بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: الاستذكار المؤلف: ابن عبد البر الجزء: 5 الوفاة: 463 المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام تحقيق: سالم محمد عطا-محمد علي معوض الطبعة: الأولى سنة الطبع: 2000م المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية الناشر: دار الكتب العلمية ردمك: ملاحظات: بسم الله الرحمن الرحيم ((21 كتاب الجهاد)) ((1 - باب الترغيب في الجهاد)) 925 - ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر (1) من صلاة ولا صيام (2) حتى يرجع)) 926 - وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة)) حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يضمن الله لمن
3 خرج في سبيله إيمانا به وتصديقا برسوله أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى منزله نائلا ما نال من أجر أو غنيمة)) (1) قال أبو عمر الحديث الأول من حديثي مالك المذكورين هذا من أجل حديث روي في فضل الجهاد لأنه مثل بالصلاة والصيام وهما أفضل الأعمال وجعل المجاهد بمنزلة من لا يفتر عن ذلك ساعة فأي شيء أفضل من شيء يكون صاحبه راكبا وماشيا وراقدا ومتلذذا بكثير - ما أبيح له - من حديث رفيقه وأكله وشربه وهو في ذلك كله كالمصلي التالي للقرآن في صلاته الصائم المجتهد ولذلك قلنا إن الفضائل لا تدرك بقياس وإنما هو تفضل من الله عز وجل قال الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * [الصف 10 11] الآيات إلى قوله تعالى * (وبشر المؤمنين) * [الصف 13] وفي هذا الحديث استعمال القياس والتشبيه والتمثيل في الأحكام لأنه شبه المجاهد بالصائم القائم وفي الحديث الثاني أيضا فضل الجهاد وأن الأعمال لا يزكو منها إلا ما خلصت فيه النية لله عز وجل ألا ترى إلى قوله ((لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته)) وفي حديث سهيل ((إيمانا به وتصديقا برسوله وقوله فيه من أجر أو غنيمة يريد - والله أعلم - من أجر وغنيمة كما قال الله عز وجل * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * [النساء 24] يريد ولا كفورا وكما قال جل ثناؤه * (مثنى وثلاث ورباع) * [النساء 3 فاطر 1] أي مثنى أو ثلاث أو رباع فقد تكون ((أو)) بمعنى ((الواو)) وتكون الواو بمعنى ((أو)) وقد روي منصوصا من أجر وغنيمة بواو الجمع لا ((بأو)) حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد السلام بن عتيق قال حدثنا أبو مسهر قال أخبرنا إسماعيل بن عبد الله قال أخبرنا الأوزاعي قال سليمان بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
4 قال ((ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل من خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامن على الله عز وجل حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة)) (1) وذكر تمام الخبر وفي هذا الحديث دليل على أن الغنيمة لا تنقص من أجر المجاهد شيئا وأنه أقر الأجر غنم أو لم يغنم وشهد لهذا ما اجتمع على تقبله أهل السير والعلم بالأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لعثمان وطلحة وسعيد بن زيد بأسهمهم يوم بدر وهم غير حاضري القتال فقال كل واحد منهم وأجري يا رسول الله قال ((وأجرك)) (2) وأجمعوا أن تحليل الغنائم لهذه الأمة من وظائفها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم)) (3) وقال عليه السلام ((أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي)) وذكر منها ((فأحلت لي الغنائم)) (4) قال أبو عمر ولو كانت تحبط الأجر أو تنقصه ما كانت فضيلة له وقد قال قوم إن الغنيمة تنقص من أجر الغانمين لحديث رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ما من سرية أسرت وأخفقت إلا كتب لها أجرها مرتين
5 قالوا وفي هذا الحديث ما يدل على أن العسكر إذا لم يغنم كان أعظم لأجره واحتجوا أيضا بما حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال حدثنا حيوة بن شريح عن أبي هانئ حميد بن هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((ما من غازية تغزو في سبيل الله فتصيب غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم)) (1) وأما قوله عليه السلام في السرية أسرت فأخفقت أن لها أجرها مرتين فيحتمل مثل ما يحتمل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وذلك - والله أعلم - أن يكون الأجر مضاعفا لها بما نالها من الخوف وعلى ما فاتها من الغنيمة كما يؤجر من أصيب بماله مضاعفا فيؤجر على ما يتكلفه من الجهاد أجر المجاهد وعلى ما فاته من الغنيمة أجرا آخر كما يؤجر على ما يذهب من ماله ونحو ذلك 927 - وذكر مالك في هذا الباب عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((الخيل لرجل أجر (2) ولرجل ستر وعلى رجل وزر (3) فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها (4) في سبيل الله فأطال لها (5) في مرج
6 أو روضه (1) فما أصابت (2) في طيلها (3) ذلك من المرج أو الروضة كان له حسنات ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت (4) شرفا أو شرفين (5) كانت آثارها (6) وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذلك له حسنات فهي له أجر ورجل ربطها تغنيا (7) وتعففا (8) ولم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها فهي لذلك ستر ورجل ربطها فخرا ورياء (9) ونواء (10) لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر)) وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر (11) فقال ((لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة (12) الفاذة (13) * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * قال أبو عمر في هذا الحديث من الفقه أن الأعيان لا يؤجر الإنسان في اكتسابها لأعيانها وإنما يؤجر بالنية الحسنة في استعمال ما ورد الشرع من الفضل في عمله لأنها خيل كلها وقد اختلفت أحوال مكتسبيها لاختلاف النيات فيها وفيه أن الحسنات تكتب للمرء إذا كان له فيها سبب واصل وإن لم يقصد فضل الحسنة تفضلا من الله على عباده المؤمنين وليس كذلك حكم السيئات والحمد لله يدلك على ذلك في هذا الحديث أنه لم يذكر حركات الخيل وتقلبها ورعيها وروثها في سيئات المفتخر بها كما ذكرها في حسنات الرابط الذي ربطها ألا ترى أنها لو قطعت حبلها نهارا فأفسدت زرعا أو رمحت فقتلت أو جنت أن صاحبها بريء من الضمان عند جميع أهل العلم ويبين ذلك أيضا قوله في هذا الحديث ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم ((من كان منتظرا الصلاة فهو في صلاة
7 وقال صلى الله عليه وسلم ((انتظار الصلاة بعد الصلاة ذلكم الرباط)) (1) وذلكم الرباط لأن انتظار الصلاة سبب شهودها وكذلك انتظار العدو في الموضع المخوف فيه إرصاد للعدو وقوة لأهل الموضع وعدة للقاء العدو وسبب لذلك كله وقد أوضحنا هذه المعاني في ((التمهيد)) بالشواهد فمن أراد الوقوف عليها قابلها هناك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا بشر بن حجر قال حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما من صاحب كنز)) (2) فذكر الحديث على ما ذكرناه في باب الكنز قال ثم سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل فقال ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وهي لرجل أجر ولرجل ستر وجمال وعلى آخر وزر فأما الذي هي له أجر فهو الذي يتخذها في سبيل الله فإن مرت بمرج فأكلت منه فما غيبته في بطونها فهو له أجر وإن مرت بنهر فشربت منه فما شربت في بطونها فهو له أجر وإن استنت شرفا كان له أجر)) حتى ذكر أرواثها وأبوالها ((وأما الذي له ستر وجمال فرجل يتخذها تكرما وتجملا ولا سيما من ظهرها وبطونها في عسره ويسره وأما الذي هي عليه وزر فرجل يتخذها بذخا وأشرا ورياء أو سمعة)) ثم سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ((ما أنزل علي فيها شيء غير الآية الفاذة الجامعة * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * [الزلزلة 7 8] وأما قوله فما أصابت في طيلها فالطيل الحبل يطول للدابة وهو مكسور الأول ويقال فيه طول وطيل
8 قال طرفة (لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى * لكالطيل المرخا وثنياه باليد) (1) وقد أتينا من الشواهد على الطيل بكثير من الشعر في ((التمهيد)) والحمد لله وأما قوله فاستنت شرفا أو شرفين فإن الاستنان أن يلج الفرس في عدوه في إقباله وإدباره يقال منه جاءت الإبل سننا أي تستن في عدوها وتسرع ومنه المثل القائل ((استنت الفصال حتى القرعا)) تضرب للرجل الضعيف يرى الجلداء يفعلون شيئا فيفعل مثله قال عدي بن زيد (فبلغنا صنعه حتى نشا * فاره البال لجوجا في السنن) (2) فاره البال أي ناعم البال وقال أعشى همدان (لا تأسين على شيء فكل فتى * إلى منيته يسنن في عنف) ومنها شواهد غيرها قد ذكرنا أكثرها في ((التمهيد)) والشرف والشرفان الكدية والكديتان والجبل الصغير المعتدل والجبلان وأما قوله تغنيا فيريد استغناء يقال فيه تغنيت تغنيا وتغانيت تغانيا واستغنيت استغناء وشواهده بالشعر في ((التمهيد)) وأما قوله ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال أحدها حسن ملكتها والإحسان إليها وركوبها غير مشقوق عليها وخص الرقاب والظهور بالذكر لأنه قد تستعار الرقاب في موضع الحقوق اللازمة والفروض
9 الواجبة وفي معظم الشيء كما قال الله عز وجل * (فتحرير رقبة) * [النساء 92] يريد الإنسان كله وكما قال كثير (غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا * غلقت لضحكته رقاب المال) (1) وقد يجعلون العنق في مثل هذا كالرقبة كما جاء في الحديث ((فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)) (2) قال هذا لم يوجب على مالك الخيل فيها شيئا يجب عليه إخراجه لعمره من مسكين أو فقير أو قريب أو غيرهم وهذا مذهب من لا يرى في الأموال حقا سوى الزكاة وهم جماعة من العلماء ومن حجتهم حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك)) (3) وقال بن عباس من أدى زكاة ماله فلا جناح عليه ألا يتصدق وقد ذكرنا إسناد هذين الحديثين في ((التمهيد)) وذكرنا في باب الكنز من هذا الكتاب في هذا المعنى ما هو الشفاء والحمد لله وقد تأول من قال بهذا في قول الله عز وجل و " وفي أموالهم حق معلوم " [المعارج 24] أنه الزكاة كما قال * (وآتوا حقه يوم حصاده) * [الأنعام 141] وقال آخرون معنى قوله ((ولا ينسى حق الله في رقابها ولا ظهورها)) إطراق فحلها وإفقار ظهرها وحمل عليها في سبيل الله وإلى هذا ونحوه ذهب بن نافع فيما أحسب لأن يحيى بن يحيى سأله عن
10 ذلك فقال يريد أن لا ينسى يتصدق لله تعالى ببعض ما يكسبه عليها وهذا مذهب من قال في المال حقوق سوى الزكاة لقول الله عز وجل و * (في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) * [المعارج 24 25] وممن قال ذلك الشعبي ومجاهد والحسن وقد ذكرنا الأسانيد عنه بذلك في ((التمهيد)) وذكر بن أبي شيبة عن بن علية عن أبي حيان قال حدثني مزاحم بن زفر قال كنت جالسا عند عطاء فجاءه أعرابي فقال إن لي إبلا فهل علي فيها حق بعد الصدقة قال نعم وحجة هؤلاء حديث قيس بن عاصم قال قلت يا رسول الله ما خير المال قال ((نعم المال الأربعون والأكثر الستون وويل لأصحاب المئين إلا من أدى حق الله في رسلها ونجدتها وأفقر ظهرها وأطرق فحلها ومنح غزيرتها ونحر سمينها فأطعم القانع والمعتر وذكر تمامها وقد ذكرنا تمام الخبر في ((التمهيد)) وقال آخرون ((ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها)) الزكاة الواجبة لله تعالى فيها ولا اعلم أحدا من فقهاء الأمصار أوجب الزكاة في الخيل إلا أبا حنيفة فإنه أوجب الزكاة فيها إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا يطلب فسلها وقد ذكرنا هذه المسألة بما فيها للعلماء في كتاب الزكاة وأما قوله ((فرجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام)) فالفخر والرياء معروفان وأما النواء فمصدر ناوأت العدو مناوأة ونواء أو هي المناوأة قال أهل اللغة أصله من ناء إليك ونؤت إليه أي نهض إليك ونهضت إليه قال بشر بن أبي خازم (بلت قتيبة في النواء بفارس * لا طائش رعش ولا وقاف
11 وقال أعشى باهلة (أما يصبك عدو في مناوأة * يوما فقد كنت تستعلي وتنتصر) (1) وقال أوس بن حجر (إذا أنت ناوأت الرجال ولم تنوء * بقرنين غرتك القرون الكوامل) (2) (ولا يستوي قرن النطاح الذي به * تنوء وقرن كلما نؤت مائل) وأما قوله الآية الجامعة الفاذة فالفاذ هو الشاذ ويقال فاذة وفذة وفاذ وفذ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ)) (3) ومعنى ذلك أنها منفردة في عموم الخير والشر لا آية أعم منها وقد زدنا هذا المعنى بيانا في ((التمهيد)) وقوله في الحمر في هذا الحديث مثل قولة عليه السلام ((في كل كبد رطبة أجر)) (4) وكان الحميدي _ رحمه الله _ يقول إذا نحرت حمارا فانظر كيف تنحره قال أبو عمر أما الخيل فقد جاء فيها ما جاء وسيأتي في هذا المعنى زيادة عند قوله عوتبت الليلة في الخيل (5) وروى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي صباحا وهو يمسح فرسه بردائه وقال ((إن جبريل عاتبني الليلة في الخيل)) أخبرناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار فذكره
12 وفي هذا الحديث دليل والله أعلم على أن كلامه ذلك في الخيل كان بوحي من الله عز وجل لأنه قال في الحمر ((لم ينزل علي فيها شيء إلا الآية الجامعة الفاذة)) فكأن قوله في الخيل كان بوحي والله أعلم ألا ترى إلى قوله ((إني عوتبت الليلة في الخيل)) وروى زيد بن الحباب قال حدثنا رجاء بن أبي سلمة قال حدثنا سليمان بن موسى قال سمعت عجلان بن سهل الباهلي يقول سمعت أبا أمامة الباهلي يقول من ارتبط فرسا في سبيل الله لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية وأما حديثه في هذا الباب 928 _ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ألا أخبركم بخير الناس منزلا رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله ألا أخبركم بخير الناس منزلا بعده رجل معتزل في غنيمته يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد الله لا يشرك به شيئا)) فقد ذكرنا في ((التمهيد)) من وصله وذكرنا طرقه وذكرنا في فضل العزلة هناك وما فيه شفاء في معناه والحمد لله حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة عن بن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن عطاء بن يسار عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوس فقال ((ألا أخبركم بخير الناس منزلا قلنا بلى يا رسول الله فقال ((رجل ممسك برأس فرسه في سبيل الله حتى يقتل أو يموت ألا أخبركم بالذي يليه قالوا بلى يا رسول الله قال رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شر الناس
13 929 _ مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم قد ذكرنا الاختلاف على يحيى بن سعيد في إسناد هذا الحديث في ((التمهيد)) وأصح شيء فيه ما قاله مالك عن يحيى بن سعيد عن عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده وهذه البيعة لم تكن بيعة العقبة وإنما كانت بالمدينة على الحرب وقد ذكرنا في ((التمهيد)) الشواهد بذلك منها ما حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثني أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثنا محمد بن جرير بن يزيد قال حدثنا محمد بن حميد قال سلمة عن بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب _ وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا بيعة العقبة الأولى على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم قال أبو عمر قوله في حديث مالك بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة الحديث معناه فيما استطاعوا ويبين ذلك حديثه عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا ((فيما استطعتم)) (1) وأما قوله في العسر واليسر والمنشط والمكره فمعناه فيما نقدر علية شق علينا أو يسر بنا وفيما نحبه وننشط إليه وفيما نكرهه ويثقل علينا
14 وفي حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو أكره)) (1) وهدى الله على ما يحل في دين الله وما أباحته الشريعة فهو المعروف الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ((لا طاعة إلا في معروف)) ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بالمعروف أطلق السمع والطاعة في المنشط والمكره ثم قيد ذلك لمن جاء بعده بأن قال ((إنما الطاعة في المعروف)) (2) ولهذا يشهد المحكم من كتاب الله عز وجل قال الله تعالى * (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) * [المائدة 2] وقد قال خضير السلمي لعبادة بن الصامت وقد حدثه بهذا الحديث أرأيت إن أطعت أميري في كل ما يأمرني به قال يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار وليجئ هذا فينقذك وقال علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقا على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إنما الطاعة في المعروف)) (3) في حديث ذكره قال وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة
15 وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام عن محمد عن عمران بن حصين والحكم الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا طاعة لبشر في معصية الله)) (1) وأما قوله ألا ننازع الأمر أهله فقد اختلف الناس في ذلك فقال القائلون منهم أهله أهل العدل والإحسان والفضل والدين مع القوة على القيام بذلك فهؤلاء لا ينازعون لأنهم أهله وأما أهل الجور والفسق والظلم فليسوا بأهل له واحتجوا بقول الله عز وجل لإبراهيم * (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) * [البقرة 124] ذهب إلى هذا طائفة من السلف الصالح واتبعهم بذلك خلف من الفضلاء والقراء والعلماء من أهل المدينة والعراق وبهذا خرج بن الزبير والحسين على يزيد وخرج خيار أهل العراق وعلمائهم على الحجاج ولهذا أخرج أهل المدينة بني أمية عنهم وقاموا عليهم فكانت الحرة وبهذه اللفظة وما كان مثلها في معناها مذهب تعلقت به طائفة من المعتزلة وهو مذهب جماعة الخوارج وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عالما عدلا محسنا قويا على القيام كما يلزمه في الإمامة فإن لم يكن فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي الدهماء وتبييت الغارات على المسلمين والفساد في الأرض وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر روى عبد الرحمن بن هدي عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر قال قال بن عمر حين بويع ليزيد بن معاوية إن كان خير رضينا وإن كان بلاء صبرنا وقد ذكرنا في ((التمهيد)) آثارا كثيرة تشهد لهذا المعنى وبالله التوفيق
16 حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال أخبرنا أشهب بن عبد العزيز قال قال مالك لا تنبغي الإقامة في أرض يكون فيها العمل بغير الحق والسنة للسلف وروى معن بن عيسى وغيره عن مالك أنه كان يقول ليس لمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفيء حق ويقول قد قسم الله تعالى في سورة الحشر للفقراء المهاجرين الآية " والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " [الحشر 10] قال ومن سب من أمره الله تعالى أن يستغفر له فلا حق له في الفيء قال أبو عمر أما قول مالك لا تنبغي الإقامة في بلد يعمل فيه بغير الحق فمعناه إذا وجد بلد يعمل فيه بالحق في الأغلب وقد قال عمر بن عبد العزيز فلان بالمدينة وفلان بمكة وفلان باليمن وفلان بالعراق وفلان بالشام امتلأت الأرض والله ظلما وجورا قال أبو عمر فأين المهرب إلا في السكوت واللزوم في البيوت بالرضا بأقل قوت وأما قوله أن نقول أو نقوم بالحق فالشك من المحدث مالك أو من فوقه وأما قولة لا نخاف في الله لومة لائم فقد أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه على حسب طاقته من قول وعمل على ما تقدم شرطنا ما لم يكن انطلاق الدهماء وإراقة الدماء ولكن على المؤمن أن يغير بلسانه إن عجز عن يده فإن لم يأمن المكروه فعليه أن يغير كما قال بن مسعود بحسب المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع له تغييرا يعلم الله به من قلبه أنه له كاره رواه شعبة عن عبد الله بن عمير عن الربيع بن عميلة عن بن مسعود وروى طارق بن شهاب عن بن مسعود أن جاءه عتريس بن عرقوب فقال هلك من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقال بن مسعود بل هلك من لم يعرف المعروف بقلبه وينكر المنكر بقلبه رواه شعبة وسفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب وروى شعبة عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس أآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فقال إن خشيت أن تقتل فلا
17 وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها وأضعافها في هذا المعنى في ((التمهيد)) 930 _ وذكر مالك في هذا الباب عن زيد بن أسلم قال كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر بن الخطاب أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجا وأنه لن يغلب عسر يسرين وأن الله تعالى يقول في كتابه * (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) * [آل عمران 200] قال أبو عمر قد روي هذا الخبر متصلا عن عمر بأكمل من هذه الرواية حدثنا أحمد قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال جاء أبو عبيدة الشام حضر هو وأصحابه فأصابهم جهد شديد فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر سلام عليك أما بعد فإنها لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها مخرجا ولن يغلب عسر يسرين وكتب إليه * (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) * [آل عمران 200] فكتب إليه أبو عبيدة سلام عليك أما بعد فإن الله عز وجل يقول * (أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) * إلى قوله * (متاع الغرور) * [الحديد 20] فقرأه عمر على الناس وقال يا أهل المدينة إنما كتب أبو عبيدة يعرض لكم ويحض الناس على الجهاد قال زيد قال إني لقائم في السوق إذ أقبل قوم ينصون قد اطلعوا من التيه فيهم حذيفة بن اليمان يبشرون الناس قال فخرجت نشتد حتى دخلت على عمر فقلت يا أمير المؤمنين أبشر بنصر الله والفتح فقال عمر الله أكبر رب قائل لو كان خالد بن الوليد قال أبو عمر في هذا الخبر ما كانوا عليه من المشورة في أمورهم وقد أتى الله على من كان أمرهم شورى بينهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الحروب ليقتدى به وفيه أن الرئيس حق عليه الحذر على جيشه وأن لا يقدمهم على الهلكة ولذلك أوصى بعض السلف من الأمراء أمير جيشه فقال له كن كالتاجر الكيس الذي لا يطلب ربحا إلا بعد إحراز رأس ماله
18 فهذا معنى كتاب أبي عبيدة والله أعلم وأما جواب عمر فجواب مؤمن موقن بما وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم من ظهور دينه على الدين كله وأنه ستفتح عليه ديار كسرى وقيصر ولذلك أمره بالصبر وانتظار الفرج وهو أمر له بالبقاء لأنه أدرب (1) وصار في بلادهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاثبتوا)) ويروى فاصبروا حدثني عبد الوارث بن سليمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى قال أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبه عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله وكاتبه قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((يا أيها الذين آمنوا لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)) (2) ورواه بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة بإسناده وقال فيه فإذا لقيتموهم فاثبتوا فإن جلبوا وصاحوا فعليكم بالصمت أخبرنا سعيد بن يعيش وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن غالب قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية وإذا لقيتموهم فاثبتوا)) وحدثنا عبد الوارث ويعيش قالا حدثنا قاسم قال وحدثنا محمد بن غالب قال حدثنا عفان قال حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واعلموا أن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف)) (3) وأما أبو عبيدة فولاه عمر بن الخطاب قيادة الجيوش بالشام في أول ولايته وعزل خالد بن الوليد عنها وذلك سنة أربع عشرة وكانت اليرموك سنة خمس
19 عشرة فاجتمعت الروم في جمع لم تجتمع في مثلها قبل ولا بعد قال بن إسحاق في مائة ألف وقال بن الكلبي في ثلاث مائة ألف وعليهم ما هانو _ رجل ((من البابا ومن كان تنصر ولحق بالروم وكانت الوقعة في رجب فنصر الله المسلمين وأظهرهم وحضرت أسماء بنت أبي بكر مع زوجها الزبير فحدثت قالت إن كان الرجل من العدو يمر ليسعى فتصيب قدماه عروة أطناب خبائي فيسقط على وجهه ميتا ما أصاب السلاح وروى محمد بن أبي الحسن عن إسحاق بن زائدة عن أبي واقد الليثي قال رأيت الرجل يوم اليرموك من العدو فيسقط فيموت فقلت في نفسي لو أني أضرب أحدهم بطرف ردائي ظننت أنه يموت وجعل الله للمسلمين من الغم الشديد الذي كان نزل بهم فرجا ومخرجا كما قال عمر _ رضي الله عنه وأما قوله لن يغلب عسر يسرين فإنه أراد معنى قول الله تعالى * (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) * [الشرح 5 6] قال أبو عبيدة وغيره من أهل العلم باللغة إن النكرة إذا ثنيت كانت اثنتين فقوله يسرا ويسرا يسران والعسر والعسر عسر واحد كأنه جاء للتأكيد لأنه معرفة هكذا قالوا أو معناه قال أبو عمر أحسن ما روي في قول الله تعالى " يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " [آل عمران 200] ما قاله محمد بن كعب القرظي رواه بن وهب قال أخبرني أبو صخر المزني عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية " يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " [آل عمران 200] قال اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم عليه ورابطوا عدوكم وعدوي حتى يترك دينه لدينكم واتقوا الله في ما بيني وبينكم لعلكم تفلحون إذا لقيتموني وأخبرنا أبو القاسم خلف بن قاسم بن سهل الحافظ قال أخبرنا أبو إسحاق محمد بن قاسم بن شعبان الفقيه قال حدثنا إبراهيم بن عثمان والحسين بن الضحاك واللفظ لإبراهيم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو بن العاصي
20 قال كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر ما جمعت الروم من الجمع وأن الله تعالى لم ينصرنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم بكثرة عدد ولا بكثرة خيل ولا سلاح ولقد كنا ببدر وما معنا إلا فرسان وإن نحن إلا نتعاقب الإبل وكنا يوم أحد وما معنا إلا فرس واحد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه ولقد كان الله يظهرنا ويعيننا على من خالفنا فاعلم يا عمرو أن أطوع الناس [لله] تعالى أشدهم بغضا للمعصية وأن من خاف الله تعالى ردعه خوفه عن كل ما لله تعالى معصية فأطع الله تعالى وسم ومر أصحابك بطاعته فإن المغبون من حرم طاعة الله واحذر على أصحابك البيات وإذا نزلت منزلا فاستعمل على أصحابك أهل الجلد والقوة ليكونوا نعم الذين يحرضونهم ويحفظونهم وقدم أمامك الطائع حتى يأتوا بالخير وشاور أهل الرأي والتجربة ولا تستبد برأيك دونهم فإن في ذلك احتقارا للناس ومعصية لهم فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب وإياك والاستهانة بأهل الفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرفنا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار عند موته حين قال ((أحسنوا إلى محسنهم وجاوزوا عن مسيئهم وقربهم منك وأدنهم واستشرهم وأشركهم في أمرك ولا يغب عني خبرك كل يوم بما فيه إن قدرت على ذلك وأشبع الناس في بيوتهم ولا تشبعهم عندك وتعاير أهل الرعاية والأحداث بالعقوبة من غير تعد عليهم وليكن تقدمك إليهم في ما تنهى عنه قبل العقوبة تبرأ إلى أهل الذمة من معرتهم واعلم أنك مسؤول عما أنت فيه فالله الله يا عمرو فيما أوصيك به _ جعلني الله وإياك من رفقاء محمد صلى الله عليه وسلم في دار المقامة وقد كتبت إلى خالد بن الوليد يمدك بنفسه ومن معه فله مدد في الحرب وهو ممن يعرف الله تعالى فلا يخالف وشاوره والسلام عليك ((2 - باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو)) 931 - ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو قال مالك وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو
21 قال أبو عمر هكذا قال يحيى والقعنبي وبن بكير وأكثر الرواة وقال بن وهب عن مالك في آخره خشية أن يناله العدو ولم يجعله من قول مالك وكذلك قال عبد الله بن عمر والليث وأيوب عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو وكذلك رواه إسماعيل بن أمية وليث بن أبي سليم عن نافع عن بن عمر وهو لفظ مرفوع صحيح وأجمع الفقهاء أن لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه واختلفوا في جواز ذلك في العسكر المأمون الكبير فقال مالك لا يسافر فيه بالقرآن إلى أرض العدو ولم يفرق بين العسكر الكبير والصغير وقال أبو حنيفة يكره أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو إلا بالعسكر العظيم فإنه لا بأس بذلك واختلفوا في هذا الباب في تعليم الكافر القرآن فمذهب أبي حنيفة أنه لا بأس بتعليم الحربي والذمي القرآن والفقه رجاء أن يرغبوا في الإسلام وقال مالك لا يعلم القرآن ولا الكتاب وكره رقية أهل الكتاب وعن الشافعي روايتان أحدها الكراهية والأخرى الجواز قال أبو عمر الحجة لمن كره ذلك قول الله عز وجل * (إنما المشركون نجس) * [التوبة 28] وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) (1) ومعلوم أن من تنزيه القرآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار والنجاسات وفي كونه عند أهل الكفر نقض له بذلك وإهانة له وكلهم أنجاس لا يغتسلون من نجاسة ولا يعافون ميتة وقد كره مالك وغيره أن يعطى الكافر دينارا أو درهما فيه سورة أو آية من كتاب
22 الله تعالى وما أعلم في هذا خلافا إذا كانت آية تامة أو سورة وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم إذا كان فيهما اسم من أسماء الله فأما الدراهم التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن عليها قرآن ولا اسم لله ولا ذكر له لأنها كانت من ضرب الروم وإنما ضربت دراهم الإسلام في أيام عبد الملك بن مروان فإن قيل أفيجوز أن يكتب المسلم إلى الكافر كتابا فيه آية من كتاب الله قال أما إذا دعى إلى الإسلام أو كانت ضرورة إلى ذلك فلا بأس به لما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال أخبرني أبو سفيان بن حرب فذكر قصة هرقل وحديثه قال هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاء الإسلام أسلم تسلم وأسلم يزيد الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و * (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) * الآية [آل عمران 64] (1)) 1 (3 _ باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو)) 932 _ ذكر فيه مالك عن بن شهاب عن بن لكعب بن مالك قال (حسبت أنه قال عبد الرحمن بن كعب) أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا بن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان قال فكان رجل منهم يقول برحت بنا امرأة بن أبي الحقيق بالصباح فأرفع السيف عليها ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكف ولولا ذلك استرحنا منها 933 _ وذكر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في
23 بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان قال أبو عمر أما حديثه عن بن شهاب فحديث مرسل لم يسنده أحد عن مالك إلا الوليد بن مسلم فقال فيه عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك وقد ذكرنا الإسناد عنه بذلك في ((التمهيد)) وأما رواة الموطأ عن مالك فاختلفوا فيه فقال بن القاسم وبن بكير وبشر بن عمر وأبو المصعب عن مالك عن بن شهاب عن بن كعب بن مالك حسبت أنه قال عبد الرحمن كما قال يحيى وقال القعنبي حسبت أنه قال عبد الله بن كعب أو عبد الرحمن بن كعب وقال بن وهب عن مالك عن بن شهاب عن بن لكعب بن مالك لم يقل عبد الله ولا عبد الرحمن ولا حسبت شيئا من ذلك وأما اختلاف أصحاب بن شهاب في إسناد هذا الحديث فكثير جدا وقد ذكرناه في ((التمهيد)) وأما بن أبي الحقيق فرجل من اليهود ويسمى سلاما ويكنى أبا رافع قد ذكرنا خبره في كتابه ((الدرر في اختصار المغازي والسير)) ومن الذين قتلوه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوضحنا خبره هناك وفي ((التمهيد)) أيضا والحمد لله وأما حديثه عن نافع فمرسل عند أكثر أهل الرواية كما رواه يحيى وقد أسنده عن مالك عن نافع عن بن عمر الوليد بن مسلم ومحمد بن المبارك الصوري وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن محمد الرازي وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في ((التمهيد)) وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب بن عباس وعائشة وأبو سعيد الخدري وأنس والأسود بن سريع وغيرهم وأجمع العلماء على القول بذلك ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب والله عز وجل يقول * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) * [البقرة 190] واختلفوا في النساء والصبيان إذا قاتلوا
24 فجمهور العلماء على أنهم إذا قاتلوا قوتلوا وممن قال ذلك الثوري ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور كل هؤلاء وغيرهم ينهون عن قتلهم إذا لم يقاتلوا لأنهم مال للمسلمين إذا سبوا استحيوا وقد كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه أن تقتل المقاتلة وتسبى الذراري والعيال والآثار بذلك متواترة وهو أمر مجتمع عليه إلا أن تقاتل المرأة وتأتي ما يوجب القتل ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن قال إذا قاتلت المرأة من المشركين أو خرجت معهم إلى دار المسلمين فلتقتل قال أبو عمر قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة والخندق [و] أم قرفة وقتل يوم الفتح قينتين كانتا تعينا بن خطل بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير _ بن زهير بن حرب _ قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فمر بامرأة مقتولة والناس مجتمعون عليها ففرجوا له فقال ((ما كانت هذه تقاتل الحق خالدا فقل له لا تقتل امرأة ولا ذرية ولا عسيفا)) (1) وروى وكيع عن صدقة الدمشقي عن يحيى بن يحيى الغساني قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله تعالى * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * [البقرة 190] فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب لكم الحرب وروى سنيد عن أبي بكر بن عياش عن عمرو بن ميمون قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى جعونة وكان أمره على الأدراب أن لا تقتل امرأة ولا شيخا ولا صغيرا ولا راهبا وذكر أبو بكر قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبد الله بن نمير عن
25 عبد الله بن عمر عن نافع عن أسلم مولى عمر أن عمر كتب إلى عماله ينهاهم عن قتل النساء والصبيان ويأمرهم بقتل من جرت عليه المواسي قال وحدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كتب عمر إلى أمراء الأجناد لا تقتلوا امرأة ولا صبيا واقتلوا من جرت عليه المواسي وفي كتاب بن عباس مجاوبا لنجدة الحروري قال له ذكرت أن العالم صاحب موسى قد قتل الوليد ولو كنت تعلم من الولدان ما علم ذلك العالم من ذلك الوليد ما قتلتهم ولكنك لا تعلم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان فاعتزلهم وهو حديث مروي عن بن عباس من وجوه كثيرة صحاح واختلف الفقهاء في رمي الحصن بالمنجنيق إذا كان فيه أسارى مسلمين وأطفال المشركين فقد قال مالك أما رمي الكفار بالمنجنيق فلا بأس بذلك قال ولا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى من المسلمين لقول الله عز وجل * (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) * [الفتح 25] وقال أبو حنيفة والثوري لا بأس برمي حصون الكفار وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفال ولا بأس أن يحرق الحصن ويقصد بذلك من فيه من الكفار فإن أصابوا في ذلك مسلما فلا دية ولا كفارة وقال الأوزاعي إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين لم يرموا لقول الله عز وجل * (ولولا رجال مؤمنون) * الآية [الفتح 25] قال ولا يحرق المركب الذي فيه أسارى المسلمين ويرمى الحصن فإن مات أحد من المسلمين فهو خطأ قال الشافعي لا بأس برمي الحصن وفيه أسارى وأطفال ومن أصيب فلا شيء فيه وإن تترسوا ففيه قولان أحدهما يرمون والأخر لا يرمون إلا أن يكونوا إذا رمى أحدهم أيقن بضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في هذه الحال مسلما وعلم أنه مسلم فالدية مع الرقبة وإن لم يعلمه مسلما فالرقبة وحدها
26 قال أبو عمر روى بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس عن الصعب بن جثامة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هم منهم)) وربما قال ((هم من آبائهم)) (1) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر سراياه بالغارة على المشركين وبالتبييت ويقول ((إذا سمعتم أذانا فأمسكوا وإن لم تسمعوا أذانا فأغيروا)) (2) وقال لأسامة بن زيد ((أغر على أبنا صباحا وحرق)) (3) وبعث صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في سرية قال جندب بن مكيث كنت فيهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشن الغارة على بني الملوح بالكديد وقد ذكرنا هذه الآثار كلها بأسانيدها في ((التمهيد)) وبهذا عمل الخلفاء الراشدين بعده صلى الله عليه وسلم لمن بلغته الدعوة فيمن قال بهذه الأحاديث زعم أن قوله عز وجل * (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) * الآية [الفتح 25] خصوص في أهل مكة وأما مالك والأوزاعي فذهبا إلى أن الآية عامة في سائر الناس وأن حديث الصعب بن جثامة وما كان مثله من التبييت والغارة فليس فيه ذكر مسلم يتترس به وقول مالك أصح ما قيل في ذلك لتحريم الله دم المسلم تحريما مطلقا لم يخص به موضعا من موضع وإنما قتل الشيوخ والرهبان والفلاحين ويأتي ذكره في حديث أبي بكر بعد هذا إن شاء الله 934 _ مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر إما أن تركب وإما أن أنزل فقال أبو بكر ما أنت بنازل وما أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله ثم قال له إنك
27 ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف وإني موصيك بعشر لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تحرقن نحلا ولا تفرقنه ولا تغلل ولا تجبن قال أبو عمر روى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك فلما انتهى إلى قوله ((فدعهم وما حبسوا أنفسهم له)) قال سفيان يعني الرهبان قال ((وستجد قوما قد فحصوا عن أوساط رؤوسهم وجعلوا حولها أمثال العصائب فاضرب ما فحصوا من أوساط رؤوسهم بالسيف)) قال سفيان يعني القسيسين ثم ذكر تمام الخبر كما ذكره مالك سواء قال أبو عمر افتتح أبو بكر الصديق في آخر أيامه قطعه من الشام وكان له عليها أمراء منهم أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة والأخبار بذلك عند أهل السير مشهورة _ وكان يزيد على ربع من الأرباع المشهورة وفي ركوب يزيد ومشي أبي بكر رخصة في أن الجليل من الرجال راجلا مع من هو دونه راكبا للتواضع واحتساب الخطى في سبيل الله كما ذكر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار أو حرمه الله على النار)) (1) رواه مالك بن عبد الله الخثعمي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من سنتهم تشييع الغزاة ابتغاء الثواب وفيه ما كانوا عليه من حسن الأدب وجميل الهدي أداء ما يلزمهم من توقير أئمة العدل وإجلالهم وبرهم وأما قوله ((إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فإنه أراد الرهبان المنفردين عن الناس في الصوامع لا يخالطون الناس ولا يطلعون على عورة ولا فيهم شوكة ولا نكاية برأي ولا عمل ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن
28 حجاج بن أرطأة عن يحيى بن جدعان عن يحيى بن المطيع أن أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) بعث جيشا فقال ((اغزوا باسم الله اللهم اجعل وفاتهم شهادة في سبيلك)) ثم قال ((إنكم تأتون قوما في صوامع لهم فدعوهم وما أعملوا أنفسهم له وتأتون قوما قد فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضربوا ما فحصوا عنه)) وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن يحيى بن سعيد هذا الحديث كما رواه مالك إلا أنه قال وستجد أقواما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر وتركوا منها أمثال العصائب فاضربوا ما فحصوا عنه بالسيف)) ثم ذكر تمام الحديث على حسب ما ذكره مالك قال عبد الرزاق الذين فحصوا عن رؤوسهم الشمامسة والذين حبسوا أنفسهم هم الرهبان الذين في الصوامع قال أبو عمر الشمامسة هم أصحاب الديانات والرهبان المخالطون للناس من أهل دينهم وغير دينهم وفيهم الرأي والمكيدة والعون بما أمكنهم وليسوا كالرهبان الفارين عن الناس المعتزلين لهم في الصوامع روى معمر عن الزهري قال كان أبو بكر إذا بعث جيوشه إلى الشام قال إنكم ستجدون قوما فحصوا عن رؤوسهم ففلقوا رؤوسهم بالسيوف وستجدون قوما قد حبسوا أنفسهم في الصوامع فذروهم بخطاياهم واختلف الفقهاء في قتل أصحاب الصوامع والعميان والزمنى فقال مالك لا يقتل الأعمى ولا المعتوه ولا المقعد ولا أصحاب الصوامع الذين طينوا الباب عليهم لا يخالطون الناس وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قال مالك وأرى أن يترك لهم من الأموال مقدار ما يعيشون به إلا أن يخاف من أحدهم فيقتل وقال الثوري لا يقتل الشيخ والمرأة والمقعد وقال الأوزاعي لا يقتل الحراس والزراع ولا الشيخ الكبير ولا المجنون ولا الراهب وقال الليث لا يقتل الراهب في صومعته ويترك له من ماله القوت
29 وعن الشافعي روايتان (إحداهما) أنه يقتل الشيخ والراهب واختاره المزني وقال هو أولى بأصله قال لأن كفر جميعهم واحد وإنما حلت دماؤهم بالكفر قال الشافعي قد يحتمل أن يكون نهي أبي بكر (رضي الله عنه) عن قتلهم لأن لا يشتغلوا بالمقام على الصوامع فيفوتهم ما هو أعود عليهم كما أنه قد نهى عن قطع الشجر المثمر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وعدهم بفتح الشام واحتج الشافعي في قتلهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل دريد بن الصمة يوم حنين قال أبو عمر يحتج الشافعي بحديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((اقتلوا الشيوخ المشركين واستبقوا شرخهم)) (1) رواه قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال البخاري سماع الحسن من سمرة صحيح وقال الطبري إن قاتل الشيخ أو المرأة أو الصبي قتلوا وهو قول سحنون واحتج الطبري بما رواه الحجاج عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى امرأة فقال ((من قتل هذه)) فقال رجل أنا يا رسول الله نازعتني قائم سيفي فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) قال أبو عمر لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل وقد روى داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال ((لا تقتلوا أصحاب الصوامع)) (3) وأما قول أبي بكر _ رضي الله عنه _ ((لا تقتلوا امرأة ولا صبيا فقد تقدم حكم ذلك في صدر هذا الباب وأما قوله ((لا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا)) إلى آخر الحديث _ وقد
30 خالف مالك في ذلك فقال لا بأس بقطع نخل الكفار وثمارهم وحرق زروعهم وأما المواشي فلا تحرق والحجة له في خلافة أبي بكر (رضي الله عنه) ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرقها)) (1) وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب البهائم وعن المثلة وأن يتخذ شيء فيه الروح (2) وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري لا بأس بتخريب ديارهم وقطع الشجر وحرقها لأن الله تعالى يقول * (ما قطعتم من لينة) * الآية [الحشر 5] وأجازوا ذبح الماشية إذا لم يقدر على إخراجها وقال الأوزاعي أكره قطع شجرة مثمرة أو تخريب شيء من العامر كنيسة أو غيرها وعن الأوزاعي في رواية أخرى أنه لا بأس بأن يحرق الحصن إذا فتحه المسلمون وإن أحرق ما فيه من طعام أو كنيسة وكره كسر الرحا وإفسادها قال ولا بأس بتحريق الشجر في أرض العدو وقال الشافعي يحرق الشجر المثمر والبيوت إذا كانت لهم معاقل وأكره حرق الزرع والكلإ وكره الليث إحراق النخل والشجر المثمر وقال لا تعقر بهيمة وتأول جماعة من العلماء في حديث أبي بكر المذكور قالوا إنما ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان وعدهم أن يفتحها الله عليهم قال أبو عمر من ذهب إلى الأخذ بقول أبي بكر فمن حجته ما حدثنا سعيد بن
31 نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا الحسن بن صالح عن خالد بن الفزر قال حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا)) (1) قال أبو بكر وحدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن زيد بن وهب قال أتاني كتاب عمر (رضي الله عنه) ((لا تغلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا واتقوا الله في الفلاحين)) قال وحدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث عن مجاهد قال ((لا يقتل في الحرب الفتى والمرأة ولا الشيخ الفاني ولا يحرق الطعام ولا النخل ولا تخرب البيوت ولا يقطع الشجر المثمر)) وحجة من قال بقول مالك والشافعي في قطع النخل حديث نافع عن بن عمر ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق)) (2) وحديث أسامة بن زيد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض يقال لها ((أبنا)) فقال ائتها صباحا وحرق (3) 935 _ وأما حديث مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل من عماله أنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية يقول لهم ((اغزوا باسم الله في سبيل الله تقاتلون من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا)) وقل ذلك لجيوشك وسراياك إن شاء الله والسلام عليك قال أبو عمر يتصل معنى حديث [عمر بن عبد العزيز] هذا من حديث بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث أنس بن مالك حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد
32 البزار قال حدثناه محبوب بن موسى قال أخبرنا الفزاري أبو إسحاق عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا)) وذكر الحديث بطوله وأما حديث أنس فرواه يحيى بن آدم قال حدثنا الحسن بن صالح قال حدثنا خالد بن الفزر قال حدثني أنس بن مالك قال ((كنا إذا استنفرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلنا في ظهر المدينة حتى يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ((انطلقوا باسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله تقاتلون أعداء الله في سبيل الله قتلاكم أحياء يرزقون في الجنان وقتلاهم في النار يعذبون لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنامكم وأصلحوا * (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) * [البقرة 195])) وأما قوله في حديث عمر هذا لا تغلوا وفي حديث أبي بكر قبله في وصيته ليزيد ((ولا تغلل ولا تجبن)) فالغلول محرم بالكتاب والسنة والإجماع وله باب في هذا الكتاب نذكر فيه حكمه _ إن شاء الله والغدر أن يؤمن ثم يقتل وهذا حرام بإجماع والغدر والقتل سواء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن)) (1) وقال عليه السلام ((يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه هذه غدرة فلان)) (2) فالمثلة محرمة في السنة المجتمع عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أعف الناس قتلة أهل الإيمان)) (3) من حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم
33 ومن حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إذا قتلتم فأحسنوا القتلة)) (1) ومن حديث الحسن عن سمرة وعمران بن حصين ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة)) (2) وأما قوله فيه ((ولا تجبن)) فإنه أراد _ والله أعلم _ لا تفعل فعل الجبان امتثالا لقول الله تعالى * (إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) * [الأنفال 45 46] وهذا الخطاب إلى من فيه قوة وله جنان ثابت وأما من ليس فيه شيء من ذلك فإنه لا يكلف ما ليس في وسعه والله أعلم وروي عن عائشة _ رضي الله عنها _ أنها قالت ((من أحس من نفسه جبنا فلا يغز))) 1 (4 _ باب ما جاء بالوفاء بالأمان)) 936 _ ذكر فيه مالك عن رجل من أهل الكوفة أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه أنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون العلج (3) حتى إذا أسند (4) في الجبل وامتنع قال رجل مطرس (يقول لا تخف) فإذا أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه قال مالك وليس هذا الحديث بالمجتمع عليه وليس عليه العمل قال أبو عمر قيل إن الرجل من أهل الكوفة سفيان الثوري ولا يبعد أن يروي مالك عن سفيان الثوري وقد روى مالك عن يحيى بن مضر الأندلسي عن سفيان الثوري قال الطلح المنضود الموز
34 وقد روى الثوري عن مالك حديث ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) وفي هذا الباب وسئل مالك عن الإشارة بالأمان أهي بمنزلة الكلام فقال نعم وإني أرى أن يتقدم إلى الجيوش أن لا تقتلوا أحدا أشاروا إليه بالأمان لأن الإشارة عندي بمنزلة الكلام وإنه بلغني أن عبد الله بن عباس قال ما ختر (1) قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو وقال أبو عمر إذا كان دم الحربي الكافر يحرم بالأمان فما ظنك بالمؤمن الذي يصبح ويمسي في ذمة الله كيف ترى في الغدر به والقتل وقد قال صلى الله عليه وسلم ((الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن)) (2) وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال ((أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين إذا قال الرجل إلى الرجل لا تخف فقد أمنه وإذا قال مترس فقد أمنه فإن الله يعلم الألسنة قال وحدثنا مروان بن معاوية عن حميد عن أنس قال حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر منزله به أبو موسى معي فلما قدمنا على عمر سكت الهرمزان فلم يتكلم فقال عمر تكلم فقال كلام حي أم كلام ميت قال عمر تكلم فلا بأس فقال إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نقتلكم ونعصيكم فأما إذ كان الله معكم لن يكون لنا بكم يدان فقال نقتله يا أنس قلت يا أمير المؤمنين قلت خلفي شوكة شديدة وعدوا كثيرا إن قتلته يئس القوم من الحياة وكان أشد لشوكتهم وإن استحييته طمع القوم فقال يا أنس استحي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلما خشيت أن يتسلط عليه قلت له ليس لك إلى قتله سبيل فقال أعطاك أصبته منه قلت ما فعلت ولكنك قلت له تكلم فلا بأس قال أتجيئني بمن يشهد معك وإلا بدأت بعقوبتك قال فخرجت من عنده فإذا أنا بالزبير بن العوام قد حفظ ما حفظت فشهد عنده فتركه وأسلم الهرمزان وفرض له (3) قال وحدثنا ريحان بن سعيد قال حدثني مرزوق بن عمرو قال حدثني أبو
35 يزيد قال خرجنا مع أبي موسى الأشعري يوم فتحنا سوق الأهواز فسعى رجل من المشركين وسعى رجلان من المسلمين خلفه فبينما يسعى ويسعيان إذ قال أحدهما له (مطرس) فقام الرجل فأخذاه فجاءا به وأبو موسى يضرب أعناق الأسارى حتى انتهى الأمر إلى الرجل فقال أحد الرجلين إن هذا قد جعل له الأمان فقال أبو موسى فقد جعل له الأمان قال إنه كان يسعى ذاهبا في الأرض وقلت له مطرس فقام فقال أبو موسى وما مطرس قال لا تخف قال هذا أمان فخليا سبيله فخليا سبيل الرجل قال وحدثنا عباد بن العوام عن حصين بن أبي عطية قال كتب عمر إلى أهل الكوفة أنه ذكر لي أن ((مطرس)) بلسان العرب والفارسية لا تخف فإن قلتموها لمن لا يفهم لسانكم فهو آمن قال أبو عمر إنما قال مالك في حديث عمر ليس عليه العمل لأن فيه قتل المؤمن بالكافر وهذا أمر لم يجتمع بالمدينة عليه ولا بغيرها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا يقتل مؤمن بكافر)) (1) وستأتي هذه المسألة _ إن شاء الله _ في موضعها ولا خلاف علمته بين العلماء في أن من أمن حربيا بأي كلام لهم به الأمان فقد تم له الأمان وأكثرهم يجعلون الإشارة الأمان إذا كانت مفهومة بمنزلة الكلام وأمان الرفيع والوضيع جائز عند جماعة العلماء وأمان العبد والمرأة عند الجمهور جائز وكان بن الماجشون وسحنون يقولان أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام له فإن أجازه له جاز فهو قول شاذ لا أعلم قال به غيرهما من أئمة الفتوى وقد روي معنى قولهما عن خالد بن الوليد وعمر بن العاص وقد ذكرنا هذه المسألة وما للعلماء فيها في باب صلاة الضحى من كتاب الصلاة
36 وأما أمان العبد فكان أبو حنيفة لا يجيزه إلا أن يقاتل واختلف عن أبي يوسف في ذلك وقال محمد بن الحسن يجوز أمانه وإن لم يقاتل وهو قول مالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وعن عمر من طرق أنه أجاز أمان العبد ولا خلاف في ذلك بين السلف إلا ما خرج مخرج الشذوذ روى سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن فضيل الرقاشي قال حاصرنا حصنا فمكثنا ما شاء الله لا نقدر على شيء منه وإذا هم قد فتحوا باب الحصن يوما وخرجوا إلينا فقلنا مالكم قالوا قد أمنتمونا فقلنا ما أمناكم فقالوا بلى فأخرجوا نشابة فيها كتاب أمان لهم كتبه عبد منا فقلنا إنما هذا عبد ولا أمان له فقالوا إنا لا نعلم العبد منكم من الحر فكففنا عنهم وكتبنا إلى عمر بن الخطاب فكتب إلينا إن العبد المسلم ذمته ذمة المسلمين فأجاز له الأمان قال أبو عمر وهذا يحتمل التأويل أخبرنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن الحجاج عن الوليد بن أبي مالك عن عبد الرحمن بن سلمة أن رجلا أجار قوما وهو مع عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح فقال عمرو وخالد لا نجير من أجار فقال أبو عبيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((يجير على المسلمين بعضهم)) وروى الأعمش ومنصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت إن كانت المرأة لتجير على المسلمين (1) وعن رفيع عن شريك عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عمر قال إن كانت المرأة لتجير على المسلمين فيجوز أمانها حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم
37 قال وحدثنا بن نمير قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((يجير على المسلمين أدناهم)) (1) وروى بن أبي عمر وغيره عن بن عيينة عن أيوب بن موسى عن بكير عن بن عبد الرحمن بن الأشج قال جاء رجل من أهلي إلى سعيد بن المسيب فقال ألا نخبرك بما نصنع في مغازينا قال لا ولكن إن شئت أخبرك بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في مغازيه قال نعم قال سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أهل قرية دعاهم إلى الإسلام فإن أجابوه خلطهم بنفسه وأصحابه وإن أبوا دعاهم إلى الجزية فإن أعطوها قبلها وكف عنهم وإن أبوا آذنهم على سواد وكان أدنى أصحابه إذا أعطاهم العهد وفوا به أجمعون قال أبو عمر وأما قول مالك ((إن الإشارة المفهومة بالأمان كالكلام)) فالدلالة على ذلك من السنة موجودة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصحابه بعد أن كبر في الصلاة أن امكثوا ففهموا عنه وأشار إلى أبي بكر أن امكث ففهم عنه وقد رد السلام بالإشارة وهو في الصلاة ومثل هذا كثير وقال أبو مصعب من لم يحسن طلب الأمان بلسانه فأشار بطلب ذلك فأشير له به فقد وجب له الأمان ولا يقتل ((5 _ باب العمل فيمن أعطى شيئا في سبيل الله)) 937 _ ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أعطى شيئا في سبيل الله يقول لصاحبه إذا بلغت وادي القرى فشأنك به 938 _ وعن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته فهو له قال أبو عمر في سماع بن القاسم قال مالك من حمل على فرس في سبيل
38 الله فلا أرى له أن ينتفع بشيء من ثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقال له شأنك به فافعل به ما شئت فإن قيل له ذلك كان مالا من ماله إذا بلغ رأس مغزاته يصنع به ما شاء كما لو أعطى ذهبا أو ورقا في سبيل الله روى بن وهب عن مالك قال إذا أعطي رجل فرسا وقيل له هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه وإن قيل هو في سبيل الله ركبه ورده وقال الثوري إذا أعطى شيئا في سبيل الله فإن شاء وضعه في من يغزو في سبيل الله من أهل الثغر وإن شاء قسمه في فقرائهم وقال الأوزاعي فيمن أعطي شيئا في سبيل الله أنه كسائر ماله إن لم يقل هو حبس أو موقوف وقال الحسن بن حي إذا أعطي شيئا في سبيل الله من الزكاة فهو له وإن كان من غير الزكاة فمات جعله في مثله وقال الليث بن سعد إذا أعطي شيئا في سبيل الله لم يبعه حتى يبلغ مغزاه فإذا بلغ مغزاه صنع به ما شاء وكذلك الفرس إلا أن يكون جعله حبسا في سبيل الله فلا يباع قال أبو عمر الفرس الحبس في سبيل الله هو الذي قسمه صاحبه قسمة الحبس ويذكر أنه قد أخرجه لذلك من ماله ويشهد على ذلك وينفق عليه فإذا كان الغزو دفعه إلى من يقاتل عليه ويغزو به فإذا انقضى الغزو صرفه إليه وكان عنده موقوفا ينفق عليه ويعده لمثل ذلك فإذا كان كذلك لم يجز بيعه عند أحد علمته من أهل العلم إلا أن يعجز عنه لضعفه وقال عبد الله بن الحسن إذا قال هو لك في سبيل الله فرجع به رده حتى يجعله في سبيل الله وقال الشافعي الفرس المحمول عليه في سبيل الله هو لمن حمل عليه وقد زدنا هذه المسألة بيانا في كتاب الزكاة وفي هذا الباب سئل مالك عن رجل أوجب على نفسه الغزو فتجهز حتى إذا أراد أن يخرج منعه أبواه أو أحدهما فقال لا يكابرهما ولكن يؤخر ذلك إلى عام آخر فأما الجهاز فإني أرى أن يرفعه حتى يخرج به فإن خشي أن يفسد باعه وأمسك ثمنه
39 حتى يشتري به ما يصلحه للغزو فإن كان موسرا يجد مثل جهازه إذا خرج فليصنع بجهازه ما شاء قال أبو عمر هذا استحباب منه ومن جمهور العلماء كلهم يستحب فيما نواه المرء وهم به من الصدقة أن لا يعود فيه وأن يضمنه إذا أخرجه حتى اللقمة يخرجها للسائل فلا يجده ولم يختلفوا في الصدقة إذا قبضها المعطي فقيرا كان أو غنيا أنه لا رجوع للمتصدق في شيء منها وكذلك كل ما كان لله تعالى إذا خرج عن يد المعطي وروى الحميدي عن سفيان قال حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبواي يبكيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما)) (1) وروى زائدة عن الأعمش عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أريد أن أجاهد معك قال ((أحي والداك)) قال نعم قال ((ففيهما فجاهد)) (2) وروى بن جريج عن محمد بن طلحة عن معاوية بن جاهمة عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم استشيره في الجهاد فقال ألك والدان قلت نعم قال ((اذهب فأكرمهما فإن الجنة تحت رجليهما)) قال أبو عمر لا خلاف علمته أن الرجل لا يجوز له الغزو ووالداه كارهان أو أحدهما لأن الخلاف لهما في أداء الفرائض عقوق وهو من الكبائر ومن الغزو ما قلت وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الحسن في الوالدين إذا أذنا بالغزو قال إن كنت ترى هواهما في الجلوس فاجلس قال وسئل الحسن ما بر الوالدين قال أن تبذل لهما ما ملكت وأن تطيعهما فيما أمراك به إلا أن تكون معصية
40 ((6 _ باب جامع النفل في الغزو)) 939 _ مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا هكذا رواه مالك على الشك أحد عشر بعيرا أو اثني عشر بعيرا وسائر رواة نافع أيوب وعبيد الله وإسماعيل بن أمية والليث بن سعد وشعيب بن أبي حمزة وبن إسحاق _ يروونه اثني عشر بعيرا بغير شك وكذلك رواه الوليد بن مسلم عن مالك بغير شك ولم يتابع عليه عن مالك والصحيح عن مالك ما في الموطأ وقد ذكرنا في ((التمهيد)) رواية الوليد وذكرنا أصحاب نافع في ألفاظ هذا الحديث مستقصاة بما فيها من المعاني والوجوه والحمد لله واختصار ذلك أن رواية مالك وغيره ممن ذكرنا حاشا محمد بن إسحاق تدل على أن السرية المذكورة في هذا الحديث لم تنفل البعير الزائد على السهمان إلا بعد القسمة وهذا يوجب أن يكون النفل من الخمس كما قال سعيد بن المسيب وفقهاء الحجاز وأما رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث فإنه جعل النفل من القسمة ثم جعل القسمة بعد (1) وهذا مذهب أهل الشام وطائفة من أهل العراق وسنبين ذلك كله في ما بعد _ إن شاء الله وكذلك اتفق الرواة المذكورون لهذا الحديث عن نافع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
41 بعث السرية المذكورة وأن سهمان أهل السرية هي السهمان المذكورة في هذا الحديث اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا حاشا شعيب بن أبي حمزة فإنه انفرد عن نافع بأن قال في هذا الحديث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا قبل نجد فانبعثت منه هذه السرية فجعل السرية خارجة من العسكر ويبين ذلك في روايته عنه الوليد بن مسلم قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد أربعة آلاف فانبعثت منهم هذه السرية وقال شعيب أيضا إن سهمان ذلك الجيش كان اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية خاصة بعيرا بعيرا وهذا لم يقله غيره وإن كان المعنى فيه صحيحا لأن العلماء لم يختلفوا أن السرية إذا خرجت من العسكر فغنمت أن أهل العسكر شركاؤهم فيما غنموا إلا أن هذا الحكم والمعنى في السنة لم يذكره في هذا الحديث عن نافع إلا شعيب بن أبي حمزة وليس هو في نافع كعبيد الله وأيوب ومالك وغيرهم وفي رواية هؤلاء عن نافع لهذا الحديث ما يدل على أن النفل لم يكن من رأس الغنيمة وإنما كان من الخمس وفي رواية بن إسحاق أن ذلك كان من رأس الغنيمة وبن إسحاق ليس كهؤلاء في نافع قال أبو عمر النفل يكون على ثلاثة أوجه أحدها أن يريد الإمام تفضيل بعض الجيش بشيء يراه من غنائه وبأسه وبلائه أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش فينفله من الخمس لا من رأس الغنيمة بل من خمس الخمس من سهام النبي صلى الله عليه وسلم ويجعل له سلب قتيله وسيأتي القول في سلب القتيل في موضعه من هذا الكتاب والوجه الآخر أن الإمام إذا دفع سرية من العسكر فأراد أن ينفلها مما غنمت دون أهل العسكر فحقه أن يخمس ما غنمت ثم يعطي السرية مما بقي بعد الخمس ما شاء ربعا أو ثلثا ولا يزيد على الثلث لأنه أقصى ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله ويقسم الباقي بين جميع أهل العسكر والسرية على السواء للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم والوجه الثالث أن يحرض الإمام أو أمير الجيش أهل العسكر على القتال قبل لقاء العدو وينفل من شاء منهم أو جميعهم ما عسى أن يصير بأيديهم
42 ويفتحه الله عليهم الربع أو الثلث قبل القسم تحريضا منه على القتال وهذا الوجه كان مالك يكرهه ولا يراه وكان يقول قتالهم على هذا الوجه إنما يكون للدنيا وكان يكره ذلك ولا يجيزه وأجازه جماعة من أهل العلم غيره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص (لعلي أن أبعثك في جيش فيسلمك الله ويغنمك ويرغب إليك من المال رغبة صالحة) وذهب قوم إلى أن الإمام لو نفل السرية كل ما غنمت جاز وأكثر الفقهاء على خلاف ذلك ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي عن عمران القطان عن علي بن ثابت قال سألت مكحولا وعطاء عن الإمام ينفل قوما ما أصابوا قال ذلك لهم قال حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور قال سألت إبراهيم عن الإمام يبعث السرية فتغنم قال إن شاء نفلهم إياه كله وإن شاء خمسه قال أبو عمر من ذهب إلى هذا تأول قول الله تعالى * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) * [الأنفال 1] أن ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء ولم ير هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " [الأنفال 41] وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فإن جملة قول مالك وأصحابه أن لا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة ولا نفل إلا من الخمس والنفل عندهم أن يقول الإمام (من قتل قتيلا فله سلبه) (1) قال مالك ولم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن برد القتال وكره مالك أن يقاتل أحد على أن له كذا واحتج له بعض أصحابه بحديث عمرو بن شعيب عن
43 أبيه عن جده قال لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد قوي المسلمين على ضعيفهم (1) وإنما جعل مالك النفل من الخمس لا من رأس الغنيمة لأن الخمس مردود قسمته إلى اجتهاد الإمام وأهله غير معنيين ولم ير النفل من رأس الغنيمة لأن أهلها معينون وهم المخوفون وهم الموجفون وقال الشافعي جائز للإمام أن ينفل قبل إحرازه الغنيمة أو بعدها على وجه الاجتهاد قال الشافعي وليس في النفل حد وقد روى بعض الشاميين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة والرجعة (2) قال أبو عمر الحديث بهذا مشهور عن الشاميين ومن أحسن طرقه ما رواه علي بن المديني وأبو بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن رجاء بن أبي سلمة قال سمعت سليمان بن موسى يقول سمعت مكحولا يقول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة الربع وحين قفل الثلث (3) قال أبو بكر وحدثنا حفص بن غياث عن أبي عميش عن القاسم بن عبد الرحمن قال القاسم النفل ما لم يلتق الزحفان فإذا التقى الزحفان فإنما هي الغنيمة قال الشافعي وفي رواية بن عمر ما يدل على أنه نفل نصف السدس قال فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يتجاوزه الإمام قال وأكثر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها أنفال قال وحديث بن عمر يدل على أنهم أعطوا في سهمانهم ما يجب لهم مما أصابوا ثم نفلوا بعيرا بعيرا والنفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم
44 وقول سعيد بن المسيب كان الناس يعطون النفل من الخمس كما قال والذي أراه أن يكون من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر كان أعدل الأقاويل عندي والله أعلم في هذا الباب أن يكون النفل من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن في حديث بن عمر هذا ما يدل على أنه لا يكون ذلك من خمس الخمس وذلك أن تنزل تلك السرية على أنهم كانوا عشرة مثالا ومعلوم أنه إذا عرفت ما للعشرة علمت ما للمائة وللألف فمثال ذلك أن تكون السرية عشرة أصابوا في غنيمتهم مائة وخمسين بعيرا خرج منها خمسها بثلاثين وصار لهم مائة وعشرين قسمت على عشرة وجب لكل واحد اثنا عشر بعيرا ثم أعطي القوم من الخمس بعيرا بعيرا فهذا صحيح على من جعل النفل من جملة الخمس لا من خمس الخمس لأن خمسة ثلاثين لا يكون فيه عشرة أبعرة وقد يحتج أن يكون محتمل أن يكون من خمس الخمس بأن يكون هناك ثياب وخرثي متاع غير الإبل فأعطى من لم يبلغه البعير قيمة البعير من غير ذلك من العروض وكان أبو عبيد القاسم بن سلام يقول في حديث بن عمر هذا النفل الذي ذكره بعد الإسهام ليس له وجه إلا أن يكون من الخمس وقال غيره النفل الذي في خبر بن عمر إنما هو نفل السرايا كان النبي - عليه السلام - ينفل في البداءة الثلث وفي الرجعة الربع وقال أبو ثور وذكر نفل النبي صلى الله عليه وسلم في البداءة والرجوع وذكر حديث بن عمر هذا ثم قال وهذا يدل على أن النفل قبل الخمس وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل جائز للإمام أن ينفل في البداءة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعد الخمس وهو قول الحسن البصري وجماعة وقال النخعي كان الإمام ينفل السرية الثلث والربع يضريهم ويحرضهم على القتال وقال مكحول والأوزاعي لا نفل بأكثر من الثلث _ وهو قول جمهور العلماء وقال الأوزاعي في أمير أغار فقال من أخذ شيئا فهو له كما قال ولا بأس
45 أن يقول الإمام من جاء برأس فله كذا ومن جاء بأسير فله كذا يحرضهم وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لجرير بن عبد الله البجلي لما قدم عليه في قومه وهو يريد الشام هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض أو شيء ولما أ تي عمر بن الخطاب بسيف النعمان بن المنذر أعطاه جبير بن مطعم وقال جماعة فقهاء الشام منهم رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي ومكحول والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك وسليمان بن موسى والأوزاعي وسعيد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز الخمس من جملة القيمة والنفل من بعد الخمس ثم الغنيمة بين أهل العسكر بعد ذلك وهو قول إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وأبي عبيد قال أبو عبيد قال والناس اليوم على أن لا نفل من جملة الغنيمة حتى يخمس وكان سعيد بن المسيب يقول لا تكون الأنفال إلا في الخمس قال أبو عمر من حجة الشاميين ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء عن مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في البداءة ونفل الثلث بعد الخمس في الرجعة 940 - وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد انه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس في الغزو إذا اقتسموا غنائمهم يعدلون البعير بعشر شياه قال أبو عمر في هذه المسألة جواز قسمة الحيوان المختلف الأجناس بعضه ببعض على اختلاف أجناسه وبه قال الشافعي ولا ربا عنه في ذلك في شيء من الحيوان بعضه ببعض نقدا ونسيئة
46 وهو قول أبي حنيفة إلا في النسيئة قال تقسم الإبل والبقر والغنم والثياب كيف شاء أربابها يدا بيد وقال عيسى بن دينار عن أبي القاسم ليس العمل على حديث سعيد بن المسيب هذا ولكن تقسم الإبل على حدة والغنم على حدها بالغنيمة وكذلك سائر العروض يقسم كل جنس على حدته بالغنيمة ولا يقسم شيء منها بالسهم ولا يجعل جزء من جنس جزء من غيره ذلك مكروه لأنه لا يدري أين يقع سهمه وهو عنده من باب الغرر وهذا خلاف ظاهر في حديث سعيد بن المسيب مسألة قال مالك في الأجير في الغزو إنه إن كان شهد القتال وكان مع الناس عند القتال وكان حرا فله سهمه وإن لم يفعل ذلك فلا سهم له وأرى أن لا يقسم إلا لمن شهد القتال من الأحرار قال أبو عمر اختلف العلماء في الأجير والتاجر فقول مالك في الأجير ما ذكره في موطئه وذكر في غير الموطأ لا يسهم للتاجر ولا للأجير إلا أن يقاتلوا وقال الحسن بن حي يسهم للأجير وقال الليث بن سعد من أسلم فخرج إلى العسكر فإن قاتل فله سهمه وإن لم يقاتل فلا سهم له قال والأجير إذا اشتغل بالخدمة عن حضور القتال فلا شيء له وقال أبو حنيفة وأصحابه في التاجر والأجير إن قاتلوا استحقوا وإن لم يقاتلوا فلا شيء لهم وهذا كقول مالك سواء وروى الثوري عن أشعث عن الحسن وبن سيرين قالا يسهم للأجير قال الثوري إذا قاتل الأجير أسهم له ورفع عن من استأجره بقدر ما شغل عنه وقال الأوزاعي وإسحاق لا يسهم للعبد ولا الأجير المستأجر على خدمة القوم ذكر المزني عن الشافعي قال ولو كان لرجل أجير يريد الجهاد معه فقد قيل يسهم له وقد قيل لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل كذلك التجار إن قاتلوا قيل لا يسهم لهم وقيل يسهم لهم
47 قال المزني قد قال في كتاب الأسارى يسهم للتاجر إذا قاتل وهو أولى بأصله قال أبو عمر جمهور العلماء يرون أن يسهم للتاجر إذا حضر القتال وقال الأوزاعي لا يسهم للبيطار ولا للشعاب والحداد ونحوهم وقال مالك يسهم لكل من قاتل إذا كان حرا وبه قال أحمد بن حنبل قال أبو عمر من جعل الأجير كالعبد لم يسهم له حضر القتال أم لم يحضر وجعل ما أخذه من الأجرة مانعا له من السهمان ومن حجته ما رواه عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد قال أخبرني أبو سلمة الحمصي أن عبد الرحمن بن عوف قال لرجل من فقراء المهاجرين أتخرج معي يا فلان إلى الغزو قال نعم فوعده فلما حضره الخروج دعاه فأبى أن يخرج معه فقال عبد الرحمن أليس قد وعدتني أتخلفني قال ما أستطيع أن أخرج قال وما الذي يمنعك قال عيالي وأهلي قال فما الذي يرضيك حتى تخرج معي قال ثلاثة دنانير فدفع إليه عبد الرحمن ثلاثة دنانير قبل أن يخرج معه فلما هزموا العدو وأصابوا المغنم قال لعبد الرحمن أعطني نصيبي من المغنم فقال عبد الرحمن سأذكر أمرك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هذه الثلاثة الدنانير حظه ونصيبه من غزوته في أمر دنياه وآخرته)) (1) واختلفوا أيضا في العبد فقال مالك لا أعلم العبد يعطى من الغنيمة شيئا وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي لا يسهم للعبد ولكن يرضخ له (2) قال أبو عمر روي عن الحكم بن عتيبة والحسن وبن سيرين وإبراهيم النخعي وعمرو بن شعيب أن للعبد إذا حضر القتال أسهم له وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس أنهما قالا لا يسهم للعبد وليس له في الغنيمة نصيب ذكره أبو بكر بن أبي شيبة من طرق عنهما
48 حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال أخبرنا هشام عن محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفد عن عمير مولى آبي اللحم قال شهدت مع مولاي خيبر وأنا مملوك فلم يقسم لي من الغنيمة شيء وأعطاني من خرثي المتاع (1) سيفا كنت أجره إذا تقلدته (2) قال أبو عمر هذا حكم العبد في الغزو والغنيمة وأما القسم له في الفيء والعطاء فقد اختلفوا عن عمر فيه على قولين العلماء عليهما روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن مخلد الغفاري أن ثلاثة مملوكين لبني غفار شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عمر يعطيهم كل سنة ثلاثة آلاف لكل رجل منهم وسفيان عن عمرو بن دينار قال قدم عمر بن الخطاب مكة وكتب إعطاء الناس عشرة دراهم فمر به عبد فأعطاه عشرة دراهم فلما ولى قالوا له إنه عبد قال دعوه قال أبو عمر وأصح ما في هذا الباب عن عمر ما رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان (3) قال وقال عمر ليس أحد إلا وله في هذا المال حق يعني الفيء إلا ما ملكت أيمانكم وروى عن بن شهاب جماعة كذلك عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب وهو حديث متصل صحيح والاختلاف فيه عن أبي بكر الصديق كذلك
49 قال أبو عمر مسألة الأجير تشبه مسألة الجعائل ولا ذكر لها في الموطأ فنذكرها ها هنا قال مالك لا بأس بالجعائل ولم يزل الناس يجاعلون بالمدينة عندنا وذلك لأهل العطاء ومن له ديوان وكره مالك أن يؤاجر وابنه أو قومه في سبيل الله وكره أن يعطيه الوالي الجعل على أن يتقدم إلى الحصن فيقاتل قال ولا نكره لأهل العطاء الجعائل لأن العطاء نفسه مأخوذ على هذا الوجه وقال الشافعي لا يجوز أن يغزو [فيأخذ] الجعل من رجل يجعله له وإن غزا به فعليه أن يرده ولا بأس بأن يأخذ الجعل من السلطان دون غيره لأنه يغزو بشيء من حقه وقال أبو حنيفة تكره الجعائل ما كان بالمسلمين قوة أو كان بيت المال يفي بذلك فأما إذا لم تكن فيهم قوة ولا مال فلا بأس أن يجهز بعضهم بعضا ويجعل القاعد للناهض وكره الليث والثوري الجعل وقال الأوزاعي إذا كانت نية الغازي على الغزو فلا بأس أن يعان وقال الكوفيون لا بأس لمن أحس من نفسه حينا أن يجهز الغازي ويجعل له جعلا لغزوه في سبيل الله قال أبو عمر لما كان الغازي يتخذ سهما من الغنيمة من أهل حضور القتال استحال أن يجعل له جعلا فيما فعله لنفسه وأدائه ما عليه من فرض الجهاد وسنته وسنذكر حكم النساء إذا غزون هل يسهم لهن عند ذكر أم حرام في غزوها مع زوجها عبادة في البحر - إن شاء الله ((7 - باب ما لا يجب فيه الخمس)) قال مالك فيمن وجد من العدو على ساحل البحر بأرض المسلمين فزعموا أنهم تجار وأن البحر لفظهم (1) ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك إلا أن مراكبهم
50 تكسرت أو عطشوا فنزلوا بغير إذن المسلمين أرى أن ذلك للإمام يرى فيهم راية ولا أرى لمن أخذهم فيهم خمسا قال أبو عمر يروى وعطبوا ويروى أو عطشوا وهو أولى لاختلاف معنى اللفظين لدخول (أو) بينهما قال أبو عمر الحكم في هؤلاء مما يظهر من أمرهم بأن لم ير معهم سلاح ولا آلة حرب وظهر متاع التجارة أو ما دل عليه فحكم الإمام فيهم أن يقتل منهم أو يردهم إلى مأمنهم وإن لم يظهر من أمرهم ما يدل على صدقهم لم يكن لأهل بلدهم صلح ولا عهد مهادنة مأمون به فهم فيء ساقه الله إلى المسلمين لا خمس فيهم لأحد لأنهم لم يوجف عليهم بخيل ولا ركاب وقد قيل إنهم لمن أخذهم وقدر عليهم وصاروا بيده وفيهم الخمس قياسا على الركاز الذي هو من مال الكفار وقد وردت السنة بإيجاب الخمس فيه فأجري مجرى الغنيمة وإن لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فإن لم يصيروا بيد أحد حتى ارتفع أمرهم إلى الإمام فلا خمس فيهم بإجماع وهم في ثلث مال المسلمين مع سائر الفيء ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سئل عطاء عن رجل من أهل الحرب يأتي المسلم بغير عهد قال خيره إما أن تقره وإما أن تبلغه مأمنه قال بن جريج وقال غيره لا يرده إلا أن يكون له عهد ولو جاء بغير سلاح - إن شاء الله ((8 - باب ما يجوز للمسلمين أكله قبل الخمس)) قال مالك لا أرى بأسا أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض العدو من طعامهم ما وجدوا من ذلك كله قبل أن يقع في المقاسم قال مالك وأنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام يأكل منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو كما يأكلون من الطعام ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس المقاسم ويقسم بينهم أضر ذلك بالجيوش فلا أرى بأسا بما أكل من ذلك كله على وجه المعروف ولا أرى أن يدخر أحدا من ذلك شيئا يرجع به إلى أهله وسئل مالك عن الرجل يصيب الطعام من أرض العدو فيأكل منه ويتزود فيفضل منهم شيء أيصلح له أن يحسبه فيأكله في أهله أو يبيعه قبل أن يقدم بلاده فينتفع بثمنه قال مالك إن باعه وهو في الغزو فإني أرى أن يجعل ثمنه في غنائم
51 المسلمين وإن بلغ به بلده فلا أرى بأسا أن يأكله وينتفع به إذا كان يسيرا تافها ما لم يعتقده مالا قال أبو عمر أجمع جمهور علماء المسلمين على إباحة طعام الحربيين ما دام المسلمون في أرض الحرب يأكلون منه قدر حاجتهم وجاءت بذلك آثار مرفوعة من قبل أخبار الآحاد العدول من حديث بن عمر (1) وحديث بن مغفل (2) وحديث بن أبي أوفى (3) وقد ذكرناها في ((التمهيد)) وجملة قول مالك والثوري وأبي حنيفة والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي أنه لا بأس أن يؤكل الطعام والعلف في دار الحرب بغير إذن الإمام وكذلك ذبح الأنعام للأكل وهو قول أحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وكان بن شهاب الزهري لا يرى أخذ الطعام في أرض الحرب إلا بإذن الإمام ذكره عنه معمر وغيره ولا أعلم أحدا قاله غيره وروى الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قالوا كانوا يرخصون للغزاة في الطعام والعلف وكره الجمهور من أهل العلم أن يخرج شيء من الطعام إلى أرض الإسلام إذا كان له قيمة أو كانت للناس رغبة وحكموا الذي يحكم لقسمة الغنيمة فإن أخرجه رده في المقاسم إن أمكنه وإلا باعه ونظر في ثمنه وقال الأوزاعي ما أخرجه من ذلك إلى دار الإسلام فهو له أيضا
52 قال أبو عمر روى بشر بن عبادة عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل أنه قال كلوا لحم الشاة وردوا بها إلى المغنم فإن له ثمنا وسنذكر في باب الغلول ما للعلماء من المذاهب في تقبل ما لا يؤكل من الغنيمة والانتفاع بالأعيان منها في دار الحرب وبيع الناقة من فضلة الطعام وأخذ المباحات في أرضهم ما لم يكونوا يملكونه كعود النشاب والسروج وصعود الصيد وحجر السن ونحو ذلك _ إن شاء الله وإنما ذكرنا في هذا الباب الطعام خاصة لخلاف غيره له في الحكم ولأن ترجمة الباب تضمنت الأكل دون غيره ((9 _ باب ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو)) 941 _ ذكر مالك أنه بلغه أن عبدا لعبد الله بن عمر أبق (1) وأن فرسا له عار (2) فأصابهما المشركون ثم غنمهما المسلمون فردا على عبد الله بن عمر وذلك قبل أن تصيبهما المقاسم قال مالك فيما يصيب العدو من أموال المسلمين إنه إن أدرك قبل أن تقع فيه المقاسم فهو رد على أهله وأما ما وقعت فيه المقاسم فلا يرد على أحد وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه ثم غنمه المسلمون قال مالك صاحبه أولى به بغير ثمن ولا قيمة ولا غرم ما لم تصبه المقاسم فإن وقعت فيه المقاسم فإني أرى أن يكون الغلام لسيده بالثمن إن شاء قال أبو عمر أما خبر بن عمر في العبد والفرس فذكر أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أن غلاما له أبق إلى الروم وفرسا له هرب فأخذها المشركون فردا إلى عبد الله بن عمر وعلى المسلمين يومئذ خالد بن الوليد قال موسى وذلك عام اليرموك قال أبو عمر يختلفون على نافع في هذا الحديث والصحيح _ إن شاء الله _ أن
53 أحدهما رده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني رده خالد بن الوليد أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي الحلواني ومحمد بن سليمان الأنباري قالا حدثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه ذهبت له فرس فأخذها العدو فغار عليهم المسلمون فرده عليه يعني خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم (1) وروى معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال أبق غلام لي يوم اليرموك ثم ظهر عليه المسلمون فردوه إلي وروى بن جريج قال سمعت نافعا يزعم أن عبد الله بن عمر ذهب العدو بفرسه فلما هزم العدو وجد خالد فرسه فرده إلى عبد الله بن عمر قال أبو عمر رواية عبيد الله بن عمر عن نافع أولى بالصواب في ذلك إن شاء الله وللعلماء في هذه المسألة أقوال أحدها أن ما صار من أموال المسلمين إلى الكفار بغلبة من الكفار أو غير غلبة ثم ظفر به المسلمون فإنه يرد إلى صاحبه وعلم وثبت ذلك قبل القسم بلا شيء وإن أراده بعد القسمة فهو أحق به بالقيمة وهو قول مالك والثوري والحسن بن حي وروي مثل هذا عن عمر بن الخطاب وسلمان بن ربيعة الباهلي وهو قول عطاء وبه قال أحمد بن حنبل وقول ثان أنهما غلبا عليه الكفار وجاوزوه ثم غنمه المسلمون فحاله ما ذكرنا وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري قالوا وأما ما صار إلى المشركين من غير غلبة فصاحبه أحق به قبل القسم وبعده بلا شيء والقول الثالث إن ما غلب عليه الكفار من أموال المسلمين وما أبق إليهم من رقيق المسلمين من غير غلبة منهم ثم غنمه المسلمون فكل ذلك سواء هو لصاحبه بلا شيء قبل القسم وبعده
54 وهو قول الشافعي وبه قال أبو ثور وعن الأوزاعي روايتان أحدهما مثل قول أبي حنيفة والثانية مثل قول مالك وقال الثوري في العبد يأبق إلى العدو ثم يصيبه المسلمون أن صاحبه أحق به قسم أو لم يقسم وقال الأوزاعي إن دخل العبد القسم من حصون العدو قسم مع أموال أهل الحصن ويكون فيئا وإن لم يرد الحصن رد إلى مولاه وفي المسألة قول رابع قاله الزهري وعبد الله بن دينار قال ما أحرزه العدو ثم غنمه المسلمون فهو لجماعة المسلمين يقسمه المسلمون ولا يرد إلى صاحبه وهو للجيش ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن سليمان عن سعيد عن قتادة قال قال علي (رضي الله عنه) هو للمسلمين عامة لأنه كان لهم مالا وروى سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال قال علي فيما قسم ما أحرزه العدو فظهر عليه صاحبه فهو أحق به بالغنيمة وهذا خلاف ما ذكره أبو بكر قال حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه أن عليا كان يقول فيما أحرزه العدو من أموال المسلمين أنه بمنزلتهم قال وكان الحسن يفتي بذلك قال أبو عمر هذه رواية لسليمان التيمي عن الحسن وقد روى هشيم عن مغيرة عن إبراهيم وعن يونس بن جبير قالا ما أحرزه العدو من مال المسلمين فغنمه المسلمون وعرفه صاحبه فهو أحق به ما لم يقسم فإذا قسم فقد مضى ذكره أبو بكر بن هشيم قال وحدثنا إدريس عن ليث عن مجاهد مثله قال أبو عمر احتج الشافعي لمذهبه بحديث عمران بن حصين قال أغار المشركون على صاحب المدينة وأحرزوا العضباء وامرأة من المسلمين فلما كان ذات ليلة قامت المرأة وقد ناموا فجعلت ما تضع يدها على بعير إلا رغا حتى تأتي العضباء فأتت على ناقة ذلول فركبتها ثم توجهت قبل المدينة ونذرت لئن الله نجاها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفت الناقة فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته
55 المرأة بنذرها فقال ((بئسما جزيتيها لا نذر فيما لا يملك بن آدم ولا في معصية)) (1) رواه حماد بن زيد وبن علية وعبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين وفي رواية بعضهم عن أيوب فأخذها النبي قال الشافعي فهذا دليل على أن أهل الحرب لا يملكون عليها بالغلبة ولا بعدها ولو ملكوا عليها لملكت المرأة الناقة كسائر أموالهم لو أخذت شيئا منها ولو صح فيها نذرها وقد فضل الله المسلمين بأن لا يملك شيء من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم ولا يرثها عنهم إلا أهل دينهم واحتج المخالفون للشافعي عليه بما رواه الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه فقال رسول الله إن أصبته قبل أن يقسم فهو لك وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة قال أبو عمر الحسن بن عمارة مجتمع على ضعفه وترك الاحتجاج بحديثه وذكر الطحاوي أن علي بن المديني روى عن يحيى بن سعيد أنه سأل سعدا عن هذا الحديث فقال له من حديث عبد الملك بن ميسرة وروى وكيع وعبد الرزاق عن الثوري عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة قال أصاب المشركون ناقة لرجل من المسلمين فاشتراها رجل من المسلمين من العدو فعرفها صاحبها فخاصمه إلى النبي فأقام البينة فقضى النبي أن يدفع له الثمن الذي اشتراها به من العدو وإلا خلى بينه وبينها وفي هذا الباب قال مالك في أم ولد رجل من المسلمين حازها المشركون ثم غنمها المسلمون فقسمت في المقاسم ثم عرفها سيدها بعد القسم إنها لا تسترق وأرى أن يفتديها الإمام لسيدها فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفتديها ولا يدعها ولا أرى للذي صارت له أن يسترقها ولا يستحل فرجها وإنما هي بمنزلة الحرة لأن
56 سيدها يكلف أن يفتديها إذا جرحت فهذا بمنزلة ذلك فليس له أن يسلم أم ولده تسترق ويستحل فرجها قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة فقول مالك فيه ما ذكر في موطئه وقد روي عنه أن على صاحبها أن يفديها إن كان موسرا فإن كان معسرا أتبع دينا به إن لم يعط ذلك من بيت المال قال وأرى على الإمام أن يفديها وقال الليث بن سعد في ذلك كقول مالك إلا أنه قال يتبع السيد بقيمتها دينا إن لم يكن عنده ما يفديها به قال أبو عمر كان الليث بن سعد لا يرى على سيد أم الولد أن يؤدي عنها جنايتها وقال يتبع به أم الولد دون السيد وهذه مسألة أخرى قد اختلف فيها العلماء وسيأتي موضعها _ إن شاء الله قال أبو حنيفة وأصحابه لا يملك العدو علينا بالغلبة حرا ولا أم ولد ولا مدبرا وقال الشافعي على أصله ليس في أم الولد على سيدها شيء ويدفع إليه أم ولده لأن العدو لا يملكون عنده شيئا من أموال المسلمين وأما قول مالك في الرجل يخرج إلى أرض العدو في المفازاة أو في التجارة فيشتري الحر أو العبد أو يوهبان له فقال أما الحر فإن ما اشتراه به دين عليه ولا يسترق وإن كان وهب له فهو حر وليس عليه شيء إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئا مكافأة فهو دين على الحر بمنزلة ما اشتري به وأما العبد فإن سيده الأول مخير فيه إن شاء أن يأخذه ويدفع إلى الذي اشتراه ثمنه فذلك له وإن أحب أن يسلمه أسلمه [وإن كان وهب له فسيده الأول أحق به ولا شيء عليه إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئا مكافأة فيكون ما أعطى فيه غرما على سيده أحب أن يفتديه] وهذا كله معنى قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وبن شهاب الزهري وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وقال الليث بن سعد إن كان موسرا دفع إلى المشتري ما اشتراه به وإن كان معسرا ففي بيت المال فإن لم يكن كان دينا عليه
57 قال أبو عمر سواء عند مالك اشترى الحر بأمره أو بغير أمره وجوابه فيه ما ذكر في الموطأ وكذلك العبد سواء اشتراه بإذن سيده أو بغير إذنه إلا أنه إذا لزمه بأمره لزمه ما اشتراه به إلا أن يكون أكثر من قيمته ما لا يتغابن بمثله فيعود إلى التخيير وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري ليس على الأسير الحر من الثمن الذي اشتراه به إلا أن يكون أمره بالشراء قال أبو عمر الحجة لمالك أن فداء الأسير لنفسه من أرض العدو واجب عليه ومقامه مع قدرته على الفداء لا يجوز له فالذي اشتراه إنما فعل ما يلزمه فوجب عليه أن يرجع عليه بما اشتراه به ومن قال بقول الكوفيين يقول إن الضمان غير متعلق بالوجوب بدليل وجوب فداء الأسير على جماعة المسلمين وإجماعهم على أنه لو أمره بالفداء رجع به عليه دون جماعة المسلمين فإذا لم يأمره لم يكن له أن يثبت عليه دين إلا بأمره قال أبو عمر قول مالك أولى لأنه المقدم على جماعة المسلمين في فداء نفسه إذا قدر عليه وقال الأوزاعي لو أسر ذمي ففداه مسلم بغير أمره استسعاه فيه وأما العبد فليس على سيده شيء مما اشتراه أو فداه به التاجر بغير أمر السيد لأنه متطوع بفعله ويأخذ السيد عبده كما يأخذه قبل القسم وأما أبو حنيفة فقال إذا اشترى فأخذه إلى دار الإسلام كان لمولاه أخذه بالثمن فإن وهبه المشتري لرجل قبل أن يأخذه مولاه ثم جاء المولى لم يكن له فسخ الهبة ولكنه يأخذه من الموهوب له بقيمته يوم وهبه وروى أشهب عن مالك أنه قال لو أعتق المشتري بطل عتقه وأخذه مولاه بالثمن الذي اشتراه به قال أشهب فهبة المشتري أحق أن تبطل ويأخذه مما اشتراه به وهو قول أشهب وبن نافع وقال بن القاسم إن أعتقه لم يكن للمولى سبيل ولا ينقض البيع إن باعه ولا الهبة وإنما له الثمن وقال الحسن بن حي إن باعه أخذه المولى من المشتري الثاني بالثمن الذي أخذه الأول من العدو فإن كان أقل رجع بما بين الثمنين على الذي باعه منه
58 وقال الشافعي إن اشتراه بأمره ثم اختلفا فالقول قول الأسير وقال الأوزاعي القول قول المشتري اشتراه بأمره أو لم يشتره بغير أمره _ إن شاء الله تعالى ((10 _ باب ما جاء في السلب في النفل)) 942 _ مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي أنه قال خرجنا مع رسول الله عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين (1) قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه (2) فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت (3) ثم أدركه الموت فأرسلني قال فلقيت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله ((من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه)) قال فقمت ثم قلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ((من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه)) قال فقمت ثم قلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله ((ما لك يا أبا قتادة)) قال فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه عنه يا رسول الله فقال أبو بكر لا هاء الله (4) إذا لا يعمد (5) إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله ((صدق فأعطه إياه)) فأعطانيه فبعت الدرع فاشتريت به مخرفا (6) في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته (7) في الإسلام
59 قال أبو عمر قال يحيى في هذا الحديث عمرو بن كثير بن أفلح وقد ذكرنا من تابعه على ذلك في ((التمهيد)) والأكثر يقولون عمر بن كثير وذكرنا هناك أبا محمد مولى أبي قتادة وذكرنا أبا قتادة في كتاب الصحابة والغاية التي سيق لها هذا الحديث والغرض المقصود به إليه هو حكم السلب وهو باب اختلف فيه السلف والخلف فقال مالك إنما قال رسول الله ((من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه)) بعد أن برد القتال يوم حنين ولم يحفظ عنه ذلك في غير يوم حنين قال ولا بلغني عن ذلك عن الخليفتين وليس السلب للقاتل حتى يقول ذلك والاجتهاد في ذلك إلى الإمام قال مالك والسلب من النفل ولا نفل في ذهب ولا فضة ولا نفل إلا من الخمس وكره مالك أن يقول الإمام من أصاب شيئا فهو له وكره أن يسفك أحد دمه على هذا وقال هو قتال على جعل وكره للإمام أن يقول من قاتل فله كذا ومن بلغ موضع كذا فله كذا ومن قتل قتيلا فله كذا أو نصف ما غنم قال وإنما نفل النبي _ عليه السلام _ بعد القتال هذا جملة مذهب مالك في هذا الباب ومذهب أبي حنيفة والثوري نحو ذلك واتفق مالك والثوري وأبو حنيفة على أن السلب من غنيمة الجيش حكمه حكم سائر الغنيمة إلا أن يقول الأمير ((من قتل قتيلا فله سلبه)) فيكون حينئذ له وقال الأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد السلب للقاتل على كل حال قال ذلك الأمير أو لم يقله لأنها قضية قضى بها رسول الله ولا يحتاج لذلك إلى إذن الإمام فيها إلا أن الشافعي قال إنما يكون السلب للقاتل إذا قتله مقبلا عليه وأما إذا قتله وهو مدبر فلا سلب له ومن حجته إجماع العلماء على أن لا سلب لمن قتل طفلا أو شيخا هرما أو أجهز على جريح وكذلك من ذفف على جريح أو ذفف على من قطع في الحرب من أعضائه ما لا يقدر على ذلك عن الدفع عن نفسه
60 وفي ذلك دليل على أن السلب إنما حكى به النبي _ عليه السلام _ لمن في قتله مؤنة وشوكة وهو المقاتل لمن أقبل عليه ودافع عن نفسه والله أعلم وقال سائر الفقهاء السلب للقاتل على كل حال مقبلا كان المقتول أو مدبرا على ظاهر الأحاديث ((من قتل قتيلا فله سلبه)) وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد الرحمن وسعيد بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وفقهاء أهل الشام إذا كانت المعمعة والتحمت الحرب فلا شيء سلب حينئذ لقاتل وقال أبو ثور ومحمد بن جرير الطبري في السلب السلب لكل قاتل في معركة كان أو غير معركة مقبلا كان أو مدبرا أو على أي حال كان على ظاهر الحديث وقال الأوزاعي ومكحول السلب مغنم ويخمس وقال الشافعي يخمس كل شيء من الغنيمة إلا السلب فإنه لا يخمس وهو قول أحمد بن حنبل والطبري واحتجوا بقول عمر بن الخطاب ((كنا لا نخمس السلب على عهد رسول الله)) ومن حجته ما حدثناه عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال أخبرنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد ((أن رسول الله قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب)) (1) وروي عن مالك يخمس السلب وروي عنه أن الإمام مخير فيه إن شاء خمسه وإن شاء لم يخمسه قال أبو عمر حجة من خمس السلب عموم قوله تعالى " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " [الأنفال 41] ولم يستثن سلبا ولا نفلا وحجة من لم ير فيه خمسا عموم قول النبي ((من قتل قتيلا فله سلبه)) فملكه إياه ولم يستثن عليه شيئا منه ولا استثنى رسول الله شيئا من سنته من جملة الغنيمة غير سلب القاتل وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن بن سيرين قال بارز البراء بن مالك أخو أنس بن مالك مرزبان الزأرة فقتله فأخذ سلبه فبلغ سلبه ثلاثين ألفا
61 فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال لأبي طلحة إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا كثيرا ولا أرانا إلا خامسيه وذكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن بن عوف وهشام بن حسان عن بن سيرين عن أنس بن مالك أن البراء بن مالك حمل على مرزبان الزأرة فطعنه طعنة دق قربوس سرجه وقتله وأخذ سلبه فذكر ما تقدم قال بن سيرين فحدثني بن مالك أنه أول سلب خمس في الإسلام وقال إسحاق بهذا القول إذا استكثر الإمام السلب خمسه وذلك إليه وقد حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب بعث قتادة فقتل ملك فارس بيده وعليه منطقة ثمنها خمسة عشر ألف درهم فنفله عمر إياها وأما قول مالك إنه لم يبلغه أن رسول الله قال ((من قتل قتيلا فله سلبه)) إلا يوم حنين فقد بلغ غيره من ذلك ما لم يبلغه وقد نفل رسول الله ببدر وغيرها فمن ذلك حديث عبد الرحمن بن عوف وقد ذكرناه بإسناده ((بالتمهيد)) أنه دل معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح على أبي جهل فحملا عليه فصرعاه ثم أتيا النبي فذكرا ذلك له وقال كل واحد منهما أنا قتلته فنظرا إلى سيفيهما فقال ((كلاكما قتله)) وقضى بسلبه لهما (1) ومن ذلك أيضا خبر بن مسعود في قتل أبي جهل أنه وجده مثخنا في قصة ذكرها فأخذ سيفه قتله به فنفله رسول الله إياه (2) وما رواه أيضا داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا من النفل فتصارع الشبان ولزم المشيخة الدابة فلم يبرحوها فلما فتح الله عليهم جاء الشبان يطلبون ما جعل له وجعل له فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم وفيه لو انكشفتم فأنزل الله تعالى " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا
62 ذات بينكم) (1) [الأنفال 1] فدل على أن هنالك أنفالا نفلها رسول الله وكان ذلك في حكم الله ورسوله وأما الحجة لمالك في أن السلب لا يكون للقاتل إلا أن ينادي به الإمام وأنه مردود إلى اجتهاده وأنها ليست قضية أمضاها حديث عوف بن مالك الأشجعي وقصتة مع خالد بن الوليد في أمر المددي وذلك أن المددي قتل الرومي وأخذ سلبه فانتزعه منه خالد بن الوليد فقال له عوف أردد عليه سلبه تاما فقال والله لأخبرن بذلك رسول الله قال عوف فاجتمعنا عند رسول الله فأقصصت عليه القصة وما فعل خالد بالمددي فقال رسول الله لخالد ((ما حملك على ما صنعت)) فقال يا رسول الله استكثرت نفله فقال رسول الله ((رد عليه ما أخذت منه)) فقال عوف لخالد كيف رأيت يا خالد ألم أف لك فقال رسول الله ((وما ذاك)) فأخبره فغضب رسول الله وقال ((يا خالد لا ترده عليه هل أنتم تاركون لي أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره)) (2) ذكره أبو داود عن أحمد بن حنبل عن الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك فقال أحمد بن حنبل عن الوليد سألت ثورا عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك نحوه قال أبو عمر احتج من قال بأن السلب للقاتل مدبرا بحديث سلمة بن الأكوع أنه قتل القتيل فهو إذن فقال رسول الله ((من قتل القتيل)) قالوا سلمة بن الأكوع فقال رسول الله ((له سلبه أجمع
63 وقد ذكرنا الحديث بإسناده في ((التمهيد)) وليس فيه ما يدل على أن قتله ما يراد لا مقبلا ولا هاربا بل فيه على أن قتله مخاتلا مخادعا والله أعلم واختلف الفقهاء في الرجل يدعي أنه قتل رجلا بعينه وادعى سلبه فقالت طائفة منهم يكلف على ذلك البينة فإن جاء بشاهدين أخذه وإن جاء بشاهد حلف معه وكان سلبه له واحتجوا بحديث أبي قتادة وبأنه حق يستحق مثله بشاهد ويمين وممن قال ذلك الشافعي والليث وجماعة من أصحاب الحديث وقال الأوزاعي ظاهر حديث [أبي] قتادة هذا يدل على أن ذلك حكم في ما مضى ولم يرد به رسول الله أن يكون أمرا لازما في المستقبل لأنه أعطاه السلب _ بشهادة رجل واحد بلا يمين ومخرج ذلك على اجتهاد من الخمس إذا رأى ذلك الإمام مصلحة والقضاء فيه مؤتنف قال أبو عمر بل أعطاه إياه والله أعلم لأنه قوله به من كان حازه لنفسه في القتال لأن أبا قتادة أحق بما في يديه منه فأمر بدفع ذلك إليه وكان درعا ولا يشك أنه سلب قتيل لا ما سواه من سائر المغانم وقد كان بيده مالا من ماله فقال رسول الله ((من قتل قتيلا فله سلبه)) وقد تقدم قول من قال أنها قضية ماضية من رسول الله قضى بها في مواطن شتى ألا خيار فيها لأحد وتقدم ذكر قول مالك والكوفيين في ذلك وفي هذا الباب 943 _ مالك عن بن شهاب عن القاسم بن محمد أنه قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال فقال بن عباس الفرس من النفل والسلب من النفل قال ثم عاد الرجل لمسألته فقال بن عباس ذلك أيضا ثم قال الرجل الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي قال القاسم فلم يزل يسأله حتى كاد أن يحرجه (1) ثم قال بن عباس أتدرون ما مثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب
64 هكذا هو الخبر في الموطأ عند جمهور الرواة ورواه الوليد بن مسلم عن مالك مثله فقال في آخره السلب من النفل والفرس من النفل يريد أنه للقاتل وأظن أنه يريد لنفسه أقل من قول الوليد بن مسلم فهو مذهبه ومذهب الأوزاعي شيخه والشافعي ومن ذكرنا معهم وليس ذلك في الموطأ في آخر هذا الحديث وذكر أبو عبد الله المروزي قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا بشر بن عمر ومحمد بن المبارك وهذا حديث محمد بن المبارك وهو أتمها قال حدثنا مالك عن الزهري عن القاسم بن محمد قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عباس عن النفل فقال السلب من النفل والفرس من النفل فقال الرجل الأنفال التي سمى الله فأعاد عليه المسألة مرارا حتى كاد يحرجه وقال بن عباس أتدرون ما مثل هذا مثله مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب بالجريد ورواه معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد عن بن عباس أن رجلا سأله عن الأنفال فقال الرجل بنفل سلب الرجل وفرسه قال فأعاد عليه قال له مثل ذلك ثم أعاد عليه فقال بن عباس أتدرون ما مثل هذا وذكر تمام الخبر ورواه الأوزاعي عن الزهري أنه سمع القاسم بن محمد يقول سمعت عمر يقول سمعت بن عباس يقول السلب من النفل وفي النفل الخمس وهذا الحديث رواه الليث عن الزهري بإسناده وروى أبو الجويرية عن بن عباس انه يقول لا تحل الغنيمة حتى تخمس ولا يحل النفل حتى يقسم الخمس قال أبو عمر النفل الغنيمة والأنفال الغنائم هذا ما لا خلاف فيه عند العلماء ولا أهل اللغة قال صاحب العين النفل المغنم والجميع الأنفال وللإمام ينفل الجيش إذا جعل لهم ما غنموا وقال مجاهد الأنفال الغنائم وقالته الجماعة
65 وقد يكون النفل في اللغة أيضا العطية والأنفال العطايا من الله عز وجل ومن العباد بعضهم لبعض وأجمع العلماء على أن قول الله عز وجل " واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه " [الأنفال 41] نزلت عند قوله * (يسألونك عن الأنفال) * [الأنفال 1] نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر وروي عن بن عباس ومجاهد وعكرمة والشعبي وإسماعيل السدي في قوله عز وجل * (يسألونك عن الأنفال) * [الأنفال 1] قال الأنفال لله والرسول نسختها " واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه " [الأنفال 41] حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا سليمان بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله " يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " [الأنفال 1] قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله خاصة ليس لأحد فيها شيء فسألوا رسول الله فأنزل الله تعالى " يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ليس لكم فيها شيء * (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) * [الأنفال 1] ثم نزلت " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " [الأنفال 41] فقسم القسمة وقسم الخمس لمن سمي في الآية وروى محمد بن إسحاق والثوري وعبد العزيز بن محمد الداروردي عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا نزلت معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعل لرسول الله فقسمه رسول الله بين المسلمين على بواء يقول على السواء فكان ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين (1) وقد ذكرنا حديث عبادة هذا بأتم ألفاظ في كتاب ((الدرر في اختصار المغازي والسير)) وفي معنى التشاجر الذي ذكرنا له
66 قال أبو عمر ثم نسخ الله الآية التي في أول الأنفال بقوله عز وجل " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " [الأنفال 41] على ما تقدم ذكرنا له عن من وصل إلينا قوله من العلماء وقد روى وكيع وغيره عن سفيان بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام الحبشي عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله نفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث وهذا حديث آخر إسناده ومتنه غير إسناد الأول ومتنه وإن كانا جميعا عند سليمان بن موسى عن مكحول إلا أن مكحولا روى هذا الحديث عن أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة عن عبادة وروى الأول عن أبي أمامة عن عبادة وهما حديثان مختلفان في معنيين قد حفظهما جميعا عبادة بن الصامت عن النبي _ عليه السلام وقد روى مثل حديث عبادة هذا عن النبي _ عليه السلام _ حبيب بن مسلمة من رواية مكحول أيضا عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة رواه عن مكحول يزيد بن يزيد بن جابر من رواية بن عيينة وغيره عن يزيد بن يزيد ورواه أيضا سليمان بن موسى عن مكحول من رواية سعيد بن عبد العزيز وغيره عن سليمان بن موسى وقد تكلم البخاري في أحاديث سليمان بن موسى وطعن فيما انفرد به منها وأكثر أهل العلم يصححون حديثه بأنه إمام من أئمة أهل الشام وفقيه من جلة فقهائهم وأما قول بن عباس في الموطأ فيدل على أن الآية عنده منسوخة وهو قول زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وتأويل قوله * (قل الأنفال لله والرسول) * [الأنفال 1] عندهم كقوله * (فأن لله خمسه وللرسول) * [الأنفال 41] أي له وضعها حيث وضعها الله وذلك قول بن عباس حين سئل عن الأنفال فقال السلب والفرس وفي رواية أخرى عنه في ذلك الفرس والدرع والرمح
67 وقول مالك في ذلك نحو قول بن عباس قال مالك السلب من النفل في الآثار الثابتة عن النبي أنه للقاتل دليل على أن الآية محكمة وقال عطاء في قوله " يسئلونك عن الأنفال " ما شذ عن العدو إلى المسلمين من عبد أو دابة أو متاع فهي الأنفال التي يقضي فيها الإمام ما أحب قال أبو عمر روى معمر عن الزهري أن بن عباس [قال] إن الرجل كان ينفل سلب الرجل وفرسه وقد عمل المسلمون من الصحابة والتابعين بإعطاء السلب للقاتل في مواطن شتى لا ينكر ذلك واحد منهم وإنما اختلف الفقهاء هل ذلك واجب للقاتل دون إعطاء الإمام وندائه لذلك أو حتى يأمر به وينادي به مناديه في العسكر قبل الغنيمة أو بعدها على حسب ما قدمنا ذكره عنه في هذا الكتاب وإنما جعل مالك حديث بن عباس بعد حديث أبي قتادة مفسرا له في معنى السلب الذي يستحقه أنه الفرس والدرع لأن في حديث أبي قتادة أن سلب قتيله كان درعا وزاد بن عباس من قوله الفرس وفي غير رواية مالك الرمح وذلك كله آلة المقاتل ولم ير مالك أن يكون من السلب ذهب ولا فضة لأنه من آلة المقاتل المعمرة الظاهرة المسلوبة وقال الشافعي السلب الذي يكون للقاتل كل ثوب يكون للقاتل على المقتول وكل سلاح عليه ومنطقة وفرسه إن كان راكبه أو ممسكه فإن كان مع غيره أو منفلتا منه فليس لقاتله قال وإن كان في سلبه أسوار ذهب أو خاتم أو تاج أو منطقة فيها ذهب فلو ذهب ذاهب إلى أن هذا من سلبه كان مذهبا ولو قال قائل ليس هذا من عدة الحرب كان وجها وقال أحمد بن حنبل المنطقة فيها الذهب والفضة من السلب والفرس ليس من السلب وقال في السيف لا أدري قال أبو عمر لو قال في المنطقة والسلب لا أدري كان أولى به من مخالفة بن عباس والناس في الفرس وأظنه ذهب في المنطقة إلى حديث أنس في قتل البراء بن مالك مرزبان الزأرة وقال مكحول هل يبادر القاتل سلب المقتول كله فرسه وسرجه ولجامه
68 وسيفه ومنطقته ودرعه وبيضته وساعداه وساقه وكل ما كان معه من ذهب أو جوهر قال الأوزاعي له فرسه الذي قاتل عليه وسلاحه وسرجه ومنطقته وما كان في سرجه ولجامه من حلية قال ولا يكون له الهميان فيه المال وأجاز الأوزاعي أن يترك القتلى عراة وكره الثوري أن يتركوا عراة وقال الأوزاعي في الأجير المستأجر للخدمة إن بارز فقتل صاحبه كان له سلبه قال وإن قتل قبل الفتح فله السلب وإن كان بعد الفتح فلا شيء له وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت نافعا _ مولى بن عمر _ يقول لم أزل أسمع إذا التقى المسلمون والكفار فقتل رجل من المسلمين رجلا من الكفار أن له سلبه إلا أن يكون في معمعة القتال أو في زحفه لا يدري أن أحدا بعينه قتل آخر وعن عبد الله بن مسعود قال النفل ما لم يلتق الصفان فإذا التقى الزحفان فالمغنم ولا سلب ولا نفل وعن مسروق مثله وزاد إنما النفل قبل وبعد وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز السلب للقاتل ما لم تشتد الصفوف فإذا قام الزحف فلا سلب لأحد وقال عكرمة دعي رجل يوم بني قريظة إلى البراز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((قم يا زبير فقام إليه فقتله فنفله رسول الله سلبه)) وقال الأوزاعي ليس للقاتل سلب حتى يجرد إليه السلاح ومن استأجر فليس لقاتله سلبه قيل فرجل حمل على رجل فقتله فإذا هي امرأة قال إن كانت جردت إليه السلاح فله سلبها قال والغلام كذلك إذا قاتل فقتل كان سلبه لمن قتله وقد فسرنا المخرف ومعنى ((تأثلته)) في ((التمهيد)) وشواهده واختصار ذلك أن المخرف الحائط من النخل يخترف أي يجتنى
69 وقوله ((إنه لأول مال تأثلته)) لأنه أول مال اقتنيته واكتسبته في الإسلام وأما قول بن عباس للسائل الملح عليه في الأنفال ما هي وهو يتجنبه حتى كاد يحرجه ((إنما مثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب)) فإنه رأى منه ما يدل على أنه معنت غير مصغ إلى ما يجاب به من العلم فأشار إلى ما هو حقيق أن يصنع به ما صنع عمر بصبيغ وأما خبر صبيغ فروى إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا بن أبي أويس قال حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ أنه سأل رجلا قدم من الشام فقال إن رجلا هناك يسأل عن تأويل القرآن قد كتبه يقال له ((صبيغ)) وأخبره أنه يريد قدوم المدينة فقال له عمر لئن لم تأتني به لأفعلن بك كذا وكذا فجعل الرجل يختلف كل يوم إلى الثنية وهو يسأل عن صبيغ حتى طلع وهو على بعير قال قد كان يحتج بأن يقول ((من يلتمس الفقه يفقهه الله)) قال فلما طلع قام إليه الرجل فانتزع الخطام من يده ثم قاد به حتى أتى به عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ فضربه عمر ضربا شديدا ثم حبسه ثم ضربه أيضا فقال له صبيغ إن كنت تريد قتلي فأخذ علي وإن كنت تريد شفائي فقد شفيتني شفاك الله _ قال فأرسله عمر _ رضي الله عنه وروى حماد بن زيد عن يزيد بن حاتم عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني تميم يقال له صبيغ بن عسل قدم المدينة وكانت عنده كتب فجعل يسأل عن متشابه القرآن فبلغ ذلك عمر فبعث إليه وقد أعد له عراجين النخل فلما دخل عليه جلس فقال من أنت قال أنا عبد الله صبيغ فقال عمر وأنا عبد الله عمر ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين فما زال يضربه حتى شجه فجعل الدم يسيل على وجهه فقال حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب الذي كنت أجده في رأسي (1) وقال حماد بن زيد وحدثنا قطن بن كعب قال سمعت رجلا من بني عجلان يقال له خلاد بن زرعة يحدث عن أبيه قال لقد رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحلق وكلما جلس إلى حلقة قاموا وتركوه وقالوا عزمة أمير المؤمنين ألا يكلم وفي حديث أبي شهاب الحناط عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي
70 حازم أن عمر بن الخطاب كشف عن رأسه فإذا له شعر فقال لو وجدته محلوقا لعاقبتك أشد العقوبة قال أبو عمر إنما قال ذلك لقول النبي في الخوارج ((سيماهم التحليق)) (1) وقد عرض للأحنف بن قيس مثل ذلك في كشف رأسه مع عمر بن الخطاب لأنه أعجبه ما سمعه منه من البلاغة والحكمة فخشي أن يكون من الذين قال فيهم النبي _ عليه السلام _ ((أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان)) فكشف عن رأس الأحنف فوجده ذا شعر وأثنى عليه قومه فسر بذلك عمر قال أبو عمر كان صبيغ من الخوارج في مذاهبهم وكان الأحنف صاحب سنة وعقل ورأي ودهاء وروى هشيم عن العوام بن حوشب قال قلت لعمرو بن مرة ما لكم لا تعاقبون أهل الأهواء وقد كان عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ يعاقبهم فقالوا إنهم كانوا يجترئون بعلمهم وأما نحن نجترئ بجهلنا ((11 _ باب ما جاء في إعطاء النفل من الخمس)) 944 _ ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أنه قال كان الناس يعطون النفل من الخمس قال مالك وذلك أحسن ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر قول مالك (رحمه الله) ((وذلك أحسن ما سمعت)) يدل على أنه قد سمع غير ذلك وقد أوردنا في باب ((جامع النفل في الغزو)) مذاهب العلماء من السلف والخلف في هذه المسألة واستوفينا القول فيها في باب السلب من النفل قبل هذا والآثار كلها المرفوعة وغيرها تدل على صحة ما ذهب إليه من قال إن النفل لا يكون إلا من الخمس لأن الله تعالى قد ملك الغانمين أربعة أخماس الغنيمة بعد ما
71 استثناه على لسان رسول الله من السلب للقاتل فقال عز وجل " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " [الأنفال 41] فأعطى الغانمين الأربعة الأخماس بإضافة الغنيمة إليهم ولم يخرج منها عنهم إلا الخمس فدل على تمليكهم كما قال جل وعز * (وورثه أبواه فلأمه الثلث) * [النساء 11] فدل على أن للأب الثلثين بقوله * (وورثه أبواه) * ثم جعل للأم الثلث يدل على أن الثلثين للأب كذلك الغنيمة لما أضافها إلى الغانمين وجعل الخمس لغيرهم وبالله التوفيق ويخرج أيضا من الغنيمة الأرض لما فعله عمر بن الخطاب في جماعة الصحابة (رضي الله عنهم) وفيهم فقهاء وتأولوا في ذلك أنه الفيء وقد اختلف في ذلك كله على حسب ما قد ذكرناه والحمد لله قال الله تعالى " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " [الأنفال 41] فما كان للرسول ومن ذكر معه جرى مجرى الفيء وكان له في قسمته الاجتهاد على ما وردت في [ذلك] السنة عنه صلى الله عليه وسلم وقد مضى في ذلك ما فيه كفاية وفي هذا الباب سئل مالك عن النفل هل يكون في أول مغنم قال ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام وليس عندنا في ذلك أمر معروف موقوف إلا اجتهاد السلطان ولم يبلغني أن رسول الله نفل في مغازيه كلها وقد بلغني أنه نفل في بعضها يوم حنين وإنما ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام في أول مغنم وفيما بعده قال أبو عمر اختلف العلماء في النفل في أول مغنم وفي النفل في العين من الذهب والورق فذهب الشاميون إلى أن لا نفل في أول مغنم وهم رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي الكندي ومكحول وسليمان بن موسى والأوزاعي ويزيد بن يزيد بن جابر والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك وقال الأوزاعي السنة عندنا أن لا نفل في ذهب ولا فضة ولا لؤلؤ وهو قول مالك وسليمان بن موسى وسعيد بن عبد العزيز وأنكر أحمد بن حنبل قول الشاميين لا نفل إلا في أول مغنم قال أبو عمر لما رأى مالك _ رحمه الله _ اختلاف الناس في النفل في أول مغنم وفيما بعده ولم ير في شيء من أقوالهم حجة توجب المصير إليها فجاز
72 النفل للوالي على حسب ما يؤديه إليه اجتهاده كان في أول مغنم أو غيره هذا ويكون ذلك من الخمس على ما ذكره سعيد بن المسيب وروى محمد بن سيرين أن أنس بن مالك كان مع عبيد الله بن أبي بكرة في غزاة فأصابوا شيئا فأراد عبيد الله أن يعطي أنسا من الشيء قبل أن يقسم قال أنس لا ولكن أعطني من الخمس فقال عبيد الله لا إلا من جميع غنائم فأبى أنس أن يقبل وأبى عبيد الله أن يعطيه من الخمس ((12 _ باب القسم للخيل في الغزو)) 945 _ ذكر مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كان يقول للفرس سهمان وللرجل سهم قال مالك ولم أزل أسمع ذلك قال أبو عمر أما ما حكاه عن عمر بن عبد العزيز فهو محفوظ عن النبي عند العلماء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله أسهم لرجل ثلاثة سهمان سهم له وسهمان لفرسه قال أبو عمر هكذا رواه جماعة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر كما رواه أبو معاوية منهم عبد الله بن نمير وأبو أسامة وسليم بن أخضر وروي من حديث أبي عمرة الأنصاري وبن عباس عن النبي قال أبو عمر اختلف العلماء في هذا الباب فقال مالك وسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأبو يوسف ومحمد يسهم للفارس ثلاثة أسهم سهمان للفرس وسهم لراكبه وقال أبو حنيفة للفارس سهمان وللراجل سهم وروي مثل قول أبي حنيفة عن النبي من حديث مجمع بن جارية وعن
73 علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري مثله رواه شعبة عن إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي - رضي الله عنه وروي مثل قول مالك ومن تابعه عن بن عباس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز والحسن وبن سيرين والحكم بن عيينة وعن عمرو بن ميمون وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود والطبري وقد روى سعيد بن داود بن أبي زبير عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير يوم حنين أربعة أسهم سهما له مع المسلمين وسهمين للفرس وسهما للقربى وهذا حديث أنكروه على سعيد بن الزبير لم يتابعه أحد عليه عن مالك والمعروف في هذا الحديث ما رواه سفيان بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير مرسلا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما قول مالك في هذا الباب ((لا أرى أن يسهم إلا لفرس واحد الذي يقاتل عليه وإن دخل الرجل بأفراس عدة لم أر أن يسهم منها إلا لواحد)) فهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وروى أبو حبان التيمي واسمه يحيى بن سعيد مثله وقال الثوري والأوزاعي وأبو يوسف والليث يسهم لفرسين قال أبو عمر وممن قال يسهم لفرسين الحسن البصري ومكحول الشامي ويحيى بن سعيد الأنصاري واختاره محمد بن الجهم المالكي وقد قال رأيت أهل الثغور يسهمون لفرسين وتأملت أئمة التابعين بالأمصار فرأيت أكثرهم يسهمون لفرسين قال أبو عمر لا أعلم أحدا أسهم لأكثر من فرسين إلا ما رواه بن جريج عن سليمان بن موسى قال إذا أدرب الرجل بأفراس قسم لكل فرس سهمان وأما قول مالك في البراذين والهجن أنها من الخيل يسهم لها فهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي البرذون والفرس عندهم سواء وقد احتج مالك في موطئه بأن البراذين خيل لقوله تعالى * (والخيل والبغال والحمير) * [النحل 8] ويقول سعيد بن المسيب أنه سئل عن البراذين هل فيها من صدقة فقال وهل في الخيل من صدقة
74 وقال الحسن ((البراذين بمنزلة الخيل)) رواه بن حسان عنه وقال الأوزاعي كانت أئمة المسلمين فيما سلف يسهمون للبراذين حتى هاجت الفتنة من بعد قتل الوليد بن يزيد وقال الليث للهجين والبرذون منهم مثل سهم الفرس ولا يلحقان بالعراب وقال عمر بن عبد العزيز تلحق البراذين بسهام الخيل إذا أدركت ما تدرك الخيل وروى هذا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله ((إذا كان البرذون رائع المنظر حسن الجري فأسهم له سهم العراب)) وقال مكحول أول من أسهم للبراذين خالد بن الوليد يوم دمشق أسهم للبراذين نصف سهمان الخيل لما رأى من جريها وقوتها وكان يعطي للبراذين سهما سهما وللفرس سهمين قال أبو عمر هذا حديث منقطع لم يسمعه مكحول من خالد ولا أدركه ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا الصباح بن ثابت البجلي قال سمعت الشعبي يقول إن المنذر بن الدهن بن أبي حميصة خرج في طلب العدو فلحقت الخيل العراب وتقطعت البراذين فأسهم للعراب سهمين وللبراذين سهما ثم كتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فأعجبه ذلك فجرت سنة للخيل بعد قال وحدثنا سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس وإبراهيم بن محمد بن المنتشر عن علي بن الأقمر قال أغارت الخيل بالشام فأدركت العراب من يومها وأدركت البراذين ضحا الغد فقال بن أبي حميصة لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك وكتب إلى عمر فقال عمر هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال)) قال أبو عمر هكذا قال بن أبي شيبة عن بن عيينة عن الأسود بن قيس وإبراهيم بن المنتشر عن بن الأقمر وهو غلط منه وإنما حديث بن المنتشر عن أبيه وحديث الأسود بن قيس عن كلثوم بن الأقمر كذلك رواه الثوري وشريك عن الأسود بن قيس عن كلثوم بن الأقمر أن المنذر بن الدهن بن أبي حميصة خرج في طلب العدو رد فلحقت الخيل وذكر معناه
75 حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن أبيه قال أغارت الخيل بالشام وعلى الناس رجل من همدان يقال له المنذر بن أبي حميصة فأدركت العراب من يومها وأدركت البراذن ضحا الغد فقال لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك فكتب إلى عمر في ذلك فكتب عمر فضلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال وهو أول من سن في الإسلام سنة الخيل والبراذين قال سفيان بن عيينة قال الشاعر في ذلك (ومنا الذي قد سن في الخيل سنة * وكانت سواء قبل ذاك سهامها) ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن أشعث عن الحسن قال للمقرف وهو الهجين له سهم ولصاحبه سهم قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول مثله قال وحدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي قال لم يكن أحد من علمائنا يسهمون للبرذون قال وحدثنا وكيع عن سفيان قال الفرس والبرذون سواء ((13 - باب ما جاء في الغلول)) 946 - ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدر من حنين وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنت به ناقته من شجرة فتشبكت بردائه (1) حتى نزعته عن ظهره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم (2) والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة (3) نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني
76 بخيلا ولا جبانا ولا كذابا)) فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس فقال ((أدوا الخياط (1) والمخيط (2) فإن الغلول عار ونار وشنار (3) على أهله يوم القيامة)) قال ثم تناول من الأرض وبرة من بعير أو شيئا ثم قال ((والذي نفسي بيده ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم)) قال أبو عمر فروي هذا الحديث عن عمرو بن شعيب متصلا من وجوه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحسنها ما رواه حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق [عن] عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواة بن شهاب عن عمر بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام رواه بن وهب عن يونس عن بن شهاب وعبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب إلا أن حديث عمرو بن شعيب يقتضي معاني حديث مالك كلها وحديث بن شهاب يقتضي بعضها وقد ذكرنا ذلك كله في ((التمهيد)) وفي هذا الحديث إباحة سؤال العسكر للخليفة حقوقهم في الغنيمة ليقسم بينهم فيصل كل واحد إلى حقه ويستعجل الانتفاع به ويحتمل أن يكونوا سألوه أن يتكلم بعد أن قسم بينهم لأنه كان ينفل في البدأة والرجعة وأما قوله صلى الله عليه وسلم ((لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا)) فكان صلى الله عليه وسلم أسخى خلق الله وأكثرهم جودا وسماحة وروى بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس كان أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان
77 وقال بن عمر ما رأيت أجود ولا أمجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عنه من وجوه أنه كان يستعيذ بالله من البخل وكان يقول ((أي داء أدوأ من البخل)) (1) ومن حديث بن المنكدر عن جابر قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال لا (2) وأما شجاعته ونجدته فقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال ما رأيت أثبت جنانا ولا أجرأ قلبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بن عمر مثله وأما الكذب فقد جعله الله صديقا نبيا وكفى بهذا وفيه جواز قسمة الغنائم في دار الحرب لأن الجعرانة كانت يومئذ من دار الحرب وفيها قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين وذلك موجود في حديث جبير بن مطعم وجابر واختلف الفقهاء في قسمة الغنائم في دار الحرب فذهب مالك والشافعي والأوزاعي وأصحابهم إلى أن الغنائم يقسمها الإمام على العسكر في دار الحرب قال مالك وهم أولى بها منه وقال أبو حنيفة لا تقسم الغنائم في دار الحرب وقال أبو يوسف أحب إلي أن لا تقسم في دار الحرب إلا أن يجد حمولة فيقسمها في دار الحرب قال أبو عمر والصحيح ما قاله مالك ومن تابعه في ذلك للأثر المذكور فيه وفيه جواز ذم الرجل الفاضل لنفسه إذا لم يرد به إلا دفع العيب عن نفسه وكان صادقا في قوله
78 وفيه دليل على أن الخليفة على المسلمين الناظر لهم المدبر لأمورهم لا يجوز أن يكون كذابا ولا بخيلا ولا جبانا وقد أجمع العلماء أن الإمام يجب أن لا يكون فيه هذه الخلال السوء وأن يكون أفضل أهل وقته حالا وأجملهم خصالا إن قدر على ذلك وقوله ((لا تجدوني بخيلا ولا كذابا)) لأن البخيل يحتمل أن يقول الأمر ولا يفعل يقول ((فلا تجدوني كذابا أبدا)) وقد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين البخل والجبن والكذب وأكثر الآثار على هذا وفي ذلك ما يعارض حديث صفوان بن سليم أن المؤمن يكون بخيلا وجبانا ولا يكون كذابا (1) والكذاب عندهم المعروف منه كثرة الكذب لأن فعالا لا تكون إلا للمبالغة وهو أكثر من كاذب وأجمع الحكماء على أن الكذب في السلطان أقبح منه في غيره لأنه لا يوثق من السلطان إذا كان كذوبا بوعد ولا وعيد وفي ذلك فساد أمره قال معاوية لعمرو بن العاص ((إن فساد هذا الأمر أن يعطوا على الهوى لا على التقى وأن يكونوا في الوعد والوعيد)) وفيه إباحة الغنائم للمسلمين من أموال المشركين وسائر الكفار ولم تكن مباحة لأحد قبل هذه الأمة وهي من الخصال التي فضل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته من مال كل حربي وقد ذكرنا الآثار بذلك فيما تقدم من كتابنا هذا وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لم تحل الغنائم لقوم سود
79 الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم فأنزل الله تعالى * (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) *) (1) إلى آخر الآيتين [الأنفال 68 - 69] وأما قوله صلى الله عليه وسلم ((أدوا الخائط والمخيط)) ويروى الخياط والمخيط فالخائط واحد الخيط والمخيط الإبرة ومن رواه الخياط فقد يكون الخياط الخيوط ويكون الخياط المخيط وهي الإبرة ومنه قوله عز وجل * (حتى يلج الجمل في سم الخياط) * [الأعراف 40] ولا خلاف أن الرواية المخيط بكسر الميم وقال الفراء يقال خياط ومخيط كما يقال لحاف وملحف وقناع ومقنع وإزار ومئزر وقرام ومقرم قال أبو عمر وهذا كلام خرج على القليل ليكون ما فوقه أحرى بالدخول في معناه كما قال تعالى * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * [الزلزلة 7 - 8] وفيه أن الغلول كثيره وقليله حرام وأنه عار وشنار والشنار كلمة تجمع العار والنار ومنهم من قال تجمع الشين والنار ومعنى ذلك منقصة في الدنيا وعذاب في الآخرة والغلول من حقوق الآدميين ولا بد فيه من القصاص في الدنيا بالمال أو في الآخرة بالحسنات والسيئات وأما قوله ((ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم)) فإنه أراد ((إلا الخمس فإن العمل فيه برأيي واجتهادي)) لأن الأربعة الأخماس من الغنيمة مقسومة على أهلها ممن حضر القتال من رفيع أو وضيع وقد ذكرنا ما للعبد والأجير والمرأة والتاجر من الغنيمة في موضعه وذكرنا كيف قسمة الغنيمة للفارس والراجل في موضعه أيضا وأما الخمس فكان مالك لا يرى قسمته أخماسا وقال حكمه حكم الفيء وقسمته مردودة إلى اجتهاد الإمام
80 وقال الشافعي يقسم الخمس على خمسة أسهم وهو قول الثوري وقال أبو حنيفة يقسم الخمس على ثلاثة أسهم للفقراء والمساكين وبن السبيل وأسقط سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى وقال سقطا بموت النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه أكثر الفقهاء في سهم ذي القربى وقالوا إنه لقرابة النبي - عليه السلام - من بني هاشم وهم الذين تحرم عليهم الصدقة وهو قول مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وأبي ثور والحجة لهم حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى لبني هاشم وبني المطلب من الخمس وقال ((إننا بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد)) (1) الحديث وليس في هذا الباب حديث مسند غيره وقال بدخول بني المطلب مع هاشم من فقهاء الأمصار الشافعي وأبو ثور وأحمد وأما سائر الفقهاء فيقتصرون فيه على بني هاشم فقد روي عن بن عباس ومحمد بن الحنفية أن ((ذوي القربى)) الذين عنى الله في آية الخمس بنو هاشم قال بن عباس وقد خالفنا في ذلك قومنا وكان عمر بن عبد العزيز يذهب إلى أن ذوي القربى بنو هاشم خاصة وقال بقول الشافعي في إدخال بني المطلب مع بني هاشم مجاهد وقتادة وبن جريج ومسلم بن خالد والحجة لهذه الأقوال تطول وشرطنا الاختصار
81 وذكر سنيد قال حدثنا وكيع عن سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سهم الرسول وسهم ذي القربى ثم أجمعوا على أن يجعلوه - يعني سهم النبي صلى الله عليه وسلم - في الكراع في سبيل الله فكان كذلك خلافة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما قال وحدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسحاق قال قلت لأبي جعفر ما صنع علي - رضي الله عنه - في الخمس حين ولي قال صنع به اتبع فيه أثر أبي بكر وعمر لأنه كان يكره أن يدعا عليه خلافهما قال وحدثنا وكيع عن سفيان عن خصيف عن مجاهد قال كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم سهم ذي القربى قال وحدثنا هشيم أخبرنا عبد الله بن حسن قال لما منعنا الصدقة جعل لنا سهم ذي القربى خمس الخمس قال وأخبرنا جرير عن موسى بن أبي عائشة قال سألت يحيى بن الجزار عن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خمس الخمس قال وحدثنا حجاج عن بن جريج في قول الله عز وجل * (فأن لله خمسه) * [الأنفال 41] قال أربعة أخماسه لمن حضر القتال من الناس والخمس الباقي لله وللرسول منه خمس وخمس لذي القربى وخمس لليتامى والمساكين خمس ولابن السبيل خمس وقالت طائفة ذو القربى قرابة الإمام وهو قول الحسن البصري وورد في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا أطعم طعمة فهي للخليفة بعده)) (1) وقد ذكرناه بإسناده في ((التمهيد)) وهو حديث لا تقوم بمثله حجة لضعفه وقلنا في معناه هناك إنها ولاية القسمة والعمل فيها باجتهاد الرأي وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يرى ذلك لقرابته وكان علي وبن عباس - رضي الله عنهما - يرون أن خمس الخمس لبني هاشم
82 وكتب إلى بن عباس نجدة الحروري يسأله عن ذلك فقال كنا نرى أنه لنا فأبى ذلك علينا قومنا - يعني قريشا وروي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يولني خمس الخمس فلا أنازع في ولايته ففعل فكنت إليه إلى آخر خلافة عمر فقلت له إن للناس إليه حاجة ونحن عنه في غنى فاقسمه أنت فيهم - يعني بني هاشم فلما خرجت قال لي العباس - وكان داهية - لقد أخرجت عنا أو عن أيدينا ولن يعود إلينا قال علي فما دعيت إليه بعد وقال بن عباس دعانا عمر أن ينكح منه أيامانا ويخدم منه عائلنا ويعطينا منه ما يكفينا فأبينا إلا أن نعطاه كله فأبى ولا يصح أن عليا دعي إلى ذلك في خلافته فأبى لئلا يؤخذ عليه خلافه الخليفتين لأنه لم تكن في مدة خلافته مغنم وقال الطبري يقسم الخمس على أربعة أسهم لأن سهم النبي صلى الله عليه وسلم مردود على من سمى معه في الآية قياسا على ما أجمعوا عليه فيمن غرم من أهل سهمان الصدقات واختلف العلماء في سهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال () سهمه من الخمس خمسه والصفي أيضا مع ذلك ولم نجد للصفي ذكر في حديث مالك هذا وهو مذكور في أحاديث كثيرة صحاح وقد ذكرنا أكثرها في ((التمهيد)) منها ما رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كانت صفية من الصفي (1) وإنما سكت والله أعلم - مالك عن السبي لشهرته عندهم وكان الصفي من يصطفيه الإمام من رأس الغنيمة فرسا أو أمة أو عبدا أو بعيرا على حسب حال الغنيمة وأجمع العلماء على أن الصفي ليس لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أبا ثور حكي عنه ما يخالف هذا الإجماع
83 فقال الآثار في الصفي ثابتة ولا أعلم شيئا نسخها قال فيؤخذ الصفي ويجري مجرى سهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد قسم الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم ولم يبلغنا أنهم اصطفوا من ذلك شيئا لأنفسهم غير سهامهم والله أعلم وللعلماء في سهم النبي عليه السلام أقوال منها أنه يرد إلى من سمى في الآية وبه قال الطبري على ما قدمنا عنه وقال آخرون هو للخليفة بعده وقال آخرون يجعل في الخيل والعدة في سبيل الله وممن قال بذلك أيضا قتادة وأحمد بن حنبل وقال الشافعي يضع الإمام سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمر ينفع الإسلام وأهله من الكراع والسلاح وأعطى أهل البلاء من المسلمين منفعة وتنفل منه عند الحرب 947 - وذكر في هذا الباب عن مالك عن يحيى بن سعيد [عن محمد] بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد الجهني قال توفي رجل يوم [حنين] وإنهم ذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((صلوا على صاحبكم)) فتغيرت وجوه الناس لذلك فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إن صاحبكم قد غل في سبيل الله)) قال ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين قال أبو عمر هكذا رواه يحيى بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد لم يقل عن أبي عمرة ولا عن بن أبي عمرة وهو غلط منه وسقط من كتابه ذكر أبي عمرة أو بن أبي عمرة واختلف أصحاب مالك في أبي عمرة بن أبي عمرة في هذا الحديث فقال القعنبي وبن القاسم ومعن بن عيسى وأبو مصعب وسعيد بن كثير بن
84 عفير وأكثر النسخ عن بن بكير قالوا كلهم في هذا الحديث عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن أبي عمرة)) وقال بن وهب ومصعب الزبيري عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ((عن أبي عمرة)) ورواه حماد بن زيد وبن جريج وبن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ((عن أبي عمرة)) كما قال بن وهب وعند أكثر شيوخنا في هذا الحديث في ((الموطأ)) توفي رجل يوم حنين وهو وهم وإنما هو يوم خيبر وعلى ذلك جماعة الرواة وهو الصحيح والدليل على ذلك قوله في الحديث ((فوجدنا خرزات من خرز يهود)) ولم يكن بحنين يهود وإنما قوله عليه السلام ((صلوا على صاحبكم)) بأن ذلك كان كالتشديد لغير الميت من أجل أن الميت قد غل لينتهي الناس عن الغلول لما رأوا من ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه بنفسه وكانت صلاته على من صلى عليه رحمة فلهذا لم يصل عليه والله أعلم وفي قوله ((صلوا على صاحبكم)) دليل على أن الذنوب لا تخرج المذنب عن الإيمان لأنه لو كفر بغلوله - كما زعمت الخوارج - لم يكن ليأمر بالصلاة عليه لأن الكافر لا يصلي عليه المسلمون لا أهل الفضل ولا غيرهم وأما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه وأمر غيره بالصلاة عليه لأنه كان لا يصلي على من ظهرت منه كبيرة ليرتدع الناس عن المعاصي وارتكاب الكبائر ألا ترى أنه لم يصل على ماعز الأسلمي وأمر غيره بالصلاة عليه ولم يصل على الذي قتل نفسه ولا على كثير ممن أقام عليه الحدود ليكون ذلك زاجرا لمن خلفهم ونحو ذلك وهذا أصل في أن لا يصلي الإمام وأئمة الدين على المحدثين ولكنهم لا يمنعون الصلاة عليهم بل يأمر بذلك غيره كما قال صلى الله عليه وسلم ((صلوا على صحابكم)) 948 - ذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الناس في قبائلهم يدعو لهم وأنه ترك
85 قبيلة من القبائل قال وإن القبيلة وجدوا في بردعة (1) رجل منهم عقد جزع (2) غلولا (3) فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليهم كما يكبر على الميت هذا الحديث لا أعلمه بها اللفظ والمعنى يستند عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه وعبد الله بن المغيرة هذا مجهول غير معروف بحمل العلم منهم من يقول فيه كما قال مالك عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني وأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء للقبيلة التي كان فيها الغلول فوجه من العقوبة والتشديد نحو تركه الصلاة على الغال بنفسه وأمر أصحابه بالصلاة عليه وليس في هذا الحديث ما يوجب حكما في الشريعة وأما تكبير النبي عليه السلام على تلك القبيلة فالله أعلم ما أراد رسوله بذلك وقد يمكن أن يكون أراد الإعلام بأن من جاهر بالمعصية كالميت الذي لا يفعل أمرا ولا نهيا قال الله عز وجل * (أموات غير أحياء وما يشعرون) * [النحل 21] 949 - وذكر مالك أيضا في هذا الباب عن ثور بن الديلي عن أبي الغيث سالم مولى بن مطيع عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الأموال الثياب والمتاع قال فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له مدعم فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر (4) فأصابه فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كلا والذي نفسي بيده إن الشملة (5) التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا)) قال فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك (6) أو شراكين إلى
86 رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((شراك أو شراكان من نار)) قال أبو عمر هكذا قال يحيى عام خيبر وتابعه على ذلك الشافعي وبن القاسم والقعنبي وقال جماعة من الرواة عن مالك عام حنين وقال يحيى إلا الأموال الثياب والمتاع وتابعه قوم وقال بن القاسم إلا الأموال والثياب والمتاع ففي هذا الحديث أن بعض العرب وهي ((دوس)) لا تسمي العين مالا وإنما تسمى الأموال المتاع والثياب والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق والمعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك فهو مال ألا ترى إلى قول أبي قتادة ((فابتعت - يعني بسلب القتيل الذي قتله عام حنين - مخرفا فإنه لأول مال تأثلته)) (1) وقال تعالى * (خذ من أموالهم صدقة) * [التوبة 103] وأجمعوا أن العين تؤخذ منها الصدقة ومن الحرث والماشية وأن الثياب المتاع لا تؤخذ منها الصدقة إلا في قول من رأى زكاة العروض للمدير التاجر نص له في عامه شيء من العين أو لم ينص وقال عليه السلام ((يقول بن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى ولبس فأبلى أو تصدق فأمضى وما سوى ذلك فهو مال الوارث)) (2) وهذا يجمع الصامت وغيره
87 وروى أبو سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال جاء ناس من أهل الشام إلى عمر - رضي الله عنه - فقالوا إنا أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا منها زكاة الحديث وفيه إباحة قبول الخليفة للهدية وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويأكلها ويثيب عليها ولا يقبل الصدقة (1) وقبوله الهدية من المسلمين والكفار أشهر وأعرف عند العلماء من أن يحتاج إلى شاهد على ذلك ها هنا إلا أن ذلك لا يجوز لغير النبي عليه السلام إذا كان قبولها على جهة الاستبداد بها دون رعيته لأنه إنما أقبل ذلك إليه من أجل أنه أمير رعيته وليس النبي عليه السلام في ذلك كغيره لأنه مخصوص بما أفاء الله علية من غير قتال من أموال الكفار من ما جلوا عنه بالرعب من غير إيجاف بخيل ولا ركاب يكون له دون سائر الناس ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه لا يكون له خاصة دون سائر المسلمين بإجماع من العلماء لأنه فيء لمن سمى ا لله في آيات الفيء ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ((هدايا الأمراء غلول)) (2) ويدلك على أن العامل لا يجوز أن يستأثر بهدية أهديت ألية بسبب ولايته وإنها له ولجماعة المسلمين حديث أبي حميد الساعدي رواه بن شهاب وهشام بن عروه وأبو الزناد عن عروة عن أبي حميد وقد ذكرته بإسناده في ((التمهيد)) وفيه ((أفلا قعد في بيت أبيه وأمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا والذي نفس محمد بيده لا ينال أحدكم منها شيئا - يعني من الهدايا - إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه (3) وذكر تمام الحديث
88 وفي قوله هذا الحديث ((إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه)) دليل على أنه غلول حرام قال الله عز وجل * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) *) [آل عمران 61] وأما حديث عياض بن حمار المجاشعي قال أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو قال هدية قال أسلمت قلت لا قال ((فإني نهيت عن زبد المشركين)) (1) وظاهره خلاف ما في هذا الحديث من قوله فيه ((فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له مدعم)) لأن رفاعة كان يومئذ على كفره ولم يذكر في شيء من طرق هذا الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد الغلام عليه وقد قبل صلى الله عليه وسلم هدية أكيدر دومة وهدية فروة بن نفاثة الجذامي وهدية المقوقس أمير مصر والإسكندرية وغيرهم وهم في ذلك الوقت كفار واختلف العلماء في معنى حديث عياض بن حمار المذكور فقال منهم قائلون ذلك نسخ لما كان علية من هدايا الكفار وذكروا حديث عامر بن مالك ملاعب الأسنة قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بهدية فقال ((إنا لا نقبل هدية كل مشرك)) وقد ذكرت إسناده في ((التمهيد)) وقالوا هذا نسخ لما تقدم من قبوله صلى الله عليه وسلم هدايا الكفار وقال آخرون ليس في هذين الخبرين نسخ من ذلك وإنما المعنى أنه كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه وأخذ بلده أو دخوله في الإسلام لأن قبول هديته داعية إلى تركه على حاله وإقراره على دينه وترك لما أمر به من قتاله وهو قد أمر أن يقاتل المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله وقال آخرون بل كان صلى الله عليه وسلم مخيرا في قبول هدية الكفار وترك قبولها لأنه كان من خلقه عليه السلام أن يثيب على الهدية بأحسن منها وأفضل فلذلك لم يقبل هدية كل مشرك وكان يجتهد في ذلك وكان الله يوفقه في كل ما يصنعه وقد ذكرنا في ((التمهيد)) حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وقد قيل إنه إنما ترك قبول هدية عياض وملاعب الأسنة ومثلهما ونهى عن زبد المشركين وهو رفدهم وعطاياهم وهديتهم لما في التهادي والرفد من إيجاب
89 تليين القلوب ومن حاد الله وشانه قد حرمت على المسلمين موالاته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بخلاف غيره لأنه مأمون منه ما لا يؤمن من أكثر الأمراء بعده حدثني عبد الوارث بن سفيان قراءة مني علية أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي وقرأت على عبد الوارث أيضا - رحمه الله عن قاسم عن عبيد الله بن عبد الواحد البزار أنه حدثه قال حدثنا أبو صالح الفراء محبوب بن موسى قالا جميعا حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري قال قلت للأوزاعي أرأيت لو أن أمير الروم أهدى للأمير هدية رأيت أن يقبلها قال لا أرى بذلك بأسا قال قلت فما حالها إذا قبلها قال قلت للمسلمين قلت وما وجه ذلك قال أليس إنما أهداها له لأنه والي عهد المسلمين فلا يكون أحق بها منهم ويكافئه بمثلها من بيت مال المسلمين قال الفزاري قلت للأوزاعي فلو أن صاحب الباب أهدى له صاحب العدو هدية أو صاحب ملطية أيقبلها أحب إليك أم يردها قال يردها أحب إلي وإن قبلها فهي بين المسلمين ويكافئه بمثلها من بيت المال قلت فصاحب الصائفة إذا دخل فأهدى له صاحب الروم هديه قال يكون بين ذلك الجيش فما كان من طعام قسمه بينهم وما كان سوى ذلك جعله في غنائم المسلمين وقال الربيع عن الشافعي في كتاب الزكاة إذا أهدى رجل إلى الوالي هدية فإن كان لشيء نال منه حقا أو باطلا فحرام على الوالي أخذه لأنه حرام عليه أن يستعجل على الحق جعلا وقد ألزمه الله القيام بالحق وحرام عليه أن يقوم بالباطل والجعل فيه حرام قال وإن أهدي إليه من غير هذين الوجهين أحد من أهل ولايته فكانت تفضلا أو تشكرا لحسنى كانت منه في المعاملة فلا يقبلها فإن قبلها كانت في الصدقة ولا يسعه عندي غيره إلا أن يكافئه من ماله بقدر ما يسعه أن يتمولها به
90 وقد ذكرنا في ((التمهيد)) من هذا المعنى ما هو أكثر من هذا والحمد لله وأما حديثه صلى الله عليه وسلم من قوله في هذا الباب ((شراك أو شراكان من نار)) فهو شك من محدث وقوله في الحديث قبله ((أدوا الخائط والمخيط)) فيدل على أن القليل والكثير من المغنم لا يحل أخذه وأنه بخلاف الطعام المباح في دار الحرب أكله وقد روى رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من المغنم حتى إذا أعجفها ردها في المغانم ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من المغنم حتى إذا أخلقه رده في المغانم)) (1) وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من فارق الروح منه الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة الكبر والغلول والدين)) (2) وقد ذكرنا أسانيدها في ((التمهيد)) وقد رخصت طائفة من أهل العلم في اليسير من ذلك في دار الحرب سئل الحسن البصري عن رجل عريان أو من لا سلاح له أيلبس الثوب ويستمتع بالسلاح قال نعم فإذا حضر القسم قيموه وقال وكيع سمعت سفيان يقول لا بأس أن يستعينوا بالسلاح إن احتاجوا إليها في أرض العدو بغير إذن الإمام وفي قوله في حديث مالك ((فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم يصبها المقاسم تشتعل عليه نارا)) دليل على خطأ من روى هذا الحديث عن يحيى أو غيره عام حنين وإنما هو عام خيبر وكذلك رواه الأكثر ومعنى قوله ((كلا رد لقولهم أي ليس كما ظننتم ثم أخبر أن الشملة لتشتعل عليه نارا والشملة كساء مخمل ذو خمل كذا قال صاحب العين وفي هذا كله يرد قول من قال أن التوحيد لا يضر معه ذنب وإن الذنوب إن
91 لم يغفرها الله فلا بد فيها من العذاب والله يغفر لمن يشاء ومظالم العباد القصاص بينهم فيها بالحسنات والسيئات والغلول من أشدها حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثني أبو زميل قال حدثني بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه _ قال لما كان يوم خيبر قالوا لمن قتل فلان شهيد فلان شهيد حتى ذكروا رجلا فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كلا أني رأيته في النار في عباءة غلها أو بردة غلها)) وقال ((يا بن الخطاب أذهب فناد في الناس لا يدخل الجنة إلا المؤمنون)) قال فذهبت فناديت في الناس (1) قال أبو عمر هذه الأحاديث وما كان مثلها يحتج بها أهل الأهواء المكفرين للناس بالذنوب ومن قال بإنفاذ الوعيد وهي أحاديث قد عارضها من صحيح الأثر ما أخرجها عن ظاهرها وليس هذا موضع ذكرها منها قوله صلى الله عليه وسلم ((من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة)) (2) وقوله صلى الله عليه وسلم ((من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن)) (3) ويروى ((دخل الجنة)) والآثار مثل هذا كثيرة والحمد لله وفي هذا الحديث دليل على أن الغال لا يجب عليه حرق رحله ومتاعه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي أخذ الشملة ولا أحرق متاع صاحب الخرزات ولو فعل ذلك لنقل ولو نقل لوصل إلينا كما وصل حديث صالح بن محمد بن زائدة عن سالم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من غل فأحرقوا متاعه)) وهذا حديث انفرد به صالح بن زائدة وهو رجل من أهل المدينة تركه مالك وروى عنه الدراوردي وغيره وليس ممن يحتج بحديثه
92 وقد اختلف العلماء في عقوبة الغال فقال الأوزاعي ومحمد بن عبد العزيز وهو قول مكحول يحرق متاع الغال كله قال الأوزاعي إلا سلاحه وثيابه التي عليه وسرجه ولا تنتزع منه دابة ويحرق سائر متاعه كله إلا الشيء الذي غل فإنه لا يحرق قال ولا عقوبة عليه غير ذلك وقال أحمد وإسحاق في عقوبة الغال يحرق متاعه ورحله كقول الأوزاعي وروي عن الحسن البصري أنه قال يحرق جميع رحله إلا أن يكون حيوانا أو مصحفا وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والليث بن سعد لا يحرق رحل الغال فلا يعاقب إلا بالتعزير على اجتهاد الأمير وقال الشافعي وداود إن كان عالما بالنهي عوقب وهو قول الليث وقد زدنا هذه المسألة بيانا في ((التمهيد)) وأجمع العلماء على أن على الغال أن يرد ما غل إلى صاحب المقاسم إن وجد إلى ذلك سبيلا وأنه إذا فعل ذلك فهي توبة له واختلفوا إذا افترق أهل العسكر ولم يوصل إليه فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي فإن خاف الإمام على نفسه تصدق به كله وأحسن شيء في هذا ما رواه سنيد وغيره عن أبي فضالة عن أزهر بن عبد الله قال غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم فغل رجل مائة دينار ثم أتى بها معاوية بن أبي سفيان بعد افتراق الجيش فأبى أن يأخذها وقال قد نفر الجيش وتفرقوا فأتى بها عبادة بن الصامت فذكر ذلك له فقال ارجع إليه فقل خذ خمسها أنت ثم تصدق أنت بالبقية فإن الله عالم بهم جميعا فأتى معاوية فأخبره فقال لئن كنت أنا أفتيتك بها أحب إلي من كذا وكذا وفي هذا الباب 950 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال
93 ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقي في قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى في قوم قط إلا كثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو قال أبو عمر مثل هذا لا يكون إلا توقيفا لأن مثله لا يروى بالرأي وقد روينا هذا الحديث عن بن عباس متصلا فذكره سعيد بن عفير في هذا المعنى حديث مسند حدثناه خلف بن قاسم قال محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر قال حدثنا أبو الطيب عيسى بن أحمد الصرفي قال حدثنا عبيد الله بن كثير بن عفير قال حدثنا أبو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم الأنصاري قال حدثنا مالك عن عمه سهيل بن مالك عن عطاء بن أبي رباح عن بن عمر ((أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أفضل قال ((أحسنهم خلقا)) قال فأي المؤمنين أكيس قال أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا أولئك الأكياس)) (1) ثم قال ((يا أيها المهاجرون لم تظهر الفاحشة في قوم حتى تعلن إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقص المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر ولولا البهائم لم يمطروا ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتحروا فيه ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) وأما حديث بن عباس المتصل فإني قرأته على أبي عبد الله محمد بن عبد الله أن محمد بن معاوية حدثه قال حدثني أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثنا محمد بن كثير وأبو الوليد قالا حدثنا شعبة قال أخبرني الحكم عن الحسن بن مسلم عن بن عباس قال ما ظهر البغي في قوم قط إلا أظهر المواتان ولا ظهر البخس في المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنة ولا ظهر نقض العهد في قوم إلا اديل منهم عدوهم قال أبو عمر حديث مالك أتم وكلها تقضي القول بها والمشاهدة بصحتها وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح حدثنا بن أبي شيبة قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا بشير بن المهاجر عن بن
94 بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما نقض قوم العهد إلا كان بأسهم بينهم ولا ظهرت فاحشة قط إلا سلط عليهم الموت ولا منع قوم زكاة أموالهم إلا حبس الله عنهم المطر)) وأما قوله في حديث مالك ((ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقي في قلوبهم الرعب)) فمعناه ألقي في قلوبهم الرعب من عدوهم فخافوا منهم وجبنوا عن لقائهم فظهر العدو عليهم ويحتمل أن يقصد بذلك إلى كل من غل دون ما لم يغل ولم يرض بالغلول والأظهر أن العقوبة عامة في أهل ذلك الوقت وذلك إنما يكون إذا أقروا على التغيير فلم يفعلوا وضعفوا عن ذلك فرضوا ولم تنكره قلوبهم والله أعلم قال الله عز وجل " فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض " [هود 116] وقال عز وجل * (أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس) * [الأعراف 165] وقالوا إن الله لا يعذب العامة بذنوب الخاصة ولكن إذا صنع المنكر فبهذا استحق الجماعة العقوبة وهذا المعنى قد استغنى القول فيه الآثار المرفوعة وعن السلف أيضا عند قول أم سلمة في هذا الكتاب وفي ((التمهيد)) أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله قال نعم إذا كثر الخبث)) (1) وبالله التوفيق 12 ((14 - باب الشهداء في سبيل الله)) 951 - ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((والذي نفسي بيده لوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل)) فكان أبو هريرة يقول ثلاثا أشهد بالله قال أبو عمر في هذا الحديث إباحة اليمين بالله على كل ما يعتقده المرء مما
95 يحتاج فيه إلى يمين ومما لا يحتاج إلى ذلك ليس بذلك بأس على كل حال بل فيه تأس بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان كثيرا يقول في كلامه ((لا والذي نفس محمد بيده لا ومقلب القلوب)) وذلك لأن في اليمين بالله تعالى توحيدا وتعظيما وإنما يكره الحنث وتعمده وأما قول أبي هريرة ثلاثا ((أشهد بالله)) فإنما ذلك لتطمئن نفس سامعه إليه ويعلم أنه لا يشك فيما حدثه به وفيه إباحة تمني الخير والفضل من رحمة الله بما يمكن وما لا يمكن لأن فيه إظهار المحبة في الخير والرغبة فيه والآجر يقع على قدر النية فدليل قوله عليه السلام في الذي تجهز من أصحابه بالغزو ومات قبل أن يخرج أن الله - عز وجل - قد أوقع أجره على قدر نيته ومعنى الحديث الذي من أجله ورد فضل الجهاد وفضل القتال في سبيل الله وفضائل الشهداء والشهادة كثيرة جدا حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا علي بن المبارك عن محمد بن أبي كثير بن عامر العقيلي عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أول ثلاثة يدخلون الجنة الشهيد ورجل عفيف ضعيف ذو عيال وعبد أحسن عبادة ربه وأدى حق مواليه وأول ثلاثة يدخلون النار أمير تسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حقه وفقير فجور)) 952 - وفي هذا الباب أيضا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد)) قال أبو عمر معنى هذا الحديث عند العلماء أن قاتل الأول كان كافرا وتوبته المذكورة في هذا الحديث إسلامه قال الله عز وجل * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * " [الأنفال
96 وفيه دليل أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة - إن شاء الله - وكل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى فهو في الجنة)) وأما قوله ((يضحك الله إليه)) أي يتلقاه الله - عز وجل - بالرحمة والرضوان والعفو والغفران ولفظ الضحك ها هنا مجازا لأن الضحك لا يكون من الله - عز وجل - على ما هو من البشر لأنه ليس كمثله شيء ولا تشبهه الأشياء 953 - وذكر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((والذي نفسي بيده لا يكلم (1) أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما (2) اللون لون دم والريح ريح المسك)) قال أبو عمر في هذا الحديث فضل الغزو والثبوت عند لقاء العدو وقوله لا يكلم أحد معناه لا يجرح والكلوم الجراح عند العرب وقوله ((يثعب دما)) فمعناه يتفجر دما وقوله في سبيل الله فمعناه الجهاد وملاقاه أهل الحرب من الكفار على هذا خرج الحديث ويدخل فيه بالمعنى كل من جرح في سبيل بر وحق مما أباحه الله كقتال أهل البغي والخوارج وغيرهم واللصوص والمحاربين أو آمر بمعروف أو ناه عن منكر ألا ترى قوله - عليه السلام ((من قتل دون ماله فهو شهيد)) (3) وأما قوله عليه السلام - ((والله أعلم بمن يكلم في سبيله)) فإنه يدل على أنه
97 ليس كل من خرج في الغزو تكون هذه حاله حتى تصح له نية ويعلم الله تعالى من قلبه أنه يريد وجهه ومرضاته ولم يخرج رياء ولا مباهاة ولا سمعة ولا فخرا ولا ابتغاء دنيا يقصدها وفي هذا الحديث دليل على أن الشهيد يبعث على حاله التي قبض عليها وهيئته بدليل هذا الحديث ومثله حديث بن عباس في المحرم الذي وقصته ناقته فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تخمروا وجهه ولا رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة يلبي)) (1) وقد زعم بعض أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم ((يبعث الميت في ثيابه التي قبض فيها)) (2) أي يعاد خلق ثيابه له كما يعاد خلقه وقال غيره إنما ذلك قول خرج على المجاز فكنى بالثياب عن الأعمال والثياب كما يقال طاهر الثوب ونقي الجيب قال أبو عمر وحمل هذا الحديث على المجاز مروي من حديث بن عباس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((يحشر الناس عراة غرلا وأول من يكسى إبراهيم)) (3) فعلى هذا يحتمل أن يبعث على ما مات عليه من كفر وإيمان وشك وإخلاص ونحو ذلك والحقيقة في كل ما يحتملها اللفظ من الكتاب والسنة أولى من المجاز لأن الذي يعيده خلقا سويا يعيد ثيابه - إن شاء
98 وإن كان قد روي بالوجه الآخر خبر ذكره أبو داود في باب من يغزو ويلتمس الدنيا بإسناده عن عبد الله بن عمرو أنه قال يا رسول الله أخبرني عن الجهاد والغزو فقال ((يا عبد الله بن عمرو إن قاتلت صابرا محتسبا بعثك الله صابرا محتسبا وإن قاتلت مكاثرا بعثك الله مرائيا مكاثرا يا عبد الله بن عمرو على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله تيك الحال)) (1) وقد استدل قوم من الفقهاء الذين يذهبون إلى أن لا عمل على الشهيد المقتول في المعركة وغيرها بهذا الحديث وجائز أن يحتج به من خص قتل الكفار في المعركة 954 - وذكر مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان يقول اللهم لا تجعل قتلي بيد رجل صلى لك سجدة واحدة يحاجني بها عندك يوم القيامة قال أبو عمر في سماع بن القاسم سئل مالك عن قول عمر هذا قال يريد بذلك أنه ليس لغير الإسلام حجة عند الله تعالى قال أبو عمر معنى قول مالك الذي فسر به قول عمر - رضي الله عنه - عندي والله أعلم - أن عمر أراد أن لا يكون قتله بيد مؤمن لا يخلد [في] نار جهنم لأن المؤمن تكون له حجة بتوحيده وصلاته وسجوده يخرج بذلك من النار قاتله بعد أن يناله منها مقدار ذنبه فأراد أن يكون قاتله مخلدا في النار وهذا لا يكون إلا فيمن لم يكن يسجد لله سجدة ولم يعمل من الخير والإيمان مثقال ذرة وقد يحتمل أن يكون قوله ((يحاجني بها عندك يوم القيامة)) أن يقتله من تأول في قتله تأويلا سابقا في ظاهر القران أو السنة وإن كان فيه عند الله مبطلا أو مخطئا فيخفف عنه بذلك وأما الكافر فلا يقام له يوم القيامة وزنا ولا تسمع منه حجة لأن حجته داحضة ولا تأويل إلا لمؤمن موحد والله أعلم 955 - وذكر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد
99 الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نعم)) فلما أدبر الرجل ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فنودي له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كيف قلت)) فأعاد عليه قوله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ((نعم إلا الدين كذلك قال لي جبريل)) هكذا روى الحديث يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد وتابعه على ذلك جمهور الرواة للموطأ ورواه معن بن عيسى والقعنبي عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد لم يذكرا يحيى بن سعيد فالله أعلم وقد رواه بن أبي ذئب والليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرناهما في ((التمهيد)) ورواية يحيى بن سعيد لهذا الحديث عن يحيى بن سعيد موجودة كما قال مالك حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله كفر الله به خطاياي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر كفر الله به خطاياك إلا الدين كذلك قال لي جبريل)) قال أبو عمر جعل يزيد بن هارون الصبر والاحتساب والإقبال من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم شرطا لتكفير الذنوب والخطايا وكذلك ذلك في رواية بن أبي ذئب والليث وقد يحتمل معنى رواية مالك أيضا وفي هذا الحديث أن القتل في سبيل الله على الشرط المذكور لا تكفر به تبعات الآدميين - والله أعلم - وإنما يكفر ما بين العبد وبين ربه من كبيرة وصغيرة لأنه لم يستثن فيه خطيئة صغيرة ولا كبيرة إلا الدين الذي هو من حقوق بني آدم ويشهد لذلك حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا يدخل أحد من أهل الجنة الجنة وأحد من أهل النار يتبعه بمظلمة ولا يدخل أحد من أهل النار النار وأحد من
100 أهل الجنة يتبعه بمظلمة)) قال قلنا يا رسول الله وكيف وإنما نأتي الله (عز وجل) حفاة عراة غرلا قال ((بالحسنات والسيئات)) (1) وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده في ((التمهيد)) روى مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من كانت عنده مظلمة لأحد فليتحلله فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاته وطرح عليه)) (2) وروى سفيان بن عيينة عن سعد عن عمرو بن مرة قال سمعت الشعبي يقول حدثنا الربيع بن خثيم وكان من معادن الصرف قال إن أهل الدين في الآخرة أشد تقاضيا له منكم في الدنيا فيجلس لهم فيأخذونه فيقول يا رب ألست قد أتيت حافيا عاريا فيقول خذوا من حسناته بقدر الذي لهم فإن لم يكن لهم حسنات يقول زيدوا على سيئاته من سيئاتهم وقد ذكرنا في ((التمهيد)) أحاديث كثيرة صحاحا فيها التشديد في الدين منها حديث سعد بن الأطول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ((إن أخاك محتبس في دينه فاقض عنه)) (3) ومنها حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((نفس المؤمن معلقة بدينه)) (4) أو قال ((ما كان عليه دين حتى يقضى عنه)) (5) ومنها حديث محمد بن جحش قال كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع الجنائز مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ رفع رأسه ثم نكسه ثم وضع راحته على جبهته وقال سبحان الله ماذا نزل في التشديد في الدين
101 ومنها حديث البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((صاحب الدين مأسور يوم القيامة في الدين)) (1) وفي هذا الحديث من الفقه أن قضاء الدين عن الميت بعده في الدنيا ينفعه في آخرته ولذلك أمر وليه بالقضاء عنه ولا ميراث إلا بعد قضاء الدين وفي حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن الصلاة على رجل ترك عليه دينا دينارين لم يدع لهما وفاء فلما ضمنهما أبو قتادة صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) وقد ذكرنا الخبر بذلك كله عن أبي قتادة بإسناده في ((التمهيد)) وهذا كله كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين قبل أن يفتح الله عليه الفتوحات في ارض العرب وقبل أن تترادف عليه الزكوات فلما كان ذلك أنزل الله عليه سورة براءة وفيها للغارمين سهم وأنزل آية الفيء وفيها حقوق للمساكين وبن [السبيل والأ نصار والمهاجرين والذين جاؤوا من بعدهم إذا كانوا لمن سبقهم بالإيمان مستغفرين فلما نزل ذلك كله في آية الفيء وآية قسم الصدقات للفقراء والغارمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو عيالا فعلي)) (3) فكل من مات وقد أدان دينا في مباح ولم يقدر على أدائه فعلى الإمام أن يؤدي ذلك عنه من سهم الغارمين أو من الصدقات كلها لأن من وضعها في صنف واحد عند أكثر العلماء أجزأه على ما قد أوضحناه في كتاب الزكاة وعلى الإمام أن يؤدي دين من وصفنا حاله من الفيء الحلال للغني والفقير واجب على كل ذي دين أن يوصي به ولا يبيتن ليلتين دون أن تكون الوصية مكتوبة لأنه لا يدري متى يفجؤه الموت
102 وقد أجمع العلماء فيمن عليه دين أن الوصية عليه به واجبة إذا لم يؤده قبل والأفضل أن يؤدي دينه في حياته فإذا أوصى به وترك ما يؤدي منه ذلك الدين فليس بمحبوس عن الجنة إن شاء الله وكذلك إذا أوصى به ولم يكن عنده ما يؤدى منه ولا قدر على أدائه في حياته فعلى الإمام أن يؤدي عنه دينه كما وصفنا إذ الأخير المسؤول عنه أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث قال حدثنا عقيل عن بن شهاب قال أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المسلمين وترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته)) (1) وروى المقدام بن معدي كرب عن النبي عليه السلام مثله وقد ذكرناه في ((التمهيد)) أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو المتوكل العسقلاني قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على أحد مات وعليه دين فأتي بميت فقال ((أعليه دين)) قالوا نعم ديناران فقال ((صلوا على صاحبكم)) قال أبو قتادة الأنصاري هما علي يا رسول الله فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فتح الله على رسوله قال ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا فعلي قضاؤه)) (2) قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم ((من توفي من المسلمين وعليه دين فعلي قضاؤه يحتمل أن يكون أراد إذا لم يترك مالا يؤدى منه وظاهر الحديث يوجب عمومه كل دين مات عنه المسلم ولم يؤده في حياته
103 والمعنى في ذلك - والله أعلم - أن الميت المسلم كان وجبت له حقوق في بيت المال من الفيء وغيره لم تصل إليه فتوجب على الإمام أن يؤدي ذلك الدين عنه كما لو كان للميت دين على غيره من المسلمين أو الذميين جاز أن يؤخذ دينه الذي له فيؤدي منه ما عليه من الدين ويخلص ماله لورثته فإن لم يفعل الغريم ذلك أو السلطان رفع القصاص بينهم في الآخرة ولم يحبس عن الجنة بدين له مثله على غيره في بيت المال أو على غريم جحد ولم يثبت الدين عليه في القضاء أو أن غريمه لم يعلم به أو لم يصل إليه أو دين أقر به لوارث في مرضه فلم يجز القاضي إقراره وكان صادقا فيه محقا فهذا كله وما كان مثله لا يحبس به صاحب الدين عن الجنة إذا كان ممن يستحقها بثواب الله على عمله إلا أن يكون ما عليه من الدين أكثر مما له في بيت المال أن على الغريم ولم تف بذلك حسناته فالقصاص منه ومعلوم أن حق المسلم في بيت المال وإن لم يتعين عنده مال من ماله يعلمه الذي أحصى كل شيء عددا وأحاط بكل شيء علما يأخذه له ممن ظلمه فيه يوم لا دينار فيه ولا درهم إلا الحسنات والسيئات ومحال أن يحبس عن الجنة ما بقي ما عليه من الدين عند سلطان أو غيره ممن لم يقدر على الانتصاب في الدنيا منه وقول السلطان دين هذا علي وماله لورثته كقول غريم لو كان له فقال ما على هذا البيت من الدين فعلي أداءه مما له علي وما يخلفه لورثته وهذا لا مشكل على أحد إن شاء الله وفي هذا الحديث أن جبريل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بما يتلى من القرآن وبغيره من الحكمة والعلم والسنة وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع والحمد لله 956 - قال أبو عمر وفي هذا الباب مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد ((هؤلاء أشهد عليهم)) فقال أبو بكر الصديق ألسنا يا رسول الله بإخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي)) [فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال أئنا لكائنون بعدك] قال أبو عمر هذا حديث منقطع لم يختلف عن مالك في انقطاعه
104 وقد روي معناه مسندا متصلا من وجوه من حديث عقبة بن عامر وحديث جابر وحديث أنس وغيره منها حديث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال ((أنا فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض وإني - والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)) (1) ذكره البخاري قال حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا الليث فذكره قوله صلى الله عليه وسلم ((لشهداء أحد هؤلاء أشهد عليهم)) يقول ((أنا شهيد لهم)) وقد تكون بمعنى لهم في لسان العرب ويكون لهم بما عليهم أيضا يقول أنا شهيد لهم بأنهم صدقوا بما عاهدوا الله عليه من الإيمان والجهاد في سبيله وطاعته وطاعة رسوله حتى ماتوا على ذلك ومن كانت هذه حالته فقد وعده الله الجنة والله لا يخلف الميعاد فهذه شهادة لهم قاطعة بالجنة ويعضد هذا قول الله تعالى في الشهداء أنهم * (أحياء عند ربهم يرزقون) * [آل عمران 69] وفي شهداء أحد نزلت هذه الآية والشهادة لهم بالجنة ما لا خلاف ولا شيء في معانيه لأنهم ماتوا ذابين عن دين الله وعن رسوله بهذه الحالة هي النهاية في الفصل مع السلامة من التبديل والتغيير وموبقات الذنوب التي أكثر أسبابها الإفراط في حب الدنيا والمنافسة فيها ولشهداء أحد عندنا كل من مات بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا في غزوة غزاها أو سرية بعثها وكذلك من مات على فراشه في عصارة إيمانه كعثمان بن مظعون وغيره ممن لم يتلبس من الدنيا بما يدنسه وأما قوله في حديث مالك ((بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي)) فإن الخطاب توجه إلى أبي بكر الصديق ومن كان معه والمراد به أصحابه وكل من آمن به من الكائنين بعده إلا أن أهل بدر والحديبية من شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة
105 فقال ((لن يلج النار أحد شهد بدرا والحديبية)) كما شهد للشهداء الذين استشهدوا بين يديه صلى الله عليه وسلم وقال ((أنا شهيد لهؤلاء)) وقد ذهب قوم من جلة العلماء إلى القطع أن من مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهداء مثل حمزة وجعفر ومصعب بن عمير وسعد بن معاذ ومن جرى مجراهم ممن موتهم قبله وصلى عليهم وشهد بالجنة لهم أفضل ممن بقي بعده من أصحابه الذين قال فيهم ((ألا لا أدري ما تحدثون بعدي وخاف عليهم من الفتنة والميل إلى الدنيا ما قد وقع فيه بعضهم)) وقالوا معنى قول من قال أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو فلان وفلان يعني من بقي بعده صلى الله عليه وسلم وقال جماعة من أهل العلم أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بدر والحديبية لم يستثنوا من مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن بقي بعده قال أبو عمر والذي عندي في هذا الباب مما يصح في التأمل والنظر وصحيح الاعتبار والأثر مما شهد له الكتاب والسنة والأصول المجتمع عليها أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ممن شهد العقبة ثم شهد بدرا والحديبية أفضل من كل من لم يدرك تلك المشاهد ولم يشهدها لأن هؤلاء من شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفضل وقال ((لن يدخل النار من شهد بدرا والحديبية)) (1) وقال صلى الله عليه وسلم ((ما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) (2) وحسبك بقول الله عز وجل * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير) * [الحديد
106 وقد مضى القول فيمن مات شهيدا في حياته ومن مات ورسول الله صلى الله عليه وسلم راض عنه وأما الباقون بعده فهذه الجملة من القول عامة فيهم مع ثناء الله (عز وجل) عليهم بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم وأنهم رضوا عنه ورضي عنهم وحسبك بهذا وأما التعيين فيهم وتفضيل بعضهم على بعض فهذا لا يصح في نظر ولا اعتبار ولا يحيط بذلك إلا الواحد القهار المطلع على النيات الحافظ للأعمال إلا من جاء فيه أثر صحيح بأنه في الجنة جاز أن يقال فيه ذلك اتباعا للأثر لا أنه أفضل من الذين شاركوه في مثل فضله ذلك ومن فضله رسول الله بخصلة وشهد له بها جاز أن يفضل بها في نفسه لا على غيره وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه بفضائل وخصائل من الخير كثيرة أثنى بها عليهم ووصف كل واحد منهم بخصلة منها أفرده بها ولم يشرك معه غيره فيها ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح تجب الحجة بمثله أنه قال فلان أفضل من فلان إذا كانا جميعا من أهل السوابق والفضائل وذلك من أدبه ومحاسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم لئلا يومئ للمفضول بغيبة ويحطه في نفسه فيخرجه ويخزيه ولم يكن ذلك أيضا من دينه لأنه لم يعلم من غيب أمورهم وحقائق شأنهم إلا ما أطلعه الله عليه من ذلك وكان لا يتقدم بين يدي ربه ولو كان ذلك من دينه لأفشاه إن علمه ومن أخذ عليه الميثاق في تعليمه وتبليغه فلما لم يفعل علمنا أن قول القائل فلان أفضل من فلان باطل وليس بدين ولا شريعة وقد أجمع علماء المسلمين أن الله تعالى لا يسأل عباده يوم الحساب من أفضل عبادي ولا هل فلان أفضل من فلان ولا ذلك مما يسأل عنه أحد في القبر ولكن رسول الله قد مدح خصالا وحمد أوصافا من اهتدى إليها جاز الفضائل وبقدر ما فيه منها كان فضله في ظاهر أمره على من لم ينلها ومن قصر عنها لم يبلغ من الفضل منزلة من ناله هذا طريق التفضيل في الظاهر عند السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان قال أبو عمر ألا ترى الحكام إنما يقضون في التعديل والتجريح عند الشهادات بما يظهر ويغلب ولا يقطعون على غيب فيما به من ذلك يقضون ولم يكلفوا إلا العلم الظاهر والباطن إلى الله عز وجل
107 وفي قول الله - عز وجل * (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) * [البقرة 134] وقوله تعالى * (فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي) * [طه 51 52] ما يعاضد ما ذكرنا وبالله توفيقنا وروى سحنون عن بن القاسم في كتاب الديات من ((المدونة)) قال سمعت مالكا وسئل عن علي وعثمان فقال ((ما أدركت أحدا اقتدي به في دين يفضل أحدهما على صاحبه وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا عبد السلام بن صالح قال حدثنا عبد الله بن وهب قال سمعت مالكا يقول لا أفضل أحدا من العشرة ولا غيرهم على صاحبه وكان يقول هذا من علم الله الذي لا يعلمه غيره قال وقال مالك أدركت شيوخنا بالمدينة وهذا رأيهم قال أبو عمر قول مالك هذا يدل على أنه لم يصح عنده حديث نافع عن بن عمر كنا نقاتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم يسكت فلا يفضل أحدا وكان أفهم الناس لنافع وأعلمهم بحديثه وكان نافع عنده أحد الذين يقتدى بهم في دينه فلو كان هذا الحديث عنده صحيحا من حديث نافع عن بن عمر ما قال قوله هذا وهو حديث شاذ لا يعضده شيء من الأصول وكل حديث لا أصل له لا حجة فيه وقد مالت العامة بجهلها إليه وهم مجمعون على خلافه بحيث لا يعلمون وقد نقضوه مع قولهم به لأنهم لا يختلفون في أن عليا في التفضيل رابع الأربعة وفي حديثهم عن بن عمر أنهم لا يفضلون أحدا بعد عثمان وأنهم يسكتون بعد الثلاثة عن تفضيل أحد على أحد فقد نقضوا ما أبرموا والله المستعان على جهل عامة هذا الزمان أخبرنا يحيى بن عبد الرحمن ومحمد بن زكريا وعبد الرحمن بن يحيى قالوا حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا مروان بن عبد الملك قال سمعت هارون بن إسحاق يقول سمعت يحيى بن معين يقول من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة ومن قال أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وهو عارف لعثمان سابقته وفضله فهو
108 صاحب سنة فذكرت له هؤلاء الذين يقولون أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ وكان يحيى بن سعيد يقول أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وذكر الزبير بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بن أنس قال ليس من أمر الناس الذين مضوا التفضيل بين الناس ذكر المغامي عن الزبير بن بكار عن إسماعيل عن مالك في كتابه ((فضائل مالك)) وقد عورض حديث بن عمر هذا بحديث عبد الله بن مسعود روى شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن عبد الله قال كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب وهذا عندي حيث فيه تصحيف ممن رواه عن شعبة هكذا وإنما المحفوظ فيه عن بن مسعود أنه قال كنا نتحدث أن أمضى أهل المدينة علي بن أبي طالب هكذا من القضاء لا من الفضل وقد عارضوا حديث عمر أيضا بقول حذيفة حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا نفير بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن شيبة قال حدثنا أبو معاوية الأعمش عن شقيق عن حذيفة قال لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن بن مسعود أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة وهذا إخبار من حذيفة عن جلة الصحابة أنهم يعلمون أن بن مسعود أقربهم وسيلة عند الله وهذه شهادة له بالنهاية في الفضل وذلك خلاف قول بن عمر كنا نفاضل فنقول الحديث قال أبو عمر كل من رد حديث جابر وحديث أبي سعيد الخدري ((كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)) ولم يقبله لزمه أن يرد قول بن عمر ((كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)) ولا يقبله بل قول بن عمر أولى بالرد لأنه لا أصل له ولبيع أمهات الأولاد حظر من أهل السنة المجتمع عليها حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو الشعب محمد بن أحمد بن جاد الدولابي قال حدثنا الزبير بن بكار
109 قال حدثني إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بن أنس قال ليس من أمر الناس الذين مضوا أن يفاضلوا بين الناس وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال سمعت مصعب بن عبد الله الوليدي يقول لم يكن أحد من مشايخنا الذين أدركت ببلدنا يفضل بين أحد من العشرة لا مالك ولا غيره وقال بن أبي خيثمة كان أحمد بن إبراهيم الدورقي يقول لا أشهد لأحد بالجنة غير الأنبياء - عليهم السلام قال أبو عمر وقد روي عن مالك - رحمه الله - تقديم الشيخين أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - من رواية بن القاسم وغيره حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو بشر الدولابي قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا أبو مصعب قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال سألت مالكا فيما بيني وبينه من تقدم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقدم أبا بكر وعمر قال ولم يزل على هذا قال أبو عمر جماعة أهل السنة وهم أهل الفقه والآثار على تقديم أبي بكر وعمر وتولي عثمان وعلي وجماعة أصحاب النبي عليه السلام وذكر محاسنهم ونشر فضائلهم والاستغفار لهم وهذا هو الحق الذي لا يجوز عندنا خلافه والحمد لله أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسيد قال حدثنا محمد بن مسرور قال حدثنا أحمد بن مغيث قال حدثنا الحسين بن حسن بن حرب المروزي قال أخبرنا بن المبارك قال حدثنا بن لهيعة قال حدثنا يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير اليزني حدثه أن عقبة بن عامر الجهني حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع على المنبر فقال ((إني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها)) (1) قال عقبة فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
110 وبهذا الإسناد عن بن المبارك قال حدثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى بقيع الغرقد فقال عليه السلام ((السلام عليكم يا أهل القبور لو تعلمون ما نجاكم الله منه ما هو كائن بعدكم)) ثم أقبل على أصحابه فقال ((هؤلاء خير منكم)) قالوا يا رسول الله إخواننا أسلمنا كما أسلموا وهاجروا كما هاجرنا وجاهدوا كما جاهدنا ومضوا على آجالهم وبقينا في آجالنا فبم تجعلهم خيرا منا فقال ((إن هؤلاء خرجوا من الدنيا ولم يأكلوا من أجورهم شيئا وأنا عليهم شهيد)) أو قال ((فأنا الشهيد عليهم وإنكم قد أكلتم من أجوركم ولا أدري ما تحدثون بعدي)) قال أبو عمر من معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((لا أدري ما تحدثون بعدي)) ما ذكره البخاري قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا محمد بن مطرف قال حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم)) قال فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال هكذا سمعت من سهل فقلت نعم فقال أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي)) (1) قال البخاري وحدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر قال حدثني بن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل تعرف ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) (2) فكان بن أبي مليكة يقول اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا وروى الزبيدي وغيره عن الزهري عن محمد بن علي بن حسين عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري
111 وروى يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرنا أحاديث الحوض وهي متواترة وتقصيناها بألفاظها وطرقها في باب خبيب بن عبد الرحمن من كتاب ((التمهيد)) والحمد لله 957 - وفي هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقبر يحفر بالمدينة فأطلع رجل في القبر فقال بئس مضجع المؤمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((بئس ما قلت)) فقال الرجل إني لم أرد هذا يا رسول الله إنما أردت القتل في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا مثل للقتل في سبيل الله ما على الأرض بقعة هي أحب إلي أن يكون قبري بها منها)) ثلاث مرات يعني المدينة قال أبو عمر لا أحفظ لهذا الحديث سندا لكن معناه محفوظ في الأحاديث المرفوعة وفضائل الجهاد كثيرة وفي هذا الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشارك أصحابه بنفسه في جنازتهم وحفر قبورهم ومشاهدة ذلك معهم وذلك والله أعلم لما في حضور الجنائز ومشاهدة الدفن في القبر من الموعظة والاعتبار ورقة القلوب ليتأسى به وتكون سنة بعده وفيه أن القائل إذا قال قولا إنه يظهر قوله فيحمد على المحمود منه ويلام على ضده حتى يعلم مراده مما يحتمله كلامه فيحمل قوله على ما أراد مما يحتمل معناه دون ظاهره وفيه أن القتل في سبيل الله أفضل الفضائل أو من أفضل الفضائل إذا كان على سنته وما ينبغي فيه وروى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال عليكم بالحج فإنه عمل صالح والجهاد أفضل منه وقال بن مسعود لأتمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من حجة في إثر حجة وقال بن عمر غزوة في سبيل الله أفضل من حجة قال أبو عمر هذا كله لمن أدى من الحج فرضه
112 وأما قوله ((ما على الأرض بقعة هي أحب إلي أن يكون قبري بها)) فإنه خرج قوله على البقعة التي فيها ذلك القبر المحفور وأظنها بالبقيع ولم يرد البقيع بعينه ولكنه أراد المدينة والله أعلم فأخبر أنها أحب البقاع إليه أن يكون قبره فيها وذلك لأنها موضع مهاجره الذي افترض عليه المقام فيه مع الذين آووه حين أخرج من وطنه ونصروه حتى ظهر دينه وكان قد عقد لهم حين بايعهم أنه إذا هاجر إليهم يقيم أبدا معهم فيكون محياه محياهم ومماته مماتهم فلزمه الوفاء لهم وكان من دعائه أن يحبب الله إليه وإلى أصحابه الذين هاجروا معه المدينة كحبهم لمكة أو أشد وكان يكره لأصحابه المهاجرين أن يموتوا في الأرض التي هاجروا منها وذلك بين في قصة سعد بن خولة وأما تكريره هذا القول ثلاث مرات فكانت عادته صلى الله عليه وسلم يؤكده ويكرره ثلاثا 13 ((15 - باب ما تكون فيه الشهادة)) 958 - مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان يقول اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك ووفاة ببلد رسولك قال أبو عمر روى هذا الحديث معمر عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك ووفاة في مدينة رسولك وهذا الحديث يدل على أن المقتول ظلما شهيد في غزاة أو في غير غزاة في بلاد الحرب وغيرها وقد أجاب الله تعالى دعوة عمر إذ قتله كافر ولم يجعل الله قتله بيد مسلم كما كان يتمناه لنفسه ويدل أيضا هذا الحديث على فضل المدينة لتمني عمر أن تكون وفاته بها كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب قبل هذا من قوله ((ما على الأرض بقعة أحب إلي أن يكون قبري بها منها)) ولم ينكر أحد من العلماء للمدينة فضلها على سائر البقاع إلا مكة فإن الآثار والعلماء اختلفوا في ذلك ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا للمهاجرين من مكة معه
113 سبيل إلى استيطان مكة لما تقدم ذكرنا له فمن هنا لم نجد لمكة ذكرا في حديث عمر والله أعلم وفي هذا الباب عند أكثر رواة الموطأ حديث جابر بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله)) فذكر المطعون والمبطون والغريق والحريق وصاحب ذات الجنب والذي يموت تحت الهدم والمرأة تموت بجمع وقد مضى القول في هذا المعنى من رواية يحيى في الموطأ ويدخل في هذا الباب لأنه مما تكون فيه الشهادة ويدخل فيه قول عمر الشهيد من احتسب نفسه على الله ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ((مر عمر بقوم وهم يذكرون سرية هلكت فقال بعضهم هم شهداؤهم في الجنة وقال بعضهم لهم ما احتسبوا فقال عمر إن من الناس من يقاتل رياء ومنهم من يقاتل حمية ومنهم من يقاتل إذا دهمه القتال ورهقه ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله فأولئك الشهداء وإن كل نفس تبعث على ما تموت عليه ولا تدري نفس ما يفعل بها إلا الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)) - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو العجفاء عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبة خطبها تقولون في مغازيكم قتل فلان شهيدا ولعله قد أوقر دابته غلولا لا تقولوا ذلك ولكن قولوا من قتل في سبيل الله فهو في الجنة وروى الثوري عن صالح عن أبي عاصم عن أبي هريرة قال إنما الشهيد الذي لو مات على فراشه دخل الجنة يعني الذي يموت على فراشه ولا ذنب له 959 - وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال كرم المؤمن تقواه ودينه حسبه ومروءته خلقه والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء فالجبان يفر عن أبيه وأمه والجريء يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله والقتل حتف من الحتوف والشهيد من احتسب نفسه على الله قال أبو عمر أما قوله كرم المؤمن تقواه فمن قول الله تعالى * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * [الحجرات وأما قوله ودينه حسبه فإنه أراد أن الحسب الرفيع حقيقة الدين فيمن انتسب إلى أب ذي دين فهو الحسب وهذا أولى منه على 13]
114 من انتسب إلى أب كافر يفخر به كما جاء في الحديث المرفوع على ذكر الكفرة ينتسبون إلى حمم من حمم جهنم وأن من الجعل بأنفه خير منهم وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ((ثلاث لا تزال في أمتي النياحة علي الموتى والاستمطار بالأنواء والتفاخر بالأحساب خرج أيضا على حساب الذم ومثله ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أن أحساب أمتي التي ينتمون إليها المال هذا أيضا على وجه الذم لأنه قال صلى الله عليه وسلم لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال ومن هذا قوله تنكح المرأة على حسبها وعلى مالها وعلى جمالها وعلى دينها فعليك بذات الدين وأما قوله ومروءته خلقه فمن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق أو قال حسن الأخلاق فلا تكاد تجد حسن الخلق إلا ذا مروءة وصبر ومثله قوله وقد تذاكر المروءة عنده بعضهم فقال مروءتنا أن نعفو عمن ظلمنا ونعطي من حرمنا وهذا كله لا يتم إلا بحسن الخلق وقد روي أنه في حكمة داود المروءة الصلاح في الدين وإصلاح المعيشة وغنى النفس وصلة الرحم وأما قوله والجرأة والجبن غرائز فلا تحتاج إلى تفسير ولا شرح ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن مجاهد عن الشعبي عن مسروق قال ذكر الشهداء عند عمر بن الخطاب فقال عمر للقوم ما ترون الشهداء فقال القوم يا أمير المؤمنين هم من يقتل في هذه المغازي
115 فقال إن شهداءكم إذا لكثير إني أخبركم عن ذلك إن الشجاعة والجبن غرائز في الناس فالشجاع يقاتل من وراء أن لا يبالي أن لا يؤوب به إلى أهله والجبان فار عن حليلته ولكن الشهيد من احتسب نفسه والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده قال وحدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن حسان عن قائد العبيسي قال قال عمر الشجاعة والجبن غرائز في الرجال فيقاتل الشجاع عن من يعرف وعن من لا يعرف ويفر الجبان عن أبيه وأمه قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال قال عمر الشجاعة والجبن شيمة وخلق في الرجال فيقاتل الشجاع عن من لا يبالي أن لا يؤوب به إلى أهله ويفر الجبان عن أبيه وأمه قال وحدثنا محمد بن بكر عن بن جريج عن عبد الكريم قال قالت عائشة من حس من نفسه جبنا فلا يغز قال وحدثنا وكيع قال حدثنا همام عن أبي عمران الجوني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((للجبان أجران)) وأما قوله ((الشهيد من احتسب نفسه على الله)) فقد جاء عنه ما يفسر قوله هذا روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن شهاب قال أصيبت سرية على عهد عمر بن الخطاب فتكلم الناس فيها فقام عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الرجل يقاتل حمية أو يقاتل رياء ويقاتل شجاعة والله تعالى أعلم بنياتهم وما قتلوا عليه وما أحد هو أعلم مما يفعل به إلا هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أبو عمر هذا أيضا يدل على ما تقدم بأن لا يقطع بفضل فاضل على مثله في ظاهر أمره وأن يسكت في مثل هذا ((16 - باب العمل في غسل الشهداء)) 960 - ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلي عليه وكان شهيدا يرحمه الله
116 961 - مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون الشهداء في سبيل الله لا يغسلون ولا يصلى على أحد منهم وإنهم يدفنون في الثياب التي قتلوا فيها قال مالك وتلك السنة فيمن قتل في المعترك فلم يدرك حتى مات قال وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب قال أبو عمر اختلف العلماء في غسل الشهداء والصلاة عليهم فذهب أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي إلى أنهم لا يغسلون إذا ماتوا في المعترك وبه قال أحمد وإسحاق والطبري وحجتهم حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قتلى أحد ((ادفنوهم بدمائهم وزملوهم بثيابهم)) (1) وهذا حديث اختلف فيه عن بن شهاب ورواه معمر عن الزهري عن بن أبي زهير عن جابر ورواه الليث بن سعد عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله أخبره بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وخرج البخاري حديث الليث هذا عن بن شهاب بإسناده وخرجه أبو داود أيضا ورواه بن وهب عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بثيابهم وقد حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر قال ((رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فادرج في ثيابه كما هو)) قال ((ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
117 قال أبو عمر هذا حديث صحيح الإسناد وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زياد بن أيوب قال حدثنا علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال ((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم (1) فهذا معنى قول مالك فيمن قتل في المعترك وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري يغسل الشهداء كلهم كما يغسل سائر المسلمين قال أحدهما إنما لم يغسل شهداء أحد للشغل الذي كان فيه ولكثرتهم وروي عن سعيد والحسن أنهما قالا لا يغسل الشهيد لأن كل ميت يجلب قال أبو عمر لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقول سعيد بن المسيب والحسن البصري في غسل الشهداء إلا عبيد الله بن الحسن العنبري وليس ما قالوه من ذلك بشيء لأن الشيء الذي جعلوه علة ليس بعلة لأن كل واحد من القتلى كان له أولياء يشتغلون به دون غيره وبل العلة في ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أن الشهيد يأتي يوم القيامة وريح دمه كريح المسك
118 واحتج بعض من ذهب من المتأخرين مذهب سعيد والحسن في ترك غسل الشهداء بقوله عليه السلام في شهداء أحد ((أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة)) (1) قال وهذا يدل على خصوصهم وأنهم لا يشركهم في ذلك غيرهم كما لا يشركهم في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر يلزمه أن يقول في المحرم الذي وقصته ناقته أن لا يفعل بغيره من المسلمين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم به لأنه قال فيه ((يبعث يوم القيامة ملبيا)) وهو لا يقول بذلك وأما الصلاة على الشهداء فإن العلماء قد اختلفوا في ذلك واختلفت الآثار في ذلك أيضا فذهب مالك والليث والشافعي وأحمد وداود إلى أن لا يصلى عليهم بحديث الليث بن سعد عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أن شهداء أحد لم يغسلوا ولم يصل عليهم)) (2) وبحديث أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس بن مالك ((أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا ولم يصل عليهم)) (3) ذكره أبو داود عن أحمد بن صالح عن بن وهب عن أسامة وقال معمر عن الزهري لم يصل على شهداء أحد وقال فقهاء الكوفة بن أبي ليلى وسفيان الثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه وسليمان بن موسى والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وفقهاء أهل البصرة عبيد الله بن الحسن وغيره يصلى على الشهداء كلهم ولا تترك الصلاة عليهم ولا على غيرهم من المسلمين ورووا في ذلك آثارا كثيرة أكثرها مراسيل ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد وصلى على حمزة سبعين صلاة)) وروى بن عيينة وغيره عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال ((صلى
119 رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة يوم أحد سبعين صلاة كلما صلى على رجل صلى عليه)) (1) قال أبو عمر قد خالف الشعبي في ذلك غيره ذكر أبو داود قال حدثنا عباس العنبري قال حدثنا عثمان بن عمر قال حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحمزة وقد مثل به فصلى عليه ولم يصل على أحد من الشهداء غيره (2) وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الزبير بن عدي عن عطاء بن أبي رباح قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى بدر)) وأجمع العلماء على أن الشهيد في معترك الكفار إذا حمل حيا ولم يمت في المعترك وعاش وأكل وشرب فإنه يغسل ويصلى عليه كما فعل بعمر وبعلي (رضوان الله عليهما) واختلفوا في غسل من قتل مظلوما كغسل الخوارج وقطاع السبيل وما أشبه ذلك ممن قتل مظلوما فقال مالك لا يغسل من قتله الكفار إلا أن يموت في المعترك فإن حمل من موضع مصرعه فعاش وأكل وشرب ثم مات غسل وصلي عليه وأما من غسل في فتنة أو نائرة أو قتله اللصوص أو البغاة أو كان من اللصوص أو البغاة فقتل أو قتل قودا أو قتل نفسه فإن هؤلاء كلهم يغسلون ويصلى عليهم وبه قال الشافعي قال أبو حنيفة والشافعي كل من قتل مظلوما لم يغسل ولا أنه يصلى عليه وعلى كل شهيد وهو قول سائر أهل العراق ورووا من طرق كثيرة في عمار بن ياسر وزيد بن صوحان بأن كل واحد منهما قال لا تنزعوا عني ثوبا ولا تغسلوا عني دما وادفنوني في ثيابي روي مثل ذلك عن حجر بن عدي بن الأدبر - رحمه الله
120 قال أبو عمر قتل زيد بن صوحان يوم الجمل وقتل عمار بن ياسر بصفين وأما حجر بن عدي فقتله معاوية صبرا بعث به إليه زياد بن أبي سفيان وروى هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أن حجر بن عدي قال لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما وادفنوني في ثيابي فإني ملاق معاوية بالجادة وإني مخاصمه وروى معمر عن أيوب عن بن سيرين قال أمر معاوية بقتل حجر بن عدي الكندي فقال حجر لا تنزعوا عني قيدا أو قال حديدا وكفنوني في ثيابي ودمي وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء قال ما رأيتهم يغسلون الشهيد ولا يحنطونه ولا يكفنونه قلت كيف يصلى عليه قلت كالذي يصلي على الذي ليس بشهيد قال وأخبرنا بن جريج قال سألنا سليمان بن موسى كيف الصلاة على الشهيد عندكم قال كيف يصلى على غير الشهيد وسألناه عن دفن الشهيد قال أما إذا مات في المعركة فإنما ندفنه كما هو ولا نغسله ولا نكفنه ولا نحنطه قال وأما إذا انقلبنا به وبه رمق فإنا نغسله ونكفنه ونحنطه وجدنا الناس على ذلك وكان من مضى عليه من الناس قبلنا قال وأخبرنا معمر عن نافع عن أيوب قال كان عمر من خير الشهداء فغسل وكفن وصلي عليه لأنه عاش بعد طعنه قال وأخبرنا الحسن بن عمارة عن يحيى بن الجزار قال غسل علي - رضي الله عنه - وكفن وصلي عليه قال أبو عمر من حجة من ذهب إلى هذا - وهو معنى قول مالك - أن السنة المجتمع عليها في موتى المسلمين أنهم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم فكذلك حكم كل ميت وقتيل من المسلمين إلا أن يجتمعوا على شيء من ذلك فيكون خصوصا من الإجماع بإجماع وقد أجمعوا - إلا من شذ عنهم - بأن قتيل الكفار في المعترك إذا مات من وقته قبل أن يأكل ويشرب أنه لا يغسل ولا يصلى عليه فكان مستثنى من السنة المجتمع عليها بالسنة المجتمع عليها ومن عداهم فحكمه الغسل والصلاة وبالله التوفيق ومن حجة من جعل قتيل البغاة والخوارج واللصوص وكل من قتل ظلما إذا
121 مات من وقته كقتيل الكفار في الحرب إذا مات في المعترك القياس على قتيل الكفار قالوا وأما عمر وعلي فإنهما غسلا وصليا عليهما لأنهما عاشا وأكلا وشربا بعد أن أصيبا وبالله التوفيق ((17 - باب ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله)) هكذا وقعت ترجمة هذا الباب عند يحيى ولم يذكر فيه إلا حديث يحيى بن سعيد في حمل عمر إلى الشام وإلى العراق وترجمة الباب عند القعنبي وبن بكير ((باب ما يكره من الرجعة في الشيء يجعل في سبيل الله)) وفيه عندهما حديث عمر في الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله من طريق زيد بن أسلم ومن طريق نافع ثم حدثنا يحيى بن سعيد هذا وقد ذكرنا حديث عمر في كتاب الزكاة وحديث هذا الباب لم يقع في رواية يحيى بن يحيى في الموطأ إلا في هذا الباب 962 - مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير يحمل الرجل إلى الشام على بعير ويحمل الرجلين إلى العراق على بعير فجاءه رجل من أهل العراق فقال احملني وسحيما فقال له عمر بن الخطاب نشدتك الله أسحيم زق قال له نعم قال أبو عمر الحمل على الإبل والخيل سنة مسنونة من مال الله ومن مال من شاء أن يتطوع في سبيل الله قال الله عز وجل * (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه) * [التوبة 92] وروى أبو مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل فقال يا رسول الله إنه أبدع بي فاحملني فقال له ائت فلانا فاستحمله فأتاه فحمله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الدال على الخير كفاعله
122 وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في صدر كتاب العلم ومن حديث أبي موسى الأشعري أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين يستحملونه فوجدوه غضبان فقال له ((والله لا أحملكم)) ثم حملهم على الإبل قال ((ولا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير)) (1) وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة بن سعيد عن قتادة أن عثمان حمل في جيش العسرة على ألف بعير إلا سبعين وروى سفيان بن عيينة عن بن جرير عن عطاء عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فحملت فيها على بكر فكان أوثق عملي في نفسي (2) وأما حمل عمر _ رضي الله عنه _ الرجل من أهل الشام على بعير والرجلان من أهل العراق على بعير فذلك عندي على حسب ما أداه اجتهاده إليه عسى أن يكون ذلك في عام دون عام لما رآه من أهل العراق وأهل الشام فاجتهد في ذلك وما أحسب ذلك كان إلا من العطاء لأهل الديوان بعينهم عام غزوا وأما فراسته في الذي ألغز له وأراد التحيل عليه ليحمل على بعير وهو عراقي من بين سائر أهل العراق ففطن له فلما ناشده الله صدقه أنه عنى بقوله ((سحيما)) زقا كان في رحله فذلك معروف من ذكاء عمر وفطانته وكان يتفق ذلك كثيرا ألا ترى إلى قوله للذي قال له ما اسمك قال جمرة قال بن من قال بن شهاب قال ممن قال من الحرقة
123 قال أين مسكنك قال بحرة النار قال فأيها قال بذات لظى قال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا فكان كما قال عمر ذكره مالك أيضا عن يحيى بن يحيى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق حسان أنه قال ((سيكون في أمتي محدثون فإن يكن فعمر)) (1) وبالله التوفيق ((18 - باب الترغيب في الجهاد)) 963 - ذكر فيه مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته وجلست تفلي في رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ((ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر (2) ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة)) (يشك إسحاق) قالت فقلت له يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ يضحك قالت فقلت له يا رسول الله ما يضحكك قال ((ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة)) كما قال في الأولى قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال ((أنت من الأولين قال فركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت
124 قال أبو عمر قال بن وهب أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه قال أبو عمر لولا أنها كانت منه ذات محرم ما زارها ولا قام عندها والله أعلم وقد روي عنه عليه السلام من حديث عمر وبن عباس لا يخلون رجل بامرأة إلا أن تكون منه ذات محرم)) (1) على أنه صلى الله عليه وسلم معصوم ليس كغيره ولا يقاس به سواه وفي هذا الحديث إباحة أكل ما قدمته المرأة إلى ضيفها في بيتها من مالها ومال زوجها لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل وفيه دليل على أن الوكيل والمؤتمن إذا علم أن صاحب المال يسر بما يفعله في ماله جاز له فعل ذلك ومعلوم أن عبادة بن الصامت كان يسره أن يبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فلذلك أذنت أم حرام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت زوجها عبادة وأطعمته وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا يحل لامرأة أن تأذن لرجل في بيتها وزوجها غائب كاره)) وإسناده في ((التمهيد)) وقد اختلف العلماء في عطية المرأة من مال زوجها بغير إذنه واختلفت فيه الآثار المرفوعة منها ما رواه بن جريج عن بن أبي مليكة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي قال ((ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك)) (2) وروى الأعمش ومنصور عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجر بما
125 أنفقت ولزوجها أجر بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا)) (1) وأما الأثر المخالف لغيره فهذه الأحاديث أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته ((إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)) وفيه ((لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها)) قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ((ذلك أفضل أموالنا)) (2) ومن أجاز للصديق الأكل من مال صديقه بغير إذنه وتأول قول الله عز وجل * (أو صديقكم) * [النور 61] فإنما أباح منه ما لا يتشاح الناس فيه وما تسخو النفوس به للإخوان في الأغلب وأما ((ثبج البحر)) فهو ظهر البحر وكذلك روى هذا الحديث يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك عن أم حرام قالت بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا في بيتي استيقظ وهو يضحك فقلت مم تضحك قال ((عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر البحر كالملوك على الأسرة)) الحديث وأما ضحكه صلى الله عليه وسلم عندما استيقظ فإنما ذلك سرورا منه مما يدخله الله على أمته من الأجر بأعمال البر وإنما رآهم على الأسرة في الجنة ورؤياه ورؤيا الأنبياء وحي ويشهد لذلك قول الله تعالى في أهل الجنة * (على الأرائك متكئون) * [يس 56] وقوله ((أو مثل الملوك على الأسرة)) شك من المحدث
126 وقد رواه يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس عن أم حرام فقال فيه مثل الملوك على الأسرة من غير شك وهذا الخبر إنما ورد تنبيها على فضل الغزو في البحر وفيه إباحة النساء للجهاد وقد قالت أم عطية كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنداوي الجرحى ونمرض المرضى وكان يرضخ لنا من الغنيمة اختلف الفقهاء في الإسهام للنساء من الغنيمة فقال بن وهب سألت مالكا عن النساء هل يحذين من المغانم في الغزو قال ما علمت ذلك وقال أبو حنيفة والثوري والليث والشافعي لا سهم لامرأة ويرضخ لها وقال الأوزاعي يسهم لها وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء بخيبر قال الأوزاعي وأخذ بذلك المسلمون عندنا قال أبو عمر أحسن شيء في هذا الباب ما كتب به بن عباس إلى نجدة الخارجي أن النساء كن يحضرن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة ولم يضرب فيه بسهم (1) وفيه إباحة ركوب البحر للنساء وكان مالك يكره للمرأة الحج في البحر وهو في الجهاد كذلك أكره قال أبو عمر إنما كره ذلك مالك لأن المرأة لا تكاد تغض بصرها عن الراكبين فيه عن الملاحين وغيرهم وهم لا يستترون في كثير من الأوقات وكذلك لا تقدر كل امرأة عند حاجة الإنسان على الاستتار في المركب في الرجال ونظرها إلى عورات الرجال ونظرهم إليها حرام فلم ير استباحة فضيلة بمدافعة ما حرم الله تعالى وكانت أم حرام مع زوجها وكان الناس خلاف ما هم عليه اليوم والله أعلم وفيه دليل على جواز ركوب البحر للحج لأنه إذا ركب للجهاد فركوبه للحج أولى إذا كان في أداء فريضة الحج ذكر مالك أن عمر بن الخطاب كان يمنع الناس من ركوب البحر طول حياته
127 فلما مات استأذن معاوية عثمان في ركوبه فأذن له فلم يزل حتى كان زمان عمر بن عبد العزيز فمنع الناس من ركوبه في أيامه ثم ركب بعد إلى الآن هذا لما كان من العمرين - رحمة الله عليهما - في التجارة وطلب الدنيا والاستعداد من المال والتكاثر معرضين عن الآخرة وعن جهاد الغزو في البحر فأما ما كان في أداء فريضة الله فلا قد وردت السنة بإباحة ركوب البحر للجهاد في حديث أنس وغيره وهي الحجة وفيها الأسوة واتفق العلماء أن البحر لا يجوز لأحد ركوبه في حين ارتجاجه ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن نافع عن بن عمر قال ((لا يسلني الله عن جيش ركبوا البحر أبدا)) يعني التغرير وفيه التحري بالإتيان بألفاظ النبي عليه السلام وقد ذهب إلى هذا جماعة ورخص آخرون في الإتيان بالمعاني وإن خالفوا في الألفاظ وفيه أن الجهاد تحت راية كل إمام عادل أو جائر ماض إلى يوم القيامة لأنه قد رأى الآخرين ملوكا على الأسرة كما رأى الأولين ولا نهاية للآخرين إلى قيام الساعة قال الله عز وجل * (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) * [الواقعة 39 40] وهذا على الآية وفيه فضل لمعاوية إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين وإنما قلنا في الحديث دليل على ركوب البحر للجهاد وغيره للرجال والنساء لاستيقاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فرحا بذلك فدل على جوازه وإباحته وفضله وجعلنا المباح فيما ركب فيه البحر قياسا على الغزو فيه ويحتمل بدليل هذا الحديث أن يكون الموت في سبيل الله والقتل سواء في الفضل لأن أم حرام لم تقتل وإنما ماتت من صرعة دابتها وقد ذكرنا في ((التمهيد)) الآثار الشواهد في هذا المعنى واختلافها في ذلك فمنها ما ذكره بن أبي شيبة (1) قال حدثنا وكيع قال حدثنا المسعودي عن
128 عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عمرو قال قال رجل يا رسول الله أي الجهاد أفضل قال ((من عقر جواده وأريق دمه)) وذكر أبو داود قال حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا مروان قال حدثنا هلال بن ميمون الرملي عن يعلى بن شداد عن أم حرام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد والغرق له أجر شهيدين)) (1) والآثار في الوجهين جميعا كثيرة قد ذكرنا كثيرا منها في ((التمهيد)) وقد سوى الله تعالى في كتابه بين المقتول والميت في سبيل الله * (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا) * [الحج 58] فركبت [أم حرام] البحر في زمن معاوية ولم يختلف أهل السير أنها غزاة معاوية هذه وقد غزا معه ((عبادة وزوجته ((أم حرام)) كانت في خلافة عثمان لا في زمان معاوية قال الزبير بن أبي بكر ركب معاوية البحر غازيا بالمسلمين في خلافة عثمان لا في أيام معاوية قال الزبير بن أبي بكر ركب معاوية البحر غازيا بالمسلمين في خلافة عثمان إلى قبرص ومعه أم حرام زوج عبادة مع زوجها عبادة فركبت بغلتها حين خرجت من السفينة فصرعت فماتت وذكر خليفة عن بن الكلبي قال في سنة ثمان وعشرين غزا معاوية بن أبي سفيان في البحر ومعه امرأته فاختة بنت قرظة من بني عبد مناف ومعه عبادة بن الصامت وامرأته أم حرام بنت ملحان الأنصارية فأتى قبرص فتوفيت أم حرام وقبرها في هذا الباب 964 - مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لولا أن أشق على أمتي لأحببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج في سبيل الله ولكني لا أجد ما أحملهم عليه ولا يجدون ما يتحملون عليه
129 فيخرجون ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي فوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل)) قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الجهاد ليس بفرض معين على كل أحد في خاصته ولو كان فرضا معينا ما تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ولا أباح لغيره التخلف عنه ولو شق على أمته إذا كانوا يطيقونه والجهاد عندنا بالغزوات والسرايا إلى أرض العدو فرض على الكفاية فإذا قام بذلك من فيه كفاية ونكاية للعدو سقط عن المتخلفين فإذا أظل العدو بلدة مقاتلا لها تعين الفرض على كل أحد حينئذ في خاصته على قدر طاقته خفيفا وثقيلا شابا وشيخا حتى يكون فيمن يكاثر العدو كفاية بمواقعتهم فإن لم يكن وجب على كل من سبقهم من المسلمين وجب عليهم عونهم والنفير إليهم ومقاتلة عدوهم معهم فإذا كان في ذلك ما يقوم بالعدو في المدافعة كان ما زاد على ذلك فرضا على الكفاية على ما قدمنا فضيلة ونافلة والدليل على ذلك قوله عز وجل * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) * [النساء 95] ثم قال * (وكلا وعد الله الحسنى) * [النساء 95] وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمنى من عمل الخير والصبر عليه ما يعلم أنه لا يعطاه وذلك من حرصه عليه السلام على الوصول إلى أصل فضائل الأعمال وقد يعطى المرء بنيته وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عتيك ((إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته)) (1) وقال صلى الله عليه وسلم ((نية المؤمن خير من عمله)) يريد صلى الله عليه وسلم نية المؤمن خير من عمله بلا نية وفي هذا الباب 965 - مالك عن يحيى بن سعيد قال لما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من يأتيني بخبر سعد بن الربيع الأنصاري)) فقال رجل أنا يا رسول الله فذهب الرجل يطوف بين القتلى فقال له سعد بن الربيع ما شأنك فقال له
130 الرجل بعثني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك قال فاذهب إليه فاقرأه مني السلام وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأني قد أنفذت مقاتلي وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي وهذا الخبر ذكره محمد بن إسحاق في ((السير)) بنحو ما ذكره مالك وقال حدثني بخبر سعد بن الربيع هذا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المازني أحد بني النجار قال أبو عمر هذا يدل على أن الخبر مشتهر مستفيض بالمدينة عند علمائها وقد روى جابر بن عبد الله في قصة ابنتي سعد بن الربيع ما دل على أن البيان في فريضة الأنثيين أن لهما من ميراث أبيهما الثلثين كما لمن فوقهما من البنات وهو خبر حسن قد ذكرنا إسناده في ((التمهيد)) عن جابر أن امرأة من الأنصار أتت النبي عليه السلام بابنتي سعد بن الربيع فقالت يا رسول الله سعد بن الربيع قتل يوم أحد شهيدا فأخذ عمهما كل شيء من تركته ولم يدع لهما من مال أبيهما قليلا ولا كثيرا والله ما لهما مال ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((سيقضي الله في ذلك ما شاء)) فنزلت * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * [النساء 11] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما فقال ((أعط هاتين الجاريتين مما ترك أبوهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك)) (1) قال أبو عمر هذه سنة مجتمع عليها لا خلاف فيها والحمد لله ولا أعلم أحدا من فقهاء المسلمين من التابعين ومن بعدهم قال بما روي عن بن عباس في ذلك ولا يصح عنهم ما روي عنه في ذلك والله أعلم وكان مما في هذا الخبر سبب البيان الوارد بها وسعد بن الربيع كان من النقباء شهد بدرا استشهد يوم أحد وقد ذكرناه ونسبناه وأتينا بأطراف الأخبار [عنه] في كتاب الصحابة وفي هذا الباب أيضا 966 - عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الجهاد وذكر
131 الجنة ورجل من الأنصار يأكل تمرات في يده فقال إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن فرمى ما في يده فحمل بسيفه فقاتل حتى قتل قال أبو عمر هذا الحديث محفوظ معناه من حديث بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله فذكر معناه حديث حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن أبي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابر بن عبد الله يقول قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد يا رسول الله إن قتلت أين أنا قال ((أنت في الجنة)) فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل قال أبو عمر هذا الرجل عمير بن الحمام الأنصاري السلمي فيما ذكر بن إسحاق قال بن إسحاق ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس يعني يوم بدر فحرضهم على القتال ونقل كل امرئ ما أصاب قال ((والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة)) قال عمير بن الحمام أحد بني سلمة - وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه وقاتل حتى قتل وهو يقول (ركضا إلى الله بغير زاد * إلا التقى وعمل المعاد) (والصبر في الله على الجهاد * وكل زاد عرضة للنفاد) (غير التقى والبر والرشاد *) قال أبو عمر ما أظن الرجل الذي في خبر جابر هو عمير بن الحمام لأن ذلك يوم أحد وحديث عمير يوم بدر وأما مالك لم يذكر في حديثه يوما قال أبو عمر ليس في حديث يحيى بن سعيد ولا حديث جابر ما يدل على أن عمير بن الحمام حمل وحده على كتيبة الكفار ولو فعل ذلك كان حسنا وكانت مع ذلك له شهادة
132 حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن أبي عدي عن محمد بن سيرين قال جاءت كتيبة من قبل المشرق من كتائب الكفار فلقيها رجل من الأنصار فحمل عليهم فخرق الصف حتى خرج ثم كر راجعا حتى رجع صنع ذلك مرتين أو ثلاثا فإذا سعد بن هشام فذكر ذلك لأبي هريرة فتلا * (ومن الناس من يشري نفسه) * [البقرة 207] وقد روى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن حازم أن رجلا قتل العدو خاله فقال لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين إن ناسا يزعمون أن خالي ألقى بنفسه إلى التهلكة فقال عمر بل هو من الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة وقد روى عن عمر بن الخطاب خلاف هذا ذكره بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني قال سمعت المعرور بن سويد يقول إن عمر بن الخطاب ذكر له رجل قتل بين يدي صف فقال عمر لأن أموت على فراشي أحب إلي أن أقتل بين يدي صف يعني أن يستقبل وذكره بن عيينة أيضا عن الحسن بن عمارة عن واصل الأحدب عن المعرور عن عمر مثله وزاد وليس خروجه عن مكانه عظيم الغنى عن أصحابه قال سفيان وقد يكون خارجا من الصف وهو شاذ لمكانه وروى معمر عن الحسن قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقاتل فقال يا رسول الله أحمل عليهم فقال أتريد أن تقتلهم قال أبو عمر هذا حديث ليس إسناده بالقوي وأحسن ما قيل في معنى قول الله تعالى * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * [البقرة 195] ذلك في ترك الثقة في سبيل الله والله أعلم ذكر أبو بكر قال حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن أبي صالح عن بن عباس * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * [البقرة 195] أنفق في سبيل الله ولو بمشقص قال وحدثنا وكيع عن سفيان عن عباس بن الأسود عن مجاهد قال إذا لقيت العدو فاثبت فإنما نزلت هذه الآية في النفقة
133 وذكر مالك في هذا الباب 967 - عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن جبل أنه قال الغزو غزوان فغزو تنفق فيه الكريمة (1) ويياسر فيه الشريك (2) ويطاع فيه ذو الأمر ويجتنب فيه الفساد فذلك الغزو خير كله وغزو لا تنفق فيه الكريمة ولا يياسر فيه الشريك ولا يطاع فيه ذو الأمر ولا يجتنب فيه الفساد ذلك الغزو لا يرجع صاحبه كفافا قال أبو عمر هذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حيوه بن شريح الحضرمي قال أخبرنا بقية قال حدثنا بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ((الغزو غزوان فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف)) (3) قال أبو عمر قوله ((ينفق الكريمة)) فإنه أراد ما يكرم عليك من مالك مما يقيك الله فيه شح نفسك ولقد أحسن القائل (وقد تخرج الحاجات بأم مالك * كرائم من ذب بهن ضنين) وأما ((مياسرة الشريك)) وهو هنا الرفيق فقلنا الخلاف ما يريد إنفاقه في سبيل الله ووجده إن احتاج وترك وأما طاعة الإمام فواجبة في كل ما يأمر به إلا أن تكون معصية بينة لا شك فيها ولا ينبغي أن يبارز العدو ولا يخرج في سرية عن عسكره إلا بإذنه وأما ((اجتناب الفساد)) فكلمة جامعة لكل حرام وباطل والله لا يحب الفساد
134 ((19 - باب ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو)) 968 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((الخيل في نواصيها (1) الخير إلى يوم القيامة)) قال أبو عمر في هذا الحديث الحض على اكتساب الخيل وفيه تفضيلها على سائر الدواب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأت عنه في غيرها مثل هذا القول وذلك تعظيم منه لشأنها وحض على اكتسابها وندب لارتباطها في سبيل الله عدة للقاء العدو إذ هي من أقوى الآلات في جهاده فالخيل المعدة للجهاد هي التي في نواصيها الخير وما كان معدا منها للفتن وسلب المسلمين فتلك كما قال بن عمر ((خيل الشيطان)) وقد استدل جماعة من العلماء بأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة تحت راية كل بر وفاجر من الأئمة بهذا الحديث وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه ((إلى يوم القيامة والمجاهدون تحت راياتهم يغزون)) وقد ذكرنا في التمهيد)) حديث أسماء بنت يزيد بن السكن عن النبي عليه السلام أنه قال ((الخيل في نواصيها الخير معقود أبدا إلى يوم القيامة فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها فإن شبعها وجوعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها في موازينه يوم القيامة ومن ربطها فرحا ومزحا وسمعة ورياء فإن شبعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها خسران في موازينه يوم القيامة)) وفي قوله عليه السلام ((الخيل معقود في نواصيها الخير)) وقوله ((البركة في نواصي الخيل)) ما يعارض رواية من روى ((الشؤم في المرأة والدار والفرس
135 ويعضد رواية من روى ((لا شؤم)) وقد يكون اليمن في الفرس والمرأة والدار وسيأتي هذا المعنى في بابه من كتاب ((الجامع)) إن شاء الله وروى شعبة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((البركة في نواصي الخيل)) (1) وقد ذكرنا إسناد هذا الحديث من طرق في ((التمهيد)) وذكرنا فيه أيضا حديث عروة بن أبي الجعد البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم)) (2) من طرق رواه الشعبي عن عروة البارقي وقد رواه عنه شبيب بن غرقدة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن شبيب بن غرقدة سمعه من عروة البارقي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((الخير معقود بنواصي الخيل)) (3) قال شبيب فرأيت ذلك في دار عروة بن أبي جعد سبعين فرسا رغبة منه في رباط الخيل وحديث جرير قال ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرس بأصبعه ويقول ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة)) قوله عليه السلام ((يمن الخيل في شقرها)) (4) وقوله ((خير الخيل الأدهم الأقرح)) (5) وروي عنه ((أنه كره الشكال من الخيل)) (6) ومعناه أن تكون منه ثلاث قوائم
136 محجلة وواحدة مطلقة أو تكون الثلاثة مطلقة والواحدة محجلة وقوله عليه السلام ((عليكم بكل كميت أغر محجل)) (1) أو ((أشقر أغر محجل)) (2) ((أو أدهم أغر محجل)) (3) وقد ذكر هذه الأحاديث أبو عبد الرحمن النسائي وغيره وذكرنا منها في ((التمهيد)) ما فيه كفاية 969 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت (4) من الحفياء (5) وكان أمدها (6) ثنية الوداع (7) وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ لم يختلفوا عنه في إسناده واختلفوا عنه في بعض ألفاظه وقال بن بكير سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى عند مسجد بني زريق وخالفه جمهور الرواة منهم بن القاسم وبن وهب والقعنبي فرووا ((من الثنية إلى مسجد بني زريق)) وفي ألفاظ نافع والرواة عنهم اختلاف كثير تراه في ((التمهيد)) إن شئت وترى هناك صحة ما رواه مالك من ذلك إن شاء الله
137 روى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل فأرسل ما أضمر منها من الحفياء إلى ثنية الوداع وأرسل ما لم تضمر منها من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق وأن بن عمر أجرى فرسا فاقتحم به فرسه في جرف فصرعه وفي هذا الحديث من الفقه جواز المسابقة بين الخيل وذلك مما خص وخرج من باب القمار بالسنة الواردة فيه وكذلك هو خارج من باب تعذيب البهائم لأن الحاجة إليها تدعو إلى تأديبها وتدريبها وفيه أن المسابقة بين الخيل يجب أن يكون أمدها معلوما وأن تكون الخيل متساوية الأحوال أو متقاربة وأن لا يسبق المضمر مع غير المضمر والحفياء ومسجد بني زريق وثنية الوداع مواضع معروفة بالمدينة ومعروف ما بينها من المسافة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال محبوب بن موسى قال حدثنا الفزاري [عن موسى بن عقبة] عن نافع عن بن عمر قال سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت فأرسلها من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع قال الفزاري قلت لموسى كم بين ذلك قال ستة أميال أو سبعة وسابق بين الخيل التي لم تضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بني زريق قلت فكم بين ذلك قال ميل أو نحوه قال وكان بن عمر ممن سابق فيها وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا موسى بن هارون الحمال قال حدثنا أحمد بن حنبل وأبو خيثمة قالا حدثنا عقبة بن خالد وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عقبة بن خالد قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية
138 قال أبو عمر روى هذا الحديث جماعة عن عبد الله بن عمر على نحو ما رواه مالك وغيره ولم يقل فيه أحد ((إنه فضل القرح في الغاية)) إلا عقبة بن خالد فإن صح ففيه دليل على أن التي أضمرت من تلك الخيل كانت قرحا والله أعلم وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب إلى عتبة بن غزوان وكان يومئذ أمير البصرة في أبان ضمروا خيلهم لينحروها فإن ادعيته أو تأخذ في ذلك برأي عمر وكتب إليه في ذلك مجاوبة بإباحة ذلك وقال في كتابة أن أرسل القرح من رأس مائة علوة ولا يركبها أربابها وقد ذكرنا الخبر بتمامه في ((التمهيد)) وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب فإن مالكا قال سبق الخيل أحب إلي من سبق الرمي قال ويكون السبق على الخيل على نحو ما سبق الإمام فإن كان المسبق غير الإمام فعل كما يفعل الإمام ولا يجب أن يرجع إليه شيء مما أخرج في السبق وقال الليث بن سعد قال ربيعة في الرجل يسبق القوم بشيء إن سبقه لا يرجع فيه قال الليث ونحن نرى إن كان سبقا يجوز مثله جاز فإن لم يجز سبق أخذ ذلك منه وإن سبق أحرز سبقه وذكر بن وهب عن الليث قال وقال مالك أرى أن يخرجه على كل حال سبق أو لم يسبق على مثل السلطان قال أبو عمر قول الأوزاعي في هذا الباب نحو قول مالك وربيعة في أن الأشياء المخرجة في السبق لا تنصرف إلى مخرجها وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري الأسباق على ملك أربابها وهم فيها على شروطهم فلا يجوز أن يملك السبق إلا بالشرط المشروط فيه فإن لم يكن ذلك انصرف السبق إلى من جعله 970 - وذكر مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل فإن سبق أخذ السبق (1) وإن سبق لم يكن عليه شيء
139 قال أبو عمر أنكر مالك العمل بقول سعيد ولم يعرف المحلل ولا يجوز عنده أن يجعل المتسابقان سبقين يخرج كل واحد منهما سبقا من قبل نفسه على أن من سبق منهما أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه هذا لا يجوز عنده بمحلل ولا بغير محلل إنما السباق عنده أن يجعل السبق أحدهما كالسلطان فمن سبق أخذه لا غير وقد روي عن مالك مثل قول سعيد بن المسيب والأشهر عنه ما ذكرنا وأجمع سائر العلماء على أنه لا يجوز أن يجعل كل واحد منهما سبقه إلا أن يكون سبقهما فرس ثالث لا يجعل شيئا وهو مثلهما في الأغلب وهو الذي يدعى المحلل فإن كان ذلك فهو الذي اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فقال مالك ما وصفنا وقال الشافعي الأسباق ثلاثة سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا به فيجعل للسابق شيئا معلوما ممن سبق أحرز ذلك السبق وإن شاء الوالي أو غيره جعل أيضا للمصلي وللثاني والثالث شيئا شيئا فذلك كله حلال لمن جعل له والثاني أن يريد الرجلان أن يتسابقا بفرسيهما ويريد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ويخرجا سبقين فهذا لا يجوز إلا بمحلل بينهما يكون فارسا لا يأمنان أن يسبقهما فإن سبق المحلل أخذ السبقين وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه وإن سبق الاثنان الثالث كانا كمن لم يسبق واحد منهما ولا يجوز حتى يكون الأمر واحدا والغاية واحدة قال ولو كانوا مائة فأدخلوا بينهم محللا فكذلك والثالث أن يسابق أحدهما صاحبه ويخرج السبق وحده فإن سبقه صاحبه أخذ السبق وإن سبق صاحبه أحرز السبق وهذا في معنى الوالي قال ويخرج المتسابقان ما يتراضيان عليه ويتواضعونه على يدي رجل وأقل السبق يسبق بالهادي أو بعضه أو بالكفل أو بعضه والسبق على هذا النحو عنده وليس هذا موضع ذكره وقول محمد بن الحسن في هذا كقول الشافعي قال محمد بن الحسن وأصحابه إذا جعل السبق واحدة فقال إن سبقتني
140 فلك كذا وكذا ولم يقل إن سبقتك فعليك كذا وكذا فلا بأس ويكره أن يقول إن سبقتك فعليك كذا وإن سبقتني فعلي كذا هذا لا خير فيه وإن قال رجل غيرهما أيكما سبق فله كذا فلا بأس وإن كان بينهما محلل إن سبق فلا يغرم وإن سبق أحد فلا بأس وذلك إذا كان يسبق ويسبق وقالوا ما عدا هذه الثلاثة الأسباق فالسبق فيه قمار وأجاز العلماء في غير الرهان السبق على الأقدام وهذا مأخوذ من خبر سلمة بن الأكوع أنه سابق بين [يدي] رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصاري (1) وقد ذكرناه في ((التمهيد)) وسابق رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فسبقها فلما أسن سابقها فسبقته فقال ((هذه بتلك)) (2) وأما السبق في الرهان فلا يجوز إلا في ثلاثة أشياء هي الخف والحافر والنصل وفيه حديث احتاج الناس فيه إلى بن أبي ذئب رواه عنه الثوري وبن عيينة والقعنبي وغيرهم عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر)) (3) حديث آخر 971 - وذكر مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي وهو يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك فقال ((إني عوتبت الليلة في الخيل
141 قال أبو عمر هذا الحديث قد رواه عن مالك عبد الله بن عمر والفهري سمعه يقول حدثنا يحيى بن سعيد أنه سمع أنس بن مالك يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك وقيل يا نبي الله رأيناك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال ((إني عوتبت الليلة في الخيل)) وقد ذكرنا إسناده إلى مالك في ((التمهيد)) ولا يصح عن مالك إلا ما في الموطأ والله أعلم وقد روى أبو داود الطيالسي قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا الزبير بن الخريت الأزدي قال حدثنا نعيم بن أبي هند الأشجعي قال رئي النبي صلى الله عليه وسلم يمسح خد فرس فقيل له في ذلك فقال ((إن جبريل عاتبني في الفرس)) هكذا رواه أبو داود الطيالسي عن جرير عن الزبير عن نعيم مرسلا ورواه أسلم بن إبراهيم عن سعيد بن زيد عن الزبير بن خريت عن نعيم بن أبي هند عن عروة البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا وقد ذكرنا في ((التمهيد) آثارا في هذا المعنى بغير هذا اللفظ كثيرة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال أخبرنا يوسف بن يزيد قال حدثنا إسماعيل بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا أبو هلال محمد بن سليم الراسبي عن قتادة عن معقل بن يسار قال لم يكن شيء أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل ثم قال اللهم غفرا بل النساء حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزه بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا أحمد بن حفص قال حدثني أبي قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل (1) وذكر مالك في هذا الباب 972 - عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر حتى يصبح فخرجت يهود
142 بمساحيهم (1) ومكاتلهم (2) فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الله أكبر خربت خيبر (4) إنا إذا نزلنا بساحة قوم (5) فساء صباح المنذرين)) (6) قال أبو عمر في هذا الحديث إباحة المشي بالليل على الدواب إذا لم يكن ذلك سرمدا عليها واحتيج في ذلك إليها وفي ذلك أن الغارة على العدو تستحسن أن تكون صباحا لما في ذلك من التبيين والنجاح لأن لا يصاب طفل ولا امرأة ولا ذرية حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد قال حدثنا محبوب قال حدثنا الفزاري عن حميد الطويل قال سمعت أنس بن مالك يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح قال أبو عمر فإن احتيج إلى الغارة فيمن بلغته الدعوة جاز ذلك لحديث الصعب بن جثامة ((هم من آبائهم)) يريد في سقوط الدية والقود وفي الإثم لمن لم يتعمد ومن لم يقصد الطفل بعينه ولا المرأة وقد بينا ذلك فيما مضى وقد اختلف العلماء في دعاء العدو قبل القتال فكان مالك يقول الدعاء أصوب بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم إلا أن يعجلوا المسلمين أن يدعوهم وقال عنه بن القاسم لا تبييت حتى يدعوا وذكر الربيع عن الشافعي في كتاب ((البويطي)) مثل ذلك لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلا أن يعجلوا عن ذلك فإن لم يفعل فقد بلغتهم الدعوة
143 وحكى المزني عنه من لم تبلغهم الدعوة لا يقاتلوا حتى تبلغهم الدعوة يدعون إلى الإيمان قال فإن قتل منهم أحد قبل ذلك فعلى قاتله الدية وقال المزني عنه في موضع آخر ومن بلغتهم الدعوة فلا بأس أن يغار عليهم بلا دعوة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن دعوهم قبل القتال فحسن ولا بأس أن يغير عليهم وقال الحسن بن صالح يعجبني كل ما حدث إمام بعد إمام أحدث دعوة لأهل الكفر قال أبو عمر هذا قول حسن والدعاء قبل القتال على كل حال حسن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر سراياه بذلك فمن ذلك حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرا على سرية أو جيش فذكر الحديث وفيه ((فإذا لقيت العدو من المشركين فادعهم إلى أحد ثلاث خصال فأيتها أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم)) وفيه ((فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم)) (1) وفي الحديث غير هذا اختصرته وهو محفوظ وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر بن يحيى قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن أبيه عن بن عباس قال ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم وفي حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا لقتال خيبر وتفل في عينيه قال على رسلك حتى تنزل ساحتهم فإذا نزلت ساحتهم فادعهم إلى الإسلام (2) وذكر الحديث
144 ولا جناح على من بيت من بلغته الدعوة لحديث الصعب بن جثامة ولحديث سلمة بن الأكوع قال أمر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فغزونا ناسا فبيتناهم فقتلناهم وكان شعارنا تلك الليلة أمت أمت (1) وأما قوله في الحديث محمد والخميس فالخميس العسكر وقد ذكرنا شواهد ذلك من الشعر في ((التمهيد)) وأما قوله ((نزلنا بساحة قوم ما بساحة)) الساحة عرصة الدار وفي هذا الحديث إباحة الاستشهاد بالقرآن وفي هذا الباب 973 - مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن [بن عوف] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان)) فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من الأبواب كلها قال ((نعم وأرجو أن تكون منهم)) تابع يحيى على توصيل هذا الحديث جماعة رواة الموطأ إلا بن بكير وعبد
145 الله بن يوسف التنيسي فإنهما روياه عن مالك عن بن شهاب عن حميد مرسلا والصحيح أنه مسند متصل وقد رواه عن مالك كذلك جماعة من غير رواة الموطأ منهم بن المبارك حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي الحربي قال حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي إلى الجنة يا عبد الله هذا خير وذكر الحديث كما في الموطأ سواء في هذا الحديث من المعاني الحض على الإنفاق في سبيل الله وسبل الله كثيرة تقتضي سائر أعمال البر وفيه دليل على أن أعمال البر لا تفتح في جميعها لكل إنسان في الأغلب وأنه إنما فتح فيها كلها لقليل من الناس وأبو بكر الصديق من ذلك القليل - إن شاء الله وأما قوله فمن كان من أهل الصلاة فإنه يريد والله أعلم من كان الغالب من عمله الصلاة دعي من بابها لأنه من أكثر من شيء دعي به ونسب إليه فقوله فمن كان من أهل الصلاة يريد من أكثر منها فنسب إليها لأن الجميع من أهل الصلاة وكذلك من أكثر من الجهاد ومن الصيام ومن الصدقة على هذا المعنى وإن كان له في سائر أعمال البر حظ ومما يشبه هذا ما جاوب به مالك بن أنس العمري العابد وهو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل وترك مجالسة الناس في العلم وغيره فكتب إليه مالك إن الله تعالى قسم بين عباده الأعمال كما قسم الأرزاق فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح الله له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام وقد علمت أن نشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال وقد رضيت بما فتح الله لي فيه وقسم لي منه وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه من العبادة وكلانا على خير إن شاء الله)) وقال بن القاسم قال مالك قال أبو الدرداء ((إن الله تعالى يؤتي الرجل
146 العلم ولا يؤتيه الحلم ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم وإن شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم وأما قوله ((من أنفق زوجين)) فمعناه عند أهل العلم من أنفق شيئين من نوع واحد نحو درهمين دينارين قميصين أو حمل على دابتين وكذلك - والله أعلم - من تابع من عمل البر بأقل متابعة لمن صلى ركعتين ثم ركعتين ونحو هذا وصام يومين في سبيل الله ونحو هذا يدل على ذلك قوله ((دعي من باب الصلاة)) ومن باب الصيام)) وإنما أراد - والله أعلم - أقل التكرار وأقل وجوه المداومة على العمل من أعمال البر لأن الاثنين [أقل] الجمع ومن أعلى من روي هذا التفسير عنه الحسن بن أبي الحسن حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري قال حدثنا عمي أبو زكريا يحيى بن زكريا قال وحدثنا محمد بن يحيى حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام عن الحسن قال حدثنا صعصعة بن معاوية قال لقيت أبا ذر فقلت حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((من أنفق من ماله زوجين في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة)) (1) قال وكان الحسن يقول زوجين درهمين دينارين عبدين من كل شيء اثنين وروي عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال أخبرني موسى بن عبيدة قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن حكيم بن حزام قال ((من أنفق زوجين في سبيل الله لم يأت بابا من أبواب الجنة إلا فتح له)) قال موسى سمعت أشياخنا يقولون زوجين دينار ودرهم أو درهم ودينار قال أبو عمر تفسير الحسن جيد حسن قوله ((نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير)) يريد هذا خير نلته وأدركته لعملك ونفقتك في سبيل الله
147 وفي حديث مالك في هذا الباب دليل على أن للجنة أبوابا وقد قيل إن للجنة ثمانية أبواب وأبواب جهنم سبعة - أجارنا الله منها)) فأما أبواب جهنم ففي كتاب الله [ما] يكفي في ذلك المعنى قال الله عز وجل * (لها سبعة أبواب) * [الحجر 44] وأما أبواب الجنة فموجودة في السنة من نقل الآحاد العدول الأئمة وقد ذكرنا في ((التمهيد)) أحاديث كثيرة تشهد بما قلنا إن أبواب الجنة ثمانية منها حديث جبير بن نفير - وربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني - جميعا عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (([ما منكم] من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول حين يفرغ من وضوئه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)) (1) وحديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق بن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ما من رجل يتوضأ فيحسن الوضوء)) ثم يقول عند فراغه ((أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)) قال أبو عمر من رواة هذا الحديث من يقول فيه ثمانية أبواب من الجنة وقد ذكرنا ذلك كله بأسانيده في ((التمهيد)) وذكر علي بن المديني قال حدثني بكر بن يزيد الطويل قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عمير بن هانئ قال حدثنا جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ((من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وبن أمته وكلمة ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء)) وقد قيل في قول الله عز وجل " وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها " [بلا واو] [الزمر 71] وقال في الجنة " وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت
148 أبوابها) [بالواو] [الزمر 73] إن هذه الواو تدعى واو الثمانية وذكروا من الشواهد على ما ذهبوا إليه من ذلك ما لا تقوم به حجة ذكروا قول الله عز وجل * (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر) * [التوبة 112] فأدخل الواو في الصفة الثامنة دون غيرها ومنه قوله عز وجل * (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) * [الكهف 22] فدخلت الواو في الصفة الثامنة وهذا قد أنكره قوم من أهل العلم باللسان ولم يروا فيما نزع أولئك إليه من البيان والله أعلم وأما قوله ((الريان)) فهو فعلان من الري وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن ((للجنة بابا يدعى الريان لا يدخل منه إلا الصائمون)) وقد ذكرنا إسناده من طرق في ((التمهيد)) وفي الحديث أيضا فضل لأبي بكر الصديق كبير وشهادة بأن له من كل عمل من أعمال البر نصيبا - رضي الله عنه ((20 - باب إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه)) 977 م - قال يحيى سئل مالك عن إمام قبل الجزية من قوم فكانوا يعطونها أرأيت من أسلم منهم أتكون له أرضه أو تكون للمسلمين ويكون لهم ماله فقال مالك ذلك يختلف أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه وماله وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين لأن أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم وصارت فيئا للمسلمين وأما أهل الصلح فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم حتى صالحوا عليها فليس عليهم إلا ما صالحوا عليه قال أبو عمر ما ذكره مالك - رحمه الله _ في هذا الباب عليه جماعة العلماء أن
149 من صالح على بلاده وما بيده من ماله عقار وغيره فهو له فإن أسلم أحرز له إسلامه أرضه وماله وأما أهل العنوة فإنهم وجميع أموالهم للمسلمين فإن أسلموا لن تكون لهم أرضهم لأنها لمن قاتل عليها وغلب أهلها فملك رقابهم وأموالهم قال الله عز وجل * (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) * [الأحزاب 27] وسنذكر اختلاف العلماء في قسمة الأرض المغلوبة عن عنوة في قصة خيبر في كتاب المساقاة - إن شاء الله وما أعلم بلدا من البلاد التي افتتحها المسلمون بالإيجاف عليها والمقاتلة لها خرج عن هذه الجملة المذكورة إلا مكة - حرسها الله - فإن أهل العلم اختلفوا في قصة فتحها فقالت طائفة فتحت عنوة والفتحة الغلبة وممن قال ذلك الأوزاعي وأبو حنيفة وروي ذلك عن مالك وقال به أصحابه واحتج من ذهب إلى أنها فتحت عنوة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسله والمؤمنين وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة)) (1) الحديث وذكروا أحاديث لا يثبتها أهل الحديث مثل قوله ((أترون أوباش قريش إذا لقيتموهم فاحصدوهم حصدا)) (2) قالوا وهذا لو صح كان فيه ما يدل على أنها دخلت عنوة وقد أجمعوا على أنها لم يجز فيها من حكم العنوة ولم يقتل فيها إلا من استثناه عليه السلام وأمر بقتله ولم يسب فيها ذرية ولا عيالا ولا مالا وإن أهلها بقوا إذ أسلموا على ما كان بأيديهم من دار وعقار وليس هذا حكم العنوة بإجماع وقال أبو عبيد افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ومن على أهلها وردهم إليها ولم يقسمها ولم يجعل شيئا منها غنيمة ولا فيئا قال فرأي بعض الناس أن ذلك جائز له وللأئمة بعده قال أبو عبيد والذي أقول إن ذلك كان جائزا له في مكة وليس ذلك جائز
150 لغيره في غيرها ومكة لا يشبهها شيء من البلاد لأن الله تعالى خص رسوله من الأنفال بما لم يخص به غيره فقال * (قل الأنفال لله والرسول) * قال أبو عمر قول أبي عبيد ضعيف وهذه الآية لم يختلفوا أن قوله عز وجل " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " [الأنفال 41] نزلت بعد قوله * (قل الأنفال لله والرسول) * [الأنفال 1] وقد ذكرنا هذا المعنى مجودا في هذا الكتاب والحمد لله وقال أبو يوسف عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة وأهلها وقال ((من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل الكعبة فهو آمن)) (1) ونهى عن القتل إلا نفرا سماهم وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) ولم يجعل شيئا منها فيئا ولم يسب من أهلها أحدا وقال الشافعي لم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة [عنوة] وإنما دخلها صلحا وقال أصحابه أراد بقوله صلحا أي فعل فيها فعلة فيمن صالحه فملكه نفسه وماله وأرضه ودياره وذلك لأنه لم يدخلها إلا بعد أن أمن أهلها كلهم إلا الذين أمر بقتلهم قال أبو عمر ذكر بن إسحاق وجماعة من أهل السير معنى ما أجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ في سفره عام الفتح مر الظهران نزل بها وكان العباس قد أتاه بأهله وعياله بالجحفة مهاجرا إليه فأمر بالعيال إلى المدينة وبقي هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ركب العباس بغلته ونهض يرتقب ويستمع خبرا من مكة أو مارا إليها وذلك في الليل فسمع صوت أبي سفيان يخاطب رفيقه فقال أبو حنظلة فعرفه أبو سفيان فقال أبو الفضل ثم اجتمعا فأتى به النبي عليه السلام فأراد عمر قتله فاعترضه العباس وأمره النبي عليه السلام أن يحمله مع نفسه ويأتيه به غدوة فأتى به صبيحة تلك الليلة فأسلم وبايع النبي عليه السلام أن يلزمه بشيء فقال ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)) (2) ولم ير إفراده في ذلك فأمر مناديا فنادى ((ومن دخل داره فهو آمن ومن أغلق على نفسه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن
151 وعهد إلى أمرائه من المسلمين إذا دخلوا مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا نفرا سماهم فنهض بهذا الأمان إلى مكة أبو سفيان ونادى به فهذا الأمان قد حصل لأهل مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران فأين العنوة ها هنا مع الأمان الحاقن للدم والمال لأن المال تبع للنفس ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وطاف بها ثم خطب خطبة محفوظة أسقط فيها كل دم ومأثرة ونهى عن تعظيم الآباء والتفاخر بهم وقال ((كلكم بنو آدم وآدم من تراب ثم قال ((يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم)) قالوا خير أخ كريم وبن أخ كريم قال ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) ثم جلس حينا في المسجد فقضى أمورا مذكورة في السير أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال [حدثنا يحيى بن آدم] حدثنا بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب فأسلم بمر الظهران فقال له العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فلو جعلت له شيئا فقال ((نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن)) قال أبو داود حدثنا محمد بن عمرو الرازي قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن بن عباس قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران فذكر الحديث في خبر إسلام أبي سفيان ومجئ العباس به للنبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما في السير وفي آخر الحديث قلت يا رسول الله إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئا قال ((نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن)) قال فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد قال أبو داود وحدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا سلام بن مسكين قال حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة أن رسول الله لما دخل مكة سرح الزبير بن العوام وأبا عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد على الخيل ثم قال ((يا أبا هريرة اهتف بالأنصار)) قال ((اسلكوا هذا الطريق فلا يشرفن لكم أحد
152 إلا أمنتموه)) فنادى مناد لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من دخل داره فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن)) فعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة فغص بهم وطاف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلف المقام ثم أخذ بجنبتي الباب فخرجوا فبايعوا النبي عليه السلام على الإسلام [قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل سأله رجل قال مكة عنوة هي قال إيش يضرك ما كانت قال فصلح قال لا] قال أبو عمر من حديث أبي هريرة شرع الطائفتان من قال إن مكة دخلت عنوة لأمره الزبير وأبا عبيدة وخالدا بقتل قريش بعد دخول مكة ومن شرع من قال لم يدخل عنوة لأن فيه النداء بالأمان في ذلك الوقت ولم تختلف الآثار ولا اختلف العلماء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن أهل مكة كل من دخل داره أو المسجد أو دار أبي سفيان أو ألقى السلاح وقد اختلفت الآثار في وقت الأمان فمن قال إن ذلك كان بمر الظهران كان أصح وأولى ممن قال إن ذلك كان بعد دخوله مكة لأنه معلوم أن من شهد ما في حديث بن عباس من تأمين أهل مكة في حين إسلام أبي سفيان فقد شهد بزيادة على ما في حديث أبي هريرة لأن من تقدم أمانه لا ينكر أن يعاد عليه الذكر بذلك عند دخوله مكة ومعنى إرساله الزبير وأبا عبيدة وخالدا قد ظهر في الحديث الآخر لأنه أمر أمراءه أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا من استثنى لهم فهذا تهذيب الأمان في ذلك والله أعلم وعلى هذا تتفق معانيها في أن مكة بلدة مؤمنة ولم يكن فيها شيء من أقوام له لعشرة ولم يكن فيها شيء من الصلح إلا أن يحصل أمرها كان لأنها صالحت لملك أهلها أنفسهم وذراريهم وأموالهم وهذا أشبه بحكم الصلح منه بحكم العنوة أخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن الصباح قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثنا إبراهيم بن عقيل بن معقل عن أبيه عن وهب بن منبه قال سألت جابرا هل غنموا يوم الفتح شيئا قال لا واختلف الفقهاء في الحربي المستأمن يسلم وله في دار الحرب مال وعقار
153 فقال مالك والليث وأبو حنيفة وأصحابهم إذا أتى الحربي طالبا للأمان فأعطاه ذلك الإمام وله في دار الحرب أموال ودور وامرأة حامل وأولاد صغار وكبار فأسلم ثم ظفر المسلمون على تلك الدار أن ذلك كله إذا أسلم الحربي في بلده ثم خرج إلينا مسلما فإن أولاده الصغار أحرار ومسلمون وما أودعه مسلما أو ذميا فهو له وما أودعه حربي وسائر ماله هناك فيء فرقوا بين إسلامه قبل خروجه وبين إسلامه بعد خروجه لاختلاف حكم الدار عنده وقال الشافعي من خرج إلينا منهم مسلما أحرز ماله حيث كان وصغار ولده وهو قول الطبري ولم يفرق مالك والشافعي بين إسلامه في دار الكفر أو دار الإسلام وقال الأوزاعي يرد إليه أهله وعياله وذلك فيء ولم يفرق بين ملك في الدارين واختلف العلماء في بيع أرض مكة وكرائها ودورها فكان مالك يكره بيوت مكة وقال كان عمر ينزع أبواب مكة وكان أبو حنيفة لا يرى بأسا ببيع بناء بيوت مكة وكره بيع أرضها وكره كراء بيوتها في الموسم ومن الرجل يعتمر ثم يرجع فأما المعتمر فلا يرى بأخذ الكراء منه بأسا قال محمد وبه نأخذ قال الشافعي أرض مكة وبيوتها وديارها لأربابها ما بين بيعها وكرائها وهو قول طاوس وعمل بن الزبير واحتج الشافعي بحديث أسامة بن زيد أنه قال يا رسول الله أنزل دارك بمكة فقال ((وهل ترك لنا عقيل من رباع وكان قد باعها فأضاف الملك إليه وإلى من ابتاعها منه وقد أضاف الله عز وجل الديار إليهم بقوله عز وجل * (المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) * [الحشر 8] وقال * (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) * [الحج 40] وكره عطاء كراء بيوت مكة وقال إسحاق بيع دور مكة وشراؤها وإجارتها مكروهة ثم قال شراؤها واستئجارها أهون من بيعها وإجارتها
154 قال أبو عمر هذا ضعيف من القول لأن المشتري والبائع متبايعان فما كره البائع ينبغي أن يكره المشتري وهذا نحو من كره بيع المصحف وأجاز شراءه وقد كره في هذا الباب حديث من حديث بن عمر لا يصح عند أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها)) وكان أحمد بن حنبل يعجبه أن يتوقى الكراء في الموسم ولا يرى بالشراء بأسا قال وقد اشترى عمر بن الخطاب دار السجن بأربعة آلاف قال أبو عمر تبايع أهل مكة لديارهم قديما وحديثا أشهر وأظهر من أن يحتاج فيه إلى ذكر وقد ذكر كثيرا من ذلك [الهجيني] والخزاعي وغيرهما في ((أخبار مكة)) والحمد لله ((21 - باب الدفن في قبر واحد من ضرورة وإنفاذ أبي بكر رضي الله عنه عدة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته)) 974 - ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت (1) يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة قال مالك لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة ويجعل الأكبر مما يلي القبلة قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ لم يختلف الرواة فيه وهو متصل معناه من وجوه صحاح
155 وأما عمرو بن الجموح فهو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام وأما عبد الله بن عمرو فهو عبد الله بن عمرو بن حرام وكلاهما من بني سلمة من الأنصار وقد ذكرت نسبها في كتاب ((الصحابة)) فلا خلاف بين أهل السير والآثار والعلم بالخبر أنهما قتلا يوم أحد وأنهما دفنا في قبر واحد وكانا صهرين وكانت السيرة باتفاق من الآثار والعلماء بالسير والأخبار في قتلى أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد عليهم الحفر ككل إنسان وكانوا قد مسهم القرح قال لهم ((احفروا وأعمقوا ووسعوا وادفنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآنا)) (1) وقد ذكرنا الآثار بذلك في ((التمهيد)) وفي الحديث من الفقه أن دفن الرجلين والثلاثة في قبر لا يكون إلا من ضرورة كما قال مالك وإلا فالسنة المنقولة بنقل الكافة أن يدفن كل واحد في قبر فإن كانت ضرورة كانت في أهل أحد أسوة حسنة فإن قدم في القبر إلى القبلة الأكبر فلا حرج وإن قدم الأكثر قرآنا فحسن والمعنى في ذلك من إمامته في الصلاة وقد أوضحنا ذلك في كتاب الصلاة وفيه أيضا دليل على تعليم السير والخبر والوقوف على آثار من مضى وفيه لا بأس باستخراج الموتى من قبورهم إن وجد إلى ذلك ضرورة فأريد به الخير وأن ذلك ليس في باب شيء من نبش وفيه أن الشهداء لا تأكل الأرض لحومهم وممكن أن يكون في قتلى أحد خاصة إلا أنه قد وردت آثار توجب دخول غيرهم معهم في ذلك وقد تدعى المشاهدة في مثل هذا والله أعلم وأما الأحاديث المتصلة في هذا الباب فحدثنا خلف بن قاسم بن سهل قال حدثنا بكر بن عبد الرحمن قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال حدثنا حسان بن غالب قال حدثنا بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال استصرخ
156 بنا إلى قتلانا يوم أحد وأجرى معاوية العين فاستخرجناهم بعد ست وأربعين سنة لينة أجسادهم تتثنى أطرافهم وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال لما أراد معاوية أن يجري العين بأحد نودي بالمدينة من كان له قتيل فليأت قتيله قال جابر فأتيناهم فأخرجناهم رطابا يتثنون فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دما قال أبو سعيد الخدري لا ننكر بعد هذا منكرا أبدا قال أبو عمر لا أدري من القائل قال أبو سعيد أجابر قاله أم أبو الزبير لأنه لم يجد لأبي سعيد في الإسناد ذكرا وقد روي أن الذي أصبت أصبعه دما كان حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن معمر الجوهري قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى بن سليمان وحامد بن يحيى قالا حدثنا سفيان بن عيينة واللفظ ليحيى عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال لما أراد معاوية أن يجري العين التي إلى أحد أمر مناديا نادى بالمدينة من كان له قتيل فليخرج إليه وليباشر تحوله قال جابر فأتيناهم فأخرجناهم من قبورهم رطابا يتثنون يعني شهداء أحد قال فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دما قال أبو سعيد لا أنكر بعد هذا منكر قال يحيى بن سليمان قال لنا سفيان بلغني أنه حمزة بن عبد المطلب وقد روي عن جابر بإسناد صحيح أنه أخرج أباه من قبره بعد ستة أشهر أو سبعة وهذا لا محالة وقت غير ذلك الوقت ومدة غير هذه المدة ولم يفعل ذلك جابر إلا أراده أن يكون في قبره واحدا وذلك بين في الحديث حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا
157 أحمد بن زهير قال حدثنا خالد بن حراش قال حدثنا غسان بن مضر قال حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال دعاني أبي وقد حضر أحدا فقال لي يا جابر إني لا أراني إلا أول مقتول يقتل غدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لن أدع أحدا أعز منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لك أخوات فاستوص لهن خيرا وإني علي دينا فاقضه عني قال فكان أول قتيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فدفناه هو وآخر في قبر واحد وكان في نفسي منه شيء فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته وروى هذا الحديث شعبة عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن جابر مثله سواء بمعناه إلا أنه قال بعد ستة أشهر أو سبعة وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة عن أبي نضرة عن جابر قال دفن مع أبي رجل وكان في نفسي من ذلك حاجة فأخرجته بعد ستة أشهر فما أنكرت منه شيئا إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض وفي هذا الباب 975 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال قدم على أبي بكر الصديق مال من البحرين فقال من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي أو عدة فليأتني فجاءه جابر بن عبد الله فحفن له ثلاث حفنات قال أبو عمر هذا الحديث لم يختلف عن مالك في انقطاعه وهو حديث متصل من وجوه صحاح عن جابر رواه عنه جماعة منهم أبو جعفر محمد بن علي ومحمد بن المنكدر وعبد الله بن محمد بن عقيل وأبو الزبير والشعبي وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في ((التمهيد
158 من أحسنها ما حدثناه خلف بن قاسم الحافظ قال حدثنا أحمد أبو الحسين بن جعفر الزيات قال حدثنا يوسف بن يزيد القراطيسي قال حدثنا حجاج بن إبراهيم قال حدثنا سفيان بن عيينة عن بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله قال سفيان وحدثنا عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله - يزيد أحدهما على الآخر - قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا)) وقال بيديه جميعا فما قدم مال من البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم مال من البحرين قال أبو بكر من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا قال جابر فأتيت أبا بكر فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدني إذا قدم مال من البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا قال فحثى لي أبو بكر حثية ثم قال لي عدها فإذا هي خمس مائة قال خذ مثلها مرتين وزاد فيه بن المنكدر ثم أتيت أبا بكر بعد ذلك فردني فسألته فردني فقلت في الثالثة سألتك مرتين فلم تعطني فقال إنك لم تأتني مرة إلا وأنا أريد أعطيك وأي داء أدوى من البخل وفي هذا من الفقه أن العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وذلك من أخلاق أهل الإيمان وقد جاء في الأثر أي المؤمن واجب أي واجب في أخلاق المؤمنين وإنما قلنا إن ذلك ليس بواجب فرضا لإجماع الجميع من الفقهاء على أن من وعد بمال ما كان لم يضرب به مع الغرماء كذلك قلنا إيجاب الوفاء به حسن في المروءة ولا يقضى به ولا أعلم خلافا أن ذلك مستحسن يستحق صاحبه الحمد والشكر والمدح على الوفاء به ويستحق على الخلف في ذلك الذم وقد أثنى الله عز وجل على من صدق وعده ووفى بنذره وكفى بهذا مدحا وبما خالفه ذما والوأي العدة ولما كان هذا من مكارم الأخلاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بها وأنذرهم إليها وكان أبو بكر خليفته أدى ذلك عنه وقام مقامه من الموضع الذي كان
159 رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيمها منه ولذلك لم يسأل أبو بكر الصديق البينة على ما ادعاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم من العدة لأن تلك العدة لم تكن شيئا أداه جابر في ذمة رسول الله وإنما ادعى شيئا في بيت المال وإنما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام واختلف الفقهاء في ما يلزم من العدة وما لا يلزم منها وكذلك اختلفوا في تأخير الدين الحال هل يلزم أم لا يلزم وهو من هذا الباب فقال مالك وأصحابه من أقرض رجلا مالا دنانير أو دراهم أو شيئا مما يكال أو يوزن أو غير ذلك إلى أجل ثم طاع له فأخرجه إلى الأجل ثم أراد الانصراف في ذلك وأراده قبل الأجل لم يكن ذلك له لأن هذا مما يتقرب به إلى الله عز وجل وهو من باب الحسبة والصدقة التي لا يجوز الرجوع فيها قال أبو عمر من الحجة لمالك - رحمه الله - عموم قوله تعالى و * (أوفوا بالعقود) * [المائدة 1] وقوله عليه السلام ((كل معروف صدقة)) وأجمعوا أنه لا يتصرف في الصدقات فكذلك سائر الهبات قال مالك وأما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم ثم يبدو له أن لا يفعل فما أرى ذلك يلزمه قال مالك ولو كان ذلك في قضاء دين فسأله أن يقضيه عنه قال نعم وثم رجال يشهدون عليه فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان وفي سماع عيسى قلت لابن القاسم إن باع رجل سلعة من رجل ثم قال له قبل البيع بع ولا نقصان عليك قال إذا يلزمه ذلك إن باع بنقصان وهو قول مالك قال عيسى قلت له رجل اشترى من رجل سلعة ونقده الثمن ثم جاءه يستوضعه فقال له اذهب بع ولا نقصان عليك قال لا بأس بهذا نقده أو لم ينقده إلا أن يقول له انقدني وبع ولا نقصان عليك فهو الأخير فيه قال قلت لم ذلك قال لأنه يكون فيه عيوب وخصوم حر وقال بن القاسم إذا وعد الغرماء فقال أشهدكم أني قد وهبت لهذا من أين يؤدى إليكم فإن هذا يلزمه وإما أن يقول نعم أنا أقبل ثم يبدو له فلا أرى ذلك عليه قال أبو بكر بن اللباد أخبرنا يحيى بن عمر عن أبي إسحاق البرقي قال
160 سمعت أشهب يقول في رجل له ابنة بكر فقال لرجل إن طلقت زوجتك ثلاثا فأنا أزوجك ابنتي فقال الرجل اشهدوا أني قد طلقت زوجتي ثلاثا فبدا لأبي الجارية أن يزوجها منه فقال أشهب فوعده ما خلفه ولا يلزمه أن يزوجه قال أشهب ولكن لو قال أبو الجارية إن طلقت امرأتك ثلاثا فقد زوجتك ابنتي فقال الرجل اشهدوا أني قد طلقت امرأتي ثلاثا فبدا لأبي الجارية أن يزوجه أن النكاح لازم له ويقال للرجل قد قيد أوجب لك النكاح إن أنت فرضت لها صداق مثلها ففرق أشهب بين قول الأب أنا أزوجك وقد زوجتك وجعل قوله أنا أزوجك عدة منه إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل وجعل قوله قد زوجتك واجبا ليس له فيه رجوع وإذا فرض للجارية صداق مثلها وقال سحنون اختلف أصحابنا في رجوع العدة وهو الذي عليه أكثرهم وهو الذي يلزمه من العدة في السلف والعارية أن يقول للرجل اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبنيها به أو أخرج إلى الحج وأنا أسلفك ما يبلغك أو اشتر سلعة كذا أو تزوج وأنا أسلفك ثمن السلعة وصداق المرأة وما أشبه ذلك مما يدخله فيه وينشبه به فهذا كله يلزمه قال وإما أن يقول أنا أسلفك وأنا أعطيك بغير شيء يلزم المأمور نفسه فإن هذا لا يلزمه منه شيء قال أصبغ العدة إذا لم تكن في نفس البيع وكانت بعد فهي موضعة عين المشتري وتلزم البائع وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي وعبيد الله بن الحسن وسائر الفقهاء أما العدة فلا يلزمه منها شيء لأنها منافع لم يقبضها في العارية لأنها طارئة وهي بغير العارية هي أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض فلصاحبها الرجوع فيها وأما القرض فقال أبو حنيفة وأصحابه وسواء كان القرض إلى أجل أو إلى غير أجل له أن يأخذه متى أحب وكذلك العارية وما كان مثل ذلك كله ولا يجوز تأخير القرض البتة بحال ويجوز عندهم تأخير المغصوب وقيم المستهلكات إلا زفر فإنه قال لا يجوز التأجيل في القرض ولا في الغصب واضطرب قول أبي يوسف في هذا الباب وقال الشافعي إذا أخره بدين حال فله أن يرجع فيه متى شاء سواء كان من
161 قرض أو غير قرض أو من أي وجه كان فكذلك العارية وغيرها لأن ذلك من باب العدة والهبة غير المقبوضة وهبة ما لم يخلق قال أبو عمر في هذا الحديث أيضا دليل على أن يقضي الإنسان عن غيره بغير إذنه فيبرأ وأن الميت يسقط ما كان عليه بقضاء من قضى عنه وذكر أهل السير أن النبي عليه السلام كان قد وعد عمرو بن العاص حين بعثه إلى المنذر بن ساوى أن يستعمله على صدقة سعد هديم فلما قدم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله عليها أبو بكر إنفاذا لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا يحيى بن يوسف الأشعري قال حدثنا أحمد بن يوسف المكي قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن محمد الترمذي قال حدثنا محمد بن عيسى بن سورة أبو عيسى الترمذي قال حدثنا واصل بن عبد الأعلى الكندي قال حدثنا محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال أمر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة عشر قلوصا فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئا فلما قام أبو بكر قال من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجئ فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها قال أبو عمر هو غريب ليس له غير هذا الإسناد تم كتاب الجهاد والحمد لله رب العالمين
162 ((22 كتاب النذور (1) والأيمان (2))) بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم ((1 - باب ما يجب من النذور في المشي)) 976 - مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اقضه عنها)) كذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت ورواه حماد بن خالد عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس أن سعدا قال يا رسول الله أينفع أمي أن أتصدق عنها وقد ماتت قال ((نعم)) قال فما تأمرني قال ((أسق الماء)) ذكره الدارقطني عن عبد العزيز بن محمد بن الواثق بالله عن البغوي الصحيح في هذا الحديث ذكر النذر
163 وحماد بن خالد ثقة إلا أنه كان أميا قال أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني لم يرو هذا الحديث هكذا عن حماد بن خالد إلا شجاع بن مخلد قال أبو عمر قد ذكرنا في ((التمهيد)) كثيرا من أسانيد هذا الحديث ومن هذا الباب مع ترجمته مع حديث بن عباس هذا يخرج الحي عن الميت متطوعا عنه أو مستأجرا عليه واختلف أهل العلم في النذر الذي كان على سعد بن عبادة فقال قوم كان صياما واستدلوا على ذلك بحديث الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها صوم يوم أفأصوم عنها قال نعم قال أبو عمر لا يصح أن يجعل حديث الأعمش هذا مفسرا لحديث الزهري لأنه قد اختلف فيه عن الأعمش فقال فيه عنه قوم بإسناده أن امرأة جاءت إلى رسول الله فقالت ((إن أمي ماتت وعليها صيام)) (1) وهذا يدل على أنه ليس السائل عن ذلك سعد بن عبادة وقد كان بن عباس يفتي بأن لا يصوم أحد عن أحد ذكره السدي عن محمد بن عبد الأعلى عن يزيد بن زريع عن حجاج الأحول عن أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن بن عباس وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء فيمن مات وعليه صيام هل يصوم عنه وليه في باب الصيام والحمد لله وذكرنا الاختلاف عن بن عباس في هذه المسألة هناك وقال بعض أهل العلم إن النذر الذي كان على أم سعد بن عبادة كان عتقا وكل ما كان في مال الإنسان واجبا فجائز أن يؤديه عنه غيره إن شاء
164 واستدلوا على ذلك بحديث القاسم بن محمد أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله إن أمي ماتت فهل ينفعها أن أعتق عنها قال ((نعم)) (1) قالوا وهذا يفسر النذر المجمل الذي ذكره بن عباس في حديث بن شهاب أن أم سعد بن عبادة نذرته وقال آخرون كان النذر على أم سعد بن عبادة صدقة واستدلوا على ذلك بحديث مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده أن سعد بن عبادة خرج في بعض المغازي فحضرت أمه الوفاة فقيل لها أوصي قالت فيم أوصي وإنما المال مال سعد وتوفيت قبل أن يقدم سعد فلما قدم ذكر ذلك له فقال سعد يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نعم)) فقال سعد حائط كذا صدقة عنها لحائط سماه (2) قال أبو عمر ليس في هذا دليل بين على أن النذر المذكور في حديث بن عباس هو هذا بل الظاهر في هذا الحديث أنه وصية والوصية غير النذر في ظاهر الأمر ولا خلاف بين العلماء في جواز صدقة الحي عن الميت نذرا أو غير نذر وقد ذكرنا في ((التمهيد)) حديث حميد عن أنس قال قال سعد بن عبادة يا رسول الله إن أم سعد ماتت تحت الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليها بالماء (3) وسيأتي القول في معنى هذا الحديث في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وقال آخرون في حديث بن عباس إن سعد بن عبادة قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اقضه عنها)) قالوا بل كان ذلك نذرا مطلقا لا ذكر فيه لصيام ولا عتق ولا صدقة قالوا ومن جعل على نفسه نذرا فكفارته كفارة يمين عند أكثر العلماء روي ذلك عن عائشة وبن عباس وجابر بن عبد الله وجماعة من التابعين وروى الثوري عن أبي معشر عن سعيد بن جبير عن بن عمر أنه سئل عن النذر فقال أغلظ الأيمان فإن لم تجد فالتي تليها فإن لم تجد فالتي تليها فإن لم تجد فعدل الرقبة ثم الكسوة ثم الإطعام
165 وقد روي هذا عن بن عباس ذكره بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن سعيد بن جبير عن بن عباس في الرجل يحلف بالنذر أو الحرام فقال لم يأل أن يغلظ على نفسه بعتق رقبة أو بصوم شهرين أو بإطعام ستين مسكينا وذكر عن عبدة بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن بن عباس مثله وعن بن عيينة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس مثله وعن بن عيينة قال النذر إذا لم يسمه صاحبه فهي أغلظ الأيمان ولها أغلظ الكفارات وهو قول بن مسعود على اختلاف عنه وقد روي عنه عليه عتق رقبة وقال معمر عن قتادة اليمين المغلظة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وذكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن جبير عن بن عمر مثله وقال الشعبي إني لأعجب ممن يقول النذر يمين مغلظة ثم قال عليه إطعام عشرة مساكين وقاله الحسن وهو قول إبراهيم ومجاهد وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وجماعة الفقهاء أهل الفتيا بالأمصار قال أبو عمر هذا أقل ما قيل في ذلك وهو الصحيح لأن الذمة أصلها البراءة إلا بيقين وقد قيل إن الأول في مثل هذا كالإجماع وقد روي في النذر المبهم كفارته كفارة يمين حديث مسند وهو أعلى ما روي في ذلك وأجل حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن إسماعيل بن رافع عن خالد بن يزيد عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من نذر نذرا فلم يسمه فعليه كفارة يمين
166 وقد روي عن خالد بن زيد فيمن قال علي نذر أن سمى مشيا فهو ما سمى وإن نوى فهو ما نوى وإن لم يكن صام يوما أو صلى ركعتين واختلفوا في وجوب قضاء النذر عن الميت على وارثه فقال أهل الظاهر يقضيه عنه وليه الوارث هو واجب عليه صوما أو مالا وقال جمهور الفقهاء ليس ذلك على الوارث بواجب وإن فعل فقد أحسن إن كان صدقة عتقا واختلفوا في الصوم على ما مضى في كتاب الصيام واختلفوا أيضا إذا أوصى به فقالت طائفة من العلماء هو في ثلثه وقال آخرون كل واجب عليه في ثلثه وقال آخرون كل واجب عليه في حياته أوصى به فهو رأس وقد ذكرنا القائلين بذلك كله في غير هذا الموضع 977 - وأما حديث مالك في هذا الباب عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها [قال يحيى وسمعت مالكا يقول] لا يمشي أحد عن أحد قال أبو عمر لا خلاف عن مالك أنه لا يمشي أحد عن أحد ولا يصوم عنه وأعمال النذر كلها عنده كذلك قياسا على الصلاة والمجتمع عليها وقال بن القاسم أنكر مالك الأحاديث في المشي إلى قباء ولم يعرف المشي إلا إلى مكة خاصة قال أبو عمر لا يعرف مالك المشي إلا إلى مكة بمعنى أنه لا يعرف إيجاب المشي وإنما هذا في الحالف والناذر عنده وأما قوله في المتطوع فقد ذكرناه في كتاب الصلاة عند ذكر حديث بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا (1) وذكرنا هناك آثارا تدل على إتيان مسجد قباء ترغيبا فيه وأن صلاة واحدة فيه
167 كعمرة ولم يختلف العلماء فيمن قال علي المشي إلى بيت المقدس أو إلى مسجد المدينة ولم ينو الصلاة في واحد من المسجدين وإنما أراد قصدهما لغير الصلاة أنه لا يلزمه الذهاب إليهما فنذر المشي إلى قباء بذلك أولى لأن الصلاة في المسجد الحرام أو مسجد النبي عليه السلام أو مسجد بيت المقدس أفضل من الصلاة بقباء بإجماع من العلماء واختلفوا إذا أراد الصلاة فيهما أو في أحدهما أو ذكر المسجد منهما فقال مالك إذا قال لله المشي علي إلى المدينة أو إلى بيت المقدس فلا شيء عليه إلا أن ينوي أن يصلي هناك بل يلزمه الذهاب إليهما راكبا إن شاء ولا يلزمه المشي إليهما قال أبو عمر قول مالك فيمن قال لله علي أن أمشي إلى المدينة أو إلى بيت المقدس أنه لا شيء عليه إلا أن ينوي الصلاة في مسجدهما يدل على أن قائلا لو قال علي المشي إلى قباء لم يلزمه شيء إلا أن يقول مسجد قباء أو ينوي الصلاة في مسجد قباء فإذا قال مسجد قباء أو نوى الصلاة في مسجد قباء فإذا قال مسجد قباء علم أنه للصلاة وكذلك إذا نوى ذلك فمن جعل الصلاة في مسجد قباء لها فضل الصلاة على غيرها أحب لنا بل أوفى بما فعل على نفسه ومن لم ير أعمال المصلي ولا المشي إلا إلى الثلاثة المساجد أمر من نذر الصلاة بهما أن يصلي في مسجده أو حيث شاء ومن قال لا مشي إلا إلى مكة لم يلتفت إلى غير ذلك وهو قول مالك في المشي وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من نذر المشي إلى مسجد النبي عليه السلام أو مسجد بيت المقدس لم يلزمه شيء
168 وقال الأوزاعي من نذر أن يمشي إلى بيت المقدس فليركب إن شاء وإن كانت امرأة فإن شاءت ركبت وإن شاءت تصدقت بشيء وقول مالك والشافعي أنه يمضي راكبا إلى بيت المقدس فيصلي فيه واختلفوا فيمن نذر أن يصوم أو يصلي في موضع يتقرب بإتيانه إلى الله عز وجل كالثغور ونحوها فقال مالك من نذر ذلك فإنه يقصد ذلك الموضع فيصوم فيه أو يصلي وإن كان من أهل مكة أو المدينة يعني ولا يلزمه المشي قال ولو قال لله علي أن أعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فاعتكف في مسجد القسطاط لم يجزه ذلك فقال الأوزاعي إذا جعل عليه صيام شهر بمكة لم يجزه في غيرها وإذا نذر صلاة في مكة لم يجزه في غيرها وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من نذر أن يصوم بمكة فصام بالكوفة أجزأه وقال زفر لا يجزئه إلا أن يصوم بمكة وقال أبو يوسف من نذر أن يصلي في المسجد الحرام فصلى في غيره لم يجزه وإن نذر أن يصلي ببيت المقدس فصلى في المسجد الحرام أجزأه وقال الشافعي من نذر أن يصلي بمكة لم يجزه أن يصلي بالمدينة ولا ببيت المقدس وإن نذر الصلاة بالمدينة أو ببيت المقدس جاز له أن يصلي بمكة ولم يجزه أن يصلي في غيرها من البلدان إلا الفاضل من المدينة أو بيت المقدس قال وإن نذر سوى هذه البلاد صلى حيث شاء قال وإن قال لله علي أن أنحر بمكة لم يجزه في غيرها وكذلك إن نذر أن ينحر بغيرها لم يجزه إلا في الموضع الذي نذر لأنه شيء أوجبه على نفسه لمساكين ذلك البلد وقال الليث بن سعد من نذر صياما في موضع فعليه أن يصوم في ذلك الموضع ومن نذر المشي إلى مسجد من المساجد مشي إلى ذلك المسجد قال أبو جعفر الطحاوي لم يوافق الليث على إيجاب المشي إلى سائر المساجد أحد من الفقهاء
169 وأما فتيا بن عباس المرأة التي جعلت على نفسها مشيا إلى قباء وماتت أن تمشي ابنتها عنها فقد تقدم في كتاب الصيام الاختلاف عن بن عباس في قضاء الولي عن وليه الميت ما كان واجبا عليه من صوم أو صدقة وما للعلماء في ذلك ما غنى عن إعادته ها هنا وأما الدليل على أن الصلاة في الموضع الفاضل تجزئ عن الصلاة في الموضع المقصود إليه بالصلاة فحديث جابر حدثناه عبد الله بن حماد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رجلا قال يا رسول الله إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال ((صل ها هنا)) فأعاد عليه مرتين كل ذلك يقول ((صل ها هنا)) وأعاد عليه الثانية فقال ((شأنك إذا)) (1) قال أبو عمر كل من ذهب إلى أن المسجد الحرام أفضل من مسجد النبي عليه السلام فعلى هذا يخرج جوابه بدليل هذا الحديث الذي ذكرناه وكذلك قول مالك ومن تبعه في تفضيل مسجد النبي عليه السلام على المسجد الحرام يجيء أيضا على مثل هذا أن يصلي في مسجد النبي عليه السلام ولا يذهب إلى المسجد الحرام وهذا لا نعلم أن أحدا قاله فيمن نذر المشي إلى مكة ليصلي في مسجدها أنه يجزئه الصلاة في مسجد النبي عليه السلام فدل ذلك على فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره وكذلك لم يوجب أحد المشي إلى المدينة على الأقدام وأوجبوه إلى مكة وذلك بين في فضل مشيه إلى مكة علي غيره وبالله التوفيق إلا أن الرواية عن مالك في كل موضع يتقرب فيه إلى الله - عز وجل - بالصوم والصلاة ألا يتعدى إلى غيره وإن فات أفضل بدليل الحديث المذكور ومن هذا الأصل جوابه فيمن نذر أن يعتكف في مسجد النبي عليه السلام فاعتكف في الفسطاط أن لا يجزئه
170 واحتج الطحاوي للكوفيين على زفر بأن قال القزبة في الصلاة دون الموضع فلا معنى لاعتبار الموضع ورد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصلاة في مسجده والمسجد الحرام على ما سواهما من المساجد على من قال ذلك بصلاة الفريضة لا في النافلة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ((صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة)) (1) قال أبو عمر لا معنى لقوله هذا لأنه معلوم أن من قصد بيت المقدس أو المسجد الحرام أو مسجد النبي عليه السلام لا تمتنع عليه الصلاة المكتوبة فيه بل القصد إليهما إلى المكتوبات وهو الغرض في قصد القاصد ونذر الناذر ولو قال قائل إن فضل النافلة تبع لفضل الفريضة وجعل قوله صلى الله عليه وسلم ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من أفضل صلاة في سائر المساجد إلا المسجد الحرام )) عموما في النافلة والفريضة كان مذهبا إلا أن فيه نسخ قوله ((صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة)) لأن فضائله كانت تزيد في كل يوم لا تنقص وهذا من فضائله صلى الله عليه وسلم إلا أنه خبر لا يجوز عليه النسخ فقد بينا هذا في موضعه وذكرنا اختلاف العلماء في تفضيل المسجد الحرام على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في ((كتاب الصلاة)) والحمد لله 978 - وأما حديث مالك عن عبد الله بن أبي حبيبة قال قلت لرجل وأنا حديث السن ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي فقال لي رجل هل لك أن أعطيك هذا الجرو لجرو قثاء في يده وتقول علي مشي إلى بيت الله قال فقلت نعم فقلته وأنا يومئذ حديث السن ثم مكثت حتى عقلت (2) فقيل لي إن عليك مشيا فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك فقال لي عليك مشي فمشيت قال مالك وهذا الأمر عندنا
171 قال أبو عمر قول مالك ((وهذا الأمر عندنا)) خرج على أن قول القائل علي مشي إلى بيت الله أو علي نذر مشي إلى بيت الله (نوى) وهو مذهب بن عمر وطائفة من العلماء وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر في الرجل يقول علي المشي إلى الكعبة قال هذا نذر فليمش قال أبو عمر جعل بن عمر قوله علي المشي كقوله علي نذر مشي إلى الكعبة قال وحدثنا بن يزيد عن هشام بن عروة قال جعل رجل على نفسه المشي إلى بيت الله في شيء فسأل القاسم فقال يمشي إلى البيت قال وحدثني معتمر بن سليمان عن ليث عن أبي معشر عن يزيد بن إبراهيم التيمي قال إذا قال لله علي حجة أو قال علي حجة أو قال لله علي نذر أو قال علي نذر فذلك كله سواء قال أبو عمر هذا قول مالك وجماعة من العلماء إلا أن المعروف عن سعيد بن المسيب غير ما ذكره عنه عبد الله بن أبي حبيبة ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا حماد بن أبي خالد الخياط عن محمد بن هلال سمع سعيد بن المسيب يقول من قال علي المشي إلى بيت الله فليس بشيء إلا أن يقول علي نذر مشي إلى الكعبة وروى عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب مثله وعن بن القاسم بن محمد أنه سئل عن رجل جعل على نفسه المشي إلى بيت الله فقال القاسم أنذر قال لا قال فليكفر يمينا قال أبو عمر أظن سعيد بن المسيب جعل قول القائل ((علي المشي)) من باب الإخبار بالباطل لأن الله تعالى لم يوجب عليه مشيا في كتابه ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا قال ((نذر مشي)) كان قد أوجب على نفسه المشي فإن كان في طاعة لزمه الوفاء به لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال] ((من نذر أن يطيع الله فليطعه
172 فهم لا يرون في قول الرجل ((علي المشي)) شيئا حتى يقول ((نذرت)) أو ((علي نذر مشي)) أو ((علي لله المشي)) وذا على وجه الشكر لله وطلب البر والحمد فيما يرجو من الله فالنذر الواجب في الشريعة إيجاب المرء فعل البر على نفسه هذا حقيقة اللفظ عند العلماء قال أبو عمر في مسألة عبد الله بن أبي حبيبة ما ينكزه ويخالف ما فيه أكثر أهل العلم وذلك أنه نذر على مخاطرة والعبادات إنما تصح بالنيات لا بالمخاطرات وهذا لم يكن له نية ولا إرادة فيما جعل على نفسه فيلزم فكيف يلزمه ما لا يقصد عن طاعة ربه وفي حديث سعيد بن المسيب خلاف ما روى عنه غيره من الثقات قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فيمن جعل على نفسه المشي إلى مكة أنه لم يرد به الحج على نفسه حجا ولا عمرة قال أبو عمر إنما أدخل مالك حديث بن أبي حبيبة هذا لأن فيه إيجاب المشي دون ذكر النظر وقد روي عن مالك أن بن أبي حبيبة كان يومئذ قد احتلم وقوله ((ثم مكثت حتى عقلت)) يريد حتى علمت ما يجب علي لا أنه كان صغيرا لا تلزمه العبادات وعلى هذا يجري قول مالك الصغير لا يلزمه حق لله تعالى في بدنه ((2 - [باب ما جاء فيمن نذر المشي إلى بيت الله])) قال أبو عمر هكذا ترجمة هذا الباب في الموطأ وفي معناه فيمن نذر المشي فمشى ثم عجز 979 - ذكر فيه مالك عن عروة بن أذينة الليثي أنه قال خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله حتى إذا كنا ببعض الطريق عجزت فأرسلت مولى لها يسأل عبد الله بن عمر فخرجت معه فسأل عبد الله بن عمر فقال له عبد الله بن عمر مرها فلتركب ثم لتمش من حيث عجزت
173 قال مالك ونرى عليها مع ذلك الهدي قال أبو عمر ليس لعروة بن أذينة في الموطأ سوى هذا الخبر وهو عروة بن أذينة وأذينة لقب واسمه يحيى بن مالك بن الحارث بن عمر الليثي من بني ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة قال كان شاعرا رقيق الشعر غزلا وكان مع ذلك صاحب فقه خيرا عندهم وروى عنه مالك وعبد الله بن عمر ولجده مالك بن الحارث رواية عن علي بن أبي طالب ويروى عروة بن أبي عامر مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن كانا يقولان مثل قول عبد الله بن عمر قال أبو عمر روى عطاء عن بن عمر خلاف رواية مالك عنه في حديث عروة بن أذينة ورواية عطاء أصح عند أهل العلم بالحديث ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء أن امرأة جاءت بن عمر فقالت له نذرت إلى الله أن أمشي إلى مكة فلم أستطع فقال فامشي ما استطعت واركبي ثم اذبحي وتصدقي إذا وصلت مكة فأمرها بالهدي ولم يأمرها بأن تمشي ما ركبت 980 - وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد أنه قال كان علي مشي فأصابتني خاصرة (1) فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا عليك هدي فلما قدمت المدينة سألت علماءها فأمروني أن أمشي مرة أخرى من حيث عجزت فمشيت قال أبو عمر فيما ذكره مالك ما يوضح لك أن فتوى أهل مكة بالهدي بدلا من المشي وفتوى أهل المدينة بالمشي من حيث عجز من غير هدي وأجمع مالك عليه الأمرين جميعا احتياطا لموضع تعديه المشي الذي كان يلزمه في سفر واحد وجعله في سفرين قياسا على المتمتع والقارن - والله أعلم _ فخالف بذلك الطائفتين معا إلا أنه قد روي مثل قول مالك عن طائفة من السلف
174 ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن بن عباس أن رجلا نذر أن يمشي إلى مكة فإذا أعيا ركب فإذا كان عام قابل مشى ما ركب وركب ما مشى وأهدى بدنة قال أبو عمر كان نذره حجا فلذلك قال له فإذا كان عام قابل ولو كان في عمرة لم يؤخره إلى قابل لأن العمرة تقضى في كل السنة إلا في أيام عمل الحج ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أنه سئل عن رجل يمشي إلى الكعبة فمشى نصف الطريق وركب نصفا فقال عامر قال بن عباس يركب ما مشى ويمشي ما ركب من قابل ويهدي بدنة وخالف عبد الله بن الزبير في هذه المسألة عبد الله بن عباس فلم يوجب الهدي كقول سلف أهل المدينة ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد عن الأجلح عن عمرو بن سعيد البجلي قال كنت تحت ممشى بن الزبير وهو عليه فجاء رجل فقال يا أمير المؤمنين إني نذرت أن أحج ماشيا فمشيت حتى إذا كان موضع كذا خشيت أن يفوتني الحج فركبت فقال بن الزبير ارجع عام قابل فاركب ما مشيت وامش ما ركبت وروي عن إبراهيم النخعي والحسن البصري عن كل واحد منهما روايتان إحداهما مثل قول بن عباس والأخرى مثل قول بن عمر وبن الزبير وعن الحسن رواية ثالثة كقول عطاء ذكرها بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام عن الحسن في رجل نذر أن يحج ماشيا قال يمشي فإذا انقطع ركب وأهدى فالثلاثة الأقوال مشهورة عن علماء السلف محفوظة أحدها يعود ويمشي من حيث ركب ولا هدي والثاني يهدي ولا يعود إلى المشي والثالث أن يعود فيمشي ثم يهدي روي هذا عن بن عباس من طريق ثابت وروي عن علي أيضا من وجه فيه ضعف وقد روي عن علي قول رابع فيمن نذر المشي إلى الكعبة في حج أو عمرة أنه يخير إن شاء مشى وإن شاء ركب وأهدى
175 رواه قتادة عن الحسن عن علي والحكم بن عيينة عن إبراهيم عن علي وروى موسى بن عبيدة عن يزيد بن قسيط مثله قال الشافعي من نذر المشي إلى بيت الله لزمه إن قدر على المشي فإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا من قبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه وهو قول مالك في الهدي الواجب عنده في هذا الباب بدنة أو بقرة فإن لم يجد أهدى شاة هذا قوله في ((الموطأ)) وغيره وقال أبو حنيفة وأصحابه من حلف بالمشي إلى بيت الله أو إلى مكة ثم حنث إنه يمشي وعليه حجة أو عمرة فإن ركب في ذلك أجزأه وعليه دم وأجازوا له الركوب وإن لم يعجز عن المشي مع الدم وفي هذا الباب سئل عن الرجل يقول [للرجل] أنا أحملك إلى بيت الله فقال مالك إن نوى أن يحمله على رقبته يريد بذلك المشقة وتعب نفسه فليس ذلك عليه وليمش على رجليه وليهد وإن لم يكن نوى شيئا فليحجج وليركب وليحجج بذلك الرجل معه وذلك أنه قال أنا أحملك إلى بيت الله فإن أبى أن يحج معه فليس عليه شيء وقد قضى ما عليه (1) قال أبو عمر السنة الثابتة في هذا الباب داله على طرح المشقة فيه عن كل متقرب إلى الله بشيء منه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مخلد بن خالد قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب أخبره أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لتمش)) - يعني ما قدرت - ((ولتركب)) ولا شيء عليها
176 قال أبو عمر لم يأمرها صلى الله عليه وسلم بهدي ولم يلزمها ما عجزت عنه ولم تقدر عليه حدثنا عبد الله قال أخبرنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية قال ((إن الله تعالى لغني عن نذرها مرها أن تركب)) (1) قال أبو داود وهكذا رواه سعيد بن أبي عروبة وخالد الحذاء عن عكرمة ورواه همام عن قتادة ولم يذكر فيه فلتركب ولتهد (2) وليس همام بحجة فيما خالفه فيه هشام عن قتادة وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا شيخه قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأعور ومحمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن زحر عن أبي سعيد الرعيني عن عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر قال نذرت أختي أن تمشي حاجة إلى بيت الله غير مختمرة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ((مر أختك فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام)) (3) قال أبو عمر يحتمل أن يكون حلفت مع نذرها وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرها فأمرها بالصيام في كفارة يمينها وذلك بالموطأ في حديث بن عباس أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حجاج بن أبي يعقوب قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن بن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا فلتحج راكبة ولتكفر عن يمينها)) وأخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد
177 وحدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قالا حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يهادي بين ابنيه فسأل عنه فقالوا نذر أن يمشي فقال ((إن الله تعالى لغني عن تعذيب هذا نفسه)) وأمره أن يركب (1) زاد يزيد بن هارون فركب ولم يذكر واحد منهما هديا ولا صوما وروى هذا الحديث عمران القطان عن حميد عن أنس قال نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ((إن الله تعالى لغني عن مشيها مرها فلتركب)) (2) ولم يذكر هديا ولا صوما والقول قول يحيى القطان ويزيد بن هارون عن حميد في هذا الحديث والله أعلم وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم في الرجل يقول للرجل أنا أحملك على أشفار عينيه قال يحج ويهدي بدنة وهذا نحو قول مالك وإنما أوجب أهل العلم في هذا الباب الهدي دون الصدقة والصوم وغيرها من أفعال البر والله أعلم لأن المشي لا يكون إلا في حج أو عمرة والقربات بمكة أفضلها إراقة دماء الهدايا في ذلك الوقت بمنى وبمكة إحسانا إلى مساكين الحرم ومن حضر من فقراء المسلمين والله أعلم وأما قول مالك عن الرجل يحلف بنذور مسماة مشيا إلى بيت الله أن لا يكلم أخاه أو أباه بكذا وكذا نذرا لشيء لا يقوى عليه ولو تكلف ذلك كل عام لعرف أنه لا يبلغ عمره ما جعل على نفسه من ذلك فقيل له هل يجزيه من ذلك نذر واحد أو نذور مسماة فقال مالك ما أعلمه يجزئه من ذلك إلا الوفاء بما جعل على نفسه فليمش ما قدر
178 عليه من الزمان وليتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من الخير قال أبو عمر لم يذكر هنا هديا لأنه قد سقط عنه ما لم يقدر عليه ويحتمل أن يكون قوله ويتقرب إلى الله بما استطاع من الخير الهدي فهو أصله في هذا الباب ويحتمل سائر نوافل الخير والله أعلم وبالله التوفيق ((3 - باب العمل في المشي إلى الكعبة)) 981 - ذكر فيه مالك أن أحسن ما سمعت من أهل العلم في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله أو المرأة فيحنث أو تحنث أنه إن مشى الحالف منهما في عمرة فإنه يمشي حتى يسعى بين الصفا والمروة فإذا سعى فقد فرغ وأنه إن جعل على نفسه مشيا في الحج فإنه يمشي حتى يأتي مكة ثم يمشي حتى يفرغ من المناسك كلها ولا يزال ماشيا حتى يفيض قال مالك ولا يكون مشي إلا في حج أو عمرة قال أبو عمر أما قوله أنه سمع أهل العلم (في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله) فهذا مذهبه ومذهب من سمع منه في التسوية بين الحالف بالمشي إلى الكعبة وبين الناذر وفي قوله ((أحسن ما سمعت)) بيان أنه سمع الخلاف في ذلك وأما الناذر فقد مضى الخلاف فيه ولا خلاف بين العلماء أن النذر الطاعة يلزم صاحبة الوفاء به ولا كفارة فيه وأما الحالف إلى مكة أو إلى بيت المقدس فنذكر الخلاف هنا بعون الله وفضله إن شاء الله وأما قوله في الحالف بالمشي وهو يريد الحج أنه يمشي - يعني من موضعه - حتى يأتي مكة ثم يقضي المناسك كلها فعلى هذا أكثر أهل العلم في الناذر دون الحالف ويأتي القول في الحالف بالمشي إلى الكعبة فيما بعد إن شاء الله ويروى عن بن عباس وعطاء بن أبي رباح أنهما قالا من جعل على نفسه المشي إلى بيت الله ركب من بلده فإذا جاء الحرم نزل إلى أن يطوف طواف
179 - الإفاضة إن كان حاجا وإن كان معتمرا حتى يسعى بين الصفا والمروة وقد روي عن عطاء أنه يركب حتى يأتي الميقات - يعني ميقات بلده - ثم يمشي إلى أن يتم حجه أو عمرته وقال الحسن يمشي من الأرض التي يكون فيها وروي عن مجاهد مثله وقاله بن جريج وجماعة فقهاء الأمصار وأما قوله في المشي لا يكون إلا بحج أو عمرة فإن مكة لا تدخل إلا بإحرام وأقل الإحرام عمرة وقد شذ بن شهاب فأجاز دخولها بغير إحرام وسنذكر هذه المسألة في موضعها من كتاب الحج إن شاء الله وأما اختلاف العلماء في الحالف في المشي إلى مكة وإلى البيت الحرام فمذهب أبي حنيفة في ذلك كالمشهور من حديث مالك قال أبو حنيفة وأصحابه من حلف بالمشي إلى بيت الله أو إلى مكة أو إلى الكعبة فإنه يمشي وعليه حجة أو عمرة فإن ركب في ذلك أجزأه وعليه دم قال ولو حلف بالخروج أو الذهاب إلى الكعبة أو حلف بالمشي إلى الحرم أو الصفا والمروة ثم حلق لم يكن عليه شيء في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد حلفه بالمشي إلى الحرم كالكعبة ولا خلاف عن مالك في الحالف كذلك والناذر سواء وأنهما يلزمهما المشي من بلدهما في حج أو عمرة على سنتهما وعلى هذا جمهور أصحابه إلا رواية جاءت عن بن القاسم أفتى بها ابنة عبد الصمد رواها الثقات العدول أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن قاسم وأحمد بن خالد قالا أخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن عبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم أخبره قال حلف أخي بالمشي إلى مكة في بيتي فحنث فسألت عبد الرحمن بن القاسم عن ذلك وأخبرته بيمينه فاشتد ذلك عليه وقال ما دعاه أن يحلف بهذا قلت قد فعل قال مره أن يكفر فيمينه خبيثة ولا يعود
180 قال عبد الله بن محمد بن علي قال لي أحمد بن خالد فذكرتها لابن وضاح فأنكرها وقال لي المعروف عن بن القاسم غير ذلك فقلت أخبرني به ثقة فقال من هو فقال قلت قاسم بن محمد فسكت أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن الأصبغ يعرف بابن مليح قال حدثنا مقدام بن داود عن عمه سعيد بن تليد أن عبد الرحمن بن القاسم أفتى ابنه عبد الصمد وكان حلف بالمشي إلى مكة فحنث بكفارة يمين قال وحلف مرة أخرى بصدقة ما يملك وحنث فأفتاه بكفارة يمين وقال له إني قد أفتيتك بقول الليث فإن عدت فلا أفتك إلا بقول مالك قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي إذا حلف بالمشي إلى مكة أو بثلاثين حجة أو بصيام أوجبه على نفسه باليمين أو بغير ذلك من الأيمان سوى الطلاق فإن أهل العلم اختلفوا في ذلك ففي قول أصحابنا كلهم كفارة يمين وليس عليه أكثر من ذلك وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد فإن حلف بطلاق فقد أجمعت الأمة على أن الطلاق لا كفارة له وأنه إن حنث في يمينه فالطلاق لازم له واختلفوا في العتق فقال أكثرهم الطلاق والعتق سواء لا كفارة في العتاق كما لا كفارة في الطلاق وهو لازم للحالف به كلزوم الطلاق وممن قال ذلك مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وإسحاق وقال أبو ثور من حلف بالعتق فعليه كفارة يمين ولا عتق عليه وذلك أن الله تبارك وتعالى أوجب في كتابه كفارة اليمين على كل حالف فقال * (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) * [المائدة 89] يعني فحنثتم فكل يمين حلف بها الإنسان فحنث فعليه الكفارة على ظاهر الكتاب إلا أن مجتمع الأمة على أنه لا كفارة عليه في شيء ما
181 ولم يجمعوا على ذلك إلا في الطلاق فأسقطنا عن الحالف بالطلاق الكفارة وألزمناه الطلاق للإجماع وجعلنا في العتق الكفارة لأن الأمة لم تجمع على أن لا كفارة فيه قال أبو عبد الله وقد روي عن الحسن وطاوس مثل قول أبي ثور والذي أذهب إليه ما قاله الشافعي وأحمد كفارة يمين في ما عدا الطلاق والعتق وقد روي عن عائشة ((كل يمين ليس فيها طلاق ولا عتق فكفارتها كفارة يمين)) قال أبو عمر الخلاف الذي ذكره أبو ثور في العتق هو ما رواه معتمر بن سليمان عن أبيه عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع أن مولاته حلفت بالمشي إلى مكة وكل مملوك لها حر وهي يوما يهودية ويوما نصرانية وكل شيء لها في سبيل الله إن لم يفرق بينه وبين امرأته فسألت بن عمر وبن عباس وأبا هريرة وعائشة وحفصة وأم سلمة فكلهم قال لها كفري يمينك وخلي بينها وبينه ففعلت رواه عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان قال أبو عمر وقد روى يونس عن الحسن أنه جاءه رجل فقال إني جعلت كل مملوك لي حرا إن شاركت أخي قال شارك أخاك وكفر عن يمينك وهو قول القاسم وسالم وسليمان بن يسار وطاوس وقتادة وبه قال أبو ثور وذكر داود في الحالف بالمشي إلى مكة وبصدقة ماله أنه لا شيء عليه من كفارة ولا غيرها وهو قول الشعبي والحاكم والحارث العقيلي وبن أبي ليلى وبه قال محمد بن الحسن لأن الحالف ليس بناذر طاعة فيلزمه الوفاء بها ولا بحالف بالله فيجب عليه كفارة الحالف باليمين بالله ولا يخرج ماله عن نفسه مخرج القربة وإنما أخرجه مخرج الحنث في يمينه إن حنث وإن لم يحنث لم يخرجه وهذا لا يشبه النذر الذي يجب الوفاء به لما فيه من التقرب إلى الله وشكره وإنفاذ طاعته ولا هو في شيء من ذلك المعنى
182 قالوا والحالف بغير الله ليس بحالف عندنا لأن الله تعالى قد نهى على لسان رسول صلى الله عليه وسلم أن يحلف بالأباء وأن يحلف بغير الله (1) إن شاء الله وبالله التوفيق ((4 - باب ما لا يجوز من النذور في معصية الله تعالى -)) 982 - ذكر فيه مالك عن حميد بن قيس وثور بن زيد الديلي أنهما أخبراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال ((ما بال هذا)) فقالوا نذر أن لا يتكلم ولا يستظل من الشمس ولا يجلس ويصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مروه فليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صيامه)) قال مالك ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتم ما كان لله طاعة ويترك ما كان لله معصية قال أبو عمر هذا الحديث يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه من حديث جابر ومن حديث بن عباس ومن حديث قيس بن حازم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث طاوس عن أبي إسرائيل - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأظن - والله أعلم - أن حديث جابر هو هذا لأن مجاهدا رواه عن جابر وحميد بن قيس صاحب مجاهد قال حدثناه أبو عمر أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق
183 عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال كان أبو إسرائيل رجلا من بني فهر فنذر ليقومن في الشمس حتى يصلي النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة وليصومن ذلك اليوم فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ((ما شأنه)) فأخبروه فأمره أن يجلس ويتكلم ويصوم ولم يأمره بكفارة وفيه دليل على أن السكوت عن ذكر الله ليس من طاعة الله وكذلك الجلوس للشمس وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما لا طاعة فيه بنص كتاب أو سنة وكذلك الحفاء وغيره مما لم ترد الشريعة بصنعة إذ لا طاعة لله فيه ولا قربه وإنما الطاعة ما أمر الله ورسوله يتقرب بعمله إلى الله عز وجل ويدل أيضا أن كل ما ليس له بطاعة حكمه حكم المعصية في أنه لا يلزم الوفاء به ولا الكفارة عنه وهو معنى قول مالك في الموطأ 983 - مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد بن الصديق عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه يحيى)) قال يحيى وسمعت مالكا يقول معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يعصي الله فلا يعصه أن ينذر الرجل أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر أو إلى الربذة أو ما أشبه ذلك مما ليس لله بطاعة إن كلم فلانا أو ما أشبه ذلك فليس عليه في شيء من ذلك شيء إن هو كلمه أو حنث بما حلف عليه لأنه ليس لله في هذه الأشياء طاعة وإنما يوفى لله بما له فيه طاعة وهو قول من قال إن من نذر معصية كان عليه مع تركها كفارة يمين وممن قال بذلك أبو حنيفة وسفيان والكوفيون وإن احتج محتج بحديث عمران بن حصين وحديث عائشة جميعا عن النبي
184 صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين)) (1) قيل له هذان حديثان مضطربان لا أصل لهما عند أهل العلم بالحديث لأن حديث عائشة إنما يدور على سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث وعنه رواه بن شهاب لا يصح عنه غير ذلك وقد أوضحنا ذلك في التمهيد وحديث عمران بن حصين يدور على زهير بن محمد عن أبيه وأبوه مجهول لم يرو عنه غير ابنه زهير وزهير أيضا عنده مناكير ويدل هذا الحديث أيضا على صحة قول من ذهب إلى أن من نذر أن ينحر ابنه أنه لا شيء عليه من كفارة ولا غيرها لأنه لا معصية أعظم من إراقة دم مسلم ولا معنى للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار في قول المنكر والزور لأن الظهار ليس بنذر والنذر في المعصية قد جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وأما العمل فهو ما في حديث جابر هذا وأما القول فحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) رواه جمهور رواة مالك عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه يحيى بن يحيى صاحبنا حدثنا خالد بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا عبد الله بن عبد الحكم قال أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال] ((من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) وقد ذكرنا كثيرا من طرقه عن مالك وغيره في التمهيد 984 - وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه سمعه يقول أتت امرأة إلى عبد الله بن عباس فقالت إني نذرت أن أنحر ابني فقال
185 بن عباس لا تنحري ابنك وكفري عن يمينك فقال شيخ عند بن عباس وكيف يكون في هذا كفارة فقال بن عباس إن الله تعالى قال " والذين يظاهرون منكم من نسائهم " [المجادلة 2] ثم جعل فيه من الكفارة ما قد رأيت قال أبو عمر روي هذا الخبر عن يحيى بن سعيد وسفيان الثوري وعبد الملك بن جريج كما رواه مالك سواء بمعنى واحد واختلفت الروايات عن بن عباس في هذه المسألة ففي رواية بن القاسم محمد عندنا قال ذكر مالك في حديثه هذا كفارة يمين تجزئه وروى عنه الشعبي في رجل نذر أن ينحر مائة من الإبل كما فدى بها عبد المطلب ابنه قال وقال مرة يجزئ كبش كما فدى به إبراهيم ابنه قال الشعبي فسألت مسروقا فقال هذا من خطوات الشيطان لا شيء عليه وروى عنه عكرمة مولاه في الرجل يقول هو ينحر ابنه قال كبش كما فدى به إبراهيم إسحاق وروى عنه الحكم قال يهدي ديته أو قال يهدي كبشا ثم تلا * (وفديناه بذبح عظيم) * [الصافات 107] وروى عنه طاوس في رجل نذر أن ينحر نفسه قال مائة بدنة وقد روى عكرمة عن بن عباس مثله في الذي ينذر أن ينحر ابنه مائة ناقة وقال مالك في المرأة التي نذرت أن تنحر ابنها قال إن نوت وجه ما ينحر من الهدي فعليها الهدي وإن لم تنو شيئا فلا شيء عليها وذكر بن عبد الحكم قال قال مالك من قال أنا أنحر ولدي عند مقام إبراهيم في يمين ثم حنث فعليه هدي قال ومن نذر أن ينحر ابنه ولم يقل عند مقام إبراهيم ولا أراده فلا شيء عليه قال ومن جعل ابنه هديا أهدى عنه قال الليث في الرجل أو المرأة يقول هو ينحر ابنه عند البيت قال يحج بابنه وينحر هديا وقد روي عن مالك مثل ذلك وغيره في مثله ذلك
186 وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في رجل نذر أن ينحر ابنه فقال يهدي ديته وقد روي عن علي قال يهدي شاة واختلف فيه عن عطاء فروي عنه كبش وروي عنه بدنة وقال الشعبي فيمن نذر أن ينحر ابنه قال يحجه وعن عكرمة قال يذبح كبشا ويتصدق بلحمه وعن إبراهيم قال يحجه ويهدي بدنة وعن جابر بن زيد يهدي كبشا وعن إبراهيم أيضا أنه يحجه فقط رواه عنه حماد ومنصور وهذا كله من كتاب عبد الرزاق وكتاب بن أبي شيبة وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن عثمان وبن عباس وبن عمر قالوا يهدي جزورا قال حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك عن محمد بن المنتشر عن مسروق قال يهدي كبشا قال أبو عمر الرواية الأولى عن مسروق ذكرها أبو بكر عن عبد الرحمن بن سليمان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال هذا من خطوات الشيطان لا كفارة فيه قال أبو عتبة ومن حلف بنحر ولده أو ولده من بني آدم ثم حنث فعليه في ذلك - بنحر ولده - شاة وليس عليه في غير حلفه بنحر غير ولده شيء وقال محمد عليه في الحلف بنحره غيره مثل الذي عليه في الحلف بنحره ولده إذا حنث وقال أبو يوسف لا شيء عليه في ذلك كله وساقه الطحاوي وذكر عبد الرزاق عن الثوري في الرجل يقول للرجل أنا أهديك فيحنث قال أخبرني معمرة عن إبراهيم وفراس عن الشعبي أنهما قالا يحجه وقال مالك إن لم يرد الرجل أن يحجه فلا شيء عليه قال أبو عمر الصحيح عندي في هذه المسألة ما قاله مسروق وغيره وذلك سقوط الكفارة عن من نذر نحر ابنه أنه لا يلزمه في ذلك شيء من الأشياء لما ترك @ 188 @ نحره لحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه ونحر المسلم معصية لا شك فيه ومن جعل فيه كفارة يمين فللحديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين وهو حديث معلول وحديث عائشة أصح منه وأثبت وبالله التوفيق وروي عن علي بن المديني وغيره عن زيد بن الحباب عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا فنذرت امرأة سوداء إن ردة الله سالما أن تضرب عنده بالدف فرجع وقد غنم فقالت يا رسول الله إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب عندك بالدف فقال إن كنت فعلت فافعلي وإلا فلا قالت فإني قد فعلت قال فضربت ((5 - باب اللغو في اليمين)) 985 - ذكر فيه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقول لغو اليمين قول الإنسان (لا والله) و (بلى والله) هكذا رواه يحيى عن مالك وتابعه القعنبي وطائفة ورواه بن بكير وجماعة عن مالك بإسناده فقالوا فيه لا والله وبلى والله وكذلك رواه جمهور الرواة عن هشام بن عروة وقد روي هذا الحديث عن عائشة وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن عمير بمعنى حديث هشام عن أبيه سواء وأخطأ فيه عمر بن قيس فرواه عن عطاء عن عائشة بخلاف ذلك فذكره بعد ذلك عند ذكر قول مالك ورواه عن هشام جماعة أيضا منهم الثوري وشعبة وبن جريج ورواه عن عروة بن شهاب كما رواه ابنه هشام
187 كما رواه ابنه هشام
188 قال أبو عمر روى بن المبارك وعبد الرحيم بن سليمان وعبده بن سليمان وغيرهم بمعنى واحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت اللغو الذي ذكره لا والله وبلى والله ورواه يحيى بن سعيد القطان قال أخبرني هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة في قوله تعالى * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * [البقرة 225] نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله فذكر القطان السبب في نزول الآية ولم يذكره أحد من هؤلاء ولا غيره فمن قال لغو اليمين لا والله وبلى والله وما لا يعتقده قلب الحالف ولا يقصده عبد الله بن عمر وبن عباس في رواية عنه روى بن عيينة عن الزهري عن سالم أن بن عمر كان يسمع بعض ولده يحلف عشرة أيمان لا والله وبلى والله لا يأمره بشيء وهو قول الشعبي في رواية بن عون عنه وقول الحاكم وعطاء بن أبي رباح وأبي صالح وأبي قلابة وإبراهيم في رواية حماد عنه قال لغو اليمين ما يصل به الرجل كلامه والله لأكلن والله لأشربن وهو قول عكرمة وبن شهاب وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة في قوله تعالى * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * [البقرة 225] قالت هم القوم يتدارؤون بقول أحدهم لا والله وبلى والله وكلا والله لا تعقد عليه قلوبهم وروى بن وهب عن يونس عن بن شهاب أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل والمزاحات والحديث الذي لا يعقد عليه القلب وروى حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال بلى والله ولا والله لغة من لغات العرب قال أبو عمر وإلى هذا ذهب الشافعي والأوزاعي بلى والله ولا والله والحسن بن حي وقال أبو حنيفة وأصحابه اللغو لا والله وبلى والله فيما أظن أنه فيه صادق على الماضي
189 وذكر الشافعي قول عائشة في اللغو أنه لا والله وبلى والله وقال اللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه وهو معنى ما قالت عائشة قال مالك أحسن ما سمعت في هذا أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد على غير ذلك فهو اللغو وليس فيه كفارة وهو قول الليث وأحمد بن حنبل قال أبو عمر قد روي مثل قول مالك عن عائشة من طريق لا يثبت ذكره بن وهب عن عمر بن قيس عن عطاء عن عائشة وعمر بن قيس متروك الحديث ولم يتابع أيضا على ذلك وقد خالفه بن جريج وغيره عن عطاء فرواه على حسب ما رواه أنه قول الرجل لا والله وبلى والله ويقولون إن عطاء لم يسمع من عائشة غير هذا الحديث في حين مسيره إليها مع عبيد بن عمير وذكر بن وهب أيضا عن الثقة عنده عن بن شهاب عن عروة عن عائشة مثل رواية عمر بن قيس عن عطاء عن عائشة وهذا لا يصح لأن رواية بن وهب هذه عن الثقة عنده تعارضها رواية بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل والحديث الذي لا يعقد عليه القول وهذا بمعنى رواية مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة دون ما ذهب إليه في معنى لغو اليمين ويروى مثل قول مالك أيضا في اللغو عن الحسن البصري وقتادة وزرارة بن أوفى ومجاهد ورواية عن الشعبي رواها عمرو بن دينار ورواية أيضا عن إبراهيم النخعي رواها عنه مغيرة ومنصور وفي اللغو قول ثالث وهو أن يحلف الرجل وهو غضبان رواه طاوس عن بن عباس وقول رابع قاله سعيد بن جبير قال هو الحلف على المعصية بتركها ولا كفارة عليه رواه عنه أبو بشر وعن بن عباس قول خامس قال هو الرجل يحلف فيقول هذا الطعام علي حرام فيأكله ولا كفارة عليه
190 وروي مثله عن سعيد بن جبير قال هو أن يحرم الحلال رواه عنه داود بن أبي بشر أيضا مسألة أيضا قال مالك فأما الذي يحلف على الشيء وهو يعلم أنه آثم ويحلف على الكذب وهو يعلم ليرضي به أحدا أو ليعتذر به إلى معتذر إليه أو ليقطع به مالا فهذا أعظم من أن تكون فيه كفارة قال أبو عمر هذه اليمين الغموس وهي لا تصح إلا في الماضي أيضا وقد اختلف العلماء في كفارتها فأكثر أهل العلم لا يرون في اليمين الغموس كفارة وممن قال ذلك مالك وسفيان الثوري وأبو حنيفة والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل قالوا هو أعظم من أن يكون فيه كفارة وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم ((من حلف على منبري إنما يتبوأ مقعده من النار)) (1) وقوله صلى الله عليه وسلم ((من اقتطع مال امرئ بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار)) (2) وفي حديث بن مسعود ((لقي الله وهو عليه غضبان)) (3) فذكر المأثم صلى الله عليه وسلم في اليمين الغموس ولم يذكر كفارة ولو كان فيها كفارة لذكرها والله أعلم وقال الشافعي والأوزاعي والمعلى بن أسد وطائفة من التابعين فيما ذكر المروزي من تعمد فعليه الكفارة فيما بينه وبين الله فإن اقتطع بها حق امرئ مسلم أو ذمي فلا كفارة في ذلك إلا رد ما اقتطع والخروج مما أخذه ظلما لغيره فإذا فعل ذلك فهي توبة ويكفر بعد ذلك عن يمينه
191 قال الشافعي والكفارة في هذا أوكد على من لم يتعمد الحنث بيمينه وقد جعل الله الكفارة في قتل الصيد على المتعمد وجاءت السنة لمن حلف ثم أجبر مما حلف عليه أن يحنث نفسه ثم يكفر وهذا قد تعمد الحنث فأمر بالكفارة قال أبو عمر من التابعين القائلين بأن المتعمد للكذب في يمينه يكفر الحكم بن عيينة وعطاء بن أبي رباح قال شعبة سألت الحكم وحمادا عن ذلك فقال حماد ليس لها كفارة وقال الحكم الكفارة خير وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن عتاب عن الحجاج عن عطاء قال يكفر قال أبو عمر الأيمان عند جماعة العلماء على ثلاثة أوجه منها وجهان في الماضي وهما اللغو والغموس ولا يكونان إلا في الماضي وقد مضى القول فيهما والوجه الثالث هو اليمين في المستقبل ((والله لا فعلت)) ((والله لأفعلن)) لم يختلف العلماء أن على من حنث فيما حلف عليه من ذلك الكفارة التي ذكر الله في كتابه في قوله عز وجل * (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) * [المائدة 89] يعني فحنثتم وقد عبر جماعة من العلماء عن اليمين في المستقبل بعبارة أخرى فقالوا هي أيضا في المستقبل يمينان يكفران فجعلوا لآخذ يمينا ولأفعلن يمين أخرى وقال جماعة من المدنيين والكوفيين الأيمان أربعة يمينان لا يكفران وهما اللغو والغموس فتنعقد على ما مضى ويمينان يكفران تنعقدان في المستقبل ((6 - باب ما لا يجب فيه الكفارة من الأيمان)) 986 - ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول من
192 قال والله ثم قال إن شاء الله ثم لم يفعل الذي حلف عليه لم يحنث قال مالك أحسن ما سمعت في الثنيا (1) أنها لصاحبها ما لم يقطع كلامه وما كان من ذلك نسقا يتبع بعضه بعضا قبل أن يسكت فإذا سكت وقطع كلامه فلا ثنيا له قال أبو عمر حديث بن عمر هذا وقفه مالك عن بن عمر لم يتجاوزه به وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر موقوفا ورواه أيوب بن موسى عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من حلف فقال إن شاء الله فقد استثنى)) (2) ورواه أيوب السختياني عن نافع عن بن عمر فمرة يرفعه ومرة لا يرفعه ومرة يقول لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه معمر عن بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ((من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث)) (3) وأجمع العلماء على أن الحالف إذا وصل يمينه بالله بالاستثناء وقال إن لنا الله فقد ارتفع الحنث عليه ولا كفارة عليه لو حنث وأجمعوا أن الاستثناء جائز في اليمين بالله واختلفوا في غيرها كما أجمعوا أن اللغو في اليمين بالله واختلفوا فيمن لم يصل استثناؤه يمينه وقال الشافعي له الاستثناء إذا كان قوله إن شاء الله موصولا بكلامه والوصل أن يكون كلامه نسقا وإن كان بينهما سكتة كسكتة الرجل للتذكر أو النفس أو القيء أو انقطاع الصوت فهو استثناء وهو أن يأخذ في الكلام ليس من اليمين أو سكت السكوت الذي يبين به أنه قطع كلامه قال أبو عمر على نحو هذا مذهب مالك وأصحابه وجمهور الفقهاء
193 وهو قول الشعبي وعطاء وأكثر العلماء وكان قوم من التابعين يرون للحانث الاستثناء ما لم يقم من مجلسه منهم طاوس والحسن البصري وكان بن عباس يرى له الاستثناء أبدا متى ما ذكر ويتلو قول الله عز وجل * (واذكر ربك إذا نسيت) * [الكهف 24] وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد قال أبو عمر يريدون ما لم يحنث الحالف يفعل ما حلف ألا يفعله ونحو هذا والحجة لمن ذهب مذهب بن عباس ما رواه مصعب وغيره عن سماك بن حرب عن عكرمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((والله لأغزون قريشا)) قالها ثلاث مرات ثم سكت ثم قال ((إن شاء الله)) (1) وقد روي هذا الحديث عن عكرمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما قول مالك في هذا الباب في الرجل يقول كفر بالله أو أشرك بالله ثم يحنث أنه ليس عليه كفارة وليس بكافر ولا مشرك حتى يكون قلبه مضمرا على الشرك والكفر وليستغفر الله ولا يعد إلى شيء من ذلك وبئس ما صنع قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة فأهل الحجاز لا يرونها يمينا ولا يوجبون فيها كفارة ويكرهونها وهو قول مالك والشافعي وبه قال أبو عبيد وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح من قال أنا يهودي أو نصراني أو كفرت بالله أو أشركت بالله أو برئت من الله أو برئت من الإسلام فهو يمين وعليه الكفارة إن حنث فهو تعظيم له كاليمين بالله وهو قول أحمد بن حنبل وممن رأى الكفارة على من قال هو يهودي أو نصراني أو نحو ذلك 00 عبد الله بن عمر وعائشة والشعبي والحسن ومجاهد وطاوس وإبراهيم والحكم وبه قال أحمد وإسحاق
194 وقد روي عن إبراهيم أنه قال أخاف أن يكون كما قال وروي عن أبي هريرة من وجوه أنه قال فيمن حلف بملة غير الإسلام هو يهودي هو نصراني هو بريء من الإسلام فهو كما قال وروى أبو قلابة عن ثابت بن الضحاك الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من حلف على ملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال)) (1) قال أبو عمر وهو حديث صحيح من جهة النقل ولكنه ليس على ظاهره ومعناه - والله أعلم - النهي من موافقة ذلك اللفظ وقال أبو جعفر محمد بن علي إذا قال هو يهودي هو نصراني هو مشرك بالله فليس بشيء وبه قال قتادة وأصح ما قيل به في هذا الباب والله الموفق للصواب أخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا عبد الله بن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من حلف منكم باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال تعال أقامرك فليتصدق)) (2) قال أبو عمر هذا حديث صحيح ثابت يدل على أن من حلف بملة غير الإسلام فليس كما قال ورواه معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ((7 - باب ما تجب فيه الكفارة من الإيمان)) 987 - ذكر فيه مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
195 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من حلف بيمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير)) قال مالك من قال علي نذر ولم يسمي شيئا إن عليه كفارة يمين قال أبو عمر قد مضت هذه المسألة في النذر المبهم في صدر هذا الكتاب مما للعلماء فيها فلا وجه لإعادتها وأما الآثار المرفوعة في هذا الباب فأكثرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال] ((من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه)) وقدم الحنث قبل الكفارة في حديث عدي بن حاتم وأبي الدرداء وعائشة وعبد الله بن عمرو وأنس وعبد الرحمن بن سمرة وأبي موسى كل هؤلاء رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فقالوا فيه ((فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه بتبدية الحنث قبل الكفارة)) وفي حديث أبي هريرة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تبدية الكفارة قبل الحنث كما رواه مالك وأما اختلاف الفقهاء في هذه المسألة فقال مالك والشافعي والليث بن سعد والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق لا بأس أن يكفر قبل الحنث وقال مالك والشافعي والثوري ولو حنث ثم كفر كان أحب إلينا قال أبو عمر روي جواز الكفارة قبل الحنث عن بن عمر وسلمان ومسلمة بن مخلد وأبي الدرداء وبن سيرين وجابر بن زيد قال أبو حنيفة وأصحابه لا تجزئ الكفارة قبل الحنث روي عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أنهما كانا يرغبا أنفسهما فيما هو خير ثم يكفران وعن بن مسعود ومسروق وعبيد بن نمير مثله قال أبو عمر احتج الطحاوي لأبي حنيفة بأن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث
196 فإن الكفارة لا تتعلق باليمين عند الجميع وإنما تتعلق بالحنث فوجب ألا تقدم قبل الحنث فهذا نقض لأصله في تقديم الزكاة فلا يحول وقال الأوزاعي في المحرم يصيبه أذى في رأسه يجزئه أن يكفر بالفدية قبل الحلق وفي هذا الباب قال مالك فأما التوكيد فهو حلف الإنسان في الشيء الواحد مرارا يردد فيه الأيمان يمينا بعد يمين كقوله والله لا أنقصه من كذا وكذا يحلف بذلك مرارا ثلاثا أو أكثر من ذلك قال فكفارة ذلك كفارة واحدة مثل كفارة اليمين فإن حلف رجل مثلا فقال والله لا آكل هذا الطعام ولا ألبس هذا الثوب ولا أدخل هذا البيت فكان هذا في يمين واحدة فإنما عليه كفارة واحدة وإنما ذلك كقول الرجل لامرأته أنت الطلاق إن كسوتك هذا الثوب وأذنت لك إلى المسجد يكون ذلك نسقا متتابعا في كلام واحد فإن حنث في شيء واحد من ذلك فقد وجب عليه الطلاق وليس عليه فيما فعل بعد ذلك حنث إنما الحنث في ذلك حنث واحد قال أبو عمر روى بن القاسم عن مالك مثل ما تقدم وزاد هي يمين واحدة وإن كانتا في مجلسين إذا كانتا على شيء واحد وقال سفيان الثوري إن حلف مرتين في شيء واحد فهي يمين واحدة إذا نوى يمينا واحدة وإن كانتا في مجلسين وإن أراد يمينا أخرى والتغليظ فيها فهي يمينان وقد روى عنه أنهما يمين واحدة وإن حلف مرارا وقال الأوزاعي إن حلف في أمر واحد بأيمان فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر وقال عثمان البتي إن أراد اليمين الأولى فكفارة واحدة وإن أراد التغليظ فلكل واحدة كفارة وقال الحسن بن حي إذا قال والله لا أكلم فلانا والله لا أكلم فلانا في مجلس واحد فكفارة واحدة وإن قال والله لا أكلم فلانا ثم قال والله لا أكلم فلانا فكفارتان
197 وقال محمد بن الحسن إذا قال والله لا أفعل كذا والله لا أفعل كذا في الشيء الواحد فإن أراد التكرار فهن واحدة وإن لم يكن له نية وأراد التغليظ فهما يمينان قال وإن قال ذلك في مجلسين فهما يمينان وقال الشافعي في كل يمين كفارة إلا أن يريد التكرار وقال محمد بن الحسن والشافعي فيمن قال والله والرحمن لأفعلن كذا هما يمينان إلا أن يكون أراد الكلام الأول فيكون يمينا واحدة ولو قال والله والرحمن لأفعلن كذا هما يمينان قال مالك من قال والله الرحمن كانت يمينا واحدة وقال زفر قوله والله الرحمن يمين واحدة وقال مالك من قال والله الرحمن فعليه كفارتان وإن قال والسميع والعليم والحكيم فعليه ثلاث كفارات وكذلك لو قال علي عهد الله وميثاقه وكفالته فعليه ثلاث كفارات ومن حلف بالله مرارا كثيرة يمينا بعد يمين ثم حنث فعليه كفارة واحدة فرق بين تكرار اسم واحد وبين الأسماء المختلفة قال أبو عمر وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن مجاهد قال خرج بن عمر وبعث غلاما له في وجه من الوجوه فأبطأ فقال له بن عمر إنك تغيب عن امرأتك تخرج كذا فطلقها قال لا والله لا أطلقها قال والله لتطلقنها قال والله لا أطلقها فقال والله لتطلقنها قال والله لا أطلقها قال فذهب عنه العبد قال مجاهد فذكرت له أيمانه قال إنها يمين وقال إبراهيم النخعي في الرجل يردد اليمين في الشيء الواحد قال عليه كفارة واحدة وقاله عطاء وعكرمة وحماد بن أبي سليمان وقال الحسن إذا حلف الرجل بأيمان شتى على أمر واحد فحنث فإنما عليه كفارة يمين واحدة فإن حلف أيمانا شتى في أشياء شتى في أيام شتى فعليه عن كل يمين كفارة هذا كله من كتاب بن أبي شيبة
198 قال مالك الأمر عندنا في نذر المرأة إنه جائز بغير إذن زوجها يجب عليها ذلك ويثبت إذا كان ذلك في جسدها وكان ذلك لا يضر بزوجها وإن كان ذلك يضر بزوجها فله منعها منه وكان ذلك عليها حتى تقضيه قال أبو عمر هذا إذا كان على حسب ما ذكره مالك من أن نذرها لا يضر بزوجها كان عليها الوفاء به لا خلاف في ذلك بين العلماء فإن حال زوجها بينها وبين الوفاء بنذرها ذلك كان عليها قضاؤه بإجماع أيضا إذا كان غير مؤقت واختلفوا إذا كان مؤقتا بوقت فخرج الوقت على قولين أحدهما يجب والثاني لا يجب ((8 - باب العمل في كفارة الأيمان)) 988 - ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول من حلف بيمين فوكدها (1) ثم حنث فعليه عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين ومن حلف بيمين فلم يؤكدها ثم حنث فعليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام قال أبو عمر لم يذكر مالك عن نافع في حديثه هذا عن بن عمر ما التوكيد وقد ذكره غيره ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن نافع قال كان بن عمر إذا حلف أطعم عشرة وإذا وكد أعتق فقلت لنافع ما التوكيد قال ترداد الأيمان في الشيء الواحد وذكر عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع قال كان بن عمر إذا وكد الأيمان وتابع بينها في مجلس أعتق رقبة قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر مثله قال أبو عمر قد بان لك ذا والتوكيد عنده التكرار وعتقه في التوكيد استحباب
199 منه واختيار كأن يأخذ به في خاصة نفسه بدليل رواية مجاهد عنه وغيره في تكرار اليمين ولذلك لم يذكره مالك في الباب الأول والله أعلم وقد سوى الله في كل الأيمان بين العتق والإطعام والكسوة فما يفرق بين حكم اليمين المذكورة وبين غير الكفارة فقال * (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة) * [المائدة 89] وهذا الخبر لم يختلف العلماء فيه ومن استحب من ذلك شيئا فلا حرج وقد مضى في الباب قبل هذا حكم تكرار اليمين في الشيء الواحد مرارا في مجلس أو مجالس بما في ذلك من التنازع بين العلماء بما أغنى عن إعادته هنا والدليل على أن العتق كان من بن عمر استحبابا لخاصة نفسه أنه لم يكن يفتي به غيره وما رواه معمر عن الزهري عن سالم قال ولما قال بن عمر لبعض بنيه لقد حلفت عليك في هذا المجلس أحد عشر يمينا ولا يأمره بتكفير يعني غير كفارة واحدة ولم يذكر عتقا 989 - فذكر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة وكان يعتق المرار إذا وكد اليمين وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أنه قال أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر ورأوا ذلك مجزئا عنهم قال أبو عمر اختلف العلماء في مقدار الإطعام في كفارة اليمين فذهب أهل المدينة إلى ما حكاه مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار والمد الأصغر عندهم مد النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول بن عمر وبن عباس وزيد بن ثابت والفقهاء السبعة وسالم بن عبد الله بن عمر وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعطاء بن أبي رباح وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا حنث أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدا من حنطة بالمد الأول
200 قال وحدثنا بن فضيل وبن إدريس عن داود عن عكرمة عن بن عباس في كفارة اليمين مد من بر ومعه إدامه قال وحدثنا وكيع عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي كثير عن أبي سلمة عن زيد بن ثابت قال مد من حنطة لكل مسكين قال أبو حنيفة وأصحابه إن أعطاهم طعاما لم يجزئه إلا نصف صاع - لكل مسكين - من حنطة أو صاع تمر أو شعير قالوا فإن غداهم أو عشاهم أجزأه وروي نصف صاع عن عمر وعلي وعائشة - رضي الله عنهم - وهو قول سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وعطاء وبن سيرين وسعيد بن جبير وهو قول عامة فقهاء العراق قياسا على ما أجمعوا عليه في رواية الأوزاعي فقال مالك إن غدى عشرة مساكين وعشاهم أجزاة ولا يجوز أن يعطيهم العروض وعلى أصل مالك يجوز أن يغديهم ويعشيهم بدون إدام لأن الأصل عنده مد دون إدام وقال الثوري والأوزاعي ويجزئه غدى أو عشى وهو قول إبراهيم وقال الحكم بن عتيبة لا يجزئ الإطعام حتى يعطيهم يريد أن يغدو كل واحد منهم بما يجب له من ذلك وقوله يعطيهم أي يعطي كل واحد منهم وقال الشافعي لا يجوز أن يطعمهم جملة ولكن يعطي كل مسكين مدا وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لا يجزئه إطعام العشرة وجبة واحدة غداء دون عشاء أو عشاء دون غداء حتى يغديهم ويعشيهم وهو قول أئمة الفتوى بالأمصار وقول الشعبي وقتادة والنخعي وطاوس والقاسم وسالم وقال الحسن البصري إن أطعمهم خبزا ولحما أو خبزا وزيتا مرة واحدة في اليوم حتى يشبعوا أجزأه وهو قول بن سيرين وجابر بن زيد ومكحول وروي ذلك عن أنس بن مالك وقال أحمد بن حنبل يجزئه أن يعطي لكل مسكين مدا من حنطة أو دقيق أو رطلين خبز أو مدين من شعير أو تمر ولا يجوز قيمة شيء من ذلك بحال قال أبو عمر من ذهب إلى مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين تأول قول الله عز
201 وجل * (من أوسط ما تطعمون) * [المائدة 89] أنه أراد الوسط من الشبع ومن ذهب إلى مدين البر أو صاع من شعير أو تمر ذهب إلى الشبع وتأول في * (أوسط ما تطعمون أهليكم) * [المائدة 89] الخبز واللبن أو الخبز والسمن أو الخبز والزيت قالوا والأعلى الخبز واللحم فالأدنى خبز دون إدام فلا يجوز عندهم للأدنى لقول الله عز وجل * (من أوسط ما تطعمون) * [المائدة 89] وأما قول مالك أحسن ما سمعت في الذي يكفر عن يمينه بالكسوة أنه إن كسا الرجال كساهم ثوبا ثوبا وإن كسا النساء كساهن ثوبين ثوبين درعا وخمارا وذلك أدنى ما يجزئ كلا في صلاته وهو قول الليث قال ولا يجزئ ثوب واحد للمرأة ولا تجزئ العمامة للرجل وقال الثوري تجزئ العمامة وقال الشافعي تجزئ العمامة أو السراويل أو المقنعة قال أبو حنيفة وأصحابه الكسوة في كفارة اليمين لكل مسكين ثوب إزار أو رداء أو قميص أو قباء أو كساء وروى بن سماعة عن محمد إن السراويل لا تجزئ وأنه لو حلف لا يشتري ثوبا فاشترى سراويل حنث إذا كان من سراويل الرجال وروي عن هشام عن محمد أنه لا تجزئ السراويل ولا العمامة وكذلك روى بشر عن أبي يونس ((9 - باب جامع الأيمان)) 990 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)) قال أبو عمر لم يختلف على مالك في هذا الباب أنه من مسند بن عمر عن النبي
202 صلى الله عليه وسلم ورواه العمريان عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه الزهري عن سالم عن بن عمر عن عمر قال سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلف بأبي الحديث وذكر عبد الرزاق عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن بن عباس عن عمر قال كنت في ركب أسير في غزاة فذكر الحديث بمعناه وفي رواية الزهري عن سالم عن بن عمر مثله وزاد قال عمر فوالله ما حلفت به ذاكرا ولا آثرا وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا ينبغي اليمين بغير الله عز وجل وأن الحلف بالمخلوقات كلها في حكم الحلف بالآباء فإن قيل فإنما في القرآن من الإقسام بالمخلوقات نحو قوله تعالى * (والطور وكتاب مسطور) * [الطور 1] * (والتين والزيتون) * [التين 1] * (والسماء والطارق) * [الطارق 1] وما كان مثله في القرآن قيل المعنى فيه ورب الطور ورب النجم فعلى هذا المعنى هي إقسام بالله تعالى لا بغيره وقد قيل في جواب ذلك أيضا قد أقسم ربنا تعالى بما شاء من خلقه ثم بين النبي عليه السلام مراد الله تعالى من عباده أنه لا يجوز الحلف بغيره لقوله ((من كان حالفا فليحلف بالله)) قال أبو عمر لا ينبغي لأحد أن يحلف بغير الله لا بهذه الأقسام ولا غيرها لإجماع العلماء أن من وجبت له يمين على آخر في حق قبله أنه لا يحلف له إلا بالله ولو حلف له بالنجم والسماء والطارق وقال نويت رب ذلك لم يكن عندهم يمينا وفي غير رواية يحيى عن مالك أنه بلغه عن بن عباس أنه كان يقول لأن أحلف بالله بإثم أحب إلي من أن أظاهر فالمظاهرة أن يحلف بغير الله تعظيما للمحلوف به فشبه خلق الله به في التعظيم قال الله تعالى * (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل) * [التوبة 30] ومعناه أن أحلف بالله فآثم أي فأحنث أحب إلي من أن أحلف بغيره فأبر وقد روي عن بن عمر وبن مسعود قالا لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا وروى بن جريج عن بن أبي مليكة أنه سمع بن الزبير يقول سمعني عمر أحلف بالكعبة فنهاني وقال لو أعلم أنك فكرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك وقال قتادة يكره الحلف بالمصحف وبالعتق والطلاق وأجاز بن عمر والحسن وإبراهيم اليمين ((بأيم الله
203 وأجاز عطاء وإبراهيم ((لعمري)) وكره إبراهيم ((لعمرها)) قال أبو عمر حديث هذا الباب يرد قول من أجاز اليمين بغير الله وهو الأصل وقال أهل الظاهر من حلف بغير الله وهو عالم باليمين فهو عاص لله ولا كفارة عندهم في غير اليمين بالله - عز وجل - والذي عليه الجمهور من سلف العلماء وخلفهم تطلب الكفارة في وجوه كثيرة من الأيمان بغير الله نذكرها في هذا الباب - إن شاء الله - وهم مع ذلك يستحبون اليمين بالله ويكرهون اليمين بغيره وهذا عمر وبن عمر يوجبان كفارة اليمين فيمن حلف بغير الله وهما رويا الحديث عن النبي عليه السلام أنه نهى عن الحلف بالآباء وقال ((من كان حالفا فليحلف بالله)) فدل أنه على الاختيار لا على الإلزام والإيجاب وروى يزيد بن زريع عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال إن تسألني القسمة لم أكلمك أبدا وكل مالي في رتاج الكعبة فقال عمر بن الخطاب إن الكعبة لغنية عن مالك كفر يمينك وكلم أخاك (1) وهو قول بن عمر وبن عباس وزيد بن ثابت وعائشة وحفصة وسعيد بن المسيب وجماعة من علماء التابعين بالمدينة والكوفة وسترى كثيرا من ذلك في هذا الباب إن شاء الله والكفارة على من حلف بما لا إثم فيه أوكد لأن الكفارة لمحو الإثم وهي منزلة فيمن حلف وحنث نفسه فيما يرى خيرا له وأما قول مالك فيمن حلف بماله في رتاج الكعبة فخلاف للجماعة وكأنه زاد من وجه ما لا يعزو عليه أو لا يصلح وقد زدنا هذه المسألة بيانا في آخر هذا الكتاب وذكر بن حبيب عن مالك أنه كان يقول في من جعل ماله في رتاج الكعبة فقول عائشة ثم رجع عنه إلا أنه لا شيء عليه وقوله الأول عليه الجمهور من السلف والخلف وليس قوله الذي رجع إليه بقياس ولا اتباع
204 حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبيد الله بن معاذ قال حدثنا أبي قال حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون)) (1) وحديث هذا الباب ناسخ لما رواه إسماعيل بن جعفر عن إسماعيل عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الأعرابي النحوي قال فيه أفلح - وأبيه - إن صدق إن (2) صحت هذه اللفظة لأن مالكا رواه عن عمه أبي سهيل بإسناده فقال فيه أفلح إن صدق ولم يقل وأبيه ومالك لا يقاس به مثل إسماعيل بن جعفر في حفظه وإتقانه وقد مضى في هذا الكتاب ما للعلماء من الاختلاف في كفارات الأيمان بغير الله فلا وجه لإعادة ذلك هنا وقد بسطنا القول في الأيمان ووجوهها وما للعلماء من التنازع فيها في مواضع في التمهيد منها حديث مالك عن سهيل بن أبي صالح ومنها حديث نافع هذا والحمد لله 991 - وذكر مالك في هذا الباب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ((لا ومقلب القلوب)) وهذا الحديث يستند وينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه من حديث بن عمر
205 وحديثه عبد الله بن عمر وحديث عائشة وحديث أم سلمة وحديث النواس بن سمعان وقد ذكرناها أو أكثرها بأسانيدها في التمهيد قال أبو عمر هذا يدل على صحة قول الفقهاء أن الحلف بصفات الله تعالى جائز تجب فيها الكفارة لأنها منه تعالى ذكره أخبرنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا علي بن معبد قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر قال كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها كثيرا ((لا ومقلب القلوب)) 992 - وأما حديث مالك عن عثمان بن حفص [بن عمر] بن خلدة عن شهاب أنه بلغه أن أبا لبابة بن عبد المنذر حين تاب الله عليه قال يا رسول الله أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأجاورك وأنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يجزيك من ذلك الثلث)) قال أبو عمر اختلف في قصة أبي لبابة هذه متى وقعت فقيل كان ذلك في حين أشار إلى بني قريظة ألا ينزل على حكم سعد بن معاذ وأومأ إلى حلقه أنه الذبح ثم ندم وأتى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فربط نفسه بسارية منه وأقسم ألا يحل حتى يقبل الله توبته وقيل بل كان ذلك من أبي لبابة حين تخلفه عن غزوة تبوك هو ونفر معه قيل خمسة وقيل ستة وقيل سبعة سواه وفيه نزلت * (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) * [التوبة 102] فالسيئ كان تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجهم إلى الجهاد والعمل الصالح اعترافهم بالذنب وتوبتهم منه وهذا عندي أصح فيما جاء عن حديثهم عنه من هجرته دار قومه التي أصاب فيها الذنب وهي المدينة دون دار بني قريظة وروى عبد الرزاق وأبو يوسف ومحمد بن ثور عن معمر عن الزهري قال كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية وقال
206 والله لا أحل نفسي منها حتى أموت ولا أذق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا على ه ثم تاب الله عليه فقيل له ذلك فقال لا أحل نفسي حتى يحلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال أبو لبابة يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله قال يجزيك الثلث يا أبا لبابة 993 - وذكر مالك عن أيوب بن موسى عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها سئلت عن رجل قال مالي في رتاج الكعبة فقالت عائشة يكفره ما يكفر اليمين قال مالك في الذي يقول مالي في سبيل الله ثم يحنث قال يجعل ثلث ماله في سبيل الله وذلك للذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أبي لبابة قال أبو عمر اختلف العلماء في الحالف بصدقة ماله على المساكين أو في سبيل الله أو في كسوة الكعبة أو نحو ذلك من أعمال البر فقال مالك ما تقدم ذكره أنه يجزئه أن يتصدق بثلث ماله إن حنث وقال في غير الموطأ من حلف بصدقة من ماله بعينه لزمته الصدقة به وإن كان أكثر من الثلث ولا يقضي به عليه إلا أن يكون لرجل بعينه يطالبه به في غير يمين على اختلاف في ذلك عنه واضطراب وقال أبو حنيفة وأصحابه هذا عندنا على أموال الزكاة يريدون الحرث والعين والماشية يخرج الحال فذلك كله إذا حنث في يمينه وقال إبراهيم النخعي هو في كل شيء من ماله وهو قول زفر قالا يحبس لنفسه من ماله قوت شهر ثم يتصدق بمثله إذا أراد وقال الأوزاعي فيمن قال حالفا في غضب علي (مائة بدنة) قال كفارة يمين وقال الليث بن سعد فيمن جعل ماله صدقة للمساكين أو في سبيل الله إن كان حلف بذلك فحنث فإنه يكفر كفارة يمين وإن كان إنما هو شيء جعله لله على نفسه على وجه الشكر والتقرب إلى الله تعالى فإن ما عليه أن يخرج ثلث ماله
207 وقد روى عنه بن وهب فيمن حلف بصدقة ماله في الرضا والغضب ثم يحنث قال يكفر كفارة يمين وهو قول عطاء وقال الشافعي إذا قال مالي في سبيل الله فعليه كفارة يمين وهو قول عطاء وطاوس والحسن وعكرمة وقال ربيعة يزكي ثلث ماله قال أبو عمر قد اختلف السلف من العلماء في هذه المسألة فروي عن عمر بن الخطاب وعائشة وبن عباس في من جعل ماله في المساكين أو في رتاج الكعبة أنه يكفر كفارة اليمين بالله عز وجل وقال بن عباس يكفر ماله وينفق ماله على عياله وقد روي عن القاسم وسالم فيمن حلف بصدقة ماله أو بصدقة شيء من ماله قال يتصدق به على بناته وهذا يشبه عندي قول من قال لا يلزمه شيء لأنه لم يرد به القربة إلى الله تعالى ولا أنه على سبيل النذر وهو قول الشعبي والحكم والحارث العكلي وحماد بن أبي سليمان وبن أبي ليلى وطائفة من المتأخرين ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن الشعبي والحارث العكلي والحكم عن رجل جعل ماله في المساكين صدقة في يمين حلف بها قالوا ليس بشيء وقد روي عن الشعبي أنه تلزمه الصدقة بماله كله مثل قول إبراهيم وقال شعبة سألت الحكم وحمادا عن الرجل يقول إن فارقت عزيمتي فمالي عليه في المساكين صدقة قالا ليس بشيء وقال بن أبي ليلى وعن بن عمر فيمن حلف بصدقة ماله أنه يلزمه إخراج ماله كله ذكر معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر في رجل جعل ماله في سبيل الله إن لم يفعل كذا ثم حلف قال ماله في سبيل الله وقد روي عن بن عمر خلاف ذلك
208 ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن إسماعيل بن أمية أن عثمان بن أبي حاضر قال حلفت امرأة من أهل ذي أصبح فقالت مالي في سبيل الله وجاريتي حرة إن لم يفعل كذا وكذا لشيء كرهه زوجها أن يفعله فسئل عن ذلك بن عمر وبن عباس فقالا أما الجارية فتعتق وأما قولها مالي في سبيل الله فلتتصدق بزكاة مالها قال أبو عمر بهذا قال ربيعة وحدثنا سعيد بن عثمان النحوي قال حدثنا أحمد دحيم قال حدثنا البغوي قال حدثنا داود بن [عمر] قال حدثنا مسلم بن خالد عن إسماعيل بن أمية عن رجل يقال له عثمان بن حاضر قال إسماعيل - وكان رجلا صالحا فاضلا - أن رجلا قال لامرأة أخرجي في ظهري فأبت أن تخرج فلم يزل الكلام بينهما حتى قالت جاريتها حرة وهي تنحر نفسها وكل مال لها في سبيل الله إن خرجت ثم بدا لها فخرجت قال بن حاضر فأتتني تسألني فأخذت بيدها فذهبت بها إلى بن عباس فقصصت عليه القصة فقال بن عباس أما جاريتك فهي حرة وأما قولك تنحري نفسك فانحري بدنة وتصدقي بها على المساكين وأما قولك مالك في سبيل الله فاجمعي مالك كله فأخرجي منه كل ما يجب فيه من الصدقة قال ثم ذهبت بها إلى بن عمر فقال لها مثل ذلك ثم ذهبت بها إلى بن الزبير فقال لها مثل ذلك قال وأحسب أنه قال ثم ذهبت بها إلى جابر بن عبد الله فقال مثل قولهم وأما الثلاثة فقد أثبتهم عن الزهري في هذه المسألة ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا معن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري قال من قال كل مالي في سبيل الله فحاد فهو جاني عليه وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال لم أسمع في هذا شاهدا أحسن مما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي لبابة ((يجزئك الثلث)) ولكعب بن مالك قال له ((أمسك لك بعض مالك)) وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن رجلا جعل ماله في رتاج الكعبة فقال
209 بن عمر ثم قلت قال فذهبت إلى عمر فقال أطعم عشرة مساكين فرجعت إلى بن عمر فقلت له ما قال أبوه فقال هذا علم وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أبان وسليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع أنه سمع بن عمر سألته امرأة فقالت إني حلفت فقلت هي يوما يهودية ويوما نصرانية ومالها في سبيل الله وأشباه هذا فقال بن عمر كفري يمينك وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سئل عطاء عن رجل حلف فقال علي ألف بدنة قال يمين وعن رجل قال علي ألف حجة قال يمين وعن رجل قال مالي هدي قال يمين وعن رجل قال مالي في المساكين قال يمين وعن معمر عن قتادة عن جابر بن زيد أنه سئل عن رجل جعل ماله هديا في سبيل الله فقال إن الله تعالى لم يرد أن يغتصب أجر ماله فإن كان كثير المال فليهد خمسه وإن كان وسطا فسبعة وإن كان قليلا فعشرة وقاله قتادة قال قتادة الكثير ألفان والوسط ألف والقليل خمسمائة وعن معمر عن بن طاوس عن أبيه فيمن قال ماله في رتاج الكعبة أو في سبيل الله قال هي يمين يكفرها قال معمر وقاله الحسن وعكرمة قال معمر أحب إلي إن كان موسرا أن يعتق رقبة وروى معمر عن قتادة في رجل قال علي عتق مائة رقبة قال يعتق رقبة واحدة وقال عثمان البتي يعتق مائة رقبة كما قال وعبد الرزاق عن بن التيمي عن أبيه عن بكر بن عبد الله المزني قال أخبرني أبو رافع قال قالت لي مولاتي ليلى ابنة العجماء كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية ونصرانية إن لم يطلق امرأته قال فأتينا زينب بنت أم سلمة وكان إذا ذكرت امرأة بفقه ذكرت زينب فذكرت ذلك لها فقالت خلي بين الرجل وبين امرأته وكفري يمينك قال فأتينا حفصة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - فقالت
210 يا أم المؤمنين - جعلني الله فداك - وذكرت لها يمينها فقالت كفري عن يمينك وخلي بين الرجل وامرأته قال وأتينا عبد الله بن عمر فقلنا يا أبا عبد الرحمن وذكرت له يمينها فقال كفري يمينك وخلي بين الرجل وامرأته وروى بن وهب عن يحيى بن أيوب عن حميد الطويل عن ثابت البناني وبكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع وكان أبو رافع عبدا لليلى بنت العجماء بنت عمة لعمر بن الخطاب أن سيدته قالت مالها هدي وكل شيء لها في رتاج الكعبة وهي محرمة بحجة وهي يوما يهودية ويوما نصرانية ويوما مجوسية إن لم تطلق امرأته فانطلقت إلى حفصة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - ثم إلى زينب بنت أبي سلمة ثم إلى عبد الله بن عمر وكلهم يقولون لها كفري عن يمينك وخلي بين الرجل وبين امرأته قال أبو عمر ليس في رواية بن وهب هذا الخبر كل مملوك لها حر وهو في رواية سليمان التيمي وأشعث الحمراني عن بكر المزني في هذا الحديث وفي رواية أشعث في هذا الحديث بن عباس وأبو هريرة وبن عمر وحفصة وعائشة وأم سلمة وإنما هي زينب بنت أم سلمة أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثنا سلمة بن شبيب قال سمعت الحميدي يقول إذا حلف الرجل في الغضب بعتق رقبة أو جميع ماله في المساكين هدية والمشي إلى بيت الله يجزئه كفارة يمين حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن عمر العربي قال حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري في الرجل يقول ماله في المساكين صدقة وكل شيء له في سبيل الله قال كفارة يمين وبهذا الإسناد قال بن وضاح أخبرنا محمد بن عمرو قال حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي في الرجل يقول ماله في المساكين صدقة ويحلف بذلك وكل شيء له في سبيل الله يحلف بذلك قال كفارة يمين وبه يقول محمد بن عمرو قال بن وضاح وحدثنا زهير بن عباد قال حدثنا هشيم بن بشير عن
211 مطرف عن الشعبي والحكم والحارث العكلي أنهم قالوا في رجل قال كل مال لك في المساكين صدقة فحنث قالوا ليس بشيء قال وحدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا علي بن زياد عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن فيمن حلف في كل ما يملكه في سبيل الله وفي المساكين فحنث قال يطعم عشرة مساكين قال سفيان وبه نأخذ قال بن وضاح وحدثنا أبو زيد بن أبي العمر في الرجل يحلف بماله في المساكين أو كل شيء له في سبيل الله قال أما أنا فأقول عليه كفارة يمين ويجزئه إن شاء الله قال بن وضاح وحدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح قال سألت عبد الله بن وهب عن الرجل يقول كل شيء له في سبيل الله إن فعلت كذا ثم يفعله قال يخرج ثلث ماله عند مالك قلت لابن وهب فإن أدى زكاة ماله أو أخرج كفارة يمينه أتراه مجزئا عنه لما فيه من الاختلاف فقال أرجو أن يجزئه إن شاء الله قال أبو الطاهر وسمعت بن وهب غير مرة يفتي به في هذا بعينه وكان ربما أفتى أن الحالف إن كان موسرا أخرج ثلث ماله وإن كان معسرا أخرج زكاة ماله وإن كان مقلا أخرج كفارة يمينه وكان يستحسن ذلك وفي سماع رومان عبد الملك بن الحسن من بن وهب أنه سئل عن الرجل يخلف بأشد ما أخذه أحد عن أحد ثم يحلف قال يجزئه كفارة يمين أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب فقال يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءه عن يمينه ثم جاءه عن يساره ثم من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذفه بها فلو أصابته لوجعته وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستلف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى
212 قال أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا بن إدريس عن بن إسحاق بإسناده ومعناه وزاد ((خذ عنا مالك لا حاجة لنا به)) (1) وقال حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال حدثنا سفيان عن بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد سمع أبا سعيد الخدري يقول دخل رجل المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يطرحوا ثيابا فطرحوا ثيابا فأمر له منها بثوبين ثم حث على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح النبي صلى الله عليه وسلم به وقال ((خذ ثوبك)) (2) وأما ما رواه عن عائشة فيمن قال مالي في رتاج الكعبة أنه يكفره ما يكفر اليمين فهو مذهب جمهور العلماء القائلين بكفارة اليمين في من حلف بصدقة ماله وهو قول الشافعي ومن ذكرنا معه على حسب ما تقدم في هذا الباب عنهم وأما الكوفيون فمنهم من يوجب عليه أن يتصدق بماله كله إذا قال مالي في رتاج الكعبة على حسب ما ذكرنا عنهم في هذا الباب فيمن حلف بصدقة ماله ومالك لا يراه شيئا لأنه لا يمكنه وضعه في رتاج الكعبة ولا يحتاج رتاج الكعبة إليه فكأنه عنده من معنى اللغو أو اللعب كما لو قال مالي في البحر وأصله الذي بنى عليه في الأيمان مذهبه أن كل يمين فيها بر وخير فهي عنده كالنذر تلزم حالفها الكفارة كما تلزمه الوفاء بها إن نذر وما لا بر فيه ولا طاعة فلا يفي به إن نذره ولم ير قول من قال مالي في رتاج الكعبة من البر والطاعة ولا هي عنده يمين فيكفرها ولا نذر طاعة فيفي به وهذا تحصيل مذهبه فقد روى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك قال مالي في رتاج الكعبة قال قالت عائشة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - ما يكفره اليمين وما هو عندي بالممكن إن هو كفر أن يكون ذلك مجزيا عنه وهو حقيق قال أبو عمر يعني المشهور من مذهب عائشة فيمن قال مالي في سبيل الله أنه يجزئه الثلث بلا نحر فما دونه وهو خلاف لما روى مالك وروى عنه سائر أصحابه فيمن قال مالي في رتاج الكعبة قال وقال مرة أخرى من قال مالي هدي إلى الكعبة فالثلث يجزئه قال أبو عمر الذي قالت عائشة - رضي الله عنها - عليه جمهور العلماء وبالله التوفيق تم كتاب النذور والأيمان والحمد لله رب العالمين
213 ((23 كتاب الضحايا)) بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما ((1 - باب ما ينهى عنه من الضحايا)) 994 - مالك عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال [((أربعا))] وكان البراء يشير بيده ويقول يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ((العرجاء البين ظلعها (1) والعوراء البين عورها (2) والمريضة [البين] مرضها والعجفاء (3) التي لا تنقي)) (4) هكذا روى مالك حديث البراء هذا عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز لم يختلف [الرواة] عن مالك في ذلك والحديث إنما رواه عمرو بن الحارث عن سليمان بن عبد الرحمن ولا يعرف هذا الحديث إلا لسليمان بن عبد الرحمن هذا لم يروه غيره عن عبيد بن فيروز ولا يعرف عبيد بن فيروز إلا بهذا الحديث وبرواية سليمان هذا عنه
214 ورواه عن سليمان جماعة منهم عمرو بن الحارث بن يعقوب المصري شيخ مالك هذا ومنهم الليث بن سعد وشعبة بن الحجاج ويزيد بن أبي حبيب وبن لهيعة وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في ((التمهيد)) [حدثني] عبد الوارث [بن سفيان قال] حدثني قاسم [بن أصبغ قال] حدثني [بن زهير] قال حدثني عفان وعاصم بن علي قالا حدثني شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن - مولى بني أسد - قال سمعت عبيد بن فيروز - مولى بني شيبان - قال سألت البراء ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأضاحي وما نهى عنه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ويدي أقصر من [يده] العوراء البين عورها والعرجاء البين ظلعها والمريضة البين مرضها والكسير التي لا تنقي)) قلت للبراء إني أكره أن يكون في السن نقص أو في الأذن نقص أو في القرن نقص قال [ما كرهته] فدعه ولا تحرمه على أحد قال أبو عمر أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم [خلافا] بين العلماء فيها ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها فإذا كانت العلة في ذلك قائمة آلا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز وكذلك ما كان مثل ذلك كله وفي [هذا] الحديث [دليل على] أن [المرض] الخفيف يجوز في الضحايا والعرج الخفيف الذي تلحق به الشاة [في] الغنم لقوله صلى الله عليه وسلم ((البين مرضها والبين ظلعها)) وكذلك النقطة في العين إذا كانت يسيرة لقوله [العوراء] البين عورها وكذلك المهزولة التي ليست بغاية في الهزال لقوله والعجفاء التي لا تنقي يريد بذلك التي لا شيء فيها من الشحم والنقي الشحم كذلك جاء في هذا الحديث لبعض رواته [وقد ذكرناه] في ((التمهيد)) ولا خلاف في ذلك أيضا ومعنى قول شعبة فيه والكسير التي لا تنقي يريد [الكسير] التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال قال مالك العرجاء التي لا تلحق الغنم فلا تجوز في الضحايا وقد زعم بعض العلماء أن ما عدا الأربعة العيوب المذكورة في هذا الحديث
215 تجوز في الضحايا والهدايا بدليل الخطاب في أن ما عدا المذكور بخلافه وهو لعمري وجه من وجوه القول لولا أنه قد جاء عن النبي - عليه السلام - في الأذن والعين ما يجب أن يكون مضموما إلى الأربعة المذكورة في حديث البراء [وكذلك] ما كان في معناها عند جمهور العلماء حدثني [سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان] قالا حدثنا قاسم [بن أصبغ] قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا إسرائيل قال حدثني عن أبي إسحاق عن شريح بن النعمان عن علي - رضي الله عنه - قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن (1) ولا نضحي بمقابلة (2) ولا مدابرة (3) ولا شرقاء (4) ولا خرقاء (5) (6) وبه عن أبي بكر قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان بن عيينة عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي - رضي الله عنه - قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن قال أبو عمر [المقابلة عند أهل الفقه وأهل اللغة ما قطع طرف أذنها والمدابرة ما قطع من جانبي الأذن والشرفاء المشقوقة الأذن والخرقاء المثقوبة الأذن و] لا خلاف علمته بين العلماء أن قطع الأذن كلها أو أكثرها عيب يتقى في الضحايا واختلفوا في الصكاء وهي التي خلقت بلا أذنين فذهب مالك والشافعي أنها إذا لم تكن لها أذن خلقة لم تجز وإن كانت صغيرة الأذنين جازت
216 وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف [عن أبي حنيفة] مثل ذلك وذكر محمد بن الحسن عنه وعن أصحابه أنها إذا لم يكن لها أذن خلقة أجزأت في الضحايا قال والعمياء خلقة لا تجوز في الضحايا وقال بن وهب عن مالك والليث المقطوعة الأذن أو جل الأذن لا تجوز والشق للميسم يجزئ وهو قول الشافعية وجماعة الفقهاء واختلفوا في جواز الأبتر في الضحية فروي عن بن عمر وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير [والحسن وإبراهيم أنه يجزئ في الضحية وذكر بن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد] أنه سمعه يقول يكره ذهاب الذنب والعور والعجف وذهاب الأذن أو نصفها قال بن وهب وكان الليث يكره الضحية بالأبتر قال أبو عمر قد روي في الأبتر حديث مرفوع من حديث شعبة عن جابر الجعفي عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري أنه قال اشتريت كبشا لأضحي به فأكل الذئب من ذنبه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((ضح به) (1) وحديث جابر الجعفي لا يحتج به وإن كان حافظا لسوء مذهبه فقد روى عنه الأئمة منهم الثوري وشعبة ويحتمل أن يكون أكل من ذنبه اليسير وإن كان كذلك فهو جائز عند العلماء وقد تكلمنا على هذا الحديث في ((التمهيد)) 995 - مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن (2) والتي نقص من خلقها قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر [جمهور العلماء روى حديث بن عمر هذا في ((الموطأ)) وغيره وقال بعضهم أنه كان يتقي من الضحايا التي لم تسن بكسر السين
217 وبعضهم يرويه التي لم تسن بفتح السين فمن روى بكسر السين يجعله من السنن ويقول إن المعروف من مذهب بن عمر أنه كان لا يضحي إلا بالثني من الضأن والمعز والإبل والبقر في الهدايا والضحايا والذي روي عنه لم تسن بفتح السين يقول معناه لم تعط أسنانا وهي الهتماء لا تجوز عند أكثر أهل العلم في الضحايا وكان أبو محمد بن قتيبة يقول ليس الصواب في حديث بن عمر هنا إلا قول من رواه لم تسنن بنونين أي لم تعط أسنانا قال وهذا كلام العرب لم يقولوا تسنن من لم تخرج أسنانه فكما يقولون لم يلبن إذا لم يعط لبنا ولم يستمن إي لم يعط سمنا ولم يعسل لم يعط عسلا وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي وقال غير بن قتيبة لم تسنن التي لم تبدل أسنانها وهذا نحو قول بن عمر في أنه لا يجوز إلا الثني فما فوقه إلا الجدع] وأما حديث بن عمر أنه كان يتقي في الضحايا والبدن التي تنقص من خلقها والتي لم [تسنن] [ففيه] دليل على أن كل ما نقص من الخلق في الشاة لا تجوز في الضحية عنده إلا أن العلماء مجمعون على أن الجماء جائز أن يضحى بها فدل إجماعهم هذا على أن النقص المكروه هو ما تتأذى به البهيمة وينقص من ثمنها ومن شحمها وأجمع الجمهور على أن لا بأس أن يضحي بالخصي [الأجم] إذا كان سمينا وهم مع ذلك يقولون أن الأقرن الفحل أفضل من الخصي الأجم إلا أن يكون الخصي الأجم (أسمن) فالأصل مع تمام الخلق السمن ذكر بن وهب قال أخبرني عبد الجبار بن عمر (عن ربيعة) أنه كان يكره كل نقص يكون في الضحبة أن يضحي به قال فأخبرني (عمرو) بن الحارث وبن لهيعة عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أنه كان يكره من الضحايا التي بها من العيب ما (ينتقص) من سمنها قال وسمعت مالكا يكره كل نقص (يكون) في الضحية إلا (القرون وحدهم) فإنه (كان) لا يرى بأسا أن يضحي بمكسورة القرن وتراه بمنزلة الشاة الجماء
218 قال أبو عمر جمهور العلماء على القول بجواز الضحية (المكسورة) القرن إذا كان لا يدمي فإن كان يدمي فقد كرهه مالك وكأنه جعله مرضا بينا وقد روى قتادة عن جرير بن كليب عن علي (بن أبي طالب - رضي الله عنه) - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الضحايا عن أعضب الأذن والقرن قال قتادة فقلت لسعيد بن المسيب ما عضب الأذن والقرنقال النصف أو أكثر قال أبو عمر لا يوجد ذكر القرن في غير هذا الحديث وبعض أصحاب أبي قتادة لا يذكر فيه القرن (ويقتصر) فيه على ذكر الأذن وحدها (بذكره) كذلك رواه هشام عن قتادة وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء في القرن وأما الأذن فكلهم يراعون فيه ما قدمنا ذكره وفي إجماعهم على إجازة الضحية بالجماء ما يبين لك أن حديث القرن لا يثبت ولا يصح (و) هو منسوخ لأنه معلوم أن ذهاب القرنين معا أكثر من ذهاب بعض أحدهما [وأما قول بن عمر يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن فإن بن قتيبة قال هي التي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا وهذا كما تقول لم تلبن أي لم تعط لبنا ولم تستمن أي لم تعط سمنا ولم تعسل أي لم تعط عسلا قال وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي وقال غيره التي لم تسن التي لم تنزل أسنانها وهذا يشبه مذهب بن عمر لأنه كان يقول في الضحايا والبدن الثني فما فوقها ولا يجوز عنده الجدع من الضأن فما فوقها ولا غيره وهذا خلاف الآثار المرفوعة وخلاف الجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم وبالله التوفيق قال أبو عمر] ورواية مالك عن نافع عن بن عمر في التي لم تسن والتي نقص من خلقها أصح من رواية من روي عنه جواز الأضحية بالأبتر والله أعلم وذكر بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب أنه قال لا تجوز في الضحايا المجذوعة ثلث الأذن ومن أسفل منها ولا تجوز المسلولة (الأسنان) ولا
219 الصرماء ولا جداء (الضرع) ولا العجفاء ولا الجرباء ولا المصرمة الأطماء وهي المقطوعة حلمة الثدي ولا العوراء ولا العرجاء قال أبو عمر قول بن شهاب في هذا الباب هو المعمول به والله الموفق للصواب ((2 - باب ما يستحب من الضحايا)) 996 - مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر ضحى مرة بالمدينة قال نافع فأمرني أن أشتري له كبشا فحيلا (1) أقرن (2) ثم أذبحه يوم الأضحى في مصلى الناس قال نافع ففعلت ثم حمل إلى عبد الله بن عمر فحلق رأسه حين ذبح الكبش وكان مريضا لم يشهد العيد مع الناس قال نافع وكان عبد الله بن عمر يقول ليس حلاق الرأس بواجب على من ضحى وقد فعله بن عمر قال أبو عمر أما [الكبش] الأقرن [الفحل] فهو أفضل الضحايا عند مالك وأكثر أهل العلم وقد ذكرنا اختلافهم في الأفضل من [الإبل] والبقر والغنم في الهدايا والضحايا عند قوله صلى الله عليه وسلم في كتاب الصلاة ((من راح في الساعة الأولى [فكأنما] قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن (3) بما أغنى عن إعادته ها هنا والدليل على أن الكبش أفضل ما يضحى به [حدثناه عبد الملك بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال حدثني أبو يعقوب الحنيني عن هشام بن ربيعة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال تجلى جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ((كيف رأيت نسكنا يا جبريل
220 فقال لقد تباهى به أهل السماء واعلم يا محمد أن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل ومن البقر ولو علم الله ذبحا خيرا منه لفدى به إبراهيم] وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد [قال قرة] قال حدثني يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين فرأيته ذبحهما بيده واضعا قدمه على صفاحهما (1) وسمى وكبر (2) وروي هذا المعنى من حديث جابر [وأبي هريرة] وأبي الدرداء [وفي حديث أبي الدرداء] وجابر خصيين موجوءين وفي حديث أبي هريرة أنه قال [حين] ذبحهما بسم الله والله أكبر حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين قال أنس وأنا أضحي بكبشين وأما تفسير الأملحين [فإن الأملح] ما حدثناه عبد الله [بن محمد قال] حدثني محمد [بن بكر قال] حدثني أبو داود قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني [حفص] عن جعفر [بن محمد] عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبش أقرن فحيل ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد (3) وأخبرنا عبد الله قال حدثني محمد [قال حدثنا] سليمان قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرنا حيوة [بن شريح] قال (أخبرنا) أبو صخر عن بن قسيط عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
221 أمر بكبش أقرن ينظر في سواد ويطأ في سواد ويبرك في سواد فضحى به فقال يا عائشة هلم المدية ثم قال اشحذيها [بحجر] ففعلت فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه وقال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به (1) وأما حلق بن عمر لرأسه فلم يذكر أنه من سنة الأضحى ويمكن أن يكون فعله لمرضه الذي كان يشكو أو قد أخبر أنه ليس بواجب على الناس ولا هو عند أحد من (أهل العلم) من سنة الأضحى فيما علمت والله أعلم ((3 - باب النهي عن [ذبح] الضحية قبل انصراف الإمام)) 997 - مالك عن [يحيى بن سعيد] عن بشير بن يسار أن أبا بردة بن نيار ذبح ضحيته قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعود بضحية أخرى قال أبو بردة لا أجد إلا جذعا (2) يا رسول الله قال ((وإن لم تجد إلا جذعا فذبح)) 998 - مالك عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح ضحيته [قبل أن يغدو يوم الأضحى وأنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعود بضحية أخرى قال أبو عمر أما حديث يحيى بن سعيد هذا عن عباد بن تميم فظاهره - في رواية مالك - الانقطاع وكذلك قال يحيى بن معين هو مرسل
222 ذكر ذلك عنه أحمد بن زهير وليس هو عندي كذلك لأن حماد بن سلمة روى عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح] قبل أن يصلي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد ورواه الدراوردي عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر أخبره أنه ذبح قبل الصلاة وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعيد أضحيته فرفع الدراوردي الإشكال في ذلك وبين في روايته أن الحديث متصل مسند وأما لفظ حديث مالك ذبح أضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى [فلا خلاف بين العلماء أن من ذبح ضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى] [بعد الصلاة فقد] فعل ما لا يجب وأنه لا ضحية له وأن عليه إعادة ما أفسد من ضحيته تلك إذا ذبحها قبل وقتها وإنما اختلفوا فيمن ذبح بعد الصلاة [وقبل أن يذبح] الإمام على ما تراه فيما بعد من هذا الباب إن شاء الله وأما حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار في أول هذا الباب ورواه رواة الموطأ وورد كما رواه يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة ذبح ضحيته قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار أنه ذبح وذكر الحديث وقصة أبي بردة [بن نيار] في ذلك محفوظة من حديث البراء [بن عازب] رواها الشعبي عن البراء ورواها عن الشعبي جماعة منهم منصور بن المعتمر وداود بن أبي هند ومطرف بن طريف وزبيد اليامي وعاصم الأحول وسيار كلهم يرونه عن الشعبي عن البراء ومن رواه عن الشعبي عن جابر فقد أخطأ وفي حديث البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بردة بن نيار تلك شاة لحم قال فإن عندي عناقا جذعة خير من شاة لحم فهل تجزئ [عني] قال نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده وطرقه في ((التمهيد)) وفي حديث مالك في الفقه أن الذبح لا يجوز قبل ذبح الإمام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي ذبح قبله بالإعادة وقد أمر الله - عز وجل - عباده بالتأسي بنبيه صلى الله عليه وسلم وحذرهم من مخالفته
223 وقد أجمع العلماء على أن الأضحى مؤقت بوقت إلا أنهم اختلفوا في تعيين ذلك الوقت على ما نورده عنهم في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله وأجمعوا على أن الذبح لأهل الحضر لا يجوز قبل الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم ((ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم)) وأما الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام فموضع اختلف فيه العلماء واختلفت فيه الآثار أيضا فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي إلى أنه لا يجوز لأحد أن يذبح أضحيته قبل ذبح الإمام وحجتهم حديث مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بردة بن نيار أن يعود بضحية أخرى وكان ذبح قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي عليه السلام صلى [يوم النحر] بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمر من كان نحر قبله أن يعيد بذبح آخر ولا ينحر حتى ينحر النبي عليه السلام وقال معمر عن الحسن في قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * [الحجرات 1] [نزلت] في قوم ذبحوا قبل أن ينحر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبل أن يصلي فأمرهم أن يعيدوا وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث [بن سعد] لا يجوز ذبح الأضحية قبل الصلاة ويجوز بعدها قبل أن يذبح الإمام [لأن الإمام] وغيره فيما يحل من الذبح ويحرم سواء فإذا أحل الإمام الذبح حل لغيره ولا معنى لانتظاره وحجتهم حديث الشعبي عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من نسك قبل الصلاة فإنما هي شاة [لحم])) (1) وقال داود بن أبي هند وعاصم عن الشعبي عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من ذبح قبل الصلاة فليعد
224 ومن حديث أنس وجندب البجلي عن النبي عليه السلام - [مثله وذكر الطحاوي حديث بن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم] أنه أمر من نحر قبله أن يعيد ضحيته وقال لا حجة فيه لأنه قد خالفه حماد بن سلمة فرواه عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا ذبح [أضحيته قبل أن يصلي] فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذبح أحد قبل الصلاة قال أبو عمر معروف عند العلماء أن بن جريج أثبت في أبي الزبير من حماد بن سلمة وأعلم به وليس في حديث حماد [بن سلمة] ولا في الأحاديث عن البراء ولا عن أنس ولا عن جندب إلا النهي عن الذبح قبل الصلاة وهذا موضع لا خلاف فيه ولا حجة لمن نزع به في أن الذبح [بعد الصلاة] وقبل ذبح الإمام جائز [لأنه ليس في نهيه عليه السلام عن الذبح قبل الصلاة دليل على أن الذبح بعد الصلاة قبل الإمام جائز] هذا لو لم يكن نص فكيف و [هذا] النص الثابت من حديث جابر ومرسل بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من ذبح قبل أن يذبح بالإعادة حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني الميمون بن حمزة قال حدثني الطحاوي قال حدثني المزني قال حدثني الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن داود بن أ بي هند [عن الشعبي] عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم النحر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لا يذبحن أحد حتى نصلي قال فقام خالي فقال يا رسول الله هذا يوم اللحم فيه معدوم وإني ذبحت نسيكتي وأطعمت أهلي وجيراني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ((متى فعلت قال قبل الصلاة)) قال ((فأعد ذبحا آخر)) فقال عندي عناق [لبن] [هي] خير من شاتي لحم فقال هي خير من نسيكتيك ولن تجزئ عن أحد بعدك (1) [قال عبد الوهاب أظن أنها ماعز قال الشافعي هي ما نحروا إنما يقال للضأنية رخل
225 قال الشافعي وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث خير نسيكتيك وإن كانت الواحدة هي النسك والأول شاة لحم لأنه ذبحها يتولى بها النسك فلم تجز عنه الأولى وإن كانت أراد بها النسك وجزت عنه الآخرة لأنه ذبحها في وقت النسك فكانت خيرها لأنها جزت قال وقوله ولن تجزئ عن أحد بعدك] - يعني العناق - وكانت له خاصة ولا تجزئ الجذع لغيره إلا من الضأن خاصة دون [سائر] الأنعام [قال أبو عمر لا خلاف علمته بين العلماء أن الجذع من المعز لا يجزئ هدية ولا ضحية والذي يجزئ في الضحية والهدي الجذع من الضأن فما فوقه والثني مما سواه فما فوقه من الأزواج الثمانية والجذع من الضأن بن سبعة أشهر قيل إذا دخل فيها وقيل إذا أكملها وعلامته أن يرقد صوف ظهره قبل قيامه فإذا كان ذلك قالت الأعراب فذا جذع وثني المعز إذا تمت له سنة ودخل في الثانية وثني البقر إذا أكمل له سنتان ودخل في الثالثة والثني من الإبل إنما كمل له خمس سنين ودخل في السادسة] قال أبو عمر أجمعوا أن من ذبح قبل الصلاة وكان ساكنا بمصر من الأمصار أنه لا يجزئه ذبحه كذلك واختلفوا في وقت ذبح أهل البادية للضحية فقال مالك يذبح أهل (البادية) إذا نحر أقرب أئمة أهل القرى إليهم فينحرون بعده فإن لم يفعلوا وأخطؤوا [ونحروا] قبله أجزأهم وقال الشافعي وقت الذبح وقت صلاة النبي عليه السلام من حين حلت الصلاة وقدر خطتين وأما صلاة من بعده فليس فيها وقت وبه قال أحمد بن حنبل والطبري وقال أبو حنيفة وأصحابه من ذبح من أهل السواد [قبل] طلوع الفجر أجزأه لأنه ليس عليهم صلاة العيد وهو قول الثوري وإسحاق [بن راهويه] وقال عطاء يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس
226 وأما قوله في حديث مالك فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعود بضحية أخرى فقد احتج به من رأى أن الضحية واجبة فرضا قالوا لأن ما لم يكن واجبا لم يؤمر فيه بإعادة وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فقال مالك على الناس كلهم ضحية المسافر والمقيم إذا قدر عليها ومن تركها من غير عذر فبئس ما صنع وقال أبو عمر تحصل [مذهبه] إنها من السنن التي يؤمر الناس بها ويندبون إليها ولا يرخص في تركها إلا للحاج بمنى ويضحي عنده عن اليتيم والمولود وكل واحد لها وقال الشافعي هي سنة وتطوع ولا تجب لأحد قوي عليها تركها وليست بواجبة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي)) (1) الحديث قال الشافعي هي سنة على جميع المسلمين وعلى الحاج بمنى وغيرهم وبه قال أبو ثور وقال الثوري ليست الضحية بواجبة وكان ربيعة والليث (بن سعد) يقولان لا نرى أن يترك المسلم الموسر المالك لأمره الضحية وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود أنهم كانوا لا يوجبونها وهو قول أحمد بن حنبل وروي عن الشعبي الصدقة أفضل [من الأضحية وروي ذلك عن مالك
227 وهذا تحصيل مذهبه وقال أبو ثور الضحية أفضل من الصدقة لأن الضحية سنة وكيدة لصلاة العيد ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من النوافل وكذلك [صلوات] السنن أفضل من التطوع قال أبو عمر في فضل الضحية آثار وقد ذكرتها [في ((التمهيد))] وقال أبو حنيفة الضحية واجبة وقال أبو يوسف ليست بواجبة وقال محمد بن الحسن الأضحى واجب على كل مقيم في الأمصار إذا كان موسرا هكذا ذكره الطحاوي عنهم في كتاب ((الخلاف)) وذكر عنهم في ((مختصره)) قال قال أبو حنيفة والأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار وغيرهم ولا تجب على المسافرين و [قال] يجب على الرجل من الأضحية عن ولده الصغير مثل الذي يجب عليه عن نفسه قال وخالفه أبو يوسف ومحمد فقالا ليست الأضحية بواجبة ولكنها سنة غير مرخص فيها لمن وجد السبيل إليها قال وبه نأخذ وقال إبراهيم النخعي الأضحى واجب على أهل الأمصار ما خلا الحاج قال أبو عمر حجة من ذهب إلى إيجابها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بردة بن نيار بأن يعيد ضحيته إذ ذبحها قبل الصلاة وقوله في العناق لا يجزئ عن أحد بعدك ومثل هذا إنما يقال في الفرائض الواجبة لا في التطوع وقال الطحاوي [فإن قيل فإنه أوجبها] ثم أتلفها فمن هناك أوجب عليه إعادتها لأنها واجبة في الأصل قيل له لو أراد هذا صلى الله عليه وسلم لتعرف قيمة المتلفة ليأمره بمثلها فلما لم يعتبر ذلك دل على أنه لم يقصد إلى ما ذكرت وبما احتج [ومما لم يأمره بمثلها فلما لم يغير ذلك دل على أنه لم يقصد على ما ذكرت
228 ومما احتج] به أيضا من أوجبها حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يجعله من قول أبي هريرة على ما بينا في [كتاب] ((التمهيد)) قال من كان له سعة ولم يضح فلا يشهد مصلانا قال أبو عمر ليس في اللفظ تصريح (بإيجابها) لو كان مرفوعا فكيف والأكثر يجعلونه من قول أبي هريرة وقد عارضه حديث أم سلمة عن النبي عليه السلام أنه قال ((إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا [يأخذ] من شعره و [لا من] أظفاره)) (1) [ولا شيء] يقال في الواجب من أراد فعله حدثني عبد الوارث [بن سفيان] قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني يحيى بن أيوب قال حدثني عبيد الله بن معاذ قال حدثني معاذ بن معاذ العنبري قال حدثني محمد بن عمرو قال حدثني عمر بن مسلم بن عمار بن كيمة الليثي قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت أم سلمة تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا قال [أحمد بن] زهير [سمعت يحيى بن معين يقول محمد بن عمرو ثقة قال وفي كتاب علي بن المديني قال سمعت يحيى بن سعيد يقول محمد بن عمرو أعلى من سهيل بن أبي صالح وقد كان سعيد بن المسيب يفتي بأنه لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة وهذا منه ترك للعمل من حديثه عن أم سلمة عن النبي عليه السلام في ذلك [إلا أنه] يحتمل أن يكون أفتى بذلك [من لم يرد أن يضحي حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي] قال حدثني معن بن عيسى قال حدثني مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا بالإطلاء في العشر وقد روى مالك حديث أم سلمة عن عمرو بن مسلم بن أكيمة كما رواه محمد بن عمرو بإسناده عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
229 وحدث به شعبة ثم تركه وأبى أن يحدث به وقد زدنا هذا المعنى بيانا في ((التمهيد)) ومما يدل على أن سعيد بن المسيب كان يقول بحديثه هذا عن أم سلمة عن النبي عليه السلام ما ذكره أبو بكر [بن أبي شيبة] قال حدثني وكيع عن شعبة وهشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عليك وهذا أخذ منه بحديثه عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي الحديث ويدل على أن حديث مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب لم يفت به إلا من لم يرد أن يضحي والله أعلم وقد روى الشعبي عن أبي سريحة الغفاري واسمه حذيفة بن أسيد قال رأيت أبا بكر وعمر وما يضحيان وقال عكرمة بعثني بن عباس بدرهمين أشتري له بهما لحما وقال من لقيت فقل هذه أضحية بن عباس وهذا نحو فعل بلال فيما نقل عنه أنه ضحى بديك ومعلوم أن بن عباس إنما قصد بقوله أن الضحية ليست بواجبه وأن اللحم الذي ابتاعه بدرهمين أغناه عن الأضحى إعلاما منه بأن الضحية غير واجبة ولا لازمة وكذلك معنى الخبر عن بلال لو صح وبالله التوفيق وقال أبو مسعود الأنصاري إني لأدع الأضحى وأنا موسر مخافة أن يرى جيراني أنها حتم علي قال أبو عمر ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم طول عمره ولم يأت عنه أنه [ترك الأضحى] وندب إليها فلا ينبغي لمؤمن موسر تركها وبالله التوفيق حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن محمد بن عثمان بن أبي التمام قال حدثني كثير بن معمر الجوهري قال حدثني محمد بن علي بن داود البغدادي قال حدثني سعيد بن داود بن أبي زنبر قال حدثني مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما من نفقة بعد صلة الرحم أعظم عند الله من إهراق الدماء
230 وروي نحو ذلك بمعناه عن بن عمر مرفوعا عن طاوس قال ما أنفق الناس من نفقة أعظم أجرا من دم [مهراق] يوم النحر وروي أن للمضحي بكل شعرة من صوفها حسنة وروي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فضيلة قد ذكرتها في ((التمهيد))) 1 (4 - باب ادخار (لحوم الأضاحي))) 999 - مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام ثم قال (بعد) كلوا وتصدقوا ((وتزودوا وادخروا)) 1000 - مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن واقد أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت صدق سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول دف (1) ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي)) قالت فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم ويجملون (2) منها الودك (3) ويتخذون منها الأسقية (4) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((وما ذلك)) أو كما قال قالوا نهيت عن لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم فكلوا وتصدقوا وادخروا
231 يعني بالدافة قوما مساكين قدموا المدينة 1001 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قدم من سفر فقدم إليه أهله لحما فقال انظروا أن يكون هذا من لحوم الأضحى فقالوا هو منها فقال أبو سعيد ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فقالوا إنه قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدك أمر فخرج أبو سعيد فسأل عن ذلك فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((نهيتكم عن لحوم الأضحى بعد ثلاث فكلوا وتصدقوا وادخروا ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا وكل مسكر حرام ونهيتكم عن زيارة القبور فزورها ولا تقولوا هجرا)) يعني لا تقولوا سواء قال أبو عمر أما حديث أبي الزبير في أول هذا [الباب] فليس فيه أكثر من بيان الناسخ والمنسوخ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمر لا خلاف بين علماء المسلمين فيه في القرآن والسنة وقد تكلمنا على أهل الزيغ والإلحاد المنكرين لذلك في ((التمهيد)) وأما حديثه عن عبد الله بن أبي بكر ففيه بيان أن النهي عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث لم يكن عبادة فنسخت وإنما كان لعلة الدافة ومعنى الدافة قوم قدموا المدينة في ذلك الوقت مساكين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحسن إليهم أهل المدينة وأن يتصدقوا عليهم وقد ذكرنا الآثار والشواهد (بهذا المعنى) في ((التمهيد)) وفي حديث ((الموطأ)) كفاية فيما وصفنا قال الخليل الدافة قوم يدفون أي يسيرون سيرا لينا وأما قوله ويجملون منها الودك فمعناه يذيبون منها الشحم وهو الودك يقال منه [جملت الشحم] وأجملته واجتملته إذا أذبته والاجتمال أيضا الإدهان بالجميل وهي الإهالة وأما حديث ربيعة عن أبي سعيد الخدري منقطع لأن ربيعة لم يلق أبا
232 سعيد وهو يستند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق قد ذكرنا منها كثيرا في ((التمهيد)) وقد رواه القاسم بن محمد عن أبي سعيد الخدري ومعلوم [أن] ملازمة ربيعة [القاسم حتى] كان يغلب على مجلسه وحديث [القاسم] رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر [قال حدثني] سفيان عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن أبا سعيد الخدري قدم من سفر ووجد عند أهله شيئا من [لحم الأضحية] [فقال ما هذا] فقالوا له أنه حدث بعدك فيه أمر [فخرج فلقي أخا له من أمه يقال له قتادة بن النعمان قد شمر برداء فقال له إنه قد حدث بعدك أمر] يقول إنه قد أذن في أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وهذا أصح من رواية من روى في هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [والصحيح - والله أعلم - أنه روى النسخ في هذا الحديث عن أخيه لأمه قتادة بن نعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم] وقد رواه عن النبي عليه السلام علي [بن أبي طالب] وبريدة [الأسلمي] وجابر [وأنس وغيرهم] وقد [ذكرنا] أحاديثهم في ((التمهيد)) وفيه من الفقه إشفاق العالم على دينه وتعليمه أهله ما يظن أنه يحملونه منه وترك الإقدام على ما حاك في صدره وفيه أن النهي عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث [منسوخ] بإباحة ذلك وهذا لا خلاف فيه بين علماء المسلمين وأما قوله فكلوا وتصدقوا وادخروا فكلام خرج بلفظ الأمر ومعناه الإباحة لأنه أمر ورد بعد نهي وهكذا شأن كل أمر يرد بعد حصر أنه إباحة لا إيجاب مثل قوله * (وإذا حللتم فاصطادوا) * [المائدة 2] * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) * [الجمعة 10] وكان بعض [أهل العلم] يستحب أن يأكل الإنسان من ضحيته ثلثها ويتصدق
233 بثلثها ويدخر ثلثها لقوله صلى الله عليه وسلم ((كلوا وتصدقوا وادخروا)) وكان ممن ذهب إلى هذا الاستحباب الشافعي - رحمه الله وكان غيره يستحب أن يأكل نصفا ويطعم نصفا لقول الله تعالى في الهدايا * (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) * [الحج 36] وكان مالك - رحمه الله - لا يجد في ذلك شيئا ويقول يأكل ويتصدق والدليل على أن هذا استحباب لا إيجاب حديث ثوبان [قال] ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته ثم قال يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية قال فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة (1) وفي حديث ثوبان هذا ادخار لحم الضحية وأكله وفيه الضحية في السفر وقد ذكرناه بإسناده في ((التمهيد)) وأما قوله ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا وكل مسكر حرام فإنه أراد الانتباذ في الأوعية المنهي عنها وهي النقير والمزفت والدباء والحنتم [والجر] وهو كل شيء يصنع من طين لأن هذه الأوعية إذا تكرر فيها الانتباذ أسرعت إلى ما ينبذ فيه الشدة وقد تواترت الآثار بالنهي عن الانتباذ في [هذه] الأوعية عن النبي عليه السلام من طرق صحاح وإنما كان النبي عليه السلام وأصحابه وسائر السلف الصالح ينتبذون في أسقية الأدم خاصة لأنها لا تسرع الشدة إلى ما ينتبذ فيها وقد كان عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر لا يجوزان الانتباذ في شيء من الأوعية غير الأسقية وذلك أنهما رويا النهي عنها ولم يرويا النسخ - والله أعلم - فيهما على ما علما وإلى هذا ذهب سفيان الثوري فلم يجز الانتباذ في الدبا والحنتم والنقير والمزفت وكان الشافعي يكره الانتباذ في هذه الأوعية المذكورة في الأحاديث المأثورة وقال بن القاسم كره مالك الانتباذ في الدبا والمزفت ولم يكره غير ذلك قال أبو عمر أظن هؤلاء الأئمة إنما كرهوا الانتباذ في الأوعية المسماة في
234 الأحاديث لأنهم علموا أن النهي عنها لعلة ما تولده من إسراع الشدة في الأنبذة مع علمهم أن كل مسكر حرام فخافوا مواقعة الحرام على الأمة وعلموا أن النسخ إنما هو لمن يحفظ فاحتاطوا وبنوا على أصل النهي ولم يقبلوا رخصة النسخ والله أعلم حدثني محمد [قال حدثني] علي [بن عمر] قال حدثني عمر قال حدثني الحسن [بن إسماعيل] بن أحمد بن عتاب قال حدثني الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان قال حدثني هشام بن عمار قال حماد بن عبد الرحمن الطيالسي قال حدثني حماد بن خوار الضبي عن عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة تصيب أغصانها وجهه وقال (([إلا] إنا كنا نهيناكم عن ثلاث عن زيارة القبور فزوروها فإنها عبرة ونهيناكم عن لحمان الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاث فأصلحوها وكلوها ونهيناكم عن الأنبذة إلا في أسقية الأدم التي يؤكل عليها [فانتبذوا فيما] شئتم وكل مسكر حرام)) (1) [وأما] أبو حنيفة وأصحابه فقالوا لا بأس بالانتباذ في جميع الأوعية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النهي ((كنت نهيتكم فانتبذوا فيما شئتم أو فيما بدا لكم)) وقد ذكرنا الآثار بالنسخ من طرق متواترة في ((التمهيد)) وأما قوله في الحديث وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن العلماء اختلفوا في ذلك على وجهين فقال بعضهم كان النهي عن زيارة القبور عاما للرجال والنساء ثم ورد النسخ كذلك بالإباحة عاما أيضا فدخل في ذلك الرجال والنساء [واحتجوا بأن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن وكانت فاطمة تزور قبر حمزة
235 وقد ذكرنا الآثار عنهما بذلك في ((التمهيد))] وقال آخرون إنما ورد النسخ في زيارة القبور [للنساء لا للرجال] لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور ونحن على يقين من تحريم زيارة النساء للقبور [بذلك] ولسنا على يقين من الإباحة لهن لأنه ممكن أن تكون الزيارة أبيحت للرجال دونهن للقصد في ذلك باللعن إليهن وذكروا من الحجة على ما ذهبوا إليه في ذلك حديث شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن بن عباس قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج (1) قال أبو عمر أبو صالح هذا هو باذام ويقال باذان بالنون وهو مولى أم هانئ وحديث أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة [عن أبيه] عن أبي هريرة قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور وقد ذكرنا أسانيدها في ((التمهيد))) 1 (5 - الشركة في الضحايا وعن كم تذبح البقرة والبدنة)) 1002 - مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أنه قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة يحيى 1003 - مالك عن عمارة بن يسار أن عطاء بن يسار أخبره أن أبا أيوب الأنصاري أخبره قال كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة [قال مالك] أحسن ما سمعت في البدنة والبقرة والشاة (الواحدة) أن الرجل ينحر
236 عنه وعن أهل بيته البدنة ويذبح البقرة والشاة الواحدة هو يملكها ويذبحها عنهم ويشركهم فيها فأما أن يشتري (النفر البدنة أو) البقرة أو الشاة ويشتركون فيها في النسك والضحايا فيخرج كل إنسان منهم حصة من ثمنها ويكون له حصة من لحمها فإن ذلك يكره وإنما سمعنا الحديث أنه لا يشترك في النسك وإنما يكون عن أهل البيت الواحد 1004 - مالك عن بن شهاب أنه قال ما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم [عنه و] عن أهل بيته إلا بدنة واحدة أو بقرة واحدة قال مالك لا أدري أيتهما قال بن شهاب قال أبو عمر أما حديث مالك عن أبي الزبير عن جابر في عام الحديبية أنهم نحروا البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صده المشركون يومئذ عن البيت حين صالحوه فلما تم الصلح نحر من كان معه هدي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ساق معه الهدي وهدي المحصر بعد وعند مالك ليس بواجب وإنما هو تطوع لأنه ليس على المحصر بعد [وغيره] هدي وأوجبه أشهب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما ولما لم يكن الهدي واجبا عند مالك عام الحديبية إذ نحروا البدنة والبقرة عن سبعة لم ير الاشتراك في الهدي الواجب ولا في الضحية واختلف قوله في الاشتراك في هدي التطوع وقال مالك تفسير حديث جابر في التطوع ولا يشترك في الهدي الواجب قال وأما في العمرة متطوعا فلا بأس بذلك - يعني لا باس بالاشتراك في هديها ذكر ذلك بن عبد الحكم
237 وكذلك ذكر بن المواز وقال بن المواز لا يشترك في هدي واجب ولا تطوع ثم قال وأرجو أن يكون خفيفا في التطوع وروى بن القاسم عن مالك أنه لا يشترك في هدي واجب ولا في هدي تطوع ولا في نذر ولا في جزاء صيد ولا فدية وهو قول بن القاسم قال وقال مالك جائز أن يذبح الرجل البدنة أو البقرة عن نفسه وعن أهل بيته وإن كانوا أكثر من سبعة يشركهم فيها ولا يجوز [عنده] أن يشتروها بينهم بالشركة فيذبحوها إنما تجزئ إذا تطوع بها عن أهل بيته ولا تجزئ عن الأجنبيين وقول الليث في ذلك نحو قول مالك قال لا تذبح البدنة ولا البقرة [إلا] عن واحد إلا أن يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته قال أبو عمر حجة من ذهب مذهب مالك والليث في هذا حديث مالك عن بن شهاب [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذبح عن أهل بيته إلا بقرة واحدة وقد رواه غير مالك عن بن شهاب] عن عروة وعمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [نحر عن نسائه بقرة واحدة ولا يصح من جهة النقل وروي من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله ذكر أبو عيسى الترمذي قال حدثني إسحاق بن منصور قال حدثني هشام بن عمار قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن (1) قال أبو عيسى سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال إن الوليد بن مسلم لم يقل فيه حدثنا الأوزاعي وأراد أخذه عن يوسف بن السفر ويوسف بن السفر ذاهب الحديث وضعف محمد هذا الحديث ومن حجة من ذهب مذهب مالك أيضا في ذلك قول أبي أيوب الأنصاري كنا نضحي بالشاة الواحدة
238 وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرك عليا عام حجة الوداع في هديه وكان مفردا عندهم فكان هديه تطوعا واحتج بن خواز بنداذ بالإجماع على أنه لا يجوز أن يشترك في الكبش الواحد النفر قال فكذلك الإبل والبقر قال أبو عمر [ما زاد على أن جمع بين ما فرقت السنة وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة مضحين ومهدين قد وجب عليهم الدم من متعة أو فراق أو حصر بمرض أو عدو ولا تجزئ البدنة والبقرة عن أكثر من سبعة ولا تجزئ الشاة إلا عن واحد وهي أقل ما استيسر من الهدي وبهذا كله قال أحمد وأبو ثور وإسحاق وداود والطبري وقال زفر لا تجزئ حتى تكون الجهة الموجبة للدم عليهم كلهم أما جزاء صيد لله أو تطوع لله فإن اختلف لم تجزئ وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل ثمانية نفر ضحوا أو أهدوا بدنة أو بقرة قال لا يجزئهم ولا يجزئ عن أكثر من سبعة قال جابر أن يشترك النفر السبعة في الهدي والضحية يشترونها فيذبحونها عنهم إذا كانت بقرة أو بدنة] قال أبو عمر حجة هؤلاء كلهم حديث جابر وما كان مثله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وضعفوا حديث المسور [بن مخرمة] ومروان بن الحكم الذي فيه ما يدل على أن البدنة نحرت يوم الحديبية عن عشرة أو أكثر من سبعة وقالوا هو مرسل خالفه ما هو أثبت وأصح منه والمسور لن يشهد الحديبية ومروان لم ير النبي عليه السلام وقال بهذا القول أكثر الصحابة - [رضوان الله عنهم] وأما حديث جابر فرواه [عنهم] جماعة منهم أبو الزبير وعطاء بن أبي رباح والشعبي رواه بن جريج وقيس بن سعد وعبد الملك بن أبي سليمان كلهم عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة [- يعني يوم الحديبية
239 وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الواحد قال حدثني مجالد قال حدثني الشعبي عن جابر قال سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة وروى يحيى القطان عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سمعه يقول اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج كل سبعة في بدنة حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثني المعلي بن أسد قال حدثني عبد الواحد بن زياد قال حدثني مجالد بن سعيد قال حدثني الشعبي قال سألت بن عمر قلت الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة فقال يا شعبي أولها سبعة أنفس فقال قلت إن أصحاب محمد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الحزور والبقرة عن سبعة فقال بن عمر لرجل أكذلك يا فلان قال نعم قال ما سمعت فهذا] وذكرنا في ((التمهيد)) من حديث قتادة عن أنس في حديث الحديبية ونحر الهدي قال قتادة كانت معهم - يومئذ - سبعون بدنة بين كل سبعة بدنة وهذا يدل على أنهم كانوا أربعمائة وتسعين [قال أبو عمر] قد روي من حديث رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن عشرة ومن حديث بن عباس والمسور بن مخرمة وروى الزهري عن عروة عن مروان والمسور أنهم كانوا يوم الحديبية بضع عشرة مائة وروى محمد بن إسحاق أنهم كانوا سبعمائة فنحر عنهم سبعين بدنة وروي عن جابر أنهم كانوا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وكذلك [قال] معقل بن يسار وعبد الله بن أبي أوفى وكانا ممن شهدا الحديبية وقد روى سعيد بن المسيب عن جابر أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في صدر كتاب الصحابة [قال أبو عمر] وهذه الأعداد مجملة محتملة للتأويل لأنه ممكن أن تكون فيهم جماعة ساقوا عن أنفسهم الهدي فلم يدخلوا فيمن أريد بالنحر في الحديبية
240 لأن الحديث إنما قصد فيه إلى من أشرك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدنة أو بقرة وحديث نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية [البدنة] عن سبعة واضح لا مدخل فيه للتأويل وحسبك بقول جابر سن رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وقال [أبو جعفر] الطبري أجمعت الأمة على أن البدنة والبقرة لا تجزئ عن أكثر من سبعة قال وفي ذلك دليل على أن حديث بن عباس وما كان مثله خطأ [ووهم] أو منسوخ وقال [أبو جعفر] الطحاوي قد اتفقوا على جوازها عن سبعة واختلفوا فيما زاد فلا تثبت الزيادة إلا بتوقيف لا معارض له [أو اتفاق] قال أبو عمر أي اتفاق يكون على جوازها عن سبعة ومالك والليث يقولان لا تجزئ البدنة إلا عن [سبعة] إلا أن يذبحها الرجل على أهل بيته فتجوز عن سبعة حينئذ وعن أقل وعن أكثر وسلفهما في ذلك أبو أيوب الأنصاري [وأبو هريرة وغيرهما فأما حديث أبي أيوب ففي ((الموطأ))] وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري [عن رجل] عن أبي هريرة قال لا بأس أن يضحي الرجل بالشاة عن أهل بيته [قال وأخبرنا الثوري عن خالد عن عكرمة أن أبا هريرة كان يذبح الشاة فيقول أهله وعنا فيقول وعنكم] قال وأخبرنا الأسلمي عن أبي جابر البياض عن بن المسيب عن عقبة بن عامر قال قسم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما فصار لي منها جذع فضحيت به عني وعن أهل بيتي ثم سألت النبي عليه السلام فقال ((قد جزى عنكم
241 قال أبو عمر أبو جابر البياضي متروك الحديث قال وأخبرنا الأسلمي عن يونس بن سيف عن بن المسيب قال ما كنا نعرف إلا ذاك حتى خالطنا أهل العراق فضحوا عن كل واحد بشاة وكان أهل البيت يضحون بالشاة قال أبو عمر تطوع الرجل عن أهل بيته كتطوع النبي عليه السلام إذ قال في ضحيته هذا عني وعن من لم يضح من أمتي)) (1) وكأنهم أهل بيت له [والله أعلم] وهذا يصح على مذهب من لم يوجب الأضحية وهم أكثر العلماء ويدخل - حينئذ - من لم يضح ذلك [العام] من أمته في ثواب تلك الضحية وكذلك [سائر] أهل بيت الرجل يشركهم في ثوابها وإن لم يكونوا يملكون شيئا منها قال أنس ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين ذبحهما بيده فقال بسم الله والله أكبر اللهم عن محمد وأمته قال وأخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني قتيبة بن سعيد قال أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني عن عمرو عن المطلب عن جابر قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل عن منبره وأتى بكبش فذبحه بيده وقال ((بسم الله والله أكبر هذا عني وعن من لم يضح من أمتي)) (2) وقد احتج بعض أصحابنا في هذا الحديث عن بن عون عن أبي رملة عن مخنف بن سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة أتدرون ما العتيرة هي التي يقول الناس أنها الرجبية)) (3) قال أبو عمر هذا لا حجة فيه لأن قوله أضحاة يحتمل أن يكون عن كل واحد منهم إن وجد سعة والعتيرة منسوخة بالأضحى عند الجميع وهو ذبح كانوا يذبحونه في رجب في الجاهلية وكان في أول الإسلام ثم نسخ
242 ويحتمل قوله على أهل كل بيت أضحى إن شاؤوا فيكون ندبا [بدليل] حديث أم سلمة من أراد منكم أن يضحي وقد تقدم القول في هذا المعنى وحديث أبي رملة عن مخنف بن سليم ليس بالبين أيضا [وبالله التوفيق] ((6 - باب الضحية عما في بطن المرأة وذكر أيام الأضحى)) 1005 - مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال الأضحى يومان بعد يوم الأضحى مالك أنه بلغه عن علي بن أبي طالب مثل ذلك قال أبو عمر قول بن عمر يومان بعد يوم الأضحى يريد بعد يوم النحر وهو العاشر من ذي الحجة والأضحى عنده ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده وهي الأيام المعلومات عنده وهو قول علي - رضي الله عنه - [وبه] قال مالك وأصحابه وأبو يوسف [يعقوب بن إبراهيم القاضي] وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في عدد أيام الأضحى واختلفوا في الأيام المعلومات على ما نذكره في هذا الباب - [إن شاء الله] وأما الأيام المعدودات فلا أعلم خلافا بين العلماء في أنها أيام التشريق وأيام منى ثلاثة أيام بعد يوم النحر وليس النحر منها وما أعلم [خلافا عن] أحد من السلف والخلف [في ذلك] إلا رواية شاذة جاءت عن سعيد بن جبير أنه قال الأيام المعلومات والمعدودات هي أيام التشريق ولم يقل أحد علمناه أن يوم النحر من أيام التشريق غير [سعيد] بن جبير في هذه الرواية وهي رواية واهية لا أصل لها وأظنها وهما سقط منها أيام العشر لأن المعروف عنه أن المعلومات أيام العشر والمعدودات أيام التشريق والذي عليه جماعة العلماء [أن أيام التشريق] هي الثلاثة الأيام بعد يوم النحر [ليس يوم النحر منها وهي الأيام المعدودات] وهي أيام منى عند الجميع
243 واختلفوا في الأيام المعلومات على قولين أحدهما أنها أيام العشر آخرها يوم النحر وهو قول بن عباس وبه قال أبو حنيفة (والشافعي) ومحمد بن الحسن وهو قول إبراهيم وطائفة من أهل العلم بتأويل القرآن حدثني [أبو محمد] عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني محمد بن عثمان بن ثابت الصيدلاني ببغداد قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني يحيى بن سعيد عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال الأيام المعلومات أيام [النحر] العشر والمعدودات أيام التشريق [قال علي هذا الحديث رواه شعبة عن هشيم ولم يسمعه من أبي بشر] والقول الثاني أن الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده روي ذلك عن بن عمر من وجوه وبه قال مالك وأصحابه وأبو يوسف القاضي وروينا عن مالك وعن أبي يوسف أيضا أنهما قالا الذي نذهب [إليه] في الأيام المعلومات أنها أيام النحر يوم النحر ويومان بعده لأن الله تعالى قال * (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * [الحج 28] فعلى قول مالك ومن تابعه يوم النحر معلوم [أي من المعلومات] ليس بمعدود أي [ليس] من المعدودات واليومان بعده معدودات معلومات على ما وصفنا وأما اختلاف [الفقهاء] في أيام الأضحى فاختلاف متباين جدا وروي عن بن سيرين أنه قال الأضحى يوم واحد يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة [وعن سعيد بن جبير وجابر بن زيد أنهما قالا النحر في الأمصار يوم واحد في منى ثلاثة أيام] وقال مالك وأبو حنيفة والثوري [وأصحابهما] الأضحى ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده
244 وبه قال أحمد بن حنبل قال أحمد الأضحى ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر [روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وبن عمر وأبي هريرة وأنس بن مالك إلا أنه اختلف في ذلك عن علي وبن عباس وبن عمر فروي عنهم ما ذكر أحمد وروي عنهم الأضحى أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق كلها ولم يختلف عن أبي هريرة وأنس في أن الأضحى ثلاثة أيام وقال الأوزاعي والشافعي وأصحابه الأضحى أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق كلها ثلاثة أيام بعد يوم النحر وهو قول بن شهاب الزهري وعطاء والحسن وروي ذلك أيضا عن علي وبن عمر وبن عباس والأصح عن بن عمر الأضحى ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده واختلف عن عطاء على هذين القولين وأما الحسن البصري فروي عنه في ذلك ثلاث روايات أحدهما كما قال مالك يوم النحر ويومان بعده والثاني كما قال الأوزاعي والشافعي يوم النحر وثلاثة أيام بعده وروي عنه الأضحى إلى آخر يوم من ذي الحجة فإذا أهل هلال المحرم فلا أضحى والأشهر عن عطاء ما قاله الشافعي في الأضحى أنه يوم النحر وثلاثة أيام بعده وهو قول عمر بن عبد العزيز وهو مذهب المدنيين وروي ذلك عن أبي سعيد الخدري وروي ذلك عن محمد بن نصر المروزي قال حدثني حميد بن مسعدة قال حدثني سعيد بن ذريع عن حبيب المعلم عن عطاء قال أيام النحر أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق كلها
245 قال وحدثني يحيى بن يحيى قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن قال أيام النحر ثلاثة بعد يوم النحر وروي عن قتادة يوم النحر وستة أيام بعده وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري وبن جريج عن عطاء قال الذبح أيام منى كلها] قال أبو عمر الحجة لمن ذهب هذا المذهب حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((كل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح)) (1) ورواه سليمان بن موسى عن بن أبي حسين عن نافع بن جبير [بن مطعم عن أبيه] فروي عنه منقطعا ومتصلا واضطرب عليه أيضا في بن أبي حسين وسليمان بن موسى وإن كان أحد أئمة أهل الشام في العلم فهو عندهم سيئ الحفظ ولهذا قيل عنه عبد الرحمن بن أبي حسين وقيل عبد الرحمن بن أبي حسين وربما لم يذكر نافع بن جبير وقد أجمع العلماء على أن يوم النحر يوم الأضحى وأجمعوا أن الأضحى بعد انسلاخ ذي الحجة ولا يصح عندي في هذه المسألة إلا قولان أحدهما قول مالك والكوفيين الأضحى يوم النحر ويومان بعده والآخر قول الشافعي والشاميين يوم [النحر] وثلاثة أيام بعده وهذان القولان قد رويا عن جماعة من [أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] واختلف عنهم فيهما وليس عن أحد من الصحابة خلاف هذين القولين فلا معنى للاشتغال بما خالفهما لأن ما خالفهما لا أصل له في السنة ولا في قول الصحابة وما خرج عن [هذين] فمتروك لهما وكان مالك لا يرى أن يضحي بليل [قال لا يضحي أحد بليل] لأن الله - عز وجل - قال " ويذكروا اسم الله في
246 أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) [الحج 28] فذكر الأيام دون الليالي وكره ذلك [أبو جعفر] الطبري وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما لا بأس بالضحية تذبح ليلا في أيام النحر ولا يجوز ذلك ليلة يوم النحر لأن الله - عز وجل - ذكر الأيام والليالي تبع لها وهو قول إسحاق وأبي ثور 1006 - مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر لم يكن يضحي عما في بطن المرأة قال أبو عمر الاختلاف في الضحية عن ما في [بطن المرأة] شذوذ وجمهور العلماء على ما روي عن بن عمر في ذلك ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يضحي عن حبل وكان يضحي عن ولده الصغار والكبار ويعق عن ولده كلهم
247 ((24 كتاب الذبائح)) بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم ((1 - باب ما جاء في التسمية على الذبيحة)) 1007 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا رسول الله إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان (1) ولا ندري هل سموا الله عليها أم لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((سموا الله عليها ثم كلوها)) قال مالك وذلك في أول الإسلام قال أبو عمر لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد أسنده جماعة ثقات رووه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وخرجه البخاري وغيره مسندا وقد ذكرنا الطرق عنهم [بذلك] في ((التمهيد)) ورواه مرسلا كما رواه مالك بن عيينة ويحيى القطان وسعيد بن عبد الرحمن وعمرو بن الحارث عن هشام بن عروة عن أبيه لم يتجاوزوه وفيه من الفقه أن التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام وفيه دليل [على] أن هذا الحديث لم يكن إلا بعد نزول قوله تعالى] " ولا
248 تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) [الأنعام 121] لقوله فيه لا ندري هل سموا الله عليه أم لا وهذا الحديث كان بالمدينة وأهل باديتها كانوا [الذين] يأتون إليهم باللحمان والأمر بالتسمية في سورة الأنعام وهي مكية وقد بينا في ((التمهيد)) معنى قوله تعالى * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * [الأنعام 121] وما للعلماء في ذلك وما الأصل فيه وأما قوله سموا الله عليها ثم كلوها فإن العلماء مجمعون على أن التسمية على الأكل مندوب إليها لما في ذلك من البركة وليس ذلك من شروط الذكاة لأن [الميتة والأطعمة] لا تحتاج إلى التذكية وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ليعلمهم أن المسلم لا يظن به ترك التسمية على ذبيحته ولا يظن به إلا الخير وأمره محمول على ذلك ما خفي أمره حتى يستبين فيه غيره وفيما وصفنا دليل على أن التسمية على الذبيحة سنة مسنونة لا فريضة ولو كانت فرضا ما سقطت بالنسيان لأن النسيان لا يسقط ما وجب عمله من الفرائض إلا أنها عندي من مؤكدات السنن وهي آكد من التسمية على الوضوء وعلى الأكل وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة فقال سم الله وكل (1) 1008 - مالك عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أمر غلاما له أن يذبح ذبيحة فلما أراد أن يذبحها قال له سم الله فقال له الغلام قد سميت فقال له سم الله ويحك قال له قد سميت الله فقال له عبد الله بن عياش والله لا أطعمها أبدا قال أبو عمر هذا حديث واضح في أن من ترك التسمية على الذبيحة عمدا لم تؤكل ذبيحته تلك ألا ترى أن في خبره هذا أراد أن يذبحها فقال له سم الله فأمره بذلك من قبل أن يذبحها وراجعه بما لم يصدقه لأنه كان بموضع لا يخفى عنه ذلك لقربه
249 وعلم معاندته لأنه كان يجيبه بقوله قد سميت ولا يسمي ولو قال في موضع [قوله] قد سميت باسم الله اكتفي بذلك منه [فاعتقد] أنه عمدا ترك التسمية عليها [فلم يستحل أكلها] وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم فيمن ترك التسمية على الصيد أو الذبيحة عامدا وأما اختلاف العلماء فيمن ترك التسمية على الذبيحة أو على الإرسال على الصيد عامدا أو ناسيا فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي إن تركها عمدا لم تؤكل الذبيحة ولا الصيد وإن نسي التسمية في ذلك أكلت وبه قال إسحاق [بن راهويه] ورواية عن أحمد [بن حنبل] وقال بعض هؤلاء من تعمد ترك التسمية مع علمه بما أمره الله به فيها فقد استباح بغير ما أذن الله له فيه فصار في معنى قوله وإنه لفسق فلم تؤكل ذبيحته وهذا ليس بشيء لأن هذا إنما قيل في ذبيحة من ذبح لغير الله - عز وجل - ممن لا يؤمن بالله وللكلام في ذلك موضع غير هذا وقال الشافعي وأصحابه تؤكل الذبيحة والصيد في الوجهين [جميعا] تعمد [في] ذلك أو نسيه وهو قول بن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زيد وعكرمة وعطاء وأبي رافع وطاوس وإبراهيم النخعي و [عبد الرحمن] بن أبي ليلى وقتادة ولا أعلم أحدا روي عنه أنه لا يؤكل ممن نسي التسمية على الصيد أو الذبيحة إلا بن عمر والشعبي وبن سيرين و [قد] أجمعوا في ذبيحة الكتابي أنها تؤكل وإن لم يسم الله عليها إذا لم يسم عليها غير الله وأجمعوا أن المجوسي والوثني لو سمى الله لم تؤكل ذبيحته وفي ذلك [بيان] أن ذبيحة المسلم حلال على كل حال لأنه ذبح بدينه وروي عن بن عباس وأبى وائل - شقيق بن سلمة - وبن أبي ليلى [أنهم قالوا] [في ذلك] إذا ذبحت بدينك فلا يضرك
250 واحتج من ذهب هذا المذهب بأن قال لما كان المجوسي لو سمى الله [تعالى] لم تنفع تسميته شيئا لأن المراعاة لدينه كأن المسلم إذا ترك التسمية عامدا لا يضره [لأن المراعاة لدينه] وهو معنى قولهم إنما ذبحت بدينك وقد روي عن الحسن مثل قول مالك وعلى هذين القولين جمهور العلماء بتأويل القرآن قال بن جريج قلت لعطاء لو أن ذابحا ذبح ذبيحته لم يذكر عليها اسم الله أيأكلها قال نعم سبحان الله أو كل من ذبح يذكر اسم الله قال عطاء كل مسلم صغير أو كبير امرأة أو صبية ذبح فكل من ذبيحته ولا تأكل [من] ذبيحة مجوسي وقال أبو ثور وداود بن علي من ترك التسمية عامدا أو ناسيا لم تؤكل ذبيحته ولا صيده وهذا قول لا نعلمه روي عن أحد من السلف ممن يختلف عنه فيه إلا محمد بن سيرين ونافعا مولى بن عمر وهذان يلزمهما أن يتبعا سبيل الحجة المجتمعة على خلاف قولهما وبالله التوفيق ((2 - باب ما يجوز من الذكاة في حال الضرورة)) 1009 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا من الأنصار من بني حارثة كان يرعى لقحة (1) له بأحد فأصابها الموت فذكاها (2) بشظاظ (3) فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ((ليس بها بأس فكلوها)) 1010 - مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد [أو سعد بن معاذ] أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما لها بسلع فأصيبت شاة منها
251 فأدركتها فذكتها بحجر فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ((لا بأس بها فكلوها)) قال أبو عمر أما حديثه الأول عن زيد بن اسلم فلم يختلف عنه في إرساله على ما في ((الموطأ)) وقد ذكره البزار مسندا فقال حدثنا محمد بن معمر قال حدثني حبان بن هلال قال حدثني جرير بن حازم عن أيوب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار [عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وذكره السراج محمد بن إسحاق أبو العباس قال [حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش قال حدثنا حبان بن هلال] قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا أيوب عن زيد بن اسلم فلقيت زيد بن أسلم فحدثني عن عطاء بن يسار] عن أبي سعيد الخدري قال كانت لرجل من الأنصار ناقة ترعى في قبلي أحد فنحرها يزيد فقلت لزيد وتد من حديد أو خشب قال يلي من خشب وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأمره بأكلها [قال أبو عمر] اللقحة الناقة ذات اللبن والشظاظ العود الحديد الطرف كذا قال أهل اللغة وقد روى هذا الحديث يعقوب بن جعفر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار فقال فيه فأخذها الموت فلم يجد شيئا ينحرها به [فأخذ وتدا] فوجا في لبنها حتى أهراق دمها ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأمره بأكلها فعلى هذا الحديث وحديث جرير بن حازم الشظاظ الوتد وتفسير أهل اللغة أبين وقال [بعضهم] الشظاظ هو العود الذي يجمع به بين عروتي الغرارتين على ظهر الدابة واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت بحال العروتين من الشظاظ وقال الخليل الشظاظ خشبة عقفاء محددة الطرف قال أبو عمر التذكية بالشظاظ إنما تكون فيما ينحر لا فيما يذبح لأنه كطرف السنان وفي هذا الحديث من الفقه إباحة تذكية ما نزل به الموت من الحيوان المباح أكله كانت حياته ترجى أو لا ترجى إذا كانت فيه حياة معلومة [من] حين الذكاة لأن في الحديث فأصابها الموت
252 وفيه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكلها ولم يسأله عن شيء وقد اختلف الفقهاء في ذكاة ما نزل به الموت من الأنعام مثل المتردية والنطيحة والموقوذة وأكيلة السبع والمنخنقة فقال أبو قرة - [موسى بن طارق] سألت مالكا عن المتردية [والمفروسة] تدرك ذكاتها وهي تتحرك فقال لا بأس بها إذا لم يكن قطع رأسها أو نثر بطنها قال وسمعت مالكا يقول إذا غير ما بين المنحر إلى المذبح لم تؤكل وفي ((المستخرجة)) لمالك وبن القاسم أن ما فيه الحياة وإن كان لا يعيش ولا يرجى له بالعيش يذكى [ويؤكل] [في ذلك] وقال الليث [بن سعد] إذا كانت حية وأخرج السبع بطنها [أكلنا] إلا ما بان منها وهو قول بن وهب وهو الأشهر من مذهب الشافعي وبه قال إسحاق [بن راهويه] قال [المزني] وأحفظ للشافعي قولا آخر أنها لا تؤكل إذا بلغ منها السبع أو التردي إلى ما لا حياة معه [قال المزني وهو قول المدنيين وقال أبو حنيفة في كل ما تدركه ذكاته وفيه حياة ما كانت الحياة بأنه ذكى إذا ذكي قبل أن يموت وروى الشعبي عن الحارث عن علي _ رضي الله عنه - قال إذا أدركت ذكاة الموقوذة أو المتردية أو النطيحة وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها وكان الشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء وطاوس والحسن وقتادة كل هؤلاء يقول في قوله تعالى * (إلا ما ذكيتم) * [المائدة 3] إذا أطرفت بعينيها أو مضغت بذنبها يعني حركته وضربت به أو ركضت برجلها فذكيته فقد أحل الله لك ذلك وذكره عن أصحابه وهو قول أبي هريرة وبن عباس وإليه ذهب بن حبيب وذكره عن أصحاب مالك] وروى بن عيينة وشريك وجرير عن الركين بن الربيع عن أبي طلحة الأسدي قال سألت بن عباس عن ذئب عدا على شاة فشق بطنها حتى انتثر
253 فسقط منه شيء إلى الأرض فقال كل وما انتثر من بطنها فلا تأكل وسنزيد هذا المعنى بيانا في باب ما يكره في الذبيحة من الذكاة بعد هذا أن شاء الله وقد أشبعنا هذا الباب بالآثار وأقاويل أهل التفسير وفقهاء الأمصار في معنى قول الله - عز وجل - * (إلا ما ذكيتم) * [المائدة 3] في ((التمهيد)) والحمد لله وأما حديثة عن نافع في هذا الباب ففيه وفي الذي قبله دليل على أن كل ما أنهر الدم وفرى الأوداج والحلقوم [جازت به الذكاة] حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو الأحوص عن عاصم عن الشعبي عن محمد بن صيفي قال ذبحت أرنبين بمروة ثم أتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني بأكلهما (1) قال أبو عمر المروة [فوق] الحجر وفي حديث مالك عن نافع فذكيتهما الحجر وفي حكم الحجر كل ما قطع وفرى [وأنهر الدم] ما خلى السن والعظم وقد ذكرنا في ((التمهيد)) حديث عدي بن حاتم مسندا أنه قال يا رسول الله أرأيت إن أصاب أحدنا صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وبشقة العصا فقال أنزل الدم بما شئت واذكر اسم الله تعالى (2) وروي عن سعيد بن المسيب ما ذبح بالليطة والشطير والظرر فحل ذكي قال أبو عمر الظرر حجر له حد والليطة فلقة [القصب] لها حد والشطيرة [فلقة] العود الحادة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث رافع بن خديج قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
254 فقلت يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا وليس معنا مدى أنذكي بالليط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة)) (1) وذكر الحديث وقد تقدم ذكره في ((التمهيد)) فإذا جازت التذكية بغير الحديد جازت بكل شيء إلا أن يجتمع على شيء فيكون مخصوصا وعلى هذا مذهب مالك وأصحابه [وأبي حنيفة وأصحابه] والشافعي وأصحابه والسن والظفر المنهي عن التذكية بهما عندهم هما غير المنزوعين لأن ذلك يصير خنقا وكذلك قال بن عباس - رضي الله عنه - ذلك الخنق فأما السن والظفر المنزوعان إذا فريا الأوداج [فجائز] الذكاة بهما عندهم وقد كره قوم السن والظفر والعظم على كل حال منزوعة وغير منزوعة منهم [إبراهيم] النخعي والحسن بن حي والليث [بن سعد] وروي ذلك [أيضا] عن الشافعي وحجتهم ظاهر حديث رافع بن خديج المذكور في هذا الباب وأما حديثه عن نافع فقد ذكرنا الاختلاف فيه في ((التمهيد)) وأما سلع فيروى بتسكين اللام وتحريكها وأكثر الرواة [يحركونها] بالفتح وأظن الشاعر في قوله (إن بالشعب الذي دون السلع * لقتيلا دمه ما يطل
255 خفف الحركة وهو جائز في [اللغة] وفيه أيضا من الفقه إجازة ذبح المرأة [وعلى إجازة ذلك] جمهور العلماء بالحجاز والعراق وقد روي عن بعضهم أن ذلك لا يجوز إلا على حال الضرورة وأكثرهم يجيزون ذلك وإن لم تكن ضرورة إذا أحسنت الذبح وكذلك الصبي إذا أطاق الذبح وهذا كله قول مالك والشافعي وأهل الحجاز وقول أبي حنيفة والثوري وأهل العراق وقول الليث [بن سعد] وأحمد وإسحاق وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين قد ذكرناهم في ((التمهيد)) وقال بن عباس من ذبح من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فكل وأما التذكية بالحجر فقد مضى القول في ذلك واستدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على صحة ما ذهب إليه فقهاء الأمصار وهم مالك وأبو حنيفة والشافعي [والثوري] من جواز كل ما ذبح بغير إذن مالكه وردوا بهذا الحديث وما كان مثله على من أبى من أكل ذبيحة السارق والغاصب فممن ذهب إلى تحريم أكل ذبيحة السارق والغاصب] ومن أشبههما إسحاق بن راهويه وداود [بن علي] وتقدمهما إلى ذلك [عكرمة وهو قول شاذ عنهم وقد ذكر بن وهب في ((موطأه)) بإثر حديث مالك عن نافع هذا قال] بن وهب واخبرني أسامة بن زيد الليثي عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فلم ير بها بأسا ومما يؤيد هذا المذهب حديث عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم [في الشاة التي ذبحت بغير إذن ربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم] ((أطعموها الأسارى)) وهم ممن تجوز عليهم الصدقة مثلها [ولو لم تكن ذكية ما أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم
256 والحديث حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب قال حدثني أبي قال حدثني رجل من الأنصار قال خرجت مع أبي وأنا غلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانا رجل فقال يا رسول الله فلانة تدعوك وأصحابك إلى طعام فانطلق النبي - عليه السلام - ونحن معه فقعدت مقاعد الغلمان من آبائهم فجيء بالطعام قال فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وضعنا أيدينا وضعوا أيديهم فنظر القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلوك أكله فكفوا أيديهم قال فلاك رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكلة ثم لفظها ورمى بها وقال ((إنه لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فقالت المرأة يا رسول الله كنت أريد أن أجمعك أنت وأصحابك على طعام فبعثت إلى العقيق اليوم قالت إلى العقيق النقيع فلم أجد شاة تباع فبعث إلي أخي عابد بن أبي وقاص وقد اشترى شاة أمس فقلت إني كنت بطالبة شاة اليوم فلم أجد فابعث لي بشاتك التي اشتريت أمس فلم يكن أخي ثم فدفع إلى أهله الشاة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اذهبوا به فأطعموه الأسارى] 1011 - مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا باس بها وتلا هذه الآية * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * (المائدة 51] قال أبو عمر هذا الحديث يرويه ثور بن زيد عن عكرمة عن بن عباس كذلك رواه الدراوردي وغيره وهو محفوظ عن بن عباس في وجوه منها ما ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن عاصم عن عكرمة عن بن عباس وتلا * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * [المائدة 51] قال وأخبرني معمر عن عطاء الخرساني قال لا بأس بذبائحهم ألا تسمعوا الله عز وجل يقول * (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب) * [البقرة 78] قال وأخبرنا معمر قال سألت الزهري عن ذبائح نصارى العرب فقال من انتحل دينا فهو من أهله ولم ير بذبائحهم بأسا وروى عطاء بن السائب عن عكرمة عن بن عباس قال كلوا من ذبائح
257 بني تغلب وتزوجوا نساءهم فإن الله تعالى يقول * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * [المائدة 51] قال أبو عمر على هذا أكثر العلماء إلا أن يسمي النصراني من العرب المسيح على ذبيحته فإن قال بسم المسيح أو ذبح لآلهته أو لعيده فإنهم اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا نذكره في هذا الباب - إن شاء الله وأما [نصارى] العرب فمذهب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في نصارى العرب [بني تغلب وغيرهم] وقد قيل إنه خص بني تغلب بأن لا تؤكل ذبائحهم روى معمر عن أيوب عن بن سيرين عن عبيدة السلماني أن عليا - رضي الله عنه - كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب ويقولون [أنهم] لا يتمسكون من النصرانية إلا بشرب الخمر وقالت بهذا طائفة منهم عطاء وسعيد بن جبير وهو أحد قولي الشافعي وأما اختلاف العلماء فيما ذبح النصاري لكنائسهم وأعيادهم أو ما سموا عليه المسيح فقال مالك ما ذبحوه لكنائسهم أكره أكله وما سمي عليه باسم المسيح لا يؤكل والعرب عنده والعجم في ذلك سواء وقال الثوري إذا ذبح وأهل به لغير الله كرهته وهو قول إبراهيم قال سفيان وبلغنا عن عطاء أنه قال قد أحل الله ما أهل لغير الله لأنه قد علم أنهم سيقولون هذا القول وقد أحل ذبائحهم وروي عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت قالا لا بأس بما ذبح النصارى لكنائسهم وموتاهم قال أبو الدرداء طعامهم كله لنا حل وطعامنا لهم حل وإلى هذا ذهب فقهاء الشاميين مكحول والقاسم بن مخيمرة وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعي وقالوا سواء سمى النصراني المسيح على ذبيحته أو سمى جرجس أو ذبح لعيده أو لكنيسته كل ذلك حلال لأنه كتابي ذبح بدينه وقد أحل الله ذبائحهم في كتابه
258 وقال المزني عن الشافعي لا تحل ذبيحة نصارى العرب وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وروى قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي قال إذا سمعت النصراني يقول باسم المسيح فلا تأكل وإذا لم يسم [فكل] فقد أحل الله ذبائحهم وعن عائشة قالت لا تأكل ما ذبح لأعيادهم وعن بن عمر مثله وعن الحسن وميمون بن مهران أنهما كانا يكرهان ما ذبح النصارى لأعيادهم وكنائسهم وآلهتهم و [قد] قال إسماعيل بن إسحاق كان مالك يكرهه من غير أن يوجب فيه تحريما وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن [عمرو بن] ميمون بن مهران أن عمر بن عبد العزيز كان يوكل بقوم من النصارى قوما من المسلمين إذا ذبحوا أن يسموا الله ولا يتركوهم أن يهلوا لغير الله 1012 - مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما فرى (1) الأوداج (2) فكلوه مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ما ذبح به إذا بضع فلا بأس به إذا اضطررت إليه قال أبو عمر أما قول سعيد بن المسيب إذا اضطررت إليه فكلام ليس على ظاهره وإنما معناه ألا يذبح بغير المدى والسكاكين وقاطع الحديد اختيارا وقد مضى القول في معنى هذين الحديثين فأصل هذه المسألة أن كل ما خرق برقته أو قطع بحده أكل ما ذكى به لأنه يعمل عمل الحديد قال عمر بن الخطاب ليذك لكم الأسل النبل والرماح
259 وسيأتي القول فيما قتل المعراض في بابه بعد هذا إن شاء الله وروى الثوري عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال قلنا يا رسول الله إنا نخاف أن نلقى العدو غدا [وليس معنا مدى] أفنذبح بالقصب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما أنهر الدم [وذكر اسم الله عليه] فكلوا ليس السن والظفر أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة)) (1) وهذا الحديث أصل هذا الباب مع ما قدمنا في الباب قبله وبالله توفيقنا وممن استثنى السن والظفر على كل حال الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق والحسن بن حي وقال مالك ما يضع من عظم أو غيره ذكي به وقال الكوفيون الظفر والسن المنزوعان لا بأس بالتذكية بهما - إن شاء الله 1013 - مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أنه سأل أبا هريرة عن شاة ذبحت فتحرك بعضها فأمره أن يأكلها ثم سأل عن ذلك زيد بن ثابت فقال إن الميتة لتتحرك ونهاه عن ذلك وذكر بن وهب هذا الخبر في موطئه عن مالك بإسناده قال في آخره سألت مالكا عن ذلك فقال إذا كان شيئا خفيفا فقول زيد أحب إلي وإن كان جرى الروح في الجسد فلا بأس بأكلها قال بن وهب وأخبرني يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول الذكاة في العين تطرف والذنب يتحرك والرجل يركض قال وأخبرني يونس عن ربيعة قال ما أدركت مما أكل السبع حيا فكله يريد إذا أدركت ذكاته وسئل مالك عن شاة تردت فتكسرت فأدركها صاحبها فذبحها فسال الدم منها ولم تتحرك فقال مالك إذا كان ذبحها ونفسها يجري وهي تطرف [فليأكلها] قال أبو عمر [على قول مالك هذا في الموطأ أكثر العلماء وهو قول علي وأبي هريرة وبن عباس ومن ذكرنا معهم في الباب قبل هذا من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى من الفقهاء
260 وقد اختلف في ذلك أصحاب مالك واختلف فيه قول الشافعي وقد ذكرنا في الباب قبل هذا كثيرا من معنى هذا الباب وذكر حماد بن سلمة عن يوسف بن سعيد عن يزيد مولى عقيل بن أبي طالب قال كانت لي عناق كريمة فكرهت أن أذبحها فلم ألبث أن تردت فأمررت الشفرة على أوداجها فركضت برجلها فسألت زيد بن ثابت فقال إن الميت يتحرك بعد موته فلا تأكلها قال أبو عمر] لا أعلم أحدا من الصحابة قال بقول زيد هذا وقد قال علي وبن عباس وأبو هريرة وجماعة التابعين أنه إذا ذبحت وفيها حياة فإن ذلك منها فإن تطرف بعينها أو تحرك ذنبها أو تضرب بيديها أو رجلها فهي ذكية جائز أكلها وقد ذكرنا ذلك عنهم في الباب قبل هذا وذكرنا عن مالك ما فيه كفاية [في ذلك] [والحمد لله] وقال محمد بن مسلمة إذا قطع السبع حلقوم الشاة أو قسم صلبها أو شق بطنها فأخرج معاها أو قطع عنقها لم تزك وفي سائر ذلك تذكى إذا كان فيها حياة وذكر بن حبيب عن أصحاب مالك خلاف ذلك في الذي شق بطنها أنها تذكى وقال إسحاق بن منصور سمعت إسحاق بن راهويه يقول في الشاة يعدو عليها الذئب فيبقر بطنها ويخرج المصارين حتى يعلم أنها لا يعيش مثلها قال السنة في ذلك ما وصف بن عباس لأنه وإن خرجت مصارينها فإنها حية بعد وموضع الذكاة منها سالم قال وإنما ينظر عند الذبح أهي حية أم ميتة ولا ينظر هل تعيش مثلها وكذلك المريضة التي لا يشك في أنه مرض موت جائز ذكاتها إذا أدركت فيها حياة قال وما دامت فيها الحياة فله أن يذكيها قال ومن قال بخلاف هذا فقد خالف السنة من جمهور الصحابة وعامة العلماء قال أبو عمر هذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه في أصل مذهبهم
261 وقد روى أصحاب ((الإملاء)) عن أبي يوسف أنه إذا بلغ التردي أو النطح أو الضرب من الشاة حالا لا تعيش من مثله لم تؤكل وإن ذكيت قبل الموت وكذلك قول الحسن بن حي وذكر بن سماعة عن محمد إن كان يعيش مثله اليوم أو [مثله] أو دونه فذكاها حلت وإن كانت لا تبقى إلا كتفا المذبوح لم تؤكل واحتج بأن عمر [بن الخطاب] - رضي الله عنه - كانت [جراحته متلفة] وصحت أوامره ونفذت عهوده ولو قتله قاتل في ذلك الوقت كان عليه القود وقال الأوزاعي إذا كان فيها حياة وذبحت أكلت وقال والمصبورة إذا ذبحت لم تؤكل وقال الليث إذا كانت حية وقد أخرج السبع جوفها أكلت إلا ما بان منها هذا قول بن عباس حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني إسماعيل بن محمد قال حدثني عبد الملك بن بحر الجلاب قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثني سنيد بن داود قال حدثني جرير بن حازم عن الركين بن الربيع بن عميلة عن أبي طلحة الأسدي قال سأل رجل بن عباس قال كنت في غنمي فعدا الذئب فبقر شاة منها فوقع قصبها بالأرض فأخذت ظررا من الأرض فضربت بعضه ببعض فصار لي منه كهيئة السكين فذبحتها به فقطعت العروق وأهرقت الدم قال انظر ما أصاب الأرض منه فاقطعه وارم به فإنه قد مات وكل سائرها وقال الشافعي إذا شق بطن الشاة واستوقن أنها تموت إن لم تذك فذكيت فلا بأس بأكلها قال المزني وأحفظ له أنها لا تؤكل إذا بلغ ذلك منها [مبلغا] لا بقاء لحياتها إلا كحياة المذبوح وقال البويطي إذا انخنقت الشاة أو تردت أو وقذت أو نطحت أو أكلها السبع فبلغ ذلك منها مبلغا ليس لها معه حياة إلا مدة قصيرة والروح قائم فيها ذكيت وأكلت رجيت حياتها أو لم ترج وهي كالمريضة ترجى حياتها قال أبو عمر أجمعوا في المريضة التي لا ترجى حياتها أن ذبحها ذكاة لها إذا كانت فيها الحياة في حين ذبحها وعلم ذلك منها بما ذكروا من حركة يدها أو رجلها أو ذنبها ونحو ذلك
262 وأجمعوا أنها إذا صارت في حال النزع ولم تحرك يدا ولا رجلا أنه لا ذكاة فيها فكذلك ينبغي في القياس أن يكون حكم المتردية وما ذكر [معها] في الآية والله أعلم ((3 - باب ذكاة ما في بطن الذبيحة)) 1014 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إذا نحرت الناقة فذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره فإذا خرج من بطن أمه ذبح حتى يخرج الدم من جوفه قال أبو عمر لم يرد بن عمر بذبح الجنين ها هنا شيئا من الذكاة لأن الميت لا يذكى وأنما أراد خروج الدم من جوفه ولو كان خرج حيا لم تكن ذكاة أمه بذكاة [بإجماع من العلماء] 1015 - مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ذكاة ما في بطن الذبيحة في ذكاة أمه إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره [قال أبو عمر اختلف العلماء في ذكاة الجنين فقال مالك بما رواه عن بن عمر وسعيد بن المسيب في ذلك قال إذا تم خلقه وأشعر أكل وإلا لم يؤكل وقال أبو حنيفة وزفر لا يؤكل الجنين إلا أن يخرج حيا من بطن أمه فيذكى وقال أبو يوسف ومحمد والثوري والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي والحسن بن حي يؤكل وإن كان شيئا إذا ذكيت الأم وذكاة أمه ذكاته] قال أبو عمر روي قول مالك في اعتبار [أشعاره] وتمام خلقه عن جماعة من أهل المدينة والحجاز [وغيرهم] منهم بن عمر و [سعيد] بن المسيب وبن شهاب ومجاهد وطاوس والحسن وقتادة
263 وروى معمر عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن عثمان قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني سفيان [بن عيينة] قال حفظت من الزهري عن بن كعب بن مالك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه قال سفيان وقال أبان بن تغلب - وكان صاحب عربية - إذا أشعر الجنين قال سفيان فأما الذي حفظت أنا من الزهري إذا أشعر قال [أبو عمر قيل أشعر] إذا تم خلقة وإن لم يشعر قال أبو عمرو الشيباني المشعر التام الخلق الطويل وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي - رضي الله عنه - قال ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر وروي مثل قول الشافعي ومن ذكرنا معه عن إبراهيم النخعي وروى الثوري عن منصور عن إبراهيم قال ذكاته ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر إلا أن يقذره وبن عيينة عن الحسن بن عبيد الله النخعي قال سألت إبراهيم عن جنين البقرة فقال هو ركن من أركانها وبن خديج عن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب أنه قال كله إن لم يشعر وروى بن المبارك وغيره عن مجالد بن سعيد عن أبي الوداك جبر بن نوف قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البقرة أو الناقة أو الشاة ينحرها أحدنا فيجد في بطنها جنينا أيأكله أم يلقيه قال ((كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه)) (1) قال أبو عمر ليس في هذا الحديث المسند اشتراط أشعاره ولا غيره [وروى بن المبارك عن بن أبي ليلى عن أخيه عن أبيه أو عن الحكم بن
264 أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى - الشك من] بن المبارك - [عن عطية عن أبي سعيد الخدري] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر)) (1) ورواه غير بن المبارك عن بن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد الخدري وبن أبي ليلى سيئ الحفظ عندهم جدا ومن حديث زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال] ((ذكاة الجنين ذكاة أمه)) وأما قول أبي حنيفة وزفر فليس له في حديث النبي - - عليه السلام ولا في قول أصحابه ولا في قول الجمهور أصل وزعم أبو حنيفة أنه لم ير ذكاة واحدة تكون لاثنين واستحال غيره أن تكون ذكاة لنفسين وهو يرى أن من أعتق حاملا فإن عتقها عتق لجنينها فإذا جاز أن يكون عتق واحد عتقا لاثنين فغير نكير أن تكون ذكاة نفس ذكاة نفسين [هذا من جهة القياس فكيف والسنة مغنية عن كل رأي وبالله التوفيق] وقد روي عن بن عباس في قوله * (أحلت لكم بهيمة الأنعام) * [المائدة 1] قال [الجنين وعن] الحسن [قال] بهيمة الأنعام الشاة والبقرة والبعير تم كتاب الذبائح وهو آخر الجزء السادس وذلك في العشر الآخر من ذي القعدة سنة اثنين وخمسين وخمسمائة يتلوه في الجزء السابع كتاب الصيد
265 ((25 كتاب الصيد)) بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم تسليما ((1 - باب ترك [أكل] ما قتل المعراض (1) والحجر)) 1016 - مالك عن نافع أنه قال رميت طائرين بحجر وأنا بالجرف (2) فأصبتهما فأما أحدهما فمات فطرحه عبد الله بن عمر وأما الآخر فذهب عبد الله بن عمر يذكيه بقدوم (3) فمات قبل أن يذكيه فطرحه عبد الله أيضا 1017 - مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد كان يكره ما قتل المعراض والبندقة قال مالك ولا [أرى] بأسا بما أصاب المعراض إذا خسق وبلغ المقاتل أن يؤكل قال الله تبارك وتعالى " يا أيها الذين أمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " [المائدة 94] قال فكل شيء ناله الإنسان بيده أو رمحه أو بشيء من سلاحه فأنفذه وبلغ مقاتله فهو صيد كما قال الله تعالى قال أبو عمر اختلف العلماء قديما وحديثا في صيد البندقة والمعراض والحجر
266 فمن ذهب إلى أنه صيد لم يجز منه إلا ما أدرك ذكاته كما صنع بن عمر وفي فعل بن عمر دليل على جواز التذكية فيما أدركت ذكاتة وفيه حياة وإن خيف عليه الموت فقد تقدم هذا المعنى مجردا وقال أبي حنيفة وأصحابه والحسن بن حي والشافعي في صيد البندقة والمعراض والحجر نحو قول مالك وخالفهم الشاميون في ذلك وقال الكوفيون ومالك إن أصاب المعراض بعرضة فقتل لم يؤكل وإن خرق جلده أكل وزاد الثوري وإن رميته بحجر أو بندقة كرهته إلا أن تذكيه وقال الشافعي إن خرق برقته أو قطع بحده أكل وما خرق بثقله فهو وقيد وله فيما نالته الجوارح ولم تدمه قولان أحدهما أن لا يأكل حتى يخرق لقوله تعالى * (من الجوارح) * والآخر أنه حل [قال أبو عمر اختلاف بن القاسم وأشهب في هذه المسألة على هذين القولين فذهب بن القاسم إلى أنه لا يؤكل حتى يدميه الكلب ويجرحه ولا يكون ذكيا عنده إلا بذلك وقال أشهب إن مات من صدمة الكلب أكل قال أبو عمر كره إبراهيم النخعي ومجاهد وعطاء ما قتل البندقة والمعراض إلا أن تدرك ذكاته على مذهب بن عمر ورخص فيه عمار بن ياسر وأبو الدرداء وفضاله بن عبيد وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وإلى هذا ذهب الأوزاعي ومكحول وفقهاء الشام قال الأوزاعي في المعراض كله خرق أو لم يخرق فقد كان أبو الدرداء وفضاله بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأسا قال أبو عمر هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد الله بن عمر والمعروف عن عبد الله بن عمر ما ذكره مالك عن نافع عنه
267 وذكر معمر عن أيوب عن نافع قال رميت صيدا بحجر فأخذه بن عمر فقال يا نافع ائتني بشيء أذبحه به قال فعجلت فأتيت بالقدوم فمات في يده قبل أن يذبحه فطرحه وعن طاوس وقتادة في المعراض إذا خزق فكله وإلا فلا تأكله [قال] طاوس وكذلك السهم إذا خرج فكله وإلا فلا تأكله قال أبو عمر الأصل في هذا الباب الذي عليه العمل وفيه الحجة لمن لجأ إليه على من خالفه حديث عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إني أرمي بالمعراض قال ((ما خزق فكل وما أصاب بعرضه فلا تأكل فإنما هو وقيذ)) (1) حدثناه عبد الوارث [بن سفيان] قال حدثني قاسم [بن أصبغ] قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبو نعيم [قال حدثني زكريا] عن الشعبي عن عدي بن حاتم فذكره وروى إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم فذكره وروى [إبراهيم] النخعي عن همام] عن عدي بن حاتم عن النبي - عليه السلام - [مثله] بمعناه وحديث عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال ((إنها لا تنكي العدو ولا تصيد الصيد ولكنها تكسر السن وتفقأ العين)) (2) فدل على أن الحجر لا تقع به ذكاة صيد والله أعلم 1018 - مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يكره أن تقتل الإنسية بما يقتل به الصيد من الرمي وأشباهه قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسالة وهي البهيمة الداجن تستوحش والبعير يشرد
268 فقال مالك وربيعة والليث [بن سعد] لا يؤكل إلا أن ينحر البعير أو يذبح ما يذبح من ذلك وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي إذا لم يقدر على ذكاة البعير الشارد فإنه يقتل كالصيد ويكون بذلك مذكى قال أبو عمر هذا القول أظهر في أهل العلم لحديث رافع بن خديج قال ند لنا بعير فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن لهذه البهائم أوابد (1) كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا وكلوا)) (2) رواه سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت قال جاء رجل إلى علي - رضي الله عنه - فقال إن بعيرا لي ند فطعنته برمحي فقال علي اهد لي عجزه وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس قال إذا ند البعير فارمه بسهمك واذكر اسم الله وعن بن مسعود معناه ومعمر عن طاوس عن أبيه في البهيمة تستوحش قال هي صيد أو قال هي بمنزلة الصيد قال أبو عمر من جهة القياس لما كان الوحشي إذا قدر عليه لم يحل إلا بما [يحل] به الإنسي لأنه صار مقدورا عليه فكذلك ينبغي في الإنسي إذا توحش أو صار في معنى الوحشي من الامتناع أن يحل بما يحل به الوحشي وحجة مالك أنهم قد أجمعوا أنه لو لم يند الإنسي أنه لا يذكى إلا بما يذكى به المقدور عليه ثم اختلفوا فهو على أصله حتى يتفقوا وهذا لا حجه فيه لأن إجماعهم إنما انعقد على مقدور عليه وهذا غير مقدور عليه
269 1019 - مالك أنه سمع أهل العلم يقولون إذا أصاب الرجل الصيد فأعانه عليه غيره من ماء أو كلب غير معلم لم يؤكل ذلك الصيد إلا أن يكون سهم الرامي قد قتله أو بلغ مقاتل الصيد حتى لا يشك أحد في أنه هو قتله وأنه لا يكون للصيد حياة بعده قال أبو عمر قول مالك قول صحيح على ما شرط لأنه شرط حتى لا يشك أحد أن السهم قتله وأن لا تكون له حياة بعد وإذا كان هكذا ارتفع معنى الخلاف لأن [المخالف] لم يحمله على قوله إلا [خوف] أن يعين الجارح غيره على ذهاب نفس الصيد والله أعلم ولا أعلمهم يختلفون فيمن فرى أوداج الطائر أو الشاة وحلقومها ومريئها ثم وثب فوقعت في ماء أو تردت [بعد] أنها لا يضرها ذلك ولا خلاف عن مالك أنه إذا أعان على قتل الصيد غرق أو ترد أو كلب غير معلم لم يؤكل قال وإن وقع من الهوي [على] الأرض فمات ووجدت سهمك لم ينفذ مقاتله لم يؤكل وأما قول الفقهاء في هذه المسألة وما كان في معناه فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا رمى الصيد في الهوي فوقع على جبل فتردى ومات لم يؤكل لأنه لم يؤتمن أن يكون التردي قد أعان على قتله مع إنفاذ المقاتل ولو وقع مع إنفاذ المقاتل على الجبل والأرض فمات مكانه أكل وإن وقع في ماء لم يؤكل وقال الأوزاعي وفي الوعل يكون على شرف فيضر به الطائر فيقع لا يأكله لأنه لا يؤمن أن يموت من السقطة وقال في طائر رماه رجل وهو يطير في الهواء فوقع في ماء لا يؤكل قال وإن وقع على الأرض ميتا أكل [وروي عن بن مسعود أنه قال إذا رمى أحدكم طائرا وهو على جبل فخر فمات فلا يأكله فإني أخف أن يكون قتله ترديه
270 قال وكذلك إن وقع في ماء فإني أخاف أن يكون قتله الماء لم يذكر في ذلك كله إنفاذ المقاتل وما خافه بن مسعود قد خافه مالك في قوله حتى لا يشك أحد أنه قتله وكل ما روي عن التابعين وسائر الخلفاء فغير خارج عن هذا المعنى وبالله التوفيق إلا أن بن خديج قال قلت لعطاء إني رميت صيدا فأصبت مقتله فتردى أو وقع في ماء وأنا أنظر فمات قال لا تأكله] [قال وسمعت مالكا يقول] لا بأس بأكل الصيد وإن غاب عنك مصرعه إذا وجدت به أثرا من كلبك أو كان به سهمك ما لم يبت فإذا بات (فإنه يكره) أكله وفي غير ((الموطأ)) قال مالك [إذا مات الصيد ثم أصابه ميتا لم ينفذ الكلب أو البازي أو السهم لم يأكله قال أبو عمر] فهذا يدل أنه إذا نفذ مقاتله كان حلالا عنده أكله وإن بات إلا إنه يكرهه إذا بات لما جاء عن بن عباس وإن غاب عنك ليلة فلا تأكل وقال اشهب وعبد الملك وأصبغ جائز أكل الصيد وإن بات إذا نفذت مقاتله [قال أبو عمر هذه المسألة قد اختلفت فيها الآثار وعلماء الأمصار فقال الثوري إذا غاب عنك ليلة ويوما كرهت أكله وقال الأوزاعي إن وجده من الغد ووجد فيه سهمه أو أثرا من كلبه فليأكله وقال الشافعي القياس الا يأكله إذا غاب عنه مصرعه واحتج مع ذلك بقول بن عباس كل ما أصميت (1) ودع ما أنميت (2) وفي خبر آخر عنه ما غاب عنك ليلة فلا تأكله وقال أبو حنيفة إذا توارى عنه الصيد والكلب في طلبه فوجده قد قتله جاز أكله
271 وإن ترك الكلب الطلب واشتغل بعمل غيره ثم ذهب في طلبه فوجده مقتولا والكلب عنده كرهنا أكله قال أبو عمر في حديث أبي رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الصيد إذا غاب عنك مصرعه وذكر هوام الأرض فإن كان أبو رزين العقيلي فالحديث مسند وإن كان أبو رزين مولى أبي وائل فهو مرسل وقد اختلف فيهما على هذين القولين وروى معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلاث يأكله إلا أن ينتن (1) ذكره أبو داود عن يحيى بن معين عن خالد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح وقال أبو داود حدثني محمد بن المنهال الضرير قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبا ثعلبه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لي كلابا مكلبة فأفتنا في صيدها فقال النبي - عليه السلام - ((كل مما أمسكن عليك ذكيا وغير ذكي)) قال وإن أكل منه قال وإن أكل منه قال يا رسول الله أفتني في قوسي قال ((كل ما ردت عليك قوسك ذكيا وغير ذكي قال ((وإن تغيب عني قال وإن تغيب عنك ما لم يضل أو تجد فيه سهم غيرك)) (2) قال أبو عمر قوله إلا أن يضل يقول إلا أن ينتن فحمله قوم على
272 التحريم وقالوا لا يحل أكل ما أنتن لأنه يصير خسيئا خبيثا والله قد حرم الخبائث ويدخل فيها كل ما أنتن وبيان السنة كذلك وقال آخرون الذكي حلال والنهي عن أكل ما أنتن منه نفرة وتقذر وقد جاء في صيد البحر وهو ذكي مثل ما جاء في صيد البر إذا أنتن لا يؤكل ذكر يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن أبي حمزة أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري يقول أمر علينا قيس بن سعد بن عبادة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتنا مخمصة فنحرنا سبع جزائر ثم هبطنا ساحل البحر فإذا لحق بأعظم حوت فأقمنا عليه ثلاثا فحملنا ما شئنا من ثريد وودك منه في الأسقية والقدائر ثم سرنا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بذلك فقال ((لو أنا نعلم أنا ندركه قبل أن يروح لأحببنا أن يكون عندنا منه)) وفي هذا الحديث إلا أن يروح يقول إلا أن ينتن ففي هذه الأحاديث النهي عن أكل ما ينتن من اللحم الذكي وهو نص لا يضره تقصير من قعد عن ذكره وفي رواية سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إنا أهل صيد فيرى أحدنا الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين ثم يبلغ أثره فنجد السهم فيه قال ((إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد فيه أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل)) (1) وروى معمر عن عاصم عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله فذكر معناه سواء] قال أبو عمر هذا قول مالك وجمهور أهل العلم وهو أولى ما اعتمد عليه في هذا الباب والله الموفق للصواب وقد زدنا هذه المسألة بيانا في كتاب الحج عند ذكر حمار البهري لأنه غاب عنه ثم وجده وفيه سهمه [والله أعلم قال أبو عمر] فإن ظن ظان أن بن عباس يخالف هذا فقد غلط والآثار (عنه) تدل على هذا المعنى
273 وروى الثوري عن الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل قال كنت مع أهل الكوفة إلى بن عباس فلما جئته [قال الناس مسألة] فجاءه رجل مملوك فقال يا أبا عباس إني أرمي الصيد فأصمي وأنمي قال ما [أصميت] فكل وما توارى عنك ليلة فلا تأكل ومعمر عن الأعمش عن مقسم عن بن عباس مثله إلا أنه قال (وما أنميت) فلا تأكل ولم يقل ليلة وهذا كله (تفسير) حديث إسرائيل عن (سماك) بن حرب (عن عكرمة) عن بن عباس أنه سئل عن الرجل يرمي الصيد فيجد سهمه (فيه) من الغد فقال لو علمت أن سهمك قتله لأمرتك بأكله ولكني لا أدري لعله قتله ترد أو غير ذلك ((2 - باب [ما جاء في] صيد المعلمات)) 1020 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الكلب المعلم كل ما أمسك عليك إن قتل وإن لم يقتل 1021 - مالك [أنه] سمع نافعا يقول قال عبد الله بن عمر وإن أكل أو لم يأكل قال أبو عمر هذه الرواية التي بلغته عن نافع خير من التي سمعها هو من نافع لأن روايته في قتل أو لم يقتل تحتاج إلى تفسير لأن الكلب إذا لم يقتل الصيد وأدركه الصائد حيا بين يدي الكلب لزمه أن يذكيه فإن لم يفعل لم يأكله إلا أن يفوته [هو بنفسه] من غير تفريط فيموت حينئذ كمن قتله الجارح من قبل أن يصل إليه وهذه المسألة ستأتي بعد إن شاء الله وأما الرواية أكل أو لم يأكل فمسألة أخرى اختلفت فيها الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف فيها الصحابة ومن بعدهم [من العلماء] فالذي ذهب إليه مالك ما رواه عن بن عمر عن سعد بن أبي وقاص
274 1022 - [مالك] أنه بلغه عن سعد بن أبي وقاص أنه سئل عن الكلب المعلم إذا قتل الصيد فقال سعد كل وإن لم تبق إلا بضعة واحدة وبلاغ مالك عن نافع [عن بن عمر وعن عبد الرزاق] قال أخبرنا بن خديج عن نافع عن بن عمر قال في الكلب المعلم كل ما أمسك عليك وإن أكل منه ذكره عبد الرزاق عن بن جريج وهو الصحيح عن بن جريج [وكذلك رواه عبيد الله بن عمرو عن بن أبي ذئب عن نافع عن بن عمر وروى قتادة عن عكرمة عن بن عمر أنه كره أكل الصيد يأكل منه الكلب رواه همام وغيره عن قتادة ومعمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يرى بأسا بأكل الصيد يأكل منه الكلب وروى يحيى القطان قال حدثني داود الكندي عن محمد بن زيد عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال إذا أرسلت كلبك أو بازيك فأكل فكل وروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن بن المسيب أن سلمان قال إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فأكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل] وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال في الكلب المعلم كل مما امسك عليك وأن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل قال وقال سعيد كل وإن لم يبق إلا رأسه ورواية عن أبي هريرة مثله وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وبن شهاب وربيعة وإليه ذهب الأوزاعي والليث بن سعد وروى بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث وإبراهيم بن نشيط وبكر بن مخرمة وبن أبي ذئب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن حميد بن مالك أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب فقال كل وإن لم بيق منه إلا جوفه
275 وروى شعبة عن عبد ربه بن سعيد قال أخبرني بكير بن الأشج أن سعدا قال كل وإن أكل نصفه وحجة مالك ومن قال بقوله في ذلك ما حدثناه [عبد الله] قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن عيسى قال حدثني هشيم قال حدثني داود بن عمرو عن بسر بن [عبد الله] عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل قلت وإن أكل منه يا رسول الله قال ((وإن أكل منه)) (1) وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور إذا أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم فلا يؤكل من صيده وهو قول بن عباس لم يختلف في ذلك عنه واختلف فيه عن أبي هريرة وروي عنه مثل قول بن عباس وروي عنه مثل قول سلمان وسعد وروى طاوس وسعيد بن جبير وعطاء عن بن عباس في الكلب قال إن [أكل] من صيده فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ولو كان معلما لم يأكل وبه قال الشعبي وعطاء [وطاوس] وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وإبراهيم النخعي قال أبو عمر [حجتهم حديث عدي بن حاتم رواه من وجوه صحاح ما رواه شعبة عن عبد الله بن الشعر عن أبي السفر عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه
276 وفي رواية مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم عن النبي - عليه السلام - قال في الكلب ((وإذا قتل ولم يأكل شيئا فإنما ليس عليه أمسك على نفسه)) قال أبو عمر قد عارض حديث عدي هذا حديث أبي ثعلبة ناسخ لقوله فيه وإن أكل يا رسول الله قال وإن أكل و] الكلب المعلم عند مالك وعند كل من أجاز أكل صيده إذا أكل منه هو أن يشلي فيستشلى (1) ويدعى فيجيب ويزجر فيطيع وليس ترك الأكل عندهم من شرط التعليم وأما الذين أبوا [من] أكل صيده إذا أكل فمن شرط التعليم عندهم أن لا يأكل مع ما ذكرنا من الإجابة والإشلاء والطاعة وقال الشافعي والكوفيون إذا أشلى استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فإذا فعل ذلك مرة بعد مرة أكل صيده في الثالثة ومنهم من قال يفعل ذلك ثلاث مرات ويؤكل صيده في الرابعة وقال غيره إذا فعل ذلك [مرة] فهو معلم ويؤكل صيده في الثانية وأما الكلب يشرب من دم الصيد فكرهه الشعبي والثوري وشبهاه بأكله وقال عطاء وجمهور العلماء ليس شربه من [دم] الصيد كأكلة منه ولا بأس به 1023 - مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقولون في البازي والعقاب والصقر وما أشبه ذلك أنه إذا كان يفقه كما تفقه الكلاب المعلمة فلا بأس بأكل ما قتلت مما صادت إذا ذكر اسم الله على إرسالها قال أبو عمر [لا أعلم في صيد سباع الطير المعلمة خلافا إنه جائز كالكلب المعلم سواء إلا مجاهد بن جبر فإنه كان يكره صيد الطير ويقول إنما قال الله تعالى * (وما علمتم من الجوارح مكلبين) * [المائدة 4] فإنما هي الكلاب وخالفه عامة العلماء قديما وحديثا فأجازوا الاصطياد بالبازي والشوذنين وسائر سباع الطير المعلمة وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه في قوله عز وجل " وما علمتم من
277 الجوارح مكلبين) [المائدة 4] قال الجوارح من الكلاب والبيزان والصقور والفهود وما أشبههما قال أبو عمر على هذا الناس] واختلف الفقهاء في صيد البازي وما كان مثله من سباع الطير فأكل من صيده فقال الجمهور لا يضر ذلك صيده وهو ذكي كله إذا قتله وإن أكل منه لأن تعليمه بالأكل وللشافعي في هذه المسألة قولان أحدهما أن البازي كالكلب إن أكل من صيده فلا يأكل والقول الثاني أنه لا بأس بصيد سباع الطير أكلت أو لم تأكل قال أبو عمر احتج من كره صيد البازي إذا أكل من أصحاب الشافعي بما حدثناه عبد الوارث [بن سفيان] قال حدثني قاسم [بن أصبغ] قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني عيسى بن يونس عن مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال ((ما أمسك عليك فكل)) ( 1) وهذا مثل قولك في الكلب قال أبو عمر هذا لا حجة [فيه] لأنه محتمل للتأويل واحتج أيضا بما رواه بن جريج عن نافع عن بن عمر قال ما يصطاد بالطير والبيزن وغيرهما فما أدركت ذكاته فكل وما لا فلا تطعمه قال وأما الكلب المعلم فكل ما أمسك عليك وإن أكل منه ففرق بين البازي والكلب قال أبو عمر ليس هذا بشيء بل هو حجة عليه لأنه إذا [أجاز] أكل ما أكل الكلب منه فأحرى أن يجيز أكل ما أكل البازي منه وهذا عندي غير صحيح [عنه] إلا أن يكون البازي لم ينفذ مقاتله وكان قادرا على تذكيته فتركه وقد روى سعيد بن جبير عن بن عباس قال إذا أكل الكلب المعلم فلا
278 تأكل وأما الصقر والبازي فإن أكل فكل ولا مخالف [له] من الصحابة من وجه يصح وقال الحسن و [إبراهيم] النخعي في البازي والصقر إن أكلا فكل إنما تعليمه أكله قال مالك وأحسن ما سمعت في الذي يتخلص الصيد من مخالب البازي أو من الكلب [ثم يتربص به فيموت أنه لا يحل أكل قال مالك وكذلك كل ما قدر على ذبحه وهو في مخالب البازي أو في في الكلب] فيتركه صاحبه وهو قادر على ذبحه حتى يقتله البازي أو الكلب فإنه لا يحل أكله قال مالك وكذلك الذي يرمي الصيد فيناله وهو حي فيفرط في ذبحه حتى يموت فإنه لا يحل أكله قال أبو عمر على قول مالك هذا جمهور الفقهاء كلهم يقول إذا مات الصيد قبل أن يمكنه ذبحه جاز أكله وإن أمكنه ذبحه فلم يفعل حتى مات لم يأكله وممن قال بهذا الليث [بن سعد] والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو قول الحسن وقتادة وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا حصل الصيد في يده حيا من [فم] الكلب أو [الصيد] لسهم ولم يذكه لم يؤكل سواء قدر على تذكيته أو لم يقدر و [قد] قال الليث إن ذهب يخرج سكينة من حقبة [أو خفه] فسبقه بنفسه فمات أكله وإن ذهب يخرج سكينه من خرجه فمات قبل أن يخرجه لم يأكله وقد روي عن [إبراهيم] النخعي والحسن البصري في هذه المسألة قول شاذ قالا إذا لم تكن معك حديدة فأرسل عليه الكلاب حتى تقتله قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن المسلم إذا أرسل كلب المجوسي الضاري فصاد أو قتل أنه إذا كان معلما فأكل ذلك الصيد حلال بأس يه وإن لم يذكه المسلم وإنما مثل ذلك مثل المسلم يذبح بشفرة المجوسي أو يرمي بقوسه أو بنبله يقتل بها فصيده ذلك وذبيحته حلال لا بأس بأكله وإذا أرسل المجوسي كلب المسلم الضاري على صيد فأخذه فإنه لا يؤكل ذلك الصيد إلا أن يذكي وإنما مثل ذلك مثل قوس المسلم ونبله يأخذها المجوسي فيرمي بها الصيد فيقتله وبمنزلة شفرة المسلم يذبح بها المجوسي فلا يحل أكل شيء من ذلك
279 [قال أبو عمر الخلاف في ذبائح المجوسي ليس بخلاف عند أهل العلم والفقهاء أئمة الفتوى متفقون على ألا تؤكل ذبائحهم ولا صيدهم ولا تنكح نساؤهم من قال منهم أنهم كانوا أهل كتاب ومن أنكر ذلك منهم كله يقول لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم ولا صيدهم على هذا مضى جمهور العلماء من السلف وهو الصحيح عن سعيد بن المسيب روى معمر عن قتادة عن شعبة عن سعيد بن المسيب في المسلم يستعير كلب المجوسي فيرسله على الصيد قال كله فإن كلبه مثل شفرته قال قتادة وكرهه الحسن] قال أبو عمر على جواز صيد المسلم بكلب المجوسي وسلاحه جماعة السلف وتابعهم الجميع من الخلف وشذ عنهم من لزمته الحجة في الرجوع إليهم فلم يعد قوله خلافا وهو أبو ثور قال في المسلم يأمر المجوسي بذبح أضحيته إنها تجزئه وقد أساء وقال في الكتابي يتمجس إنه جائز أكل ذبيحته [وقال في موضع آخر من صيد المجوسي قولان أحدهما أنه يجوز كصيد الكتابي وذبيحته لأنه من أهل الكتاب والثاني أنه لا يجوز أكل صيده كقول جمهور المسلمين وأما صيد المسلم بكلب المجوسي فالاختلاف فيه قديم كرهته طائفة ولم تجزه وأجازه آخرون فمن كرهه جابر بن عبد الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن البصري وعطاء ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وإليه ذهب إسحاق بن راهويه] وحجة من ذهب إلى هذا ظاهر قول الله عز وجل * (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) * [المائدة 4] [فخاطب المؤمن بهذا الخطاب] فإن لم يكن المعلم للكلب مؤمنا لم يجز صيده
280 ومن حجتهم أيضا [ما] رواه وكيع عن الحجاج عن القاسم بن أبي بزة عن سليمان اليشكري عن جابر بن عبد الله قال نهينا عن صيد كلب المجوسي (1) وخالفهم آخرون فقالوا تعليم المجوسي له وتعليم المسلم سواء وإنما الكلب كالة الذبح والذكاة وممن ذهب إلى هذا سعيد بن المسيب [وبن شهاب] والحكم وعطاء وهو الأصح عنه [إن شاء الله] وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم وكان الحسن البصري يكره الصيد بكلب [المجوسي] والنصراني وقال أحمد بن حنبل أما كلب اليهودي والنصراني فهو أهون وقال إسحاق لا بأس أن يصيد المسلم بكلب اليهودي والنصراني قال أبو عمر لما أجمع الجمهور الذين لا يجوز عليهم تأويل الكتاب وهم الحجة على من شذ عنهم إن ذبح المجوسي بشفرة المسلم ومديته واصطياده بكلب المسلم لا يحل علمنا أن المراعاة والاعتبار إنما هو دين الصائد والذابح لا آلته وبالله التوفيق وأما اختلاف العلماء في ذبائح الصابئين [والسامرة] وصيدهم فقال الكوفيون لا تؤكل ذبائح الصابئين والمجوس [والسامرة] فليسوا أهل كتاب وقال الشافعي لا تؤكل ذبائح الصابئين ولا المجوس قال وأما [السامرة] فهم من اليهود فتؤكل ذبائحهم إلا أنه يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحرمون من الكتاب ويحلون فلا تؤكل ذبائحهم كالمجوس قال وإن كان الصابئون [والسامرة] من بني إسرائيل يدينون بدين اليهود والنصارى أنكح نساؤهم وأكلت ذبائحهم قال وأما المجوس فكانوا أهل كتاب فتؤخذ منهم الجزية لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تؤكل [لهم ذبيحة] ولا تنكح منهم امرأة وعلى هذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس نجران
281 قال أبو عمر روي عن بن عباس أنه قال في الصابئين هم قوم بين المجوس واليهود لا تحل نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم وقال مجاهد الصابئون قوم من المشركين لا كتاب لهم وذكر عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غطيف بن الحارث قال كتب عامل عمر إلى عمر أن ناسا يدعون السامرة يقرؤون التوراة ويسبتون [السبت] ولا يؤمنون بالبعث [فقال] يا أمير المؤمنين ما] ترى في ذبائحهم فكتب إليه عمر أنهم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب قال أبو عمر ولا يجيء هذا الخبر عن عمر إلا بهذا الإسناد والله أعلم وجواب الشافعي في السامرة جواب حسن ولا أحفظ فيهم عن مالك قولا والذي يدل عليه ظاهر القرآن أن الصابئين غير اليهود وغير النصارى وغير المجوس قال الله تبارك وتعالى * (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا) * [الحج 17] ففصل بينهم وقال " يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والأنجيل " [المائدة 68] وإنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وقال * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * [المائدة 5] [وقوله] يعني ذبائحهم بإجماع من أهل العلم بتأويل القرآن وصيدهم في معنى ذبائحهم وبالله التوفيق ((3 - باب ما جاء في صيد البحر)) 1024 - مالك عن نافع أن عبد الرحمن بن أبي [هريرة] سأل عبد الله بن عمر عما لفظ البحر فنهاه عن أكله قال نافع ثم انقلب عبد الله بن عمر فدعا بالمصحف فقرأ * (أحل لكم صيد البحر وطعامه) * قال نافع فأرسلني عبد الله بن عمر إلى عبد الرحمن بن أبي هريرة أنه لا بأس [بأكله]
282 قال أبو عمر كان عبد الله بن عمر - والله أعلم - يذهب فيما لفظ البحر مذهب من كرهه ثم رجع إلى ظاهر القرآن وعمومه في قوله تبارك أسمه * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم) * [المائدة 96] وقد اختلف العلماء في تأويل ذلك فروى وكيع عن سفيان عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن بن عباس قال طعامه ما لفظ به أو قال [ما قذف] به وبن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال طعامه ما ألقى وهو قول إبراهيم فيما قذف وكان يكره الطافي وقال محمد بن كعب القرظي عن بن عباس طعامه ما لفظ [به] فألقاه ميتا وعن زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر [وبن العاص] وعمر [بن الخطاب] وأبي هريرة مثله وبه قال [محمد بن كعب و] عطاء وطائفة من التابعين وروى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال صيد البحر طرية ما اصطدته طريا وطعامه ما تزودته مملوحا وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير وأبي مالك وإبراهيم النخعي وطائفة وقد روي عن بن عباس مثله قال أبو عمر من ذهب إلى [أن] طعامه مملوحا كره ما مات وطفا من السمك ومن قال طعامه ما ألقاه ميتا أجاز ذلك ونبين ذلك في هذا الباب - إن شاء الله - 1025 - قال مالك عن زيد بن اسلم عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب أنه قال سالت عبد الله [بن عمر] عن الحيتان يقتل بعضها بعضا أو تموت صردا فقال ليس بها بأس قال سعد ثم سألت عبد الله بن عمرو بن العاص فقال مثل ذلك 1026 - مالك عن أبي الزناد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن [عن أبي هريرة وزيد بن ثابت أنهما كانا لا يريان بما لفظ البحر بأسا
283 1027 - مالك عن أبي الزناد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن] أن ناسا من أهل الجار قدموا فسألوا مروان بن الحكم عما لفظ البحر فقال ليس به باس وقال اذهبوا إلى زيد بن ثابت وأبي هريرة فاسألوهما عن ذلك ثم ائتوني فأخبروني ماذا يقولان فأتوهما فسألوهما فقالا لا بأس به فأتوا مروان فأخبروه فقال مروان قد قلت لكم قال أبو عمر [اختلف العلماء في أكل الطافي من السمك وفي كل ما عدا السمك من حيوان البحر فقال مالك لا بأس بأكل كل حيوان في الأكل لبحر ولا يحتاج شيء منه إلى ذكاة وهو حلال حيا وميتا إلا أنه كره خنزير الماء وقال أنتم تسمونه خنزيرا وقال بن القاسم لا أرى خنزير الماء حراما وقال بن أبي ليلى نحو قول مالك في ذلك وهو قول الأوزاعي ومجاهد قال بن أبي ليلى كل شيء في البحر من الضفدع والسرطان وحية الماء وغيرها حلال حيا وميتا وقال الأوزاعي صيد البحر كله حلال وكل ما مسكنه وعيشه في الماء قيل والتمساح قال نعم واختلف عن الثوري فروي عنه مثل قول مالك وروي عنه أنه لا يؤكل من صيد البحر إلا السمك وما عداه فلا بد أن يذبح وروى عنه أبو إسحاق الفزاري أنه لا يؤكل منه غير السمك وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قالوا لا يؤكل شيء من حيوان البحر إلا السمك ولا يؤكل الطافي من السمك وكره الحسن بن حي أكل الطافي من السمك
284 وقال الليث بن سعد ليس بميتة البحر بأس قال ويؤكل كلب الماء وقرص الماء ولا يؤكل إنسان الماء ولا خنزير الماء وقال الشافعي ما يعيش في الماء حل أكله وأخذه ذكاته ولا بأس بخنزير الماء وقال أبو ثور السرطان والسلحفاة وما كان مثلها لا يكون بحل إلا بالذكاة لأنهما يعيشان في البر حينا قال وما لا يعيش في البر فهو مثل السمك قال أبو عمر] احتج من لم يجز أكل الطافي من السمك بحديث إسماعيل بن أمية عن بن الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوا وما طفا فلا تأكلوا)) (1) وهذا الحديث رواه الثوري وحماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر موقوفا وروي عن علي [بن أبي طالب] أنه قال الجراد والحيتان ذكي كله إلا ما مات في البحر فهو ميتة وروى قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب أنهما كرها الطافي من السمك وشعبة عن مغيرة عن إبراهيم مثله وروى الثوري وشريك عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن بن عباس قال أشهد على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال السمكة الطافية حلال لمن أراد أكلها وروى أبو الزبير عن عبد الرحمن - مولى بني مخزوم - قال قال أبو بكر - رضي الله عنه - ما في البحر شيء إلا قد ذكاه الله لكم قال أبو عمر الحجة في هذا الباب حديث أبي هريرة وحديث الفراسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته
285 رواه الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي أنه حدث أن الفراسي قال كنت أصيد في البحر الأخضر على أرماث وكنت أحمل قربة لي فيها ماء فإذا لم أتوضأ من القربة رفق ذلك لي وبقيت لي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت ذلك عليه فقال ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) (1) فإن قيل إنهما حديثان غير ثابتين لأن سعيد بن سلمة مجهول ولأن يحيى بن سعيد يرويه عن المغيرة بن أبي بردة [عن أبيه] عن النبي عليه السلام قيل حديث جابر ثابت مجتمع على صحته وفيه أن [أصحاب] رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدوا حوتا يسمى العنبر أو دابة أكلوا منها بضعة عشر يوما ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال هل [معكم] من لحمها شيء (2) وهذا يدل على جواز أكله لغير المضطر الجائع وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في ((التمهيد)) ويأتي في موضعه من هذا الكتاب - إن شاء الله - قال مالك لا بأس بأكل الحيتان يصيدها المجوسي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في البحر ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) قال مالك وإذا أكل ذلك ميتا فلا يضره من صاده قال أبو عمر على [هذا] جمهور العلماء و [في ما ذكرنا] في هذا الباب ما يبين لك مذاهبهم في ذلك والله الموفق [للصواب] ((4 - باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع)) 1028 - مالك عن بن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة
286 الخشني [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم] قال ((أكل كل ذي ناب من السباع حرام)) قال أبو عمر هكذا رواه يحيى عن مالك بهذا الإسناد عن بن شهاب عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أكل كل ذي ناب من السباع حرام)) ولا يرويه أحد كذلك لا من أصحاب بن شهاب ولا من أصحاب مالك وإنما هذا اللفظ حديث أبي هريرة من رواية مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن أبي سفيان [الحضرمي] عن أبي هريرة والمحفوظ من حديث أبي ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل [كل] ذي ناب من السباع (1) ولم يختلف رواة ((الموطأ)) في لفظ حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أكل كل ذي ناب من السباع حرام)) 1029 - مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أكل كل ذي ناب من السباع حرام)) قال أبو عمر ما ترجم به مالك - [رحمه الله] - هذا الباب وما رسم فيه من
287 حديث أبي هريرة وحديث أبي ثعلبة يدل على أن مذهبه في النهي عن أكل كل ذي ناب [من السباع] أنه نهي تحريم لا نهي ندب وإرشاد كما زعم أكثر أصحابنا ويشذ ذلك قوله وعلى ذلك الأمر عندنا روى هذا يحيى عن مالك وهو آخر من سمع عليه ((الموطأ)) ويشهد له أيضا ما رواه أشهب عن مالك أنه لا تعمل الذكاة في السباع لا للحومها ولا لجلودها كما [قال] لا تعمل في الخنزير وإلى هذا ذهب أشهب وهو الذي يشهد له لفظ حديث أبي هريرة هذا وما ترجم عليه مالك هذا الباب وأصل النهي أن تنظر إلى ما ورد منه وطرأ على ملكك [أو على ما ليس في ملكك فما كان منه واردا على ملكك فهو يمين آداب وإرشاد واختيار وما طرأ على ملكك] فهو على التحريم وعلى هذا ورد النهي في القرآن والسنة لا لمن اعتبرهما ألا ترى إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اجتناب الأسقية والأكل من رأس الصحفة والمشي في نعل واحد وأن يقرن بين تمرتين من أكل مع غيره والاستنجاء باليمين دون الشمال والأكل بالشمال دون اليمين والتيامن في لباس النعال وفي الشراب وغير ذلك مما يطول ذكره فهذا كله وما كان مثله [نهي] أدب وإرشاد لأنه طرأ على ما في ملك الإنسان فمن واقع شيئا من ذلك لم يحرم عليه فعله ولا شيء من طعامه ولا لباسه وأما نهيه عن الشغار ونكاح المحرم ونكاح المرأة على عمتها وخالتها وعن قليل ما أسكر كثيره وعن بيع حبل حبلة وما أشبه ذلك من البيوع الفاسدة فهذا كله طرأ على شيء محظور استباحته إلا على سنته فمن لم يستبحه على سنته حرم ذلك عليه لأنه لم يكن قبل في ملكه فإن قيل إن الله تعالى قد نهى عن وطء الحائض ومن وطئها لم تحرم بذلك عليه امرأته ولا سريته قيل له لو تدبرت هذا لعلمت أنه من الباب الوارد على ما في ملك الإنسان مطلقا لأن عصمة النكاح وملك اليمين في معنى الوطء من العبادات التي أصلها
288 الحظر ثم وردت الإباحة فيها بشرط لا [يجوز أن] يتعدى ولا يستباح إلا به لأن الفروج محظورة إلا بنكاح أو ملك يمين ولم ترد الإباحة في نكاح ما طاب لنا من النساء أو ما ملكت إيماننا إلا مقرونة لأن الحائض لا توطأ حتى تطهر كما ورد تحريم الحيوان في أنه لا يستباح إلا بالذكاة فوطء الحائض واستباحة الحيوان من القسم الثاني لا من الأول الذي وردت فيه الإباحة في ملك الإنسان مطلقة بغير شرط وهذا بين لمن تدبره وبالله التوفيق ولما كان النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع محتملا للمعنيين جميعا افتتح مالك - [رحمه الله] - الباب بحديث أبي ثعلبه في لفظ النهي ثم أتبعه على جهة التفسير له بحديث أبي هريرة وفي بعض روايات ((الموطأ)) تقديم حديث أبي هريرة والمعنى [في ذلك] واحد لأن الباب جمعها فيه والنهي محتمل للتأويل [فهو مجمل] والتحريم إفصاح فهو تفسير للمجمل وقد قال [أبو بكر] الأبهري أن [النهي عن] أكل كل ذي ناب من السباع نهي تنزيه وتعذر وهذا لا أدري [ما هو] فإن أراد التقذر من القذر الذي هو النجاسة فلا خلاف في تحريم ذلك بين العلماء وأنه لا يحل أكل النجاسات ولا استباحة شيء منها ويلزم التنزه عنها لزوم فرض فإن [كان] ما ذكرنا في الندب والإرشاد فهو على ما وصفنا وإنما احتج الأبهري لرواية بن القاسم فقوله أن الذكاة عاملة في جلود السباع وأن لحومها ليست بحرام على آكلها إذا ذكيت وإنما هي مكروهة فقد تناقض بن القاسم فيما ذهب إليه من هذا الباب ورواه عن مالك لأنه لا يرى التذكية في جلود الحمير تعمل شيئا ولا تحل جلود الحمير عنده إلا بالدباغ كجلود الميتات ومعلوم أن النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع أعم وأظهر عند العلماء لأنه قد قيل في الحمر إنما نهي منها عن الجلالة وقال لبعض من سأله عنها كل من سمين مالك فلم يلتفت العلماء إلى مثل هذه الآثار لضعف مخارجها وطرقها مع ثبوت النهي [عن أكلها جملة وكذلك النهي] عن أكل كل ذي ناب من السباع
289 ومن لم ير بن عباس حجة في إباحته أكل لحوم الحمر الأهلية لأن قوله في ذلك خلاف ثابت السنة كقول من ليس في المنزلة من [أهل] العلم مثله أخرى أن يترك في لحوم السباع لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها وتحريمه لها أخبرنا عبد الله قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن المصفى قال حدثني محمد بن حرب عن الزبيدي عن مروان بن رؤبة عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((ألا لا يحل أكل ذي ناب من السباع ولا الحمار الأهلي)) (1) والذي عول عليه من أجاز أكل كل ذي ناب من السباع ظاهر قول الله تعالى " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه " الآية [الأنعام 145] وهذا لا حجة فيه لوجوه كثيرة قد تقصيناها في ((التمهيد)) منها أن سورة الأنعام مكية ومفهوم في قوله " قل لا أجد في ما أوحي ألي محرما " [الأنعام 145] أي شيئا محرما وقد نزل بعدها قرآن كثير فيه نهي عن أشياء محرمة ونزلت سورة المائدة بالمدينة وهي من آخر ما نزل وفيها تحريم الخمر المجتمع على [تحريمها] وقد حرم الله تعالى الربا وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيوع أشياء يطول ذكرها وأجمعوا أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان بالمدينة رواه عنه متأخرو أصحابه منهم أبو هريرة وبن عباس وأبو ثعلبة وكلهم لم [يصحبوه] إلا بالمدينة وأما قوله تعالى " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما) * [الأنعام 145] فقيل معناه لا أجد فيما أنزل إلي وقتي هذا غير ذلك وقيل لا أجد فيما أوحي إلي محرما مما كنتم تأكلونه يريد العرب وقيل إنها خرجت على جواب سائل عن أشياء من المأكل كأنه قال لا أجد فيما سألتم عنه شيئا محرما إلا كذا ولم تسألوا عن ذي الناب وحمار الأهلي وقد أنزل الله تعالى بعد ذلك تحريم الموقوذة والمنخنقة وما [ذكرنا] معها وأشياء يطول [ذكرها] ولما قال الله تعالى * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * [الحشر
290 ألزم بنص التنزيل الانتهاء عن كل ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم إلا أن يجتمع من لا يجوز عليه تحريف [تأويل] الكتاب والسنة وهم الجمهور الذي يلزم من شذ عنهم الرجوع إليهم على أن ذلك النهي على غير التحريم فيكون خارجا بدليله مستثنى من الجملة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المرأة على عمتها أو على خالتها ولم يقل أحد من العلماء أن قوله - عز وجل - * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * [النساء 45] يعارض ذلك بل جعل نهيه عن نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها زيادة بيان على ما في الكتاب واختلف الفقهاء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((أكل كل ذي ناب من السباع حرام)) فقال منهم قائلون إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله هذا ما كان يعدو على الناس مثل الأسد والذئب والكلب والنمر العادي وما أشبه ذلك مما الأغلب في طبعه أن يعدو [وما كان الأغلب في طبعه أنه لا يعدو فليس مما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله] هذا وإذا لم يكن فلا بأس بأكله واحتجوا بحديث الضبع في إباحة أكلها وهي سبع وهو حديث رواه عبد الرحمن بن أبي عمار قال سألت جابر بن عبد الله عن الضبع أأكلها قال نعم قلت أصيد هي قال نعم قلت أسمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم (1) قالوا وإن كان هذا الحدبث انفرد به عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار فقد وثقه جماعة من [أهل الحديث] واحتجوا بهذا الحديث [قال علي بن المديني عبد الرحمن بن أبي عمار ثقة مكي وروي عن سعد بن أبي وقاص وعروة بن الزبير إجازة أكل الضباع قالوا والضبع سبع لا يختلف في ذلك فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكلها علمنا أن
291 نهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع ليس من جنس ما أباحه وإنما هو نوع آخر والله أعلم وهو الأغلب فيه العداء على الناس هذا قول الشافعي ومن تابعه قال الشافعي ذو الناب المحرم أكله هو الذي يعدو على الناس كالأسد والنمر والذئب قال ويؤكل الضبع والثعلب وهو قول الليث وروى معمر عن بن شهاب الزهري قال الثعلب سبع لا يؤكل قال معمر وقال قتادة ليس بسبع ورخص في أكله طاوس وعطاء من أجل أنه يؤذي] قال مالك وأصحابه لا يؤكل شيء من سباع الوحش كلها ولا الهر والوحشي ولا الأهلي [لأنه سبع] قال ولا يؤكل الضبع ولا الثعلب ولا شيء من سباع الوحش ولا بأس بأكل سباع الطير زاد بن عبد الحكم عن مالك قال وكل ما يفترس ويأكل اللحم ولا يرعى الكلأ فهو سبع لا يؤكل وهو يشبه السباع التي نهى [رسول الله صلى الله عليه وسلم] عن أكلها وروي عن أشهب أنه قال لا بأس بأكل الفيل إذا ذكي قال بن وهب عن مالك لم أسمع أحدا من [أهل العلم] قديما ولا حديثا بأرضنا ينهى عن أكل كل ذي مخلب من الطير قال بن وهب وكان الليث [يقول] يؤكل الهر والثعلب والحجة لمالك في النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع عموم النهي عن ذلك ولم يخصوا سبعا من سبع فكل ما وقع عليه أسم سبع فهو داخل تحت النهي على ما يوجبه الخطاب وتعرفه العرب في مخاطبتها وليس حديث الضبع مما يعارض به [حديث النهي] عن أكل كل ذي ناب من السباع لأنه حديث انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار وليس بمشهور بنقل العلم ولا ممن يحتج به إذا خالفه من هو أثبت منه
292 وأما العراقيون - أبو حنيفة وأصحابه - فقالوا ذو الناب من السباع المنهي عن أكله الأسد والذئب والنمر والفهد والثعلب والضبع والكلب والسنور البري والأهلي والوبر قالوا وبن عرس سبع من سباع الهوام وكذلك الفيل والدب والضب واليربوع قال أبو يوسف فأما الوبر فلا أحفظ فيه شيئا عن أبي حنيفة وهو عندي مثل الأرنب لا بأس بأكله لأنه لا يعتلف إلا البقول والنبات وقال أبو يوسف [في السنجاب و] في الفنك والسمور كل ذلك سبع مثل الثعلب وبن عرس قال أبو عمر أما الضب فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم [إجازة أكله] وفي ذلك ما يدل على أنه ليس بسبع يفترس والله أعلم وقال بن المسيب [لا بأس بالورل] قال عبد الرزاق والورل أشبه شيء بالضب وكره الحسن وغيره أكل الفيل لأنه ذو ناب وهم للأسد أشد كراهة وكره عطاء ومجاهد وعكرمة أكل الكلب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكلب أنه [قال] ((طعمة جاهلية وقد أغنى الله عنها)) وروي عن بن المسيب أن الضبع لا يصلح [أكلها] وعن عروة أنه لم ير بأكل اليربوع بأسا وعن عطاء مثله وعن طاوس أنه أجاز أكل الوبر وقال الشعبي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحم القرد وكرهه بن عمر وعطاء ومكحول والحسن ولم يجيزوا بيعه وقال مجاهد ليس القرد من بهيمة الأنعام [ولا أعلم بين العلماء خلافا أن القرد لا يؤكل ولا يجوز بيعه لأنه لا منفعة فيه وذو الناب مثله عندي والحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في حجة غيره وأما جلود السباع المذكاة لجلودها فاختلف الصحابة في ذلك
293 فروى بن القاسم عن مالك أن السباع إذا ذكيت من أجل جلودها حل بيعها ولباسها والصلاة عليها] قال أبو عمر الذكاة [عنده] في السباع لجلودها أكمل طهارة وفي هذه الرواية من الدباغ في جلود الميتة وهو قول بن القاسم وقال بن حبيب إنما ذلك في السباع المختلف فيها فأما المتفق عليها فلا يجوز بيعها ولا لبسها ولا الصلاة عليها ولا بأس بالانتفاع بها إذا ذكيت كجلد الميتة المدبوغ قال بن حبيب ولو أن الدواب الحمير والبغال [إذا] ذكيت لجلودها لما حل بيعها ولا الانتفاع بها ولا الصلاة فيها إلا الفرس فإنه لو ذكي يحل بيع جلده والانتفاع به للصلاة وغيرها لاختلاف الناس في تحريمه وقال أشهب أكره بيع جلود السباع وإن ذكيت ما لم تدبغ قال وأرى أن يفسخ البيع فيها ويفسخ ارتهانها وأرى أن يؤدب [من فعل] ذلك إلا أن يعذر بالجهالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم أكل [كل] ذي ناب [من السباع] فالذكاة فيها ليست بذكاة وروى أشهب عن مالك في المستخرجة أن ما لا يؤكل لحمه فلا يطهر جلده بالدباغ قال وسئل مالك أترى ما دبغ من جلود الدواب طاهرا فقال إنما يقال هذا في جلود الأنعام فأما جلود ما لا يؤكل لحمه فكيف يكون جلده طاهرا إذا دبغ وهو مما لا ذكاة فيه ولا يؤكل لحمه قال أبو عمر لا أعلم [خلافا] أحدا من الفقهاء قال بما رواه أشهب عن مالك في جلد ما لا يؤكل لحمه أنه لا يطهر بالدباغ إلا أبا ثور إبراهيم بن خلد قال وذلك أن النبي عليه السلام قال في جلد شاة ماتت ((ألا دبغتم جلدها)) ونهى عن جلود السباع
294 قال فلما روي الخبران أخذنا بهما جميعا لأن الكلامين جميعا لو كان في مجلس واحد كان كلاما صحيحا ولم يتناقض ولا أعلم خلافا أنه لا يتوضأ في جلد خنزير وإن دبغ فلما كان الخنزير [حراما] لا يحل أكله وإن ذكي [وكانت] السباع لا يحل أكلها وإن ذكيت كان حراما أن ينتفع بجلودها وإن دبغت قياسا على ما أجمعوا عليه من الخنزير إذ كانت العلة واحدة هذا كله قول أبي ثور وذكر هشيم عن منصور عن الحسن أن عليا كره الصلاة في جلود البغال قال أبو عمر ما قاله أبو ثور صحيح في الذكاة أنها لا تعمل فيما لا يحل أكله إلا أن قوله عليه السلام ((كل إهاب دبغ فقد طهر)) (1) وقد دخل فيه كل جلد إلا أن جمهور السلف [أجمعوا] أن جلد الخنزير لا يدخل في ذلك فخرج بإجماعهم وحديث أبي ثور الذي ذكره في النهي عن جلود السباع ليس فيه بيان [ذبائح] ويحتمل أن يكون نهي عنها قبل الدباغ وهذا أولى ما حملت الآثار عليه والحديث حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى القطان عن بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع (2) وقال [محمد] بن عبد الحكم وحكاه عن أشهب لا يجوز تذكية السباع وإن ذكيت لجلودها لم يحل الانتفاع بشيء من جلودها إلا أن تدبغ قال أبو عمر قول بن عبد الحكم عن أشهب عليه جمهور الفقهاء من أهل النظر والأثر بالحجاز والعراق والشام
295 وهو الصحيح عندي وهو الذي يشبه [قول] مالك في ذلك ولا يصح أن ينقله غيره [ولوضوح الدلائل عليه] ولو لم يعتبر ذلك إلا بمذابحة المحرم [أو ذبح في الحرم] أن ذلك لا يكون ذكاة للمذبوح عند مالك وأكثر العلماء وكذلك الخنزير عند الجميع لا تعمل في جلده الذكاة وسيأتي ذكر ما يطهر [بالدباغ] من الأهب في الباب بعد هذا إن شاء الله ((5 - باب ما يكره من أكل الدواب)) 1030 - قال مالك إن أحسن ما سمع في الخيل والبغال والحمير أنها لا تؤكل لأن الله تبارك وتعالى قال * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * [النحل 8] وقال تبارك وتعالى في الأنعام " لتركبوا منها ومنها تأكلون غافر 79] وقال تبارك وتعالى " ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وأطعموا القانع والمعتر الحج 36] قال مالك وسمعت أن البائس هو الفقير وأن المعتر هو الزائر قال مالك فذكر الله الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة وذكر الأنعام للركوب والأكل قال مالك والقانع هو الفقير أيضا قال أبو عمر قد ذكر مالك - رحمه الله - مذهبه في هذا الباب واحتج بأحسن الاحتجاج ولا خلاف فيما ذكر من أكل البغال والحمير إلا شيء روي عن بن عباس وعائشة والشعبي وقد روي عنهم خلافه على ما قد ذكرناه في موضعه وهو مذهب طائفة من أصحاب بن عباس وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال قلت لجابر بن زيد أنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر قال وقد كان الحكم [بن عمرو الغفاري] يكره ذلك [وينهى عنه] وأبى ذلك البحر - يعني بن عباس وتلا " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما " الآية [الأنعام 145] وبن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى قال أصبنا
296 حمرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [بخيبر] فنحرناها وطبخناها فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اكفوا القدور بما فيها (1) قال أبو إسحاق فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال إنما نهي عنها لأنها [كانت] تأكل العذرة قال أبو عمر جمهور العلماء على ما ورد من السنة فيهما لأن النبي - عليه السلام - عام خيبر نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وأجمع العلماء [على] أن البغل عندهم كالحمار لا يسهم له في الغزو ولا يؤكل لحمه وعلى هذا جماعة الفقهاء - [أئمة الفتوى] بالأمصار واختلفوا في أكل الخيل فقال مالك وأصحابه وأبو حنيفة والأوزاعي لا تؤكل الخيل ومن الحجة لهم من جهة السنة الواردة بنقل الآحاد ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني بقية عن ثور بن يزيد عن صالح حدثني حيوة بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع (2) وقال أبو يوسف ومحمد والليث [بن سعد] والشافعي وأصحابه تؤكل الخيل وحجتهم ما حدثناه عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثني سليمان بن حرب قال حدثني حماد عن
297 عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن لنا في لحوم الخيل (1) قال أبو داود وحدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني حماد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل (2) وروى هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه (3) قال أبو عمر أما أهل العلم بالحديث فحديث الإباحة في لحوم الخيل أصح عندهم وأثبت من النهي عن أكلها وأما القياس عندهم فإنها لا تؤكل الخيل لأنها من ذوات الحافر كالحمير وأما قوله البائس الفقير فلا أعلم فيه خلافا وربما عبروا عنه بالمسكين والمعنى واحد وهو الذي قد تباءس من ضر الفقر والله أعلم وأما قوله المعتر هو الزائر فقد قيل ما قال وقيل المعتر الذي يعتريك ويعترض [ويتعرض] لك لتعطيه ولا يفصح بالسؤال وقيل القانع السائل قال الشماخ (لمال المرء يصلحه فيغني * مفاقره أعف من القنوع) (4) أي السؤال يقال [منه] قنع قنوعا إذا سأل وقنع قناعة إذا رضي بما أعطي
298 وأصل هذا كله الفقر والمسكنة وضعف الحال وقال بن وهب قال مالك لا بأس بأكل الأرنب قال أبو عمر قد ذكرنا في باب ما يقتل المحرم من الدواب في كتاب الحج ما لمالك وغيره في أكل كل ذي مخلب من الطير فأغنى عن ذكر ذلك (ها هنا)) 1 (6 - باب ما جاء في جلود الميتة)) 1031 - مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة كان أعطاها مولاة لميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال أفلا انتفعتم بجلدها)) فقالوا يا رسول الله إنها ميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنما حرم أكلها)) قال أبو عمر هكذا رواه يحيى مسندا وقد تابعه على ذلك بن وهب وبن القاسم والشافعي وأرسله القعنبي وبن بكير وجويرية ومحمد بن الحسن فقالوا فيه عن بن شهاب عن عبيد الله عن النبي - عليه السلام - والصحيح رواية من رواه مسندا وكذلك يرويه سائر أصحاب الزهري ولم يذكر مالك في هذا الحديث الدباغ وتابعه على ذلك معمر ويونس وهو الصحيح فيه عن بن شهاب وبه كان يفتي وقد روى يحيى بن أيوب عن عقيل وبقية عن الزبيدي جميعا عن الزهري في هذا الحديث ذكر الدباغ وليسا بحجة على ما ذكرنا وذكر الدباغ محفوظ في حديث بن عباس من وجوه من غير طريق بن شهاب منها حديث بن وعلة وغيره
299 و [أما] قوله [في حديث بن شهاب] إنما حرم أكلها قول خرج على جواب سائل عن جلدها فأجابه بأن الانتفاع بها متاح بعد دبغها ومعلوم أن تحريم الميتة قد جمع عصبها وإهابها وعظامها مع لحمها هذا ما يوجبه الظاهر وقد اختلف العلماء في الانتفاع بجلود الميتة قبل الدباغ وبعده وفي الانتفاع بعظامها في أمشاط العاج وغيرها وسنبين ذلك في هذا الباب - إن شاء الله 1032 - [مالك عن زيد بن أسلم عن بن وعلة المصري عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إذا دبغ الإهاب (1) فقد طهر)) 1033 - مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت قال أبو عمر أما حديث بن وعلة فقد ذكرنا في ((التمهيد)) أن ممن روى عن بن وعلة مع زيد بن أسلم القعقاع بن حكيم وأبو الخير اليزني وذكرنا من رواه أيضا عن زيد بن أسلم كما رواه مالك وأتينا بالأحاديث بأسانيدها في ((التمهيد)) ومعلوم أن المقصود بقوله عليه السلام ((أيما إهاب قد دبغ فقد طهر)) هو ما لم يكن طاهرا من الأهب كجلود الميتات وما لا تعمل فيه الذكاة من السباع عند من حرمها لأن الطاهر لا يحتاج إلى الدباغ ليتطهر ومحال أن يقال في الجلد الطاهر إذا دبغ فقد طهر
300 وهذا يكاد علمه أن يكون ضرورة وفي قوله عليه السلام أيما إهاب دبغ فقد طهر نص ودليل فالنص منه طهارة الإهاب بالدباغ والدليل منه أن إهاب كل ميتة إن لم يدبغ فليس بطاهر وإذا لم يكن طاهرا فهو نجس والنجس رجس محرم وإذا كان ذلك كذلك كان هذا الحديث معارضا لرواية بن شهاب في الشاة الميتة إنما حرم أكلها وإنما حرم لحمها وكان مبينا للمراد منه وبطل بنصه قول من قال إن الجلد من الميتة لا ينتفع به بعد الدباغ وبطل بالدليل منه قول من قال إن جلد الميتة - وإن لم يدبغ - يستمتع به وينتفع وهو قول بن شهاب وروي عن الليث بن سعد مثله وذكره معمر بأثر حديثه المسند المذكور قال معمر وكان الزهري ينكر الدباغ ويقول يستمتع به على كل حال قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي وما علمت أحدا قال ذلك قبل الزهري وروى الليث عن يونس عن بن شهاب الحديث المذكور ثم قال بإثره فلذلك لا نرى بالسقاء فيها بأسا ولا ببيع جلدها وابتياعه وعمل الفراء منها قال أبو عمر برواية معمر عن بن شهاب ما ذكرنا من قوله دليل على صحة نقل من لم يذكر في حديث بن شهاب الدباغ وقد ذكر الدباغ فيه بن عيينة والأوزاعي وعقيل الزبيدي وسليمان بن كثير إلا أنهم اضطرب عنهم في ذلك وذكر الدباغ في هذه القصة من حديث عطاء عن بن عباس ثابت لم يضطرب فيه ناقلوه وروى بن جريج وعمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاة مطروحة من الصدقة فقال ((أفلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به )) (1) وأما قول الليث فهي هذه المسألة فمثل قول بن شهاب رواه بن وهب وعبد الله بن صالح عنه
301 وقال الطحاوي لم نجد عن أحد من الفقهاء جواز بيع جلد الميتة قبل الدباغ إلا عن الليث قال أبو عمر قد ذكر بن عبد الحكم عن مالك ما يشبه مذهب بن شهاب والليث في ذلك قال من اشترى جلد ميتة فدبغه وقطعه نعالا فلا يبعها حتى يبين وهذه مسألة أغفل فيها ناقلها ولم يبن وتحصيل مذهبه المعروف أن جلد الميتة لا ينتفع في شيء من الأشياء قبل الدباغ فكيف البيع الذي لا يجزه في المشهور من مذهبه بعد الدباغ وفي المدونة مسألة تشبه ما ذكره بن عبد الحكم قال من اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ فأتلفه فعليه قيمته وحكى بن القاسم أن ذلك قول مالك وقال أبو الفرج قال مالك من أغتصب لرجل جلد ميتة غير مدبوغ فلا شيء عليه قال إسماعيل بن إسحاق لا شيء عليه إلا أن يكون لمجوسي قال أبو عمر ليس في تقصير من قصر عن ذكر الدباغ في حديث بن عباس حجة على ما ذكره لأن من أثبت شيئا هو حجة على من سكت عنه ومعلوم أن من حفظ شيئا حجة على من لم يحفظ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من دباغ جلد الميتة آثار كثيرة منها حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((دباغ جلد الميتة ذكاته)) (1) وقد رواه قوم عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الأسود عن عائشة وقد جاء حديث ميمونة من غير رواية بن عباس روى بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث والليث بن سعد عن كثير بن فرقد أن عبد الله بن مالك بن حذافة حدثه عن أمه العالية بنت سبيع أن ميمونة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - حدثتها أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من قريش وهم
302 يجرون شاة لهم مثل الحمار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لو اتخذتم إهابها)) فقالوا إنها ميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يطهرها الماء والقرظ)) (1) (2) وروى قتادة وغيره عن الحسن عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق أن النبي عليه السلام في غزوة تبوك أتى أهل بيت فدعا بما عند امرأة قالت ما عندي ماء إلا قربة ميتة قال أوليس قد دبغتها قالت بلى قال ((فإن ذكاتها دباغها)) (3) رواه شعبة وهشام عن قتادة بمعنى واحد وذكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون عن سعيد عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أخيه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في جلد الميتة أن دباغه أذهب خبثه ونجسه أو قال رجسه (4) والآثار بهذا كثيرة فلا وجه لمن قصر عن ذكر الدباغ [قال أبو عمر] والذي عليه أكثر أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة الفتوى أن جلد الميتة دباغه طهور كامل له تجوز بذلك الصلاة عليه والوضوء والاستقاء والبيع وسائر وجوه الانتفاع وهو قول [سفيان] الثوري وأبي حنيفة والكوفيين و [قول] الأوزاعي [في] جماعة أهل الشام وقول الشافعي وأصحابه وبن المبارك وإسحاق وهو قول عبيد الله بن الحسن والبصريين وقول داود والطبري وهو قول جمهور أهل المدينة إلا أن مالكا كان يرخص في الانتفاع بها بعد الدباغ ولا يرى الصلاة فيها ويكره بيعها وشراءها وعلى ذلك أصحابه إلا بن وهب فإنه يذهب إلى أن دباغ الإهاب طهور كامل له في الصلاة والوضوء والبيع وكل شيء و [قد] ذكر في ((موطئه)) عن بن لهيعة وحيوة بن شريح بن خالد بن أبي عمران قال سألت القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن جلود الميتة إذا دبغت أآكل ما جعل فيها قال نعم ويحل ثمنها إذا بينت مما كانت
303 قال وحدثنا محمد بن عمرو عن بن جريج قال قلت لعطاء الفرو من جلود الميتة يصلى فيه قال نعم وما بأسه وقد دبغ وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال لا يختلف عندنا بالمدينة أن دباغ جلود الميتة طهورها وقال بن وهب سمعت الليث يقول لا بأس بالصلاة في جلود الميتة إذا دبغت وإلى هذا ذهب بن الحكم في طهارة جلود الميتة أنها طاهرة كاملة كالذكاة وفي المسألة قول رابع ذهب إليه أحمد بن حنبل وهو في الشذوذ قريب من الأول ذهب إلى تحريم الجلد وتحريم الانتفاع به قبل الدباغ وبعده بحديث شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جهينة وأنا غلام شاب أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (1) وهذا الحديث قد خولف فيه شعبة [فروي] عن الحكم عن رجال من جهينة [لم يذكرهم] وكذلك رواه القاسم بن مخيمرة عن مشيخة له عن عبد الله بن عكيم ولو كان ثابتا لاحتمل أن لا يكون مخالفا للأحاديث التي ذكر فيها الدباغ كأنه قال لا تنتفعوا من الميتة بإهاب قبل الدباغ فإذا احتمل ذلك لم يكن [ذلك به] مخالفا لخبر بن عباس وما كان مثله في الدباغ فإن قيل إن في حديث عبد الله بن عكيم أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته [بشهر فقد يحتمل أن يكون حديث بن عباس قبل موته] بجمعة أو ما شاء الله وهذا لا حجة فيه وقد تقصينا حجج الفرق في ((التمهيد)) وحجة مالك فيما ذهب إليه من الانتفاع بجلد الميتة المدبوغ في الأشياء اليابسة
304 كالجلوس عليها والغربلة والامتهان وشبهه وكراهيته لبيعها والصلاة عليها حديثه [بذلك] عن يزيد بن قسيط [عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان] عن أمه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر [أن] يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت وقد أجاز مالك الصلاة عليها في بعض الروايات عنه وقال أما أنا فأستقي به في خاصة نفسي وأكرهه لغيري وهذا كله استحباب لا يقوم عليه دليل [والدليل بمشهور الحديث عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) على أن البيع عندهم من باب الانتفاع وأما قوله أيما إهاب دبغ فقد طهر فإنما يقتضي جميع الأهب وهي الجلود كلها لأن اللفظ جاء في ذلك مجيء عموم ولم يخص شيئا مثلها وهذا أيضا موضع اختلاف بين العلماء فأما مالك فقد ذكرنا مذهبه في أنها طهارة غير كاملة على ما وصفنا عنه وعليه أصحابه إلا بن وهب فإنها عنده طهارة كاملة وهو قول جمهور العلماء وأئمة الفتوى الذين ذكرناهم إلا جلد الخنزير فإنه لا يدخل في عموم قوله أيما إهاب دبغ فقد طهر لأنه محرم العين حيا وميتا وجلده مثل لحمه فلما لم تعمل في لحمه ولا في جلده الذكاة لم يعمل الدباغ في إهابه شيئا] وروى معن بن عيسى عن مالك أنه سئل عن جلد الخنزير إذا دبغ فقال لا ينتفع به رواه بن وضاح عن موسى بن معاوية عن معن [بن عيسى] قال بن وضاح قال لي سحنون لا بأس به إذا دبغ وكذلك قال داود بن علي [ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم] وحجتهم عموم قوله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب [دبغ فقد طهر] وأنكر جمهور [العلماء] هذا القول وقال أهل اللغة منهم النضر بن شميل أن الإهاب جلد البقر والغنم والإبل وما عداه فإنما يقال له جلد لا إهاب حكى ذلك إسحاق بن منصور الكوسج عن النضر بن شميل أنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) إنما يقال الإهاب للإبل والبقر والغنم وأما السباع فجلود
305 وقال الكوسج وقال لي إسحاق بن راهويه كما قال النضر بن شميل وقال أحمد لا أعرف ما قال النضر قال أبو عمر لا يمتنع أن يكون الإهاب اسما جامعا للجلود كلها ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه لأن بن عباس روى حديث شاة ميمونة ثم روى عموم الخبر في كل إهاب وقد تقدم خلاف الناس في جلود السباع وهل تعمل فيها الذكاة في الباب قبل هذا وأما الدباغ فعامل في كل إهاب وجلد ومسك إلا أن جمهور العلماء الذين لا يجوز عليهم تحريف التأويل ويلزم من شذ عنهم الرجوع إليهم خصوا جلد الخنزير وأخرجوه من الجملة فلم يجيزوا فيه الدباغ [هذا على أن أكثرهم ينكر أن يكون الخنزير جلد يتوصل إليه بالانتفاع فاختلف الفقهاء في الدباغ] التي تطهر به جلود الميتة فقال مالك وأصحابه كل شيء دبغ به الجلد من ملح أو قرظ أو شب أو غير ذلك فقد جاز الانتفاع به وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه قالوا كل شيء دبغ به جلد الميتة فأزال شعره ورائحته وذهب بدسمه [ونشفه فقد] طهره وهو بذلك الدباغ طاهر وهو قول داود وذكر بن وهب قال قال - يحيى بن سعيد الأنصاري ما دبغت به الجلود من دقيق أو قرظ أو ملح فهو لها طهور وللشافعي في ذلك قولان أحدهما هذا والآخر أنه لا يطهره إلا الشب أو القرظ لأنه الدباغ المعهود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خرج الخطاب [والله الموفق للصواب] ((7 - باب ما جاء فيمن يضطر إلى [أكل] الميتة)) 1034 - مالك [أن أحسن ما سمع] في الرجل يضطر إلى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها فإن وجد عنها غنى طرحها
306 قال أبو عمر روى فضيل بن عياض وأبو معاوية وسفيان وشعبة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل [حتى مات] دخل النار وهذا لفظ حديث فضيل بن عياض واختلف العلماء في مقدار ما يأكل المضطر من الميتة فقال مالك في ((موطئه)) ما ذكرنا وعليه جماعة أصحابه وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لا يأكل المضطر من الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق والنفس وقال [عبد الله بن الحسن] المضطر يأكل من الميتة ما يسد جوعته وحجة هؤلاء أن المضطر إنما أبيح له أكل الميتة إذا خاف على نفسه الموت فإذا أكل منها ما يزيل الخوف فقد زالت الضرورة وارتفعت الإباحة فلا يحل أكلها وحجة مالك أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة لقول الله تعالى * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) * [البقرة 173] وقال * (إلا ما اضطررتم إليه) * [الأنعام 119] فإذا كانت الميتة حلالا للمضطر إليها أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها [فتحرم عليه] [وهو قول الحسن] قال الحسن إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قوته وقد قيل من تغدى لم يتعش منها ومن تعشى لم يتغد منها وفي الحديث المرفوع متى تحل لنا الميتة يا رسول الله قال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا (1) والصبوح الغداء والغبوق العشاء ونحو هذا واختلفوا في قوله تعالى * (غير باغ ولا عاد) * [البقرة 173] [فقالت طائفة منهم] مجاهد غير باغ على الأئمة ولا عاد قاطع سبيل
307 [وروي عن مجاهد في قوله تعالى * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) * [البقرة 173] قال غير قاطع سبيل ولا مفارق الأئمة ولا خارج في معصية فإن خرج في معصية لم يرخص له في أكل الميتة] وقال سعيد بن جبير في قوله غير باغ ولا عاد قال هو الذي يقطع الطريق فليس له رخصة [إذا اضطر] إلى شرب الخمر وإلى الميتة وقال الشافعي من خرج عاصيا لله لم يحل له شيء مما حرم الله عليه بحال لأن الله - عز وجل - إنما أحل ما حرم للضرورة على شرط أن يكون المضطر غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم وهذا معنى قول مالك واتفق مالك والشافعي أن المضطر لا تحل له الخمر ولا يشربها [ولا تزيده إلا عطشا] وهو قول مكحول والحارث العكلي و [بن شهاب] الزهري ذكر وكيع عن سفيان عن برد عن مكحول قال لا يشرب المضطر الخمر فإنها لا تزيده إلا عطشا وروى جرير عن مغيرة عن الحارث العكلي قال إذا اضطر إلى الخمر فلا يشربها فإنها لا تزيده إلا عطشا وروى بن وهب عن يونس أنه سأل بن شهاب عن الرجل يضطر إلى شرب الخمر هل فيه رخصة قال لم يبلغني أن في ذلك رخصة لأحد وقد أرخص الله تعالى للمؤمن فيما اضطر إليه مما حرم عليه وقال آخرون منهم عكرمة غير باغ ولا عاد قال يتعدى فيزيده على ما يمسك نفسه والباغي كل ظالم في سبيل الغير مباحة وهو قول الحسن قال في قوله غير باغ ولا عاد [قال غير باغ] فيها يأكلها وهنو غني عنها قال أبو عمر من حجة من لم ير شرب الخمر للمضطر أن الله - عز وجل - ذكر الرخصة للمضطر مع [تحريم الخمور والميتة] ولحم الخنزير وذكر تحريم الخمر ولم يذكر مع ذلك رخصة للمضطر فالواجب أن لا يتعدى الظاهر إلى غيره وبالله التوفيق وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى الميتة أيأكل منها وهو يجد ثمر القوم أو
308 زرعا أو غنما بمكانه ذلك قال مالك إن ظن أن أهل ذلك الثمر أو الزرع أو الغنم يصدقونه بضرورته حتى لا يعد سارقا فتقطع يده رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئا وذلك أحب إلي من أن يأكل الميتة وإن هو خشي أن لا يصدقوه وأن يعد سارقا [بما أصاب من ذلك] فإن أكل الميتة خير له عندي وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة يريد استجازة أخذ أموال الناس وزروعهم وثمارهم بذلك [بدون اضطرار] قال مالك وهذا أحسن ما سمعت قال أبو عمر قوله أحسن ما سمعت يدل على أنه سمع الاختلاف في ذلك ورأى للمضطر أن يأكل من الميتة حتى يشبع ولم ير [له] أن يأكل من مال غيره إلا ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئا كأنه رأى الميتة أطلق أكلها للمضطر وجعل قوله عليه السلام ((أموالكم عليكم حرام)) (1) يعني أموال بعضكم على بعض أعم وأشد وهذا يخالفه فيه غيره لعموم قوله * (إلا ما اضطررتم إليه) * ولأن المواساة في العسرة وترميق المهجة من الجائع واجب على الكفاية [بإجماع] فكلاهما حلال في الحال أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكير قال حدثني أبو داود قال حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري [قال حدثني أبي] قال حدثني شعبة عن أبي بشر عن عباد بن شرحبيل قال أصابتني سنة فدخلت حائطا من حيطان المدينة فعركت سنبلا فأكلت وحملت في ثوبي فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ((ما علمت إذ كان جاهلا ولا أطعمت إذ كان جائعا)) أو قال ((ساغبا)) وأمره فرد علي ثوبي وأعطاني وسقا أو نصف وسق من طعام
309 رواه غندر عن شعبة عن أبي بشر قال سمعت عباد بن شرحبيل ولم يلق أبو بشر صاحبا غير هذا الرجل وفي حديث قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذا المعنى فليحتلب فليشرب ولا يحمل (1) وأما قوله في التمر والزرع والغنم أنه يقطع إذا عد سارقا فهذا لا يكون في زرع قائم ولا [ثمر في شجر] ولا غنم في سرحها لأنه لا قطع في شيء من ذلك وإنما القطع في الزرع إذا صار في الأندر و [صار] التمر في الجريس والغنم في الدار والمراح وسيأتي ما للعلماء في معنى الحرز في كتاب الحدود والذي قاله مالك في هذا الباب اختيار [واستحباب] واحتياط على السائل وأما الميتة فحلال للمضطر على كل حال ما دام في حال الاضطرار بإجماع وكذلك أكله زرع غيره [أوإطعام غيره] في تلك الحال له حلال ولا يحل لمن عرف حاله تلك أن يتركه يموت وعنده ما يمسك به رمقه فإن كان واحدا تعين ذلك عليه وإن كانوا جماعة [كان] قيامه به تلك الليلة أو اليوم والليلة فرضا على جماعتهم فإن قام به من قام منهم سقط ذلك الغرض عنهم ولا يحل لمن اضطر أن يكف عما يمسك رمقه فيموت وفي مثل هذا قال مسروق إن اضطر إلى الميتة ولم يأكلها ومات دخل النار فهو فرض عليه وعلى غيره فيه وهذا الذي وصفت لك عليه جماعة العلماء من السلف والخلف وبالله التوفيق إلا أنهم اختلفوا فيمن أكل شيئا له بال وقيمة من مال غيره وهو مضطر هل عليه [ثمن] ذلك أم لا فقال قوم يضمن ما أحيا به نفسه وقال الأكثر لا ضمان عليه إذا اضطر إلى ذلك قال أبن وهب سمعت مالكا يقول في الرجل يدخل الحائط فيأكل من التمر أو يجده ساقطا قال لا يأكل إلا أن يعلم أن نفس صاحبه تطيب بذلك أو يكون محتاجا فلا يكون عليه شيء
310 وفي ((التمهيد)) بالإسناد عن أبي برزة الأسلمي وعبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك أنهم كانوا يصيبون من الثمار في أسفارهم - يعني بغير إذن أهلها وعن الحسن قال لا يأكل ولا يفسد ولا يحمل وسنزيد هذا المعنى بيانا عند قوله صلى الله عليه وسلم ((لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه)) (1) في باب الغنم من الجامع إن شاء الله تعالى
311 ((26 كتاب العقيقة)) بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ((1 - باب ما جاء في العقيقة (1))) 1035 - مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال ((لا أحب العقوق)) (2) وكأنه إنما كره الاسم وقال ((من ولد له ولد فأحب أن ينسك (3) عن ولده فليفعل)) روى هذا الحديث بن عيينة عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عن عمه على الشك والقول في ذلك قول مالك والله أعلم ولا أعلمه يروي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده واختلف فيه على عمرو بن شعيب ومن أحسن أسانيد حديثه ما [رواه] عبد الرزاق قال أخبرنا داود بن قيس
312 قال سمعت عمرو بن شعيب يحدث عن أبيه عن جده قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال ((لا أحب العقوق)) وكأنه كره الاسم قالوا يا رسول الله ينسك أحدنا [عن ولد] له فقال ((من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة)) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة أحاديث منها حديث سمرة وحديث سليمان بن عامر وقد ذكرناهما بالأسانيد في ((التمهيد)) وفي هذا الحديث كراهة ما يقبح من الأسماء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن [لأنه كان يعجبه] الفأل الحسن (1) ويأتي هذا المعنى في الجامع إن شاء الله وكان الواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود في سابعه نسيكة ولا يقال عقيقة إلا أني لا أعلم خلافا بين العلماء في تسمية ذلك عقيقا فدل على أن ذلك منسوخ واستحباب واختيار فأما النسخ فإن في حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى (2) وفي حديث سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى)) (3) ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة فدل ذلك على الإباحة لا على الكراهة في الاسم وعلى هذا كتب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم
313 وإنما فيهما فكأنه كره الاسم وقال من أحب أن ينسك عن ولده وأما العقيقة في اللغة فذكر أبو عبيد عن الأصمعي وغيره أن أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي قال وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه عقيقة لأنه يحلق رأس الصبي عند الذبح ولهذا قيل أميطوا عنه الأذى يعني بذلك الأذى الشعر وذكر شواهد من الشعر على هذا قد ذكرناها في ((التمهيد)) وأنكر أحمد بن حنبل تفسير أبي عبيد هذا وما ذكره في ذلك عن الأصمعي وغيره وقال إنما العقيقة الذبح نفسه وهو قطع الأوداج والحلقوم قال ومنه قيل للقاطع رحمه في أبيه وأمه عاق وأما حديث مالك في هذا الباب 1036 - عن جعفر بن محمد [عن أبيه] أنه قال وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة 1037 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن علي بن الحسين أنه قال وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين فتصدقت بزنته فضة وهذا الحديث قد روي عن ربيعة [عن أنس وهو خطأ والصواب عن ربيعة ما في ((الموطأ)) رواه يحيى بن بكير قال حدثني لهيعة بن عمارة بن غزية عن ربيعة] بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برأس الحسن والحسين يوم سابعهما فحلق وتصدق بوزنه فضة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت محمد بن علي يقول كانت فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم لا يولد لها ولد إلا أمرت برأسه فحلق وتصدقت بوزن شعره ورقا وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر - محمد بن علي - مثله وهذا كان من فاطمة - رضي الله عنها - مع العقيقة عن ابنيها حسن وحسين
314 لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن كل واحد منهما بكبش كبش وسنذكر الحديث في الباب بعد هذا إن شاء الله وأهل العلم يستحبون ما جاء عن فاطمة في ذلك مع العقيقة أو دونها ويرون ذلك على من لم يعق لقلة ذات يده أوكد على حسب اختلافهم في وجوب العقيقة وقال عطاء يبدأ بالحلق قبل الذبح وأما اختلاف العلماء في وجوب العقيقة فمذهب أهل الظاهر أن العقيقة واجبة فرضا [منهم داود وغيره] قالوا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها وعملها وقال [الغلام مرتهن بعقيقة] ومع الغلام عقيقته وقال عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان ونحو هذا من الأحاديث وكان أبو برزة الأسلمي يوجبها وشبهها بالصلاة وقال الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات [الخمس] وكان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه قال وإن لم يعق عنه عق عن نفسه إذا ملك وعقل وحجته ما رواه عن سمرة حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني عفان قال حدثني أبان قال حدثني قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويماط عنه الأذى ويسمى)) (1) قال قاسم وأملى علي بن عبد العزيز قال حدثني يعلى بن أسد قال حدثني سلام بن أبي مطيع قال حدثني قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى)) (2) قال أبو عمر الحلق معنى أميطوا عنه الأذى
315 وذهب الليث بن سعد إلى أنها واجبة عن المولود في سابعه وغير واجبة بعد سابعه وقال مالك في الباب بعد هذا من ((الموطأ)) وليست العقيقة بواجبة ولكنها يستحب العمل بها [وهي من الأمر] الذي لم يزل عليه الناس عندنا قال وفي غير ((الموطأ)) لا يعق عن المولود إلا يوم سابعه ضحوة فإن جاوز السابع لم يعق عنه ولا يعق عن كبير وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري العقيقة سنة يجب العمل بها ولا ينبغي تركها لمن قدر عليها وقال أبو الزناد العقيقة من أمر المسلمين الذين كانوا يكرهون [تركها] وقال الثوري ليست العقيقة بواجبة وإن صنعت فحسن وقال محمد بن الحسن هي تطوع كان المسلمون [يصنعونها] فنسخها [عيد] الأضحى فمن شاء فعل ومن شاء ترك قال أبو عمر ليس ذبح الأضحى بناسخ للعقيقة عند جمهور العلماء ولا [جاء] في الآثار المرفوعة ولا عن السلف ما يدل على ما قال محمد بن الحسن ولا أصل [لقولهم] في ذلك وتحصيل مذهب أبي حنيفة وأصحابه أن العقيقة تطوع فمن شاء فعلها ومن شاء تركها وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل دليل على [أن العقيقة] ليست بواجبة لأن الواجب لا يقال فيه من أحب أن يفعله فعله بل هذا لفظ التخيير والإباحة وقال مالك يعق عن اليتيم ويعق العبد المأذون له في التجارة عن ولده إلا أن يمنعه سيده وقال الشافعي لا يعق العبد المأذون له في التجارة [عن ولده] ولا يعق عن اليتيم كما لا يضحى عنه وقال مالك ولا يعد اليوم الذي ولد فيه المولود إلا أن يولد قبل الفجر من ليلة ذلك اليوم
316 وقال عطاء بن أبي رباح إن أخطأهم أمر العقيقة يوم السابع [أحببت أن يؤخروه إلى يوم السابع الثاني وروي عن عائشة أنها قالت إن لم يعق عنه يوم السابع] ففي أربع عشرة فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين وبه قال إسحاق بن راهويه وهو مذهب بن وهب [صاحب مالك وروى بن وهب عن مالك أنه قال إن لم يعق عنه في اليوم السابع عق عنه في السابع الثاني قال بن وهب] ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث وقال الليث يعق عن المولود في أيام سابعه كلها في أيها شاء منها فإن لم تتهيأ لهم العقيقة في سابعه فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام وقال أحمد يذبح يوم السابع وقال مالك إن مات قبل يوم السابع لم يعق عنه وروي عن الحسن مثل ذلك وقال الليث في المرأة تلد ولدين في بطن واحد أنه يعق عن كل واحد منهما قال أبو عمر لا أعلم في ذلك خلافا وبالله التوفيق ((2 - باب العمل في العقيقة)) 1038 - مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر لم يكن يسأله أحد من أهله عقيقة إلا أعطاه إياها وكان يعق عن ولده بشاة شاة عن [الذكور والإناث] قال أبو عمر [عمل قوم خبر بن عمر هذا على أنه كان يجيز أن يعق عن الكبير والصغير وليس في الحديث عنه ما يدل على ذلك لأنه يحتمل أن يكون السائل له من أهله سأله العقيقة عن ولده وعن نفسه وروى هذا الحديث عبيد الله وأيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يسأله أحد من أهله عقيقة إلا أعطاه إياه
317 قال وكان يقول عن الغلام شاة وعن الجارية شاة قال أبو عمر] أجاز بعض من شذ أن يعق الكبير عن نفسه بالحديث الذي يرويه عبد الله بن محرر [عن قتادة عن أنس قال عق النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه] بعد ما بعث بالنبوة وعبد الله بن محرر ليس حديثه بحجة [وقد قيل عن قتادة أنه كان يفتي به وروى عنه معمر قال من لم يعق عنه أجزأته ضحيته قال أبو عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه)) وقوله صلى الله عليه وسلم ((مع الغلام عقيقة والغلام مرتهن بعقيقته)) وروي المولود مرتهن بعقيقته وذلك كله سواء دليل على أن العقيقة عن الغلام لا عن الكبير على ذلك مذاهب الفقهاء في مراعاة السابع الأول والثاني وفي الثالث على ما ذكرنا عنهم في الباب قبل هذا وأما قوله كان يعق عن ولده شاة شاة عن الذكور والإناث فهذا موضع اختلفت فيه الآثار وعلماء الأمصار وقول مالك في هذا الباب من الموطأ 1039 - عن هشام بن عروة أن أباه عروة بن الزبير كان يعق عن بنيه الذكور والإناث بشاة شاة قال مالك الأمر عندنا في العقيقة أن من عق فإنما يعق عن ولده بشاة شاة الذكور والإناث] قال أبو عمر الحجة لمالك ومن قال بقوله في ذلك حديث أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا (1) [ذكره أبو داود عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أيوب وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن فاطمة ذبحت عن حسن وحسين كبشا كبشا
318 وهو قول بن عمر وعروة بن الزبير وأبي جعفر محمد بن علي وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة وهو قول عائشة وروي [ذلك] عن بن عباس أيضا [والحجة لهم] حديث عطاء بن أبي رباح عن حبيبة بنت ميسرة [بن أبي خيثم الفهرية مولاته] أنها أخبرته عن أم كرز الكعبية سمعتها تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في العقيقة ((عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة)) (1) رواه عمرو بن دينار وبن جريج عن عطاء وقال بن جريج فيه عن أم بني كرز الكعبيين أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال ((عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة قالت قلت ما المكافئتان قال المثلان وإن الضأن أحب إليه من المعز وذكر أنها أحب إليه من إناثها قال بن جريج كان هذا رأيان من عطاء قال أبو عمر قد روى حديث أم كرز هذا عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت أن أم كرز أخبرته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال ((نعم عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا)) (2) وهذا يرد قول عطاء في أن الذكر أحب إليه في ذلك من الأنثى وهذا الحديث رواه بن جريج وبن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد إلا أن بن عيينة قال فيه حدثني عبيد الله بن أبي يزيد قال أخبرني أبي أنه سمع سباع بن ثابت يحدث أنه سمع أم كرز الكعبية تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه أخبره فذكر ما أثبتنا في الإسناد قبل هذا عنه
319 وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في أحاديث هذا الباب كلها في ((التمهيد)) [قال أبو عمر] وانفرد الحسن بقوله لا يعق عن الجارية وإنما يعق عن الغلام وقد روي أن قتادة تابعه على ذلك وأظنهما ذهبا إلى حديث سلمان الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم مع الغلام عقيقته وإلى حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم الغلام مرتهن بعقيقته وكذلك انفرد الحسن وقتادة أيضا بأن الصبي يمس رأسه بقطنة قد غمست في دم وأنكر جمهور العلماء ذلك وقالوا هذا كان في الجاهلية فنسخ بالإسلام واحتجوا بحديث سلمان بن عامر الضبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى قالوا فكيف يأمر بإماطة الأذى عنه ويحمل على رأسه الأذى وأنكروا حديث همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال] ((كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع أو تحلق رأسه ويدمى)) وقالوا هذا وهم من همام لأنه لم يقل أحد في ذلك الحديث ((ويدمي غيره وإنما قالوا ويحلق رأسه ويسمى وذكروا حديث بن بردة الأسلمي قال كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران قال أبو عمر قد ذكرنا الأسانيد بهذه الأخبار كلها في ((التمهيد)) 1040 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أنه قال سمعت أبي يستحب العقيقة ولو بعصفور هكذا رواه عبيد الله بن يحيى عن أبيه [يحيى بن يحيى] ورواه بن وضاح عن يحيى فقال فيه سمعت أبي يقول تستحب العقيقة ولو بعصفور وكذلك رواه أكثر الرواة عن مالك [في ((الموطأ
320 ورواه مطرف بن القاسم وعلي بن زياد وغيرهم فقالوا فيه عن محمد بن إبراهيم أنه قال تستحب العقيقة ولو بعصفور [ولم يقولوا عن أبيه وليس في هذا الخبر أكثر من استحباب العقيقة وقد تقدم القول في وجوبها واستحبابها] وأما قوله ولو بعصفور فإنه كلام خرج على التقليل والمبالغة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر في الفرس ولو أعطاكه [بدرهم وكما قال في الأمة إذا زنت بعها ولو بضفير] وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية إلا من شذ ممن لا يعد خلافا 1041 - مالك أنه بلغه أنه عق عن حسن وحسين ابني علي بن أبي طالب وهذا قد تقدم متصلا مسندا في هذا الباب قال مالك من عق عن ولده فإنما هي بمنزلة النسك والضحايا لا يجوز فيها عوراء ولا عجفاء ولا مكسورة ولا مريضة ولا يباع من لحمها شيء ولا جلدها ويكسر عظامها ويأكل أهلها من لحمها ويتصدقون منها ولا يمس الصبي بشيء من دمها قال أبو عمر على هذا جمهور الفقهاء أنه يجتنب في العقيقة من العيوب ما يجتنب في الأضحية ويؤكل منها ويتصدق ويهدى إلى الجيران [وهو قول الشافعي قال الشافعي العقيقة سنة واجبة ويتقى فيها من العيوب ما يتقى في الضحايا ولا يباع لحمها ولا إهابها وتكسر عظامها ويأكل أهلها منها ويتصدقون ولا يمس الصبي بشيء من دمها ونحو هذا كله قال أحمد وأبو ثور وجماعة العلماء وقول مالك مثل قول الشافعي أنه تكسر عظامها ويطعم منها الجيران] ولا يدعى الرجال كما يفعل بالوليمة ويسمى الصبي يوم سابعه إذا عق عنه قال عطاء تطبخ وتقطع قطعا ولا يكسر لها عظم
321 وعن عائشة مثله وقال بن شهاب لا بأس أن تكسر عظامها وهو قول مالك وقال بن جريج تطبخ أعضاء ويؤكل منها ويهدى ولا يتصدق بشيء منها تم كتاب العقيقة بحمد الله وعونه
322 ((27 كتاب الفرائض)) ((1 - باب ميراث (الصلب))) قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا في فرائض المواريث أن ميراث الولد من والدهم [أو والدتهم] أنه إذا توفي الأب أو الأم وتركا ولدا رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف فإن شركهم أحد بفريضة مسماة وكان فيهم ذكر بدىء بفريضة من شركهم وكان ما بقي بعد ذلك بينهم على قدر مواريثهم قال أبو عمر ما ذكره مالك - رحمه الله - في ميراث البنين ذكرانا كانوا أو إناثا من آبائهم أو أمهاتهم فكما ذكر لا خلاف في شيء من ذلك بين العلماء إذا كانوا أحرارا مسلمين ولم يقتل واحدا منهم أباه وأمه عمدا وأما قوله عز وجل - * (فإن كن نساء فوق اثنتين) * [النساء 11] [فالمعنى في ذلك عند جمهور العلماء وجماعة الفقهاء الذين تدور عليهم في الأمصار الفتوى إن كن نساء فوق اثنتين] فما فوقها وما أعلم في هذا خلافا بين علماء المسلمين إلا رواية شاذة لم تصح عن بن عباس أنه قال للأنثيين النصف كما للبنت الواحدة حتى تكون البنات أكثر من اثنتين فيكون لهن الثلثان وهذه الرواية منكرة عند أهل العلم [قاطبة] كلهم ينكرها ويدفعها بما رواه بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن بن عباس أنه جعل للبنتين الثلثين وعلى هذا جماعة الناس وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الأحاد العدول مثل ما عليه الجماعة في ذلك
323 حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي اسامة قال حدثني عيسى بن إسماعيل الطباغ قال حدثني عمرو بن ثابت عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن امرأة من الأنصار أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابنتي سعد بن الربيع فقالت يا رسول الله إن سعد بن الربيع قتل يوم أحد شهيدا فأخذ عمهما كل شيء من تركته ولم يدع من مال أبيهما شيئا والله ما لهما مال ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((سيقضي الله في ذلك ما شاء فنزلت * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * [النساء 11] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم (عمهما فقال) أعط هاتين الجاريتين الثلثين مما ترك أبوهما وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك (1) روى هذا الحديث جماعة من الأئمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وعبد الله بن محمد بن عقيل قد قبل جماعة من أهل العلم بالحديث حديثه واحتجوا به وخالفهم في ذلك آخرون فكان هذا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا لمعنى قول الله - عز وجل * (فإن كن نساء فوق اثنتين) * [النساء 11] أي اثنتين فما فوقهما ونسخا لما كان عليه أهل الجاهلية من تركهم توريث الإناث من أولادهم وإنما كانوا يورثون الذكور حتى نزلت * (يوصيكم الله في أولادكم) * الآية [النساء 11] كذلك روي عن بن مسعود وبن عباس وقد استدل من العلماء قوم ممن لم يثبت عندهم هذا الحديث بدلائل على أن الابنتين حكمهما في الميراث حكم البنات منها أن الابنة لما أخذت مع أخيها السدس كان ذلك أحرى أن تأخذ ذلك مع أختها ومنها أن البنت لما كان لها النصف وكان للأخت النصف وجعل الله للأختين الثلثين كانت الابنتان أولى بذلك قياسا ونظرا صحيحا وفي حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في بنت وبنت بن وأخت فجعل للابنة النصف ولابنة الابن السدس وجعل الباقي للأخت
324 فلما جعل للابنة ولابنة الابن الثلثين كانت الابنتان أولى بذلك لأن الابنة أقرب من ابنة الابن قال مالك ومنزلة [ولد] الأبناء الذكور إذا لم يكن دونهم ولد كمنزلة الولد سواء ذكورهم كذكورهم وإناثهم كإناثهم يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون قال أبو عمر قوله ولد الأبناء الذكور يريد البنتين والبنات من الأبناء الذكور فابن الابن كالابن عند عدم [الابن وبنت الابن كالبنت عند عدم] البنت وليس أولاد البنات من ذلك في شيء وسيأتي ذكر ذوي الأرحام في موضعه - إن شاء الله تعالى قال الشاعر (بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد) (1) وما ذكره مالك أيضا في هذا الفصل إجماع أيضا من علماء المسلمين في أن بني البنين يقومون مقام ولد الصلب عند عدم ولد الصلب يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون الأنثى روي عن مجاهد أنه قال ولد الابن لا يحجبون الزوج ولا الزوجة ولا الأم ولا أعلم أحدا تابعه على ذلك ومن شذ عن الجماعة فهو محجوج بها يلزمه الرجوع إليها قال مالك فإن اجتمع الولد للصلب وولد الابن وكان في الولد للصلب ذكر فإنه لا ميراث معه لأحد من ولد الابن فإن لم يكن في الولد للصلب ذكر وكانتا ابنتين فأكثر من ذلك من البنات للصلب فإنه لا ميراث لبنات الابن معهن إلا أن يكون مع بنت الابن ذكر هو من المتوفى بمنزلتهن أو هو أطرف منهن فإنه يرد على من هو بمنزلته ومن هو فوقه من بنات الأبناء فضلا إن فضل فيقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم
325 قال أبو عمر قد تقدم أنه لا ميراث لولد الأبناء مع ولد الصلب إلا أن يكون من ولد الصلب ذو فرض فلا يزاد على فرضه ويدخل ولد الابن فيما زاد على ذلك الفرض إلا أن في هذا اختلافا قديما وحديثا فالذي ذكره مالك هو مذهب علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعليه جمهور العلماء من العراقيين والحجازيين والشاميين وأهل المغرب أن [بن] الابن يعصب من بإزائه وأعلى منه من بنات الابن في الفاضل عن الابنة والابنتين ويكون ذلك بينه وبينهن للذكر مثل حظ الأنثيين وخالف [في ذلك] بن مسعود فقال إذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لابن الابن أو لبني الابن دون أخواتهم ودون من فوقهم من بنات الابن ومن تحتهم وإلى هذا ذهب أبو ثور وداود بن علي وروي مثله عن علقمة وحجة من ذهب إلى ذلك حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله (عز وجل) فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر)) (1) هذا اللفظ حديث معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ألحقوا المال بالفرائض)) وبعضهم [يرويه] ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي أو فما أبقت [الفرائض] [فلأولى رجل ذكر] (2) وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث ومن أرسله في كتاب الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من [الاجتماع] والاختلاف قال أبو عمر من الحجة لمذهب علي وزيد وسائر العلماء عموم قول الله عز وجل * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * [النساء 11] لأن ولد الولد ولد ومن جهة النظر والقياس أن كل من يعصب من في درجته في جملة المال
326 فواجب أن يعطيه في الفاضل من المال كأولاد الصلب فوجب بذلك أن يشرك بن الابن أخته كما يشرك الابن للصلب أخته وإن احتج محتج لأبي ثور وداود أن بنت الابن ما لم ترث شيئا من الفاضل من الثلثين منفردة ولم يعصبها أخوها [فالواجب] أنها إذا كانت معها أخوها قويت به وصارت عصبة معه بظاهر قوله " ويوصيكم الله في أولادكم " [النساء 11] وهي من الولد قال مالك وإن لم يكن الولد للصلب إلا ابنة واحدة فلها النصف ولابنة ابنه واحدة كانت أو أكثر من ذلك من بنات الأبناء ممن هو من المتوفى بمنزلة واحدة السدس قال أبو عمر هذا أيضا لا خلاف فيه إلا شيء روي عن أبي موسى وسلمان بن ربيعة لم يتابعهما أحد عليه وأظنهما انصرفا عنه بحديث بن مسعود حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن سفيان عن أبي قيس الأودي وعن هزيل بن شرحبيل قال جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة وابنة بن وأخت فقالا للبنت النصف وللأخت النصف الباقي وائت بن مسعود فإنه سيتابعنا فأتى الرجل بن مسعود فسأله وأخبره بما قالا فقال بن مسعود لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ولكن أقضي فيها كما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت قال أبو عمر على هذا استقر مذهب الفقهاء [وجماعة] العلماء على أن لابنة الابن مع الابنة للصلب السدس تكملة الثلثين على ما في حديث بن مسعود هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وللشيعة في هذا المذهب مسألة على أصولهم في أن لا ترث ابنة الابن شيئا مع الابنة كما لا يرث بن الابن مع الابن شيئا ورأينا أن ننزه كتابنا هذا عن ذكر مذاهبهم في الفرائض وقد ذكرنا مذاهبهم ومذاهب سائر فرق الأمة في أصول الفرائض في كتاب ((الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف)) قال مالك فإن كان مع بنات الابن ذكر هو من المتوفى بمنزلتهن فلا فريضة ولا سدس لهن ولكن إن فضل بعد فرائض أهل الفرائض فضل كان ذلك الفضل لذلك الذكر ولمن هو بمنزلته ومن فوقه من بنات الأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين
327 وليس لمن هو أطرف منهم شيء فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) * [النساء 11] قال مالك الأطرف هو الأبعد قال أبو عمر على ما حكاه مالك في هذا جمهور العلماء وهو مذهب عمر وعلي وزيد وبن عباس وجماعة فقهاء الأمصار كلهم يجعلون الباقي بين الذكور والإناث من بنات الابن للذكر مثل حظ الأنثيين بالغا ما بلغت المقاسمة زادت بنات الابن على السدس أو لم تزد إلا أبا ثور فإنه ذهب في ذلك مذهب بن مسعود فشذ عن العلماء في ذلك كما شذ بن مسعود فيها عن الصحابة وذلك أن بن مسعود كان يقول في بنت وبنات بن وبني بن للبنت النصف والباقي بين ولد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن تزيد المقاسمة بنات الابن على السدس فيفرض لهن السدس ويجعل الباقي لبني الابن وبه قال أبو ثور وقد شذ أيضا بعض المتأخرين من الفرضيين فقال الذكر من بني البنين يعصب من بإزائه دون من عداه من بنات الابن والجماعة على ما ذكره مالك وبالله التوفيق ((2 - باب ميراث الرجل من امرأته والمرأة من زوجها)) مالك وميراث الرجل من امرأته إذا لم تترك ولدا ولا ولد بن منه أو من غيره النصف فإن تركت ولدا أو ولد بن ذكرا كان أو أنثى فلزوجها الربع من بعد وصية توصي بها أو دين وميراث المرأة من زوجها إذا لم يترك ولدا ولا ولد بن الربع فإن ترك ولدا أو ولد بن ذكرا كان أو أنثى فلامرأته الثمن من بعد وصية يوصي بها أو دين وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) * [النساء 12] قال أبو عمر هذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه وهو من
328 الحكم الذي ثبتت حجته ووجب العمل به والتسليم له وما فيه التنازع والاختلاف وجب العمل منه بما قام الدليل عليه لكل مجتهد وقام العذر فيه لمن مال إلى وجه منه لأنه هو الأولى عنده ووجب على العامة تقليد علمائها فيما اجتهدوا فيه ووسعهم العمل به [وبالله التوفيق] ((3 - باب ميراث الأب والأم من ولدهما)) قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن ميراث الأب من ابنه أو ابنته أنه إن ترك المتوفى ولدا أو ولد بن ذكرا فإنه يفرض للأب السدس فريضة فإن لم يترك المتوفى ولدا ولا ولد بن ذكرا فإنه يبدأ بمن شرك الأب من أهل الفرائض فيعطون فرائضهم فإن فضل من المال السدس فما فوقه كان للأب وإن لم يفضل عنهم السدس فما فوقه فرض للأب السدس فريضة قال أبو عمر الأب عاصب وذو فرض إذا انفرد أخذ المال كله وإن شركه ذو فرض كالابنة والزوج والزوجة أخذ ما فضل عن ذوي الفروض فإن كان معه من ذوي الفروض من يجب لهم أكثر من خمسة أسداس المال فرض له السدس وصار ذا [فرض وسهم مسمى معهم ودخل العول على جميعهم أن ضاق] المال عن سهامهم فإن لم يترك المتوفى غير أبويه فلأمه الثلث وباقي ماله لأبيه لأن الله عز وجل - لما جعل ورثة المتوفى أبويه وأخبر أن للأم من ماله الثلث علم أن للأب ما بقي بدليل قوله - عز وجل - * (وورثه أبواه) * [النساء 11] وهذا كله إجماع من العلماء واتفاق من أصحاب الفرائض والفقهاء قال مالك وميراث الأم من ولدها إذا توفي ابنها أو ابنتها فترك المتوفى ولدا أو ولد بن ذكرا كان أو أنثى أو ترك من الإخوة اثنين فصاعدا ذكورا كانوا أو إناثا من أب وأم أو من أب أو من أم فالسدس لها وإن لم يترك المتوفى ولدا ولا ولد بن ولا اثنين من الإخوة فصاعدا فإن للأم الثلث كاملا إلا في فريضتين فقط وإحدى الفريضتين أن يتوفى رجل ويترك امرأته وأبويه فلامرأته الربع ولأمه الثلث مما بقي وهو الربع من رأس المال
329 والأخرى أن تتوفى امرأة وتترك زوجها وأبويها فيكون لزوجها النصف ولأمها الثلث مما بقي وهو السدس من رأس المال وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * [النساء 11] فمضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعدا قال أبو عمر أجمع [جمهور] العلماء على أن الأم لها من ميراث ولدها الثلث إن لم يكن له ولد والولد عندهم في قوله تعالى * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * [النساء 11] وهو الابن دون الابنة وخالفهم في ذلك من هو محجوج بهم ممن ذكرناه في كتاب ((الإشراف على ما في أصول الفرائض من الإجماع والاختلاف)) [والحمد لله] وقالت طائفة في أبوين وابنة للابنة النصف وللأبوين السدسان وما بقي فللأب لأنه عصبة هذه عبارة عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت ومنهم من قال للابنة النصف وللأم السدس وللأب ما بقي وهذه عبارة علي [بن أبي طالب] وزيد بن ثابت [أيضا] والمعنى واحد وأما قول مالك فإن لم يترك المتوفى ولدا ولا ولد بن - يعني عند عدم الولد ولا اثنين من الإخوة فصاعدا فإن للأم الثلث كاملا إلا في فريضتين وقوله في [آخر] الباب فمضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعدا فقد اختلف العلماء في قوله عز وجل * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * [النساء 11] فذهب بن عباس إلى أن الأم لا ينقلها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة من الأخوة فصاعدا لقوله عز وجل * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * [النساء 11] لأنه أقل ما يقع عليه اسم إخوة ثلاثة [فصاعدا] وقالت بقوله فرقة وقاموا صيغة التثنية غير صيغة الجمع وقد أجمعوا أن الواحد غير الاثنين فكذلك الاثنان [عند] الجميع قالوا ولو كانت التثنية جمعا لاستغنى بها عن الجمع كما استغنى عن الجمع مرة أخرى ولهم حجج من نحو هذا
330 وقال علي و [عبد الله] بن مسعود وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم الاثنان من الإخوة يحجبان الأم عن الثلث وينقلانها إلى السدس كما يفعل جماعة الإخوة وهو قول [جمهور] العلماء بالحجاز والعراق لا خلاف بينهم في ذلك ومن الحجة لهم إجماع المسلمين على أن البنتين ميراثهما كميراث البنات وكذلك ميراث الأخوين للأم وقد اجمعوا وبن عباس معهم في زوج وأم وأخت لأم أو أخوة لأم أن للزوج النصف ولكل واحد من الأخ أو الأخت السدس وللأم السدس فدل على أنهما قد حجبا الأم عن الثلث إلى السدس ولو لم يحجباها لعالت الفريضة وهي غير عائلة بإجماع وقد أجمعوا أيضا على أن حجبوا الأم عن الثلث إلى السدس بثلاث أخوات ولسن في لسان العرب بإخوة وإنما هن أخوات فحجبها باثنين من الإخوة أولى وقد ذكرنا وجوها من حجج الطائفتين المختلفتين في هذه المسألة في كتاب ((الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف)) وقال بعض المتأخرين ممن لا يعد خلافا على المتقدمين لا أنقل الأم من الثلث إلى السدس بأختين ولا بأخوات منفردات حتى يكون معهما أو مع إحداهما أخ لأن الأختين [والأخوات] لا يتناولهما اسم الإخوة منفردات وهذا شذوذ لا يعرج عليه ولا يلتفت إليه لأن الصحابة - [رضوان الله عليهم] قد صرفوا اسم الإخوة عن ظاهره إلى اثنين وذلك لا يكون منهم رأيا وإنما هو توقيف عن من يجب التسليم له والله أعلم واختلفوا فيمن يرث السدس الذي تحجب عنه الأم بالإخوة فيمن ترك أبوين وإخوة فروي عن بن عباس أن ذلك السدس للإخوة الذين حجبوا الأم عنه وللأب الثلثان والإسناد عن بن عباس بذلك غير ثابت وقال جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم للأم مع الإخوة السدس والخمسة الأسداس للأب [لا يرث] الإخوة شيئا مع الأب وفي المسألة قول ثالث قد ذكرناه في ((الإشراف)) وأما قول مالك ((إلا في فريضتين فقط وإحدى الفريضتين أن يتوفى رجل
331 ويترك امرأته وأبويه فلامرأته الربع ولأمه الثلث مما بقي وهو الربع من راس المال والأخرى أن تتوفى امرأة وتترك زوجها وأبويها فيكون لزوجها النصف ولأمها الثلث مما بقي وهو السدس من رأس المال)) فالاختلاف أيضا في هذه المسألة قديما إلا أن الجمهور على ما قاله مالك وهو قول جماعة فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى بالحجاز والعراق وأتباعهم من سائر البلاد وقال عبد الله بن عباس في زوج وأبوين للزوج النصف وللأم [الثلث من] جميع المال وللأب ما بقي وقال في امرأة وأبوين للمرأة الربع وللأم ثلث جميع المال والباقي للأب وبهذا قال شريح القاضي ومحمد بن سيرين وداود بن علي وفرقة منهم أبو الحسن محمد بن عبد الله القرضي المصري المعروف بابن اللبان في المسألتين جميعا وزعم أنه قياس قول علي في المشتركة وقال في موضع آخر إنه قد روي ذلك عن علي نصا قال أبو عمر المشهور والمعروف عن علي وزيد وعبد الله وسائر الصحابة رضوان الله عليهم - وعامة العلماء ما رسمه مالك (رحمه الله) ومن الحجة لهم عن بن عباس أن الأبوين إذا اشتركا في الوراثة ليس معهما غيرهما كان للأم الثلث وللأب الثلثان فكذلك إذا اشتركا في النصف الذي يفضل عن الزوج كانا فيه كذلك على ثلث وثلثين وهذا صحيح في النظر والقياس وقد ذكرنا حجة القائلين بقول بن عباس في كتاب ((الإشراف))) 1 (4 - باب ميراث الإخوة للأم)) قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الإخوة للأم لا يرثون مع الولد ولا مع ولد الأبناء ذكرانا كانوا أو إناثا شيئا ولا يرثون مع الأب ولا مع الجد أبي الأب شيئا وأنهم يرثون فيما سوى ذلك يفرض للواحد منهم السدس ذكرا كان أو أنثى فإن كانا اثنين فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث يقتسمونه بينهم بالسواء الذكر والأنثى فيه سواء وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل
332 واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) [النساء 12] فكان الذكر والأنثى في هذا بمنزلة واحدة قال أبو عمر ميراث الإخوة للأم نص مجتمع عليه لا خلاف فيه للواحد منهم السدس وللاثنين فما زاد الثلث وقد قرئ (وله أخ أو أخت من أمه فلكل واحد منهما السدس) روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص [أنه كان يقرأ به] والإجماع يشهد له ويسقط ميراث الإخوة للأم بأربعة يحجبونهم عن الميراث وهم الأب والجد أبو الأب وإن علا والبنون ذكرانهم وإناثهم وبنو البنين وإن سفلوا أو بنات البنين وإن سفلن لا يرث الإخوة للأم مع واحد من هؤلاء شيئا ((5 - باب ميراث الإخوة للأب والأم)) قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الإخوة للأب والأم لا يرثون مع الولد الذكر شيئا ولا مع ولد الابن الذكر شيئا ولا مع الأب دنيا شيئا وهم يرثون مع البنات وبنات الأبناء ما لم يترك المتوفى جدا أبا أب ما فضل من المال يكونون فيه عصبة يبدأ بمن كان له أصل فريضة [مسماة] فيعطون فرائضهم فإن فضل بعد ذلك فضل كان [للإخوة للأب والأم] يقتسمونه بينهم على كتاب الله عز وجل ذكرانا كانوا أو إناثا * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * [النساء 11] فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال أبو عمر [لا خلاف علمته بين علماء السلف والخلف من المسلمين أن الإخوة للأب والأم يحجبون الإخوة للأب عن الميراث وقد روي بذلك حديث حسن في رواية الآحاد العدول حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه - قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات
333 وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن أبي عمير قال حدثني هشام بن حسان عن بن سيرين عن عبد الله بن عتبة قال قضى عمر - رضي الله عنه - أن العصبة إذا كانوا مستويين فبنوا الأم أحق (1) وبه عن سفيان عن الأعمش عن سنين قال أتانا كتاب عمر - رضي الله عنه - ((إذا كانت العصبة سواء فانظروا أقربهم بأم فأعطوه)) قال أبو عمر وما ذكره مالك في ميراث (الإخوة) الأشقاء ها هنا هو الذي عليه جمهور العلماء وهو قول علي [وزيد] وسائر الصحابة وكلهم [يجعل] الأخوات وإن لم يكن معهم أخ عصبة [للبنات] غير بن عباس فإنه كان لا يجعل الأخوات عصبة للبنات وإليه ذهب داود [بن علي] وطائفة وحجتهم ظاهر قوله تعالى " إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " [النساء 176] ولم يورث [الأخت] إلا إذا لم يكن للميت ولد قالوا ومعلوم أن الابنة من الولد فوجب أن لا ترث الأخت مع وجودها قالوا والنظر يمنع من توريث الأخوات مع البنات كما يمنع من توريثهن مع البنين لأن الأصل في الفرائض تقديم الأقرب فالأقرب قال ومعلوم أن البنت أقرب من الأخت لأن ولد الميت أقرب إليه من ولد أبيه وولد أبيه أقرب إليه من ولد جده وهم يقولون بالرد على ذوي الفروض وسيأتي ذكر ذلك في موضعه [إن شاء الله] وكان بن الزبير [يقول] بقول بن عباس في هذه المسألة حتى أخبره الأسود بن يزيد ((أن معاذا قضى باليمن في بنت وأخت فجعل المال بينهما نصفين)) وفي بعض] الروايات في هذا الحديث ((ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حي فرجع بن الزبير عن قوله إلى قول معاذ
334 وحديث معاذ من أثبت الأحاديث ذكره بن أبي شيبة من طرق وذكره غيره أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن عمر بن سعيد قال حدثني الأشعث بن سليم عن الأسود بن يزيد قال أخبرت بن الزبير فقلت إن معاذ بن جبل قضى فيها باليمن في ابنة وأخت بالنصف والنصف فقال بن الزبير أنت رسولي إلى عبد الله بن عتبة - وكان قاضي بن الزبير على الكوفة - فليقض به وبه عن سفيان قال حدثني أيوب عن محمد بن سيرين عن الأسود بن يزيد قال ((قضى فينا معاذ باليمن في ابنه وأخت بالنصف والنصف)) قال أبو عمر وهو قول عمر وعلي وزيد بن ثابت وبن مسعود وعائشة وأبي موسى وسلمان بن ربيعة وعليه جمهور [العلماء بالحجاز] والعراق وأتباعهم كلهم يقولون في الأخوات إذا اجتمعن في الميراث مع البنات فهن عصبة لهن يأخذن ما فضل للبنات والحجة لهم والسنة الثابتة من حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة وبن بن وأخت للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت رواه [سفيان] الثوري وشعبة عن أبي قيس الأودي وهو عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جهة القياس والنظر أن جمهور العلماء الذين هم الحجة على من شذ عنهم قد أجمعوا على توريث الإخوة مع البنات [ولم يرعوا قرب البنات] فكذلك الأخوات ومن الإسناد عن بن عباس فيما ذكرناه عنه ((ما رواه بن عيينة عن مصعب بن عبد الله بن الزبرقان)) أنه حدثه قال سمعت بن أبي مليكة يقول سمعت بن عباس يقول أمر ليس في كتاب الله عز وجل - ولا في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وستجدونه في الناس كلهم ميراث الأخت مع البنت النصف وقد قال الله - عز وجل " إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " الآية [النساء 176] قال أبو عمر قول بن عباس وستجدونه في الناس كلهم حجة عليه وفي هذه المسألة مثله لابن مسعود وقوله فيها أقرب من الشذوذ وما أعلم أحدا
335 تابعه عليه ولا قال بقوله إلا علقمة بن قيس وأبا ثور وهو قوله في الأخوات للأب والأم يجتمعن في فريضة مع الإخوة والأخوات للأب أنهن إذا استكملن الثلثين فالباقي للإخوة للأب دون الأخوات للأب واحتج أبو ثور لاختيار قول بن مسعود هذا بحديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ألحقوا المال بأهل الفرائض فما فضل فهو لأولى رجل ذكر)) (1) وقد ذكرنا هذا الخبر فيما تقدم من ذكر [بنات] البنين مع بني البنين [أن قول بن مسعود فيها على ما قدمنا وذهب داود بن علي إلى قول بن مسعود في ولد الابن مع بنات [الابن] وخالفه في الأختين الشقيقتين مع الإخوة والأخوات لأب فقال في هذا بقول علي وزيد [وقال أبو ثور] بقول بن مسعود فيهما [جميعا] وكان علي [وزيد] يجعلان الباقي على الفرائض في المسألتين جميعا بين بني البنين [وبنات البنين وهن الإخوة والأخوات] للذكر مثل حظ الأنثيين وهو قول عمر وبن عباس والناس لقول الله - عز وجل * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * [النساء 11] وولد [الولد] ولد وقوله * (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) * [النساء 176] وروى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن زيد بن ثابت أنه قال في قضاء بن مسعود هذا قضاء الجاهلية أيرث الرجال دون النساء قال مالك وإن لم يترك المتوفى أبا ولا جدا أبا أب ولا ولدا ولا ولد بن ذكرا كان أو أنثى فإنه يفرض للأخت الواحدة للأب والأم النصف فإن كانتا اثنتين فما فوق ذلك من الأخوات للأب والأم فرض لهما الثلثان فإن كان معهما أخ ذكر فلا فريضة لأحد من الأخوات واحدة كانت أو أكثر من ذلك ويبدأ بمن شركهم بفريضة مسماة فيعطون فرائضهم فما فضل بعد ذلك من شيء كان بين الأخوة للأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين إلا في فريضة واحدة فقط لم يكن لهم فيها شيء فاشتركوا فيها مع بني الأم في ثلثهم وتلك الفريضة [المعروفة المشتركة] هي امرأة توفيت وتركت زوجها
336 وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأمها وأبيها فكان لزوجها النصف ولأمها السدس ولإخوتها لأمها الثلث فلم يفضل شيء بعد ذلك فيشترك بنو الأب والأم في هذه الفريضة مع بني الأم في ثلثهم فيكون للذكر مثل حظ الأنثى من أجل أنهم كلهم إخوة المتوفى لأمه وإنما ورثوا بالأم وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * [النساء 12] فلذلك شركوا في هذه الفريضة لأنهم كلهم إخوة المتوفى لأمه قال أبو عمر المشتركة عند العلماء بالفقه والفرائض هي زوج وأم [وإخوان] لأم وأخ أو إخوة لأب وأم ومتى اجتمع في المسألة أربعة شروط فهي المشتركة وذلك أن يكون فيها زوج وأم أو جدة مكان الأم واثنان من الإخوة للأم فصاعدا وأخ أو إخوة لأب وأم وقد اختلف الصحابة - [رضوان الله عليهم] ومن بعدهم فيها وكان عمر وعثمان يعطيان الزوج النصف والأم السدس والأخوة للأم الثلث يشركهم فيه ولد الأب والأم ذكرهم فيه وأنثاهم سواء وهي رواية أهل المدينة عن زيد بن ثابت وبه قال شريح [ومسروق] وسعيد بن المسيب [ومحمد] بن سيرين وطاوس وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي ومالك والشافعي والثوري وشريك [والنخعي] وإسحاق [بن راهويه] وكان علي [بن أبي طالب] وأبي بن كعب وأبو موسى [الأشعري] لا يدخلون ولد الأب والأم مع ولد الأم لأنهم عصبة وقد اغترفت الفرائض المال فلم يبق لهم شيء وبه قال [عامر] الشعبي وأبو حنيفة وأصحابه وبن أبي ليلى ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل ونعيم بن حماد وأبو ثور وداود والطبري وجماعة من أهل العلم والفرائض وروي عن زيد بن ثابت وبن مسعود وبن عباس القولان جميعا والمشهور عن بن عباس أنه لم يشرك والمشهور عن زيد أنه يشرك وقال وكيع بن الجراح اختلف فيها عن جميع الصحابة إلا عن علي رضي الله عنهم - فإنه لم يختلف عليه عنه أنه لم يشرك
337 وروي عن عمر أنه قضى فيها فلم يشرك ثم قضى في العام الثاني فشرك وقال مالك على ما قضينا وهذا على ما قضينا وقد ذكرنا الخبر بذلك في كتاب ((بيان العلم)) والحمد لله وحجة من شرك واضحة لاشتراك الإخوة للأب والأم مع الإخوة للأم في أنهم كلهم بنو أم واحدة وحجة من لم يشرك أن الإخوة للأب والأم عصبة ليسوا ذوي فروض والإخوة للأم فرضهم في الكتاب مذكور والعصبة إنما يرثون ما فضل عن ذوي الفروض ولم يفضل لهم في مسألة المشتركة شيء عن ذوي الفروض ومما يبين لك الحجة لهم في ذلك قول الجميع في زوج وأم وأخ لأم وعشرة إخوة أو نحوهم لأب وأم أن الأخ للأم يستحق السدس كاملا والسدس الباقي بين الأخوة من الأب والأم فنصيب كل واحد منهم أقل من نصيب الأخ للأم ولم يستحقوا بمساواتهم الأخ للأم في قرابة الأم أن يساووه في الميراث وكذلك لا ينبغي أن يكون الحكم في مسألة مشتركة وبالله التوفيق ((6 - باب ميراث الإخوة للأب)) قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن ميراث الإخوة للأب إذا لم يكن معهم أحد من بني الأب والأم كمنزلة الإخوة للأب والأم سواء ذكرهم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم إلا أنهم لا يشركون مع بني الأم في الفريضة التي شركهم فيها بنو الأب والأم لأنهم خرجوا من ولادة الأم (1) التي جمعت أولئك قال مالك فإن اجتمع الإخوة للأب والأم والإخوة للأب فكان في بني الأب والأم ذكر فلا ميراث لأحد من بني الأب وإن لم يكن بنو الأب والأم إلا امرأة واحدة أو أكثر من ذلك من الإناث لا ذكر معهن فإنه يفرض للأخت الواحدة للأب والأم النصف ويفرض للأخوات للأب السدس تتمة الثلثين فإن كان مع الأخوات للأب ذكر فلا فريضة لهن ويبدأ بأهل الفرائض المسماة فيعطون فرائضهم فإن فضل بعد ذلك فضل كان بين الأخوة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم فإن كان الإخوة للأب والأم امرأتين أو أكثر من ذلك من الإناث فرض لهن الثلثان ولا ميراث معهن للأخوات للأب إلا أن يكون معهن أخ لأب فإن كان معهن أخ لأب بدىء بمن شركهم بفريضة
338 مسماة فأعطوا فرائضهم فإن فضل بعد ذلك فضل كان بين الإحوة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال مالك ولبني الأم مع بني الأب والأم ومع بني الأب للواحد السدس وللأثنين فصاعدا الثلث للذكر مثل حظ الأنثى هم فيه بمنزلة واحدة سواء قال أبو عمر ما رسم مالك في هذا الباب من حجبة الإخوة للأب بالإخوة للأب والأم إجماع من العلماء كلهم يحجب الأخ للأب عن الميراث بالأخ الشقيق وقد تقدم القول في ذلك والحديث المرفوع فيه وكذلك أجمعوا أن لا يشرك بين بني الأب وبني الأم [لأنه] لا قرابة بينهم ولا نسب يجمعهم من جهة [الأم] التي ورث بها بنو الأم واختلفوا فيما يفضل عن الأخت الشقيقة [أو] الأختين [أو] الأخوات هل يدخل فيه الأخوة للأب مع أختهن أو مع أخواتهن أم لا وقد مضى في باب ولد البنين هذا المعنى وذلك أن جمهور الصحابة - رضوان الله عليهم - عليا وزيدا وغيرهما قالوا بمعنى ما ذكره مالك وعلى هذا جمهور العلماء وقال بن مسعود أيضا في أخت لأب وأم وإخوة وأخوات لأب للأخوات لأب الأقل من المقاسمة أو السدس وبه قال أبو ثور وقال بن مسعود أيضا في الأخوات للأب والأم إذا استكملوا الثلثين فالباقي للأخ أو الإخوة دون الأخوات وبه قال أبو ثور وما أعلم أحدا تابع بن مسعود من أصحابه وغيرهم على قوله هذا إلا علقمة والله أعلم ((7 - باب ميراث الجد)) 1042 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد فكتب إليه زيد بن ثابت إنك كتبت إلي تسألني
339 عن الجد والله أعلم وذلك مما لم يكن يقضي فيه إلا الأمراء يعني الخلفاء وقد حضرت الخليفتين قبلك يعطيانه النصف مع الأخ الواحد والثلث مع الاثنين فإن كثرة الأخوة لم ينقصوه من الثلث [قال أبو عمر] في هذا الخبر من العلم فضل زيد [بن ثابت] وإمامته في علم الفرائض وأنه كان المسؤول عما أشكل منها والمكتوب إليه من الآفاق فيها لعلمه بها وأن المدينة كان يفزع إلى أهلها من الآفاق في العلم وعلى مذهب زيد بن ثابت في الفرائض رسم مالك - رحمه الله - كتابه هذا وإليه ذهب وعليه اعتمد وكان القائم بمذهب زيد في ذلك ابنه خارجة ثم أبو الزناد [ثم] ابنه عبد الرحمن ومالك [وجماعة] علماء المدينة على مذهب زيد بن ثابت في ذلك وهو مذهب أهل الحجاز وكثير من علماء البلدان في سائر الأزمان وبه قال الشافعي لم يعد شيء منه وأما جمهور أهل العراق فيذهبون إلى قول علي في فرائض المواريث لا يعدونه إلا باليسير النادر كما صنع أهل الحجاز بمذهب زيد في ذلك ومن خالف زيدا من الحجازيين أو خالف عليا من العراقيين فقليل وذلك لما يرويه مما يلزم الانقياد إليه والجملة ما وصفت لك 1043 - مالك عن بن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب فرض للجد الذي يفرض الناس له اليوم 1044 - مالك أنه بلغة عن سليمان بن يسار أنه قال فرض عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت للجد مع الأخوة الثلث قال مالك و الأمر المجتمع عليه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الجد أبا الأب لا يرث مع الأب دنيا شيئا وهو يفرض له مع الولد الذكر ومع بن الابن الذكر السدس فريضة وهو فيما سوى ذلك ما لم يترك المتوفى أما أو
340 أختا لأبيه يبدأ بأحد إن شركه بفريضة مسماه فيعطون فرائضهم فإن فضل من المال السدس فما فوقه فرض للجد السدس فريضة قال مالك والجد والإخوة للأب والأم إذا شركهم أحد بفريضة مسماه يبدأ بمن شركهم من أهل الفرائض فيعطون فرائضهم فما بقي بعد ذلك للجد والإخوة من شيء فإنه ينظر أي ذلك أفضل لحظ الجد أعطيه الثلث مما بقي له وللأخوة أو يكون بمنزلة رجل من الإخوة فيما يحصل له ولهم يقاسمهم بمثل حصة أحدهم أو السدس من رأس المال كله أي ذلك كان أفضل لحظ الجد أعطيه الجد وكان ما بقي بعد ذلك للإخوة للأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين إلا في فريضة واحدة تكون قسمتهم فيها على غير ذلك وتلك الفريضة امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وأختها لأمها وأبيها وجدها فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت للأم والأب النصف ثم يجمع سدس الجد ونصف الأخت فيقسم أثلاثا للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون للجد ثلثاه وللأخت ثلثه قال مالك وميراث الإخوة للأب مع الجد إذا لم يكن معهم إخوة لأب وأم كميراث الإخوة للأب والأم سواء ذكرهم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم فإذا اجتمع الإخوة للأب والأم والإخوة للأب فإن الإخوة للأب والأم يعادون الجد بأخوتهم لأبيهم فيمنعونه بهم كثرة الميراث بعددهم ولا يعادونه بالإخوة للأم لأنه لو لم يكن مع الجد غيرهم لم يرثوا معه شيئا وكان المال كله للجد فما حصل للإخوة من بعد حظ الجد فإنه يكون للإخوة من الأب والأم دون الإخوة للأب ولا يكون للإخوة للأب معهم شيء إلا أن يكون الإخوة للأب والأم امرأة واحدة فإن كانت امرأة واحدة فإنها تعاد الجد بإخوتها لأبيها ما كانوا فما حصل لهم ولها من شيء كان لها دونهم ما بينها وبين أن تستكمل فريضتها وفريضتها النصف من رأس المال كله فإن كان فيما يحاز لها ولإخوتها لأبيها فضل عن نصف رأس المال كله فهو لإخوتها لأبيها للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال أبو عمر [أما اختلاف العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في ميراث الجد بأن أبا بكر الصديق وعبد الله بن عباس وعائشة أم المؤمنين ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبا الدرداء وأبا هريرة وبن الزبير وأبا موسى كانوا يذهبون إلى أن الجد عند عدم الأب كالأب سواء ويحجبون به الإخوة كلهم ولا يورثون أحدا سوى الإخوة شيئا مع الجد
341 وبه قال طاوس وعطاء وعبد الله بن عتبة وبن مسعود والحسن وجابر بن زيد وقتادة وعثمان البتي وأبو حنيفة والمزني صاحب الشافعي وأبو ثور وإسحاق ونعيم بن حماد وداود بن علي ومحمد بن جرير الطبري وروي عن عمر وعثمان أنهما قالا بذلك ثم رجعا عنه روى بن عيينة وغيره عن بن جريج عن بن أبي مليكة قال كتب أبن الزبير إلى أهل العراق أما أبو بكر فكان يجعل الجد أبا وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لو كنت أتخذ خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا)) (1) وحجة من جعل الجد أبا لأنه يقع عليه اسم أب واجمعوا أنه كالأب في الشهادة لابن ابنه وكالأب فيمن يعتق عليه وأنه لا يقتص له من جده كما لا يقتص له من أبيه ولأن له السدس مع الأب الذكر وهو عاصب وذو فرض وليس ذلك لأحد غيره وغير الأب ولما كان بن الابن كالابن عند عدم الابن كان كذلك أبو الأب عند عدم الأب كذلك واتفق علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وبن مسعود على توريث الإخوة مع الجد إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك فمذهب زيد ما ذكره مالك في هذا الباب وقال إنه الأمر المجتمع عليه عندهم وأما علي فكان يشرك بين الإخوة والجد إلا السدس يجعله كأحدهم وإذا كان السدس خيرا له من المقاسمة أعطاه السدس وإذا كان المقاسمة خيرا له من السدس أعطاه السدس بعد أخذ كل ذي فرض فرضه وكذلك إن لم يكن في الفريضة ذو فرض غير الإخوة والجد لا ينقص أبدا من السدس شيئا ويكون بذلك السدس مع ذوي الفروض ذا فرض وعاصبا ومع الإخوة أخا إلا أن تنقصه المقاسمة من السدس فلا ينقصه منه شيئا ولا يزيده مع الوالد الذكر شيئا على السدس ولا ينقصه منه شيئا مع غيرهم
342 وإذا كانت أخت لأب وأم وأخ لأب وجد أعطى الأخت للأب والأم النصف فريضتها وقسم ما بقي بين الأخ والجد فإن كان أخ لأم وأخ لأب أو إخوة لأم وأب أو إخوة لأب لم يلتفت إلى الإخوة ولم يعاديهم الجد وقاسم بهم الإخوة للأب والأم دون الإخوة للأب قال أبو عمر] روي عن بن عباس أنه سأل زيد بن ثابت عن قوله في الجد وفي معاداته الإخوة للأب والأم للإخوة للأب فقال إنما أقول برأيي كما تقول برأيك قال أبو عمر انفرد زيد بن ثابت من بين الصحابة - [رضوان الله عليهم] - بقوله في معاداته الجد بالإخوة للأب مع الإخوة للأب والأم ثم يصير ما وقع لهم في المقاسمة إلى الإخوة للأب والأم لم يقله أحد غيرة إلا من اتبعه [فيه] قد خالفه فيه طائفة من الفقهاء القائلين بقوله في الفرائض لإجماع المسلمين أن الإخوة للأب لا يرثون شيئا مع الإخوة للأب والأم فلا معنى لإدخالهم معهم وهم لا يرثون لأنه خيف على الجد في المقاسمة وذهب إلى قول زيد بن ثابت في الجد خاصة مالك [بن أنس وسفيان] الثوري والأوزاعي وبن سيرين ومحمد بن إدريس الشافعي وأبو يوسف ومحمد وعبيد الله بن الحسن والحسن بن زياد اللؤلؤي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد ولم يذهب إلى قول زيد في منعه من توريث ذوي الأرحام وفي الرد على ذوي السهام وفي قوله ثلث المال بعد ذوي الفروض والعصبات والموالي أحد من الفقهاء الذين ذكرنا إلا مالكا والشافعي وسيأتي القول في ذلك كله في أبوابه بعد - إن شاء الله عز وجل وذهب إلى قول علي في الجد المغيرة بن مقسم الضبي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة من أهل العلم بالفرائض والفقه ومن حجة من ورث الأخ مع الجد أن الأخ أقرب إلى الميت من الجد لأن الجد أبو [أبي] الميت والأخ بن أبي الميت ومعلوم أن الابن أقرب من الأب فكيف يكون من يدلي بالأبعد أحق وأولى فكيف من يدلي بالأقرب هذا محال وقد أجمعوا أن بن الأخ يقدم على العم وهو يدلي بالأخ والعم يدلي بالجد فدل هذا كله على أن الجد ليس بأولى من الأخ والله أعلم
343 وقول بن مسعود في مقاسمة الجد الإخوة مختلف عنه فيه وروي عنه مثل قول زيد أنه قاسم الجد بالإخوة إلى الثلث فإن نقصته المقاسمة من الثلث فرض له الثلث على حسب قول زيد وروي عنه مثل قول علي وقد ذكرنا عنه الروايات في ((الإشراف)) وذكرنا هناك أقوالا للصحابة شاذة لم يقل بها أحد من الفقهاء فلم أر لذكرها وجها ها هنا وأما الفريضة التي ذكرها مالك في هذا الباب فهي المعروفة عند الفرضيين بالأكدرية وهي زوج وأم وأخت لأب وأم أو لأب وجد وقد اختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم [فيها] فكان عمر وعبد الله بن مسعود يقولان للزوج النصف وللأم السدس وللأخت النصف وللجد السدس وروي عنهما أيضا للزوج النصف وللأم [الثلث مما بقي] وللأخت النصف عالت الفريضة إلى ثمانية وكان علي وزيد يقولان للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس الفريضة من ستة عالت إلى تسعة إلا أن زيدا يجمع سهم الأخت والجد وهي سبعة فيجعلها بينهما على ثلاثة أسهم سهمان للجد وسهم للأخت عملها أن تضرب ثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم سهمان في ثلاثة ستة وتبقى اثنا عشر للأخت ثلثها أربع للجد ثلثاها ثمانية وقال الشعبي سألت قبيصة بن ذؤيب وكان من أعلمهم بقول زيد فيها - يعني الأكدرية فقال والله ما فعل زيد هذا قط يعني أن أصحابه قاسوا ذلك على قوله وقال أبو الحسين بن اللبان الفارض لم يصح عن زيد ما ذكروا - يعني في الأكدرية وقياس قوله أن يكون للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وتسقط الأخت كما يسقط الأخ لو كان مكانها لأن الأخ والأخت سبيلهما واحد في قول زيد لأنهما عنده عصبة مع الجد يقاسمانه واختلف في السبب الموجب لتسمية هذه الفريضة بالأكدرية
344 فقيل سميت بذلك لتكدر قول زيد فيها لأنه لم يفرض للأخت مع الجد وفرض لها في هذه المسألة وقيل سميت بذلك لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا يقال له الأكدر فأخطأ فيها فنسبت إليه حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان قال قلت للأعمش لم سميت الأكدرية قال طرحها عبد الملك بن مروان على رجل يقال له الأكدر كان ينظر في الفرائض فأخطأ فيها فسماها الأكدرية وقال وكيع وكنا نسمع قبل هذا أنها سميت الأكدرية لأن قول زيد تكدر فيها لم يقس قوله وأما قول مالك في معاداة الإخوة للأب وللأم مع الجد بالإخوة للأب ثم انفرادهم بالميراث دونهم فقد ذكرنا أن ذلك قول زيد وحده من بين جميع الصحابة وأما قوله في الإخوة للأم في ذلك فإجماع أنهم لا يرثون عند الجميع مع الجد وقد ذكرنا ذلك في باب ميراث الإخوة للأم وأما قوله في الأخت الشقيقة أنها تعاد الجد بإخوتها لأبيها فإن حصل لها ولهم في ذلك النصف فهو لها دونهم وإن كان أكثر فالفضل على النصف لهم على حسب ما وصف فهو مذهب زيد وكان علي - رضي الله عنه - يفرض للأخوات للأب والأم ثم يقسم الباقي للإخوة للأب والجد ما لم تنقصه المقاسمة من السدس فإن نقصته فرض له السدس وفضل الباقي للإخوة للأب وأما بن مسعود فأسقط الإخوة للأب مع الإخوة للأب والأم والجد فعلى قول بن مسعود في أخت لأب وأم وأخت لأم وجد المال بين الأخت والجد نصفين ولا شيء للإخوة للأب وذهب إلى قول بن مسعود في الجد [مع] الإخوة مسروق وشريح وطائفة من [متقدمي أهل الكوفة] ومن هذا الباب أم وأخت وجد واختلف فيها الصحابة - (رضوان الله عليهم -) على خمسة أقوال
345 أحدها من جعل الجد أبا أبو بكر وبن عباس وبن الزبير ومن ذكرنا معهم أعطوا الأم الثلث والباقي للجد وحجبوا الأخت بالجد كما تحجب بالأب والثاني قول علي قال للأم الثلث وللأخت النصف وما بقي فللجد والثالث قول عثمان جعلها أثلاثا للأم الثلث وللأخت الثلث وللجد الثلث والرابع قول بن مسعود قال للأخت النصف [والجد الثلث] وللأم السدس وكان يقول معاذ الله أن أفضل أما على جد والخامس قول زيد بن ثابت قال للأم الثلث وما بقي للجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وهذه الفريضة تدعى الخرقاء ((8 - باب ميراث الجدة)) 1045 - مالك عن بن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال لها أبو بكر مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر الصديق ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها مالك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها 1046 - مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال أتت الجدتان إلى أبي بكر الصديق فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل من الأنصار أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث فجعل أبو بكر السدس بينهما
346 قال أبو عمر أما الحديث الأول فقد خولف مالك في عثمان بن إسحاق بن خرشة فقالت فيه طائفة من أهل الحديث والرواية إنما هو عثمان بن إسحاق بن أبي خرشة بن عمرو بن ربيعة من بني عامر بن لؤي وما أعلم روى عنه غير بن شهاب وهو معروف النسب إلا أنه ليس مشتهرا بالرواية للعلم وقد ذكرنا طرفا من أخباره في ((التمهيد)) وذكرنا هناك الاختلاف في سماع قبيصة بن ذؤيب من أبي بكر وقبيصة أحد فقهاء المدينة وقد ذكرنا خبره في ((التمهيد)) ولد في أول عام الهجرة ومات سنة ست وثمانين وذكرنا أباه ذؤيبا في كتاب ((الصحابة)) وقد تابع مالكا على روايته في هذا الباب عن بن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة أبو أويس وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر ورواه معمر عن الزهري عن قبيصة لم يدخل بين بن شهاب وبين قبيصة أحدا ورواه كما رواه معمر يونس وأسامة بن زيد والقول عندي قول مالك ومن تابعة والله أعلم لأنهم زادوا ما قصر عنه غيرهم وأما بن عيينة فرواه عن الزهري وجوده قال حدثني الزهري فقال مرة حدثني قبيصة وقالا مرة حدثني رجل عن قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة أم الأم أو أم الأب إلى أبي بكر الصديق فقالت إن بن ابني أو بن ابنتي مات وقد أخبرت أن لي في كتاب الله حقا فقال أبو بكر ما أجد لك في كتاب الله من حق وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشيء وسأسأل الناس قال فسأل فشهد المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس قال ومن سمع ذلك معك قال بن مسلمة قال فأعطاها السدس قال فلما كانت خلافة عمر جاءت التي تخالفها إلى عمر قال سفيان وزادني فيه معمر عن الزهري ولم أحفظه من الزهري ولكن حفظته عن عمر أن عمر قال إذا اجتمعتما فإنه لكما أو أيتكما انفردت به فهو لها وأما حديثه عن يحيى بن سعيد عن القاسم أنه قال أتت الجدتان إلى أبي بكر
347 الصديق فإنه عني أم الأم وأم الأب وهما اللتان أجمع العلماء على توريثهما رواه بن عيينة عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد يقول جاءت إلى أبي بكر جدتان فأعطى الجدة أم الأم السدس دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل - رجل من الأنصار ومن بني حارثة قد شهد بدرا - يا خليفة رسول الله أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها وتركت التي لو ماتت ورثها فجعله أبو بكر بينهما واختلف العلماء في توريث الجدات على ما نورده ها هنا إن شاء الله - عز وجل 1047 - ذكر مالك عن عبد ربه بن سعيد أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كان لا يفرض إلا للجدتين [قال أبو عمر وهو قول سليمان بن يسار وبن شهاب وطلحة بن عبد الله بن عوف وبن هرمز وربيعة وبن أبي ذؤيب ومالك بن أنس وهو معنى قول سعد بن أبي وقاص وذلك أنه كان يوتر بركعة فعابه بن مسعود فقال أتعيبني أن أوتر بركعة وأنت تورث ثلاث جدات قال بن أبي أويس سألت مالكا عن الجدتين اللتين ترثان والثالثة التي تطرح وأمهاتها فقال اللتان ترثان أم الأم وأم الأب وأمهاتهما إذا لم يكونا والثالثة التي تطرح أم الجد أبي الأب وأمهاتها قال بن أبي أويس فأما أم أب الأم فلا ترث شيئا] قال أبو عمر أهل المدينة يذهبون إلى [قول] زيد بن ثابت في توريث الجدات وكان زيد يقول ترث الجدة أم الأب و [الجدة] أم الأم أيتهما كانت أخذت السدس فإن اجتمعتا فالسدس بينهما ولا شيء للجدات غير السدس إذا استوين في العقود قال فإن قربت التي من قبل [الأم] كان السدس [لها دون غيرها وإن قربت التي من قبل] الأب كان السدس بينهما وبين التي من قبل الأم وإن قعددت هذه رواية خارجة بن زيد وأهل المدينة عن زيد بن ثابت وروى الشعبي عن زيد بن ثابت أنه قال أيتهما كانت أقرب فالسدس لها
348 وقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الجدات كقول زيد بن ثابت إلا أنه كان يورث التي كانت من قبل الأب أو من قبل الأم ولا يشرك معها أحدا ليس في قعددها وبه يقول الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وكان الأوزاعي يورث [ثلاث جدات] ولا يورث أكثر منهن واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب وهو قول أحمد بن حنبل وحجته حديث سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات اثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم حدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني يونس بن عبد الأعلى قال حدثني سفيان فذكره وأما بن مسعود فكان يورث الجدات الأربع أم الأم وأمها وإن علت وأم الأب وأمها [وإن علت] وأم أبي الأم وأمها وأم أبي الأب وأمها وهو قول بن عباس وبه قال الحسن وبن سيرين وجابر بن زيد وروى حماد بن سلمة عن سليمان الأعمش عن إبراهيم بن عبد الله بن مسعود قال ترث الجدات الأربع قربن أو بعدن وحماد بن سلمة عن ليث عن طاوس عن بن عباس قال ترث الجدات الأربع وحماد بن زيد عن أيوب عن الحسن ومحمد أنهما كانا يورثان أربع جدات وكان بن مسعود يشرك بين الجدات في السدس دنياهن وقصواهن ما لم تكن جدة أم جدة أو جدتها فإن كان كذلك ورث بينهما مع سائر الجدات وأسقط أمها أو جدتها وروي عنه أنه كان يسقط [القصوى بالدنيا إذا كانت من جدة واحدة مثل أن تكون أم أب وأم أب فيورث أم الأب أب ويسقط أم أبي الأب فكان يحيى بن آدم يختار هذه الرواية عن بن مسعود ويقويها وأما بن عباس فكان يورث الجدة أم أبي الأب مع من يحاذيها من الجدات وتابعه على ذلك الحسن وبن سيرين وجابر بن زيد
349 وروي عن بن عباس قول شاذ أن الجدة كالأم إذا لم تكن أم وهذا باطل عند العلماء لأنهم أجمعوا أن لا ترث جدة ثلثا ولو كانت كالأم ورثت الثلث وأظن الذي روى هذا الحديث عن بن عباس قاسه على قوله في الجد لما جعله أبا ظن أنه يجعل الجدة أما والله أعلم وأما قول زيد بن ثابت أنه لا يرث من قبل الأم إلا جدة واحدة ولا ترث الجدة أم أبي الأم على حال ولا يرث مع الأب أحد من جداته ولا ترث جدة وابنها حي يعني الابن الذي يدلي به إلى الميراث فإما أن تكون جدة أم عم لأب فلا يحجبها هذا الابن عن الميراث ولا يرث أحد من الجدات مع الأم وهذا كله قول زيد بن ثابت وبه يقول مالك والشافعي وأصحابهما إلا أن مالكا لا يورث إلا جدتين أم أم وأم أب وأمهاتهما وكذلك روى أبو ثور عن الشافعي وهو [قول] من ذكرنا من فقهاء المدينة سليمان بن يسار ومن تقدم ذكرنا له معهم ومذهب زيد قد جوده مالك وذكر أنه الأمر المجتمع عليه بالمدينة قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الجدة أم الأم لا ترث مع الأم دنيا شيئا وهي فيما سوى ذلك يفرض لها السدس فريضة وأن الجدة أم الأب لا ترث مع الأم ولا مع الأب شيئا وهي فيما سوى ذلك يفرض لها السدس فريضة فإذا اجتمعت الجدتان أم الأب وأم الأم وليس للمتوفى دونهما أب ولا أم قال مالك فإني سمعت أن أم الأم إن كانت أقعدهما كان لها السدس دون أم الأب وإن كانت أم الأب أقعدهما أو كانتا في القعدد من المتوفى بمنزلة سواء فإن السدس بينهما نصفان قال مالك ولا ميراث لأحد من الجدات إلا للجدتين لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث الجدة ثم سأل أبو بكر عن ذلك حتى أتاه الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ورث الجدة فأنفذه لها ثم أتت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب فقال لها ما أنا بزائد في الفرائض شيئا فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها قال مالك ثم لم نعلم أحدا ورث غير جدتين منذ كان الإسلام إلى اليوم قال أبو عمر قد أشبعنا القول في هذا الباب في كتاب ((التمهيد)) وفي كتاب
350 ((الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الاختلاف)) أيضا وفيما ذكرنا ها هنا كفاية إن شاء الله تعالى وأما قول زيد لا ترث جدة وابنها حي فحدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الخداش قال حدثني أبو عتبان مالك بن يحيى قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت لم يجعل للجدة شيئا مع ابنها قال أبو عمر وروى خارجة بن زيد وعطاء عن زيد مثله سواء والعلماء مختلفون في توريث الجدة مع ابنها فكان علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت يقولون لا ترث الجدة مع ابنها يعنون أنها لا ترث أم الأب مع الأب وبه قال مالك [والشافعي] وأبو حنيفة وأصحابهم وإليه ذهب داود بن علي ومن حجة من ذهب إلى ذلك أن الجد لما كان محجوبا بالأب وجب أن تكون الجدة أولى بذلك لأنهما أحد أبوي الميت فوجب أن يحجبها الأب كما حجب الجد [ووجب أنها إذا كانت أم أم لم ترث مع الأم فكذلك إذا كانت أم أب لا ترث مع الأب] ووجه آخر [لما كان] بن الأخ لا يرث مع الأخ لأنه به يدلى ولا يرث بن العم مع العم لأنه به يدلى وجب أن لا ترث الجدة أم الأب مع الأب لأنها به تدلى وأما داود فحجته أنهم لما اختلفوا في ميراثها لم ترث لأنه لا يجب عنده ميراث إلا بنص آية أو نص سنة أو إجماع وهذا [لا خلاف] فيه لأنه يعارضه ما هو في باب المنازعة مثله وذلك أن كل قريب ذي نسب يجب أن لا يمتنع من الميراث إلا بنص [كتاب] أو سنة [ثابتة] لا مطعن فيها أو إجماع من الأمة لأن الله تعالى يقول * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) * [النساء 7] فوجب أن لا يمنع قريب من الرجال والنساء من ميراث قريبه إلا بنص كتاب أو سنة ثابتة أو إجماع
351 وقد أجمعوا أن الميراث بالدين لا يكون إلا عند عدم النسب وقال آخرون ترث الجدة مع ابنها روي ذلك عن عمر بن الخطاب و [عبد الله] بن مسعود وأبي موسى وعمران بن حصين وأبي الطفيل [عامر بن واثلة] وبه قال شريح والحسن وعطاء وبن سيرين وسليمان بن يسار وجابر بن زيد أبو الشعثاء وهو قول فقهاء البصريين وشريك القاضي وأحمد بن حنبل وإسحاق والطبري واختلف فيها عن الثوري وروي عنه أنه كان يورثها مع ابنها وروي عنه أنه كان لا يورثها وروى الشعبي عن مسروق عن عبد الله قال أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا جدة مع ابنها وابنها حي (1) [قال أبو عمر هذا لا حجة فيه لأنه يحتمل أن تكون الجدة - أراد أم الأم - وهو خال الميت فإن قيل روي بن جريج والثوري وبن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ورث عمر [بن الخطاب] جدة مع ابنها قيل له وهذا محتمل أيضا لمثل ذلك من التأويل فإن صح أنها أم أب فقد خالفه علي وزيد وهي مسألة خلاف والقياس على ما وصفنا إلا أن لهم قياسا وذلك أن الإخوة للأم يدلون بالأم وهم يرثون معها وكذلك الجدة تدلي بالأب وترث معه ووجه آخر أن الأم [وأم الأم] لا يحجبان بالذكور وكذلك أم الأب لا تحجب بابنها وإنما تحجب الجدات الأمهات ولما كان عدم ابنها لا يزيد في فرضها لم يحجبها قال أبو عمر ما روي عن عمر وغيره من توريث الجدة مع ابنها فقد روي عنه خلافه إلا أن الأول عنهم أثبت
352 ذكر بن أبي شيبة عن وكيع عن شريك عن جابر عن عمر أنه قال لم [أجد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] من يورث الجدة مع ابنها إلا بن مسعود وعن إبراهيم بن فضيل عن بسام عن فضيل بن مرزوق قال قال إبراهيم لا ترث الجدة مع ابنها في قول علي وزيد وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان لم يورث الجدة إذا كان ابنها حيا والناس عليه ((9 - باب ميراث الكلالة)) 1048 - مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يكفيك من ذلك الآية التي أنزلت في الصيف [آخر سورة النساء] هكذا رواه يحيى مرسلا وتابعه أكثر الرواة على إرساله منهم بن وهب ومطرف وبن بكير وأبو مصعب الزبيري وأبو عفير ومعن بن عيسى كلهم رواه كما رواه يحيى لم يقل فيه عن أبيه ووصله القعنبي وبن القاسم على اختلاف عنه فقالا فيه عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر وروى هذا الحديث سفيان بن عيينة فقال حدثني عمرو بن دينار قال سمعت طاوسا يقول إن عمر سأل حفصة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فأمهلته حتى إذا لبس ثيابه سألته فأملاها عليها في كتف * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * [النساء 176] وقال ((من أمرك بهذا أعمر ما أظن أنه يفهمها أو لم تكفيه آية الصيف)) فأتت حفصة عمر بالكتف)) فقرأه فلما بلغ " يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم " [النساء 176] رمى بالكتف وقال اللهم من بينت له فلم تبين لي قال سفيان وآية الصيف قوله تعالى * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة) * [النساء
353 وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال لأن أكون سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة أحب إلي من حمر النعم (1) قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن العالم إذا سئل عن شيء من العلم فيه خبر في الكتاب أو عن الرسول كان له أن يحمل السائل عليه ويكل فهم ذلك إليه إذا كان السائل ممن يصلح لذلك وفيه دليل على استعمال عموم اللفظ وظاهره واختلف العلماء في معنى الكلالة في قوله عز وجل * (يورث كلالة) * [النساء 12] فقال منهم قائلون الكلالة صفة للوراثة إذا لم يكن فيها ولد ولا والد سميت تلك الوراثة كلالة ومن قال بهذا جعل كلالة نصبا على المصدر كأنه قال يورث وراثة أي يورث بالوراثة التي يقال لها كلالة كما تقول قتل غيلة كأنه قال وإن كان رجل يورث كلالة وقال أهل اللغة هو مصدر مأخوذ من تكلله النسب أي أحاط به وقال آخرون الكلالة صفة للورثة إذا لم يكن فيهم ولد ولا والد سميت الورثة كلالة واحتجوا بحديث جابر أنه قال يا رسول الله إنما يرثني كلالة (2) وكان لا ولد له يومئذ وكان أبوه قتل يوم أحد واحتجوا أيضا بقراءة من قرأ يورث كلالة بكسر الراء قال أبو عبيدة من قرأ يورث كلالة فهم العصبة الرجال الورثة وفيها قول ثالث وهو أن الكلالة صفة للميت إذا لم يكن له ولد ولا والد سمي الميت كلالة إن كان رجل أو امرأة كما يقال رجل صرورة وامرأة صرورة فيمن لم يحج ومثله رجل عقيم وامرأة عقيم
354 وحجة من قال هذا الآثار المروية عن الصحابة والتابعين أنهم قالوا في تفسير الكلالة الكلالة من لا ولد له ولا والد روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وزيد وبن مسعود وبن عباس وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في ((التمهيد)) وقد روي عن بن عباس أنه قال من لا ولد له خاصة والأول أكثر وأشهر عنه وعن غيره وعليه جماعة التابعين بالحجاز والعراق وجماعة الفقهاء وروى أبو إسحاق السبيعي عن سليمان بن عبد السلولي قال أجمع الناس أن الكلالة من لا ولد له ولا والد ومما يدل على فساد رواية من روى عن بن عباس في الكلالة أنه من لا ولد له فقط وأنه ورث الإخوة للأب من كانوا مع الأب إذا لم يكن ولد وإنه لم يختلف عنه في أن الجدات تحجب بها الإخوة وأن الأم لا يحجبها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة من الإخوة فصاعدا فجيء على قوله هذا في امرأة خلفت من الورثة زوجا وأبوين وأخوين أن للزوج النصف وللأم الثلث وللأب السدس ويسقط الإخوة لأن الأب لا يحجبه البنون عن السدس فكيف يحجبه عنه الإخوة هذا لا يصح عن بن عباس من جهة الرواية ولا من جهة القياس على أصله الذي لم يختلف عليه فيه قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الكلالة على وجهين فأما الآية التي أنزلت في أول سورة النساء التي قال الله تبارك وتعالى فيها - * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * [النساء 12] قال مالك فهذه الكلالة التي لا يرث فيها الإخوة للأم حتى لا يكون ولد ولا والد قال مالك فأما الآية التي في آخر سورة النساء التي قال الله تبارك وتعالى فيها " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم " [النساء 176] قال مالك فهذه الكلالة التي تكون فيها الإخوة عصبة إذا لم يكن ولد فيرثون مع الجد [في الكلالة قال أبو عمر هكذا قال مالك هنا إذا لم يكن ولد فيرثون مع الجد] ولم
355 يقل ولد ولا والد وكان الوجه أن يقول إذا لم يكن ولد ولا والد فيرثون مع الجد لأنه وغيره وكل من تكلم في الفرائض من الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين لا يختلفون في أنه لا يرث أخ من إي وجه كان مع [الوالد] كما لا يرثون مع الابن وهذا أصل مجتمع عليه وإنما اختلفوا في ميراث الإخوة مع الجد لا مع الأب على حسب ما قد أوضحناه في باب ((ميراث الجد)) وقد قال مالك في باب ((ميراث الإخوة للأب والأم من موطئه)) أنهم لا يرثون مع الابن ولا مع ولد الابن شيئا ولا مع الأب دينا شيئا وبهذا استغنى والله أعلم أن يذكر الوالد هنا لأنه كان عنده أنه أمر لا يشكل على أحد لاتفاق العلماء على أن الإخوة للأب والأم لا يرثون إلا من يورث كلالة ولا يورث كلالة إلا من لا ولد له ولا والد ألا ترى إلى ما ذكرنا من إجماع السلف أن الكلالة من لا ولد له ولا والد قال أبو عمر ذكر الله عز وجل - الكلالة في كتابه في موضعين ولم يذكر فيهما وارثا غير الإخوة فأما الآية التي في صدر سورة النساء قوله عز وجل * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * [النساء 12] فقد أجمع العلماء على أن الإخوة في هذه المسألة عني بهم الإخوة للأم وأجمعوا أن الإخوة للأب والأم أو للأب ليس ميراثهم هكذا وأما الآية التي في آخر سورة النساء قوله عز وجل " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد " إلى قوله * (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) * [النساء 176] فلم يختلف الفقهاء المسلمون قديما وحديثا أن ميراث الإخوة للأم ليس هكذا لأن الله - عز وجل - جعل جماعة الإخوة للأم شركاء في الثلث الذكر والأنثى فيه سواء وعلم الجميع بذلك أن الإخوة في هذه الآية هم إخوة المتوفى لأبيه وأمه أو لأبيه ودلت الآيتان جميعا أن الإخوة كلهم كلالة] وإذا كان الإخوة كلالة فمعلوم أن من كان أبد منهم كان أحرى أن يكون كلالة [وكل من لا يرثه ولد ولا والد فقد يورث كلالة]
356 قال يحيى بن آدم قد اختلفوا في الكلالة وصار المجتمع عليه ما خلا الولد والوالد قال مالك فالجد يرث مع الإخوة لأنه أولى بالميراث منهم وذلك أنه يرث مع ذكور ولد المتوفى السدس والإخوة لا يرثون مع ذكور ولد المتوفى شيئا وكيف لا يكون كأحدهم وهو يأخذ السدس مع ولد المتوفى فكيف لا يأخذ الثلث مع الإخوة وبنو الأم يأخذون معهم الثلث فالجد هو الذي حجب الإخوة للأم ومنعهم مكانة الميراث فهو أولى بالذي كان لهم لأنهم سقطوا من أجله ولو أن الجد لم يأخذ ذلك الثلث أخذه بنو الأم فإنما أخذ ما لم يكن يرجع إلى الإخوة للأب وكان الإخوة للأم هم أولى بذلك الثلث من الإخوة للأب وكان الجد هو أولى بذلك من الإخوة للأم قال أبو عمر لم يرد مالك بقوله هذا الإخوة للأب والأم خاصة مع الجد بل أراد بذلك جميع الإخوة الذين يكونون عصبة للأب كانوا أو للأب والأم إلا أن قوله هذا ليس على مذهب زيد بن ثابت عندهم في امرأة هلكت [وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وجدها فقال للزوج النصف وللأم السدس وجعل للجد ما بقي وهو الثلث قال لأن الجد يقول لو لم أكن أنا كان للإخوة ما بقي ولم يأخذ الإخوة للأب شيئا فلما حجبت الإخوة للأم عنهم كنت أنا أحق به منهم وروى بن وهب عن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه في امرأة هلكت] وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وجدها قال للزوج النصف وللأم السدس وللجد السدس وما بقي فللإخوة للأب ويحيى على قول مالك في ستة إخوة معترفين اثنان لأب واثنان لأم واثنان لأب وأم وزوج وجد يكون للزوج النصف وللجد الثلث ويشترك الإخوة للأم والإخوة للأب والأم في السدس ويسقط الإخوة للأب وعلى قول زيد بن ثابت المعروف أن السدس الباقي للأخوين للأب والأم لأن الجد حجب الأخوين للأم فكأنهما لم يكونا في الفريضة قال أبو عمر أما قوله في الجد أنه أولى بالميراث من الإخوة وما احتج به فعليه الجماعة الكثيرة
357 وقد ذكرنا في باب ((الجد)) قول من حجب به الإخوة وقول من قاسمهم به إلى الثلث وبه احتج مالك لأنه قول زيد بن ثابت وذكرنا قول علي في مقاسمته للجد بهم إلى السدس فلا معنى لإعادة ذلك ها هنا وما أعلم أحدا من علماء المسلمين جعل الأخ أولى من الجد وحجب الجد بالإخوة بل هم على أن الجد أولى منهم مجتمعون على حسب ما وصفنا من أصولهم وذكرنا من مذاهبهم إلا فرقة من المعتزلة منهم ثمامة بن أشرس فإنهم حجبوا الجد بالأخ ورووا فيه عن عمر شيئا لا يصح وشذوا عن جماعة المسلمين وخالفوا سبيلهم فلم ينشغل بهم وأما احتجاج مالك - رحمه الله - عند أهل العلم فيدل على خلاف ما يروى عن زيد في ذلك ((10 - باب ما جاء في العمة)) 1049 - مالك عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الرحمن بن حنظلة الزرقي أنه أخبره عن مولى لقريش كان قديما يقال له بن مرسى أنه قال كنت جالسا عند عمر بن الخطاب فلما صلى الظهر قال يا يرفأ هلم ذلك الكتاب لكتاب كتبه في شأن العمة فنسأل عنها ونستخبر فيها فأتاه به يرفأ فدعا بتور أو قدح فيه ماء فمحا ذلك الكتاب فيه ثم قال لو رضيك الله وارثة أقرك لو رضيك الله أقرك 1050 - مالك عن محمد بن أبي بكر بن حزم أنه سمع أباه كثيرا يقول كان عمر بن الخطاب يقول عجبا للعمة تورث ولا ترث قال أبو عمر اختلف السلف ثم الخلف بعدهم من العلماء في توريث ذوي الأرحام وهم من لا سهم له في الكتاب والسنة من قرابة الميت وليس بعصبة فذهب قوم إلى توريث العمة والخال والخالة وبنت الأخت وبنت الابنة
358 وغيرهم من ذوي الأرحام الذين لا فرض لهم في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هم عصبة وأبى ذلك آخرون ونذكر ها هنا ما لهم في العمة خاصة من الاختلاف لأن الباب لم يتضمن غيرها ونؤخر القول في سائر ذوي الأرحام إلى باب ((من لا ميراث له)) إن شاء الله تعالى أما أهل المدينة فرووا عن عمر بن الخطاب في العمة ما أرسله مالك في هذا الباب وهو قول زيد بن ثابت وعليه جمهور أهل الحجاز ومن غير رواية مالك مما رواه أهل المدينة ما حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني محمد بن محمد الخياش قال حدثني مالك بن يحيى قال حدثني يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال جاء رجل من أهل العارية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن رجلا هلك وترك عمة وخالة انطلق تقسم ميراثهم فتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار فقال ((يا رب رجل ترك عمة وخالة)) ثم سار هنيهة ثم قال ((يا رب رجل ترك عمة وخالة)) ثم قال ((لا أرى لهما شيئا)) قال يزيد وحدثناه محمد بن عبد الرحمن بن المحبر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى العراقيون عن عمر خلاف ما روى عنه أهل المدينة وكذلك روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك أيضا فمن ذلك ما حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني محمد بن أحمد بن محمد الخياش بمصر قال حدثني مالك بن يحيى بن مالك أبو غسان قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني أن عمر بن الخطاب قضى للعمة بثلثي الميراث وللخالة بالثلث قال وحدثني يزيد بن هارون قال أخبرنا حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد أن عمر قضى للعمة الثلثين وللخالة الثلث [قال وحدثني يزيد بن هارون وعلي بن عاصم قال حدثني داود بن أبي هند عن الشعبي قال أتى زياد في رجل مات وترك عمة وخالة فقال هل تدرون كيف قضى عمر بن الخطاب فيها فقالوا لا قال زيد والله إني لأعلم
359 الناس بقضاء عمر بن الخطاب فيها جعل العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم فأعطى العمة الثلثين والخالة الثلث] ورووا فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ليس بقوي ذكره يزيد عن الحجاج بن أرطأة عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم)) وروى سفيان بن عيينة وغيره عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زياد عن عمر أنه قال في العمة والخالة الثلثان للعمة والثلث للخالة وروى سفيان عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمر مثله وعن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومسروق والحكم وإبراهيم مثله وهو قول [جماعة] أهل الكوفة وأهل البصرة من أهل الرأي والحديث وقد روى العراقيون عن عمر أيضا أنه قسم المال بين العمة والخالة بنصفين وعن عمر بن عبد العزيز أنه أعطى العمة المال كله بالفرض والرد وقال هكذا فعل عمر بن الخطاب وروى الحسن وجابر بن زيد عن عمر أنه أعطى العمة والخالة الثلث والرواية الأولى أصح الروايات عنه ولم يختلف أهل العراق عن عمر أنه ورث العمة والخالة واختلفوا فيما قسمه لهما ((11 - باب ميراث ولاية العصبة)) قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا في ولاية العصبة أن الأخ للأب والأم أولى بالميراث من الأخ للأب والأخ للأب أولى بالميراث من بني الأخ للأب والأم وبنو الأخ للأب والأم أولى من بني الأخ للأب وبنو الأخ للأب أولى من بني بن الأخ للأب والأم وبنو بن الأخ للأب أولى من العم أخي الأب للأب والأم والعم أخو الأب للأب والأم أولى من العم أخي الأب للأب والعم أخو الأب للأب أولى من بني العم أخي الأب للأب والأم وبن العم للأب أولى من عم الأب أخي أبي الأب للأب والأم قال مالك وكل شيء سئلت عنه من ميراث العصبة فإنه على نحو هذا أنسب المتوفى ومن ينازع في ولايته من عصبته فإن وجدت أحد منهم يلقي المتوفى إلى أب
360 لا يلقاه أحد منهم إلى أب دونه فاجعل ميراثه للذي يلقاه إلى الأب الأدنى دون من يلقاه إلى فوق ذلك فإن وجدتهم كلهم يلقونه إلى أب واحد يجمعهم جميعا فانظر أقعدهم في النسب فإن كان بن أب فقط فاجعل الميراث له دون الأطراف وإن كان بن أب وأم وإن وجدتهم مستوين ينتسبون من عدد الأباء إلى عدد واحد حتى يلقوا نسب المتوفى جميعا وكانوا كلهم جميعا بني أب أو بني أب وأم فاجعل الميراث بينهم سواء وإن كان والد بعضهم أخا والد المتوفى للأب والأم وكان من سواه منهم إنما هو أخو أبي المتوفى لأبيه فقط فإن الميراث لبني أخي المتوفى لأبيه وأمه دون بني الأخ للأب وذلك أن الله تبارك وتعالى قال " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم " [الأنفال 75] قال مالك والجد أبو الأب أولى من بني الأخ للأب والأم وأولى من العم أخي الأب للأب والأم بالميراث وبن الأخ للأب والأم أولى من الجد بولاء المولى قال أبو عمر أما ما رسمه مالك في هذا الباب فكذلك القول فيه عند جماعة العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء وأهل الفرائض لا يختلفون أن الأخ للأب والأم يحجب الأخ للأب إذا اجتمعا فكذلك كل من كان أقرب للمتوفى إذا أدلى بأم مع أب يحجب الذي في منزلته من القرابة إذا لم يدل إلا بأب دون أم وهذا الباب عند أهل الفرائض يسمى باب الحجب قالوا الأخ للأب ((والأم)) يحجب ((الأخ للأب والأخ للأب يحجب)) بن الأخ للأب والأم وبن الأخ للأب والأم يحجب بن الأخ للأب وبن الأخ للأب يحجب بن ابن الأخ للأب والأم وهكذا سبيل العصبات من الإخوة وبينهم وكذلك الأعمام وبنوهم الأقرب يحجب الأبعد فإذا استووا حجب الشقيق من كان لأب خاصة لأنه قد أدلى بأم زاد بها قربى في القرابة وهذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم في ذلك وإن كان أحد ابني العم أخا لأم فإن العلماء قد اختلفوا في ذلك على قولين أحدهما أن لابن العم الذي هو أخ الأم المال كله سدس منه بالفريضة والباقي بالتعصيب لأنه أدلى بقرابتين وممن قال بهذا بن مسعود وشريح وعطاء والحسن وبن سيرين والنخعي
361 وإليه ذهب أبو ثور وداود والطبري والقول الآخر أن للأخ السدس فريضة وما بقي بينه وبين بن العم الذي ليس بأخ لأم لأنه أخذ فرضه بالقرآن وساوى بن عمه بالتعصيب وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري وهو قول علي وزيد وبن عباس رضي الله عنهم ذكر سفيان بن عيينة قال سمعت أبا (إسحاق) الهمداني يقول أفتى بن مسعود من بني عمر ثلاثة أحدهم أخ لأم فأعطى المال للأخ للأم فذكروا ذلك لعلي بن أبي طالب فقال رحم الله أبا عبد الرحمن ما كان إلا عالما ولو أعطى الأخ من الأم السدس ثم قسم ما بقي بينهم قال سفيان لا يؤخذ بقول بن مسعود ولا خلاف أيضا بين العلماء أن الأخوة الأشقاء والذين للأب يحجبون الأعمام من كانوا لأن الإخوة بنو أب المتوفى والأعمام بنو جده فهم أقرب من الأعمام إلى الميت ومعنى قولهم يحجب إي يمنعه الميراث وينفرد به دونه فالأب يحجب أبويه لأنه أقرب منهما للمتوفى ويحجب الإخوة كلهم ذكورهم وإناثهم لأنهم به يدلون إلى الميت فهو أولى منهم وإذا حجب الإخوة فهو أحرى أن يحجب الأعمام كلهم وبنيهم والابن يحجب من تحته من البنين ذكورهم وإناثهم ويحجب الإخوة كلهم ذكورهم وإناثهم ويحجب الأعمام بنوهم وقد مضى ذكر الجد وحكمه مع البنين وبني البنين ومع الإخوة وما للعلماء في ذلك من التنازع ولا معنى لإعادة ذلك ها هنا والأب يحجب من فوقه من الأجداد بإجماع كما يحجب الأب الأعمام وبنيهم بإجماع لأنهم به يدلون إلى الميت ويحجب الإخوة للأم ذكورهم وإناثهم بإجماع ويحجب بني الإخوة للأب والأم وبني الإخوة للأب وبني الأخوة للأم بإجماع والبنات وبنات البنين يحجبن الإخوة من الأم وقد مضى في بابهم ذكر كل من يحجبهم أيضا والأم تحجب الجدات كلهن من قبلها ومن قبل الأب
362 [وقد ذكرنا الاختلاف في الجدة هل ترث مع ابنها ومذهب زيد والقائلين بقوله أن الأب لا يحجب من الجدات إلا من كان بسببه وقد ذكرنا في باب الجدة الاختلاف في ذلك والحمد لله] وأما قول مالك في آخر هذا الباب أن بني الأخ للأب والأم أولى من الجد بولاء الموالي فأكثر العلماء يخالفونه في ذلك والجد عندهم أولى بالولاء كما هو أولى منهم عند الجميع بالميراث ويأتي باب ((الولاء)) في آخر كتاب العتق - إن شاء الله - عز وجل ((12 - باب من لا ميراث له)) قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن بن الأخ للأم والجد أبا الأم والعم أخا الأب للأم والخال والجدة أم أبي الأم وابنة الأخ للأب والأم والعمة والخالة لا يرثون بأرحامهم شيئا قال وإنه لا ترث امرأة هي أبعد نسبا من المتوفى ممن سمي في هذا الكتاب برحمها شيئا وإنه لا يرث أحد من النساء شيئا إلا حيث سمين وإنما ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه ميراث الأم من ولدها وميراث البنات من أبيهن وميراث الزوجة من زوجها وميراث الأخوات للأب والأم وميراث الأخوات للأب وميراث الأخوات للأم وورثت الجدة بالذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها والمرأة ترث من أعتقت هي نفسها لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه * (فإخوانكم في الدين ومواليكم) * [الأحزاب 5] قال أبو عمر هذا كله كما ذكره في هذا الباب مذهب زيد بن ثابت وإليه ذهب مالك والشافعي وفقهاء الحجاز أكثرهم من التابعين ومن بعدهم منهم الفقهاء السبعة المدنيون [وأبو سلمة] وسالم وبن شهاب وربيعة وأبو الزناد [وعطاء] وعمرو بن دينار وبن جريج وسيأتي ذكر ميراث الولاء - إن شاء الله تعالى في موضعه وترتيب مذهب زيد في هذا الباب أنه لا يرث بنو البنات ولا بنو الأخوات من قبل من كن ولا ترث عنده بنات الأخوة بحال أيضا ولا بنات الأعمام بحال من الأحوال ولا يرث العم أخو الأب لأمه ولا بنو الإخوة للأم ولا العمات ولا
363 الأخوال ولا الخالات فهؤلاء كلهم وأولادهم ومن علا منهم مثل عمة الأب وخالة الجد لا يرثون ولا يحجبون عند زيد وكذلك الجد أبو الأم والجدة أم أبي الأم وبهذا كله قال مالك والشافعي وجماعة وأما سائر الصحابة فإنهم يورثون ذوي الأرحام كلهم من كانوا وبهذا قال فقهاء أهل العراق والكوفة والبصرة وجماعة العلماء في سائر الآفاق إلا أن بينهم في ذلك اختلافا نذكره فأما علي - رضي الله عنه - فقال إبراهيم النخعي كان عمر وعبد الله وعلي يورثون ذوي الأرحام دون الموالي قال وكان علي أشدهم في ذلك وروى الحكم بن عيينة عن علي توريث ذوي الأرحام العمات والخالات والخال وبنت البنت وبنت الأخ ونحو ذلك من ذوي الأرحام وهو قول بن مسعود وبه قال الكوفيون شريح القاضي ومسروق وعلقمة والأسود بن يزيد وعبيدة السلماني وطاوس والشعبي وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان والأعمش ومغيرة الضبي وبن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وشريك والحسن بن صالح ومحمد بن سالم وحمزة الزيات ونوح بن دراج ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد ونعيم بن حماد وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال البصريون الحسن وبن سيرين وحماد وجابر بن زيد وروي عن بن عباس القولان جميعا قول زيد والحجازيين وقول علي وعبد الله والعراقيين واختلف المورثون لذوي الأرحام في كيفية توريثهم فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى توريثهم على ترتيب العصبات فإن لم تكن عصبة فولي النعمة هو العصبة ثم وكذلك عصبة المعتق ثم ذوي الأرحام وقد تقدم قول علي ومن تابعه في توريث ذوي الأرحام دون الموالي وروي ذلك عن عبد الله
364 ذكر سفيان عن الأعمش قال ماتت مولاة [إبراهيم] فأتته امرأة ذات [قرابة] لها بميراثها فلم يقبله وقال هو لك فجعلت تدعو له فقال [لها] أما أنه لو كان لي ما أعطيتكه وكان يرى أن ذوي الأرحام أولى من الموالي قال سفيان كان إبراهيم يقول في ذلك بقول عبد الله ((الرحم أولى من المولى))] وذهب سائر من ورث ذوي الأرحام من العلماء إلى التنزيل وهو أن ينزل كل واحد وينزل من أدلى بذي سهم [أو عصبة] بمنزلة الذي يدلي به وهو ظاهر ما روي عن علي وعبد الله وعمر في العمة والخالة وقال عبد الله بن مسعود الأم عصبة من لا عصبة له والأخت عصبة من لا عصبة له رواه الأعمش عن إبراهيم عنه ومن حجة من ورث ذوي الأرحام قول الله - عز وجل " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " [الأنفال 75] وقوله * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر) * [النساء 7] ومعلوم أن ذوي الأرحام من الأقربين فوجب لهم نصيبهم لا يحجبهم عنه ألا من هو أولى منهم واحتجوا بآثار كثيرة كلها ضعيفة ومحتملة للتأويل لا تلزم بها حجة قد ذكرنا كثيرا منها في كتاب ((الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف)) والحمد لله ومن حجتهم أن ذوي الأرحام قد اجتمع فيهم سببان القرابة والإسلام فكانوا أولى من جماعة المسلمين الذين لهم سبب واحد وهو الإسلام 3 وهذا أصل المواريث عند الجميع صاحب السببين فالمدلى بالأب والأم أولى من الذين لا يدلى إلا بالأب وحده فكذلك الرحم والإسلام أولى من بيت المال لأنه سبب واحد وقاسوا ابنة الابنة على الجدة أم الأم التي وردت السنة بتوريثها ومن حجة من لم يورث ذوي الأرحام أنهم قالوا في قول الله - عز وجل " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " [الأنفال 75] إنما عنى الله بهذه الآية
365 ذوي الأرحام الذين ذكرهم في كتابه ونسخ بهم الموارثة بالهجرة والحلف ونسخت قوله تعالى " والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا " [الأنفال 72] فالآية عندهم على الخصوص فيمن ذكر الله من ذوي الأرحام وهم [أصحاب] الفروض في كتاب الله تعالى والعصبات الذين نسخ بهم الميراث بالمعاقدة والحلف والهجرة ولما قال رسول الله ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث)) (1) دل على أن ذوي الأرحام المذكورين في الكتاب هم الذين ذكر الله ميراثهم في كتابه ومما قال أبو بكر وعمر للجدة ما لك في كتاب الله عز وجل على أن الذين يرثون هم الذين ذكر الله في كتابه [ونسخ بهم الموارثة بالهجرة] ولما لم ترث ابنة الأخ مع أخيها لم ترث وحدها ولما لم يرث ذوو الأرحام مع الموالي لم يرثوا إذا انفردوا قياسا على المماليك قال أبو عمر هذا ما احتج أصحاب مالك والشافعي وكثير منه لا يلزم لأن أكثر من ورث ذوي الأرحام ورثهم دون الموالي وحجب الموالي بهم وقياسهم على المماليك والكفار عين المحال وقد تقصينا احتجاج الفريقين في كتاب ((الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف)) والحمد لله وأما اختلاف العلماء من السلف والخلف في الرد فإن زيد بن ثابت وحده من بين الصحابة - رضي الله عنهم - كان يجعل الفاضل عن ذوي الفروض - إذا لم تكن عصبة - لبيت مال المسلمين وبه قال مالك والشافعي وروي عن عمر وبن عباس وبن عمر مثل قول زيد في [المال الفائض عن ذوي الفروض] ولا يثبت ذلك عن واحد منهم وسائر الصحابة يقولون بالرد إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك وأجمعوا أن لا
366 يرد على زوج ولا زوجة إلا شيء روي عن عثمان لا يصح ولعل ذلك الزوج أن يكون عصبة وقد ذكرنا اختلاف الصحابة فيمن لا يرد عليه من ذوي السهام والعصبات ومن يرد عليه منهم عند من يذهب إلى الرد على ذوي الفروض دون بيت المال عند عدم العصبة في كتاب ((الإشراف)) وفقهاء العراقيين من الكوفيين والبصريين كلهم يقولون بالرد على ذوي الفروض على قدر سهامهم لأن قرابة الدين والنسب أولى من قرابة الدين وحده وبالله التوفيق ((باب ميراث أهل الملل)) 1051 - مالك عن بن شهاب عن علي بن حسين بن علي عن عمر بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يرث المسلم الكافر)) 1052 - مالك عن بن شهاب عن علي بن أبي طالب أنه أخبره إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ولم يرثه علي قال فلذلك تركنا نصيبنا من الشعب قال أبو عمر لم يتابع أحد من أصحاب بن شهاب مالكا على قوله في الحديث الأول المسند عن عمر بن عثمان فكل من رواه عن بن شهاب قال فيه عمر بن عثمان إلا مالكا فإنه قال فيه عمر بن عثمان وقد وقفه على ذلك يحيى القطان والشافعي وبن مهدي وأبى إلا عمر بن عثمان وذكر بن معين عن عبد الرحمن بن مهدي قال قال لي مالك تراني لا أعرف عمر من عمرو وهذه دار عمر وهذه دار عمرو قال أبو عمر لا يختلف أهل النسب أنه كان لعثمان بن يسمى عمر وبن يسمى عمروا إلا أن هذا الحديث لعمرو عند جماعة أهل الحديث لا لعمر وله أيضا من البنين أبان والوليد وسعيد ولكن صليبة أهل بيته [في ذلك] عمرو بن عثمان
367 وممن قال في هذا الباب عن بن شهاب عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد معمر وبن عيينة وبن جريج وعقيل ويونس وشعيب والأوزاعي وهؤلاء جماعة أئمة حفاظ وهم أولى أن يسلم لهم ويصوب قولهم ومالك حافظ الدنيا ولكن الغلظ لا يسلم منه أحد وقالت الجماعة في هذا الحديث بإسناده المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)) [فاقتصر مالك - رحمه الله - على موضع الفقه الذي فيه التنازع وعزف عن غيره فلم يقل ولا الكافر المسلم] لأن الكافر لا يرث المسلم بإجماع [المسلمين على ذلك] فلم يحتج إلى هذه اللفظة مالك وجاء من الحديث بما فيه الحجة على من خالفه في توريث المسلم من الكافر وهي مسألة اختلف فيها السلف وذلك أن معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان كانا يورثان المسلم من الكافر وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ولا يصح ورواه الثوري عن حماد [بن إبراهيم عن عمر أنه] قال أهل الشرك نرثهم ولا يرثونا والصحيح عنه أنه قال في أهل الكفر لا نرثهم ولا يرثونا ذكره مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر وروى مالك وبن جريج وبن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن محمد بن الأشعث عن عمر أنه قال له [في عمته وماتت نصرانية ((يرثها أهل دينها)) ورواه بن جريج أيضا عن عمرو بن ميمون عن العرس بن قيس عن عمر بن الخطاب] في عمه الأشعث بن قيس ((يرثها أهل دينها)) وممن قال بقول معاذ ومعاوية أن المسلمين يرثون قراباتهم من الكفار ولا يرثهم الكفار محمد بن علي بن الحنفية [ومحمد بن علي بن حسين وسعيد] بن المسيب ومسروق ويحيى بن يعمر ورواية عن إسحاق بن راهويه وقال بعضهم نرثهم ولا يرثونا كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا ورووا فيه حديثا ليس بالقوي مسندا قد ذكرته في ((الإشراف
368 وقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد [وبن مسعود و] بن عباس وجمهور التابعين [بالحجاز والعراق] لا يرث المسلم الكافر كما لا يرث الكافر المسلم وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبو عبيد وأحمد بن حنبل وداود بن علي و [أبو جعفر] الطبري وعامة العلماء وحجتهم حديث بن شهاب هذا عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر)) واختلفوا في معنى هذا الحديث في ميراث المرتد على قولين أحدهما أن ماله إذا قتل على ردته في بيت المال لجماعة المسلمين وهو قول زيد بن ثابت وجمهور فقهاء الحجاز وبه قال مالك والشافعي وحجتهم أن ظاهر القرآن في قطع ولاية المؤمنين من الكفار وعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يرث المسلم الكافر)) ولم يخص مرتدا من غيره وقال أبو حنيفة والثوري وجمهور الكوفيين وكثير من البصريين إذا قتل المرتد على ردته ورثه ورثته من المسلمين قال يحيى بن آدم وهو قول جماعتنا قال ولا يرث المرتد أحدا من مسلم ولا كافر وروى الأعمش عن أبي عمرو الشيباني قال أتى علي - رضي الله عنه - بالمستورد العجلي وقد ارتد فعرض عليه الإسلام فأبى فضرب عنقه وجعل ميراثه لورثته من المسلمين وهو قول بن مسعود وتأول من ذهب إلى هذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يرث المسلم الكافر)) أي الكافر الذي يقر على دينه وأما المرتد فلا دين له ولا ملة يقر عليها ومن حجتهم أيضا أن قرابة المسلم المرتد مسلمون
369 فقد جمعوا القرابة والإسلام وتأول أصحاب مالك والشافعي في حديث علي أنه جعل ميراث المرتد لقرابته المسلمين لما رأى فيهم من الحاجة وكانوا ممن يستحقون ذلك في جماعة المسلمين من بيت مالهم ولا يمكن عموم جماعة المسلمين بميراثه ذلك فجعله لورثته على هذا الوجه لا على أنه ورثهم منه على طريق الميراث والله أعلم واختلفوا في توريث أهل الملل بعضهم من بعض فذهب مالك إلى أن الكفر ملل مختلفة فلا يرث عنده يهودي نصرانيا ولا يرثه النصراني وكذلك المجوسي لا يرث نصرانيا ولا يهوديا ولا يرثانه وهو قول بن شهاب وربيعة والحسن البصري وبه قال شريك القاضي وأحمد وإسحاق وحجتهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يتوارث أهل ملتين)) (1) رواه جماعة من الثقات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال هشيم عن الزهري في حديثه عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وأبو ثور وداود وهو قول الثوري وحماد الكفار كلهم يتوارثون والكافر يرث الكافر على أي كفر كان لأن الكفر كله عندهم ملة واحدة واحتجوا بقول الله عز وجل * (قل يا أيها الكافرون) * [الكافرون 1] ثم قال * (لكم دينكم ولي دين) * [الكافرون 6] فلم يقل أديانكم فدل على أن الكفر كله ملة والإسلام ملة ومن ذلك قوله عز وجل * (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) * [البقرة 120] ولم يقل مللهم فجعلهم على ملة واحدة قالوا ويوضح لك ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يتوارث أهل ملتين)) (2) وقوله ((لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)) فجعلوا الكفر كله ملة واحدة)) والإسلام ملة
370 [وقال شريح القاضي] ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وشريك بن عبد الله النخعي القاضي يجعلون الكفر ثلاث ملل اليهود والسامرة ملة والنصارى والصابئون ملة والمجوس ومن لا دين له ملة [والإسلام ملة] على اختلاف عن شريك وبن أبي ليلى في ذلك أيضا لأنهما قد روي عنهما مثل قول مالك أيضا في ذلك وأما تقدم إسلام علي - رضي الله عنه - في حياة أبيه وتأخر إسلام عقيل فمذكور خبرهما بذلك في كتاب الصحابة والحمد لله وأما الشعب فشعب بني هاشم معروف وإليه أخرجتهم قريش مع بني عبد المطلب بن عبد مناف حين تقاسموا عليهم في أن لا يبايعوا ولا يدخلوا في شيء من أمور دنياهم والشعب في ((لسان العرب)) ما انفرج بين جبلين ونحوهما ومن شعاب مكة أزقتها وأبطانها لأنها بين آطام وجبال وأودية 1053 - وأما حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن محمد بن الأشعث أخبره أن عمة له يهودية أو نصرانية توفيت وأن محمد بن الأشعث ذكر ذلك لعمر بن الخطاب وقال له من يرثها فقال له عمر بن الخطاب يرثها أهل دينها ثم أتى عثمان بن عفان فسأله عن ذلك فقال له عثمان أتراني نسيت ما قال لك عمر بن الخطاب يرثها أهل دينها 1054 - مالك عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي حكيم أن نصرانيا أعتقه عمر بن عبد العزيز هلك قال إسماعيل فأمرني عمر بن عبد العزيز أن أجعل ماله في بيت المال فمعناه أنه لم يكن له وارث من نسب فصار ماله فيئا فجعله في بيت المال وذلك أن ولاء المسلم يمنعه الكفر من الميراث ولو أسلم ورثه كما لو كان ابنه نصرانيا لم يرثه فلو أسلم ورثه والولاء كالنسب وسنذكر اختلاف العلماء في النصراني يعتقه المسلم وفي عبد نصراني يسلم فيعتقه قبل أن يباع عليه في كتاب الولاء - إن شاء الله تعالى
371 أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد الخياش بمصر سنة أربع وأربعين وثلاثمائة قال حدثني أبو غسان - مالك بن يحيى الهمداني - قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني الحسن بن عمارة عن الحكم عن إبراهيم في الرجل يعتق اليهودي والنصراني قال ميراثه لقرابته من أهل دينه فإن لم يكن له وارث ففي بيت مال المسلمين وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال أخبرني من سمع عكرمة وسئل عن رجل أعتق عبدا له نصرانيا فمات العبد وترك مالا قال ميراثه لأهل دينه قال أبو عمر هذا يعضده الحديث ((لا يرث المسلم الكافر)) ((ولا يتوارث أهل ملتين)) وقول عمر بن الخطاب ((لا نرثهم ولا يرثونا)) وقوله لمحمد بن الأشعث في عمته ((يرثها أهل دينها)) وروى بن جريج عن أبي الزبير أنه أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول ((لا يرث المسلم يهوديا ولا نصرانيا إلا أن يكون عبده أو أمته)) وهذا عندي أنه مات عبدا لا معتقا لأن الولاء والنسب 1055 - مالك عن الثقة عنده أنه سمع سعيد بن المسيب يقول أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب قال مالك وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدو فوضعته في أرض العرب فهو ولدها يرثها إن ماتت وترثه إن مات ميراثها في كتاب الله قال أبو عمر لا أعلم الثقة ها هنا من هو والخبر عن عمر مستفيض من رواية أهل المدينة وأهل العراق إلا أنها مختلفة المعنى فمنهم من يروي عن عمر أنه لم يورث الحملاء حملة لا ببينة ولا بغير بينة والحملاء جمع حميل والحميل المتحمل من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام وقيل الحميل الذي يحمل نسبه على غيره ولا يعرف ذلك إلا [بقوله منهم ومنهم من يروي عنه أنه ورث الحميل إذا كانت له بينة وحرمه الميراث إذا لم يكن له بينة
372 وقد روي عن عمر أيضا أنه كان يورثهم على حسب ما يحتملون ويصلون من أرحامهم وعلى هذه الثلاثة الأوجه والمعاني اختلاف العلماء في توريث الحملاء ذكر بن أبي شيبة قال [حدثني جرير عن الليث عن حماد بن إبراهيم قال لم يكن أبو بكر وعمر وعثمان يورثون الحميل قال وحدثني وكيع قال حدثني علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن عمر كتب أن لا يورث أحد بولادة الشرك وهذا الحديث رواه معتمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن عثمان كان لا يورث بولاية الشرك وذكر بن أبي شيبة] قال حدثني حفص بن غياث عن أبي طلق عن أبيه قال أدركت الحملاء في زمن علي وعثمان لا يورثون وقد ذكر عبد الله بن أبي بكر أن عثمان كان يورث بولادة الأعاجم ومعمر عن عاصم بن سليمان قال كتب عمر بن عبد العزيز أن لا يورثوا الحميل بولادة الكفر وأما الرواية عن عمر بن الخطاب أنه كان يورثهم بالبينة فذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن جابر عن الشعبي عن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه أن لا يورث الحميل إلا ببينة وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن نمير قال حدثني مجالد عن الشعبي قال كتب عمر إلى شريح ألا يورث الحميل إلا ببينة وهو قول شريح وعطاء والشعبي والحسن وبن سيرين والحكم وحماد واختلف قول مالك وأصحابه في معنى حديث عمر هذا وما كان مثله من توريث الحميل فقال بن القاسم إنما تفسير قول عمر بن الخطاب لا يتوارث بولادة الأعاجم في الدعوى خاصة وأما إن يثبت ذلك بعدول مسلمين كانوا عندهم فهم كولادة الإسلام وقال ربيعة وبن هرمز وعبد الملك بن الماجشون ولو ثبت بالعدول ما توارثوا
373 وقال يحيى بن سعيد السنة في أولاد الأعاجم إذا ولدوا بأرضهم ثم يحملوا إلينا أن لا يتوارثوا قال عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون كان أبي ومالك [والمغيرة] وبن دينار يقولون بقول بن هرمز وربيعة ثم رجع مالك عن ذلك قبل موته بيسير فقال بقول بن شهاب أنهم يتوارثون إذا كانت لهم بينة وقال الشافعي إذا جاؤونا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم قبلنا دعواهم وإن كانوا قد أدركهم السباء والرق وثبت عليهم الولاء والملك لم تقبل دعواهم إلا ببينة وهو قول الكوفيين وأحمد وأبي ثور قال أبو عمر والرواية الثالثة عن عمر وذكرها أبو بكر عن وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم قال قال عمر كل نسب يتواصل عليه بالإسلام فهو وارث موروث وهو قول إبراهيم وطائفة من التابعين وإليه ذهب إسحاق وروي ذلك عن الشعبي قال أبو بكر حدثني جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال كانوا يتوارثون بالأرحام التي يتواصلون بها قال وحدثني بن إدريس عن أشعث عن الشعبي قال إذا كان نسبا معروفا موصولا ورث - يعني الحميل وقال مسروق إذا اشتهرت البينة أنه كان يحرم منه ومن بينه ما يحرم الأخ من أخيه ورثناه منه قال وحدثني محمد بن أبي عدي عن بن عون قال ذكر لمحمد بن سيرين أن عمر بن عبد العزيز كتب في الحملاء لا يتوارثوا إلا بشهادة الشهود فقال محمد قد توارثت المهاجرون والأنصار بنسبهم الذي كان في الجاهلية فأنا أنكر أن يكون عمر كتب بهذا وروى بن وهب في ((موطئه)) عن مالك في أهل مدينة أو حصن من أهل الحرب أسلموا فشهد بعضهم لبعض أن هذا بن هذا وهذا أخو هذا أو أبو هذا فإنهم يتوارثون بذلك
374 قال وأما الذين يسبون فيسلمون ويشهد بعضهم لبعض فإنهم لا يقبلون ولا يتوارثون بذلك وروى بن القاسم عن مالك في أهل حصن تحملوا ونزلوا بأرض الإسلام وأسلموا أنهم يتوارثون بشهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عددا كثيرا وأرى العشرين كثيرا وقال سحنون لا أسمع بأن العشرين كثيرا وهم في حيز اليسير الحملاء الذين لا يتوارثون بقولهم قال أبو عمر اضطرب أصحابنا في هذا الباب اضطرابا كثيرا وقد ذكرنا كثيرا من ذلك في باب ميراث الحملاء من كتاب الأقضية من اختلاف قول مالك وأصحابه قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا والسنة التي لا اختلاف فيها والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أنه لا يرث المسلم الكافر بقرابة ولا ولاء ولا رحم ولا يحجب أحدا عن ميراثه وكذلك كل من لا يرث إذا لم يكن دونه وارث فإنه لا يحجب أحدا عن ميراثه قال أبو عمر قد مضى ما للعلماء في ميراث المسلم من الكافر في هذا الباب والولاء والنسب في ذلك سواء ومن لا يرث بالنسب فما لولاء أحد إلا أن يرث وهذا ما لا خلاف فيه وأما الحجب فمن لا يرث من كافر أو عبد أو قاتل عمد فذهب بن مسعود وحده من بين الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى أن الكافر والعبد والقاتل يحجبون وإن كانوا لا يرثون و قال بقوله أبو ثور وداود على أن أصحاب داود اختلفوا في ذلك واختلف عن بن مسعود في حجب الإخوة للأم بالكفار والعبيد ولم يختلف عنه في حجب الزوجين والأم بهم وقال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت لا يحجب من لا يرث بحال من الأحوال وبه قال جماعة فقهاء الحجاز والعراق واليمن والشام والمغرب
375 وذكر أبو بكر قال حدثني حسين بن علي عن زائدة عن مغيرة عن إبراهيم عن علي وزيد في المملوكين المشركين قال لا يحجبون ولا يرثون قال وحدثني وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي قال لا يحجبون ولا يرثون قال وحدثني وكيع [عن حماد بن زيد عن أنس بن سيرين قال عمر لا يحجب من لا يرث قال وحدثني وكيع] عن الأعمش عن إبراهيم عن بن أبي ليلى عن الشعبي قال كان بن مسعود يحجب بالمملوكين وأهل الكتاب ولا يورثهم وبالله التوفيق ((14 - باب من جهل أمره بالقتل أو غير ذلك)) 1056 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل ويوم صفين ويوم الحرة ثم كان يوم قديد فلم يورث أحد منهم من صاحبه شيئا إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه قال مالك وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه ولا شك عند أحد من أهل العلم ببلدنا وكذلك العمل في كل متوارثين هلكا بغرق أو قتل أو غير ذلك من الموت إذا لم يعلم أيهما مات قبل صاحبه لم يرث أحد منهما من صاحبه شيئا وكان ميراثهما لمن بقي من ورثتيهما يرث كل واحد منهما ورثته من الأحياء إلى سائر قوله في الباب من مسائله التي فسر بها أصل مذهبه هذا وهو مذهب زيد بن ثابت وجمهور أهل المدينة وهو قول بن شهاب وبه قال الأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه فيما ذكر الطحاوي عنه وروي عن عمر [بن الخطاب] وعلي [بن أبي طالب] وإياس بن عبد الله المزني - رضي الله عنهم - أنه يورث كل واحد من الغرقى والقتلى ومن مات تحت الهدم ومن أشبههم ممن أشكل أمرهم فلا يدرى أيهم مات أولا من صاحبه روي ذلك عن [عمر و] علي من وجوه ذكرها بن أبي شيبة وغيره وحديث إياس بن عبد - ويقال بن عبد الله المزني رواه بن عيينة عن
376 عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس المزني وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن بيت وقع على قوم فماتوا فقال يورث بعضهم من بعض وبه قال شريح وعبيدة السلماني والشعبي و [إبراهيم] النخعي وأبو [يوسف] فيما ذكره الفراض وغيرهم عنهم وسفيان الثوري وسائر الكوفيين وجمهور البصريين والمعنى الذي ذهبوا إليه في ذلك أن يورثوا كل واحد منهما [من صاحبه ولا يرد على واحد منهما] مما ورث [عن] صاحبه شيئا مثال ذلك كان زوجا وزوجة غرقا جميعا ومع كل واحد منهما ألف [درهم] فتميت الزوجة أولا فنصيب الزوج خمسمائة درهم ثم يميت الزوج فنصيب الزوجة من الألف التي هي أصل ماله [مئتان و] خمسون درهم ولا تورثها عن الخمسمائة التي [ورثها عنها] ولا تورثه من المائتين والخمسين التي ورثتها منه فلا يرث واحد منهما من المقدار الذي يورثه من صاحبه ويرث مما سوى ذلك وقد روي عن عائشة - أم المؤمنين أنها شهدت بأن طلحة [مات] قبل أبيه محمد يوم الجمل وشهد بذلك معها [غيرها] فورث طلحة ابنه محمدا وورث محمد ابنه إبراهيم ((15 - باب ميراث ولد الملاعنة وولد الزنى)) 1057 - مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة وولد الزنى إنه إذا مات ورثته أمه حقها في كتاب الله عز وجل وإخوته لأمه حقوقهم ويرث البقية موالي أمه إن كانت مولاة وإن كانت عربية ورثت حقها وورث إخوته لأمه حقوقهم وكان ما بقي للمسلمين قال مالك وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك قال مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر هذا مذهب زيد بن ثابت - كان يورث من بن الملاعنة كما يورث من غيره ولا يجعل عصبة أمه عصبة له ويجعل ما فضل عن أمه لبيت مال
377 المسلمين إلا أن يكون له إخوة لأم فيعطون حقوقهم منه كما لو كان غير بن الملاعنة والباقي في بيت المال فإن كانت أمه مولاة جعل الباقي من [فرض] ذوي السهام [لموالي أمه] فإن لم يكن لها مولى حي جعله في بيت مال المسلمين وعن [بن عباس] في ذلك مثل قول زيد [بن ثابت] وبه قال جمهور أهل المدينة سعيد بن المسيب وعروة وسليمان وعمر بن عبد العزيز وبن شهاب وربيعة وأبو الزناد ومالك والشافعي وأصحابهما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وأهل البصرة إلا [أن أبا حنيفة وأصحابه وأهل البصرة] يجعلون ذوي الأرحام أولى من بيت المال فيجعلون ما فضل عن فرض أمه وإخوته ردا على أمه و [على] إخوته إلا أن تكون الأم مولاة فيكون الفاضل لمواليها وأما علي [بن أبي طالب] وعبد الله بن مسعود و [عبد الله] بن عمر فإنهم جعلوا عصبته عصبة [ولده] ذكر أبو بكر [قال حدثني وكيع قال حدثني بن أبي ليلى عن الشعبي عن علي وعبد الله أنهما قالا في بن الملاعنة عصبته عصبة أمه] قال وحدثني وكيع قال حدثني موسى بن عبيدة عن نافع عن بن عمر قال بن الملاعنة عصبته عصبة أمه يرثهم ويرثونه وهو قول إبراهيم والشعبي وروي عن علي أيضا وبن مسعود أنهما كانا يجعلان أمه عصبته فتعطى المال كله فإن لم يكن له أم فماله لعصبتها وبه قال الحسن ومكحول ومثل ذلك أيضا عن الشعبي وقتادة وبن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والحكم وحماد وسفيان الثوري والحسن [بن صالح بن] حي وشريك ويحيى بن آدم وأحمد [بن حنبل] وكان علي - رضي الله عنه - يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أولى ممن لا سهم له فيرد عليه وقال به جماعة من العراقيين في هذه المسألة وقد أوضحناها في ((التمهيد
378 وحجة من ذهب إلى خلاف قول زيد في حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألحق ولد الملاعنة بأمه (1) وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراث الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها (2) وحديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عليه (3) ومكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك مثله ذكر أبو داود وغيره ذكر أحمد بن حنبل قال حدثني يحيى بن زكريا قال حدثني داود بن أبي هند قال أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير قال كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي إني سألت فأخبرت أنه قضى به لأمه وهي بمنزلة أبيه وأمه (4) قال أبو عمر قيل معنى هذا الحديث أي هي في ابنها بمنزلة الأب تكون عصبة له وعصبتها عصبة لولدها وصار حكم التعصيب الذي من جهة الأب يكون من جهة الأم وصارت هي بمنزلة الأب فعلى هذا تحجب الإخوة وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن الشعبي قال سألت بالمدينة كيف صنع النبي صلى الله عليه وسلم بولد الملاعنة قال ألحقه بعصبة أمه وعن الشعبي أيضا قال بعث أهل الكوفة رجلا إلى الحجاز في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يسأل عن ميراث بن الملاعنة فجاءهم الرسول أنه لأمه وعصبتها
379 وعن بن عباس قال اختصم إلى علي - رضي الله عنه - في ميراث ولد الملاعنة فأعطى أمه الميراث وجعلها عصبته والرواية الأولى أشهر عن علي - رضي الله عنه - عند أهل الفرائض وقد روى خلاس عن علي في بن الملاعنة مثل قول زيد بن ثابت ما فضل عن إخوته فلبيت المال وأنكروها على خلاس ولخلاس عن علي أخبار يصر كثير من أنها نكارة عند العلماء وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل تم كتاب الفرائض والحمد لله رب العالمين
380 ((28 كتاب النكاح)) ((1 - باب ما جاء في الخطبة)) 1058 - مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) 1059 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) قال مالك وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى (1) والله أعلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقان على صداق واحد معلوم [وقد تراضيا فهي تشترط عليه لنفسها فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد فهذا باب فساد يدخل على الناس قال أبو عمر بنحو ما فسر مالك هذا الحديث فسره الشافعي وأبو عبيد
381 وهو مذهب جماعة الفقهاء كلهم [يتفقون في ذلك المعنى] وهو المعمول به عند السلف والخلف وذلك والله أعلم - لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح الخطبة لأسامة بن زيد على خطبة معاوية بن أبي سفيان وأبي جهم بن حذيفة حين خطبا فاطمة بنت قيس فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاورة له فخطبها لأسامة [بن زيد] على خطبتها (1) ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل ما ينهى عنه ولا أعلم أحدا ادعى نسخا في أحاديث هذا الباب فدل ذلك على أن المعنى ما قاله الفقهاء من الركون والرضا والله أعلم وسيأتي القول في قول أسامة في موضعه من هذا الكتاب - إن شاء الله - عز وجل وقد [روي عن أبي] هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)) وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)) والمعنى فيه ما تقدم عن مالك وغيره من العلماء فإذا ركنت المرأة [أو] وليها ووقع الرضا لم يجز [لأحد] حينئذ الخطبة على من ركن أليه ورضي به وأتفق عليه ومن فعل ذلك كان عاصيا إذا كان بالنهي عالما واختلفوا في فسخ نكاحه وسنذكر بعد ذلك [في هذا الباب] إن شاء الله تعالى وقد روى بن وهب عن الليث وبن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن
382 عبد الرحمن بن شماسة المهري أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول] ((المؤمن أخو المؤمن لا يحل لمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه حتى يذر ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر)) (1) ومن الدليل على ما وصفنا ما جاء عن السلف ما رواه بن [وهب] في ((موطئه)) قال أخبرنا مخرمة بن بكير عن أبيه عن [عبيد الله بن سعد] عن الحارث بن أبي ذباب أن جريرا البجلي أمره عمر بن الخطاب أن يخطب عليه امرأة من دوس ثم [أمره] مروان بن الحكم [من بعده] أن يخطبها عليه ثم أمره عبد الله بن عمر بعد ذلك فدخل عليها فأخبرها بهم الأول فالأول ثم خطبها معهم لنفسه فقالت والله ما أدري أتلعب أم أنت جاد [قال بل جاد] فنكحته فولدت له ولدين وفي سماع [إسماعيل] بن أبي أويس قال سمعت مالكا يقول أكره إذا بعث الرجل رجلا يخطب له امرأة أن يخطبها الرجل لنفسه وأراها خيانة ولم أسمع أحدا رخص في ذلك قال وسئل مالك عن رجل خطب امرأة وركنت إليه واتفقا على صداق معلوم حتى صارت من اللائي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يخطب الرجل على خطبة أخيه)) قال مالك إذا كان هكذا فملكها [زوج] آخر ولم يدخل بها فإنه يفرق بينهما وإن دخل بها مضى النكاح وبئس ما صنع حين خطب امرأة في حال نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطب عليها قال أبو عمر هذا هو المشهور عن مالك وتحصيل مذهبه فيمن خطب بعد الركون على خطبة أخيه أنه يفسخ نكاحه إن لم يدخل فإن [نكح] لم يفسخ وقد روي عنه [أنه يفسخ] على كل حال وقد روي عنه أنه لا يفسخ أصلا وإن كان عاصيا يفعله وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما وقد قال الشافعي ليس بعاص إلا أن يكون بالنهي عالما وغير متأول وقال داود يفسخ نكاحه على كل حال
383 وقال بن القاسم إذا تزوج الرجل المرأة بعد أن ركنت إلى غيره فدخل بها فإنه يتحلل الذي خطبها عليه ويعرفه بما صنع فإن حلله وإلا فليستغفر الله من ذلك وليس يلزمه طلاقها وقد أثم فيما فعل قال بن وهب إن لم يجعله الأول في حل مما صنع فليطلقها فإن رغب فيها الأول وتزوجها فقد بريء هذا من الإثم وإن كره تزويجها فليراجعها الذي فارقها بنكاح جديد وليس يقضي عليه بالفراق وقال بن القاسم إنما معنى النهي [في] أن يخطب الرجل على خطبة إخيه في رجلين صالحين وأما إذا كان الذي خطبها أولا فركنت إليه رجل سوء فإنه ينبغي للولي أن يحضها على تزويج الرجل الصالح الذي يعلمها الخير ويعينها عليه قال أبو عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أن يبيع الرجل على بيع أخيه أو يخطب على خطبة أخيه)) والبيع عندهم (مكروه) غير مفسوخ فكذلك النكاح لأنه لم يملك بضعها بالركون دون العقد ولا كانت له بذلك زوجة يجب بينهما الميراث ويقع الطلاق ولو كان كذلك لقضى مالك بفسخه قبل الدخول وبعده وفسخ النكاح عنده قبل الدخول من باب إعادة الصلاة في الوقت ليدرك العمل على سنته وكمال حسنه والركون [عند أهل] اللغة السكون إلى الشيء بالمحبة له والإنصات إليه ونقيضه النفور [عنه] ومن ذلك قوله تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " [هود 113] [وقد روي في هذا المعنى عن عقبة بن عامر تشديد وتغليظ رواه بن السرح عن حيوة بن شريح أن زياد بن عيينة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول على المنبر لئن يجمع الرجل حطبا حتى يصير مثل الجبل ثم يوقده بالنار فإذا احترق اقتحم فيه حتى يصير رميما خير له من أن يفعل إحدى ثلاث يخطب على خطبة أخيه أو يسوم على سوم أخيه أو يصر لقحة قال أبو عمر ما صح العقد فيه وكمل النكاح له ارتفع الوعيد فيه أن يكون كبيرة فمغفور مع اجتناب الكبائر] 1060 - مالك عن عبد الرحمن بن القاسم [عن أبيه] أنه كان يقول في
384 قول الله تبارك وتعالى " ولا جناح عليكم فيما عرضتم (1 " به من خطبة النساء أو أكننتم (2) في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا) [البقرة 225] أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول قال أبو عمر حرم الله عقد النكاح في العدة بقوله * (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * [البقرة 235] وأباح التعريض بالنكاح في العدة ولم يختلف العلماء من السلف والخلف في ذلك فهو من المحكم المجتمع على تأويله إلا أنهم اختلفوا في ألفاظ التعريض فقال القاسم بن محمد ما ذكره مالك في [هذا] الباب عنه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه في ذلك قال يقول إني بك لمعجب وأني فيك راغب وإني عليك لحريص وأشباه ذلك وروى شعبة عن منصور عن مجاهد [عن بن عباس] في قوله تعالى * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) * [البقرة 235] قال التعريض ما لم ينصب للخطبة ورواه بن جرير [بإسناده] عن منصور وزاد يقول إني فيك راغب وإني أريد امرأة أمرها كذا يعرض لها وشعبة عن سهيل بن كهيل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير قال هو قول الرجل إني أريد أن أتزوج وروى وكيع عن إسرائيل عن جابر عن [عامر] الشعبي ووكيع عن أبيه عن منصور عن مجاهد قال يقول إنك لجميلة وإنك لنافقة وإن قضى الله أمرا كان وبن جريج عن مجاهد مثله وقال الحسن لا يقول لها إذا انقضت عدتك تزوجتك ويقول [لها] ما شاء وقال عبيدة يذكرها لوليها ولا يشعرها
385 وروي عن مجاهد أنه قال يكره أن يقول لا تفوتيني بنفسك وإني عليك لحريص وكان إبراهيم لا يرى بذلك كله بأسا قال أبو عمر قد روى محمد بن عمر (بن) علقمة عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة ابنة قيس انتقلي إلى بيت أم شريك ولا تفوتيني بنفسك ذكره أبو بكر عن بن إدريس ومحمد عن بشر عن محمد بن عمر ((2 - باب استئذان البكر [والأيم] في أنفسهما)) 1061 - مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((الأيم (1) أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها)) (2) قال أبو عمر هذا حديث رفيع صحيح أصل من أصول الأحكام ورواته ثقات أثبات [أشراف] فرواه عن عبد الله بن الفضل طائفة منهم مالك وزياد بن سعد ورواه عن مالك جماعة من الأئمة الجلة منهم شعبة وسفيان الثوري وبن عيينة ويحيى بن سعيد الأنصاري وجماعة من أصحابه يطول ذكرهم وقد قيل إنه رواه أبو حنيفة عن مالك)) واختلف رواته في لفظه فالأكثر يقولون فيه الأيم أحق بنفسها وقال منهم جماعة الثيب أحق بنفسها وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في ((التمهيد)) وممن قال [بذلك] بن عيينة عن زياد بن سعد أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام
386 قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني بن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها في نفسها وإذنها صماتها)) (1) وربما قال سفيان صمتها إقرارها قال أبو عمر قد يمكن أن يكون من قال فيه الثيب أحق بنفسها جاء به على المعنى عنده وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال منهم قائلون الإيم في هذا الحديث هي [التي] آمت من زوجها بموته أو طلاقه [وهي الثيب] واحتجوا بقول الشاعر يوم القادسية فأبنا وقد آمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس منهن أيم) يقول ليس منهن من قتل زوجها واحتجوا أيضا بحديث بن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر حين تأيمت ابنته حفصة من خنيس بن حذافة السهمي الحديث وبحديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال آمت حفصة من زوجها وأم عثمان من رقية الحديث قالوا فالأيم [هنا] الثيب وإن كانت العرب قد تسمي كل من لا زوج لها أيما فإنما ذلك على الاتساع وأما أهل اللغة عدم الزوج بعد أن كان قالوا ورواية من روى في هذا الحديث الثيب أحق بنفسها [من وليها] رواية مفسرة وهي أولى من رواية من روى الأيم لأنه قول مجمل والمصير إلى الرواية المفسرة أشهر في الحجة وذكروا ما حدثناه عبد الوارث وسعيد قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني حفص بن غياث عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب قال حدثني نافع بن جبير بن مطعم عن بن
387 عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الثيب أولى بأمرها من وليها والبكر تستأمر وصمتها إقرارها)) (1) قالوا ومن الدليل أيضا [على] أن الأيم المذكورة في هذا الحديث هي الثيب كما رواه [من رواه] وكذلك قوله والبكر تستأذن فذكر البكر بعد [ذكره] الأيم فدل على أنها الثيب قالوا ولو كانت الأيم في هذا الحديث [كل من لا زوج لها من النساء لبطل قوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي)) (2) ولكانت كل امرأة أحق بنفسها من وليها وكان هذا التأويل رد السنة الثابتة في أن لا نكاح إلا بولي وردا لقوله تعالى * (فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * [البقرة 232] يخاطب الأولياء بذلك ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) دل على أن لوليها حقا لكنها أحق منه ودل على أن حق الولي على البكر فوق ذلك لأن الولي لا ينكح الثيب إلا [بأمرها] وينكح البكر بغير أمرها ويستحب له إستئذانها واستئمارها وهذا كله قول من قال إن الولي المذكور في هذا الحديث هو الأب دون غيره من الأولياء لأن الأب لا ينكح الثيب من بناته إلا بأمرها وله أن ينكح البكر منهن بغير أمرها وممن قال بهذا الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واحتجوا بضروب من الحجج معناها ما وصفنا قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها)) دلائل ومعان وفوائد أحدها أن الأيم إذا كانت أحق بنفسها فغير الأيم وليها أحق بها من نفسها ولو كانتا جميعا أحق بأنفسهما من وليهما لما كان لتخصيص الأيم معنى ومثل هذا من [الدلائل] قول الله - عز وجل * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) * [الطلاق 6] دليل على أنه لا نفقه لهن إذا لم يكمن أولات حمل
388 وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع)) (1) فيه دليل على أن الثمرة للمشتري (إذا) بيعت قبل أن تؤبر وكذلك قوله عليه السلام ((الأيم أحق بنفسها [من وليها] دليل على أن التي يخالفها وليها أحق بها وذكر المزني وغيره عن الشافعي قال وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها وتستأمر البكر [في نفسها] وإذنها صماتها)) [دلاله] على الفرق بين الثيب والبكر في أمرين أحدهما أن إذن البكر الصمت والتي تخالفها الكلام والآخر أن أمرهما في ولاية أنفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولي قال والولي ها هنا الأب [والله أعلم] دون سائر الأولياء ألا ترى أن سائر الأولياء [غير الأب] ليس له أن يزوج الصغيرة ولا له أن يزوج البكر الكبيرة إلا بإذنها وذلك للأب في بناته الأبكار بوالغ أو غير بوالغ وهو المطلق الكامل الولاية لأن من سواه من الأولياء لا يستحقون الولاة إلا به وقد يشتركون فيها وهو ينفرد بها فلذلك وجب له اسم الولي مطلقا وذكر حديث خنساء بنت خدام أن رسول الله رد نكاحها وكانت ثيبا إذ أنكحها أبوها بغير رضاها قال وأما الاستئمار للبكر فعلى استطابة النفس ورجاء الموافقة وخوف موافقة الكراهة وقد قال الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم * (وشاورهم في الأمر) * [آل عمران 159] ومعلوم أنه ليس لأحد منهم رد ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ليفتدي به وفي هذا المعنى آثار ذكرناها في ((التمهيد)) قال أبو عمر وحديث خنساء بنت خدام ذكره مالك في باب ((جامع ما لا يجوز من النكاح)) وكان هذا الباب أولى به وسيأتي القول فيه في موضعه إن شاء الله
389 وقال آخرون الأيم كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا واستشهدوا بقول الشاعر (فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي * وإن كنت أفتى منكم أتأيم) (1) أي تبقين بلا زوج ومن هذا قول الشماخ (يقر بعيني أن أنبأ أنها * وإن لم أنلها أيم لم تزوج) (2) وأبين من هذا قول أمية بن أبي الصلت (لله در بني علي * أيم منهم وناكح) (إن لم يغيروا غارة * شعواء تحجر كل نائح) وفي هذا الحديث أعوذ بالله من بوار الأيم وهذا كله يدل على أن الأيم من لا زوج لها ثيبا كانت أو بكرا وقال إسماعيل بن إسحاق الأيم هي التي لا زوج لها بالغا كانت أو غير بالغ بكرا كانت أو ثيبا قال ولم يدخل الأب في جملة الأولياء لأن أمره في ولده أجل من أن يدخل في الأولياء الذين [لا يشبهونه] [وليست لهم] أحكامه [قال] والدليل على أن الأيم كل من لا زوج لها قوله تعالى * (وأنكحوا الأيامى منكم) * الآية النور 32] يعني كل من لا زوج لها قال وإنما في الحديث معنيان أحدهما أن الأيامى كلهن أحق بأنفسهن من أوليائهن وهم من عدا الأب من الأولياء والمعنى الآخر تعليم الناس كيف يستأذنون البكر وأن إذنها صماتها لأنها تستحي أن تجيب بلسانها قال والدليل على ذلك أن الأب له أن يزوج الصغيرة [إذا بلغت وإنما جاز له
390 بإجماع من المسلمين ثم يلزمها ذلك ولا يكون لها في نفسها خيار إذا بلغت وإنما [جاز] له أن يزوج الصغيرة لدخولها في جملة [الأيامى] ولو كانت أحق بنفسها لم [يكن] له أن يزوجها حتى تبلغ وتستأذن) قال أبو عمر من تأمل المعنيين واحتجاج الفريقين لم يخف عليه القوي فيهما وبالله التوفيق 1062 - مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان قال أبو عمر قول عمر هذا اختلف فيه أصحابنا على قولين فمنهم من قال أن قوله وليها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان أن كل واحد من هؤلاء جائز إنكاحه ونافذ فعله إذا أصاب وجه [الصواب] من الكفاءة والصلاح وقال آخرون أراد بقوله وليها أقرب [الأولياء] وأقعدهم بها وأراد بقوله ذوي الرأي من أهلها عصبتها أولو الرأي وإن بعدوا منها في النسب إذا لم يكن الولي الأقرب وكذلك السلطان إذا لم يكن (ولي) قريب ولا بعيد وجعلوا قول عمر هذا على الترتيب لا على التخيير كنحو اختلاف العلماء في معنى قول الله عز وجل في المحاربين * (أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) * [المائدة 33] وهذا [كله من قولهم تصريح] أنه لا نكاح إلا بولي واختلفوا في حكم الولي ومعناه على ما نوضحه عنهم وعن غيرهم من العلماء إن شاء الله قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي)) (1) من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم [إلا أنه حديث وصله جماعة عن أبي إسحاق عن أبي بردة
391 عن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم] منهم أبو عوانة ويونس بن أبي إسحاق وإسرائيل بن يونس وقد ذكرنا الطرق عنهم في ((التمهيد)) وأرسله شعبة والثوري فروياه عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم روى بن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) (1) روى هذا الحديث عن بن جريج جماعة لم يذكروا فيه علة ورواه بن عيينة عن بن جريج بإسناده (مثله) وزاد قال بن جريج فسألت عنه الزهري فلم يعرفه ولم ير واحد هذا الكلام عن بن جريج في هذا الحديث غير بن علية فتعلق به من أجاز النكاح بغير ولي وقال هو حديث واه إذ قد أنكره الزهري الذي عنه روي وطعنوا بذلك على سليمان بن موسى في حفظه قالوا لم يتابعه عليه [أحد] من الحفاظ أصحاب الزهري وقال به من لم يجز النكاح [إلا بإذن ولي وهو حديث صحيح] لأنه نقله عن الزهري ثقات قالوا وسليمان بن موسى إمام أهل الشام وفقيههم عن الزهري وقد رواه عن الزهري كما رواه سليمان بن موسى جعفر بن ربيعة والحجاج بن أرطأة ولا يضر إنكار الزهري [له] لأنه من نسي شيئا بعد أن حفظه لم يضر ذلك من حفظه عنه قال أبو عمر حديث جعفر بن ربيعة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) [الحديث] أحفظه إلا من حديث بن لهيعة عن جعفر بن ربيعة ورواه عن بن لهيعة [بن وهب و] القعنبي وعبد الغفار بن داود الحراني والمعلى بن منصور وغيرهم واحتجوا أيضا بما حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث [بن سفيان] قالا
392 حدثني قاسم [بن أصبغ] قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال [حدثني إسماعيل بن موسى قال] حدثني إسحاق بن عيسى قال حدثني هشيم عن الحجاج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له)) (1) فإن قيل إن الحجاج بن أرطأة ليس في الزهري بحجة وأجمعوا [على] أنه كان يدلس ويحدث عن الثقات بما لم يسمع عنهم إذا سمعه [منهم] قيل له قد رواه بن أبي مليكة عن أبي عمر ومولى عائشة عن عائشة بإسناد كلهم ثقات وعدول حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الله بن إدريس عن جريج عن بن أبي مليكة عن أبي عمر ومولى عائشة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تستأمر النساء في أبضاعهن)) قلت يا رسول الله إنهن يستحيين قال ((الأيم أحق بنفسها والبكر تستأمر وسكوتها إقرارها)) وقد تكلمنا على [علل أحاديث] هذا الباب وتصحيحها في ((التمهيد) بما يطول ذكره وأجمع العلماء [على] أن الولي المذكور بالإشارة إليه في هذا الحديث هو الولي من النسب والعصبة واختلفوا في غير العصبة مثل [وصي] الأب وذي الرأي [من] السلطان إلا أنهم أجمعوا أن السلطان ولي من لا ولي له لأن الولاية بعد عدم التعصيب تنصرف إلى الذي يقف على هذا الأصل قال أبو عمر كان الزهري يقول وهو رواية هذا الحديث إذا تزوجت المرأة بغير إذن وليها كفؤا جاز وهو قول الشعبي وبه قال أبو [حنيفة وزفر وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز النكاح إلا بولي فإن سلم الولي جاز وإن أبى أن يسلم والزوج كفؤا أجازه القاضي
393 ونحو هذا مذهب الأوزاعي وأما مالك فتحصيل مذهبه أنه ((لا نكاح إلا بولي)) هذه جملته وروى أشهب عن مالك أن الشريفة والدنية والسوداء والمسالمة ومن لا خطب لها في ذلك سواء هذا معنى رواية أشهب عن مالك وقال بن القاسم عنه إذا كانت المرأة معتقة أو مسكينة دنية أو تكون في قرية لا سلطان فيها فلا بأس أن تستخلف رجلا يزوجها ويجوز ذلك وإن كانت ذات حسب لها حال وشرف فلا ينبغي لها أن يزوجها إلا وليها أو السلطان وقال مالك في الولي الأبعد يزوج وليته بإذنها وهناك من هو أقرب إليها إن النكاح جائز إذا كان للناكح صلاح وفضل هذا قوله في ((المدونة)) وقال سحنون أكثر الرواة يقولون لا يزوجها ولي وثم أقرب منه فإن فعل نظر السلطان في ذلك قال وروى آخرون أن للأقرب أن يرد أو يجيز إلا أن يطول مكثها عند الزوج وتلد أولادا قال وهذا في ذات المنصب والقدر وذكر بن حبيب عن الماجشون قال النكاح بيد الأقعد فإن شاء فسخه وإن شاء أجازه إلا أن يدخل بها الزوج وقال المغيرة لا يجوز أن يزوجها ولي وثم [من هو] أولى منه ويفسخ نكاحه والمسائل في هذا الباب عن مالك وأصحابه كثيرة الاضطراب وقال مالك وجمهور أصحابه الأخ وبن الأخ أولى من الجد [بالإنكاح وقال المغيرة الجد أولى من الأخ] وروى بن القاسم عن مالك الابن أولى من الأب وهو تحصيل المذهب عند المصريين من أصحابه وروى المدنيون عن مالك أن الأب أولى وقال إسماعيل بن إسحاق قال مالك في هذا الباب أقاويل يظن من سمعها أن بعضها يخالف بعضا
394 قال وجملة هذا الباب أن الله تبارك وتعالى - أمر بالنكاح وحض علية الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل الله المؤمنين بعضهم أولياء بعض وبذلك يتوارثون ثم تكون ولاية أقرب من ولاية كما قرابة أقرب من قرابة فمن كان أولى بالمرأة كان أولى بإنكاحها فإن تشاجروا نظر الحاكم في ذلك إذا ارتفعوا إليه ثم أتى بكلام قد ذكرناه عنه في ((التمهيد)) أكثره لا حجة فيه [ثم قال] فإن نكحت المرأة بغير ولي فسخ النكاح فإن دخل وفات الأمر بالدخول وطول الزمن والولادة لم يفسخ لأنه لا يفسخ من الأحكام إلا الحرام البين أو يكون خطأ لا شك فيه فأما ما يجتهد فيه الرأي وفيه الاختلاف فلا يفسخ قال ويشبه على مذهب مالك أن يكون الدخول فوتا وإن لم يتطاول ولكنه احتاط في ذلك قال والذي يشبه عندي على مذهب مالك في المرأة إذا تزوجت بغير ولي ثم مات أحدهما أنهما يتوارثان وإن كان مالك يستحب ألا يقام على ذلك النكاح قال وقد ذكر بن القاسم عن مالك أنه كان يرى بينهما الميراث قال أبو عمر مذهب الليث [بن سعد] في هذا الباب نحو قول مالك وأما الشافعي فالنكاح عنده [بغير ولي] مفسوخ قبل الدخول وبعده طال الأمد أو لم يطل ولا يتوارثان إن مات أحدهما والولي عنده من فرائض النكاح ولي القرابة لأولي الديانة وحدها دون القرابة ثم الولاية عنده على الأقرب فالأقرب [والأقعد في الأقعد] ولا مدخل عنده للأبعد مع [الأقرب] في إنكاح المرأة إلا أن يكون الأقرب سفيها أو غائبا غيبة يضر بالمرأة انتظاره لطولها ولا ولاية عنده لأحد [من الأب مع] الأولياء فإن مات [الأب] فالجد ثم أبو الجد ثم أبوه أبدا هكذا والبكر والثيب في ذلك سواء لا تنكح واحدة منهما بغير ولي إلا أن الثيب لا ينكحها أب ولا غيره إلا [بإذنها] وتنكح البكر من بناته بغير أمرها واحتج بقول الله عز وجل * (وأنكحوا الأيامى منكم) * [النور 32] وقوله تعالى في الأيامى * (فانكحوهن بإذن أهلهن) * [النساء 25] وقال تعالى مخاطبا للأولياء * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * [البقرة
395 نزلت هذه الآية في عضل معقل بن يسار أخته وكان زوجها طلقها ثم أراد رجعتها فخطبها فأبى معقل أن يردها إلى زوجها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي)) (1) قال فإن لم يكن ولي القرابة من العصبة فليس بولي والسلطان ليس بولي إلا [لمن] لا ولي له من العصبة لقوله صلى الله عليه وسلم ((السلطان ولي من لا ولي له)) وقال الثوري الأولياء العصبة كقول الشافعي وقال أبو ثور كل من وقع عليه أسم ولي فله أن ينكح وهو قول محمد بن الحسن وقال أحمد [بن حنبل] وإسحاق في النكاح بغير ولي نحو قول الشافعي وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل إذا تزوجها بغير ولي ثم طلقها قال احتاط لها وأجيز طلاقه قال إسحاق كلما طلقها وقد عقد النكاح [بغير] ولي لم يقع عليها طلاق ولا يقع بينهما ميراث لأن النبي صلى الله عليه وسلم [قال] ((فنكاحها باطل)) (ثلاثا) والباطل مفسوخ فلا يحتاج إلى فسخ حاكم ولا غيره وأما أبو حنيفة وأصحابه فليس الولي عندهم من أركان النكاح ولا من فرائضه وإنما هو من تمام النكاح وجماله لأن لا [يلحقه] عارها فإذا تزوجت كفؤا جاز بكرا كانت أو ثيبا
396 وقالوا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) دليل على أن لها أن تزوج نفسها لأنه لم يقل إنه أحق بها في الإذن دون العقد قالوا ومن ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الإذن دون العقد فعليه الدليل قالوا والأيم كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا قالوا [والمرأة إذا كانت رشيدة جاز لها أن تلي عقدة نكاحها لأنه عقد أكسبها مالا فجاز أن تليه بنفسها كالبيع والإجارة قالوا] وقد أضاف الله - عز وجل - النكاح إليها بقوله * (حتى تنكح زوجا غيره) * وبقوله * (أن ينكحن أزواجهن) * [البقرة 232] وقوله * (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) * ورووا عن علي انه كان يجيز النكاح [بغير] ولي ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني [بن] فضيل عن أبيه عن الحكم قال كان علي - رضي الله عنه - إذا رفع إليه رجل تزوج امرأة بغير ولي دخل بها أمضاه قال وحدثني يحيى بن آدم قال حدثني سفيان عن أبي قيس عن هذيل إذا رفعت إلى علي امرأة [قد] زوجها خالها وأمها فأجاز علي النكاح قال يحيى وقال سفيان لا يجوز لأنه غير ولي وقال الحسن بن صالح هو جائز لأن عليا حين أجازه كان بمنزلة الولي قال أبو عمر لهذه المسألة في إنكاح المرأة نفسها وعقدها في ذلك موضع في كتابنا غير هذا نذكره هناك أبلغ من الذكر ها هنا إن شاء الله عز وجل ومن الحجة على الكوفيين في جواز إنكاح المرأة نفسها ما رواه هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها فإن الزانية التي تنكح نفسها)) ولما لم تل [عقدة النكاح غيرها] لم تل عقد نكاح نفسها ألا ترى إلى حديث القاسم عن عائشة أنها كانت إذا خطب إليها بعض قرابتها وبلغت التزويج تقول للولي زوج فإن النساء لا يعقدن النكاح والدليل على [صحة] ذلك قول الله عز وجل * (وأنكحوا الأيامى منكم) * [النور
397 وقال * (فانكحوهن بإذن أهلهن) * [النساء 25] وقال * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * [البقرة 221] وهذا كله يدل على أن أمرهن إلى الرجال ولولا ذلك ما خوطبوا بإنكاحهن وكذلك قيل لهم * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * [البقرة 232] وليس في قوله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) حجة لمن ذهب إلى أن المرأة تزوج نفسها لقوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) ولم يخص ثيبا من بكر وفي هذين الحديثين ما دل على أن الثيب أحق بنفسها من البكر وأن للولي فيها حقا ليس يبلغ مبلغ حقه في البكر لأن الأب يزوج البكر بغير إذنها ولا يزوج الثيب إلا بإذنها ومن الدليل على أنه أراد الإذن دون العقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء وكانت ثيبا وزوجها وأبوها بغير إذنها وقيل كانت بكرا والاختلاف في ذلك ووجوهه تأتي في موضعها من كتابنا هذا - إن شاء الله عز وجل وأما المرأة تجعل عقد [نكاحها] إلى رجل ليس بولي لها فيعقد نكاحها فقد اختلف مالك وأصحابه في ذلك ففي ((المدونة)) قال بن القاسم وقف فيها مالك ولم يجبني عنها وقال بن القاسم إن أجازه الولي جاز وإن أراد الفسخ فسخ دخل أو لم يدخل إذا كان بالقرب فإن تطاول الأمد وولدت الأولاد جاز إذا ذلك صوابا قال وكذلك قال مالك [قال سحنون] وقال غير بن القاسم لا يجوز وإن أجازه الولي [فإنه] نكاح عقده غير الولي وذكر بن حبيب عن بن الماجشون [أنه لا يجوز وإن أجازه الولي وقال والفسخ فيه بغير طلاق وذكر بن شعبان عن بن الماجشون] عن مالك قال إذا زوجها أجنبي لم
398 يكن للولي أن يجيزه وإن ولدت منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) قال بن شعبان وقد قال مالك إذا زوج المرأة غير وليها يفسخ قبل الدخول بتطليقة فلا شيء لها من الصداق قال وقال مالك فيمن تزوجت بغير ولي ودخل بها والزوج كفء ووليها قريب فلا نرى أن نتكلم في هذا قال أبو عمر [ما رواه بن الماجشون عن مالك في] ما ذكره بن حبيب وبن شعبان هو القول بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) وهو قول المغيرة وجمهور أهل المدينة وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث وأما رواية بن القاسم وما كان مثلها عن مالك فهو نحو قول أبي حنيفة والكوفيين و [قول] أبي ثور على ما وصفنا من مذاهبهم فيما مضى من هذا [الباب] إلا أن بن القاسم ومن قال بقوله من [المالكيين] مع قولهم لا نكاح إلا بولي يجيزون النكاح بغير ولي إذا وقع وفات بالدخول أو بالطول ولا أعلم أحدا فرق بين الشريفة ذات الحسب والحال وبين الدنية التي لا حسب لها ولا مال إلا مالكا في رواية بن القاسم وغيره عنه وكذلك لا أعلم أحدا من العلماء فرق بين الثيب والبكر في الولي فقال جائز أن تنكح الثيب بغير ولي وإنه جائز لها أن تزوج نفسها والبكر لا يجوز نكاحها إلا بإذن وليها إلا داود بن علي فإنه جاء بقول خالف فيه من سلف قبله من العلماء فقال لا أمر للولي مع الثيب وجائز نكاحها بغير ولي وأما البكر فلا يجوز نكاحها إلا بإذن ولي من العصبة واحتج بما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد [بن بكر] قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير بن مطعم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((ليس للولي مع الثيب أمرا واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها)) (1)
399 قال أبو عمر [ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر] خالف داود أصله في هذه المسألة وقال فيها بالمجمل والمفسر وهو لا يقول بذلك فجعل قوله ((لا نكاح إلا بولي)) مجملا وقوله ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) مفسرا وهما في الظاهر متضادان وأصله في الخبرين المتضادين أن يسقطا جميعا كأنهما لم يجبا ويرجعا ويرجع إلى الأصل فيهما ولو كان الناس عليه كقوله في استقبال القبلة بالبول والغائط أسقط فيهما الحدثين ولم يجعلهما مجملا مفسرا وقال بحديث الإباحة مع ضعفه عنده لشهادة أصله له فخالف أصله في هذه المسألة وخالفه أصلا له آخر وذلك أنه كان يقول إذا اجتمع في مسألة على قولين فليس لأحد أن يخترع قولا ثالثا والناس في هذه المسألة مع اختلافهم لم يفرقوا بين البكر والثيب من قال إنه لا نكاح للأول ومن أجاز النكاح بغير ولي كلهم لم يفرق بين البكر والثيب في مذهبه وجاء داود يقول بفرق بينهما بقول لم يتقدم إليهم قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) يحتمل أنه يكون أحق بنفسها ولا حق لغيرها معها كما زعم داود ومحتمل أن يكون أراد أنها أحق بأن لا تنكح إلا برضاها خلاف البكر التي للأب أن ينكحها بغير رضاها وإن وليها أحق بإنكاحها فلما قال صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) دل على أن المراد بهذا الأيم أحق بنفسها أن فيها إنما هو الرضى وحق الولي أنه أحق بالتزويج لقوله ((أيما امرأة نكحت بغير ولي ولا نكاح إلا بولي قول عام في كل متواجد وكل نكاح وقوله ((الأيم أولى بنفسها من وليها)) ويميل أن لوليها في إنكاحها حقا ولكن حقها في نفسها أكثر وهو أن لا تزوج إلا بإذنها وقد أخبر أنه وليها ولا فائدة في ولايته إلا في تولي العقد عليها إذا رضيت وإذا كان لها العقد على نفسها لم يكن وليا وهذا واضح عال وفيما تقدم من قول الله تعالى * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * [البقرة 232] وأنها نزلت في عضل معقل بن يسار أخته عن ردها إلى زوجها كفاية وحجة بالغة وبالله التوفيق قال أبو عمر] أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا
400 يشاورها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين [أو سبع سنين] أنكحه إياها أبوها وقال العراقيون إذا أنكح الأب أو غيره من الأولياء الصغيرة فلها الخيار إذا بلغت وقال فقهاء أهل الحجاز لا خيار لها في الأب ولا يزوجها صغيرة غير الأب قال أبو قرة سألت مالكا عن قوله صلى الله عليه وسلم ((والبكر تستأذن في نفسها)) أيصيب هذا القول الأب قال لا لم يعن الأب بهذا إنما عنى به غير الأب قال ونكاح الأب جائز على الصغار من ولده ذكرا كان أو أنثى ولا خيار لواحد منهم قبل البلوغ قال ولا ينكح الصغيرة أحد من الأولياء غير الأب قال أبو عمر اختلفوا في الأب هل يجبر ابنته الكبيرة [البكر] على النكاح أم لا فقال مالك والشافعي وبن أبي ليلى إذا كانت المرأة بكرا كان لأبيها أن يجبرها على النكاح ما لم يكن ضررا بينا وسواء كانت صغيرة أو كبيرة وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة وحجتهم أنه لما كان له أن يزوجها صغيرة وكان له أن يزوجها كبيرة إذا كانت بكرا لأن العلة البكورة لأن الأب ليس كسائر الأولياء بدليل تصرفه في مالها ونظره لها وأنه غير متهم عليها ولو لم يجز له أن يزوجها بكرا بالغا إلا بإذنها لم [يكن] له أن يزوجها صغيرة كما أن غير الأب لم يكن له أن يزوجها بكرا بالغا إلا بإذنها لم يكن له أن يزوجها صغيرة ولو احتيج إلى إذنها في الأب ما زوجها حتى تكون ممن لها الإذن بالبلوغ فلما أجمعوا على أن للأب أن يزوجها صغيرة وهي لا إذن لها صح لها بذلك أن له أن يزوجها بغير إذنها ما كانت بكرا لأن الفرق إنما ورد بين البكر والثيب على ما في الحديث ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم ((لا تنكح [اليتيمة] إلا بإذنها [فدل على أن ذات الأب تنكح لغير إذنها إذا كانت بكرا بإجماعهم أيضا على أن الثيب لا تزوج إلا بإذنها] وأنها أحق بنفسها بالعقد عليها ولما قال صلى الله عليه وسلم ((الثيب أحق بنفسها)) دل على أن البكر وليها أحق بالعقد عليها
401 وهو الأب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ((اليتيمة لا تنكح حتى تستأمر)) (1) وروى محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو رضاها)) (2) رواه جماعة من الحفاظ عن محمد بن عمرو وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)) ولا أعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ في هذا الحديث غير محمد بن عمرو والله أعلم وقد روي من حديث أبي موسى وهو ثابت أيضا حدثناه عبد الوارث قال حدثني إسحاق بن الحسن الحربي قال حدثني أبو نعيم قال حدثني يونس بن أبي إسحاق قال حدثني أبو بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أنكرت لم تكره)) (3) قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد لا يجوز للأب أن يزوج البالغ من بناته بكرا كانت أو ثيبا إلا بإذنها ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) قالوا والأيم التي لا بعل لها وقد تكون بكرا وثيبا قالوا وكل أيم على هذا إلا ما خصته السنة ولم تخص [بذلك] إلا الصغيرة وحدها يزوجها أبوها بغير إذنها لأنه لا إذن لمثلها وقد ثبت أن أبا بكر زوج عائشة ابنته من النبي صلى الله عليه وسلم صغيرة ولا أمر لها [في نفسها] فخرج النساء من الصغار بهذا الدليل وقالوا الولي ها هنا كل ولي أب وغير أب أخذا بظاهر العموم ما لم يرده نص يخرجه عن ذلك [ولا نص] ولا دليل يخص ذلك إلا في الصغيرة ذات الأب
402 واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم ((لا تنكح البكر حتى تستأذن)) قالوا فهذا على عمومه [في كل بكر إلا الصغيرة ذات الأب بدليل الإجماع على معنى حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة - رضي الله عنها] قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم ((لا تنكح البكر حتى تستأمر)) رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)) ولا أعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ إلا يحيى بن أبي كثير رواه عنه جماعة من أصحابه منهم أبان وهشام وشيبان والأوزاعي هكذا لم يختلفوا فيه حدثني محمد بن عبد الملك قال حدثني أحمد بن محمد بن زياد قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثني عبد الوهاب عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن)) قالوا يا رسول الله وكيف إذنها [قال] أن تسكت هكذا في حديث هشام الأيم وقال أبان (الأيم) لا تنكح حتى تستأمر قال حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني مسلم بن إبراهيم [قال حدثني أبان] قال حدثني يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن)) قالوا يا رسول الله وكيف إذنها [قال] أن تسكت هكذا في حديث هشام الأيم وقال أبان (الأيم) لا تنكح حتى تستأمر قال حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني مسلم بن إبراهيم [قال حدثني أبان] قال حدثني يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن))
403 قالوا يا رسول الله وكيف إذنهاقال ((إذا سكتت فهو رضاها)) (1) قالوا فظاهر هذا الحديث يقتضي أن البكر لا ينكحها [وليها] أبا كان أو غيره حتى يستأمرها ويستأذنها وذلك لا يكون إلا في البوالغ واحتجوا أيضا بحديث بن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم [فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) قال أبو عمر حديث بن عباس] هذا انفرد به جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن أبن عباس لم يروه غيره من أصحاب أيوب فيما علمت وقد ذكرته بإسناده في ((التمهيد)) ويحتمل أن يكون زوجها من غير كفء أو ممن يضر بها ولا يؤمن عليها لو صح حديث جرير هذا وقد روي أن [هذه القصة كانت] في خنساء بنت خذام وهي ثيب وسيأتي ذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله قال أبو عمر يحتمل أن تكون البكر المذكورة في حديث يحيى بن أبي كثير هي اليتيمة المذكورة في حديث محمد بن عمرو فيكون حديث محمد بن عمرو مفسرا لحديث يحيى وإذا حمل على هذا لم يتعارض الحديثان وهو عندي حديث واحد عن أبي سلمة عن أبي هريرة أجمله يحيى بن أبي كثير وفسره محمد بن عمرو والله أعلم واختلفوا في غير الأب من الأولياء هل له أن يزوج الصغيرة فقال مالك والشافعي لا يجوز لأحد من الأولياء غير الأب أن يزوج الصغيرة قبل البلوغ [أخا كان أو غيره] هذا هو تحصيل مذهب مالك عند البغداديين من المالكيين [وعليه يناظرون] وهو قول بن القاسم وأكثر [أصحاب مالك] [وهو قول الشافعي وأصحابه] وقول بن أبي ليلى والثوري وبه قال أحمد [بن حنبل] في رواية وأبو ثور وأبو عبيد
404 وحجة من قال بهذا القول حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت)) قالوا والصغيرة ممن لا إذن لها فلم يجز العقد عليها إلا بعد بلوغها ولأن من عدا الأب من أوليائها أخا كان أو غيره ليس له أن يتصرف في مالها فكذلك في بضعها واختلف أصحاب مالك في اليتيمة تنكح قبل البلوغ وهي في غير فاقة شديدة [هل] يفرق بينهما وهل يفسخ نكاحها بعد الدخول [على ما قد ذكرناه في كتاب ((اختلاف أقوال مالك وأصحابه)) والذي رواه عيسى عن بن القاسم قال إن زوجها وليها] قبل البلوغ نزلت المواريث في ذلك النكاح ولا أعلم أن مالكا كان يبلغ به إلى قطع المواريث فيه وهو أمر قد أجازه جل الناس وقد زوج عروة [بن الزبير] ابنة أخيه وهي صبية من ابنه والناس يومئذ متوافرون وعروة من هو وقال أحمد بن حنبل لا أرى للقاضي ولا للوالي أن ينكح اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين قال فإن زوجها صغيرة دون تسع سنين فلا أرى أن يدخل بها حتى تبلغ تسع سنين قال أبو عمر هذا أخذه من نكاح عائشة والله أعلم ولا معنى للجد في ذلك وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن يجوز أن يزوج الصغيرة وليها من كان أبا أو غيره غير أن لها الخيار إذا بلغت وهو قول الحسن وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز وقتادة وبن شبرمة والأوزاعي وقال أبو يوسف لا خيار للصغيرة إذا بلغت زوجها أبوها أو غيره من أوليائها وكل هؤلاء يقولون من أجاز أن يزوجها كبيرة جاز أن يزوجها صغيرة [والله أعلم] قال أبو عمر [في هذا الباب نوازل ليس هذا موضع ذكرها الذي تزوج بغير
405 ولي ثم يجيزه الولي قبل الدخول وبعده وكنكاح العبد أو الأمة بغير إذن سيدها هل هو موقوف على إجازة الولي أو السيد أم لا ومثل ذلك من نوازل هذا الباب ليس كتابنا موضعا لها والله الموفق للصواب واختلفوا في سكوت اليتيمة البكر هل يكون رضى منها قبل إذنها في ذلك وتفويضها فعند مالك وأصحابه إن البكر اليتيمة إذا لم تؤذن في النكاح فليس السكوت منها رضى فإن أذنت وفوضت أمرها وجعلت عقد نكاحها إلى وليها فأنكحها ممن شاء ثم جاء يستأمرها فإن إذنها حينئذ الصمت عندهم إذا كانت بكرا بالغا كما ذكرنا وفي مذهب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما إن سكوت البكر اليتيمة إذا استؤمرت وذكر لها الرجل وصفا وأخبرت بأنها تنكح منه وذكر لها الصداق وأخبرت بأن سكوتها يعد رضى منها فسكتت بعد ذلك فقد لزمها النكاح 1063 - قال أبو عمر] ذكر مالك في آخر هذا الباب عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله أنهما كان ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن قال على ذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار 1064 - ذكر مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار كانوا يقولون في البكر يزوجها أبوها بغير إذنها إن ذلك لازم لها وقد تقدم القول في معنى هذه الأخبار في درج هذا الباب ومعلوم أن من جاز له أن يزوج الصغيرة وهي ممن لا يعد إذنها إذنا جاز له أن يزوجها بالغا دون إذنها إذا كانت بكرا ولكن العلماء يستحبون مشاورتهن وذكر ذلك لهن لتطيب أنفسهن [بما سبق من ذلك] وهو أحرى إن يؤدم بينهما وأما قول مالك في هذا الباب وليس للبكر جواز في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف من حالها
406 فإنه يذهب إلى أن البكر على السفه أبدا حتى تنكح ويدخل بها زوجها ويعرف رشدها وحسن نظرها فإذا كان ذلك جاز فعلها في مالها إلا أن يعترضها زوجها في أكثر من ثلثها على ما يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وقال الشافعي والكوفي البكر البالغ وغيرها سواء فيما تملكه حتى يثبت سفهها ويحجر الحاكم عليها كالرجل واحتجوا بظاهر قول الله عز وجل " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " [النساء 4] ولم يخص بكرا من ثيب وعند مالك أن ذلك فيمن تجوز هبته منهن [والله أعلم] ((3 - باب ما جاء في الصداق (1) والحباء (2))) 1065 - مالك عن آبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هل عندك من شيء تصدقها إياه)) فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا)) فقال ما أجد شيئا قال ((التمس ولو خاتما من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هل معك من القرآن شئ)) فقال نعم معي سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((قد انكحتكها بما معك من القرآن)) [قال أبو عمر] هذا الحديث يدخل في التفسير المسند في قوله عز وجل * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * [الأحزاب
407 والموهوبة بلا صداق خص بها النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل * (خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) * [الأحزاب 50] يعني من الصداق فلا بد لكل مسلم من صداق قل أو كثر على حسب ما للعلماء في ذلك من التحديد في قليله دون كثيره فإنهم لم يختلفوا في الكثير منه لقول الله عز وجل * (وآتيتم إحداهن قنطارا) * [النساء 20] وفي القياس أن كل ما يجوز بيعه والبدل منه والمعارضة عليه جازت هبته إلا أن الله - عز وجل - خص النساء بالمهور المعلومات ثمنا لأبضاعهن قال الله عز وجل " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " [النساء 4] قال أبو عبيدة عن طيب نفس بها دون جبر وحكومة قال وما أخذ بالحكام فلا يقال له نحلة وقد قيل أن المخاطبين بهذه الآية هم الآباء لأنهم كانوا يستأثرون بمهور بناتهم وقال سعيد بن المسيب [ومكحول وبن شهاب] لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن قسيط عن سعيد بن المسيب قال لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطا حلت له ذكره بن أبي شيبة [والشافعي وغيرهما] عن بن عيينة وروى وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال لو رضيت بسوط كان مهرها قال أبو عمر قال الله - عز وجل - " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا ءاتيتموهن أجورهن " [المائدة 5] يعني مهورهن وقال في الإماء " فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف " [النساء 25] يعني صدقاتهن وأجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له دون رقبته وأنه لا يجوز [له] وطء في نكاح بغير صداق مسمى دينا أو نقدا وأن المفوض إليه لا يدخل حتى يسمي صداقا فإن وقع الدخول في ذلك لزم فيه صداق المثل واختلفوا في عقد النكاح بلفظ الهبة مثل أن يقول الرجل قد وهبت لك ابنتي أو وليتي وسمى صداقا أو لم يسم وهو يريد بذلك النكاح
408 فقال الشافعي لا [يحل الصداق بهبته] بلفظ الهبة ولا ينعقد النكاح حتى يقول قد أنكحتك أو زوجتك وهو قول سعيد بن المسيب وربيعة قالا لا يجوز النكاح بلفظ الهبة وهو قول المغيرة وبن دينار وبن أبي سلمة وبه قال أبو ثور وداود وغيرهم واختلف في ذلك أصحاب مالك واختلفت الرواية عنه في ذلك على قولين أحدهما أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة إذا أرادوا النكاح وفرضوا الصداق والثاني كقول الشافعي وربيعة وقال بن القاسم عن مالك لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال وإن كانت هبته إياها ليست على نكاح وإنما وهبها له ليحضنها أو ليكلفها فلا أرى بذلك بأسا قال بن القاسم وإن وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظه عن مالك وهو عندي جائز كالبيع وقال مالك من قال أهب لك [هذه] السلعة على أن تعطيني كذا وكذا [فهو بيع] وإلى هذا ذهب أكثر المتأخرين من المالكيين البغداديين قالوا إذا قال الرجل قد وهبت لك ابنتي على دينار جاز وكان نكاحا صحيحا [وكان] قياسا على البيع وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي ينعقد النكاح بلفظ الهبة إذا شهد عليه ولها المهر المسمى إن كان سمى [وإن لم يسم لها مهر مثلها] ومما احتج به [أيضا] أصحاب أبي حنيفة في هذا أن الطلاق يقع بالتصريح وبالكناية قالوا فكذلك النكاح قالوا والذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم تعري البضع [من العوض] لا النكاح بلفظ الهبة قال أبو عمر لما أجمعوا أنه لا تنعقد هبة بلفظ النكاح وجب ألا ينعقد النكاح بلفظ الهبة [وبالله التوفيق] ومن جهة النظر النكاح مفتقر إلى التصريح ليقع الإشهاد عليه وهو ضد الطلاق فكيف يقاس عليه
409 وقد أجمعوا أنه لا ينعقد نكاح بقوله قد أحللت وقد أبحت لك فكذلك لفظ الهبة وفي هذا الحديث دليل على أن مبلغ الصداق غير [مقدر] وأنه يجوز بالقليل والكثير مما تصلح به الإجازات والبياعات وأنه يجوز بالإجارة والخدمة وهذا كله مختلف فيه كما أنهم قد اختلفوا في النكاح على تعليم القرآن ونذكر ذلك [كله] ها هنا - أن شاء الله فأما اختلافهم في مقدار مبلغ الصداق الذي لا يجوز عقد النكاح بدونه فقال مالك في آخر هذا الباب لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار وذلك أدنى ما يجب فيه القطع قال أبو عمر هذا قول مالك وأصحابه حاشا بن وهب لا يجوز عندهم أن يكون صداق أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم كيلا من الورق أو قيمة ذلك من العروض التي يجوز ملكها وقال أبو حنيفة وأصحابه [لا يجوز] أقل من عشرة دراهم كيلا قياسا على ما تقطع فيه اليد وكذلك قاسه مالك على ما تقطع اليد عنده فيه وقال له الدراوردي تعرفت فيها يا أبا عبد الله يقول ذهبت فيها مذهب أهل العراق ولا أعلم أحدا قال ذلك بالمدينة قبل مالك واحتجوا لما ذهبوا إليه من ذلك بأن البضع عضو مستباح ببدل من المال فلا بد أن يكون مقدرا قياسا على قطع اليد واحتجوا أيضا بأن الله عز وجل - لما شرط عدم الطول في نكاح الإماء وأباحه لمن لم يجد طولا دل على أن الطول لا يجده كل الناس ولو كان الفلس والدانق والقبضة من الشعير ونحو ذلك طولا لما عدمه أحد ومعلوم أن الطول في [معنى] هذه الآية المال ولا يقع اسم مال عندهم على أقل من ثلاثة دراهم فوجب أن يمنع من استباحة الفروج باليسير الذي لا يكون طولا قال أبو عمر هذا كله ليس بشيء لأنهم لا يفرقون في مبلغ أقل الصداق بين صداق الحرة والأمة والله أعلم
410 وإنما شرط الطول في نكاح الحرائر دون الإماء وهم لا يجيزون نكاح الأمة بأقل من ربع دينار كما لا يجيزون نكاح [الحرة] بأقل من ربع دينار وأما القياس على قطع اليد فقد عارضهم مخالفوهم بقياس مثله أذكره بعد - إن شاء الله - عز وجل وأما حجة الكوفيين بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا صداق بأقل من عشرة دراهم)) فلا معنى لها لأنه حديث لا يثبته أحد من أهل العلم بالحديث وما رووه عن علي - رضي الله عنه - أنه قال [لا صداق] أقل من عشرة دراهم فإنما يرويه جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وهو منقطع [عندهم] ضعيف وقال بن شبرمة أقل المهر خمسة دراهم [وفي ذلك تقطع اليد عنده وعن النخعي ثلاثة أقاويل أحدها أنه كره أن يتزوج أحد بأقل من أربعين درهما] وروي عنه أنه قال أكره أن يكون مثل مهر البغي ولكن العشرة والعشرون والثالث كقول أبي حنيفة عشرة دراهم ويحتمل أن تكون أقوال النخعي في ذلك على سبيل الاختيار لأنه لا يجوز عنده أقل مما اختاره وكذلك مما روي عن سعيد بن جبير أنه كان يستحب أن يكون المهر خمسين درهما وقال سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله [وسليمان بن يسار] والقاسم بن محمد وسائر فقهاء التابعين بالمدينة لا حد في مبلغ الصداق ويجوز بما تراضوا عليه من المال وهو قول ربيعة وأبي الزناد ويحيى بن سعيد الأنصاري وعثمان البتي والحسن البصري وعبيد الله بن الحسن وعمرو بن دينار وبن جريج والشافعي وأصحابه ومسلم بن خالد الزنجي والليث [بن سعد] والثوري والحسن [بن صالح] بن حي وبن أبي ليلى وأحمد [بن حنبل] وإسحاق وأبي ثور وداود و [محمد بن جرير] الطبري كلهم يجيز النكاح بقليل المال وكثيره إلا أن الحسن بن حي يعجبه أن لا يكون الصداق أقل من دينار أو عشرة دراهم ويجيزه بدرهم
411 وقال الأوزاعي كل نكاح وقع بدرهم فما فوقه لا ينقضه قاض قال والصداق ما تراضى عليه الزوجان من قليل أو كثير وقال الشافعي كل ما كان ثمنا لشيء أو أجرة جاز أن يكون صداقا وقال سعيد بن المسيب لو أصدقها سوطا حلت وأنكح ابنته بصداق درهمين من عبد الله بن وداعة السهمي وقال عبيد الله بن الحسن الفلس صداق يجب به النكاح ولكني أستقبح صداق [درهمين] وقال ربيعة [بن أبي عبد الرحمن وعثمان] البتي يجوز النكاح على درهم وقال أبو الزناد وبن أبي ذئب المهر ما تراضى عليه الأهلون وهو قول القاسم [بن محمد] وسالم بن عبد الله] وسليمان بن يسار وقال يحيى بن سعيد الأنصاري الثوب والسوط والنعلان صداق إذا رضيت وكان [عبد الله] بن وهب صاحب مالك يستحب ألا ينقص الصداق من ربع دينار ويجيزه بدرهم وبنصف درهم وقد قال بن القاسم لو أصدقها درهمين ثم طلقها قبل الدخول لم يرجع إلا بدرهم واحد حدثني أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثني بن أبي دكيم قال حدثني بن وضاح قال سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول كان وكيع [بن الجراح] يرى التزويج بدرهم أخبرنا خلف بن قاسم قال أخبرنا [أحمد بن قاسم] بن شعبان قال حدثني [سليمان بن زكريا] قال حدثني حشيش بن أصرم قال [حدثني عبد الوارث قال حدثني عمر أن بن موسى زكريا قال] حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عكرمة عن بن عباس قال [النكاح] جائز على موزة إذا هي رضيت حدثني خلف [بن قاسم] قال حدثني أبو الورد قال حدثني أحمد بن محمد بن عبد الله اليسري قال جاءنا علي بن خشرم قال حدثني وكيع قال سمعت الثوري يقول إن تراضوا على درهم في المهر فجائز قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم ((التمس ولو خاتما من حديد)) يدل على [أن لا] تحديد في مبلغ الصداق
412 وقد أجمعوا أن لا [حد ولا] توقيت [في أكثره] فكذلك لا حد في أقله ولا توقيت وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ((إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك)) دليل على أن الرجل إذا أصدق امرأته خادما قبضتها أنه لا يحل له وطؤها لأنها ليست له بملك وقد قال الله تعالى * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * [المؤمنون 5 - 7] وهذا يشهد بصحة قول من قال إن من وطئ جارية امرأته فهو زان وعليه الحد وسيأتي القول [فيها] بما للعلماء من التنازع في إيجاب الحد على الزوج إذا وقع عليها في موضعه - إن شاء الله - عز وجل وقد اختلف الفقهاء فيما تملكه المرأة من صداقها قبل الدخول فالظاهر من مذهب مالك أنها لا تملك منه قبل الدخول بها إلا نصفه وأن الصداق إذا كان شيئا بعينه فهلك ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه شيء ولا له عليها ولو سلم الصداق وطلق قبل الدخول أخذ نصفه ناقصا أو ناميا والتمام والنقصان بينهما وقال بهذا طائفة من أصحاب مالك وقد روي عن مالك وقالت به [أيضا] طائفة من أصحابه تستحق المرأة المهر كله بالعقد واستدل القائلون بذلك بالموت قبل الدخول وأنه لا يستحق به الصداق كله وكذلك وجوب الزكاة في الماشية إذا كانت بعينها ولا يقال للزوج أد الزكاة عنها وكذلك تدخل بامرأتك ولو كانت بينهما لم [يجب عليها] في أربعين شاة أو خمس ذود إلا نصف شاة فلما أوجب عليها شاة علم أنها كلها على ملكها وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه واعتلوا بالإجماع على أن الصداق إذا قبضته المرأة [أو] كان معينا في غير ذمة الزوج وهكذا قبل الدخول كان منها وكان له أن يدخل بها بغير شيء واعتلوا أيضا بأن الصداق لو كان أبوها عتق عليها عقيب العقد ولم ينظر الدخول
413 وقد زدنا هذه المسألة بيانا واعتلالا في ((التمهيد)) وفي هذا الحديث دليل على جواز اتخاذ الخاتم من الحديد وقد اختلف العلماء في جواز لباس خاتم الحديد فكرهه قوم منهم عبد الله بن مسعود وبن عمر وقال أبو عمر ما ظهرت كف فيها خاتم من حديد وروى بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب والحديد (1) ومن حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتما من حديد فقال له ((مالي أرى عليك حلية أهل النار)) (2) ومن لم يصح هذه الآثار فقال الأشياء على الإباحة حتى يصح الحظر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((التمس ولو خاتما من حديد)) فدل على [جواز] استعماله والانتفاع به والله أعلم وفي هذا الحديث - أيضا - دليل على أن تعليم القرآن جائز أن يكون مهرا لأنه قال للرجل ((التمس ولو خاتما من حديد)) فلما لم يقدر عليه] قال له ((هل معك من القرآن شيء فذكر له سورا فقال ((قد زوجتكها على ما معك من القرآن)) وهذا موضع اختلف فيه [الفقهاء] فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا يكون تعليم القرآن مهرا وهو قول الليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي وحجة من ذهب هذا المذهب أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال لذكر الله تعالى الطول في النكاح والطول المال والقرآن ليس بمال لأن التعليم يختلف ولا يكاد يضبط فأشبه الشيء المجهول قالوا ومعنى [قوله] ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((قد أنكحتك [على ما معك
414 من القرآن] إنما هو على جهة التعظيم للقرآن وأهله لا [على] أنه مهر وإنما زوجه إياها لكونه من أهل القرآن كما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه لأنه اسلم فتزوجها وقد ذكرنا الخبر بذلك في ((التمهيد)) وكان المهر مسكوتا عنه في الحديثين معا لأنه معهود معلوم أنه لا بد منه وقال الشافعي وأصحابه جائز أن يكون تعليم القرآن أو سورة منه مهرا وقال إسحاق هو نكاح جائز وكان أحمد يكرهه وقال الشافعي فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجر التعليم هذه رواية المزني عنه وروى عنه [الربيع في ((الموطأ] أنه أن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف مهر مثلها لأن تعليم النصف لا يوقف على حد ومن الحجة للشافعي ومن قال بقوله أن تعليم القرآن يصح أخذ الأجرة عليه فجاز أن يكون صداقا قالوا ولا معنى لما [اعترضوا عليه] من دفع ظاهر الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)) لأن ظاهر الحديث وساقته يبطل تأويله لأنه التمس فيه [الصداق بالإزار] وخاتم الحديد ثم تعليم القرآن ولا فائدة لذكر القرآن في الصداق [غير ذلك] وقد أخبرني أحمد بن عبد الله [بن محمد] بن علي قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن عمر بن لبابة قال أخبرني مالك بن علي القرشي عن يحيى بن يحيى بن مضر حدثه عن مالك بن أنس في الذي [أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح] بما معه من القرآن إن ذلك في أجرته على تعليمها ما معه من القرآن وقال بن القاسم عن مالك لا خير في هذا النكاح ويفسخ قبل الدخول ويكون لها بعد الدخول صداق المثل قال بن القاسم وكذلك من تزوج بقصاص وجب له عليها وقال سحنون النكاح جائز دخل أو لم يدخل وقال [أبو حنيفة و] أبو يوسف فيمن تزوج على خدمة سنة إن كان عبدا فلها خدمته سنة وإن كان حرا فلها مهر مثلها
415 وقال محمد لها قيمة خدمته إن كان حرا وقال الأوزاعي إن تزوجها [على أن يحجبها] ثم طلقها قبل الدخول [بها] فهو ضامن لنصف حجبها من الحملان والكسوة وقال الشافعي والحسن بن حي النكاح جائز على الخدمة إذا كان وقتا معلوما قال الشافعي وكذلك كل عمل مسمى معلوم مثل أن يعلمها قرآنا أو يعلم لها عبدا عملا وقال بن حبيب في الذي يتزوج المرأة على أن يؤاجرها نفسه سنة إن ذلك جائز ولا يدخل بها حتى يقدم من الأجرة شيئا يكون قدر ربع دينار قال أبو عمر قال بعض المتأخرين من [أصحابنا] المالكيين في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب ((ألتمس شيئا وهل عندك من شيء [أنه أراد هل عندك من شيء] تقدمه إليها من صداقها لأن عادتهم جرت أن يقدموا من الصداق بعضه لا أن خاتم الحديد الصداق كله قال أبو عمر المستحب عند مالك أن يكون ما يقدمه قبل الدخول ربع دينار وهذا خلاف ما تأول عليه هذا القائل [الحديث] وأما أصحاب الشافعي فيقولون في قوله ألتمس شيئا [وهل عندك من شيء] تصدقها إياه قالوا ويقتضي أن كل شيء وجده يكون ثمنا لشيء جاز أن يكون صداقا والله أعلم وفي هذا الحديث جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن [وأخذ البدل على الوفاء به ونحو ذلك] لأنه إذا جاز أن يكون مهرا جاز أن يؤخذ عليه العوض في كل ما ينتفع به منه وإلى هذا المعنى ذهب مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود ومن حجتهم في ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فنزلوا [بحي] فسألوهم الكراء أو الشراء فلم يفعلوا فلدغ سيد الحي فقال لهم هل فيكم من راق فقالوا لا حتى تجعل لنا على ذلك جعلا فجعلوا لهم قطيعا من غنم فأتاهم رجل منهم فقرأ عليه فاتحة الكتاب فبرأ فذبحوا وشووا وأكلوا فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال ((ومن أين علمتم أنها
416 رقية من أخذ برقية باطل فقد أخذتم برقية حق اضربوا لي معكم بسهم)) (1) ورواه أبو المتوكل الناجي وسليمان بن قتة وأبو نضرة كلهم عن أبي سعيد الخدري وروى الشعبي عن خارجة [بن الصلت] عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم [مثله] وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز أن يؤخذ على تعليم القرآن أجر على كل من يسأل منه شيئا يقرأه وأن يعلمه لمن سأله إلا أن يضر ذلك به ويشغله عن معيشته واعتلوا بأحاديث [مرفوعة] كلها ضعيفة منها حديث علي بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبي جرهم عن أبي هريرة قال هكذا علي بن عاصم عن حماد عن أبي جرهم وغيره يرويه [عن حماد] عن أبي المهزم عن أبي هريرة وأبو جرهم لا يعرفه أحد وأبو المهزم مجتمع على ضعفه قال قلت يا رسول الله ما تقول في المعلمين قال درهمهم حرام وقولهم سحت وكلامهم ربا وهذا حديث منكر وحديث المغيرة بن [زياد] عن عبادة [بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة] بن الصامت أنه علم رجلا [من أهل الصفة] سورة من القرآن فأهدى إليه
417 قوسا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن سرك أن يطوقك الله به طوقا من نار فاقبله)) (1) ومن حديث أبي [بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم] مثله ورواه موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن أبي بن كعب وهو منقطع ومن حديث بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به)) (2) وبحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((بلغوا عني ولو آية)) (3) فاستدلوا بهذا على أن تعليم القرآن فرض وبأحاديث مثل هذه كلها ضعيفة لا حجة في شيء منها ومن هذا المعنى اختلف الفقهاء في المصلي بالناس مكتوبة بأجرة فروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة خلف من يستأجر في رمضان يقوم بالناس فقال أرجو ألا يكون به بأس وإن كان به بأس فعليه لا على من صلى خلفه وروى عنه بن القاسم أنه كرهه قال وهو أشد كراهة له في الفريضة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وحجتهم حديث عثمان بن [أبي] العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا (4) قال أبو عمر قد ذكرنا في كتاب الصلاة قول من جعل الأذان فرضا على الكفاية وفرضا متعينا [وفرضا على الدار] ومن جعله نافلة وجعل الأمر به ندبا ومن جعله سنة مؤكدة في الجماعة
418 [وقال الشافعي لا بأس بأخذ الأجرة على الإمامة في الصلاة النافلة والمكتوبة ولا بأس بالصلاة خلفه] وقال [أصحاب الشافعي] أولى ما تؤخذ عليه الأجرة أعمال البر وعمل الخير إذا لم يلزم المرء القيام بها لنفسه كمراقبة شهود الجماعة والتزام الإمامة والأذان للصلاة وتعليم القرآن وما كان مثل ذلك وذكر الوليد بن يزيد عن الأوزاعي أنه سئل عن رجل أم قوما وأخذ على ذلك أجرا قال لا صلاة له قال أبو عمر كأنه قال من أدى الفرض عن نفسه استحال أن يأخذ عليه عوضا ولذلك أبطل صلاته وفي المسألة اعتلال يطول ذكره 1066 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها قال مالك وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها فأما إذا كان وليها الذي أنكحها بن عم أو مولى أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به قال أبو عمر روي هذا الحديث [عن] بن عيينة وغيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص أو قرن فلم يعلم بها حتى أصابها فلها مهرها بما استحل منها وذلك لزوجها غرم على وليها فذكر في القرآن ولم يذكره مالك وهو محفوظ معمول به عند من يذهب في ذلك مذهب عمر بل القرآن عندهم [أوكد] لأنه يمنع من المعنى المبتغى في النكاح وهو الجماع في الأغلب وبن عيينة عن عمرو عن جابر بن زيد قال أربع لا تجوز في بيع ولا نكاح إلا أن يمس فإن مس جاز الجنون والجذام والبرص والقرن قال أبو عمر هذه مسألة اختلف فيها السلف والخلف
419 [فروي عن عمر ما ذكره مالك وقد رواه جماعة غيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر وسعيد قد روى ما لا يختلفون في ذلك] واختلفوا في سماعه منه وروي عن علي [بن أبي طالب - رضي الله عنه] - في هذه المسألة إنه إن مسها لم يكن له صرفها وهي امرأته إن شاء طلق أو أمسك وإن علم قبل أن يمس كان له الفسخ ولا شيء عليه فخالف عمر رضي الله عنهما في غرم الصداق لأن الزوج قد لزمه الصداق بالمسيس وهو قياس السنة في قوله صلى الله عليه وسلم في النكاح بغير ولي وقد نهى عنه ((فإن دخل بها فلها مهرها بما استحل منها)) (1) ذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن إدريس عن أبيه عن الحكم قال كان علي يقول في المجنونة والبرصاء إن دخل بها فهي امرأته وإن لم يدخل فرق بينهما [وعبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل عن الشعبي عن علي قال ترد من القرن والجنون والجذام والبرص فإن دخل بها فعليه المهر إن شاء طلق وإن شاء أمسك وإن لم يدخل فرق بينهما] وأما اختلاف الفقهاء في ذلك فقال مالك [وغيره] عنه ترد المرأة في الجنون والجذام والبرص وداء النساء الذي في الفرج إذا تزوجها وهو لا يعلم بذلك فإن دخل بها فلها الصداق بما استحل [منها] ويرجع الزوج على وليها الأب أو الأخ لما دلس عليه إلا أن يكون وليها بن عم أو مولى أو رجلا من العشيرة [ممن] لا علم له بشيء من أمرها فلا غرم [عليه] قال وأرى ذلك عليها خاصة لأنها غرت ويترك لها عوضا عن مسيسه إياها قدر ما يستحل به مثلها قال وللمرأة مثل ذلك إذا تزوجها الرجل وبه هذه [العيوب] قال وإن كانت المرأة التي بها هذه العيوب لم يدخل الزوج بها فهو بالخيار إن شاء خلى سبيلها ولا شيء [لها] عليه من المهر وإن شاء أمسك قال بن القاسم وإن وجدها عمياء أو مقعدة أو شلاء وشرط الولي [عنها
420 صحتها فهو مثل ذلك ولا شيء عليه من صداقها إن لم يدخل بها وإن دخل بها فعليه المهر ويرجع على الذي أنكحها لأن مالكا قال في امرأة تزوجت فإذا هي بغية [يزوجوه] على نسب [وإن زوجوه فلا شيء لهم عليه] قال مالك لا ترد الزوجة إلا من العيوب الأربعة ولا ترد من العمى والسواد وقال بن وهب المجذوم البين جذامه ترد منه قال وبلغني عن مالك في البرص أنه لا يفرق بينه وبين امرأته وهو رأي قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك أنه لا ترد [الزوجة] بغير العيوب الثلاثة التي جاءت منصوصة عن عمر [بن الخطاب - رضي الله عنه] - وترد من كل داء يمنع من الجماع لأنه الغرض المقصود للنكاح ولأن العيوب [الثلاثة] المنصوصة عن عمر تمنع من طلب التناسل وهو معنى النكاح وزاد بن القاسم أنه إذا اشترط الناكح السلامة ردت من كل عيب - قياسا على قول مالك فيمن اشترط النسب فخرجت بغية وأما قول مالك [في الموطوءة وبها العيب] من هذه العيوب أنها ترد ما أخذت حاشا ربع دينار فإنه قاسه على المدلس بالعيب في السلع إذا استهلكت واستدلالا بقول عمر ذلك لها غرم على وليها [وقال بن سحنون في الجنون والجذام والبرص وداء النساء الذي يكون في الفرج] وقال الليث وأرى الآكلة كالجذام قال وكان بن شهاب يقول من كل داء عضال وقال الشافعي ترد المرأة من الجنون والجذام والبرص والقرن فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها وإن كان بعد الدخول فلها مهر مثلها بالمسيس ولا يرجع به عليها ولا على وليها وهو قول الحسن [بن صالح] بن حي إلا أنه قال لها مهرها المسمى قال وكذلك إن وجدت المرأة بالزوج برصا أو جنونا أو جذاما ما كان لها فسخ النكاح قال أبو عمر [حجة الشافعي ومن قال بقوله أنه لا يرجع عليها بعد المسيس
421 بشيء من مهرها ولا لوليها علم أو لم يعلم قوله صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) (1) ثم قال فإن دخل بها فلها المهر مما استحل بها فإذا كان المسيس في النكاح الباطل يوجب لها المهر كله كان أحرى أن يجب لها ذلك بالنكاح الصحيح الذي لو شاء أن يقيم عليه ويرضى بالعيب كان ذلك له وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي لا يفسخ النكاح بعيب المرأة وكذلك إن كان عيب الرجل لم يفسخ أيضا وهو قول بن أبي ليلى وأبي الزناد قال بن أبي ليلى وأبو الزناد [لا ترد] المرأة بجنون ولا بجذام وقال الثوري لا ترد من برص ولا عيب وقال الأوزاعي في البرصاء والعفلاء واطلع عليها لها المهر بالمسيس ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وقال محمد بن الحسن عنه وعن أصحابه إذا وجدت المرأة عن حال لا تطيق المقام معه من جذام أو نحوه فلها الخيار في الفسخ كالغبن قال أبو عمر] حجة هؤلاء الذين لا يرون رد زوجة بعيب القياس على الإجماع [لأنهم لما اجمعوا على] أن النكاح لا ترد فيه المرأة بعيب صغير خلاف البيوع كان كذلك العيب الكبير وقد قال بقول المدنيين جماعة من التابعين و [كذلك] قال بقول الكوفيين جماعة من التابعين [كتب عبد الرزاق وبن أبي شيبة] أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري [في الرجل] تزوج امرأة فدخل بها فرأى بها جنونا أو جذاما أو برصا أو عفلا أنها ترد من هذا ولها الصداق الذي استحل به فرجها العاجل والآجل وصداقها على من غره قال وإذا تزوج الرجل المرأة وبالرجل عيب لم تعلم به جنون أو جذام أو برص خيرت وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال إن كان الولي علم غرم وإلا استحلف بالله ما علم ثم هو على الزوج قال أبو عمر [من علم من الزوجين بأحد هذه العيوب من صاحبه ورضيه
422 ولم يطلب الفراق حين علم وأمكنه الطلب فقد لزمه ولو رضيت بالمقام مع المجذوم ثم زادت حاله كان لها الخيار أيضا وأما الجنون إذا كان لا يؤمن عليها فقد قال بن القاسم وغيره من أصحاب مالك يؤجل سنة يتعالج فيها إن كان ممن يرجى برؤه وكذلك المجذوم عندهم وذكر بن عبد الحكم عن مالك في المجنون أنه يحبس في الحديد فإن راجعه عقله وإلا فرق بينه وبين امرأته ولم يذكر تأجيل سنة ولم أعلم أحدا من العلماء قال إن المجنون يؤجل سنة كالعنين والمعترض إلا ما في كتاب أصحاب مالك - رحمهم الله قال أبو عمر] إن استحقت المرأة المهر بالمسيس فالقياس ألا يكون على الولي شيء علم أو لم يعلم لأن الزوج قد اعتاض من مهره المسيس فكيف يكون له عوض آخر [قال أبو عمر] لم يختلف الفقهاء في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد منه إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها والفقهاء كلهم على خلاف ذلك لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح وفي [الإجماع] هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضع وطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج وفي إجماعهم أيضا على العقيم التي لا تلد لا ترد فالصحيح ما قلناه [وبالله توفيقنا] ((مسألة التفويض والموت فيه قبل الدخول)) 1067 - مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت بن لعبد الله بن عمر فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا فابتغت أمها صداقها فقال عبد الله بن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها فأبت أمها أن تقبل ذلك فجعلوا بينهم زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها ولها ميراث
423 قال أبو عمر اختلف في هذه المسألة الصحابة ومن بعدهم إلا أن أكثر الصحابة على ما قاله بن عمر وزيد [بن ثابت] وروي ذلك عن علي [بن أبي طالب] وبن عباس [أيضا] وحديث بن عمر وزيد [بن ثابت] رواه أيوب وبن جريج وعبيد الله وعبد الله ابنا عمر كلهم عن نافع عن بن عمر بمعنى حديث مالك سواء وروى الثوري وغيره عن عطاء بن السائب عن عبد خير عن علي أنه كان يجعل لها الميراث وعليها العدة ولا يجعل لها صداقا وبن جريج وعمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس مثله وبه قال عطاء [وجابر بن زيد] أبو الشعثاء وأما بن مسعود فكان يقول لها صداق مثلها ولها الميراث وعليها العدة عبد الرزاق (1) عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال أتى [عبد الله] بن مسعود فسئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها ولم يمسها حتى مات فرددهم ثم قال أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني أرى لها صداق امرأة من نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق - امرأة من بني رؤاس [وبنو رؤاس] حي من بني عامر بن صعصعة وبه يأخذ [سفيان] الثوري هكذا قال فيه [عبد الرزاق] معقل بن سنان وقال فيه بن مهدي عن الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فقال معقل بن يسار شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثل ذلك [وذكر] إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال معقل بن سنان أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها بروع بنت واشق الأشجعية رواه بن عيينة عن إسماعيل قال أبو عمر الصواب عندي في هذا الخبر قول من قال معقل بن سنان
424 [لأن معقل بن سنان] رجل [من أشجع] مشهور في الصحابة وأما معقل بن يسار فإنه - وإن كان مشهورا أيضا [في الصحابة] - فإنه رجل من بني مزينة وهذا الحديث إنما جاء في امرأة من أشجع لا من مزينة ومعقل بن سنان قتل يوم الحرة فقال الشاعر في يوم الحرة (ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها * وأشجع تبكي معقل بن سنان) وقال مسروق لا يكون ميراث حتى يكون مهر وذكر أبو بكر قال حدثني بن أبي زائدة عن داود عن الشعبي عن علقمة قال جاء رجل إلى بن مسعود فقال إن رجلا منا تزوج امرأة ولم يفرض لها ولم يجمع لها حتى مات فقال بن مسعود ما سئلت عن شيء منذ فارقت النبي صلى الله عليه وسلم أشد علي من هذا اسألوا غيري فترددوا فيها شهرا وقالوا من نسأل وأنتم جلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بهذا البلد فقال سأقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان أرى لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها عدة المتوفى عنها زوجها فقال ناس من أشجع نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة مثل الذي قضي منا يقال لها بروع بن واشق قال فما رأيت بن مسعود فرح بشيء مثلما فرح يومئذ به قال أبو عمر اختلف عن الشعبي في هذا الحديث كما ترى مرة يرويه عن علقمة ومرة يرويه عن مسروق وكذلك اختلفوا [فقالوا معقل بن سنان وقالوا معقل بن يسار وقالوا ناس من أشجع وأصحها عندي حديث منصور] عن علقمة عن إبراهيم والله أعلم ذكر عبد الرزاق عن معمر عن جعفر بن برقان عن الحكم بن عيينة أن عليا - رضي الله عنه - كان يجعل لها الميراث وعليها العدة ولا يجعل لها صداقا قال الحكم - وقد أخبر بقول بن مسعود - فقال لا تصدق الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبو بكر قال حدثني [أبو] معاوية عن الشيباني عن عمرو بن مرة عمن أخبره عن علي قال لها الميراث ولا صداق لها
425 قال أبو عمر اختلف التابعون على هذين القولين وأهل الحجاز على قول علي وزيد وبن عمر وأما اختلاف [الفقهاء] - أئمة الفتوى فقال مالك والأوزاعي [والليث] والشافعي [في رواية المزني] لا مهر لها ولا متعة ولها الميراث وعليها العدة [وهو قول بن شهاب وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي والشافعي في رواية البويطي لها مهر مثلها والميراث وعليها عدة الوفاة] وهو قول أحمد [بن حنبل] وإسحاق وأبي ثور وداود والطبري وذكر المزني عن الشافعي في المفوض إليه إن مات قبل أن يسمي مهرا إن ثبت حديث بروع ولا حجة في قول أحد مع السنة وإن لم يثبت فلا مهر لها ولها الميراث [قال والتفويض إن لم يقل أزوجك بلا مهر فإن قال أتزوجك على ما يثبت فهذا مهر فاسد لها فيه مهر مثلها فإن طلقها في التفويض قبل الدخول فالمتعة وقال بن القاسم من تزوج ولم يسم مهرا جاز ويفرض قبل الدخول فإن لم يفرض حتى طلق فالمتعة فإن مات فلا متعة ولا مهر 1068 - مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله إن كل ما اشترط المنكح من كان أبا أو غيره من حباء أو كرامة فهو للمرأة إن ابتغته قال مالك في المرأة ينكحها أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به إن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن ابتغته وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها [فلزوجها] شطر (1) الحباء الذي وقع به النكاح] قال أبو عمر هكذا قال يحيى فلها شرط الحباء في ((الموطأ)) يقول فلها شطر الحباء وهو الصداق
426 وكذا رده بن وضاح وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فقال بن القاسم عن مالك ما في ((الموطأ)) وزاد إن كان الأب اشترط في حين عقد نكاحه حباء يحبى به فهو لابنته وإن أعطاه بعد ما زوجه فإنها تكرمة أكرمه بها فلا شيء لابنته فيه وقال الشافعي في كتاب المزني إذا عقد النكاح بألف على أن لأبيها ألفا فالمهر فاسد ولو قال على ألف وعلى أن تعطي أباها جاز وله منعه لأنها هبة لم تقبض وقال في كتاب البويطي إذا زوجها على أن لأبيها ألفا سوى الألف الذي فرض لها فسواء قبض الألف أو لم يقبض المهر فاسد ولها مهر مثلها وعند أبي حنيفة هي هبة لا مرجع فيها إلا كما يرجع في الهبة ولم يفرقوا بين الألفاظ ترى أنه جعل ذلك له على غير وجه الهبة فله أن يرجع بها على الأب وأما الأوزاعي فحدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثني أحمد بن محمد البشري قال حدثني علي بن شرخم قال سمعت عمر بن يونس يقول سمعت الأوزاعي يقول ما كان من شرط في النكاح وقبل النكاح فهو للمرأة وما كان بعد النكاح فهو للولي قال أبو عمر حديث عمر بن عبد العزيز الذي ذكر مالك أنه بلغه قد روي عن عمر من وجوه منها ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أو غيره أن عمر بن عبد العزيز قال أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة إذا كانت عقدة النكاح على ذلك فهو لها من صداقها قال وما كان بعد ذلك من حباء فهو لمن أعطيه وهو قول عروة وسعيد فإن طلقها فلها نصف ما وجب لها عليه غير عقدة النكاح من صداق أو حباء وعن الثوري عن أبي شبرمة أن عمر بن عبد العزيز قضى في ولي امرأة واشترط على زوجها شيئا لتلبسه فقضى عمر أنه من صداقها
427 وعن بن جريج عن عطاء قال ما اشترط في نكاح امرأة من الحباء فهو من صداقها وهي أحق به إن تكلمت فيه من وليها من كان قال وقضى به عمر بن عبد العزيز في امرأة من بني جمح قال أبو عمر قد روي عن عمر من وجه منقطع ضعيف مثل قضية عمر بن عبد العزيز رواه بن سمعان عن سليمان بن حبيب المجادلي أنه بلغه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضى أن ما اشترط في نكاح امرأة من الحباء فهو من صداقها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما هو أولى لمن ذهب إليه واعتمد عليه ذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن محمد وبن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق من أكرم الرجل عليه ابنته وأخته)) (1) وذكر بن أبي شيبة قال حدثني شريك عن أبي إسحاق أن مسروقا زوج ابنته فاشترط على زوج ابنته عشرة آلاف درهم سوى المهر قال وحدثني بن علي عن أيوب عن عكرمة قال إن جاز الذي ينكح فهو له قال أيوب وسمعت الزهري يقول للمرأة ما استحل به فرجها قال مالك في الرجل يزوج ابنه صغيرا لا مال له أن الصداق على أبيه إذا كان الغلام يوم تزوج لا مال له وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرا وكان في ولاية أبيه] قال أبو عمر لم يختلف مالك وأصحابه في الأب يزوج أبنه الصغير وله مال أن الصداق الذي يسميه أبوه في مال الغلام [لا في مال الأب] وسواء سكت عن ذلك أو ذكره إلا أن يضمنه الأب وبين ذلك [بأن ضمنه وبين ذلك] لزمه إذا [حمل عن ابنه و] جعله على نفسه
428 واختلفوا إذا لم يكن للابن مال فقال بن القاسم إذا لم يكن للابن مال فالصداق على الأب ولا ينفعه أن يجعله على الابن وقال أصبغ أراه على الابن كما جعله وقال بن المواز هو على الأب إلا أن يوضح ذلك ويبينه أنه على الابن فلا يلزم الأب ويكون الابن بالخيار إذا بلغ فإذا دخل لم يكن عليه إلا صداق المثل وقال عيسى بل الصداق المسمى قال أبو عمر لا معنى لصداق المثل ها هنا لأن المسمى معلوم جائز ملكه والصواب ما قاله عيسى - رحمه الله - على أصل مالك [فقال سفيان الصداق المسمى وقال الليث إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه المهر فالصداق على الأب دينا في ماله وليس على الابن شيء منه وقال الحسن بن حي إذا زوج ابنه الصغير ولا مال للصغير فالمهر على الأب] وقال الشافعي [في البويطي] إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه الصداق وغرمه لم يرجع به عليه وليس على الابن منه شيء وإذا جعله الأب على نفسه [قال وإن ضمن] عن ابنه الكبير المهر رجع به عليه إن كان أمره الكبير بالضمان عنه وإلا لم يرجع عليه بشيء لأنه متطوع وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه المهر جاز وللمرأة المهر عليه [وعلى الابن] فإن أداه [الأب] لم يرجع على الابن بشيء إلا أن [يشهد] أنه إنما يرديه ليرجع [به] فيرجع فإن لم يؤده الأب حتى مات فللمرأة أن تأخذه من مال الأب - إن شاءت وإن شاءت اتبعت الابن وإن أخذته من مال الأب [رجع ورثة الأب] على الابن يخصصهم وقال الثوري نحو ذلك إلا أنه لم يذكر إشهاد الأب عند الدفع أنه يرجع وذكر عبد الرزاق عن الثوري قال لا يؤخذ الأب بصداق ابنه إذا زوجه فمات صغيرا إلا أن يكون الأب كفل بشيء قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه
429 قال مالك وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه * (إلا أن يعفون) * [البقرة 237] فهن النساء اللاتي قد دخل بهن - أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح - فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته قال مالك وهذا الذي سمعت في ذلك والذي عليه الأمر عندنا وقال في [بعض روايات] الموطأ)) لا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب وحده لا وصي ولا غيره وقال مالك مباراته عليها جائزة وقال الليث بن سعد لأبي البكر أن يضع من صداقها عند عقد نكاحها وإن كان تزوجها بأقل من مهر مثلها وإن كرهت ويجوز ذلك عليها وأما بعد عقد النكاح فليس له أن يضع شيئا من [الصداق] قال ولا يجوز له أن يعفو عن شيء من [صداقها] قبل الدخول ويجوز له مباراة زوجها وهي كارهة إذا كان ذلك نظرا منه لها قال وكما لم يجز أن يضع لزوجها شيئا من صداقها [بعد] النكاح كذلك ليس له أن يعفو عن نصف صداقها بعد الطلاق وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وبن شبرمة والأوزاعي الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه أن يتم لها كمال المهر بعد الطلاق قبل الدخول [قالوا] وقوله تعالى * (إلا أن يعفون) * [البقرة 237] للبكر والثيب وهو قول الطبري والبكر البالغ عندهم يجوز تصرفها في مالها ما لم يحجر الحاكم عليها كالرجل البالغ سواء ومن حجتهم عموم الآية في قوله تعالى * (إلا أن يعفون) * [البقرة 237] فلم يخص بكرا من ثيب في نسق قوله * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) * [البقرة 237] يعم [الأبكار] والثيب وقد أجمع المسلمون أن الثيب والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول سواء ثم قال تعالى * (إلا أن يعفون) * [البقرة 237] فكذلك [هو في] البكر وغير البكر إلا ما أجمعوا عليه من رفع القلم عنه للصغيرة منهن وأما قول مالك فقد قال به الزهري قبله
430 ذكره أبو بكر قال [حدثني] بن علية عن بن جريج وعبد الأعلى عن معمر كلاهما عن الزهري قال الذي بيده عقدة النكاح الأب في ابنته البكر قال أبو عمر أما السيد في أمته فلا خلاف في ذلك لأنه يجتمع فيه من قال العبد يملك و [منهم] من قال لا يملك لأنهم لا يختلفون أنه لا يجوز للعبد هبة [شيء مما بيده وممن قال أن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي بن عباس على اختلاف عنه ذكر أبو بكر قال حدثني [بن علية عن] بن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس قال [رضي] الله بالعفو وأمر به فإن عفت [جاز] وإن أبت وعفا وليها جاز وعبد الرزاق عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس مثله وقال عطاء والحسن وطاوس وعلقمة وعكرمة وإبراهيم وبن شهاب الزهري الذي بيده عقدة النكاح الولي وأما الذين قالوا من السلف أيضا أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج علي بن أبي طالب وجبير بن مطعم لم يختلف عنهما في ذلك واختلف عنه بن عباس فروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن [عمرو] بن أبي عمار عن بن عباس قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج وقال سعيد بن جبير ونافع بن جبير بن مطعم والشعبي ومحمد بن كعب القرظي ومجاهد وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وشريح القاضي وبن سيرين والضحاك بن مزاحم وإياس بن معاوية ونافع مولى بن عمر الذي بيده عقدة النكاح الزوج وهو قول طاوس على اختلاف عنه وقد كان يقول الشافعي بالعراق في هذه المسألة بقول مالك [أنه الولي] الأب في ابنته البكر والسيد في أمته ثم رجع عنه بمصر ومن حجة من ذهب إلى قول مالك في ذلك أن النصف الأول المذكور لما كان نصف المرأة كان [الثاني] على ذلك أيضا لأنه قد يشق عليه [ولأنه] [ملك] اكتسبه إياها أبوها بالعقد عليها [فله] التصرف فيه خاصة وليس كذلك سائر مالها ومن حجة من ذهب إلى أنه الزوج لأن عقدة النكاح في الحقيقة إليه على كل حال كان هناك ولي أو لم يكن
431 واستدلوا بالإجماع على أنه ليس للأب أن يهب [من] مال ابنته البكر [أو] الثيب وأن مالها كمال غيرها في ذلك سواء ما احتسبته لها ببضعها أو بغير بضعها هو مال من مالها حرام على أبيها إتلافه [عليها] وأن يأكل شيئا منه إن لم يكن محتاجا إليه إذا لم تطب نفسها به ولم يختلفوا أنه إذا أنكح أمة ابنته واكتسب لها الصداق بذلك أنه ليس له أن يعفو عنه دون إذن [سيدتها] ابنته فكذلك صداق ابنته البكر وكذلك عند الجميع لو خالع علي] ابنه الصغير امرأته [بشيء] يأخذه له منها لم يكن له أن يهبه فكذلك مهر البكر من بناته وقد اختلفوا أيضا في مسألة من معنى هذا الباب فقال مالك جائز أن يزوج الرجل ابنته الصغيرة على أقل من صداق مثلها إذا كان ذلك نظرا وبه قال أبو حنيفة والليث وزفر وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا يجوز أن يزوج ابنته البكر على أقل من صداق مثلها وقال مالك جائز أن يزوج الرجل ابنه الصغير على أكثر من مهر المثل وقال أبو حنيفة والشافعي [لا] يجوز ذلك له قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها أنه لا صداق لها قال أبو عمر قوله هذا [هو] قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وبه قال أحمد وجماعة وإنما لم يجب لها شيء من الصداق لأن الفسخ جاء من قبلها ولم يدخل بها ولو كان هو المسلم بقي على نكاحه معها بإجماع لا خلاف فيه وقد قال قوم من التابعين لها نصف الصداق وإن أسلمت دونه قبل الدخول لأنها فعلت ما لها فعله وهو لما أبى من الإسلام [جاء] الفسخ من قبله وقد روي عن الثوري مثل ذلك والأول أشهر عنه وهو الأصح - (إن شاء الله تعالى لأنهما تناكحا على دينهما ثم أتى منهما ما يوجب الفراق فلما لم يكن منه مسيس لم يكن لها من الصداق شيء
432 وإن كانت مدخولا بها فلها صداقها بإجماع أيضا فهذا حكم الذميين الكتابيين إذا أسلم أحدهما قبل صاحبه وسيأتي حكم الوثنيين يسلم أحدهما قبل صاحبه في بابه من هذا الكتاب - إن شاء الله عز وجل ((4 - باب إرخاء الستور)) 1069 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق 1070 - مالك عن بن شهاب أن زيد بن ثابت كان يقول إذا دخل الرجل بامرأته فارخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول إذا دخل الرجل بالمرأة في بيتها صدق [الرجل] عليها وإذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه قال مالك أرى ذلك في المسيس (1) إذا دخل عليها في بيتها فقالت قد مسني وقال لم أمسها صدق عليها فإن دخلت عليه في بيته فقال لم أمسها صدقت عليه وروى يونس بن عبد الأعلى عن بن وهب عن مالك أنه رجع عن هذا القول وقال إذا خلا بها حيث كان فالقول قول المرأة قال أبو عمر روي عن عمر [بن الخطاب] وعلي [بن أبي طالب] وبن عمر ومعاذ [بن جبل] وزيد [بن ثابت] أنهم قالوا إذا أغلق بابا وأرخى سترا وخلا بها فقد وجب الصداق رواه عن عمر المدنيون والكوفيون ورواه منصور وحماد وإبراهيم عن عمر
433 [وأما المدنيون فحدث سعيد عن عمر من رواية مالك وغيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد عن عمر ورواه وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن رجلا اختلى امرأته في طريق فجعل لها عمر الصداق كاملا] وأما حديث علي فروي من وجوه أحسنها ما رواه قتادة عن الحسن عن الأحنف بن قيس أن عمر وعليا قالا إذا أغلق بابا وأرخى سترا فلها الصداق وعليها العدة رواه سعيد ومعمر وشعبة وهشام عن قتادة وحديث زيد بن ثابت رواه وكيع عن سفيان عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن رجلا تزوج امرأة فقال عندها فأرسل لها مروان إلى زيد فقال لها الصداق كاملا فقال مروان أنه ممن لا يتهم فقال له زيد لو جاءت بولد أو ظهر بها حمل أكنت تقيم عليها الحد وأما بن عمر فذكر أبو بكر قال حدثني أبو خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال إذا أجيفت الأبواب وأرخيت الستور وجب الصداق وقال مكحول اتفق عمر ومعاذ في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أغلق الباب وأرخي الستر وجب الصداق وعن بن [علية عن] عوف عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب المهر و [وجبت] العدة وروى بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلت مع أبي مكة فخطبت امرأة فأتيت أبي وهو مع سعيد بن جبير فقال لا تذهب هذه الساعة فإنها ساعة حارة نصف النهار قال فذهبت وخالفته وتزوجتها فقالوا لو دخلت على أهلك فدخلت فأرخيت [الستور] وأغلقت الباب فنظرت إليها فإذا امرأة قد علتها كبرة فندمت فأتيت أبي فأخبرته فقال لقد خدعك القوم لزمك الصداق قال سفيان وهي من آل الأخنس بن شريق واختلف الفقهاء في الخلوة المذكورة هل توجب المهر أم لا فالذي ذهب إليه مالك وأصحابه أنها توجب المهر إن ادعته المرأة وقالت أنه قد مسني إذا كانت الخلوة خلوة بناء
434 وهو [عندهم] معنى قول سعيد بن المسيب إذا دخلت عليه في بيته [صدقت] عليه وكان القول قولها فيما ادعت من مسيسها لأن البيت في البناء بيت الرجل وعليه الإسكان فمعنى قول سعيد في بيته أي دخول ابتنى في بيت مقامها وسكناها ومعنى قوله في بيتها يقول إذا [زارها] في بيتها عند أهلها أو وجدها ولم يدخل بها دخول بناء ولا اهتداء فادعت أنه مسها وأنكر فالقول قوله لأنه مدعى عليه ومثل هذا من مذهب مالك [في] الرهن يختلف الراهن والمرتهن فيما عليه من الدين فالقول عنده قول المرتهن لأن الرهن بيده فيصدق فيما بينه وبين قيمته وهو فيما زاد مدع وهذا أصله في المتداعيين أن القول قول من له شبهة قوية كاليد وشبهها وقد روى بن وهب عن مالك [على] ما تقدم أن القول قولها فيما ادعته من [المسيس] إذا خلا بها في بيته أو بيتها أو غير ذلك من المواضع وأقر بذلك وجحد المسيس قال مالك فإن اتفق على أن لا مسيس لم توجب الخلوة مع إغلاق الباب وإرخاء الستر شيئا من المهر قال مالك إذا خلا بها فقبلها أو كشفها [أو اجتمعا] على أنه لم يمسها فلا أرى لها إلا نصف المهر إن كان قريبا وإن تطاول ثم طلقها فلها المهر كاملا إلا أن تحب أن تضع [له] ما شاءت وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أنه سئل عن الرجل ينكح المرأة فتمكث عنده الأشهر والسنة يصيب منها ما دون الجماع ثم يطلقها قبل أن يمسها [قال لها] الصداق كاملا وعليها العدة كاملة وقال أبو حنيفة وأصحابه الخلوة الصحيحة تمنع سقوط شيء من المهر [وتوجب المهر] كله بعد الطلاق وطئ أو لم يطأ ادعته أو لم تدعه إلا أن يكون أحدهما محرما أو مريضا أو صائما في رمضان أو كانت المرأة حائضا فإن كانت الخلوة في هذه الحال ثم طلق لم يجب لها إلا نصف المهر ولم يفرقوا بين بينه وبينها ولا دخول بناء ولا غيره إذا صحت الخلوة بإقرارهما أو ببينة وعليها العدة عندهم في جميع هذه الوجوه
435 وقال بن أبي ليلى يجب بالخلوة كمال المهر والعدة حائضا كانت أو صائمة أو محرمة على ظاهر الأحاديث عن الصحابة في إغلاق الباب وإرخاء الستور وهو قول عطاء قال بن جريج عن عطاء إذا أغلق عليها فقد وجب الصداق وإن أصبحت عوراء أو كانت حائضا كذلك بالسنة وقد قال بن شبرمة إن اجتمع على أنه لم [يمسها] فنصف المهر وقال الثوري لها المهر كاملا إذا خلا بها فإن لم يدخل بها إذا جاء العجز من قبله أو كانت رتقاء فلها نصف الصداق قال سفيان أخبرنا حماد عن إبراهيم قال قال عمر ما ذنبهن إن جاء العجز من [قبلك] لها الصداق كاملا وعليها العدة قال أبو عمر هذا عندهم قياس على تسليم السلعة المبيعة إلى] المشتري أنه يلزمها ثمنها فنصفها أو لم يقبضها وقال الأوزاعي إذا تزوج فدخل عليها عند أهلها فقبلها أو لمسها ثم طلقها قبل أن يجامعها [أنه] إن أرخى عليها سترا أو أغلق بابا فقد وجب الصداق [وقال إبراهيم إذا اطلع على ما لا يحل لغيره وجب لها الصداق] وقال الحسن بن حي إذا [دخل] بها ولم يجامعها ثم طلقها فلها نصف المهر إذا لم يدخل بها وإن ادعت مع ذلك الدخول فالقول قولها بعد الخلوة وقال الليث إذا أرخى عليها ستارة فقد وجب الصداق [وقال النخعي إذا اطلع منها على ما لا يحل لغيره وجب لها الصداق] وعليها العدة قال أبو عمر حجة هؤلاء كلهم الآثار عن الصحابة فيمن أغلق بابا أو أرخى سترا أنه قد وجب عليه الصداق وقال الشافعي إذا خلا بها ولم يجامعها [ثم] طلق فليس لها إلا نصف الصداق ولا عدة عليها وهو قول أبي ثور وداود وروي ذلك عن بن مسعود وبن عباس
436 ذكر أبو بكر [عن] بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن [حسن] بن صالح عن فراس عن الشعبي عن بن مسعود قال لها نصف الصداق وإن جلس بيت رجليها قال وحدثني فضيل عن ليث عن طاوس عن بن عباس مثله وهو قول شريح والشعبي وطاوس رواه بن جريج ومعمر عن بن طاوس عن أبيه قال إذا لم يجامعها فليس لها إلا نصف الصداق وإن خلا بها وعن جعفر بن سليمان [الضبعي] عن عطاء بن السائب أنه شهد شريحا قضى في رجل دخل بامرأته فقال لم أصب منها وصدقته بنصف الصداق فعاب الناس ذلك عليه فقال قضيت بكتاب الله عز وجل قال أبو عمر قال الله - عز وجل * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) * [البقرة 237] وقال تعالى * (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) * [الأحزاب 49] فأين المذهب عن كتاب الله تعالى ولم [يجتمعوا] على أن مراد الله - عز وجل من خطابه هذا غير ظاهر ولا تعرف العرب الخلوة دون وطء مسببا والله أعلم ((5 - باب المقام عند البكر [والأيم])) 1071 - مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها ((ليس بك على أهلك هوان (1) إن شئت سبعت (2) عندك وسبعت عندهن وبن شئت ثلثت (3) عندك ودرت)) فقالت ثلث
437 قال أبو عمر هذا الحديث ظاهرة الانقطاع وهو مسند متصل صحيح قد سمعه أبو بكر من عبد الرحمن من أم سلمة وقد ذكرنا الطرق بذلك في ((التمهيد)) وأحسنها ما رواه أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرزاق ويحيى بن سعيد وروح بن عبادة قالوا حدثنا بن جريج قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث [بن هشام] أخبراه أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام] أن أم سلمة - زوج النبي عليه السلام - أخبرته في حديث طويل ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ((إن شئت [سبعت] لك وإن أسبع لك سبعت لنسائي)) قال أبو عمر [أما قوله في هذا الحديث إن سبعت لك سبعت لنسائي فإنه لا يقول به مالك ولا أصحابه وهذا مما تركوه من رواية أهل المدينة لحديث بصري 1072 - مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه كان يقول للبكر سبع وللثيب ثلاث قال مالك وذلك الأمر عندنا قال مالك فإن كانت له امرأة غير التي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج بالسواء ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها قال أبو عمر من قال بحديث هذا الباب يقول إن أقام [عند] البكر أو الثيب سبعا أقام عند سائر نسائه سبعا سبعا وإن أقام عندها ثلاثا أقام عند كل واحدة ثلاثا ثلاثا فتأولوا في قوله صلى الله عليه وسلم ((وإن شئت ثلثت ودرت أي درت ثلاثا [ثلاثا] وهو قول الكوفيين وفي هذا الباب عجب لأنه صار فيه أهل الكوفة إلى ما رواه أهل المدينة وصار [فيما رواه] أهل المدينة إلى ما رواه أهل البصرة
438 وأما اختلاف الفقهاء وذكر أقوالهم في هذا الباب فقال مالك والشافعي وأصحابهما والطبري يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا فإن كانت له امرأة أخرى غير الذي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج ولا يقيم عندها ثلاثا وقال بن القاسم عن مالك مقامه عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا إذا كان له امرأة أخرى واجب وقال بن عبد الحكم عن مالك ذلك مستحب وليس بواجب وقال الأوزاعي مضت السنة أن يجلس في بيت [البكر] سبعا وعند الثيب ثلاثا وإن تزوج بكرا وله امرأة أخرى فإن للبكر ثلاثا ثم يقسم وإن تزوج الثيب وله امرأة كان لها ليلتان وقال [سفيان] الثوري إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها ليلتين ثم قسم بينهما قال وقد سمعنا حديثا آخر قال يقيم مع البكر سبعا ومع الثيب ثلاثا وقال أبو حنيفة [وأصحابه] القسم بينهما سواء البكر والثيب ولا يقيم عند [الواحدة] إلا كما يقيم عند الأخرى وقال محمد بن الحسن لأن الحرمة لهما سواء ولم يكن رسول الله يؤثر واحدة عن الأخرى واحتج بحديث هذا الباب إن سبعت لك سبعت لنسائي وإن شئت ثلثت ودرت يعني بمثل ذلك واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم ((من كانت له زوجتان ومال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)) (1) قال أبو عمر عن التابعين في هذا الباب من الاختلاف كالذي بين أئمة الفتوى [فقهاء الأمصار] وما ذهب إليه مالك والشافعي فهو الذي وردت به الآثار المرفوعة وهو الصواب - [إن شاء الله عز وجل
439 فمنها ما حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو قلابة الرقاشي قال حدثني أبو عاصم قال حدثني سفيان الثوري عن أيوب وخالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا)) (1) قال أبو عمر لم يرفع حديث خالد [الحذاء عن أبي قلابة عن أنس في] هذا غير أبي عاصم فيما زعموا وأخطأ فيه وأما حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس فمرفوع لم يختلفوا [في رفعه] وقد رواه هشيم عن خالد عن أبي قلابة عن أنس فقال فيه السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ذكره أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة وقوله فيه السنة دليل على رفعه قال أبو داود وحدثني عثمان قال حدثني هشيم عن حميد عن أنس قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا (2) قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للبكر سبع وللثيب ثلاث دل على أن ذلك [حق] من حقوقها فمحال أن يحاسبا بذلك وعند أكثر العلماء ذلك واجب لهما كان عند الرجل زوجة أم لا لقوله صلى الله عليه وسلم ((إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا)) ولم يخص من له زوجة ممن لا زوجة له وقد اختلفوا في المقام المذكور هل هو من حقوق [الزوجة] على الزوج أو من حقوق الزوج على سائر نسائه فقالت طائفة هو حق للمرأة إن شاءت [طالبت به] وإن شاءت تركته وقال آخرون هو [من] حق الزوج إن شاء أقام عندها وإن شاء لم يقم فإن أقام عندها ففيه من الاختلاف ما ذكرنا وإن لم يقم عندها إلا ليلة دار وكذلك إن [أقام] ثلاثا [دار على ما ذكرنا من اختلاف الفقهاء فالقول عندي أولى باختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك حق لقوله ((للبكر سبع
440 وللثيب ثلاث))] وقوله ((من تزوج بكرا أقام عندها سبعا وعند الثيب ثلاثا)) [وبالله تعالى التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل] ((6 - باب ما لا يجوز من [الشروط] في النكاح)) 1073 - مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة تشترط على زوجها أنه لا يخرج بها من بلدها فقال سعيد بن المسيب يخرج بها إن شاء قال مالك فالأمر عندنا أنه إذا شرط الرجل للمرأة وإن كان ذلك عند عقدة النكاح أن لا أنكح عليك ولا أتسرى إن ذلك ليس بشيء إلا أن يكون في ذلك يمين بطلاق أو عتاقة فيجب ذلك عليه ويلزمه قال أبو عمر قد روي بلاغ مالك هذا متصلا عن سعيد ذكره أبو بكر قال حدثني بن المبارك عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن مسلم بن يسار عن سعيد بن المسيب في الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها دارها قال يخرجها إن شاء وروي مثل قول سعيد [بن المسيب] أن ذلك شرط لا يلزم عن جماعة من السلف فأعلى من روى ذلك عنه علي [بن أبي طالب - رضوان الله عليه] ذكره بن أبي شيبة وعبد الرزاق قال حدثني بن عيينة عن بن أبي ليلى عن المنهال عن عباد بن عبد الله عن علي قال رفع إليه رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال علي شرط الله قبل شرطهم أو قال قبل شرطها ولم ير لها شيئا قال أبو عمر معنى قوله شرط لها دارها أي شرط لها ألا يخرجها من دارها ولا يرحلها عنها ومعنى قول علي - رضي الله عنه شرط الله قبل شرطها يريد قول الله عز وجل * (أسكنوهن من حيث سكنتم) * [الطلاق 6] وقال عبد الرزاق أخبرنا محمد بن راشد قال أخبرني عبد الكريم - أبو أمية - قال سألت أربعة الحسن وعبد الرحمن بن أذينة وإياس بن معاوية وهشام بن هبيرة عن رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقالوا ليس شرطها بشيء ويخرج بها إن شاء
441 وذكر أبو بكر قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن وعن مغيرة عن إبراهيم قالا يخرجها إن شاء وقال الشعبي يذهب بها حيث شاء والشرط باطل [وقال محمد بن سيرين لا شرط لها وقال طاوس ليس الشرط بشيء ذكره أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن حبيب بن حوي سمع طاوسا يقوله] وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سأل طاوسا قال قلت المرأة تشترط عند [عقد النكاح] إني عند أهلي لا يخرجني من عندهم قال كل امرأة مسلمة اشترطت شرطا على رجل استحل به فرجها فلا يحل له إلا أن يفي به قال أبو عمر هذا أصح عن طاوس وروي مثل ذلك عن [جماعة من السلف أعلاهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه] ورواه إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم سمع عمر يسأل عن رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال عمر لها شرطها والمسلمون عند شروطهم ومقاطع الحقوق عند الشروط ورواه بن عيينة عن يزيد بن جابر ورواه وكيع عن سعيد بن عبد العزيز كلاهما عن إسماعيل وروى كثير بن فرقد عن عبيد بن السباق عن عمر بمعناه قال أبو بكر وحدثني بن عيينة [عن عمرو] عن أبي الشعثاء قال إذا شرط لها دارها فهو بما استحل من فرجها قال وحدثني بن علية عن أبي [حيان] قال حدثني أبو زناد أن امرأة خاصمت زوجها إلى عمر بن عبد العزيز وكان قد شرط لها دارها حين تزوجها ألا يخرجها منها فقضى عمر أن لها دارها لا يخرجها منها وقال والذي نفس عمر بيده لو استحللت فرجها بزنة أحد ذهبا لأخذتك به لها وذكر وكيع عن شريك عن عاصم عن [سعيد] بن حطان [عن] مجاهد وسعيد بن جبير قالا يخرجها
442 فقال يحيى بن الجزار فبأي شيء يستحل فرجها فبأي كذا فبأي كذا فرجعا قال أبو عمر ذكر بن القاسم وبن وهب وغيرهما عن مالك إذا اشترط لها ألا يخرج بها [فليس بشيء وله أن يخرج بها] وكذلك إذا شرط ألا ينكح عليها ولا يتسرى لا يلزمه شيء من ذلك إلا أن يحلف أن [يقل] ذلك بيمين طلاق أو عتق أو تمليك فتلزمه يمينه تلك وهو قول إبراهيم وروى معمر والثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي قال إن شرط في النكاح أن لا ينكح ولا يتسرى فالشرط باطل إلا أن يقول إن فعلت كذا فهي طالق فكذلك يلزمه قال وكل شرط في نكاح فالنكاح يهدمه الطلاق وهو قول عطاء وقال الثوري الأحسن أن يفي لها بشرطها ولا يخرجها وله أن يخرجها إن شاء وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا تزوجها على [شرط] ألا يخرجها من [بيتها] فالنكاح جائز والشرط باطل وكذلك سائر الشروط عندهم في النكاح عليها والتسري فإن كان سمى لها أقل من مهر مثلها ثم لم يف لها أكمل لها مهر مثلها عند الكوفيين وأما الشافعي فالمهر عنده مع هذه الشروط فاسد ولها مهر مثلها وعند مالك الشرط باطل وليس لها إلا ما سمى لها وقال الأوزاعي وبن شبرمة لها شرطها وعليه أن يفي لها زاد بن شبرمة [لأنه] شرط لها حلالا وهو قول شريح في رواية وقد روي عن شريح أنه قضى في امرأة شرط لها دارها قال شرط الله قبل شرطها قال أبو عمر احتج من ألزمه الوفاء بما شرط لها في عقد نكاحها ألا يخرجها من دارها ولا يتسرى عليها ولا ينكح ونحو ذلك من الشروط لحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج
443 ورواه الليث بن سعد وعبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن النبي - عليه السلام واحتج من لم ير الشروط شيئا بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل)) (1) ومعنى قوله هنا في كتاب الله أي في حكم الله وحكم رسوله أوفي ما دل عليه الكتاب والسنة فهو باطل والله قد أباح نكاح أربع نسوة من الحرائر وما شاء مما ملكت أيمانكم وأباح له أن يخرج بامرأته حيث شاء وينتقل بها من حيث انتقل وكل شرط يخرج المباح باطل وإن حلف بطلاق ما لم ينكح فقد اختلف السلف والخلف في ذلك وسيأتي القول فيه في موضعه من هذا الكتاب - إن شاء الله عز وجل ((7 - باب نكاح المحلل وما أشبهه)) 1074 - مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها وقال ((لا تحل لك حتى تذوق العسيلة)) (2) 1075 - مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سئلت عن رجل طلق امرأته البتة فتزوجها بعده رجل آخر فطلقها
444 قبل أن يمسها هل يصلح لزوجها الأول أن يتزوجها فقالت عائشة لا حتى يذوق عسيلتها قال أبو عمر حديث المسور بن رفاعة في رواية يحيى وجمهور رواة ((الموطأ)) مرسل ورواه بن وهب عن مالك عن المسور عن الزبير بن عبد الرحمن عن أبيه فوصله وأسنده وتابعه على ذلك عن مالك إبراهيم بن طهمان وهو مسند [متصل] عن النبي - عليه السلام - من وجوه قد ذكرتها في ((التمهيد)) وحديث يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة موقوفا قد رفعة جماعة عن عائشة منهم عروة وسليمان بن يسار وقد ذكرناهما في ((التمهيد)) ومن أحسنها ما حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة قال حدثني الزهري قال أخبرني عروة عن عائشة [سمعها تقول] جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (([أو تريدي] أن ترجعي إلى رفاعة [لا] حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)) [قالت] - وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بالباب - فنادى فقال يا أبا بكر ألا تسمع إلى ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) قال أبو عمر حديث عروة عن عائشة عن النبي - عليه السلام - في هذا الباب من رواية هشام بن عروة ورواية بن شهاب حديث ثابت إلا أنه سقط منه ذكر طلاق عبد الرحمن بن الزبير لامرأته تميمة المذكورة فتعلق به قوم شذوا عن سبيل السلف والخلف من العلماء في تأجيل العنين فأبطلوه منهم بن علية وداود وقالوا قد شكت تميمة بنت وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوجها عبد الرحمن بن الزبير ليس معه إلا مثل هدبة الثوب فلم يؤجله ولا حال بينها وبينه قالوا وهو مرض من الأمراض لا قيام للمرأة به فخالفوا جماعة الفقهاء والصحابة برأي متوهم وتركوا النظر المؤدي إلى المعرفة بأن البغية من النكاح
445 الوطء وابتغاء النسل وأن حكمها في ذلك كحكمه لو وجدها رتقاء ولم يقفوا على ما في حديث مالك هذا وغيره بأن المرأة لم تذكر قصة زوجها عبد الرحمن بن الزبير إلا بعد طلاقه و [بعد] فراقه لها فأي تأجيل يكون ها هنا وفي حديث مالك فلم يستطع أن يمسها ففارقها وقد ذكرنا في ((التمهيد)) من حديث شعبة عن يحيى بن إسحاق عن سليمان بن يسار عن عائشة مرفوعا مثل [معنى] حديث مالك وإذا صح طلاق عبد الرحمن لزوجه هذه بطلت النكتة التي بها نزع من أبطل تأجيل العنين من هذا الحديث وقد قضى بتأجيل العنين عمر [بن الخطاب] وعثمان [بن عفان] والمغيرة بن شعبة وسيأتي ذكر هذه المسألة في بابها من كتاب الطلاق - إن شاء الله تعالى والزبير بن عبد الرحمن بن الزبير بالفتح [كذلك رواه يحيى وجمهور الرواية] للموطأ بالفتح فيهما وقد قيل عن بن بكير الأول منهما بالضم وليس بشيء وهم زبيريون من ولد الزبير بن باطا اليهودي القرظي قتل يوم قريظة وله قصة عجيبة محفوظة [مذكورة] في ((السير)) 1076 - مالك أنه بلغة أن القاسم بن محمد سئل عن رجل طلق امرأته البتة ثم تزوجها بعده رجل آخر فمات عنها قبل أن يمسها هل يحل لزوجها الأول أن يراجعها فقال القاسم بن محمد لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها] وأما قول مالك في آخر هذا الباب في المحلل إنه لا يقيم على نكاحه ذلك حتى يستقبل نكاحا جديدا فإن أصابها في ذلك فله مهرها فهذا منه حكم بأن نكاح المحلل فاسد لا يقيم عليه ويفسخ قبل الدخول وبعده وكذلك ما كان فيه مهر المثل إلا المهر المسمى عنده وفي قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة دليل على
446 ان إرادة المرأة الرجوع إلى زوجها لا يضر العاقد عليها وأنها ليست بذلك في معنى التحليل الموجب لصاحبه اللعنة المذكورة في الحديث وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى على ما نذكره عنهم - إن شاء الله - عز وجل وفيه أن المطلقة ثلاثا لا يحللها لزوجها إلا طلاق زوج قد وطئها وأنه إن لم يطأها لم تحل للأول ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء وعلى هذا جماعة العلماء إلا سعيد بن المسيب فإنه قال جائز أن ترجع إلى الأول إذا طلقها الثاني وإن لم يمسها وأظنه لم يبلغه حديث العسيلة وأخذ بظاهر القرآن * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * [البقرة 23] فإن طلقها - أعني الثاني - فلا جناح عليهما أن يتراجعا وقد طلقها] وليس في القرآن ذكر مسيس في هذا الموضع وغابت عنه السنة في ذلك ولذلك لم يعرج على قوله أحد من العلماء بعده وانفرد أيضا الحسن البصري فقال لا تحل للأول حتى يطأها الثاني وطأ فيه إنزال وقال معنى العسيلة الإنزال وخالفه سائر الفقهاء وقالوا التقاء الختانين يحللها لزوجها قال أبو عمر ما يوجب الحد ويفسد الصوم والحج يحل المطلقة ويحصن الزوجين ويوجب كمال الصداق [وعلى هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء وقال مالك وبن القاسم لا يحل المطلقة] إلا الوطء المباح فإن وقع الوطء في صوم أو اعتكاف أو حج أو في حيض أو نفاس لم يحل المطلقة ولا يحل الذمية عندهم وطء زوج ذمي لمسلم ولا وطء من لم يكن بالغا وقال أبو حنيفة [والشافعي] [وأصحابهما] والثوري والأوزاعي والحسن بن حي يحلها التقاء الختانين ووطء كل زوج بعد وطئه [وطأ] وإن لم يحتلم إذا كان مراهقا وليس وطء الطفل عند الجميع بشيء قال الشافعي إذا أصابها بنكاح صحيح وغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق العسيلة وسواء في ذلك قوي النكاح وضعيفه
447 قال والصبي الذي يطأ مثله والمراهق والمجنون والخصي الذي قد بقي معه ما يغيبه في الفرج يحلون المطلقة لزوجها قال وتحل الذمية للمسلم بوطء زوج ذمي لها بنكاح صحيح قال وكذلك لو أصابها (محرما أو أصابها] حائضا أو محرمة أو صائمة كان عاصيا وأحلها وطؤه قال أبو عمر [مذهب الكوفيين والثوري والأوزاعي في هذا كله نحو مذهب الشافعي ونحو مذهب بن الماجشون وطائفة من أهل المدينة من أصحاب مالك وغيرهم واختلفوا في عقدة نكاح المحلل فقال مالك في ((الموطأ)) وغيره إنه لا يحلها إلا نكاح رغبة وأنه إن قصد التحريم لم تحل له وسواء علما أو لم يعلما لا تحل ويفسخ نكاح من قصد إلى التحليل ولا يقر على نكاحه قبل الدخول وبعده وقال الثوري والأوزاعي والليث في ذلك نحو قول مالك وقد روي عن الثوري في نكاح المحلل ونكاح الخيار أنه قال النكاح جائز والشرط باطل وهو قول بن أبي ليلى في نكاح المحلل ونكاح المتعة أبطل الشرط في ذلك وأجاز النكاح وهو قول الأوزاعي أيضا أنه قال في نكاح المحلل بئس ما صنع والنكاح جائز وقال أبو حنيفة وأبو يوسف النكاح جائز وله أن يقيم على نكاحه ذلك واختلفوا هل تحل للزوج الأول إذا تزوجها ليحلها فمرة قالوا لا تحل له بهذا النكاح فمرة قالوا تحل له بذلك العقد إذا كان معه وطء أو طلاق وروى الحسن بن زياد عن زيد إذا شرط تحليلها للأول فالنكاح جائز والشرط باطل ويكونان محصنين بهذا التزويج إذا وطئ وقال أبو يوسف النكاح على هذا الشرط فاسد ولها مهر المثل لا يحصنها قال أبو عمر سنذكر ما يقع به الإحصان وما [شروطه] عند الفقهاء واختلافهم في ذلك في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى
448 وقال الشافعي إذا تزوجها ليحلها وأظهر ذلك فقال أتزوجك لأحلك ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك فهذا ضرب من نكاح المتعة وهو فاسد لا يقر عليه ولا يحل [له] الوطء على هذا وإن وطئ لم يكن وطؤه تحليلا قال وإن تزوجها تزويجا مطلقا لم يشترط ولا اشترط عليه التحليل إلا أنه نواه [وقصده] فللشافعي في كتابه [القديم] العراقي [في ذلك] قولان أحدهما مثل قول مالك والآخر مثل قول أبي حنيفة ولم يختلف قوله في كتابه ((الجديد)) المصري أن النكاح صحيح إذا لم يشترط التحليل في قوله وهو قول داود وقال [إبراهيم] النخعي والحسن البصري إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح وقال سالم والقاسم لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان [قال وهو] مأجور بذلك [وكذلك قال ربيعة ويحيى بن سعيد هو مأجور] وقال أبو الزناد إن لم يعلم واحد منهما فلا بأس بالنكاح وترجع إلى زوجها الأول وقال عطاء لا بأس أن يقيم المحلل على نكاحه وقال داود بن علي لا يبعد أن يكون مريد نكاح المطلقة ليحلها لزوجها مأجورا وإذا لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد لأنه قصد إرفاق أخيه المسلم وإدخال السرور عليه قال أبو عمر روي عن النبي - عليه السلام - أنه لعن المحلل والمحلل له (1) من حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وعقبة بن عامر
449 وفي حديث عقبة ((ألا أدلكم على التيس المستعار هو المحلل)) (1) قال أبو عمر معلوم أن إرادة المرأة المطلقة للتحليل لا معنى لها إذا لم يجامعها الرجل على ذلك لأن الطلاق ليس بيدها فوجب إلا تقدح إرادتها في عقد النكاح وكذلك المطلق أحرى إلا يراعى لأنه لا مدخل له في إمساك [الزوج] الثاني ولا في طلاقه إذا خالفه في ذلك فلم تبق الا إرادة الزوج الناكح فإن ظهر ذلك بالشرط علم أنه محلل دخل تحت اللعنة المنصوص عليها في الحديث ولا فائدة للعنة إلا إفساد النكاح والتحذير منه والمنع يكون حينئذ في حكم نكاح المتعة كما قال الشافعي ويكون محللا فيفسد نكاحه وها هنا يكون إجماعا من المشدد [والمرخص] وهو اليقين - إن شاء الله تعالى وقد روي عن عمر بن الخطاب في نكاح المحلل أنه قال لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما قال الطحاوي ويحتمل أن يكون [تشديدا و] تغليظا وتحذيرا لئلا يواقع ذلك أحد كنحو ما هم به النبي - عليه السلام - أن يحرق على من تخلف عن صلاة الجماعة بيوتهم وإنما تأولنا هذا على عمر - رضي الله عنه لأنه قد صح عنه أنه درأ الحد عن رجل وطئ غير امرأته وهو يظن أنها امرأته وإذا بطل الحد بالجهالة بطل بالتأويل لأن المتأول عند نفسه مصيب وهو في معنى الجاهل - إن شاء الله عز وجل وكذلك القول في قول بن عمر إذ سئل عن نكاح المحلل فقال لا أعلم ذلك إلا السفاح قال أبو عمر ليس الحدود كالنكاح في هذا لأن الحد ربما درىء بالشبهة والنكاح إذا وقع على غير سنة وطابق النهي فسد لأن الأصل أن الفروج محظورة فلا تستباح إلا - على الوجه المباح لا المحظور المنهي عنه ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له كلعنة آكل الربا وموكله ولا ينعقد بشيء من ذلك ويفسخ أبدا وبالله التوفيق
450 ((8 - باب ما لا يجمع بينه من النساء)) 1077 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها)) قال أبو عمر زعم بعض الناس أن هذا الحديث لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث أبي هريرة وقد روي من حديث جابر وأبي سعيد الخدري حدثني سعيد [بن نصر] قال حدثني قاسم قال [حدثني محمد قال] حدثني أبو بكر قال حدثني بن نمير عن [بن] إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن سليمان بن يسار عن أبي سعيد [الخدري] عن النبي - عليه السلام - قال لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)) (1) وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن المبارك عن عاصم عن الشعبي عن جابر عن النبي - عليه السلام - مثله وأما طرق حديث أبي هريرة فمتوافرة رواه عنه سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج وأبو صالح السمان والشعبي وغيرهم وروي أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث مجتمع على صحته وعلى القول بظاهره وبما في معناه فلا يجوز [عند الجميع] الجمع بين المرأة وعمتها وإن علت ولا بين المرأة وخالتها وإن علت ولا يجوز نكاح المرأة على بنت أختها ولا على بنت أخيها وإن سفلت
451 وهذا في معنى تفسير * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * [النساء 23] أنها الأم وإن علت والابنة وإن سفلت وكما لا يجوز نكاح المرأة على عمتها كذلك لا يجوز نكاح عمتها عليها وكذلك حكم الخالة مع بنت أختها لأن المعنى الجمع بينهما وهذا كله مجتمع عليه لا خلاف فيه وقد روي مرفوعا من [أخبار الأحاد] العدول هذا المعنى مكشوفا بما حدثني سعيد [بن نصر] وعبد الوارث [بن سفيان] قالا حدثني قاسم [بن أصبغ] قال حدثني [محمد] بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن داود عن الشعبي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا تنكح العمة على بنت أخيها ولا الخالة على بنت أختها ولا تتزوج الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى)) (1) قال أبو عمر عند الشعبي في هذا الباب حديثان أحدهما عن جابر والآخر عن أبي هريرة ومن الناس من تعسف فجعله من الاختلاف وفي [هذا] الحديث زيادة بيان على ما نص عليه القرآن وذلك أن الله - عز وجل - لما قال * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم) * إلى قوله (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) [النساء 23] بأن بذلك ما عدا النساء المذكورات داخلات في التحليل ثم أكد ذلك بقوله عز وجل - * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * [النساء 24] فكان هذا من الزمن ما كان ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجمع المرأة مع عمتها وخالتها في عصمة واحدة فكان هذا زيادة بيان على نص القرآن كما ورد المسح على الخفين وليس في القرآن إلا غسل الرجلين أو مسحهما وماسح الخفين ليس بماسح عليهما ولا غاسل لهما وأجمعت الأمة كلها على [أن] القول بحديث هذا الباب على حسب ما وصفنا فيه فارتفع عن ذلك توهم نسخ القرآن له وأن يكون قوله * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * نزل بعده فلم يبق إلا أن يكون زيادة بيان كما لو نزل بذلك قرآن قال الله عز وجل * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) * [الأحزاب 34] يعني [القرآن] والسنة
452 وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أوتيت الكتاب ومثله معه)) (1) وأمر الله - عز وجل - عباده بطاعته والانتهاء إلى ما أمرهم به ونهاهم عنه أمرا مطلقا وأنه أخبرهم أنه يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله وحذرهم من مخالفته بالعذاب الأليم فقال عز وجل * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * [النور 63] وقد تنطعت فرقة فقالوا لم يجمع العلماء على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها لحديث أبي هريرة وإنما أجمعوا على ذلك بمعنى نص القرآن في [النهي عن] الجمع بين الأختين [والمعنى في ذلك إلى الله - عز وجل - نكاح الأخوات فلا يحل لأحد نكاح أخته من أي وجه كانت وحرم الجمع بين الأختين] فكان المعنى في ذلك أن كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاح الأخرى لم يحل له الجمع بينهما قال أبو عمر هذه فرقة تنطعت وتكلفت في استخراج علة بمعنى الإجماع وهذا لا معنى له لأن الله - عز وجل - لما حرم على عبادة من أمة نبيه محمد - عليه السلام - اتباع غير سبيل المؤمنين واستحال أن يكون ذلك في غير الاجماع لأن مع الاختلاف كل يتبع سبيل المؤمنين بأن من اتبع غير ما أجمع المؤمنون عليه فقد فارق جماعتهم وخلع الإسلام من عنقه وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا فوضح بهذا كله أن متى صح الإجماع وجب الاتباع ولم يحتج إلى حجة تستخرج برأي لا يجتمع عليه وقد اختلف العلماء في المعنى المراد بقوله - عليه السلام - ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)) (2) فقالت طائفة معناه كراهية القطيعة فلا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأتين بينهما قرابة رحم محرمة أو غير محرمة فلم يجيزوا الجمع بين ابنتي عم أو عمة ولا بين ابنتي خال أو خالة روي ذلك عمن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله والحسن بن أبي الحسن وجابر بن زيد وعكرمة وقتادة وعطاء على اختلاف عنه
453 وروى بن عيينة عن بن أبي نجيح عن عطاء أنه كره أن يجمع بين ابنتي العم وعن بن عيينة وبن جريج عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي أنه أخبره أن حسن بن [حسين] بن علي نكح ابنة محمد بن علي وابنة عمر بن علي جمع بين ابنتي عم فأصبح نساؤهم لا يدرين إلى أيتهما يذهبن قال بن جريج فقلت لعطاء الجمع بين المرأة وابنة عمها قال لا بأس بذلك قال أبو عمر بن جريج أثبت الناس في عطاء لا يقاس به فيه بن أبي نجيح ولا غيره وروى معمر عن قتادة قال لا بأس أن يجمع الرجل بين ابنتي [العم] قال أبو عمر على هذا القول جمهور العلماء و [جماعة الفقهاء] - أئمة الفتوى مالك والشافعي - وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق والأوزاعي وغيرهم وقال جماعة منهم إنما يكره الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يجز له نكاح الأخرى اعتبارا بالأختين وليس ابنة العم من هذا المعنى وروى معتمر بن سليمان عن فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن الشعبي قال كل امرأتين إذا جعلت موضع إحداهما ذكرا لم [يجز له] أن يتزوج الأخرى فالجمع بينهما حرام قلت له عمن هذا فقال عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وروى الثوري عن بن أبي ليلى عن الشعبي قال لا ينبغي لرجل أن يجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاحها قال سفيان تفسير هذا عندنا أن يكون من النسب ولا تكون بمنزلة امرأة رجل وابنة زوجها فإنه يجمع بينهما إن شاء قال أبو عمر قد اختلف العلماء في جمع الرجل في النكاح بين امرأة رجل وابنته من غيرها فالجمهور على أن ذلك جائز وعليه جماعة الفقهاء بالمدينة ومكة والعراق ومصر والشام إلا بن أبي ليلى من أهل الكوفة وقد تقدمه إلى ذلك الحسن وعلي وعكرمة وخالفهم أكثر الفقهاء لأنه لا نسب بينهما
454 وروي جواز ذلك عن رجلين وقيل لأنه من الصحابة لا مخالف لهم منهم أنهم فعلوا ذلك وروي ذلك عن عبد الله بن جعفر وعن عبد الله بن صفوان مثل ذلك ذكر [أبو بكر] بن أبي شيبة قال حدثني أبو بكر بن عياش عن مغيرة عن قثم أن عبد الله بن جعفر [بن أبي طالب] جمع بين امرأة علي وابنته من غيرها قال وحدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب أن سعد بن فرحاء - رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها قال وحدثني بن علية عن أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان بن أمية تزوج امرأة رجل وابنته من غيرها وعن سليمان بن يسار وبن سيرين وربيعة مثله في جواز [جمع] المرأة وزوجة أبيها وقالت طائفة منهم الحسن وعكرمة لا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها ذكره بن أبي شيبة عن بن علية عن أيوب عن الحسن ورواه منصور عن هشام عن الحسن وروى شعبة عن فضيل عن بن جريج عن عكرمة مثله واعتلوا بالعلة التي ذكرنا بأن إحداهما لو كان [رجلا] لم يحل له نكاح الأخرى [وقد أبعد من هذا بعض المتأخرين فإن قال الفرق بينهما أنه لو جعل موضع المرأة ذكرا لحل له الأنثى لأنه رجل تزوج ابنة رجل أجنبي وإذا كان موضع البنت بن لم يحل له امرأة أبيه 1078 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ينهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها وأن يطأ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره قال أبو عمر أما نكاح المرأة على عمتها أو على خالتها فقد مضى القول فيه والحمد لله وأما قوله وإن وطئ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره
455 ومروي عن النبي عليه السلام من حديث رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره)) (1) ومن حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى امرأة حاملا من سبي خيبر قال لعل صاحب هذه أن يلم بها لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره أيورثه وليس منه أو يستعبده وهو قد غذاه في سمعه وبصره وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة أوطاس ونادى مناديه بذلك لا توطئوا حاملا حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة] (2) قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء - قديما ولا حديثا - أنه لا يجوز لأحد أن يطأ امرأة حاملا من غيره بملك يمين ولا نكاح ولا غير حامل حتى يعلم براءة رحمها من ماء غيره واختلفوا [فيمن وطئ حاملا] من غيره ما حكم ذلك الجنين [فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن لا يعتق ذلك الجنين] وقال الأوزاعي والليث يعتق ولكل قول من هذين القولين سلف من التابعين والقول بأن لا يعتق أولى في النظر لأن العقوبات ليست هذه طريقها ولا أصل يوجب عتقه فيسلم له وألزمه يديه حتى يجب فيها الواجب بدليل لا معارض له ولا أصل وبالله التوفيق ((9 - باب ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته)) 1079 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة ثم فارقها قبل أن يصيبها (3) هل تحل له أمها فقال زيد بن ثابت لا الأم مبهمة (4) ليس فيها شرط وإنما الشرط في الربائب 1080 - مالك عن غير واحد أن عبد الله بن مسعود استفتي وهو بالكوفة
456 عن نكاح الأم بعد الابنة إذا لم تكن الابنة مست (1) فأرخص في ذلك ثم إن بن مسعود قدم المدينة فسأل عن ذلك فأخبر أنه ليس كما قال وإنما الشرط في الربائب فرجع بن مسعود إلى الكوفة فلم يصل إلى منزله حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك فأمره أن يفارق امرأته قال أبو عمر قال الله - عز وجل * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * إلى قوله * (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) * [النساء 23] فأجمعت الأمة أن الرجل إذا تزوج امرأة ولها ابنة أنه لا تحل له الابنة بعد موت الأم أو فراقها إن كان دخل بها وإن كان لم يدخل بالأم حتى فارقها حل له نكاح الربيبة [وأن قوله - عز وجل * (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) * [النساء 23] شرط صحيح في الربائب اللاتي في حجورهم واختلفوا إذا لم تكن الربيبة] في حجره بما سنورده بعد في موضعه - إن شاء الله تعالى واختلفوا في أمهات النساء هل دخلن في شرط الدخول أم لا فقالت طائفة الأم والربيبة سواء لا تحرم واحدة منهما إلا بالدخول بالأخرى وتأولوا على القران [ما في] ظاهره فقالوا المعنى وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وزعموا أن قوله عز وجل * (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) * راجع إلى الأمهات والربائب وإلى هذا كان بن مسعود [يذهب] فيما أفتى به في الكوفة ثم لما دخل المدينة نبه على غفلته في ذلك فرجع عنه [وقيل إن عمر رده عن ذلك] ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي فروة عن أبي عمرو الشيباني عن بن مسعود أن رجلا من بني شمخ بن فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فأعجبته فاستفتى بن مسعود فأمره أن يفارقها ويتزوج أمها إن كان لم يمسها فتزوجها وولدت له أولادا ثم أتى بن مسعود المدينة فسأل عن ذلك فأخبر أنها لا تحل له فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل إنها عليك حرام ففارقها
457 وأخبرني معمر عن يزيد بن أبي زياد أن عمر بن الخطاب - فيما أحسب - هو الذي رد بن مسعود عن قوله ذلك قال أبو عمر هذا القول الذي كان بن مسعود أفتى به ثم رجع عنه يروى عن علي [بن أبي طالب] واختلف فيه عن بن عباس وجابر [بن عبد الله الأنصاري] ولم يختلف عن بن الزبير و [عن] مجاهد فيها [روى سماك بن الفضل أن بن الزبير قال الربيبة والأم سواء لا بأس بهما إذا لم يدخل بالمرأة] وذكر عبد الرزاق عن بن جريج و [ذكر] بن أبي شيبة [قال حدثني] بن علية عن بن جريج قال أخبرني عكرمة [بن خالد] عن مجاهد أنه قال وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن [فقال] أريد بهما جميعا الدخول قال بن جريج وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في الرجل ينكح المرأة ثم تموت [قبل أن] يمسها أنه ينكح أمها - إن شاء قال بن جريج وأخبرني أبو بكر بن حفص عن مسلم بن عويمر بن الأجدع عن أبيه عن بن عباس مثله وذكر أبو بكر قال حدثني بن علية عن بن أبي عروبة عن قتادة في الرجل يتزوج [المرأة] ثم يطلقها قبل أن يدخل بها أيتزوج [أمها] قال قال هي بمنزلة الربيبة وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس أن عليا - رضي الله عنه سئل عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها أله أن يتزوج أمها قال علي هي بمنزلة واحدة يجريان مجرى واحدا إن طلق الابنة قبل أن يدخل بها تزوج أمها وإن تزوج أمها ثم طلقها قبل أن يدخل بها تزوج ابنتها قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال بهذا من فقهاء الأمصار - أهل الرأي والحديث الذين تدور عليهم [وعلى أصحابهم] الفتوى والحديث فيه عن علي - [رضي الله عنه] - ضعيف لا يصح لأن خلاسا يروي عن علي مناكير ولا يصحح روايته [أهل العلم بالحديث] ومرسل قتادة عنه أضعف
458 وجابر بن عبد الله وبن عباس مختلف عنهما في ذلك فلا يصح فيه عن من لم يختلف عليه إلا بن الزبير ومجاهد وفرقة قالت بذلك ليس لها حجة ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني سعيد عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى * (وأمهات نسائكم) * [النساء 23] قال هي مبهمة فهذا خلاف ما تقدم عنه وقد قال بن جريج قلت لعطاء أكان بن عباس يقرأ " وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن " فلم يعرف ذلك قال بن جريج قلت لعطاء الرجل ينكح المرأة ثم لا يراها ولا يجامعها أتحل له أمها قال لا هي مرسلة وروى هشيم ويزيد بن هارون قالا أخبرنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق أنه سئل عن قوله - عز وجل * (وأمهات نسائكم) * [النساء 23] قال هي مبهمة فأرسلوا ما أرسل الله [وما بين فاتبعوه فكان يكره الأم على كل حال ويرخص في الربيبة إذا لم يدخل بأمها ويقول أرسل الله] هذه وبين هذه وقال أبو بكر حدثني علي بن مسهر عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين في أمهات نسائكم قال هي مبهمة وبه قال الحسن وهو قول بن عمر وبن مسعود وبه قالت طائفة من التابعين منهم طاوس وبن شهاب الزهري وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وأحمد [بن حنبل] وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود والطبري وقد روى المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا تحل له أمها)) وأما زيد بن ثابت فروى قتادة عن سعيد بن المسيب عنه خلاف ما ذكره مالك عن يحيى بن سعيد عنه روى سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد أنه كان يقول إن طلق الابنة طلاقا قبل أن يدخل بها تزوج أمها - إن شاء - وإن ماتت فأصاب ميراثها فليس له أن يتزوج أمها
459 وقول زيد بن ثابت هذا قول ثالث ويحتمل أن يكون ما ذكرناه عن بن جريج عن [أبي] الزبير عن جابر مثل قول زيد بن ثابت لأنه ذكر الموت فيه ولم يذكر الطلاق وهو عندي قول لاحظ له من النظر لأن إصابته الميراث ليس بدخول ولا مسيس والله [عز وجل] قد شرط الدخول [وبالله التوفيق] وأجمع العلماء على أن من وطئ امرأته فقد حرمت عليه ابنتها [وأمها] وأنه قد استوفى معنى قول الله تعالى * (اللاتي دخلتم بهن) * [النساء 23] واختلفوا فيما دون الوطء مثل اللمس والتجريد والنظر إلى الفرج لشهوة أو غير شهوة هل ذلك كالوطء الذي هو الدخول المجتمع عليه أم لا فقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة والثوري والليث والشافعي إذا لمسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها واختلفوا في النظر إلى فرجها وإلى محاسنها لشهوة هل يحرم ذلك الابنة والأم [أم لا] وسنذكر ذلك في باب النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه إن شاء الله تعالى قال مالك في الرجل تكون تحته المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها أنها تحرم عليه امرأته ويفارقهما جميعا ويحرمان عليه أبدا إذا كان قد أصاب الأم فإن لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته وفارق الأم قال أبو عمر إنما قال ذلك للأصل الذي قدمنا وهو قول الله - عز وجل - في تحريم من حرم من النساء * (وأمهات نسائكم) * [النساء 23] فمن كان تحته امرأة قد دخل بها حرمت الأم عليه بإجماع من المسلمين لأنها من أمهات النساء المدخول بهن ولو لم يدخل بها حرمت عليه [أمها بالسنة عند الجمهور على ما ذكرنا في هذا الباب عنهم في أن الآية مبهمة في أمهات النساء دخل] بهن أو لم يدخل فإذا أصاب الأم بذلك النكاح حرمت عليه الابنة بشبهة النكاح وإن كان العقد فاسدا لأن غيرنا يحرمه بالزنى فتحريمه بشبهة النكاح الذي يلزم فيه مهر المثل أولى وقد كانت الأم محرمة بالعقد على الابنة فمن هذا وجب عليه مفارقتهما جميعا وحرمتا عليه أبدا فإن لم يصب الأم [إلا] بشبهة ذلك النكاح فسخ نكاحها لأنه نكاح فاسد غير منعقد وقر مع امرأته
460 وهذا كله قول الكوفيين والشافعي وجمهور الفقهاء قال أبو عمر قد مضى القول في الربيبة بما فيه شفاء - إن شاء الله وأما بنت الربيبة فقد اختلف في تحريمها فقال الجمهور إنها محرمة تحريما مطلقا كبنات البنات وكالأمهات وأمهات الأمهات وإن علون وعلى هذا القول مذاهب جمهور الفقهاء منهم مالك والشافعي وأصحابهما روي ذلك عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد ويحيى بن سعيد وأبي الزناد وأهل المدينة وقالت طائفة من الكوفيين تزوج ابنة الربيبة حلال إذا لم يدخل بأمها وجعلوها كابنة العم وابنة الخالة فإن الله حرمها كتحريم الربيبة إذا بين وأحل بناتهما واحتجوا بقول الله - عز وجل - حين حرم ما ذكره في كتابه ثم قال " وأحل لكم ما وراء ذالكم " [النساء 24] وقد اجمع العلماء على أن ما لم يحرمه الله فهو مباح والقول في بنت الربيبة أعم وأكثر وبه أقول وبالله التوفيق] وأما قول مالك في هذا الباب في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها أنه لا تحل له أمها أبدا ولا تحل لأبنه ولا تحل له ابنتها وتحرم عليه امرأته فالقول في هذه المسألة قبلها يغني عن الكلام فيها إلا في قوله لا تحل لأبنه ولا لأبيه فإن معنى قوله في ذلك ظاهر قول الله عز وجل * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * [النساء 22] ولم يخص نكاحا فاسدا من صحيح فكل نكاح يدرأ به الحد ويلزم فيه الصداق يحرم من الأم والابنة على الأب [والابن] ما يحرم النكاح الصحيح وكذلك حلائل الأبناء سواء وأما قوله في هذا الباب قال مالك فأما الزنى فإنه لا يحرم شيئا من ذلك لأن الله تبارك وتعالى قال * (وأمهات نسائكم) * [النساء 23] فإنما حرم ما كان تزويجا ولم يذكر تحريم الزنى فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته فهو بمنزلة التزويج الحلال
461 فهذا الذي سمعت والذي عليه أمر الناس عندنا قال أبو عمر قد جود مالك فيما احتج به من ذلك وسنذكر اختلاف العلماء في التحريم بالزنى وهل يحرم الحرام حلالا أم لا في الباب بعد هذا - إن شاء الله عز وجل وقد اختلف أصحاب مالك فيمن تزوج امرأة وابنتها في عقدة واحدة ففرق بينهما قبل المسيس هل تحل له الأم أم لا فقال بن القاسم في ((المدونة)) إذا تزوج الأم [والابنة] معا في عقدة واحدة ولم يمسها حتى فرق بينهما [تزوج الأم] إن شاء وقال سحنون لا يتزوجها للشبهة التي فيها قال أبو عمر فإن مس واحدة منهما ففي ((المدونة)) لابن القاسم يفرق [بينهما] وقد حرمت عليه التي لم يدخل بها أبدا ويتزوج التي دخل بها إن شاء كانت الأم أو الابنة وفي ((العتبية)) روى أصبغ عن بن القاسم أنه إن كان دخل بالأم حرمتا [عليه] جميعا أبدا وإن كان دخل بالابنة تزوجها إن شاء الله وهذا أصح إن شاء الله تعالى [وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل] ((10 - باب نكاح الرجل أم امرأة أصابها على وجه ما يكره)) قال مالك في الرجل يزني بالمرأة فيقام عليه الحد فيها إنه ينكح ابنتها وينكحها ابنه إن شاء وذلك أنه أصابها حراما وإنما الذي حرم الله ما أصيب بالحلال أو على وجه الشبهة بالنكاح قال الله تبارك وتعالى * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * [النساء 22] قال مالك فلو أن رجلا نكح امرأة في عدتها نكاحا حلالا فأصابها حرمت على ابنه أن يتزوجها وذلك أن أباه نكحها على وجه الحلال لا يقام عليه فيه الحد ويلحق به الولد الذي يولد فيه بأبيه وكما حرمت على ابنه أن يتزوجها حين تزوجها أبوه في عدتها وأصابها فكذلك يحرم على الأب ابنتها إذا هو أصاب أمها (1) قال أبو عمر قال الله - عز وجل * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * الآية إلى قوله " وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم
462 بهن) [النساء 23] ثم قال * (وحلائل أبنائكم) * [النساء 23] ثم قال * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * [النساء 22] وأجمع العلماء على أن النكاح الحلال الصحيح يحرم أم المرأة أو ابنتها إذا دخل بها وكذلك كل نكاح يلحق فيه الولد ويدرأ به الحد يحرم أم المرأة على [أمها ويحرم ربيبتها إذا دخل بها] ويحرم زوجة الابن وزوجة الأب بكتاب الله عز وجل والسنة المجتمع عليها واختلفوا في الرجل يزني بالمرأة هل يحل له نكاح ابنتها وأمها وكذلك لو زنا بالمرأة هل ينكحها ابنه أو ينكحها أبوه وهل الزنى في ذلك كله يحرم ما يحرم [النكاح] الصحيح أو النكاح الفاسد أم لا فقال مالك في ((موطئه)) إن الزنى بالمرأة لا يحرم على من زنا بها نكاح ابنتها ولا نكاح أمها ومن زنا بأم امرأته لم تحرم عليه امرأته [بل يقتل] ولا يحرم الزنى شيئا بحرمة النكاح الحلال وهو قول [بن شهاب] الزهري وربيعة وإليه ذهب الليث [بن سعد] والشافعي وأبو ثور وداود وروي ذلك عن بن عباس وعقال في ذلك لا يحرم الحرام الحلال [وقاله بن شهاب وربيعة] واختلف فيه عن سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وذكر بن القاسم عن مالك خلاف ما في ((الموطأ)) فقال من زنا بأم امرأته فارق امرأته وهو عنده في حكم من نكح [أم امرأته] ودخل بها وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي [كلهم يقولون] من زنا بأم امرأته حرمت عليه امرأته قال سحنون أصحاب مالك كلهم يخالفون بن القاسم فيها ويذهبون إلى ما في ((الموطأ)) وقال الأوزاعي عن الزهري في الرجل يزني بالمرأة إن شاء تزوج ابنتها قال الأوزاعي لا نأخذ به
463 وقال الأوزاعي عن عطاء أنه كان يفسر قول بن عباس لا يحرم حرام حلالا أنه الرجل يزني بالمرأة فلا يحرم عليه نكاحها زناه بها وقال الليث إن وطئها وهو يتوهم جاريته لم يحرمها ذلك على ابنه قال الطحاوي وهذا خلاف قول الجميع إلا شيئا روي عن قتادة وروي عن عمران بن حصين في رجل زنا بأم امرأته قال قد حرمت عليه امرأته قال أبو عمر قد خالفه بن عباس في ذلك فقال لا تحرم عليه والله عز وجل إنما حرم على المسلم تزويج [أم امرأته] وابنتها وكذلك إذا ملكت يمينه امرأة فوطئها بملك اليمين حرمت عليه أمها وابنتها وكذلك ما وطئ أبوه بالنكاح وملك اليمين وما وطئ ابنه بذلك فدل على المعنى في ذلك الوطء الحلال والله المستعان وقد أجمع هؤلاء الفقهاء - أهل الفتوى بالأمصار المسلمين - أنه لا يحرم على الزاني نكاح المرأة التي زنا بها إذا استبرأها فنكاح أمها وابنتها أحرى وبالله التوفيق وسنذكر اختلاف السلف في تحريم نكاح الزانية على من زنا بها في موضعه إن شاء الله عز وجل ((11 - باب جامع ما لا يجوز من النكاح)) 1081 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار (1) والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق
464 هكذا رواه جمهور أصحاب مالك وقال فيه بن وهب عن مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار وكلهم ذكر عن مالك في تفسير الشغار معنى ما رواه عنه يحيى [في ((الموطأ))] وللشغار في اللغة معنى لا مدخل له ها هنا وذلك أنه مأخوذ عندهم من شغار الكلب إذا رفع رجله للبول وزعموا أن ذلك لا يكون منه إلا بعد مفارقته حال الصغر إلى حال يمكن فيها الوثوب على الأنثى للنسل وهو عندهم للكلب علامة بلوغه إلى حال الاحتلام من الرجال ولا يرفع رجله للبول إلا وهو قد بلغ ذلك المبلغ يقال منه شغر الكلب يشغر إذا رفع رجله فبال أو لم يبل ويقال شغرت المرأة شغرا إذا رفعت رجلها للنكاح فهذا معنى الشغار في اللغة وأما معناه في الشريعة [فهو أن ينكح الرجل وليته رجلا على أن ينكحه الآخر وليته ولا صداق بينهما إلا بضع هذه ببضع هذه] على ما فسره مالك وجماعة الفقهاء وكذلك ذكر ((الخليل)) أيضا في ((العين)) وأجمع العلماء على أن نكاح الشغار مكروه ولا يجوز واختلفوا فيه إذا وقع هل يصح بمهر المثل أم لا فقال مالك لا يصح نكاح الشغار دخل بها أو لم يدخل ويفسخ أبدا قال وكذلك لو قال أزوجك ابنتي على أن تزوجني [ابنتك] بمائة دينار فلا خير في ذلك قال بن القاسم لا يفسخ النكاح في هذا إن دخل ويثبت بمهر المثل ويفسخ في الأول دخل أو لم يدخل على ما قاله مالك وقال الشافعي إذا لم يسم لواحدة منهما مهرا ويشرط أن يزوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وهما يليان أمرهما على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ولم يسم واحد منهما صداقا فهذا الشغار ولا يصح عقد هذا النكاح ويفسخ قبل البناء وبعده قال ولو سمى لإحداهما صداقا أو لهما جميعا فالنكاح ثابت بمهر المثل
465 والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثله إن كان دخل بها أو نصف [مهر مثله] إن كان [طلقها قبل الدخول] وقال أبو حنيفة إذا قال أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك وتكون لكل واحدة بالأخرى فهو الشغار ويصح النكاح بمهر المثل وهو قول الليث وأحمد وإسحاق وأبي ثور وبه قال الطبري قال أبو عمر [قوله فيمن نكح على خمر أو خنزير كقولهم في الشغار على ما ذكرنا عنه وقال أبو عبيد لا يكتب النكاح في شيء من ذلك ذكره في الخمر والخنزير قال أبو عمر] حجة من أبطل النكاح في الشغار وسائر المهور المحرمة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار فهو فعل طابق النهي ففسد لقول الله عز وجل * (وما نهاكم عنه فانتهوا) * [الحشر 7] ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه وإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم)) (1) ولقوله عليه السلام ((كل عمل ليس عليه أمرنا - يعني سنتنا - فهو رد)) (2) يعني مردودا وحجة من قال أن العقد في الشغار صحيح والمهر فاسد ويصح بمهر المثل إجماع العلماء على أن الخمر والخنزير لا يكون شيء منهما مهرا لمسلم وكذلك الغرر والمجهول وسائر ما نهى عن ملكه أو ملك على غير وجهه وسنته وأجمعوا مع ذلك أن النكاح على المهر الفاسد إذا فات بالدخول فلا يفسخ
466 لفساد صداقه ويكون فيه مهر المثل بخلاف سائر المعاوضات من البيوع والإجارات وغيرها المضمونات بأثمانها قالوا وإذا لم يفسخ لذلك بعد الدخول فكذلك لا يفسخ قبل الدخول لأنه لو لم يكن نكاحا منعقدا حلالا ما صار حلالا بالدخول والأصل في ذلك أن التزويج يضمن بنفسه لا بالعوض بدليل تجويز الله تعالى النكاح بغير صداق وذلك قوله * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) * [البقرة 236] [يريد ما لم تمسوهن وما لم تفرضوا لهن فريضة] فلما أوقع الطلاق دل على صحة النكاح دون تسمية صداق لأن الطلاق غير واقع إلا على الزوجات وكونهن زوجات دليل على صحة النكاح بغير تسمية صداق والله أعلم 1082 - مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع أبني يزيد بن جارية الأنصاري عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد [نكاحها] هكذا روى مالك هذا الحديث فقال فيه وهي ثيب في درج [الحديث] ورواه غيره فجعله من بلاغ يحيى بن سعيد ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أخبره أن عبد الرحمن بن يزيد ومجمع بن يزيد الأنصاريين أخبراه أن رجلا منهم يدعى خداما أنكح ابنة له فكرهت نكاح أبيها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فرد نكاح أبيها [فخطبت] فنكحت أبا لبابة بن عبد المنذر وذكر يحيى بن سعيد أنه بلغه أنها كانت ثيبا وروى بن عيينة هذا الحديث فلم يذكر فيه وكانت ثيبا ذكره الحميدي وغيره عنه قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي عليه السلام فرد نكاحها
467 هكذا رواه بن عيينة لم يقم إسناده وقال فيه بعض أصحاب عبد الرحمن أنها كانت ثيبا قال بن عيينة وحدثني يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن امرأة من آل جعفر بن أبي طالب تخوفت أن ينكحها وليها فأرسلت إلى شيخين من [الأنصار] عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد تشهدهما أنه [ليس] لأحد من أمري شيء فأرسلا إليها ألا تخافي فإن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها قال أبو عمر [لم يذكر بن عيينة أيضا في هذا الحديث ثيبا ولا بكرا وروى حديث خنساء هذا محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدته خنساء بنت خدام بن خالد قال وكانت أيما من رجل فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فخطبت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر فارتفع شأنها إلى النبي عليه السلام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أباها أن يلحقها بهواها فتزوجت أبا لبابة بن عبد المنذر فذكر بن إسحاق في حديث خنساء أنها كانت ثيبا فدل على صحة رواية مالك وإذا كانت ثيبا كان حديثا مجتمعا على صحته والقول به لأن القائلين لا نكاح إلا بولي يقولون أن الثيب لا يزوجها أبوها ولا غيره من أهلها إلا بإذنها ورضاها ومن قال ليس للولي مع الثيب أمر فهو أحرى باستعمال هذا الحديث وكذلك الذين أجازوا عقد النكاح بغير ولي وقد تقدم ذكر القائلين بهذه الأقوال في هذا الكتاب ولا اعلم مخالفا في أن الثيب لا يجوز لأبيها ولا لغيره من الأولياء إكراهها على النكاح إلا الحسن البصري فإن أبا بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن يونس عن الحسن أنه كان يقول نكاح الأب جائز على ابنته بكرا كانت أو ثيبا أكرهها أو لم يكرهها ولا أعلم أحدا تابعه والله أعلم قال بن القاسم قال لي مالك في الأخ يزوج أخته الثيب برضاها والأب ينكر إن ذلك جائز على الأب قال مالك ما له ولها وهي مالكة أمرها وقال أبو حنيفة وأصحابه في الثيب لا ينبغي لأبيها أن يزوجها إلا برضاها
468 فإن استأمرها أمرته يزوجها وإن لم تأمره لم يزوجها بغير أمرها فإن زوجها بغير أمرها ثم بلغها كان لها أن تجيزه فإن أجازته جاز وإن أبطلته بطل قال إسماعيل أصل قول مالك في هذه المسألة أنه لا يجوز أن أجازته إلا أن يكون بالقرب استحسن أجازته بالقرب كأنه في وقت واحد ونور واحد وأبطله إذا بعد لأنه عقده عليها - بغير أمرها ليس بعقد ولا يقع فيه طلاق وقال بن نافع سألت مالكا عن رجل زوج أخته ثم بلغها فقالت ما أرضى ولا أمرته بشيء ثم كلمت في ذلك فرضيت قال مالك لا أراه نكاحا جائزا ولا يقام عليه حتى يستأنفا جديدا أن شاءت وقال الشافعي وأحمد بن حنبل من زوج ابنته الثيب بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيت وقال الشافعي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء بنت خدام ولم يقل إلا أن تخبرني قال أبو عمر] كانت خنساء بنت خدام هذه تحت أنيس بن قتادة الأنصاري فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فكرهته وشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)) 1083 - مالك عن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت قال بن وضاح يقول هذا تغليظ من عمر قال أبو عمر معلوم أن الرجم إنما يجب على الزاني والزاني من وطئ فرجا لا شبهة له في وطئه وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة فأسر ذلك فكان يختلف إليها في منزلها فرآه جار لها يدخل عليها فقذفه بها فخاصمه إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين هذا كان [يدخل على] جارتي ولا أعلمه تزوجها فقال [له قد] تزوجت امرأة على شيء
469 دون فأخفيت ذلك قال فمن شهدكم قال [أشهدنا بعض] أهلها قال فدرأ الحد عن قاذفه وقال أعلنوا هذا النكاح وحصنوا هذه الفروج قال وحدثني بن فضيل عن ليث عن طاووس قال أتي عمر بامرأة قد حملت من رجل فقالت تزوجني فلان فقال إني تزوجتها بشهادة من أمي وأختي ففرق بينهما ودرأ عنهما الحد وقال لا نكاح إلا بولي وروى حماد بن زيد عن هشام بن عروة قال كان أبي يقول لا يصلح نكاح السر [وقال داود بن قيس سمعت نافعا - مولى بن عمر - يقول ليس في الإسلام نكاح سر قال عبد الله بن عتبة شر النكاح نكاح السر] وروى [معمر عن] بن طاوس عن أبيه قال الفرق ما بين السفاح والنكاح الشهود والثوري عن منصور عن إبراهيم قال في رجل تزوج بغير شهود قال يفرق بينهما ويعاقب قال أبو عمر نكاح السر عند مالك وأصحابه أن يستكتم [الشهود] [أو] يكون عليه من الشهود رجل وامرأتان ونحو ذلك مما يقصد به إلى التستر وترك الإعلان وروى بن القاسم عن مالك قال لو تزوج ببينة وأمرهم أن يكتموا ذلك لم يجز النكاح وإن تزوج بغير بينة على غير استسرار جاز واستشهدا فيما يستقبلان وروى بن وهب عن مالك في الرجل يتزوج المرأة بشهادة رجلين ويستكتمها قال يفرق بينهما بتطليقة ولا يجوز النكاح ولها صداقها أن كان أصابها ولا يعاقب الشاهدان أن كانا جهلا ذلك وإن كانا أتيا ذلك بمعرفة أن ذلك لا يصلح عوقبا وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا تزوجها بشاهدين وقال لهما اكتما جاز النكاح وهو قول يحيى بن يحيى [صاحبنا] قال كل نكاح شهد عليه رجلان فقد خرج من حد السر وأظنه حكاه عن الليث [بن سعد] والسر عند الشافعي والكوفيين ومن تابعهم كل نكاح لم يشهد عليه رجلان فصاعدا ويفسخ على كل حال
470 قال أبو عمر مالك _ [رحمه الله] يرى أن النكاح منعقد برضا الزوجين المالكين لأنفسهما وولي المرأة أو رضا الوليين في الصغار ومن جرى مجراهم من البوالغ الكبار على ما ذكرنا من مذهبه في باب الأولياء وليس الشهود في النكاح [عنده] من فرائض [عقد] النكاح ويجوز عقده بغير شهود وهو قول الليث والحجة لمذهبه أن البيوع التي ذكر الله فيها الإشهاد عند العقد قد قامت الدلالة بأن ذلك ليس من فرائض البيوع فالنكاح الذي لم يذكر الله فيه الإشهاد أحرى بأن لا يكون الإشهاد فيه من [شروط] فرائضه وإنما الفرض الإعلان والظهور لحفظ الأنساب والإشهاد يصلح بعد العقد للتداعي والاختلاف فيما ينعقد بين المتناكحين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أعلنوا النكاح)) (1) وقول مالك هذا هو قول بن شهاب وأكثر أهل المدينة وقال الشافعي وأبو حنيفة [وأصحابهما] والثوري والحسن بن صالح لا نكاح إلا بشهود وقال الشافعي والحسن والثوري أقل ذلك [شاهدا] عدل إلا أن الشافعي قال شهود النكاح على العدالة حتى تتبين الجرحة [في حين العقد] وقال [أبو حنيفة وأصحابه] يجوز أن ينعقد النكاح بشهادة أعميين ومحدودين في قذف وفاسقين قال أبو عمر [ذهب هؤلاء إلى أن الإعلان المأمور به في النكاح هو الإشهاد في حين العقد ولم يشترطوا في الإعلان العدالة وروي عن بن عباس أنه قال لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد ولا مخالف له من الصحابة علمته وعن بن عباس أيضا أنه قال البغاء اللواتي يزوجن أنفسهن بغير بينة قال أبو عمر قد علم أن البغي لو أعلنت ببغيها حدت ولم يدخل إعلانها زناها في باب إعلان كما أن مهر البغي لو كان أكثر من مهر الصداق لم يكن ذلك
471 حلالا كقول بن عباس إنما هو تحريض على الإشهاد ومدح له ونهي عن تركه وذم له ليوقف عند السنة فيه ولا يتعدى كما قيل كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا ومعلوم أنه لا قول ولا دية في كسر عظم الميت وإنما اشتبهن في الإثم كما أشبه ترك الإشهاد والإعلان بما يستر من الفواحش في غير الإثم قال أبو عمر] الحديث في هذا الباب عن عمر إنما ورد في نكاح لم يحضره إلا رجل وامرأة فجعله سرا إذ لم تتم فيه الشهادة وقد اختلف الفقهاء في النكاح بشهادة رجل وامرأتين فأجاز ذلك الكوفيون وهو قول الشعبي وقال الشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل لا يجوز إلا بشهادة رجلين وهو قول النخعي ولا مدخل عندهم لشهادة النساء في النكاح والطلاق كما لا مدخل لها عند الجميع في الحدود وإنما تجوز في الأموال وأما مالك فحكم شهادة النساء عنده أنها لا تجوز في النكاح والطلاق ولا في غير الأموال إلا أنه جائز عنده عقد النكاح بغير بينة إذا أعلنوه ويشهدون بعد متى شاؤوا 1084 - وقال مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة (1) ضربات وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب وأن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدا قال مالك وقال سعيد بن المسيب ولها مهرها بما استحل منها
472 قال أبو عمر الخبر بهذا عن عمر روي من وجوه من رواية أهل الحجاز وأهل العراق وقال به جماعة من أهل المدينة وروي عن علي بن أبي طالب وبن مسعود خلافه ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن صالح عن الشعبي عن علي - رضي الله عنه - قال يتزوجها أن شاء إذا انقضت عدتها [وعن الثوري عن حماد عن إبراهيم قال يتزوجها أن شاء إذا انقضت عدتها] وعن بن جريج قال أخبرني عطاء أن عليا أتي بامرأة نكحت في عدتها ودخل بها ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الأولى ثم تعتد من هذه عدة مستقبلة فإذا انقضت [عدتها] فهي بالخيار إن شاءت نكحته وإن شاءت فلا قال أبو عمر [اختلف الفقهاء في هذه المسألة على هذين القولين فقال مالك والأوزاعي والليث من تزوج امرأة في عدة من غيره ودخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا وزاد مالك ولا بملك يمين وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري إذا انقضت عدتها من الأول فلا بأس أن يتزوجها الآخر فهؤلاء ومن تابعهم قالوا بقول علي وقال مالك ومن تابعه بقول عمر قال أبو عمر] وقد اتفق [هؤلاء] الفقهاء كلهم على أنه لو زنا بها جاز له تزويجها ولم تحرم عليه فالنكاح في العدة أحرى بذلك وأما طليحة هذه فهي طليحة بنت عبيد الله أخت طلحة بن عبيد الله التيمي وفي بعض نسخ ((الموطأ)) من رواية يحيى طليحة الأسدية وذلك خطأ وجهل ولا أعلم أحدا قاله وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة وروى معمر عن الزهري عن بن المسيب أن طليحة بنت عبيد الله نكحت رشيد الثقفي في عدتها فجلدها عمر بالدرة وقضى أيما رجل نكح امرأة في
473 عدتها فأصابها فإنهما يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا وتستقبل بقية عدتها من الأول ثم تستقبل عدتها من الآخر وأن كان لم يمسها فإنه يفرق بينهما حتى تستكمل بقية عدتها من الأول ثم يخطبها مع الخطاب قال الزهري ولا أدري كم بلغ ذلك الجلد قال وجلد عبد الملك في ذلك كل واحده منهما أربعين جلدة قال فسئل عن ذلك قبيصة بن ذؤيب فقال لو كنتم خففتم فجلدتم عشرين [ورواه بن جريج عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب فذكر حديث معمر وحديث معمر أتم ولم يذكر بن جريج جلد عبد الملك وقول قبيصة] وروى معمر عن الزهري أن [سعيد] بن المسيب وسليمان بن يسار اختلفا فقال بن المسيب لها صداقها وقال بن يسار صداقها في بيت المال وقال بن جريج أخبرني عبد الكريم وعمرو - يزيد أحدهما على صاحبه - أن رشيد بن عثمان بن عامر من بني معتب الثقفي نكح طليحة ابنة عبيد الله [أخت طليحة بن عبيد الله] في بقية عدتها من آخر وأن عمر بن الخطاب قال إذا دخل بها فرق بينهما ولا ينكحها أبدا ولها الصداق بما أصاب منها ثم تعتد بقية عدتها [ثم تعتد من هذا وأن كان لم يدخل بها اعتدت بقية عدتها] ثم ينكحها أن شاءت قلت ذكروا جلدا قال لا قال أبو عمر قد روى الشعبي عن مسروق عن عمر أن الصداق في بيت المال كما قال سليمان بن يسار ولم يذكر مالك قول سليمان بن يسار في حديثه عن بن شهاب كما ذكره معمر لوجوه منها رجوع عمر عنه ومنها أن السنة [الثابتة] قضت بأن للمرأة في النكاح الباطل مهرها بما استحل منها وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما تقدم وهذا يدل على فقه مالك - رحمه الله - وعلمه بالأثر وحسن اختياره وروى الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر قال مهرها في بيت المال ولا يجتمعان
474 قال الثوري وأخبرني أشعث عن الشعبي عن مسروق أن عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان [قال عبد الرزاق عن الثوري بذلك كله] وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني معتمر بن سليمان عن برد عن مكحول قال فرق عمر بينهما وجعل صداقها في بيت المال قال وقال الزهري لم يكن صداقها في بيت المال هو بما أصابها من فرجها قال وحدثني بن علية عن صالح بن مسلم عن الشعبي قال قال عمر يفرق بينهما ويجعل صداقها في بيت المال وقال علي يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها قال وحدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مثل قول علي سواء وهو قول إبراهيم والحكم وجمهور العلماء قال وحدثني بن نمير عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق قال قضى عمر في امرأة تزوجت في عدتها أن يفرق بينهما ما عاشا ويجعل صداقها في بيت المال وقال كان نكاحها حراما وصداقها حراما وقضى فيها علي أن [يفرقهما] وتوفي ما بقي من عدة الزوج الأول ثم تعتد ثلاثة قروء ولها الصداق بما استحل من فرجها ثم أن شاء خطبها بعد ذلك قال أبو عمر [روى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في هذا الخبر قصة عمر وقصة علي ولم يرو عن الشعبي رجوع عمر إلى قول علي لأن الصداق لها بإصابته لها وأنهما يتناكحان بعد تمام العدة أن شاء ورواه غيره عن الشعبي وكان وجه منع عمر أن يتناكحا بعد تمام بعد أن مسها عقوبة وجعل مهرها في بيت المال عقوبة إلا أنه قد روي عنه أنه رجع عن ذلك إلى قول علي على ما ذكرنا وهي السنة في كل من وطئت بشبهة وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني نعيم بن حماد قال أخبرنا بن المبارك قال حدثني أشعث عن الشعبي عن مسروق قال بلغ عمر أن امرأة من قريش تزوجها
475 رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليهما يفرق بينهما وعاقبهما وقال لا ينكحها أبدا وجعل صداقها في بيت المال وفشا ذلك في الناس فبلغ عليا فقال يرحم الله أمير المؤمنين ما قال الصداق وبيت المال إنما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة قيل فما تقول أنت فيهماقال لها الصداق بما استحل من فرجها ويفرق بينهما ولا جلد عليهما وتكمل عدتها من الأول ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة قروء ثم يخطبها أن شاء فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فخطب الناس فقال أيها الناس ردوا الجهالات إلى السنة قال أبو عمر] قد اختلف [العلماء] في العدة [من اثنين] على حسب هذه [القضية] فقال مالك في رواية بن القاسم والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبي يوسف ومحمد إذا وجبت عليها العدة من رجلين فإن عدة واحدة تكون لهما جميعا سواء كانت العدة بالحمل أو بالحيض أو بالشهور وقال الشافعي والحسن بن حي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق تتم بقية عدتها من الأول وتستأنف عدة أخرى من الآخر على ما روي عن علي وعمر - رضي الله عنهما - وهي رواية أهل المدينة عن مالك والحجة لما رواه بن القاسم عن مالك [ومن قال من الفقهاء بذلك] إجماعهم على أن الأول [ينكحها] في بقية العدة منه فدل ذلك على أنها في عدة من الآخر ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه وهذا غير لازم لأن منع الأول من أن ينكحها في بقية عدتها إنما وجب لما يتلوها من عدة الثاني وهما حقان قد وجبا عليها للزوجين كسائر حقوق الآدميين لا يدخل أحدهما في صاحبه [قال أبو عمر] وقد اختلف قول مالك فيمن نكح في العدة عالما بالتحريم فمرة قال العالم [بالتحريم] والجاهل في ذلك سواء لا حد عليه على [ظاهر] خبر عمر وغيره في ذلك والصداق فيه لازم والولد لاحق ولا يعاقبان ولا يتناكحان أبدا ومرة قال العالم بالتحريم كالزاني يحد ولا يلحق به الولد وينكحها بعد الاستبراء والأول عنه أشهر قال مالك الأمر عندنا في المرأة الحرة يتوفى عنها زوجها فتعتد أربعة أشهر
476 وعشرا إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة إذا خافت الحمل قال أبو عمر هذا يدل من قولهم على أن الأربعة الأشهر والعشرة لا تبرىء المتوفى عنها زوجها إلا أن تحيض فيهن أقل شيء حيضة وإنها إن لم تحض مرتابة إلا أن يكون أمر حيضتها بين الحيضتين أكثر من أربعة أشهر وعشر فلا ريبة - حينئذ - بها إلا أن تتهم نفسها بحمل وقول الليث في ذلك كقول مالك وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن حي والشافعي إذا انقضت أربعة أشهر وعشر بغير مخافة منها على نفسها حملا جاز لها النكاح وإن لم تحض قال أبو عمر من قال بأن الحامل تحيض ينكسر قوله في هذه المسألة إن شرط الحمل والله أعلم ((12 - باب نكاح الأمة على الحرة)) 1085 - مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر سئلا عن رجل كانت تحته امرأة حرة فأراد أن ينكح عليها أمة فكرها أن يجمع بينهما 1086 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لا تنكح الأمة على الحرة إلا أن تشاء الحرة فإن طاعت الحرة فلها الثلثان من القسم قال مالك ولا ينبغي لحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولا لحرة ولا يتزوج أمة إذا لم يجد طولا (1) لحرة إلا أن يخشى العنت (2) وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * [النساء 25] وقال * (ذلك لمن خشي العنت منكم) * [النساء 25] قال مالك والعنت هو الزنى قال أبو عمر أما نكاح الأمة لمن عنده حرة فقد اختلف العلماء في ذلك واختلف فيه أيضا قول مالك
477 فقال مالك في رواية بن وهب وغيره عنه لا بأس أن يتزوج الرجل الأمة على الحرة والحرة بالخيار قال وإن تزوج الحرة على الأمة والحرة تعلم فلا خيار لها وإن لم تعلم ثبت الخيار وقال بن القاسم عنه في الأمة [تنكح على الحرة] أرى أن يفرق بينهما ثم رجع فقال تخير الحرة إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت قال وسئل مالك عن رجل تزوج أمة وهو ممن يجد الطول قال أرى أن يفرق بينهما فقيل له إنه يخاف العنت قال والشرط يضر به ثم خففه بعد ذلك قلت فإن كان لا يخشى العنت قال كان يقول مرة ليس له أن يتزوجها وقال عثمان البتي لا [بأس] أن يتزوج الرجل الأمة على الحرة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي لا يجوز لأحد أن يتزوج أمة وعنده حرة [ولا يصح عندهم نكاح الأمة على الحرة ولا فرق بينهم على إذن الحرة وغير إذنها وهو قول سعيد بن المسيب - في رواية - والحسن والزهري قال عطاء جاز أن ينكح الأمة على الحرة إذا رضيت الحرة بذلك ويكون للأمة الثلث من القسمة والثلثان للحرة] وأجاز ذلك مالك كما تقدم عنه إلا أن الحرة بالخيار وأما اختلافهم في نكاح الحرة على الأمة فقد تقدم مالك في ذلك أيضا [وهو قول بن شهاب وأجازه علي - رضي الله عنه] وهو قول سعيد بن المسيب وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وأبو ثور كل هؤلاء يجيزون نكاح الحرة على الأمة ولا يجيز نكاح الأمة على الحرة ذكر أبو بكر قال حدثني عبدة بن سليمان عن يحيى بن سعيد [عن سعيد] بن المسيب قال يتزوج الحرة على الأمة ولا يتزوج الأمة على الحرة ولم يذكر إذن الحرة وقال أحمد [بن حنبل] وإسحاق [بن راهويه] تزويج الحرة على الأمة طلاق للأمة
478 وهو قول بن عباس وإبراهيم النخعي إلا أن إبراهيم قال يفارق الأمة إلا أن يكون [له منها] ولد فإن كان لم يفرق بينهما [وقال مسروق] من كانت تحته أمة فوجد سعة و [نكح حرة] طلقت الأمة وحرمت عليه كالميتة تكون عند المضطر ثم يجد ما يأكل قال أبو عمر قال الله عز وجل * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) * [النساء 25] [يعني الحرائر والمؤمنات] * (فمن ما ملكت أيمانكم) * [النساء 25] يعني ملك اليمين من بعضكم لبعض [فإنه] لا يحل لأحد أن يتزوج أمة عند الجميع * (من فتياتكم المؤمنات) * [النساء 25] يقول من إمائكم المؤمنات وهذا التفسير مما لم يختلف فيه واختلفوا في الطول المذكور في هذه الآية فقال أكثر أهل العلم الطول المال ومعناه ها هنا وجود صداق الحرة في ملكه وممن قال بهذا مالك في بعض أقاويله والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال أحمد بن المعذل قال عبد الملك الطول كلما يقدر به على النكاح من نقد أو عرض أو دين على ما قال وكل ما يمكن بيعه أو إجارته فهو طول قال وليست الزوجة ولا الزوجتان ولا الثلاث طولا قال وقد سمعت ذلك من مالك قال عبد الملك لأن الزوجة لا ينكح بها ولا يصل بها إلى غيرها قال أبو عمر [روي عن بن عباس وجابر وجماعة من السلف أنهم قالوا الطول المال فمن وجد صداق حرة فهو طول واحد أخبرنا سعيد بن نصر وأحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالوا وحدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن طلحة عن بن عباس في قوله * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * [النساء 25] يقول هذا لمن لم تكن له سعة أن ينكح الحرائر فلينكح من إماء المؤمنين ذلك لمن خشي العنت وهو الفجور وليس لأحد من الأحرار أن ينكح أمة إلا أن لا يقدر على حرة ويخشى العنت
479 قال وإن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة وروى سعيد بن عروبة عن خالد بن ميمون عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة أن عبد الله بن مسعود قال إنما أحل الله نكاح الإماء لمن لم يستطع طولا وخشي العنت على نفسه وعن عامر الشعبي والحسن البصري وسعيد بن جبير مثله وقال سعيد بن جبير ما ارتجف نكاح الأمة عن الزنى إلا قليلا قال الله عز وجل * (وإن تصبروا) * [النساء 25] يعني عن نكاح الإماء خير لكم قال أبو عمر] لا يجوز عند الشافعي ومن ذكرنا من السلف وأهل الفتيا بالأمصار لأحد من الأحرار أن يتزوج الأمة الا باجتماع الشرطين اللذين [ذكر الله تعالى] في هذه الآية وهما عدم الطول وخوف العنت فإن تزوجها على غير هذين الشرطين فنكاحها باطل وقالت طائفة جائز لمن خشي العنت أن يتزوج الأمة وإن كان موسرا وقال بعضهم يتزوج التي يخاف على نفسه منها الزنى بها دون غيرها وإن كان موسرا وروى بن المبارك وعبد الرزاق وبن جرير عن عطاء قال لا بأس بنكاح [الأمة إن] خشي على نفسه وإن كان موسرا وروى حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال إن خشي العنت فليتزوجها يعني الحر وإن كان ذا طول قال أبو عمر لا أدري من قول من هو يعني الحر وإن كان ذا طول لأنه قد تقدم عن جابر قول مجمل من وجد صداق حرة أنه يحرم عليه الأمة ولم يذكر العنت وروى شعبة قال سألت الحكم وحمادا عن الرجل يتزوج الأمة قال إذا خشي العنت فلا بأس وهو قول قتادة وإبراهيم والثوري في رواية وقال آخرون جائز أن ينكح الأمة من له طول وحده وإن لم يخف العنت إلا أن تكون عنده حرة
480 فمن كان في عصمته حرة فلا يحل له نكاح أمة هذا قول أبي حنيفة وأصحابه وطائفة من السلف والطول عندهم وجود حرة في عصمته فإن كانت [تحته] حرة حرم عليه نكاح الإماء [وإن لم تكن عنده حرة لم يحرم عليه نكاح الإماء] وإن كان غنيا وقال آخرون جائز نكاح الإماء على كل حال لقوله عز وجل * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * [النساء 3] يعني ما حل وقد أحل الله نكاح الإماء والكتابيات وذكر عبد الرزاق [عن الثوري] عن ليث عن مجاهد في الذي ينكح الأمة قال هو مما وسع الله به على هذه الأمة نكاح الأمة والنصرانية وإن كان موسرا قال وبه يأخذ سفيان ويقول لا بأس بنكاح الأمة وذلك أني سألته عن نكاح الأمة فحدثني عن بن أبي ليلى عن المنهال عن عباد بن عبد الله عن علي - [رضي الله عنه] - قال إذا نكحت [الحرة على الأمة] كان للحرة يومان وللأمة يوم قال ولم ير به علي بأسا قال أبو عمر من أجاز نكاح الأمة لواجد الطول على حرة قال شرط الله تعالى في نكاح الإماء عدم الطول وخوف العنت وهو كشرطه عدم الخوف من الجور في إباحة الأربع من الحرائر وقوله [تعالى] * (ومن لم يستطع منكم طولا) * [النساء 25] إلى قوله * (لمن خشي العنت منكم) * [النساء 25] كقوله عز وجل * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) * [النساء 3] وقد اتفق [الجميع] على أن للحر أن يتزوج أربعا وإن خاف ألا يعدل قالوا فكذلك له تزوج الأمة وإن كان واجدا للطول غير خائف للعنت قال أبو عمر ليس هذا بصحيح لأن الله عز وجل قد شرط عدم الاستطاعة في مواضع من كتابه فلم يختلفوا أن ذلك لا يجوز إلا على شرط الله تعالى مثل قوله في آية الظهار * (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) * [المجادلة 4] فلم يختلفوا أن الإطعام لا يجوز لمستطيع الصيام وكذلك قوله * (فمن لم يجد فصيام شهرين) * [النساء 4] في القتل وفي كفارة
481 اليمين * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) * [المائدة 89] ولم يختلف [علماء المسلمين] أن ذلك لا يجوز إلا لمن [لم يجد] ما ذكر الله وجوده في الآيتين وأما شرط الخوف في نكاح الأربع فهو أشبه الأشياء بشرط الخوف في القصر بالسفر وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم القصر للآمن وكذلك بين نكاح الأربع للحر مع الخوف ألا يعدل لأن خوفه ليس بيقين والقول في هذا يطول وفيما لوحنا به كفاية - إن شاء الله تعالى واختلف العلماء فيما يجوز للحر الذي لا يجد الطول ويخشى العنت من نكاح الإماء فقال مالك إذا كان ذلك جاز له أن ينكح من الإماء [أربعا وهو قول أبي حنيفة وبن شهاب والزهري والحارث العكلي وقال حماد بن أبي سليمان ليس له أن ينكح من الإماء أكثر من اثنتين وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق ليس له أن ينكح من الإماء] إلا واحدة وهو قول بن عباس ومسروق وجماعة [وبالله التوفيق] ((13 - باب ما جاء في الرجل يملك امرأته وقد كانت تحته ففارقها)) 1087 - مالك عن بن شهاب عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن ثابت أنه كان يقول في الرجل يطلق الأمة ثلاثا ثم يشتريها إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره قال أبو عمر اختلف العلماء في [أسم أبي عبد الرحمن - شيخ بن شهاب - في هذا الخبر فقيل سليمان بن يسار وهو عندي بعيد لأن سليمان بن يسار ليس عند بن شهاب ممن يستر اسمه ويكنى عنه لجلالته عنده ويدلك على ذلك أنه [قد] صرح باسمه في أحاديث كثيرة حدث بها عنه
482 وممن قال أنه سليمان [بن يسار] وكيع بن الجراح وروي هذا [الحديث عن مالك] عن بن شهاب عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن ثابت ثم قال وكيع أبو عبد الرحمن هو سليمان بن يسار وقيل هو أبو الزناد وهذا أبعد [أيضا] لأن أبا الزناد لم يرو عن زيد بن ثابت ولا رآه وإنما يروي الفرائض وغيرها عن خارجة ابنه وما يروي بن شهاب عن كبار الموالي إلا قليلا عن الجلة منهم فكيف يروي عن أبي الزناد وهو من صغارهم عنده وقيل هو طاوس وهذا عندي قريب وأولى بالحق وإنما كتم أسمه مع فضله وجلالته لأن طاوس كان يطعن على بني أمية وربما دعا عليهم في بعض مجالسه فكان يذهب فيهم مذهب بن عباس شيخه وكان بن شهاب يدخل عليهم ويقبل جوائزهم وقد سئل بن شهاب في مجلس هشام أتروي عن طاوس فقال لسائله أما إنك لو رأيت طاوس لعلمت أنه لا يكذب ولا يجد ولم يجبه بأنه يروي عنه أو لا يروي عنه فهذا كله دليل على أن أبا عبد الرحمن المذكور في هذا الحديث طاوس [والله تعالى أعلم] 1088 - مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا عن رجل زوج عبدا له جارية فطلقها العبد البتة (1) ثم وهبها سيدها له هل تحل له بملك اليمين فقالا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره 1089 - مالك أنه سأل بن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها وقد كان طلقها واحدة فقال تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها فإن بت طلاقها فلا تحل له بملك يمينه حتى تنكح زوجا غيره قال أبو عمر قال الله عز وجل * (فإن طلقها) * - يعني الثالثة - * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * [البقرة 230] فلم يجعلها حلالا إلا بنكاح الزوج لها لا بملك يمينه
483 وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وكان بن عباس وعطاء والحسن يقولون إذا اشتراها الذي بت طلاقها حلت له بملك اليمين على عموم قوله - عز وجل * (أو ما ملكت أيمانكم) * [النساء 25] قال أبو عمر هذا خطأ من القول لأن قوله تعالى * (أو ما ملكت أيمانكم) * [النساء 25] لا يبيح الأمهات ولا الأخوات ولا البنات فكذلك سائر المحرمات وقال عطاء لو اشتراها الزوج فأصابها ثم أعتقها جاز له نكاحها ولو لم يصبها بعد ما اشتراها حتى أعتقها لم تحل له وروي مثل [ذلك ومثل] هذا عن زيد بن ثابت وروي عن زيد من وجوه أنها لا تحل [بحال] حتى تنكح زوجا غيره وهو الصحيح عنه وأما وطء السيد لأمته التي قد بت طلاقها زوجها فقد اختلف الصحابة ومن بعدهم هل يحلها ذلك الوطء لزوجها أم لا فروي عن علي - [رضي الله عنه] - [أنه سئل] عن الأمة يبتها زوجها ثم يطأها سيدها هل يحل لزوجها أن يراجعها فقال ليس بزوج [ذكر] بن أبي شيبة وعبد الرزاق قالا حدثني هشيم عن خالد الحذاء عن مروان الأصفر عن أبي رافع ان عثمان بن عفان سئل عن ذلك وعنده علي وزيد [قال] فرخص في ذلك عثمان وزيد قالا هو زوج فقام علي مغضبا كرها لما قالا وقال ليس بزوج [ليس بزوج] قال وحدثني هشيم عن خالد عن أبي معشر عن إبراهيم أن عليا قال ليس بزوج - يعني السيد وهو قول عبيدة ومسروق والشعبي وإبراهيم وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وأبي الزناد وعليه جماعة فقهاء الأمصار وروي عن عثمان وزيد بن ثابت والزبير خلاف ذلك وقد تقدم حديث عثمان وزيد
484 روى هشيم أيضا عن يونس عن الحسن عن زيد بن ثابت قال هو زوج إذا لم يرد الإحلال قال بن أبي شيبة وحدثني عبدة [عن سعيد] عن قتادة عن الحسن أن زيد بن ثابت والزبير بن العوام كانا لا يريان بأسا إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين وهي أمه ثم غشيها سيدها غشيانا لا يريد بذلك مخالفة ولا إحلالا أن ترجع إلى زوجها بخطبة وصداق قال أبو عمر هذا يحتمل أن يكون الزوج عبدا فيكونا ممن يرى الطلاق بالرجال أو يكون حرا فيكون على مذهب من قال الطلاق بالنساء قال مالك في [الرجل] ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها إنها لا تكون أم ولد له بذلك الولد الذي ولدت منه وهي لغيره حتى تلد منه وهي في ملكه بعد ابتياعه إياها قال مالك وإن اشتراها وهي حامل منه ثم وضعت عنده كانت أم ولده بذلك الحمل فيما نرى والله أعلم قال أبو عمر لأئمة الفتوى في هذه المسألة ثلاثة أقوال أحدها قول مالك تلخيصه إن ملكها وهي حامل [منه] صارت أم ولد [له] وإن ملكها بعد ما ولدت لم [تكن أم ولد] وهو قول الليث وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا تزوج أمه فولدت منه ثم ملكها صارت أم ولد وقال الشافعي لا تكون أم [ولد] وإن ملكها حاملا حتى تحمل منه في ملكه ونحوه قول الثوري وأبي ثور وأحمد وإسحاق قال أبو عمر إنما تكون الأمة أم ولد إذا ولدت من يكون تبعا لأبيه وذلك لا يكون إذا كانت ملكا لغيره موطوءة بنكاح فإذا وطئت بملك يمين كان ولدها تبعا لأبيه وصارت بذلك أم ولد وأما إذا ولدت وهي أمة فولدها غير تبع لها فكيف تكون له أم ولد وهذا واضح - إن شاء الله تعالى
485 ((14 - باب ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين والمرأة وابنتها)) 1090 - مالك عن بن شهاب [عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه] أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى فقال عمر ما أحب أن أخبرهما (1) جميعا ونهى عن ذلك قال أبو عمر معنى قوله إن أخبرهما يريد أطأهما جميعا بملك [يمين] [ومنه قيل للحراث الخبير] ومنه قيل للمزارعة مخابرة وقال الله عز وجل * (نساؤكم حرث لكم) * [البقرة 223] وقد روي عن بن عباس نحو قول عمر ذكره سنيد قال حدثني أبو الأحوص عن طارق بن عبد الرحمن عن قيس قال قلت لابن عباس أيقع الرجل على المرأة وابنتها [مملوكتين له] قال أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وابنتها من ملك اليمين لأن الله - تبارك وتعالى - حرم ذلك في النكاح لقوله تعالى * (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم) * [النساء 23] وملك اليمين عندهم [تبع] النكاح إلا ما روي عن عمر وبن عباس في ذلك وليس عليه أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم 1091 - مالك عن بن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما فقال عثمان أحلتهما آية وحرمتهما آية فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك قال فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن
486 ذلك فقال لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا (1) قال بن شهاب أراه علي بن أبي طالب 1092 - مالك أنه بلغه عن الزبير بن العوام مثل ذلك قال أبو عمر وأما قوله أحلتهما آية [وحرمتهما آية] فإنه يريد تحليل الوطء بملك اليمين مطلقا في غير ما آية من كتابه [وأما قوله وحرمتهما آية فإنه أراد عموم قوله - عز وجل * (وأمهات نسائكم وربائبكم) * [النساء 23] وقوله * (وأن تجمعوا بين الأختين) * [النساء 23] ولم يخص وطئا بنكاح ولا ملك يمين فلا يحل الجمع بين المرأة وابنتها ولا بين الأختين بملك اليمين وقد روي مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم بن عباس ولكن اختلف عليهم ولا يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز ولا بالعراق وما وراءهما من المشرق ولا بالشام ولا المغرب إلا من شذ عن جماعتهم لاتباع الظاهر وبقي القياس وقد ترك من تعمد ذلك ظاهرا مجتمعا عليه وجماعة الفقهاء متفقون أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح وقد أجمع المسلمون على أن معنى قول الله عز وجل * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * [النساء 23] إن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء فكذلك يجب أن يكون قياسا ونظرا الجمع بين الأختين [والأمهات] والربائب فكذلك هو عند الجمهور وهم الحجة المحجوج بها [على] من خالفهم وشذ عنهم والحمد لله وأما كناية قبيصة بن ذؤيب عن علي برجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلصحبته عبد الملك بن مروان واشتغال بني أمية للسماع بذكره ولا سيما فيما خالف فيه عثمان رضوان الله عليهما
487 وأما قول علي لو أن الأمر إلي لجعلته نكالا ولم يقل لحددته حد الزاني فلان من تأول آية أو سنة ولم يطأ عند نفسه حراما فليس بزان بإجماع وإن كان مخطئا إلا أن يدعي في ذلك ما لا يعذر بجهله وقول بعض السلف في الجمع بين الأختين بملك اليمين أحلتهما آية وحرمتهما آية معلوم محفوظ فكيف يحد حد الزاني من فعل ما فيه مثل هذا من الشبهة القوية [وبالله التوفيق [حدثني خلف بن أحمد أن أحمد بن مطرف حدثهم قال حدثني أيوب بن سليمان ومحمد بن عمر بن لبابة قالا حدثني أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم قال حدثني أبو عبد الرحمن المقرئ عن موسى بن أيوب الغافقي قال حدثني عمي إياس بن عامر قال سألت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه فقلت له إن لي أختين مما ملكت يميني أتخذت إحداهما سرية فولدت لي أولادا ثم رغبت في الأخرى فما أصنع فقال علي تعتق التي كنت تطأها ثم تطأ الأخرى قلت فإن ناسا يقولون ثم تزوجها ثم تطأ الأخرى فقال علي أرأيت إن طلقها زوجها أو مات عنها أليست ترجع إليك لأن تعتقها اسلم لك ثم أخذ علي بيدي فقال لي إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر إلا [العدد أو قال] الأربع ويحرم عليك من الرضاعة [مثل] ما يحرم عليك [في كتاب الله] من النسب قال أبو عمر في هذا الحديث رحلة لو لم يصب [الراجل] من أقصى المغرب إلى المشرق إلى مكة غيره لما خابت رحلته وروى أحمد بن حنبل قال حدثني محمد بن مسلمة عن هشام عن بن سيرين عن بن مسعود قال [يحرم] من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد وعن بن سيرين والشعبي مثل ذلك قال مالك في الأمة تكون عند الرجل فيصيبها ثم يريد أن يصيب أختها إنها لا تحل له حتى يحرم عليه فرج أختها بنكاح أو عتاقة أو كتابة أو ما أشبه ذلك يزوجها عبده أو غير عبده قال أبو عمر أما إذا حرم فرجها ببيع أو عتق فلا خلاف أنه يطأ الأخرى لأن العتق لا يتصرف فيه بحال والبيع لا يرجع [إليه] إلا بفعله [وأما الكتابة فقد تعجز فترجع إليه بغير فعله
488 وكذلك في التزويج ترجع إليه بفعل غيره وهو الطلاق لا بفعله] وقول مالك حسن لأنه تحريم صحيح في الحال ولا تلزم مراعاة المال وحسبه إذا حرم فرجها عليه ببيع أو بتزويج لأنه في التزويج قد ملك فرجها غيره وحرمت عليه في الحال وأما قول الثوري والكوفيين في ذلك فقال الثوري إن وطئ إحدى أمتيه لم يطأ الأخرى فإن باع الأولى أو زوجها [ثم رجعت إليه] أمسك عن الأخرى وهو قول أبي حنيفة وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز أن يتزوج أخت أم ولده ولا يطأ التي يتزوج حتى يحرم فرج [أم ولده] ويملكه غيره فإن زوجها ثم عادت إليه بفرقة زوجها لها وطئ الزوجة ما دامت أختها في العدة فأما بعد [انقضاء العدة] فلا يطأ امرأته حتى يملك فرج أم الولد وغيره وقال مالك من كانت عنده جارية يطأها فاشترى أختها فله أن يقيم على وطء الأولى ولا يطأ الثانية حتى تحرم الأولى وكذلك لو ملك الأختين معا وطئ إحداهما [ثم] لم يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي كان يطأ وقال مالك إن تزوج أخت أم ولده لم يعجبني ولم أفرق بينهما ولكنه لا يطأ واحدة منهما حتى يحرم أيتهما شاء قال مالك لو كانت له أمة يطأها فباعها ثم تزوج أختها فلم يدخل بها حتى اشترى أختها التي كان يطأها [فباعها] فإن له أن يطأ امرأته لأن هذا ملك ثان قال أبو عمر لا يطأها في قول الكوفيين وهو معنى ما روي عن علي - رضي الله عنه - [قالوا] لأن الملك الذي منع وطء الزوجة في الابتداء موجود فلا فرق بين عودتها إليه وبين بقائها بدءا في ملكه قال مالك إذا زوج أم ولده ثم اشترى أختها فإن له أن يطأها فإن رجعت إليه أم ولده فله أن يطأ الأمة التي عنده ويمسك [عن] أم ولده وقال الأوزاعي إذا وطئ جارية له بملك اليمين لم يجز له أن يتزوج أختها وقال الشافعي ملك اليمين لا يمنع نكاح الأخت
489 قال أبو عمر لم [يختلفوا] فيمن كانت [له] أمة له يطأها بملك يمينه أن له أن يشتري أختها فيطأها حتى تحرم التي كان يطأ واختلفوا في [عقدة] النكاح على [أخت] الجارية التي توطأ بملك اليمين فمن جعل عقد النكاح كالشراء أجازه ومن جعله كالوطء لم يجزه وقد أجمعوا أنه لا يجوز العقد على أخت الزوجة لقول الله - عز وجل * (وأن تجمعوا بين الأختين) * [النساء 23] يعني الزوجتين بعقد النكاح فقف على ما أجمعوا عليه واختلفوا [فيه] من هذا الباب بين لك الصواب إن شاء الله ((15 - باب النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه)) 1093 - مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وهب لابنه جارية فقال لا تمسها فإني قد كاشفتها (1) مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه قال وهب سالم بن عبد الله لابنه جارية فقال لا تقربها فإني قد أردتها (2) فلم أنشط إليها (3) 1094 - وعن يحيى بن سعيد [أن أبا نهشل بن الأسود قال للقاسم بن محمد إنتي رأيت جارية لي منكشفا عنها وهي في القمر فجلست منها مجلس الرجل من امرأته فقالت إني حائض فقمت فلم أقربها بعد أفأهبها لابني يطؤها فنهاه القاسم عن ذلك] 1095 - مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الملك بن مروان [أنه وهب لصاحب له جارية ثم سأله عنها فقال قد هممت أن أهبها لابني فيفعل بها كذا وكذا فقال عبد الملك لمروان كان أورع منك وهب لأبنه جارية ثم قال لاتقربها فإني قد رأيت ساقها منكشفة] قال أبو عمر أعلى ما في هذا المعنى ما أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن
490 محمد بن عبد المؤمن قال حدثني [عبد المؤمن بن] محمد بن عثمان بن ثابت قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني بن عيينة قال حدثني يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول أن عمر جرد جارية فنظر إليها ثم نهى ولده أن يقربها وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عبد الله وعبد الرحمن ابني عامر بن ربيعة ان عامر بن ربيعة - وكان بدريا - نهاهما عن جارية له أن يقرباها قالا وما علمناه كان منه إليها شيء إلا أن يكون أطلع منها مطلعا كره أن يطلعه أحدهما وعن الثوري عن بن أبي ليلى عن الحكم أن مسروقا قال في جارية له إني لم أصب منها إلا ما [حرم علي] ولدي من اللمس والنظر وعن الثوري [عن معمر] عن عاصم بن [سليمان] عن الشعبي عن مسروق أنه قال [لبنيه] في أمة له قد نظرت منها منظرا وقعدت منها مقعدا لا أحب أن تقعدوا [منها] مقعدي ولا تنظروا منظري وعن مجاهد وإبراهيم والقاسم التحريم باللمس والقبل ووضع اليد على الفرج والنظر إليه وعن معمر عن قتادة والحسن قالا لا يحرمها إلا الوطء قال أبو عمر قد اختلف عن قتادة في ذلك ولم يختلف عن الحسن [فيما علمت] والله أعلم ذكر بن أبي شيبة قال حدثني محمد بن يزيد عن أبي العلاء وقتادة وأبي هاشم قالا في الرجل يقبل أم امرأته أو ابنتها حرمت عليه امرأته قال وحدثني عبد الأعلى عن هشام عن الحسن في الرجل يقبل المرأة أو يلمسها أو يأتيها في غير فرجها إن شاء تزوجها وتزوج أمها إن شاء وإن شاء ابنتها واتفق مالك والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والليث أن اللمس لشهوة يحرم الأم والابنة فيحرمها على الأب والابن وهو أحد قولي الشافعي وهو الأكثر عنه وله قول آخر أنه لا يحرمها إلا الوطء
491 وبه قال داود واختاره المزني من قولي الشافعي واختلفوا في النظر فقال مالك إذا نظر إلى شعر [جاريته] [أو صدرها] أو ساقها أو شيء من محاسنها تلذذا حرمت عليه [أمها] وقال بن أبي ليلى [والشافعي] لا تحرم بالنظر حتى يلمس وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا نظر [في الفرج بشهوة كان بمنزلة اللمس بشهوة وقال الثوري إذا نظر] إلى فرجها متعمدا ولم يذكر الشهوة قال أبو عمر حرم الله - عز وجل - على الأباء حلائل أبنائهم وحرم على الأبناء ما نكح آباؤهم من النساء وحرم أمهات النساء والربائب المدخول بأمهاتهن وأجمعوا أن ذلك كله أريد به الوطأ مع العقد في الزوجات واختلفوا في العقد دون الوطء وفي الوطء دون العقد على ما قد ذكرناه والحمد لله وملك اليمين في ذلك كله تبع للنكاح وجاء عن جمهور السلف انهم كرهوا من اللمس والقبل والكشف ونحو ذلك ما كرهوا من الوطء ورعا ودينا ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ومن رعى حول الحمى لم يؤمن عليه أن يرتع فيه ((16 - باب النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب)) قال مالك لا يحل نكاح أمة يهودية ولا نصرانية لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه * (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * [المائدة 5] فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات وقال الله تبارك وتعالى * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم) * [النساء 25] فهن المؤمنات قال مالك فإنما أحل الله فيما نرى نكاح الإماء المؤمنات ولم يحلل نكاح إماء أهل الكتاب اليهودية والنصرانية قال مالك والأمة اليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين
492 ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين قال أبو عمر قد أوضح به - مالك رحمه الله - في هذا الكتاب بما احتج به نصوص الكتاب وعلى ما ذهب إليه من ذلك جمهور [أهل العلم] وقد ذكرنا أنه تفسير بن عباس من [رواية] علي بن أبي طلحة وغيره عنه قال بن عباس من لم يكن له سعة أن ينكح الحرائر فلينكح من إماء المؤمنين وكذلك قال بن أبي نجيح [عن مجاهد من لم يستطع أن ينكح المرأة المؤمنة فلينكح الأمة المؤمنة] وقال لا ينبغي للحر المسلم أن ينكح المملوكة من [إماء] أهل الكتاب لأن الله تعالى يقول * (من فتياتكم المؤمنات) * [النساء 25] وقال يزيد بن ذريع عن يونس عن الحسن إنما رخص الله في الأمة المؤمنة قال الله عز وجل * (من فتياتكم المؤمنات) * لمن لم يجد طولا وهذا قول بن شهاب [الزهري] ومكحول [وسفيان] الثوري [والأوزاعي ومالك والليث وأحمد وإسحاق إلا أن الثوري قال لا أكره الأمة الكتابية ولا أحرمه] وأما مالك والشافعي والليث والأوزاعي فقالوا لا يجوز لحر ولا لعبد مسلم نكاح أمة كتابية وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بنكاح إماء أهل الكتاب لأن الله تعالى قد أحل الحرائر منهن والإماء تبع لهن وروي عن أبي يوسف أنه قال أكره نكاح الأمة الكتابية إذا كان مولاها كافرا والنكاح جائز وقال محمد بن الحسن يجوز نكاحها للعبد قال أبو عمر لا أعلم لهم سلفا في قولهم هذا إلا أبا ميسرة عمرو بن شرحبيل فإنه قال إماء أهل الكتاب بمنزلة الحرائر منهن ولهم في ذلك أحتجاجات من المقايسات عليهم مثلها سوى ظاهر النص وبالله التوفيق وأما قوله الأمة اليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين فعلى هذا جمهور أهل العلم على عموم قول الله - عز وجل * (أو ما ملكت أيمانكم) * [النساء
493 وجاء عن الحسن البصري أنه كره وطء الأمة اليهودية والنصرانية بملك اليمين وهذا شذوذ عن الجماعة التي هي الحجة على من خالفها وأما قوله ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين فهذا أيضا قول جمهور [أهل] العلم ولم يختلف فيه فقهاء [أهل] الأمصار من أهل الرأي والآثار وروي عن مجاهد وطاوس في ذلك رخصة وهو قول شاذ مهجور وقد روى وكيع وغيره عن الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل منه ومن أبى ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة وروى سفيان الثوري عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال لا بأس به فقلت فإن الله تعالى يقول * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * [البقرة 221] قال أهل الأوثان والمجوس وذكر سنيد قال حدثني جرير عن موسى بن أبي عائشة قال سألت سعيد بن جبير ومرة الهمداني قلت أناس يشترون المجوسيات فيقع أحدهم عليها قبل أن تسلم فقال مرة ما يصلح هذا وقال سعيد ما يجوز منهن إذا فعلوا ذلك فكان سعيد أشدهما قولا قال وحدثني جرير عن مغيرة عن حماد عن إبراهيم قال إذا سبيت اليهوديات والنصرانيات أجبرن على الإسلام [فإن أسلمن وطئن واستخدمن إن لم يسلمن استخدمن] وإذا سبيت المجوسيات وعبدة الأوثان يجبرن على الإسلام فإن أسلمن وطئن واستخدمن وإن لم يسلمن استخدمن و [إن] لم يوطأن وقال هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا سبيت المجوسية والوثنية فلا توطأ حتى تسلم وإن أبين أكرهن وقال الأوزاعي سألت الزهري عن الرجل يشتري المجوسية أيطأها فقال إذا شهدت أن لا إله إلا الله وطئها
494 وروى شريك عن سماك بن حرب عن أبي سلمة بن [أبي] عبد الرحمن قال لا يطأها حتى تسلم [وقال الليث بن يونس عن بن شهاب قال لا يحل له أن يطأها حتى تسلم] قال أبو عمر قد أجمعوا أنه لا يجوز لمسلم نكاح مجوسية ولا وثنية ولا خلاف بين العلماء في ذلك وإذا كان حراما بإجماع نكاحها فكذلك وطؤها بملك اليمين قياسا ونظرا فإن قيل إنكم تجيزون وطء الأمة الكتابية بملك اليمين ولا تجيزون نكاحها قيل إن الله تعالى نص على الفتيات المؤمنات عند عدم الطول إلى المحصنات فماذا بعد قول الله تعالى قال أبو عمر قول بن شهاب - وهو أعلم الناس بالمغازي والسير - دليل على فساد قول من زعم أن سبي أوطاس وطئن ولم يسلمن وروي [ذلك] عن طائفة منهم عطاء وعمرو بن دينار قال لا بأس بوطء الأمة المجوسية وهذا لم يلتفت إليه أحد من الفقهاء بالأمصار وقد جاء عن الحسن البصري - وهو ممن لم يكن غزوه ولا غزو أهل ناحيته إلا الفرس وما [ورائهم] [من خرسان] ولم يكن أحد منهم أهل كتاب - ما يبين لك كيف كانت السيرة في [نسائهم] إذا سبين أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني إبراهيم بن [أحمد] بن فراس قال حدثني علي بن عبد العزيز [قال حدثني أبو عبيد] قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن قال قال له رجل يا أبا سعيد كيف كنتم تصنعون إذا سبيتموهن قال [كنا] نوجهها إلى القبلة ونأمرها أن تسلم وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم نأمرها أن تغتسل فإذا أراد صاحبها أن يصيبها لم يصبها حتى يستبرئها وعلى هذا تأويل جماعة العلماء في قول الله - عز وجل * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * [البقرة 221] إنهن الوثنيات والمجوسيات لأن الله تعالى قد أحل الكتابيات بقوله تعالى * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * [المائدة 5] يعني العفائف لا من شهر زناها من المسلمات ومنهم من كره نكاحها ووطئها بملك
495 اليمين ما لم يكن منهن توبة لما في ذلك من إفساد النسب وسيأتي [ذكر] نكاح الزانية في موضعه [إن] شاء الله - عز وجل وقد كان بن عمر يكره نكاح الكتابيات ويحمل قوله تعالى * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * [البقرة 221] على كل كافرة ويقول لا أعلم شركا أكبر من قولهن المسيح بن الله وعزير بن الله وهذا قول شذ فيه بن عمر عن جماعة الصحابة - رضوان الله عليهم - وخالف ظاهر قول الله - عز وجل * (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * [المائدة 5] ولم يلتفت أحد من علماء الأمصار - قديما وحديثا - إلى قوله ذلك لأن إحدى الآيتين ليست بأولى بالاستعمال من الأخرى ولا سبيل إلى نسخ إحداهما بالأخرى ما كان إلى استعمالهما سبيل فآية سورة البقرة عند العلماء في الوثنيات والمجوسيات وآية المائدة في الكتابيات وقد تزوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة الكلبية نصرانية [وتزوج طلحة بن عبد الله يهودية] وتزوج حذيفة يهودية وعنده حرتان مسلمتان عربيتان ولا أعلم خلافا في نكاح الكتابيات الحرائر بعد ما ذكرنا إذا لم تكن من نساء أهل الحرب فإن كن حربيات فأكثر [أهل العلم] على كراهية نكاحهن لأن المقام له ولذريته بدار الحرب حرام عليه ومن تزوج بدار الحرب فقد رضي المقام بها أخبرنا أحمد بن قاسم وأحمد بن محمد قالا [حدثنا محمد بن نصر قال] حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن المسعودي عن الحكم بن عتبة قال قلت لإبراهيم أتعلم شيئا من نساء أهل الكتاب حراما قال لا قال الحكم وقد كنت سمعت من أبي عياض أن نساء أهل الكتاب محرم نكاحهن في بلادهن فذكرت ذلك لإبراهيم فصدق به وأعجبه قال أبو عمر أبو عياض هذا من كبار التابعين وفقهائهم أدرك عمر بن الخطاب فكان يروي عن أبي هريرة وبن عباس ويفتي في حياتهما ويستفتى في خلافة معاوية
496 قيل أسمه قيس بن ثعلبة واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي إن نكاح الحربيات في دار الحرب حلال إلا أنهم يكرهون ذلك من أجل الولد والنساء وقال سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعروة بن الزبير في المرأة من أهل الكتاب حربية تدخل أرض العرب لا تنكح إلا أن تظهر السكنى بأرض العرب قبل أن تخطب [وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل] ((17 - باب ما جاء في الإحصان)) قال أبو عمر هكذا ترجمة هذا الباب في جميع الموطآت فيما علمت ونذكر هنا من الإحصان ما فيه كفاية ونزيده بيانا في الحدود - إن شاء الله تعالى 1096 - مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال المحصنات من النساء هن أولات الأزواج ويرجع ذلك إلى أن الله حرم الزنى قال أبو عمر للعلماء في تأويل هذه الآية ثلاثة أقوال أحدها أن المحصنات في الآية ذوات الأزواج من السبايا خاصة وإن هذه الآية نزلت في السبايا اللاتي لهن أزواج في بلادهن سبين [معهم] أو دونهم وأكثر العلماء على أن السبي يقطع العصمة بينهم روي ذلك عن علي وبن عباس وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وبن مسعود وأبي سعيد الخدري - رضوان الله عليهم وروي ذلك عن أبي سعيد الخدري سندا ذكره بن أبي شيبة قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة أن أبا علقمة الهاشمي حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية فأصابوا حيا من العرب يوم أوطاس فهزموهم وقتلوهم وأصابوا لهم نساء لهن أزواج وكان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تأثموا من غشيانهن من [أجل] أزواجهن فأنزل الله تعالى * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * [النساء 24] يعني
497 منهن فحلال لكم فاقتصرت طائفة من السلف والخلف في تأويل هذه الآية على السبايا ذوات الأزواج خاصة اللائي فيهن نزلت الآية وقالوا ليس بيع الأمة طلاقها لأن الآية في السبايا خاصة وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه [والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو الصواب والحق إن شاء الله تعالى وفي الحديث (قول أول) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرها ولو كان بيع الأمة طلاقها ما خبرت والقول الثاني أن المحصنات في الآية كل أمة ذات زوج وسبيها طلاق لها وتحل فليشتريها بملك اليمين على ظاهر قول الله - عز وجل * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * [النساء 24] قالوا فكل من ملك أمة فهي له حلال على ظاهر الكتاب ذات زوج كانت أو غير ذات زوج وإن كان ذلك كذلك فلا بد وأن يكون بيع الأمة طلاقا لها لأن الفرج يحرم على اثنين في حال واحدة على اتفاق من علماء المسلمين ويجتمع في هذا القول من قال بالقول الأول ومن قال إن بيع الأمة طلاقها وممن قال بذلك بن مسعود ومالك وبن عباس وإسحاق وأبي بن كعب - رضي الله عنهم ذكر أبو بكر قال حدثني أبو معاوية وأبو أسامة عن الأعمش عن إبراهيم قال عبد الله بيع الأمة طلاقها قال وحدثني أبو أسامة عن الأشعث عن الحسن وعن سعيد عن قتادة عن بن عباس وجابر وأنس قالوا بيع الأمة طلاقها وهو قول سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن ومجاهد وعكرمة وستأتي هذه المسألة في كتاب البيوع - إن شاء الله عز وجل] وروى الثوري عن حماد عن إبراهيم قال قال بن مسعود في قوله تعالى * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * [النساء 24] قال ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين [وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ذوات الأزواج من المشركين] والقول الثالث [أن المحصنات] في الآية وإن كن ذوات الأزواج فإنه يدخل في ذلك كل محصنة عفيفة ذات زوج وغير ذات زوج
498 وهو [معنى] قول سعيد بن المسيب ويرجع ذلك إلى أن الله تعالى حرم الزنى وكان هؤلاء قد جعلوا النكاح وملك اليمين سواء ومعنى قوله تعالى في الآية عندهم * (إلا ما ملكت أيمانكم) * [النساء 24] يعني تملكون عصمتهن بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء فكأنهن كلهن ملك يمين وما عدا ذلك فزنا وروى معمر عن أيوب [عن بن سيرين عن عبيدة قال أحل الله تعالى أربعا في أول السورة وحرم نكاح المحصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك بالنكاح وبالشراء وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه] في قوله تعالى * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * [النساء 24] قال زوجتك مما ملكت يمينك ويقول حرم الله الزنى فلا يحل لك أن تطأ [امرأة] إلا ما ملكت يمينك وروي مثله عن جابر بن زيد وعكرمة ومجاهد وعطاء والشعبي 1097 - مالك عن بن شهاب وبلغه عن القاسم بن محمد أنهما كانا يقولان إذا نكح الحر الأمة فمسها فقد أحصنت قال مالك وكل من أدركت كان يقول ذلك تحصن الأمة الحر إذا نكحها فمسها [فقد أحصنته] قال مالك يحصن العبد الحرة إذا مسها بنكاح ولا تحصن الحرة العبد إلا أن يعتق وهو زوجها فيمسها بعد عتقه فإن فارقها قبل أن يعتق فليس بمحصن حتى يتزوج بعد عتقه ويمس امرأته قال مالك والأمة إذا كانت تحت الحر ثم فارقها قبل أن تعتق فإنه لا يحصنها نكاحه إياها وهي أمة حتى تنكح بعد عتقها ويصيبها زوجها فذلك إحصانها] والأمة إذا كانت تحت الحر فتعتق وهي تحته قبل أن يفارقها فإنه يحصنها إذا عتقت وهي عنده إذا هو أصابها بعد أن تعتق وقال مالك والحرة النصرانية واليهودية والأمة المسلمة يحصن الحر المسلم إذا نكح إحداهن فأصابها
499 قال أبو عمر [مذهب مالك وأصله في هذا الباب أن كل حر جامع جماعا مباحا بنكاح وكان بالغا فهو يحصن وسواء كانت زوجته مسلمة أو ذمية حرة أو أمة وكذلك كل حرة مسلمة بالغ جومعت بنكاح صحيح نكاحا مباحا فهي تحصنه وزوجها كان زوجها حرا أو عبدا ولا يقع الإحصان ولا يثبت لكافر ولا لعبد ذكر ولا أنثى وليس نكاح الحر للأمة إحصانا للأمة ولا نكاح الذمي للذمية إحصانا عنده وسيأتي ذكر مذهبه ومذهب غيره في رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين في كتاب الحدود - إن شاء الله تعالى والوطء المحظور والنكاح الفاسد لا يقع به إحصان والصغيرة تحصن الكبير عنده والأمة تحصن الحر والذمية تحصن المسلم ولا يحصن الكبير الصغيرة ولا الحر الأمة ولا المسلم الكافرة ولا يقع الإحصان إلا بتمام الإيلاج في الفرج أقله مجاوزة الختان الختان فهذا مذهب مالك وأصحابه وحد الحصانة التي توجب الرجم في مذهبه أن يكون الزاني حرا مسلما بالغا عاقلا قد وطئ وطئا مباحا في عقد صحيح ولا خلاف بين العلماء أن عقد النكاح لا يثبت به إحصان حتى يجامعهم الوطء الموجب الغسل والحد وقال مالك إذا تزوجت المرأة خصيا ولم يعلم بوطئها ثم علمت أنه خصي فلها أن تختار فراقه ولا يكون ذلك الوطء إحصانها وقال الثوري لا يحصن الحر المسلم بأمة ولا بكافرة وقال الشافعي إذا دخل بامرأته وهما حران بالغان فهما يحصنان وسواء كانوا مسلمين أو كافرين وقال أبو حنيفة وأصحابه الإحصان أن يكونا مسلمين حرين بالغين قد جامعها جماعا يوجب الحد والغسل هذا تحصيل مذهبهم وقد روي عن أبي يوسف في ((الإملاء)) أن المسلم يحصن النصرانية ولا تحصنه
500 وروي عنه - أيضا - أن النصراني إذا دخل بامرأته النصرانية وهما حران بالغان ثم أسلما أنهما محصنان وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال بن أبي ليلى إذا زنى اليهودي والنصراني بعد ما أحصن فعليهم الرجم قال أبو يوسف وبه نأخذ وقال الحسن بن حي لا يكون الحر المسلم محصنا بالكافرة ولا بالأمة ولا يحصن إلا بالأمة المسلمة قال ويحصن المسلم الكافر ويحصن الكافران كل واحد منهما صاحبة وقال الليث في الزوجين المملوكين يكونان محصنين حتى يدخل بها بعد إسلامهما قال فإن تزوج امرأة في عدتها فوطئها ثم فرق بينهما فهذا إحصان وقال الأوزاعي في العبد تحته حره إذا زنى فعليه الرجم قال ولو كانت تحته أمة فأعتق ثم زنى لم يكن عليه رجم حتى ينكح غيرها وقال في الجارية التي لم تحصن أنها تحصن الرجل والغلام الذي لم يحتلم لا يحصن المرأة قال ولو تزوج امرأة فإذا هي أخته من الرضاعة فهذا إحصان قال أبو عمر قول الأوزاعي أن المملوك يكون محصنا بالحرة والمملوكة تكون محصنة بالحر وليس بشيء إن الله - عز وجل - يقول * (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * [النساء 25] وبيان هذه المسألة في كتاب الحدود عند ذكر حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في الأمة إذا زنت - إن شاء الله تعالى قال أبو عمر] [روي] مثل قول مالك في أن الأمة تحصن الحر وإن العبد يحصن الحرة وإن الكافرة تحصن الحر عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وبن شهاب وروى معمر عن الزهري قال سأل عبد الملك بن مروان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أتحصن الأمة الحر قال نعم قال عمن قال أدركنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك
501 وروى عن جابر بن زيد والحسن وسعيد بن جبير مثل ذلك وروي مثل قول الكوفيين عن إبراهيم النخعي وعكرمة والشعبي قالوا لا يحصن الحر [المسلم] بيهودية ولا نصرانية ولا [بأمة] وقد روي عن إبراهيم أن اليهودية والنصرانية والأمة لا تحصن المسلم وهو يحصنهن وقد روي عن الحسن أن الأمة لا تحصن الحر وأن الكافرة تحصن المسلم] خالف بين الكافرة والأمة وقال مجاهد وطائفة إذا نكح العبد الحرة أحصنته وإذا نكح [الحر] الأمة أحصنها وقال عطاء بن أبي رباح نكاح الكتابية إحصان وليس نكاح الأمة بإحصان قال أبو عمر عن التابعين في هذا الباب ضروب من الأضطراب وفي احتجاج أتباع الفقهاء لمذاهبهم في هذا الباب تشعيب وسنذكر عيونا في كتاب الحدود [فهو أولى] - إن شاء الله تعالى وهو الموفق ((18 - باب نكاح المتعة)) 1098 - مالك عن بن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسانية قال أبو عمر هكذا قال مالك في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وتابعه على ذلك أكثر أصحاب بن شهاب [منهم] معمر ويونس وخالفهم بن عيينة وغيره عن بن شهاب بإسناده في هذا الحديث فقالوا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وجاز في روايتهم إخراج نكاح المتعة عن يوم خيبر وردوا النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية خاصة إلى يوم خيبر
502 ولا يمكن مثل ذلك في رواية مالك وإنما جاء ذلك [من قبل] بن شهاب ولا خلاف بين أهل السير وأهل العلم بالأثر أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية إنما كان يوم خيبر وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة ففيه اختلاف [واضطراب] كثير فمن ذلك أن إسحاق بن راشد روى هذا الحديث عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن نكاح المتعة ولم يتابع إسحاق بن راشد على هذه الرواية عن بن شهاب وقد تابعه يونس على إسقاط الحسن بن محمد من الإسناد وعند الزهري في هذا الحديث أيضا إسناد آخر رواه عنه جماعة من أصحابه قال أخبرني الربيع بن سبرة عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة يوم الفتح رواه بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد عنده في الإسناد الأول وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه وأسانيد [أحاديث] هذا الباب كلها في ((التمهيد)) وقال آخرون إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة عام حجة الوداع ذكر أبو داود قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الرزاق عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة - أشهد على أبي أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنها في حجة الوداع وذهب أبو داود إلى أن هذا أصح ما روي في ذلك وذكر عبد الرزاق هذا الحديث عن معمر عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله حرم متعة النساء لم يزد على هذا ولم يذكر وقتا ولا زمنا ورواه [عبد العزيز بن عمر بن] عبد العزيز عن الربيع بن سبرة بأتم ألفاظ وذكر فيه أن ذلك كان في حجة الوداع
503 وقد ذكرنا عنه بإسناده وتمام ألفاظه في ((التمهيد)) من طرق عن عبد العزيز بن عمر بإسناده هذا عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال خرجنا حجاجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فذكر الحديث قال فلما طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة وحللنا قلنا يا رسول الله إن العزبة [قد] شقت علينا [فقال النبي صلى الله عليه وسلم] ((تمتعوا من هذه النسوان)) (1) قال والاستمتاع عندنا التزويج قال فأتيناهن فأبين أن ينكحننا إلا أن نجعل بيننا وبينهن [أجلا] فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((اجعلوا بينكم وبينهن أجلا)) فخرجت أنا وصاحب لي بن عم وكان أسن مني وأنا أشب منه وعلي بردة وبرده أمثل من بردي قال فأتينا امرأة من بني عامر فعرضنا عليها النكاح فنظرت إلي وإليه وقالت ببرد كبرد والشباب أحب إلي قال فتزوجتها فكان الأجل بيني وبينها عشرا وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه فتزوجتها ثلاثا ببردي ثم انقضوا قال فبت معها تلك الليلة ثم غدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بين الركن والمقام [يخطب] فسمعته يقول ((إنا كنا أذنا لكم في الاستمتاع من هذه النساء فمن كان تزوج امرأة إلى أجل فليخل سبيلها وليعطها ما سمى لها فإن الله - عز وجل - قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة)) (2) وكان الحسن البصري يقول هذه القصة كانت في عمرة القضاء [ذكره عبد الرزاق عن معمر عن عمرو عن الحسن قال ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ولا بعدها وهذ ا المعنى إنما يوجد من حديث بن لهيعة عن الربيع بن سبرة عن أبيه وقد روي في المتعة والنهي عنها من حديث سهل بن سعد وسلمة بن الأكوع وبن مسعود وغيرهم ففي حديث سهل بن سعد قال إنما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لغربة كانت بالناس شديدة ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم
504 وفي حديث سلمة بن الأكوع [قال] رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها (1) وفي حديث بن مسعود رواه بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن بن مسعود قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شباب أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم نهانا عنها - يعني عن المتعة يوم خيبر [وعن لحوم الحمر الأهلية] فهذا ما في هذا الباب من ((المسند)) وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث وسائر أحاديث هذا الباب في ((التمهيد)) والحمد لله وأما الصحابة فإن الأكثر منهم على النهي عنها وتحريمها روى مالك بن أنس وغيره عن نافع عن بن عمر قال عمر متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج (2) قال أبو عمر متعة النساء معلومة وقد أوضحنا معنى قوله ومتعة الحج في كتاب الحج ومعنى قوله كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ثم نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بن جريج وعمرو بن دينار عن عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ونصف خلافة عمر ثم نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث هذا اللفظ حديث بن جريج وحديث عمرو بمعناه [قال بن جريج وأخبرني عطاء أن بن عباس كان يراها حلالا حتى الأن ويقول فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن قال وقال بن عباس في حرف أي إلى أجل مسمى] وقال عطاء واستمتع معاوية وعمرو بن حريث فنهاهما عمر
505 قال عطاء وسمعت بن عباس يقول يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولولا نهى عمر عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شقي قال أبو عمر أصحاب بن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالا على مذهب بن عباس وحرمها سائر الناس وقد ذكرنا الآثار عمن أجازها في ((التمهيد)) قال معمر قال الزهري ازداد الناس لها مقتا حين قال الشاعر يا صاح هل لك في فتيا بن عباس قال أبو عمر هما بيتان (قال المحدث لما طال مجلسه * يا صاح هل لك في فتيا بن عباس) (في بضة رخصته الأطراف آنسة * تكون مثواك حتى مرجع الناس) وروى الليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن عمار - مولى الشريد - قال سألت بن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح قال لا سفاح هي ولا نكاح قلت فما هي قال المتعة كما قال الله تعالى قلت هل عليها عدة قال نعم حيضة قلت يتوارثان قال لا قال أبو عمر لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق وليس هذا من حكم الزوجة عند أحد من المسلمين وقد حرم الله - عز وجل - الفروج إلا بنكاح صحيح أو ملك يمين وليست المتعة نكاحا صحيحا ولا ملك يمين وقد نزعت عائشة والقاسم بن محمد وغيرهما في تحريمها ونسخها لقوله تعالى * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * [المؤمنون 5 - 7] وأما قوله تعالى * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) * [النساء 24] فروى عن علي - رضي الله عنه قال نسخ صوم شهر رمضان كل صوم ونسخت الزكاة كل صدقة ونسخ الطلاق والعدة والميراث المتعة ونسخت الضحية كل ذبح
506 وعن بن مسعود قال المتعة منسوخة نسخها الطلاق والعدة والميراث وروي من حديث أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - مثله وروى الثوري عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال نسخها الميراث [وفي تأويل] * (فما استمتعتم به منهن) * [النساء 24] قول ثان روي معناه عن جماعة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه والحسن بن أبي الحسن - رحمه الله - قال هو النكاح الحلال فإذا عقد النكاح ولم يدخل فقد استمتع بالعقدة فإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق وإن دخل بها فلها الصداق كله لأنه قد استمتع بها المتعة الكاملة قالوا وقوله تعالى * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) * [النساء 24] مثل قوله تعالى " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " [النساء 4] ومثل قوله تعالى " إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح " [البقرة 237] وهو أن تترك المرأة - أو يترك لها وقد روي عن بن عباس أنه انصرف عن المتعة وأنه قال نسخ المتعة * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * [الطلاق 1] وروي أنه قال الاستمتاع هو النكاح وهي كلها آثار كلها ضعيفة لم ينقلها أحد يحتج به والآثار عنه بإجازة المتعة أصح ولكن العلماء خالفوه فيها قديما وحديثا حتى قال بن الزبير لو متع بن عباس لرجمته وقال بن أبي ذئب سمعت بن الزبير يخطب فقال في خطبته إن الذئب يكنى أبا جعدة آلا وإن المتعة هي الزنى وقال هشام بن الغاز سمعت مكحولا يقول في الرجل يتزوج المرأة إلى أجل قال هو الزنى وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه سئل عن المتعة فقال حرام فقيل له إن بن عباس يفتي بها فقال فهلا تزمزم بها في زمن عمر ذكره أبو بكر قال حدثني عبده عن عبيد الله قال وحدثني أبن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه قال في المتعة لا نعلمها إلا السفاح
507 وروى الحجاج بن أرطأة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال قلت لأبن عباس هل ترى ما صنعت وبما أفتيت سارت بفتياك الركبان وقالت فيها الشعراء فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لا والله ما أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير يعني عند الاضطرار [والله أعلم] قال أبو عمر اتفق أئمة [علماء] الأمصار من أهل الرأي والآثار منهم مالك وأصحابه من أهل المدينة وسفيان وأبو حنيفة من أهل الكوفة والشافعي ومن سلك سبيله من أهل الحديث والفقه والنظر والليث بن سعد في أهل مصر والمغرب والأوزاعي في أهل الشام وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود والطبري على تحريم نكاح المتعة لصحة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم عنها واختلفوا في معنى منها وهو الرجل يتزوج المرأة عشرة أيام أو شهرا أو أياما معلومات وأجلا معلوما فقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي هذا نكاح المتعة وهو باطل يفسخ قبل الدخول وبعده وقال زفر إن تزوجها عشرة أيام أو نحوها أو شهرا فالنكاح ثابت والشرط باطل وقالوا كلهم - إلا الأوزاعي إذا نكح المرأة نكاحا صحيحا ولكنه نوى في حين عقده [عليها] ألا يمكث معها إلا شهرا أو مدة معلومة فإنه لا بأس به ولا تضره في ذلك نيته إذا لم يكن شرط ذلك في نكاحه [قال مالك وليس على الرجل إذا نكح أن ينوي حبس امرأته إن وافقته وألا يطلقها وقال الأوزاعي لو تزوجها بغير شرط ولكنه نوى أن لا يحبسها إلا شهرا أو نحوه فيطلقها فهي متعة ولا خير فيه] قال أبو عمر في حديث بن مسعود [بيان] أن المتعة نكاح إلى أجل وهذا يقتضي الشرط الظاهر وإذا سلم العقد منه صح وبالله التوفيق وأما الحمر الأهلية فلا خلاف اليوم بين علماء المسلمين أنه لا يجوز أكلها لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وعلى ذلك جماعة السلف إلا بن عباس وعائشة فيما روي عنهما [أنهما] كانا لا يريان بأكلها بأسا ويتأولان قول الله عز وجل " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما
508 على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) [الأنعام 145] وهذه الآية قد أوضحنا فيما تقدم [من كتابنا] ما للعلماء في تأويلها وأنها آية مكية نزل بعدها قرآن كثير بتحريم وتحليل وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فنهى عن أكل لحوم الحمر والسباع وقد مضى القول في أكل السباع في بابه من هذا الكتاب والحمد لله وقد روي عن بن عباس عن النبي عليه السلام من رواية الثقات النهي عن أكل لحوم الحمر والسباع وكل ذي مخلب من الطير رواه الثوري عن الأعمش عن مجاهد عن بن عباس ورواه سعيد بن أبي عروبة عن علي بن الحكم عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن النبي عليه السلام وهو الذي تحمل إضافته إلى بن عباس لموافقته جماعة الناس في لحوم الحمر وليس أحد بحجة على السنة لأن على الكل فيها الطاعة والاتباع وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية (1) من وجوه كثيرة [صحاح] من حديث علي [بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو] وجابر بن عبد الله والبراء بن عازب وعبد الله بن أبي أوفى وأنس بن مالك وزاهر الأسلمي - رضي الله عنهم وقد ذكرناها بأسانيدها في ((التمهيد)) وفي حديث أنس أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى يوم خيبر أن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية
509 وفي حديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن في لحوم الخيل قال أبو عمر في هذا الحديث أوضح الدليل على أن النهى عن أكل الحمر الأهلية عبادة وشريعة لا لعلة الحاجة إليها لأنه معلوم أن الحاجة إلى الخيل في العرف أوكد وأشد وأن الخيل أرفع حالا وأكثر جمالا فكيف يؤذن للضرورة في أكلها وينهى عن الحمر هذا من المحال الذي لا يستقيم وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في أكل لحوم الخيل ومن كرهها منهم ومن أباحها فيما تقدم من كتاب الذبائح والصيد والحمد لله وأما حديث 1099 - مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب [فقالت إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب] فزعا يجر رداءه فقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت يحيى فإنه كان هذا القول منه قبل نهيه عنها على أنه يحتمل قوله هذا وجهين أحدهما أن يكون تغليظا على نحو ما ذكرنا من قوله في نكاح السر ليرتدع الناس وينزجروا عن سوء مذاهبهم وقبيح تأويلاتهم والآخر أن يكون تقدمه بإقامة الحجة من الكتاب والسنة على تحريم نكاح المتعة لأنه لا ميراث فيه ولا طلاق ولا عدة وأنه ليس بنكاح وهو سفاح فإذا قامت حجة بذلك على من أقامها عليه ثم واقع ذلك رجمه كما يرجم الزاني وهذا [وجه ضعيف] لا يصح إلا على من وطئ حراما عنده لا لم يتأول فيه سنة ولا قرآنا والله أعلم وأما ربيعة بن أمية هذا فهو أخو صفوان بن أمية الجمحي جلده عمر بن الخطاب في الخمر فلحق بالروم فتنصر فلما ولي عثمان بن عفان بعث إليه أبا الأعور السلمي يقول له راجع الإسلام فإنه يغسل ما قبله وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما راجعه إلا [بقول] النابغة
510 (حياك ود فإننا لا يحل لنا * لهو النساء وإن الدين قد عزم) ذكر هذا الخبر مصعب الزبيري والزبير بن بكار والعدوي وغيرهم أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال ربيعه الذي [جلده] عمر في الخمر هو بن أمية بن خلف الجمحي وهو الذي كان ينادي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته في خطبته في حجة الوداع إذا قال النبي - عليه السلام أي يوم هذا نادى بأي يوم هذا وكان رجلا صيتا ثم إن عمر حده بعد في الخمر قال أبو عمر [الخبر من رواية عمر] منقطع وقد رويناه متصلا حدثناه أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن يونس عن بقي بن مخلد عن بن إدريس عن يحيى بن سعيد عن نافع عن بن عمر قال قال عمر لو تقدمت فيها لرجمت يعني المتعة 1 9 - باب نكاح العبيد 1100 - مالك أنه سمع ربيعه بن أبي عبد الرحمن يقول ينكح العبد أربع نسوة قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر استحسان مالك لما قاله ربيعة في هذا الباب وأنه أحسن ما سمع [عنده] بيان أنه قد سمع الاختلاف فيه فيما يوافق قول ربيعة وقول مالك [في هذا الباب] ما رواه بن وهب عن بن لهيعة عن خالد بن أبي عمران قال سالت سالما والقاسم عن العبد كم يتزوج قال أربعا وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن عيينة عن ربيعة عن مجاهد قال يتزوج العبد أربعا وقال عطاء اثنتين وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ينكح العبد أربعا [قال وحدثني بن جريج قال قلت لعطاء أينكح العبد أربعا بإذن سيده فكأنه لم يكره ذلك
511 قال وحدثني بن عيينة عن بن أبي نجيح عن عطاء قال يتزوج العبد اثنتين [قال وقال مجاهد يتزوج أربعا] قال أبو عمر من أجاز للعبد إن يتزوج أربعا وحجته ظاهر قول الله - عز وجل * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * [النساء 3] يعني ما حل لكم * (مثنى وثلاث ورباع) * [النساء 3] ولم يخص عبدا من حر وهو قول داود وهو المشهور عن مالك وتحصيل مذهبه على ما في ((موطئه)) وكذلك روى عنه بن القاسم وأشهب إلا أن أشهب قال عنه إنا لنقول ذلك وما ندري ما هو وذكر بن المواز أن بن وهب روى ذلك عن مالك إن العبد لا يتزوج إلا اثنتين قال وهو قول الليث [قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث بن سعد لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين وبه قال أحمد وإسحاق وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف في العبد لا ينكح أكثر من اثنتين ولا أعلم لهم مخالفا من ا لصحابة ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن - مولى أبي طلحة - عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب قال ينكح العبد اثنتين وروي مثل ذلك عن عمر من وجوه ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن بن سيرين أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل الناس كم يحل للعبد أن ينكح فقال عبد الرحمن بن عوف اثنتان فصمت عمر قال وقال بعضهم فقال له عمر وافقت الذي في نفسي وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن أبي زائدة عن بن عوف عن محمد بن
512 سيرين قال قال عمر من يعلم ما يحل للمملوك من النساء فقال رجل أنا قال كم قال امرأتان فسكت عمر قال وحدثني حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا كان يقول لا ينكح العبد فوق اثنتين قال وحدثني المحاربي عن ليث عن الحكم قال أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المملوك لا يجمع من النساء أربعا] قال أبو عمر [و] هو [قول] الشعبي وعطاء وبن سيرين والحسن والحكم وإبراهيم وقتادة والحجة لهذا القول القياس الصحيح على طلاقه وحدوده وكل من قال حده نصف حد الحر وطلاقه تطليقتان وإيلاؤه شهران ونحو ذلك من أحكامه فغير بعيد أن يقال تناقض في قوله ينكح أربعا والله أعلم قال مالك والعبد مخالف للمحلل إن أذن له سيده ثبث نكاحه وإن لم يأذن له سيده فرق بينهما والمحلل يفرق بينهما على كل حال إذا أريد بالنكاح التحليل [قال أبو عمر] وأما نكاح المحلل فقد مضى القول بما للعلماء فيه من الاختلاف ومعاني أقوالهم فيما تقدم في هذا الكتاب وأما نكاح العبد بغير إذن سيدة فجملة مذهب مالك وأصحابه فيه أنه نكاح موقوف على إجازة السيد فإن شاء أجازه وإن شاء فسخه وهو قول ليث والكوفيين إلا أنهم اختلفوا من ذلك فيما نذكره عنهم هنا إن شاء الله قال مالك إن أجاز المولى نكاح عبده جاز وإن طلقها العبد قبل أن يجيز مولاه نكاحه ذلك [ثلاثا] لم تحل له إلا بعد زوج قال وكل عبد ينكح بغير إذن سيده فالطلاق [بإذن] السيد فإن نكح بإذن سيده فالطلاق إليه ليس إلى سيده منه شيء قال ولو أن عبدا نكح بغير إذن سيده وعلم السيد بذلك فأنكره ثم قال قد أجزته في نكاحه ذلك كان جائزا [قال ولو كان بيعا فقد أجزت بعد أن أنكر لم يلزم البيع قال] وقال مالك في الأمة تتزوج بغير إذن (مولاها) نكاحها باطل أجازه
513 مولاها أو لم يجزه لأن العبد يعقد على نفسه [إذا أذن له سيده] والأمة لا تلي عقد النكاح على نفسها ولا على غيرها وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا بلغ السيد نكاح عبده وأجازه جاز وإن طلقها العبد قبل أن يجيز المولى لم يقع طلاقه وكانت مشاركة للنكاح وقال الثوري يجوز نكاح العبد إذا أجازه المولى قال وأحب إلي أن يستأنف وحكاه عن إبراهيم وقال الشافعي والأوزاعي وداود بن علي لا تجوز إجازة المولى ولم يجزه لأن العقدة الفاسدة لا يصح إجازتها فإن أراد النكاح استأنفه على سنته وقد [أجمع العلماء] على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده وقد كان بن عمر يعد العبد بذلك زانيا ويحده وذكر عبد الرزاق عن بن عمر عن نافع عن بن عمر [وعن معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر] أنه أخذ عبدا له نكح بغير إذنه فضربه الحد وفرق بينهما وأبطل صداقه قال وأخبرنا بن جريج عن موسى بن عقبة أنه أخبره عن نافع عن بن عمر انه كان يرى نكاح العبد بغير إذن سيده زنا ويرى عليه الحد ويعاقب الذين أنكحوهما قال وأخبرنا بن جريج عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أيما عبد نكح بغير إذن سيده فهو عاهر)) (1) وعن عمر بن الخطاب هو نكاح حرام فإن نكح بغير إذن سيده فالطلاق بيد من يستحل الفرج قال أبو عمر على هذا مذهب جماعة الفقهاء بالأمصار بالحجاز والعراق ولكن الاختلاف بين السلف في ذلك فالجمهور على أن السيد إذا أذن للعبد في النكاح فالطلاق بيد العبد
514 روي ذلك عن عمر [من وجوه] وعن علي وعبد الرحمن بن عوف وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وبن سيرين وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وبن شهاب ومكحول وشريح وسعيد بن جبير وغيرهم ولم يختلف عن بن عباس أن الطلاق بيد السيد وتابعة على ذلك جابر بن زيد وفرقة وهو عند العلماء شذوذ لا يعول عليه وأظن بن عباس تأول في ذلك قول الله - عز وجل - " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء " [النحل 75] [قال أبو عمر قد روي عن جماعة من السلف أن للسيد أن يجيز نكاح عبده المنعقد بغير إذنه ولم يذكروا قربا ولا بعدا] وروى وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن وعن مغيرة عن إبراهيم قال إذا تزوج العبد بغير إذن سيده ثم أذن المولى فهو جائز وشعبة عن إبراهيم والحسن مثله وشعبة عن الحكم قال إن أجازه المولى جاز قال وقال حماد يستأنف النكاح ومعمر عن قتادة عن الحسن قال إن شاء السيد فرق بينهما وإن شاء أقرهما على نكاحهما وذكر أبو بكر قال حدثني عبدة بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن في العبد يتزوج بغير إذن سيده قالا إن شاء سيده أجاز النكاح وإن شاء رده وفي هذا الباب قال مالك في العبد إذا ملكته امرأته والزوج يملك امرأته إن ملك كل واحد منهما صاحبه يكون فسخا بغير طلاق وإن تراجعا بنكاح بعد لم تكن تلك الفرقة طلاقا قال مالك والعبد إذا أعتقته امرأته إذا ملكته وهي في عدة منه لم يتراجعا إلا بنكاح جديد قال أبو عمر أما المسألة الأولى في المرأة تملك زوجها فقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري في ذلك كقول مالك إن ملكها له يبطل النكاح بينهما وليس ذلك بطلاق
515 ومعنى قولهم ليس ذلك بطلاق وإنما هو فسخ النكاح فإنهم يؤيدون ذلك أنه إذا نكحها وهو حر أو عبد لغيرها فإنها تكون عنده على عصمة مبتدأة كاملة ولا تحرم عليه إلا بثلاث تطليقات كسائر المبتدءات بالنكاح وقال الأوزاعي إذا وجبت الفرقة بينهما بملكها له فهو طلاق وقالت به فرقة منهم قتادة فعلى قول الأوزاعي يكون عنده على طلقتين إن طلقها طلقتين حرمت عليه وقال الليث بن سعد إذا ملكت المرأة زوجها فإنه يباع عليها ولا يترك مملوكا لها وقد كان يطأها قبل ذلك] قال أبو عمر أجمع علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ولم يختلف في ذلك من بعدهم من الفقهاء أن المرأة لا يحل لها أن يطأها من تملكه وأنها غير داخلة في قول الله - عز وجل * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) * [المؤمنون 5 6] وان هذه الآية عني بها الرجال دون النساء ولكنها لو أعتقته بعد ملكها له جاز له أن يتزوجها كما يجوز لغيره عند الجمهور وقد روي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة والشعبي والنخعي أنها لو أعتقته حين ملكته كانا على نكاحهما ولا يقول بهذا أحد من فقهاء الأمصار وأنها أيضا بملكها له يفسد نكاحهما على ما تقدم والذي عليه العمل عندهم ما قاله مالك أنها لو أعتقته بعد ملكها له لم يتراجعا إلا بنكاح جديد [واضح] ولو كانت في عدة منه حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني بن جريج قال حدثني أبو الزبير عن جابر أنه سمعه يقول جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية نكحت عبدها فانتهرها وهم أن يرجمها وقال لا يحل لك مسلم بعده وعن معمر عن قتادة قال تسرت امرأة غلامها فذكر ذلك لعمر فسألها ما حملها على ذلك فقالت كنت أراه يحل لي بملك يميني كما تحل للرجل المرأة بملك اليمين فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا تأولت كتاب الله - عز وجل - على غير تأويله لا رجم عليها فقال عمر لا جرم والله لا أحلك لحر بعده أبدا عاقبها [بذلك] ودرأ الحد عنها وأمر العبد ألا يقربها
516 وعن أبي بكر بن عبد الله أنه سمع أباه يقول حضرت عمر بن عبد العزيز جاءته امرأة من الأعراب بغلام لها رومي فقالت إني استسررته فمنعني بنو عمي عن ذلك وإنما أنا بمنزله الرجل تكون له الوليدة فيطؤها فإنه عنى بني عمي فقال عمر أتزوجت قبله قالت نعم قال عمر أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة ولكن اذهبوا به فبيعوه ممن يخرج به إلى غير بلدها قال أبو عمر وأما الزوج [يملك] امرأته فلا خلاف بين العلماء في بطلان نكاحها على ما تقدم من اختلافهم هل ذلك فسخ نكاح أو طلاق ولكنه يطؤها بملك يمينه ولا يحتاج إلى استبرائها من مائه عند جميعهم فإن أعتقها بعد ابتياعه لها لم تحل له إلا بنكاح وصداق ولو ورث أو اشترى بعضها فإن معمرا روى عن الزهري قال حرمت عليه حتى يستخلصها فإن أصابها فحملت فهي من أمهات أولاده وتقوم لشركائه قال معمر وقال قتادة لم تزدد منه إلا قربا وتكون عنده على حالها قال أبو عمر قول بن شهاب هو قول مالك لأنه لما ملك بعضها [انفسخ] نكاحهما ولم يحل له وطؤها لأنه لا يملك جميعها [فإن وطئها لحقه ولدها وقومت عليه لشركائه وأما قول قتادة فإنه يقول إنه لا ينفسخ النكاح إلا بملك جميعها] ويطؤها [بنكاحه] ولا يزيد ملك اليمين [منها] إلا قوة قال أبو عمر ولو أن عبدا تزوج بإذن مولاه على صداق معلوم فضمنه السيد ثم إنه دفع [فيه] عنده [في] ذلك إلى زوجته فملكته بمهرها كان النكاح مفسوخا فإن كان دخل بها فلا شيء على السيد وإن كان لم يدخل بها فلا شيء لها عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وقال الثوري [والليث] لها نصف المهر ((20 - باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله)) 1101 - مالك عن بن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
517 يسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات وأزواجهن حين أسلمن كفار منهن بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم آمانا لصفوان بن أمية ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وأن يقدم عليه فإن رضي أمرا قبله وإلا سيره شهرين فلما قدم صفوان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ناداه على رؤوس الناس فقال يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((انزل أبا وهب)) فقال لا والله لا أنزل حتى تبين لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((بل لك تسير أربعة أشهر)) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة وسلاحا عنده فقال صفوان أطوعا أم كرها فقال ((بل طوعا)) فأعاره الأداة والسلاح التي عنده ثم خرج صفوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح 1102 - وعن بن شهاب أنه قال كان بين إسلام صفوان وبين إسلام امرأته نحو من شهر قال بن شهاب ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها 1103 - وعن بن شهاب أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحا وما عليه رداء حتى بايعه فثبتا على نكاحهما ذلك قال مالك وإذا أسلم الرجل قبل امرأته وقعت الفرقة بينهما إذا عرض عليها
518 الإسلام فلم تسلم لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * [الممتحنة 10] قال أبو عمر قد تكلمنا على هذين الحديثين وعلى حسب ألفاظهما في ((التمهيد)) وهي تنصرف في أبواب من هذا الكتاب وأما مسألة الكافر والوثني والكتابي تسلم امرأته قبله أو يسلم قبلها ومسألة الحربية تخرج إلينا مسلمة فأما الكافر تسلم امرأته ففي حديث بن شهاب في هذا الباب بيان السنة في ذلك وأنه أحق بامرأته ما كانت في عدة منه وإليه ذهب مالك والشافعي وأصحابهما في الوثني تسلم زوجته الوثنية أنه] إن أسلم في عدتها فهو أحق بها كما كان صفوان [بن أمية] وعكرمة [بن أبي جهل] أحق بزوجتيهما لما أسلما في عدتهما على حديث مالك [عن بن شهاب] المذكور في هذا الباب وكذلك رواه معمر عن الزهري كما رواه عنه مالك سواء بمعنى واحد وروى معمر [أيضا] عن أيوب عن عكرمة بن خالد أن عكرمة بن أبي جهل فر يوم الفتح فركبت إليه امرأته [فردته فأسلم] وكانت قد أسلمت قبل ذلك فأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم على نكاحهما واختلف مالك والشافعي في الوثنيين يسلم الرجل منهما قبل امرأته [فذهب] مالك إلى ما ذكره في هذا الباب [من موطئه] أنه تقع بإسلامه الفرقة بينه وبين امرأته إذا عرض عليها الإسلام ولم تسلم في الوقت واحتج بقوله - عز وجل * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * [الممتحنة 10] وقال الشافعي سواء أسلم المجوسي أو الوثني قبل امرأته الوثنية أو أسلمت قبله إذا اجتمع إسلامهما في العدة فهما على نكاحهما واحتج بأن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند [بنت عتبة] امرأته وكان إسلامه بمر الظهران ثم رجع إلى مكة وهند بها كافرة مقيمة على كفرها فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال ثم أسلمت بعده بأيام فاستقرا على نكاحهما لأن عدتها لم تكن انقضت قال ومثله حكيم بن حزام أسلم قبل امرأته ثم أسلمت بعده فكانا على نكاحهما
519 قال ولا حجة فيما احتج به مالك وقوله * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * [الممتحنة 10] لأن نساء المؤمنين محرمات على الكفار كما أن المسلمين لا تحل لهم الكوافر والوثنيات ولا المجوسيات لقوله عز وجل * (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) * [الممتحنة 10] ثم بينت السنة أن مراد الله عز وجل من قوله هذا أنهم لا يحل بعضهم لبعض إلا أن يسلم الثاني منهما في العدة واحتج بقصة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر [أما] قصة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد اختلف فيها ذكر أبو داود قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني محمد بن سلمة قال أبو داود وحدثني محمد بن عمرو الرازي قال حدثني سلمة بن الفضل قال أبو داود وحدثني الحسن بن علي قال حدثني يزيد كلهم عن بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا قال محمد بن عمر في حديثة بعد ست سنين وقال الحسن بن علي بعد سنتين (1) فإن صح هذا فلا يخلو من أحد الوجهين إما أنها لم تحض ثلاث حيض حتى أسلم زوجها وإما الأمر فيها منسوخ بقول الله عز وجل * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * [البقرة 228] يعني في عدتهن وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء انه عني به العدة وقال [بن شهاب] الزهري [رحمه الله] في قصة زينب هذه كان هذا قبل أن تنزل الفرائض وقال قتادة كان هذا قبل أن تنزل سورة براءة بقطع العهود بين المسلمين والمشركين قال أبو عمر قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب - رضي الله عنها - إلى أبي العاص [بن الربيع] بنكاح جديد وإذا كان هذا سقط القول في قصة زينب والحمد لله وكذلك قال الشعبي - مع علمه بالمغازي - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد زينب ابنته [إلى أبي العاص] إلا بنكاح جديد
520 [ولا خلاف بين العلماء في الكافرة تسلم ويأبى زوجها من الإسلام حتى تنقضي عدتها إنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد] وهذا كله يبين به أن قول بن عباس رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا ابنته زينب إلى أبي العاص على النكاح الأول أنه أراد [به] على مثل الصداق الأول إن صح وحديث عمرو بن شعيب [عن أبيه عن جده] عندنا صحيح والله أعلم [وقد] ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن رجل عن بن شهاب قال أسلمت زينب [ابنة النبي صلى الله عليه وسلم] وهاجرت بعد النبي - عليه السلام - في الهجرة الأولى وزوجها أبو العاص بن الربيع بمكة مشرك ثم شهد أبو العاص بدرا مشركا فأسر ففدي وكان موسرا ثم شهد أحدا مشركا ورجع إلى مكة ومكث بها ما شاء الله ثم خرج إلى الشام تاجرا فأسر بأرض الشام أسره نفر من الأنصار فدخلت زينب على النبي - عليه السلام - فقالت إن المسلمين يجير عليهم أدناهم فقال ((وما ذاك يا زينب)) فقالت أجرت أبا العاص فقال ((أجزت جوارك)) ثم لم يجز جوار امرأة بعدها ثم [أسلم فكان على نكاحهما وكان عمر بن الخطاب] خطبها إلى النبي - عليه السلام - فذكر لها النبي - عليه السلام - ذلك فقالت أبو العاص يا رسول الله حيث علمت وقد كان نعم الصهر فإن رأيت أن ننتظره فسكت النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك قال بن شهاب وأسلم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بالروحاء مقفل النبي - عليه السلام - من الفتح فقدم على جمانة بنت أبي طالب مشركة فأسلمت فأقاما على نكاحهما قال بن شهاب وأسلم مخرمة بن نوفل وأبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام بمر الظهران وقدموا على نسائهم مشركات فأسلمن فأقاموا على نكاحهم وكانت امرأة مخرمة بن نوفل الشفا بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف وامرأة حكيم بن حزام زينب ابنة العوام فامرأة أبي سفيان هند بنت عتبة بن ربيعة قال بن شهاب وكان عند صفوان بن أمية مع عاتكة بنت الوليد بن المغيرة آمنة بنت أبي سفيان بن حرب فأسلمت أيضا مع عاتكة يوم الفتح بعد صفوان بن أمية فأقاما على نكاحهما قال أبو عمر فهذه الأخبار كلها حجة للشافعي في الموضع الذي خالف فيه مالكا (وقد ذكرنا حجة مالك
521 فإن قيل أن بن جريج روى عن بن شهاب أنها إذا أسلمت قبله خير زوجها فإن أسلم فهي امرأته وإلا فرق الإسلام بينهما قيل له لم يختلف قول بن شهاب ولا اختلفت آثاره التي ذكرنا أن الرجل إذا أسلمت زوجته قبله كان أحق بها ما كان إسلامه في عدتها وهذا يبين لك أن قوله يخير ما دام في العدة لا في وقت إسلامه فقط وقد روى إسرائيل وغيره عن سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس قال أسلمت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجرت وتزوجت وكان زوجها قد أسلم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إني قد أسلمت معها وعلمت بإسلامي فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول (1) وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في ((التمهيد)) وفيه دليل [على] إن الإسلام [منها] لا يحرمها على زوجها الكافر إذا أسلم بعدها ما لم تنقض عدتها [قال أبو عمر] وأما الكوفيون [سفيان وأبو حنيفة وأصحابهما] فإنهم قالوا في الكافرين الذميين إذا أسلمت المرأة عرض على الزوج الإسلام فإن أسلم وإلا فرق بينهما قالوا ولو كانا حربيين كانت امرأته حتى تحيض ثلاث حيض فإن لم يسلم في العدة وقعت الفرقة وقالوا لو كانت المرأة مجوسية فأسلم الزوج ولم يدخل بها ولم تسلم حتى انقضت عدتها فلها نصف الصداق وإن أسلمت قبل انقضاء عدتها فهما على نكاحهما [قال أبو عمر] فرقوا بين الحربيين والذميين لاختلاف الدارين [عندهم] وقالوا في الآثار التي ذكرها بن شهاب أن قريشا المذكورين ونساءهم كانوا حربيين [قال أبو عمر] لا فرق بين الدارين في الكتاب ولا في السنة ولا في القياس وإنما المراعاة في ذلك كله في الديانات فباختلافهما يقع الحكم والله المستعان
522 وقال الأوزاعي إذا أسلمت المرأة وأسلم هو في العدة فهي امرأته وإن أسلم بعد العدة فهي تطليقة وهو خاطب قال والمجوسية والوثنية والكتابية في ذلك سواء قال أبو عمر يعني أنه أحق بها ما كان إسلامه في العدة على ما جاء الخبر به عن صفوان وعكرمة وغيرهما ممن تقدم ذكره في هذا الباب وعن الحسن بن حي روايتان إحداهما مثل قول الأوزاعي والشافعي في اعتبار العدة والأخرى مثل قول الثوري وأبي حنيفة في عرض الإسلام على الزوج في الوقت فإن أبى وقعت الفرقة ولم يفرق بين الحربيين والذميين وفي المسألة قول رابع في المجوسيين [عن بن شهاب] أيهما أسلم وقعت الفرقة بينهما ساعة الإسلام إلا أن يسلما معا روي ذلك عن بن عباس وعكرمة وطاوس [وعطاء] ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن والحكم وأما اختلافهم في الصداق في هذا الباب فقال الثوري إن أسلمت وأبى فلها [المهر إن كان دخل بها ونصفه إن لم يدخل وإن أسلم وأبت وهي مجوسية] فلا مهر إن [لم] يدخل بها قال أبو عمر لا خلاف [أنه] إذا دخل في وجوب المهر وأما اشتراطه المجوسية في تقدم إسلامه ولم [يتقدم شرط] ذلك في الكتابية لأن إسلامه لا يحرم عليه الكتابية ويحرم المجوسية وهذا أيضا صحيح لا خلاف فيه ولا مهر لها لأنه فسخ ليس بطلاق وفي سماع بن أبي أويس عن مالك أنه قال الأمر عندنا في المرأة تسلم وزوجها كافر قبل أن يدخل بها [أنه] لا صداق لها سمى [لها] أو لم يسم وليس لزوجها عليها رجعة لأنه لا عدة عليها قال ولو دخل بها كان له عليها الرجعة إن أسلم في عدتها وكان لها صداقها كاملا فإن بقي لها عليه شيء من مهرها فلها بقيته أسلم في عدتها أو لم يسلم [قال وقال مالك في المجوسية يتزوجها المجوسي ثم يسلم أحدهما ولم يدخل بها - فرض لها أو لم يفرض لها إنه لا صداق لها إن أسلمت قبله وأبى هو أن يسلم أو أسلم قبلها وأبت هي أن تسلم في الوجهين جميعا
523 قال أبو عمر قول مالك ليس عليها رجعة إن لم يسلم في عدتها بذلك إن أهل العلم ينزلون إسلامه أو إسلامها منزلة الطلاق يراعون في رجعته إلى الإسلام الدخول وإنما اختلفوا هل فيه فسخ أو طلاق واختلفوا في الوثنيين يسلم الزوج منهما قبل الدخول ويعرض عليها الإسلام فتأبى أنه لا شيء لها من المهر وقال الشافعي [في المزني] فإذا أسلم الزوج قبل الدخول فلها نصف المهر إن كانت مجوسية أو وثنية وإن أسلمت هي قبله فلا صداق لها لأن الفسخ جاء من قبلها قال أبو عمر لأنه لا عدة فيمن لم يدخل بها ينتظر إليها وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا عرض الإسلام على الذي لم يسلم من الزوجين وأبى فرق بينهما إلا أن تكون الزوجة كتابية فيسلم [الرجل] وتأبى امرأته فإنه يقيم على نكاحه معها فإن كان الزوج هو الذي أبى قبل الدخول كان عليه نصف الصداق وإن كانت المرأة هي التي أبت فلا شيء لها وهو قول الثوري وقال بن شبرمة في المجوسي تسلم امرأته ولم يدخل بها فقد انقطعت العصمة بينهما ولا صداق لها وإن أسلم هو ولم يدخل ثم لم تسلم هي حتى انقضت عدتها فلها نصف الصداق وإن أسلمت قبل أن تنقضي العدة فهما على النكاح قال أبو عمر اختلاف التابعين في هذه المسائل على حسب ما ذكرنا عن أئمة الفتوى فلم أر لذكرهم وجها وأما من لم ير نصف الصداق واجبا للمرأة إذا أسلمت قبل زوجها ولم يسلم ولم يدخل بها فلأن الفسخ جاء من قبلها فلم يكن لها شيء من الصداق ومن رأى لها نصف الصداق زعم أنها فعلت فعلا مباحا [لها] يرضاه الله - عز وجل - منها فلما أبى زوجها أن يسلم كان كالمفارق المطلق لها فوجب عليه نصف الصداق
524 وأما إسلام الزوج قبل امرأته ولم يدخل بها فإن كانت كتابية أقام عليها وإن كانت مجوسية أو وثنية فوجه من قال لها نصف الصداق إن أبت من الإسلام لأنه المفارق لها بإسلامه وقد كانا عقدا نكاحهما على دينهما ومن قال لا شيء لها فعله وقوله نحو ما تقدم ذكره لأنه فعل ما له فعله فلو أسلمت قرت معه فلما أبت كانت هي المفارقة وإنما جاءت الفرقة من قبلها فلا شيء لها من الصداق قال أبو عمر زعم بعض الناس أن عمر بن عبد العزيز كان يذهب إلى أن الفرقة تقع بينهما بلا غرض إسلام ولا انتظار عدة وذكر ذلك عنه بن جريج وذكر سليمان التيمي عن الحسن وعمر بن عبد العزيز إذا أسلمت قبله خلعها منه الإسلام كما تخلع الأمة من العبد إذا عتقت وهذا جهل لأن الأمة تحت العبد لا تبين بعتقها منه إلا بعد التخيير لها ما لم يمسها وهذا يدل على أنها لم تبن منه وكذلك الكافرة [إذا أسلمت لم تبن من زوجها] ولو بانت ما عرض الإسلام عليه في الوقت ولا انتظر به في تخييره وعرض الإسلام عليه مضي العدة وهذا مع وضوحه قد روي منصوصا عن عمر بن عبد العزيز ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن عمرو بن ميمون بن مهران أن عمر بن عبد العزيز قال إذا أسلم وهي في العدة فهو أحق بها وفي المسألة قول شاذ خامس روي عن عمر وعلي وبه قال إبراهيم والشعبي إذا أسلمت الذمية لم تنتزع من زوجها لأن له عهدا وهذا لا يقول به أحد من [فقهاء الأمصار] وأهل الآثار ((21 - باب ما جاء في الوليمة)) 1104 - مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن
525 عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كم سقت إليها)) (1) فقال زنه نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أولم ولو بشاة)) هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة ((الموطأ)) جعلوه من مسند أنس ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن بن عوف جعله من مسند عبد الرحمن بن عوف وقال أهل العلم بالنسب والخبر إن المرأة التي تزوج عبد الرحمن بن عوف على زنة نواة من ذهب وقال له فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أولم ولو بشاة)) هي بنت أنيس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل من الأنصار من الأوس ولدت لعبد الرحمن بن عوف ابنين أحدهما يسمى القاسم والآخر أبو عثمان قيل اسمه عبد الله كما قيل في اسم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقال لأحدهما عبد الله الأصغر والآخر عبد الله الأكبر وأما النواة فأكثر أهل العلم يقولون وزنها خمسة دراهم وقال أحمد بن حنبل وزنها ثلاثة دراهم وثلث وقد قيل إن النواة المذكورة في الحديث نواة التمر أراد وزنها من الذهب وقال بعض أصحاب مالك وزن النواة بالمدينة ربع دينار قال وذلك معروف عندهم واحتج بحديث يروى عن الحجاج بن أرطأة عن قتادة عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة أنصارية وأصدقها زنة نواة من ذهب ثلاثة دراهم وربع وجعل هذا القائل حديث النواة هذا أصلا في أقل الصداق
526 وهذا لا حجة فيه لأن المثقال وزنه درهمان عددا لا كيلا لا خلاف في ذلك ودرهم الفضة درهم كيلا وهو درهم وخمسان ووزن ثلاثة دراهم وربع من ذهب لا خلاف بين أحد من العلماء أنه يكون صداقا لمن شاء لأنه أكثر من ثلاثة دراهم فضة ومن ربع دينار ذهبا بل هو أكثر من مثقالين من الذهب وهما ديناران فأين هو ربع دينار ذهبا من هذا لولا الغفلة الشديدة ولم يختلف العلماء في أكثر الصداق وأنه لا مقدار له عندهم واختلفوا في مقدار أقل الصداق وقد بينا ذلك في باب الصداق والحباء في أول هذا الكتاب والحمد لله وأما قوله في حديث مالك [هذا] وبه أثر صفرة فرواه حماد بن سلمة عن ثابت [البناني] وحميد عن أنس فقال فيه وبه ردع من زعفران تبين تلك الصفرة ما كانت فيجوز على هذا الرجل أن يصفر لحيته وثيابه بالزعفران وقد أجاز [ذلك] مالك وأصحابه لباس الثياب [المصبوغة] بالزعفران للرجال وحكاه عن بن عمر وبن المنكدر وربيعة وبن هرمز حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني القعنبي قال حدثني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن بن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران فقيل له في ذلك فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ به ورايته أحب الطيب إليه (1) وأخبرنا خلف بن قاسم قال حدثني بن شعبان قال حدثني الحسن بن محمد بن الضحاك قال حدثني أبو مروان العثماني قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال سألت بن شهاب عن الخلوق فقال قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلقون ولا يرون بالخلوق بأسا قال بن شعبان هذا جائز عند أصحابنا في الثياب دون الجسد
527 وكره الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما أن يصبغ الرجل ثيابه أو لحيته بالزعفران لحديث عبد العزيز بن صهيب [وغيره] عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل (1) و [حديث] يعلى بن مرة قال مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق بالزعفران فقال لي يا يعلى هل لك امرأة قلت لا قال اذهب فاغسله (2) و [حديث] عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تقرب الملائكة جنازة كافر ولا جنب ولا متضمغ بخلوق)) (3) وأحاديث في هذا المعنى قد ذكرتها في ((التمهيد)) وسيأتي في كتاب الجامع إن شاء الله عز وجل 1105 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم قال أبو عمر هذا الحديث رواه سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمة ليس فيها خبز ولا لحما [حدثنا به] بن وهب وسعيد بن عفير عن سليمان بن بلال بإسناده هذا وزاد فيه قيل فبأي شيء يا أبا حمزة قال بسويق وتمر وروى هذا الحديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن أنس والصواب ما رواه عنه سليمان بن بلال والله أعلم وإسماعيل كثير الخطأ عن المدنيين سيئ الحفظ وهو [عند] الشاميين أشبه [والنسائي في الضعفاء] وهذا الحديث محفوظ لأنس رواه عنه الزهري وثابت وحميد وعمرو بن أبي عمرو وغيرهم وهذه الوليمة كانت على صفية بنت حيي في السفر مرجعة من خيبر
528 وعند أنس بن مالك أيضا حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على زينب حين تزوجها فأشبع المسلمين خبزا ولحما (1) وقد ذكرنا أحاديث هذا الباب [كلها] بالأسانيد [في ((التمهيد))] 1106 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)) 1107 - مالك عن بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله قال أبو عمر أما حديث نافع فاختلف أصحابه عليه في لفظه فلفظ حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر كلفظ [حديث] مالك سواء [بلفظ] واحد ورواه أيوب وموسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((أجيبوا الدعوة إذا دعيتم)) لم يخص وليمة من غيرها هكذا رواه حماد بن زيد عن أيوب [ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا دعا أحدكم أخاه فليجيب عرسا كان أو دعوة)) ورواه الزبيدي عن نافع عن بن عمر مثل حديث معمر عن أيوب] عن نافع
529 وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في ((التمهيد)) فأما حديث مالك وعبيد الله فظاهره يوجب إتيان الدعوة إلى الوليمة دون غيرها وظاهر حديث أيوب وموسى بن عقبة يشتمل كل دعوة إلا أنه مجمل محتمل التأويل وظاهر حديث معمر والزبيدي قد بان فيه الأمر بإتيان العرس وغيره [لا خلاف] ألفاظ ظاهر هذه الأحاديث اختلف الفقهاء فيما يجب إتيانه من الدعوات على ما نذكره بعد - إن شاء الله تعالى وأما حديث بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال ((شر الطعام طعام الوليمة)) فظاهره موقوف على أبي هريرة من رواية الجمهور من أصحاب مالك إلا أن قوله فيه فقد عصى الله ورسوله يقضي برفعه عندهم وقد رواه روح بن القاسم عن مالك بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((شر الطعام طعام الوليمة)) الحديث فرفعه وكذلك رواه إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك وكذلك رواه بن جريج عن بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)) [ورواه معمر عن الزهري عن بن المسيب والأعرج عن أبي هريرة جميعا قال شر الطعام طعام الوليمة يدعى الغني ويمنع المسكين وهي حق من يردها فقد عصى ذكره عبد الرزاق عن معمر بهذا الإسناد وهذا اللفظ موقوفا على أبي هريرة قال عبد الرزاق وربما قال معمر في هذا الحديث ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله] قال أبو عمر خرج أهل التصنيف في ((المسند)) حديث أبي الشعثاء عن أبي هريرة أنه رأى رجلا خارجا من المسجد بعد الأذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
530 وكذلك خرجوا في ((المسند)) حديث بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك وكذلك حديث أبي هريرة في الوليمة مسند عندهم إلى رواية من رواه مرفوعا بغير إشكال مما يشهد بما ذكرنا وبالله توفيقنا وأما اختلاف الفقهاء فيما يجب إتيانه من الدعوات إلى الطعام فقال مالك والثوري يجب إتيان [وليمة] العرس ولا يجب غيرها وقال الشافعي [إجابة] وليمة العرس واجبة ولا أرخص في ترك غيرها من الدعوات التي يقع عليها اسم وليمة كالإملاك والنفاس والختان وحادث سرور ومن تركها لم يتبين لي أنه عاص كما تبين لي في وليمة العرس قال ومن أجاب وهو صائم دعا وانصرف وقال عبيد الله بن الحسن العنبري القاضي إجابة كل دعوة اتخذها صاحبها للمدعو فيها طعاما واجبة وهو قول أهل الظاهر لقوله صلى الله عليه وسلم ((أجيبوا الدعوة إذا دعيتم)) وقد روي عرسا كان أو غيره ولحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ((فكوا العاني وأجيبوا الداعي [وعودوا المريض)) (1) ولحديث البراء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي] (2) وقال الطحاوي لم نجد عند أصحابنا - يعني أبا حنيفة وأصحابه [في ذلك] شيئا إلا في إجابة دعوة [الوليمة] فإنها تجب عندهم قال وقد يقال إن طعام الوليمة إنما هو طعام] العرس خاصة والله أعلم قال أبو عمر قال صاحب [العين] الوليمة طعام العرس وقد [أولم إذا أطعم
531 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن ((أولم ولو بشاة)) فإذا وجب عليه أن يولم [ويدعو] وجبت الإجابة وفي قوله ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله بيان في تأكيد إيجاب إتيان الوليمة والله أعلم وما أعلم خلافا بين السلف من الصحابة والتابعين [في القول] بالوليمة وإجابة من دعي إليها وأما طعام الختان فقد روى عن الحسن قال دعي [عثمان] بن أبي العاص إلى ختان فأبى أن يجيب وقال كنا على عهد ر سول الله صلى الله عليه وسلم لا نأتي الختان ولا ندعى إليه وليث عن نافع قال كان بن عمر يطعم على ختان الصبيان ذكره أبو بكر قال حدثني جرير عن ليث عن نافع وروى عن الحسن من وجوه ومن ذهب من أهل الظاهر وغيرهم [إلى إيجاب الإجابة لكل دعوة] احتجوا بظاهر الأحاديث عن النبي - عليه السلام - أنه قال ((أجيبوا الدعوة إذا دعيتم)) وقوله - عليه السلام - ((لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي لي كراع لقبلت)) (1) وهذه جملة محتمله للتأويل لأنه يمكن أن يريد أجيبوا الدعوة إلى الوليمة ويحتمل قوله - عليه السلام - لو دعيت إلى ذراع الحديث الندب والاستحباب لما في إجابة دعوة الداعي من الألفة وفي ترك إجابتة من فساد النفوس وتوليد العداوة وعلى كل حال فإجابة دعوة الداعي إلى الطعام حسنة مندوب إليها مرغوب فيها هذا أقل أحوالها إلا أن يكون فيها من المناكر المحرمة ما يمنع من شهودها ولأهل الظاهر القائلين بوجوب الإجابة على كل حال لكل دعوة قولان في أكل المدعو المجيب إذا كان مفطرا وقد روي لكل واحد منهما حديث أحدهما أن على الصائم أن يجيب فيدعو وينصرف وعلى المفطر أن يأكل على ظاهر حديث محمد بن سيرين عن أبي
532 هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل (1) يقول فليدع [الآخر] والآخر إن على من دعي أن يجيب فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل إذا كان مفطرا على ظاهر حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك)) (2) وقد ذكرنا هذين الحديثين من طرق في ((التمهيد)) وأما أقاويل الفقهاء ومذاهبهم في الامتناع من الإجابة والقعود والأكل إذا رأوا في موضع الطعام منكرا أو علموه فقال مالك أما اللهو الخفيف مثل الدف والكبر فلا يرجع لأني أراه خفيفا وقاله بن القاسم وقال أصبغ أرى أن يرجع قال وأخبرني بن وهب عن مالك أنه لا ينبغي لذي الهيئة أن يحضر موضعا فيه لعب وقال الشافعي إذا كان في وليمة العرس مسكرا وخمرا وما أشبه ذلك من المعاصي الظاهرة نهاهم فإن نحوا ذلك وإلا لم أحب له أن يجلس وأن علم ذلك عندهم لم أحب له أن يجيب قال وضرب الدف في العرس لا بأس به وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة إذا حضر الوليمة فوجد فيها اللعب فلا بأس أن يقعد ويأكل وقال محمد بن الحسن إذا كان الرجل ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج وقال الليث بن سعد إذا كان في الوليمة الضرب بالعود واللهو [فلا ينبغي] أن يشهدها
533 وروي أن الحسن وبن سيرين كانا في جنازة وهناك نوح فانصرف بن سيرين فقيل للحسن ذلك فقال إن كنا متى رأينا باطلا تركنا له حقا أسرع ذلك في ديننا قال أبو عمر من كره ذلك فحجته حديث سفينة وما كان مثله أن عليا وفاطمة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعاه لضيف نزل بهما فأتاه فرأى فراشا في ناحية البيت فانصرف وقال ليس لي أن أدخل بيتا فيه تصاوير أو قال بيتا مزوقا قالوا فقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدخول في بيت فيه ما قد نهى عنه فكذلك كل ما كان مثله من المناكير ورجع بن مسعود إذ دعي إلى بيت فيه صورة وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه تصاوير)) (1) ورجع أبو أيوب الأنصاري إذ دعاه بن عمر فرأى مثل ذلك وحجة من أجاز ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى لعب الحبشة ووقف له وأراه عائشة وأنه ضرب عنده في العيد بالدف [والغناء] فلم يمنع من ذلك وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة [يلعبون في المسجد] حتى أكون أنا التي أستأم فأقدروا وأقدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو وهذا لفظ حديث الأوزاعي عن الزهري ورواه مالك عن أبي النضر عمن سمع عائشة تقول سمعت أصوات ناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون يوم عاشوراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أتحبين أن تري لعبهم)) قلت نعم فأرسل إليهم فجاؤوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم [بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت يدي على يده وجعلوا يلعبون وأنا أنظر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم] يقول ((حسبك)) مرتين أو ثلاثا ثم قال يا عائشة حسبك)) فقلت نعم فأشار إليهم فانصرفوا
534 وقد ذكرنا هذا المعنى بأوضح من هذا في غير هذا الموضع قال أبو عمر قد ذكرنا قول الخليل في الوليمة وقال غيره طعام الوليمة هو طعام العرس والأملاك خاصة قال ويقال للطعام الذي يصنع للنفساء الخرص والخرصة - يكتب بالسين وبالصاد [ويقال للطعام] الذي يصنع عند الختان الإعذار والطعام الذي يصنع للقادم من السفر النقيعة والطعام الذي يصنع عند بناء الدار الوكيرة وأنشد خلف لبعض الأعراب (كل الطعام يشتهي ربيعه * الخرص والإعذار والنقيعه) (1) قال ثعلب المأدبة والمأدبة كل ما دعي إليه من الطعام [تفتح الذال وتضم في المأدبة] [قال ويقال هذا طعام أكل على ضفف إذا كثرت عليه الأيدي وكان قليلا] واختلفوا في نهبه اللوز والسكر وسائر ما ينثر في الأعراس والختان وأضراس الصبيان فقال مالك لا يعجبني ذلك وأكره أن يؤكل شيء مما يأخذه الصبيان اختلاسا على تلك الحال وقال الشافعي [في المزني] لو ترك كان أحب إلي ولا يبين لي أنه حرام إذا أذن فيه صاحبه وقال الربيع عنه أكرهه لأن صاحبه ربما لم تطب نفسه بمن غلب فيه وقوي عليه بما صار من ذلك إليه وقال أبو حنيفة لا بأس بنهبة السكر واللوز والجوز في العرس والختان إذا أذن أهله فيه
535 وهو قول أبي يوسف وقال بن أبي ليلى نثر السكر والجوز واللوز [وما أشبه ذلك] وأكره أن يؤخذ منه شيء قال أبو عمر وحجة من كره النهبة في هذا الباب حديث ثعلبة بن الحكم قال أصاب الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما فانتهبوها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تصلح النهبة)) وأمر بالقدور فأكفئت (1) وروى عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من انتهب فليس منا)) (2) وفي حديث الصنابحي عن عبادة قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا ننتهب (3) [وأما من لم ير بذلك باسا لإذن صاحبه فمن حجته عن حديث] عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نحر بدنا له] ثم قال من شاء اقتطع (4) ولم يختلفوا أن من سنته صلى الله عليه وسلم في هدي التطوع أن يخلي بين الناس وبينه فيأخذ منه كل ما قدر عليه 1018 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء (5) قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم
536 قال أبو عمر هكذا هذا الحديث عند جميع رواة الموطأ)) إلا أن بعضهم زاد فيه ذكر القديد منهم بن بكير والقعنبي قالوا فيه بطعام فيه دباء وقديد وأدخل مالك هذا الحديث في باب الوليمة وليس فيه شيء يدل على الوليمة ويشبه أن يكون وصل إليه من ذلك علم وأما ظاهره فلا دليل فيه على طعام العرس والوليمة وإنما هو عندي مثل حديثه أيضا عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن جدته مليكة دعت رسول الله لطعام صنعته الحديث ذكره في باب صلاة الضحى من كتاب الصلاة ومثله في معناه دعاء أبي طلحة وأم سليم له إلى طعام ومثله كثير من الآثار الصحاح في غير الوليمة وقد ذكرنا أن أهل الظاهر يوجبون الإتيان إلى كل دعوة فيها طعام حلال لحديث شقيق عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أجيبوا الداعي ولا ترد الهدية)) (1) ولحديث البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وتشميت العاطس (2) وما كان مثل هذين الحديثين في معناهما وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((حق المسلم على المسلم خمس)) ويروى في هذا الحديث ست ((إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا عطس فشمته وإذا استنصحك)) فانصح له وإذا مرض فعده وإذا مات فاشهد جنازته)) (3) رواه مالك وغيره عن العلاء
537 ومعلوم أن العيادة للمريض والتشميت للعاطس والابتداء بالسلام ليس منهن شيء واجب [يتعين] وإنما هو حسن [أدب] وإرشاد فكذلك الدعوة إلى الطعام وبالله تعالى التوفيق وقد ذكرنا ما لأئمة الفتوى بالأمصار في إجابة الوليمة وغيرها بما فيه كفاية - إن شاء الله تعالى [وبالله التوفيق وحسبي ونعم الوكيل] 18 ((22 - باب جامع النكاح)) 1109 - مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إذا تزوج أحدكم المرأة أو اشترى الجارية فليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة وإذا اشترى البعير فليأخذ بذروة سنامه وليستعذ بالله من الشيطان)) [قال أبو عمر] هكذا هذا الحديث في ((الموطأ)) مرسلا لزيد بن أسلم وقد رواه عنبسة بن عبد الرحمن عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر عن النبي عليه السلام وعنبسة ضعيف ولكن معناه يتصل ويستند من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام ومن حديث أبي لاس الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم] وقد ذكرنا أسانيدها في ((التمهيد)) ولا أقف على الفرق بين البعير والدابة والله أعلم بما أراد بقوله صلى الله عليه وسلم وجائز أن يدعي بالبركة في كل حيوان يشترى لأن الاستعاذة من الشيطان لا تمنع من الدعاء بالبركة لأن ذلك كله من الخير وقد [يحتمل] أن يكون النبي عليه السلام خص البعير بالاستعاذة من الأستعاذه بالشيطان عند ابتياعه لأنه عليه السلام قد قال في الإبل ((إنها خلقت من جن)) وهذا على التشبيه بحدة الجن وصولتهم وكذلك صولة الجمل عند هياجه والله أعلم بما أراد من قوله ذلك
538 فكأنه عليه السلام أكد في الاستعاذة من شر الإبل وأمر بالدعاء بالبركة في غيرها وفيها - إن شاء الله والناصية مقدم شعر رأس الدابة الذي يكون بين أذنيها وكذلك هو في الآدميين شعر مقدم الرأس 1110 - مالك عن أبي الزبير المكي أن رجلا خطب إلى رجل أخته فذكر أنها قد كانت أحدثت (1) فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فضربه أو كاد يضربه ثم قال مالك والخبر قال أبو عمر قد روي هذا المعنى عن عمر من وجوه ومعناه عندي - والله أعلم - فيمن تابت وأقلعت عن غيها فإذا كان ذلك حرم الخبر بالسوء عنها وحرم رميها بالزنى ووجب الحد على من قذفها إذا لم تقم البينة [عليها] وقد أخبر الله عز وجل - أنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وقال - عز وجل * (إن الله يحب التوابين) * [البقرة 222] وروي عن النبي - عليه السلام - أنه قال ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) (2) وروى يزيد بن هارون عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال إن ابنة لي ولدت في الجاهلية وأسلمت [فأصابت] حدا وعمدت إلى الشفرة فذبحت نفسها فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها بزاويتها فبرئت ثم مسكت وأقبلت على القرآن وهي تخطب إلي فأخبر من شأنها بالذي كان فقال عمر أتعمد إلى ستر ستره الله فتكشفه لئن بلغني أنك ذكرت شيئا من أمرها لأجعلنك نكالا لأهل الأمصار بل أنكحها نكاح العفيفة المسلمة وروى شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن رجلا أراد أن يزوج ابنته فقالت إني أخشى أن أفضحك إني قد بغيت فأتى عمر فذكر ذلك له فقال أليست قد تابت قال نعم قال فزوجها
539 1111 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير كانا يقولان في الرجل يكون عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن البتة أنه يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تنقضي عدتها 1112 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير [أفتيا الوليد بن عبد الملك عام قدم المدينة بذلك غير أن القاسم بن محمد قال طلقها في مجالس شتى قال أبو عمر اختلف العلماء في الرجل يطلق امرأته البتة] هل له أن يتزوج أختها وهي في عدة منه ومثله الرجل يكون له أربع نسوة فيطلق إحداهن طلاقا بائنا هل له أن يتزوج خامسة في العدة فقال مالك والليث بن سعد والأوزاعي وعثمان البتي والشافعي يجوز أن يتزوج الخامسة والأخت إذا كانت المطلقة قد بانت ولا يراعون العدة وهو قول بن شهاب والحسن وعطاء وسالم بن عبد الله بن عمر] على اختلاف عنه وكذلك اختلف فيه عن عطاء وسعيد بن المسيب [والحسن] والقاسم والصحيح عنه ما رواه مالك عن ربيعة عنه وعن غيره ولم يختلف في ذلك عن عروة وهو قول عثمان بن عفان قال لرجل من ثقيف إذا طلقت [امرأتك] ثلاثا فإنها لا ترثك ولا ترثها فانكح إن شئت وقال الأوزاعي كان رجال من أهل العلم لا يرون به بأسا رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وعن بن جريج عن عطاء قالا وأبعد الناس منها إذا بت طلاقها لا ترثه ولا يرثها فإن شاء نكح قبل أن تنقضي عدتها وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي لا يتزوج [الرجل المرأة] في عدة أختها من بينونة ولا يتزوج الخامسة في عدة المبتوتة
540 إلا أن الحسن بن حي قال أستحب ألا تتزوج وأما الثوري وأبو حنيفة وأصحابه فلا يتزوج عندهم في العدة بحال وروي قولهم عن علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت [وعن عبيدة السلماني] وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وإبراهيم واختلف في ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والقاسم وسالم فروي عنهم الوجهان جميعا وروى معمر والثوري وبن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال لا يتزوج حتى تنقضي عدة التي طلق وسفيان عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت مثله وروى عبد الرزاق وعبد الرحمن بن مهدي وأبو نعيم ومحمد بن كثير عن الثوري عن أبي هاشم الواسطي قال سألت إبراهيم هل على الرجل عدة قال نعم وعدتان وثلاث فذكر الأختين يطلق إحداهما والأربع يطلق واحدة منهن والرجل يكون تحته المرأة لها ولد من غيره فيموت ولدها فليس لزوجها أن يقربها حتى يعلم أحامل هي أم لا لا ليرث أخاه أو لا يرثه وذكر أبو بكر قال حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا كانت تحت الرجل أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا فلا يتزوج خامسة فإن ماتت فليتزوج من يومه [قال أبو عمر] لأنه لا يخاف مع الموت فساد النسب ولا يراعي اجتماع الماءين هنا قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء فيمن له أربع نسوة يطلق إحداهن طلقة يملك رجعتها أنه لا يحل له نكاح غيرها حتى تنقضي عدتها لأنها في حكم الزوجات في النفقة والسكنى والميراث ولحوق الطلاق والإيلاء والظهار واللعان كالتي لم تطلق منهن سواء وأما قول القاسم للوليد طلقتها في مجالس شتى فإنه أراد أن يشتهر طلاقها البات وتستفيض فتقطع عنه الألسنة في تزويج الخامسة إذا علم أنها ليست خامسة 1113 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال ثلاث ليس فيهن لعب النكاح والطلاق والعتق
541 قال أبو عمر هذا المعنى قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا إلا أن في موضع العتق في الحديث المسند الرجعة حدثني [عبد الله قال حدثني محمد] قال حدثني أبو داود قال حدثني القعنبي قال حدثني عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن بن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة)) (1) قال أبو عمر لا يستند هذا الحديث إلا من هذا الوجه وقد ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال يقال من نكح لاعبا أو طلق لاعبا فقد جاز ولو كان - والله أعلم - صحيحا عن عطاء لما خفي فإنه أقعد الناس بعطاء وأثبتهم فيه ولكن المعنى صحيح [عند العلماء] لا أعلمه يختلفون فيه وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء كلهم قال ثلاث لا لعب فيهن ولا رجوع فيهن واللعب فيهن جاد النكاح والطلاق والعتق هذا معنى ما روي عنه وروي عن عمر بن الخطاب في هذا المعنى ما [رواه] عبد الرزاق عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب قال أتى [رجل] رجلا لعابا بالمدينة فقال له أطلقت امرأتك قال نعم قال كم قال ألفا قال [فرفع إلى عمر] فقال أطلقت امرأتك ألفا قال نعم إنما كنت ألعب فعلاه بالدرة وقال إنما يكفيك من ذلك ثلاث وروي عن النبي عليه السلام أيضا مثله بإسناد منقطع ضعيف فأما حديث علي - رضي الله عنه - فرواه عنه عبد الله بن يحيى ومروان بن الحكم
542 وحديث بن مسعود وحديث أبي الدرداء منقطعان أيضا [وقد روى الثوري وبن جريج عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب مثل حديث مالك سواء ذكره عبد الرزاق عنهما وقد رواه سعيد بن المسيب عن عمر فيما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو معاوية عن حجاج عن سليمان بن شجيم عن سعيد بن المسيب عن عمر قال أربع جائزات على كل أحد العتق والطلاق والنكاح والنذر وحديث مالك أصح عنه لصحة الإسناد ورواية الأئمة له كذلك وقد روى وكيع عن الضحاك قال ثلاث لا يلعب بهن النكاح والطلاق والنذور] وروى إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر قال كتب عبد الملك بن مروان وسليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك ما أقلتم السفهاء من شيء فلا تقتلوهم الطلاق والعتاق وروى معمر عن قتادة عن الحسن عن أبي الدرداء قال ثلاث اللاعب فيهن كالجاد النكاح والطلاق والعتاق [أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن يونس عن الحسن عن أبي الدرداء قال ثلاث لا لعب فيهن الطلاق والنكاح والعتق] قال وحدثني عيسى بن يونس عن عمر عن الحسن عن أبي الدرداء قال كان الرجل في الجاهلية يطلق ثم يراجع يقول كنت لاعبا فأنزل الله تعالى * (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) * [البقرة 231] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من أعتق أو طلق أو أعتق أو نكح أو أنكح وقال أني كنت لاعبا فهو جائز عليه)) 1114 - مالك عن بن شهاب عن رافع بن خديج أنه تزوج بنت محمد بن مسلمة الأنصاري فكانت عنده حتى كبرت فتزوج عليها فتاة شابة فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها واحدة ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها ثم عاد فآثر الشابة فناشدته الطلاق فطلقها واحدة ثم راجعها ثم عاد فآثر الشابة فناشدته الطلاق فقال ما شئت إنما بقيت واحدة فإن شئت استقررت على ما ترين
543 من الأثرة (1) وإن شئت فارقتك قالت بل أستقر على الأثرة فأمسكها على ذلك ولم ير رافع عليه إثما حين قرت عنده على الأثر قال أبو عمر قوله - والله أعلم - فآثر الشابة عليها يريد الميل بنفسه إليها والنشاط لها لا أنه أثره عليها في مطعم وملبس ومبيت لأن هذا لا ينبغي أن يظن بمثل رافع ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)) (2) وما أظن رافعا فعل ذلك إلا من قوله تعالى * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) * [النساء 128] ترك بعض حقها وفي معنى هذه الآية كانت قصة سودة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبت يومها لعائشة وقرت بذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم روضة منها في أن تكون زوجة في الدنيا والآخرة وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة (3) وروى الزهري عن عروة عن عائشة فقال فيه أن سودة وهبت يومها لعائشة تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رافع بن خديج كانت تحته ابنة محمد بن مسلمة فكره من أمرها أما كبرا وأما غيره فأراد أن يطلقها فقالت لا تطلقني واقسم لي ما شئت فجرت السنة بذلك فنزلت " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا الآية " [النساء 128] وأرفع ما قيل في تأويل قول الله تعالى * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * [النساء
544 ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن غزية عن علي بن أبي طالب أن رجلا سأله عن هذه الآية فقال هي المرأة تكون عند الرجل فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو فقرها أو كبرها أو سوء خلقها وتكره فراقه فإن وضعت له شيء من مهرها حل له فإن جعلت له من أيامها فلا حرج وروى معمر عن الزهري قصة رافع بن خديج التي ذكر مالك بمعنى حديث مالك سواء وزاد فذلك الصلح الذي بلغنا أنه نزلت فيهما * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) * [النساء 128] وروى هشيم [عن يونس وهشام] عن بن سيرين عن عبيدة قال هما على ما اصطلحا عليه فإن انتقضت فعليه أن يعدل عليهما أو يفارقها قال هشيم وأخبرنا مغيرة عن إبراهيم مثل ذلك قال وأخبرنا حجاج بن أرطأة عن مجاهد مثل ذلك قال وأخبرنا يونس عن الحسن قال ليس لها أن تنتقض وهو على ما اصطلحا عليه قال أبو عمر قول الحسن هذا هو قياس قول مالك فيمن أنظر بالدين أو أعار العارية إلى مدة ونحو ذلك من مسائله وقول عبيدة وإبراهيم ومجاهد هو قياس قول الشافعي والكوفي لأنها هبة منافع طارئة لم تقبض فجاز الرجوع فيها وبالله التوفيق [تم كتاب النكاح بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما يتلوه كتاب الطلاق