وعبد الوهاب الثقفي كلهم عن يحيى بن
سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة.
6121 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة أنها أرادت أن
تشتري جارية فتعتقها فقال أهلها:
نبتعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق '.
رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة وغيره.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى كلهم عن مالك.
6122 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال [306 / ب] / قال الشافعي:
أحسب حديث نافع أثبتها كلها لأنه مسند وأنه أشبه فكأن عائشة في حديث نافع
شرطت لهم الولاء فأعلمها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنها إن أعتقت فالولاء لها فكان هكذا.
فليس أنها شرطت لهم الولاء بأمر النبي [صلى الله عليه وسلم] ولعل هشاما أو عروة حين سمع
النبي [صلى الله عليه وسلم]:

557
' قال لا يمنعك ذلك '.
رأى أنه أمرها أن تشترط لهم الولاء فلم يقف من حفظه على ما وقف عليه ابن
عمر والله أعلم.
قال أحمد:
ولحديث ابن عمرو معناه شواهد قد ذكرناها في كتاب السنن.
6123 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال
الشافعي رحمه الله:
فقال لي بعض الناس فما معنى إبطال النبي [صلى الله عليه وسلم] شرط عائشة لأهل بريرة؟
قلت: إن بينا - والله أعلم - في الحديث نفسه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قد أعلمهم أن
الله قد قضى أن الولاء لمن أعتق وقال:
* (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) * [وأنه نسبهم إلى مواليهم] كما نسبهم إلى آبائهم فكما لم يجز أن
يحولوا عن آبائهم فكذلك لا يجوز أن يحولوا عن مواليهم ومواليهم الذين ولوا منتهم.
وقال الله سبحانه:
* (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك) *.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' الولاء لمن أعتق '.
فنهى عن بيع الولاء وعن هبته.
وروي عنه أنه قال:
' الولاء لحمة كلحمة النسب لا تباع ولا توهب '.
فلما بلغهم هذا كان من اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيا.

558
وكانت في المعاصي حدود وآداب فكان من أدب العاصين أن تعطل عنهم
شروطهم لينتكلوا عن مثل أو ينتكل بها غيرهم وكان هذا من أيسر الأدب.
6124 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد المهرجاني ابن أبي
الحسن أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الرازي - حدثنا أبي حدثنا حرملة قال
سمعت الشافعي في حديث النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' اشترطي لهم الولاء '.
اشترطي عليهم الولاء قال الله تعالى وعز:
* (أولئك لهم اللعنة) *.
يعني عليهم اللعنة.
1313 - [باب] ما جني على المكاتب
6125 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عبد الله بن الحارث عن ابن [307 / أ] / جريج قال وقال عطاء:
إذا أصيب المكاتب له قوده.
هكذا في نسخة السماع وفي سائر النسخ: نذره.
وقالها عمرو بن دينار.
قال ابن جريج: من أجل أنه كان من مال يحرزه كما حرز ماله؟ قال: نعم.
قال الشافعي:
كما قال عطاء وعمرو بن دينار الجناية عليه مال من ماله لا تكون لسيده أخذها بحال إلا أن يموت قبل أن يؤدي.

559
1314 - [باب] ميراث المكاتب وولاؤه
6126 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال قلنا لابن طاوس:
كيف كان أبوك يقول في الرجل يكاتب الرجل ثم يموت فترث ابنته ذلك
المكاتب فيؤدي كتابته ثم يعتق ثم يموت؟
قال كان يقول: ولاؤه لها ويقول: ما كنت أظن أن يخالف عن ذلك أحد من
الناس وتعجب من قولهم:
ليس لها ولاؤه.
6127 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن
جريج قال قلت لعطاء:
رجل توفي وترك ابنين له وترك مكاتبا فصار المكاتب لأحدهما ثم قضى كتابته
الذي صار له في الميراث ثم مات المكاتب من يرثه؟
قال: يرثانه جميعا وقالها عمرو بن دينار.
وقال عطاء: أرجع ولاؤه إلى الذي كاتبه فرددتها عليه فقال: ذلك غير مرة.
قال الشافعي:
وبقول عطاء وعمرو بن دينار نقول في المكاتب يكاتبه الرجل ثم يموت السيد
ثم يؤدي المكاتب فيعتق بالكتابة أن ولاؤه للذي عقد كتابته ولا نقول بقول عطاء في
قسمة المكاتب من قبل أن القسم بيع وبيع المكاتب لا يجوز. وبسط الكلام فيه.
1315 - [باب] عجز المكاتب
6128 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا

560
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية
أن نافعا أخبر:
أن عبد الله بن عمر كاتب غلاما له على ثلاثين ألفا ثم جاءه فقال: قد عجزت
فقال: إذا امح كتابتك فقال: قد عجزت فامحها أنت.
قال نافع: فأشرت إليه أمحها وهو يطمع أن يعتقه فمحاها العبد وله ابنان أو
ابن.
فقال ابن عمر: اعتزل جاريتي. قال: فأعتق ابن عمر ابنه بعد.
6129 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة قال شهدت [307 / ب] شريحا رد مكاتبا عجز في الرق.
6130 - وفيما أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي
قال أخبرنا الثقفي أو ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر:
أنه رد مكاتبا له عجز في الرق.
6131 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن
رجل عن حماد عن قتادة عن خلاس عن علي قال:
يستسعى المكاتب بعد أن يعجز بسنتين.
قال أحمد:
زاد فيه سعيد عن قتادة: فإن أدى وإلا رد في الرق.
وفي رواية الحارث عن علي:
إذا تتابع على المكاتب نجمان فلم يؤد نجومه رد في الرق.
وقال مرة أخرى:
فدخل في السنة الثانية أو قال الثالثة.

561
قال الشافعي:
وليسوا يقولون بهذا إنما يقولون:
إذا عجز فهو رقيق وأن عليا قال:
لا يعجز المكاتب حتى يدخل نجما في نجم.
وليسوا يقولون بهذا ولا أحد من المفتيين.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي.
وروايات خلاس عن علي غير قوية.
والرواية الأخرى عنه ضعيفة.
والله أعلم.
1316 - [باب] عتق أمهات الأولاد
قال الشافعي رحمه الله:
إذا وطئ الرجل أمته بالملك فولدت له فهي مملوكة بحالها لا ترث ولا تورث.
وساق الكلام فيه إلى أن قال:
ألا إنه لا يجوز لسيدها بيعها ولا إخراجها من ملكه بشيء غير العتق وأنها حرة
إذا مات من رأس المال.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وهو تقليد لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
6132 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجاني أخبرنا أبو
بكر محمد بن جعفر المزكي حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي حدثنا يحيى بن بكير
حدثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
أيما وليدة ولدت من سيدها فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها وهو يستمتع منها

562
فإذا مات فهي حرة.
وكذلك رواه عبيد الله بن عمر، وغيره عن نافع.
وكذلك رواه سفيان الثوري وسليمان بن بلال وغيرهما عن عبد الله بن دينار عن
ابن عمر عن عمر.
وغلط فيه بعض الرواة عن عبد الله بن دينار فرفعه إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وهو وهم لا
تحل روايته.
6133 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال الشافعي فيما بلغه
عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبيدة قال قال علي:
استشارني عمر في بيع أمهات الأولاد فرأيت أنا وهو [308 / أ] / أنها عتيقة فقضى بها عمر
حياته وعثمان بعده فلما وليت رأيت أنها رقيق.
6134 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني - من أصل كتابه -
أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا الحسين بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا
عبد الله بن بكر حدثنا هشام عن محمد - هو ابن سيرين - عن عبيدة عن علي قال:
اجتمع رأيي ورأي عمر على عتق أمهات الأولاد ثم رأيت بعد أن أرقهن في كذا
وكذا.
قال: فقلت له: رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في
الفتنة.
وكذلك رواه الشعبي عن عبيدة إلا أنه قال: من رأيك وحدك في الفرقة.
وأما الذي روي عن ابن المسيب:
أن عمر أعتق أمهات الأولاد وقال:

563
أعتقهن رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
فإنه تفرد به عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن مسلم بن يسار عن ابن المسيب.
والإفريقي غير محتد به.
وأما حديث حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس
قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته '.
فهكذا رواه عنه شريك.
6135 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله بن يعقوب الحافظ
حدثنا السري بن خزيمة حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني حدثنا شريك فذكره.
وبمعناه رواه أبو أويس المديني في إحدى الروايتين عنه.
ورواه أبو بكر بن أبي سبرة عن حسين بإسناده أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال لأم إبراهيم حين
ولدت:
' أعتقها ولدها '.
وكذلك رواه أبو أويس عن حسين إلا أنه أرسله وروى عن ابن أبي حسين عن
عكرمة عن ابن عباس ولم يثبت فيه شيء.
وقد روى سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه عن عكرمة عن عمر أنه قال:
أم الولد أعتقها ولدها وإن كان سقطا.
وبمعناه رواه ابن عيينة عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن عمر.
ورواه خصيف الجزري عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر.

564
فعاد الحديث إلى قول عمر وهو الأصل في ذلك.
وروي في حديث خوات بن جبير: أن رجلا أوصى إليه وكان فيما ترك أم ولد له
وامرأة حرة فوقع بين المرأة وبين أم الولد بعض الشيء فأرسلت إليها الحرة لتباعن
رقبتك يا لكع فرفع ذلك خوات بن جبير إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
' لا تباع '.
وأمر بها فأعتقت.
وهذا مما تفرد بإسناده رشد بن سعد وابن لهيعة وهما غير محتج بهما.
وأحسن شيء روي فيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ما:
6136 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا داود [308 / ب] / حدثنا
أبو عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن
خطاب بن صالح مولى الأنصار عن أمه عن سلامة بنت معقل - امرأة من خارجة
قيس عيلان - قالت: قدم بي عمي في الجاهلية فباعني من الحباب بن عمرو - أخي
أبي اليسر بن عمرو - فولدت له عبد الرحمن بن الحباب ثم هلك.
فقالت امرأته: الآن والله تباعين في دينه.
فأتيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقلت:
يا رسول الله إني امرأة من خارجة قيس عيلان فقدم بي عمي المدينة في
الجاهلية فباعني من الحباب بن عمرو فولدت له عبد الرحمن بن الحباب فقالت
امرأته: الآن والله تباعين في دينه.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من ولي الحباب بن عمرو '؟

565
قيل: أخوه أبو اليسر بن عمرو.
فبعث إليه فقال:
' إعتقوها فإذا سمعت برقيق قدم علي فأتوني أعوضكم [منها] '.
قالت: فأعتقوني وقدم على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رقيق فعوضهم مني غلاما.
قال أحمد:
يحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه بلغه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه حكم بعتقهن بموت
ساداتهن نصا فاجتمع هو وغيره على تحريم بيعهن ويحتمل أن يكون هو وغيره استدلوا
ببعض ما ذكرناه وما لم نذكره مما يدل على عتقهن فاجتمع هو وغيره على تحريم
بيعهن.
فالأولى بنا متابعتهم فيما اجتمعوا عليه قبل وقوع الاختلاف والله أعلم.
وأما ما:
6137 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا
المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج أخبرنا الزبير أنه سمع
جابر بن عبد الله يقول:
كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي [صلى الله عليه وسلم] حي لا يرى بذلك بأسا.
فيحتمل أن يكون النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يشعر بذلك.
ويتمل أن ذلك كان قبل النهي أو بمثل ما استدل به عمر، وغيره من أمر
النبي [صلى الله عليه وسلم] على عتقهن ومن فعله منهم لم يبلغه ذلك والله أعلم.
6138 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما
بلغه عن أبي معاوية عن الأعمش عن يزيد بن وهب عن عبد الله أنه قال في أم الولد:
تعتق من نصيب ولدها.

566
قال الشافعي:
ولسنا ولا إياهم يقول بهذا.
نقول بحديث عمر أنه أعتق أمهات الأولاد إذا مات ساداتهن ونقول جميعا تعتق
من رأس المال.
قال أحمد:
وروينا عن ابن عمر في أولادها من [309 / أ] / غير سيدها أنهم بمنزلتها عبيدا ما عاش
سيدها فإن مات فهم أحرار.
وروينا عن شريح أنه رفع إليه رجل تزوج أمة فولدت له ثم اشتراها فرفعهم إلى
عبيدة فقال عبيدة:
إنما تعتق أم الولد إذا ولدتهم أحرارا فإذا ولدتهم مملوكين فإنها لا تعتق.
وهكذا قال الشافعي:
وقال: لأن الرق قد جرى على ولده لغيره.
1317 - [باب] أحاديث للشافعي لم يخرجها في الكتاب
6139 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو طاهر الفقيه وأبو زكريا ابن أبي إسحاق
وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن
عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا الشافعي أخبرنا إسماعيل بن قسطنطين قال قرأت على
شبل وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير وأخبر عبد الله بن كثير أنه قرأ على
مجاهد وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبي قال
ابن عباس وقرأ أبي على النبي [صلى الله عليه وسلم].
قال محمد بن عبد الحكم قال الشافعي وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين
وكان يقول:

567
القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت كان كلما
قرئ قرآنا ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل يهمز قرأت ولا يهمز القرآن.
وكان يقول:
وإذا قرأت القرآن يهمز قرأت ولا يهمز القرآن.
6140 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ في كتاب المستدرك حدثنا أبو العباس
محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرني
يحيى بن سليم حدثنا ابن جريج عن عكرمة قال:
دخلت على ابن عباس وهو يقرأ في المصحف قبل أن يذهب بصره وهو يبكي
فقلت:
ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداك؟
قال: هل تعرف أيلة؟
قلت: وما أيلة؟
قال: قرية كلها بها ناس من اليهود فحرم الله عليهم الحيتان يوم السبت فكانت
حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم شرعا بيض سمان كأمثال المخاص بأفنياتهم وأبنياتهم فإذا
كان في يغر يوم السبت لم يجدوها ولم يدركوها إلا في مشقة ومؤنة شديدة فقال
بعضهم لبعض أو من قال ذلك منهم:
لعلنا لو أخذناها يوم السبت فأكلناها في غير يوم السبت ففعل ذلك أهل بيت
منهم فأخذوا فشووا فوجدوا جيرانهم ريح الشواء فقالوا:
والله ما نرى أصاب بني فلان [309 / ب] / شيء فأخذها آخرون حتى فشى ذلك فيهم أو
كثر فافترقوا فرقا ثلاثة فرقة أكلت وفرقة نهت وفرقة قالت:

568
* (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) *.
فقالت الفرقة التي نهت:
إنا نحذركم غضب الله وعقابه فيصيبكم الله بخسف أو قذف أو ببعض ما عنده
من العذاب والله لا نبايتكم في مكان وأنتم فيه.
قال: فخرجوا من السور فعدوا عليه من الغد فضربوا باب السور فلم يجبهم
أحد فأتوا بسلم فأسندوه إلى السور ثم رقي منهم راق على السور فقال:
يا عباد الله قردة والله لها أذناب تعاوي ثلاث مرات ثم نزل من السور ففتح
السور فدخل الناس عليهم فعرفت القرود أنسابها من الإنس ولم تعرف الإنس أنسابها
من القرود.
قال: فيأتي القرد إلى نسيبه وقريبه من الإنس فيحتك به ويلتصق ويقول
الإنسان: أنت فلان فيشير برأسه أي نعم ويبكي وتأتي القردة إلى نسيبها وقريبها من
الإنس فيقول لها: أنت فلانة فتشير برأسها أي نعم وتبكي فيقول لهم الإنس:
إنا حذرناكم غضب الله وعقابه أن يصيبكم بخسف أو مسخ أو ببعض ما عنده
من العذاب.
قال ابن عباس: فاسمع الله تعالى يقول:
* (أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) *.
فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة.
قال ابن عباس: فكم قد رأينا من منكر لم ننه عنه؟!!!
قال عكرمة:
فقلت: ألا ترى جعلني الله فداك أنهم قد أنكروا وكرهوا حين قالوا:
* (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) *؟.

569
فأعجبه قولي ذلك وأمر لي ببردين غليظين فكسانيهما.
6141 - وأخبرنا أبو بكر وأبو عبد الله وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة قال:
لم يزل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يسأل عن الساعة حتى أنزل عليه:
* (فيم أنت من ذكراها) *.
فانتهى.
6142 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في كتاب المستدرك حدثنا أبو العباس
محمد بن يعقوب حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا الشافعي وأسد بن موسى قالا: حدثنا
سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: إنما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إنهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم حق في الدنيا حق '.
وقد قال [310 / أ] / الله تعالى لنبيه [صلى الله عليه وسلم]:
* (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) *.
قلت: قد روينا عن قتادة أنه قال:
أحياهم الله - يعني المقتولين من الكفار - حتى سمعوا قول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
6143 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في المخرج على كتاب مسلم حدثنا أبو
العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب
الثقفي.
6144 - وأخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن
إبراهيم حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي
المهلب عن عمران بن حصين قال:
بينما رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في سفر وامرأة من الأنصار على ناقة لها فضجرت فلعنتها

570
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' خلوا عنها وعروها فإنها ملعونة '.
قال فكان لا يؤويها أحد.
رواه مسلم في الصحيح عن ابن أبي عمر عن عبد الوهاب.
6145 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في كتاب المستدرك أخبرني أبو الفضل بن
أبي نضر حدثني أبو سعيد عثمان بن أحمد الدينوري حدثنا عبد الله بن إسحاق
المدائني وأنا سألته حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال سمعت محمد بن إدريس
الشافعي:
كنت جالسا عند ابن عيينة وعنده ابن المبارك فذكر البخل فقال ابن المبارك
حدثنا سليمان عن أنس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يتعوذ من البخل.
6146 - أخبرنا أبو عبد الله أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر حدثنا محمد بن
مخلد الدوري حدثنا محمد بن سعيد بن غالب حدثنا الشافعي محمد بن إدريس
حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي شيبة بن أبي مليكة قال: سمعت القاسم بن محمد قال
سمعت عمتي عائشة تقول: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' من أعطى حظه من الرفق أعطى حظه من خير الدنيا والآخرة ومن حرم حظه
من الرفق حرم حظه من خير الدنيا والآخرة؟
6147 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الحسن عيسى بن زيد عن موسى
العقيلي عن يونس بن عبد الأعلى.
6148 - وأخبرنا أبو عبد الله أخبرني أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبيدة الوبري حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا
محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله أخبرنا محمد بن خالد الجندي عن أبان بن

571
صالح عن الحسن عن أنس بن مالك أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الناس إلا شحا ولا الدنيا إلا إدبارا ولا تقوم الساعة
إلا على [310 / ب] شرار الناس ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم '.
قال أحمد:
وقد رواه صامت بن معاذ عن يحيى بن السكن عن محمد بن خالد الجندي.
فمحمد بن خالد يتفرد به وقد حدث به مرة عن أبان [بن] أبي عياش عن
الحسن عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا.
وهذا المتن بأبان بن أبي عياش أشبه والله أعلم.
6149 - أخبرنا أبو سعيد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا عبد
الله بن محمد بن نصر حدثنا سليمان بن عبد العزيز حدثنا محمد بن إدريس الشافعي
حدثنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك المخزومي عن سيف بن سليمان عن
قيس بن سعيد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس.
قال الشافعي: وحدثنا الزنجي بن خالد عن سيف بن سليمان عن قيس بن
عمرو بن دينار عن ابن عباس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] دخل على رجل من الأنصار وهو يموت فقال:
' يا ملك الموت أرفق بصاحبنا أفجعت بالأحبة '.
قال ملك الموت على لسان الأنصاري:
يا محمد إني بكل رجل مسلم رفيق.
قال أبو أحمد:

572
وهذا لا أعرفه إلا من هذا الوجه.
قال أحمد:
المعروف بهذا الإسناد حديث القضاء باليمين مع الشاهد.
وإن لم يكن وهما من ابن نصر أو سليمان فهو حديث آخر بهذا الإسناد ولا أراه
إلا وهما والله أعلم.
قال الشافعي في كتاب حرملة:
أخبرنا سفيان حدثنا إسحاق بن سعيد السعيدي عن أبيه عن أم خالد بنت خالد
قالت:
قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية فكساني النبي [صلى الله عليه وسلم] خميصة لها أعلام فكان
يمسح الأعلام بيده ويقول:
' سناه سناه '.
بالحبشية يعني: حسن.
6150 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق حدثنا بشر بن
موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان. فذكره بإسناده غير أنه قال:
فجعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يمسح الأعلام بيده وقال:
' سناه سناه '.
يعني: حسن حسن.
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي.
قال الشافعي حدثنا سفيان حدثنا ابن أبي نجيح أخبرني عبيد الله بن عامر أنه
سمع عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا '.

573
6151 - أخبرناه الحسين بن الفضل القطان أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا
يعقوب بن سفيان حدثنا أبو بكر الحميدي حدثنا سفيان. فذكره بإسناده مثله وزاد:
قال سفيان: كانوا بنو عامر ثلاثة بمكة.
فحدثنا عمرو عن عروة بن عامر.
[311 / أ] / وحدثنا ابن أبي نجيح عن عبيد الله بن عامر.
وسمعت أنا من عبد الرحمن بن عامر.
قال الشافعي:
حدثنا سفيان حدثنا عاصم الأحول عن أنس بن مالك قال:
حالف رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بين المهاجرين والأنصار في دارنا.
قال سفيان: فسرته العلماء آخى بينهم.
وهذا فيما:
6152 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا
مسدد حدثنا سفيان عن عاصم الأحول قال سمعت أنس بن مالك يقول:
حالف رسول [صلى الله عليه وسلم] الله بين المهاجرين والأنصار في دارنا.
قيل له: أليس قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا حلف في الإسلام '؟
فقال: حالف رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بين المهاجرين والأنصار في دارنا. مرتين أو ثلاثا.
قال أحمد:

574
وإنما أراد بقوله:
' لا حلف في الإسلام '.
لا يعطى به في الإسلام من الميراث ما كان يعطى به قبل ذلك.
وذلك حين نزل قوله تعالى:
* (وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) *.
فنسخ التوارث بالحلف والمعاقدة. والله أعلم.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان عن مسعر عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبييش قال سألت
عائشة فقالت:
أعن ميراث النبي [صلى الله عليه وسلم] تسل؟
ما ترك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] صفراء ولا بيضاء ولا بعيرا ولا عبدا ولا وليدة ولا ذهبا ولا
فضة.
6153 - أخبرناه أبو زكريا ابن أبي إسحاق أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب أخبرنا
أبو أحمد الفراء أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا مسعر فذكر معناه لم يقل: صفراء ولا
بيضاء.
قال الشافعي:
حدثنا سفيان عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال:
كان في لحية رسول الله [صلى الله عليه وسلم] شعرات بيض لو شاء العاد لعدها.
قال الشافعي:
حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا عطس خمر وجهه وأخفى عطسته.
6154 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن مطر حدثنا أحمد بن

575
الحسين بن نصر الحذاء حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن عجلان. فذكره بإسناده نحوه
غير أنه قال:
خمر وجهه وغض أو خفض صوته.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان حدثنا عطاء بن السائب عن الأعز عن أي هريرة قال قال رسول
الله [صلى الله عليه وسلم]:
' قال الله جل وعز: الكبرياء ردائي والعز إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته
في النار '.
6155 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني بكر بن محمد الصيرفي حدثنا
موسى بن سهل حدثنا إسماعيل بن علية قال حدثنا عطاء بن السائب فذكره [311 / ب] غير
[أنه] قال:
' والعظمة إزاري '.
قال الشافعي:
حدثنا سفيان قال حدثنا عمر بن سعيد عن الأعمش قال سمعت سعيد بن جبير
يقول:
' ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله يدعون له ندا ثم هو يرزقهم
ويعافيهم '.
قال الأعمش فقلت له أو قيل له: ممن سمعت هذا؟
قال: حدثنيه أبو عبد الرحمن عن أبي موسى عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
6156 - أخبرناه عبد العزيز بن محمد بن شيبان العطار ببغداد حدثنا عثمان بن

576
أحمد الدقاق حدثنا إبراهيم بن الوليد الجشاش حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي حدثنا
سفيان بن عيينة فذكره بنحوه.
6157 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
أحمد بن عبد الجبار حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن أبي عبد
الرحمن السلمي عن أبي موسى قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا أحد اصبر على أذى سمعه من الله عز وجل يشرك به ويجعل له ولد ثم هو
يعافيهم ويرزقهم '.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية قال
الشافعي: أخبرنا سفيان حدثنا أبو فروة قال سمعت الشعبي يقول سمعت النعمان بن
بشير على المنبر يقول سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك '.
6158 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق حدثنا أحمد بن
سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن أبي فروة الهمداني عن الشعبي قال
سمعت النعمان بن بشير يحدث على المنبر حدثنا لم أسمع أحدا قبله يحدث به ولا
أراني أسمع أحدا يحدث به قال: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
' حلال بين وحرام بين وبين ذلك مشتبهات فمن ترك الشبهات كان لما استبان له
أترك '.
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم.
قال الشافعي:
حدثنا سفيان أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا
يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة حين ينتهبها وهو مؤمن '.

577
6159 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه
حدثنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان فذكره بإسناده.
قال الشافعي:
حدثنا سفيان حدثنا مالك بن مغول عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن
عائشة أنها قالت:
سألت رسول الله صلى الله عليه [312 / أ] وسلم [عن هذه الآية].
* (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) *.
أهم الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر؟
فقال:
' لا يا بنت الصديق هم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون '.
6160 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا
الحسن بن علي بن عفان حدثنا أبو أسامة حدثني مالك بن مغول فذكر بإسناده نحوه.
غير أنه قال: أن عائشة قالت:
يا رسول الله وذكره بلغة الوحدان وزاد:
' وهو على ذلك يخاف الله عز وجل '.
قال الشافعي حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام قال: قيل لحذيفة:
إن هذا الرجل يبلغ الأمراء الحديث عن الناس.
فقال سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:

578
' لا يدخل الجنة قتات '.
6161 - أخبرناه محمد بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو سعيد أحمد بن
محمد بن زياد البصري حدثنا محمد بن عيسى المدائني حدثنا سفيان بن عيينة.
فذكر الحديث دون القصة.
قال الشافعي:
أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن رسول
الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
' الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة '.
6162 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن
سختويه حدثنا إسماعيل بن أبي إسحاق القاضي حدثنا عبد الله - يعني ابن سلمة -
عن مالك فذكره بإسناده مثله.
رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن مسلمة القعنبي.
قال الشافعي:
أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثل ذلك.
6163 - أخبرناه أبو أحمد المهرجاني أخبرنا أبو بكر بن جعفر المزكي حدثنا
محمد بن إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك فذكره.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

579
' إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليصل ركعتين ولا يخبر بها أحدا '.
6164 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا أحمد بن
منصور الرمادي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة
عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا
والرؤيا ثلاثة: الرؤيا الحسنة بشرى من الله والرؤيا يحدث بها الرجل نفسه والرؤيا
تحزين من الشيطان فإذا رأى [312 / ب] / أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدث بها أحدا وليقم
فليصل '.
قال أبو هريرة: يعجبني القيد وأكره الغل. القيد ثبات في الدين.
قال: وقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة '.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع عن عبد العزيز.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان حدثنا حميد الطويل قال سمعت قتادة يسأل أنس بن مالك:
هل اتخذ النبي [صلى الله عليه وسلم] خاتما؟
قال: نعم فكأني أنظر إلى بريقه في يده في ليلة قمراء.
6165 - أخبرناه أبو الحسن علي بن أحمد المقري ابن الحمامي ببغداد حدثنا
أبو بكر أحمد بن سلمان حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا

580
محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد قال:
سئل أنس بن مالك اتخذ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خاتما؟
قال: نعم أخر ليلة صلاة العشاء الآخرة إلى قريبا من شطر الليل فلما صلى أقبل
علينا بوجهه فقال:
' إن الناس قد صلوا أو ناموا ولن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها '.
قال أنس بن مالك: فكأني أنظر إلى وبيض خاتمه [صلى الله عليه وسلم].
أخرجه البخاري في الصحيح.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان حدثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال:
ذكر لعائشة أن امرأة تلبس النعلين فقالت:
لعن الله رجلة النساء.
6166 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود
حدثنا محمد بن سليمان لوين عن سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال:
قيل لعائشة إن امرأة تلبس النعال. فقالت: لعن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الرجلة من
النساء.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان حدثنا زياد بن سعد عن الزهري عن علي بن الحسين عن ابن
عباس قال:
لما أخبرني رجال من الأنصار قالوا:
كنا عند النبي [صلى الله عليه وسلم] فانقض كوكب فتذاكرناه فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' ما كنتم تقولون في هذا في الجاهلية '؟

581
قالوا: كنا نقول يموت الليلة عظيم أو يولد عظيم.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
' فإنه ليس كذلك ولكن الشياطين يسترقون السمع فيرمون '.
6167 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي
حدثنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان. فذكره بإسناده مثله.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث صالح بن كيسان وجماعة عن الزهري.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان أخبرنا موسى بن أبي عائشة - وكان ثقة - عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس [313 / أ] / قال:
كان النبي [صلى الله عليه وسلم] إذا نزل عليه الوحي حرك به لسانه - ووصف سفيان ذلك - يريد
أن يحفظه فأنزل الله عز وجل:
* (لا تحرك به لسانك لتعجل به) *.
6168 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا
بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان فذكره بإسناده مثله.
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي.
وأخرجاه من أوجه أخر عن موسى.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان حدثنا ابن أبي جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

582
' إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم '.
6169 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا حجاج وأبو عاصم عن ابن جريج. فذكره إلا أنه
قال:
أخبرني ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال فذكره.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي عاصم.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان حدثنا أبو الزبير عن جابر قال:
لما دعا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الناس إلى البيعة وجدنا رجلا منا يقال له الجد بن قيس
مختبئا تحت إبط بعيره.
6170 - أخبرناه أبو الحسين بن الفضيل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا
يعقوب بن سفيان حدثنا الحميدي حدثنا سفيان فذكره بإسناده مثله غير أنه قال: أنه
سمع جابر بن عبد الله يقول:
أخرجه مسلم من حديث ابن جريج عن أبي الزبير.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة قال قال
رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' إذا قال الرجل لأخيه جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء '.
1671 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا الحسن بن يعقوب العدل حدثنا
محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا موسى بن عبيدة الربذي فذكره

583
بإسناده غير أنه قال:
' من قال لأخيه '.
6172 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه
إملاء حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث حدثنا أبو هديرة وهب الله بن رزق
المصري حدثنا محمد بن إدريس الشافعي وخالد بن نزار قالا: حدثنا سفيان بن عيينة
عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
قال:
إنما مثلنا ومثل الأنصار كما قال الغنوي لبني جعفر:
* جزاك الله عنا جعفرا حين أزلقت بنا
* نعالنا في الواطئين فنزلت
*
* أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي
* الذي يلقون منا لملت
*
وزاد محمد بن إدريس رحمه الله:
[313 / ب] /
* هم خلصونا بالنفوس وأولجوا
* إلى حجرات إذ قاب وأظلت
*
6173 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة
حدثنا المزني حدثنا الشافعي حدثنا عبد الوهاب يحدث عن يحيى بن سعيد عن أبي
بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبي عون الأعور أنه أخبره أن أبا الدرداء كان
يقول:
ما بت من ليلة في الأرض فأصبحت لم ير مني الناس بداهية إلا رأيت أن علي
تم الله نعمه.
6174 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي قال: سمعت الثقفي يحدث عن خالد
الحذاء عن أبي قلابة: أن أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ذكروا أبناءهم فقالوا:
أبناؤنا خير منا ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله ساعة قط فلما بلغ ذلك
النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' إن الله لم يكن ليبعثني إلا في خير أمتي نحن خير من أبنائنا وأبناؤهم خير من
أبنائهم وأبناء أبنائنا خير من أبنائهم '.

584
قال أحمد:
6175 - كتب إلي أبو نعيم عبد الملك بن الحسن بن محمد بن إسحاق
الإسفرائيني أن أبا عوانة أخبرهم حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي سفيان عن ابن
جريج عن عطاء عن ابن عباس.
6167 - (ح) قال أبو عوانة وحدثنا يوسف بن مسلم وأبو حميد قالا: حدثنا
حجاج عن ابن جريج قال قلت لعطاء:
أي حين أحب إليك أن أصلي العتمة أماما أو خلوا؟
قال: سمعت ابن عباس يقول:
أعتم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالعتمة حتى رقد الناس واستيقظوا فقام عمر فقال: الصلاة
الصلاة.
قال عطاء: قال ابن عباس: فخرج علينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وكأني أنظر إليه الآن
يغطي رأسه واضعا يده على شق رأسه فاستثبت عطاء كيف وضع النبي [صلى الله عليه وسلم] يده على
رأسه فأومى إلي كما أشافهك فبدد عطاء بين أصابعه شيئا من يديه ثم وضعها فانتهى
أطراف أصابعه إلى مقدم الرأس ثم ضمها يمرها كذلك على الرأس حتى مست ابهاماه
أطراف الأذن مما يلي الوجه ثم على الصدغ وناحية الجبين لا يقصر ولا يبطش إلا
كذلك ثم قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
' لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن لا يصلوا هذه الصلاة إلا كذلك '.
أخرجاه في الصحيح من حديث ابن جريج.
وذكر البخاري حديث سفيان رحمه الله. وفيما:
6177 - كتب إلى أبو نعيم أن أبا عوانة أخبرهم [314 / أ] / حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي
أخبرنا سفيان عن عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة يقول:
كتب معاوية إلى المغيرة أكتب إلي بما كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول في دبر صلاته.

585
فكتب إليه: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يقول:
' لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد '.
أخرجه مسلم في الصحيح عن بن أبي عمر عن سفيان.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن عبد الملك بن عمير.
6178 - وقرأت في كتاب أبي الحسن محمد بن الحسن بن إبراهيم بن عاصم
أخبرني محمد بن رمضان أخبرنا محمد بن عبد الله بن الحكم أخبرنا محمد بن
إدريس وعبد الله بن الزبير الحميدي أخبرنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن
خثيم عن عبيد الله بن عمرو بن عياض القاري قال:
جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس ليالي قتل علي
رضي الله عنه فقالت له:
يا عبد الله بن شداد بن الهاد هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟
فذكر قصة أهل حروراء وخروجهم على علي رضي الله عنه ودخول ابن عباس
رضي الله عنه عليهم ورجوع بعضهم وقتلهم وقتل ذي الثدية.
وقد أخرجته في كتاب المناقب.
6179 - وقرأت في كتابه عن الزبير بن عبد الواحد عن علي بن محمد حدثنا
أحمد بن يحيى بن الوزير حدثنا الشافعي حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كذام
عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة حدثني مسروق حدثني أبوك عبد الله:
أن شجرة أنذرت النبي [صلى الله عليه وسلم] بالجن.

586
[آخر الكتاب والله الموفق للصواب الحمد لله وحده وصلاته وسلامه على أمين وحيه محمد وآله وصحبه وعترته الطاهرين.
وكان الفراغ من هذا الكتاب يوم الاثنين تاسع وعشرين ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وسبع مائة والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا. اه

587
/ 1