بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: الاستذكار المؤلف: ابن عبد البر الجزء: 8 الوفاة: 463 المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام تحقيق: سالم محمد عطا-محمد علي معوض الطبعة: الأولى سنة الطبع: 2000م المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية الناشر: دار الكتب العلمية ردمك: ملاحظات: ((42 كتاب الأشربة)) ((باب الحد في الخمر)) 1560 - مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء (1) وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما قال أبو عمر هذا الإسناد أصح ما يروى من أخبار الآحاد وفي هذا الحديث من الفقه وجوب الحد على من شرب مسكرا أسكر أو لم يسكر خمرا كان من خمر العنب أو نبيذا لأنه ليس في الحديث ذكر الخمر ولا أنه كان سكران وإنما فيه من قول عمر أن الشراب الذي شرب منه إن كان يسكر جلده الحد وهذا يدل على أنه كان شرابا لا يعلم أنه الخمر المحرم قليلها وكثيرها ولو كان ذلك ما سأل عنه وقد أجمعوا على أن قليل الخمر من العنب فيه من الحد مثل ما في كثيرها ولا يراعى السكر فيها وإنما اختلفوا في ما سواها من الأنبذة المسكرة على ما نذكره [بعد] إن شاء الله عز وجل وفيه القضاء بالحد على من وجد منه ريح الخمر وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما فروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يرون الحد على من وجد منه ريح الخمر وهو قول مالك وأصحابه وجمهور أهل الحجاز إذا أقر شاربها أنها ريح خمر أو شهد عليه بذلك
3 وكذلك عندهم ريح المسكر سواء لأن كل معسكر عندهم خمر على ما رووا في ذلك عن النبي وسيأتي بعد في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وخالفهم في ذلك جمهور أهل العراق وطائفة من أهل الحجاز فقالوا لا حد على أحد في رائحة الخمر [وهو يعقل] لا رائحة المعسكر وذكر عبد الرزاق (1) [عن بن جريج] قال قلت لعطاء [الريح] توجد من شارب الخمر وهو يعقل قال لا حد إلا بالبينة قد تكون الرائحة من الشراب الذي ليس به بأس قال وقال عمرو بن دينار لا حد في الريح وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما قال الشافعي لا يحد الذي يوجد منه ريح الخمر إلا بأن يقول شربت خمرا أو مسكرا أو يشهد بذلك عليه وسواء سكر أو لم يسكر قال ولو شرب شرابا فلم يسكر وشرب من ذلك الشراب غيره فسكر كان عليهما جميعا الحد لأن كل واحد منهما شرب مسكرا وأما العراقيون إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وبن أبي ليلى وشريك وبن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفة وأكثر علماء البصرة فإنهم لا يرون في شرب المسكر حدا إلا على من سكر منه ولا يراعون الريح من الخمر ولا من المسكر [قال] ولا يرون في الريح من ذلك كله حدا وهذا خلاف عن السلف من الصحابة الذين لم يخالفهم مثلهم وذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن بن أبي ذئب عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر رضي الله عنه كان يضرب في الريح وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال حدثنا بن شهاب عن السائب بن يزيد أنه حضر عمر بن الخطاب وهو يجلد رجلا وجد منه ريح شراب فجلده الحد تاما قال أبو عمر لم يسم مالك ولا بن جريج في حديثهما هذا عن بن
4 شهاب الموجود منه ريح الشارب المجلود فيه وقد سماه في هذا الحديث بن عيينة ومعمر روى الحميدي وغيره عن بن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد قال قال عمر [ذكر] لي أن عبيد الله وأصحابه شربوا شرابا بالشام وأنا سائل عنه فإن كان مسكرا جلدتهم قال بن عيينة وحدثني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال رأيت عمر حدهم قال أبو عمر حديث بن عيينة هذا ليس فيه أنه جلدهم في ريح الشراب بل ظاهره أنه حدهم بما ذكر له وهي الشهادة ولكن بن عيينة لم يأت بالحديث على وجهه والله أعلم وقد ذكر عبد الرزاق (1) هذا الخبر فقال أخبرنا معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال شاهدت عمر بن الخطاب صلى على جنازة ثم أقبل علينا فقال إني وجدت من عبيد الله بن عمر ريح شراب وإني سألته عنهما فزعم أنه الطلاء وإني سائل عن الشراب الذي شربه فإن كان مسكرا جلدته قال فشهدته بعد ذلك يجلده قال أبو عمر قد جود معمر ومالك هذا الحديث عن عمر وأما حديث بن مسعود فذكره عبد الرزاق عن بن عيينة وذكره أبو بكر عن أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس واللفظ لحديث أبي بكر قال قرأ عبد الله بن مسعود بحمص سورة يوسف فقال رجل ما هكذا أنزلت فدنا منه عبد الله فوجد منه ريح الخمر فقال له تكذب بالحق وتشرب الرجس والله لهكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أدعك حتى أحدك فجلده الحد وذكر أبو بكر قال حدثني كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم أن ذا قرابة لميمونة دخل عليها فوجدت منه ريح شراب فقالت لئن لم تخرج إلى المسلمين فيحدونك ويطهرك ربك لا تدخل علي [بيتي] أبدا وذكر أبو بكر قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن جريج عن بن أبي مليكة قال كتبت إلى بن الزبير أسأله عن الرجل يوجد منه ريح الشراب فقال إن كان مدمنا فأحدوه وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت بن أبي مليكة مثله بمعناه
5 وذكره وكيع عن محمد بن شريك عن بن أبي مليكة قال أتيت برجل يوجد منه ريح الخمر وأنا قاض على الطائف فأردت أن أضربه فقال إنما أكلت فاكهة فكتبت إلى بن الزبير فكتب إلي إن كان من الفاكهة ما يشبه ريح الخمر فادرأ عنه الحد قال أبو عمر ذكرت هذه الآثار عن السلف لنقف على أن ما ذكره بن قتيبة في كتاب الأشربة وذكرته طائفة من أصحاب أبي حنيفة انفرد برأيه في حد الذي يوجد منه ريح الخمر وأنه ليس له في ذلك سلف وهذا جهل واضح وتجاهل أو مكابرة قال أبو عمر أقوى ما احتج به من لم ير في ريح الشراب حدا لا من الفاكهة مثل التفاح والسفرجل وشبهها قد يوجد من أكلها رائحة تشبه ريح الخمر وتلك شبهة تمنع من إقامة الحد في الريح لأن الأصل أن ظهر المؤمن حمى لا يستباح إلا بيقين دون الشبهة والظنون قال أبو عمر حديث بن شهاب المذكور في أول هذا الباب عن عمر رضي الله عنه هو في عبيد الله ابنه ولعبد الرحمن ابنه المعروف بأبي شحمة من بنيه قصة في شرب الخمر جلده فيها بمصر عمرو بن العاص ثم جلده عمر بعد والحديث بذلك عند الزهري عن سالم عن أبيه رواه معمر وبن جريج عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال شرب عبد الرحمن بن عمر بمصر خمرا [قال] كذا قال معمر وقال بن جريج شرابا مسكرا في فتية منهم أبو سروعة عقبة بن الحارث فحدهم عمرو بن العاص وبلغ ذلك عمر فكتب إلى عمرو أن أبعث إلي بابني عبد الرحمن على قتب فلما قدم عليه جلده عمر بيده الحد قال بن عمر فزعم الناس أنه مات من ضرب عمر ولم يمت من ضربه قال أبو عمر جاء عن الشعبي عن يحيى بن أبي كثير وهو شيء منقطع أن عمر ضرب ابنه حدا فأتاه وهو يموت فقال يا أبتي قتلتني فقال له إذا لاقيت ربك فأخبره أن عمر يقيم الحدود وليس في هذا الخبر ما يقطع به على موته لو صح وحديث بن عمر أصح 1561 - مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا
6 شرب سكر وإذا سكر هذي (1) وإذا هذي افترى أو كما قال فجلد عمر في الخمر ثمانين قال أبو عمر هذا حديث منقطع من رواية مالك وقد روي متصلا من حديث بن عباس ذكره الطحاوي في كتاب أحكام القرآن قال حدثني بهز بن سليمان قال حدثني سعيد بن كثير قال حدثني محمد بن فليج عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة عن بن عباس أن الشراب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي وبالنعال وبالعصي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر لو فرضنا لهم حدا يتوخى نحو ما كان يضربون عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر يجلدهم أربعين ثم كان عمر بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد فقال له لم تجلدني بيني وبينك كتاب الله عز وجل فقال عمر في أي كتاب الله عز وجل وجدت لا أجلدك فقال إن الله عز وجل يقول في كتابه " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم "] المائدة 93 [فأنا من الذين اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد فقال عمر ألا تردون عليه ما يقول فقال بن عباس إن هؤلاء الآيات [نزلن] عذرا للماضين وحجة على الباقين فعذر الماضين بأنهم لقوا الله عز وجل قبل أن يحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله عز وجل يقول " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " [المائدة 90] ثم قرأ إلى قوله * (فهل أنتم منتهون) * فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا إن الله عز وجل قد نهى أن يشرب الخمر قال عمر صدقت من اتق اجتنب ما حرم الله تعالى عليه قال عمر فماذا ترون قال علي رضي الله عنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلده ثمانين وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي قال شرب قوم من أهل الشام الخمرة وعليهم يزيد بن أبي سفيان وقالوا هي لنا حلال وتأولوا هذه الآية " ليس على الذين آمنوا
7 وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) [المائدة 93] قال فكتب فيهم إلى عمر فكتب أن ابعث بهم إلى قبل أن يفسدوا من قبلك فلما قدموا على عمر استشار فيهم الناس فقالوا يا أمير المؤمنين أن قد كذبوا على الله عز وجل وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله عز وجل فاضرب رقابهم وعلي ساكت فقال ما تقول يا أبا الحسن فيهم قال أرى أن تستتبهم فإن تابوا جلدتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم فإنهم كذبوا على الله عز وجل وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله عز وجل فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين وروى بن وهب وروح بن عبادة كلاهما قالا حدثني أسامة بن زيد الليثي أن بن شهاب حدثه عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن رجلا من كلب أخبره أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يجلد في الخمر أربعين وكان عمر رضي الله عنه يجلد فيها أربعين قال فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر فقدمت عليه فقلت يا أمير المؤمنين [إن خالدا بعثني إليك] قال في ما قلت إن الناس قد استخفوا العقوبة في الخمر وإنهم انهمكوا فما ترى في ذلك فقال عمر لمن حوله وكان عنده علي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ما ترون في ذلك ما ترى يا أبا الحسن فقال علي رضي الله عنه نرى يا أمير المؤمنين أن نجلد فيها ثمانين جلدة فإنه إذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فتابعه أصحابه فقبل ذلك عمر فكان خالد أول من جلد ثمانين ثم جلد عمر ناسا ثمانين وكان علي رضي الله عنه يقول في قليل الخمر وكثيرها ثمانون جلدة قال أبو عمر رأي علي ومن تابعه من الصحابة عند انهماك الناس في الخمر واستخفافهم العقوبة فيها أن يردعوهم عن ما حرم الله عز وجل عليهم ولم يجدوا في القرآن حدا أقل من حد القذف فقاسوه عليه وامتثلوه فيه وما فعلوه فسنة ماضية لقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي
8 [وقوله اقتدوا باللذين من بعدي] أبو بكر وعمر (1) وللكلام في هذا المعنى [موضع غير هذا] وأما اختلاف الفقهاء في مبلغ الحد في شارب الخمر فالجمهور من علماء السلف والخلف على أن الحد في ذلك ثمانون جلدة فهذا قول مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وأحمد وإسحاق وحجتهم اتفاق السلف على ما وصفنا قال أبو ثور وداود وأكثر أهل الظاهر الحد في الخمر أربعون جلدة على الحر والعبد وقال الشافعي أربعون على الحر وعلى العبد نصفها وذكر المزني عن الشافعي إن ضرب الإمام في الخمر أربعين فما دونها فمات المضروب فالحق قتله فإن زاد على الأربعين فمات فالدية على عاقلته قال أبو عمر الأصل في حد الخمر ما قدمنا ذكره في حديث ثور بن زيد عن عكرمة عن بن عباس أنهم كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربون في الخمر بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي رسول الله ثم ضرب فيها أبو بكر أربعين عن مشورة منه في ذلك للصحابة لما انهمك الناس في شربها [قال أبو عمر] ثم زاد انهماكهم في شربها في زمن عمر فشاور الصحابة في الحد فيها فأشار علي بثمانين جلدة] ولم يخالفوه فأمضى عمر ثمانين جلدة وما رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن [ومحمد بن إبراهيم] بن الحارث والزهري ومحمد بن مسلم بن شهاب عن عبد الرحمن بن أزهر قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب يوم حنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم للناس قوموا إليه [فقام إليه الناس] فضربوه بنعالهم
9 ذكره أبو بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني محمد بن عمر قال حدثني أبو سلمة ومحمد بن إبراهيم والزهري عن عبد الرحمن بن أزهر وروى معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر أن أبا بكر الصديق شاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [وسألهم] كم [بلغ] ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشارب الخمر فقدروه بأربعين جلدة وذكر أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون قال أخبرنا المسعودي عن زيد العمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين فجعل عمر مكان كل نعل سوطا قال وحدثني وكيع عن مسعر عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب في الخمر أربعين قال أبو عمر مسعر أحفظ عندهم وأثبت من المسعودي والحديث لأبي الصديق عن أبي سعيد والله أعلم على أن زيدا العمي ليس بالقوي وأثبت شيء في هذا الباب ما رواه عبد الله الداناج وهو عبد الله بن فيروز من ثقات أهل البصرة والداناج بالفارسية العالم بالعربية - عن أبي ساسان بن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه قال في حين جلد الوليد بن عقبة جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة (1) وإلى هذا ذهب الشافعي رحمة الله وله قول آخر مثل قول مالك وهما يحملان عنه جميعا ذكر حديث الداناج أبو بكر قال حدثني بن علية قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن عبد الله الداناج فذكره وأما قول علي رضي الله عنه في قليل الخمر وكثيرها ثمانون جلدة فإن أهل العلم مجمعون من صدر الإسلام إلى اليوم أن الحد واجب في قليل الخمر وكثيرها إلا إذا كانت خمر عنب على من شرب شيئا منها فأقر به أو شهد عليه بأنه شربها لا يختلفون في ذلك وإن كانوا قد اختلفوا في مبلغ الحد على ما قدمنا ذكره وكذلك أجمعوا أن عصير العنب إذا غلا وأشتد وقذف بالزبد وأسكر الكثير
10 منه أو القليل أنه الخمر المحرمة بالكتاب والسنة المجتمع عليها وأن مستحلها كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل هذا كله ما لا خلاف فيه بين أئمة الفتوى وسائر العلماء واختلفوا في شارب المسكر من غير [خمر] العنب إذا لم يسكر فأهل الحجاز يرون المسكر حراما ويرون في قليله الحد كما في كثيره على من شربه وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما وجماعة أهل الحجاز وأهل الحديث من أهل العراق وأما فقهاء العراق فجمهورهم لا يرون في المسكر على من شربه حدا إذا لم يسكر ولا يدعون ما عدا خمر العنب خمرا ويدعونه نبيذا وسنذكر [الحجة] لأهل الحجاز في قولهم هذا إذ هو الصحيح [عندنا] في هذا الباب عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن البتع وهو شراب العسل فقال صلى الله عليه وسلم كل شراب أسكر فهو حرام (1) وأما اختلاف العلماء في حد عصير العنب الذي إذا بلغه كان خمرا فاختلاف متقارب فنذكره هنا لتكمل فائدة الكتاب بذلك روى بن القاسم عن مالك أنه كان لا يعتبر الغليان في عصير العنب ولا يلتفت إليه ولا إلى ذهاب الثلثين في المطبوخ وقال أنا أحد كل من شرب شيئا من عصير العنب وإن قل إذا كان يسكر منه وهو قول الشافعي وقال الليث بن سعد لا بأس بشرب عصير العنب ما لم يغل ولا بأس بشرب مطبوخه إذا ذهب الثلثان وبقي الثلث وقال سفيان الثوري اشرب عصير العنب حتى يغلي وغليانه أن يقذف بالزبد فإذا غلى فهو خمر
11 وهو قول أبي حنيفة وأبي [يوسف] ومحمد وزفر إلا أن أبا يوسف قال إذا غلى فهو خمر وقال [أبو حنيفة] لا بأس به ما لم يقذف بالزبد وقالوا إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث ثم غلى بعد ذلك فلا بأس به لأنه قد خرج من الحال المكروهة الحرام إلى حال الحلال فسواء غلى بعد ذلك أو لم يغل وقال أحمد بن حنبل العصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام فقد حرم إلا أن يغلي قبل ذلك فيحرم قال وكذلك النبيذ قال أبو عمر روينا عن سعيد بن المسيب أنه لا بأس بشرب العصير ما لم يزبد وإذا أزبد [فهو حرام هذه رواية يزيد بن قسيط عنه وروى عنه قتادة اشربه ما لم يغل فإذا غلى] فهو خمر وكذلك قال إبراهيم النخعي وعامر الشعبي وقال الحسن اشربه ما لم يتغير وقال سعيد بن جبير اشربه يوما وليلة وروى ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي وعن عطاء وبن سيرين والشعبي وعن عطاء أيضا اشربه ثلاثا ما لم يغل وقال بن عباس اشربه ما كان طريا وقال [بن عمر] اشربه ما لم يأخذه شيطانه قيل له ومتى يأخذه شيطانه قال في ثلاث قال أبو عمر انعقد إجماع الصحابة رضوان الله عليهم في زمن [عمر] رضي الله عنه على الثمانين في حد الخمر ولا مخالف لهم منهم وعلى ذلك جماعة التابعين وجمهور فقهاء المسلمين والخلاف في ذلك كالشذوذ المحجوج بالجمهور وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم على حرف واحد من السبعة الأحرف التي
12 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل القرآن عليها ومنعوا ما عدا مصحف عثمان منها وانعقد الإجماع على ذلك فلزمت الحجة به لقول الله عز وجل * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * [النساء 115] وقال بن مسعود ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله عز وجل حسن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي (1) 1562 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حدا قال أبو عمر وإذا كان حدا ما لم يبلغ السلطان وقد ذكرنا الآثار في ذلك عن السلف من الصحابة ومن بعدهم في ما مضى من كتابنا هذا والحمد لله كثيرا إن الله عز وجل عفو غفور يحب العفو عن أصحاب العثرات والزلات من ذوي السيئات دون المهاجرين المعروفين بفعل المنكرات والمداومة على ارتكاب الكبائر الموبقات فهؤلاء واجب ردعهم وزجرهم بالعقوبات وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم (2) وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه أقيلوا ذوي السيئات زلاتهم وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني هشيم عن منصور عن الحارث عن إبراهيم قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات قال أبو عمر هو الحارث بن يزيد أبو علي العكلي أحد الفقهاء الثقاة ومراسيل إبراهيم عندهم صحاح قال وحدثني وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال ادرؤوا [الحدود] القتل والجلد عن المسلمين ما استطعتم قال وحدثني وكيع عن يزيد بن زياد البصري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإذا وجدتم للمسلمين مخرجا فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة
13 ((باب ما ينهى أن ينبذ (1) فيه)) 1564 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال فقيل لي نهى أن ينبذ في الدباء (2) والمزفت (3) 1565 - مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت قال أبو عمر كان عبد الله بن عمر يكره النبيذ في الدباء والمزفت وقوفا عندما صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب مالك رحمة الله روينا عن علي بن مسهر عن الشيباني عن عبد الملك بن أبي سليمان عن نافع قال قال لي بن عمر لا تشرب في دباء ولا مزفت وروى بن القاسم عن مالك أنه كره الانتباذ في الدباء والمزفت ولا يكره غير ذلك قال أبو عمر قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النبيذ في الدباء والمزفت من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن حديث أنس بن مالك ومن حديث سمرة بن جندب ومن حديث عائشة ومن حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي ذكرها بن أبي شيبة وغيره وقال الشافعي لا أكره من الأنبذة إذا لم يكن الشراب يسكر بعد ما سمى من الآثار من الحنتم [والنقير والدباء] والمزفت وكره الثوري الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت
14 قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النبيذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت من حديث بن عباس روي عنه من وجوه في حديث وفد عبد القيس وغيره (1) ومن حديث بن عمر رواه وكيع عن شعبة عن محارب بن دثار عن بن عمر (2) ورواه مروان بن معاوية عن منصور بن حبان عن سعيد بن جبير قال أشهد علي بن عباس وبن عمر أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير (3) وروى أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مثله وروي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مثله والآثار بذلك كثيرة جدا وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نبيذ الجر الأخضر (4) من حديث أبي سعيد الخدري وغيره وهذا عندي كلام خرج على جواب السائل - والله أعلم - كأنه [سأل عن المزفت فنهاه فقال] فالجر الأخضر فقال لا تتنبذوا فيه فسمعه الراوي فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الجر الأخضر والدليل على ذلك أن عائشة وبن الزبير وعليا وأبا بردة وأبا هريرة وبن عمر وبن عباس رضي الله عنهم رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النبيذ في الجر مطلقا لم يذكروا الأخضر ولا غيره
15 0 قال بن عباس حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر قال والجر كل ما يصنع من مدر قال أبو عمر هؤلاء لا يرون النبيذ في شيء من الأوعية إلا في شيء من الأسقية المتخذة من الجلود ولا أعلم خلافا بين السلف والخلف من العلماء في جواز الانتباذ في السقاء روى شعبة عن عمرو بن مرة عن زاذان قال سألت بن عمر عن النبيذ فقلت إن لنا لغة غير لغتكم ففسر لنا بلغتنا فقال بن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحنتمة وهي الجرة ونهى عن الدباء وهي القرعة وهي المزفت وهو المقير وعن النقير وهي النخلة المنقورة بقرا وأمر عليه السلام أن ينتبذ في الأسقية وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بالانتباذ في جميع الظروف والأواني وحجتهم حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني كنت نهيتكم أن تنبذوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت فانتبذوا ولا أحل مسكرا (1) رواه أبو حزرة يعقوب بن مجاهد عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى واسع بن حبان عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله [وروى سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله] وروى أبو العالية وغيره عن عبد الله بن المغفل قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن نبيذ الجر وشدته عليه السلام حين أمر بالشرب منه وقال عليه السلام اجتنبوا كل مسكر
16 وروى سماك بن حرب عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن أبي بردة بن دثار قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت نهيتكم عن الشراب في الأوعية فاشربوا في ما بدا لكم ولا تشربوا مسكرا وقال شريك في هذا الحديث عن سماك بإسناده فاشربوا في ما بدا لكم ولا تسكروا ولم يقل ذلك غير شريك وروى خالد الحذاء عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال لما انصرف وفد عبد القيس قال النبي صلى الله عليه وسلم كل امرئ حسب نفسه لينبذ كل قوم في ما بدا لهم فهذا كله لأبي حنيفة ومن سلك سبيله في إباحة الانتباذ في كل ظرف ووعاء ويأتي القول في تحريم المسكر في باب تحريم الخمر من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل ((باب ما يكره أن ينبذ جميعا)) 1566 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ البسر (2) والرطب (3) جميعا والتمر والزبيب جميعا 1567 - مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عبد
17 الرحمن بن الحباب الأنصاري عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب التمر والزبيب جميعا والزهو (1) والرطب جميعا قال مالك وهو الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا أنه يكره ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه قال أبو عمر [قول مالك هذا يدل على أن النهي المذكور في هذا الباب نهي عبادة واختيار لا للسرف والإكثار كما قال أبو حنيفة ولا تجوز الشدة عبادة واختيار كما قال الليث وغيره وقول الشافعي في ذلك كقول مالك قال الشافعي أكره ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخليطين (2) قال أبو عمر] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينبذ التمر والزبيب والزهو والرطب من طرق ثابتة من حديث بن عباس وحديث أبي قتادة ومن حديث جابر ومن حديث أبي سعيد ومن حديث أبي هريرة ومن حديث أنس وقد ذكرنا في التمهيد كثيرا منها في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني علي بن مسهر عن الشيباني عن حبيب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلط التمر والزبيب جميعا وأن يخلط البسر [والتمر] جميعا وحدثانا قالا حدثني قاسم قال حدثني أبو بكر قال حدثني حفص عن بن جريج عن عطاء عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبذ التمر والزبيب جميعا
18 وقال أبو بكر حدثني محمد بن بشر العبدي عن حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنتبذوا التمر والزبيب جميعا ولا تنتبذوا الزهو والرطب جميعا وانتبذوا كل واحد منهما على حدة قال وحدثني محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تجمعوا بين الزهو والرطب والزبيب والتمر انتبذوا كل واحد على حدة (1) قال أبو عمر رد أبو حنيفة هذه الآثار برأيه وقال لا بأس بشرب الخليطين من الأشربة البسر والتمر والزبيب والتمر وكل ما لو طبخ على الانفراد حل كذلك إذا طبخ مع غيره وهو قول أبي يوسف الآخر قال الطحاوي وروي ذلك عن بن عمر وإبراهيم وقال محمد بن الحسن أكره المعتق من التمر والزبيب وروى المعافي عن الثوري أنه كره من النبيذ الخلط والسلافة والمعتق وقال الليث لا أرى بأسا أن يخلط نبيذ التمر ونبيذ الزبيب ثم يشربان جميعا قال وإنما جاء الحديث في كراهية أن ينبذا جميعا ثم يشربان لأن أحدهما يشد صاحبه وقال بن وهب وبن القاسم عن مالك لا يجمع بين شرابين وإن لم يسكر [كل] واحد منهما لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينبذ البسر والتمر والزهر] والزبيب [وقال الشافعي أكره ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخليطين قال أبو عمر روى معبد بن كعب بن مالك عن أمه وكانت قد صلت القبلتين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين وروى بن أبي شيبة قال حدثني معاوية بن هشام عن عمار بن زريق عن
19 بن أبي ليلي عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال كان الرجل يمر على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون فيلقونه ويقولون هذا يشرب الخليطين الزبيب والتمر ((4 - باب تحريم الخمر)) 1568 - مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع (1) فقال كل شراب أسكر فهو حرام قال يحيي بن معين هذا حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر 1569 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغبيراء (2) فقال لا خير فيها ونهى عنها قال مالك فسألت زيد بن أسلم ما الغبيراء فقال هي الأسكركة (3) 1570 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد مرسل عطاء هذا مسندا من طرق وذكرنا حديث صفوان بن محرز قال سمعت أبا موسى يخطب على هذا المنبر وهو يقول ألا إن خمر أهل المدينة البسر والتمر وخمر أهل فارس العنب وخمر أهل اليمن البتع وهو العسل وخمر الحبشة والأسكركة وهو الأرز قال أبو عمر قد قيل في الأسكركة إنه نبيذ الذرة والأول أصح إن شاء الله تعالى
20 وما ترجم له مالك رحمه الله هذا الباب وأورد فيه من الآثار يدل على أن الخمر عندهم كل مسكر يكون مما كان لأنه ترجم الباب بتحريم الخمر ثم أدخل حديث البتع والبتع شراب العسل لا خلاف في ذلك بين أهل العلم وبين أهل اللغة ثم أردفه بحديث الأسكركة وهو نبيذ الأرز ثم أردف ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة وهذا وعيد شديد جدا لأن الجنة فيها أنهار [من ماء غير آسن وأنهار] من خمر لذة للشاربين وفيها ما تشتهيه الأنفس فمن حرم ذلك فقد عظمت مصيبته وقد قيل أنه لا يدخل الجنة وقد بينا معنى هذا القول والقائل به في التمهيد والذي ذهب إليه مالك في المسكر كله من أي نوع كان أنه هو الخمر المحرمة في القرآن والسنة والإجماع وهو مذهب أهل الحجاز من الصحابة والتابعين وذهب إليه من الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار مالك والليث والشافعي والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود وهو الذي تشهد له الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتشهد به اللغة في معنى الخمر وهو الذي لم تعرف الصحابة غيره في حين نزول تحريمها حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني سويد بن نصر قال حدثني عبد الله بن المبارك عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مسكر خمر وكل خمر حرام (1) هكذا روى هذا الحديث أيوب السختياني عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثني محمد بن القاسم بن
21 سفيان قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني الحسن بن منصور قال حدثني أحمد بن حنبل قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام وهكذا روى الليث بن سعد وموسى بن عقبة وأبو حازم بن دينار وأبو معشر وإبراهيم الصائغ والأجلح وعبد الواحد بن قيس وأبو الزناد ومحمد بن عجلان وعبد الله بن عمر العمري كلهم عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه مالك عن نافع عن بن عمر موقوفا لم يرفعه ورواه عبيد الله بن عمر فكان ربما أوقفه وربما رفعه والحديث عندنا مرفوع ثابت لا يضره تقصير من قصر في رفعه وفيه بيان النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر خمر ويشهد لهذا أيضا حديث أنس من رواية مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه رواه جماعة عن أنس سنذكرهم إذا ذكرنا الحديث في موضعه إن شاء الله عز وجل وقال أنس كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت وروى عيسى بن دينار عن بن القاسم عن مالك قال نزل تحريم الخمر وما بالمدينة خمر من عنب وروى شعبة عن محارب بن دثار عن جابر قال حرمت الخمر يوم حرمت وما شراب الناس إلا البسر والتمر وروى أبو إسحاق عن أبي بردة عن عمر قال الخمر من خمسة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خمرته قال أبو عمر الخمر عندهم مشتقة الاسم من مخامرة العقل أي من اختلاط العقل من قول العرب دخل في خمار الناس أي اختلط بهم ومشتقة أيضا من تغطية العقل لقولهم خمرت الإناء غطيته ومشتقة أيضا من تركها حتى تغلي وتسكر وتزبد من قولهم تركت العجين حتى اختمر والاسم الشرعي أولى عند العلماء من اللغوي وهو الإسكار لقول رسول الله
22 صلى الله عليه وسلم كل شراب أسكر فهو حرام [وما أسكر قليله فكثيره حرام وكل مسكر خمر وكل خمر حرام] (1) وهذه الألفاظ كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق علماء المسلمين أنه لا خلاف في صحة قوله عليه السلام كل مسكر حرام إلا أنهم اختلفوا في تأويله فقال فقهاء الحجاز وجماعة أهل الحديث أراد جنس ما يسكر وقال فقهاء العراق أراد ما يقع به السكر عندهم قالوا كما لا يسمى قاتلا إلا مع وجود القتل وهذا التأويل ترده الآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة الذين هم أهل اللسان وروى الشعبي عن بن عمر عن عمر أنه قال إن الخمر حرمت وهي من خمسة أشياء من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل (2) وروى عكرمة عن بن عباس قال نزل تحريم الخمر وهي الفضيخ (3) وروى ثابت عن أنس قال حرمت علينا الخمر - يوم حرمت - وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا وعامة خمورنا البسر والتمر (4) وروى المختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن الأشربة فقال حرمت الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة وما خمرته فهو خمر فهؤلاء الصحابة لا خلاف بينهم أن الخمر تكون من غير العنب كما تكون من العنب وقد أجمعت الأمة ونقلت الكافة عن نبيها صلى الله عليه وسلم تحريم خمر العنب قليلها وكثيرها فكذلك كل ما فعل فعلها من الأشربة كلها
23 قال الشاعر (لنا خمر وليست خمر كرم * ولكن من نتاج الباسقات) وأبين شيء في هذا المعنى مع أنه كله بين والحمد لله قول عمر بن الخطاب ذكر أن عبيد الله وأصحابه شربوا بالشام شرابا وأنا سائل عنه فإن كان مسكرا جلدتهم ولا حد في ما يشرب إلا في الخمر فصح أن المسكر خمر قال أبو عمر قد ذكرنا في باب الحد في الخمر أن المسلمين مجمعون على تحريم خمر العنب ووجوب الحد على شارب قليلها وإن كانوا قد اختلفوا في مبلغ حده وذكرنا ما حدوه في عصير العنب متى يكون خمرا وأجمعوا أنه إذا أسكر كثيره فهو خمر ومنهم من حدة بالغليان ومنهم من حدة بالأزباد ومنهم من جعل الحد فيه يوما وليلة ومنهم من جعله يومين ومنهم من جعله ثلاثة أيام وإذا حملت ذلك فهو معنى متقارب كله لجمعه أن يكون كثيرها يسكر جنسا فإذا كان كذلك فهي الخمر التي لا اختلاف في تحريمها وفي تكفير مستحلها واختلفوا في النبيذ الصلب الشديد فقال مالك الأمر عندنا وفي بعض الموطآت السنة عندنا أن من شرب شرابا يسكر فسكر أو لم يسكر فقد شرب الخمر وقد وجب عليه الحد وقال الأوزاعي كل مسكر وكل مخدر حرام والحد واجب على من شرب شيئا منه قال الشافعي ما أسكر كثيره فقليله حرام وفيه الحد فهذا مذهب أهل الحرمين مكة والمدينة ومذهب أهل الشام واليمن ومصر والمغرب وجمهور أهل الحديث وأما أهل العراق فروى المعافى عن الثوري أنه كره نقيع التمر ونقيع الزبيب إذا غلا
24 قال المعافى وسئل الثوري عن نقيع العسل فقال لا بأس به قال أبو عمر إنما خص الثوري - والله أعلم - نقيع الزبيب ونقيع التمر لقوله صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة (1) وروى أحمد بن يونس عن الثوري قال اشرب من النبيذ كما تشرب من الماء وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال الخمر حرام قليلها وكثيرها والمسكر من غيرها حرام وليس كتحريم الخمر قال ونقيع الزبيب إذا غلا حرام وتحريم الخمر قال والنبيذ العتيق المطبوخ لا بأس به من أي شيء كان وإنما يحرم منه القدح الذي يسكر وقال أبو يوسف من قعد يطلب السكر فالقدح الأول عليه حرام والمقعد عليه حرام والمشي إلى المقعد عليه حرام كما أن الزنى عليه حرام وكذلك المشي إليه قال وإن قعد وهو لا يريد السكر فلا بأس به قال أبو يوسف ولا بأس بالنقيع من كل شيء وإن غلا ما خلا الزبيب والتمر وهو قول أبي حنيفة في ما حكاه محمد من غير خلاف وقال أبو جعفر الطحاوي وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي كثير السخيمي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة (2) فأخبر عليه السلام أن الخمر منهما ففي ذلك نفي أن تكون الخمر من غيرهما قال واتفقت الأمة على أن عصير العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد خمر وأن مستحلة كافر واختلفوا في نقيع التمر إذا غلا وأسكر فدل اختلافهم في ذلك على أن حديث أبي هريرة المذكور لم يتلقوه بالقبول والعمل لأنهم لم يكفروا مستحل نقيع التمر كما كفروا مستحل خمر العنب وذكر حديث أبي عون الثقفي عن عبد الله بن شداد عن بن عباس قال حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب
25 قال فدل هذا على أن غير الخمر لم تحرم بعينها كما حرمت الخمر قال أبو عمر قد تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر خمر وكل ما أسكر فهو حرام وأن تحريم الخمر نزل بالمدينة وخمرهم كانت يومئذ كانت من التمر وفهموا ذلك فأهرقوها وقد روى أنهم كسروا جرارها وذكرنا قول عمر في جلد ابنه أن شرب ما يسكر ولم يخص خمر عنب من غيرها بل اشترط المسكر وذلك كله يرد ما ذكره الطحاوي وأما اعتلاله بالتكفير فليس بشيء لأن ما ثبت من جهة الإجماع كفر المخالف له بعد العلم به من جهة أخبار الآحاد لم يكفر المخالف فيه ألا ترى أنه لا يكفر القائل بأن أم القرآن جائز الصلاة بغيرها من القرآن وجائز تركها في قراءة الصلاة ولا من قال النكاح بغير ولي جائز لا يكفر ولا من قال الوضوء بغير نية يجزئ ومثل هذا أكثر من أن يحصى ولا يكفر القائل به ويعتقد فيه التحريم والتحلل والحدود ألا ترى أنه لا يكفر من قال لا يقطع سارق في ربع دينار مع ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد العدول ومثل هذا كثير ولا يمتنع أحد من أهل العلم من أن يحرم ما قام له الدليل على تحريمه من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان غيره يخالفه في ذلك دليل استدل به ووجه من العلم ذهب إليه وليس في شيء من هذا تكفير ولا خروج من الدين وإنما فيه الخطأ والصواب والله عز وجل يوفق من يشاء برحمته وقد شرب النبيذ الصلب جماعة من علماء التابعين ومن بعدهم بالعراق لأنه لا يحرم عندهم منه إلا المسكر ورووا بما ذهبوا إليه آثارا عن عمر وغيره من السلف إلا أن آثار أهل الحجاز في تحريم المسكر أصح مخرجا وأكثر تواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه وبالله التوفيق لا شريك له وروينا عن هشام بن حسان قال سمعت محمد بن سيرين يقول ما أعجب أمر هؤلاء يعني أهل الكوفة لقد لقيت من أصحاب عبد الله علقمة وشريحا
26 ومسروقا وعبيدة فلم أرهم يشربون نبيذ الخمر فلا أدري أين غاص هؤلاء على هذا الحديث قال أبو عمر هذا يصحح قول أبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله حيث قال أول من أحل المسكر إبراهيم النخعي وأما حديث مالك عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة فحديث ثابت صحيح الإسناد لا مقال فيه لأن أهل العلم ينكرون على من أنفذ فيه الوعيد ويجعلونه إن مات قبل التوبة منها في المشيئة وقد جاء فيه تغليظ كثير كرهت ذكره وأحقه وأصحه ما روى شعبة عن زبيد عن خيثمة أنه سمعه يقول كنت قاعدا عند عبد الله بن عمر فذكر الكبائر حتى ذكر الخمر فكأن رجلا تهاون بها فقال عبد الله بن عمر لا يشربها رجل مصبحا إلا ظل مشركا حتى يمسي قال أبو عمر لم يختلفوا أنه إذا شربها مستحلا أنه كالمشرك وقد قرنها الله عز وجل بالأنصاب المعبودة من دون الله وروينا عن عبد الله بن عمرو أنه قال أول ما يكفأ الإسلام على وجهه كما يكفؤ الإناء الخمر وروى بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن أبي عياش قال أرسلنا إلى عبد الله بن عمر نسأله أي الكبائر أكبر قال الخمر فأعدنا إليه الرسول فقال الخمر من شربها لم تقبل منه صلاة سبعا فإن سكر لم تقبل له صلاة أربعين يوما وإن مات فيها مات ميتة جاهلية وذكره أبو بكر عن بن عيينة وفي الحديث الأول قال حدثني شبابة قال حدثني شعبة وهذان إسنادان لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحتهما ومثلهما في الحديث المرفوع ما ذكره أبو بكر أيضا قال حدثني يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني الزاني - حين يزني - وهو مؤمن ولا يشرب الخمر - حين يشربها - وهو مؤمن
27 قال وحدثني يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ((5 - باب جامع تحريم الخمر)) 1571 - مالك عن زيد بن أسلم عن بن وعلة المصري أنه سأل عبد الله بن عباس عما يعصر من العنب فقال بن عباس أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر (1) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الله حرمها قال لا فساره رجل إلى جنبه فقال له صلى الله عليه وسلم بم ساررته فقال أمرته أن يبيعها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي حرم شربها حرم بيعها ففتح الرجل المزادتين (2) حتى ذهب ما فيهما قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الخمر لا يجوز لأحد تخليلها [ولو جاز لمسلم تخليلها] ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع الرجل يفتح من أذنيه حتى يذهب ما فيها منها لأن الخل مال وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وقد اختلف الفقهاء في تخليل الخمر فقال مالك في ما روى عنه بن القاسم عنه [وبن وهب] لا يحل لمسلم أن يخلل الخمر ولكن يهريقها فإن صارت خلا بغير علاج فهي حلال لا بأس بها وهو قول الشافعي وعبيد الله بن الحسن العنبري وأحمد بن حنبل وروى أشهب عن مالك قال إذا خلل النصراني خمرا فلا بأس بأكله قال وكذلك لو خللها مسلم] واستغفر الله تعالى [وذكر بن عبد الحكم هذه الرواية في كتابه عن مالك وهي رواية سوء بخلاف السنة وأقوال الصحابة والذي يصح في تخليل الخمر عن مالك ما رواه بن وهب وبن القاسم
28 عن مالك قال بن وهب سمعت مالكا يقول في رجل اشترى خلا فوجد فيها قلة خمر قال لا يجعل فيها شيئا ليخللها قال ولا يحل لمسلم أن يعالج الخمر حتى يجعلها خلا ولكن يهرقها فإن صارت خلا من غير علاج فإنها حلال لا بأس بها - إن شاء الله عز وجل قال بن وهب وهو قول عمر بن الخطاب والزهري وربيعة قال بن وهب حدثني بن أبي ذئب عن بن شهاب عن القاسم بن محمد عن أسلم مولى عمر] عن عمر [بن الخطاب قال لا تأكل خمرا فسدت ولا شيء منها حتى يكون الله عز وجل تولى إفسادها قال وحدثني يونس عن بن شهاب قال لا خير في خل من خمر أفسدت حتى يكون الله عز وجل يفسدها قال أبو عمر أجاز أبو حنيفة تخليلها وأن يصنع منها مري وروي في ذلك عن أبي الدرداء رواية ليست بصحيحة وقال محمد بن الحسن لا تعالج الخمر بغير تحويلها إلى الخل قال أبو عمر لا يصح في هذه المسألة إلا ما قاله مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ومن قال بقولهم أنه لا يحل تخليل الخمر ولا تؤكل] إن خللها أحد [ولكن إن عادت خلا بغير صنع آدمي] فحلال أكلها [والدليل على صحة ما قلنا ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني زهير بن حرب قال حدثني وكيع وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري عن السدي عن أبي هبيرة يحيى بن عباد عن أنس بن مالك قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا قال لا (1) هذا لفظ حديث قاسم ولفظ حديث أبي داود بإسناده عن أنس أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن
29 أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها قال أفلا أجعلها خلا قال لا (1) وروى مجالد عن الوداك عن أبي سعيد الخدري قال كان عندي خمر لأيتام فلما نزل تحريم الخمر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهرقها وروى الحسن عن عثمان عن أبي العاص أن تاجرا اشترى من نصراني خمرا فأمره أن يصبها في دجلة فنهاه عن ذلك قال اجعلها خلا قال أبو عمر هذا هو الصحيح من جهة النظر أيضا لأنه لا يستقر ملك مسلم على خمر ولا يثبت له عليها ملك بحال كما لا يثبت له ساعة ملك الخنزير ولا دم ولا صنم فكيف يحللها وأما قوله صلى الله عليه وسلم [في الخمر] في حديث هذا الباب إن الذي حرم شربها حرم بيعها وهذا إجماع من المسلمين كافة عن كافة أنه لا يحل لمسلم بيع الخمر ولا التجارة في الخمر أخبرنا عبد الله [بن محمد] قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني قتيبة قال حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح بمكة إن الله - عز وجل - حرم بيع الخمر والميتة والأصنام (2) قال أبو داود وحدثني أحمد بن صالح قال حدثني بن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه (3) وروى هشيم ومحمد بن بشر كلاهما قالا حدثني مطيع بن عبد الله الغزال عن الشعبي عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال لا تحل التجارة في شيء لا يحل أكله ولا شربه
30 قال أبو عمر هذا كلام خرج على المطعومات والمشروبات دون الحيوان بدليل الإجماع في الحمار الأهلي وما كان مثله أنه يحل بيعه لما كان فيه من المنفعة ولا يحل أكله وقد ذكرنا في التمهيد حديث عبد الرحمن بن غنم عن تميم الداري أنه كان يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راوية من خمر كل سنة فلما كان العام الذي حرمت جاء براوية منها فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال هل شعرت أن الله عز وجل حرمها وقال إنها قد حرمت فقال يا رسول الله أفلا أبيعها وأنتفع بثمنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود ثلاث مرات انطلقوا إلى ما حرم الله عليهم من شحوم البقر والغنم فأذابوه وجعلوه إهالة فابتاعوا به ما يأكلون وقال] عليه السلام [الخمر حرام وثمنها حرام وروي معمر عن قتادة عن أنس قال لما حرمت الخمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان عندي مال ليتيم فاشتريت به خمرا أفتأذن لي أن أبيعها فأرد على اليتيم ماله قال النبي صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ولم يأذن له في بيع الخمر 1572 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شرابا من فضيخ (1) وتمر قال فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها قال فقمت إلى مهراس (2) لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت قال أبو عمر الفضيخ نبيذ البسر وحده سئل أبو هريرة عن الفضيخ فقال كنا نأخذ البسر فنفضخه ونشربه وكان أنس يقول لخادمه انزع الرطب من البسر وانبذ كل واحد] منهما [على حدة وقال بن عوف سئل بن سيرين عن الفضيخ فقال هو البسر
31 وقد قيل إن الفضيخ هو خليط البسر والتمر وفي هذا الحديث ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الانقياد إلى الدين والإسراع إلى طاعة الله عز وجل ورسوله عليه السلام وفيه أن نبيذ البسر ونبيذ التمر خمر إذا أسكر وقد مضى هذا المعنى مجودا والحمد لله كثيرا وقد روى هذا الحديث عن أنس بن مالك جماعة يطول ذكرهم منهم سليمان التيمي وقتادة وثابت البنان وعبد العزيز بن صهيب والمختار بن فلفل وأبو التياح وأبو بكر بن أنس وخالد بن الفرز ولم يذكر واحد منهم كسر الجرار إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وحده وإنما في رواية غيره عن أنس أنه كفاها 1573 - مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ أنه أخبره عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا هذا العسل قالوا لا يصلحنا العسل فقال رجل من أهل الأرض هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر قال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه فقال له عبادة بن الصامت أحللتها والله فقال عمر كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم قال أبو عمر قول عبادة لعمر في الطلاء المذكور في هذا الحديث أحللتها لهم يعني الخمر لم يرد به ذلك الطلاء بعينه ولكنه أراد أنهم يستحلونها فضيخ دون ذلك الطبخ ويعتلون بأن عمر أباح المطبوخ منها كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ستستحل أمتي الخمر فإنهم يسمونها غير اسمها ونحو هذا كما قال الشاعر (هي الخمر تكنى الطلا * كما الذئب يكنى أبا جعدة
32 حدثنا سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبيد الله بن موسى عن سعد بن أوس عن بلال بن يحيى عن أبي بكر بن حفص عن بن محيريز بن السمط عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستحلن آخر أمتي الخمر باسم يسمونها (1) وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال حدثني حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال تذاكرنا الطلاء فدخل علينا عبد الرحمن بن غنم فذاكرناه فقال حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله عز وجل بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير (2) قال أبو عمر الدليل على صحة ما تأولناه في قول عبادة أنه لم يرد ذلك النوع من الطلاء لأني لا أعلم خلافا بين الفقهاء في جواز شرب العصير إذا طبخ وذهب ثلثاه وبقي ثلثه] والكثير [يقول إنه لا يسكر الكثير منه وإن أسكر منه الكثير فالأصل ما قدمت لك في الخمر قليلها وكثيرها واختلافهم إنما هو في غيرها ألا ترى إلى حديث عمر - رضي الله عنه - في هذا الباب إنما قال القائل نصنع لك من هذا الشراب شرابا لا يسكر فعلى هذا الشرط أباح لهم ذلك الطلاء وهو لا يسكر أبدا وهو الرب عندنا وفي خبر عمر هذا دليل على أن كل ما صنع من العصير وبالعصير فحال بينه وبين أن يسكر فهو حلال لا بأس به والله عز وجل أعلم ذكر أبو بكر قال حدثني علي بن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة عن
33 قتادة عن أنس أن أبا عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبا طلحة كانوا يشربون من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه قال وحدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن داود بن أبي هند قال سألت سعيد بن المسيب عن الشراب الذي كان عمر بن الخطاب أحله للناس فقال هو الطلاء الذي ذهب ثلثاه وبقي ثلثه قال وحدثني وكيع عن الأعمش عن ميمون عن أم الدرداء قالت إني كنت أطبخ لأبي الدرداء الطلاء حتى يذهب ثلثاه ويبقي ثلثه [فيشربه وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يرزق الناس من الطلاء ما ذهب ثلثاه] وبقي ثلثه وذكر أبو بكر] بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن قال كان علي - رضي الله عنه - يرزقنا الطلاء فقلت ما هيئته قال أسود يأخذه أحدنا بأصبعه قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه واختلفوا في النصف فكرهه سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة وروي عن أبي أمامة الباهلي كراهية النصف وجماعة من العلماء ورويت الرخصة في شرب النصف بالطبخ من العصير وعن البراء بن عازب وأبي جحيفة وأنس بن مالك وبن الحنفية وجرير بن عبد الله البجلي وشريح وعبد الرحمن بن أبزى والحكم بن عيينة وقيس بن أبي حازم وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي ويحيى بن دثار وسعيد بن جبير وغيرهم ومعلوم أن أحدا منهم لا يشرب من ذلك ما يسكر لأنهم قد أجمعوا أن قليل الخمر وكثيرها حرام وقد قال بن عباس إن النار لا تحل شيئا ولا تحرمه فدل ذلك على أن المنصف لا يسكر كثيره وهذا بين واضح لكل ذي لب وفهم إلا أن المنصف قد كرهه قوم كما ذكرنا وذلك - والله أعلم - لما خافوا منه فتورعوا عنه وقد حمد الناس التارك لما ليس به بأس كمخافة اليأس وبالله التوفيق
34 1574 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجالا من أهل العراق قالوا له يا أبا عبد الرحمن إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فقال عبد الله بن عمر إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس أني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوا ولا تعصرها ولا تشربوها ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان قال أبو عمر مثل هذا القول لا يكون منه إلا وعنده من الله عز وجل ورسوله عليه السلام معناه حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني يحيى بن هاشم قال حدثني بن أبي ليلى عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخمر حرام وبيعها حرام وثمنها حرام حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع قال حدثني عبد العزيز بن عمر عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وأبي طعمة مولاهم سمعا بن عمر يقول قال رسول الله لعنت الخمر على عشرة وجوه لعنت الخمر بعينها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وساقيها وشاربها (1) حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني محمد قال حدثني سحنون قال أخبرنا بن وهب قال أخبرنا مالك بن الخير الزنادي أن مالك بن سعد التجيبي حدثه أنه سمع عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال يا محمد إن الله تعالى لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها (2)
35 ((43 كتاب العقول (1))) ((1 - باب ذكر العقول)) 1575 - مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول أن في النفس (2) مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعي (3) جدعا (4) مائة من الإبل وفي المأمومة (5) ثلث الدية مائة وفي الجائفة (6) مثلها وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون وفي كل أصبع مما هنالك (7) عشر من الإبل وفي السن خمس وفي الموضحة (8) خمس قال أبو عمر نذكر هنا حديث عمرو بن حزم ونذكر الدية وما فيها للعلماء في الباب بعد هذا
36 ولا خلاف بين العلماء في أن الأنف إذا أوعي جدعا الدية كاملة وكذلك لا خلاف بينهم في دية اليد والرجل والعين إذا أصيبت من ذي عينين ولا في الأصابع إلا الإبهام ولكنه اختلف في حكم بعضه وكذلك المأمومة والجائفة لا خلاف في أن في كل واحد منهما ثلث الدية واختلف في الأسنان ونذكر ما فيه اختلاف لأحد من سلف العلماء أو خلفهم في بابه من كتابنا هذا إن شاء الله عز وجل وفي إجماع العلماء في كل مصر على معاني ما في حديث عمرو بن حزم دليل واضح على صحة الحديث وأنه يستغني عن الإسناد لشهرته عند علماء (أهل) المدينة وغيرهم وقد روى بن وهب عن مالك والليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه احتج بكتاب عمرو بن حزم في دية الأصابع عشر عشر وقد رواه معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وذكر ما ذكر فيه مالك سواء وقد روي من حديث الزهري أيضا مسندا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير (بن حرب) ومحمد بن سليمان المنقري قالا حدثنا الحكم بن موسى قال حدثني يحيى بن حمزة قال حدثني سليمان بن داود وزاد المنقري الجزري - قال حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقدم به على أهل اليمن وهذه نسخته بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال - قبل ذي رعين ومعافر وهمدان - أما بعد) فذكر الحديث بطوله في الصدقات إلى آخرها وفيه من اعتبط مؤمنا قتلا عن غير بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وفي النفس الدية مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعي جدعا الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي الجائفة ثلث الدية وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي
37 السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار) (1) وذكر تمام الحديث ((2 - باب العمل في الدية)) 1576 - مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قوم الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم قال مالك فأهل الذهب أهل الشام وأهل مصر وأهل الورق أهل العراق 1577 - قال مالك وسمعت أن الدية تقطع (2) في ثلاث سنين أو أربع سنين قال مالك والثلاث أحب ما سمعت إلى في ذلك قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق ولا من أهل الذهب الورق ولا من أهل الورق الذهب قال أبو عمر اختلف عن عمر - رضي الله عنه - في تقويم الدية فروى أهل الحجاز عنه أنه (قومها كما ذكر مالك عنه اثني عشر ألف درهم من الورق وروى أهل العراق عنه أنه) قومها - وبعضهم يقول جعلها عشرة آلاف درهم وروى بن المبارك وعبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن عبد الله عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قضى بالدية على أهل القرى اثني عشر ألف درهم وروى هشيم عن يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب قوم الإبل في الدية مائة من الإبل وقوم كل بعير بمائة وعشرين درهما اثني عشر ألف درهم وأما رواية أهل العراق في ذلك عن عمر فروى وكيع عن بن أبي ليلى أنه حدثه عن الشعبي عن عبيدة السلماني قالا وضع عمر الديات فوضع على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة ألاف درهم وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة مسنة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة
38 قال أبو عمر لم تختلف الروايات عن عمر في الذهب أن الدية منه ألف دينار ولا اختلف فيه العلماء قديما ولا حديثا وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم وقد جاء عن عمرو بن شعيب خلاف ذلك ولا يصح وسنذكره إن شاء الله عز وجل وأما الورق فلا اختلاف في مبلغ الدية منه قديما وحديثا وليس لأهل العراق فيه شيء غير ما ذكروا عن عمر مع أهل الحجاز فيه آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار قتله مولى لبني عدي بالدية اثني عشر ألف درهم وفيهم نزلت * (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) * [التوبة 74] وقد روى هذا الحديث محمد بن مسلم الطائفي وأسنده عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في الخطأ اثني عشر ألف درهم (1) وروى عثمان بن عفان (وعلي بن أبي طالب) وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - الدية من الورق اثني عشر ألف درهم وروى وكيع عن سفيان عن أيوب بن موسى عن مكحول عن عمر مثله وهو مذهب الحجازيين وروايتهم عن عمر وقال مالك وأبو حنيفة والليث بن سعد لا يأخذ في الدية إلا الإبل والذهب أو الورق لا غير وهو أحد قولي الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يأخذ أيضا في الدية البقر والشاء والحلل على ما روي عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن (عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الدية على الناس في أموالهم ما كانت على أهل الإبل مائة بعير وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل البرود مائتي حلة
39 وهو قول عطاء والزهري وقتادة وأخبرنا عبد الله (قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال) حدثني سعيد بن يعقوب قال حدثني أبو تميلة قال حدثني محمد بن إسحاق قال ذكر عطاء عن جابر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية على أهل الإبل (1) فذكر مثل حديث بن أبي شيبة وقال الشافعي بمصر لا يأخذ من الذهب ولا من الورق إلا قيمة الإبل بالغا ما بلغت وقوله بالعراق مثل قول مالك وذكر المزني عن الشافعي أنه قال العلم محيط لأن تقويم عمر الإبل إنما قومها بقيمة يومها فاتباع عمر أن تقوم الإبل بالغا ما بلغت إذا وجبت فأعوزت لأن تقويمه لم يكن إلا للإعواز لأنه لا يكلف القروي إبلا كما لا يكلف الإعرابي ذهبا ولا ورقا لأنه لا يجدها كما لا يجد الحضري الإبل قال ولا تقوم إلا بالدنانير والدراهم دون الشاء والبقر فلو جاز أن تقوم بالشاء والبقر والحلل قوماها على أهل الخيل بالخيل وعلى أهل الطعام بالطعام وهذا لا يقوله أحد قال المزني قد كان قوله القديم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم من غير مراعاة لقيمة الإبل ورجوعه عن القديم إلى ما قاله في الجديد أشبه بالسنة ذكر أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن محمد بن عمرو قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمراء الأجناد إن الدية كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير قال فإن كان الذي أصابه الأعرابي فديته من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق فإن لم يجد الأعرابي مائة من الإبل فعدلها من الشاء ألفي شاة وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه قال الدية مائة من الإبل وقيمتها من غيرها وروى حفص بن غياث (عن أشعث عن الحسن) أن عمر وعثمان رضي الله
40 عنهما قوما الدية وجعلا ذلك إلى المعطي إن شاء كانت الدية الإبل بالإبل وإن شاء فالقيمة وذكر عبد الرزاق (1) عن بن جريج عن عطاء قال كانت الدية الإبل حتى كان عمر بن الخطاب فجعلها لما غلت الإبل كل بعير بمائة وعشرين درهما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثني يحيى بن حكيم قال حدثني عبد الرحمن بن عثمان قال حدثني حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين قال فكان ذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال ألا إن الإبل قد غلت ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وترك دية أهل الذمة لم يرفع فيها فيما رفع من الدية (2) قال أبو عمر هذا الحديث يرويه غير حسين المعلم عن عمرو بن شعيب لا يتجاوزه به (لا يقول فيه) عن أبيه عن جده على أن للناس في حديثه عن أبيه عن جده اختلافا منهم من لا يقبله لأنه صحيفة عندهم لا سماع ومنهم من يقبله وروى معمر عن الزهري قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير لكل بعير أوقية فذلك أربعة آلاف فلما كان عمر غلت الإبل ورخصت الورق فجعلها عمر أوقية ونصفا ثم غلت الإبل ورخصت الورق فجعلها عمر أوقيتين وذلك ثمانية آلاف ثم لم تزل الإبل تغلو وترخص حتى جعلها عمر اثني عشر ألفا أو ألف دينار ومن البقر مائتي بقرة ومن الشاء ألفي شاة (3) قال عبد الرزاق كل بعير ببقرتين مسنتين قال أبو عمر الحجة لمالك ومن قال بقوله أن الدية من الذهب ألف دينار ومن الورق اثنا عشر ألف درهم أو عشرة آلاف على ما رواه أهل العراق عن عمر وأن ما فرضه عمر من ذلك أصل لا بدل من الإبل لأن عمر جعله في ثلاث سنين فلو كانت بدلا لكانت دينا بدين فثبت أنها ديات في أنفسها
41 وأما قول مالك في هذا الباب أنه سمع أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع سنين قال مالك والثلاث أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه بين العلماء أن الدية في الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين على ما ورد عن عمر رضي الله عنه والذي سمع مالك في أربع سنين شذوذ والجمهور على ثلاث سنين روى المعرور بن سويد عن عمر قال الدية في ثلاث سنين وذكر أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن الأشعث عن الشعبي وعن الحكم عن إبراهيم قالا أول من فرض العطاء عمر بن الخطاب وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين وثلثي الدية في سنتين (والنصف أيضا في سنتين) والثلث في سنة قال وحدثني أبو بكر بن عياش (عن مغيرة) عن إبراهيم مثله قال وحدثني محمد بن يزيد عن (أيوب) أبي العلاء عن قتادة وأبي هاشم قالا الدية في ثلاث سنين وثلثاها ونصفها في سنتين والثلث في سنة قال وحدثني وكيع عن حريث عن الشعبي قال الدية في ثلاث سنين في كل سنة ثلث وذكر عبد الرزاق (1) عن الثوري عن أشعث عن الشعبي أن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين والنصف والثلثين في سنتين والثلث في سنة وما دون الثلث فهو من عامه وأخبرنا الثوري عن أيوب بن موسى عن مكحول أن عمر جعل الدية فذكر مثله سواء قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرت عن أبي وائل عن عمر مثله قال معمر وسمعت عبيد الله بن عمر يقول تؤخذ الدية في ثلاث سنين قال أبو عمر إنما هذا كله في دية الخطأ الواجبة بالسنة على العاقلة وأما دية العمد إذا قبلت ففي مال الجاني عند مالك وغيره ورأى مالك أن نصف الدية يجتهد فيها الإمام في سنتين ونصف وثلاثة أرباع الدية عنده في ثلاث سنين
42 قال أبو عمر إنما قال مالك إنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق ولا من أهل الذهب الورق ولا من أهل الورق الذهب لأنه لو كان دخله فالدين بالدين لأن أصل الدية عنده ذهب على أهل الذهب وورق على أهل الورق وإبل على أهل الإبل لأنها بدل من الإبل على ما وصفنا وبالله التوفيق ((3 - باب ما جاء في دية العمد إذا قبلت (1) وجناية المجنون)) 1578 - مالك أن بن شهاب كان يقول في دية العمد إذا قبلت خمس وعشرون بنت مخاض (2) وخمس وعشرون بنت لبون (3) وخمس وعشرون حقة (4) وخمس وعشرون جذعة (5) قال أبو عمر ليس عند مالك في قتل العمد دية معلومة وإنما فيه القود إلا في عهد الرجل إلى ابنه بالضرب والأدب في حين الغضب كما صنع المدلجي بابنه فإن فيه عنده الدية المغلظة ولا قود وسنذكر ذلك في ما بعد إن شاء الله عز وجل فإن اصطلح القاتل عمدا وولي المقتول على الدية وأبهموا ذلك ولم يذكروا شيئا من ذلك بعينه أو عفي عن القاتل عمدا] على الدية [هكذا وكان من أهل الإبل فإن الدية تكون عليه حينئذ حالة في ماله أرباعا كما قال بن شهاب خمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وإن كان من أهل الذهب فألف دينار وإن كان من أهل الورق فاثنا عشر ألف درهم حالة في ماله لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه إلا أن يصطلحا على شيء] فيلزمهما ما اصطلحا [عليه وقد روي عن مالك أن الدية في العمد إذا قبلت تكون مؤجلة كدية الخطأ في ثلاثة سنين
43 والأول قول بن القاسم وروايته وهو تحصيل المذهب والدية في مذهب مالك ثلاث إحداها دية العمد إذا قبلت أرباعا وهي كما وصفنا وهو قول بن شهاب وربيعة والثانية دية الخطأ أخماسا وسيأتي ذكرها - كما وصفنا - في بابها إن شاء الله عز وجل والثالثة الدية المغلظة أثلاثا ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي الحوامل وليست عنده إلا في قتل الرجل ابنه على الوصف الذي ذكرنا وأما لو أضجع الرجل ابنه فذبحه أو جلله بالسيف أو أثر الضرب عليه بالعصا أو غيرها حتى قتله عامدا فإنه يقتل عنده به وستأتي هذه المسألة وما للعلماء فيها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وليس يعرف مالك شبه العمد إلا في الأب يفعل بابنه ما وصفنا خاصة وإنما تجب الدية المغلظة المذكورة من الإبل على الأب إذا كان من أهل الإبل فإن كان من أهل الأمصار فالذهب أو الورق واختلف قوله في تغليظ دية الذهب والورق في ذلك فروي عنه أن تغليظها أن تقوم الثلاثون حقة والثلاثون جذعة والأربعون الخلفة بالدنانير أو الدراهم بالغا ما بلغت وإن زادت على ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم وروي عنه أن التغليظ في ذلك أن ينظر إلى] قيمة [دية الخطأ أخماسا في أسنان الإبل ثم ينظر إذا ما زادت قيمة دية التغليظ من الإبل على قيمة دية الخطأ فيزاد مثل ذلك من الذهب والورق وهذا مذهب بن القاسم وروي عنه أيضا أنها تغلظ بأن تبلغ دية وثلثا يزاد في الدية ثلثها رواه أهل المدينة عنه وقد روي عن مالك أن الدية لا تغلظ على أهل الذهب ولا على أهل الورق وإنما تغلظ في الإبل خاصة على أهل الإبل
44 قال أبو عمر روى سفيان عن معمر عن رجل عن عكرمة قال ليس في دية الدنانير والدراهم مغلظة إنما المغلظة في الإبل [خاصة على أهل الإبل] وروى بن المبارك عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال لا يكون التغليظ في شيء من الدية إلا في الإبل والتغليظ في إناث الإبل وأما الشافعي فالدية عنده اثنتان لا ثالثة لهما مخففة ومغلظة فالمخففة دية الخطأ أخماسا والمغلظة في شبه العمد وفي ما لا قصاص فيه كالأب ومن جرى مجراه عنده وفي العمد إذا قبلت الدية فيه وعفي عن القاتل عليها وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهو قول سفيان ومحمد بن الحسن في أسنان دية شبه العمد وهذه الأسنان في ذلك مذهب عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة وزيد بن ثابت على اختلاف عنه وبه قال عطاء وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما دل على ذلك ذكر أبو بكر قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن عمر أنه قال في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى باذل عامها كلها خلفة قال وحدثني جرير عن مغيرة عن الشعبي قال كان أبو موسى والمغيرة يقولان في الدية المغلظة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة قال وحدثني وكيع قال حدثني بن أبي خالد عن عامر الشعبي قال كان زيد بن ثابت يقول في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة وأما الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا والحجر ديته مغلظة مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها (1) فهو حديث مضطرب لا يثبت من جهة الإسناد رواه بن عيينة عن
45 علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه سفيان الثوري وهشيم عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورواه حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم والقاسم بن ربيعة بن جوشن الغطفاني ثقة بصري يروي عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وبن عمر وروى عنه أيوب وقتادة وحميد الطويل وعلي بن زيد وأما عقبة بن أوس فرجل مجهول لم يرو عنه إلا القاسم بن ربيعة فيما علمت يقال فيه الدوسي ويقال فيه السدوسي وقد قيل فيه يعقوب بن أوس وقال يحيى بن معين عقبة بن أوس هو يعقوب بن أوس وأما أبو حنيفة وأصحابه فليس في العمد عندهم دية فإن اصطلح القاتل وولي المقتول على شيء فهو حال إلا أن يشترطوا أجلا والديات عندهم اثنتان دية الخطأ أخماسا على ما يأتي ذكره في بابه بعد هذا لم يختلفوا فيها ودية شبه العمد عند أبي حنيفة وأبي يوسف تكون أرباعا خمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وهو مذهب عبد الله بن مسعود ذكره وكيع قال وحدثني بن أبي خالد عن عامر قال كان بن مسعود يقول في شبه العمد أرباعا فذكر ما تقدم وقال أبو بكر حدثني أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود بن عبد الله قال شبه العمد أرباعا خمس وعشرون حقه وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون (1) وأما محمد بن الحسن فذهب إلى ما روى عن عمر وأبي موسى وزيد والمغيرة وقد تقدم ذكره
46 وأما أحمد بن حنبل فقال] دية الحر المسلم مائة من الإبل فإن كان القتل عمدا وارتفع القصاص أو قبلت الدية [فهي في مال القاتل حالة أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة قال وإن كان القتل شبه العمد فكما وصفنا في أسنان الإبل قال وهي على العاقلة في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها ذهب في ذلك مذهب بن مسعود وهذا يدل على أنه] لم [يصح عنده الحديث المرفوع لما ذكرنا فيه من الاضطراب وجهل عقبة بن أوس - والله الموفق للصواب وأما أبو ثور فقال الدية في العمد الذي لا قصاص فيه أو عفي عن القاتل علي الدية وفي شبه العمد كل ذلك كدية الخطأ أخماسا] أنه بدل [لأنه أقل ما قيل فيه وقال عامر الشعبي وإبراهيم النخعي دية] شبه [العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة من ثنية إلى بازل عامها وهو مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكر أبو بكر قال حدثني أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال في شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة وروى الثوري وغيره عن أبي إسحاق مثله وقال الحسن البصري وبن شهاب الزهري وطاوس اليماني دية شبه العمد ثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه وأربعون خلفة وهذا مذهب عثمان بن عفان رضي الله عنه ورواية عن زيد بن ثابت ذكر أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن عبد ربه عن أبي عياض أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت قالا في المغلظة أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون (1) وقال معمر عن الزهري إن الدية التي غلظها النبي صلى الله عليه وسلم هكذا
47 وذكر طاوس أن ذلك عنده في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ما بلغنا في أسنان دية العمد وأسنان دية شبه العمد وسنذكرها عن الفقهاء وأئمة الفتوى فهي صفة شبه العمد وكيفيته ومن نفاه منهم ومن أثبته] فيه [في باب ما يجب فيه العمد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ويأتي ما للعلماء في دية الخطأ في الباب بعد هذا بعون الله تعالى وإنما ذكرنا في هذا الباب شبه العمد مع دية العمد إذا قبلت لأن مذاهب أكثر العلماء في ذلك متقاربة متداخلة وجمهورهم يجعلها سواء وقد أتينا في ذلك بالروايات عن السلف وما ذهب إليه من ذلك أئمة الأمصار والحمد لله كثيرا وقد اختلف العلماء في أخذ الدية من قاتل العمد فقال مالك في رواية بن القاسم عنه - وهو الأشهر من مذهبه - وأبو حنيفة والثوري وأصحابه وبن شبرمة والحسن بن حي ليس لولي المقتول عمدا إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا برضى القاتل وقال الأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وهو قول ربيعة وأكثر فقهاء المدينة من أصحاب مالك وغيرهم وروى أشهب عن مالك ولي المقتول بالخيار إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية رضي القاتل أو لم يرض وذكر بن عبد الحكم الروايتين جميعا عن مالك وحجة من لم ير لولي المقتول إلا القصاص حديث أنس في قصة سن الربيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كتاب الله القصاص (1) وحجة من أوجب له التخيير بين القصاص وأخذ الدية حديث أبي شريح الكعبي وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قتل له قتيل فهو بين خيرتين
48 وقال أبو هريرة بخير نظرين بين أن يأخذ وبين أن يعفو وهما حديثان لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحتهما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني بن أبي ذئب قال حدثني سعيد بن أبي سعيد قال سمعت أبا شريح (الكعبي) يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إنكم معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فهو بالخيار بين خيرتين بين أن يأخذ العقل وبين أن يقتل (1) وحديث أبي هريرة عند يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رواه جماعة أصحاب يحيى عنه (2) وقد ذكرنا طرق الحديثين في مسألة أفردنا لها جزءا في معنى قول الله عز وجل " فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف " [البقرة 178] 1579 - مالك عن يحيى بن سعيد أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان أنه أتي بمجنون قتل رجلا فكتب إليه معاوية أن اعقله (3) ولا تقد منه (4) فإنه ليس على مجنون قود (5) قال أبو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع القصاص عن المجنون إذا كان مطبقا لا يفيق ما فيه رجاء من الشفاء حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني حمدون بن أحمد بن سلمة قال حدثني شيبان بن يحيى بن فروخ قال حدثني حماد بن سلمة قال حدثني حماد بن أبي سليمان عن الأسود عن عائشة
49 قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الغلام حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق (1) وأجمع العلماء أن ما جناه المجنون في حال جنونه هدر وأنه لا قود عليه في ما يجني فإن كان يفيق أحيانا ويغيب أحيانا فما جناه في حال إفاقته (فعليه) فيه ما على غيره من البالغين غير المجانين وأجمع العلماء أن الغلام والنائم لا يسقط عنهما ما أتلفا من الأموال وإنما يسقط عنهم الإثم وأما الأموال فتضمن بالخطأ كما تضمن بالعمد والمجنون عند أكثر العلماء مثلهما فدل ذلك على أن الحديث وإن كان عام المخرج فإنه مخصوص بما وصفنا روى معمر عن الزهري قال مضت السنة أن عمد الصبي والمجنون خطأ قاله معمر وقاله قتادة أيضا قال معمر وقال الزهري وقتادة إن كان المجنون لا يعقل فقتل إنسانا فالدية على العاقلة لأن عمده خطأ وإن كان يعقل فالقود وقاله الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من حديث حسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده] عن علي [والإسناد ليس بقوي وذكر أبو بكر قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن عمر بن عبد العزيز أنه جعل جناية المجنون على العاقلة قال وحدثني حفص عن أشعث عن الشعبي قال ما أصاب المجنون في حال جنونه فعلى عاقلته وما أصاب في حال إفاقته أقيد منه قال أبو عمر على هذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما والأوزاعي والليث بن سعد في قتل الصبي عمدا أو خطأ أنه كله خطأ تحمل منه العاقلة ما تحمل من خطأ الكبير وقال الشافعي عمد الصبي في ماله
50 قال أبو عمر يحتج لقول الشافعي بما قاله بن عباس وغيره العاقلة لا تحمل عمدا يريدون العمد الذي لا قود فيه كعمد الصبي وما أشبهه مما لا قصاص فيه قال مالك في الكبير والصغير إذا قتلا رجلا جميعا عمدا أن على الكبير أن يقتل وعلى الصغير نصف الدية قال مالك وكذلك الحر والعبد يقتلان العبد فيقتل العبد ويكون على الحر نصف قيمته قال أبو عمر قول الشافعي في هذه المسألة كقول مالك إلا أن الشافعي يجعل نصف الدية على الصغير في ماله كما أن على الحر نصف قيمة العبد في ماله لأن العاقلة لا تحمل عمدا ولا عبدا وقول مالك إن ذلك على عاقلة الصبي لأن عمده خطأ والسنة أن تحمل العاقلة دية الخطأ قال الشافعي إذا قتل رجل مع صبي رجلا قتل الرجل وعلى الصبي نصف الدية في ماله وكذلك الحر والعبد إذا قتلا عبدا عمدا والمسلم والذمي إذا قتلا ذميا قال فإن شرك العامد قاتل خطأ فعلى العامد نصف الدية في ماله وجناية المخطئ على عاقلته قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا اشترك صبي ورجل أو مجنون وصحيح أو قاتل عمد وقاتل خطأ في قتل رجل فلا قصاص على واحد منهما وعلى عاقلة الصبي الدية وهي على الرجل] العامد [في ماله وفي المخطئ على عاقلته قالوا وكذلك إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل العمد فالدية في أموالهما ولو كان قتلهما خطأ كانت الدية على عاقلتهما ولو كان أحدهما أو أحد الأجنبيين عامدا والآخر مخطئا كان نصف الدية في مال العامد والنصف على عاقلة المخطئ ولا قود على واحد منهما وقد تقدم قولهم في الصبي والمجنون أن عمدهما خطأ أبدا على عواقلهما وقول زفر في هذا الباب كقول مالك يقتل العامد البالغ ويغرم الأب أو المخطئ نصف الدية وهي على عاقلة المخطئ
51 واحتج الشافعي على محمد بن الحسن في منع القود من العامد إذا شركه صبي أو مجنون فقال إن كنت رفعت عنهما القتل لأن القلم عنهما مرفوع وأن عمدهما خطأ فقد تركت أصلك في الأب يشترك مع الأجنبي في قتل العمد لأن القلم عن الأب ليس بمرفوع يقول فقد حكمت فيه بحكم من رفع عنه القلم وقال الأوزاعي في الصبي والرجل يشتركان في قتل الرجل أنه لا قود عليهما وأن الدية على عواقلهما قال أبو عمر القياس في هذا الباب أن يكون كل واحد منهما محكوما عليه بحكم نفسه دون غيره كأنه انفرد بالقتل وهو قول مالك والشافعي وزفر وبالله التوفيق وفي المسألة أيضا غير ما تقدم في الدية وروى معمر عن الزهري قال إذا اجتمع رجل وغلام على قتل رجل قتل الرجل وعلى عاقلة الغلام الدية كاملة وقال حماد يقتل الرجل وعلى عاقلة الصبي نصف الدية وقال الحسن وإبراهيم إذا اجتمع صبي أو معتوه أو من لا يقاد منه مع من يقاد منه في القتل فهي دية كلها ((4 - باب دية الخطأ في القتل)) 1580 - مالك عن بن شهاب عن عراك بن مالك وسليمان بن يسار أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على إصبع رجل من جهينة فنزي (1) منها فمات فقال عمر بن الخطاب للذي ادعي عليهم أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها فأبوا وتحرجوا وقال للآخرين أتحلفون أنتم فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين قال مالك وليس العمل على هذا قال أبو عمر إنما قال مالك في هذا الحديث إن العمل ليس عنده عليه لأن فيه تبدئة المدعى عليه بالدم بالأيمان وذلك خلاف السنة التي رواها وذكرها في كتابه الموطأ في الحادثين من الأنصار المدعين على يهود خيبر قتل وليهم لأن رسول
52 الله صلى الله عليه وسلم بدأ المدعين الحادثين بالأيمان في ذلك وسنبين اختلاف الآثار واختلاف علماء الأمصار فيمن يبدأ بالقسامة بالأيمان في كتاب القسامة مع سائر أحكام القسامة إن شاء الله تعالى وفي حديث عمر أيضا أنه قضى بشطر الدية على السعديين وذلك أيضا خلاف السنة المذكورة في حديث الحارثين لأنه لم يقض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد بشيء إذ أبى المدعون والمدعى عليهم من الأيمان وتبرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية كلها من قبل نفسه لئلا يكون ذلك الدم باطلا والله أعلم وفي قول الله تعالى * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * [النساء 92] ما يغني عن حديث عمر وغيره وأجمع العلماء أن دية الخطأ في النفس حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاقلة القاتل مئة من الإبل وجعلها عمر على أهل الذهب والورق كما تقدم ذكره عنه من اختلاف الرواية ولم يختلف أنها على العاقلة في ثلاث سنين واختلفوا في أسنان الإبل فيها على ما نورده في هذا الباب إن شاء الله عز وجل 1581 - مالك أن بن شهاب وسليمان بن يسار وربيعة بن أبي عبد الرحمن كانوا يقولون دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بن لبون ذكرا وعشرون حقة وعشرون جذعة قال أبو عمر هكذا رواه بن جريج] عن بن شهاب كما رواه مالك ذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا بن جريج قال قال لي بن شهاب عقل الخطأ خمسة أخماس عشرون ابنة لبون وعشرون ابنة مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بن لبون ورواه معمر عن الزهري بخلاف ذلك على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى وأما اختلاف الفقهاء في أسنان الإبل في دية الخطأ
53 فقال مالك والشافعي بما روي عن سليمان بن يسار وبن شهاب وربيعة مثل ذلك فقالوا الدية في ذلك أخماس عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه الدية في الخطأ لا تكون إلا أخماسا كما قال مالك والشافعي إلا أنهم جعلوا مكان بن لبون بن مخاض فقالوا عشرون بنت مخاض وعشرون بن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وقد روى زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية في الخطأ أخماسا (1) إلا أن هذا الحديث لم يرفعه إلا خشف بن مالك الكوفي الطائي وهو مجهول لأنه لم يرو عنه إلا زيد بن جبير وزيد بن جبير بن حرملة الطائي الجشمي من بني جشم أحد ثقات الكوفيين وإنما يروي هذا الحديث عن بن مسعود قوله وقد روي فيه عن بن مسعود الوجهات جميعا ما ذهب إليه الحجازيون وما ذهب إليه الكوفيون وروى وكيع وعبد الرزاق (2) عن الثوري عن منصور عن إبراهيم أن بن مسعود قال دية الخطأ أخماس عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بن مخاض وعشرون بنت لبون ووكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله مثله فهذا هو الذي ذهب إليه الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري وقد روى حديث بن مسعود هذا على ما ذهب إليه الحجازيون مالك والشافعي وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود قالا كان عبد الله يقول في دية الخطأ أخماس عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون وعشرون بني لبون وعشرون بنات مخاض قال أبو عمر الثوري أثبت من أبي الأحوص في أبي إسحاق وفي غيره] وأبو الأحوص هذا سلام بن سليمان
54 وفي هذه المسألة أقوال السلف غير هذه منها ما روي عن علي رضي الله عنه وذهب إليه جماعة من العلماء ذكر وكيع قال حدثني سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال وحدثني سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علي أنه كان يقول في دية الخطأ أرباعا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض (1) وإلى هذا ذهب عطاء بن أبي رباح في دية الخطأ أرباعا إلا أنه جعل موضع بنات مخاض بني لبون ذكر عبد الرزاق (2) أخبرنا بن جريج قال أخبرنا عطاء قال قال عطاء دية الخطأ مائة من الإبل خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بني لبون ذكور وإلى هذا ذهب عمر بن عبد العزيز جعل دية الخطأ أرباعا كقول علي سواء إلا أنه زاد فإن لم توجد بنات مخاض فبنو لبون وذكر أنه بلغه ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر بن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه بذلك وكان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت يذهبان إلى أن الدية في الخطأ تكون أرباعا كقول علي إلا أنهما خالفا في الأسنان ذكر أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن عبد ربه عن أبي عياض عن عثمان وزيد قالا في الخطأ ثلاثون جذعة وثلاثون بنات لبون وعشرون بنات مخاض وعشرون بني لبون (3) وإلى هذا ذهب بن شهاب الزهري في ما رواه معمر ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال دية الخطأ من الإبل ثلاثون حقة وثلاثون ابنة لبون وثلاثون بنات مخاض وعشرون بني لبون إلا أنه جعل في موضع الجذعة حقة
55 وروى وكيع عن الحسن بن صالح عن بن أبي ليلي عن الشعبي عن زيد في دية الخطأ ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وعشرون بنات مخاض وعشرون بني لبون وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه قال دية الخطأ ثلاثون حقة وثلاثون بني لبون وثلاثون ابنة مخاض وعشرون بني لبون ذكور وروى معمر] عن الزهري [عن بن أبي نجيح عن مجاهد في دية الخطأ قال ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وثلاثون ابنة لبون وعشرون بني لبون ذكور وقال أحمد بن حنبل دية الخطأ تؤخذ في ثلاث سنين أخماسا عشرين بنات مخاض وعشرين بني مخاض وعشرين بنات لبون وعشرين حقة وعشرين جذعة قال أبو عمر أكثر الفقهاء على أنها أخماس وكلهم يدعي التوقيف في ما ذهب إليه أصلا لا قياسا والذي أقول إن كل ما ذهب إليه السلف مما قد ذكرناه عنهم في هذا الباب] جائز العمل به [وكله مباح لا يضيق على قائله لأنهم قد أجمعوا أن الدية مائة من الإبل لا يزاد عليها وأنها الدية التي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ولا يضرهم الاختلاف في أسنانها واجبة إلى ما روي عن علي رضي الله عنه لأن ما روي فيه عن عمر منقطع لا يثبت وقد اختلف في الرواية عن بن مسعود ولم يختلف عن علي وبالله التوفيق قال مالك (1) الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا قود بين الصبيان وإن عمدهم خطأ ما لم تجب عليهم الحدود ويبلغوا الحلم وإن قتل الصبي لا يكون إلا خطأ وذلك لو أن صبيا وكبيرا قتلا رجلا حرا خطأ كان على عاقلة كل واحد منهما نصف الدية قال أبو عمر أما قوله لا قود بين الصبيان فهو أمر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه وأما قوله إن عمد الصبيان خطأ تلزمه العاقلة فإن الصبي إذا كان له قصد وعرف منه تمييز لما يتعمده فهذا الذي عمله خطأ لارتفاع القلم عنه في القصاص والحدود وسائر الفرائض
56 وأما إذا كان طفلا في المهد أو مرضعا لا تمييز له ولا يصح منه قصد ولا تعمد فهو كالبهيمة المهملة التي جرحها جبار وهذا أصل مجتمع عليه ولا أعلم خلافا فيه إلا ما تقدم من مذهب الشافعي ومن قال بقوله في أن عمد الصبي في ماله لا تحمله العاقلة قال مالك (1) ومن قتل خطأ فإنما عقله مال لا قود فيه وإنما هو كغيره من ماله يقضى به دينه ويجوز فيه وصيته فإن كان له مال تكون الدية قدر ثلثه ثم عفي عن ديته فذلك جائز له وإن لم يكن له مال غير ديته جاز له من ذلك الثلث إذا عفي عنه وأوصى به قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن دية الخطأ كسائر مال المقتول يرثه عنه ورثته ذوو الفروض والعصبة إلا أن طائفة من أهل الظاهر شذت فلم أر لذكر ما أتت به وجها وقد كان عمر بن الخطاب يقول لا ترث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وكان قتل أشيم خطأ فقضى به عمر (2) والناس بعده لا يختلفون أن دية المقتول كسائر ماله تجوز فيه وصيته كما تجوز في ماله فإن لم يترك مالا غيرها لم يجز له من الوصية بها إلا ثلثها فإن عفي] عنها [فللعاقلة ثلثها ويغرمون الثلثين والعفو هنا كالوصية إذا لم يكن له مال غير ديته ولا يرث القاتل شيئا منها لأن العلماء مجمعون أن القاتل خطأ لا يرث من الدية] شيئا [كما أجمعوا أن القاتل عمدا لا يرث من المال ولا من الدية شيئا ذكر عبد الرزاق (3) قال أخبرنا بن جريج قال سمعت عطاء يقول أن وهب الذي يقتل خطأ ديته للذي قتله فإنما له منها ثلثها إنما هو ماله فيوصي فيه قال وأخبرنا معمر عن سماك بن الفضل قال كتب عمر بن عبد العزيز إذا تصدق الرجل بديته وقتل خطأ] ولم يكن له مال [فالثلث من ذلك جائز إذا لم يكن له مال غيره
57 قال أبو عمر هذا مجمله في من قتل خطأ ولم يكن له مال غير ديته ولو كان له مال غير ديته كان له أن يوصي بجميعها كما قال مالك وأما من قتل عمدا فله أن يعفو عن دمه وعن كل ما يجب له فيه كما له أن يصالح عليه بأكثر من الدية قال الله تعالى * (فمن تصدق به فهو كفارة له) * [المائدة 45] ذكر عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس عن أبيه أنه قال إذا تصدق الرجل بدمه وكان قتل عمدا فهو جائز قال وأخبرنا الثوري عن يونس عن الحسن قال إذا كان عمدا فهو جائز وليس في الثلث قال عبد الرزاق وقال هشام عن الحسن إذا كان خطأ فهو في الثلث قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرني بن طاوس عن أبيه أنه قال إذا أصيب رجل فتصدق بنفسه فهو جائز قال فقلنا له ثلثه فقال بل كله قال وأما اختلاف الفقهاء في الوصية للقاتل فروى بن القاسم عن مالك قال إذا ضربه عمدا أو خطأ فأوصى له المضروب ثم مات من ذلك جازت الوصية في ماله وفي ديته إذا علم بذلك منه ولو أوصى له بوصية ثم قتله الموصى له عمدا أو خطأ فالوصية لقاتل الخطأ تجوز في ماله ولا تجوز في ديته وقاتل العمد لا تجوز له وصية من المقتول في ماله ولا في ديته وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري لا تجوز وصية المقتول للقاتل وقال الطحاوي فإن أجازها الورثة جازت عند أبي حنيفة ومحمد ولم تجز عند أبي يوسف قال والقياس ما قاله أبو يوسف] لأنه لما جعلها كالميراث [في بطلانها في القتل وجب ألا تجوز بإجازة الورثة كما لا يجوز الميراث بإجازة الورثة قال ولا فرق بين الدية وسائر ماله لأن الجميع مال الميت موروث عنه قال ولا فرق أيضا بين أن تتقدم الجناية على الوصية أو تتأخر عنها لأن الوصية لو جازت كانت متعلقة بالموت وهذا قاتل بعد الموت فلا وصية له وقال الشافعي ولو عفا المجني عليه عمدا عن قود وعقل جاز فيما لزمه بالجناية ولم يجز في ما زاد لأن ذلك لم يجب بعد
58 ولو قال قد عفوت عنها وعما يحدث منها من عقل وقود ثم مات فلا سبيل إلى القود للعفو وجاز ما عفى عنه في ثلث ماله قال وفيها قول آخر إن الخارج يؤخذ بجميع الجناية لأنها] صارت [نفسا قال ولا تجوز له وصية بحال وإلى هذا ذهب المزني قال أبو عمر قول مالك من قتل خطأ فإنما عقله مال لا قود فيه أمر مجتمع عليه لأن قتل الخطأ لا قود فيه لأن الله تعالى قال * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * [النساء 92] فجعلها دية وكفارة لا غير والله الموفق للصواب ((5 - باب عقل الجراح في الخطأ)) 1582 - قال مالك الأمر المجتمع عليه عندهم في الخطأ أنه لا يعقل حتى يبرأ المجروح ويصح وأنه إن كسر عظم من الإنسان يد أو رجل أو غير ذلك من الجسد خطأ فبرأ وصح وعاد لهيئته فليس فيه عقل فإن نقص أو كان فيه عثل (1) ففيه من عقله بحساب ما نقص منه قال مالك فإن كان ذلك العظم مما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم عقل مسمى فبحساب ما فرض فيه النبي صلى الله عليه وسلم وما كان مما لم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم عقل مسمى ولم تمض فيه سنة ولا عقل مسمى فإنه يجتهد فيه قال أبو عمر قوله كله صحيح حسن أما قوله إنه لا يعقل في الخطأ جرح المجروح حتى يبرأ فعلى ذلك أكثر العلماء في العمد والخطأ وقالوا لا يقاد من الجرح العمد ولا يعقل الخطأ حتى يصح ويبرأ قال بن القاسم عن مالك لا يقاد من جراحه عمدا إلا بعد البرء ولا يعقل الخطأ إلا بعد البرء وكذلك قال الثوري وقال الحسن بن صالح بن حي يتربص بالسن بالجراح سنة مخافة أن ينتقص
59 وقال أبو حنيفة فيمن كسر سن رجل لا أرش فيه حتى يحول عليه الحول فيحكم بما يؤول إليه أمره وكذلك الجراحات لا يقضى فيها بأرش حتى ينظر إلى ما تؤول وذكر المزني عن الشافعي ولو قطع أصبع رجل فسأل المقطوع القود ساعة قطع أقدته فإن ذهبت كف المجني عليه جعلت على الجاني أرش أربعة أخماس ديتها ولو مات منها قتلته فإن قطع أصبعه فتآكلت فذهبت] كفه [أقدته من الأصبع وأخذ أرش يده إلا أصبعا ولم ينتظره أيبرأ إلى مثل جنايته أم لا قال أبو عمر اتفق مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وسائر الكوفيين والمدنيون على أنه لا يقتص من جرح ولا يبدي حتى يبرأ وقال الشافعي يقتص منه في الحال ولا ينتظر أن يبرأ والاختيار ما قاله مالك ومن تابعه على ذلك وهم أكثر أهل العلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل عكرمة ومرسل محمد بن طلحة بن يزيد] بن عمرو [بن ركانة ومن مرسل عمرو بن شعيب ذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن ركانة وعن معمر عن أيوب عن عمرو بن شعيب وعن بن جريج عن عمرو بن شعيب وعن معمر عن من سمع عكرمة أن رجلا طعن رجلا بقرن في رجله فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدني فقال حتى تبرأ] قال أقدني قال حتى تبرأ [ثم قال أقدني يا رسول الله فأقاده ثم عرج وصح المستقاد منه فجاء المستقيد فقال عرجت يا رسول الله فقال لا شيء لك ألم أقل لك اصبر حتى تبرأ وفي رواية أبعدك الله وأبطل عرجك عصيتني ألا تستقيد حتى يبرأ جرحك ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من جرح ألا يستقاد حتى يبرأ جرحه وذكر هذا الخبر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقيد فقال له حتى تبرأ فأبى وعجل واستقاد فعثمت رجله وبرئت رجل المستقاد منه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ليس لك شيء أبيت وروى الثوري عن عيسى بن المغيرة عن يزيد بن وهب أن عمر بن عبد
60 العزيز كتب إلى طريف بن ربيعة وكان قاضيا بالشام أن صفوان بن المعطل ضرب حسان بن ثابت بالسيف فجاءت الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا القود فقال النبي تنتظرون فإن يبرأ صاحبكم تقصوا وإن يمت نقدكم بعد في حسان فقالت الأنصار قد علمتم] أن هدي [النبي صلى الله عليه وسلم في العفو فعفوا وأعطاهم صفوان جارية وهي أم عبد الرحمن بن حسان قال أبو عمر هكذا في هذا الخبر أن صفوان بن المعطل أعطى حسان الجارية التي هي أم عبد الرحمن لما عفا عنه والمعروف عند أهل العلم بالخبر والسير وأكثر أهل الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أعطى حسان بن ثابت إذ عفا عن صفوان بن المعطل] الجارية [المسماة سيرين وهي أخت مارية القبطية وكانت من هدية المقوقس صاحب مصر والإسكندرية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان سيرين فأولدها عبد الرحمن بن سيرين واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية لنفسه فولدت له إبراهيم ابنه وأما قوله إن كسر عظم من الإنسان يد أو رجل أو غير ذلك إلى آخر قوله فقد قال الشافعي فيما ذكر عنه المزني في كل عظم كسر سواء السن فإذا جبر مستقيما ففيه حكومة بقدر الألم والشين فإن جبر معيبا بنقص أو عوج أو غير ذلك زيد فيه حكومة بقدر شينه وضره وألمه ولا يبلغ به دية العظم لو قطع وقول أبي حنيفة وأصحابه نحو ذلك قال مالك (1) وليس في الجراح في الجسد إذا كانت خطأ عقل إذا برأ الجرح وعاد لهيئته فإن كان في شيء من ذلك عثل أو شين فإنه يجتهد فيه إلا الجائفة فإن فيها ثلث دية النفس قال مالك وليس في منقلة الجسد عقل وهي مثل موضحة الجسد قال أبو عمر هذا قول الشافعي والكوفي والجمهور وقد أتفق مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وعثمان البتي أن الشجاج لا تكون إلا في الرأس والوجه من الذقن إلى ما فوقه وأن جراح الجسد ليس فيها عقل مسمى إلا الجائفة
61 وخالفهم الليث فقال الموضحة إذا كانت في اليد [تكون أيضا في الجنب إذا أوضحت عن عظم وهو قول يروى عن عمر بن الخطاب في الموضحة إذا كانت في اليد أو الأصبع فيها نصف عشر ذلك العضو من الجسد وعن عطاء وغيره مثله ذكر المزني وغيره عن الشافعي قال وفي كل جرح ما عدا الوجه والرأس حكومة إلا الجائفة ففيها ثلث النفس وهي التي تخرق إلى الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو ثغرة النحر كل هذا جائفة قال مالك (1) الأمر المجتمع عليه عندنا أن الطبيب إذا ختن فقطع الحشفة إن عليه العقل وأن ذلك من الخطأ الذي تحمله العاقلة وأن كل ما أخطأ به الطبيب أو تعدى إذا لم يتعمد ذلك ففيه العقل قال أبو عمر يعني على العاقلة وهو قول أبي حنيفة والثوري والليث والشافعي وجمهور العلماء لأنه خطأ لا عمد وقد أجمعوا أن الخطأ ما لم يقصده الفاعل ولم يرده وأراد غيره وفعل الخاتن والطبيب في هذا المعنى وهذا معنى قول الشعبي وعطاء وعمرو بن دينار وشريح وذكر أبو بكر قال حدثني الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المليح أن ختانة كانت بالمدينة ختنت جارية فماتت فجعل عمر ديتها على عاقلتها ومن أهل العلم من جعل ذلك في مال الحجام ومال الطبيب دون عاقلتهما وذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن كتاب لعمر بن عبد العزيز فيه قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما متطبب لم يكن بالطب معروفا فتطبب على أحد من المسلمين بحديده النماس المثال له فأصاب نفسا فما دونها فعليه دية ما أصاب وعن عمر وعلي مثل ذلك
62 وبه كان يقضي عمر بن عبد العزيز وهو أولى ما قيل في هذا الباب والله الموفق للصواب روى معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المليح بن أسامة أن عمر بن الخطاب ضمن رجلا كان يختن الصبيان فقطع من ذكر الصبي فضمنه وهذا خلاف ما رواه الثقفي عبد الوهاب عن أيوب فلا تقوم لحديث أبي قلابة عن أبي المليح هذا حجة وروى مجاهد والضحاك بن مزاحم أن عليا رضي الله عنه خطب الناس فقال معشر الأطباء والمتطببين والبياطرة من عالج منكم إنسانا أو دابة فليأخذ لنفسه البراءة فإنه من عالج شيئا ولم يأخذ لنفسه البراءة فعطب فهو ضامن وقال يحيى بن أبي كثير خفضت امرأة جارية فأعنتها فماتت فضمنها علي رضي الله عنه الدية وروى أيوب عن أبي قلابة عن عمر رضي الله عنه مثله وقال معمر سمعت الزهري يقول كلاما معناه إن كان البيطار أو المتطبب أو الختان غر من نفسه وهو لا يحسن فهو كمن تعدى يضمن وإن كان معروفا بالعمل بيده فلا ضمان عليه إلا أن يتعدى وذكر أبو بكر قال حدثني إسماعيل عن هشام بن الغاز عن أبي قرة أن عمر بن عبد العزيز ضمن الخاتن قال وحدثني حفص بن غياث عن عبد العزيز بن عمر قال حدثني بعض الذين قدموا على أبي حين ولي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما طبيب تطبب على قوم ولم يعرف بالطب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن (1) قال أبو عمر أجمع العلماء على أن المداوي إذا تعدى ما أمر به ضمن ما أتلف بتعديه ذلك حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني دحيم قال حدثني الوليد عن بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تطبب ولم يعلم منه قبل ذلك الطب فهو ضامن
63 وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني نصر بن عاصم الأنطاكي ومحمد بن الصباح بن سفيان أن الوليد بن مسلم أخبرهم عن بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن (1) وقال نصر بن عاصم حدثني الوليد قال حدثني بن جريج ((6 - باب عقل المرأة)) 1583 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول تعاقل المرأة الرجل (2) إلى ثلث الدية إصبعها كإصبعه وسنها كسنه وموضحتها كموضحته ومنقلتها كمنقلته 1584 - مالك عن بن شهاب وبلغه عن عروة بن الزبير أنهما كانا يقولان مثل قول سعيد بن المسيب في المرأة أنها تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل إلى النصف من دية الرجل قال مالك وتفسير ذلك أنها تعاقله في الموضحة والمنقلة وما دون المأمومة والجائفة وأشباههما مما يكون فيه ثلث الدية فصاعدا فإذا بلغت ذلك كان عقلها في ذلك النصف من عقل الرجل قال أبو عمر روى هذا الخبر عن سعيد بن المسيب جماعة كما رواه مالك منهم سفيان الثوري ومعمر وعبد الرزاق وعبد الوهاب الثقفي بمعنى واحد وما بلغ مالكا عن عروة مثله ذكر عبد الرزاق (3) قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني هشام بن عروة] عن عروة [أنه كان يقول دية المرأة مثل دية الرجل حتى تبلغ الثلث فإذا بلغت الثلث كانت ديتها مثل نصف دية الرجل حتى تكون ديتها في الجائفة والمأمومة مثل] نصف [دية الرجل
64 قال وأخبرنا معمر عن الزهري أنه كان يقول دية المرأة والرجل سواء حتى تبلغ ثلث الدية وذلك في الجائفة فإذا بلغت ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل قال وأخبرنا معمر عن هشام بن عروة مثله قال أبو عمر هذا مذهب جمهور أهل المدينة وروى وكيع وعبد الرزاق (1) عن الثوري عن ربيعة عن أبي عبد الرحمن قال سألت سعيد بن المسيب قلت كم في إصبع من أصابع المرأة قال عشر من الإبل قال قلت كم في إصبعين قال عشرون قلت كم في ثلاث قال ثلاثون قلت كم في أربع قال عشرون قلت حين عظم جرحها واشتدت بليتها نقص عقلها قال أعراقي أنت قلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال هي السنة وفي رواية وكيع يا بن أخي السنة ومعناها سواء قال وأخبرنا معمر عن ربيعة عن بن المسيب مثله قال وأخبرنا بن جريج قال وأخبرني ربيعة أنه سمع بن المسيب يقول يعاقل الرجل المرأة في ما دون ثلث ديته قال ولم أسمعه ينسبه إلى أحد قال أبو عمر اختلف الصحابة ومن دونهم في هذه المسألة فروي ما ذهب إليه سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وبن شهاب فيها عن زيد بن ثابت وبه قال مالك وأصحابه والليث بن سعد وهو مذهب عمر بن عبد العزيز وعطاء وقتادة وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل عمرو بن شعيب وعكرمة وقول سعيد بن المسيب هي السنة يدل على أنه أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال جراح المرأة على النصف من جراح الرجل في ما قل أو كثر وديتها مثل نصف دية الرجل وفي النصف ديته وروي ذلك عن بن مسعود أيضا والأشهر والأكثر عن بن مسعود أن المرأة تعاقل الرجل في جراحها إلى أرش السن والموضحة خمس من الإبل ثم تعود إلى النصف من دية الرجل
65 وروي ذلك عن عثمان وهو قول شريح وروى وكيع قال حدثني زكريا وبن أبي ليلى عن الشعبي قال كان علي يقول] دية المرأة في الخطأ على النصف من دية الرجل وجراحها مثل ذلك في ما دق وجل قال وكان بن مسعود يقول دية المرأة في الخطأ [على النصف من دية الرجل وهما في الجراح إلى السن والموضحة سواء وروى عيينة عن زكريا عن الشعبي قال قال بن مسعود سن المرأة مثل سن الرجل وموضحتها مثل موضحته ثم يستويان على النصف وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه جراحات المرأة على النصف من جراح الرجل في ما دون النفس فيما دق وجل وقال زيد بن ثابت تساوي المرأة الرجل في عقلها إلى ثلث دية الرجل ثم هي على النصف من ديته وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري بقول علي رضي الله عنه دية المرأة وجراحها على النصف من دية الرجل في ما قل أو كثر ذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا الثوري عن حماد عن إبراهيم عن علي رضي الله عنه قال جراحات المرأة على النصف من جراحات الرجل قال وقال بن مسعود يستويان في السن والموضحة وهي في ما سوى ذلك على النصف قال وكان زيد بن ثابت يقول تعاقله إلى الثلث قال وأخبرنا معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن علي مثله كما روى إبراهيم عنه وعن بن مسعود مثل حديث إبراهيم أيضا قال وكان زيد بن ثابت يقول] تعاقله إلى الثلث قال وأخبرنا معمر عن بن أبي نجيح مثله كما روى إبراهيم عنه وعن بن مسعود مثل حديث إبراهيم أيضا
66 قال وكان زيد بن ثابت [يقول دية المرأة في الخطأ مثل دية الرجل حتى تبلغ ثلث الدية فما زاد فهي على النصف وذكر أبو بكر قال حدثني بن علية عن خالد عن أبي قلابة وعن زيد بن ثابت أنه قال يستويان إلى الثلث قال أبو عمر كان الحسن البصري وطائفة يقولون تعاقل المرأة الرجل حتى تبلغ النصف من ديته وتعود إلى النصف] ذكر أبو بكر قال حدثني معمر عن بن عون عن الحسن قال تستوي جراحات النساء والرجال على النصف [فإذا بلغت النصف فهي على النصف قال أبو عمر أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل والقياس على أن يكون جراحها كذلك إن لم تثبت سنة يجب التسليم لها وبالله التوفيق 1585 - مالك أنه سمع بن شهاب يقول مضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته بجرح أن عليه عقل ذلك الجرح ولا يقاد منه قال مالك وإنما ذلك في الخطأ أن يضرب الرجل امرأته فيصيبها من ضربه ما لم يتعمد كما يضربها بسوط فيفقأ عينها ونحو ذلك قال أبو عمر هو كما قال مالك في الخطأ لا خلاف فيه وقد ذكر عبد الرزاق (1) عن الثوري عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال لا تقتص المرأة من زوجها قال سفيان ونحن نقول تقتص منه إلا في الأدب وقد ذكر هذه المسألة بعينها من قوله في باب القصاص بالجراح وسيأتي هنالك إن شاء الله عز وجل ما للعلماء في ذلك ونذكر ما بين أهل العلم أيضا من التنازع] في القصاص [بين الرجال والنساء إن شاء الله في باب القصاص في القتل والله أعلم قال مالك (2) في المرأة يكون لها زوج وولد من غير عصبتها ولا قومها فليس على زوجها إذا كان من قبيلة أخرى من عقل جنايتها شيء ولا على ولدها إذا كانوا من غير قومها ولا على إخوتها من أمها إذا كانوا من غير عصبتها ولا قومها
67 فهؤلاء أحق بميراثها والعصبة عليهم العقل منذ زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وكذلك موالي المرأة ميراثهم لولد المرأة وإن كانوا من غير قبيلتها وعقل جناية الموالي على قبيلتها قال أبو عمر ما ذكره مالك] في هذا الفصل [لا خلاف بين العلماء فيه الدية عندهم على العاقلة والعاقلة العصبة والقبيلة والبطن والرهط لا يعقل على الإنسان من كان إلا قبيلته إذا قتل خطأ والميراث لمن فرضه الله سبحانه وتعالى له من الورثة من ذوي الفروض والعصبة إلا أن الدية لا يؤديها زوج ولا أخ لأم ولا من ليس بعصبة من القبيلة والموالي عندهم يجرون مجرى العصبات لأن الولاء نسب لا ينتقل وهذا كله أمر مجتمع عليه وسنة مسنونة معمول بها عند جمهور العلماء إلا أن منهم من يقول في المولى إذا أبى أن يعقل كان الولاء للمصاب المقتول خطأ ولم يرث ذلك عنه ومن قال العقل على من له الميراث فإنه يعني من الموالي ومنهم من يقول من عقل عنه كان الولاء له فإن لم يكن للمولى عصبة تحمل معه الجناية كان ذلك في بيت المال وجماعة الفقهاء على ما قدمت في الولاء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال وجدت في كتابي عن شيبان ولم أسمعه منه فحدثني أبو بكر - صاحب لنا - ثقة قال أبو بكر بن داسة وهو أبو بكر أحمد بن محمد العطار الأيلي قال حدثني شيبان قال حدثني محمد - يعني بن راشد - قال حدثني سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منه شيئا إلا ما فضل عن ورثته وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها (1) وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن
68 وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني حفص عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ويقدوا غائبهم والإصلاح بين المسلمين وقال أبو بكر حدثني عيسى بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل العقل على العصبة قال وحدثني وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم قال اختصم علي والزبير في موالي صفية إلى عمر فقضى عمر بالميراث للزبير وبالعقل على علي رضي الله عنة قال وحدثني بن فضيل وجرير عن مغيرة عن إبراهيم قال الميراث للرحم والجريرة على من أعتق قال وحدثني كثير بن هشام عن جعفر بن برقان أن عمر بن عبد العزيز كتب لو لم يدع قرابة إلا مواليه كانوا أحق الناس بميراثه وأحمل العقل عليهم كما يرثونه وذكر عبد الرزاق (1) عن بن جريج عن عطاء أن معاوية قال لموالي مولى إما أن تعقلوا عنه وإما أن تعقل ويكون مولانا قال عطاء إن أبى أهله أن يعقلوا عنه فهو مولى للمصاب وعن بن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال الدية على الأولياء في كل جريرة قال أبو عمر الذي عليه مذهب الفقهاء مالك والشافعي والثوري وأبي حنيفة أن العاقلة يجبرون على حمل الدية بقدر ما يطيقون ولم يجد مالك في ما يحمل الواحد منهم حدا وإنما ذلك عنده على قدر ما يسهل عليهم وسنذكر أقوالهم إذا ذكرنا اختلاف الفقهاء في العواقل في باب جامع العقل] من كتابنا هذا [إن شاء الله تعالى ((7 - باب عقل الجنين)) 1586 - مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
69 عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة (1) عبد أو وليدة 1587 - مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي قضي عليه كيف أغرم (2) ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل (3) ومثل ذلك بطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان قال أبو عمر هكذا روى مالك هذين الحديثين عن بن شهاب فأرسل عنه حديث ان المسيب وأسند عنه حديث أبي سلمة ولم يذكر في واحد منهما قتل المرأة وأظنه أسقطه لما فيه من القضاء بالدية على عاقلة المرأة القاتلة بالحجر وبالمسطح وهو العود وذلك شبه العمد وهو عنده باطل فكذلك - والله أعلم - لم يذكره في كتابه وقد ذكر ذلك غيره من رواية بن شهاب وقد رواه الليث بن سعد عن بن مسافر عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة كما رواه مالك مسندا لم يذكر فيه قتل المرأة حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني] روح [بن الفرج القطان قال حدثني بن عفير قال حدثني الليث عن بن مسافر عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة وخالفه قتيبة في إسناده عن الليث وسنذكره وأما يونس ومعمر فذكرا ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال
70 حدثني وهب بن بيان وأحمد بن عمرو بن السرح قالا حدثني بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي يا رسول الله كيف أغرم ما لا أكل ولا شرب ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع (1) قال أبو داود وحدثني قتيبة بن سعيد قال حدثني الليث عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذه القصة قال ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها والعقل على عصبتها (2) قال أبو عمر هذا بين في أن شبه العمد على العاقلة وأن العقل على العصبة دون الورثة إلا أن يكون العصبة ورثة فيحملون من الدية بقدرهم وروى هذا الحديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابت بطنها فقتلتها وأسقطت جنينا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقلها على عاقلة القاتلة وفي جنينها بغرة عبد أو وليدة (3) قال أبو عمر احتج بهذه الأحاديث من أثبت شبه العمد وجعله على العاقلة ولم ير فيه قودا وشبه العمد هو أن يعمد الضارب إلى المضروب بحجر أو عصا أو سوط أو عمود أو ما الأغلب فيه أن لا يقتل مثله من الحديد وغيره على ما ذكرنا عن
71 النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وغيرهم من العلماء في صفة شبه العمد في باب دية العمد إذا قبلت من هذا الكتاب وذكرنا هناك حديث بن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس عن عمر أنه نشد الناس ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين فقام حمل بن مالك فقال كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة عبد وأن تقتل مكانها (1) وهذه حجة لمالك ومن قال بقوله في نفي حكم شبه العمد وقالوا إن كل ما عمد به فهو عمد وفيه القود وقد اتفق على هذه الرواية عن بن جريج حجاج بن محمد الأعور وأبو عاصم الضحاك بن مخلد ولو انفرد واحد منهما بذلك لكان حجة فكيف وقد اتفقا على ذلك وتصحيح ذلك قضاء عمر به ذكر أبو بكر قال حدثني شريك عن زيدة بن جبيرة عن جروة بن حميل عن أبيه قال قال عمر يعمد أحدكم إلى أخيه فيضربه بمثل آكلة اللحم لا أوتي برجل فعل ذلك إلا أقدته منه وقال معمر عن الزهري في الضارب بالعصا عمدا إذا قتلت صاحبها قتل الضارب فإن قيل إن حديث بن جريج رواه الحميدي عن هشام بن سليمان عن بن جريج بإسناده ولم يقل فيه وأن تقتل المرأة قيل له من لم يرد كذا الشيء فليس بشاهد ولا حجة في ما قضى عنه فإن قيل إن بن عيينة قد روى هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس قال قال عمر أذكر الله امرءا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال يا أمير المؤمنين كنت بين جاريتين - يعني ضرتين - فضربت إحداهما الأخرى بالمسطح - عمود خبائها - فقتلتها وقتلت ما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة فقال عمر الله أكبر لو لم نسمع هذا قضينا بغيره
72 فلم يذكر فيه بن عيينة قتل المرأة الضاربة بالمسطح قيل له ولا ذكر فيه أن ديتها على العاقلة وقد ذكره بن جريج ومن لم يذكر الشيء فقد قصر والحجة في ذكر من ذكر قال أبو عمر إلا أنه قد اختلف على حمل بن مالك في حديثه هذا وروى شعبة عن قتادة عن أبي المليح الهذلي عن حمل بن مالك قال كانت لي امرأتان فرمت إحداهما الأخرى فأصابتها فقتلتها وهي حامل فألقت جنينها فماتت فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة أو مائة شاة أو عشرة من الإبل (1) فحصل حديث حمل بن مالك بن النابغة الأعرابي الهذلي مختلفا فيه ولم يختلف الحديث عن أبي هريرة في ذلك إلا من قصر فلم يذكر دية المرأة وكذلك لم يختلف في ذلك أيضا في حديث المغيرة بن شعبة وهو حديث رواه الثوري وشعبة وجرير وغيرهم عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة الخزاعي عن المغيرة بن شعبة قال ضربت ضرة لها بعمود فسطاط فقتلتها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بديتها على عصبة القاتلة ولما في بطنها غرة فقال الأعرابي يا رسول الله أتغرمني من لا طعم ولا شرب ولا صاح ولا استهل مثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الأعراب (2) وروى سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس هذا الخبر فيه فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا وماتت المرأة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة بالدية وروى عن مجالد عن الشعبي عن جابر أن امرأتين من هذيل فذكر الحديث وقال فيه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ميراثها لزوجها وولدها
73 قال أبو عمر وعلى هذا جمهور الناس أن الميراث للورثة والعقل على العصبة ولم تختلف الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في الجنين سقط ميتا يضرب بطن أمه وهي حية حين رمته بغرة عبد أو أمه هذا ما لم يختلف فيه أحد علمته واختلفت الروايات في الزيادة على قوله عليه السلام في الغرة عبد أو أمة روى بن عيينة قال أخبرني بن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بغرة عبد أو أمة أو فرس وروى عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس] أو بغل (1) وهو قول مجاهد وطاوس وعطاء قالوا في الغرة عبد أو أمة أو فرس [وقال بعضهم أو بغل ورفعه عطاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما رفعه طاوس وقد تقدم في حديث أبي المليح الهذلي عن حمل بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة أو مائة شاة أو عشر من الإبل قال أبو عمر أجمع العلماء أن الغرة تجب في الجنين الذي يسقط من بطن أمه ميتا وهي حية في حين سقوطه وأن الذكر والأنثى في ذلك سواء في كل واحد منهما الغرة واختلفوا على من تجب الغرة في ذلك فقالت طائفة منهم مالك والحسن بن حي هي في مال الجاني وهو قول الحسن البصري والشعبي وقال آخرون هي على العاقلة وممن قال ذلك الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول إبراهيم وبن سيرين وقد حدثني سعيد] بن نصر [قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني يونس بن محمد قال حدثني عبد الواحد بن زياد عن المجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الجنين غرة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها
74 1588 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول الغرة تقوم خمسين دينارا أو ستمائة درهم ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم قال مالك فدية جنين الحرة عشر ديتها والعشر خمسون دينار أو ستمائة درهم قال أبو عمر العلماء القائلون بأن الدية من الذهب ألف دينار على ما فرضها عمر لا يختلفون فيها ذكر ربيعة ومالك أن دية الجنين عشر دية أمه خمسون دينارا وهم جمهور علماء الحجاز والعراق وأما من راعى في الدية قيمة الإبل غلت أو رخصت فقال منهم قائلون الغرة عبد أو أمة أقلها بنت سبع سنين أو ثماني سنين وهو أحد قولي الشافعي قال ليس على الذي تجب عليه له أن يقبلها معيبا وقال داود وأهل الظاهر كل ما وقع عليه اسم غرة أجزأ إلا أن يتفق الجميع على سن ما أنه لا يجزئ وأما قوله أو ستمائة درهم فهو مذهب الحجازيين القائلين بأن الدية من الدراهم اثنا عشر ألف درهم ونصفها دية المرأة ستة آلاف درهم عشرها ستمائة درهم وهو مذهب مالك والشافعي وأصحابهما وأهل المدينة وأما الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري فقالوا قيمة الغرة خمسمائة درهم وهذا على أصولهم في أن دية المرأة خمسة آلاف درهم وهو مذهب سلفهم أصحاب بن مسعود وغيرهم قال مالك (1) ولم أسمع أحدا يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزايل (2) بطن أمه ويسقط من بطنها ميتا قال مالك وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيا ثم مات أن فيه الدية كاملة
75 قال أبو عمر هذا كله من قوله إجماع لا خلاف بين العلماء فيه أن الجنين لا يجب فيه شيء حتى يزايل بطن أمه وأنها لو ماتت وهو في جوفها لم يجب فيه شيء وأنه داخل في حكمها من دية أو قصاص وكذلك أجمعوا أنه إذا خرج حيا ثم مات من ضرب بطن أمه أن فيه الدية كاملة منهم من يقول بقسامة وهو مالك ومنهم من لا يوجب فيه قسامة وهو الكوفي وعلى ضارب بطن أمه مع ذلك الكفارة هذا كله لم يختلف فيه واختلوا في الكفارة على من تجب عليه الغرة دون الدية الكاملة فذهب الشافعي إلى أن الغرة واجبة على الجاني مع الكفارة وروي ذلك عن عمر وبه قال الحسن وإبراهيم وعطاء والحكم والكفارة عتق رقبة وقال أبو حنيفة لا كفارة فيه واستحسن مالك الكفارة هنا ولم يوجبها لأنه قال مرة في من ضرب بطن امرأة فألقت جنينها هو عمد في الجنين خطأ في الأم ومرة قال هو عمد في الأم خطأ في الجنين قال مالك (1) ولا حياة للجني إلا بالاستهلال (2) فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة قال أبو عمر قد أعلمتك بإجماعهم في الجنين تلقيه أمه حيا ثم يموت وأما علامة حياته فاختلف العلماء من السلف والخلف فيه فالذي ذهب إليه مالك وأصحابه أنه لا تعلم حياته إلا بالاستهلال وهو الصياح أو البكاء المسموع وأما حركة أو عطاس فلا وهو قول جماعة منهم بن عباس وشريح وقتادة ذكر وكيع قال حدثني إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن بن عباس قال استهلاله صياحه وقاله إبراهيم وغيره
76 وذكر أبو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن إبراهيم قال ولدت امرأة ولدا فشهد نسوة أنه اختلج وولد حيا ولم يشهدن على الاستهلال فأبطل شريح ميراثه لأنهن لم يشهدن على الاستهلال وذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا معمر قال أخبرني سعيد بن أبي عروبة قال سمعت قتادة يقول لو خرج تاما ومكث الروح فيه ثلاثا ما ورثته حتى يستهل وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأكثر الفقهاء إذا علمت حياته بحركة أو عطاس أو استهلال أو رضاع أو غير ذلك مما يستيقن به حياته ثم مات ففيه الدية كاملة وعتق رقبة قال معمر] عن الزهري [لا يرث الجنين ولا يتم عقله حتى يستهل قال وإن عطس فهو عندي بمنزلة الاستهلال وروى مكحول عن زيد بن ثابت قال في السقط يقع فيتحرك قال كملت ديته استهل أو لم يستهل وروى معن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري قال أرى العطاس استهلالا وذكر أبو بكر قال حدثني بن مهدي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال الاستهلال البكاء أو العطاس واختلفوا في السقط الذي تطرحه أمه المضروب بطنها فقال مالك كل ما طرحته من مضغة أو علقة أو ما يعلم أن يكون ولد ففيه الغرة وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا شيء فيه من غرة ولا غيرها حتى يستبين شيء من خلقته أصبع أو ظفر] أو عين [أو ما أشبه ذلك مما يفارق فيه المضغة والدم والعلقة وزاد في كتاب أمهات الأولاد قال فإن أسقطت خلقا مجتمعا لا يستبين أن يكون له خلق سألنا عدولا من النساء فإن زعمن أن هذا لا يكون إلا خلق الآدميين كانت له أم ولد وإن شككن لم تكن له أم ولد قال مالك (2) ونرى أن في جنين الأمة عشر ثمن أمه قال أبو عمر يريد جنين الأمة من غير سيدها لأن جنين الأمة من سيدها لم يختلف العلماء أن حكمه حكم جنين الحرة
77 واختلفوا في جنين الأمة اختلافا كثيرا فذهب مالك والشافعي وأصحابهما إلى أن في جنين الأمة عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى] قال الشافعي يوم جنى عليها قال وهو قول المدنيين يعني عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى [لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة ولم يفرق بين ذكر أو أنثى قال المزني القياس على أصله عشر قيمة أمه يوم تلقيه واحتج بذلك لمسائل من قوله قال لا أعرف أن يدفع عن الغرة قيمة إلا أن تكون لموضع لا توجد فيه قال المزني أصله في الدية الإبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها فإن لم توجد فقيمتها وكذلك الغرة إذا لم توجد فقيمتها قال وإنما قلت أن لا يقبلها دون سبع سنين أو ثماني سنين] لأنها لا تستغني بنفسها دون هذا السن ولا يفرق بينها إلا في حد أسن [وأعلى وقال أبو حنيفة وأصحابه إن خرج جنين الأمة من غير سيدها حيا ثم مات ففيه قيمته قال أبو عمر وهذا لم يختلفوا فيه قال وإن خرج ميتا فإن كان ذكرا كان فيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كانت أنثى كان فيها عشر قيمتها لو كانت حية وقال الطحاوي هذا قول أبي حنيفة ومحمد ولم يجد محمد عن أبي يوسف في ذلك خلافا قال وبه نأخذ وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف في جنين الأمة إذا ألقته ميتا فأنقص أمه كما يكون في أجنة البهائم قال أبو عمر قد احتج الشافعي على محمد بن الحسن في تفرقتهم بين الذكر والأنثى في الجنين تطرحه أمه ميتا فأحسن ذكره المزني عنه وقال أبو بكر سمعت وكيعا يقول قال سفيان نحن نقول إن كان غلاما فنصف عشر قيمته وإن كانت جارية فعشر قيمتها لو كانت حية قال أبو عمر هذا قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول إبراهيم
78 وقال الحسن كقول مالك والشافعي عشر ثمن أمه رواه عنه يونس وهشام وقال معمر عن الزهري جنين الأمة في ثمن أمه بقدر جنين الحرة في دية أمه وقال الحكم كانوا يأخذون جنين الأمة في جنين الحرة ذكره أبو بكر عن يزيد بن هارون عن الأشعث عن الحكم وروى الزهري عن سعيد بن المسيب قال في جنين الأمة عشرة دنانير وقال حماد في جنين الأمة حكومة قال مالك (1) وإذا قتلت المرأة رجلا أو امرأة عمدا والتي قتلت حامل لم يقد منها حتى تضع حملها قال أبو عمر هذا إجماع من العلماء وسنة مسنونة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرجم الحامل المعترفة بالزنى حتى وضعت قال مالك (2) وإن قتلت المرأة وهي حامل عمدا أو خطأ فليس على من قتلها في جنينها شيء فإن قتلت عمدا قتل الذي قتلها وليس في جنينها دية وإن قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها ديتها وليس في جنينها (دية) قال أبو عمر قد ذكرنا أنهم لا يختلفون أن الجنين لا يعتبر له حكم ولا يراعي حتى تلقيه أمه من الضرب حيا أو ميتا فتكون فيه مع الحياة دية وفي الغرة إن ألقته ميتا كما ذكرنا وبالله توفيقنا 1589 - سئل مالك عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح (3) فقال أرى أن فيه عشر دية أمه قال أبو عمر هو قول الشافعي وأما الكوفي فقال جنين الذمية يهودية كانت أو نصرانية أو مجوسية كجنين المسلمة سواء وهو قول الأوزاعي
79 وهذا على أصلهم في دية الذمي أنها كدية المسلم وأنه بقتل المسلم بالذمي كما يقتل الذمي به وأما مالك والشافعي فلا يقتل عندهما مسلم بكافر إلا أن دية اليهودي والنصراني عند مالك نصف دية المسلم وعند الشافعي ثلث دية المسلم واتفقا على أن دية المجوسي ثمانمائة درهم وسنذكر ذلك كله في موضعه إن شاء الله تعالى واختلفوا في الجنين يخرج من بطن أمه ميتا وهي قد ماتت من ضرب بطنها فقال مالك والشافعي وأصحابهما لا شيء فيه من غرة ولا غيرها إذا ألقته بعد موتها ميتا وقال ربيعة والليث بن سعد فيه الغرة وروي ذلك عن الزهري قال أبو عمر قول أشهب في هذا كقول الليث وقد أجمعوا أنها لو ماتت من الضرب ولم تلق الجنين أنه لا شيء فيه وكذلك أجمعوا أنه لو ضرب بطن امرأة ميتة فألقت جنينا ميتا أنه لا شيء فيه فالقياس أنه لا شيء فيه إذا ألقته ميتا وهي ميتة وإن كان الضرب وهي حية والله أعلم واختلفوا في ميراث الغرة من يستحقه فاتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم أنها مورثة] عن الجنين [وحجتهم أن الغرة عن الجنين لا عن عضو من أعضاء الأم لأنهم قد أجمعوا أنها لو قطع يدها خطأ فماتت من ذلك لم تكن لليد دية ودخلت في النفس ولو ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا ثم ماتت من الضربة وجبت الدية والغرة ولم تدخل الغرة في الدية فدل ذلك على أن الجنين منفرد بحكمه دون أمه فوجب أن تكون ديته موروثة عنه كسائر الديات وإذا صح هذا بطل قول من جعلها للأم خاصة وقال ربيعة والليث الدية للأم خاصة كعضو من أعضائها وقد روي عن ربيعة والزهري أن دية الجنين موروثة على فرائض الله تعالى
80 قال أبو عمر قد تقدم لمالك أنه يوجب القسامة في الجنين أنه ما مات من ضرب بطن أمه وقال الشافعي في كتاب الديات والجنايات إن قامت البينة أنها لم تزل شاكية موجعة من الضرب حتى طرحته لزمت الجناية الجاني ويغرمها من يغرم دية الخطأ وإن لم تقم البينة حلف الجاني وبرئ ((8 - باب ما فيه الدية كاملة)) 1590 - مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في الشفتين الدية كاملة فإذا قطعت السفلى ففيها (ثلثا) الدية قال أبو عمر أجمع العلماء من السلف والخلف أن في الشفتين الدية وأما ما قاله سعيد بن المسيب في السفلى الدية فهو مذهب زيد بن ثابت وهو قول طائفة من علماء التابعين ذكر أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في الشفة السفلى ثلثا الدية لأنها تحبس الطعام والشراب وفي العليا ثلث الدية وممن قال بقول زيد بن ثابت في ذلك سعيد بن المسيب ومكحول وعطاء والشعبي في رواية الشيباني عنه وروى عنه زكريا الشفتان سواء في كل واحدة منهما نصف الدية وهو قول الحسن وإبراهيم] وقتادة [ومجاهد وقد روى عن مجاهد تفضل السفلى على العليا بالتغليظ ولا تفضل بالزيادة في العدد واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم على أن في الشفتين الدية وأن في كل واحدة منهما نصف الدية ولا تفضل السفلى غيرها 1591 - مالك أنه سأل بن شهاب عن الرجل الأعور يفقأ عين الصحيح فقال بن شهاب إن أحب الصحيح أن يستقيد (1) منه فله القود وإن أحب فله الدية ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم
81 قال أبو عمر هذا في العمد له القود إن شاء لقول الله تعالى * (والعين بالعين) * [المائدة 45] وجعل بن شهاب المفقوء العين مخيرا على الأعور الذي فقأ عينه] إن شاء فقأ عينه [وإن شاء أخذ منه ألف دينار دية عينه وهو مذهب عمر وعثمان وبن عمر في عين الأعور الدية كاملة إذا فقئت خطأ وسيأتي ذكر فقء عين الأعور خطأ في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى ولم يختلف في ذلك قول مالك واختلف قوله في هذه المسألة فقال مرة ليس للصحيح الذي فقئت عينه إلا دية عينه خمسمائة دينار كما لو فقأها غير أعور وعفي عنه على الدية قال بن القاسم ثم رجع عن ذلك فقال يأخذ دية عين الأعور الذي ترك له ألف دينار قال بن القاسم وقوله الآخر أعجب إلي وقال بن دينار والمغيرة بقوله الأول وقال الشافعي الصحيح الذي فقئت عينه مخير إن شاء فقأ عين الأعور وإن شاء أخذ دية] عين [نفسه خمسين من الإبل ليس له غير وهذا كقول بن دينار والمغيرة سواء قال الشافعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين خمسون وقال في العينين الدية وليس لأحد أن يجعل في إحداهما الدية وقال الكوفيون الصحيح الذي فقئت عينه ليس بمخير وإنما له القصاص من الأعور أو يصطلحان على ما شاء وللسلف في هذا أقوال ذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا بن جريج عن محمد عن أبي عياض أن عمر وعثمان اجتمعا على أن الأعور إن فقأ عين صحيح فعليه مثل دية عينه ولا قود عليه قال وقال علي القصاص في كتاب الله تعالى * (والعين بالعين) * [المائدة 45] وقد علم أنه يكون هذا وغيره فعليه القصاص
82 ذكر أبو بكر قال حدثني حفص عن داود عن عامر في أعور فقأ عين صحيح قال العين بالعين وقال وحدثني غندر عن شعبة عن مغيرة عن إبراهيم مثله وروى سعيد عن قتادة عن أبي عياض أن عثمان قضى في رجل أعور فقأ عين صحيح فقال عليه دية عينه وهي دية عينين ولا قود عليه قال قتادة وقال ذلك بن المسيب في العمد والخطأ لا يستقاد من أعور وعليه الدية كاملة وروى معمر عن الزهري عن قتادة قالا إذا فقأ الأعور عين الصحيح عمدا غرم ألف دينار وإن فقأها خطأ غرم خمسمائة دينار وروى بن جريج عن عطاء في أعور أصاب عين إنسان عمدا قال ما أرى أن يقاد منه أرى له الدية كاملة قال أبو عمر كأنه كره أن يأخذ عين الأعور وحدها بعيني الصحيح اللتين فقأهما وكره أن يغرمه مع عينه التي ليس له غيرها دية عين فقضى الصحيح بدية عينيه معا ودفع القصاص 1592 - مالك أنه بلغه أن في كل زوج من الإنسان (1) الدية كاملة وأن في اللسان الدية كاملة وأن في الأذنين إذا ذهب سمعهما الدية كاملة اصطلمتا (2) أو لم تصطلما وفي ذكر الرجل الدية كاملة وفي الأنثيين الدية كاملة 1593 - مالك أنه بلغه أن في ثديي المرأة الدية كاملة قال مالك وأخف ذلك عندي الحاجبان وثديا الرجل قال أبو عمر أما قوله في كل زوج من الإنسان الدية كاملة فهذا في مذهبه وقوله على الأكثر والأغلب لأنه لا يجعل على الحاجبين الدية ولا في ثديي الرجل ولا في الأذنين إذا لم يذهب سمعهما وغيره يجعل في ذلك الدية وأما قوله في اللسان الدية فقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعليه جماعة العلماء ومذاهب أئمة الفتوى إذا قطع كله أو ما يمنع الكلام منه
83 فإن لم يمنع ما قطع منه شيئا من الكلام ففيه حكومة فإن منع ما قطع منه بعض الكلام ففيه بحساب ما منع منه يعتبر بحروف الفم هذا كله في الخطأ واختلفوا في القصاص في اللسان فمن لم ير فيه القصاص وهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم يرون فيه الدية على ما وصفنا في مال الجاني عمدا في أحد قولي مالك والأشهر عنه أنه على العاقلة وعند الشافعي والكوفي في مال الجاني وقال الليث وغيره في اللسان القصاص يعني في العمد وأما قوله وأن في الأذنين الدية إذا ذهب سمعهما فقد اختلف في الأذنين واختلف في ذهاب السمع أيضا فالذي رواه بن القاسم عن مالك في السمع الدية إذا ذهب من الأذنين جميعا وفي قطع الأذنين حكومة وهو رواية بن عبد الحكم عن مالك نحو ذلك لأنه قال ليس في إشراف الأذنين إلا حكومة وروى أهل المدينة عن مالك أنه قال في الأذنين إذا اصطلمتا الدية وإن لم يذهب السمع ولم يختلف عن مالك أن في ذهاب السمع الدية وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث بن سعد في الأذنين الدية وفي السمع الدية قال أبو عمر روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من وجوه أنه قضى في الأذن بخمس عشرة من الإبل وقال إنه لا يضر السمع ويسترهما الشعر والعمامة وروي عن عمر وعلي وزيد أنهم قضوا في الأذن إذا استؤصلت بنصف الدية وروي عن بن مسعود مثله قال معمر والناس على هذا وأما ذهاب السمع فروي عن مجاهد أنه قال في ذهاب السمع خمسون وهذا يحتمل أن يكون في الأذن الواحدة] وقال عطاء [لم يبلغني في ذهاب السمع شيء
84 قال أبو عمر جمهور العلماء على أن في ذهاب السمع الدية وأما قوله في ذكر الرجل الدية فإن العلماء مجمعون على أن في الذكر الصحيح الذي يمكن به] الوطء [الدية كاملة وفي الحشفة الدية كاملة لم يختلفوا في ذلك واختلفوا في ذكر الخصي وذكر العنين كما اختلفوا في لسان الأخرس وفي اليد الشلاء فمنهم من جعل في ذكر الخصي والعنين حكومة ومنهم من قال فيه الدية كاملة ومنهم من قال فيه ثلث الدية وكذلك اختلافهم في لسان الأخرس والذي عليه الفقهاء في ذكر الخصي والعنين حكومة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل الزهري وغيره وعن عمر وعلي وعبد الله وزيد في الذكر الدية وفي الحشفة الدية (1) واختلف الفقهاء في قطع باقي الذكر بعد الحشفة بما ليس كتابنا موضعا لذكره وأما قوله وفي الأنثيين الدية فروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وبن مسعود وهؤلاء فقهاء الصحابة ولا مخالف لهم من التابعين ولا من غيرهم كلهم يقولون في البيضتين الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية وعلى هذا مذهب أئمة الفتوى بالأمصار إلا سعيد بن المسيب فإنه روي عنه من وجوه أنه قال في البيضة اليسرى ثلثا الدية لأن الولد يكون منها وفي اليمنى ثلث الدية حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن سعيد بن المسيب قال في البيضة اليسرى ثلثا الدية وفي اليمنى الثلث قلت لم قال لأن اليسرى إذا ذهبت لم يولد له وإذا ذهبت اليمنى ولد له
85 وأما قوله أنه بلغه أن في ثدي المرأة الدية كاملة فعلى هذا جماعة أئمة الفتوى بالأمصار والفقهاء بالحجاز والعراق وأتباعهم وجمهور التابعين كلهم يقولون في ثدي المرأة ديتها وفي كل واحد منهما نصف ديتها وفي حلمتيها ديتها كاملة لأنه لا يكون الرضاع إلا بهما وفي كل واحدة منهما نصف الدية وروي ذلك عن زيد بن ثابت وجماعة من تابعي المدينة ومكة والكوفة إلا في الحلمتين فإنه روي فيهما عن زيد وغيره أشياء مضطربة وعن أبي بكر الصديق في ثدي المرأة شيء لا يصح عنه خلاف ما اجتمع عليه الفقهاء وروى معن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري أنه سئل عن ثديي المرأة فقال فيهما الدية] وفي ثدي المرأة نصف الدية وإذا أصيب بعضه ففيه حكومة العدل المجتهد وأما قوله وأخف ذلك عندي الحاجبان [وثديا الرجل قال أبو عمر مذهب مالك رحمه الله] أن في الحاجبين حكومة [وكذلك في ثدي الرجل حكومة وفي جفون العينين حكومة وفي أشفارها حكومة وفي شعر الرأس واللحية إذا حلقا ولم ينبت حكومة وقال بن القاسم لا قصاص في حلق الرأس ولا اللحية وفيهما الأدب وقال الشافعي في شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين حكومة وقال أبو حنيفة في الحاجبين الدية وفي إحداهما نصف الدية وفي أشفار العينين الدية وفي كل واحد منهما ربع الدية قال أبو عمر روي عن بن مسعود أنه قال ما كان في الأنثيين في الإنسان ففيهما الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية وروي عن سعيد بن المسيب وشريح والشعبي وإبراهيم والحسن في الحاجبين الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من وجه لا يثبت في اللحية إذا حلقت ولم تنبت الدية قال أبو عمر الدية لا تصح ولا تثبت في عضو من الأعضاء ولا في النفس إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له
86 ولم يجمعوا في الحاجبين ولا في شعر اللحية والرأس على شيء والقياس أن يكون في كل ما لم يصح فيه توقيف حكومة والله أعلم ومن أحسن ما قيل في الأجفان] ما روى الشيباني عن الشعبي قال في الأجفان [في كل جفن ربع الدية وروى عنه داود بن أبي هند قال في الجفن الأسفل الثلثان وفي الأعلى الثلث وحدثني أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله] عن بقي عن أبي بكر [قال حدثني عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن مكحول قال كانوا يجعلون في جفني العين إذا أخذتا عن العين الدية وذلك أنه لا بقاء للعين بعدهما فإن تفرقا جعل في الأسفل الثلث وفي الأعلى الثلثين وذلك أجزى عن العين من الأسفل بسترها ويكف عنهما وهو قول الشافعي والكوفي وأحمد في الأجفان قال مالك (1) الأمر عندنا أن الرجل إذا أصيب من أطرافه أكثر من ديته فذلك له إذا أصيبت يداه ورجلاه وعيناه فله ثلاث ديات قال أبو عمر لا أعلم في هذا خلافا بين العلماء والحمد لله قال مالك (2) في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت خطأ إن فيها الدية كاملة قال أبو عمر في عين الأعور تصاب خطأ قولان للعلماء أحدهما نصف الدية والثاني الدية كاملة وإليه ذهب مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة وغيرهم من السلف وهو قول الليث وروى معمر عن الزهري وقتادة قالا إذا فقئت عين الأعور خطأ ففيها الدية كاملة ألف دينار وروى بن جريج عن بن شهاب في عين الأعور تفقأ خطأ قال فيها الدية كاملة ألف دينار قلت عن من قال لم نزل نسمعه
87 وقال بن جريج - وقال ذلك ربيعة - قال بن جريج وحديث عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان - رضي الله عنهما - قضيا في عين الأعور بالدية تامة وروى قتادة عن أبي مجلز عن عبد الله بن صفوان أن عمر بن الخطاب قضى في عين أعور بالدية كاملة ذكره عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد عن قتادة ورواه وكيع عن هشام عن قتادة وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال إذا فقئت عين الأعور ففيها الدية كاملة وذكر أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن سعيد عن قتادة عن أبي عياض أن عثمان قضى في أعور أصيبت عينه الصحيحة بالدية كاملة قال وحدثني يزيد عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب في أعور فقئت عينه قال فيها الدية كاملة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري] وعثمان البتي [في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت نصف الدية وهو قول عبد الله بن معقل وشريح القاضي] ومسروق [والشعبي وإبراهيم وعطاء ذكر عبد الرزاق (1) عن بن التيمي عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي الضحى قال سئل عبد الله بن معقل عن الرجل يفقأ عين الأعور فقال ما أنا فقأت عينه الأخرى ليس له إلا نصف الدية وروى بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن مغفل أنه قال في الأعور يفقأ عين الصحيح قال تفقأ عين الذي فقأ عينه قال ما أنا فقأت عينه الأخرى قال الله عز وجل * (والعين بالعين) * [المائدة 45] وروى الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق في عين الأعور تصاب قال أنا أدي قتيل الله فيها نصف الدية دية عين واحدة والآثار عن سائر من ذكرنا في كتاب أبي بكر صحاح كلها إلا أنه ليس فيهم من الصحابة] أحد
88 وقد احتج قائلوا هذا القول بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم وغيره في العين خمسون ولم يخص أعور من غير أعور وبإجماع على أن من قطع يد رجل مقطوع اليد خطأ أو رجله ليس عليه إلا دية رجل واحدة أو يد واحدة قال بن القاسم عن مالك إذا كان الرجل ذاهب السمع من إحدى أذنيه فضرب إنسان الأذن الأخرى فأذهب سمعه فعليه نصف الدية قال وكذلك الرجلين واليدين إذا قطع إنسان الثانية منهما لم يكن عليه إلا] نصف [الدية قال بن القاسم وإنما قال ذلك مالك في عين الأعور دون غيرها قال أبو عمر لم يجمعوا في اليد لأن الأوزاعي قال إذا أصيبت يد رجل في سبيل الله ثم أصاب رجل الأخرى ففيها الدية كاملة قال وإن كان أخذ لها ديتها ففي الأخرى نصف الدية قال وكذلك عين الأعور قال أبو عمر القياس أنه لا يلزم الجاني إلا جنايته لا جناية غيره وإذا كان ذلك فلا فرق بين أن يأخذ الأعور لعينه دية أو لا يأخذ وكذلك اليد لأنه لا يعتبر] في [فعل الإنسان فعل غيره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليد خمسون قال أبو عمر قول مالك أولى ما قيل به في هذا الباب من جهة الاتباع لعمر وعثمان وبن عمر وبالله التوفيق قال أبو عمر أحسن ما روي فيمن ضرب عين غيره فذهب بعض بصره عمدا وبقي بعض ما رواه سنيد قال حدثنا عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن رجلا أصاب عين رجل فذهب بعض بصره وبقي بعضه فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فأمر بعينه الصحيحة فعصبت وأعطي رجل بيضة فانطلق] بها [وهو ينظر حتى انتهى بصره فأمر علي فخط عند ذلك خطا علما ثم أمر بعينه الأخرى فعصبت وفتحت الصحيحة وأعطى رجل بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره ثم خط عند ذلك علما وعرف ما بين الموضعين من المسافة ثم أمر به فحول إلى مكان وفعل به مثل ذلك ثم قاس فوجد مثل ذلك سواء فأعطاه بقدر ما نقص من بصره من مال الجاني عليه
89 ((9 - باب ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها)) 1594 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت كان يقول في العين القائمة إذا طفئت مائة دينار قال مالك الأمر عندنا في العين القائمة العوراء إذا طفئت وفي اليد الشلاء إذا قطعت إنه ليس في ذلك إلا الاجتهاد وليس في ذلك عقل مسمى قال أبو عمر خالف مالكا في إسناد هذا الحديث سفيان الثوري وغيره ذكر عبد الرزاق (1) عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا محقت مائة دينار وذكر أبو بكر قال حدثني حفص وعبد الرحيم عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين القائمة إذا طفئت مائة دينار وروى بن عيينة قال حدثني يحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين] القائمة [التي لا يبصر بها صاحبها إذا بخصت بمائة دينار - يعني إذا أطفئت - فأسقط مالك من إسناد هذا الحديث بكير بن الأشج وهو الراوي له عن سليمان بن يسار سماعا ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرنا إسماعيل بن أمية أن بكير بن الأشج أخبره أنه سمع سليمان بن يسار يحدث عن زيد بن ثابت قال في العين القائمة عشر الدية مائة دينار (2) وقد روي في هذه المسألة عن عمر بن الخطاب] خلاف ما روى زيد [في العين القائمة] رواه معمر عن الزهري عن سالم قال قضى عمر بن الخطاب في العين القائمة [إذا أصيبت وطفئت بثلث الدية روى قتادة عن عبد الله بن يزيد عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن
90 عباس عن عمر بن الخطاب أنه قال في العين القائمة العوراء واليد الشلاء والسن السوداء في كل واحدة منهما ثلث ديتها وروى بن جريج عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال فيها نصف الدية وقال مسروق والشعبي وإبراهيم والحكم وحماد فيها حكومة عدل أو حكم ذوي عدل وروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن عمر بن عبد العزيز قضى في عين كانت قائمة فضخت بمائة دينار قال أبو عمر العين القائمة المذكورة في هذا الباب هي السالمة الحدقة القائمة الصورة إلا أن صاحبها لا يرى منها شيئا وقد اختلف السلف في ديتها إذا أصيبت كما ترى واتفق مالك والشافعي [وأبو حنيفة] على أن فيها حكومة من غير توقيت إلا ما يؤدي إلى اجتهاد الحاكم المشاور للعلماء وكذلك اليد الشلاء عندهم وقال الشافعي قضى زيد بن ثابت في العين القائمة فحمله عندي أنه حكم بذلك مجتهدا وأن ذلك كان منه على وجه الحكومة لا على وجه التوقيف والله أعلم قال ومعنى الحكومة أن يقوم المجني كم يساوي لو كان عبدا غير مجني عليه ثم] يقوم [مجنيا عليه فينظر كم بين القيمتين فإن كانت العشر فعليه عشر الدية أو الخمس فعليه خمس الدية قال أبو عمر فهذا حكم العين القائمة تفقأ خطأ أو عمدا إلا أن يكون الفاقىء لها عمدا له عين مثلها ففيها القود ولو أن رجلا ضرب عين رجل صحيحة فذهب بصرها وبقيت قائمة ففي العمد من ذلك القود وأرفع ما جاء في ذلك ما روى عن علي رضي الله عنه رواه معمر عن الحكم بن عتيبة أن عثمان رضي الله عنه أتي برجل لطم عين رجل أو أصابه بشيء فذهب بصره وعينه قائمة فأراد عثمان أن يقيده فأعيا ذلك عليه وعلى الناس كيف يقيده وجعلوا لا يدرون كيف يصنعون حتى أتاهم علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فأمر بالمصيب فجعل على وجهه كرسف ثم استقبل به عين
91 الشمس وأدنى من عينه مرآة فالتمع بصره وعينه قائمة وروى عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن سعيد بن المسيب أن رجلا أصاب عين رجل فذهب بصره وبقيت عينه مفتوحة فرفع ذلك إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأمر بمرآة فأحميت ثم أدنيت من عينه حتى سالت نطفة عينه وبقيت قائمة مفتوحة ذكره سنيد عن عباد بن العوام قال يحيى وسئل مالك عن شتر العين وحجاج العين فقال ليس في ذلك إلا الاجتهاد إلا أن ينقص بصر العين فيكون له بقدر ما نقص من بصر العين قال أبو عمر نحو هذا قول أبي حنيفة والشافعي وذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أمراء الأجناد أن يكتبوا إليه بعلم علمائهم قال فكان مما أجمعوا عليه في شتر العين ثلث الدية وفي حجاج العين ثلث الدية قال أبو عمر حجاج العين هو العظم المشرف على غار العين وهما حجاجا العين قال أهل اللغة الحجاجان هما العظمان المشرفان على غاري العينين ((10 - باب ما جاء في عقل الشجاج (2))) 1595 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سليمان بن يسار يذكر أن الموضحة في الوجه مثل الموضحة في الرأس إلا أن تعيب الوجه فيزداد في عقلها ما بينها وبين عقل نصف الموضحة في الرأس فيكون فيها خمسة وسبعون دينارا قال أبو عمر روي هذا الخبر عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك سواء عبد الملك بن جريج ويحيى بن سعيد القطان وجمهور العلماء على أن الموضحة لا تكون إلا في الوجه والرأس دون الجسد
92 وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهم إلا أن مالكا قال لا تكون الموضحة إلا في حجبة الرأس (1) والجبهة والخدين واللحي الأعلى ولا تكون في اللحي الأسفل لأنه في حكم] العنق [ولا في الأنف لأنه عظم منفرد وأما الشافعي والكوفيون فالموضحة عندهم في جميع الوجه والرأس والأنف عندهم من الوجه وكذلك اللحي الأسفل من الرأس وذكروا] من [قول بن عمر ما فوق الذقن من الرأس ولا يخمره المحرم وقالوا أراد بقوله الذقن وما فوقه كما قال الله عز وجل * (فاضربوا فوق الأعناق) * [الأنفال 12] ومعنى الموضحة عند جماعة العلماء ما أوضح] العظم [من الشجاج فإذا ظهر من العظم شيء قل أو كثر فهي موضحة وقال الليث بن سعد وطائفة تكون الموضحة في الجسد فإذا كشفت عن العظم ففيها أرشها وقال الأوزاعي الموضحة في الوجه والرأس سواء وجراحات الجسد على النصف من ذلك قال أبو عمر جعل الليث جراحة الجسد إذا وضحت عن العظم كموضحة الرأس وجعل الأوزاعي موضحة الجسد مؤقتة أيضا بنصف أرش موضحة الرأس واتفق مالك والشافعي وأصحابهما أن جراح الجسد ليس فيها شيء مؤقت جاءت به السنة وإنما في ذلك الاجتهاد في الحكومة وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جعل في موضحة الجسد نصف دية العضو الذي تقع فيه الموضحة فإن كانت في الأصبع ففيها نصف عشر دية الأصبع وكذلك لو كانت في اليد أو في الرجل قال أبو عمر الموضحة في الوجه والرأس مجتمع عليها] يشهد [الكافة من العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت فيها نصف عشر الدية وأجمعوا على ذلك وروي من نقل الآحاد العدول مثله
93 وإنما اختلفوا في موضحة الجسد وما ذكرنا عن مالك في موضحة الأنف واللحي الأسفل حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني] محمد [بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الموضحة خمس (1) وذلك في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في الديات وفي الموضحة خمس يعني من الإبل وعلى أهل الذهب خمسون دينارا وعلى أهل الورق نصف عشر الدية وقد ذكرنا اختلاف أهل الحجاز وأهل العراق في مبلغ الدية من الورق فيما تقدم قال أبو عمر يقولون إن جراحات الجسد لا تسمى شجاجا وإنما يقال لها جراح وأن ما في الرأس والوجه يقال لها شجة ولا يقال لها جراحة وأما قول سليمان بن يسار إلا أن تغيب الموضحة] في الوجه [فيزاد في عقلها ما بينها وبين نصف عقل الموضحة في الرأس فيكون فيها خمسة وسبعون دينارا فذكر بن حبيب في تفسير الموطأ قال اختلف قول مالك في موضحة الوجه تبرأ على شيئين فمرة قال بقول سليمان بن يسار ومرة قال لا يزاد فيها على عقلها وإن برئت على شيئين واختاره بن حبيب قال أبو عمر وقد روي عن مالك أنه يجتهد في شينها للوجه ويحكم في ذلك بغير توقيت وقال الشافعي لا يزاد في الموضحة على أرشها المسنون شانت الوجه أو لم تشنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض أرشها ولم يفرق - عليه السلام - بين ما يشين وما لا يشين قال مالك (2) والأمر عندنا أن في المنقلة خمس عشرة فريضة قال والمنقلة التي يطير فراشها من العظم ولا تخرق إلى الدماغ وهي تكون في الرأس وفي الوجه
94 قال أبو عمر لا يختلف العلماء في أن المنقلة خمس عشرة فريضة وهي عشر الدية ونصف عشر الدية ووصف العلماء لها متقارب جدا فقول مالك ما ذكره في الموطأ وقال بعض أصحابه المنقلة هي الهاشمة ولا يعرف بعضهم الهاشمة وقال بن القاسم الهاشمة دون المنقلة وهي ما هشم العظم قال فإذا كانت في الرأس فهي منقلة قال والمنقلة ما أطار فراش العظم وإن صغر قال أبو عمر موضع المنقلة والهاشمة عند العلماء موضع الموضحة ومحال أن تكون الهاشمة هي المنقلة لأن الهاشمة فيها عشر من الإبل عند الجمهور ولا خلاف أن في المنقلة خمس عشرة فريضة من الإبل واتفقوا على أن ذلك عشر الدية ونصف عشرها وفي الهاشمة عشر الدية عند كل من عرفها وذكرها من الفقهاء في كتبهم وقال الشافعي الهاشمة هي التي توضح ثم تهشم قال وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وهي التي تكسر عظم الرأس حتى يتشظى فتستخرج عظامه من الرأس ليلتئم وقال أبو حنيفة في الهاشمة عشر الدية وهي التي تهشم العظم وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشر الدية وهي التي تنقل منها العظام قال أبو عمر روى مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال في الهاشمة عشر من الإبل ولا مخالف له من الصحابة علمته وروى معمر عن قتادة قال في الهاشمة عشر من الإبل قال قتادة وقال بعضهم خمسة وسبعون دينارا قال مالك (1) الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيهما قود وقد قال بن شهاب ليس في المأمومة قود
95 قال مالك (1) والمأمومة ما خرق العظم إلى الدماغ ولا تكون المأمومة إلا في الرأس وما يصل إلى الدماغ إذا خرق العظم قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال في المأمومة قود ولا في الجائفة وروى سفيان بن عيينة عن بن] أبي [نجيح عن مجاهد قال في المأمومة ثلث الدية فإن خبلت شقه أو أذهبت عقله أو سمع الرعد فغشي عليه ففيها الدية كاملة قال أبو عمر اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم على أنه لا قصاص في شيء من شجاج الرأس إلا في الموضحة وما عداها من شجاج الرأس ففيها الدية وقد مضى ما في المنقلة والهاشمة واتفقوا على أن في المأمومة ثلث الدية وكذلك في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في الديات قال وفي المأمومة ثلث الدية قال أبو عمر أهل العراق يسمونها الآمة قالوا هي التي تؤم الدماغ وفيها ثلث الدية] وقال الشافعي المأمومة ثلث النفس وهي التي تخرق الجلد إلى الدماغ [وأما الجائفة فأجمع العلماء على أنها من جراح الجسد لا من شجاج الرأس وأنها تكون في الظهر وفي البطن إذا وصل شيء منها إلى الجوف ولو بمدخل إبرة فهي جائفة وفيها ثلث الدية ولا قود فيها وإن كانت عمدا قال مالك (2) الأمر عندنا أنه ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل حتى تبلغ الموضحة وإنما العقل في الموضحة فما فوقها وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الموضحة في كتابه لعمرو بن حزم فجعل فيه خمسا من الإبل ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث فيما دون الموضحة بعقل مسمى قال أبو عمر قوله إنه ليس فيما دون الموضحة عقل مسمى وإنما فيه حكومة يجتهد فيها الحاكم وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وقول أكثر العلماء ذكر أبو بكر قال حدثني محمد بن أبي عدي عن أشعث قال كان الحسن لا يؤقت فيما دون الموضحة شيئا
96 وقال حدثني محمد بن عبد الله الأسدي عن بن علاثة عن إبراهيم بن أبي عبلة أن معاذا وعمر جعلا فيما دون الموضحة أجر الطبيب وكذلك قال مسروق والشعبي وبه كتب عمر بن عبد العزيز ليس في ما دون الموضحة عقل إلا أجر الطبيب وقال إبراهيم ما دون الموضحة إنما فيه الصلح قال أبو عمر قد روى مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة - وهي السمحاق - بنصف دية الموضحة قال أبو عمر هذا خلاف ظاهر الموطأ قوله ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث عندنا فيما دون الموضحة بعقل مسمى ولا وجه لقوله هذا إلا أن يحمل قضاء عمر وعثمان في الملطاة على وجه الحكومة والاجتهاد والصلح لا على التوقيت كما قالوا في قضاء زيد بن ثابت في العين القائمة وذكر عبد الرزاق (1) قال قلت لمالك إن الثوري حدثنا عنك عن يزيد بن قسيط عن بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة (2) بنصف الموضحة فقال لي قد حدثته به قلت فحدثني به فأبى وقال العمل عندنا على غير ذلك وليس الرجل عندنا هنالك - يعني يزيد بن قسيط قال أبو عمر هكذا قال عبد الرزاق يعني يزيد بن قسيط وليس هو عندي كما ظن عبد الرزاق لأن الحارث بن مسكين ذكر هذا الحديث عن بن القاسم عن عبد الرحمن بن أشرس عن مالك عمن حدثه عن يزيد بن عبد الله بن قسيط وعن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف الموضحة ويزيد بن قسيط من قدماء علماء أهل المدينة ممن لقي بن عمر وأبا هريرة وأبا رافع وروى عنهم وما كان مالك ليقول فيه ما ظن عبد الرزاق به لأنه قد احتج به في مواضع من موطئه وإنما قال مالك وليس الرجل عندنا هنالك في الرجل الذي كتم اسمه وهو الذي حدثه بهذا الحديث عن يزيد بن قسيط وقد بان بما رواه بن القاسم عن مالك عن رجل عن يزيد بن قسيط ما ذكرنا وبالله التوفيق
97 وقد قلد هذا الخبر الذي ظن فيه عبد الرزاق أن مالكا أراد بقوله ذلك يزيد بن قسيط بعض من ألف في الرجال فقال يزيد بن قسيط ذكر عبد الرزاق أن مالكا لم يرضه فليس بالقوي وهذا غلط وجهل ويزيد بن قسيط ثقة من ثقات علماء المدينة قال أبو عمر قد روي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه قضى في السمحاق بأربع من الإبل روي ذلك عنه من وجوه ويحتمل أن يكون توقيفا ويحتمل أن يكون حكومة فالله عز وجل أعلم وذكر عبد الرزاق (1) قال حدثني محمد بن راشد عن مكحول عن قبيصة عن زيد بن ثابت قال في الدامية بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاث وفي السمحاق أربع وفي الموضحة خمس وروى الشعبي عن زيد بن ثابت قال الدامية الكبرى ويرونها المتلاحمة فيها ثلاثمائة درهم وفي الباضعة مائتا درهم وفي الدامية الصغرى مائة درهم قال أبو عمر أسماء الشجاج التي دون الموضحة عند الفقهاء وأهل اللغة أولها الخارصة ويقال لها أيضا الخرصة وهي التي خرصت الجلد أي شقته وقيل هي الدامية وقيل بل الدامية غير الخارصة وهي التي تدمي من غير أن يسيل منها دم ثم الدامغة وهي التي يسيل منها دم وقيل الدامية والدامغة سواء ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم أي تشقه بعد أن شقت الجلد ثم المتلاحمة وهي التي أحزت في اللحم ولم تبلغ السمحاق والسمحاق جلدة أو قشرة رقيقة بين العظم واللحم قالوا وكل قشرة رقيقة فهي سمحاق والسمحاق هي الشجة التي تبلغ القشرة المتصلة بالعظم فإذا بلغت الشجة تلك القشرة المتصلة بالعظم فهي السمحاق ويقال لها الملطاة بالمد والقصر أيضا
98 وقد قيل لها الملطاة فإن كشطت تلك القشرة أو انشقت حتى يبدو العظم فهي الموضحة ولا شيء عند مالك في الملطاة إن كانت خطأ إلا أن تبرأ على شين فتكون فيها - حينئذ - حكومة وأما الشافعي والكوفيون ففي كل واحدة من هذه الشجاج التي ذكرنا دون الموضحة حكومة عندهم في الخطأ برئت على شين أو لم تبرأ 1596 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال كل نافذة (1) في عضو من الأعضاء ففيها ثلث عقل ذلك العضو قال مالك كان بن شهاب لا يرى ذلك قال أبو عمر روى هذا الخبر سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد سمع عن سعيد بن المسيب يقول كل نافذة في عضو من الأعضاء ففيها ثلث ما فيه قال يحيى قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن إنها شجة قال سفيان فأما التي تبين العظم فلا 1597 - قال مالك وأنا لا أرى في نافذة في عضو من الأعضاء في الجسد أمرا مجتمعا عليه ولكني أرى فيها الاجتهاد يجتهد الإمام في ذلك وليس في ذلك أمر مجتمع عليه عندنا قال أبو عمر قول مالك هذا يدل على أن أروش الجراحات لا يؤخذ التوقيت فيها إلا توقيفا والتوقيف إجماع أو سنة ثابتة فإذا عدم ذلك لم يجز أن] يشرع للناس شرع [لا يتجاوز بالرأي ولزم الإمام في ما ينزل بالناس مما لا نص فيه ولا توقيف] إلا [الاجتهاد في الحكم ومشاورة العلماء فإن أجمعوا على شيء أنفذه وقضى به وإن اختلفوا نظر واجتهد وهذا هو الحق عند أولي العلم] والفهم [وبالله التوفيق وأما قول سعيد بن المسيب في كل نافذة في عضو من الأعضاء ثلث دية ذلك العضو فإنه قاسه - والله أعلم - على الجائفة لأنها جراحة تنفذ إلى الجوف
99 والجوف مقتل وفيها ثلث الدية فإن كانت النافذة في عضو ليس بمقتل وأصيبت خطأ ففي تلك النافذة ثلث دية ذلك العضو وذلك نحو ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في موضحة الجسد نصف عشر دية ذلك العضو وقد ذكرنا في ما تقدم الاختلاف في ذلك قال مالك (1) الأمر عندنا أن المأمومة والمنقلة والموضحة لا تكون إلا في الوجه والرأس فما كان في الجسد من ذلك فليس فيه إلا الاجتهاد قال مالك فلا أرى اللحي الأسفل والأنف من الرأس في جراحهما لأنهما عظمان منفردان والرأس بعدهما عظم واحد قال أبو عمر قد تقدم القول في هذا الفصل كله من قوله فلا معنى لإعادته 1598 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عبد الله بن الزبير أقاد من المنقلة قال أبو عمر روي عن بن الزبير أنه أقاد من المنقلة وأنه أقاد أيضا من المأمومة والذي عليه جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار أنه لا قود في مأمومة ولا في جائفة ولا منقلة لأنه مخوف منها تلف النفس وكذلك كل] عظم [وعضو يخشى منه ذهاب النفس ولعل بن الزبير لم يخف من المنقلة التي أقاد منها ولا من المأمومة تلفا ولا موتا فأقاد منها على عموم قول الله تعالى * (والجروح قصاص) * [المائدة 45] ذكر عبد الرزاق (2) قال قلت لعطاء أيقاد من المأمومة قال ما سمعنا أحدا أقاد منها قبل بن الزبير وقال عطاء لا يقاد من المنقلة ولا من الجائفة ولا من المأمومة وذكر أبو بكر قال حدثني حفص عن أشعث عن أبي بكر بن حفص قال رأيت بن الزبير أقاد من مأمومة فرأيتهما يمشيان بمأمومتين قال وحدثني بن مهدي عن مالك عن يحيى بن سعيد أن الزبير أقاد من المنقلة
100 قال أبو عمر هذا في الموطأ عن ربيعة لا عن يحيى بن سعيد وبن مهدي حافظ وقال أبو بكر حدثني بن مهدي قال حدثني حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار أن بن الزبير أقاد من منقلة وروي عن علي رضي الله عنه من وجوه أنه قال ليس في المأمومة ولا في الجائفة ولا في المنقلة قصاص وقال إبراهيم النخعي [وعطاء والزهري] والشعبي مثله قال أبو عمر اختلف العلماء في الذي تجب عليه الدية في المأمومة والجائفة وما لا يستطاع القود فيه من جراح العمد فروى بن وهب وبن القاسم عن مالك أن الدية في ذلك على العاقلة وقال بن القاسم وهو أحد قولي مالك وقد روي عن مالك أن ذلك في مال الجارح إن كان مليا وإن كان فقيرا حملته العاقلة وروي عنه أن ذلك في مال الجاني على كل حال لأن العاقلة لا تحمل عمدا ثم قال تحملها العاقلة على كل حال وقال الأوزاعي هي في مال الجاني فإن لم تبلغ ماله فهي على عاقلته وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وعثمان البتي كل جناية فيما دون النفس لا يستطاع فيها القصاص نحو المنقلة والمأمومة والجائفة وما قطع من غير مفصل فأرشه كله في مال الجاني قال أبو عمر ذكر سعيد بن منصور قال حدثني عبد الرحمن وبن أبي الزناد عن أبيه] عن عبيد الله بن [عبد الله بن عتبة بن مسعود عن بن عباس قال لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا مخالف له من الصحابة وذكر أبو بكر قال حدثني بن إدريس عن مطرف عن الشعبي قال لا تعقل العاقلة صلحا ولا عمدا ولا عبدا ولا اعترافا قال وحدثني بن إدريس عن عبيدة عن إبراهيم مثله قال وحدثني عبد الرحمن عن الأشعث عن الحسن والشعبي قالا الخطأ على العاقلة والعمد والصلح على الذي أصابه في ماله
101 قال وحدثني عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه مثله قال أبو عمر قد قال قتادة والحكم بن عتيبة في كل جرح عمد لا يستطاع القود منه هو على العاقلة وهو قول إبراهيم وحماد وعروة بن الزبير هو في ماله وقال بن القاسم لو قطع رجل يمين رجل عمدا ولا يمين للقاطع كانت دية اليد في ماله ولا تحملها العاقلة وقال بن القاسم في المسلم يقتل الذمي عمدا أن ديته في مال المسلم لا تحملها العاقلة وقال أشهب تحملها العاقلة كالمأمومة والجائفة عمدا واختلف قول مالك وأصحابه في المسلم لا تحمل من الخطأ ديات أهل الكتاب وسيأتي هذا المعنى في باب ما يوجب العقل على الرجل في ماله خاصة وبالله التوفيق ((11 - باب ما جاء في عقل الأصابع)) 1599 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال سألت سعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة فقال عشر من الإبل فقلت كم في إصبعين قال عشرون من الإبل فقلت كم في ثلاث فقال ثلاثون من الإبل فقلت كم في أربع قال عشرون من الإبل فقلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها (1) فقال سعيد أعراقي أنت فقلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم فقال سعيد هي السنة يا بن أخي قال أبو عمر قد مضى معنى هذا الحديث وما للعلماء في مبلغ ما تعاقل فيه المرأة الرجل في ديتها من الاختلاف في باب عقل المرأة من هذا الكتاب فلا معنى لإعادته] وليس [عند مالك في الأصابع حديث مسند ولا عن صاحب أيضا وعقل
102 الأصابع مأخوذ من السنة ومن قول جمهور أهل العلم وجماعتهم كلهم يقول في الأصابع عشر عشر من الإبل وعلى هذا إجماع فقهاء الأمصار أئمة الفتوى بالعراق والحجاز وقد جاء عن السلف تفضيل بعض الأصابع على بعض كتفضيل من فضل منهم بعض الأسنان على بعض والسنة أن الأسنان سواء وأن الأصابع سواء وعلى هذا مذاهب الفقهاء وأئمة الفتوى بالأمصار حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني محمد بن بشر وأبو أسامة عن سعيد بن أبي عروبة عن غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأصابع بعشر عشر من الإبل (1) وقال أبو بكر حدثني محمد بن بشر عن سعيد عن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأصابع بعشر عشر (2) وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في الديات من رواية مالك وغيره في أصابع اليد وأصابع الرجل عشر عشر من الإبل (3) وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وجماعة من التابعين وهو قول جماعة فقهاء الأمصار أئمة العامة في الفتيا وقد روي عن عمر بن الخطاب خلاف ذلك وروى بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال في الإبهام عشر من الإبل وفي التي تليها عشر وفي الوسطى عشر وفي التي تلي الخنصر تسع وفي الخنصر ست
103 وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى أيضا في الإبهام والتي تليها بعقل نصف اليد وفي الوسطى بعشر فرائض وفي التي تليها تسع فرائض وفي الخنصر بست فرائض وعن مجاهد قال في الإبهام خمس عشرة وفي التي تليها عشر وفي التي تليها - وهي الوسطي عشر وفي التي تليها ثمان وفي التي تليها - وهي الخنصر - سبع رواه سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد وقال سفيان المجتمع عليه في الأصابع أنها سواء قال أبو عمر ما روي عن عمر ومجاهد وما كان مثله في هذا الباب فليس بشيء عند الفقهاء أئمة الفتوى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كل أصبع مما هنالك - يعني عليه السلام من اليد والرجل - عشر من الإبل وقال صلى الله عليه وسلم هذه وهذه سواء يعني الخنصر والإبهام حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه وهذه سواء يعني الخنصر والإبهام وقال أبو بكر حدثني عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن القضاء في الأصابع في اليدين والرجلين صار إلى عشر من الإبل قال مالك (1) الأمر عندنا في أصابع الكف إذا قطعت فقد تم عقلها وذلك أن خمس الأصابع إذا قطعت كان عقلها عقل الكف خمسين من الإبل في كل إصبع عشرة من الإبل قال مالك (2) وحساب الأصابع ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار في كل أنملة وهي من الإبل ثلاث فرائض وثلث فريضة قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك أن في كل أصبع عشرا من الإبل وعلى أهل الذهب مائة دينار وعلى أهل الورق ألف درهم ومائتا درهم وفي كل أنملة ثلث عقل الأصبع إلا الإبهام] ففي كل أنملة منه [دية الأصبع لأنه أنملتان
104 وعلى هذا مذهب الشافعي أيضا ذكر عنه المزني قال في اليدين الدية وفي الرجلين الدية وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي كل أنملة ثلث عقل أصبع إلا أنملة الإبهام فإنهما مفصلان ففي أنملة الإبهام نصف عقل الإصبع قال وأي الأصابع شل تم عقلها وقال أبو حنيفة في كل أصبع من اليدين والرجلين نصف الدية والأصابع كلها سواء وفي كل أنملة من كل أصبع فيه ثلاث أنامل ثلث عشر الدية وفي كل أصبع فيه أنملتان نصف عشر الدية قال أبو عمر قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة في هذا الباب سواء إلا ما يختلفون فيه من أصل الدية في تقويم الإبل وفي دية الورق على ما قدمنا ذكره عنهم في باب الدية وقولهم في الأنامل مروي عن زيد بن ثابت وغيره والله الموفق للصواب ((12 باب جامع عقل الأسنان)) 1600 - مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة (1) بجمل وفي الضلع بجمل 1601 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير بعير وقضى معاوية بن أبي سفيان في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال سعيد بن المسيب فالدية تنقص في قضاء عمر بن الخطاب وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين (2) فتلك الدية سواء وكل مجتهد مأجور
105 1602 - عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول إذا أصيبت السن فاسودت ففيها عقلها تاما فإن طرحت بعد أن تسود ففيها عقلها أيضا تاما هكذا هذا الحديث في الموطأ قول سعيد فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء لم يذكر الأسنان واقتصر على ذكر الأضراس التي فيها الاختلاف ولو أراد الأضراس والأسنان لم تكن الدية سواء لأن الأضراس عشرون] ضرسا [والأسنان اثنتا عشرة سنا فلو لم يكن فيها إلا بعيران بعيران لم تكن في جميعها إلا أربعة وستون بعيرا فأين هذا من تمام الدية وسنبين قول سعيد هذا في ما بعد من هذا الباب إن شاء الله عز وجل ورواية بن عيينة لهذا الخبر عن يحيى بن سعيد أبين من رواية مالك حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب قال قضى عمر بن الخطاب في الأسنان وهي ما أقبل من الفم بخمس من الإبل وفي الأضراس ببعير بعير فلما كان معاوية قال لو علم عمر من الأضراس ما علمته] لما فرق [بينهما فقضى فيها بخمس خمس كلها قال سعيد بن المسيب فلو أصيب الفم في قول عمر نقصت الدية وزادت في قول معاوية ولو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين وفي ما أقبل من الفم خمسا خمسا فكانت الدية قال أبو عمر أما الضرس فيأتي القول في دية الأضراس في الباب بعد هذا وأما الترقوة والضلع فمذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما أن في ذلك حكومة وهذا هو أحد قولي الشافعي وذلك خلاف ظاهر ما روي عن عمر وقد روي هذا الحديث عن زيد بن أسلم كما رواه مالك ومعمر وبن جريج وسفيان الثوري
106 ذكره عبد الرزاق (1) عنه عن زيد بن أسلم عن مسلم] بن جندب [عن عمر وذكر وكيع قال أخبرنا سفيان عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر قال سمعت عمر يقول على المنبر في الترقوة جمل وقال أبو بكر حدثني يزيد بن هارون عن حجاج بن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب قال في الترقوة بعير قال وحدثني وكيع وأبو خالد عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال في الترقوة بعيران وقال قتادة فيها أربعة أبعرة وقال عمرو بن شعيب فيها خمس من الإبل وقال مجاهد والشعبي فيها أربعون دينارا وروى وكيع عن سفيان عن جابر عن الشعبي عن مسروق قال في الترقوة حكم ورواه عبد الرزاق (2) عن الثوري بإسناده مثله وهذا أولى ما قيل به في هذا الباب لأنه لم يثبت] فيه [عن النبي صلى الله عليه وسلم] شيء [يجب التسليم له فكذلك قال إليه أئمة الفتوى وقد يحتمل أن يكون الذي جاء عن عمر وعن التابعين في ذلك على سبيل الحكومة والله أعلم وقد ذكر المزني عن الشافعي قال في الترقوة جمل وفي الضلع جمل قال وقال في موضع آخر يشبه ما روي عن عمر في ذلك أن يكون حكومة لا توقيتا وقال المزني هذا أشبه بقوله كما تأول قول زيد بن ثابت في العين القائمة مائة دينار أن ذلك على معنى الحكومة لا على التوقيت قال المزني قد قطع الشافعي بهذا المعنى فقال في كل عظم كسر سوى السن حكومة فإذا جبر مستقيما ففيه حكومة بقدر الألم والشين ولئن جبر معيبا أو به عوج زيد في حكومته بقدر شينه وضرره وألمه لا يبلغ به دية العظم لو قطع وأما رواية سعيد بن المسيب عن عمر أنه قضى في الأضراس ببعير بعير فالضرس غير السن إلا أن السن اسم جامع عند أهل العلم للأضراس وغيرها
107 وهي اثنان وثلاثون سنا منها عشرون ضرسا وأربعة أنياب وأربع ثنايا وأربع ضواحك وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن في السن خمسا من الإبل (1) واتفق فقهاء الأمصار على ذلك كله وسنذكر الحديث المسند وغيره بعده إن شاء الله تعالى والاختلاف إنما هو في الأضراس العشرين لا في الأسنان الاثني عشرة فعلى قول عمر في الأضراس عشرون بعيرا في كل ضرس بعير وفي الأسنان ستون بعيرا فذلك ثمانون بعيرا ينقص من الدية عشرون بعيرا وعلى السنة الثابتة في كل سن خمس من الإبل وهو الذي أضافه سعيد بن المسيب إلى قول معاوية في حديثه هذا تبلغ دية جميع الأسنان مائة وستون بعيرا فتزيد على دية النفس ستين بعيرا وعلى قول سعيد بن المسيب إذا كان في الأضراس بعيران بعيران وهي عشرون ضرسا وفي الأسنان ستون فتلك الدية سواء قال أبو عمر لا معنى لاعتبار دية الأسنان بدية النفس لا في أصول ولا في قياس لأن الأصول أن يقاس بعضها ببعض وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن خمسا من الإبل فينتهي من الأسنان جميعا حيث ما انتهى بها عددها كما لو فقئت عين إنسان وقطعت يداه ورجلاه وذكره وخصيتاه لاجتمع له في ذلك أكثر من دية نفسه أضعافا فلا وجه لاعتبار دية الأضراس بدية النفس ومن ضرب رجلا ضربة فألقى أسنانه كلها كانت عليه الدية وثلاثة أخماس الدية لأن عليه في كل سن نصف عشر الدية وهي اثنان وثلاثون سنا هذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والليث والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وجمهور العلماء وبالله التوفيق ذكر عبد الرزاق (2) عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن
108 عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا فيه وفي السن خمس من الإبل وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السن خمس خمس وقال أبو بكر حدثني جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن شريح قال أتاني عروة البارقي من عند عمر أن الأسنان والأضراس في الدية سواء قال أبو عمر هذا خلاف ما رواه مالك عن زيد بن أسلم في هذا الباب عن عمر وذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا الثوري عن جابر عن الشعبي عن شريح أن عمر كتب إليه أن الأسنان سواء وفي حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قوله وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين دليل على أنه لم تبلغه السنة المأثورة في الأسنانه ولا وقف عليها ولو علمها لسلم لها كما سلم لربيعة في أصابع المرأة وما كان ليضيفها إلى معاوية دون أن يضيفها إلى السنة لو كان عنده في ذلك سنة والله أعلم ((13 - باب العمل في عقل الأسنان)) 1603 - مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري أنه أخبره أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد الله بن عباس يسأله ماذا في الضرس فقال عبد الله بن عباس فيه خمس من الإبل قال فردني مروان إلى عبد الله بن عباس فقال أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس فقال عبد الله بن عباس لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء 1604 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يسوي بين الأسنان في العقل ولا يفضل بعضها على بعض
109 قال مالك والأمر عندنا أن مقدم الفم والأضراس والأنياب عقلها سواء وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السن خمس من الإبل والضرس سن من الأسنان لا يفضل بعضها على بعض قال أبو عمر ما نزع به مالك من ظاهر عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأسنان لازم صحيح وعليه جماعة الفقهاء أئمة الأمصار في الفتيا وقد كان في التابعين من يخالف في ذلك ولذلك رد مروان كاتبه أبا غطفان إلى بن عباس يقول له أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس فأجابه جواب قائس على الأصابع بعد جوابه الأول بالتوقيف الموجب للتسليم حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السن خمس خمس ومن اختلاف التابعين في هذا الباب ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني محمد بن بكر عن بن جريج قال قال لي عطاء الأسنان الثنيات والرباعيات والنابين خمس خمس وما بقي بعيران بعيران أعلى الفم وأسفله من كل ذلك سواء قال بن جريج وأخبرني بن أبي نجيح عن مجاهد مثل قول عطاء وقال بن جريج أخبرني عمرو بن مسلم أنه سمع طاوسا يقول تفضل الثنية في أعلى الفم وأسفله على الأضراس وأنه قال في الأضراس صغار الإبل قال أبو بكر وحدثني بن عيينة عن بن طاوس قال قال لي أبي تفضل بعضها على بعض بما يرى أهل الرأي والمشورة فهؤلاء ممن] رأي [تفضيل مقدم الفم على الأضراس وأما الذين سووا بينهما فمنهم الحسن البصري وشريح القاضي وعروة بن الزبير وإبراهيم والشعبي ومسروق وعمر بن عبد العزيز وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والحجة في السنة لا فيما خالفها وقد ذكرناها من وجوه والحمد لله كثيرا وذكر أبو بكر قال أخبرنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه قال الأسنان سواء وقال إن كان في الثنية جمال ففي الأضراس منفعة
110 وذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا الثوري عن أزهر بن محارب قال اختصم إلى شريح رجلان أصاب أحدهما ثنية الآخر وأصاب الآخر ضرسه قال شريح الثنية وجمالها والضرس ومنفعته سن بسن قوما وقال الثوري وغيره الثنية بالثنية والضرس بالضرس 12 ((14 - باب ما جاء في دية جراح العبد)) 1605 - مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان في موضحة العبد نصف عشر ثمنه 1606 - مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في العبد يصاب بالجراح أن على من جرحه قدر ما نقص من ثمن العبد قال أبو عمر الاختلاف في هذا المعنى قديم ذكر عبد الرزاق (2) عن معمر عن الزهري عن بن المسيب قال جراحات العبيد في أثمانهم بقدر جراحات الأحرار في دياتهم قال الزهري وإن رجالا من العلماء ليقولون إن العبيد والإماء سلعة من السلع فينظر ما نقصت جراحاتهم من أثمانهم هذه رواية معمر عن الزهري وروي بن عيينة قال سمعت الزهري يحدث عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه قال مالك (3) والأمر عندنا في موضحة العبد نصف عشر ثمنه وفي منقلته العشر ونصف العشر من ثمنه وفي مأمومته وجائفته في كل واحدة منهما ثلث ثمنه وفيما سوى هذه الخصال الأربع مما يصاب به العبد ما نقص من ثمنه ينظر في ذلك بعد ما يصح العبد ويبرأ كم بين قيمة العبد بعد أن أصابه الجرح وقيمته صحيحا قبل أن يصيبه هذا ثم يغرم الذي أصابه ما بين القيمتين قال مالك في العبد إذا كسرت يده أو رجله ثم صح كسره فليس على من
111 أصابه شيء فإن أصاب كسره ذلك نقص أو عثل كان على من أصابه قدر ما نقص من ثمن العبد قال أبو عمر ما ذكره مالك - رحمه الله - عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار في موضحة العبد مستعملة في الأربعة الجراح الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة دون غيرها من الجراحات والشجاج لأنها إذا بريء العبد الذي أصيب بها لم ينقصه من ثمنه ذلك شيئا وهي جراح قد ورد التوقيف في أرشها في الحر فجعل فيها من ثمنه كما في الحر من ديته وأجراه فيها مجرى الحر قياسا عليه ورأى أن قياسه فيها على الحر أولى من قياسه على السلع لأنه حيوان عاقل مكلف متعبد ليس كالبهائم ولا كالسلع التي يراعي فيها ما نقص من ثمنها واستعمل ما روي عن مروان بن الحكم في ما عدا هذه الجراح الأربع لأن ما عداها ينقص من ثمن العبد لا محالة عنده فاستعمل الخبرين جميعا وذكر أن ذلك الأمر عندهم وروى بن القاسم عن مالك] أنه قال [إن فقأ حر عيني عبد غيره أو قطع يده ضمنه وعتق عليه لأنه أبطله فإن كان جرحا لم يبطله مثل فقء عين واحدة أو جدع أنف فعليه ما نقص من ثمنه ولا يعتق عليه وأما أبو حنيفة فذهب إلى أن جراح العبد من قيمته كجراح الحر من ديته فجعل في عينه نصف قيمته كلها كما في أنف الحر ديته كلها وكذلك سائر جراحاته وشجاجه وأسنانه جعل فيها كمن قيمته مثل ما فيها للحر من ديته وروي ذلك عن علي بن أبي طالب (رضي لله عنه) وعن شريح والشعبي وإبراهيم وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وقال أبو يوسف مثل قول أبي حنيفة في أعضاء العبد وجراحاته إلا أنهما اختلفا في الحاجبين والأذنين فقال أبو حنيفة في أذن العبد ونتف حاجبه إذا لم ينبت ما نقصه وقال أبو يوسف في الحاجب والأذن في كل واحد منهما نصف قيمة العبد كما تجب في ذلك من الحر نصف ديته وقال محمد بن الحسن في جميع ما يتلف من أعضاء العبد النقصان ينظر إلى قيمته صحيحا وإلى قيمة دية الجناية فيغرم الجاني فضل ما بينهما وروى محمد عن زفر مثل قوله
112 وروى الحسن بن زياد عن زفر مثل قول أبي حنيفة إلا أن أبا حنيفة يقول إن بلغت جراح العبد دية حر نقص منها عشرة دراهم لأنه لا يكافئه فيما دون النفس ولو قطع حر يد عبد قيمتها خمسة آلاف نقص منها خمسة دراهم وقال زفر عليه ما نقصه على رواية محمد عنه فإن بلغ ذلك أكثر من خمسة آلاف] كان عليه خمسة آلاف [درهم لا زيادة وقال أبو حنيفة في حر فقأ عيني عبد لغيره إن سيد العبد إن شاء أسلمه إلى الذي فقأ عينه وأخذ قيمته وإن شاء أمسكه ولا شيء له عليه من النقصان وقال أبو يوسف ومحمد إن شاء أمسكه وأخذ النقصان وإن شاء دفعه وأخذ قيمته وقال زفر عليه ما نقصه فإن بلغ أكثر من عشرة آلاف درهم كان عليه عشرة آلاف درهم لم يزد عليها وقال الأوزاعي في يد العبد نصف ثمنه وقال الثوري] إذا أصيب من العبد ما يكون نصف ثمنه من يد أو رجل أخذ مولاه نصف ثمنه [إذا كان قد بريء وإذا أصيب أنفه أو ذكره دفعه مولاه إلى الذي أصابه وأخذ ثمنه إن كان قد بريء وقال الحسن بن حي جراحة المملوك في قيمته مثل جراحة الحر في ديته فإن قطع أذنيه أو فقأ عينيه فإن شاء المولى أخذ النقصان وإن شاء أخذ القيمة ودفعه إلى الجاني وقال الليث في رجل خصى غلاما لرجل وكان ذلك زائدا في ثمن الغلام فإنه يغرم ثمنه كله لسيده زاد أو نقص ويعاقب في ذلك وقال الشافعي جراح العبد من ثمنه كجراح الحر من ديته اتباعا لعمر وعلي وسعيد بن المسيب وغيرهم قال وفي ذكره ثمنه ولو زاد القطع في ثمنه أضعافا لأنه فيه على عاقلته قيمته بالغا ما بلغت قال وقياسه على الحر أولى من قياسه على العبد الذي ليس فيه إلا ما نقصه لأن في قتله خطأ دية ورقبة مؤمنة كفارة وليس كذلك البهائم والمتاع ولا تقتل البهيمة بمن قتلت من المسلمين كما يقتل العبد ولا عليها صلاة ولا صوم ولا عبادة فهو أشبه بالحر منه بالسلع وثمنه فيه كالدية في الحر
113 قال أبو عمر سنذكر اختلافهم في قيمة العبد إذا قتل هل يبلغ بها دية الحر أم لا في آخر باب ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله إن شاء الله (عز وجل) قال مالك الأمر عندنا في القصاص بين المماليك كهيئة قصاص الأحرار نفس الأمة بنفس العبد وجرحها بجرحه فإذا قتل العبد عبدا عمدا خير سيد العبد المقتول فإن شاء قتل وإن شاء أخذ العقل فإن أخذ العقل قيمة عبده وإن شاء رب العبد القاتل أن يعطي ثمن العبد المقتول فعل وإن شاء أسلم عبده فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد القاتل ورضي به أن يقتله وذلك في القصاص كله بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل (1) قال أبو عمر العلماء في القصاص بين العبيد على ثلاثة أقوال أحدهما أن القصاص بينهم كما هو بين الأحرار في النفس فما دونها من العمد كله وممن قال بهذا مالك والشافعي وأصحابه وبن أبي ليلى والأوزاعي وروي ذلك عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وبه قال سالم وعمر بن عبد العزيز وجماعة من أهل الحجاز والقول الثاني أنه لا قصاص بين العبيد في جرح ولا في نفس كما لا قصاص بين الصبيان روي ذلك عن إبراهيم والحسن والشعبي وحماد والحكم وبه قال بن شبرمة وإياس بن معاوية سووا بين الجرح والنفس في أن لا قصاص والقول الثالث أنه لا قصاص بين العبيد إلا في النفس خاصة روي ذلك عن عبد الله بن مسعود وروي ذلك أيضا عن الشعبي والحسن وبه قال سفيان الثوري والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه واحتج لهم الطحاوي بحديث قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين أن
114 عبدا لقوم فقراء قطع أذن عبد لقوم أغنياء فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقصهم منه (1) قال ولو كان واجبا لاقتص لهم لأن الله تعالى يقول " يا أيها الذين ءامنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الولدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما " [النساء 135] قال واستعملنا في النفس بالنفس قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم (2) قال أبو عمر قد يحتمل أن يكون يقتص للفقراء لأنه عليه السلام أمرهم بالعفو على أخذ الأرش لموضع فقرهم ففعلوا وكذلك - والله أعلم - نقل في الحديث ذكر فقرهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم فدخل في ذلك النفس وما دونها إذا وجب القصاص] فيها وجب [فيما دونها من الجراح قال الله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * [البقرة 178] وقال تعالى * (والجروح قصاص) * [المائدة 45] فمن جاز أن يقتص منه في النفس كان فيما دونها أحرى وأولى إن شاء الله تعالى قال أبو عمر قول مالك في هذه المسألة يخير سيد العبد المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ العقل يشهد لما روى عنه أهل المدينة أن ولي المقتول بالخيار إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية خلاف رواية بن القاسم قال مالك (3) في العبد المسلم يجرح اليهودي أو النصراني إن سيد العبد إن شاء أن يعقل عنه ما قد أصاب فعل أو أسلمه فيباع فيعطي اليهودي أو النصراني من ثمن العبد دية جرحه أو ثمنه كله إن أحاط بثمنه ولا يعطي اليهودي ولا النصراني عبدا مسلما قال أبو عمر هذا ما لا خلاف علمته فيه بين العلماء أن اليهودي والنصراني لا يسلم إليهما عبد مسلم بجنايته
115 وكذلك لم يختلفوا في أن جناية العبد في رقبته وأن سيده إن شاء فداه بأرشها وإن شاء دفعه بها إلى من يجوز له ملكه وأنه ليس عليه من جنايته أكثر من رقبته حدثني أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن يونس عن بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني حفص عن حجاج عن حصين الحارثي عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال ما جنى العبد ففي رقبته ويخير مولاه إن شاء فداه وإن شاء دفعه وروى هذا عن الشعبي والحسن البصري وشريح القاضي ومحمد بن سيرين وسالم بن عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وبن شهاب وغيرهم أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي أنه كان يقول لا تعقل العاقلة عبدا ولا عمدا ولا صلحا ولا اعترافا يقول ليس] لهم [أن يفعلوا هذه الأربع - والله أعلم 13 ((15 - باب ما جاء في دية أهل الذمة)) 1607 - مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قضى أن دية اليهودي أو النصراني إذا قتل أحدهما مثل نصف دية الحر المسلم قال أبو عمر روى هذا الخبر متصلا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد أن أهل الكوفة اختلفوا في دية المعاهد فكتب عبد الحميد إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن ذلك فكتب إليه أن ديته على النصف من دية المسلم 1608 - مالك عن يحيى بن سعيد أن سليمان بن يسار كان يقول دية المجوسي ثمانمائة درهم قال مالك وهو الأمر عندنا قال مالك وجراح اليهودي والنصراني والمجوسي في دياتهم على حساب جراح المسلمين في دياتهم الموضحة نصف عشر ديته والمأمومة ثلث ديته والجائفة ثلث ديته فعلى حساب ذلك جراحاتهم كلها
116 قال أبو عمر اختلف أهل العلم في دية أهل الكفر فذهب مالك إلي ما ذكره في موطئه في دية اليهودي والنصراني عن عمر بن عبد العزيز في دية المجوسي عن سليمان بن يسار وذكر وكيع قال حدثني سفيان عن عبد الله بن ذكوان أبي الزناد عن عمر بن عبد العزيز قال دية المعاهد على النصف من دية المسلم وقال أبو بكر حدثني يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال كان الناس يقضون في دية اليهودي والنصراني بالذي كانوا يتعاقلون به فيما بينهم ثم رجعت الدية إلى ستة آلاف درهم قال وكان الناس يقضون في الزمان الأول في دية المجوسي ثمانمائة درهم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال دية الكافر نصف دية المؤمن (1) حدثني خلف بن القاسم قال حدثني الفضل بن] أبي العقب [بدمشق قال حدثني أبو زرعة قال حدثني أحمد بن خالد الوهبي قال حدثني محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم] مكة عام الفتح [قال في خطبته دية الكافر نصف دية المسلم وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دية الكافر نصف دية المسلم (3) وقال الشافعي دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثلاثمائة درهم قال والمرأة على النصف من ذلك قال أبو عمر روي هذا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وبه قال الحسن البصري وعكرمة وعطاء ونافع مولى بن عمر وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز في رواية
117 ذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان عن أبي المقدام عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة درهم (1) قال وحدثني سفيان عن صدقة بن يسار عن سعيد بن المسيب أن عثمان رضي الله عنه قضى في دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم قال أبو أسامة عن هشام قال قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز أن دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم قال وحدثني يحيى بن سعيد عن عثمان بن غياث عن عكرمة والحسن قالا دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة قال وحدثني بن نمير عن عطاء قال دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة [قال أبو عمر اختلف عن عمر بن عبد العزيز في دية الذمي فروي عنه أنه كان يقضي في دية اليهودي والنصراني بنصف دية [المسلم ذكره معمر عن الزهري وغيره عن عمر وقد روى بن جريج عن عبد العزيز بن عمر عن أبيه أن دية] المجوسي أربعة آلاف درهم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وعثمان البتي والحسن بن حي دية المسلم والكافر واليهودي [والنصراني] والمجوسي والمعاهد سواء وهو قول بن شهاب وقال أبو عمر روي هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين وروى إبراهيم بن سعد عن بن شهاب قال كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم يجعلون دية اليهودي والنصراني إذا كانوا معاهدين مثل دية المسلم قال أبو عمر الأحاديث في هذا الباب عن عمر وعثمان مضطربة مختلفة منقطعة فلا حجة فيها وروي عن بن مسعود قال دية أهل الكتاب وكل من له عهد أو ذمة دية المسلم
118 وهو قول إبراهيم [والشعبي وعطاء والحكم وحماد ورواه] الحكم بن عتيبة عن علي رضي الله عنه ورواه مجاهد أيضا عن علي ولم يدرك واحد منهما زمان علي وروى معمر عن الزهري قال دية اليهودي والنصراني وكل ذمي مثل دية المسلم قال وكذلك كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم حتى كان معاوية فجعل في بيت المال نصفها وأعطى أهل المقتول نصفها ثم قال قضى عمر بن عبد العزيز بنصف الدية وألغى الذي جعله معاوية في بيت المال قال وأحسب عمر رأى ذلك النصف الذي جعله معاوية في بيت المال ظلما منه قال الزهري فلم يقبض لي أن أذاكر بذلك عمر بن عبد العزيز فأخبره أن الدية قد كانت تامة لأهل الذمة قال معمر فقلت للزهري إن بن المسيب قال ديته أربعة آلاف فقال لي إن خير الأمور ما عرض على كتاب الله قال الله عز وجل * (فدية مسلمة إلى أهله) * [النساء 92] وقال عبد الرزاق (1) أخبرنا أبو حنيفة عن الحكم بن عتيبة أن عليا رضي الله عنه قال دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم قال أبو حنيفة وهو قولي قال وأخبرنا بن جريج عن يعقوب بن عتبة وإسماعيل بن محمد وصالح قالوا عقل كل معاهد ومعاهدة كعقل المسلم ذكر أنهم كذكرانهم وإناثهم كإناثهم جرت بذلك السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال سمعت الزهري يقول دية المعاهد دية المسلم وتلا هذه الآية " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة " [النساء 92] قال أبو عمر احتج الكوفيون بهذه الآية قوله عز وجل " وما كان لمؤمن أن
119 يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) [النساء 92] ثم قال عز وجل " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة " [النساء 92] [قالوا فلما كانت الكفارة واجبة في قتل الكافر الذمي وجب أن تكون الدية كذلك وقالوا وقوله عز وجل " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة " [النساء 92] كما قال في المؤمن فأراد الكافر لأنه لو أراد المؤمن لقال عز وجل وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق [وهو مؤمن] كما قال عز وجل * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن) * [النساء 92] فأوجب الله (عز وجل) فيه تحرير رقبة دون الدية لأنه مؤمن من قوم حربيين عدو للمسلمين قال أبو عمر قول مالك حدثني يحيى بن سيعد عن أشعث عن الحسن قال إذا قتل المسلم الذمي فليس فيه غير كفارة وتأول مالك - رحمه الله - هذه الآية في المؤمنين لأنه قال (عز وجل) في أولها " ومن قتل مؤمنا خطئا " ثم قال " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق " [النساء 92] يعني المؤمن المقتول خطأ ورد قوله هذا [بعض من ذهب] مذهب الكوفيين فقال الحجة عليه أن الله (عز وجل) قال في هذه الآية * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن) * [النساء 92] فدل ذلك على أنه لم يعطفه على ما تقدم من قوله عز وجل " ومن قتل مؤمنا خطئا " [النساء 92] لأنه لو كان معطوفا عليه ما قال * (وهو مؤمن) * لأن قوله " ومن قتل مؤمنا خطئا " يعني على وصفه بالإيمان لأنه يستحيل أن يقول وإن كان المؤمن المقتول خطأ من قوم عدو لكم وهو مؤمن قالوا وكذلك قوله تعالى " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق " [النساء 92] غير مضمر فيه المؤمن الذي تقدم ذكره قال أبو عمر التأويل سائغ في الآية للفريقين والاختلاف [موجود] بين السلف والخلف من العلماء في مبلغ دية الذمي وأصل الديات التوقيف ولا توقيف في ذلك إلا ما أجمعوا عليه
120 وقد أجمعوا عل أن أقل ما قيل فيه واجب واختلفوا فيما زاد والأصل براءة الذمة وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن) * [النساء 92] قال يكون الرجل مؤمنا وقومه كفآر فلا تكون له دية وفيه تحرير رقبة مؤمنة " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق " [النساء 92] قال عهد * (فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) * فلا يجب أن يؤخذ مال مسلم إلا بيقين وأقل ما قيل يقين في ذلك وبالله التوفيق قال مالك (1) الأمر عندنا أن لا يقتل مسلم كافر إلا أن يقتله المسلم قتل غيلة فيقتل به قال أبو عمر اختلف أهل العلم في قتل المؤمن بالكافر فقال مالك والشافعي وأصحابهما والليث والثوري وبن شبرمة والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود الظاهري لا يقتل مؤمن بكافر إلا أن مالكا والليث قالا إن قتله قتل غيلة قتل به وقتل الغيلة عندهم أن يقتله [بماله] كما يصنع قاطع الطريق لا يقتله لثائرة ولا عداوة وقال أبو حنيفة وأصحابه وبن أبي ليلى وعثمان البتي يقتل المسلم بالذمي وهو قول إبراهيم والشعبي وعمر بن عبد العزيز قال أبو عمر احتج الكوفيون لقولهم إن المسلم يقتل بالكافر على كل حال بحديث يرويه ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني قال قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أهل القبلة برجل من أهل الذمة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أحق من وفى بذمته (2) وهذا حديث منقطع لا يثبته أحد من أهل العلم بالحديث لضعفه ورووا فيه عن عمر - رضي الله عنه - حديثا لا حجة لهم فيه ذكر وكيع قال حدثني محمد بن قيس عن عبد الملك بن ميسرة عن
121 النزال بن سبرة أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب فكتب عمر أن اقتلوه به فقيل لأخيه حنين قال حتى يجيء [على العصبة] قال فبلغ عمر أنه من فرسان المسلمين فكتب أن لا يقيدوا به قال فقد جاء الكتاب وقد قتل (1) قال أبو عمر لو كان القتل عليه واجبا ما كان عمر ليكتب ألا يقتل لأنه من فرسان المسلمين لأن الشريف والوضيع ومن فيه غنى [ومن ليس فيه غنى] في الحق سواء وقد روي هذا الخبر بما دل عليه أنه شاور فقال له - إما علي وإما غيره - فإنه لا يجب عليه قتل فكتب أن لا يقتل ذكر أبو بكر قال حدثني علي بن مسهر عن الشيباني عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال قتل رجل من فرسان الكوفة عباديا من أهل الحيرة فكتب عمر أن أقيدوا أخاه منه فدفعوا الرجل إلى أخي العبادي فقتله ثم جاء كتاب عمر ألا تقتلوه وقد قتله وروى شعبة عن عبد الملك عن النزال مثله وكتاب عمر الثاني دليل على ما قلناه وبالله التوفيق وذكر وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر قال قال علي - رضي الله عنه - من السنة أن لا يقتل مؤمن بكافر ولا حر بعبد واحتجوا أيضا بخبر الزهري عن سعيد بن المسيب في قصة قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة وهما كافران وأن عثمان والمهاجرين أرادوا أن يقيدوا من عبيد الله وهذا لا حجة فيه لأن الهرمزان قد كان أسلم وجفينة لم يكن أسلم وهذا مشهور عند أهل العلم بالسير والخبر واحتجوا بالإجماع على أن المسلم تقطع يده إذا سرق من مال ذمي فنفسه أحرى أن تؤخذ بنفسه وهذا لعمري قياس حسن لولا أنه باطل عند الأثر الصحيح ولا مدخل للقياس والنظر مع صحة الأثر
122 حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن عيينة عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال قلنا لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله رجلا فهما في كتابه وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر (1) وبه عن أبي بكر قال حدثني بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقتل مؤمن بكافر (2) فإن قيل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده يعني بكافر والكافر الذي لا يقتل به ذو العهد هو الحربي قالوا ولا يجوز أن يحمل الحديث على أن العهد يحرم به دم من له عهد لارتفاع الفائدة في ذلك لأنه معلوم أن الإسلام يحقن الدم والعهد يحقن الدم قيل له بهذا الخبر علمنا لأنه معلوم أن المعاهد يحرم دمه ولا يحل قتله وهي فائدة الخبر ومستحيل أن يأمر الله تعالى بقتل الكفار حيث وجدوا وثقفوا وهم أهل الحرب ثم يقول لا يقتل مؤمن بكافر أمر ثم يقتله [وقتاله] ووعدكم الله بجزيل الثواب على جهاده هذا ما لا يظنه ذو لب فكيف يخفى مثله على ذي علم وقد احتج الشافعي بأنه لا خلاف [فيه] أنه لا يقتل المسلم بالحربي المستأمن فكذلك الذمي لأنهما في تحريم القتل سواء حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن محمد بن حنبل ومسدد قالا حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني سعيد بن أبي عروبة قال حدثني قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال انطلقت أنا والأشتر إلى علي - رضي الله عنه فقلنا هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس عامة قال لا إلا ما في كتابي هذا وأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم
123 أدناهم وهم يد على من سواهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (1) قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم دليل على أن غير المسلمين لا تكافئ دماؤهم دماء المسلمين وقد أجمعوا أنه لا يقاد الكافر [من] المسلم فيما دون النفس من الجراح فالنفس بذلك أحرى وبالله التوفيق وأما قول مالك أن المسلم إذا قتل الكافر قتل غيلة قتل به فقد قالت به طائفة من أهل [المدينة] وجعلوه من باب المحاربة وقطع السبيل ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني معن بن عيسى قال حدثني بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن أن رجلا من النبط عدا عليه رجل من أهل المدينة فقتله قتل غيلة فأوتي به أبان بن عثمان وهو إذ ذاك على المدينة فأمر بالمسلم الذي قتل الذمي أن يقتل به قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مؤمن بكافر قول عام لم يستبن غيلة ولا غيرها وقد أجمعوا أنه لا يعتبر فيه حكم المحارب في تخيير الإمام ولو كان محاربا اعتبر ذلك فيه والله أعلم ((16 - باب ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله)) 1609 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول ليس على العاقلة عقل في قتل العمد إنما عليهم عقل قتل الخطأ قال أبو عمر سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وشرع لها من دينه أن دية المؤمن المقتول خطأ تحملها عاقلة القاتل وهم رهطه وعشيرته وقبيلته لئلا يكون دمه مطلولا فعلت ذلك الكافة التي لا يجوز عليها السهو ولا الغلط وأجمع العلماء على ذلك في الدية الكاملة فارتفع التنازع ووجب التسليم وذلك - والله أعلم - لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تجاوز الله (عز وجل) لأمتي
124 عن الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه (1) وما تجاوز الله عز وجل عنه فلا وزر فيه وكأنه مخصوص من قول الله تعالى * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * [الأنعام 164] * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * [الأنعام 164] بما خصه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه لا يطل دم الحر تعظيما للدماء - والله أعلم - فجعله في الدية الكاملة على العاقلة والجاني رجل منهم كأحدهم على اختلاف في ذلك وقد اختلف الفقهاء في مبلغ ما تحمله العاقلة من ديات الجراحات في الآدميين واجمعوا أنها لا تحمل جنايات الأموال وسنبين ذلك إن شاء الله عز وجل 1610 - مالك عن بن شهاب أنه قال مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاؤوا ذلك 1611 - مالك عن يحيى بن سعيد مثل ذلك قال مالك إن بن شهاب قال مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه العاقلة عن طيب نفس منها قال أبو عمر هذه الآثار كلها في معنى واحد وهو أن العاقلة ليس عليها أن تحمل شيئا من دية العميد والعمد لا دية فيه إنما فيه القود إلا أن يعفو أولياء المقتول عن القاتل ليأخذوا الدية ويصطلحوا على ذلك أو يعفو أحدهم ممن له العفو فيرتفع القتل وتجب الدية لمن لم يعف بشرط أو بغير شرط أو تكون الجناية فيما دون النفس من الجراح عمدا تبلغ الثلث فصاعدا أو لم يكن إلى القصاص سبيل كالجائفة وشبهها وقد مضى القول فيمن يحملها وما للعلماء من التنازع في ذلك وكذلك شبه العمد عند بعض العلماء [وكذلك قتل الأبوين ولدهما عمدا هذا كله عمد تجب فيه الدية ويحملها الجاني في ماله عند بعض العلماء] وما لم نذكره من ذلك يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله
125 وقد ذكرنا في باب عقل الشجاج قول بن عباس لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا مخالف له من الصحابة وعلى قوله جمهور العلماء قال مالك (1) والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث فصاعدا فما بلغ الثلث فهو على العاقلة وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة قال أبو عمر قد تقدم ذكر إجماع العلماء على أن العاقلة تحمل الدية كاملة في قتل المؤمن الحر خطأ ذكرا كان أو أنثى واختلفوا في مبلغ ما تحمله العاقلة من ديات الجراحات في الدماء بعد إجماعهم أن العاقلة تحمل دية المؤمن المقتول خطأ ذكرا أو أنثى وبعد إجماعهم على أنها لا تحمل شيئا من جنايات الأموال وقول مالك ما ذكره في موطئه وعليه جمهور جماعة أصحابه أن العاقلة لا تحمل إلا الثلث فما زاد وهو قول سعيد بن المسيب والفقهاء السبعة من المدينة وبن أبي ذئب وبن أبي سلمة وقال أبو سلمة وأصحابه إذا بلغ من المرأة عشر ديتها ومن الرجل نصف عشر ديته حملته العاقلة وما دونها ففي مال الجاني لا تحمله العاقلة وقال الثوري وبن شبرمة الموضحة فما زاد على العاقلة فدل على أنهما اعتبرا من الرجل والمرأة مقدار موضحة الرجل وهو قول عمر بن عبد العزيز وقال عثمان البتي والشافعي تحمل العاقلة القليل والكثير من أروش الدماء في الخطأ من قتل وجرح من حر وعبد وذكر وأنثى قال الشافعي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حمل العاقلة الأكثر دل على تحملها الأيسر قال أبو عمر [قول الشافعي يحتج والحجة له إجماع علماء المسلمين أن
126 رسول الله صلى الله عليه وسلم سن وشرع حمل العاقلة الدية كاملة ومعلوم أن ذلك حمل لجميع الأجزاء لها فمن زعم أن جزءا منها عشر ألف أو نصف عشر أو ثلثا لا تحمله وتحمل ما فوقه فقد قال بما لا يعضده أصل ولا شيئا سن ولا جاء به توقيف عمن يجب التسليم له وأما [وجه قول مالك والحجة له أن الأصل ألا يحمل أحد جناية غيره بأن الله تعالى يقول في كتابه * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * [الأنعام 164]] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل في ابنه إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك (1) فلا تكسب كل نفس إلا عليها] في دم ولا مال إلا أن تخص ذلك سنة قائمة أو إجماع وقد أجمع أن ما بلغ الثلث من الدية فما زاد منحته العاقلة [خرج ذلك من معنى ما تلونا وبقي ما اختلف فيه على الأصل المعلوم في ألا تزر وازرة وزر أخرى * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * [الأنعام 164] وكان استثناء مجتمعا عليه من أصل مجتمع عليه لأن من قال تحمل العاقلة العشر ونصف العشر فصاعدا ومن قال تحمل القليل والكثير قد اجتمعوا في تحمل الثلث فصاعدا فوجب أن يكون ما نقص من الثلث مردودا إلى الإجماع في أنه لا يحمل أحد إلا ما جنت يده لا ما جنى غيره قال أبو عمر قد تجاوز الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان قال الله عز وجل * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم) * [الأحزاب 5] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (2) وما تجاوز الله عنه فلا وزر فيه
127 ولا معنى لقول من احتج في هذا الباب بقول الله تعالى * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * [الأنعام 164] وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل المؤمن خطأ أن لا يطل دمه وأن يحمله غيره الذي أخطأ فيه ولم يرد قتله وأن يتعاون قبيله ورهطه وما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك هدي الله قال الله تعالى * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * [النساء 65] قال مالك (1) الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد أو في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاؤوا وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة إن وجد له مال فإن لم يوجد له مال كان دينا عليه وليس على العاقلة منه شيء إلا أن يشاؤوا قال أبو عمر قد مضى هذا المعنى من قول بن شهاب ويحيى بن سعيد في أول هذا الباب والذي عليه أهل العلم بالحجاز والعراق وأتباعهم (في سائر) البلدان أن العاقلة لا تحمل عمدا (ولا اعترافا) ولا صلحا من عمد كما قال بن عباس رضي الله عنه وما شذ على هذا الأصل من مذاهب أصحابنا فواجب رده إليه وبالله التوفيق قال مالك (2) ولا تعقل العاقلة أحدا أصاب نفسه عمدا أو خطأ بشيء وعلى ذلك رأي أهل الفقه عندنا ولم أسمع أن أحدا ضمن العاقلة من دية العمد شيئا ومما يعرف به ذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه " فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن " [البقرة 178] فتفسير ذلك فيما نرى والله أعلم أنه من أعطي من أخيه شيء من العقل فليتبعه بالمعروف وليؤد إليه بإحسان قال أبو عمر أما قوله لا تعقل العاقلة أحدا أصاب نفسه عمدا أو خطأ وعلى ذلك رأي أهل [العلم] عندنا وهو قول أكثر العلماء وقد اتفق مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي فيمن قتل نفسه خطأ أو عمدا أنه لا يجب على عاقلته شيء
128 وقال الأوزاعي لو أن رجلا ذهب يضرب بسيفه في العدو فأصاب نفسه فعلى عاقلته الدية وروى معمر عن الزهري [وقتادة] أن رجلا فقأ عين نفسه خطأ فقضى له عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بديتها على عاقلته وقال أصابته يد من أيدي المسلمين قال أبو عمر القياس والنظر يمنع من أن يجب للمرء على نفسه دين والعاقلة إنما تحمل عن المرء ماله لغيره ألا ترى أن مالا عاقلة له لزمته جنايته عند أكثر أهل العلم فلما استحال أن يجب له على نفسه شيء استحال أن يجب على عاقلته ما لم يجب عليه والله أعلم وأما قوله ولم أسمع أن أحدا ضمن العاقلة من دية العمد شيئا فهذا يقتضي من قوله على صحة رواية من روى عنه أن دية الجائفة والمأمومة وكل ما يخاف منه التلف من الجراح في العمد أنه في مال الجاني لا على العاقلة وأما قوله ومما يعرف به ذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه " فمن عفى له من أخيه شيء " [البقرة 178] فقد اختلف قوله وقول أصحابه وسائر الفقهاء في قوله عز وجل * (فمن عفي له) * هل هو القاتل أو ولي المقتول وقد أفردنا لهذه المسألة جزءا استوعبنا فيه معانيها ومما للعلماء فيها وأوضحنا الحجة لما أخبرناه [من ذلك] وبالله التوفيق قال مالك (1) في الصبي لا مال له والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث إنه ضامن على الصبي والمرأة في مالها خاصة إن كان لهما مال أخذ منه وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه ليس على العاقلة منه شيء ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي وليس ذلك عليه قال أبو عمر إنما ذكر المرأة مع الصبي لأنه سئل عنهما - والله أعلم - لأن الصبي عمده خطأ وفعله كله خطأ إذا كان في الدماء وكذلك خطأ الرجل والمرأة وأصله أن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث من جناية الخطأ
129 وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك والحمد لله فما كان دون الثلث فهو في مال الجاني وما لزم دية الموسر فهو دين على المعسر ولا يأخذ الأب بجناية الابن الصغير ولا الكبير وهذا ما لا خلاف فيه والحمد لله قال مالك (1) الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل كانت فيه القيمة يوم يقتل ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئا قل أو كثر وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغا ما بلغ وإن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر فذلك عليه في ماله وذلك لأن العبد سلعة من السلع قال أبو عمر قد بين مالك بقوله إن العبد سلعة من السلع ما هو حجة لمذهبه في أن قيمة العبد لا تحملها العاقلة لأن العاقلة لا تحمل شيئا من جنايات الأموال عند الجميع وقد قال بقول مالك في ذلك بن أبي ليلى وعثمان البتي وسفيان الثوري والليث بن سعد والحسن بن حي وأبو يوسف في إحدى الروايتين عنه قالوا قيمة العبد على الجاني في ماله خاصة وقد روي عن الشافعي مثل ذلك والأكثر الأشهر عن الشافعي وهو الظاهر من مذهبه أن العبد إذا قتل خطأ فقيمته على عاقلة قاتله في ثلاث سنين وهو قول أبي حنيفة وزفر ومحمد وأبي يوسف قال أبو عمر قد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا عن الشعبي والقاسم أن العاقلة لا تكون عمدا ولا عبدا وقال إبراهيم لا يعقل العبد ولا يعقل عنه وقال الحسن إذا قتل الحر العبد خطأ فعليه الدية وعتق رقبة وقال مكحول ليس على العاقلة من دية العبد شيء وأما الذين قالوا إن قيمة العبد المقتول على عاقلة القاتل فمنهم عطاء والحكم وحماد والزهري قال شعبة سألت الحكم وحمادا عن رجل قتل دابة خطأ قالا في ماله قالا وإن قتل عبدا فهو على العاقلة وقال يونس عن الزهري في حر قتل عبدا خطأ قال قيمته على العاقلة
130 قال أبو عمر قد تقدم من قول الشافعي أن قياس العبد على الحر في النفس وما دونها [أولى] من قياسه على الأموال والبهائم وقد استحسن مالك الكفارة في قتل العبد ولم يستحسنها هو ولا أحد من العلماء في البهائم والأموال ولم يوجب مالك الكفارة في قتل العبد وقال الكفارة التي في القرآن لأنه ذكر (معها) الدية وليس في قتل العبد دية قال والكفارة في قتل العبد حسنه وقال الطحاوي - معترضا عليه قد قال الله عز وجل * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) * [النساء 92] فأوجب الكفارة بلا دية فعلمنا أن وجوب الكفارة غير مقصور على حال وجوب الدية قال أبو عمر الكفارة في قتل العبد خطأ واجبة على (قاتله) عند الكوفيين والشافعي وأما قول مالك فإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغا ما بلغ وإن كانت قيمة العبد أو أكثر فهو مذهب الشافعي وأبي يوسف وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وشريح ومكحول وبن شهاب الزهري والحسن وبن سيرين كلهم قال في الرجل [يقتل العبد خطأ] قيمته عليه بالغا ما بلغت وإن زادت على دية الحر أضعافا وروي ذلك عن علي وبن مسعود رضي الله عنه وقال أبو حنيفة وزفر ومحمد إذا قتل العبد خطأ وقيمته أكثر من عشرة آلاف درهم لم يرد صاحبه على عشرة آلاف درهم وهو قول الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان فهؤلاء يقولون لا يزاد في قيمة العبد على دية الحر وقالت طائفة من (فقهاء) الكوفة لا يبلغ به دية الحر ينقص منها شيء روي ذلك عن الشعبي وإبراهيم وقال سفيان الثوري ينقص منه الدرهم ونحوه وقال غيره من الكوفيين تنقص منها عشرة دراهم واحتج الطحاوي [بأن قال] الرق حال نقص والحرية حال كمال وتمام فمحال أن يجب في حال نقصانه أكثر مما يجب في حال تمامه
131 فمن هنا وجب ألا يجاوز بقيمة الدية قال أبو عمر قد أجمعوا أنها قيمة لا دية فوجب أن يبلغ بها حيث بلغت كسائر القيم المستهلكات التي لا توقيف فيها والله أعلم 15 ((17 - باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه)) 1612 - مالك عن بن شهاب أن عمر بن الخطاب نشد الناس بمنى من كان عنده علم من الدية أن يخبرني فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فقال له عمر بن الخطاب ادخل الخباء (1) حتى آتيك فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره الضحاك فقضى بذلك عمر بن الخطاب قال بن شهاب وكان قتل أشيم خطأ قال أبو عمر هكذا روى مالك هذا الحديث عن بن شهاب أن عمر لم يتجاوز به بن شهاب ورواه سائر رواه بن شهاب عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر كذلك رواه معمر وبن جريج ويحيى بن سعيد وبن عيينة ذكر عبد الرزاق (2) قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال ما أرى الدية إلا للعصبة لأنهم يعقلون عنه فهل سمع أحد منكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا فقال الضحاك بن سفيان الكلابي وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الأعراب كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فأخذ بذلك عمر قال عبد الرزاق وأخبرنا بن جريج عن بن شهاب عن بن المسيب عن عمر مثله وزاد وقتل أشيم خطأ أخبرنا سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال قام عمر بمنى فسأل الناس من عنده علم من ميراث المرأة من عقل زوجها فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال أدخل بيتك حتى
132 آتيك فدخل فأتاه فقال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وقال أبو بكر أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن سعيد أن عمر كان يقول الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها قال أبو عمر أخطأ من قال عن بن عيينة في هذا الحديث حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان فجعل الضحاك هو الذي كتب إلى عمر ووهم وهما بينا لأن عمر شافهة الضحاك بذلك في بيته أو في خبائه بمنى فذلك بين أوردناه من رواية من ذكرنا وإنما الضحاك قال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه الحميدي وبن أبي عمر وجماعة عن بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال كان عمر بن الخطاب يقول الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان قال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فرجع عمر ولا أعلم خلافا بين العلماء قديما ولا حديثا بعد قول عمر الذي انصرف عنه إلى ما بلغه من السنة المذكورة في أن المرأة ترث من دية زوجها كميراثها من سائر ماله وكذلك سائر الورثة ذووا فرض كانوا أو عصبة إلا شيء روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن شذ فيه عن الجماعة ولا أدري عن من أخذه إلا إن كان بلغه قول عمر ولم يبلغه رجوعه عن ذلك إلى السنة وأظن عليا رضي الله عنه لم يرد بقوله قد ظلم من لم يورث الإخوة للأم من الدية [ولم يورث الإخوة للأم من الدية] إلا علي - والله أعلم - لأن الرواية لم تأت في ذلك إلا عن عمر وروى الثقات الأئمة رجوعه عن ذلك إلى ما أخبره الضحاك بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أنه كان لا يورث الأخوة للأم من الدية
133 قال أبو عمر هذا مثل شذوذه في قوله إن الجنب المتيمم إذا وجد الماء ليس عليه غسل وهذا أيضا لم يقله أحد غيره فيما علمت فرحم الله القائل كان أبو سلمة يماري بن عباس فحرم بذلك علما كثيرا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة منها مراسيل ومسندة أنه قال الدية لمن أحرز الميراث والدية سبيلها سبيل الميراث (1) اتفق على ذلك العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار فلا معنى فيه للإكثار وقد شذ عنهم من المتأخرين من أصحاب الظاهر من لم يستحي من خلاف جماعتهم فهو محجوج بهم ولا يلتفت إليه معهم وذكر ما رواه معلى عن هشيم عن منصور بن زاذان عن الحسن عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول لا يرث الإخوة من الأم ولا الزوج ولا الزوجة من الدية شيئا وهذا خبر [منكر] منقطع لا يصح عن علي رضي الله عنه وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة والحميدي وبن أبي عمر قالوا حدثني بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن محمد بن علي قال قال علي قد ظلم من لم يورث الإخوة للأم من الدية وروي ذلك عن علي رضي الله عنه من وجوه فبعضهم يرويه في حديث علي هذا قد ظلم من منع بني الأم نصيبهم من الدية وقد روي في حديث المرأتين التي قتلت إحداهما صاحبتها أن ميراثها لزوجها وولدها والعقل على [عصبتها] وقال [الشعبي] قد ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوج والزوجة من الدية وقال وكيع عن هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يورث الإخوة من الأم من الدية قال أبو عمر انعقد الإجماع بذلك على هذا والحمد لله كثيرا والآثار في ذلك عن التابعين كثيرة وفي ما أخبرنا به كفاية
134 1613 - مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة حذف (1) ابنه بالسيف فأصاب ساقه فنزي (2) في جرحه فمات فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال له عمر أعدد على ماء قديد (3) عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم إليه عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة (3) وثلاثين جذعة (5) وأربعين خلفة (6) ثم قال أين أخو المقتول قال ها أنذا قال خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس لقاتل شيء قال أبو عمر هذا الحديث مشهور عند العلماء مروي من وجوه شتى إلا أن بعضهم يقول فيه قتادة المدلجي كما قال مالك ويحيى بن سعيد ومنهم من يقول فيه عرفجة المدلجي والأكثر يقولون قتادة وهو الصحيح إن شاء الله تعالى ومنهم من يجعل قتله لابنه عمدا ويجعل الدية في ماله ومنهم من قال هو شبه العمد ولذلك جعل عمر فيه الدية مغلظة ورواه بعضهم عن عمرو بن شعيب [بمثل] معنى رواية مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب سواء إلا أنهم قالوا بعد قوله وأربعين خلفة ثم دعا أم المقتول وأخاه فدفعها إليهما ثم قال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يرث القاتل شيئا ممن قتل واختلف القائلون بأنه شبه عمد على من تجب الدية مغلظة فيه فقال بعضهم في مال الجاني وقال بعضهم على عاقلته وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب
135 وأما من جعل قتل المدلجي لابنه خطأ فقد أعقل لأن الدية لا تغلظ على أحد في الخطأ ذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني مدلج قتل ابنه فلم يقده عمر بن الخطاب وأغرمه ديته ولم يورثه منه شيئا وورث منه أمه وأخاه لأبيه قال أبو عمر هذا أصح إسناد في هذا الخبر وقد اختلف الفقهاء في قتل الرجل ابنه عمدا هل يقتص منه أم لا فقال مالك إذا ذبحه قتل به وإن خذفه بسيف أو عصا لم يقتل به وكذلك الجد وهو قول عثمان البتي قال عثمان البتي إذا قتل ابنه عمدا قتل به وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي لا يقاد والد بولده ولا الجد بابن الابن وقال الحسن بن حي يقاد الجد بابن الابن وتجوز شهادته له ولا يقاد الأب بالابن ولا تجوز شهادته له قال أبو عمر أكثر العلماء على أن الأب لا يقتل بابنه إذا قتله عمدا ويقتل الابن عند الجميع بالأب إذا قتله عمدا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك نصا من حديث عمر وغيره وقد ذكرنا الآثار بذلك في التمهيد وقد حدثني خلف بن قاسم قال حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج قال أخبرنا بشر بن موسى قال حدثني خلاد بن يحيى المقرئ عن قيس بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقام الحدود في المساجد ولا يقاد بالولد الوالد (2) قال أبو عمر اختلاف أصحاب مالك في من تلزمه الدية في قتل الأب ابنه عمدا كاختلاف سائر العلماء على قولين أحدهما يجب على الأب في ماله والآخر على العاقلة
136 فقال بن القاسم هي على الوالد وقال عبد الملك وأشهب وسحنون هي على العاقلة واحتج عبد الملك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسراقة بن مالك أعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير وليس سراقة بالأب وإنما هو سيد القوم قال فهذا يدل أنها كانت على العاقلة وأما قوله في حديث مالك فنري في جرحه فمات فالمعنى أنه نزى جرحه الذي أصيب به في ساقه إلى نفسه فمات وقيل فمرض من ذلك الجرح مرضا مات منه والمراد من اللفظ مفهوم وفي اشتقاقه في اللغة فقد يقال أنه من النزاء والنزاء والنقار علة تأخذ المنز فيبول الدم ويموت من ذلك والله أعلم 1614 - مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا أتغلظ الدية في الشهر الحرام فقالا لا ولكن يزاد فيها للحرمة فقيل لسعيد هل يزاد في الجراح كما يزاد في النفس فقال نعم قال مالك أراهما أرادا مثل الذي صنع عمر بن الخطاب في عقل المدلجي حين أصاب ابنه قال أبو عمر اختلف العلماء في تغليظ الدية في الشهر الحرام وفي الحرم فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وبن أبي ليلى القتل في الحل والحرم سواء وفي الشهر الحرام وغيره سواء وهو قول سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وقال الأوزاعي القتل في الشهر الحرام تغلظ فيه الدية - فيما بلغنا - وفي الحرم وقد تجعل دية وثلثا أو يزاد في شبه العمد في أسنان الإبل وقال الشافعي تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام وفي البلد الحرام وذوي الرحم فروي عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وبن شهاب وأبان بن عثمان أنه من قتل في الشهر الحرام أو في الحرم زيد على ديته مثل ثلثها
137 وروي مثل ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال أبو عمر ورد التوقيف في الديات عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه الحرم ولا الشهر الحرام فأجمعوا على أن الكفارة على من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره سواء فالقياس أن تكون الدية كذلك 1615 - قال مالك عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير أن رجلا من الأنصار يقال له أحيحة بن الجلاح كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة وكان عند أخواله فأخذه أحيحة فقتله فقال أخواله كنا أهل ثمة ورمه (1) حتى إذا استوى على عممه (2) غلبنا حق امرئ في عمه (3) قال أبو عمر أما قول عروة أن رجلا من الأنصار يقال له أحيحة فإنما أراد أن أحيحة من القبيلة (والقوم) الذين يقال لهم الأنصار في زمنه وهم الأوس والخزرج لأن الأنصار اسم إسلامي قيل لأنس بن مالك أرأيت قول الناس لكم الأنصار اسم سماكم الله به أم كنتم تدعون به في الجاهلية فقال بل اسم سمانا الله (عز وجل) به في القرآن وأحيحة لم يدرك الإسلام لأنه في محل هاشم بن عبد مناف وهو الذي خلف على سلمى بنت عمرو بن زيد من بني عدي بن النجار بعد موت هاشم عنها فولدت له أحيحة فهو أخو عبد المطلب [بن هاشم] لأمه وقد غلط في أحيحة هذا غلطا بينا بعض من ألف في رجال الموطأ فظنه صاحبا وهو أحيحة بن الجلاح بن الحريسن بن حجب بن خلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وزوجته سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وإنما فائدة حديث عروة هذا أن أهل الجاهلية كان منهم من يقتل قريبة ليرثه وإنما ذلك كان منهم معروفا وعنهم مشهورا فأبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
138 بسنته وسن لأمته ألا يرث القاتل من قتل وهي سنة مجتمع عليها في القاتل عمدا وروى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير أنه قال ما ورث قائل ممن قتل بعد أحيحة بن الجلاح وسفيان عن هشام بن حسان عن بن سيرين عن عبيدة السلماني قال لم يرث قاتل من قتل بعد صاحب البقرة وذكر الشافعي قال حدثني بندار قال حدثني روح بن عبادة قال حدثني عوف عن محمد عن عبيدة أن صاحب البقرة التي كانت في بني إسرائيل كان رجلا ليس له ولد وإنما وارثه قتله يريد ميراثه فلما ضرب القتيل ببعضها أحياه الله (عز وجل) فقيل له من قتلك قال فلان فلم يورث منه ولا ورث قاتل بعده من مقتولة قال عبيدة وكان الذي قتله بن أخيه قال الساجي قال وحدثني عبد الجبار قال حدثني سفيان عن محمد بن (سوقه) يقول سمع عكرمة يقول كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا لكل باب قوم يدخلون منه فوجدوا قتيلا في سبط من الأسباط فادعى هؤلاء على هؤلاء وهؤلاء على هؤلاء ثم أتوا موسى يختصمون إليه فقال لهم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها فذكر الخبر بطوله في ابتياعهم البقرة وتشددهم فيها والتشديد عليهم حتى اشتروها وذبحوها وضربوه بفخذها قالوا من قتلك قال بن أخي فلان وهو وارثي فلم يورث منه ولم يعط من ماله شيئا ولم يورث قاتل بعده قال أبو عمر أجمع العلماء على أن القاتل عمدا لا يرث من مقتوله إلا فرقة شذت عن الجمهور كلهم أهل بدع واختلف العلماء في ميراث القاتل خطأ على ما نذكره بعد إن شاء الله (عز وجل) وقول عروة في ذلك لا يرث قاتل من قتل يعني أن القاتل منع من الميراث عقوبة له لاستعجاله الميراث من غير وجهه لئلا يتطرق الناس إلى الميراث بالقتل فكان سبب ذلك قتل أحيحة عمدا ليرثه وكان ذا مال كثير فكان ما كان من قتل أحيحة لعمه قصدا لأخذ ميراثه في الجاهلية سببا إلى منع القاتل من الميراث في الإسلام
139 ومما يشبه قول عروة هذا في أن الشيء قد يكون سببا لغيره في تحليل وتحريم ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان تحرجهم من نكاح اليتامى سببا إلى نكاح الأربع تريد قول الله عز وجل " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتمى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث وربع " [النساء 3] وأما قوله كنا أهل ثمة ورمه [فقيل] كنا أهل حضانته وتربيته وقيل أهل قليله وكثيره وقيل أهل خيره وشره والمعنى قريب من [السواء] لأن الثم في كلام العرب الرطب والرم اليابس وقد روي ثمة ورمه بضم الثاء والراء والأكثر الفتح فيهما وأما قوله غلبنا حق امرئ في عمه فإنه يقول غلبنا عليه حق التعصيب قال مالك (1) الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئا ولا من ماله ولا يحجب أحدا وقع له ميراث وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئا وقد اختلف في أن يرث من ماله لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه وليأخذ ماله فأحب إلى أن يرث من ماله ولا يرث من ديته قال أبو عمر قد أخبر مالك رحمه الله أن قاتل العمد لا اختلاف فيه عندهم أنه لا يرث وهو قول بن أبي ذئب وأهل المدينة وكذلك هو عند الجميع من العلماء قديما وحديثا لا خلاف في ذلك [والخلاف] كما ذكره مالك في القاتل خطأ وأما القائلون بالوجهين من العلماء فروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما من وجوه شتى أن القاتل عمدا أو خطأ لا يرث شيئا وروى عبد الواحد بن زياد عن الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل ابنه فغرمه عمر الدية مائة من الإبل ولم يورثه من الدية ولا
140 من سائر ماله شيئا وقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقتل والد بولده لقتلتك (1) وهذا عند مالك وغيره عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى الشعبي عن عمر وعلي وزيد قالوا لا يرث القاتل عمدا ولا خطأ شيئا وبن أبي ليلى عن علي مثله وعن مجاهد عن عمر مثله وذكر أبو بكر قال أخبرنا أبو بكر بن عياش عن مطرف عن الشعبي قال قال عمر لا يرث قاتل عمدا ولا خطأ وروى بن سيرين عن عبيدة قال لم يورث قاتل بعد صاحب البقرة وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي - في أحد قوليه - وشريك والحسن بن صالح ووكيع ويحيى بن آدم لا يرث القاتل عمدا ولا خطأ شيئا من المال ولا من الدية وهو قول شريح وطاوس وجابر بن زيد والشعبي وإبراهيم وقال مالك وبن أبي ذئب والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو ثور وداود لا يرث قاتل العمد شيئا ويرث قاتل الخطأ من المال ولا يرث من الدية شيئا وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والزهري ومكحول وهو أحد قولي الشافعي وروي عن مجاهد القولان جميعا وقالت طائفة من البصريين يرث قاتل الخطأ من الدية ومن المال جميعا ((18 - باب جامع العقل)) 1616 - مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد
141 الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جرح العجماء (1) جبار (2) والبئر جبار والمعدن جبار (3) وفي الركاز (4) الخمس قال مالك وتفسير الجبار أنه لا دية فيه قال أبو عمر هكذا عند جماعة العلماء قال الشاعر (وكم ملك نزعنا الملك منه * وجبار بها دمه جبار) وقال سليمان بن موسى الجبار الهدر وقال بن جريج الجبار في كلام أهل تهامة الهدر وأما قوله - عليه السلام العجماء فهو كل حيوان لا ينطق من الدواب كلها والسباع وغيرها قال الشاعر يصف كلبا (يكاد إذا أبصر الضيف مقبلا * يكلمه من حبه وهو أعجم) وقال حميد بن ثور (فلم أر محزونا له مثل صوتها * ولا عربيا شاقة صوت أعجما) (5) وجرح العجماء جنايتها وقد تقدم في كتاب الأقضية حكم المواشي وسائر الدواب تقع في الزرع والكرم ليلا ونهارا وما للعلماء في ذلك [من التنازع] فلا معنى لإعادته هنا وقال مالك القائد والسائق والراكب كلهم ضامنون لما أصابت الدابة إلا أن
142 ترمح الدابة من غير أن يفعل بها شيء ترمح له وقد قضى عمر بن الخطاب في الذي أجرى فرسه بالعقل قال مالك (1) فالقائد والركب والسائق أحرى أن يغرموا من الذي أجرى فرسه قال أبو عمر على قول مالك هذا في الراكب والسائق والقائد جمهور العلماء وعليه جرى فتيا أئمة الأمصار في [الفتيا] إلا أنهم اختلفوا فيما أصابته برجلها فقال أبو حنيفة وأصحابه إذا ركب رجل دابة في طريق ضمن ما أصابت بيديها ورجليها أو كدمت أو خبطت إلا النفحة بالرجل والنفحة بالذنب فإنه لا يضمنها وكل ما ضمن فيه الراكب ضمن فيه القائد والسائق إلا أن الكفارة على الراكب وليس على السائق والقائد كفارة وقال الشافعي إذا كان الرجل راكبا على دابة فما أصابت بيديها ورجليها أو فيها أو ذنبها من نفس أو جرح فهو ضامن لأن عليه منعها في تلك الحال من كل ما يتلف به شيئا قال وكذلك إذا كان سائقا أو قائدا وكذلك الإبل المقطرة بالبعير لأنه قائد لها وقال الشافعي لا يصح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الرجل جبار لأن الحفاظ لم يحفظوه قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد طرق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرجل جبار وقال بن شبرمة وبن أبي ليلى يضمن ما أتلفت الدابة برجلها إذا كان عليها أو قادها أو ساقها كما يضمن ما أتلفت بغير رجلها كقول الشافعي سواء وقال الأوزاعي والليث بن سعد في هذا الحديث كقول مالك لا يضمن ما أصابت الدابة برجلها من غير صنعه ويضمن ما أصابت بيدها ومقدمها إذا كان راكبا عليها أو قائدا لها أو سائقا وذكر بن وهب عن يونس وبن أبي ذئب عن بن شهاب أنه سئل عن رجل
143 قاد هدية فأصابت طيرا فقتلته فقال إن كان يقودها أو يسوقها حتى أصابت الطير فقد وجب عليه جزاء ما قتلت وإن لم يكن يقودها ولا يسوقها فليس عليه جزاء ما أصابت وقال بن سيرين كانوا لا يضمنون من النفحة ويضمنون من رد العنان وقال شريح وحماد لا يضمن النفحة إلا أن ينخس قال أبو عمر هذا كقول مالك وقد روى سفيان بن حسين الواسطي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل جبار (1) إلا أنه لم يروه عن الزهري إلا سفيان بن حسين الواسطي وقد أشبعنا هذا الباب في التمهيد وقال داود وأهل الظاهر لا ضمان على أحد في جرح العجماء برجل أو مقدم ولا على حال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل جرحها جبارا إلا أن يحملها على ذلك أو يرسلها عليه فتكون حينئذ كالآلة ويلزمه ضمان ما أفسد بجناية نفسه ولا يضمن إلا القاصد إلى الإفساد دون السبب في ذلك إلا أن يجمعوا على أمر فيسلم له قال مالك (2) والأمر عندنا في الذي يحفر البئر على الطريق أو يربط الدابة أو يصنع أشباه هذا على طريق المسلمين أن ما صنع من ذلك مما لا يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين فهو ضامن لما أصيب في ذلك من جرح أو غيره فما كان من ذلك عقله دون ثلث الدية فهو في ماله خاصة وما بلغ الثلث فصاعدا فهو على العاقلة وما صنع من ذلك مما يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين فلا ضمان عليه فيه ولا غرم ومن ذلك البئر يحفرها الرجل للمطر والدابة ينزل عنها الرجل للحاجة فيقفها على الطريق فليس على أحد في هذا غرم قال أبو عمر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال والبئر جبار يعني أن من وقع في البئر فدمه هدر وليس على حافرها فيه شيء وكذلك لو وقعت في البئر دابة لأحد إلا أن ذلك على ما قاله مالك - رحمه
144 الله - إذا حفرها في موضع له حفرها فيه ولم يكن بالحفر لها في ذلك الموضع متعديا وذلك أن يحفرها في ما يملكه من الأرض ولا ضرر فيه على غيره أو في ما لا ملك لأحد فيه ولا يضر بأحد ونحو هذا وقال بن القاسم عن مالك له أن يحدث في الطريق بئرا للمطر والمرحاض يحفره إلى جانب حائطه والميزاب والظلة ولا يضمن ما عطب بذلك قال وما حفره في الطريق مما لا يجوز له حفره ضمن ما أعطب به قال مالك وإن حفر [بئرا] في داره لسارق يرصده ليقع فيها أو وضع به حبالات أو شيئا [مما] يتلفه به فعطب به السارق فهو ضامن وكذلك إن عطب غير السارق وقال الليث [من] حفر بئرا في داره أو في طريق أو في رحبة [له] فوقع فيها إنسان فإنه لا يضمن ما حفر في داره أو في رحبة لا حق لأحد فيها قال فإن ربط بعيرا أو دابة على طريق فعقرت على [رباطها] وانفلتت فإن كان ذلك من شأنها [معلوما] فعسى أن يضمن وإن كان ذلك شيئا لم يكن منها في ما خلا فلا أرى عليه شيئا وقال الشافعي من وضع حجرا في أرض لا يملكها ضمن ما عطب به قال ولو حفر في صحراء أو في طريق [واسع] (فعطب) به إنسان فلا شيء عليه كما لو وضعه في ملكه وفي موضع آخر للمزني وقال الشافعي ولو أوقف دابته في موضع ليس له أن يوقفها فيه ضمن ولو أوقفها في ماله لم يضمن وقال أبو حنيفة وأصحابه من أوقف دابته في الطريق مربوطة أو غير مربوطة ضمن ما أصابت بأي وجه ما أصابت وقالوا يضمن كل ما كان العطب فيه من سببه وفي موضع يجوز له أن يحدثه فيه أو لا يجوز قالوا وليس يبرئه ما جاز إحداثه له من الضمان كراكب الدابة يضمن ما عطب بها وإن كان له أن يتركها ويسير عليها قال أبو عمر لم يختلفوا أنه يضمن في ما ليس له أن يحدثه وإنما اختلفوا في ماله أن يحدثه في غير ملكه
145 قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال النار جبار (1) وقال يحيى بن معين أصله البئر ولكن معمر صحفه قال أبو عمر لم يأت بن معين على قوله هذا بدليل وليس هكذا ترد أحاديث الثقات وذكر وكيع عن عبد العزيز بن حصين عن يحيى بن يحيى الغساني قال أحرق رجل تبنا في مراح فخرجت شرارة من نار حتى أحرقت شيئا لجاره قال فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إلي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العجماء جبار وأرى أن النار جبار قال أبو عمر روي عن علي رضي الله عنه في فارسين اصطدما فمات أحدهما يضمن الحي للميت وروي عن إبراهيم وحماد وعطاء فيمن استعان صبيا بغير إذن أهله أو مملوكا بغير إذن مولاه ضمن وقال مالك (2) في الرجل ينزل في البئر فيدركه رجل آخر في أثره فيجبذ الأسفل الأعلى فيخران في البئر فيهلكان جميعا أن على عاقلة الذي جبذه الدية قال أبو عمر ما أظن في هذا خلافا - والله أعلم - إلا ما قال بعض المتأخرين من أصحابنا وأصحاب الشافعي يضمن نصف الدية لأنه مات من فعله ومن سقوط الساقط عليه قال مالك (3) في الصبي يأمره الرجل ينزل في البئر أو يرقى في النخلة فيهلك في ذلك أن الذي أمره ضامن لما أصابه من هلاك أو غيره قال أبو عمر قد روى بن القاسم عن مالك قال إذا حمل صبيا على دابة ليسقيها أو يمسكها فأصابت الدابة رجلا وطئته فقتلته فالدية على عاقلة الصبي ولا ترجع على عاقلة الرجل وهذا يدل على أنه لا يضمن الصبي لو هلك لأنه لو ضمنه لرجع عليه وقال الشافعي لو صاح بصبي أو معتوه فسقط من صيحته ضمن
146 وقاله عطاء وزاد وما أرى الكبير إلا كذلك وقال الثوري إذا أرسل رجل صبيا في حاجة فجنى الصبي فليس على المرسل شيء [وهو على الصبي] ولو أرسل مملوكا فجنى جناية فهي على المرسل [وروى] المعافي عن الثوري من أرسل أجيرا صغيرا في حاجة فأكله الذئب فلا شيء عليه وإن استعمل أجيرا في عمل شديد فمات منه فإن كان صغيرا ضمن وإن كان كبيرا فلا شيء عليه وقال الحسن بن حي لا أرى بأسا أن [يستعمل] الرجل مملوكا لغيره يقول اسقني ماء وناولني وضوءا والصبي كذلك وإن كان عنت في ذلك ضمن قال أبو عمر الذي أرى [في] هذا كله وما كان مثله أن العاقلة تحمله إن كان مقدارا تحمله العاقلة لأنه لا مباشرة فيه للفاعل ولم يكن فيه إلى ذهاب النفس قصد ولا عمد وإنما هو السبب والسبب مختلف فيه وقد مضى ما في هذا المعنى للعلماء - والحمد لله كثيرا وأما مسألة الفارسين يصطدمان فيموتان فقال مالك والأوزاعي والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه على كل واحد منهما دية الآخر على عاقلته وقال بن خواز بنداد وكذلك عندنا السفينتان تصطدمان (إذا لم يكن) للنوتي صرف السفينة ولا الفارس صرف الفرس وقال عثمان البتي وزفر والشعبي في الفارسين إذا اصطدما فماتا على كل واحد منهما نصف دية صاحبه لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه وروي عن مالك في السفينتين والفارسين على كل واحد منهما الضمان بقيمة ما أتلف لصاحبه كاملا قال مالك (1) الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه ليس على النساء والصبيان عقل يجب عليهم أن يعقلوه مع العاقلة فيما تعقله العاقلة من الديات وإنما يجب العقل على من بلغ الحلم من الرجال وقال مالك في عقل الموالي تلزمه العاقلة إن شاؤوا وإن أبوا كانوا أهل ديوان
147 أو مقطعين وقد تعاقل الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي زمان أبي بكر الصديق قبل أن يكون ديوان وإنما كان الديوان في زمان عمر بن الخطاب فليس لأحد أن يعقل عنه غير قومه ومواليه لأن الولاء لا ينتقل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الولاء لمن أعتق (1) قال مالك والولاء نسب ثابت قال أبو عمر أما اختلاف العلماء في العواقل فقول مالك ما ذكره في موطئه وقال بن القاسم عنه الدية على العواقل على الغني قدره ومن دونه قدره حتى يصيب الرجل [منهم] درهم من مائة درهم وأكثر وحكي عنه أن ذلك يؤخذ من أعطياتهم وقال الثوري تعقل العاقلة الدية في ثلاث سنين أولها العام الذي أصيب فيه وتكون [عنده] الأعطية على الرجال وقال الشافعي العقل على ذوي الأنساب دون أهل الديوان والخلفاء على الأقرب فالأقرب من بني أبيه ثم من بني جده ثم من بني جد أبيه فإن عجزوا عن البعض حمل عنهم الموالي المعتقون فإن عجزوا عن بعض ولهم عواقل عقلتهم عواقلهم فإن لم يكن لهم ذو نسب ولا مولى أعلى (من المولى) حمل المولى من أسفل ويحمل من كثر ماله نصف دينار ومن كان دون ذلك ربع دينار لا يزاد على هذا ولا ينقص منه وقال أبو حنيفة وأصحابه الدية في قتل الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين من يوم يقضي بها والعاقلة أهل ديوانه فإن كان من أهل الديوان يؤخذ ذلك من أعطياتهم حتى يصيب الرجل من الدية منهم كلها أربعة دراهم أو ثلاثة دراهم فإن
148 أصابه أكثر من ذلك ضم إليها أقرب القبائل إليهم في النسب من أهل الديوان وأن كان القاتل ليس من أهل الديوان فرضت الدية على عاقلته الأقرب فالأقرب في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي فيؤخذ في كل سنة ثلث الدية عند رأس كل حول ويضم إليهم أقرب القبائل منهم في النسب حتى يصيب الرجل من الدية ثلاثة دراهم أو أربعة وقال محمد بن الحسن يعقل عن الحليف خلفاؤه ولا يعقل عنه قومه وقال عثمان البتي ليس أهل الديوان أولى بها من سائر العاقلة قال أبو عمر أجمع العلماء قديما وحديثا أن الدية على العاقلة لا تكون إلا في ثلاث سنين ولا تكون في أقل منها وأجمعوا أنها على البالغين من الرجال وأجمع أهل السير والعلم بالخبر أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام وكانوا يتعاقلون بالنظرة ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك حتى جعل عمر الديوان واتفق (الفقهاء) على رواية ذلك والقول به وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أبي بكر ديوان وأن عمر جعل الديوان وجمع به الناس وجعل أهل كل جند يدا وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو وحد الكوفي والشافعي في مقدار ما يحمل الواحد من العاقلة من الدية ما تقدم ذكره عنهما ولم [يحد] مالك في ذلك حدا وذلك عنده على حسب طاقة العاقلة وغناها وفقرها يحمل الواحد [من ذلك] ما لا يضر به وما [يسهل] من درهم إلى مائة وأزيد إذا سهل ذلك عليه واتفق [جمهور] أهل الحجاز على أن العاقلة القرابة من قبل الأب وهم العصبة دون أهل الديوان وقضى عمر بن الخطاب على علي بن أبي طالب أن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب دون ابنها الزبير وقضى بميراثهم للزبير - رضي الله عنه - وقضى على سلمة بن نعيم إذ قتل مسلما فظنه كافرا بالدية عليه وعلى قومه وقال الكوفيون القريب والبعيد سواء في من يقدم الدية من العاقلة من العصبة
149 وقال الشافعي الأقرب فالأقرب على منازلهم في التعصيب حتى ينتهي الأمر إلى الأقصى على ما قدمنا عنه وروى بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله وقال لا يتولى مولى قوما إلا بإذنهم (1) وقال صلى الله عليه وسلم مولى القوم منهم (2) وقال صلى الله عليه وسلم الولاء كالنسب (3) وأما قول محمد بن الحسن أن الحليف يعقل عن حليفه فاحتج له الطحاوي بحديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة (4) ولقوله صلى الله عليه وسلم للمشرك الذي ربطه في سواري المسجد أحبسك بجريرة حلفائك (5) وقد ذكرنا من معاني هذا الباب كثيرا فيما تقدم والحمد لله كثيرا وذكرنا مسائل منه اختلف فيها أصحاب مالك في كتاب اختلافهم قال مالك (6) والأمر عندنا فيما أصيب من البهائم أن على من أصاب منها شيئا قدر ما نقص من ثمنها
150 قال أبو عمر قد تقدم هذا في كتاب الأقضية في باب مترجم بالقضاء في من أصاب شيئا من البهائم فلا معنى لتكراره قال مالك (1) في الرجل يكون عليه القتل فيصيب حدا من الحدود أنه لا يؤخذ به وذلك أن القتل يأتي على ذلك كله إلا الفرية فإنها تثبت على من قيلت له يقال له ما لك لم تجلد من افترى عليك فأرى أن يجلد المقتول الحد من قبل أن يقتل ثم يقتل ولا أرى أن يقاد منه في شيء من الجراح إلا القتل لأن القتل يأتي على ذلك كله قال أبو عمر قول مالك هذا هو قول بن شهاب وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وحماد بن أبي سليمان وقد روي عن بن عباس أنه قال إذا اجتمعت الحدود والقتل سقطت كلها إلا القذف وقال معمر سئل بن شهاب عن رجل سرق ثم قتل فقال تدرأ الحدود كلها مع القتل إلا القذف قال أبو عمر قد قال مالك - رحمه الله - في غير الموطأ فيمن سرق ثم قتل يبدأ بما هو حق لله تعالى فيقطع في السرقة ثم يقتل في القصاص لأن القصاص يجوز فيه العفو ولا يجوز في قطع السرقة عفو قال ولو زنى وسرق وهو محصن رجم ولم يقطع قال أبو عمر كأنه يقول لما اجتمع حدان لله عز وجل ناب أحدهما عن الآخر وقد عده قوم من الفقهاء مناقضة لقوله إن حد الله لا يسقطه العفو فلم يسقط حق الله (عز وجل) في القطع ها هنا ولم يسقط في الاجتماع من القتل وقال بن شبرمة إذا قتل وزنى حد ثم قتل وقال الأوزاعي إذا قطع يد رجل ثم سرق قطعت يده [في القصاص ثم قطعت رجله في السرقة قال وإن سرق ثم قطع يمنى رجل قطعت يده] في السرقة وغرم دية المقطوع يده وإن كانت عليه حدود للناس ثم قتل أخذت حدود الناس منه ثم قتل وإن
151 كانت حدوده [كلها] لله - عز وجل - منها القتل قتل وترك ما سواه وقال الليث في المرتد يجني أن يقتل وتبطل كل جناية كانت منه وقال الشافعي إذا اجتمعت على رجل حدود وقتل بدىء بحد القذف يجلد ثمانين جلدة ثم يجلد في الزنى ثم تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى لقطع الطريق وكانت يده اليمنى للسرقة وقطع الطريق معا ورجله لقطع الطريق مع يده ثم قتل قودا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يبدأ بالقصاص فيما دون النفس ثم يحد للقذف ثم إن شاء يحد للزنى أو السرقة ثم يحد للشراب أخرى وقال الشافعي إذا اجتمعت على رجل حدود وقتل فما كان للناس فحده وما كان لله عز وجل - فدعه فإن القتل يمحو ذلك كله واختلفوا أيضا فيمن قطع يد رجل ثم قتله فروى بن القاسم عن مالك قال يقتل ولا تقطع يده وهو قول بن شبرمة وأبى يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة والشافعي إذا قطع يد رجل ثم قتله قبل البرء فللوالي أن يقطع يده ثم يقتله قال مالك (1) الأمر عندنا أن القتيل إذا وجد بين ظهراني قوم في قرية أو غيرها لم يؤخذ به أقرب الناس إليه دارا ولا مكانا وذلك أنه قد يقتل القتيل ثم يلقى على باب قوم ليلطخوا به فليس يؤخذ أحد بمثل ذلك قال أبو عمر قد اختلف العلماء في هذه المسألة فذكر وكيع قال حدثني إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع قال وجد قتيل باليمن بين وادعة وأرحب فكتب عامل عمر إليه في ذلك فكتب عمر إليه أن قس ما بين الحيين فإلى أيهم كان أقرب فخذهم به وذكر أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم عن أشعث عن الشعبي قال قتل قتيل بين حيين من همدان بين وادعة وحيوان فبعث معهم عمر المغيرة بن شعبة فقال انطلق معهم فقس ما بين القريتين فأيهما كان أقرب فألحق بهم القتيل قال وحدثني عبد الرحيم عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر بن
152 محمد بن علي أن عليا كان إذا وجد القتيل ما بين قريتين قاس ما بينهما وروى بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول سمعت بن مسعود يقول لا يخرجن أحد منكم إلى صحبه بليل ولا إلى أمر يكون في هذه السوق قال فخرج رجل منا إلى السوق فوجد قتيلا عند باب رجل فألزمه العقل وأما اختلاف الفقهاء فيها فإن مالكا والشافعي والليث بن سعد ذهبوا إلى أنه إذا وجد قتيل في محلة قوم أو فنائهم لم يستحق عليهم بوجوده حتى تكون الأسباب التي شرطوها في وجوب القسامة وقد اختلفوا فيها على ما نذكره عنهم في باب القسامة إن شاء الله تعالى وقد أوجب قوم من العلماء فيه القسامة منهم الزهري وغيره وجماعة من التابعين وقال سفيان الثوري إذا وجد القتيل في قوم به أثر كان عقله عليهم وإذا لم يكن به أثر لم يكن على العاقلة شيء إلا أن تقوم البينة على أحد قال سفيان وهذا مما اجتمع عندنا ذكره عبد الرزاق عن الثوري وهو قول أبي حنيفة وأصحابه اعتبروا إن كان بالقتيل أثر جعلوه على القبيلة أو لا يكون به أثر فلا يجعله على أحد ونذكر مذاهبهم وغيرهم في المعنى واضحة في باب القسامة إن شاء الله عز وجل وعن الثوري عن الحسن بن عمرو عن الفضيل بن عمرو عن إبراهيم قال إذا وجد القتيل في قوم فشاهدان يشهدان على أحد أنه قتله وإلا أقسموا خمسين يمينا أنهم ما قتلوه وغرموا الدية وعن معمر عن الزهري أنه كتب إليه سليمان بن هشام يسأله عن رجل وجد مقتولا في دار قوم فقالوا طرقنا ليسرقنا وقال أولياؤه بل كذبوا بل دعوه إلى منزلهم ثم قتلوه قال الزهري فكتب إليه يحلف أولياء المقتول خمسين يمينا إنهم لكاذبون ما جاء ليسرقهم وما دعوه إلا دعاء ثم قتلوه فإن حلفوا أعطوا القود وإن نكلوا حلف من أوليائه خمسون بالله لطرقنا ليسرقنا ثم عليهم الدية قال الزهري وقد قضى بذلك عثمان رضي الله عنه قال أبو عمر قد برأ الزهري في هذه المسألة أولياء الدم باليمين وهم المدعون وهذا خلاف ما رواه عن عراك بن مالك وسليمان بن يسار عن عمر رضي
153 الله عنه وموافقة منه لحديث الحارثين من الأنصار حويصة ومحيصة وعبد الرحمن في قتيلهم بخيبر ذكر بن جريج قال أخبرنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أنه في كتاب لعمر بن عبد العزيز قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا في القتيل يوجد بين ظهراني قوم أن الأيمان على المدعى عليهم فإن نكلوا حلف المدعون واستحقوا فإن نكل الفريقان جميعا كانت الدية نصفين نصف على المدعى عليهم ونصف يبطله أهل الدعوة إذا كرهوا أن يستحقوا بأيمانهم (1) قال مالك (2) في جماعة من الناس اقتتلوا فانكشفوا وبينهم قتيل أو جريح لا يدرى من فعل ذلك به إن أحسن ما سمع في ذلك أن فيه العقل وأن عقله على القوم الذين نازعوه وإن كان القتيل أو الجريح من غير الفريقين فعقله على الفريقين جميعا قال أبو عمر هذا يدل على أنه قد سمع في هذه المسألة اختلافا والاختلاف أن يسمع دعوى [أولياء المقتول] ثم يحكم فيه بالقسامة على كل مذهبه في ما توجبه القسامة من القود أو الدية على ما يأتي بعد إن شاء الله عز وجل [وذكر أبو بكر] قال حدثني محمد بن عدي عن أشعث عن الحسن في قوم تناضلوا وأصابوا إنسانا لا يدرى أيهم أصابه قال الدية عليهم كلهم قال وحدثني محمد بن بكر عن بن جريج عن عطاء قال أتى حجر عابر في إمارة مروان فأصاب بن نسطاس عم عامر بن عبد الله بن نسطاس لا يعلم من صاحبه الذي قتله فضرب مروان ديته على الناس قال أبو عمر جاء عن عمر وعلي - رضي الله عنهما أنهما قضيا في قتيل الزحام بالدية في بيت المال ذكر عبد الرزاق (3) عن الثوري عن وهب بن عقبة العجلي عن يزيد بن مذكور الهمداني أن رجلا قتل يوم الجمعة في المسجد [في الزحام] فجعل علي ديته في بيت المال قال وأخبرنا الثوري عن الحكم عن الأسود أن رجلا قتل في الكعبة فسأل عمر عليا فقال من بيت المال
154 وذكر وكيع قال حدثني وهب بن عقبة ومسلم بن يزيد بن مذكور سمعاه من يزيد بن مذكور أن الناس ازدحموا في المسجد الجامع بالكوفة يوم الجمعة فأفرجوا عن قتيل فوداه علي بن أبي طالب من بيت المال قال وكيع وحدثني شعبة عن الحكم عن إبراهيم أن رجلا قتل في الطواف فاستشار عمر الناس فقال علي - رضي الله عنه - ديته على المسلمين أو قال من بيت المال وروى معمر عن الزهري قال من قتل في زحام فإن ديته على الناس على من حضر ذلك في جمعة أو غيرها قال أبو عمر ليس فيه شيء عند مالك والشافعي وإن وداه السلطان من بيت المال فحسن [والله الموفق للصواب] ((19 - باب ما جاء في الغيلة (1) والسحر)) 1617 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة وقال عمر لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا قال أبو عمر هذا الخبر عند أهل صنعاء [موجود] معروف ذكره عبد الرزاق (2) من وجوه منها قال أخبرنا معمر قال أخبرنا زياد بن جبل عمن شهد ذلك قال كانت امرأة من صنعاء لها ربيب فغاب عنها زوجها وكان ربيبها عندها وكان لها خليل فقالت إن هذا الغلام فاضحنا فانظروا كيف تصنعون به فتمالؤوا عليه وهم سبعة مع المرأة قال قلت كيف تمالؤوا عليه قال لا أدري غير أن أحدهم أعطاه شفرة قال فقتلوه وألقوه في بئر بغمدان قال ففقد الغلام فخرجت امرأة أبيه تطوف على حمار - وهي التي قتلته مع القوم وهي تقول اللهم لا تخف دم أصيل قال وخطب يعلى الناس فقال انظروا هل تحسون بهذا الغلام أو يذكر لكم
155 قال فمر رجل ببئر غمدان بعد أيام فإذا هو بذباب أخضر يطلع مرة من البئر ويهبط أخرى فأشرف على البئر فوجد ريحا أنكرها فأتى يعلى فقال ما أظن إلا قد قدرت لكم على صاحبكم وأخبره الخبر قال فخرج يعلى حتى وقف على البئر والناس معه قال فقال الرجل الذي قتله صديق المرأة دلوني بحبل فدلوه فأخذ الغلام فغيبه في سرب من البئر ثم قال ارفعوني فرفعوه وقال لم أقدر على شيء فقال القوم الريح الآن أشد منها حين جئنا فقال رجل آخر دلوني فلما أرادوا أن يدلوه أخذت الآخر رعدة فاستوثقوا منه ودلوا صاحبهم فلما هبط فيها استخرجه فرفعوه إليهم ثم خرج فاعترف الرجل خليل المرأة واعترفت المرأة واعترفوا كلهم فكتب فيهم يعلى إلى عمر فكتب إليه أن اقتلهم فلو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم قال فقتل السبعة قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أن امرأة كانت باليمن لها سبعة أخلاء فقالت لا تستطيعون ذلك منها حتى تقتل بن بعلها فقالوا أمسكيه لنا عندك فأمسكته فقتلوه عندها وألقوه في بئر فدل عليه الذباب فاستخرجوه فاعترفوا بقتله فكتب يعلى بن أمية بشأنهم إلى عمر بن الخطاب فكتب عمر أن اقتل المرأة وإياهم فلو قتله أهل صنعاء أجمعون قتلتهم به وقال بن جريج أخبرني عمر أن حي بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى يخبر هذا الخبر قال اسم المقتول أصيل وذكر معنى ما تقدم قال أبو عمر روى حديث مالك في هذا الباب سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب فلم يقل فيه قتلوه قتل غيلة وروى وكيع عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء برجل وقال لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم ولم يذكر غيلة وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال رفع إلى عمر سبعة لم يقل فيه أنهم قتلوه قتل غيلة وكذلك رواية بن نمير عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال الثوري وأخبرنا منصور عن إبراهيم عن عمر مثله قال سفيان وبه نأخذ فلم يذكر فيه قتل غيلة غير مالك والله أعلم
156 والقصة وقعت بصنعاء وعالم صنعاء معمر ومن أخذ عنه قد ذكروا الخبر على غير قتل الغيلة قال أبو عمر اختلف الفقهاء في قتل الجماعة بالواحد فقال جماعة فقهاء الأمصار منهم الثوري والأوزاعي والليث ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد وإسحاق وأبو ثور تقتل الجماعة بالواحد إذا قتلوه كثرت الجماعة أو قلت إذا اشتركت في قتل الواحد ويروى ذلك عن عمر وعلي والمغيرة بن شعبة وبن عباس رضي الله عنهم قال بن عباس لو أن مائة قتلوا واحد قتلوا به وبه قال إبراهيم والشعبي وقتادة وأبو سلمة والحسن وسليمان بن موسى وقال داود لا تقتل الجماعة بالواحد ولا يقتل بنفس واحدة أكثر من واحد وهو قول بن الزبير ذكر عبد الرزاق (1) عن بن جريج عن عمرو بن دينار قال كان بن الزبير وعبد الملك لا يقتلان منهم إلا واحدا وما علمت أحدا يقتلهم جميعا إلا ما قالوا في عمر وروي ذلك عن معاذ بن جبل ذكر أبو بكر قال حدثني عبيد الله بن موسى عن حسن بن صالح عن سماك عن دهل بن كعب أن معاذا قال لعمر ليس لك أن تقتل نفسين بنفس واحدة وبه قال محمد بن سيرين وبن شهاب والزهري وحبيب بن أبي ثابت قال معمر عن الزهري لا يقتل الرجلان بالرجل ولا تقطع يدان بيد قال أبو عمر اضطرد قول الزهري وداود في أنه لا تقطع يدان بيد ولا يقتل رجلان برجل وكذلك اضطرد قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور في أنه تقطع باليد الواحدة يدان وأكثر إذا اشتركوا في قطع اليد الواحدة كما تقتل الجماعة بالواحد وإذا اقتلوه معا
157 وتناقض أبو حنيفة وأصحابه فقالوا لا تقطع يدان بيد وكذلك سائر الأعضاء وهو قول الثوري وهم يقولون إن الجماعة تقتل بالواحد ومن حجتهم أن النفس لا تتجزأ واليد وسائر الأعضاء تتجزأ وإنما قطع كل واحد منهم بعض العضو فمحال أن يقطع منه عضو كامل ولم يقطعه كاملا 1618 - مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وقد كانت دبرتها (1) فأمرت بها فقتلت قال مالك الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه " ولقد علموا لمن اشتره ما له في الآخرة من خلاق " [البقرة 102] فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه قال أبو عمر قد روي هذا الخبر عن نافع عن حفصة وعن نافع عن بن عمر روى بن عيينة قال أخبرني من سمع نافعا يحدث عن حفصة أنها قتلت جارية لها سحرتها وذكر عبد الرزاق (2) قال أخبرنا عبد الله أو عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن جارية لحفصة سحرتها واعترفت بذلك فأمرت بها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقتلها وأنكر ذلك عليها عثمان فقال بن عمر ما تنكر على أم المؤمنين من امرأة سحرتها واعترفت فسكت عثمان وعند مالك في هذا الباب عن عائشة خلاف لحفصة إلا أنه رماه بآخرة من كتابه فليس عند يحيى وطائفة معه من رواة الموطأ [وأثبت حديث حفصة لأنه الذي يذهب إليه في قتل الساحر وحديث عائشة رواه مالك] عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها أعتقت جارية لها على دبر منها ثم أن عائشة مرضت بعد ذلك ما شاء الله فدخل عليها سندي فقال إنك مطبوبة فقالت من طبني فقال
158 امرأة من نعتها كذا وكذا وفي حجرها صبي قد بال فقالت عائشة ادع لي فلانة لجارية لها تخدمها فوجدوها في بيت جيران لها في حجرها صبي قد بال فقالت حتى أغسل بول الصبي فغسلته ثم جاءت فقالت لها عائشة سحرتني قالت نعم فقالت لم قالت أحببت العتق فقالت عائشة أحببت العتق فوالله لا تعتقن أبدا فأمرت عائشة بن أخيها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيء ملكتها ثم قالت ابتع لي بثمنها رقبة حتى اعتقها ففعلت قالت عمرة فلبثت عائشة ما شاء الله عز وجل من الزمان ثم أنها رأت في النوم أن اغتسلي من ثلاث آبار يمر بعضها في بعض فإنك تشفين قالت عمرة فدخل على عائشة إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الرحمن بن سعد بن زرارة فذكرت لهما الذي رأت فانطلقا إلى قباء فوجدوا آبارا ثلاثا يمد بعضها بعضا فاستقوا من كل بئر منها ثلاث شخب حتى ملئ الشخب من جميعهن ثم أتوا به عائشة فاغتسلت به فشفيت قال أبو عمر في حديث عائشة هذا بيع المدبر وكان بعض أصحابنا يفتي به في بيع المدبر إذا تخلف عن مولاه وأحدث أحداثا قبيحة لا ترضى وفيه أن السحر حق وأنه يؤثر في الأجسام وإذا كان هذا لم يؤمن منه ذهاب النفس وفيه أن الغيب تدرك منه أشياء بدروب من [التعليم] فسبحان من علمه بلا تعلم ومن يعلم الغيب حقيقة لا كما يعلمه من يخطئ مرة ويصيب أخرى تخرصا وتظننا وفيه إثبات (النشرة) (1) وأنها قد ينتفع بها وحسبك ما جاء منها في اغتسال العائن للمعين وفيه أن الساحر لا يقتل إذا كان عمله من السحر ما لا يقتل حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم قال سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أياما فأتاه جبريل فقال إن رجلا من اليهود عقد لك عقدا فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا - رضي الله عنه - فاستخرجها وجاء بها وجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة قال فقام النبي صلى الله عليه وسلم وكأنما نشط من
159 عقال فما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي ولا أراه في وجهة قط قال أبو عمر اليهودي لبيد بن الأعصم وحديثه فيه طول من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وأما حديث حفصة في قتل الساحر فهو مذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر وقيس بن سعد وجندب - رجل من الصحابة روى بن عيينة عن سالم بن الجعد عن بن دينار أن قيس بن سعد بن عبادة كان أميرا على مصر فكان سره يفشو فشق ذلك عليه وقال ما هذا فقيل له إن ها هنا رجلا ساحرا فبعث إليه فسأله فقال إنا لا نعلم ما في الكتاب حتى يفتح فإذا فتح علمنا ما فيه فأمر به قيس فقتل وسفيان عن أبي سعيد الأعور عن عكرمة عن بن عباس قال علم السحر في قرية من قرى مصر يقال لها الغرماء وسفيان عن عمار الدهني أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة يمشي على الجبل ويدخل في است الحمار ويخرج من فيه فاشتمل له جندب على السيف فقتله قال أبو عمر قد ذكرنا خبر جندب هذا في قتله للساحر بين يدي الوليد من طرق فيها بيان شاف من كتاب الصحابة والحمد لله كثيرا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حد الساحر ضربه بالسيف (2) إلا أنه حديث ليس بالقوي انفرد به إسماعيل بن مسلم عن الحسن [عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا رواه بن عيينة عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن] مرسلا ومنهم من يجعله عن الحسن عن جندب وحدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الملك قراءة مني عليه في شعبان سنة تسعين وثلاثمائة قال حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي في منزله بمكة سنة أربعين وثلاثمائة قال حدثني الحسن بن محمد بن الحسن بن الصياح الزعفراني قال حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار بأنه سمع بجالة قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمر الأحنف بن قيس فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة اقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة فقتلنا ثلاث
160 سواحر وجعلنا نفرق بين الرجل وبين حريمته في كتاب الله عز وجل وصنع طعاما كثيرا فدعى المجوس وعرض السيف على فخذه فألقوا وكر بغل أو بغلين من فضة وأكلوا بغير زمزمة ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر (1) وروى معمر وبن عيينة وبن جريج عن عمرو بن دينار قال سمعت بجالة يحدث أبا الشعثاء وعمرو بن أوس عند صفة زمزم في إمارة مصعب بن الزبير قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمر الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة وذكر تمام الخبر قال أبو عمر وقد قال جماعة من فقهاء الأمصار يقتل الساحر اتباعا [والله أعلم] لمن ذكرنا من الصحابة وبنحو ما نزع به مالك - رحمه الله وأبت ذلك طائفة منهم الشافعي وداود فقالا لا يقتل الساحر إلا أن يقر أن من عمله مات المسحور فإن قال ذلك قتل به [قودا] قال الشافعي وإن قال عملي هذا قد أخطئ به القتل وأصيب وقد مات من عملي قوم كانت عليه الدية في ماله فإن قال مرض قوم من سحري ولم تمت أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل وكانت فيه الدية وقال داود لو قال الساحر أنا أتكلم بكلام أقتل به لم يجب قتله لأن الكلام لا يقتل به أحد أحدا كما لا يحيي به أحد أحدا وقد جاء بمحال خارج عن العادات وقد قيل إن السحر لا شيء في حقيقته منه وإنما هو تخيل يتخيل الإنسان (الشيء) على غير ما هو به واحتج قائل هذه المقالة يقول الله عز وجل * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * [طه 66] وبحديث هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخيل إليه أنه كان يأتي النساء حين سحره لبيد بن الأعصم
161 وفي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحره دليل واضح على أن قتل الساحر ليس بواجب وفي حديث زيد بن أرقم على ما ذكرناه بيان ذلك أيضا قال أبو عمر القول الأول أعلى من جهة الاتباع وأنه لا مخالف له من الصحابة إلا عائشة فإنها لم تر قتل الساحر ومن زعم أن الساحر يقلب الحيوان من صورة إلى صورة فيجعل الإنسان حمارا أو نحوه ويقدر على نقل الأجسام وهلاكها وتبديلها فإنه يرى قتل الساحر لأنه كافر بالأنبياء عليهم السلام يدعي مثل آياتهم ومعجزاتهم ولا يتهيأ مع هذا علم صحة النبوة إذ قد يحصل مثلها بالحيلة وأما من زعم أن السحر خدع ومخارق وتمويهات وتخيلات فلا يجب على أصله قتل الساحر إلا أن يقتل بفعله أحدا فيقتل به وقد ذكرنا حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من اقتبس بابا من علم النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر ما زاد زاد وما زاد زاد (1) في غير موضع من كتابنا والحمد لله كثيرا وفي المبسوط روى بن نافع عن مالك في المرأة تقر أنها عقدت زوجها عن نفسها أو غيرها من النساء أنها تنكل ولا تقتل قال ولو سحر نفسه لم يقتل لذلك وأما من جهة النظر فدماء المؤمنين محظورة فلا تستباح إلا بيقين وبالله التوفيق ((20 - باب ما يجب في العمد)) 1619 مالك عن عمر بن حسين مولى عائشة بنت قدامة أن عبد الملك بن مروان أقاد ولي رجل من رجل قتله بعصا فقتله وليه بعصا قال مالك والأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الرجل إذا ضرب الرجل بعصا أو رماه بحجر أو ضربه عمدا فمات من ذلك فإن ذلك هو العمد وفيه القصاص
162 قال مالك فقتل العمد عندنا أن يعمد الرجل إلى الرجل فيضربه حتى تفيظ (1) نفسه ومن العمد أيضا أن يضرب الرجل في النائرة (2) تكون بينهما ثم ينصرف عنه وهو حي فينزى (3) في ضربه فيموت فتكون في ذلك القسامة (4) قال أبو عمر أما القود بعصا من القاتل فقد اختلف فيه قديما العلماء فجملة مذهب مالك في ما ذكره بن القاسم وبن وهب وأشهب وغيرهم عنه قال إن قتله بعصا أو بحجر أو بالنار أو بالتغريق قتل بمثله فإن لم يمت فلا يزال يكون عليه من جنس ما قتله به حتى يموت وإن زاد على فعل القاتل [الأول] إلا أن يكون في ذلك تعذيب وطول فيقتل بالسيف وبين أصحاب مالك في هذا الباب اختلاف في النار وغيرها وقد ذكرناه في كتاب اختلافهم وقال الشافعي إن ضربه بحجر فلم يقلع عنه حتى مات فعل به مثل ذلك وإن حبسه بلا طعام ولا شراب حتى مات حبس كذلك فإن لم يمت في تلك المدة قتل بالسيف قال وكذلك التغريق إذا ألقاه في مهواة بعيدة قال ولو قطع يديه ورجليه فمات فعل به الولي مثل ذلك فإن مات وإلا قتله بالسيف وقال بن شبرمة يضرب مثل ما ضربه ولا يضرب أكثر من ذلك وقد كانوا يكرهون المثلة ويقولون السيف يجزئ من ذلك كله وإن غمسه في الماء فمات غمس أبدا حتى يموت قال أبو حنيفة وأصحابه بأي وجه قتله لم يقتل إلا بالسيف وهو قول إبراهيم النخعي وعامر الشعبي والحسن البصري ورواه الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر الحجة لمالك والشافعي من جهة الأثر ما حدثناه سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن قتادة عن أنس أن يهوديا رضخ رأس امرأة بحجر فرضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه بحجر
163 أو قال بين حجرين (1) وأما قول مالك الأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الرجل إذا اضرب رجلا بعصا أو رماه بحجر فمات من ذلك فهو العمد وفيه القصاص فهذا منه نفي لشبه العمد والقتل عنده على وجهين عمد وخطأ لا ثالث لهما وقتيل الحجر والعصا عنده وغيرهما سواء إذا وقع العمد من الضارب بهما قال بن القاسم قال مالك الأمر شبه العمد باطل وإنما هو عمد وخطأ لم أجد في القرآن غير ذلك وهو الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه قال أبو عمر قد تابع مالكا على نفيه ودفعه لشبه العمد الليث بن سعد وما أعلم أحدا من فقهاء الأمصار على ذلك تابعهما قال مالك العمد ما عمد به إنسان آخر ولو ضربه بأصبعه فمات من ذلك دفع إلى ولي المقتول إلا أنه قد روي عن إبراهيم النخعي وحماد أنهما قالا الضرب بالحجر عمد وفيه القود وروي عن الشعبي وحماد في العصا مثل ذلك وقال الزهري الضرب بالعصا عمد إذا قتلت صاحبها قتل الضارب وعن عبيد بن عمير قال يعمد الرجل الآبد الشديد إلى الصخرة أو الخشبة فيشرخ بها رأس الرجل وأي عمد أعمد من هذا وعن عمر بن الخطاب أنه قال يعتمد أحدكم إلى أرضه فيضربه بمثل
164 آكلة اللحم لا يؤتى برجل فعل ذلك فقتل إلا أقدته منه رواه زيد بن جبير عن جزرة بن حميد عن عمر بن الخطاب سمعه يقول لا يضرب أحدكم أخاه بمثل آكلة اللحم ثم يرى ألا قود عليه والله لا آخذ رجلا فعل ذلك إلا أقدت منه ورواه حجاج بن أرطأة وإسرائيل وشريك عن زيد بن حبير وبعضهم يقول في حميد جميل والصواب عندهم حميل قال أبو عمر قد تقدم في باب دية العمد إذا قبلت من هذا الكتاب عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وأبي موسى والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أنهم أثبتوا شبه العمد وقضوا فيه بالدية المغلظة وإن كانوا اختلفوا في أسنان الإبل فيها ولا مخالف لهم من الصحابة ولا من التابعين في ما علمته إلا اختلافهم في صفة شبه العمد وعلى ذلك جمهور الفقهاء وسفيان الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي [وأحمد بن حنبل] وإسحاق وأبو ثور وقال الأشجعي عن الثوري شبه العمد أن يضربه بعصا أو بحجر أو ببندقة فيموت ففيه الدية مغلظة ولا قود والعمد ما كان بسلاح وفيه القود قال والنفس تكون فيها العمد وشبه العمد والخطأ ولا يكون في الجراحات إلا خطأ أو عمد وقال أبو نعيم الفضل بن دكين عن الثوري قال إذا أخذا عودا أو عظما فجرح به بطن إنسان فمات فهذا شبه عمد ليس فيه قود وقال الأوزاعي في شبه العمد هو أن يضربه بعصا أو بسقط ضربة واحدة فيموت منها فتكون الدية في ماله فإن لم يكن له مال فعلى العاقلة قال وإن ثنى بالعصا ثم مات مكانه من الضربة الثانية [فعليه القصاص فإن لم يمت من الضربة الثانية] مكانه ثم مات فهو شبه العمد لا قصاص فيه وفيه الدية على الجاني قال والخطأ على العاقلة وقال أبو حنيفة شبه العمدة كل ما عدا الحديد أو ليطة القصب أو النار قال فإن قتله بحديدة أو ليطة قصب أو بالنار فهو عمد وفيه القصاص
165 وما سوى ذلك شبه العمد وفيه الدية مغلظة على العاقلة وعليه الكفارة وليس التغليظ عنده إلا في أسنان الإبل خاصة دون عددها وقد تقدم مذهبه في دية شبه العمد في باب دية العمد إذا قبلت وليس فيما دون النفس عنده شبه عمد وبأي شيء ضربه فجرحه ولم يقتله فعليه القصاص إذا أمكن فإن لم يمكن ففيه الدية مغلظة إذا كانت من الإبل تسقط ما يجب وقال أبو يوسف ومحمد شبه العمد ما لا يقتل مثله كاللطمة الواحدة والضربة الواحدة بالسوط (قالا) ولو ذلك حتى صارت جملته ما يقتل كان عمدا وفيه القصاص بالسيف قالا وكذلك إذا عرفه بحيث لا يمكنه الخلاص منه وهو قول عثمان البتي إلا أن البتي يجعل دية شبه العمد في ماله وقال بن شبرمة ما كان من شبه العمد فإنه عليه في ماله يبدأ بماله فيؤخذ حتى لا يترك شيء فإن لم يتم ذلك كان ما بقي من الدية على عاقلته وقال الشافعي شبه العمد ما كان عمدا في الضرب خطأ في القتل وذلك مثل أن يضربه بعصا أو عمود خفيف أو بحجر لا يشرخ مثله أو بحد سيف لم يجرحه به وألقاه في نهر أو بحر قريب من البره وهو يحسن العوم أو ما الأغلب عليه أنه لا يموت من مثله فمات ففيه الدية مغلظة على العاقلة وقال أحمد بن حنبل دية شبه العمد على العاقلة في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها وكذلك قال أبو ثور وقد ذكرنا أقوالهم ومذاهبهم في أسنان الإبل وفي دية شبه العمد في باب دية العمد إذا قبلت والحمد لله كثيرا وأما قول مالك فقتل العمد عندنا أن يعمد الرجل إلى الرجل فيضربه حتى تفيض نفسه فهذا ما لا خلاف بين العلماء فيه وأما قوله ومن العمد أيضا أن يضرب الرجل في النائرة تكون بينهما ثم ينصرف عنه وهو حي فينزى في ضربه فيموت فتكون في ذلك القسامة فهذه من مسائل القسامة وتأتي في موضعها إن شاء الله
166 قال مالك (1) الأمر عندنا أنه يقتل في العمد الرجال الأحرار بالرجل الحر الواحد والنساء بالمرأة كذلك والعبيد بالعبد كذلك قال أبو عمر قد مضت هذه المسألة في صدر باب ما جاء في الغيلة والسحر وقد مضى هنالك ما للعلماء من التنازع فيها والحمد لله كثيرا ((21 - باب القصاص في القتل)) 1620 مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أتي بسكران قد قتل رجلا فكتب إليه معاوية أن اقتله به قال أبو عمر ما كانت المعصية التي ارتكبها بشرب الخمر لتزيل عنه القصاص وقد مضى اختلاف العلماء هل يقام عليه حد السكر مع القتل أم القتل يأتي على ذلك ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في السكران يسرق ويقتل قال تقام عليه الحدود كلها قال مالك (2) أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية قول الله تبارك وتعالى * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * [البقرة 178] فهؤلاء الذكور * (والأنثى بالأنثى) * [البقرة 178] أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور والمرأة الحرة تقتل بالمرأة كما يقتل الحر بالحر والأمة تقتل بالأمة كما يقتل العبد بالعبد والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال والقصاص أيضا يكون بين الرجال والنساء وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص) * [المائدة 45] فذكر الله تبارك وتعالى أن النفس بالنفس فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر وجرحها بجرحه قال أبو عمر أما قول الله عز وجل * (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * [البقرة 178] فأجمع العلماء على أن العبد يقتل بالحر وعلى أن الأنثى تقتل بالذكر
167 وكذلك أجمعوا على قتل الذكر بالأنثى إلا أن منهم من قال إن قتل أولياء المرأة الرجل بها أدوا نصف الدية إن شاؤوا وإلا أخذوا الدية ولا يقتل الذكر بالأنثي حتى يؤدوا نصف الدية روي هذا القول عن علي (رضي الله عنه) ولا يصح لأن الشعبي لم يلق عليا وقد روى الحكم عن علي وعبد الله قال إذا قتل الرجل المرأة متعمدا فهو بها قود وهذا يعارض قول الشعبي عن علي رضي الله عنه مما روي عنه وروي ذلك عن الحسن أيضا واختلف فيه عن عطاء وهو قول عثمان البتي] وأما جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار فمتفقون على أن الرجل يقتل بالمرأة [كما تقتل المرأة به] لقول الله عز وجل * (النفس بالنفس) * [المائدة 45] ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكأفأ دماؤهم ولم يخص الله (عز وجل) ولا رسوله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا ذكرا من أنثى وليس شيء من هذا مخالفة لكتاب الله (عز وجل) لأن المسلمين لا يجتمعون على تحريف التأويل لكتاب الله (عز وجل) بل الكتاب والسنة بينا مراد قول الله عز وجل من قوله * (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * [البقرة 178] وإنما كان يكون ذلك خلافا لكتاب الله عز وجل لو قال أحد إنه لا يقتل حر بحر ولا تقتل أنثى بأنثى وهذا لا يقوله أحد لأنه خلاف ظاهر الآية ورد لها وقد روي عن بن عباس وغيره من أهل العلم بتأويل القرآن أن سبب نزول الآية كان لما كان عليه أهل الجاهلية إذا قتل الشريف منهم عبدا قالوا لا يقتل به إلا حرا وكان فيهم القود ولم تكن فيهم الدية فأنزل الله (عز وجل) * الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء " [البقرة 178] يعني الدية " فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " [البقرة 178] وأما قول عثمان البتي ومن روى عنه مثل قوله في أن المرأة لا يقتل بها الرجل حتى يؤدي أولياؤها نصف الدية لأن دية المرأة نصف دية الرجل فهذا خلاف النص والقياس والإجماع لأن علماء المسلمين مجمعون أن من قطعت يده فأخذ لها
168 أرشا أو فقئت عينه فأخذ لها ديتها أو رجله أو كان أشل أو أعور من غير أن يأخذ لذلك شيئا فقتل رجلا سالم الأعضاء أنه ليس لوليه أن يقتل الأعور ويأخذ منه نصف الدية من أجل أنه قتل ذا عينين وهو أعور وقتل ذا يدين وهو أشل وهذا يدل على أن النفس مكافئة للنفس ويكافىء الطفل فيها الكبير ويقال لقائل ذلك إن كان الرجل لا تكافئه المرأة ولا يدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم (1) فلم قتلت الرجل بها وهي لا تكافئه ثم أخذت نصف الدية والعلماء أجمعوا أن الدية لا تجتمع مع القصاص وأن الدية إذا قبلت حرم الدم وارتفع القصاص فليس قولك هذا بأصل ولا قياس قال أبو عمر احتجاج مالك بآية المائدة قوله عز وجل * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * [المائدة 45] دليل على أن مذهبه إن كان ما أنزل الله عز وجل في القرآن في شرائع [الأنبياء] عليهم السلام ولم ينزل في كتابنا أنه لهم خاصة ولا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه لهم دوننا ولم يشرع لنا خلافهم فهو شرع لنا لأن الله عز وجل قد أمر نبينا عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بهم إلا أن يشرع له منهاجا غير ما شرع لهم قال الله عز وجل " أولئك الذين هدى الله فبهدهم اقتدة " [الأنعام 90] قال مالك (2) في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه فيموت مكانه أنه إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعا وإن أمسكه وهو يرى أنه إنما يريد الضرب مما يضرب به الناس لا يرى أنه عمد لقتله فإنه يقتل القاتل ويعاقب الممسك أشد العقوبة ويسجن سنة لأنه أمسكه ولا يكون عليه القتل قال أبو عمر روى بن القاسم عن مالك معنى قوله هذا في الموطأ إلا أنه لم يزد على قوله إن أمسكه حتى يقتله قتلا به جميعا وقال بن جريج سمعت سليمان بن موسى يقول الإجماع عندنا في الممسك والقاتل أنهما شريكان [في دمه] يقتلان به وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فيمن أمسك رجلا حتى قتله آخر
169 فالقود على القاتل دون الممسك ويعاقب الممسك وقال الليث إن أمسكه ليضربه فقتله قتل القاتل وعوقب الآخر وهو نحو قول مالك قال الليث ولو أمر غلامه أن يقتل رجلا فقتله قتلا به جميعا وذكر المزني عن الشافعي قال لو أمسك رجل رجلا لآخر فذبحه قتل به الرجل الذابح دون الممسك كما يحد الزاني دون الذي أمسك المرأة وقال أبو ثور مثل قول الشافعي قال أبو عمر الممسك معين وليس بقاتل وقد يحتمل قول عمر رضي الله عنه لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به الوجهين جميعا العون والمباشرة وقد أجمعوا أنه لو أعانه ولم يحضر قتله لم يقتل به وقد روى وكيع قال حدثني سفيان عن إسماعيل بن أمية ورواه معمر وبن جريج عن إسماعيل بن أمية قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل أمسك رجلا وقتله آخر أن يقتل القاتل ويحبس الممسك وقال وكيع حدثني جابر عن عامر عن علي رضي الله عنه أنه قضى أن يقتل القاتل ويحبس الممسك] وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن عليا أتي برحلين قتل أحدهما وأمسك الآخر فقتل الذي قتل وقال للممسك أمسكته للموت وأنا أحبسك في السجن حتى تموت وروي ذلك عن علي من وجوه وقال به الحكم وحماد وقال شعبة سألت الحكم عن الرجل يمسك الرجل ويقتله الآخر قال يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت قال أبو عمر هي ثلاث مسائل متقاربات مسألة الممسك [ومسألة الآمر غيره] ومسألة الامر عبده فنذكرهما هنا وبالله توفيقنا قال مالك والشافعي والكوفي وأحمد وإسحاق وأبو ثور القتل على القاتل دون الآمر ويعاقب الآمر وهو قول عطاء والحكم وحماد وسليمان بن موسى
170 وقالت طائفة منهم إبراهيم يقتلان جميعا وهما شريكان وأما مسألة الرجل يأمر عبده بقتل رجل فيقتله فروي عن علي وأبي هريرة أنه يقتل السيد وبه قال أحمد وزاد ويضرب العبد ويسجن وقال الثوري والحكم وحماد يقتل العبد ويعزر السيد وهو قول الكوفي وقال قتادة يقتلان جميعا وقال [الشافعي] إن كان العبد فصيحا يعقل قتل العبد وعوقب السيد وإن كان أعجميا فعلى السيد القود وهذا كقول مالك سواء في رواية بن وهب عنه وقال سليمان بن موسى لا يقتل الآمر ولكن يغرم الدية ويحبس وقال الشافعي إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل والمأمور يعلم أنه أمر بقتله ظلما كان على الآمر القود وفي المأمور قولان أحدهما أن عليه القود والآخر لا قود عليه وعليه نصف الدية والكفارة وقال شعبة سألت الحكم وحمادا عن الرجل يأمر الرجل فيقتل الرجل فقالا يقتل القاتل وحده وليس على الآمر قود وقال وكيع حدثني سفيان عن جابر عن عامر في رجل أمر عبده فقتل رجلا عمدا فقال يقتل العبد ووكيع عن علي بن صالح عن منصور عن إبراهيم في الرجل يأمر الرجل فيقتل قال هما شريكان قال وكيع هذا عندنا في الإثم وأما القود فهو على القاتل قال أبو عمر قد روي هذا منصوصا عن إبراهيم قال أبو بكر حدثني بن سعيد عن سفيان عن منصور قال سألت إبراهيم عن أمير أمر رجلا فقتل رجلا فقال هما شريكان في الإثم قال وحدثني يحيى بن سعيد عن أشعث عن الحسن في الرجل يأمر عبدا له بقتل الرجل قال يقتل السيد وقد روي عن علي وأبي هريرة مثل قول الحسن ذكره أبو بكر قال حدثني زيد بن الحباب عن حماد بن سلمة عن قتادة
171 عن خلاس عن علي في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا قال إنما هو بمنزلة سوطه أو سيفه وقال حدثني عمر عن بن جريج عن عطاء عن أبي هريرة في الرجل يأمر عبده فيقتل رجلا قال يقتل المولى قال مالك (1) في الرجل يقتل الرجل عمدا أو يفقأ عينه عمدا فيقتل القاتل أو تفقأ عين الفاقىء قبل أن يقتص منه أنه ليس عليه دية ولا قصاص وإنما كان حق الذي قتل أو فقئت عينه في الشيء بالذي ذهب وإنما ذلك بمنزلة الرجل يقتل الرجل عمدا ثم يموت القاتل فلا يكون لصاحب الدم إذا مات القاتل شيء دية ولا غيرها قال أبو عمر قول مالك هذا صحيح لأن ولي المقتول عمدا لا يملك نفس المقتول فيطلب بدلها من قاتله وإنما له حق استيفاء القصاص وكذلك الذي فقئت عينه عمدا فإذا ذهب ما يستحقه بالقصاص بطل الدم وهذا قول بن القاسم وروايته عن مالك أن ولي المقتول ليس مخيرا في القصاص أو أخذ الدية وإنما له القصاص فقط إلا أن يصطلحوا على شيء وأما رواية المدنيين عنه في تخيير ولي المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية فقياسه أن يكون له الدية إن شاء على القاتل الثاني وإن شاء قتله وروى بن القاسم عن مالك قال لو قتل رجل عمدا فجاء رجل فقتل القاتل عمدا قيل لأولياء المقتول الآخر أرضوا أولياء المقتول الأول وخذوا قاتل [قاتلكم] فاصنعوا به ما شئتم فإن أرضوا أولياء المقتول الأول وإلا دفع الثاني إلى أولياء المقتول الأول يصنعوا به ما أحبوا وقال الحسن بن حي إذا قتل القاتل الأول فلا حق لأولياء المقتول الأول على القاتل الثاني وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ولو قتله رجل عمدا وجب عليه القود قتل بحق أو بغير حق ولا شيء لولي المقتول الأول وهو قول عثمان البتي
172 وقال سفيان الثوري يقتل الذي قتله وبطل دم الأول وهو قول الحسن البصري كقول الشافعي فيها كرواية المدنيين عن مالك أن لأولياء المقتول على الأجنبي [القاتل] القصاص إلا أن يشاؤوا أخذ الدية وروى بن القاسم عن مالك فيمن فقأ عين رجل عمدا فذهبت عينه من السماء أو قطع يد رجل فشلت يده أو قطعت في سرقة أنه لا شيء للذي فقئت عينه ولا للذي قطعت يده من مال أو قصاص قال أبو عمر اختصار هذا الباب أن نقول لو قتل رجل رجلا فقتل قاتله في حرابة أو ردة أو مات فلا شيء لوليه ولو قطع رجل يد رجل فقطعت يده في سرقة أو ذهبت بآفة من الله (عز وجل) فلا حق للمجني عليه من مال ولا قصاص ووافق أبو حنيفة مالكا في النفس وخالفه في الأعضاء وقال الشافعي له الدية في الوجهين جميعا في النفس والأعضاء قال مالك فإن قطع رجل يد القاطع عمدا كان للمقطوع الأول القصاص على القاطع الثاني لأنه كان أحق بيده من نفسه وإن قطعها خطأ فعلى القاطع الثاني دية اليد ويكون ذلك للمقطوع الأول قال أبو عمر هذا إنما يخرج على رواية المدنيين عنه والله أعلم وقال أبو حنيفة وأصحابه لو قطع رجل يد رجل فوجب عليه القصاص فقطعت يده في سرقة أو في قصاص لآخر فللآخر عليه أرش يده وإن قطعها إنسان بغير حق لم يكن للمقطوع الأول شيء وهو عند الشافعي مخير إن شاء قطع الثاني وإن شاء أخذ الدية وروى قتادة وفرقة في رجل قتل رجلا عمدا فحبس القاتل للقود فجاء رجل فقتله عمدا قال لا يقاد منه لأنه قتل من وجب عليه القتل قال أبو عمر من قال هذا قاسه على من وجب القتل لله عز وجل عليه كالمرتد أو كالمحصن الزاني إذا حبس أحدهما للقتل أو الرجم فقتله رجل عمدا وهذا قياس فاسد لأن من وجب عليه حق لله (عز وجل) ليس لأحد فيه خيار وأما إذا وجب الحق للأولياء فلهم العفو والقصاص ولهم أيضا أخذ الدية عند جماعة من العلماء واختلفوا في الذي فقأ عين رجل عمدا فذهبت عينه تلك قبل أن يقتص منه
173 أو قطع يد رجل فذهبت تلك اليد منه هل للمجني عليه أن يأخذ عينه الأخرى أو يده الأخرى فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم لا تأخذ اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى لا في العين ولا في اليد ولا تؤخذ السن إلا [بمثلها من الجاني] وقال بن شبرمة تفقأ العين اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى وكذلك اليد وتؤخذ الثنية بالضرس والضرس بالثنية لأن الله عز وجل يقول " والعين بالعين والسن بالسن " [المائدة 45] وقال الحسن بن صالح بن حي إذا قطع أصبع من كف فلم يكن للقاطع من تلك الكف مثل تلك الأصبع قطع من تلك الكف أصبع مثلها تليها ولا تقطع أصبع كف بأصبع كف أخرى قال وكذلك تقلع السن التي تليها إذا لم تكن للقاطع سن مثلها وإن بلغ ذلك الأضراس قال وتؤخذ العين اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى ولا تؤخذ اليد اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى قال أبو عمر أجمعوا على أن عين الفاقىء إذا كانت صحيحة لم يكن للمفقئ عينه أن يأخذ غيرها فدل على أن قوله عز وجل * (والعين بالعين) * [المائدة 45] ما قابلها والله أعلم قال مالك (1) ليس بين الحر والعبد قود في شيء من الجراح والعبد يقتل بالحر إذا قتله عمدا ولا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمدا وهو أحسن ما سمعت قال أبو عمر أما اختلافهم في القصاص بين العبيد والأحرار فاتفق مالك والليث على أن العبد يقتل بالحر وأن الحر لا يقتل بالعبد وخالفه الليث في القصاص في أعضاء العبد بالحر فقال إذا جنى العبد على الحر فيما دون النفس فالحر مخير إن شاء اقتص من العبد وإن شاء كانت الجناية في رقبة العبد على سيده وقد ناقض لأنه لا يوجب خيارا للرجل في جناية المرأة عليه في أعضائه وهي ناقصة عنه في الدية
174 واتفقا على أن الكافر يقتل بالمؤمن ولا يقتل به المؤمن ويقتل العبد بالحر ولا يقتل به الحر وقال الشافعي كل من جرى عليه القصاص في النفس جرى عليه في الجراح وليس بين الحر والعبد قصاص إلا أن يشاء الحر وقال أبو حنيفة وأصحابه لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا في النفس فإنه يقتل الحر بالعبد كما يقتل العبد بالحر ولا قصاص بينهما في شيء من الجراح والأعضاء وقال بن أبي ليلى القصاص بين الحر والعبد في النفس وفي كل ما يستطاع فيه القصاص من الأعضاء وهو قول داود واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم (1) فلم يفرق بين حر وعبد قال أبو عمر قد قال الله عز وجل " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى " [النساء 92] فأجمع العلماء أنه لا يدخل العبيد في هذه الآية وإنما أراد بها الأحرار فكذلك قوله عليه السلام المسلمون تتكافأ دماؤهم أريد به الأحرار دون العبيد والجمهور على ذلك وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار في ما دون النفس فالنفس أحرى بذلك وقد قال الله عز وجل * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * [البقرة 178] ولولا الإجماع في قتل الرجال بالنساء لكان ذلك حكم الأنثى بالأنثى واتفق أبو حنيفة وأصحابه والثوري وبن أبي ليلى وداود على أن الحر يقتل بالعبد كما يقتل العبد به وروي ذلك عن علي وبن مسعود رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم ذكر وكيع قال حدثني سفيان عن سهيل بن أبي صالح قال سألت سعيد بن المسيب عن الحر يقتل العبد عمدا قال اقتله به ولو اجتمع عليه أهل اليمن قتلتهم به
175 وقال مالك والليث والشافعي وبن شبرمة لا يقتل حر بعبد وبه قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وهو قول الحسن وعطاء وعكرمة وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد والشعبي قال وكيع حدثني شعبة عن مغيرة عن الشعبي قال إذا قتل الرجل عبده عمدا لم يقتل به وكان الشعبي وسفيان الثوري يقولان يقتل الحر بعبد غيره ولا يقتل بعبده قال سفيان كما لو قتل ابنه لم يقتل به وأرى أن يعزر وقد ناقض أبو حنيفة ومن قال بقوله في آرائهم من قطع يد الحر بيد العبد وهو يقتله به والنفس أعظم حرمة فإذا لم يكافئه في اليد فأحرى ألا يكافئه في النفس واحتجاج أصحابه بحديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم في عبد لقوم قطع أذن عبد لقوم فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم قصاصا لا حجة فيه ولو تأمله المحتج لهم ما احتج به وكذلك حجتهم بحديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه (1) لا تقوم لهم به حجه لأن أكثر أهل العلم يقولون إن الحسن لم يسمع من سمرة وأيضا فلو كان صحيحا عن الحسن ما كان خالفه فقد كان يفتي بأن لا يقتل الحر بالعبد حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني سعيد بن عامر عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل عبده قتلناه به قال ثم إن الحسن نسي هذا الحديث بعد ذلك فكان يقول لا يقتل حر بعبد أخبرنا عبد الله قال حدثني حمزة قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثني أبو عوانة عن قتادة عن الحسن عن سمرة
176 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه (1) ورواه أبو عيسى الترمذي بإسناده مثله وقال سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال قد كان علي بن المديني يقول بهذا الحديث وأنا أذهب إليه قال وسماع الحسن من سمرة عندي صحيح ومن حجتهم أيضا أن قالوا لما كان أمان العبد كأمان الحر وتحريم دمه كتحريم دم الحر وجب أن يكون مكافئا له في القصاص فالجواب أن هذه عله قد أتت ببطلانها السنة لأن دم الذمي محرم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مؤمن بكافر (2) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعارض حديث سمرة وإن كان في إسناده من لا يحتج به لضعفه وسوء نقله فإنه مما يستظهر به حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن أبي فروة عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل عبده عمدا فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه سنة ومحا اسمه من المسلمين ولم يقد منه قال أبو بكر وحدثني إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد روي عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أنهما كانا يقولان لا يقتل المولى بعبده ولكن يضرب ويطال [حبسه] ويحرم سهمه وكانا لا يقتلان الحر بالعبد وأما حديث أمان العبد المسلم فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال أخبرنا قاسم بن أصبغ قال حدثني عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثني محبوب بن
177 موسى قال حدثني أبو إسحاق الفزاري عن بن أبي أنيسة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال لما كان يوم الفتح خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسند ظهره إلى جدار الكعبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويعقد عليهم أولاهم ويرد عليهم أقصاهم ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده (1)) 1 (22 - باب العفو في قتل العمد)) 1621 - مالك أنه أدرك من يرضى من أهل العلم يقولون في الرجل إذا أوصى أن يعفى عن قاتله إذا قتل عمدا إن ذلك جائز له وأنه أولى بدمه من غيره من أوليائه من بعده قال أبو عمر أكثر العلماء يقولون إن المقتول يجوز عفوه عن دمه العمد وإن قتل خطأ جاز له العفو عن الدية في ثلثه إن حملها الثلث وإلا فما حمل منها الثلث وأن ديته كسائر ماله يورث عنه وأن المقتول عمدا أولى بدمه من أوليائه ما دام حيا في العفو عنه كما قال مالك (رحمه الله) وممن قال إن للمقتول أن يعفو عن دمه ويجوز على أوليائه وورثته كقول مالك الحسن البصري وطاوس اليماني وقتادة والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابهم وهو أحد قولي الشافعي وقال بالعراق عفوه باطل لأن الله (عز وجل) جعل السلطان لوليه فله العفو والقصاص إن شاء أو الدية ولا يجوز ذلك إلا بموته وبه قال أبو ثور وداود وهو قول الشعبي ذكر أحمد بن حنبل قال حدثني هشيم قال أخبرنا محمد بن سالم عن الشعبي في الرجل يقتل الرجل فيعفو عن قاتله قبل موته قال لا يجوز عفوه وذلك لأوليائه قال أبو عمر قول مالك ومن تابعه في هذه المسألة صحيح وليس قول الشافعي في العراق بشيء لأن الولي لا يقوم إلا بما كان للمقتول القيام به ولولا
178 استحقاق المقتول بدم نفسه ما كان لوليه القيام فيه قال الله عز وجل * (فمن تصدق به فهو كفارة له) * [المائدة 45] ولم يختلف العلماء أن المتصدق ها هنا هو المقتول يتصدق بدمه على قاتله أي يعفو عنه واختلفوا في الضمير الذي في قوله * (كفارة له) * [المائدة 45] فقال بعضهم كفارة للمقتول وقال بعضهم كفارة للقاتل وقال زيد بن أسلم من استقيد منه أو عفي عنه أو أخذت منه الدية فهو كفارة له وروى بن عيينة عن عمران بن ظبيان عن عدي بن ثابت عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق وعن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال صلى الله عليه وسلم بايعوني فقرأ عليهم الآية قال فمن عفى منكم فأجره على الله ومن أصابه من ذلك شيء فعوقب به فهو كفارة له ومن أصابه من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله (عز وجل) إن شاء عذبه وإن شاء غفر له (1) وقال سفيان بن عيينة العفو كفارة للجارح والمجروح قال سفيان كان يقال إن قتل فهي توبته وإن أعطى الدية فهي توبته وإن عفي عنه فهي توبته في الرجل عمدا قال أبو عمر هو قول زيد بن أسلم ومجاهد وفرقة واختلف فيه عن بن عباس والأشهر عنه وعن زيد وبن عمر أنه لا توبة له وأما الرواية عن السلف الذين قال مالك بقولهم في ذلك فحدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني
179 أبو بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني سعيد عن قتادة أن عروة بن مسعود الثقفي دعا قومه إلى الله (عز وجل) فرماه رجل منهم بسهم فمات فعفى عنه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز عفوه وقال صلى الله عليه وسلم هو كصاحب ياسين وروى الثوري عن يونس عن الحسن في الذي يضرب بالسيف عمدا ثم يعفو قبل أن يموت قال ذلك جائز وليس في الثلث ومعمر وبن جريج عن بن طاوس عن أبيه قال إذا تصدق الرجل [بدمه] فهو جائز قلت في الثلث قال بل في ماله كله ورواه بن عيينة قال قلت لابن طاوس ما كان أبوك يقول في الرجل يتصدق بدمه على قاتله عند موته قال كان يقول هو جائز قلت خطأ كان أو عمدا قال [خطأ كان أو عمدا] قال واختلفوا في العفو عن الجراحات وما يؤول إليه إذا مات المجروح منها فقال مالك إذا عفى عن الجراحة فقط كان لأوليائه القود أو الدية ولو قال قد عفوت عن الجراحة وما تؤول إليه أو قال إن مت منها فقد عفوت صح [عفوه] ولم يتبع الجاني بشيء [وهو قول زفر] قال أبو يوسف ومحمد إذا عفا عن الجراحة ومات فلا حق له والعفو على الجراحة عفو لما يؤول إليه أمرها وقال الثوري إذا عفا عن الجراحة [ومات] لم يقتل [ويؤخذ] بما فضل من الدية وهو أحد قولي الشافعي كان الجراحة كانت موضحة فسقط بعفوه عنها نصف عشر الدية والآخر عفوه باطل وذلك إلى الولي وبه قال أبو ثور وداود وقال أبو حنيفة من قطعت يده فعفى ثم مات بطل العفو ووجبت الدية وقال الشافعي بمصر إذا قال قد عفوت عن الجراحة وعن ما يحدث منها من عقل وقود ثم مات منها فلا سبيل إلى القود وينظر إلى أرش الجناية فقال فيها قولان أحدهما أن عفوه جائز من ثلثه ويسقط عنه أرش الجراحة ويؤخذ بالباقي من الدية
180 والقول الثاني أنه يؤخذ بجميع الدية لأنها صارت نفسا وهذا قائل لا تجوز له وصية بحال واختاره المزني قال مالك (1) في الرجل يعفو عن قتل العمد بعد أن يستحقه ويجب له إنه ليس على القاتل عقل يلزمه إلا أن يكون الذي عفا عنه اشترط ذلك عند العفو عنه قال أبو عمر للعلماء في هذه قولان أحدهما قول مالك وهو قول أبي حنيفة أنه لا دية عندهم في قتل العمد إلا باشتراطها والصلح عليها ومثل هذا رواية بن القاسم عن مالك وأما رواية أهل المدينة عنه فالحجة في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ولي المقتول بين خيرتين لم توجب له الدية إلا باختياره لها واشتراطه إياها والقول الآخر أنه من عفا فله الدية إلا أن يقول عفوت على غير شيء وهو قول الشافعي وجماعة قبله وهذا قول أحمد وإسحاق لأن الله (عز وجل) قد أوجب في مال القاتل الدية إذا عفا الولي لقوله (عز وجل) * فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن " [البقرة 178] ولو كان للعاقل إذا عفا لم يكن له شيء لم يكن للولي ما يتبعه به بالمعروف ولا على القاتل ما يؤديه بإحسان قال مالك (2) في القاتل عمدا إذا عفي عنه أنه يجلد مائة جلدة ويسجن سنة قال أبو عمر قد أبى من ذلك عطاء بن أبي رباح وطائفة قالوا لم يذكر الله عز وجل أن على من عفي عنه جلدا ولا عقوبة قال عطاء * (وما كان ربك نسيا) * [مريم 64] وقاله عمرو بن دينار وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور قال أبو ثور إلا أن يكون يعرف بالشر فيؤدبه الإمام على قدر ما يرى أنه يردعه وقال الليث وأهل المدينة كما قال مالك وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وجوه أنه ضرب حرا قتل عبدا مائة ونفاه عاما وذكر بن جريج عن إسماعيل بن أميمة قال سمعنا أن الذي يقتل عمدا ويعفا عنه يسجن سنة ويضرب مائة
181 قال بن جريج وقال بن شهاب لا قود بين الحر وبين المملوك ولكن العقوبة والنكال بالجلد الوجيع والسجن وغرم ما أصاب ويعتق رقبة ويغرب سنة وقد قضى بذلك عمر بن عبد العزيز فإن لم يجد الرقبة صام شهرين متتابعين قال مالك (1) وإذا قتل الرجل عمدا وقامت على ذلك البينة وللمقتول بنون وبنات فعفا البنون وأبى البنات أن يعفون فعفو البنين جائز على البنات ولا أمر للبنات مع البنين في القيام بالدم والعفو عنه قال أبو عمر ذكر بن وهب في موطئه عن الليث بن سعد أنه قال يجوز عفو العصبة عن الدم ويبطل حق البنات قال ولا عفو للنساء ولا قسامة لهن يعني في العمد قال وهو قول مالك وذكر بن القاسم عنه أنه قال ليس للبنات ولا للأخوات من القصاص شيء إنما هو للرجال البنين والإخوة ويجوز عفو الرجال على النساء ولا يجوز عفو النساء على الرجال قال ملك وليس للأخوة من الأم عفو عن القصاص قال فإن عفا الرجل على أن يأخذ الدية فالدية على سائر الورثة على قدر مواريثهم وقد روي عن مالك أن عفو النساء جائز والأول تحصيل مذهبه وقد ذكرنا اختلافهم في هذه المسألة في كتاب اختلافهم وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل لكل وارث نصيبه من القصاص ويجوز عفوه على نفسه ولا يجوز على غيره في إبطال حقه من الدية والرجال والنساء في ذلك كله عندهم سواء وقال بن أبي ليلى القصاص لكل وارث إلا الزوج والزوجة وقال الشافعي لما لم يختلف العلماء في أن العقل موروث كالمال كان كل وارث وليا في ذلك زوجة كانت أو ابنة أو أختا ولا يخرج أحد منهم من ولاية الدم ولا يقتل إلا باجتماعهم وحتى يحضر الغائب منهم ويبلغ الطفل وأيهم عفا
182 عن القصاص كان على حقه من الدية وإن عفا على غير مال كان الباقون على حصصهم من الدية وقال أبو حنيفة وأصحابه من عفا من ورثة المقتول عن القصاص من رجل أو امرأة أو زوجة أو أم أو جدة أو من سواهن من النساء أو كان المقتول امرأة فعفا زوجها عن القاتل فلا سبيل إلى القصاص ولمن سوى العافي من الورثة حصته من الدية وقال أحمد ومن عفا من ولاة المقتول عن القصاص لم يكن إلى القصاص سبيل وإن كان العافي زوجا أو زوجة وقد روى الوليد بن يزيد عن الأوزاعي ما يوافق قول مالك خلاف الرواية الأولى عنه حكى العباس بن الوليد عن أبيه عن الأوزاعي أنه سئل عن القتيل إذا قامت البينة على قاتله هل للنساء اللاتي يرثنه عفو إن أراد الرجال قتله قال الأخذ بالقود والعفو إلى أوليائه من الرجال دون النساء وروى سفيان بن عيينة عن الأعمش عن زيد بن وهب أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما أو قتلها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فعفا بعض إخوة المرأة فأعطى عمر لمن يعف منهم الدية ((23 - باب القصاص في الجراح)) 1622 مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من كسر يدا أو رجلا عمدا أنه يقاد منه ولا يعقل قال أبو عمر أما اليد والذراع والرجل والساق فإذا قطعت اليد أو الرجل من المفصل عمدا فلا خلاف بين العلماء في أن القصاص واجب في ذلك وأما الساق والذراع ففيهما يقع الكسر وفي سائر أعضاء الجسد تنازع العلماء فذهب مالك وأصحابه إلى أن القصاص في ذلك وذكر أنه أمر مجتمع عليه عندهم ولم ير في كسر الفخذ قودا
183 ورواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وهو رأي أبيه قال بن القاسم عن مالك عظام الجسد [مثل العجز وما أشبهه] كلها فيها القود إلا ما كان مخوفا عليه مثل الفخذ وما أشبهه قال وليس في الهاشمة ولا المنقلة ولا المأمومة قود قال وأما الذراعان والعضدان والساقان والقدمان ففي ذلك كله إذا كسر شيء منه القود قال أبو عمر قد تقدم القول في المأمومة وشجاج الرأس في موضعها من هذا الكتاب وقال الليث بن سعد والشافعي لا قصاص في عظم من العظام [لم] يكسر ولم يشنها شيئا ولا ضرسا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا قصاص في عظم [ما خلا] السن قال أبو عمر روي عن بن عباس أنه قال ليس في العظام قصاص وعن عطاء بن أبي رباح وعامر الشعبي والحسن البصري وبن شهاب الزهري وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك وهو قول سفيان الثوري حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال إذا كسرت اليد أو الساق فليس على كاسرها قود ولكن عليه الدية قال عطاء قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنا لا نقيد من العظام قال وحدثني جرير عن حصين قال كتب عمر بن عبد العزيز ما كان من كسر في عظم فلا قصاص فيه قال وحدثني حفص عن أشعث عن الشعبي والحسن قالا ليس في عظم قصاص قال وحدثني حفص عن حجاج عن أبي مليكة عن بن عباس قال ليس في العظام قصاص قال وحدثني بن إدريس عن الشيباني عن الشعبي قال ليس في شيء من العظام قصاص إلا الوجه والرأس
184 قال وحدثنا شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال لا قصاص في عظم قال أبو عمر في هذا الباب حديثان مرفوعان أحدهما صحيح لا مقال في إسناده وهو حديث أنس قصة ثنية الربيع حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالقصاص في السن وقال كتاب الله (عز وجل) القصاص قال أبو عمر هذا حديث مختصر وليس فيه حجة لأنه قد يحتمل أن تكون السن قلعت أو سقطت من ضربة فإذا كان كذلك فلا خلاف في القصاص قال الله عز وجل * (والسن بالسن) * [المائدة 45] وإنما الخلاف في السن تكسر هل فيها قصاص أم لا وحديث أنس هذا محفوظ في كسر السن والقصاص حدثني عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال حدثني حميد عن أنس أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا والأرش فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص ثم أرضى القوم فكفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره (1) قال أبو عمر هذا الحديث حجة لمالك وهو حديث ثابت وإذا كان القصاص في السن إذا كسرت وهي عظم فسائر العظام كذلك إلا عظما اجتمعوا على أنه لا قصاص فيه لخوف ذهاب النفس منه أو لأنه لا يقدر على الوصول فيه إلى مثل الجناية بالسواء والله أعلم وأما الحديث الآخر الذي ينفي القصاص في العظام فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهيد قال حدثنا
185 محمد بن منيع قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف من غير المفصل فقطعها فاستعدى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال يا رسول الله إني أريد القصاص فقال خذ الدية بارك الله لك فيها ولم يقض له بالقصاص (1) قال أبو عمر ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد ودهثم بن قران العكلي ضعيف أعرابي ليس حديثه مما يحتج به ونمران بن جارية أعرابي أيضا وأبوه جارية بن ظفر مذكور في الصحابة قال مالك (2) ولا يقاد من أحد حتى تبرأ جراح صاحبه فيقاد منه فإن جاء جرح المستقاد منه مثل جرح الأول حين يصح فهو القود وإن زاد جرح المستقاد منه أو مات فليس على المجروح الأول المستقيد شيء وإن برأ جرح المستقاد منه وشل المجروح الأول أو برأت جراحه وبها عيب أو نقص أو عثل (3) فإن المستقاد منه لا يكسر الثانية ولا يقاد بجرحه قال ولكنه يعقل له بقدر ما نقص من يد الأول أو فسد منها والجراح في الجسد على مثل ذلك قال أبو عمر أما قوله لا يقاد من جرح حتى يبرأ فعلى هذا مذهب جمهور العلماء إلا أن الشافعي أجاز ذلك إذا رضي به المجروح وطلبه على إسقاط ما يؤول إليه جرحه من القتل والعيب وقد تقدمت هذه المسألة فلا معنى لإعادتها وأما قوله فإن زاد جرح المستقاد منه فليس على المستقيد شيء فقد اختلف العلماء في المقتص منه من الجراح يموت من ذلك فقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد لا شيء على المقتص له وروي عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - مثل ذلك وقالا الحق قتله لا دية له
186 وهو قول الحسن وبن سيرين وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وقال أبو حنيفة وبن أبي ليلى والثوري إذا اقتص من يد أو شجة فمات المقتص منه فديته على عاقلة المقتص له وهو قول حماد بن أبي سليمان وطاوس وعطاء وعمرو بن دينار والحارث العكلي وعامر الشعبي إلا أن الشعبي قال الدية هنا على العاقلة وكذلك قال الزهري وقال أبو حنيفة في ماله وقال عثمان البتي في الذي يقتله القصاص يدفع الذي اقتص له قدر تلك الجراحة وما بقي من ديته ففي مال المقتص فإن كان عبدا فما بقي من ثمنه ففي ماله وهو قول عبد الله بن مسعود وبه قال إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة قال أبو عمر قد أجمعوا على أن السارق لو مات من قطع يده أنه لا شيء فيه لأنه قطع بحق وكذلك المقتص منه في القياس وحجة أبي حنيفة أن إباحة الأخذ لا تسقط الضمان في المال كما [لو] رمى غرضا مباحا فأصاب إنسانا أو أدب امرأته بما يجب له فتولد منه موتها أنه لا يسقط الدية عنه وكذلك المقتص له قال مالك (1) وإذا عمد الرجل إلى امرأته ففقأ عينها أو كسر يدها أو قطع إصبعها أو شبه ذلك متعمدا لذلك فإنها تقاد منه وأما الرجل يضرب امرأته بالحبل أو بالسوط فيصيبها من ضربه ما لم يرد ولم يتعمد فإنه يعقل ما أصاب منها على هذا الوجه ولا يقاد منه قال أبو عمر هذا قول جماعة العلماء ولم يختلف فيه أئمة الفتيا وقد ذكر مالك في باب عقل المرأة من الموطأ أنه سمع بن شهاب يقول مضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته بجرح أن عليه عقل ذلك الجرح ولا يقاد منه ثم فسره بنحو ما فسره هنا
187 وقد روى معمر عن الزهري قال لا تقاد المرأة من زوجها في الأدب يقول لو ضربها فشجها ولكن إذا اعتدى عليها فقتلها كان القود قال أبو عمر هذه الرواية أيضا القصاص في الجراح بينهما إذا كان الأصل الأدب وأكثر أهل العلم في ذلك يرون الدية إذا تولدت الشجة من أدبه لأنه لم يكن له أن يبلغ بها ذلك في أدبه 1623 - مالك أنه بلغه أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أقاد من كسر الفخذ وهذا تقدم القول فيه في هذا الباب والحمد لله كثيرا ((24 - باب ما جاء في دية السائبة (1) وجنايته)) 1624 - مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه بعض الحجاج فقتل بن رجل من بني عائذ فجاء العائذي أبو المقتول إلى عمر بن الخطاب يطلب دية ابنه فقال عمر لا دية له فقال العائذي أرأيت لو قتله ابني فقال عمر إذا تخرجون ديته فقال هو إذا كالأرقم (2) إن يترك يلقم (3) وإن يقتل ينقم (4) قال أبو عمر ليس هذا الحديث عند أكثر رواة الموطأ وسقط من رواية يحيى صفة قتله وقتله كان خطأ لا خلاف في ذلك بين العلماء لأن العاقلة لا تحمل إلا عقل الخطأ ولما لم يكن للمعتق سائبة [عاقلة] لم يوجب له عمر شيئا والعلماء مختلفون في ذلك
188 وأما أهل الظاهر وداود وأصحابه فإنهم لا عاقلة عندهم إلا العصبة خاصة دون الموالي ودون الخلفاء [وغيرهم] ومن قتل مؤمنا خطأ ولا عصبة له فلا شيء عندهم عليه غير الكفارة وأما سائر أهل العلم فمن قال إن ولاء السائبة للذي أعتقه جعل الدية على عاقلته وعصبته لأنهم يرثون عنه ولاءه ويرثون مواليه فهم عاقلته ومن قال ولاء السائبة [لجماعة] المسلمين يرى الدية في بيت مال المسلمين ومن قال إن للسائبة أن يوالي من شاء رأى أن الذي يواليه يقوم مقام معتقه وحكمه وحكم عصبته حكمه وقد ذكرنا في كتاب الولاء اختلاف العلماء في ولاء المعتق سائبة وهذه المسألة متعلقة بذلك الباب والله الموفق للصواب وقد روي عن عمر خلاف ما روى عنه سليمان بن يسار في هذا الخبر ذكر وكيع قال حدثني ربيعة بن عثمان التيمي عن سعد بن إبراهيم أن أبا موسى كتب إلى عمر أن الرجل يموت قبلنا وليس له رحم ولا ولاء قال فكتب إليه عمر إن ترك ذا رحم فالرحم وإلا فالولاء وإلا فبيت مال المسلمين يرثونه ويعقلون عنه وكيع قال حدثني سفيان عن مطرف عن الشعبي في الرجل يسلم وليس له مولى قال ميراثه للمسلمين وعقله عليهم قال وحدثني سفيان عن يونس عن الحسن مثله وذكر أبو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن إبراهيم قال إذا أسلم الرجل على يدي الرجل فله ميراثه ويعقل عنه وذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا معمر عن الزهري قال في السائبة يعقل عنه المسلمون ويرثه المسلمون وليس مواليه منه في شيء قال وأخبرنا معمر عن جابر عن الشعبي قال المعتق سائبة يعقل عنه مولاه ويرثه مولاه وقال الحارث الأعور سألت عليا - رضي الله عنه - عن سائبة قتل رجلا عمدا قال يقتل به وإن قتل خطأ نظر هل عاقد أحدا فإن كان عاقدا أحدا أخذ
189 أهل عقده وإن لم يعاقد أحدا أدي عنه من بيت مال المسلمين وقال عبد الرزاق (1) أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه بعض الحاج فكان يلعب هو ورجل من بني عائذ فقتل السائبة العائذي فجاء أبوه عمر بن الخطاب يطلب دم ابنه فأبى عمر أن يديه قال ليس له مال فقال العائذي أرأيت لو كان ابني قتله قال عمر إذن تخرجون ديته قال فهو إذن كلأرقم إن يترك يلقم وإن يقتل ينقم ففي رواية عبد الرزاق في قوله فكان يلعب هو ورجل من بني عائذ ما يدل على ما ذكرنا من قتل الخطأ قال وأخبرنا بن جريج قال زعم لي عطاء أن سائبة من سيب مكة أصاب إنسانا فجاء عمر بن الخطاب فقال ليس لك شيء فقال أرأيت لو شججته قال إذن آخذ له منك حقه قال ولا تأخذ لي منه قال لا قال هو إذن كالأرقم قال إن تتركوني ألقم وإن تقتلوني أنقم فقال عمر هو كالأرقم قال أبو عمر الأرقم الحية الذكر العادي على الناس إن تركه الذي يراه التقمه وإن قتله انتقم له الذي انتقم للفتى الشاب من الحية المقتولة التي وجدها على فراشه فغرز رمحه فيها ورفعها فجعلت تضطرب في رأس الرمح وخر الفتى ميتا في حديث مالك عن صيفي ويأتي في الجامع إن شاء الله عز وجل
190 ((44 كتاب القسامة (1))) ((1 - باب تبدئة أهل الدم في القسامة)) 1625 - مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير بئر أو عين (1) فأتى يهود فقال أنتم والله قتلتموه فقالوا والله ما قتلناه فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر (3) يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن يدوا (4) صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم فقالوا لا قال أفتحلف لكم يهود قالوا ليسوا بمسلمين فواده رسول الله صلى الله عليه وسلم من
191 عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار قال سهل لقد ركضتني (1) منها ناقة حمراء قال مالك الفقير هو البئر قال أبو عمر اختلف في اسم أبي ليلى شيخ مالك هذا فقيل عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل وقيل اسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن أبي حثمة وقيل داود بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل وهكذا ذكره الكلاباذي أن عبد الله بن يوسف رواه عن مالك وتابعه يحيى عن مالك في قوله في حديثه هذا عن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه وهكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة وتابعه على ذلك بن وهب وبن بكير وليس في روايتهم ما يدل على سماع أبي ليلى من سهل بن أبي حثمة وقال بن القاسم وبن نافع ومطرف والشافعي وأبو مصعب عن مالك عن أبي ليلى عن سهل أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه وقال القعنبي وبشر بن عمر عن مالك عن أبي ليلى عن سهل أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه وقال عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي ليلى عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجال من كبراء فروايته ورواية بن القاسم ومن ذكرنا معه ورواية القعنبي أيضا ومن تابعه يدل على سماع أبي ليلى من سهل بن أبي حثمه وقد قيل لم يسمع أبو ليلى من سهل وقيل سمع منه وقيل هو مجهول لم يرو عنه غير مالك وقيل روى عنه بن إسحاق ومالك 1626 مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه أخبره أن عبد
192 الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فقتل عبد الله بن سهل فقدم محيصة فأتى هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر فتكلم حويصة ومحيصة فذكرا شأن عبد الله بن سهل فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم قالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا يا رسول الله كيف نقبل إيمان قوم كفار قال يحيى بن سعيد فزعم بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداه من عنده قال أبو عمر لم يختلف الرواة عن مالك [لهذا الحديث] عن يحيى بن سعيد في إرساله عن بشير بن يسار وأنه ليس فيه لسهل بن أبي حثمة ذكر وإن كان غيره من [رواة] يحيى بن سعيد جعلوه عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة [وذكر جماعة منهم سماع بشير بن يسار له من سهل بن أبي حثمة] فإن مالكا في حفظه وإتقانه وعلمه بحديث أهل بلده قد أرسل هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار لم يتجاوز به بشير بن يسار وما أظن البخاري - والله أعلم - ترك إخراج حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار هذا إلا لإرسال مالك له ولم يجعل من خالفه ورواه [عن] يحيى بن سعيد وأسنده حجة على مالك وخرجه من حديث سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ذكره عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار وهو مخالف لمعنى ما جاء به يحيى بن سعيد فيه من تبدئة الساعي المدعي بالأيمان وقد أخطأ جماعة من أهل العلم بالحديث سعيد بن عبيد في روايته هذه عن بشير بن يسار وذموا البخاري في تخريجه حديث سعيد بن عبيد وتركه حديث يحيى بن سعيد الذي فيه تبدئة المدعي بالأيمان وممن روى هذا الحديث مسندا عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة سفيان بن عيينة وحماد بن زيد وعباد بن العوام والليث بن سعد وبشير بن الفضل وقال فيه حماد بن زيد وعباد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن بشير بن
193 يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج فزاد فيه مع سهل بن أبي حثمة رافع بن خديج وقال فيه الليث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال يحيى حسبت أنه قال ورافع بن خديج وكلهم رووه عن يحيى بن سعيد بمعنى ما رواه مالك في تبدئة الأنصار المدعين بالأيمان إلا سفيان بن عيينة فإنه اختلف عنه في ذلك فرواه عنه بن أبي عمر بسياقة مالك وقال في آخره لا أدري بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بيمين المدعين أو المدعى عليهم ورواه جماعة عن يحيى بن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار سمع سهل بن أبي حثمة يقول وجد عبد الله بن سهل قتيلا بخيبر فذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار حويصة ومحيصة وعبد الرحمن تبرئكم يهود بخمسين يمينا أنهم لم يقتلوه فقالوا وكيف نرضى بأيمان [قوم كفار] قال فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه قالوا كيف نقسم على ما لم نر فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبدأ عليه السلام بقوله تبرئكم يهود قبل أن يقول فيقسم منكم وهذا معنى ما رواه سعيد بن عبيد عن بشير بن سهل في هذا [الحديث] ورواه سائر من رواه عن يحيى بن سعيد بمعنى ما رواه مالك من تبدئة المدعي بالإيمان وكذلك رواه الحميدي عن سفيان بن عيينة وهو أثبت الناس في بن عيينة وهو الصحيح ومن قال فيه عن بن عيينة تبدئة اليهود بالأيمان فقد أخطأ ولم يصب والصحيح في حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار تبدئة المدعين وهم الأنصار بالأيمان والله أعلم وكذلك رواه محمد بن إسحاق عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة وعن الزهري عن سهل بن أبي حثمة ذكر فيه تبدئة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار بالأيمان وقد ذكرنا في التمهيد الروايات بذلك كله بالأسانيد عن من ذكرنا فسياق كل واحد منهم بالحديث بمعنى ما وصفت عنه إلا رواية محمد بن إسحاق التي ذكرنا فنذكرها هنا لأنا لم نذكرها هناك
194 حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثني إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال حدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة وحدثني بشير بن يسار مولى بني حارثة عن سهل بن أبي حثمة قال أصيب عبد الله بن سهل بخيبر وكان خرج إليها في أصحاب لهم يتمارون منها تمرا فوجد في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها فأخذوه فغيبوه ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له شأنه فتقدم إليه أخوه عبد الرحمن ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود وكان عبد الرحمن من أحدثهم سنا وكان صاحب الدم وكان ذا قدم في القوم فلما تكلم قبل ابني عمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر فسكت فتكلم حويصة ومحيصة ثم تكلم هو بعد فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا فيسلم إليكم فقالوا يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم قال فيحلفون لكم بالله - يعني اليهود - خمسين يمينا ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا ثم يبرؤون من دمه قالوا يا رسول الله ما كنا لنقبل أيمان يهود ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة ناقة قال سهل فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها قال أبو عمر ففي هذه الآثار كلها من رواية مالك وغيره على ما ذكرنا في التمهيد تبدئة المدعين للدم بالأيمان في القسامة وإليها ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وهؤلاء أئمة أهل الحديث قال أحمد بن حنبل الذي أذهب إليه في القسامة حديث بشير بن يسار من رواية يحيى بن سعيد فقد وصله عنه حفاظ وهو أصح من حديث سعيد بن عبيد حكى هذا عنه أبو بكر الأثرم وحسبك بأحمد إمامة في الحديث وعلما بصحيحة من سقيمة وقد ذكرنا حديث يحيى بن سعيد من رواية حماد بن زيد وغيره عنه في التمهيد والحمد لله كثيرا وأما الآثار التي فيها أن اليهود بدأهم النبي عليه السلام [بالإيمان] فمنها ما رواه سعيد بن عبيد الطائي الكوفي عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة
195 أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن عبد الملك قال حدثني [أحمد بن] محمد بن زياد قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قالوا كلهم حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي قال حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثني سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا [منهم] قتيلا فقالوا للذي وجدوه عندهم قتلتم صاحبنا فقالوا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا قال فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا [أخانا] قتيلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر وقال لهم تأتون بالبينة على من قتل فقالوا ما لنا بينة قال فيحلفون لكم قالوا ما نرضى أيمان يهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل ذمه فوداه بمائة من إبل الصدقة وما حدثنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود وبدأ بهم أيحلف منكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار أتحلفوا فقالوا أنحلف على الغيب يا رسول الله فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على يهود لأنه وجد بين أظهرهم وحدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي بن راشد قال حدثني هشيم عن أبي حيان التيمي قال حدثني عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال أصبح رجل من الأنصار مقتولا فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال لهم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم قالوا يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود وقد يجسرون على أعظم من هذا قال فاختاروا منكم خمسين رجلا يحلفون فأبوا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده
196 قال أبو عمر هذا خلاف ما رواه حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج لأن في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الأنصار بالأيمان كما رواه مالك وجماعة عن يحيى بن سعيد وفي هذا الحديث عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الأنصار البينة فلما لم تكن لهم بينة أراد أيمان اليهود فلم يرضوا بأيمان اليهود فأراد أيمانهم ليقضي لهم بما شاء الله من دية أو قود فلم يفعلوا فوداه من عنده وهذه قصة لم يحكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لإباء المدعين من الأيمان ومن قبول أيمان اليهود وتبرع بأن جعل الدية من مال الله (عز وجل) لئلا يطل دم مسلم والله أعلم وما أعلم في شيء من الأحكام المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاضطراب والتضاد ما في هذه القصة فإن الآثار فيها متضادة متدافعة وهي قصة واحدة وفي مذاهب العلماء من الاختلاف في القسامة وما يوجبها والأيمان فيها ومن يبدؤوا بها وهل يجب بها القود أو لا يستحق بها غير الدية وفي من أثبتها وذهب فيها إلى بعض الوجوه التي ذكرنا ومن نفاها جملة ولم يرها ولهم في ذلك من التنازع ما يضيق بتهذيبه وتلخيص وجوبه كتاب فضلا عن أن يجمعع في باب وسنذكر منه هنا ما يكفي ويشفي إن شاء الله عز وجل وجملة ذلك أن من أثبت القسامة فريقان فطائفة منهم وهم مالك والشافعي والليث يعتبرون الشبهة للبينة واللوث واللطخ وما [غلب على العقل] والظن فهم يطلبون ما يتطرق به إلى حراسة الدماء ولم يطلب أحد منهم الشهادة القاطعة ولا العلم الصحيح البت وهؤلاء وأصحابهم يبدئون الذين يدعون الدم بالأيمان في دعوى الدم وطائفة أهل العراق والكوفيون وأكثر البصريين يوجبون القسامة والدية لوجود القتيل على أهل الموضع ما يعتبرون غير ذلك وكلهم يرى الأيمان على المدعى عليهم مع الدية دون المدعين [وكلهم واحد] وكل واحد من الفريقين ينزع بابا نشهد له بما ذهب إليه فنبدأ بقول مالك رحمه الله ثم نردفه بقول غيره بحول الله وعونه
197 قال مالك (1) الأمر المجتمع عليه عندنا والذي سمعت ممن أرضى في القسامة والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة فيحلفون وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين إما أن يقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم فهذا يوجب القسامة للمدعين الدم على من ادعوه عليه ولا تجب القسامة عندنا إلا بأحد هذين الوجهين قال مالك وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي لم يزل عليه عمل الناس أن المبدئين بالقسامة أهل الدم والذين يدعونه في العمد والخطأ قال مالك وقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارثيين في قتل صاحبهم الذي قتل بخيبر قال أبو عمر لم يختلف قول مالك ولا أصحابه أن قول المقتول قبل موته دمي عند فلان أنه لوث يوجب القسامة ولم يتابع مالكا على ذلك [أحد] من أئمة أهل العلم إلا الليث بن سعد فإنه تابعه فقال الذي توجبه القسامة أن يقول المقتول فلان قتلني أو يأتي من الصبيان والنساء والنصارى ومن يشبههم ممن لا يقطع بشهادته أنه رأى هذا حين قتل هذا فإن القسامة تكون مع ذلك واختلف أصحاب مالك فيما رووه عن مالك في معنى اللوث الموجب للقسامة فروى بن القاسم عن مالك أن الشاهد الواحد العدل لوث وروى عنه أشهب أن الواحد العدل لوث وإن لم يكن عدلا قال وقال لي مالك اللوث الأمر الذي ليس بقوي ولا قاطع واختلفوا في المرأة [الواحدة هل تكون شهادتها لوثا توجب القسامة وكذلك] اختلفوا في النساء والصبيان وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك في كتاب اختلاف أقوال مالك وأصحابه وقال الشافعي إذا مثل [الطيب مثل السلب] الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة [حكمت] بها وجعلت الدية على المدعى عليهم فإن قيل وما [كان] السبب الذي حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل كانت خيبر دار يهود محضة ولا يخالطهم غيرهم وكانت العداوة بين الأنصار وبينهم ظاهرة وخرج عبد الله بن سهل بعد العصر فوجد قتيلا قبل الليل فيكاد أن يغلب على من سمع هذا أنه لم يقتله إلا
198 بعض اليهود فإذا كانت دار يهود [محضة] أو قبيلة وكانوا أعداء المقتول [فادعى الولي قتله عليهم فلهم] القسامة قال وكذلك لو دخل نفر بيتا لم يكن معهم غيرهم أو كانوا في صحراء أو كان زحام فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو وجد قتيل في ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا برجل مخضب بدمه في مقامه ذلك أو تأتي بينة متفرقة من المسلمين من نواح شتى لم يجتمعوا فيشهد كل واحد منهم على الانفراد أنه قتله فتتوطأ شهادتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض ولم يكونوا ممن [يعدل] أو يشهد رجل عدل أنه قتله لأن كل شيء من هذا يغلب على [حكم] الحاكم أنه كما ادعى ولي المقتول قال الشافعي والأصل المجتمع عليه أن اليمين لا يستحق بها شيء وإنما هي لدفع الدعوى إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن في الأموال أن تؤخذ باليمين مع الشاهد وفي دعوى الدماء أن تستحق بها إذا كان معها ما يغلب على [قلوب] الحكام أنه ممكن غير مدفوع من الأموال التي وصفنا قال وللولي أن يقسم على الواحد والجماعة وكل ما أمكن أن يكون معهم وفي جملتهم وسواء كان بالقتيل جرح أو أثر أو لم يكن لأنه قد يقتل بما لا أثر له قال فإن أنكر المدعى عليه أن يكون فيهم لم يقسم الولي عليه إلا ببينة أنه كان فيهم أو إقرار منه بذلك قال [ولا ينظر] إلى دعوى الميت وقوله دمي عند فلان لأن السنة المجتمع عليها ألا يعطى أحد بدعواه شيئا دما ولا غيره قال ولورثة القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل لأنه ممكن أن [يعرفوا] ذلك باعتراف القاتل عندهم [وبشهادة بينة] لا يقبلها الحاكم من أهل الصدق عندهم وغير ذلك من وجوه ما يعلم ما غاب وينبغي للحاكم أن يقول لهم اتقوا الله (عز وجل) ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات واليقين على من تدعون الدم عليه وعليه أن يقبل أيمانهم متى حلفوا مسلمين كانوا أو كافرين على مسلمين وعلى كافرين لأن كلا [ولي دمه ووارث ديته] قال أبو عمر ليس أحد من أهل العلم يجيز لأحد أن يحلف على ما لم يعلم أو أن يشهد بما لم يعلم ولكنه يحلف على ما لم ير ولم يحضر إذا صح عنده
199 وعلمه بما يقع العلم بمثله فإذا صح ذلك عنده واستيقنه حلف عليه وإلا لم يحل وقال أبو حنيفة [وأصحابه] وأبو يوسف ومحمد إذا وجد قتيل في محلة وبه أثر وادعى الولي على أهل المحلة أنهم قتلوه أو على أحد منهم بعينه استحلف من أهل المحلة خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا يختارهم الولي فإن لم يبلغوا خمسين كررت عليهم الأيمان ثم يغرمون الدية وإن نكلوا عن اليمين حبسوا حتى يقروا أو يحلفوا وهو قول زفر وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف إذا أبوا أن يقسموا تركهم ولم يحبسهم وجعلت الدية على العاقلة في ثلاث سنين وقالوا جميعا إن ادعى الولي على رجل من غير أهل المحلة فقد [أبرأ أهل] المحلة ولا شيء عليهم وقول الثوري مثل قول أبي حنيفة في ذلك كله إلا أن بن المبارك روى عنه إذا ادعى الولي على رجل بعينه فقد أبرأ أهل المحلة غيره وقال بن شبرمة إذا ادعى الولي على رجل بعينه من أهل المحلة فقد أبرأ أهل المحلة وصار دمه هدرا إلا أن يقيم البينة على ذلك الرجل وقال عثمان البتي يستحلف من أهل المحلة [خمسون] رجلا ما قتلناه ولا علمنا قاتله ثم لا شيء عليهم غير ذلك إلا أن يقيم البينة على رجل بعينه أنه قتله قال أبو عمر قول عثمان البتي مخالف لما قضى به عمر رضي الله عنه من رواية الكوفيين وعن الثوري وغيره عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع أن عمر بن الخطاب أحلف الذين وجد القتيل عندهم وأغرمهم الدية فقال له الحارث بن الأزمع أيحلفون ويغرمون قال نعم وروى الحسن عن الأحنف عن عمر أنه اشترط على أهل الذمة إن قتل رجل من المسلمين فعليكم الدية قال أبو عمر اتفق مالك والليث والشافعي إذا وجد قتيل في محلة قوم أو في فنائهم لم يستحق عليهم بوجوده فيهم شيء ولم تجب فيهم قسامة بوجوده حتى تكون الأسباب التي شروطها في وجوب القسامة على ما قدمنا عنهم وهو قول أحمد وداود
200 قال مالك (1) فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم وقتلوا من حلفوا عليه ولا يقتل في القسامة إلا واحد لا يقتل فيها اثنان يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عنه فإن نكل أحد من أولئك فلا سبيل إلى الدم إذا نكل أحد منهم قال مالك وإنما ترد الأيمان على من بقي منهم إذا نكل أحد ممن لا يجوز له عفو فإن نكل أحد من ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عن الدم وإن كان واحدا فإن الأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم إذا نكل أحد منهم عن الأيمان ولكن الأيمان إذا كان ذلك ترد على المدعى عليهم فيحلف منهم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن لم يبلغوا خمسين رجلا ردت الأيمان على من حلف منهم فإن لم يوجد أحد إلا الذي ادعى عليه حلف هو خمسين يمينا وبرئ قال أبو عمر قد تقدم في باب العفو اختلاف الفقهاء في من له العفو عن الدم والجمهور يرون أن كل وارث [عندهم جائز] للدية والمال مستحق للدم لأن الدية إنما تؤخذ عن الدم وعفو كل وارث [عندهم] جائز عن الدم فلا معنى لإعادة ذلك ها هنا وأما قوله فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم وقتلوا من حلفوا عليه فإن العلماء قد اختلفوا في ما يستحق بأيمان القسامة هل يستحق بها الدم أو الدية فالذي ذهب إليه مالك في ذلك قول عبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وقال الزهري وبن أبي ذئب وبه قال أحمد بن حنبل وداود وقال إسحاق بن راهويه من قال بالقود في القسامة لا أعينه وأما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لا يقاد بالقسامة ولكن تجب بالقسامة الدية قال والذين يبدؤون عندنا بالأيمان في القسامة أولياء المقتول فإن نكلوا عادت الأيمان إلى أولياء الذين ادعي عليهم القتل وإن نقصوا عن خمسين ردت عليهم الأيمان
201 وأما قول مالك لا يقتل في القسامة إلا واحد [ولا يقتل بها اثنان فقد اتفق على أنه لا يقتل بالقسامة إلا واحد] لأن الذين يقولون إن الجماعة تقتل بالواحد إذا اجتمعوا على قتله عمدا [لا] يوجبون قودا بالقسامة وإنما يوجبون الدية والزهري وداود لا يقتلان اثنين بواحد كما لا تقطع عند الجميع يدان بيد وقد مضت هذه المسألة في موضعها ذكر وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي مليكة أن بن الزبير وعمر بن عبد العزيز أقادا بالقسامة وروى معمر عن الزهري أنه كان يقول القسامة يقاد بها وبن أبي ذئب عن الزهري مثله وزاد ولا يقتل بالقسامة إلا واحد وقال الشافعي في المشهور من مذهبه وأبو حنيفة والثوري والحسن بن حي لا قود في القسامة ولا يستحق بها إلا الدية وهو قول جماعة أهل العراق وقد روي عن أبي بكر وعمر أنهما لم يقيدا بالقسامة وقد قيل إن أول من حكم بها عمر وأنه لا يصح فيها عن أبي بكر شيء لأنه من مراسيل الحسن وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد السلام بن حرب عن عمرو عن الحسن أن أبا بكر وعمر والخلفاء والجماعة الأولى لم يكونوا يقتلون بالقسامة قال وحدثني وكيع قال حدثني المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه القسامة توجب العقل ولا تشيط بالدم قال وحدثني محمد بن بشر قال حدثني سعيد قال حدثني أبو معشر عن إبراهيم قال القسامة تستحق بها الدية قال وحدثني عبد الرحيم عن الحسن بن عمرو عن فضيل عن إبراهيم قال القود بالقسامة جور وحدثني محمد بن بشر عن سعيد عن قتادة قال القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها وقال الحسن القتل بالقسامة جاهلية وذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا معمر قال قلت لعبيد الله بن عمر
202 أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فعمر قال لا قلت فكيف تجترئون عليها فسكت قال فقلت ذلك لمالك فقال لا تضع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الختل لو ابتلي بها لأقاد بها وقال عبد الرزاق (1) أخبرنا بن جريج قال أخبرني يونس بن يوسف قال قلت لسعيد بن المسيب أعجب من القسامة يأتي الرجل يسأل عن القاتل والمقتول لا يعرف القاتل من المقتول ثم يقسم قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة في قتيل خيبر ولو علم أن الناس يجترئون عليها ما قضى بها وأما قول مالك يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن نكلوا أو نكل من يجوز له العفو منهم ردت الأيمان على المدعى عليهم فإن مالكا والشافعي وأصحابهما والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود يقولون يبدأ المدعون بالأيمان في القسامة إلا أن داود لا يقضي بالقسامة إلا أن يكون القوم يدعون على أهل مدينة كبيرة أو قرية كبيرة هم أعداء لهم يدعون أن وليهم قتل عمدا فلا يقضى بالقسامة في شيء غير ذلك ولا يقضى بها في دعوى قتل الخطأ ولا في شيء يشبه المعنى المذكور وأما اشتراط العداوة بين المقتول وأوليائه وبين القاتل وأهل موضعه فاشترطها الشافعي وأحمد وداود وليس ذلك في شرط مالك فيما يوجب القسامة حدثني عبيد بن محمد قال حدثني الحسن بن سلمة بن معلى قال حدثني بن الجارود قال حدثني إسحاق بن منصور قال قال لنا أحمد بن حنبل في الذي ذهب إليه في القسامة حديث بشير بن يسار إذا كان بين القوم عداوة وشحناء كما كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود فوجد فيها القتيل ادعى أولياؤه عليهم وأما فقهاء الكوفة والبصرة وكثير من أهل المدينة فإنهم يبدئون في القسامة المدعى عليهم بالأيمان فإن حلفوا بروا عند بعضهم وعند أكثرهم يحلفون ويغرمون الدية اتباعا لعمر رضي الله عنه وهو سلفهم في ذلك
203 وذكر عبد الرزاق (1) قال أخبرنا بن جريج قال بن شهاب يقول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اليمين على المدعى عليهم إذا كانوا جماعة أو على المدعى عليه إذا كان واحدا وعلى أوليائه يحلف منهم خمسون رجلا إذا لم تكن بينة يؤخذ بها فإن نكل منهم رجل واحد ردت قسامتهم ووليها المدعون فيحلفون بمثل ذلك فإن حلف منهم خمسون استحقوا الدية وإن نقصت قسامتهم ورجع منهم واحد لم يعطوا الدية قال أبو عمر هذا خلاف ما تقدم عن بن شهاب أنه يوجب القود بالقسامة لأنه لم يوجب بها ها هنا إلا الدية وذكر عبد الرزاق (2) قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود بدءا بهم قال يحلفون لكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار أتحلفون فقالوا لا نحلف على الغيب فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم قال أبو عمر هذه حجة قاطعة للثوري وأبي حنيفة وسائر أهل الكوفة قال عبد الرزاق (3) أخبرنا بن جريج قال أخبرنا الفضل عن الحسن أنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ باليهود فأبوا أن يحلفوا فرد القسامة على الأنصار وجعل العقل على اليهود قال وأخبرني معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالأنصار وقال لهم احلفوا واستحقوا فأبوا أن يحلفوا فقال أيحلف لكم يهود ما يبالي اليهود أن يحلفوا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة من الإبل قال أبو عمر قد تقدمت أحاديث مسندة في هذا الباب بالقولين جميعا وذلك يغني عن إعادتها وذكر أبو بكر قال حدثني أبو معاوية وشبابة بن سوار عن بن أبي ذئب عن الزهري قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة أن اليمين على المدعى عليهم قال أبو عمر هذا خلاف ما تقدم من رواية بن إسحاق عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
204 قال أبو بكر وحدثني أبو معاوية ومعن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه كان يرى القسامة على المدعى عليهم قال وحدثني محمد بن بكر عن بن جريج قال أخبرني عبد الله بن عمر أنه سمع أصحابا لهم يحدثون أن عمر بن عبد العزيز بدأ المدعى عليهم باليمين ثم ضمنهم العقل قال وأخبرنا أبو معاوية عن مطيع عن فضيل بن عمرو عن بن عباس أنه قضى بالقسامة على المدعى عليهم قال أبو عمر السنة المجتمع عليها أن البينة على المدعى واليمين على من أنكر يروى من أخبار الآحاد عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قالا حدثني يحيى بن أبي بكر قال حدثني نافع بن عمر عن بن أبي مليكة قال كتبت إلى بن عباس في امرأتين أخرجت إحداهما يدها تشخب دما فقالت أصابتني هذه وأنكرت الأخرى قال فكتب إلى بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن اليمين على المدعى عليه وقال لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ادعها فاقرأ عليها " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمنهم ثمنا قليلا أولئك لا خلق لهم في الآخرة " [آل عمران 77] فقرأت عليها فاعترفت فبلغه ذلك فسره (1) وحدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا بن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه وحدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عبد الرحمن بن محمد بن قبطي أحد بني حارثة قال محمد بن إبراهيم وأيم الله ما كان سهل
205 بأكثر علما منه ولكنه كان أسن منه إنه قال ما كان الشأن هكذا ولكن سهلا أوهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار احلفوا على ما لا علم لكم به ولكنه كتب إلى يهود حين كلمته الأنصار أنه قد وجد قتيل بين أظهركم فدوه فكتبوا له يحلفون ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده قال أبو عمر ليس مثل هذا عند أهل العلم بشيء لأن شهادة العدل لا تدفع بالإنكار لها لأن الإنكار لها جهل بها وسهل قد شهد بما علم وحضر القصة وركدته منها ناقة حمراء قال مالك (1) وإنما فرق بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق أن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة من ا لناس وإنما يلتمس الخلوة قال فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة ولو عمل فيها كما يعمل في الحقوق هلكت الدماء واجترأ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يبدؤون بها فيها ليكف الناس عن الدم وليحذر القاتل أن يؤخذ في ذلك بقول المقتول قال أبو عمر السنة إذا ثبتت فهي عند جماعة العلماء عبادة يدنو العامل بها من رحمة ربه وينال المسلم بها درجة المؤمن المخلص والاعتلال لها ظن والظن لا يغني من الحق شيئا ألا ترى أن هذا الظن من مالك رحمه الله ليس بأصل عنده ولو كان أصلا عنده لقاس عليه أشباهه ويصدق الذي يدعي قطع الطريق على من زعم أنه سلبه وقتل وليه في طريق لأن قاطع الطريق يلتمس الخلوة وكذلك السارق يلتمس الخلوة ويستتر لما يفعله جهرة وليس يقول أحد من المسلمين أن مدعي السرقة أو القطع في الطريق يحلف على دعواه ويأخذ بيمينه ما ادعاه وقد أجمع علماء المسلمين أنه من سلب في الموضع الذي ليس فيه أحد أنه لا يصدق في دعواه على من ادعى عليه إلا أن أصحابنا يقولون إن المسلوبين إذا شهدوا على السالبين بعضهم لبعض قبلوا ولم يقبل أحد منهم لنفسه لما ادعى قال أبو عمر وكذلك لا يصدق على من ادعى عليه أنه سرق منه في الوضع الحالي
206 وقد يجترئ الناس على الأموال كما يجترئون على الدماء وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء وقوله إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يبدؤون فيها ليكف الناس عن الدماء فقد خالفه فيه من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل البينة على الأنصار واليمين على اليهود وقد تقدمت رواية من روى ذلك من الثقات العدول الأثبات وقد أنكر العلماء أيضا على مالك رحمه الله قوله إن القسامة لا تجب إلا بقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي لوث يشهدون له وإن كان لا يؤخذ بهم حق لأن المقتول ووليه لم يدع على أحد وقال دمي عند فلان ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يأتون بلوث قالوا فقد جعل مالك سنة ما ليس له مدخل في السنة وكذلك أنكروا عليه أيضا في هذا الباب قوله الأمر المجتمع عليه عندنا والذي سمعت ممن أرضاه واجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ المدعون في الأيمان في القسامة وأنها تجب إلا بأحد أمرين إما أن يقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة قال فكيف قال اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث وبن شهاب يروي عن سليمان بن يسار وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن رجال من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ اليهود بالأيمان وسليمان بن يسار وأبو سلمة أثبت وأجل من بشير بن يسار وهذا الحديث وإن لم يكن من روايته فمن رواية عن بن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للجهيني الذي ادعى دم وليه على رجل من بني سعد بن ليث كان أجرى فرسه فوطىء على أصبع الجهيني فنزى منها فمات فقال عمر للذي ادعى عليهم أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات فأبوا وتحرجوا فقال للمدعين احلفوا فأبوا فقضى بشطر الدية على السعديين (1) قالوا فأي أئمة اجتمعت على ما قال ولم يروا فيما قال في ذلك ولا في قول
207 المقتول دمي عند فلان [عن أحد من أئمة المدينة صاحب ولا تابع ولا أحد يعلم قوله مما يروى قوله وقد احتج أصحابنا لقوله دمي عند فلان] بقتل بني إسرائيل إذ أحياه الله (عز وجل) فقال قتلني فلان فقبل قوله وهذه غفلة شديدة أو شعوذة لأن الذي ذبحت البقرة من أجله وضرب ببعضها كانت فيه آية لا سبيل إليها اليوم فلا تصح إلا لنبي أو بحضرة نبي وقتيل بني إسرائيل لم يقسم عليه أحد بيمين واحدة ولا بخمسين ومالك لا يعطي أحدا بقوله دمي عند فلان شيئا دون قسامة خمسين يمينا وقد أجمع المسلمون أنه لا يعطى مدعي الدم شيئا دون قسامة] وأجمعوا أن شريعة المسلمين وسنتهم في الدماء والأموال لا يقضى فيها بالدعاوى المجردة وأجمع العلماء أن قول المقتول عند موته دمي عند فلان لو قال حينئذ ولي عليه مع هذا أو على غيره درهم فما فوقه لم يقبل قوله في الدرهم ولم يحلف على قوله أحد من ورثته فيستحقه فأي سنة في قول المقتول دمي عند فلان بل السنة المجتمع عليها بخلاف ذلك قال أبو عمر وقد أنكرت طائفة من العلماء الحكم بالقسامة ودفعوها جملة واحدة ولم يقضوا بشيء منها وممن أنكرها سالم بن عبد الله بن عمر وأبو قلابة الجرمي وعمر بن عبد العزيز ورواية عن قتادة وهو قول مسلم بن خالد الزنجي وفقهاء أهل مكة [وإليه ذهب بن علية] ذكر عبد الرزاق (1) عن معمر عن أيوب قال حدثني مولى لأبي قلابة قال دخل عمر بن عبد العزيز على أبي قلابة وهو مريض فقال ناشدتك بالله يا أبا قلابة لا تشمت بنا المنافقين فتحدثوا حتى ذكروا القسامة فقال أبو قلابة يا أمير المؤمنين هؤلاء أشراف أهل الشام ووجهم عندك أرأيت أن لو شهدوا أن فلانا سرق بأرض كذا وهم عندك أكنت قاطعه قال لا قال فلو شهدوا أنه قد شرب خمرا بأرض كذا وهم عندك ها هنا أكنت حاده بقولهم قال لا قال فما
208 بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أقدته قال فكتب عمر بن عبد العزيز في القسامة إن أقاموا شاهدي عدل أن فلانا قتله فأقده ولا تقبل شهادة واحد من الخمسين الذين أقسموا ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني إسماعيل بن علية عن حجاج بن أبي عثمان قال حدثني أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا عليه فقال ما تقولون في القسامة [فأضب القوم قالوا نقول القسامة] القود بها حق قد أقاد بها الخلفاء فقال ما تقول يا أبا قلابة وتفتي للناس فقلت يا أمير المؤمنين عندك أشراف العرب ورؤوس الأجناد أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه زنى ولم يروه أكنت ترجمه قال لا قلت أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن أنه سرق ولم يروه أكنت تقطعه قال لا قال وحدثني بن علية عن يحيى عن أبي إسحاق قال سمعت سالم بن عبد الله يقول وقد تيسر قوم من بني ليث ليحلفوا في القسامة فقال سالم يا آل عباد الله لقوم يحلفون على ما يروه ولم يحضروه ولم يشهدوه ولو كان لي أو إلي من الأمر شيء لعاقبتهم أو لنكلتهم أو لجعلتهم نكالا وما قبلت لهم شهادة قال أبو عمر أما الذين دفعوا القسامة جملة وأنكروها ولم يقولوا بها فإنما ردوها بآرائهم لخلافها للسنة بخلاف هذه السنة المجتمع عليها عندهم البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه المنكر والاعتراض بهذا على رد القسامة فاسد لأن الذي سن البينة على المدعي واليمين على المنكر في الأموال هو الذي خص هذا المعنى في القسامة وبينه لأمته صلى الله عليه وسلم وكانت القسامة في الجاهلية خمسين يمينا على الدماء فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة بخلاف الأموال التي سن فيها يمينا واحدة والأصول لا يرد بعضها ببعض ولا يقاس بعضها على بعض بل يوضع كل واحد منها موضعه كالعرايا والمزابنة وكالمساقاة وكالقراض مع الإجارات ومثل هذا كثير وعلى المسلمين التسليم في كل ما سن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق (1) عن معمر عن الزهري قال دعاني عمر بن عبد العزيز
209 فقال إني أريد أن أدع القسامة يأتي رجل من أرض كذا وآخر من أرض كذا فيحلفون فقلت له ليس لك ذلك قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وأنت إن تركتها أوشك رجل أن يقتل عند بابك فيطل دمه وإن للناس في القسامة حياة وقد قال مالك (1) في القوم يكون لهم العدد يتهمون بالدم فيرد ولاة المقتول الأيمان عليهم وهم نفر لهم عدد أنه يحلف كل إنسان منهم عن نفسه خمسين يمينا ولا تقطع الأيمان عليهم بقدر عددهم ولا يبرؤون دون أن يحلف كل إنسان عن نفسه خمسين يمينا قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر هذا هو الأصل في الدماء أنه لا يبرأ منها إلا بخمسين يمينا كما لا يستحق شيء منها عند من رأى أنها تستحق بها الدماء إلا بخمسين يمينا وقد ذكر مالك أن الذي وصفه هو عنده أحسن ما سمع وأما الشافعي والكوفيون فلا يحلف المدعى عليهم كلهم إلا خمسين يمينا كما يحلف المدعون وإن كان الكوفيون لا مدخل عندهم لليمين على المدعين وإنما عندهم أن أهل المحلة المدعى عليهم يحلفون ويغرمون بحديث بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود خيبر في قصة سهل بن عبد الله الأنصاري أن قتيلا وجد بين أظهركم فدوه ولقول الأنصاري في حديث أبي سلمة وسليمان بن يسار فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم ولحديث بن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة قوله إما أن تفدوا صاحبكم وإما أن تأذنوا [بحرب] ولقضاء عمر بن الخطاب بنحو ذلك إذ حلف الهمدانيين وأغرمهم الدية وقال الشافعي لا يحلف من المدعى عليهم إلا من قصد قصده بالدعوى فإن ادعوا على خمسين رجلا أنهم [قتلوه] وردوا عليهم الأيمان حلفوا عليهم خمسين يمينا كل واحد منهم يمينا واحدة وإن ادعوا على ستين رجلا [أنهم قتلوه فعلى كل رجل يمين وإن استحق غرم الدية عن الدم صغار وكبار وحضور وغيب حلف من حضر من الغيب خمسين يمينا وأخذ حصته من الدية فإذا كبر الصغير أو قدم الغائب حلف من الأيمان بقدر حصته وأخذ حصته من الدية ولا يحلف من المدعين إلا الورثة رجالا كانوا أو نساء فإن امتنع الغائب والصغير من اليمين حلف المدعى عليهم خمسين يمينا وبرؤوا فإن نكلوا غرموا
210 قال وإن ادعوا على خمسين رجلا أنهم قتلوه حلفوا خمسين يمينا كل واحد منهم وهو قول سائر العلماء ((2 - باب من تجوز قسامته في العمد من ولاة الدم)) 1627 قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو قال أبو عمر قد تقدم القول في من له العفو من ولاة الدم وأما من له القسامة في قتل العمد من الأولياء فإن الشافعي وكل من رأى أن القسامة لا يقاد بها فإنهم يقولون إن كل وارث للمقتول يقسم مع الأولياء ويرثون الدية ومن لا يرى أن يقسم الأولياء وإنما يقسم المدعى عليهم ويغرمون وهو مذهب الكوفيين وخلافهم أبعد ويحيى على قول أحمد في قياسه كقول مالك وهو قول داود وأهل الظاهر قال مالك (1) في الرجل يقتل عمدا أنه إذا قام عصبة المقتول أو مواليه فقالوا نحن نحلف ونستحق دم صاحبنا فذلك لهم قال مالك فإن أراد النساء أن يعفون عنه فليس ذلك لهن العصبة والموالي أولى بذلك منهن لأنهم هم الذين استحقوا الدم وحلفوا عليه قال أبو عمر هذه مسألة متعلقة بمسألة العفو وبالتي قبلها وقد تقدم القول فيها أن سائر العلماء يقولون إن كل وارث له العفو وهو ولي الدم والحجة لمالك أن العقل لما كان على العصبة دون من كان من الورثة كانوا أولى بالدم وبالعفو ممن لا يعقل لأن السنة المجتمع عليها وقضى بها عمر وعلي رضي الله عنهما وغيرهما أن المرأة ترث من دية زوجها وليس من
211 عاقلته فالقياس على هذا إن كان العقل لازما له كان وليا للدم وكان له العفو دون من ليس كذلك وحجة الشافعي والكوفيين أنها دية فكل من كان وارثا لها كان وليا لها وجاز له العفو عنه وعن نصيبه منها قال مالك (1) وإن عفت العصبة أو الموالي بعد أن يستحقوا الدم وأبى النساء وقلن لا ندع قاتل صاحبنا فهن أحق وأولى بذلك لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة إذا ثبت الدم ووجب القتل قال أبو عمر يمكن أن يحتج لقول مالك هذا بظاهر قول الله عز وجل " ولكم في القصاص حيوة " [البقرة 179] وفيه من الردع والزجر والتشديد ما فيه فكان القائم بذلك أولى ممن عفي عنه والله (عز وجل) أعلم وحجة سائر العلماء أن الولي له السلطان الذي جعله الله له في العفو والقود لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله بين خيرتين بين أن يعفو أو يقتص وإن شاء عفا على دية أو على غير دية وهذه مسألة قد أفردنا لها بابا وأوضحنا فيه معنى قول الله (عز وجل) * فمن عفى له من أخيه شيء " [البقرة 178] وذكرنا ما للعلماء من التنازع في ذلك والحمد لله كثيرا قال مالك (2) لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعدا تردد الأيمان عليهما حتى يحلفا خمسين يمينا ثم قد استحقا الدم وذلك الأمر عندنا قال أبو عمر ظاهر الحديث يشهد لقول مالك هذا لأنه قال لأخي المقتول عبد الرحمن بن سهل ولا بني عمه حويصة ومحيصة تحلفون وتستحقون ولم يقل للأخ وحده تحلف ومعلوم أن الأخ يحجب ابني عمه عن ميراث أخيه وهذا رد على الشافعي في قوله لا يحلف إلا الورثة من الرجال والنساء وإن كان واحدا حلف خمسين يمينا وحكم له بالدية وأما الكوفيين فلا يحلف عندهم المدعون على ما ذكرنا عنهم بما لا معنى لتكراره
212 قال مالك (1) وإذا ضرب النفر الرجل حتى يموت تحت أيديهم قتلوا به جميعا فإن هو مات بعد ضربهم كانت القسامة وإذا كانت القسامة لم تكن إلا على رجل واحد ولم يقتل غيره ولم نعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد قال أبو عمر هذا قول أحمد بن حنبل قال لا تكون القسامة إلا على رجل واحد وهو يرى القود بالقسامة كما يرى مالك وقال المغيرة المخزومي يقسم على الجماعة في العمد ويقتلون بالقسامة كما يقتلون بالشهادة القاطعة قال المغيرة وكذلك كان في الزمن الأول إلى زمن معاوية ولأشهب وسحنون في هذا المعنى ما قد ذكرنا في كتاب اختلافهم وأما الشافعي والكوفيون فلا قود عندهم في القسامة وإنما تستحق بها الدية ويقسم عند الشافعي على الواحد وعلى الجماعة وتستحق الدية على الواحد في ماله في العمد وعلى الجماعة في أموالهم وأما عند الكوفيين فيحلف أهل المحلة ويغرمون وقالوا في الشهادة على القتل إنهم إذا شهدوا أنه ضربه بسيف فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص وإن لم يقولوا مات منها وروى الربيع عن الشافعي مثل ذلك سواء وروى المزني عنه أنه لا يجعل قاتلا له حتى يقولوا إنه إذ ضربه نهر دمه ورأينا دمه سائلا وإلا لم يكن قاتلا ولا جارحا ولا يكلف الشافعي ولا الكوفيون الشهود أن يقولوا مات منها وأما القسامة فلا قسامة عندهم في غير ما شرطوه وذهبوا إليه على ما قد ذكرناه عنهم فيما مضى من هذا الكتاب ومالك والليث يقولان إذا شهد ولي أنه ضربه فبقي بعد الضرب مغمورا لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم ولم يفق حتى مات قتل به وإن أكل أو شرب وعاش ثم مات ففيه القسامة ويحلف المقسمون أنه مات من ذلك الضرب
213 ((3 باب القسامة في قتل الخطأ)) 1628 قال مالك القسامة في قتل الخطأ يقسم الذين يدعون الدم ويستحقونه بقسامتهم يحلفون خمسون يمينا تكون على قسم مواريثهم من الدية فإن كان في الإيمان كسور إذا قسمت بينهم نظر إلى الذي يكون عليه أكثر تلك الأيمان إذا قسمت فتجبر عليه تلك اليمين قال مالك فإن لم يكن للمقتول ورثة إلا النساء فإنهن يحلفن ويأخذن الدية فإن لم يكن له وارث إلا رجل واحد حلف خمسين يمينا وأخذ الدية وإنما يكون ذلك في قتل الخطأ ولا يكون في قتل العمد القول فيه عند كل من قال بتبدئة المدعين بالدم كقول مالك منهم الشافعي وأحمد إلا أن الشافعي قال تجبر اليمين المنكسرة على من سهمه قليل كما تجبر على صاحب السهم الكبير وعند مالك وبن القاسم تجبر على الذي تصيبه أكثر واتفقوا أن الدية تقسم بينهم على مواريثهم نساء كانوا أو رجالا وأن النساء يحلفن إن انفردن ويأخذن الدية على مواريثهن وقد اختلف أصحاب مالك إذا نكل المدعون لقتل الخطأ عن الأيمان هل ترد على المدعى عليهم أم لا على ما قد رسمناه عنهم في كتاب اختلافهم والله أعلم ((4 باب الميراث في القسامة)) 1629 قال مالك إذا قبل ولاة الدم الدية فهي موروثة على كتاب الله يرثها بنات الميت وأخواته قال أبو عمر ولا أعلم في هذا خلافا بين العلماء وهو إجماع من الصحابة والتابعين وسائر فقهاء المسلمين إلا طائفة من أهل الظاهر شذوا فجعلوا الدية للعصبة خاصة على ما كان يقوله عمر رضي الله تعالى عنه ثم انصرف عنه بما حدثه الضحاك بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي (1) من دية زوجها فقضى به عمر والخلفاء بعده وأفتى به العلماء أئمة الفتوى في الأمصار من غير خلاف إلا ممن لا يستحي من سبيل المؤمنين عصمنا الله عز وجل ووفقنا لما يرضاه
214 ولا يصح فيه عن علي رضي الله عنه ما رواه أهل الظاهر والصحيح عنه توريث الإخوة للأم من الدية وقول مالك في هذا الباب هو قول سائر العلماء الشافعي وغيره وكان لفظ الشافعي في كتابه لفظ مالك في ذلك وأما المعنى فسواء وكذلك سائر العلماء ((5 باب القسامة في العبيد)) 1630 قال مالك الأمر عندنا في العبيد أنه إذا أصيب العبد عمدا أو خطأ ثم جاء سيده بشاهد حلف مع شاهده يمينا واحدة ثم كان له قيمة عبده وليس في العبيد قسامة في عمد ولا خطأ ولم أسمع أحدا من أهل العلم قال ذلك قال مالك فإن قتل العبد عمدا أو خطأ لم يكن على سيد العبد المقتول قسامة ولا يمين ولا يستحق سيده ذلك إلا ببينة عادلة أو بشاهد فيحلف مع شاهده قال مالك وهذا أحسن ما سمعت قال أبو عمر هذا القول من مالك شهادة أنه قد سمع الخلاف في قسامة العبيد [وأنه قد استحسن ما وصف في ذلك واختصار اختلاف الفقهاء] في القسامة في العبيد أن الأوزاعي قال إذا وجد العبد قتيلا في دار قوم فعليهم غرم دمه ولا قسامة فيه وقال بن شبرمة ليس في العبد قسامة إذا وجد قتيلا في قبيلة وهو كالدابة وقال أبو حنيفة ومحمد إذا وجد العبد قتيلا في قبيلة ففيه القسامة وعليهم قيمته في ثلاث سنين ولا يبلغ بها الدية واختلف قول أبي يوسف فمرة قال في عبد وجد قتيلا في دار قوم هو هدر لا شيء فيه من قسامة ولا قيمة ومرة قال تعقله العاقلة بلا قسامة ومرة قال تعقله العاقلة بالقسامة وقال زفر على رب الدار التي يوجد فيها العبد قتيلا القسامة والقيمة وروى الربيع عن الشافعي قال لسيد العبد القسامة في العبد قال أبو عمر قد اتفقوا على وجوب الكفارة على قاتل العبد المؤمن خطأ
215 وأجمعوا على أن لا كفارة على من قتل شيئا من البهائم أو أتلف شيئا من الأموال فكان العبد كالحر في ذلك أشبه منه بالسلعة فينبغي أن تكون القسامة كذلك وقيمته كدية الحر وأما من لم ير فيه قسامة فلأنه قال سلعة من السلع يستحق بما تستحق الأموال من اليمين والشاهد عند من رأى ذلك وقد تقدم القول في جراحه وفيما يصاب به مما ينقصه وبالله تعالى التوفيق لا شريك له كمل كتاب القسامة بحمد الله وعونه
216 ((كتاب الجامع (1))) حدثني الشيخ الفقيه الإمام الحافظ فخر الأئمة جمال الحفاظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلفي الأصبهاني (رضي الله عنه) أصلا من لفظه قال كتب إلى أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الشاطبي من الأندلس قال أخبرنا أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ في كتابه من كتب الاستذكار قال ((كتاب الجامع)) من كتب الموطأ من الذي حدثني به أبو عثمان سعيد بن نصر قراءة منه علينا من أصل كتابه قال حدثني أبو محمد قاسم بن أصبغ ووهب بن مسرة قالا حدثني محمد بن وضاح قال حدثني يحيى بن يحيى عن مالك وحدثني أيضا أبو الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن التاهوتي والبزار قراءة مني عليه عن وهب بن مسرة وبن أبي دليم عن بن وضاح عن يحيى عن مالك وحدثني به أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد عن أبوي عمر أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن وأحمد بن سعيد بن حزم عن عبيد الله بن يحيى عن
217 يحيى عن مالك وعن وهب بن مسرة أيضا عن بن وضاح عن يحيى عن مالك ((1 - باب الدعاء للمدينة وأهلها)) 1631 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم ومدهم يعني أهل المدينة 1632 - مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك بمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر قال أبو عمر أما دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس بالبركة لأهل المدينة في مكيالهم وصاعهم ومدهم فالمعنى فيه - والله عز وجل أعلم - صرف الدعاء بالبركة إلى ما يكال بالمكيال والصاع والمد من كل ما يكال وهذا من فصيح كلام العرب وأن يسمى الشيء باسم ما قرب منه ولو لم تكن البركة في [كل] ما يكال وكانت في المكيال [لم تكن في ذلك منفعة ولا فائدة بل لو رفعت البركة من المكال فكانت في المكيال كانت] مصيبة وهذا محال في معنى الحديث وقد جل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو بما لا فائدة فيه وفيه دليل على أن الإنفاق بالكيل أفضل منه بغير الكيل وقد روي مرفوعا كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه والفائدة في حديث أنس الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة لأهل المدينة في طعامهم والندب إلى استعمال الكيل في كل ما يكال ويمكن فيه الكيل [ويوزن
218 وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة (1) وأما حديث أبي هريرة ففيه من المعاني اختصاص الرئيس في الخير والدين والعلم والسلطان بالهدية والطرفة رجاء دعائه بالبركة وبرا به وإكراما له وتبركا بدعوته وأما دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم [لأهل المدينة] فمجاب كله إن شاء الله عز وجل وإذا كانت الإجابة موجودة لغيره فما ظنك به صلى الله عليه وسلم وقد يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لنا يريد [نفسه] وأصحابه الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوه على دينه في زمانه وتدرك بركه تلك الدعوة في قوله اللهم بارك لنا كل من كان حيا مولودا في مدته وكل من آمن به واتبعه من ساكني المدينة إن شاء الله (عز وجل) ومعلوم أنه لم يرد بدعائه طعام المنافقين ولم يدخله في دعوته تلك لأنه لم يقصدهم بذلك وقد ظن قوم أن هذا الحديث يدل على أن المدينة أفضل من مكة بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بمثل ما دعا به إبراهيم لمكة ومثله معه وليس كما ظنوا لأن دعاء إبراهيم لمكة لم تعرف فضيلة مكة به وحده بل كان فضلها قبل أن يدعو لها ودعاء إبراهيم - عليه السلام - قد علمناه بما نطق به القرآن في قوله عز وجل * (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر) * الآية [البقرة 126] وقد كانت مكة حرما آمنا بدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى حرم مكة [ولم يحرمها الناس (2) وقوله عليه السلام إن الله تعالى حرم مكة] يوم خلق السماوات والأرض (3) وأجمع المسلمون على القول بأن مكة حرم الله وقالوا في المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم
219 وقد دعا إبراهيم لمكة بنحو دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني الحسن بن إسماعيل قال حدثني عبد الملك بن بحر قال حدثني [محمد بن إسماعيل] قال حدثني سنيد قال حدثني إسماعيل بن علية عن أيوب عن سعيد بن جبير عن بن عباس في الحديث الطويل حين نزل إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر [مكة] ثم رجع إلى الشام ثم عاد إليها بعد مدة وقد ماتت أم إسماعيل [وتزوج إسماعيل] في جرهم فوجد امرأته في المرة الثانية ولم يجد إسماعيل فسألها عنه فقالت مر إلى الصيد فقال وما طعامكم قالت اللحم والماء فقال اللهم بارك لهم في لحمهم ومائهم قالها ثلاثا (1) وحدثني محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني إسحاق بن أبي حسان قال حدثني هشام بن عمار قال حدثني [حاتم بن] إسماعيل قال حدثني حميد عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله عز وجل " رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرت من آمن منهم بالله واليوم الأخر " [البقرة 126] قال كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون غيرهم فقال الله عز وجل * (ومن كفر) * أيضا فإني أرزقه كما أرزق المؤمنين أأخلق خلقا لا أرزقهم أمتعهم قليلا ثم اضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير ثم قرأ بن عباس * (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) * [الإسراء 20] ذكر الفريابي قال حدثني قيس بن الربيع عن خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد في قوله عز وجل " وارزق أهله من الثمرت " قالا سأل الرزق لمن آمن [قال أبو عمر] ولو كان الدعاء للمدينة بالبركة دليلا على فضلها على مكة لكانت الشام واليمن أفضل من مكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالبركة لأهلها ولم يذكر في ذلك الحديث مكة وهذا لا يقوله مسلم أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني حسين بن الحسن عن بن عوف عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره البخاري قال حدثني علي بن المديني قال حدثني أزهر بن سعد
220 السمان عن بن عون عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم [لم يرفعه في كتاب البخاري] أنه قال اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان (1) لفظ البخاري وليس في حديث بن المثنى فأظنه قال في الثالثة فقال في نجدنا قال هنالك الزلازل الخ] [قال أبو عمر] وفي هذا [الحديث] علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لإخباره عن الشام وهي يومئذ دار كفر وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل هذا حديث بن عمر في المواقيت وقت لأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ومما يدل على فضل مكة على غيرها قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس (2) فذكر منها حج البيت الحرام وقال صلى الله عليه وسلم الإلحاد فيه من الكبائر (3) وجعل الله الكعبة البيت الحرام قبلة للمسلمين في صلاتهم وقال صلى الله عليه وسلم قبلتكم أحياء وأمواتا (4) ورضي الله عز وجل من عباده بحط أوزارهم بأن يقصد القاصد البيت الحرام حاجا مرة في دهره وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن
221 حمدان قال حدثني [عبد الله بن] أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن الخيار الزهري أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول والله إنك لخير أرض الله (عز وجل) وأحب أرض الله (عز وجل) إلى الله (عز وجل) ولولا أني أخرجت منك ما خرجت (1) وهكذا رواه صالح بن كيسان ويونس بن يزيد وعقيل بن خالد وعبد الرحمن بن خالد بن يزيد وعقيل بن خالد وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلهم عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عدي بن الخيار سمع النبي صلى الله عليه وسلم مثله وهو حديث لا يختلف أهل العلم [بالحديث] في صحته وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حين خروجه من مكة إلى المدينة اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلى فأسكني أحب البلاد إليك وهو حديث موضوع منكر لا يختلف أهل العلم في نكارته وضعفه وأنه موضوع وينسبون وضعه إلى محمد بن الحسن بن زبالة المدني وحملوا عليه فيه وتركوه وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن مسرور قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال حدثني مالك بن أنس أن آدم لما أهبط إلى الأرض [بالهند] قال يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال بل مكة فسار آدم حتى أتى مكة فوجد عندها ملائكة يطوفون بالبيت ويعبدون الله (عز وجل) فقالوا مرحبا يا آدم يا أبا البشر إنا ننتظرك ها هنا منذ ألفي سنة فهذه حكاية مالك - رحمه الله - وقوله وخبره عن مكة وفي حديث هذا الباب من الآداب وجميل الأخلاق وإعطاء الصغير من الولدان التحفة والطرفة وما يسر به ويعجبه وينفعه وأنه أولى بذلك من الكبير لقلة صبره وشدة فرحه باليسير منه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الأطفال ويلاطفهم ويعجبه أن يسرهم وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة
222 حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أو قلابة قال حدثني أبو ربيعة قال حدثني جرير بن حازم عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بالباكورة دفعها إلى أصغر من يحضره من الولدان (1) أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثني محمد بن بشار بندار قال حدثني سعيد بن عامر قال حدثني شعبة عن قتادة عن أنس قال إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاطفنا حتى أن كان ليقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير (2)) 1 (2 - باب ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها)) 1633 - مالك عن قطن بن وهب بن عمير بن الأجدع أن يحنس مولى الزبير بن العوام أخبره أنه كان جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة فأتته مولاة له تسلم عليه فقالت إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن اشتد علينا الزمان فقال لها عبد الله بن عمر اقعدي لكع (3) فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصبر على لأوائها (4) وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة قال أبو عمر إنما شكت مولاة بن عمر إليه حالها في معيشتها وعرضت له بالمسألة رجاء رفده فكره أن يفتخر عند جلسائه بالقيام بها فذكر لها عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره وفهمت عنه فقعدت والله تعالى أعلم وقوله (عليه السلام) لا يصبر على لأوائها وشدتها الحديث خرج على فقراء المهاجرين الذين كانوا يلزمون رسول الله صلى الله عليه وسلم على شبع بطونهم وعلى أقل من
223 الشبع ومعلوم أن من أقام معه عليه السلام - حتى يظهر أمر الله (عز وجل) جدير بأن ينال شفاعته وشهادته له يوم القيامة بمؤازرته والرضا بالدون من العيش لصحبته وللمدينة بهذا الحديث وما كان مثله فضل عظيم ولا خلاف بين علماء الأمة في فضلها وأنها أفضل بقاع الأرض إلا مكة فإنهم اختلفوا في الأفضل منهما على ما ذكرناه في باب الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الصلاة فلا وجه لإعادته 1634 - مالك عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك (1) بالمدينة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أقلني بيعتي (2) فأبى فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما المدينة كالكير (3) تنفي خبثها (4) وينصع (5) طيبها (6) قال أبو عمر [هذا الأعرابي] كانت لبيعته رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام والهجرة لوطنه والمقام معه وهذا نوع من البيعات التي كان يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس وقد ذكرنا وجوهها وشواهدها في التمهيد في باب محمد بن المنكدر وكان على الناس في ذلك الوقت فرضا إذا أسلموا أن ينتقلوا إلى المدينة إذ لم يكن للإسلام في ذلك الوقت دار غيرها ويقيم معهم لصرفهم فيما يحتاج إليه من غزو الكفار وحفظ المدينة ممن أرادها منهم ولإرسال من احتاج إلى إرساله في الدعاء إلى الإسلام وغير ذلك مما هو معلوم من سيرته صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله (عز وجل) عليه مكة وكان بقاء من بقي في دار الكفر مسلما حراما عليه إذا قدر على الهجرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا بريء من كل مسلم مقيم في دار الشرك
224 وكذلك كان عليهم حراما رجوعهم من هجرتهم إلى أعرابيتهم ألا ترى إلى حديث بن مسعود قال آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه إذا علموا به والواشمة والمستوشمة للحسن ولاوي الصدقة والمرتد أعرابيا بعد هجرته ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم (1) وهذا الأعرابي كان ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المقام بالمدينة فلما لحقه من الوعك أراد الخروج عنها إلى وطنه ولم يكن - والله أعلم - ممن رسخ الإيمان في قلبه بل كان من الأعراب الذين قال الله (عز وجل) أنهم أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله وأما قوله عليه السلام [إن المدينة كالكير تنفي خبثها] فلا خبث أكثر دناءة ممن رغب بنفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحبته] وأما قوله عليه السلام وينصع طيبها فالناصع السالم الخالص الباقي على النار والنقي [الطيب من] الحديد قال النابغة الذبياني (أتاك بقول هلهل النسخ كاذب * ولم يأت بالحق الذي هو ناصع (2)) وقد ذكرنا في التمهيد حديث مجاشع بن مسعود قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم [لأبايعه على الهجرة فقال عليه السلام قد مضت الهجرة لأهلها ولكن على الإسلام والجهاد والخير (3) وحديث يعلى بن أمية قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم] بأبي يوم الفتح فقلت يا
225 رسول الله بايع أبي على الهجرة فقال أبايعه على الجهاد وقد انقطعت الهجرة (1) وقال عليه السلام لا هجرة بعد الفتح وإنما هو جهاد ونية 1635 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أمرت بقرية (2) تأكل القرى (3) يقولون يثرب (4) وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد قال أبو عمر قوله عليه السلام أمرت بقرية تأكل القرى يريد أنه أمر بالهجرة إلى قرية يفتح الله (عز وجل) عليه منها القرى الكثيرة وكذلك فتح الله (تعالى) برحمته عليه وعلى أصحابه [من المدينة] وكان اسمها يثرب فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأما قوله (تنفي الناس) فكلام عموم معناه الخصوص لأنها لم تنف من الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حياته إلا من لا إيمان له ولا خير فيه ممن رغب بنفسه عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته وصحبته والدليل على أن ذلك كلام خرج على صحبته والمقام معه في حياته خروج الجلة من الصحابة عن المدينة بعد موته إلى العراق والشام وسائر بلدان الإسلام يعلمون الناس الدين والقرآن فكم منهم سكن حمص ودمشق وسائر ديار الشام وكم منهم سكن الكوفة والبصرة وغيرها وسائر ديار العراق وما وراءها ولم يختط من اختط الكوفة والبصرة وغيرها منهم إلا بإذن عمر بن الخطاب وسائر الصحابة رضي الله عنهم
226 1636 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه قال أبو عمر هذا الحديث قد وصله معن بن عيسى عن مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقد روي أيضا مسندا من حديث أبي هريرة ومن حديث جابر وقد ذكرنا ذلك في التمهيد وهذا عندنا على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله كان يعوض رسوله أبدا خيرا ممن يرغب عنه وأما بعد وفاته فقد خرج منها من لم يعوضها الله خيرا منه من أصحابه رضي الله عنهم وروى شعبة قال حدثني يحيى بن هانئ بن عروة المرادي قال سمعت نعيم بن دجاجة قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لا هجرة إلينا بعد النبي صلى الله عليه وسلم 1637 مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون قال أبو عمر هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ومن الغيب الذي أخبر به قبل وقوعه فكان كما قال عليه السلام فتحت بعده تلك البلدان وتحمل إليها كثير من ساكني المدينة [ممن كان] معه في حياته صلى الله عليه وسلم وأما قوله عليه السلام يبسون فيروى بفتح الياء [وكسر الباء] وضمها أيضا وهذه رواية بن القاسم وبن بكير ويحيى من رواة الموطأ وقال بن القاسم عن مالك يبسون يدعون
227 وقال بن بكير معناه يسيرون من قوله عز وجل * (وبست الجبال بسا) * [الواقعة 5] ورواه بن وهب يبسون بضم الياء من الرباعي وفسره فقال يزينون لهم [الخروج وكذلك رواه بن حبيب عن مطرف وفسره بنحو ذلك فقال يزينون لهم] البلد الذي جاؤوا منه ويحببونه إليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليه من المدينة وذلك مأخوذ من إلباس الحلوبة عند حلابها كي تدر باللبن وهو أن يجر يده على وجهها وصفحة عنقها أنه يزين ذلك عندها قال أبو عمر وأما قوله والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون فالخير ها هنا من طريق الفضل لأن سكنى المدينة للصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي الصلاة فيه خير من الصلاة فيما سواه من المساجد وأفضل بألف درجة إلا المسجد الحرام ولم يذكر في حديث سفيان بن أبي زهير هذا مكة وقد علم أنها ستفتح عليه كما تفتح الشام والعراق واليمن بعده لأن مكة ليست كغيرها لأن الهجرة على أهلها خاصة فرضا أن لا ينصرف أحد من مهاجريها إليها أبدا ولا يستوطنها ولا ينزلها إلا حاجا أو معتمرا وعلى ذلك انعقدت البيعة للأنصار إلا أن من لم يسلم من أهلها إلا يوم الفتح أو بعده ليس ممن وصفنا حكمه وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد 1638 مالك عن بن حماس عن عمه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغذي (1) على بعض سواري المسجد أو على المنبر فقالوا يا رسول الله فلمن تكون الثمار ذلك الزمان قال للعوافي (2) الطير والسباع قال أبو عمر اختلف عن مالك في اسم بن حماس هذا فقيل يوسف بن يونس وقيل يونس بن يوسف وقيل إن يونس بن يوسف غير بن حماس هذا والله أعلم
228 وقد روى هذا الحديث جماعة عن مالك عن بن حماس هكذا غير منسوب ولا مسمى كما روى يحيى وقد ذكرنا من روى عن مالك كل ذلك من أصحابه رواة الموطأ في التمهيد وليس هذا الإسناد عندهم بالبين ولم يحتج به مالك في حكم دم ولا فرج ولا مال وذكر أنه كان فاضلا عابدا مجاب الدعوة وفي حديث هذا الباب إخبار عن غيب يكون فكان كما قال صلى الله عليه وسلم ومعنى يغذي أي يبول وقوله أو على المنبر شك من المحدث وأما قوله العوافي وتفسيره له بالطير والسباع فكان كما قال عند أهل العلم بلسان العرب ويشهد لذلك حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يحيي أرضا فتصيب منها عافية أو يشرب منها كبد إلا كتب الله (عز وجل) له بذلك أجرا (1) والعافية واحد العوافي والعافي الطالب للحاجة وجمعه عوافي وعفاة قال الأعشي (يطوف العفاة بأبوابه * كطواف النصارى ببيت الوثن) (2) وقال إعرابي لخالد بن عبد الله بن يزيد القسري أيضا (أخالد أني لم أزرك لحاجة * سوى أنني عاف وأنت جواد) (أخالد بين الأجر [والحمد] حاجتي * فأيهما تأتي فأنت عماد) وقد ذكرنا في التمهيد حديثين حسنيين من حديث أبي ذر وحديث أبي هريرة في معنى حديث بن حماس هذا والحمد لله كثيرا 1639 - مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة التفت إليها فبكى ثم قال يا مزاحم أتخشى أن نكون ممن نفت المدينة قال أبو عمر هذا إشفاق منه رضي الله عنه وقد خرج الفضلاء الجلة من
229 المدينة ولم يخافوا ما خافه عمر رضي الله عنه وما الخوف [والإشفاق] والتوبيخ للنفس إلا زيادة في [صلاح] العمل وليس في قول عمر هذا حجة على من ذهب إلى ما قلنا وتأولناه في أحاديث هذا الباب والله (عز وجل) الموفق للصواب وذكر أهل السير أن خروج عمر مع مزاحم مولاه [من المدينة] كان في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وذلك أن الحجاج كتب إلى الوليد أن عمر بن عبد العزيز بالمدينة كهف لأهل النفاق والعداوة والبغضاء لأمير المؤمنين فجاوبه الوليد إني أعزله فعزله وولى عثمان بن حيان المري وذلك في شهر رمضان المذكور فلما صار عمر بالسويداء قال لمزاحم يا مزاحم أخاف أن نكون ممن نفت المدينة وقال ميمون بن مهران ما رأيت ثلاثة مجتمعين خيرا من عمر بن عبد العزيز وابنه عبد الملك ومولاه مزاحم والله الموفق للصواب ((3 - باب ما جاء في تحريم المدينة)) 1640 - ملك عن عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وأنا أحرم ما بين لابتيها (1) هكذا روى مالك [هذا الحديث مختصرا] ورواه إسماعيل بن جعفر فذكر فيه معاني ولم يذكرها مالك ذكره سنيد قال حدثني إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمر ومولى المطلب بن حنطب أنه سمع أنس بن مالك] يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل فكنت اسمعه يكثر أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال فلم أزل أخدمه [حتى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفية بنت حيي قد جاؤوا بها وأردفها خلفه وراءه على كسائها حتى إذا كنا بالصهباء صنع حيسا في نطع ثم أرسلني فدعوت رجالا
230 فأكلوا وكان ذلك بناؤه بها ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال هذا جبل يحبنا ونحبه فلما أشرف على المدينة قال اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في صاعهم ومدهم (1) قال أبو عمر أما قوله صلى الله عليه وسلم في أحد جبل يحبنا ونحبه فأكثر العلماء يحملونه على المجاز والمعنى عندهم في ذلك كالمعنى في قول الله تعالى " وسئل القرية " [يوسف 82] يعني واسأل أهل القرية فكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد هذا جبل يحبنا ونحبه يعني الأنصار الساكنين قربة وكانوا يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبهم لأنهم آووه ونصروه وأعانوه على إقامة دينه صلى الله عليه وسلم وقد قيل في المجاز أيضا وجه آخر وذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم يفرح بأحد إذا طلع له استبشارا بالمدينة ومن فيها من أهله وذريته ويحب النظر إليهم ويبتهج للأوبة من سفره والنزول على أهله وأحبته وقوله يحبنا أي لو كان ممن يصح منه الحب لأحبنا كما نحبه وقد زدنا هذا المعنى بيانا بشواهد في التمهيد وقد قيل إن محبته حقيقية كما يسبح كل شيء حقيقة ولكن لا يفهم ذلك الناس وغير نكير أن يصنع الله محبة رسوله في الجماد وفيما لا يعقل كعقل الآدميين كما وضع الله خشيته في الحجارة فأخبر في محكم كتابه بأن منها ما يهبط من خشية الله وكما وضع في الجذع محبة النبي صلى الله عليه وسلم حتى حن إليه حنين الناقة لولدها رواه أنس وجابر وغيره وقد ذكرناه من طرق في غير هذا الموضع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما صنع له المنبر وخطب عليه حن الجذع حنين الناقة إليه فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فسكن
231 ومثل هذا كثير قال الله عز وجل " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [الإسراء 44] وأما قوله إن إبراهيم حرم فقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وحديث جابر وحديث رافع بن خديج وحديث سعد بن أبي وقاص كما روي من حديث أنس وقد ذكرناها بالأسانيد في التمهيد وروى بن عباس وأبو شريح الكعبي الخزاعي وأبو هريرة أن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني وهب بن جرير قال حدثني أبي قال سمعت يونس بن يزيد عن الزهري عن مسلم بن يزيد أحد بني سعد بن بكر أنه سمع أبا شريح بن عمرو الخزاعي ثم الكعبي يقول فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن الله حرم مكة لم يحرمها الناس وإنما أحلها لي ساعة من النهار أمس وأنها اليوم حرام كما حرمها أول مرة (1) وحدثني عبد الوارث [قال حدثني قاسم] قال حدثني أحمد [بن زهير] قال حدثني أبي قال حدثني جرير عن منصور عن مجاهد [عن طاوس [عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاءه فقال العباس إلا الإذخر فإنه لقبورهم وبيوتهم فقال إلا الإذخر (2) قال أبو عمر [هذا هو الصحيح والحقيقة لا المجاز ويشهد لذلك قول الله عز وجل * (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) * [النمل 91] وقد روي أنه حرمها على لسان إبراهيم وليس بالقوي وقال] حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير
232 قال حدثني مصعب بن عبد الله قال حدثني عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء بن عبد الرحمن عن مسلم بن السائب عن عبد الرحمن مولى [فكيهة] قال قال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن إبراهيم خليلك ونبيك وإنك حرمت مكة على لسان إبراهيم وأما قوله وإني أحرم ما بين لابتيها يعني المدينة فقد رواه أبو هريرة 1641 مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يقول لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع (1) ما ذعرتها (2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها حرام قال أبو عمر اللابتان هما الحرتان واللابة الحرة وهي الأرض التي ألبست الحجار السود الجرد وجمع اللابة لا بات ولوب وكذلك فسره بن وهب وغيره قال بن وهب وهو قول مالك وقال بن وهب وهذا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إنما هو في قتل الصيد قيل له فما حرم منها في قطع الشجر قال حد ذلك بريد في بريد بلغني ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقال بن نافع اللابتان إحداهما التي ينزل فيها الحاج إذا رجعوا من مكة وهي بغربي المدينة [والأخرى مما يليها من شرقي المدينة قال وما بين هاتين الحرتين حرام أن يصاد فيها وحش أو طير قال بن نافع وحرة أخرى مما يلي قبلة المدينة وحرة رابعة مما يلي دبر المدينة فما بين هذه الحرار في الدور كلها حرام أن يصاد فيها ومن فعل ذلك أثم ولم يكن عليه جزاء فيما صاد قال أبو عمر أجمع الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار وأتباعهم أن لا جزاء في صيد المدينة وشذت فرقة فقالت فيه الجزاء لأنه حرم نبي قياسا على مكة لأنها حرم إبراهيم عليه السلام
233 واتفق مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد بن حنبل وجمهور أهل العلم أن الصيد في حرم المدينة لا يجوز وعلى ذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 1642 ذكر مالك عن يونس بن يوسف عن عطاء بن يسار عن أبي أيوب الأنصاري أنه وجد غلمانا قد ألجؤوا ثعلبا إلى زاوية فطردهم عنه قال مالك لا أعلم إلا أنه قال أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا 1643 مالك عن رجل قال دخل علي زيد بن ثابت وأنا بالأسواق قد اصطدت نهسا فأخذه من يدي فأرسله قال أبو عمر الأسواف موضع بناحية البقيع من المدينة وهو موضع صدقة زيد بن ثابت وماله والنهس طائر يقال إنه الصرد وقيل إنه يشبه الصرد [وليس بالصرد] وهو أصغر من الصرد مثل القطامي والباشق وقيل أنه اليمام والله أعلم ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني إسماعيل بن أويس قال حدثني أبي عن شرحبيل بن سعد أنه خرج هو وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت بحبالتين لهما إلى الأسواف صدقة زيد بن ثابت قال ونحن غلمان فصاد عبد الرحمن طائرا قال له النهس فشكله قال فدق زيد بن ثابت باب الحائط فناولني عبد الرحمن النهس فدخل زيد بن ثابت فرأى معي النهس فقال أصدتم هذا فقلت نعم فقال ناولنيها فنناولته إياه فحل شكاله وسوى ريشه ثم أرسله ثم تناول يدي فصك قفاي ثم قال يا خبيث أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصاد بين لابتي المدينة [قال أبو عمر] والرجل الذي لم يسمه مالك في حديث زيد بن ثابت يقولون هو شرحبيل بن سعد كان مالك لا يرضاه فلم يسمه والحديث محفوظ لشرحبيل بن سعد من وجوه ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني نصر بن علي قال أخبرنا الأصمعي قال أخبرنا مالك عن رجل قال أصبت نهسا بالأسواف فأخذه زيد بن ثابت فأرسله
234 قال الأصمعي فحدثت به نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم فقال ذلك شرحبيل [بن سعد] أنا سمعته منه قال إسماعيل وحدثني مسدد قال حدثني حماد بن زيد عن عبد الله بن عمر عن شرحبيل بن سعد قال أصبت طائرا بالمدينة فرأني زيد بن ثابت فانتزعه مني فأرسله قال إسماعيل وحدثني علي بن المديني قال] حدثني سفيان عن زياد بن سعد الخرساني قال سمعت شرحبيل بن سعد يقول أتانا زيد بن ثابت ونحن غلمان نلعب في حائط له ومعنا فخاخ ننصب بها فصاح بنا وطردنا وقال ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم صيدها يعني المدينة قال [إسماعيل] وحدثني إبراهيم بن عبد الله الهروي قال حدثني بن أبي الزناد عن شرحبيل بن سعد أن زيد بن ثابت وجده قد اصطاد طائرا يقال له نهس في الأسواف قال فأخذه مني فأرسله وضربني وقال يا عدو الله أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها يعني المدينة قال إسماعيل قال مالك تحريم الصيد ما بين لابتي المدينة وتحريم الشجر بريد في بريد ومن غير رواية مالك في تحريم المدينة روى سليمان بن بلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة وأنه حرم شجرها أن يعضد قالت زينب فكان أبو سعيد يضرب بنيه إذا صادوا فيها ويرسل الصيد وروى سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من وجدتموه يصيد في حدود المدينة أو يقطع من شجرها فخذوا سلبه (1) وأخذ سعد سلب من فعل ذلك قال أبو عمر هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فهموا معنى تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة واستعملوا ذلك وأمروا به فأين المذهب عنهم بل الرشد كله في اتباعهم واتباع السنة التي نقلوها وفهموها وعملوا بها وقال مالك لا يقتل الجراد في حرم المدينة وكان يكره ما قتل الحلال من صيد المدينة
235 وقال أبو حنيفة وأصحابه صيد المدينة غير محرم وكذلك قطع شجرها واحتج الطحاوي لهم بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل دارهم فقال يا أبا عمير ما فعل النغير (1) وأبو عمير أخ صغير لأنس وكان له نغر يلعب به وهذا لا حجة فيه لأنه يمكن أن يكون النعر صيد في غير حرم المدينة واحتج أيضا بحديث يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن عائشة قالت كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم ربض ولم يتزمزم كراهية أن يؤذيه (2) وهذا الحديث أيضا معناه معنى حديث أبي عمر في النغير وأما حجة من احتج لسقوط التحريم لصيد المدينة بسقوط الجزاء في صيدها ففاسدة لأن الجزاء فيما ذكره العلماء لم يكن في صيد مكة إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ولم يكن على من كان من قبلنا جزاء في صيد مكة ونزعوا بقول الله تعالى " يا أيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد " [المائدة 94] وقوله و * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا) * [المادة 95] ((4 باب ما جاء في وباء المدينة)) 1644 مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك (3) أبو بكر وبلال قالت فدخلت عليهما فقلت يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك قالت فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول (كل امرءء مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله
236 وكان بلال إذا أقلع عنه (1) يرفع عقيرته (2) فيقول (ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي إذخر (3) وجليل (4)) (وهل أردن يوما مياه مجنة (5 * وهل يبدون لي شامة وطفيل (6) (7)) قالت عائشة فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة 1645 مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت وكان عامر بن فهيرة يقول (قد رأيت الموت قبل ذوقه * إن الجبان حتفه من فوقه (8)) هكذا ذكر مالك قول عامر بن فهيرة عن يحيى بن سعيد أن عائشة لم يختلف الرواة عنه في ذلك ولم يذكره في إسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة [وقد جوده مالك والله أعلم
237 ورواه سفيان بن عيينة ومحمد بن إسحاق وسعيد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة] وفيه قول أبي بكر وقول بلال وقول عامر بن فهيرة وزاد بن عيينة وبن إسحاق في رجز عامر بن فهيرة (الثور يحمي جلده بروقه (1 *) وذكروا أن الداخل عليهم والسائل لهم عن أحوالهم والقائل لكل واحد منهم كيف تجدك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عائشة ورواه سعيد بن عبد الرحمن عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها قالت فدخلت عليهم تعني أبا بكر [أباها] وبلالا وعامر بن فهيرة في بيت فقلت يا أبت كيف تجدك يا بلال كيف تجدك يا عامر كيف تجدك كما قال مالك إلا ما زاد من ذكر عامر بن فهيرة في هذا الإسناد وقد ذكرنا أحاديثهم بأسانيدها وسياقة متونها في التمهيد وذكرنا بلالا وعامر بن فهيرة بما يجب وينبغي من ذكرهما في كتاب الصحابة وأما قوله إذخر وجليل فهما نبتان من الكلأ يكونان بمكة وأوديتها لا يكادا يوجدان بغيرها وشامة وطفيل جبلان بينهما وبين مكة نحو ثلاثين ميلا وقال بن عيينة وبن إسحاق في البيت الأول من بيتي بلال في هذا الحديث (ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بفخ وحولي إذخر وجليل) بفخ مكان بواد وقال الفاكهي في كتابه [أخبار مكة] فخ الوادي الذي بأصل الثنية البيضاء إلى بلدح قال أبو عمر هو قرب ذي طوى وقد قيل إنه وادي عرفان والأول أكثر وهو الذي عنى الشاعر النميري في قوله
238 (مررن بفخ رائحات عشية * يلبين للرحمن معتمرات (1)) وقال آخر (ماذا بفخ من الإشراق والطيب * ومن حوار تقيات رعابيب) وقال بن عيينة في روايته لهذا الحديث عن هشام بإسناده وانقل حماها إلى خم أو الجحفة شك في ذلك وخم موضع قريب من الجحفة وفيه غدير يقال له غدير خم وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لعلي] من كنت مولاه فهذا علي مولاه (2) وقال بن إسحاق في روايته لهذا الحديث بإسناده المذكور وانقل حماها إلى مهيعة ومهيعة في الجحفة وفي هذا الحديث بيان ما هو متعارف حتى الآن من تنكير البلدان على من لم يعرف هواء البلد ولم يشرب قبل من مائه وحدثني أبو عبد الله محمد بن عبد الملك قال حدثني [أبو سعيد] بن الأعرابي قال حدثني الزعفراني قال حدثني شبابه قال حدثني [إسرائيل عن] أبي إسحاق عن حارثة عن علي رضي الله عنه قال لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحيز عن بدر وذكر تمام الخبر وفيه بيان ما عليه أكثر الناس من حنينهم إلى أوطانهم وتلهفهم على فراق بلدانهم التي كان مولدهم بها ومنشأهم فيها قال بن ميادة واسمه الرماح (ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بحرة ليلى حيث ربتني أهلي (3)) (بلاد بها نيطت علي تمائمي * وقطعن عني حين أدركني عقلي) وقد يروى (هل أبيتن ليلة بوادي الخزاما * حيث ربتني أهلي
239 وقال آخر (أحب بلاد الله ما بين منيح * إلي وسلمى أن تصوب سحابها) (بلاد بها [حل] الشباب تمائمي * وأول أرض مس جلدي ترابها) وفيه عيادة الجلة الأشراف [السادة] لعبيدهم ومواليهم وإخواهم وذلك تواضع منهم وكان بلال وعامر بن فهيرة عبدين لأبي بكر (رضي الله عنه) أعتقهما وفيه تمثل الصالحين والعلماء والفضلاء بالشعر وفي ذلك دليل على جواز إنشاد الشعر الرقيق الذي ليس خنى فيه ولا فحش وفيه رفع العيقرة بالشعر ورفع العقيرة هو الغناء الذي يسمونه غناء الركبان وغناء النصب والحداء وما أشبه ذلك والعقيرة صوت الإنشاد قاله صاحب العين روى بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة [عن أبيه] أنه أخبره أنه سمع عبد الله بن الأرقم رافعا عقيرته يتغنى قال عبد الله بن عتبة لا والله ما رأيت رجلا كان أخشى لله من عبد الله بن الأرقم وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال عمر رضي الله عنه نعم زاد الراكب الغناء نصبا وروى بن وهب عن أسامة وعبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيهما زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال الغناء من زاد المسافر أو قال من زاد الراكب وروى بن شهاب عن عمر بن عبد العزيز أن محمد بن نوفل أخبره أنه رأى أسامة بن زيد بن حارثة واضعا إحدى رجليه [على الأخرى] يتغنى النصب وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى قال حدثني رؤبة بن العجاج عن أبيه قال أنشدت أبا هريرة (طاف الخيالان فهاجا تغنيا * خيال خيال تكنى تكتما
240 (قامت تريك خشية أن تصرما * ساقا بخنداه وكعبا أضرما (1)) (وكفلا مثل النقا أو أعظما *) فقال أبو هريرة قد كنا ننشد مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعاب علينا قال أبو عمر وقد أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدته اللامية أولها (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * 2)) وفيها من التشبيب والمدح ضروب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الشعر ويستحسن الحسن منه وقال عليه السلام إن من الشعر حكمة (3) وروي أن عمر بن الخطاب أتى عبد الرحمن بن عوف زائرا فسمعه يتغنى (وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما قضى * وطرا منها جميل بن معمر) وروينا أن سعيد بن المسيب مر في بعض أزقة المدينة فسمع الأخضر الجدي يتغنى في دار سعيد بن العاص يقول (تضوع مسكا بطن نعمان إذ مشت * به زينب في نسوة خفرات (4)) فوقف وقال هذا والله ما يلذ استمعاعه قال سعيد
241 (وليست كأخرى أوسعت جيب درعها * وأبدت بنان الكف بالجمرات) (وعلت فتيت المسك وحفا مرجلا * على مثل بدر لاح في الظلمات) (وقامت ترائي يوم جمع فأفتنت * برؤيتها من راح من عرفات) قالوا فكانوا يرون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيب قال أبو عمر البيت الذي سمعه سعيد من الأخضر الجدي هو من شعر النميري يعرف بذلك وهو ثقفي وإنما قيل له النميري نسبة إلى جده وهو محمد بن عبد الله بن نمير الثقفي كان يشبب بزينب أخت الحجاج وشعره هذا حسن ليس فيه شيء نذكره ها هنا لأنه من معنى الباب وما رأيته قط مجتمعا ولكن رأيته مفترقا يتمثل منه بالبيت والبيتين والأبيات وقد جمعته هنا وهو قوله (تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت * به زينب في نسوة خفرات) (فأصبح ما بين الهويما فجذوة * إلى الماء ماء الجدع في العشرات) (له أرج من مجمر الهند ساطع * تطلع رياه من الكفرات) (ولم تر عيني مثل سرب لقيته * خرجن من التنعيم مبتكرات) (تهادين ما بين المحصب من منى * وأصبحن لا شعثاء ولا عطرات) (أعاذ الذي فوق السماوات عرشه * أو أنس بالبطحاء مؤتجرات) (مررن بفخ ثم رحن عشية * يلبين للرحمن معتمرات) (يخمرن أطراف البنا من النقا * ويخرجن وسط الليل معتجرات) (تقسمن لي يوم نعمان أنني * رأيت فؤادي عازم النظرات) (جلون وجوها لم يلحها سمائم * حرور ولم يسعفن بالصرات) (فقلت يعافى الظباء تناولت * تباع غصون الورد معتصرات) (ولما رأت ركب النميري أعرضت * وكن من أن يلقينه حذرات) (فأدنين حتى جاوز الركب دونها * حجاجا من الوشي والحبرات) (فكدت أشتياقا نحوها وصبابة * تقطع نفسي دونها حسرات) (فراجعت نفسي والحفيظة بعد ما * بللت رداء للعصب بالعبرات) وأراد الحجاج أن يوقع به فاستجار بعبد الملك بن مروان فأجاره وقال له ما كان ركبك يا نميري فقال أربعة أحمرة عليها زيت وزبيب فضحك عبد الملك وقد ذكرنا في كتاب التمهيد ما للعلماء من الكراهة والإجازة في الغناء على أن جمهورهم يكرهون غناء الأعاجم ويجيزون غناء الأعراب وأثبتنا هنالك من ذلك بما فيه كفاية والحمد لله كثيرا
242 1646 - مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنقاب (1) المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال قال أبو عمر الأنقاب الطرق والفجاج والواحد منها نقب ومن ذلك قول الله عز وجل " فنقبوا في البلد هل من محيص " [ق 36] [أي جعلوا فيها طرقا ومسالك] وفي هذا الحديث فضل كبير للمدينة أنه لا يدخلها الدجال وهو رأس كل فتنة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني جعفر بن محمد الصائغ قال حدثني محمد بن سابق قال حدثني إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم له أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا فيقول للناس أنا ربكم وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر [ك ف ر مهجاة] يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه وقامت الملائكة بأبوابها) (2) وذكر الحديث بطوله ((5 - باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة)) كذا عند يحيى ترجمة هذا الباب وعند بن بكير في إجلاء اليهود من المدينة وعند القعنبي في إجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب 1647 - مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز
243 يقول كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب قال أبو عمر أما قوله صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود ولعن الله اليهود الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فقد روي مسندا من وجوه من حديث أبي هريرة وحديث عائشة وغيرها وهو عند مالك وغيره عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب [عن أبي هريرة ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب] عن عائشة وروي عن عائشة من وجوه قد ذكرت ذلك كله في كتاب التمهيد منها حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم تذاكرن في مرضه كنيسة رأينها بأرض الحبشة وذكرن من حسنها وتصاويرها وكانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك قوم إذا مات الرجل الصالح عندهم بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله ومنها حديث حميد بن هلال عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي عليه أن يتخذ مسجدا قال أبو عمر لهذا الحديث - والله أعلم - ورواية عمر بن عبد العزيز له عن من رواه أمر في خلافته أن يجعل بنيان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم محددا بركن واحد لئلا يستقبل القبر فيصلى إليه وقد احتج من كره الصلاة في المقبرة بهذا الحديث وبقوله عليه السلام إن شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد (1) وبقوله صلى الله عليه وسلم صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا
244 وهذه الآثار قد عارضها قوله صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (1) وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد وذكرنا منه في كتاب الصلاة من هذا الكتاب ما فيه كفاية والحمد لله كثيرا وأما قوله في حديث مالك في هذا الباب لا يبقين دينان بأرض العرب فروي مسندا من وجوه كثيرة ذكرنا في التمهيد منها حديث بن عباس وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن يحيى بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فتنازعوا عنده فقال لا ينبغي عندي التنازع ذروني وأمرهم بثلاث فقال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم والثالثة إما سكت عنها بن عباس وإما قالها فنسيتها يقوله سعيد بن جبير وقد ذكرنا في التمهيد حديث أبي عبيدة بن الجراح قال [آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال] أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب وإن شرار الناس ناس يتخذون القبور مساجد 1648 مالك عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب قال مالك قال بن شهاب ففحص (2) عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج (3) واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب فأجلى يهود خيبر
245 1649 قال مالك وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالحهم على نصف الثمر ونصف الأرض فأقام لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب وورق وإبل وجبال وأقتاب (1) ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منها قال أبو عمر روى حديث بن شهاب هذا معمر عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع بأرض العرب أو قال بأرض الحجاز دينان قال ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى وجد عليه الثبت قال الزهري فكذلك أجلاهم عمر فجعل الحديث معمر لابن شهاب عن سعيد بن المسيب ولم يجعل فيه من كلام بن شهاب إلا قوله فلذلك أجلاهم عمر وروى سعيد بن داود الزبيدي عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب أجلى يهود خيبر فقال له يهودي أتخرجنا وقد أقرنا محمد فقال لهم عمر أتراني نسيت قوله صلى الله عليه وسلم كأني بك قد قلصت بك ناقتك ليلة بعد ليلة فقال اليهودي إنما كان هزلة من أبي القاسم قال عمر كلا والذي نفسي بيده لتخرجن وأما جزيرة العرب فذكر أحمد بن المعذل حدثني يعقوب بن المهدل يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال قال المغيرة بن عبد الرحمن جزيرة العرب مكة والمدينة واليمن مدنها وقرياتها وقال مالك بن أنس جزيرة العرب مكة والمدينة واليمامة واليمن وقال الشافعي جزيرة العرب التي أخرج عمر رضي الله عنه اليهود والنصارى منها مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها فأما اليمن فليس من جزيرة العرب قال أحمد بن المعذل وقال معن بن عيسى عن مالك جزيرة العرب منبت العرب
246 وقد ذكرنا في التمهيد ما ذكره أبو عبيد عن أبي عبيدة وعن الأصمعي في جزيرة العرب وقال الواقدي عن أبي وجزة السعدي في ذلك واختصار ذلك أن الأصمعي قال جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول [وأما في العرض] فمن جده وما والاها من ساحل البحر إلى أطرار الشام وقال أبو عبيدة جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول وأما في العرض فمن بئر يبرين إلى منقطع السماوة وفي هذا المعنى زيادة في التمهيد في باب إسماعيل بن أبي حكيم وقيل لبلاد العرب جزيرة لإحاطة البحر والأنهار بها من أقصاها إلى البصرة ((6 باب جامع ما جاء في أمر المدينة)) 1650 مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه قال أبو عمر قد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب تحريم المدينة من هذا الكتاب 1651 مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أن أسلم مولى عمر بن الخطاب أخبره أنه زار عبد الله بن عياش المخزومي فرأى عنده نبيذا (1) وهو بطريق مكة فقال له أسلم إن هذا الشراب يحبه عمر بن الخطاب فحمل عبد الله بن عياش قدحا عظيما فجاء به إلى عمر بن الخطاب فوضعه في يديه فقربه عمر إلى فيه ثم رفع رأسه فقال عمر إن هذا لشراب طيب فشرب
247 منه ثم ناوله رجلا عن يمينه فلما أدبر عبد الله ناداه عمر بن الخطاب فقال أأنت القائل لمكة خير من المدينة فقال عبد الله فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال عمر لا أقول في بيت الله ولا في حرمه شيئا ثم قال عمر أأنت القائل لمكة خير من المدينة قال فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال عمر لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئا ثم انصرف قال أبو عمر روى هذا الخبر بن بكير ويحيى بن يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم ورواه القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم لم يذكر فيه يحيى بن سعيد وقد تابع كل واحد منهما طائفة من رواة الموطأ وأما النبيذ الذي قال فيه عمر إن هذا الشراب طيب فقد مضى في كتاب الأشربة من هذا الديوان ما يفسر الطيب وغير الطيب وكل شراب حلو لا يسكر الكثير منه فهو الطيب وما أسكر فهو الخبيث لا الطيب وأما مناولة عمر من عن يمينه فضلة شرابه فهي السنة وسيأتي ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله (عز وجل) وأما قول عمر لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أنت القائل لمكة خير من المدينة فقد ظن قوم أن ذلك حجة في تفضيل المدينة على مكة وأن ظاهر قول عمر هذا في تقريره وتوبيخه عبد الله بن عباس بذلك القول دليل على تفضيل [عمر] المدينة على مكة [وهذا عندي ليس] كما ظنوا وفي لفظ الحديث ما يدل على غير ما ظنوا من ذلك والله أعلم لأنه لم يقل من ذلك أنت القائل لمكة أفضل من المدينة وإنما قال له أنت القائل لمكة خير من المدينة وخاف منه عمر أن يمدح مكة ويزينها لمن هاجر [منها] فيدعوه ذلك إليها وخشي عبد الله بن عباس بن عمر في ذلك درته وسطوته ففزع إلى الفضل الذي لا ينكره عمر وجادله عما أراد منه فقال هي حرم الله وأمنه وفيها بيته [يعني] وليست كذلك المدينة وأقر له عمر أنه لا يقول في حرم الله (عز وجل) وأمنه ولا في بيته شيئا وأعاد عليه عمر قوله فأعاد عليه عبد الله بن عباس من قوله ما لم ينكره كأنه قال له لم أسألك عن التفضيل ولا الفضائل وسكت لما سمع منه من فضل مكة ما ليس بالمدينة ولم يحتج معه إلى ذلك خيرات المدينة ومعلوم أن خيرات المدينة كانت حينئذ أكثر من رطبها
248 وتمرها وحرثها ودروب العيش فيها أغزر لاجتماع الناس بها للمتاجر والمكاسب لأن الخير أكثر في البلاد الكبار وحيث الأئمة والسلطان فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا عندي معنى [خبر] عمر مع عبد الله بن عباس [المخزومي] والله تعالى أعلم ومن الدليل على أن لفظ خير ليس بمعنى أفضل ما روي أن عقيل بن أبي طالب وكان أحد الفصحاء لما أعطاه معاوية عطاء جزلا قال له من خير لك أنا أو أخوك فقال له أنت خير لي من أخي وأخي خير لنفسه منك ومعلوم أن أخاه علي بن أبي طالب كان عنده أفضل أهل زمانه ولكن معاوية كان خيرا له في دنياه وقد ذكر معاوية لابن عمر فقال كان أسود ممن كان قبله يعني الخلفاء قال وكانوا أفضل منه والدليل أيضا على صحة ما تأولناه على عمر في هذا الخبر ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني وأبو يحيى بن أبي ميسرة المكي بمكة قال حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني قال حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن سليمان بن عتيق قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في ما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما فضله عليه بمائة صلاة وأما مالك رحمه الله فلم يختلف عنه أصحابه في أن المدينة أفضل من مكة ومن سائر البلاد وكان يقول مما خص الله عز وجل به المدينة من الخير أنها محفوفة بالشهداء وعلى أنقابها ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وهي دار الهجرة والسنة وبها كان ينزل القرآن يعني الفرائض والأحكام وبها أخيار الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واختارها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته فجعل بها قبره وبها أروضة من رياض الجنة قال أبو عمر في قول عبد الله بن عباس لعمر فيها حرم الله عز وجل وأمنه وفيها بيته ولم يقل هي حرم إبراهيم وترك عمر إنكار ذلك عليه دليل على صحة رواية من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس
249 ((7 - باب ما جاء في الطاعون)) 1652 مالك عن بن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ (1) لقيه أمراء الأجناد (2) أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام قال بن عباس فقال عمر بن الخطاب ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا فقال بعضهم قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم (3) على هذا الوباء فقال عمر ارتفعوا عني ثم قال ادع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم فقال ارتفعوا عني ثم قال ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش (4) من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف عليه منهم اثنان فقالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء فنادى عمر في الناس إني مصبح (5) على ظهر فأصبحوا عليه فقال أبو عبيدة أفرارا من قدر الله فقال عمر أو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله أرأيت لو كان لك إبل فهبطت واديا له عدوتان (6) إحداهما مخصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان غائبا في بعض حاجته فقال إن عندي من هذا علما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا
250 سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال فحمد الله عمر ثم انصرف [قال أبو عمر] قد ذكرنا في التمهيد ما يستدل به من ألفاظ هذا الحديث وما يمكن استنباطه منها ونذكر ها هنا ما في ظاهره الذي سبق وذكر وأما اختلاف المهاجرين والأنصار في القدوم على الوباء فلكل واحد منهم معنى صحيح في أصول السنن المجتمع عليها من الكتاب والسنة وملاك ذلك كله الإيمان بالقدر وأن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه مع إباحة الأخذ بالحذر والحزم والفرار عن المهلكة الظاهرة وقد أحكمت السنة والحمد لله كثيرا ما قطع وجوه الاختلاف فلا يجوز لأحد أن يقدم على موضع طاعون لم يكن ساكنا فيه ولا يجوز له الفرار عنه إذا كان قد نزل في وطنه وموضع سكناه وقد ذكرنا في التمهيد خبرا عن الزهري قال أصاب الناس الطاعون بالجابية فقال عمرو بن العاص تفرقوا عنه فإنما هو بمنزلة نار فقام معاذ بن جبل فقال لقد كنت فينا وأنت أضل من حمار أهلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هو رحمة لهذه الأمة اللهم فاذكر معاذا في من تذكره في هذه الرحمة [قال أبو عمر] مات معاذ في طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة وروى شعبة عن يزيد بن جبير قال سمعت شرحبيل بن حسنة يحدث أن عمرو بن العاص قال وقد وقع الطاعون بالشام إنه رجس فتفرقوا عنه فقال شرحبيل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم فلا تفرقوا عنه (1) قال أبو عمر أظن قوله ودعوة نبيكم قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون (2) وقد ذكرنا هذا الخبر من حديث عائشة في كتاب الجنائز عند قوله صلى الله عليه وسلم والمطعون شهيد
251 وقالت عائشة يا رسول الله الطعن قد عرفنا فما الطاعون قال غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط (1) [قال أبو عمر وقد تخرج في الأيدي والأصابع وحيث شاء الله من البدن] وروينا أن زيادا كتب إلى معاوية إني قد ضبطت العراق بيميني وشمالي فارغة فأخبر بذلك بن عمر فقال مروا العجائز يدعون الله عليه ففعلن فخرج بأصبعه طاعون فمات منه وروي من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف (2) وروينا عن بن مسعود أنه قال الطاعون فتنة على المقيم وعلى الفار أما الفار فيقول فررت فنجوت وأما المقيم فيقول أقمت فمت وإنما فر من لم يجئ أجله وقام فمات من جاء أجله وروينا عن عمر من وجوه قد ذكرناها في التمهيد أنه ندم على انصرافه عن الطاعون لأنه قد كان نزل بالشام ودخلها يومئذ وروى هشام بن سعد عن عروة بن رويم عن قاسم عن عبد الله بن عمرو قال جئت عمر حين قدم من الشام فسمعته يقول اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ يعني حين رجع من أجل الوباء قال عروة بن رويم وبلغنا أنه كتب إلى عامله بالشام إذا سمعت بالطاعون قد وقع عندكم فاكتب إلي أخرج إليه وقال خليفة بن خياط وفي سنة سبع عشرة خرج عمر بن الخطاب إلى الشام واستخلف على المدينة زيد بن ثابت وانصرف من سرغ وبها الطاعون وقال ضمرة عن بن شوذب عن أبي التياح يزيد بن حميد الضبعي قال قلت لمطرف بن الشخير ما تقول - رحمك الله - في الفرار من الطاعون قال هو القدر تخافونه وليس منه بد وقد ذكرنا أخبار هذا الباب كلها بالأسانيد في التمهيد وأخبارا غيرها في معناها والحمد لله كثيرا منها حديث سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله عز
252 وجل " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديرهم وهم ألوف حذر الموت " [البقرة 243] قالوا كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا فدعا الله نبي من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم الله (عز وجل) وقال عمرو بن دينار في هذه الآية وقع الطاعون في قريتهم فخرج أناس وبقي أناس فمن خرج أكثر ممن بقي فنجا الذين خرجوا وهلك الذين أقاموا فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم وقد توالدت ذريتهم وقال المدائني إنه قل ما فر أحد من الطاعون فسلم من الموت قال وهرب عمرو بن عبيد ورباط بن محمد بن رباط من الطاعون فقال إبراهيم بن علي القعنبي (ولما استفز الموت كل مكذب * صبرت ولم يصبر رباط ولا عمرو) وقد أحسن أبو العتاهية في قوله (كل يوافي به القضاء إلى الموت * ويوفيه رزقه كملا) (كل فقد أمهله أمل * يلهي ولكن خلفه الأجلا) (يا بؤس للغافل المطيع * عن أي عظيم من أمره غفلا) 1653 - مالك عن محمد بن المنكدر وعن سالم بن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون فقال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجز (1) أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال مالك قال أبو النضر لا يخرجكم إلا فرار منه هكذا هذا الحديث في الموطأ عند أكثر الرواة مذكور فيه أبو النضر مع بن المنكدر وما خالف فيه أبو النصر من اللفظ
253 ورواه القعنبي وطائفة عن مالك عن محمد بن المنكدر عن عامر بن سعد أن أسامة بن زيد أخبره لم يذكر سعدا ولا ذكر أبا النضر في الإسناد ولا لفظه في الحديث وقد ذكرنا الاختلاف في إسناده في التمهيد ومن جعل الحديث لسعد عن أسامة ومن جعله لسعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جعله لأسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم [فأما من جعل الحديث لسعد عن أسامة فقد وهم واللن أعلم وقد روي لسعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأسامة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم] وقد سمعه عامر بن سعد عن أبيه ومن أسامة جميعا والأكثر الأغلب أنه لعامر بن سعد عن أسامة وهو الأصح إن شاء الله (عز وجل) وقد رواه إبراهيم بن سعد أيضا عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوضحنا ذلك كله في التمهيد وأما رواية أبي النضر لا يخرجكم إلا فرار منه فقد جعله جماعة من أهل العلم [غلطا] وإحالة للمعنى وقال جماعة من أهل العلم بالنحو وتصاريفه إن دخول إلا في هذا الموضع إنما هو لإيجاب بعض ما نفى بالجملة فكأنه قال تخرجوا منها يعني البلدة التي وقع الطاعون بها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا والنصب ها هنا بمعنى الحال لا بمعنى الاستثناء والله (عز وجل) أعلم أي إذا كان خروجكم فرارا من الطاعون فلا تخرجوا منها وفي ذلك إباحة الخروج من موضع الطاعون إذا لم يكن الخروج قصدا إلى الفرار من الطاعون وقد روى بن وهب عن مالك عن أبي النضر حديثه فقال فيه كما قال في حديث بن المنكدر لا غير وقد ذكرنا من طرق هذا الحديث في التمهيد ما يشفي في لفظه وإسناده وما أعلم أحدا جاء بهذا اللفظ إلا أبا النضر على اختلاف فيه عنه مذكور كل ذلك في التمهيد والحمد لله كثيرا 1654 - مالك عن أبن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام فلما جاء سرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام فأخبره عبد
254 الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه فرجع عمر بن الخطاب من سرغ فهذا الحديث قد اقتضى معناه الحديث الذي قبله ولم يبق للقول فيه مدخل 1655 - مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب إنما رجع بالناس من سرغ عن حديث عبد الرحمن بن عوف قال أبو عمر هذا الحديث بين أن رجوع عمر بن الخطاب من سرغ لم يكن من قول مشيخة الفتح وإنما كان لما حدثه به عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحق الذي يليق بعمر ونظرائه وما كان عمر مع الاختلاف ليؤثر رأيا على رأي بلا حجة وما كان لينقاد إلى غير السنة وإنما كانت مشورته لهم والله عز وجل أعلم ليجد عندهم علما من النبي صلى الله عليه وسلم فكثرا ما كان يفعل ذلك في كل ما كان ينزل به ومعروف عنه ومشهور عنه تفضيل أهل السوابق في الرأي وفي العطاء وفي المنزلة من مجلسه والقرب منه وكان لا يقيم لمشيخة الفتح وزنا إلا في العمالة والإمارة ومعاني الدنيا ويقول ما كنت لأدنس أهل بدر بالولاية وهذا كله يدل على صحة قول سالم أنه لم ينصرف عن الطاعون من سرغ إلا لحديث عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بغير ذلك والله تعالى أعلم 1656 مالك أنه قال بلغني أن عمر بن الخطاب قال لبيت بركبة أحب إلي من عشرة أبيات بالشام قال أبو عمر [قال مالك] يريد لطول الإعمار والبقاء ولشدة الوباء بالشام وهذا الكلام في الموطأ عند بعض رواته ومعناه عندي أن الشام كثيرة الأمراض والوباء والأسقام وأن ركبة أرض مصحة طيبة الهواء قليلة الأمراض والوباء لأن الأمراض تنقص من العمر أو تزيد في البقاء أو تؤخر الأجل وقال بن وضاح [ركبة] موضع بين الطائف ومكة في طريق العراق وقال غيره ركبة واد من أودية الطائف
255 وقد روي عن عمر أنه قال لأن أعمل عشر خطايا بركبة أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة وهذا يدل [على فضل مكة] وعلى أن الحسنات تضاعف فيها السيئات وقد رأى بعض العلماء الزيادة في دية الأنفس والجراح في البلد الحرام والشهر الحرام ورأوا أن لا يقتص ممن جنى جناية أو أصاب حدا ولحق بالحرم حتى يخرج من الحرام وأجمعوا أن من قتل في الحرم وكذلك من أتى حدا أقيم عليه في الحرم وقال الله عز وجل * (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) * [الحج 25] قيل الحرم وقيل المسجد الحرام
256 ((46 كتاب القدر)) ((1 - باب النهي عن القول بالقدر)) 1657 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى قال له موسى أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة فقال له آدم أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء واصطفاه على الناس برسالته قال نعم قال أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق قال أبو عمر إلى هنا انتهى حديث مالك [ورواه بن عيينة عن أبي الزناد بإسناده وزاد فيه قبل أن أخلق] بأربعين سنة وكذلك قال طاوس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة من طرق شتى منها حديث محمد بن عمرو ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة [ورواه بن شهاب فاختلف عليه فيه فمن أصحابه من جعل فيه عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة] ومنهم من رواه عنه عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ومنهم من يرويه عنه عن سعيد بن المسيب ورواه معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكلهم رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي من حديث عمر بن الخطاب وهو حسن صحيح الألفاظ والسياقة
257 ورواه بن وهب قال أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم [عن أبيه] أن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى عليه السلام قال يا رب أرني أبانا آدم الذي أخرجنا من الجنة فأراه الله آدم فقال له أنت آدم قال نعم قال أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك الأسماء كلها وأمر ملائكته فسجدوا لك قال نعم قال فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة قال له آدم من أنت قال أنا موسى قال أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه قال نعم قال فما وجدت في كتاب الله الذي أنزل عليك أن ذلك في كتاب الله قبل أن أخلق قال نعم قال أفتلومني في شيء سبق من الله فيه القضاء قبل قال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى قال أبو عمر هذا الحديث عند جماعة أهل العلم بالحديث صحيح من جهة الإسناد وكلهم يرويه ويقر بصحته ويحتج به أهل الحديث والفقه وهم أهل السنة في إثبات قدم علم الله (عز وجل ذكره) وسواء منهم من قال خبر الواحد يوجب دون العلم ومن قال العمل والعلم كلهم يحتج به فيما ذكرنا لأنه خبر جاء مجيئا متواترا فاشيا وأما أهل البدع فينكرونه ويدفعونه ويعترضون فيه بدروب من القول كرهت ذكر ذلك لأن كتابنا هذا كتاب سنة واتباع لا كتاب جدال وابتداع وفي هذا الحديث دليل على أن الله (عز وجل) قد سبق في علمه ما يكون وأنه في كتاب مسطور جرى القلم فيه بما يكون إلى آخر الأبد وأن العباد لا يعملون إلا فيما قد علمه الله - عز وجل - وقضى به وقدره وقد روينا أن سلمان الفارسي سئل عن الإيمان بالقدر فقال إذا علم الرجل من قبل نفسه أن ما أصابه لن يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فذلك الإيمان بالقدر فروى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن يعلى بن مرة أن أصحاب علي (رضي الله عنه) قالوا إن هذا الرجل في حرب وإلى جنب عدو وإنا لا نأمن أن يغتال فليحرسه منا كل ليلة عشرة وكان علي إذا صلى العشاء لصق بقبلة المسجد فيصلي ما شاء الله عز وجل أن يصلي ثم ينصرف إلى أهله فصلى ذات ليلة ثم انصرف فرآهم فقال ما أجلسكم هنا هذه الساعة فقالوا أجلسنا نتحدث فقال لتخبرني فأخبروه فقال أمن أهل الأرض تحرسوني أم من أهل
258 السماء فقالوا نحن أهون على الله - عز وجل - من أن نحرسك من أهل السماء ولكن نحرسك من أهل الأرض قال فلا تفعلوا فإنه إذا قضي الأمر من السماء علمه أهل الأرض وإن العبد لا يجد طعم الإيمان حتى يوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وروينا أن الناس لما خاضوا في القدر بالبصرة اجتمع مسلم بن يسار ورفيع أبو العالية فقال أحدهما لصاحبه تعال ننظر في ما خاض الناس فيه من هذا الأمر فقعدا ونظرا فاتفق رأيهما أنه يكفي المؤمن من هذا الأمر أن يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له وأنه مجزي بعمله وروينا عن روح بن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين قال ما ينكر هؤلاء أن يكون الله - عز وجل - علم علما فجعله كتابا أخبرنا خلف بن قاسم قال أخبرنا الحسن بن رشيق قال حدثني محمد بن يحيى الفارسي قال سمعت [الربيع] بن سليمان يقول انحدر علينا الشافعي يوما من درجته وقوم يتجادلون في القدر فقال لهم إما أن تقوموا عنا وإما أن تجاورونا بخير ثم قال لأن يلقى الله - عز وجل - العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء قال وسمعت الربيع يقول قال الشافعي قال الله (عز وجل) في كتابه العزيز " وما تشاءون إلا أن يشاء الله " [الإنسان 30] فأعلم الله عز وجل خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن لا مشيئة لهم إلا أن يشاء الله (عز وجل) قال الربيع قال لي الشافعي لا تصل خلف القدري وإني أكره الصلاة خلفه وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني سليمان بن أبي شيخ قال حدثني عيينة بن المنهال قال قال بلال بن أبي بردة لمحمد بن واسع ما تقول في القضاء والقدر قال أيها الأمير إن الله تبارك وتعالى لا يسأل عباده يوم القيامة عن قضائه وقدره وإنما يسألهم عن أعمالهم وروينا أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الحسن البصري إن الله لا يطالب خلقه بما قضى عليهم ولكن يطالبهم بما نهاهم عنه وأمرهم به فطالب نفسك من حيث يطالبك ربك وأما قوله في الحديث عن آدم عليه السلام أفتلومني على أمر قد قدر علي فهو خصوص لآدم - عليه السلام - لأن ذلك إنما كان منه ومن موسى عليهما
259 السلام بعد أن ثبت على آدم وبعد أن تلقى من ربه كلمات فتاب عليه من ذنبه في أكل الشجرة وقد أجمع العلماء على أنه غير جائز لأحد أن يجعله حجة إذا أتى ما نهاه الله عنه وحرمه عليه أن يحتج بمثل هذا فيقول أتلومني على أن قتلت وقد سبق في علم الله أن أقتل وتلومني في أن أسرق أو أزني أو أظلم أو أجور وقد سبق ذلك علي في علم الله تعالى وقدره وهذا ما لا يسوغ لأحد أن يجعله حجة لنفسه والأمة مجتمعة على أنه جائز لوم من أتى ما يلام عليه من معاصي ربه وذمه على ذلك كما أنهم مجمعون على حمد من أطاع ربه وأتى من الأمور المحمودة ما يحمد عليه وقد روى بن وهب عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال إنما كان ذلك من آدم لموسى بعد أن تيب على آدم قال أبو عمر التقاء آدم وموسى يمكن أن يكون كما قال بن وهب يمكن أن يريه الله إياه وهو حي ويمكن أن يكونا التقت أرواحهما وعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يعلم به خبر السماء في غير ذلك وهذا ومثله مما لا يطاق فيه التكييف وإنما فيه التصديق والتسليم وبالله التوفيق 1658 - مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غفلين " [الأعراف 172] فقال عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية وقال خلفت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى
260 يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث وهو حديث منقطع لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطب بينهما نعيم بن ربيعة هذا إن صح لأن الذي رواه عن زيد بن أنيسة فذكر فيه نعيم بن ربيعة ليس هو أحفظ من مالك ولا ممن يحتج به إذا خالفه مالك ومع ذلك فإن نعيم بن ربيعة ومسلم بن يسار جميعا مجهولان غير معروفين بحمل العلم ونقل الحديث وليس هو مسلم بن يسار البصري العابد وإنما هو رجل مدني مجهول حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال قرأت على يحيى بن معين حديث مالك هذا عن زيد بن أبي أنيسة فكتب بيده على مسلم بن يسار لا يعرف قال أبو عمر هذا الحديث وإن كان عليل الإسناد فإن معناه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة من حديث عمر بن الخطاب وغيره وممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه في القدر علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وبن عباس وبن عمر وأبو هريرة وسعيد الخدري وأبو سريحة الغفاري وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاصي وذو اللحية الكلابي وعمران بن حصين وعائشة وأنس بن مالك وسراقة بن جعشم وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وقد ذكرنا ما استحسنا من طرق أحاديثهم في التمهيد ومن أحسنها حديث علي رواه منصور والأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي (رضي الله عنه) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وفي يده عود ينكت به فرفع رأسه وقال ما منكم من نفس منفوسة إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار فقالوا يا رسول الله فلم نعمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وقرأ * (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى) * [الليل 5 - 10] (1) وقد ذكرنا هذا الحديث ببعض أسانيده في التمهيد
261 ومثله حديث عمران بن حصين حدثني أحمد بن فتح وعبد الرحمن بن يحيى قالا أخبرنا حمزة بن محمد قال حدثني سليمان بن الحسن البصري بالبصرة قال حدثني عبيد الله بن معاذ قال حدثني أبي قال حدثني سليمان بن حيان قال حدثني عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين قال قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال فما يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له (1) قال حمزة هذا حديث صحيح رواه جماعة من حديث يزيد الرشك منهم بن شعبة الحجاج وحماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد وحدثني إبراهيم بن شاكر قال حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثني سعيد بن خمير وسعيد بن عثمان قالا حدثني أحمد بن عبد الله بن صالح قال أخبرنا عثمان بن عمر قال أخبرنا عزرة بن ثابت عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدئلي قال قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى عليهم أو فيما يستقبلوك مما أتاهم به نبيهم واتخذت عليهم به الحجة قلت لا بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم وقال فهل يكون شيء من ذلك ظلما قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت إنه ليس شيء إلا خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون فقال سددك الله إني والله ما سألتك إلا لأحرز عقلك إن رجلا من مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون أشيء قضي عليهم ومضى عليهم أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم واتخذت عليهم به الحجة قال لا بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم قال فلم نعمل إذن فقال من خلقه الله لواحدة من المنزلتين فهو يستعمل لها وتصديق ذلك في كتاب الله (عز وجل) * (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) * [الشمس 6 7] قال أبو عمر قال الله تعالى * (فالتقى الماء على أمر قد قدر) * [القمر 12] وقال * (وكان أمر الله قدرا مقدورا) * [الأحزاب
262 وقال العلماء والحكماء قديما القدر سر الله فلا تنظروا فيه فلو شاء الله ألا يعصى ما عصاه أحد فالعباد أدق شأنا وأحقر من أن يعصوا الله إلا بما يريد وقد روي عن الحسن أنه قال لو شاء الله أن لا يعصى ما خلق إبليس وقال مطرف بن الشخير لو كان الخير في يد أحد ما استطاع أن يجعله في قلبه حتى يكون الله (عز وجل) هو الذي يجعله فيه قال وجدت بن آدم ملقى بين يدي الله والشيطان فإن اختاره الله [إليه] نجا وإن خلا بينه وبين الشيطان ذهب به [ولقد أحسن القائل حيث قال (ليس لله العظيم ند * وهذه الأقدار لا ترد) (لهن وقت ولهن حد * مؤخر بعض وبعض نقد) (وليس من هذا وهذا بد * وليس محتوما لحي خلد]) وفي الحديث المرفوع إذا أراد الله (عز وجل) بعبد خيرا سلك في قلبه اليقين والتصديق وإذا أراد الله (عز وجل) بعبده شرا سلك في قلبه الريبة والتكذيب وقال الله عز وجل [* (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به) * [الحجر 12 13] وقال الله عز وجل " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ويهدى من يشاء " [النحل 93] وقال الله عز وجل * (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) * [الأعراف 155] وقال الفضل الرقاشي لإياس بن معاوية يا أبا وائلة ما تقول في هذا الكلام الذي أكثر الناس فيه يعني القدر قال إن أقررت بالعلم خصمت وإن أنكرت كفرت وقال الأوزاعي - رحمه الله - هلك عبادنا وخيارنا في هذا الرأي يعني القدر وسمع بن عباس رجلين يختصمان في القدر فقال ما منكما إلا زائغ وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال أول ما تكلم به القدرية أن جاء رجل فقال كان من قدر الله (عز وجل) أن شررة طارت فأحرقت الكعبة فقال آخر ليس من قدر الله أن يحرق الكعبة
263 قال أبو عمر قد أكثر أهل الحديث من تخريج الآثار في هذا الباب وأكثر المتكلمون فيه من الكلام والجدال وأما أهل السنة فمجتمعون على الإيمان بالقدر على ما جاء في هذه الآثار ومثله من ذلك وعلى اعتقاد معانيها وترك المجادلة فيها حدثني محمد بن زكريا قال حدثني أحمد بن سعيد قال حدثني أحمد بن خالد قال مروان بن عبد الملك قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان عن محمد بن جحادة عن [قتادة] عن أبي السوار [العدوي] عن حسن بن علي قال رفع الكتاب وجف القلم وأمور تقضى في كتاب قد خلا قال وحدثني مروان بن عبد الملك قال حدثني أبو حاتم قال حدثني الأصمعي قال حدثني المعتمر بن سليمان عن أبيه قال أما والله لو كشف الغطاء لعلمت القدرية أن الله ليس بظلام للعبيد وروى حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد قال كان الحسن إذا قرأ هذه الآية " هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم " [النجم 32] قال علم الله عز وجل كل نفس ما هي عاملة وإلى ما هي صائرة وروى أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي قال سألت أعرابيا عن القدر فقال ذلك علم اختصمت فيه الظنون وتغالب فيه المختلفون والواجب علينا أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق فيه من علمه قال أبو عمر [أحسن ما رأيت رجزا في معنى القدر قول ذي النون إبراهيم الإخميني (قدر ما شاء كيف شاء * ولم يطلع على علم غيبه بشرا) (ويرى من العباد منفردا * محتجبا في السماء ليس يرى) (ثم جرى بالذي قضى قلم * أجراه في اللوح ربنا فجرى]) (لا خير في [كثرة الجدال] ولا * في من تعدى فأنكر القدر) (من يهده الله لن يضل ومن * يضلل فلن يهتدي وقد خسرا) (دعوته للعباد شاملة * وخص بالخير منهم نفرا) قال أبو عمر قد اختلف العلماء في معنى قوله تعالى * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * [الذريات 56] وروي عن بن عباس [إلا ليعبدوني] قال ليقروا بالعبودية طوعا وكرها
264 وقال مجاهد وبن جريج إلا ليعرفوني وقال الضحاك بن مزاحم هي آية [عظيمة] عامة في المنطق خاصة في المؤمنين وقال الشافعي هي خاصة يعني أنه خلق الأنبياء والمؤمنين لعبادته قال والدليل على خصوصها قوله " وما تشاءون إلا أن يشاء الله " [الإنسان 30] فلن يكون بخلقه مشيئة إلا أن يشاء الله [ومن أحسن ما قيل من النظم في قدم العمل وأن ما يكون من خلق الله فقد سبق العلم به وجف القلم به وأنه لا يكون في ملكه إلا ما يشاء لا شاء غيره قول الشافعي - رضي الله عنه - رويناه من طرق عن المزني وعن الربيع عنه أنه قال في أبيات له (فما شئت كان وإن لم أشأ * وما شئت وإن لم تشأ لم يكن) (خلقت العباد على ما علمت * وفي العلم يجري الفتى والمسن) (على ذا مننت وهذا خذلت * وهذا أعنت وذا لم تعن) (فمنهم شقي ومنهم سعيد * ومنهم قبيح ومنهم حسن) (ومنهم فقير ومنهم غني * وكل بأعماله مرتهن) قال أبو عمر كل ما في هذه الأبيات معتقد أهل السنة ومذهبهم في القدر لا يختلفون فيه وهو أصل ما يبنون في ذلك عليه] 1659 - مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه قال أبو عمر هذا قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا من حديث أبي هريرة وحديث عمرو بن عوف المزني وقد ذكرنا ذلك في التمهيد حدثني عبد الرحمن بن مروان قال حدثني أحمد بن سليمان قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثني داود بن عمرو الضبي قال حدثني صالح بن موسى الطلحي قال حدثني عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد خلفت فيكم اثنتين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي قال أبو عمر الهدي كل الهدي في اتباع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي
265 المبنية لمراد كتاب الله إذا أشكل ظاهره أبانت السنة عن باطنه وعن مراد الله منه والجدال في ما تعتقده الأفئدة من الضلال 1660 - مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر قال طاوس وسمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز هكذا روى يحيى هذا الحديث على الشك في تقديم إحدى اللفظتين وتابعه بن بكير وأبو مصعب ورواه بن وهب والقعنبي فلم يزيدا على قول طاوس أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر ولم يذكرا حديث بن عمر المرفوع وأكثر رواة الموطأ يروونه كما روى يحيى وهو حديث غريب من حديث طاوس عن بن عمر لا أعلمه روي من غير هذا الوجه وهو صحيح قال الله عز وجل " إنا كل شيء خلقه بقدر " [القمر 49] وقال تعالى " وما تشاءون إلا أن يشاء الله " [الإنسان 30] فليس لأحد مشيئة تنفذ إلا أن يتقدمها مشيئة الله تعالى وإنما تجري العباد فيما سبق من علم الله (عز وجل) والقدر سر الله لا يدرك بجدال ولا يشفي منه مقال والحجاج مرتجة مغلقة لا يفتح شيء منها إلا بكسر شيء وقد تواترت الآثار عن السلف الصالح بالنهي عن الجدال فيه والاستسلام له والإيمان به أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال أخبرنا أحمد بن سعيد قال حدثني بن الأعرابي قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثني الحسن بن علي الحلواني قال أملى علي علي بن المديني قال سألت عبد الرحمن بن مهدي عن القدر فقال لي كل شيء بقدر والطاعة والمعصية بقدر وقد أعظم الفرية من قال إن المعاصي ليست بقدر قال علي قال لي عبد الرحمن بن مهدي العلم والقدر والكتاب سواء ثم عرضت كلام عبد الرحمن بن مهدي على يحيى بن سعيد القطان فقال لم يبق بعد هذا قليل ولا كثير
266 [وقد روي من غير ما وجه عن بن مسعود أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا 1661 - مالك عن زياد بن سعيد عن عمرو بن دينار أنه قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول في خطبته إن الله هو الهادي والفاتن قال أبو عمر هذا مأخوذ من قول الله (تعالى) * (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) * [الرعد 27] وقوله (عز وجل) حاكيا عن نبيه نوح (عليه السلام) * ولا ينفعكم نصحى إن أردت لكم إن كان الله يريد أن يغويكم " [هود 34] وقال (تبارك اسمه) * ولو شاء لهدكم أجمعين " [الأنعام 149] ولا يكون في ملك الله إلا ما يريد وما ربك بظلام للعبيد روينا عن عبد العزيز بن أبي رواد قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول كنت عند بن عباس فأتاه رجل فقال أرأيت من حرمني الهدى وأورثني الضلالة والردى أتراه أحسن إلي أو ظلمني فقال بن عباس إن كان الهدى شيئا لك عنده فمنعكه فقد ظلمك وإن كان الهدى هدى الله يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا ولا تجالسني بعده وقد روينا أن غيلان القدري وقف بربيعة فقال له يا أبا عثمان أرأيت الذي منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلى أم أساء فقال له ربيعة إن كان منعك شيئا هو لك فقد ظلمك وإن كان فضله يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا فهذا أخذه ربيعة من كلام بن عباس وقال غيلان لربيعة أنت الذي تزعم أن الله يحب أن يعصى قال وأنت تزعم أن الله يعصى قسرا 1662 - مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك أنه قال كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز فقال ما رأيك في هؤلاء القدرية فقلت رأيي أن تستتيبهم فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف فقال عمر بن عبد العزيز وذلك رأي قال مالك وذلك رأيي قال أبو عمر هو مذهب عمر بن عبد العزيز وقد زعم قوم أنه قتل غيلانا
267 القدري وصلبه وهذا جهل بعلم أيام الناس وإنما الصحيح أن عمر لما ناظره دعا عليه وقال ما أظنك تموت إلا مصلوبا فقتله هشام - لعنه الله - وصلبه لأنه خرج مع زيد بن علي بن حسين بن علي ومذهب مالك وأصحابه أن القدرية يستتابون قيل لمالك كيف يستتابون قال يقال لهم اتركوا ما أنتم ما أنتم عليه وانزعوا عنه وقال مالك [لا يصلى عليهم] ولا يسلم على أهل القدر ولا على أهل الأهواء كلهم ولا يصلى خلفهم ولا تقبل شهادتهم قال أبو عمر أما قوله لا يصلى خلفهم فإن الإمامة يتخير لها أهل الكمال في الدين من أهل التلاوة والفقه هذا في الإمام الراتب وأما قوله لا يصلى عليهم فإنه يريد لا يصلى عليهم أئمة الدين وأهل العلم لأن ذلك زجر لهم وخزي لهم لابتداعهم رجاء أن ينتهوا عن مذهبهم وكذلك ترك ابتداء السلام عليهم وأما أن تترك الصلاة عليهم جملة إذا ماتوا فلا بل السنة المجتمع عليها أن يصلى على كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله مبتدعا كان أو مرتكبا للكبائر ولا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار أئمة الفتوى يقول في ذلك بقول مالك وقد ذكرنا أقاويل العلماء في قبول شهادتهم في كتاب الشهادات وأن مالكا شذ عنهم في ذلك إلا أن أحمد بن حنبل قال ما تعجبني شهادة الجهمية ولا الرافضة ولا القدرية قال إسحاق وكذلك كل صاحب بدعة قال أبو عمر اتفق بن أبي ليلى وبن شبرمة وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والحسن بن حي وعثمان التبي [وداود] والطبري وسائر من تكلم في الفقه إلا مالكا وطائفة من أصحابه [على قبول شهادة] أهل البدع القدرية وغيرهم إذا كانوا عدولا ولا يستحلون الزور ولا يشهد بعضهم على تصديق بعض في خبره ويمينه كما تصنع الخطابية قال الشافعي وشهادة من يرى إنفاذ الوعيد في دخول النار على الذنب إن لم يتب منه أولى بالقبول من شهادة من يستخف بالذنوب قال أبو عمر كل من يجيز شهادتهم لا يرى استتابتهم ولا عرضهم على السيف والله أعلم
268 ((2 - باب جامع ما جاء في أهل القدر)) ليس في هذا الباب حديث في القدر إلا وقد مضى الكلام في معناه والحمد لله 1663 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها (1) ولتنكح فإنما لها ما قدر لها وفي هذا الحديث دليل على كراهية اشتراط المرأة على زوجها أن يعقد لها على نفسه أن كل من ينكحها عليه طالق وأما سؤالها طلاق من جمعها معها عصبة رجل واحد فنص لا دليل وفيه إثبات القدر والإقرار بعدم العلم بقوله صلى الله عليه وسلم فإنما لها ما قدر لها وهذا نحو قوله تعالى " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولنا " [التوبة 51] وذكر الصحفة في هذا الحديث كناية عن خير الزوج لتنفرد به وحدها 1664 - مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال قال معاوية بن أبي سفيان وهو على المنبر أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله ولا ينفع ذا الجد منه الجد من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ثم قال معاوية سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد قال أبو عمر هذا حديث صحيح وإن كان ظاهره من رواية مالك في الموطأ الانقطاع فقد روي عن مالك من سماع محمد بن كعب القرظي له من معاوية وروي من غير طريق مالك أيضا وقد ذكرنا من محمد بن كعب وطرفا من فضائله من طرق في التمهيد وظاهر حديث مالك هذا أن معاوية سمع الحديث كله من النبي صلى الله عليه وسلم
269 وروى أهل العراق من الطرق الصحاح أن معاوية كتب إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء [حفظته] من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يسلم من الصلاة لا إله إلا الله وحده [لا شريك له] له الملك وله الحمد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد إلى هنا انتهى حديث المغيرة بن شعبة وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في التمهيد وليس في شيء منها من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين [فدل ذلك أن معاوية لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا قوله من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين] فهذه الكلمات هي التي سمعها معاوية من النبي صلى الله عليه وسلم على أعواد منبره لا ما قبل هذه الكلمات من حديثه في هذا الباب والله أعلم وأما قوله ولا ينفع ذا الجد منه الجد فالرواية عندنا في الموطأ الجد بفتح الجيم وهو الأغلب عند أهل الحديث وهو الذي فسر أبو عبيد وغيره فإنه الحظ وهو الذي تسميه العامة البخت قال أبو عبيد معناه لا ينفع ذا الغنى عندك غناه وإنما ينفعه العمل بطاعتك واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء وإذا أصحاب الجد محبوسون (1) يعني أصحاب الغنى وقد روي هذا الحديث بكسر الجيم وقد كان عبد الملك بن حبيب يقول لا يجوز فيه إلا الكسر وهو الاجتهاد قال والمعنى فيه أنه لا ينفع أحدا في طلب الرزق اجتهاده وإنما له ما قسم الله له منه وليس الرزق على قدر الاجتهاد ولكن الله يعطي من يشاء ويمنع [لا إله إلا هو الحليم الكريم] قال أبو عمر هذا أيضا وجه حسن [محتمل] غير مرفوع والله أعلم بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ذلك 1665 - مالك أنه بلغه أنه كان يقال الحمد لله الذي خلق كل شيء كما
270 ينبغي الذي لا يعجل شيء أناه وقدره حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله مرمى هكذا رواية يحيى وطائفة من رواة الموطأ يعجل شيء أناه وقدره كأنه يقول الحمد لله الذي قضى بأن لا يتقدم شيء وقته وحينه الذي قدر فيه أو قدر له وآناء الشيء وقته وحينه بدليل قول الله (عز وجل) * غير نظرين إنه " [الأحزاب 53] أي وقته وحينه ورواه القعنبي الذي لا يعجل بشيء أناه وقدره وروته طائفة معه هكذا والمعنى فيه أن الله لا يعجل ما قضى بتأخيره ولا يؤخر ما قضي بتعجيله وكل على ما سبق في علمه والأناء والأناة في اللغة التأخير قال الشاعر (وأنيت العشاء إلى سهيل * أو الشعرى فطال بنا الأناء (1)) المعنى أنه لا يجري كل شيء إلا على ما قد سبق في علمه لا يتقدم شيء ولا يتأخر عن وقته الذي سبق القضاء به وقد اختلف العلماء في قول الله (عز وجل) * يمحوا الله ما يشاء ويثبت " [الرعد 39] اختلافا كثيرا ليس هذا موضع ذكره للخروج بذلك عما قصدنا له حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن مسعر عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال قالت أم حبيبة اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم سألت الله (عز وجل) لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة ولو سألت الله أن
271 يعيذك من عذاب القبر أو عذاب النار كان خيرا لك (1) أخبرنا عبد الوارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ البغدادي قال حدثني أبو عمر سهل بن موسى قال قال حدثني أحمد بن عبدة قال حدثني أبو توبة نعيم بن مورع بن توبة العنبري قال أخبرني محمد بن سلمة المخزومي عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عبد الرحمن ألا أعلمك عوذة كان إبراهيم يعوذ بها بنيه إسماعيل وإسحاق وأنا أعوذ بها الحسن والحسين قال قلت بلى يا رسول الله قال كفى بسمع الله داعيا لمن دعاه لا مرمى وراء الله لرام فرمى 1666 - مالك أنه بلغه أنه كان يقال إن أحدا لن يموت حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب (2) هذا حديث مسند معروف عند أهل العلم فمن طرقه ما حدثني قاسم بن محمد قال حدثني خالد بن سعد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني عبيد بن عبد الرحمن بدمياط قال حدثني أبي قال حدثني عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إن أحدكم لن يموت] حتى يستوفي رزقه [فاتقوا الله] وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم وقد ذكرناه من وجوه في التمهيد بألفاظ مختلفة ومعنى واحد وأخذه أبو العتاهية - رحمه الله - فقال (أقلب طرفي مرة بعد مرة * لأعلم ما في الناس والقلب ينقلب) (فلم أر عزا كالقنوع لأهله * وأن يجمل الإنسان ما عاش في الطلب
272 ((47 كتاب حسن الخلق)) ((1 - باب ما جاء في حسن الخلق)) 1667 - مالك أن معاذ بن جبل قال آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز (1) أن قال أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل هكذا رواية يحيى عن مالك أن معاذ بن جبل ورواه غير مالك أنه بلغه أن معاذ بن جبل وروته طائفة من رواة الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل وقد ذكرنا في التمهيد من روى كل رواية منها ولا يؤخذ هذا الحديث بهذا اللفظ مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما المحفوظ أن رسول الله لما بعث معاذا إلى اليمن قال له يا معاذ اتق الله وخالق الناس بخلق حسن (2) وقد روي عن معاذ أنه قال آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال لا يزال لسانك رطبا بذكر الله (عز وجل) (3) وفي حديث آخر عن معاذ بن جبل أن آخر ما فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أي شيء أنجا لابن آدم من عذاب الله قال أن يموت ولسانه رطب من ذكر الله (عز وجل
273 وقد ذكرنا هذه الأحاديث كلها بأسانيدها في التمهيد 1668 - مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي] أنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها قال أبو عمر دين الله يسر والحنيفية سمحة وقال الله عز وجل * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * [البقرة 185] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة (1) وأما أخلاقه صلى الله عليه وسلم فلا يحصى الحسن منها كثرة ولو أفرد لها كتاب لقصر عنها ويكفي من ذلك قول الله عز وجل * (وإنك لعلى خلق عظيم) * [القلم 4] وقوله تعالى " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين " [الأعراف 199] وهذا الحديث قد رواه الفضيل بن عياض عن منصور عن الزهري بألفاظ أتم من ألفاظ مالك - رحمه الله حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني الفضيل بن عياش عن منصور بن المعتمر عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضبا وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما (2) وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال
274 حدثني مسدد قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في في سبيل الله ولا ضرب خادما ولا امرأة قط ولا خير في أمرين إلا كان أيسرهما أحب إليه ما لم يكن الإثم فإذا كان إثما كان أبعدهم منه وما انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن ينتهك من حرمات الله فيكون ينتقم لله (1) وهذا الحديث يدل ويندب الأمراء وسائر الحكام والعلماء إلا أنه ينبغي لكل واحد منهم أن يتجافى عن الانتقام لنفسه تأسيا بنبيه صلى الله عليه وسلم ولا ينسى الفضل والأخذ به في العفو عن من ظلمه وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه وأجمع الجمهور من الفقهاء أن القاضي لا يقضي لمن لا تجوز له شهادته من بنيه وآبائه وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الأخذ برخصة الله أولى لذوي العلم والحجا من الأخذ بالشدة فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن ينتهى عن محارمه وتجتنب عزائمه وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني سعيد بن أحمد بن عبد ربه وأحمد بن مطرف قالا حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثني يونس بن عبد الأعلى قال حدثني سفيان بن عيينة عن معمر قال إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة وأما التشديد فيحسنه كل أحد 1669 - مالك عن بن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه هكذا رواه يحيى بن شهاب في الموطأ عن علي بن حسين وتابعه زياد بن سعد وقد ذكرنا في التمهيد رواية من روى هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن علي بن حسين عن أبيه
275 وهو أيضا مع ذلك مرسل وذكرنا اختلاف أصحاب بن شهاب فيه عن بن شهاب وأحسن ذلك رواية الأوزاعي عن قرة بن حيوئيل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وقوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه من كلام النبوة وحكمتها وهو جامع لمعان جمة من الخير وفي صحف إبراهيم عليه السلام من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وقيل للقمان الحكيم ألست عبد بني الحسحاس قال بلى قالوا فما بلغ بك ما نرى قال صدق الحديث وأداء الأمانة وتركي ما لا يعنيني وروى بن وهب قال حدثني سحبل بن محمد الأسلمي قال سمعت محمد بن عجلان إنما الكلام أربعة أن تذكر الله أو تقرأ القرآن أو تسل عن علم فتخبر به أو تتكلم في ما يعنيك من أمر دنياك 1670 - مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة وأنا معه في البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس بن العشيرة ثم أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فلم أنشب (1) أن سمعت ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم معه فلما خرج الرجل قلت يا رسول الله قلت فيه ما قلت ثم لم تنشب أن ضحكت معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره قال أبو عمر هذا الحديث عند طائفة من رواة الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد أن بلغه عن عائشة ورواه جماعة كما رواه يحيى وقد روي عن عائشة من وجوه صحاح كلها مسندة منها حديث مجاهد عن
276 عائشة وحديث عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة وحديث بن المنكدر عن عروة عن عائشة [وأحسنها عندي حديث بن المنكدر عن عروة عن عائشة] حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن الخصيب القاضي قال حدثني جعفر بن محمد الفريابي قال حدثني علي بن عبد الله المديني قال حدثني سفيان بن عيينة قال سمعت محمد بن المنكدر يقول حدثني عروة بن الزبير أنه سمع عائشة تقول استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فبئس بن العشيرة أو بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له القول فلما خرج قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له القول فقال يا عائشة إن من شر الناس منزلة عند الله - عز وجل - يوم القيامة من ودعه الناس اتقاء فحشه قال بن المنكدر لا أدري أقال تركه الناس أو قال ودعه الناس قال سفيان فعجبت من حفظ بن المنكدر قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد أيضا حديث علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شرار الناس عند الله الذين يكرمون اتقاء شرهم (1)) وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شرار الناس الذين يتقون بغير سلطان بأسانيدهما وأخبرنا أحمد بن قاسم ويعيش بن سعيد ومحمد بن حكم قالوا حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثني القعنبي [عبد الله بن مسلمة قال حدثني عبد العزيز بن محمد] الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير الناس من يرجى خيره ويؤمن شره وشر الناس من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره 1671 - مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أنه قال إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء
277 قال أبو عمر يعني بعد موته والله أعلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثني معاوية بن عمرو قال حدثني زائدة قال حدثني حميدة عن أنس قال مر بجنازة فقيل لها خير فتتابعت الألسن بالخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت قال ومر بجنازة فقيل لها شر وتتابعت الألسن بالشر فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت أنتم شهداء الله في الأرض (1) وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن محمد قال حدثني أبو معمر قال حدثني عبد الوارث قال حدثني عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فذكر معنى ما تقدم وزاد من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار (2) قال أبو عمر كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (رضي الله عنهم) لا يثنون على أحد إلا بالصدق ولا يمدحون إلا بالحق لا لشيء من أعراض الدنيا شهوة أو عصبية أو تقية ومن كان ثناؤه هكذا يصح فيه هذا الحديث وما كان مثله والله أعلم 1672 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال بلغني أن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامىء بالهواجر وهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني أبو النضر قال حدثني الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله عن أبي أسامة عن عمرو مولى المطلب عن المطلب أن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار
278 حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد الصائغ قال حدثني عفان قال حدثني حماد بن سلمة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أكملكم إيمانا أحسانكم أخلاقا إذا فقهوا (1) حدثني خلف بن القاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثني عمرو بن عثمان الحمصي قال حدثني اليمان بن عدي عن زهير عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجة الساهر بالليل الظامئ بالهواجر وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو مولى المطلب عن المطلب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم وذكرت في التمهيد في باب يحيى بن سعيد أحاديث في هذا المعنى حسانا كلها في حسن الخلق أيضا حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أثقل شيء في الميزان خلق حسن (2) وقد ذكرته أيضا في التمهيد 1673 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة وهذا الحديث قد روي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق حسان قد ذكرتها في التمهيد منها ما حدثنا سلمة بن سعيد قال حدثني علي بن عمر قال حدثني محمد بن القاسم قال حدثني أبو كريب قال حدثني حسين بن علي الجعفي عن بن
279 عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصيام والصدقة إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها الحالقة (1) (2) قال أبو الدرداء أما إني لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين 1674 - مالك أنه قد بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت لأتمم حسن الأخلاق وهذا حديث مسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثناه سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري قال حدثني عبد العزيز بن محمد عن بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق وقد ذكرته في التمهيد من حديث معاذ بن جبل وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم [قال أبو عمر كذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم] ((2 - باب ما جاء في الحياء)) 1675 - مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء هكذا قال يحيى في هذا الحديث زيد بن طلحة وقال القعنبي وبن القاسم وبن بكير يزيد بن طلحة وهو الصواب وكذلك رواه وكيع وغيره عن مالك قالوا فيه يزيد إلا أن وكيعا قال في هذا الحديث يزيد بن طلحة عن أبيه وأنكره بن معين وغيره عليه لأنه ليس في الموطأ عن أبيه
280 وقد روي عن وكيع أيضا كما في الموطأ وقد ذكرنا شواهد ما قلناه في التمهيد وهو يزيد بن طلحة بن ركانة بن عبد يزيد [بن هاشم بن المطلب] بن عبد مناف قرشي مطلبي وهذا الحديث مسند [من وجوه] قد ذكرتها في التمهيد منها ما حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو بكر محمد بن الحسن بن صالح السبيعي الحلبي بدمشق قال حدثنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن يحيى الأودي قال حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني عن معن بن الوليد عن ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء من لا حياء له لا دين له وبإسناده عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زينوا الإسلام بخصلتين قلنا وما هما قال الحياء والسماحة في الله لا في غيره 1676 - مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الأيمان هكذا هذا الحديث عند جماعة رواة مالك في الموطأ وغيره لم يزيدوا شيئا في لفظه ولا اختلفوا في إسناده وأخطأ في إسناده جويرية عن مالك بما قد ذكرناه في كتاب التمهيد وكذلك رواه بن عيينة وغيره عن بن شهاب كما في الموطأ وقد زاد فيه عبد العزيز بن أبي سلمة وغيره ألفاظا حسانا حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا علي بن فارس بن شجاع البغدادي أبو العباس بمصر قال حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح قال حدثنا بشر بن الوليد الكندي قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن الزهري عن سالم
281 عن بن عمر قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعاتب أخاه في الحياء يقول إنك تستحي حتى إنه قد أضر بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان ومعنى هذا الحديث والله أعلم أن الحياء لما كان يمنع من كثير من الفحش والفواحش ويحمل على كثير من أعمال البر والخير صار كالأيمان مضارعا لأنه يساويه في بعض معانيه لأن الأيمان شأنه منع صاحبه من كل ما حرم عليه إذا صاحبه التوفيق فهو مقيد بالإيمان يردعه عن الكذب والفجور والآثام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن (1) والفتك القتل بعد الأمان والغدر بعد التأمين فلما كان الحياء والإيمان سببين إلى فعل الخير جعل الحياء شعبة من الأيمان لأنه يمنع مثل الإيمان من ارتكاب ما لا يحل وما يعد من الفحش والفواحش وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن الموفق له وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان (2) رواه عبد الله بن دينار وسهيل بن أبي صالح جميعا عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا طرق أسانيدها في التمهيد وللإيمان أصول وفروع فمن أصوله الإقرار باللسان مع اعتقاد القلب بما نطق به اللسان من الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن كل ما جاء به عن ربه حق من البعث بعد الموت والإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله وكل ما أحكمه الله في كتابه ونقلته الكافة عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الفرائض بعد هذا فكل عمل صالح فهو من فروع الإيمان فبر الوالدين من الإيمان وأداء الأمانة من الإيمان وحسن العهد من الإيمان وحسن الجوار من الإيمان وتوقير الكبير من الأيمان ورحمة الصغير حتى إطعام الطعام وإفشاء السلام من الإيمان
282 فهذه الفروع من ترك شيئا منها لم يكن ناقص الإيمان [بتركها كما يكون ناقص] [الإيمان] بارتكاب الكبائر وترك عمل الفرائض وإن كان مقرى بها وتلخيص هذا يطول ولا سبيل إلى إيراده في هذا الموضع وقد ذكرنا من ذلك في التمهيد ما فيه شفاء والحمد لله كثيرا وهذا كله يدل على أن الإيمان قول وعمل كما قال جمهور أهل العلم بالفقه والحديث وقد ذكرنا لهم ولسائر فرق الإسلام من التنازع في معنى الإيمان والإسلام أيضا وما نزعت به كل فرقة في ما ذهبت إليه من ذلك وفي باب بن شهاب عن سالم من كتاب التمهيد وذكرنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الآثار المرفوعة في معنى الإيمان عن السلف أيضا ما وصل إلينا من ذلك في الباب المذكور في التمهيد والحمد لله حدثني أحمد بن فتح قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن خالد قال حدثني عبيد الكشوري بصنعاء قال حدثني سلمة بن شبيب - قال أحمد بن خالد وحدثنا عيسى بن محمد الكشوري قال حدثني محمد بن يزيد قالا سمعنا عبد الرزاق يقول سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثوري ومعمر بن راشد ومالك بن أنس وبن جريج وسفيان بن عيينة وعبيد الله بن عمر والأوزاعي يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقلنا لعبد الرزاق فما تقول أنت قال أقول كما قالوا وإن لم أقل ذلك فقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين قال عبد الرزاق وكان معمر ومالك وبن جريج وسفيان الثوري يكرهون أن يقولوا أنا مستكمل الإيمان على إيمان جبريل وميكائيل وقد ذكرنا في التمهيد حديث مبارك بن حسان قال قلت لعطاء بن أبي رباح إن في المسجد عمر بن ذر ومسلم التحات وسالم الأفطس يقولون من زنى وسرق وشرب الخمر وقذف المحصنات وأكل الربا وعمل المعاصي أنه مؤمن كإيمان البر التقي الذي لم يعص الله فقال عطاء أبلغهم ما حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل القاتل حين يقتل وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن
283 قال فذكرت ذلك لسالم الأفطس وأصحابه فقالوا وأين حديث أبي الدرداء وإن زنى وإن سرق فذكرت ذلك لعطاء فقال كان هذا ثم نزلت الأحكام والحدود بعد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إيمان لمن لا أمانة له (1) وقال لا يفتك مؤمن (2) قال أبو عمر حديث أبي الدرداء حديث حسن روي عنه من وجوه منها ما قرأته على أبي عثمان سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني الحسن بن موسى الأشيب قال حدثني حماد بن سلمة عن الجريري عن محمد بن سعد بن مالك أن أبا الدرداء كان إذا قرأ هذه الآية * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * [الرحمن 46] قال وإن زنى وإن سرق وقال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قال قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قال قلت وإن زنى وإن سرق قال نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء (3) قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب قال سأل هشام بن عبد الملك الزهري قال حدثني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق (4) فقال الزهري أين يذهب بك يا أمير المؤمنين كان هذا قبل الأمر والنهي قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد حديث أبي بكرة وحديث أبي هريرة عن
284 النبي صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان (1) كحديث بن عمر وقد ذكرنا حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحياء خير كله (2) وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي [ببيت المقدس] قال حدثني محمد بن حماد الطهراني قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان الحياء في شيء قط إلا زانه ولا كان الفحش في شيء قط إلا شانه (3) وأخبرنا أحمد بن محمد قال أخبرنا [أحمد] بن الفضل قال حدثني الحسن بن علي العدوي قال حدثني خراش قال حدثني أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما ينزع الله من العبد الحياء فيصير ممقوتا ثم ينزع الله منه الأمانة فيصير خائنا مخونا ثم ينزع منه الرحمة فيصير فظا غليظا ويخلع ربقة الإسلام من عنقه فيصير شيطانا لعينا قال أبو عمر هذا إسناد ضعيف وخراش هذا مجهول والحديث بهذا اللفظ لا يعرف إلا من هذا الوجه والقطعة التي بهذا الإسناد كلها لا يشتغل أهل العلم بها منكرة عندهم موضعة والله أعلم وقد روي هذا الحديث من قول سلمان الفارسي من رواية زاذان عنه قال إذا أراد الله بعبد شرا أو هلكة نزع منه الحياء فلم تلقه إلا مقيتا ممقتا وإذا كان كذلك نزعت منه الرحمة فلم تلقه إلا فظا غليظا فإذا كان كذلك نزعت منه الأمانة فلم تلقه إلا خائنا [مخونا] فإذا كان كذلك نزعت ربقة الإسلام من عنقه فكان لعينا ملعونا ((3 - باب ما جاء في الغضب)) 1677 - مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن
285 رجلا أتى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغضب هكذا هذا الحديث في الموطأ عند [جماعة] رواته ومن رواه عن مالك عن بن شهاب عن حميد عن أبي هريرة أو عن حميد عن أبيه فقد أخطأ وقد ذكرنا من روى ذلك في التمهيد ورواه بن عيينة عن بن شهاب [عن حميد] عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي هذا الحديث من [غير] رواية بن شهاب مسندا من حديث أبي هريرة ومن حديث بن عم الأحنف بن قيس ومن حديث أبي سعيد الخدري وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) وقد ذكرناها في التمهيد ومعنى هذا الحديث عندي والله أعلم - أنه أراد علمني ما ينفعني بكلمات قليلة لئلا أنسى إن أكثرت علي فأجابه بلفظ يسير جامع ولو أراد علمني كلمات من الذكر [ما أجابه بمثل] ذلك الجواب وإنما أراد علمني بكلمات قليلة ما يكون نافعا لي وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني محمد بن زكريا المقدسي ببيت المقدس قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني أبو إسماعيل المؤدب عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أوصني بعمل أعمله قال لا تغضب (2) وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب
286 وروينا عن محمد بن جحادة قال كان الشعبي من أولع الناس بهذا البيت (ليس الأحلام في حين الرضا * إنما الأحلام في حال الغضب) وقال غيره (لا يعرف الحلم إلا ساعة الغضب *) وقال أبو العتاهية (أقلب طرفي مرة بعد مرة * لأعلم ما في الناس والقلب ينقلب) (فلم أر كنزا كالقنوع لأهله * وأن يجمل الإنسان ما عاش في الطلب) (ولم أر فضلا صح إلا على التقى * ولم أر عقلا تم إلا على أدب) (ولم أر في الأعداء حين خبرتهم * عدوا يفعل أعدى من الغضب) وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عفان قال حدثني خالد قال حدثني ضرار بن مرة أبو سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل قال لما رأى يحيى أن عيسى مفارقه قال له أوصني قال لا تغضب قال لا أستطيع قال لا تقتني مالا قال عسى 1678 - مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وقد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على مالك وعلي بن شهاب في إسناد هذا الحديث وأوضحنا أن الصحيح فيه ما في الموطأ وفيه دليل على أن مجاهدة النفس في صرفها عن هواها أشد محاولة وأصعب مراما وأفضل من مجاهدة العدو والله أعلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم وقوله عليه السلام يريد الذي يصرع الناسع ويكثر ذلك منه كما يقال للرجل الكثير النوم نومة وللكثير الحفظ حفظة وقيل للذي يكثر الضحك ضحكة وللذي يضحك الناس منه ضحكة بالتخفيف
287 ((4 - باب ما جاء في المهاجرة)) 1679 - مالك عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام قال أبو عمر يروى في هذا الحديث يهجر ويهاجر والمهاجرة تكون منهما والنهي مقصود به إليهما والأعراض أن يميل عنه بوجهه ويصغر خده ويوليه دبره قال الشاعر (إذا أبصرتني أعرضت عني * كأن الشمس من قبلي تدور) وفي الحديث رخصة في هجر المسلم لأخيه ما دون الثلاث كأنه - والله أعلم - ترك للقائه حتى تزول عنه ثورة غضبه أو نحو هذا والفضل في ذلك للمبتدأ بالسلام وقد ذكرنا في التمهيد حديثا مسندا من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أولى الناس بالله (عز وجل) من بدأهم بالسلام وهذا يحتمل من المهاجرين ومن غيرهم وذكرنا هناك أيضا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد فقد باء بالإثم [زاد أحمد] وخرج المسلم من الهجرة 1680 - مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
288 لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال قال مالك لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك كذا قال يحيى يهاجر وسائر الرواة يقولون يهجر قال أبو عمر قوله لا تباغضوا نهي معناه الندب إلى رياضة النفس على التحاب لأن المحبة والبغضة لا يكاد المرء يغلب فيهما نفسه لقول الله تعالى * (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) * [الأنفال 63] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف (1) وقد تقدم حديث أبي الدرداء أن البغضة خالقة للدين لأنها تبعث على الغيبة وستر المحاسن وإظهار المساوئ وربما آلت إلى أكثر من ذلك ولا معصوم إلا من عصمه الله (تعالى) وأما قوله فلا تحاسدوا فليس على ظاهره وإنما معناه لا يحسد أحدكم أخاه على نعمة أتاه الله وليسأل الله من فضله وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسد في الخير فقال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به ليله ورجل آتاه الله علما - أو قال حكمة - فهو يقضي بها ويعلمها (2) هكذا حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار (3) وقد ذكرنا الحديثين بأسانيدهما في التمهيد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
289 إذا حسدتم فلا تبغوا وإذا ظننتم فلا تحققوا وإذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا ويقال إن الحسد لا يكاد يسلم منه أحد فمن لم يحمله حسده على البغي لم يضره حسده وروينا عن الحسن البصري أنه قال ليس أحد من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد فمن لم يجاوزه إلى الظلم والبغي لم يتبعه منه شيء وقد أشبعنا هذا المعنى بالآثار عن السلف في ذم الحسد وفضل من لم يحسد الناس في باب الزهري عن أنس في التمهيد وأما قوله ولا تدابروا فقد مضى تفسيره لمالك وغيره في هذا الباب وأما قوله ولا يحل لمسلم أن يهجر أو يهاجر أخاه فهو عندي مخصوص أيضا بحديث كعب بن مالك إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهجروه ويقطعوا الكلام عنه والسلام عليه لما أحدثه في تخلفه عن غزوة تبوك وهو قادر على الغزو وقد جعل بعض أهل العلم حديث كعب هذا أصلا في هجران أهل البدع ومن أحدث في الدين ما لم يرض والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء فهجرانه والبعد عنه خير من قربه لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية وذكر بن وهب عن مالك أنه قال إذا أسلم عليه فقد قطع الهجرة وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل إذا سلم عليه هل يجزئه من ذلك سلامه قال ينظر إلى ما كان عليه قبل المصارمة فلا يخرجه من الهجران إلا بالعودة إلى ما كان عليه ولا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار قال أبو عمر قد روي عن مالك أيضا هذا المعنى والآثار المرفوعة تشهد لما رواه بن وهب وقد تقدمت 1681 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله
290 صلى الله عليه وسلم قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا قال أبو عمر روى عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد قيل وما المخرج منهن يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وروينا عن سفيان الثوري أنه قال الظن ظنان ظن فيه إثم وظن ليس فيه إثم فالظن الذي فيه الإثم ما يتكلم به والظن الذي لا إثم فيه ما لم يتكلم وروى أشهب عن نافع بن عمر عن بن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب قال لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرا وأما قوله ولا تجسسوا ولا تحسسوا [فقيل] معنى التجسس ومعنى التحسس سواء أو قريب من السواء وروى بن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل * (ولا تجسسوا) * [الحجرات 12] قال خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله (عز وجل) وروى هشيم عن مجاهد عن الشعبي قال فقد عمر بن الخطاب رجلا في الصلاة فانطلق هو وعبد الرحمن بن عوف فنظرا إليه وامرأته تناوله قدحا فيه شيء فقال عمر هذا الذي حبسه عنا فقال له عبد الرحمن وما يدريك ما في القدح قال عمر أتخاف أن يكون هذا من التجسس قال عبد الرحمن بل هو التجسس قال فما التوبة من هذا قال أن لا يكون في قلبك عليه من هذا المجلس شيء أبدا وروى الأعمش عن زيد بن وهب قال أتي بن مسعود فقيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذه به وروينا من حديث معاوية أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم
291 وقال أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية فنفعه الله بها ومن حديث المقدام بن معدي كرب وحديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الأمير إذا ابتغي الريبة في الناس أفسدهم (1) وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد 1682 - مالك عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخرساني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء قال أبو عمر في المصافحة أحاديث حسان ذكرنا كثيرا منها في التمهيد منها ما حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني أبو طالب محمد بن زكريا المقدسي قال حدثني جعفر بن محمد بن حماد قال حدثني آدم بن أبي إياس قال حدثني سليمان بن حيان قال حدثني الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا (2) وروينا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا إذا التقوا تصافحوا وقال الأسود وعلقمة من تمام التحية المصافحة وسئل الحسن البصري عن المصافحة فقال تزيد في المودة وروى بن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة وكان سحنون يروي هذه الرواية ويذهب إليها وقد روي عن مالك خلاف ذلك من جواز المصافحة وهو الذي عليه معنى الموطأ وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف ما أعلم بينهم في ذلك خلافا إلا ما وصفت لك ولا يصح عن مالك إلا كراهة الالتزام والمعانقة فإنه لم يعرف ذلك من عمل الناس عندهم وأما المصافحة فلا وأما الغل فهو العداوة والحقد وأما قوله عليه السلام تهادوا تحابوا فقد روي مسندا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال
292 حدثني محمد بن بكر الحضرمي قال حدثني ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا (1) ورواه يحيى بن معين عن أبي بكر عن ضمام بإسناده مثله وقد ذكرنا في التمهيد آثارا في هذا المعنى كثيرة جدا وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة كان يهدي إلى أصحابه وغيرهم وكان يقبل الهدية ويثيب عليها وقال صلى الله عليه وسلم لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى ذراع لأجبت (2) فالهدية بما وصفنا سنة إلا أنها غير واجبة لأن العلة فيها استجلاب المودة وسل سخيمة الصدر ووجده وحقده وغلة لتعود العداوة محبة والبغضة مودة وهذا مما تكاد الفطرة تشهد به لأن النفوس جبلت عليه 1683 - مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا (3) هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا 1684 - مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا (4) أو اركوا (5) هذين حتى يفيئا
293 قال أبو عمر حديث سهيل مسند صحيح حسن وفيه فضل كبير ليوم الاثنين والخميس لما يفتح الله فيهما من الرحمة لعباده والمغفرة لذنوبهم وقد ذكرنا في كتاب الصيام ما جاء في أبواب الجنة وعدتها وذكرنا في كتاب الصلاة الآثار الدالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا مخلوقة بعد وفي قول الله (عز وجل) * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * [النساء 48] وإجماع علماء المسلمين على أنه محكم لا يجوز النسخ عليه على ما يغني عن الاستدلال بأخبار الآحاد في معناه وفيه تعظيم ذنب المهاجرة والعداوة والشحناء لأهل الإيمان وهم الذين يأمنهم الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم المصدقون بوعد الله ووعيده المجتنبون لكبائر الإثم والفواحش والعبد المسلم من وصفنا حاله ومن سلم المسلمون من لسانه ويده فهؤلاء لا يحل لأحد أن يهجرهم ولا أن يبغضهم بل محبتهم دين وموالاتهم زيادة في الإيمان واليقين وفي هذا الحديث دليل على أن الذنوب بين العباد إذا تساقطوها وغفرها بعضهم لبعض أو خرج بعضهم لبعض عما لزمه منها سقطت المطالبة من الله - عز وجل - بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حتى يصطلحا فإذا اصطلحا غفر لهما وأما حديث مسلم بن أبي مريم [وهو موقوف عند جمهور رواة الموطأ وقد رواه بن وهب عن مالك عن مسلم بن أبي مريم] عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا وهو الصحيح لأنه لا يقال مثله بالرأي ولا يدرك بالقياس وقد ذكرنا الطرق عن بن وهب بما وصفنا في التمهيد والقول في معناه كالقول في حديث سهيل وأما قوله فيه أو اركوا هذين حتى يفيئا فقيل اركوا معناه اتركوا وقيل معناه أخروا هذين يقال وخر وأنظر هذا وأرج هذا وأرك هذا كل ذلك بمعنى واحد
294 وأما قوله حتى يفيئا فمعناه حتى يرجعا إلى ما عليه أهل المؤاخاة والمصافاة من الأخلاء والأولياء على ما كانا عليه من قبل أن يتهاجرا والفيء الرجوع والمراجعة قال الله (عز وجل) * فقتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله " [الحجرات 9] وقال في الذين يألون من نسائهم * (فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم) * [البقرة 226] أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من وطء أزواجهم وحنثوا أنفسهم في أيمانهم
295 ((48 كتاب اللباس)) ((1 - باب ما جاء في لبس الثياب للجمال بها)) 1685 - مالك عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار قال جابر فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هلم إلى الظل قال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى غرارة لنا فالتمست فيها شيئا فوجدت فيها جرو قثاء (1) فكسرته ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أين لكم هذا قال فقلت خرجنا به يا رسول الله من المدينة قال جابر وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا قال فجهزته ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه بردان له قد خلقا قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال أما له ثوبان غير هذين فقلت بلى يا رسول الله له ثوبان في العيبة (2) كسوته إياهما قال فادعه فمره فليلبسهما قال فدعوته فلبسهما ثم ولى يذهب قال فقال رسو الله ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا له قال فسمعه الرجل فقال يا رسول الله في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله قال الرجل قال فقتل في سبيل الله قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد الشواهد على سماع زيد بن أسلم من جابر وذكرنا ما في هذا الحديث من معاني الآداب منها أن من السنة التجمل بالثياب لمن قدر عليها
296 حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثني محمد بن العباس الحلبي قال حدثني علي بن عبد الحميد الغضائري قال حدثني سفيان بن وكيع قال حدثني أبي عن أشعث عن بكر المزني عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده (1) حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني مسلم قال حدثني شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك مال قال نعم قال من أي المال قال من كل المال من الخيل والإبل والرقيق قال فإذا أتاك الله مالا فلير عليك (2) 1686 - مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب قال أبو عمر القارئ ها هنا العابد الزاهد المتقشف والقراء عندهم العباد والعلماء ولهذا كان يقال للخوارج قبل خروجهم القراء لما كانوا فيه من العبادة والاجتهاد ومن ذلك أيضا قولهم من لم يتفيأ لم يحسن يتقرأ أي يتعبد ويزهد في الدنيا فقول عمر - رضي الله عنه - في هذا الحديث يدل على أن الزهد في الدنيا والعبادة ليس بلباس الخشن الوسخ من الثياب فإن الله تعالى جميل يحب الجمال وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى بن حماد قال حدثني شعبة قال حدثني أبان بن تغلب عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان فقال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال الكبر من بطر الحق وغمط الناس
297 حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن الحسن بن إسحاق ويحيى بن الربيع بن محمد وحدثني وهب بن محمد بن محمود وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أبو الزنباع روح بن الفرج القطان قال حدثني سعيد بن كثير بن عفير وعبد العزيز بن يحيى المدني قالا حدثني مالك بن أنس عن بن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري عن ثابت بن قيس بن شماس أنه قال يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال فيم قال إن الله ينهانا أن نحب أن نحمد بما لم نفعل وأجدني أحب الحمد ونهانا الله - عز وجل - عن الخيلاء وأنا امرؤ أحب الجمال ونهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهر الصوت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ثابت بن قيس أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة (1) زاد في حديث عبد العزيز قال مالك فقتل يوم اليمامة وروينا أن عمر بن الخطاب رأى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا غسيلا فقال له أجديد ثوبك هذا أم غسيل فقال له غسيل يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبس جديدا وعش حميدا وتموت شهيدا ويعطك الله قرة عين في الدنيا والآخرة (2) 1687 - مالك عن أيوب بن أبي تميمة عن بن سيرين قال قال عمر بن الخطاب إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع رجل عليه ثيابه قال أبو عمر هذا الخبر عن عمر إنما جاء في الصلاة رواه معمر عن أيوب عن بن سيرين قال قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أيصلي الرجل في الثوب الواحد قال أو كلكم يجد ثوبين حتى إذا كان في زمن عمر قام إليه [رجل] فقال أأصلي في ثوب واحد فقال عمر إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع رجل عليه ثيابه فصلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل وقميص قال وأحسبه قال في تبان ورداء في تبان وقميص في تبان وقباء
298 ورواه سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن بن سيرين أن عمر بن الخطاب قال إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثني عبد الله بن [سعيد] قال حدثني أحمد بن إبراهيم قالا حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني أبو عبيد الله قال حدثنا سفيان فذكره وروى معمر عن أيوب عن نافع قال رآني بن عمر أصلي في ثوب واحد فقال ألم أكسك ثوبين فقلت بلى قال أرأيت لو أرسلتك إلى فلان أكنت ذاهبا في هذا الثوب فقلت لا فقال الله حق من تزين له أو قال من تزينت له (1) قال الخليل بن أحمد التبان شبه السراويل صغير تذكره العرب قال أبو عمر قول عمر - رضي الله عنه إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم وأن مخرجه على أحد الثياب في الصلاة فإنه كلام جامع في الإنفاق وفي التجمل أيضا في الصلاة وغيرها وروينا عن الحسن البصري من وجوه قال اختلف أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد فقال أبي لا بأس به قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد فالصلاة في الثوب الواحد جائزة وقال بن مسعود إنما كان ذلك إذ كان الناس لا يجدون الثياب فأما إذا وجدوها فالصلاة في ثوبين فقام عمر على المنبر فقال القول ما قال أبي ولم يأل بن مسعود قال أبو عمر قد أوضحنا هذا المعنى في كتاب الصلاة والحمد لله كثيرا وأما قوله جمع امرؤ عليه ثيابه فهذا اللفظ الخبر والمراد به الأمر كأنه قال وسعوا على أنفسكم إذا وسع الله عليكم وأجمعوا عليكم ثيابكم في الصلاة والعيدين والجمعة ونحو ذلك من المحافل ومجتمع الناس ومثل هذا قول الخطيب الواعظ (فاتقى عبد ربه ونصح لنفسه *) أي فليتق عبد ربه ولينصح لنفسه والله أعلم
299 ((2 - باب ما جاء في لبس الثياب المصبغة والذهب)) 1688 - مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق (1) والمصبوغ بالزعفران وسمعت مالكا يقول وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئا من الذهب لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تختم الذهب قال مالك فأنا أكرهه للرجال الكبير منهم والصغير قال مالك في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال وفي الأفنية قال لا أعلم من ذلك شيئا حراما وغير ذلك من اللباس أحب إلي قال أبو عمر أما لبس الثياب المصبوغة بالمعصفر والمصبوغة بالزعفران فقد اختلف السلف في لباسها للرجال فكره ذلك قوم ولم ير آخرون بذلك بأسا وممن كان يلبس المعصفر ولا يرى به بأسا عبد الله بن عمر والبراء بن عازب وطلحة بن عبيد الله وأبو جعفر محمد بن علي وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وأبو وائل شقيق بن سلمة وزر بن حبيش وعلي بن حسين ونافع بن جبير بن مطعم وذلك كله في كتاب أبي بكر بن أبي شيبة بالأسانيد عنه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون عن هشام عن محمد بن سيرين قال كان المعصفر لباس العرب ولا أعلم شيئا هدمه في الإسلام وكان لا يرى به بأسا قال وحدثني أبو أسامة عن بن عون عن محمد بن سيرين أنه كان لا يرى بأسا بلباس الرجل الثوب المصبوغ بالعصفر والزعفران وهذا كله قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم في لباس المعصفر حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني شريك [عن أبي إسحاق
300 عن البراء قال ما رأيت أجمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم مترجلا في حلة حمراء (1) وكره بعض العراقيين لباس الزعفران للرجال لحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يتزعفر الرجل (2) وأما الذين كرهوا المعصفر للرجال فمنهم الحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد والزهري وروي ذلك عن بن عباس مرفوعا وموقوفا وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منها ما حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني موسى بن معاوية وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير الحضرمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعلي ثوب معصفر فقال ألقها فإنها ثياب الكفار وبه عن وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن حنين قال سمعت عليا - رضي الله عنه - يقول نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم - عن لبس المعصفرة (4) وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو خالد الأحمر عن حجاج عن أبي بكر بن حفص عن أبي حنين عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تلبسوا ثوبا أحمر متوردا وبه عن أبي بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني محمد بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية إذأخر
301 فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال ما هذا فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال يا عبد الله ما فعلت الريطة فأخبرته فقال ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بذلك للنساء (1) وبه عن أبي بكر قال حدثني علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدم قال يزيد قلت للحسن ما المفدم قال المشبع بالعصفر قال أبو عمر هو الحسن بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف أبو عبد الحميد بن سهل وبه عن أبي بكر قال حدثني محمد بن عبد الله الأسدي عن عبيد الله بن عبد الرحمن قال حدثني عمي عن أبي هريرة عن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعصفر وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن تميم الخزاعي قال حدثتنا عجوز لنا قالت كنت أرى بن عمر إذا رأى على رجل ثوبا معصفرا ضربه وقال ذروا هذه البراقات للنساء وبه عن أبي بكر قال حدثني وكيع عن فضيل عن نافع أن بن عمر رأى علي بن له معصفرا فنهاه وبه عن أبي بكر قال حدثني بن علية عن ليث عن عطاء عن بن طاوس ومجاهد أنهم كانوا يكرهون التضريج فما فوقه للرجال وبه عن أبي بكر قال حدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري أنه كان يكره المعصفرة للرجال قال أبو عمر اختلف في لباس المعصفر عن بن عمر وأكثر أهل المدينة يرخصون فيه كما قال مالك ولم يكرهه عمر بن الخطاب ولا أنكره على طلحة بن عبيد الله إلا في الإحرام والله أعلم
302 وما أظن عامة المسلمين من الرجال تركوا لباس المعصفر إلا على الأصل الذي ذكرنا من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم - والله أعلم وأما التختم بالذهب فلا أعلم أحدا من أئمة الفتوى أجاز ذلك للرجال وكلهم يكرهونه لذكور الصبيان لأن الآباء متعبدون فيهم والأصل في ذلك نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تختم الرجال رواه مالك عن نافع عن إبراهيم عن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لبس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع (1) وقد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على نافع وعلى إبراهيم بن عبد الله بن حنين [في إسناد هذا الحديث وذكرنا طرقه عن علي من غير هذا الإسناد وذكرنا الاختلاف في] لفظه عن رواته عن علي - رضي الله عنه فإن بعض رواته يقول فيه عن علي نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم وكل ذلك مذكور في التمهيد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التختم بالذهب [من وجوه غير حديث علي - رضي الله عنه] منها حديث عائشة - رضي الله عنها - وحديث البراء حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني علي بن مسهر عن الشيباني عن أشعث بن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد عن البراء قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب (3) [وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحرير والذهب هذان حرام على ذكور أمتي حلال لإناثهم (3) وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد
303 فإن قيل إن السلف قد اختلفوا في التختم في الذهب] وليس في اتفاق فقهاء الأمصار حجة مع الاختلاف عن من قبلهم قيل الحجة في ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى الرجال عن لباس الحرير والذهب ومعلوم أن التختم من اللباس وقد جاء عنه نص النهي عن التختم بالذهب وأجمعوا أنه للنساء مباح فلم يبق إلا الرجال ولما كان على الآباء فرضا منع أبنائهم مما حرم الله عليهم من أكل الخنزير والخمر والدم فكذلك سائر المحرمات وسائر المكروهات وممن روي عنه كراهة التختم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وبن عباس وعائشة وأم سلمة كرهتاه للرجال وسعيد بن جبير وإبراهيم ومحمد بن علي بن حسين والحسن وبن سيرين وروينا الرخصة في التختم بالفضة للرجل عن البراء بن عازب وهو عندي مرفوع عنه بما روينا في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن التختم بالذهب وحذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وجابر بن سمرة وعبد الله بن يزيد الخطمي وأبي أسيد وأنس بن] مالك وإبراهيم التيمي كل هؤلاء روي عنهم في كتاب بن أبي شيبة أنهم كانوا يختتمون بالذهب وفي الأسانيد عنهم ضعف والحجة في السنة لا في ما خالفها وبالله التوفيق حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن أبي سعيد عن أبي الكنود قال أصبت عظيما من عظمائهم يوم مهران فأصبت عليه خاتم ذهب فلبسته قرآه علي بن مسعود فتناوله فوضعه بين ضرسين من أضراسه فكسره ثم رمى به إلي ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن خاتم الذهب وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني علي بن مسهر عن يزيد عن الحسن بن سهل عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب
304 ((3 - باب ما جاء في لبس الخز)) 1689 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف (1) خز كانت عائشة تلبسه قال أبو عمر لبس الخز جماعة من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين فمن الصحابة بن عباس وأبو قتادة وعبد الله بن أبي أوفى وأبو هريرة وعبد الله بن الزبير والحسين بن علي وذكر وكيع عن إسماعيل عن حكيم بن جبير عن خيثمة أن ثلاثة عشر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسون الخز وعن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال كان لأبي بكر مطرف خز سداؤه حرير فكان يلبسه ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي ليلى والأحنف بن قيس وقيس بن أبي حازم وشبيل بن عوف وشريح والشعبي وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وعلي بن الحسين وابنه أبو جعفر محمد بن علي بن حسين وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعمر بن عبد العزيز أيام إمارته وهذا كله من كتاب أبي بكر بن أبي شيبة بالأسانيد عنه واختلف عن سعد بن أبي وقاص في لبس الخز فروي عنه أنه كان يلبسه وروي عنه أنه كرهه وكان مالك بن أنس ربما لبس الخز ذكره عنه جماعة من أصحابه أنه كان يلبس الخز وأما الذين كانوا يكرهون لباس الخز منهم سالم بن عبد الله والحسن ومحمد بن سيرين وكان سعيد بن المسيب لا يلبسه ولا ينهى عنه وذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن عن علي بن زيد قال جلست إلى سعيد بن المسيب وعلي جبة خز فأخذ بكم جبتي فقال
305 ما أجود جبتك هذه قلت وما تعني وقد أفسدوها علي قال ومن أفسدها قلت سالم فقال إذا صلح قلبك فالبس ما بدا لك قال فذكرت قوله للحسن فقال إن من صلاح القلب ترك الخز وقال أبو بكر حدثني يزيد بن هارون عن بن عون عن محمد قال كانوا يلبسون الخز ويكرهونه ويرجون رحمة الله (عز وجل) قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أن ما كان سداؤه ولحمته حرير لا يجوز لباسه للرجال وكان عبد الله بن عمر يكره قليل الحرير وكثيره وكان لا يلبس الخز وسنذكر هذا المعنى في باب لبس الثياب من هذا الكتاب عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة عطارد إنما يلبس هذه من لا خلاق لهم (1) إن شاء الله عز وجل ((4 - باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب)) 1690 - مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى حفصة خمار رقيق فشقته عائشة وكستها خمارا كثيفا 1691 - مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وريحها يوجد من مسير خمسمائة سنة
306 قال أبو عمر المعنى في هذين الحديثين سواء فكل ثوب يصف ولا يستر فلا يجوز لباسه بحال إلا مع ثوب يستر ولا يصف فإن المكتسية به عارية كما قال أبو هريرة وهو محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة من غير رواية مسلم بن أبي مريم وقد رواه عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعلم أحدا رواه مسندا عن مالك غيره إلا رواية جاءت عن بن بكير عن مالك قد ذكرتها في التمهيد حدثني خلف بن قاسم وعلي بن إبراهيم قالا حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني العباس بن محمد البصري قال حدثني أحمد بن صالح البصري قال قرأت على عبد الله بن نافع عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني الحسن بن الحضر قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان من أهل النار قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا كذا أما قوله كاسيات عاريات فمعناه كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة إذ لا تسترهن تلك الثياب وقوله مائلات يعني عن الحق مميلات يعني لأزواجهن إلى أهوائهن وقوله لا يدخلن الجنة إلى آخر قوله مقيد عندي بقول الله عز وجل " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء 48] وقوله " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " [الأنفال 38] وقوله " فأغفر للذين تابوا " [غافر 7] 1692 - مالك عن يحيى بن سعيد عن بن شهاب أن رسول الله قام من الليل فنظر في أفق السماء فقال ماذا فتح الليلة من الخزائن وماذا وقع من الفتن
307 كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة أيقظوا صواحب الحجر (1) هذا الحديث يروى مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفهمه يحيى بن سعيد من رواية مالك ولا من رواية غيره عنه وقد ذكرنا الاختلاف على يحيى بن سعيد فيه في التمهيد وقد جوده معمر عن بن شهاب حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن المبارك وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة أن النبي استيقظ ليلة فقال سبحان الله ماذا أنزل الله عز وجل من الفتن وماذا فتح من الخزائن وهذا لفظ بن المبارك وقال عبد الرزاق بإسناده عن أم سلمة قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وهو يقول لا إله إلا الله ماذا فتح الله من الخزائن لا إله إلا الله ماذا أنزل الله من الفتنة ثم اتفقا فقالا من يوقظ صواحب الحجر رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة وقال عبد الرزاق يا رب كاسيات في الدنيا عاريات يوم القيامة في هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عن غيب وقع بعده وذلك أنه فتح الله على أمته بلدان المشرق والمغرب من ديار الكفر ودرت به الأرزاق وعظمت الخيرات وذلك كله من خزائن رحمة الله ووقع من الفتن بعده منذ قتل عثمان - رضي الله عنه - إلى يومنا هذا ما لا يحيط بعلمه إلا هو ولن يزال الهرج إلى قيام الساعة - والله أعلم وأما قوله أيقظوا صواحب الحجر فالحجر جمع حجرة وهي بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم أمر أن يوقظن في تلك الليلة لئلا يكن من الغافلين في ليلة فيها آية من آيات الله - عز وجل - ولعلها كانت ليلة القدر التي يفرق فيها كل أمر حكيم أو غيرها فقد كانت فيها آية
308 ومن سنته صلى الله عليه وسلم عند الآيات ذكر الله والصلاة ((5 - باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبة)) 1693 - مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة وذكره عن [عبد الله بن دينار وحده] عن بن عمر مسندا أيضا وذكره 1694 - عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلى من يجر إزاره بطرا قال أبو عمر في هذا الحديث أن من يجر إزاره أو ثوبه خيلاء أو لم يجره بطرا لم يلحقه الوعيد المذكور فيه والخيلاء الاختيال وهو التكبر والتبختر والزهو وكل ذلك أشر وبطر وازدراء على الناس واحتقار لهم والله لا يحب كل مختال فخور ولا يحب المستكبرين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ركانة قال لا يدخل شيء من الكبر الجنة (1) وقد ذكرنا في التمهيد من حديث بن المبارك عن موسى بن عقبة عن سالم عن إبيه أن أبا بكر الصديق قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا الحديث يا رسول الله إن أحد شقي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست تصنع ذلك خيلاء ورواه سفيان بن عيينة عن موسى بن عقبة وعن سالم بن عبد الله عن أبيه قال لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار ما ذكر قال أبو بكر يا رسول الله إن
309 إزاري يسترخي من أحد شقي أحيانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست منهم يا أبا بكر 1695 - مالك عن نافع وعبد الله بن دنيار وزيد بن أسلم كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء وقد كان بن عمر يكره أن يجر الرجل ثوبه على كل حال خيلاء كان ذلك أو بطرا أو غير خيلاء ولا بطرا وقد ذكرنا الآثار عنه بذلك في التمهيد والحجة لابن عمر حديث مالك في هذا الباب 1696 - عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار فقال أنا أخبرك بعلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ما أسفل من ذلك ففي النار ما أسفل من ذلك ففي النار لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد حديث بن عمر أنه قال ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص يعني أن ما تحت الكعبين من القميص فهو في النار وكما قال في الإزار عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره فضول الثياب ويقول فضول الثياب في النار وسئل سالم بن عبد الله عما جاء في إسبال الإزار ذلك في الإزار خاصة فقال بل هو في القميص والإزار والرداء والعمامة وعن نافع أنه سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين ففي النار من الثياب ذلك فقال وما ذنب الثياب بل هو من القدمين قال أبو عمر قد كانت العرب تمدح تشمير الإزار
310 وقال متمم بن نويرة في رثائه لأخيه مالك بن نويرة (تراه كنصل السيف يهتز للندى * وليس على الكعبين من ثوبه فضل) وقال العجير السلولي (وكنت إذا داع دعا لمضوفة * أشمر حتى ينصف الساق مئزري) (1) وقد زدنا معاني هذا الباب بيانا بالآثار والأشعار في التمهيد وأجمع العلماء على أن تشمير الثياب للرجال لا للنساء ((6 - باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبها)) 1697 - مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى بن عمر عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت حين ذكر الإزار فالمرأة يا رسول الله قال ترخيه شبرا قالت أم سلمة إذا ينكشف عنها قال فذراعا لا تزيد عليه قال أبو عمر عجبت من بن وضاح كان يقول لا تزيد عليه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد روينا هذا الحديث من وجوه كثيرة قد ذكرتها في التمهيد فيها كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم فذراعا لا تزيد عليه واختلف في إسناد هذا الحديث على نافع [على ما] ذكرناه في التمهيد ولم يختلفوا عليه في لفظه إلا أن بعضهم يقول فيه إذن ينكشف قدمها ومنهم من يقول إذن تخرج أقدامهن قال فذراع [لا تزيد] عليه
311 وقد ذكر القعنبي وغيره عن مالك في هذا الباب من الموطأ حديث مالك عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة فقالت إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت أم سلمة قال رسول الله يطهره ما بعده (1) وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في كتاب الصلاة وهذان الحديثان [يدلان] على أن نساء العرب لم يكن يلبسن الخفين ولو لبسن الخفين ما احتجن إلى إطالة الذيول وإن كان منهن من يلبس الخفين في السفر لا في الحضر وهذا هو المعروف [عند السلف] في زي الحرائر ولباسهن إطالة الذيول ألم تسمع إلى قول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت (كتب القتل والقتال علينا * وعلى المحصنات جر الذيول) وقد روي أن أول امرأة جرت ذيلها [هاجر] أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام [ذكر سنيد قال حدثني بن عليه عن أيوب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أول امرأة جرت ذيلها أم إسماعيل] لما قربت من سارة أرخت ذيلها لتقفي أثرها قال ومن هذا أخذت نساء العرب جر الذيول قال بن عباس وأول من سعى بين الصفا والمروة أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم ((7 - باب ما جاء في الانتعال)) 1698 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا قال أبو عمر هذا نهي أدب وإرشاد والله تعالى أعلم وإجماعهم أنه إذا مشى في نعل واحدة لم يحرم عليه النعل وليس عاصيا عند الجمهور وإذا كان بالنهي عالما
312 وأما أهل الظاهر فقالوا هو عاص إذا كان بالنهي عالما وقد مضى في باب النهي عن أكل ذي ناب من السباع الأصل ما يكون من النهي نهي تحريم وما يكون منه على وجه الأدب والندب والاستحسان فلا وجه لإعادته وقد روى جابر بن عبد الله في هذا الباب مثل ما رواه أبو هريرة أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أبو الوليد الطيالسي قال حدثني زهير قال حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ولا يمش في خف واحدة ولا يأكل بشماله (1) وحديث أبي هريرة وحديث جابر هذان صحيحان ثابتان وقد روي عن عائشة - رضي الله عنها - معارضة لحديث أبي هريرة في هذا الباب ثم لم يلتفت أهل العلم إلى ذلك لأن السنن لا تعارض بالرأي فإن قيل لم تعارض أبا هريرة برأيها وإنما ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما انقطع شسع نعله فمشى في نعل واحد قيل لم يرو هذا والله أعلم إلا مندل بن علي عن ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ومندل وليث ضعيفان لا حجة في ما نقلا منفردين فكيف إذا عارض نقلهما نقل الثقات [الأئمة] وبالله التوفيق ذكر أبو بكر قال حدثني بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة كانت تمشي في خف واحدة وتقول لأخيفن أبا هريرة وهذا هو الصحيح لا حديث مندل عن ليث وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه مشى في النعل الواحدة وهذا يحتمل أن يكون يسيرا وهو يصلح الأخرى وأن يكون لم يبلغه ما رواه أبو هريرة وجابر فما من الصحابة إلا من غاب عنه بعض السنن وكانت عند غيره منهم على أن حديث علي لا يثبت لأنه إنما يرويه [زياد بن أبي يزيد] عن رجل من
313 مزينة عن علي أنه رآه يمشي في نعل واحدة وهو يصلح شسعه وكذلك رواية ليث عن نافع عن بن عمر مثله سواء وهو ليث بن أبي سليم [ضعيف] ليس بحجة وقد ذكرنا في التمهيد من حديث بن عون عن بن سيرين قال كانوا يكرهون أن يمشي الرجل في النعل الواحدة ويقولون ولا خطوة واحدة وروى عيسى بن دينار عن بن القاسم عن مالك أنه سئل عن الذي ينقطع شسع نعله وهو في أرض حارة هل يمشي في الأخرى حتى يصلحها قال لا ولكن ليخلعهما جميعا أو ليقف 1699 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال ولتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع قال أبو عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في أمره كله في طعامه وشرابه ولباسه وانتعاله ووضوئه وغير ذلك من شأنه والمعنى والله أعلم في الابتداء باليمنى في الانتعال يفضل اليمنى على اليسرى بالإكرام لها لبقاء زينتها من اللباس عليها شيئا ما فتكون أول ما تكسى الخف والنعل وآخر ما ينزع ذلك منها قد قيل هذا والله عز وجل - أعلم بما أراد نبيه صلى الله عليه وسلم بتفضيل اليمنى على اليسرى وحسبنا التبرك باتباعه في جميع أفعاله فإنه مهدي موفق صلى الله عليه وسلم ومن تفضيله اليمن أن جعلها للأكل والشرب وجعل اليسرى للاستنجاء وقد ذكرنا في التمهيد حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا بميامنكم
314 وقد روينا عن جماعة من السلف أنهم كانوا يبدؤون في الانتعال باليمنى وإذا خلعوا بدءوا باليسرى وذلك لصحة الحديث المذكور في هذا الباب عندهم والله أعلم 1700 - مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أن رجلا نزع نعليه فقال لم خلعت نعليك لعلك تأولت هذه الآية * (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) * [طه 12] قال ثم قال كعب للرجل أتدري ما كانت نعلا موسى قال مالك لا أدري ما أجابه الرجل فقال كعب كانتا من جلد حمار ميت قال أبو عمر قد تابع كعبا على قوله - أن نعلي موسى كانتا حين كلمه ربه من جلد حمار غير ذكي - طائفة من أهل العلم منهم عكرمة وقتادة وروي ذلك عن علي بن أبي طالب من طريق منقطع ضعيف وروي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانت نعلا موسى من جلد حمار غير ذكي يوم كلمه الله عز وجل قال أبو عمر حميد الأعرج هذا ليس هو حميد بن قيس المكي الأعرج المقرئ شيخ مالك وإنما هو حميد بن عطاء الأعرج الكوفي ضعيف الحديث كلهم يضعفه وأكثر أحاديثه مناكير وعبد الله بن الحارث هذا هو المكتب الزبيدي الكوفي لم يسمع من بن مسعود شيئا وإنما يروي عن أبي كثير الزبيدي زهير بن الأقمر وكان الحسن البصري ومجاهد يقولان لم تكن نعلا موسى من جلد حمار ميت وإنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض المقدسة والمقدسة المطهرة المباركة ذكر بن جريج عن مجاهد أنه قيل له أكانت نعلا موسى من جلد حمار أو ميتة قال لا ولكن أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض قال مجاهد في قوله * (إنك بالواد المقدس طوى) * [طه 12] قال طيء الأرض حافيا والوادي المقدس قالوا قدس مرتين بورك مرتين قال بن جريج وقال الحسن كانتا من جلد بقر وإنما أراد أن يباشر بقدميه بركة الأرض وكان قد قدس مرتين
315 وقال بن أبي نجيح في قول الله عز وجل * (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) * [طه 12] يقول أفض بقدميك إلى بركة الأرض وقد حدثني عبد الله بن سعيد [وهو السختياني] قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن فراس وحدثني سعيد بن عثمان قال حدثني أحمد بن دحيم قالا حدثني محمد بن إبراهيم بن الفضل الديلي قال حدثني أبو عبد الله المخزومي قال حدثني سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن أبي قلابة قال قال كعب الأحبار إنما أمر الله عز وجل موسى أن يخلع نعليه لأنهما كانتا من جلد حمار ميت وأراد أن يباشر الوادي المقدس بقدميه قال أبو عمر هذه الرواية عن كعب جمعت المعنيين معا ((8 - باب ما جاء في لبس الثياب)) 1701 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين عن الملامسة (1) وعن المنابذة (2) وعن أن يحتبي (3) الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه (4) قال أبو عمر قد مضى تفسير معنى الملامسة والمنابذة في كتاب البيوع وأما قوله أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وأن يشتمل بالثوب الواحد على أحد شقيه فهذا عند العلماء هو تفسير معنى اللبسة الصماء التي جاء الحديث في النهي عنها حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا كثير بن هشام قال حدثني
316 جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين الصماء وهي أن يلتحف الرجل في الثوب الواحد أو يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس بين فرجه وبين السماء ستر قال أبو عمر سيأتي تفسير الصماء وما قال في ذلك أهل اللغة والفقهاء في باب النهي عن الأكل بالشمال فهناك ذكر مالك حديثه عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في لبسه الصماء 1702 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر يا رسول الله أكسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له مشركا بمكة قال أبو عمر لا يختلفون أن الحلة عند العرب ثوبان اثنان أكثرهما من البرود اليمنية وأما قوله سيراء فقيل هي البرود التي يخالطها الحرير حكي ذلك عن الخليل وروينا عن بن شهاب قال السير المضلع بالقز وهذا مذهب من لم يجز لباس ثوب خالطه حرير أو كان فيه شيء من الحرير سداء أو لحمة وسنذكر من ذهب إلى هذا من العلماء وقيل الحلة السيراء هي الحرير الصافي ليس فيه غير الحرير وهذا هو الذي تدل عليه الآثار وهو الصحيح في صفة هذه الحلة
317 رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر أن عمر قال يا رسول الله إني مررت بعطارد - أو لبيد - وهو يعرض حلة حرير فلو اشتريتها للجمعة [و] للوفود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ورواه الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه فقال فيه حلة من إستبرق والإستبرق الحرير الغليظ وقيل الديباج الغليظ وفي حديث سالم أيضا أن الرجل البائع [المذكور] للحلة المذكورة عطارد أو لبيد [ورواه] محمد بن سيرين عن بن عمر عن عمر أنه خرج يريد النبي صلى الله عليه وسلم فمر بالسوق فرأى عطاردا يقيم حلة حرير يعني أقامها للبيع قال أبو عمر أجمع العلماء على أن لباس الحرير حلال للنساء وأن الثوب إذا كان حريرا كله سداه ولحمته لا يجوز لباسه للرجال حدثني محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال وحدثني علي بن إبراهيم بن حمويه قراءة مني عليه قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني أبو بكر يموت بن المزرع بن يموت البصري قراءة عليه قالا حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الصيرفي قال حدثني يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ويحيى بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد وأبو معاوية الضرير وحماد بن مسعدة زاد محمد بن إبراهيم في حديثه ومعتمر بن سليمان كلهم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل لإناث أمتي لباس الحرير والذهب وحرم على ذكورها (1) وروى تحريم لباس الحرير على الرجال عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين والبراء بن عازب وعبد الله بن الزبير وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعقبة بن عامر وأبو أمامة وأبو هريرة وقد ذكرنا كثيرا من أحاديثهم في التمهيد
318 وأجمع العلماء على أن ملك الحرير للرجال جائز حلال وإنما حرم عليهم لباسه واختلفوا في استعمال الرجال له في غير اللباس كالبسط والارتفاق وشبهه ورخصت طائفة من العلماء للرجال لباس ما فيه العلم من الحرير الأصبع والأصبعين والثلاثة وحجتهم في ذلك حديث عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أهل البصرة مع عتبة بن فرقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير وقال لا تلبسوا منه إلا كذا أو كذا وأشار بالسبابة والوسطى وبعض رواته يقول فيه وأشار بالسبابة والإبهام قالوا فعلمنا أنها الأعلام وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد وكانت عائشة ترخص في العلم من الحرير للرجال وكذلك أسماء بنت أبي بكر وأنكرت على عبد الله بن عمر تحريم قليله وكثيره حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبي عمر مولى أسماء قال رأيت بن عمر اشترى عمامة لها علم فدعا بالجلمين فقصه فدخلت علي أسماء فذكرت ذلك لها فقالت بؤسا لعبد الله يا جارية هاتي جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرج بالديباج قال أبو عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس تلك الجبة في الحرب وربما لبسها للعدو حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن أبي عمر عن أسماء بنت أبي بكر أنها أخرجت جبة مزررة بالديباج فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس هذه إذ لقي العدو وقال عطاء بن أبي رباح لا بأس بلبس الحرير في الحرب إذا كان جبة أو سلاحا
319 وقال هشام بن عروة كان أبي له يلمق من ديباج يلبسه في الحرب وقال أبو بكر حدثني ريحان بن سعيد عن مرزوق عن بن عمرو قال قال أبو فرقد رأيت على تحافيف أبي موسى الديباج والحرير وقد رخص فيه للتداوي من الجرب والحكة حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع ومحمد بن بشر قالا حدثنا سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك أنبأهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للزبير بن العوام ولعبد الرحمن بن عوف في لباس قميص الحرير من حكة كانت بهما وكره مالك لباس الحرير في الحرب [ولم] يرخص فيه للحكة والجرب ولم تثبت عنده الرخصة في ذلك هذا تحصيل مذهبه وقد روي عنه الرخصة فيه للحكة وبه قال بن حبيب [وكان بن محيريز وعكرمة وبن سيرين يكرهون شيئا من لباس الحرير في الحرب] وقال بن محيريز كراهته في الحرب أشد لما يرجو من الشهادة وروي عن عمر بن الخطاب كراهية لباسه في الحرب وقد ذكرته في التمهيد بأكثر من هذا وأما الخبر عن بن عمر في كراهة قليل الحرير وكثيره فحدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني إبراهيم بن عرعرة قال حدثني معاذ بن معاذ قال حدثني بن عون عن الحسن قال دخلنا علي بن عمر وهو بالبطحاء فقال رجل يا أبا عبد الرحمن ثيابنا هذه قد خالطها الحرير وهو قليل فقال اتركوا قليلة وكثيره وكان الحسن يكره كثيره وقليله قال أبو عمر تابع الحسن في ذلك بن عمر كراهة وكان بن عمر كثير التشدد وأما بن عباس فقال إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب الذي هو حرير كله
320 حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني النفيلي وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثني يحيى بن يحيى قال أخبرنا زهير أبو خيثمة قال حدثني خصيف عن عكرمة عن بن عباس قال إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير فأما القلم من الحرير وسدا الثوب فليس به بأس قال أبو عمر قول بن عباس تفسير أحاديث هذا الباب وعليه جمهور السلف والخلف من العلماء وأما نصوص أقوال الفقهاء في هذا الباب فروى بن وهب وبن القاسم عن مالك قال أكره لباس الخز لأن سداه حرير قال مالك وذكر لبس الخز فقال قوم يكرهون لباس الخز ويلبسون قلانس الخز فعجبا من اختلاف رأيهم قال مالك وإنما كره لباس الخز لأن سداه حرير قال أبو عمر هذا كله خلاف ما في موطئه عن عائشة أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه وقد روي عن مالك أنه لبس الخز وما أضنه الصحيح عنه والله أعلم والصحيح عنه ما ذكره الدولابي عن الزبير بن بكار قال حدثني مطرف بن عبد الله قال كان مالك بن أنس يلبس الثياب العجمية ويستجيدها وقد ذكرنا جماعة ممن لبس الخز من السلف الصالح فيما تقدم من كتابنا هذا وذلك كله يشهد لما قاله بن عباس في الحرير الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجال والدليل على ذلك أيضا أن عبد الله بن الزبير كان يلبس الخز ويحرم لباس الحرير والصرف الخالص وروى شعبة عن أبي ذبيان خليفة بن كعب قال سمعت عبد الله بن الزبير يخطب فقال سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وقال أبو نعيم وهب بن كيسان رأيت سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله وأبا هريرة وأنس بن مالك يلبسون الخز
321 وروى عمار بن أبي عمار قال قدمت على مروان مطارف خز فكساها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إلى أبي هريرة وعليه منها مطرف أغير وكأني أنظر إلى طرف الإبريسم فيه وقال بسر بن سعيد رأيت على سعد بن أبي وقاص جبة شامية قيامها قز ورأيت على زيد بن ثابت خمائص معلمة وهذا كله يدل على أن الخز الذي كانوا يلبسونه كان فيه الحرير وروي عن بن عمر أن الخز الذي كانوا يلبسونه لم يكن فيه حرير وكان مالك - رحمه الله - يعجبه مذهب بن عمر وورعه ولذلك كان يكره لباس الخز والله أعلم ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني معتمر بن سليمان عن حميد قال سئل أنس عن الحرير قال أعوذ بالله من شره كنا نسمع أن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وحدثني أبو معاوية عن سعيد عن قتادة عن داود السراج عن أبي سعيد الخدري قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة قال وحدثني معمر عن يونس عن الحسن أنه كان يكره قليل الحرير وكثيره وهذا كله حجة لمالك ومن تبعه وأما الشافعي - رحمه الله - فأباح لباس قباء محشو بقز لأن القز باطن فكأن الملبوس عنده المكروه من الحرير ما كان ظاهرا والله أعلم لأن الأصل في الكراهة الواردة في الشبهة بزي الأعاجم والشهرة بذلك والله أعلم ومثل هذا حديث صفوان بن عبد الله بن صفوان أن سعد بن أبي وقاص استأذن علي بن عباس وعليه مطرف خز شطره حرير فقال له في ذلك فقال إنما يلي جلده منه الخز وقال أبو حنيفة لا بأس بلبس ما كان سداؤه حريرا ولحمته غير حرير قال أكره ما كان لحمته حريرا وسداه غير حرير وقال محمد بن الحسن لا بأس بلباس الخز ما لم يكن فيه شهرة فإن كان فيه شهرة فلا خير فيه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عباد بن العوام عن حصين قال
322 كتب عمر بن عبد العزيز لا تلبس من الحرير إلا كما كان سداه قطنا أو كتانا قال أبو عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لباس الحرير فقال هو حرام على ذكور أمتي حلال على إناثهم وأجمع السلف والخلف من العلماء على أنه إذا كان الثوب حريرا كله فإنه لا يجوز للرجال لباسه ولبس الخز جماعة من جلة السلف وكان الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - لا يلبسون الخز لأنه بعيد من الزهد داعية إلى الزهو مضارع لزي العجم واختلف أئمة الفتوى من فقهاء الأمصار في لباس الخز وأعلام الحرير على نحو اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - وكلهم مجمعون على أن ثوب الحرير إذا لم يخالطه غيره فلا يجوز للرجال لبسه على ما قدمنا ذكره عنهم وما عدا ذلك من الثياب التي يتزين بها ويتجمل بلباسها فغير حرام شيء منها إلا أن من ترك المباح منها تواضعا لله وزهدا في الدنيا واستسهل الخشونة في مطعمه وملبسه رضى بالدون من ذلك فتلك منزلة أخرى وأما الحرام فلا يطلق إلا على ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبت من الرزق " [الأعراف 32] قال رجل للحسن البصري يا أبا سعيد [إنا قد أرضى الله علينا] ووسع الله علينا فتناول من كسوة وطيب ما لو شئنا اكتفينا بدونه فما تقول قال أيها الرجل إن الله تعالى قد أدب أهل الأيمان فأحسن أدبهم قال " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته الله " [الطلاق 7] وأن الله ما عذب قوما أعطاهم الدنيا فشكروه ولا عذر قوما ذوى عنهم الدنيا فعصوه وقال بكر بن عبد الله المزني البسوا ثياب الملوك وأشعروا قلوبكم الخشية وقد كان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يلبس الخز وكان سالم بن عبد الله بن عمر يلبس الصوف وكانا يتجالسان في المسجد لا ينكر واحد منهما على صاحبه لباسه وقد [كره] العلماء من اللباس الشهرتين وذلك الإفراط في البذاذة وفي الإسراف والغلو وقد روينا عن الحسن البصري - رحمه الله - أنه قال إن قوما جعلوا خشوعهم
323 في لباسهم وكبرهم في صدورهم وشهروا أنفسهم بلباس هذا الصوف حتى إن أحدهم بما يلبس من هذه الصوف أشد كبرا من صاحب المطرف بمطرفه وقال رجل لإبراهيم النخعي ما ألبس من الثياب فقال ما لا يشهرك عند العلماء ولا يحقرك عند السفهاء وقال محمود الوراق (تصوف فازدهى بالصوف جهلا * وبعض الناس يلبسه مجانه) (يريد مهابة ويجن كبرا * وليس الكبر من شكل المهابة) ولهلال بن عبد الله الرقي وكان من العلماء (أجد الثياب إذا اكتسيت بها * زين الرجال بها تهاب وتكرم) (ودع التواضع في اللباس تحريا * فالله يعلم ما تكن وتكتم) (فدني ثوبك لا يزيدك زلفة * عند الإله وأنت عبد مجرم) (وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن * تخشى الإله وتتقي ما يحرم) وفي هذا الحديث معان ظاهرة وقد ذكرتها وذكرت الشواهد عليها في التمهيدمنها جواز الهدية والصلة للأقارب وإن كانوا كفارا لقوله فكساها أخا له مشركا بمكة 1703 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه قال قال أنس بن مالك رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المدينة وقد رفع بين كتفيه برقع ثلاث لبد بعضها فوق بعض قال أبو عمر كان هذا من عمر - رضي الله عنه - زهدا في الدنيا ورضي بالدون منها كانت تلك حاله في نفسه وكان يبيح لغيره ما أباح الله لهم فقال إذا وسع عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع امرؤ عليه ثيابه وإنما يحمل الزهد في الدنيا لمن قدر عليها وكان عمر [في خلافته] أشد زهدا منه قبل أن يلي الخلافة وكذلك كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله وكان أبو بكر - رضي الله عنه - قبله على نحو ذلك وكان يلبس [الثياب] حتى عرف به ولذلك قالت غطفان في الردة ما كنا نبايع صاحب الكساء
324 وكان علي - رضي الله عنه - مخشوشنا في لباسه ومطعمه على طريقة عمر كان قميصه إلى نصف ساقه وكمه إلى أطراف أصابع يديه وكلم في ذلك فقال هو أخشع للقلب وأبعد من الكبر وأحرى أن يقتدي به المؤمن وكان سلمان وأبو ذر في غاية من الزهد في الدنيا والرضا باليسير منها والروايات عن عمر وعلي وسلمان وأبي ذر بما وصفنا كثيرة جدا وروي من حديث مالك بن دينار عن نافع عن بن عمر أنه رأى أباه يرمي جمرة العقبة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم وروي عن الحسن عن أنس عن عمر مثله وفي كتابه إلى عتبة بن فرقد وهو أمير له بالبصرة تمعددوا واخشوشنوا وأقطعوا الركب أي تشبهوا بأبيكم معد وليكن طعامكم ولباسكم خشنا وخلقا وقوله وأقطعوا الركب ليثبوا على الخيل من الأرض وقد ذكرنا هذا الخبر عن عمر - رضي الله عنه - من طرق في التمهيد قال أبو عمر روى حاتم بن عثمان المعافري قال سمعت مالك بن أنس يقول حياة الثوب طيه وعينه بسطه ذكره سليمان بن سالم عن داود بن يحيى عن حاتم
325 ((49 كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم)) ((1 - باب ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم)) 1704 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق (1) ولا بالآدم (2) ولا بالجعد (3) القطط (4) ولا بالبسط (5) بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله - عز وجل - على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر رواه عن ربيعة - كما رواه مالك - جماعة منهم الأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري وعمارة بن غزية وأنس بن عياض وسعيد بن أبي هلال وسليمان بن بلال وعبد العزيز بن أبي سلمة وأما قوله ليس بالطويل البائن فإنه ليس بالمشرف في الطول [والمتفاوت] في الشطاط الذي يكاد يضطرب من طوله وذلك عيب في الرجال والنساء يقول فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك
326 والأمهق الأبيض الذي بياضه لا إشراق فيه كأنه البرص لا يخالطه شيء من الحمرة وذلك أيضا عيب والآدم الأسمر والأدمة السمرة [والجعد القطط الذي شعره من شدة الجعودة كالمحترق يشبه شعور أهل الحبشة والسبط المرسل الشعر الذي ليس في شعره شيء من التكسر فهو جعد رجل كأنه دهره قد رجل شعره بالمشط] أما قوله بعثه الله على رأس أربعين سنة فقد ذكرنا في التمهيد من تابع أنس بن مالك على ذلك من الصحابة وغيرهم ومن خالفهم فيه وذكرنا الأسانيد هناك عن ربيعة وعن كل من رواه عن أنس كروايته وممن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين كما قال أنس وأبو هريرة وقباث بن أشيم ومحمد بن جبير بن مطعم وعروة بن الزبير وعطاء الخرساني وكذلك روى هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس وممن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس ثلاث وأربعين بن عباس من رواية هشام الدستوائي عن عكرمة عن بن عباس وسعيد بن المسيب رواه حماد بن زيد ويزيد بن هارون وجرير بن عبد الحميد كلهم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وأربعين هذه رواية عبيد الله بن عمر القواريري عن حماد بن زيد وافق يزيد بن هارون وجريرا في ذلك وخالفه محمد بن الفضل عارم عن حماد بن زيد على ما نذكره بعد إن شاء الله عز وجل وقد ذكرنا الأسانيد بكل ما في هذا الباب عن من ذكرنا عنه فيه شيئا في التمهيد وأما مكثه بمكة ففي قول أنس من رواية ربيعة ومن رواية أبي غالب أنه مكث بمكة عشر سنين وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وبن عباس وهو قول عروة والشعبي والحسن وبن شهاب وعطاء الخرساني
327 وكان عروة ينكر قول من قال أقام بمكة ثلاث عشرة وروى عكرمة وأبو حمزة وكريب وعمرو بن دينار كلهم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد أن بعث ثلاث عشرة سنة وهو الصحيح عن بن عباس وهو قول سعيد بن المسيب وأبي جعفر محمد بن علي ويشهد له قول أبي قيس صرمة بن أبي أنس (ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكر لو يلقى صديقا مواتيا) في أبيات قد ذكرتها في كتاب الصحابة قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء بالسير والآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل إذ ساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت وقد ذكرنا كثيرا من أخباره وسيره في صدر كتاب الصحابة والحمد الله كثيرا واختلف في سنة يوم مات صلى الله عليه وسلم فروى ربيعة وأبو غالب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن ستين سنة وهو قول عروة وروى حميد عن أنس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن خمس وستين سنة ذكره أحمد بن زهير عن المثنى بن معاذ عن بشر بن المفضل عن حميد عن أنس وروى أبو مسلم المستملي عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس مثله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن خمس وستين سنة [ورواه غير أبي مسلم عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو بن خمس وستين سنة] حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني عبد الرحمن بن عمر قال حدثني أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن خمس وستين سنة
328 قال أبو عمر يقولون دغفل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف للحسن منه سماع في ما ذكروا والله أعلم وذكر البخاري عن أحمد - صاحب له - عن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي زنيج عن حكام بن سلم عن عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين سنة وأبو بكر وهو بن ثلاث وستين وعمر وهو بن ثلاث وستين (1) قال البخاري وهذا أصح عندي من حديث ربيعة قال أبو عمر اختلف علي بن عباس في هذا المعنى أكثر من الاختلاف على أنس وروى شعبة عن يونس بن عبيد وروى الثوري عن خالد الحذاء كلاهما عن عمار مولى بني هاشم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن خمس وستين وروى حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن بن عباس مثله وروى الحسن بن صالح عن المنهال عن سعيد بن جبير عن بن عباس مثله وروى علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن عباس مثله وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومحمد بن سيرين وأبو حمزة وأبو حصين ومقسم وعمرو بن دينار وأبو طهمان كلهم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن ثلاث وستين (2) وروى شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير أنه سمع معاوية يقول توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين وروى موسى بن عقبة ويونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني عروة عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين زاد يونس قال بن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب عن عائشة بمثل ذلك قال أبو عمر هذا أصح ما في هذا الباب إن شاء الله (عز وجل) من جهة
329 الإسناد على أني أعجب من رواية هشام بن عروة وعمرو بن دينار عن عروة قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن ستين سنة فكيف هذا والزهري يروي عنه عن عائشة أنه توفى وهو بن ثلاث وستين قال أبو عمر يتفق على ثلاث وستين كل من قال نبئ النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وكل من قال بعث على رأس ثلاث وأربعين وأقام بمكة عشرا وقد ذكرنا الأسانيد عن هؤلاء كلهم في التمهيد ومنها ما ذكره يعقوب بن أبي شيبة قال حدثني عارم بن الفضل قال حدثني حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين أنزل عليه القرآن وهو بن آربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا هكذا روى كريب مولى بن عباس وأبو حمزة وعمرو بن دينار وهذا لفظ كريب عن بن عباس قال أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين سنة فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا وتوفي وهو بن ثلاث وستين سنة وأما شيبه فأكثر الروايات عنه على نحو حديث ربيعة عن أنس في تقليل شيبه وأن ذلك كان منه في عنفقته (1) وقد روي أنه كان يخضب وليس بقوي ولا صحيح أنه خضب لأنه لم يبلغ من الشيب ما يخضب له حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح إملاء قال حدثني يوسف بن عدي قال حدثني الوليد بن كثير عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سألت أو سئل أنس هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يدرك الخضاب ولكن خضب أبو بكر وعمر (2) حدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الرحمن بن عمر قال حدثني أبو زرعة قال حدثني علي بن عياش قال حدثني حريز بن عثمان قال قلت لعبد
330 الله بن بسر أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم قلت أشيخا كان قال كان في عنفقته شعرات بيض (1) ومن أحسن شيء في صفته صلى الله عليه وسلم ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني محمد بن سعيد الأصبهاني قال حدثني عيسى بن يونس وحدثني عبد الوارث وسعيد قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني يوسف بن عدي وزهير بن عباد وبن أبي شيبة قالوا حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن عبد الله مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال كان علي - رضي الله عنه - إذا نعت النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد وكان ربعة من القوم ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم وكان في الوجه تدوير أبيض مشرب بحمرة أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد أجرد ذو مسربة شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس بذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قوله الممغط هو الطويل المديد فيما ذكر أهل اللغة (2) وقال الخليل الفرس المطهم التام الخلق وقال أبو عبيد المشاش رؤوس العظام وقال الخليل الكتد ما بين الثبج إلى منتصف الكاهل من الظهر والمسربة شعرات تتصل من الصدر إلى السرة حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني الحسن بن موسى الأشيب قال حدثني حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس عظيم العينين أهدب الأشفار مشرب العينين من حمرة كث اللحية أزهر اللون شثن الكفين والقدمين إذا مشى تكفى كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا
331 قال أبو بكر وحدثني شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير بن مطعم عن علي - رضي الله عنه - أنه وصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان عظيم القامة أبيض مشربا حمرة عظيم اللحية ضخم الكرابيس شثن الكفين والقدمين طويل المسربة كثير شعر الرأس رجله يتكفأ في مشيه كأنما ينحدر في صبب لا طويل ولا قصير لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وقد أتينا من أوصافه ونعته والخبر عن هيئته في صدر كتاب الصحابة بما فيه شفاء وإشراف على المراد من ذلك والحمد لله كثيرا ((2 - باب ما جاء في صفة عيسى بن مريم عليه السلام والدجال)) 1705 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم (1) كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة (2) كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها (3) فهي تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق (4) رجلين يطوف بالكعبة فسألت من هذا قيل هذا المسيح بن مريم ثم إذا أنا برجل جعد قطط (5) أعور العين اليمني كأنها عنبة طافية (6) فسألت من هذا فقيل لي هذا المسيح الدجال قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث ولا في لفظه وكذلك رواه أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه بن شهاب عن سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فذكر نحوه في صفة المسيح بن مريم وقال ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأن عينيه عنبة طافية قلت من هذا قال الدجال وإذا أقرب الناس شبها به بن قطن رجل من خزاعة
332 وفي حديث جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الدجال قصير أفحج جعد أعور مطموس العين (1) وفي حديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس حديث الجساسة في صفة الدجال أعظم إنسان رأيناه خلقا وأشده وثاقا وفي حديث الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس في ذلك فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض (2) وهذه كلها آثار ثابتة صحاح من جهة الإسناد والنقل والآثار مختلفة في نتوء عينه وفي أي عينيه هي العوراء ولم يختلف في أنه أعور والعنبة الطافية الممتلئة المنتفخة التي طفت على وجهه وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال كما رآه في منامه ورؤياه ورؤيا الأنبياء مثله وحي ووصف عيسى بأنه آدم والأدمة لون العرب وهي السمرة في الرجال وقد تقول العرب للأبيض من الإبل الآدم والآدم من الظباء عندهم هو لون التراب واللمة واللمة هي أكمل من الوفرة والوفرة ما بلغت الأذنين من شعر الرأس وروى مجاهد عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة المسيح أنه أحمر جعد عريض الصدر والأحمر عند العرب الأبيض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الأحمر والأسود (3) وقال عكرمة في قول الله عز وجل " وما جعلنا الرءيا التي أرينك إلا فتنة للناس [الإسراء 60] قال أري إبراهيم وموسى وعيسى فذكر أن عيسى رجل أبيض نحيف مبطن كأنه عروة بن مسعود وقد ذكرنا الآثار التي أشرنا إليها ها هنا في التمهيد بإسانيدها ومتونها وذكرنا من أخبار عيسى بن مريم - عليه السلام - هناك في رفعه وكيف كان الأمر في ذلك
333 ومعنى توفيه واختلاف العلماء فيه وقتله للدجال بباب لد بعد نزوله عند البيضاء بدمشق أخبارا حسنا وفي هذا كفاية والحمد لله كثيرا وأهل السنة مصدقون بنزول عيسى في الآثار الثابتة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الآحاد العدول وقوله صلى الله عليه وسلم ليهلن بن مريم بفج الروحاء حاجا أو معنمرا أو ليثنيهما (1) ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى بن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وتكون الدعوة لله رب العالمين حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني روح بن عبادة قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إن الدجال خارج وهو أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة وإنه يبرئ الأكمة والأبرص ويحيى الموتى ويقول للناس أنا ربكم فمن قال أنت ربي فقد فتن ومن قال ربي الله حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنته ولا فتنة عليه فيلبث في الأرض ما شاء الله ثم يجيء عيسى بن مريم من جهة المغرب مصدقا لمحمد وعلى ملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة ففي حديث سمرة هذا أعور العين الشمال وفي حديث بن عمر أعور العين اليمنى فالله أعلم وقد روى محمد بن عبيد الطنافسي قال حدثني مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال عين الدجال كأنها كوكب دري يقولون أنه لم يرو محمد بن عبيد عن مجالد إلا هذا الحديث ((3 - باب ما جاء في السنة في الفطرة (2))) 1706 - مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
334 قال خمس من الفطرة تقليم الأظفاره وقص الشارب ونتف الإبطة وحلق العانة والاختتان قال أبو عمر لم يختلف الرواة عن مالك في الموطأ في توقيف هذا الحديث على أبي هريرة وروى بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث محفوظ من حديث أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الثقات الأئمة منها حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يقول خمس من الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الأظافر وقص الشارب ونتف الإبط (1) قال أبو عمر الاستخداد حلق العانة وقد ذكرناه من طرق في التمهيد ومثله لا يقال بالرأي وقد روى أن قص الشارب والاختتان مما ابتلى به إبراهيم وقد ذكرنا في التمهيد أقوال العلماء وتأويل القرآن في معنى قوله عز وجل " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمت فأتمهن " [البقرة 124] وهذا الحديث يفسر قوله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشارب (2) وبان بحديث هذا الباب أن المراد من الإحفاء هو قص الشارب قال مالك في هذا الباب من الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار ولا يجزه فيمثل بنفسه وذكر بن عبد الحكم عن مالك أنه قال ليس إحفاء الشارب حلقه وأرى أن يؤدب من حلق شاربه وروى أشهب عن مالك قال حلقه من البدع
335 وقال بن القاسم عن مالك حلق الشارب عندي مثلة قال قال مالك وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشارب إنما هو الإطار وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني يحيى بن إبراهيم قال حدثني أصبغ بن الفرج قال حدثني عيسى بن يونس عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال السنة في الشارب الإطار وروى هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن بن عباس أنه قال من السنة قص الأظفار والأخذ من الشارب وحلق العانة ونتف الإبط وأخذ العارضين قال أبو عمر خالف أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم مالكا في إحفاء الشوارب وسنذكر أقوالهم عند قوله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشوارب في باب السنة في الشعر من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ولا خلاف بين العلماء في قص الأظفار ونتف الإبط وحلقه لمن صعب عليه النتف ولا في الاختتان أن كل ذلك عندهم سنة مسنونة مجتمع عليها مندوب إليها إلا الختان فإن بعضهم جعله فرضا واحتج بأن إبراهيم اختتن وأن الله - عز وجل - أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم ولا حجة فيما احتج به لأن من ملة إبراهيم سنة وفريضة وكل يتبع على وجهه ولا وقت مالك ولا جمهور العلماء في قص الأظفار ولا في حلق العانة وقتا لا يتعداه وحسبه إذا طال ظفره وشعره قطع ذلك وألقاه عنه وقد ذكرنا في التمهيد حديث أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار ونتف الآباط في كل أربعين يوما (1) وقال به قوم وهو حديث ليس بالقوي انفرد به جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي عمران الجوني عن أنس لا يعرف إلا من هذا الوجه
336 وليس جعفر بن سليمان بحجة عندهم فيما انفرد به لسوء حفظه وكثرة غلطه وإن كان رجلا صالحا وأكثر الرواة لهذا الحديث إنما يذكرون فيه حلق العانة خاصة دون تقليم الأظفار وقص الشارب وأما الاختتان فذكر مالك في هذا الباب من الموطأ 1707 - عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم أول الناس ضيف الضيف وأول الناس اختتن وأول الناس قص الشارب وأول الناس رأى الشيب فقال يا رب ما هذا فقال الله تبارك وتعالى وقار يا إبراهيم فقال رب زدني وقارا قال أبو عمر كانت العرب تختتن في زمن إسماعيل ودليل ذلك في حديث بن شهاب عن عبيد الله عن بن عباس عن أبي سفيان بن حرب في حديث هرقل وكانت اليهود تختتن وذلك من شرعهم أيضا وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه سمعه يقول اختتن إبراهيم بالقدوم وهو بن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة (1) وهو في أول هذا الباب عند القعنبي وجماعة من رواة الموطأ موقوفا على أبي هريرة ورواه الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اختتن إبراهيم وهو بن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة ورواه قوم كما رواه مالك مرفوعا عن أبي هريرة ومنهم من أوقفه على سعيد بن المسيب وهو حديث مرفوع مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة
337 ومن حديث المغيرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى يونس عن بن شهاب قال كان الرجل إذا أسلم يؤمر بالختان وإن كان كبيرا وكان عطاء يقول لا يتم إسلامه حتى يختتن ورأى مالك والشافعي وأبو حنيفة للكبير أن يختتن إذا أسلم واستحبوه للنساء وقال بن القاسم قال مالك من الفطرة ختان الرجال والنساء وقال النساء في قص الأظفار وحلق العانة كالرجال وقال سفيان بن عيينة قال لي سفيان الثوري أيحفظ في الختان وقتا قلت لا وقلت له أتعرف أنت فيه وقتا قال لا وروي عن بن عباس وجابر بن زيد وعكرمة أن الأقلف لا تؤكل ذبيحته ولا تجوز شهادته قال أبو عمر جمهور أهل العلم لا يرون بأكل ذبيحته بأسا إذا وقعت بها الزكاة كاملة وروي عن الحسن أنه كان يرخص للشيخ الكبير أن لا يختتن واختلف محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وسحنون في الشيخ الكبير يسلم فقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم إذا ضعف وخاف على نفسه كان له ترك الختان وقال سحنون لا يترك الختان وإن خاف على نفسه واختلفوا في الذي يولد مختونا فقالت طائفة يجرى عليه الموسي وإن كان فيه ما يقطع قطع وقال آخرون قد كفى الله فيه المؤنة وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد والحمد لله كثيرا ((4 - باب النهي عن الأكل بالشمال)) 1708 - مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله السلمي أن رسول الله
338 صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة وأن يشتمل الصماء (1) وأن يحتبي (2) في ثوب واحد كاشفا عن فرجه قال أبو عمر الأكل بالشمال يأتي القول فيه بعد في هذا الباب وقد مضى القول في المشي في نعل واحدة وأما اشتمال الصماء فقد فسرها أهل اللغة وفسرها الفقهاء وأتى في الآثار تفسيرها وهو أعلى ما في ذلك قال أبو عبيد قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبا يحرج منه يده وربما اضطجع فيه على تلك الحال قال أبو عبيد كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه وأن يدفعه بيده فلا يقدر على ذلك لإدخاله يديه جميعا في ثيابه فهذا كلام العرب قال وأما تفسير الفقهاء فإنهم يقولون هو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه ويضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه قال أبو عبيد والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا وذلك أصح معنى في الكلام وقال الأخفش الاشتمال أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه من رأسه إلى قدمه يرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر فهذا هو الاشتمال فإن هو لم يرد طرفه الأيمن على منكبه الأيسر وتركه مرسلا إلى الأرض فذلك السدل الذي نهي عنه قال وقد روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل وقد سدل ثوبه فعطفه عليه حتى صار مشتملا قال فإن لم يكن على الرجل إلا ثوب واحد فاشتمل به فرفع الثوب عن يساره حتى ألقاه عن منكبه [فقد انكشف] شقه الأيسر [كله
339 وهذا هو اشتمال الصماء الذي نهي عنه فإن هو أخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى [فألقاه] على منكبه [الأيمن وألقى طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر] فهذا التوشح الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به صلى الله عليه وسلم قال وأما الاضطباع فإنه للمحرم وذلك أنه يكون مرتديا بالرداء أو مشتملا [فينكشف] منكبه الأيمن حتى يصير الثوب تحت إبطيه وهذا معنى الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف وسعى مضطبعا ببرد أخضر (1) وقد روي عن عمر بن عبد العزيز مثله قال والارتداء أن يأخذ بطرفي الثوب فيلقيهما على صدره ومنكبيه وسائر الثوب خلفه وقال بن وهب اشتمال الصماء أن يرمي بطرفي الثوب [جميعا] على شقة الأيسر وقد كان مالك أجازها على [ثوب] ثم كرهها وفي سماع بن القاسم عن مالك قال سئل مالك عن الصماء كيف هي قال يشتمل الرداء ثم يلقي الثوب على منكبيه ويخرج يده اليسرى من تحت الثوب وليس عليه إزار [قيل له أرأيت إن لبس الثوب هكذا وعليه إزار قال لا بأس بذلك قال بن القاسم ثم كرهه بعد ذلك وإن كان عليه إزار قال بن القاسم وترك ذلك أحب إلي للحديث ولست أراه ضيقا إذا كان عليه إزار] قال مالك والاضطباع أن يرتدي الرجل فيخرج ثوبه من تحت يده اليمنى قال بن القاسم وأراه من ناحية الصماء قال أبو عمر قد ذكرنا ما جاء في الآثار المرفوعة من تفسير الصماء في التمهيد في باب أبي الزبير والأصل في ذلك النهي عن كل لبسه ينكشف الرجل فيها حتى يبدو فرجه فإنه
340 لا يحل لأحد كشف فرجه في موضع ينظر إليه آدمي إلا حليلته امرأته أو أمته وهذا أمر مجتمع عليه وقد جاء منصوصا في حديث أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصماء ونهى أن يلتحف الرجل أو يحتبي في ثوب واحد ليس على عورته منه شيء وفي بعضها كاشفا عن فرجه وأما اشتقاق اللفظة في اللغة فإنما قيل لتلك اللبسة الصماء لأنها لبسة لا انفتاح [فيها كأن لفظها مأخوذ من الصم ومنه قيل لمن لا يسمع أصم لأنه لا انفتاح] في سمعه ومنه قيل للفريضة التي لا تتفق سهامها صماء لأنه لا انفتاح فيها قال أبو عمر الاسم الشرعي أولى في هذا القول من اللغوي 1709 - مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله قال أبو عمر قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الله فوهم فيه ولم يتابعه أحد من أصحاب مالك [عليه] والصواب فيه عبيد الله بن عبد الله بن عمر لأن عبد الله بن عمر له بنون منهم عبد الله ومنهم عبيد الله والد أبي بكر هذا وقال بن بكير في هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن بن عمر ولم يتابعه أحد أيضا على قوله فيه عن أبيه وإنما الحديث لابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله عن جده عبد الله بن عمر وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث على مالك وعلي بن شهاب وذكرنا أولاد عبد الله بن عمر وبنيهم كل ذلك في التمهيد والحمد لله وفي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين وفي حديث جابر قبله النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها
341 ومعلوم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم في النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها فمن أكل بشماله أو شرب بشماله وهو عالم بالنهي ولا عذر له ولا علة تمنعه فقد عصى الله ورسوله ومن عصى الله ورسوله فقد غوى وكذلك الاستنجاء باليمين والله أعلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء باليمين وأمر بالاستنجاء باليسرى والسنة في ذلك كله مجتمع عليها حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني إسحاق بن إسماعيل الأيلي العثماني قال حدثني سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وهكذا روى الحميدي وعلي بن المديني ومسدد وبن المقرئ وغيرهم عن بن عيينة وحدثني عبد الرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح قالا حدثني حمزة بن محمد قال أخبرنا القاسم بن الليث قال أخبرنا هشام بن عمار قال حدثني هقل بن زياد قال حدثني هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمنيه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويأخذ بشماله ويعطي بشماله قال أبو عمر حمل قوم هذا الحديث وما كان مثله على المجاز في أكل الشيطان وشربه قالوا المعنى فيه أن الأكل بالشمال يحبه الشيطان كما قيل في الخمر زينة الشيطان وفي الاقتعاط بالعمامة عمة الشيطان أي أن الشيطان يرضاها ويزينها وكذلك يدعو إلى الأكل بالشمال ويزينه ليواقع المرء ما نهي عنه وهذا عندي ليس بشيء ولا معنى بحمل شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت فيه الحقيقة بوجه ما وفي هذا الحديث نص بأن الشيطان يأكل ويشرب
342 ومن الدليل أيضا على أن من الشياطين من يأكلون ويشربون قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الاستنجاء إن ذلك زاد إخوانكم من الجن وفي حديث آخر إن طعام الجن ما لم يذكر اسم الله عليه وما لم يغسل من الأيدي والصحاف وشرابهم الجدف وهو الرغوة والزبد وهذه الأشياء لا تدرك بقياس ولا اعتبار ولا يصح فيها تكييف وقد قيل إن أكل الشيطان تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع وإنما المضغ والبلع لذوي الجثث فيكون شمه واسترواحه من قبل الشمال وقد أوردنا في معنى الجن والشياطين والإخبار عنهم وأن لهم حياة وأجساما وأنها تختلف صفاتهم في كتاب التمهيد ما فيه كفاية وحسبك بما في القرآن من تكليفهم وطاعتهم وعصيانهم وأن منهم الصالحين ومنهم دون ذلك المؤمن والكافر وأنهم يسترقون السمع وفي سورة الأحقاف وسورة * (قل أوحي إلي) * [الجن 1] وسورة الرحمن ما فيه شفاء وبيان وروينا عن وهب بن منبه أنه سئل عن الجن وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون فقال هم أجناس فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون ويموتون ومنهم السعالى والغول والقطوب وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده عن وهب في التمهيد ((5 - باب ما جاء في المساكين)) 1710 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن الناس له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس
343 1711 - مالك عن زيد بن أسلم عن بن بجيد الأنصاري ثم الحارثي عن جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ردوا المسكين ولو بظلف (1) محرق قال أبو عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ردوا المسكين فبان بذلك أنه أراد السائل الطواف وقال في الحديث الذي قبله ليس المسكين بالطواف فدل على أنه أراد ليس الطواف بالمسكين حقا إنما المسكين حقا المسكين الذي تبلغ به المسكنة والفقر والضعف والحياء مبلغا يقعده عن التطواف والسؤال ولا يفطن له متصدق عليه ولا يجد شيئا يبلغ به كما قال الله عز وجل * (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) * [البقرة 177] أي ليس فعل ذلك وإن كان برا يبلغ به الأمر " ولكن البر من آمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتب والنبين وءاتى المال على حبه " [البقرة 177] وقوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر (2) أي ليس كل البر لأن الفطر في السفر بر أيضا فقال يحيى في روايته في هذا الحديث فما المسكين وتابعه جماعة من رواه الموطأ وقال غيرهم فمن المسكين وهذا أبين في من يعقل وأشهر في كلام العرب قال أبو عمر قال الله عز وجل " إنما الصدقات للفقراء والمسكين " [التوبة 60] واختلف العلماء وأهل اللغة أيضا في الفقير والمسكين فقال منهم قائلون الفقير أحسن حالا من المسكين قالوا والفقير الذي له بعض ما يقيمه ويكفيه والمسكين الذي لا شيء له وممن قال هذا يعقوب بن السكيت وبن قتيبة وهو قول يونس بن حبيب وذهبت إليه طائفة من أهل الفقه والحديث
344 واستشهد بعض قائلي هذه المقالة بقول الراعي (أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد (1)) فذكروا أنه كان يدعي الفقر وله الحلوبة يومئذ وقال آخرون المسكين أحسن حالا من الفقير واحتجوا بقول الله عز وجل " أما السفينة فكانت لمسكين يعملون في البحر " [الكهف 79] فأخبر أن المسكين كان يملك سفينة أو بعض سفينة تعمل في البحر وقال الله عز وجل " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيمهم لا يسئلون الناس إلحافا " [البقرة 273] [وزعموا أن بيت الراعي لا حجة فيه] لأنه إذ صار فقيرا لم يكن له حلوبة لقوله كانت حلوبته وقالوا الفقير معناه في كلام العرب المفقر ويريدون الذي نزعت فقرة من ظهره من شدة الفقر وأنشدوا قول الشاعر (لما رأى لبد النسور تطايرت * رفع القوادم كالفقير الأعزل (2)) قيل أي لم يطق الطيران فصار بمنزلة من انقطع ظهره ولصق بالأرض قالوا وهذا هو الشديد المسكنة والمسكين حقا واستدلوا بقول الله عز وجل * (أو مسكينا ذا متربة) * [البلد 16] أي قد لصق بالتراب من شدة الفقر وهذا يدل على أن ثم مسكينا ليس ذا متربة وقال صلى الله عليه وسلم إني أعوذ بك من الفقر المدقع وهو الذي يقضي بصاحبه إلى الدقعاء وهي التراب وهذا مثل قول الله تعالى * (أو مسكينا ذا متربة) * [البلد 16] وممن ذهب إلى أن المسكين أحسن حالا من الفقير الأصمعي وأبو جعفر أحمد بن عبيد
345 وهو قول الكوفيين من الفقهاء فيما ذكر الطحاوي عنهم وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي قول آخر أن الفقير والمسكين سواء لا فرق بينهما في المعنى وإن افترقا في الاسم وإلى هذا ذهب بن القسم حدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال أخبرنا سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني أشهل بن حاتم عن بن عون عن محمد بن سيرين قال قال عمر - رضي الله عنه - ليس الفقير الذي لا مال له ولكن الفقير الأخلق الكسب وأما حديثه عن زيد بن أسلم عن بن بجيد فابن بجيد اسمه عبد الرحمن بن بجيد بن قيظي الأنصاري أحد بني حارثة وهو الذي رد على سهل بن حثمة حديثه في القسامة وقال بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث والله ما كان سهل بأكثر علما منه ولكنه أسن منه وقد ذكرنا خبره في باب القسامة من هذا الكتاب وذكرنا جدته في كتاب النساء من كتاب الصحابة وهي أيضا جدة عمرو بن سعد بن معاذ والله أعلم وليس في حديث بن نجيد عن جدته أكثر من الحث على الصدقة بالقليل والكثير وقد مضى هذا المعنى في مواضع من هذا الكتاب مشروحا ومنه قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة (1) وروى هذا الحديث سعيد المقبري عن بن نجيد حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني أحمد بن خالد قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني الحجاج بن منهال قال حدثني حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن نجيد عن جدته أم نجيد قالت قلت يا رسول الله إنه يأتيني السائل فأتوهد له بعض ما عندي فقال ضعي في يد المسكين ولو ظلفا محرقا
346 ((6 - باب ما جاء في معي الكافر)) 1712 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل المسلم في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء قال أبو عمر أما حديث أبي هريرة هذا وما كان مثله فليس فيه إلا مدح المؤمن بقلة رغبته في الدنيا وزهده فيها بأخذ القليل منها في قوته وأكله وشربه ولبسه وكسبه وأنه يأكل ليحيى لا ليسمن كما جاء عن الحكماء روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما ملأ بن آدم وعاء شرا من بطنه حسب بن آدم أكلات يقمن صلبه ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه (1) وقد كانت العرب تمتدح بقلة الأكل وذلك معروف في أشعارها فكيف بأهل الإيمان وأما من عظمت الدنيا في عينه من كافر وسفيه فإنما همته في شبع بطنه ولذة فرجه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن حق المؤمن شأنه يأكل في معي واحد وهذا مجاز دال على المدح في القليل من الأكل والقناعة فيه والاكتفاء به 1713 - مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشربه ثم أخرى فشربه حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء
347 قال أبو عمر هذا الحديث ليس على ظاهره لأن المشاهدة تدفعه والمعاينة ترده والخبر يشهد بأن الكافر يسلم وأكله كما كان وشربه وقد نزه الله رسوله عن أن يخبر بخبر فيؤخذ المخبر عنه على خلاف ذلك هذا ما لا يشك فيه [المؤمن وكنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك الضيف بخبر كان على ما أخبر لا شك فيه] كأنه قال هذا الضيف إذ كان كافرا أكل في سبعة أمعاء فلما أسلم بورك له في إسلامه فأكل في معي واحد يريد أنه كان أكله عنده قبل أن يسلم سبعة أمثال ما أكل عنده لما أسلم إما لبركة التسمية التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشبعه الله عز وجل بحلاب تلك الشاة وما وضع له فيها من البركة ما يكون له برهانا وآية ليرسخ الإيمان في نفسه وذلك - والله أعلم لما علم الله تعالى من قلة الطعام يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتكون آية لذلك الرجل فأراه الله في نفسه آية في إيمانه ليزداد يقينا ونحو هذا مما يعلم من آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا في بركة الطعام الذي أكل منه العدد الكثير فشبعوا وهو قوت واحد أو اثنين وآياته وعلاماته في مثل ذلك كثيرة قد ذكرنا منها في مواضع من التمهيد ما يشفي الناظر ويزيد في يقين المؤمن - والحمد لله كثيرا وهذا كله يدل على أن لفظ هذا الحديث خرج مخرج العموم ومعناه الخصوص وهو [موجود] في لغة العرب قال الله عز وجل * (الذين قال لهم الناس) * [آل عمران 173] ومعلوم أن الناس كلهم * (قد جمعوا لكم) * [آل عمران 173] وقد قيل إن المخبر القائل ذلك القول كان رجلا واحدا وقد يسمع السامع قولا فيتناوله على العموم ولم يرد به المخبر إلا الخصوص كما قال صلى الله عليه وسلم إنما الربا في النسيئة (1) وهذا كان منه جوابا لسائل سأله عن ذهب وفضة أو ما كان مثلهما مما حرم فيه الربا من جنسين مطعومين فأجابه أنه لا ربا إلا في النسيئة يعني في ما سألت عنه وقد روي في هذا الباب حديث فيه دلالة على أنه أريد بذلك رجل بعينه حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني زيد بن الحباب قال
348 حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني عبيد الله بن سلمان الأغر عن عطاء بن يسار عن جهجاه الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما سلم قال ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلم يبق في المسجد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري وكنت رجلا عظيما طوالا لا يقدم علي أحد فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلب لي عنزا فأتيت عليها ثم [حلب لي] أخرى فأتيت عليها حتى حلب لي سبعة أعنز فأتيت عليها ثم أتيت بثومه فأتيت عليها فقالت أم أيمن أجاع الله من أجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه يا أم أيمن أكل رزقه ورزقنا على الله عز وجل وذكر الحديث وفيه أنه أسلم ثم ذهب به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وتركه أصحابه لطول جسمه وعظمه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبت له عنز واحدة فشربها فروي قال فرويت فشبعت فقالت أم أيمن يا رسول الله أليس هذا ضيفنا فقال بلى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه أكل في معي مؤمن الليلة وأكل في معي كافر والكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد يريد ذلك الرجل بعينه - والله أعلم ((7 - باب النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب)) 1714 - مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث إلا بن وهب وطائفة قالوا فيه عن مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الصديق والأكثر يقولون كما قال يحيى عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وهو الصواب وكذلك رواه عبيد الله بن عمر
349 حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر [عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر] عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي يشرب [أو يأكل] في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم واختلف فيه على نافع اختلافا كثيرا ذكرناه في التمهيد والصحيح عنه في إسناده ما رواه مالك وعبيد الله ومن رواه عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ فيه واختلف في المعنى المقصود إليه بهذا الحديث فقالت طائفة من العلماء إنما عنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله هذا المشركين والكفار من ملوك الفرس والروم وغيرهم الذين يشربون في آنية الفضة فأخبر عنهم وحذرنا أن نفعل فعلهم ونتشبه بهم وقال آخرون بل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن الشرب في آنية الفضة فمن شرب فيها بعد علمه بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقد استوجب الوعيد المذكور في الحديث إلا أن [يعفو] الله عنه فإنه تبارك اسمه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وأجمع العلماء على أنه لا يجوز لمسلم أن يشرب ولا يأكل في آنية الفضة [وآنية الذهب عندهم كذلك أو أشد لأنه قد جاء فيها مثل ما جاء في آنية الفضة] وقد تقدم من رواية عبيد الله بن عمر تسوية رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وروى شعبة عن الحكم عن بن أبي ليلى عن حذيفة أنه استسقى فأتاه دهقان بإناء فضة فرماه به وقال إني لم أرمه به إلا أني نهيته فلم ينته وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير والديباج وعن الشرب في آنية الذهب والفضة وقال هي لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة (1) ورواه مجاهد عن بن أبي ليلى عن حذيفة مثله وروى شعبة وأبو إسحاق الشيباني عن أشعث بن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد عن مقرن عن البراء بن عازب قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية
350 الفضة وقال من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة (1) وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد واختلف العلماء في جواز اتخاذ أواني الفضة بعد إجماعهم على أنه لا يجوز استعمالها لشرب ولا غيره فقالت طائفة يجوز اتخاذها كما يجوز اتخاذ الحرير والديباج ولكنها لا يستعمل شيء منها وتزكي إن اتخذت وقال الجمهور من العلماء إنه لا يجوز اتخاذها ولا استعمالها ومن اتخذها كان عاصيا باتخاذها قال أبو عمر معلوم أن من اتخذها لا يسلم من بيعها أو استعمالها لأنها ليست مأكولة ولا مشروبة فلا فائدة فيها غير استعماله فكذلك لا يجوز اتخاذها عند جماعة الفقهاء وجمهور العلماء وكلهم مجمعون على إيجاب الزكاة فيها على متخذها إذا بلغت النصاب [من الذهب] أو الفضة أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني عبد الحميد بن أحمد قال حدثني الخضر بن داود قال حدثني أبو بكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل وقيل له رجل دعا رجلا إلى طعام فدخل فرأى آنية فضة فقال لا يدخل إذا رآها وغلظ فيها وفي كسبها واستعمالها وذكر حديث حذيفة المذكور وحديث أم سلمة حديث هذا الباب وحديث البراء أيضا قال أبو عمر اختلف العلماء في الإناء المفضض على ما قد ذكرناه عنهم في التمهيد وأما قوله إنما يجرجر في بطنه نار جهنم فالجرجرة ها هنا صوت الماء في حلق الشارب أو في الإناء المقصود به صوت جرع الشارب إذا شرب وهي كلمة مستعارة مأخوذة من جرجرة العجل من الإبل وهي هديره وصوت يسمع من حلقه يردده قال امرؤ القيس (إذا سافه العود النباطي جرجرا
351 أي رغا لبعد الطريق وضعوبته وقال الراجز يصف فحلا (وهو إذا جرجر عند الهب * جرجر في حنجرة كالحب) (وهامة كالمرجل المنكب *) (1) 1715 - مالك عن أيوب بن حبيب مولى سعد بن أبي وقاص عن أبي المثنى الجهني أنه قال كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد الخدري فقال له مروان بن الحكم أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النفخ في الشراب فقال له أبو سعيد نعم فقال له رجل يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبن القدح عن فيك ثم تنفس قال فإني أرى القذاة فيه قال فأهرقها قال أبو عمر هكذا يقول مالك في شيخه هذا أيوب بن حبيب الجمحي من أنفسهم قال مصعب الزبيري هو أيوب بن حبيب بن أيوب بن علقمة بن ربيعة بن الأعور واسم الأعور خلف بن عمرو بن وهب بن حذافة بن جمح قتل بقديد قال أبو عمر روي عن أيوب بن حبيب مالك وفليح بن سليمان وعباد بن إسحاق وهو عندهم ثقة وأما أبو المثنى الجهني فلا يوقف له على اسم وهو عندهم ثقة من تابعي أهل المدينة روى عنه أيوب بن حبيب ومحمد بن أبي يحيى الأسلمي وفي هذا الحديث الرخصة في الشرب بنفس واحد وكذلك قال مالك رحمة الله
352 روى عيسى بن دينار عن بن القاسم عن مالك أنه رأى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قال له إني لا أروى من نفس واحد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فأبن القدح عن فيك قال مالك فكأني أرى في ذلك رخصة أن يشرب من نفس واحد قال مالك ولا أرى بأسا بالشرب من نفس واحد وأرى فيه رخصة لموضع الحديث إني لا أروى من نفس واحد قال أبو عمر يريد مالك - رحمه الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لم ينه الرجل الذي قال له إني لا أروى من نفس واحد [أن يشرب في نفس واحد] بل قال له كلاما معناه فإن كنت لا تروى من نفس واحد فأبن القدح عن فيك وهذا إباحة منه للشرب من نفس واحد أو كالإباحة وقد رويت عن السلف آثار منها كراهة الشرب في نفس واحد منهم بن عباس وطاوس وعكرمة وقالوا الشرب من نفس واحد شرب الشيطان وقد ذكرنا الآثار عنهم بذلك في التمهيد [وروى عن سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز أنهم قالوا لا بأس بالشرب في نفس واحد وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك] وقال ميمون بن مهران رآني عمر بن عبد العزيز وأنا أشرب فجعلت أقطع شرابي وأتنفس فقال إنما نهي أن يتنفس في الإناء فإذا لم تتنفس في الإناء فاشربه إن شئت بنفس واحد قال أبو عمر قول عمر بن عبد العزيز هذا هو تفسير هذا الباب وتهذيب معناه وروى عقيل عن بن شهاب قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الطعام والشراب ولم أر أحدا أشد في ذلك من عمر بن عبد العزيز وكذلك رواه يونس عن بن شهاب سواء وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد قال حدثني محمد بن سابق قال حدثني شيبان وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي جميعا عن يحيى بن أبي كثير عن [عبد
353 الله بن أبي] قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء (1) حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو عيسى عبد الرحمن بن إسماعيل الأسواني قال حدثني أحمد بن محمد بن سلام قال حدثني مجاهد بن موسى قال حدثني سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن بن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفخ في الإناء أو يتنفس فيه حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني يونس بن عبد الأعلى قال حدثني أنس بن عياض عن الحارث بن عبد الرحمن الدوسي عن عمه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه ولكن إذا أراد أن يتنفس فليؤخره عنه ثم يتنفس وقد ذكرنا وجوها محتملة لمعنى كراهية التنفس في الإناء في التمهيد ((8 - باب ما جاء في شرب الرجل وهو قائم)) 1716 - مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانوا يشربون قياما 1717 - مالك عن بن شهاب أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأسا 1718 - مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائما 1719 - مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائما
354 قال أبو عمر إنما رسم مالك هذا الباب وذكر فيه عن عمر وعلي وعثمان وسعد وعائشة وبن عمر وبن الزبير أنهم كانوا يشربون قياما لما سمع فيه من الكراهية والله أعلم ولم يصح عنده الحظر وصحت عنده الإباحة فذكرها في باب أفرد لها من كتابه هذا وهي الأكثر عند العلماء وعليها جماعة الفقهاء ومن الكراهة في ذلك ما ذكره وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس بن مالك قال نهى رسول لله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائما (1) وهذا الحديث رواه معمر عن قتادة عن أنس بن مالك قوله قال سألت أنسا عن الشرب قائما فكرهه وروى وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري قال زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا شرب قائما وكرهه الحسن البصري ذكره أبو بكر عن هشيم عن منصور عن الحسن وقد روي عنه خلاف ذلك ذكره أبو بكر قال حدثني أبو الأحوص عن عبد الله بن شريك عن بشر بن غالب قال رأيت الحسن يشرب وهو قائم وعن وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال إنما أكره الشرب قائما لداء يأخذ في البطن وأما الإباحة في الشرب قائما والرخصة في ذلك فمن ذلك حديث الشعبي عن بن عباس قال ناولت رسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة من زمزم فشربها وهو قائم (2) حدثناه سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ [قال حدثني محمد بن وضاح] قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن عيينة وحفص عن عاصم الأحوال عن الشعبي عن بن عباس فذكره
355 [وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عاصم الأحول عن الشعبي عن بن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدلو من زمزم فنزع له فشربه وهو قائم (1) حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إبراهيم بن إسحاق النيسابري قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني حفص بن غياث] عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كنا نشرب ونحن قيام ونأكل ونحن نمشي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ورواه أبو اليزيد بن عطاء عن بن عمر مثله سواء ومنها حديث علي بن أبي طالب حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى بن سعيد عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال أتي علي بماء فشرب قائما وقال إن ناسا يكرهون هذا وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما (3) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب قائما من حديث أم سليم وحديث كبشة جدة عبد الرحمن بن أبي عمرة وروي عن بن عمر من وجوه أنه كان يشرب قائما وروي عن أبي هريرة الوجهان جميعا الكراهة والإباحة وكان طاوس ومجاهد وسعيد بن جبير يشربون قياما قال أبو عمر الأصل الإباحة حتى يرد النهي من وجه لا معارض له فإذا تعارضت الآثار سقطت والأصل ثابت [في الإباحة] حتى يصح الأمر أو النهي بما لا مدفع فيه - وبالله التوفيق
356 ((9 - باب السنة في الشرب ومناولته عن اليمين)) 1720 - مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب (1) بماء من البئر وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر الصديق فشرب فثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن قال أبو عمر لم يختلف على مالك ولا علي بن شهاب في هذا الحديث أن عن يمينه الأعرابي وعن يساره أبا بكر وبعضهم يقول فيه عن بن شهاب وعن يمينه رجل من أهل البادية وأهل البادية هم الأعراب وزاد بعض [الرواة] رواة بن شهاب فيه أن عمر كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم نأول أبا بكر يا رسول الله فلم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الأيمن فالأيمن وممن قال ذلك بن عيينة أخبرنا محمد بن عبد الملك قال أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قالا أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري سمعه [من] أنس بن مالك قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا بن عشر سنين وتوفي وأنا بن عشرين سنة وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته ودخل علينا في دارنا فحلبنا له من شاة داجن لنا وشيب له من بئر في الدار وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه وكان عمر ناحية فقال عمر يا رسول الله أعط أبا بكر فأعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن قال أبو عمر روى هذا الحديث محمد بن الوليد البسري عن عبد الرحمن بن
357 مهدي عن مالك عن الزهري عن أنس فذكر فيه ألفاظ بن عيينة كلها من أولها إلى آخرها وقال في آخره الأيمن فالأيمن فمضت سنة فزاد علي بن عيينة أيضا ولم يروه أحد عن مالك كذلك إلا ما ذكره البسري عن بن مهدي عنه ومحمد بن الوليد معروف بحمل العلم صدوق ولا أعلم أحدا طعن عليه في نقله ولعله قد حفظ عن بن مهدي ما قاله مالك فإن مالكا ربما اختصر الحديث وربما جاء [به] بتمامه 1721 - مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا قال فتله (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث كل من رواه عن أبي حازم كما رواه مالك وأخطأ فيه عبد العزيز بن أبي حازم قال وعن يساره أبو بكر فغلط وإنما ذلك في حديث بن شهاب عن أنس وهما حديثان في قصتين متغايرتين وفي مكانين وفي وقتين حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني حفص بن حمزة قال حدثني إسماعيل بن جعفر قال أخبرني أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم [بقدح] من لبن وغلام عن يمينه والأشياخ أمامه وعن يساره فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للغلام يا غلام أتأذن أن أسقي الأشياخ قال ما أحب أن أوثر بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الأشياخ (2) قال أبو عمر الغلام المذكور في هذا الحديث بن عباس والأشياخ أحدهم
358 خالد بن الوليد وهذا ما لا خلاف فيه وقد نقل من طرق منها ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني علي بن زيد بن جدعان عن عمرو بن حرملة عن بن عباس قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالتي ميمونة ومعنا خالد بن الوليد فقالت ميمونة ألا نقدم إليك يا رسول الله شيئا أهدته لنا أم عفيف قال بلى فأتته بضباب مشوية فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ثلاث] مرات ولم يأكل منها وأمرنا أن نأكل منها ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فيه لبن فشرب وأنا عن يمينه وخالد عن يساره فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرب لك يا غلام وإن شئت آثرت بها خالدا فقلت ما كنت لأوثر بسؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا به ما هو خير منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإني لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب غيره ورواه إسماعيل بن علية عن عبد الله بن زيد بإسناده إلا أنه قال فيه عمرو بن حرملة [أو قال بن أبي حرملة] عن بن عباس قال دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة فجاءتنا بإناء فيه لبن فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عن يمينه وخالد عن شماله فقال لي الشربة لك وإن شئت أثرت بها خالدا فقلت ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه [وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه] وزدنا منه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن هكذا رواه بن علية ولم يذكر في قصة الضباب ذكر أبو عيسى الترمذي قال حدثني أحمد بن منيع قال حدثني إسماعيل بن علية ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن عمرو بن حرملة عن بن عباس مثله قال أبو داود كذلك قال لي شعبة وغيره بقول عمرو بن حرملة قال أبو عمر بن عيينة جوده وأقامه وأني به بتمامه والصواب في اسم الرجل عمر بن حرملة لا عمرو ولا بن أبي عمر ولا بن حرمل
359 وقد ذكرنا ما في هذا الحديث من معاني الآداب والسنن في التمهيد والحمد لله ((10 - باب جامع ما جاء في الطعام والشراب)) 1722 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آرسلك أبو طلحة فقلت نعم قال للطعام فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا قال فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة بالدخول فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة بالدخول فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون رجلا قال أبو عمر وفي حديث قبول مواساة الصديق وقبول صدقته وهديته وأكل طعامه وفيه دليل على أن الصلة والهدية ليست بصدقة ولو كانت صدقة ما أكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة وقال إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا آل محمد
360 وفيه أن خبز الشعير عندهم من رفيع الطعام الذي يتهادى ويدعى له الجلة الفضلاء وكان في أول الإسلام [أكثر] طعامهم التمر وفيه أن الأنبياء تزوى عنهم الدنيا حتى ليدركون القوت ويبلغ بهم الجهد إلى شدة الجوع حتى يضعف منهم الصوت من غير صيام كما وصف في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن الرجل إذا دعي إلى طعام جاز له أن يدعو جلساءه وجاز لهم الإقبال معه إليه وإن لم ينذرهم صاحب الطعام وذلك إذا علم الداعي لهم أن الطعام يحملهم وأن ذلك يسر صاحب الطعام ويرضاه وإلا فلا وقد قال مالك لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى طعام أن يحمل معه غيره لأنه لا يدري هل يسر بذلك صاحب الطعام أم لا إلا أن يقول له صاحب الطعام ادع من لقيت فإن قال له ذلك كان له أن يحمل معه غيره وفيه أن من أخلاق المؤمن الأكتراث إذا نزل به ضيف وليس معه ما يكرمه به لأن الضيافة من أخلاق الكرام وفيه من فضل فطنة أم سليم بحسن جوابها [زوجها] حين شكا إليها كثرة من حل به من الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلة طعامه فقالت له الله ورسوله أعلم أي أنه لم يأت بهم إلا وسيطعمهم وفيه الخروج إلى الطريق لمن قصد إكراما له إذا كان أهلا لذلك لأنه من البر والكرامة وفيه أن صاحب الدار لا يستأذن في داره وأن من دخل معه استغنى عن الإذن وفيه أنه لا حرج على الصديق أن يأمر في دار صديقه بما شاء مما يعلم أنه يسر به ولا يسؤه ذلك ألا ترى أنه اشترط عليهم أن يفتوا الخبز وقال لأم سليم هات ما عندك ولقد أحسن القائل في هذا المعنى مفتخرا بذلك (يستأنس الضيف في أبياتنا أبدا * فليس يعرف خلق أينا الضيف) وفيه دليل أيضا على أن الثريد أعظم بركة من غيره ولذلك اشترط به رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم وفيه أن الإنسان لا يدخل عليه بيته إلا معه أو بإذنه ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن لعشرة ثم ائذن لعشرة ثم ائذن لعشرة حتى استوفى جميعهم عشرة عشرة وكانوا سبعين أو ثمانين رجلا
361 وفيه العلم الواضح من أعلام النبوة والبرهان الساطع من براهينها أن يكون العدد الكبير يأكلون حتى يشبعوا من الطعام اليسير وكم له من مثلها صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرنا منه كثيرا في مواضع من كتابنا كتاب التمهيد والحمد لله كثيرا 1723 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة وهذا الحديث يدل على أن الكفاية ليست بالشبع والاستبطان كما أنها ليست بالغنى قال أبو حازم - رحمه الله إذا كان ما يكفيك لا يغنيك فليس شيء يغنيك وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن القوم كانوا لا يشبعون كل الشبع وكانوا لا يقدمون الطعام إلى أنفسهم حتى يشتهوه فإذا قدموا أخذوا منه حاجتهم ورفعوه وفي أنفسهم بقية من شهوته وهذا عند أهل الطب والحكمة أفضل ما يستدام به صحة الأجسام وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما ملأ بن آدم وعاء شرا من بطن حسب بن آدم أكلات يقمن صلبه ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه 1724 - مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أغلقوا الباب وأوكوا السقاء (2) وأكفئوا الإناء (3) أو خمروا (4) الإناء وأطفئوا المصباح فإن الشيطان لا يفتح غلقا ولا يحل وكاء (5) ولا يكشف إناء وإن الفويسقة (6) تضرم على الناس بينهم
362 قال أبو عمر هكذا قال يحيى تضرم على الناس بينهم وتابعه بن وهب وبن القاسم وقال بن بكير بيوتهم وقال القعنبي بينهم أو بيوتهم وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن وأما قوله إن الشيطان لا يفتح غلقا ولا يحل وكاء فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله - عز وجل - على عبادة من الإنس إذ لم يعط قوة على قوة فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء وأنه قد حرم هذه الأشياء وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس وقوله أوكوا السقاء معناه أيضا قريب مما وصفنا في غلق الباب والسقاء القربة وقد تكون القلة والخابية وما كان مثلهما في ذلك المعنى وقوله أكفؤوا الإناء معناه اقلبوه على فيه أو خمروه - شك المحدث والمعنى في ذلك أن الشياطين تجول بالبيوت والدور بالليل وفيهم مردة تؤذي بدروب من الأذى وذلك معروف في أفعالهم في كتاب العلماء ومعلوم بالمشاهدات في أزمنة شتى وهم لنا أعداء وحسبك بفعل العدو قال الله تعالى * (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) * [الكهف 50] والكلمة من قوله أكفئوا الإناء ثلاثية مهموزة يقال كفأت الإناء أكفؤه فهو مكفوء إذا قلبته قال بن هرمة (عندي لهذا الزمان آنية * أملأها مرة وأكفؤها (1)) وقوله أطفئوا المصباح مهموز أيضا قال الله تعالى * (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) * [المائدة 64] وقال بن هرمة (برزت في غايتي وشايعني * موقد نار الوغى ومطفئها (2)) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطفاء المصباح رفقا بأمته وحياطة عليهم وأدبا لهم
363 وقال صلى الله عليه وسلم لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون (1) رواه الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه من طرق في التمهيد وقوله الفويسقة يعني الفأرة سماها بذلك لأذاها الناس وكل من يؤذي المسلمين ما اكتسبوا فهو فاسق خارج عن طاعة الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم (2) فذكر منهن الفأرة وقوله تضرم على الناس أي تشعل النار على الناس قال بن وهب وغيره ربما جعلت الفتيلة [موقودة] حتى تجعلها في السقف فتحرق البيت وقد ذكرت في التمهيد حديث أبي سعيد الخدري أنه قيل له لم قيل للفأرة الفويسقة قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وقد أخذت فتيلة لتحرق بها البيت وحديث بن عباس قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فأتت بها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم فقال إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل هذه على هذا فتحرقكم ومن حديث عطاء بن يسار عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم نباح الكلاب أو نهاق الحمير بالليل فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنهن يرون ما لا ترون وأقلوا الخروج إذا هدأت الرجل فإن الله تعالى يبث من خلقه في ليله ما شاء وأجيفوا الأبواب واذكروا اسم الله عليها فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه وغطوا الجرار وأكفئوا الآنية وأوكوا القرب قال أبو عمر قد أتي في هذا الحديث شرط التسمية في الباب إذا أجيف
364 وجاء في غيره أيضا مثله في تغطية الإناء أو قلبه إن الشيطان لا يعترضه إذا سمى الله تعالى عليه عند ذلك الفعل به وهذه زيادة على ما جاء في حديث أبي الزبير عن جابر وقد ذكرنا حديث عطاء بن يسار عن جابر بذلك بإسناده في التمهيد وذكرنا هناك أيضا حديث القعقاع بن حكيم عن جابر بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل بها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء قال الليث بن سعد وهو أحد رواة هذا الحديث والإعاجم يتقون ذلك في كانون الأول وفي حديث عطاء بن أبي رباح عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم خمروا الآنية وأوكوا الأسقية وأجيفوا الأبواب وكفوا صبيانكم عند المساء فإن للجن انتشارا وخطفة وقد ذكرنا هذا الخبر وما كان مثله بإسناده في التمهيد وذكرنا هناك أيضا خبر اختطاف الجن للذي ضرب عمر بن الخطاب الأجل لامرأته حين فقدته وقد روى بن وهب عن حيوة بن شريح وبن لهيعة عن عقيل عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جنح الليل فاحبسوا أولادكم فإن الله يبث من خلقه بالليل ما لا يبث بالنهار قال عقيل يتقى على المرأة أن تتوضأ عند ذلك قال بن شهاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا سمعتم النداء وأحدكم على فراشه أو أين ما كان فاهدءوا ساعة فإن الشياطين إذا سمعت النداء اجتمعوا وعشوا حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن جريج عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أطفئ مصباحك واذكر اسم الله وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله قال أبو عمر روينا عن بن عباس - رضي الله عنه - أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال بسم الله فقد ذكر الله ومن قال الحمد لله فقد شكر الله ومن قال الله أكبر فقد عظم الله ومن قال لا إله إلا الله فقد وحد الله ومن قال
365 لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم فقد سلم واستسلم وكان له بها كنز في الجنة 1725 - مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة وضيافته ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي (1) عنده حتى يحرجه قال أبو عمر قد أتينا في التمهيد بما فيه شفاء من الآثار المرفوعة وأقوال السلف - رحمهم الله - في فضل الصمت وأنه منجاة لقوله صلى الله عليه وسلم من صمت نجا (2) إلا أن الكلام بالخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإدمان الذكر وتلاوة القرآن أفضل من الصمت لأن الكلام بذلك غنيمة والصمت سلامة والغنيمة فوق السلامة وذكرنا هناك ما للعلماء في معنى قول الله تعالى * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * [ق 18] وأما الذي يكتب على المؤمن من كلامه فمن أحسن ما قيل في ذلك ما رواه النضر بن عباس عن هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس [قال يكتب عن الإنسان كل ما يتكلم به من خير أو شر وما سوى ذلك فلا يكتب وقال أبو حاتم الرازي حدثني الأنصاري قال حدثني هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس قوله تعالى * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * [ق 18] قال لا يكتب إلا الخير والشر وأما قوله يا غلام اسق الماء واسرج الفرس فلا يكتب وأما قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره فإن الله تعالى قد أوصى بالجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب
366 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه (1) وقد ذكرنا في التمهيد من حديث سعيد بن أبي سعيد أيضا عن أبي شريح الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن جار حتى يأمن جاره بوائقه (2) وذكر مالك عن أبي حازم بن دينار أنه قال كان أهل الجاهلية أبر بالجار منكم وهذا قائلهم يقول (ناري ونار الجار واحدة * وإليه قبلي ينزل القدر) (ما ضر جار ألا أجاوره * ألا يكون لبابه ستر) (أعمى إذا ما جارتي برزت * حتى يواري جارتي الخدر) وأما قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه فالمعنى أن المؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ينبغي أن تكون هذه أخلاقه قول الخير أو الصمت وبر الجار وإكرام الضيف فهذه حلية المؤمن وشيمته وخلقه وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (3) وروى بن وهب والوليد بن مسلم وقتيبة بن سعيد [عن بن لهيعة] عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في من لا يضيف (4) قال أبو عمر أجمع العلماء على مدح مكرم الضيف والثناء عليه بذلك وحمده وأن الضيافة من سنن المرسلين وأن إبراهيم أول من ضيف الضيف صلى الله عليه وسلم
367 واختلفوا في وجوب الضيافة فكان الليث بن سعد يوجبها قال بن وهب وسمعت الليث يقول الضيافة حق واجب قال أبو عمر يحتمل أن يكون الليث أراد أن الضيافة واجبة [في أخلاق الكرام ولكن قد حكى بن وهب وغيره عنه إيجابها ليلة واحد فأجاز] للعبد المأذون له أن يضيف مما بيده وقال به القوم واحتجوا بحديث شعبة عن منصور عن الشعبي عن المقدام بن معد يكرب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم فإن أصبح بفنائه فإنه دين له إن شاء قضاه وإن شاء تركه واحتجوا بأحاديث مرفوعة في مثل هذا المعنى قد ذكرتها في التمهيد وحديث [الليث في ذلك] هو حجة لما ذهب إليه حدثني محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسن قال حدثني موسى بن هارون قال حدثني قتيبة بن سعيد قال حدثني الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فنمر بقوم ولا يقرونا [فماذا ترى] فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي (1) قال أبو عمر وهذا يحتمل أن يكون في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة ثم أتى الله تعالى بالخير والسعة فصارت الضيافة جائزة وكرما مندوبا إليها محمودا فاعلها عليها وقال مالك ليس على أهل الحضر ضيافة وقال سحنون إنما الضيافة على أهل البادية وأما أهل الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر قال أبو عمر روى إبراهيم بن عبد الله بن همام بن أخي عبد الرزاق عن عمه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر
368 وهذا عندهم حديث موضوع وضعه بن أخي عبد الرزاق - والله أعلم - وهو متروك الحديث وحدثناه عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثني الحسن بن إسماعيل قال حدثني بكر بن العلاء القسري القاضي قال حدثني أبو مسلم الكجي قال حدثني إبراهيم بن عبد الله بن أخي عبد الرزاق فذكره كما ذكرنا سواء وقال مالك ليس للعبد المأذون له أن يضيف أحدا ولا يهب ولا يعير ولا يدعو أحدا إلى طعام إلا بإذن سيده وهو قول الشافعي والحسن بن حي في العبد المأذون له وقال الشافعي الضيافة على أهل البادية والحاضرة والضيافة حق واجب في مكارم الأخلاق قال أبو عمر حديث مالك في هذا الباب عن سعيد عن أبي شريح الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم دال على أن الضيافة ليست بواحبة فرضا لأن الجائزة في لسان العرب العطية والمنحة والصلة وذلك لا يكون إلا على اختيار لا عن وجوب وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم [جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم] ضيفه مع إجماعهم على أن إكرام الجار وصلته وعطيته ليست بفرض دليل على أن الضيافة أيضا ليست بفرض وروى أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر بن الخطاب سمعه يقول إن إكرام الضيف يوم وليلة وضيافته ثلاثة أيام فإن أصابه بعد ذلك مرض أو مطر فهو دين عليه وكان عبد الله بن عمر يقبل الضيافة ثلاثا ثم يقول لنافع أنفق فإنا لا نأكل الصدقة ويقول احبسوا عنا صدقتكم وسئل الأوزاعي عن من أطعم ضيفه خبز الشعير وعنده خبز البر أو أطعمه الخبز بالزيت وعنده اللحم فقال هذا ممن لا يؤمن بالله واليوم الآخر قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه أي لا يقيم على ضيافته أكثر من ثلاث والثواء الإقامة
369 قال كثير (أريد الثواء عندها وأظنها * إذا ما أطلنا عندها المكث ملت (1)) وقال الحارث بن حلزة (أأذنتنا ببينها أسماء * رب ثاو يمل منه الثواء (2)) وقوله حتى يحرجهم أي حتى يضيق عليهم ويضيق نفسه والحرج الضيق في لغة القرآن 1726 - مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق إذ أشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب وخرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى (3) من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له فقالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا فقال في كل ذات كبد رطبة أجر قال أبو عمر النص في هذا الحديث أن في الإحسان إلى البهائم المملوكات وغير المملوكات أجرا عظيما يكفر الله به السيئات والدليل أن في الإساءة إليها وزرا بقدر ذلك لأن الإحسان إليها إذا كان فيه الأجر ففي الإساءة إليها - لا محالة - الوزر وهذا الحديث عندي يعارض ما روي عنه صلى الله عليه وسلم في قتل الكلاب
370 وسيأتي القول في ذلك من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وقد روى موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن أخيه عن أبيه سراقة بن جعشم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله أرأيت الضالة ترد على حوض إبلي هل لي فيها من أجر إن سقيتها قال نعم في الكبد الحرى أجر (1) 1727 - مالك عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاثمائة قال وأنا فيهم قال فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر قال فكان يقوتناه كل يوم قليلا قليلا حتى فني ولم تصبنا إلا تمرة تمرة فقلت وما تغني تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت قال ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما ولم تصبهما قال مالك الظرب الجبيل قال أبو عمر قال صاحب العين الظرب بكسر الظاء والجمع الظراب وهو ما كان من الحجارة أصله ثابت في جبل أو أرض خزنة وكان طرفه الثاني محددا فإن كان خلفه الجبل كذلك سمي ظربا والجمع ظراب قال أبو عمر روى هذا الحديث عن جابر جماعة من ثقات التابعين ومعانيهم متقاربة فإذا كان بعضهم يزيد على بعض فيه معنى ليس عند غيرهم منهم عمرو بن دينار وأبو الزبير وعبيد الله بن مقسم وطلحة بن نافع وأبو سفيان وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد ورواه بن جريج مختصرا مستوعبا قال حدثني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الأنصاري يقول غزونا جيش الخبط وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح فجعنا جوعا شديدا فألقى لنا البحر حوتا لم نر مثله يقال له
371 العنبر فأكلنا منه نصف شهر وأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فكان يمر الراكب تحته (1) قال أبو عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل السرايا والعساكر إلى أرض العدو وتلك سنة مسنونة مجتمع عليها لا تحتاج إلى استدلال ولا استنباط من أخبار الآحاد في هذا الحديث ما يدل على أن المسلمين إذا نزلت بهم ضرورة يخاف منها تلف النفوس ويرجى بالمواساة بقاؤها حينا انتظار الفرج فواجب حينئذ المواساة وأن يشارك المرء رفيقه وجاره فيما بيده من القوت إلا ترى إلى حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال اجمعوا أزوادكم قال فجعل الرجل يجيء بالحفنة من التمر والحفنة من السويق وطرحوا الأنطعة والأكسية فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده ثم قال كلوا فأكلنا وشبعنا وأخذنا في مزاودنا فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله من قالها غير شاك دخل الجنة (2) وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وقال بعض العلماء جمع الأوزاد في السفر سنة وأن يخرج القوم إذا خرجوا في سفر بنفقتهم جميعا فإن ذلك أطيب لنفوسهم وأحسن لأخلاقهم وأحرى أن يبارك لهم قال أبو عمر فجمع أبي عبيدة لأزواد الجيش الذي كان أميرا عليه مأخوذ من السنة المذكورة في حديث أبي هريرة وغيره وقد استدل بعض الفقهاء بحديث أبي هريرة هذا وفعل أبي عبيدة في الأمر بإخراج الأزواد وجمعها والمواساة على التساوي فيها فإنه جائز للإمام عند قلة الطعام وارتفاع السعر وعدم القوت أن يأمر من عنده طعام يفضل عن قوته بإخراجه للبيع ورأى أن إجباره على ذلك من الواجب لما فيه من توفيق الناس وصلاح حالهم وإحيائهم والإبقاء عليهم وقد كان عمر بن الخطاب - رحمه الله - يجعل مع كل أهل بيت مثل عددهم عام الرمادة ويقول لن يهلك امرؤ عن نصف قوته
372 وهذا كله في معنى الأزواد الذي أتت السنة به لما فيه من مصلحة العامة وإدخال الرفق عليهم وقد قال مالك لا يجوز احتكار الطعام في سواحل المسلمين لأن ذلك يضر بهم ويزيد في غلاء سعرهم ومن أضر بالناس حيل بينه وبين ذلك وقال أيضا لا يخرج الطعام من سوق بلد إلى غيره إذا كان ذلك يضر بأهله فإن لم يضر بهم فلا بأس أن يشتريه كل من احتاج إليه وهذا كله من قوله خلاف قوله لا يجبر الناس على إخراج الطعام في الغلاء ولا يجوز التسعير على أهل الأسواق وذلك ظلم ولكن من انحط من السعر قيل له ألحق وإلا فأخرج وقد أوضحنا هذه المعاني في كتاب البيوع وفي هذا الحديث جواز أكل دواب البحر ميتة وغير ميتة بخلاف قول الكوفيين أنه لا يجوز أكل شيء من دواب البحر إلا السمك ما لم يكن طافيا فإن كان السمك طافيا لم يؤكل أيضا وهذه المسألة قد أوضحناها في كتاب الطهارة عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتتة (1) وفي كتاب الصيد أيضا فلا معنى لإعادتها وقد احتج بهذا الحديث من أجاز أكل لحم الصيد إذا أنتن وكذلك كل ما ذكي لأنه معلوم أن الحوت والميتة كلها إذا بقيت أياما أنتنت وقد أكل أبو عبيدة وأصحابه من ذلك الحوت ثماني عشرة ليلة فلا شك أنهم كانوا يأكلونه بعد أن أصل وأنتن والذكي لا يضره نتنه من جهة الحرام وأنه كره لرائحته وقال جماعة من أهل العلم لا يؤكل إذا أنتن لأنه حينئذ من الخبائث ورجس من الأرجاس وإن كان مذكي واحتجوا بحديث أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حدثناه سعيد بن سيد قال حدثني عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني محمد بن عبد الملك بن أيمن
373 وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني موسى بن معاوية قال حدثني معن بن عيسى عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا الصيد وإن وجدتموه بعد ثلاث ما لم ينتن وذكروا أن جيش أبي عبيدة كانوا جياعا مضطرين تحل لهم الميتة فلذلك أكلوا ذلك الحوت وقد أتينا بما عورضوا به في كتاب الطهارة وأتينا بما للعلماء في أكل الصيد إذا بات عن صائده أو غاب عنه مصرعه في كتاب الصيد والحمد لله كثيرا 1728 - مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن سعد بن معاذ عن جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرقا قال أبو عمر يا نساء ها هنا رفع لا يجوز غير ذلك والمؤمنات أيضا رفع والمعنى فيه يا أيتها النساء المؤمنات وقد يجوز عند أهل العربية في المؤمنات النصب وأما إضافة النساء إلى المؤمنات فلا يجوز قال أبو عمر [الذين أجازوا يا نساء المؤمنات من باب إضافة الشيء إلى نفسه مثل قولك المسجد الجامع وحسن الوجه وقولهم أقوى من قول من [] وبالله التوفيق] وفي هذا الحديث الحض على فعل قليل الخير وكثيره قال الله عز وجل " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره] [الزلزلة 7] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي تميمة الهجيمي لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تضع من دلوك في إناء المستقي
374 ولقد أحسن القائل (افعل الخير ما استطعت وإن * كان قليلا فلن تطيق بكله) (ومتى تفعل القليل من الخير * إذا كنت تاركا لأقله) وقد تصدقت عائشة رضي الله عنها بحبتي عنب وقالت كم فيها من مثقال ذرة وفي هذا الحديث الحض على بر الجار وصلته ورفده والآثار في حسن الجوار كثيرة جدا وقد أوضحنا معاني هذا الباب في التمهيد 1729 - مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود نهوا عن أكل الشحم فباعوه فأكلوا ثمنه قال أبو عمر هذا الحديث مسند من حديث عمر بن الخطاب وحديث بن عباس وحديث أبي هريرة وحديث جابر وقد ذكرتها في التمهيد وقيل إن بن عباس إنما يرويه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل إنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عمرو بن دينار قال أخبرني طاوس أنه سمع بن عباس يقول [بلغ عمر بن الخطاب أن سمرة] باع خمرا فقال [قاتل الله سمرة ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال] قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها (1) قال أبو عمر قوله فجملوها أي أذابوها وقد جاء هذا مفسرا في حديث أبي هريرة مذكورا في التمهيد
375 وأما رواية من روى سماع بن عباس لهذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني مسدد بن مسرهد أن بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله حدثاه المعنى عن خالد الحذاء عن بركة أبي الوليد عن بن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن قال فرفع بصره إلى السماء فضحك فقال لعن الله اليهود - ثلاثا - إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها إن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ولم يقل عن خالد بن عبد الله رأيت وقال قاتل قال أبو عمر معنى قوله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه يريد ثمن ما يباع منه للأكل وما لا منفعة فيه للأكل وأما الحمر الأهلية وما كان مثلها مما لا يجوز أكله ويجوز الانتفاع به فجائز بيعه لغير الأكل وأكل ثمنه وسيأتي القول في الزيت تقع فيه الميتة وما للعلماء في ذلك من المذاهب في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى 1730 - مالك أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول يا بني إسرائيل عليكم بالماء القراح والبقل البري وخبز الشعير وإياكم وخبز البر فإنكم لن تقوموا بشكره قال أبو عمر الماء القراح هو الصافي الذي لا يشوبه شيء لم يمزج بعسل ولا زيت ولا تمر ولا غير ذلك مما تصنع منه الأشربة قال أبو عمر ما جاء من الآثار في أن قول العبد على طعامه الحمد لله شكر تلك النعمة يعارض خبر عيسى هذا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر أنه قال أفضل الشكر الحمد لله (1) وكان عيسى عليه السلام أشد الأنبياء زهدا في الدنيا وإن كانوا كلهم زهادا فيها وما بعث نبي قط إلا بالزهد في الدنيا والنهي عن الرغبة فيها
376 حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني شريك عن عاصم و [الأعمش] عن أبي صالح رفعه إلى النبي عليه السلام قال لأصحابه اتخذوا المساجد مساكن واتخذوا البيوت منازل وانجوا من الدنيا بسلام وكلوا من بقل البرية وزاد الأعمش فيه واشربوا من الماء القراح قال وحدثني جرير عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال كان عيسى (عليه السلام) لا يرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء وكان يقول إن مع كل يوم رزقه وكان يلبس الشعر ويأكل الشجر وينام حيث أمسى وروينا أن عيسى (عليه السلام) قال له الحواريون يا عيسى بن مريم ما تأكل قال خبز الشعير قالوا وما تلبس قال الصوف قالوا وما تفترش قال الأرض قالوا كل هذا شديد قال لن تنالوا ملكوت السماوات والأرض حتى تصيبوا هذا على لذة أو قال على شهوة وروى أبو معاوية عن هشام بن حسان عن الحسن قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصفة فقال كيف أصبحتم قالوا بخير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير أم إذا غدا على أحدكم بجفنه وريح عليه بأخرى وستر أحدكم بيته كما تستر الكعبة قالوا يا رسول الله نصيب ذلك ونحن على ديننا قال نعم قالوا فنحن يومئذ خير نتصدق ونعتق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنتم اليوم خير إنكم إذا أصبتم ذلك تحاسدتم وتباغضتم وتقاطعتم قال أبو عمر من الدليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصد أصحابه ويردعهم على خواطر حب الدنيا وما يعرض في القلوب من تمنيها ويزهدهم فيها ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سألته ابنته فاطمة - رضي الله عنها - خادما يخدمها مما أفاء الله عليه تصونها عن الطحين ومؤنة البيت فقال لها ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك تسبحين الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدينه ثلاثا وثلاثين وتهللينه أربعا وثلاثين
377 ومثل ذلك حديث عقبة بن عامر قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال إيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو العقيق فيأتي منه بناقتين [كوماوين] في غير إثم ولا قطيعة رحم فقلنا يا رسول الله كلنا نحب ذلك فقال أفلا أدلكم على ما هو خير من ذلك يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آية من كتاب الله خير له من ناقة وآيتين خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل (1) وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه والله ما الفقر أخشي عليكم ولكني أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا فتتنافسون فيها كما تنافس من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم (2) والآثار في هذا المعنى كثيرة عنه صلى الله عليه وسلم جدا ومن فهم ووفق فالقليل يكفيه 1731 - مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد فيه أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب فسألهما فقالا أخرجنا الجوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أخرجني الجوع فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري فأمر لهم بشعير عنده يعمل وقام يذبح لهم شاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نكب عن ذات الدر فذبح لهم شاة واستعذب لهم ماء فعلق في نخلة ثم أتوا بذلك الطعام فأكلوا منه وشربوا من ذلك الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسألن عن نعيم هذا اليوم قال أبو عمر قد روي هذا الحديث مسندا من طرق كثيرة عن أبي هريرة وقد ذكرناها في التمهيد وأتمها وأكملها ما حدثني أبو محمد قاسم بن محمد قراءة مني عليه قال حدثني خالد بن سعد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة قال حدثني يحيى بن أبي بكير قال حدثني شيبان بن عبد الرحمن عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها [ولا يلقاه فيها أحد] فأتاه أبو بكر فقال ما أخرجك يا أبا بكر فقال خرجت للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنظر في وجهه قال فلم
378 يلبث أن جاء عمر فقال ما أخرجك يا عمر قال الجوع قال وأنا قد وجدت بعض الذي تجد انطلقوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان وكان كثير النخل والشاء ولم يكن له خدم فأتوه فلم يجدوه ووجدوا امرأته فقالوا أين صاحبك فقالت ذهب ليستعذب لنا [الماء] من قناة بني فلان ما لبث أن جاء بقربته يزغبها فوضعها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يلتزمه ويفديه بأبيه وأمه فانطلق بهم إلى ظل وبسط لهم بساطا ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه بين أيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تنقيت لنا من رطبه فقال أردت أن تتخيروا من رطبه وبسره فأكلوا ثم شربوا من الماء فلما فرغوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي أنتم عنه هذا ظل بارد والرطب البارد عليه الماء البارد ثم انطلق يصنع لهم طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تذبح ذات در قال فذبح لهم عناقا فأكلوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك من خادم قال لا قال [فإذا أتانا شيء أو قال سبي - فأتنا قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسان ليس لهما ثالث فأتاه أبو الهيثم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ أحدهما فقال يا رسول الله خر لي أنت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفا فأتى به امرأته فحدثها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما أنت ببالغ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حتى تعتقه قال هو عتيق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا ومن يوق بطانة الشر فقد وقي (1) قال أبو عمر في حديث مالك وفي هذا الحديث ما كان القوم عليه في أول الإسلام من ضيق الحال وشظف العيش وما زال الأنبياء والصالحون يجوعون مرة ويشبعون أخرى وقد تكلمنا على ما في هذا الحديث من معاني الآداب وغيرها في التمهيد وقال عبد الله بن رواحة في هذه القصة يمدح أبا الهيثم بن التيهان (فلم أر كالإسلام عزا لأهله * ولا مثل أضياف الأراشي معشرا) نبي وصديق وفاروق أمة * وخير بني حواء فرعا وعنصرا) فوافق للميقات قدر قضية * وكان قضاء الله قدرا مقدرا) (إلى رجل نجد يباري بجوده * شموس الضحى جودا ومجدا ومفخرا
379 (وفارس خلق الله في كل غارة * إذا لبس القوم الحديد المسمرا) ففدى وحيى ثم أدنى قراهم * فلم يقرهم إلا سمينا معمرا) وروينا عن مجاهد أنه قال في قول الله تعالى " ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم " [التكاثر 8] قال كل شيء من لذة الدنيا 1732 - مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب كان يأكل خبزا بسمن فدعا رجلا من أهل البادية فجعل يأكل ويتبع باللقمة وضر الصحفة (1) فقال عمر كأنك مقفر فقال والله ما أكلت سمنا ولا رأيت أكلا به منذ كذا وكذا فقال عمر لا آكل السمن حتى يحيا الناس من أول ما يحيون قال أبو عمر وروي يحيى الناس من أول ما يحيون وهذا الحديث قد رواه غير مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان قال كان بين يدي عمر صحفة فيها خبز مفتوت بسمن فجاء رجل كالبدوي فقال كل فجعل يتبع وضر الدسم باللقمة في جنوب الصحفة فقال عمر كأنك مقفر ثم ذكره إلى آخره سواء قال أبو عمر في هذا الخبر تواضع عمر ومؤاكلته الضعفاء من أهل البادية وغيرهم وهذه القصة كانت - والله أعلم - عام الرمادة فإنها كانت شدة شديدة ومسغبة عامة وكان ذلك عامين أو ثلاثة منع أهل الحجاز فيها غيث السماء فساءت بهم الحال وقيل لها أعوام الرمادة لأن الأرض كانت قد اغبرت من شدة الجدب وكان الغبار يرتفع بين السماء والأرض كالرماد ومن قال عام الرمادة أشار إلى أشدها وروي عن ثابت عن أنس قال تقرقر بطن عمر وكان يأكل الزيت عام الرمادة وكان قد حرم على نفسه السمن قال فنقر بطنه بإصبعه وقال قرقر ما شئت أن تقرقر إنه ليس لك عندنا غير هذا حتى يحيا الناس رواه عبيد الله بن نمير عن عبد الله بن عمر عن ثابت عن أنس وروى حسين الجعفي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن عبد
380 الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال إني لآكل مع عمر من خبز وزيت وهو يقول أما والله لتصبرن أيها البطن على الخبز والزيت ما دام السمن يباع بالأواقي وأما وضر الصحفة فهو ما يتعلق بها من ودك الطعام والمقفر هو كالمرمل والمرمل الذي لا زاد له ولا قوت معه وقوله حتى يحيا الناس فالرواية بضم الياء والمعنى قد يصيب [الناس] الحياء [بالمطر ويعانوا ويخصبوا والحياء هو الخصب والغيث تقول العرب قد أحيا القوم إذا أصابهم الحياء] بالمطر والخصب وصاروا من أهله وكان عمر - رضي الله عنه - يكره أن يأكل شيئا لا يدرك الناس مثله لئلا يستأثر عن رعيته ويؤثر نفسه عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استرعاه الله رعية فلم يحطهم بالنصيحة وحسن الرعاية لم يرح رائحة الجنة (1) حدثني أحمد قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى قال كتب عمر إلى أبي موسى أما بعد فإن أسعد الرعاة عند الله من سعدت به رعيته وإن أشقى الرعاة عند الله من شقيت به رعيته فإياك أن تزيغ فتزيغ عمالك ويكون مثلك مثل البهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرعت فيها تبتغي بذلك السمن وإنما حتفها في سمنها والسلام وقال عمر لو ماتت شاة ضائعة بالفرات لقلت إن الله - عز وجل - سائلي عنها 1733 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين يطرح له صاع من تمر فيأكله حتى يأكل حشفه قال أبو عمر هذا الخبر يدل على اقتصاره على أكل التمر دون غيره وعلى أنه كان جائعا وعلى أنه كان مخشوشنا في طعامه لا ينتقيه ولا يقول باللين منه
381 والحشف رديء التمر المسوس اليابس وللعرب مثل تضربه في من باع شيئا رديئا وكال كيل سوء قالت أحشفا وسوء كيلة وروى أحمد بن حنبل قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال قالت حفصة بنت عمر لعمر يا أمير المؤمنين لو لبست ثوبا هو ألين من ثوبك وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله عليك من الرزق وأكثر من الخير قال إني سأخاصمك إلى نفسك أما تذكرين ما كان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة العيش فما زال يذكرها حتى أبكاها وذكر أبا بكر ثم قال والله لئن استطعت لأشاركهما بمثل عيشهما الشديد لعلي أدرك معهما الرخاء 1734 - مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال سئل عمر بن الخطاب عن الجراد فقال وددت أن عندي قفعة نأكل منه قال أبو عمر قالوا القفعة عندهم ظرف يعمل من الحلفاء وشبهها مستطيل كالذي يحمل عندنا فيه التراب والزبل على الدواب والقفة عندهم التي لها منها غطاء وأما عندنا فالقفه مدورة لا غطاء لها ونحن في غنى عن إعلام أهل بلدنا بها وفي هذا الخبر أكل عمر الجراد وهو أمر مجتمع على جواز أكله لمن شاء واختلف العلماء هل يحتاج إلى ذكاة أم لا فقال مالك لا يأكل حتى يذكى وذكاته عنده قتله كيف أمكن من الدوس أو قطع الرؤوس أو الطرح في النار ونحو ذلك مما يعالج به موته إذ لا حلق له ولا لبة فيذكى فيها بنحر أو ذبح وقال الشافعي والكوفي وسائر أهل العلم الجراد لا يحتاج إلى ذكاة وحكمه عندهم حكم الحيتان يؤكل الحي منه والميت ما لم ينتن 1735 - مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم أنه قال كنت جالسا مع أبي هريرة بأرضه بالعقيق فأتاه قوم من أهل المدينة
382 على دواب فنزلوا عنده قال حميد فقال أبو هريرة ادهب إلى أمي فقل إن ابنك يقرئك السلام ويقول أطعمينا شيئا قال فوضعت ثلاثة أقراص في صحفة وشيئا من زيت وملح ثم وضعتها على رأسي وحملتها إليهم فلما وضعتها بين أيديهم كبر أبو هريرة وقال الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين الماء والتمر فلم يصب القوم من الطعام شيئا فلما انصرفوا قال يا بن أخي أحسن إلى غنمك وامسح الرعام (1) عنها وأطب مراحها وصل في ناحيتها فإنها من دواب الجنة والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان قال أبو عمر في هذا الخبر ما كانوا عليه من إتحاف الضيف النازل بهم والقادم عليهم والداخل إليهم بما يسر من الطعام وهذا عند الجميع منهم كان معهودا بالسنة المعمول بها والمقدم إليهم بالخيار إن قدر على الأكل أكل وإلا فلا حرج ومن حسن الآداب أن يأكل منه ما قدر عليه لتطيب بذلك نفس الذي قدمه إليه وأما قوله أحسن إلى غنمك فالإحسان إليها ارتياد الراعي الحائط لها المتبع بها مواضع الكلأ وجيد المرعى وقوله امسح الرعام فالرعام ما يسيل من أنوفها من المخاط وقوله أطب مراحها يريد بالكنس وإبعاد الطين وإزاحة الوسخ عنه والمراح الموضع الذي تأوي إليه ليلا أو نهارا وقوله صل في ناحيتها فمأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم صلوا في مراح الغنم (1) وهذا أمر معناه الإباحة عند الجميع لأن المساجد أولى من مراح الغنم بالصلاة وفي إباحة الصلاة في مراحها دليل على إباحة بولها وبعرها وقد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك [وفي معنى النهي عن الصلاة في أعطان الإبل] في كتاب الصلاة
383 تقول العرب مراح الغنم وعطن الإبل ومرابض البقر كل ذلك في الموضع الذي تأوي إليه وقد قيل إن عطن الإبل موضع انصرافها ومناخها عند السقي والثلة من الغنم قيل المئة ونحوها ودار مروان بن الحكم أشرف دار بالمدينة كانت ولذلك ضربت بها العرب المثل قال الشاعر (ما بالمدينة دار غير واحدة * دار الخليفة إلا دار مروانا) (1) وفي هذا الخبر دليل على أن الحديث بالحدثان مباح إذا صح عند المخبر به بأي وجه كان ودليل أيضا على أن المدن تكثر فيها الفتن والتقاتل على الدنيا حتى تفسد وتهلك ويكون الفرار منها إلى القفار والشعاب بقطائع الغنم كما قال صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة (2) 1736 - مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام ومعه ربيبه عمر بن سلمة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سم الله وكل مما يليك قال أبو عمر هذا الحديث ظاهره الانقطاع في الموطأ وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سم الله وكل مما يليك وهذا عندنا حديث مسند متصل لأن أبا نعيم سمعه من عمر بن أبي سلمة وقد أدرك أبو نعيم وهب بن كيسان هذا جماعة من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله فكيف لا يدرك عمر بن أبي سلمة قال يحيى بن معين وهب بن كيسان أكبر من الزهري وقد سمع من بن عمر وبن الزبير
384 حدثني أحمد بن فتح وخلف بن قاسم قالا حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثني أبو العلاء محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي وحدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير عن أبي نعيم وهب بن كيسان سمعه من عمر بن أبي سلمة قال كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وقد ذكرنا هذا الحديث عن عمر بن أبي سلمة من طريق أبي نعيم وغيره عنه من وجوه في التمهيد 1737 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت القاسم بن محمد يقول جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال له إن لي يتيما وله إبل أفأشرب من لبن إبله فقال بن عباس إن كنت تبغي ضالة إبله وتهنأ جرباها (1) وتلط حوضها (2) وتسقيها يوم وردها (3) فاشرب غير مضر بنسل (4) ولا ناهك (5) في الحلب قال أبو عمر يحيى بن سعيد أحسن سياقه لهذا الخبر من الزهري رواه معمر وغيره عن الزهري عن القاسم بن محمد قال جاء رجل إلى بن عباس فقال إن في حجري يتامى وأموالهم عندي وهو يستأذنه أن يشرب من ألبانها وأن يصيب منها فقال ألست تلط حوضها وتبتغي ضالتها وتهنأ جرباها قال بلى قال فأصب من رسلها يعني لبنها ورواه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم ويحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن بن عباس فذكره قال وزاد عبد الرحمن فاشرب من فضل الدر
385 قال سفيان وحدثني بن نجيح قال قال لي القاسم بن محمد ما سمعت فتيا أحسن من فتيا بن عباس هذه في اليتيم إلا أن يكون حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سفيان عن عمرو عن الحسن قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال في حجري يتيم وله مال أفآكل من ماله قال نعم بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله قال أفأضربه قال مما كنت منه ضاربا ولدك واختلف أهل العلم في ما يحل لوالي اليتيم من ماله بعد إجماعهم أن أكل مال اليتيم ظلما من الكبائر قال الله عز وجل " إن الذين يأكلون أمول اليتمى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " [النساء 10] وقال تعالى * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) * [الإسرء 34] وقال " واتبلوا اليتمى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمولهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " [النساء 6] فقيل الغني لا يحل له أكل شيء من مال اليتيم وقيل بل له أن يأكل منه بمقدار قيامه عليه وخدمته له وانتفاع اليتيم به في حسن نظره له وهذا يشبه قول بن عباس المذكور وقد قيل يستقرض من ماله فإن أيسر رده وقال بهذه الأقوال جماعة من علماء السلف وليس هذا موضع تقصي القول في ذلك وأما قوله في حديث مالك تبغي ضالتها يعني تطلب ما ضل منها وما شرد حتى تصرفه وقوله تهنأ جرباها فالهنأ طلاء القطران يعني تطلي جرباها بالقطران قال دريد بن الصمة في الخنساء ونظر إليها وهي تهنأ الجربى من إبلها (ما إن رأيت ولا سمعت به * [كاليوم] هانئ أينق جرب (1)) (متبدلا تبدو محاسنه * يصنع الهنأ مواضع الثقب
386 وقال إبراهيم بن هرمة (لست بذي قلة مؤثلة * أقط ألبانها وأسلؤها (1)) (لكني قد علمت ذو إبل * أحسبها للقرى وأهنأها) وقوله وتلط حوضها وقد روي وتلوط حوضها أي تصلح الحوض وتسد المواضع التي يخرج منها الماء قال الشاعر (وليطت حياض الموت وسط العشائر *) وقوله وتسقيها يوم وردها يعني يوم ترد الماء لتشرب وقوله غير مضر بنسل يعني لا يكون شريكا مضرا بالأولاد ينهاه عن السرف لأنه إذا سرف أضر بفصلانها والحلب بتحريك اللام اللبن نفسه والحلب بتسكين اللام مصدر حلب 1738 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يؤتى أبدا بطعام ولا شراب حتى الدواء فيطعمه أو يشربه إلا قال الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا إلى آخر الحديث فالحمد لله - على الأكل والشرب مع التسمية - سنة مسنونة التسمية أولا والحمد لله آخرا والدعاء كثير لا يكاد يحصى وخيره ما كان الداعي بنية ويقين بالإجابة ويكفي من ذلك قوله في أول الطعام بسم الله الرحمن الرحيم وفي آخره الحمد لله رب العالمين اللهم بارك لنا في ما رزقتنا وقنا عذاب النار
387 1739 - سئل مالك هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها فقال مالك ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال قال وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله أو مع أخيها على مثل ذلك ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل ليس بينه وبينها حرمة قال أبو عمر في كتاب الله تعالى شفاء من هذا المعنى قال الله عز وجل " وقل للمؤمنت يغضضن من أبصرهن " [النور 31] كما قال) * قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم) [النور 30] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بذي محرم ولا تسافر امرأة بريدا فما فوقه إلا مع ذي محرم (1) وقال جرير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري (2) وقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لك النظرة الأولى وليس لك الأخرى (3) وهذا تفسير حديث جرير أنه أمره أن يصرف بصره عن النظرة الثانية لأن النظرة الأولى غلب عليها بالفجاءة ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته وزمنه خير من زمننا هذا وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرم نظر شهوة يرددها وقال عاصم الأحول قلت للشعبي الرجل ينظر إلى المرأة لا يرى منها محرما قال ليس لك أن تنقبها بعينك قال أبو عمر فأين المجالسة والمؤاكلة من هذا
388 وقال مجاهد في قول الله عز وجل " يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم " [النور 58] قال عبيدكم المملوكون * (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * [النور 58] قال الذين لم يحتلموا من أحراركم وقال بن جريج قلت لعطاء وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا قال واجب على الناس جميعا أن يستأذنوا أحرارا كانوا أو عبيدا وقال سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال " ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم " قال النساء ما عنى بها إلا النساء قال سفيان نحن نقول عنى بها الرجال إذا بلغوا الحلم استأذنوا وقال أبو إسحاق الفزاري قلت للأوزاعي ما حد الطفل الذي يستأذن قال بن أربع سنين قال لا يدخل على المرأة حتى يستأذن قال أبو عمر قد جاءت رخصة في المملوك الوغد وفي معاني من هذا الباب تركت ذكرها لأني لم أر من الصواب إلا أن يكون المملوك من غير أولى الإربة فيكون حكمه حكم الأطفال الذين لا يفطنون لعورات النساء وكم من المماليك الأوغاد أتى منهم الفساد ((11 - باب ما جاء في أكل اللحم)) 1740 - مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر قال أبو عمر هذا يدل على أن الخمرة من ابتلى بها قل ما يقلع عنها ولا يتوب منها وأما اللحم فسيد الإدام وهو غاية التنعم والرفاهية ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقد ذكرناه في التمهيد أنه قال سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوليمة ولو بشاة وقال لا تقطعوا اللحم بالسكين على الخوان فإنه من فعل الأعاجم (1) وكان صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم وكان يعجبه لحم الذراع
389 وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أطيب اللحم لحم الطير وقال سفينة أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى (1) وكان عمر - رضي الله عنه - مخشوشنا في أكله ولباسه وكذلك في كتابه إلى أهل البصرة إياكم والتنعم وزي العجم واخشوشنوا وكان حريصا على أن تكون رعيته تقتدي به في الزهد في الدنيا والرضا بخشونة العيش وقد روي عنه أنه قال في بعض خطبه على المنبر ولا تأكلوا البيض فإنما البيضة لقمة فإذا تركت صارت دجاجة ثمن درهم 1741 - مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه حمال لحم فقال ما هذا فقال يا أمير المؤمنين قرمنا (2) إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحما فقال عمر أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو بن عمه أين تذهب عنكم هذه الآية " أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها " [الأحقاف 20] قال أبو عمر روي هذا الخبر عن عمر من وجوه منها ما ذكره سنيد قال حدثني معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال أبصر عمر بن الخطاب جابر بن عبد الله قد علق لحما بيده فقال ما هذا قال قرمنا إليه قال وكلما اشتهى أحدكم شيئا أكله ألا يطوي بطنه لجاره وضيفه أين تذهب عنكم هذه الآية " أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها " [الأحقاف 20] قال سنيد وحدثني جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو قال دخل عتبة بن فرقد على عمر في السحر وهو يكرم كعكا شاميا ويتفرق لبنها فقال يا أمير المؤمنين لو أمرت بطعام من لبن فصنع لك قال يا بن فرقد ألست أقدر أحياء العرب على [طعام] واحد قال عتبة نعم ما أجد أقدر على ذلك منك قال إني سمعت [رسول الله صلى الله عليه وسلم] يذم قوما فقال " أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم " [الأحقاف 20] قال بن جريج وقتادة بلغنا عن عمر أنه قال لو شئت كنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا ولكني أستبقي طيباتي
390 قال أبو عمر هذا طريق الزهد في الدنيا وقد رضي الله ذلك من عباده إذا كانت رغبة في الآخرة وإيثارا لها وإن كان قد أباح الطيبات وهي الحلال وقال عز وجل) * اليوم أحل لكم الطيبات) [المائدة 5] وقال " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبت من الرزق " [الأعراف 32] فأكل اللحم المباح حلال ومن السنة والشريعة ذبح الغنم ونحر البدن والأكل منها وإطعام القانع والمعتر فأكل ما حل من اللحم وغيره مباح وأكل ما حرم لا يحل خشنا كان أو غير خشن إلا أن من يترك الدنيا حبا في الآخرة نال في الآخرة أعلى درجة وما التوفيق إلا بالله قال أبو عمر ظاهرة الآية يدل على أنها في الكفار قال عز وجل " ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا " [الأحقاف 20] ولكن فعل عمر وقوله فعل أهل الزهد وقولهم روينا عن عمر - رضي الله عنه - أنه قدم عليه ناس من أهل العراق منهم جرير بن عبد الله البجلي فأتاهم بجفنة قد صنعت بخبز وزيت وقال لهم كلوا فأكلا أكلا ضعيفا فقال لهم عمر قد أرى أكلكم أنكم تريدون الحلو والحامض والحار والبارد كل ذلك قذفا في البطون وروى سفيان بن عيينة عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قدم ناس من أهل العراق على عمر فرآهم يأكلون أكلا ضعيفا فقال يا أهل العراق لو شئت أن يدهن لكم لفعلت لكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا أما سمعتم الله تعالى يقول " أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم " [الأحقاف 20] ذكره أبو بكر وغيره عن بن عيينة وروى بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن موسى بن سعد عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب كان يقول والله ما نفي بلذات [الدنيا] أن نأمر بصغار الماعز فتسمت لنا ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسقية حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا لأنا سمعنا الله يقول لقوم " أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا " [الأحقاف 20] وأخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني جعفر قال حدثني جرير بن أبي حازم قال حدثني الحسن أن عمر قال [إني والله] لو شئت لكنت من ألينكم طعاما وأرقكم عيشا إني والله ما أجهل كذا أو كذا ولكني سمعت الله تعالى عير
391 قوما بأمر فعلوه فقال " أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها " [الأحقاف 20] قال أبو عمر في الآية الجزاء بعذاب الهون على الكفر والفسق لا على أكل اللحم والحلال بين والحرام بين والزهد في الدنيا من أرفع الأعمال إذا كان على علم وسنة والله المستعان وقد ذكر الدولابي في كتابه في فضائل مالك قال قال الزبير بن بكار حدثني إسماعيل بن أبي أويس قال كان لمالك في لحمه كل يوم درهمان وكان يأمر طباخه كل جمعة يعمل له ولعياله طعاما كثيرا قال وكان له طباخ يقال له سلمة قال وحدثني مطرف بن عبد الله قال كان مالك - رحمه الله - لو لم يجد درهمين يبتاع بهما لحما كل يوم إلا أن يبيع في ذلك بعض (متاعه) لفعل قال وكانت تلك وصفته في لحمه ((12 - باب ما جاء في لبس الخاتم)) 1742 مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتما من ذهب ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبذه (1) وقال لا ألبسه أبدا قال فنبذ الناس خواتيمهم قال أبو عمر أما خاتم الذهب فقد مضى القول فيه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التختم بالذهب وأنه كان يتختم به ثم نبذه ونهى عن التختم به فالتختم به منسوخ والمنسوخ لا يحل استعماله حدثني يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن غالب التمتام قال حدثني عمرو بن مرزوق قال حدثني شعبة قال حدثني قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب
392 وممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التختم بالذهب عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم قال أبو عمر هذا للرجال دون النساء ولا خلاف بين العلماء أن التختم بالذهب جائز للنساء وقد جاء في كراهيته للنساء حديث شاذ منكر ذكرته في التمهيد كما أنه قد روى بن شهاب الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم نبذه ونبذ الناس خواتمهم (1) ورواه جماعة من أصحاب بن شهاب عنه كذلك وهذا عند أهل العلم وهم وغلط وشذوذ من الرواية وأما الذي نبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب على ما في حديث بن عمر حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد عن يحيى بن سعيد قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي كفه فأتخذه الناس فرمى به وأتخذ خاتما من ورق (2) وقد روى ثابت البناني وعبد العزيز بن صهيب وقتادة عن أنس خلاف ما رواه بن شهاب عن أنس فبان وهم بن شهاب في ذلك وقد ذكرنا طرق الأحاديث بذلك عن أنس بن مالك في التمهيد ومنها ما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل الترمذي قال حدثني أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخي قال حدثني سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى العجم فقيل له إنه لا ينفذ كتابك إلا بخاتم فاتخذ خاتما من فضة منه ونقش فيه محمد رسول الله قال ثم لبسه أبو بكر [بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبسه عمر بعد أبي بكر] ثم لبسه عثمان رضي الله عنه فسقط من عثمان في بئر بالمدينة
393 وقد روى هذا المعنى بن عمر أيضا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو مسلم الكجي قال حدثني أبو عاصم عن المغيرة بن زياد عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب ففشت خواتم الذهب في أصحابه فرمى به واتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله وكان في يده حتى مات وفي يد أبي بكر حتى مات وفي يد عمر حتى مات وفي يد عثمان ست سنين فلما كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار ليختم به فأتى قليبا [لعثمان] [ليغتسل] فسقط بها فالتمس فلم يوجد فاتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله (1) وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني حامد بن يحيى قال حدثني سفيان عن أيوب بن موسى عن نافع عن بن عمر قال اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم رمى به واتخذ خاتما من فضة [فصه منه] ونقش فيه محمد رسول الله ونهى أن ينقش عليه أحد وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس (2) وقد ذكرنا في باب عبد الله بن دينار من التمهيد الأحاديث الواردة [المسندة] المرفوعة وعن الخلفاء الراشدين في إباحة التختم بالفضة وكراهة التختم بالذهب والحديد والشبه ومن شذ فرخص في ذلك من ذلك أو نختم بشيء منه ومن تختم باليمين ومن تختم في اليسار ما يغني عن كل كتاب في معناه إن شاء الله عز وجل 1743 - مالك عن صدقة بن يسار أنه قال سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال ألبسه وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك قال أبو عمر معناه عندي - والله عز وجل أعلم - الإنكار على أهل الشام لما ذهبوا إليه من كراهة الخاتم لغير ذي سلطان وقد رووا فيه أثرا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ريحانة ذكرنا إسناده في التمهيد عن أبي ريحانة سمع النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن عشر خصال عن الوشر [والنتف والوشم] وعن مكامعة الرجل الرجل
394 وعن مكامعة المرأة المرأة يعني المباشرة وعن ثياب تكف بالديباج من أعلاها [لا أسفلها كما تصنع الأعاجم وعن النهبة وعن أن سيركب بجلود الأنمار وعن الخاتم إلا لذي سلطان هكذا قال لم يذكر العاشرة حدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثني الخضر بن داود قال حدثني [أبو بكر] الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن لبس الخاتم فقال أهل الشام يكرهونه لغير ذي سلطان ويروون فيه الكراهية عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تختم قوم قال أبو بكر وحدثني أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - بحديث أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره خلالا ذكر منها الخاتم إلا لذي سلطان فلما بلغ هذا الموضع تبسم كالمتعجب ثم قال يا أهل الشام قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد بعض من كان لا يتختم من العلماء وبعض من كان يتختم منهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد تختم وفيه الأسوة الحسنة وحديث أبي ريحانة لا تجد بمثل إسناده حجة وحديث مالك في هذا الباب عن صدقة بن يسار عن سعيد بن المسيب رواه بن عيينة عن صدقة بن يسار على غير هذا المعنى حدثني عبد الله بن سعيد قال حدثني أحمد بن إبراهيم الدئلي قال حدثني أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثني سفيان بن عيينة عن صدقة بن يسار قال قلت لسعيد بن المسيب الخاتم يكون فيه ذكر الله ألبسه على الجنابة وأدخل به الخلاء قال ألبسه بأمري وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك ورواية بن جريج له عن صدقة بن يسار نحو رواية بن عيينة ذكره أبو بكر قال حدثني عيسى بن يونس عن بن جريج عن صدقة بن يسار قال قلت لسعيد بن المسيب ما أكتب في خاتمي قال اكتب فيه ذكر الله وقال أمرني به سعيد بن المسيب وممن أجاز في الخاتم نقش ذكر الله (عز وجل) الحسن وعطاء ومجاهد والحسن والحسين وأبو جعفر محمد بن علي بن حسين ومسروق إلا أن عطاء كان يكره أن يكتب الآية كلها في الخاتم ولا يرى بالخاتم فيه بأسا
395 وكره إبراهيم والشعبي أن ينقش في الخاتم [ذكر الله والآية التامة وقال الحسن لا بأس أن ينقش فيه الآية التامة وكره بن سيرين أن يكون في الخاتم] ذكر الله وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني دحيم عن شعيب بن إسحاق عن أبي خلدة قال قلت لأبي العالية أدخل الخلاء وعلي خاتم فيه اسم الله قال لا وأمره هين خذه من شمالك واجعله في يمينك أو في فيك وذكر بن القاسم عن مالك أنه قال لا بأس بلبس الخاتم فيه ذكر الله يلبسه في الشمال ويستنجي به وقال أرجو أن يكون خفيفا وقال بن وهب عنه لم أزل أسمع أن الحديد مكروه التختم به وأما أبو حنيفة وأصحابه فكرهوا التختم بالحديد وبما سوى الفضة إلا الذهب خاصة للنساء وقد ذكرنا في التمهيد من كان يتختم باليمين ومن كان يتختم في الشمال ((13 - باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق)) 1744 - مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره قال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا قال عبد الله بن أبي بكر حسبت أنه قال والناس في مقيلهم لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت قال مالك أرى ذلك من العين هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جمهور الرواة ورواه روح بن عبادة عن مالك بإسناده فقال فيه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا مولاه قال أبو عمر هو زيد بن حارثة ولم يسم الرسول في هذا الحديث عن مالك
396 غير روح بن عبادة - والله أعلم - وقال [والناس] في موضع مبيتهم وفصل مالك معنى الحديث أنه من العين وهو عند جماعة من أهل العلم كما قال مالك لا يجوز أن يعلق على الصحيح شيء من بني آدم ولا من البهائم بشيء من العلائق خوف نزول العين لهذا الحديث وما كان مثله ورخصوا فيه بعد نزول البلاء ومنهم من كرهه على كل حال قال مالك لا بأس بتعليق الكتب التي فيها اسم الله تعالى على أعناق المرضى وكره من ذلك ما أريد به مدافعة العين وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل ما يكره من المعاليق قال كل شيء يعلق فهو مكروه واحتج بالحديث من تعلق شيئا وكل إليه قال إسحاق بن منصور وقال لي إسحاق بن راهويه كما قال أحمد بن حنبل إلا أن يفعله بعد نزول البلاء فهو حينئذ مباح كما قالت عائشة رضي الله عنها قال أبو عمر احتج من كره ذلك جملة بحديث عقبة بن عامر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له (1) وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وذكر بن وهب قال حدثني جرير بن حازم أنه سمع الحسن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلق شيئا وكل به (2) قال بن وهب وأخبرني عمرو بن الحارث أن بكير الأشج حدثه أن أمه حدثته أنها سمعت عائشة تكره ما يعلق النساء على أنفسهن وعلى صبيانهن قال أخبرنا بن لهيعة عن بكير عن القاسم عن عائشة قالت ما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة وقال بن مسعود الرقى والتمائم والتولة شرك فقالت له امرأته ما التولة قال التهييج وأما الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قلدوا الخيل ولا تقلدوها الأوتار
397 فقال وكيع معناه لا تركبوها في الفتن فمن ركب فرسا في فتنة لم ينشب أن يتعلق به وتر يطلب به وقال غيره كره تقليد الأوتار لئلا تخنق الدابة أو البهيمة في خشبة أو شجرة فتقتلها وإذا كان ذلك خيطا انقطع سريعا
398 ((50 الكتاب العين)) ((1 - باب الوضوء من العين)) 1745 - مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار (1) فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر قال وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء قال فوعك سهل مكانه واشتد وعكه فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلا وعك وأنه غير رائح معك يا رسول الله فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت (2) إن العين حق توضأ له فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس قال أبو عمر ليس في حديث مالك هذا في غسل العين عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من قوله اغتسل له وإنما فيه كيفية غسل العائن من فعل عامر بن ربيعة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف له كيفية الغسل إذ أمره به 1746 - وقد روى هذا الحديث معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف - يعني حديث مالك - إلا أنه أتم سياقة قال فيه فدعا عامرا
399 فقال سبحان الله علام يقتل أحدكم أخاه وإذا رأى شيئا منه يعجبه فليدع له بالبركة قال ثم أمره فغسل وجهه وظهر عقبيه ومرفقيه وغسل صدره وداخلة إزاره وركبتيه وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء ثم أمره فصبه على رأسه وكفأ الإناء من خلفه قال وأمره فحسا منه حسوات قال فقام مع الركب قال جعفر بن برقان للزهري ما كنا نعد هذا حقا قال بل هي السنة قال أبو عمر المخبأة المخدرة المكنونة التي لا تراها العيون ولا تبرز للشمس قال عبد الله بن قيس الرقيات (ذكرتني المخبآت لدى الحج * ر ينازعنني سجوف الحجال) (1) ولبط صرع الأرض ولبط وليج سواء أي سقط إلى الأرض وقال بن وهب ولبط وعك وفي تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عامر بن ربيعة دليل على أن من كان منه شيء أو بسببه لم يقصده جائز عتابه وتأديبه عليه وفي قوله صلى الله عليه وسلم يقتل أحدكم أخاه دليل على أن العين قد يأتي منها القتل والموت إذا دنا الأجل وقوله صلى الله عليه وسلم ألا بركت يدل على أن من أعجبه شيء فقال تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه ونحو هذا لم يضره إن شاء الله وقد تقصينا ما في ألفاظ حديثي هذا الباب من المعاني في التمهيد وأما داخل إزاره فإن الأزار ها هنا هو المئزر عندنا فما التصق منه بخصر المؤتزر فهو داخلة الإزار وفيه أن العائن يؤمر بالوضوء وبالغسل للمعين وأنها نشرة ينتفع بها وأحسن شيء في وضوء العائن وغسله ما وصفه بن شهاب وهو رواية الحديث
400 أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني محمد بن عزيز قال حدثني سلامة بن روح قال حدثني عقيل عن بن شهاب أنه أخبره أن الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه أن يؤتى الرجل الذي يعين صاحبه بالقدح فيه الماء فيمسك له مرتفعا من الأرض فيدخل فيه يده اليمنى فيغرف من الماء ويصب على وجهه صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليسرى [فيمضمض ثم يمجه في القدح ثم يدخل يده اليسرى] فيغترف قبضة على ظهر كفه اليمنى صبة واحدة في القدح وهو ثان يده على عقبه ثم يفعل مثل ذلك في مرفق يده اليسرى ويفعل مثل ذلك في طرف قدمه اليمنى من عند أصول أصابعه واليسرى كذلك ثم يدخل يده اليسرى فيصب على كتفه اليمنى ثم يفعل مثل ذلك في اليسرى ثم يغمس داخله إزاره اليمنى في الماء ثم يقوم الذي في يده القدح حتى يصبه على رأس المعين من ورائه ثم يكفأ القدح على ظهر الأرض وراءه وقد ذكره بن أبي ذئب عن بن شهاب بخلاف شيء من معانيه وذكرته في التمهيد وذكرت هناك أحاديث في معنى النشرة وما أشبهها في معاني العين ومعاني الأخذة وبعض من امتحن بها من السلف ومن أجاز النشرة منهم ومن كرهها أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني مسلم بن إبراهيم قال حدثني وهيب قال أخبرنا بن طاوس عن أبيه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العين حق ولو كان شيء سبق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا (1) حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني بن أبي عدي عن شعبة عن حصين عن هلال بن يساف عن سحيم بن نوفل قال كنا عند عبد الله - يعني بن مسعود - فجاءت أمه رجلا فقالت له ما يجلسك إن فلانا قد لقع فرسك لقعة فلم يأكل ولم يشرب ولم يرث [منذ كذا] وهو يدور كأنه في فلك فالتمس له راقيا قال عبد الله لا تلتمس له راقيا ولكن ابزق في منخره [الأيمن ثلاثا وفي منخره] الأيسر ثلاثا وقل بسم الله لا بأس أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي أنه
401 لا يذهب الكرب إلا أنت [قال فأتاه الرجل فصنع ثم قال ما رجعت حتى أكل وشرب ومشى وراث أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني مؤمل قال حدثني سفيان عن حصين عن هلال بن يساف عن سحيم بن نوفل قال كنا عند عبد الله نعرض المصاحف فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا فقالت إن فلانا لقع مهرك بعينه وهو يدور في فلك لا يأكل ولا يشرب ولا يروث ولا يبول فالتمس له راقيا فقال عبد الله لا تلتمس له راقيا ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعا وفي منخره الأيسر ثلاثا وقل لا بأس أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت] فقام الرجل فانطلق فما برحنا حتى رجع فقال لعبد الله فعلت الذي أمرتني فما برحت حتى أكل وشرب وراث وبال قال أبو عمر وذكر الحديثين الطبري عن بن المثنى وعن بن بشار أيضا ففي الحديث الأول النفث وفي الآخر مكان النفث النفخ وفيه أربعا في المنخر الأيمن وفي الأيسر ثلاثا وفي الأول ثلاثا ثلاثا ((2 - باب الرقية من العين)) 1747 - مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما ما لي أراهما ضارعين (1) فقالت حاضنتهما يا رسول الله إنه تسرع إليهما العين ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين قال أبو عمر هكذا رواه أصحاب مالك في الموطأ عن مالك عن حميد بن قيس [لم يذكروا غيره ورواه بن وهب في جامعه فقال حدثني مالك عن حميد بن قيس] عن عكرمة بن خالد قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء وهو مع ذلك منقطع
402 ويستند من حديث أسماء بنت عميس ومن حديث جابر أيضا ومن طرق صحاح نذكرها بعد إن شاء الله عز وجل وقوله ضارعين أي ضعيفين ضئيلين ناحلين وللضراعة وجوه في اللغة وفي هذا الحديث دليل على أن العين حق يتأذى بها وأن الرقي تنفع منها إذا قدر الله ذلك فالشفاء بيده سبحانه لا شريك له وسبيل الرقي سبيل سائر العلاج والطب وفي قوله لو سبق شيء القدر لسبقته العين دليل على أن الصحة والسقم قد علمهما الله تعالى وما علم فلا بد من كونه على ما علمه لا يتجاوز وقته ولكن النفس تسكن إلى العلاج والطب والرقى وكل سبب من أسباب قدر الله وعلمه والحاضنة والحضانة معروفة وقد تكون الحاضنة ها هنا أمهما أسماء بنت عميس وكانت تحت جعفر بن أبي طالب ومعه هاجرت إلى أرض الحبشة وولدت له هناك عبد الله بن جعفر ومحمد بن جعفر وعون بن جعفر وهلك عنها بموته فخلف عليها بعده أبو بكر الصديق فولدت منه محمد بن أبي بكر ثم هلك عنها فتزوجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي وقد ذكرنا خبرها في كتاب النساء من كتاب الصحابة حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عمرو بن دينار قال أخبرني عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس أنها قالت يا رسول الله إن ابني جعفر تصيبهما العين أفأسترقي لهما قال نعم لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني إبراهيم بن علي بن غالب قال حدثني محمد بن الربيع بن سليمان قال حدثني يوسف بن سعيد بن مسلم قال حدثني حجاج عن بن جريج قال أخبرني عطاء عن أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى بنيها بني جعفر فقال ما لي أرى أجسامهم ضارعة قالت يا نبي الله إن العين تسرع إليهم أفأرقيهم قال وبماذا فعرضت عليه كلاما ليس به بأس فقال أرقيهم به وبهذا الإسناد عن حجاج عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لبني عمرو بن حزم في رقية الحمة
403 قال وقال لأسماء بنت عميس ما شأن أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن تسرع إليهم العين أفأرقيهم قال وبماذا قالت فعرضت عليه فقال أرقيهم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن المفسر قال حدثني أحمد بن علي بن سعيد قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني حجاج عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم أفأرقيهم قال بماذا فعرضت عليه كلاما قال لا بأس به فأرقيهم (1) وهكذا رواه روح بن عبادة عن بن جريج بإسناد واحد عن أبي الزبير عن جابر كما رواه يحيى بن معين عن حجاج عن بن جريج ورواه يوسف بن سعيد عن حجاج عن بن جريج في الإسنادين وأما حديث روح بن عبادة فحدثناه عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثني قاسم قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني روح بن عبادة فذكره 1748 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عروة بن الزبير حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت صبي يبكي فذكروا له أن به العين قال عروة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تسترقون له من العين وهذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته مرسل كما ترى وكذلك رواه أكثر من رواه عن يحيى بن سعيد ورواه أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة [عن أم سلمة حدثناه إبراهيم بن شاكر] قال حدثني محمد بن أحمد قال حدثني محمد بن أيوب قال حدثني أحمد بن عمرو البزار قال حدثني أبو كريب قال حدثني أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير
404 عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وفي البيت صبي يبكي فذكر الحديث قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين العلماء في جواز الرقية من العين أو الحمة وهي لدغة العقرب وما كان مثلها إذا كانت الرقية بأسماء الله عز وجل ومما يجوز الرقي به وكان ذلك بعد نزول الوجع والبلاء وظهور العلة والداء وإن كان ترك الرقى عندهم أفضل وأعلا لما فيه من الاستيقان بأن العبد ما أصابه لم يكن ليخطئه وأنه لا يعد شيء وقته وأن الأيام التي قضى الله بالصحة فيها لم يسقم فيها من سبق في علم الله صحته حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني جعفر بن محمد قال حدثني عفان قال حدثني حماد بن سلمة قال حدثني عاصم عن زر عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عرضت علي الأمم فرأيت أمتي فأعجبتني كثرتهم قد ملؤوا السهل والجبل قال يا محمد إن مع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة فقال يا نبي الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال اللهم اجعله منهم ثم قام آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة (1) حدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسين بن جعفر الزيات قال حدثني يوسف بن يزيد قال حدثني العباس بن طالوت قال حدثني أبو عوانة عن حصين عن الشعبي عن بريدة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة (2) قال أبو عمر وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من علق التمائم أو عقد الرقى فهو على شعبة من الشرك (3) وذلك كله أن يعلق كتابا في عنقه أو يرقي نفسه أو غيره لئلا ينزل به من الأدواء وكل ما أتى عن علي وحذيفة وعقبة بن
405 عامر وسعيد بن جبير وغيرهم من كراهة تعليق القرآن وسائر التمائم والرقى معناه ما ذكرنا روى بن وهب عن يونس عن بن شهاب قال بلغني عن رجال من أهل العلم أنهم كانوا يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الرقى حين قدم المدينة وكانت الرقى في ذلك الزمان فيها كثير من كلام الشرك فلما قدم المدينة لدغ رجل من أصحابه فقال يا رسول الله قد كان آل حزم يرقون من الحمة فلما نهيت عن الرقى تركوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع لي عمارة بن حزم ولم يكن له ولد وكان قد شهد بدرا فدعي له فقال أعرض علي رقيتك فعرضها عليه فلم ير بها بأسا وأذن لهم بها (1) قال بن وهب حدثني بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أرقي من العقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل (2) حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى وكانت عند آل عمرو بن حزم رقية يرقون بها من العقرب فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فعرضوها عليه وقالوا إنك نهيت عن الرقى فقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل (3)) 1 (3 - باب ما جاء في أجر المريض)) 1749 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده فإن هو إذا جاؤوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم فيقول لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا شفيته أن أبدل له لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته قال أبو عمر هذا حديث أسنده عباد بن كثير وكان رجلا فاضلا
406 حدثني أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثني محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال حدثني بن وضاح قال حدثني إبراهيم بن موسى قال حدثني عبد الله بن الوليد عن عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب الله العبد بالبلاء بعث الله له ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده فإن قال لهم خيرا فأنا أبدله بلحمه خيرا من لحمه وبدمه خيرا من دمه وإن أنا توفيته فله الجنة وإن أنا أطلقته من وثاقي فليستأنف العمل وقد روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بإسناد جيد أيضا وحدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثني وهب بن مسرة قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يبتلى في جسده إلا أمر الحفظة فقال اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما كان مشدودا في وثاقي (1) والأحاديث في أجر المريض كثيرة جدا 1750 - مالك عن يزيد بن حصيفة عن عروة بن الزبير أنه قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من مصيبة حتى الشوكة إلا قص بها أو كفر من خطاياه لا يدري يزيد أيهما قال عروة وهذا حديث مسند صحيح عام في أن المرض كفارة وأن الأحاديث في معناه كثيرة منها ما حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني إسحاق بن محمد الفروي قال حدثني عبيد الله بن عمر عن بن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا أجر فيها حتى الشوكة تصيبه حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مضر بن محمد
407 الأسدي قال حدثني عبد الرحمن بن عمرو الخزاعي قال قرأت على معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة ولا مسلم ولا مسلمة إلا حط الله به خطيئته حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن أسامة بن زيد قال حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أصاب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من خطاياه وقد ذكرنا في التمهيد حديث شعبة عن جامع بن شداد عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال إن الوجع لا يكتب به الأجر ولكن تكفر به الخطيئة 1751 - مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة أنه قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يصب منه وهذا يقتضي المصائب في المال وفي الجسم أيضا وكل ذلك أجر ومحطة للوزر وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء - والحمد لله كثيرا 1752 - مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا جاءه الموت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل هنيئا له مات ولم يبتل بمرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك وما يدريك لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به من سيئاته قال أبو عمر هذا في معنى ما تقدم في الباب ولا يكاد يوجد فيه حديث بهذا اللفظ وأما المعنى فكثير - والحمد لله - جدا أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني سليمان بن الأشعث قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني رجل من أهل الشام يقال له أبو منظور عن عمه قال حدثني عمي عن عامر الرامي أخي الخضر أنه سمع
408 رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره يقول إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله - عز وجل - منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولا لم أرسلوه حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني زكريا بن يحيى الناقد ببغداد قال حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس المستملي قال حدثني محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال أخبرنا بن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله - عز وجل - كما يخلص الكير الخبث ((4 - باب التعوذ والرقية في المرض)) 1753 - مالك عن زيد بن خصيفة أن عمرو بن عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثمان وبي وجع قد كاد يهلكني قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسحه بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد قال فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم وهذا حديث مسند صحيح لا مدخل للقول في إسناده ولا في متنه وقد رواه بن شهاب عن نافع بن جبير [وهذا مما فات مالكا من حديث بن شهاب أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال أخبرنا أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني نافع بن جبير] بن مطعم عن عثمان بن [أبي] العاصي الثقفي أنه اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده مذ أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي يؤلم من جسدك وقل باسم الله - ثلاث مرات - وقل سبع مرات أعوذ بالله - عز وجل - وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
409 1754 - مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات (1) وينفث (2) قالت فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة مالك في الموطأ وغير الموطأ بإسناده وبعضهم قال ويتفل في مكان ينفث ومنهم من [يقول] فيه ب قل هو الله أحد) [الإخلاص 1] والمعوذتين وقد ذكرنا كثيرا من طرقه وألفاظه في التمهيد ورواه وكيع عن مالك فاختصره ولم يزد عليه قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفث في الرقية وليس في الحديث أكثر من معنى النفث والتفل وتعيين المعوذتين والتفل ما فيه بصاق يرميه [الراقي] بريح فمه وقيل التفل البصاق نفسه والنفث ما لا بصاق فيه وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي قال حدثني محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن الخضر قال حدثني أحمد بن شعيب النسائي قالا حدثني إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال حدثني وكيع قال حدثني مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية وكذلك رواه زيد بن أبي الزرقاء عن مالك بإسناده بلفظ وكيع ذكرناه في التمهيد قال أبو عمر قد كره التفل والنفث في الرقية جماعة منهم إبراهيم النخعي والضحاك وعكرمة والحكم وحماد
410 وقال إبراهيم كانوا يكرهون النفث في الرقى وقال الضحاك لأبي الهزهاز ارق ولا تنفث وقال شعبة عن الحكم وحماد أنهما كرها التفل في الرقى قال أبو عمر ولا حجة مع من كره ذلك إذ قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه نفث] في الرقى وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم يد محمد بن حاطب وهو صبي وكان قد اخترقت يده فجعل ينفث عليها وتفل صلى الله عليه وسلم في عيني حبيب بن فديك وهما مبيضتان لا يبصر بهما شيئا فنفث في عينيه فبرأ وفي حديث يعلى بن مرة نفث على صبي رفعته إليه امرأة وكانت عائشة ترقي وتنفث وقال بن سيرين ما أعلم به بأسا وكان الأسود يكره النفث في الرقية [ولا يرى بالنفخ بأسا] وروى المقرئ عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن قال حدثني سعيد بن أبي أيوب قال حدثني عقيل عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد النوم جمع يديه ونفث فيهما وقرأ * (قل هو الله أحد) * [الإخلاص 1] * (قل أعوذ برب الفلق) * [الفلق 1] " وقل أعوذ برب الناس " [الناس 1] ثم يمسح بهما وجهه وسائر جسده (1) قال سعيد وقال عقيل رأيت بن شهاب يفعل ذلك 1755 - مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر ارقيها بكتاب الله قال أبو عمر كان مالك يكره رقية أهل الكتاب وذلك - والله عز وجل أعلم - بأنه لا يدري أيرقون بكتاب الله تعالى أو بما يضاهي السحر [من الرقى] المكروهة
411 [وذكر سنيد في كتابه الكبير قال حدثني جرير ومحمد بن سليمان عن الركين بن الربيع بن عميلة عن قاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة عن بن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال تختم الذهب وجر الإزار وتغيير الشيب والصفرة وعزل الماء عن محله والرقى إلا بالمعوذات وإفساد الصبي غير محرمة وعقد التمائم والتبهرج بزينة غير محلها والضرب بالكعاب قال سنيد تغيير الشيب نتفه والصفرة يعني الخلوق وعزل الماء عن محله يعني الفرج والرحم وإفساد الصبي غير محرمة يعني الغيلة وذكر حديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه (1) يعني تكسره الغيلة وتطرحه عن الفرس ويصرعه قال أبو عمر قوله في هذا الخبر أنه نهى عن إفساد الصبي غير محرمة يعني أنه هم بأن ينهى عن الغيلة ولم ينه عنها لأنه بلغه أن فارس والروم تفعل ذلك فلا يضر أولادهم] قال بن وهب [سألت مالكا] عن المرأة التي ترقي بالجريدة [والملح] وعن الذي يكتب الكتب للإنسان ليعلقه عليه من الوجع ويعقد في الخيط الذي يربط به الكتاب سبع عقد والذي يكتب خاتم سليمان في الكتاب فكره مالك ذلك كله وقال هذا لم يكن من أمر الناس القديم وكان العقد في ذلك أشد كراهية وكان يكره العقد جدا قال أبو عمر أظن هذا - والله عز وجل أعلم - لقول الله تعالى " ومن شر النفثت في العقد " [الفلق 4] وذلك عند أهل العلم ضرب من السحر روى بن جريج عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار عن عكرمة في قوله تعالى " ومن شر النفثت في العقد " [الفلق 4] قال السحر قال وأخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة في قوله عز وجل * (ومن شر حاسد إذا حسد) * [الفلق 5] قال الليل في النهار قال وأوله ترسل فيه عفاريت الجن فلا يشفى مصاب في تلك الساعة
412 وأجاز الشافعي رقية أهل الكتاب إذا كان ذلك من كتاب الله عز وجل لحديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن أبي بكر [الصديق بذلك رواه جماعة عن يحيى بن سعيد هكذا عن عمرة عن عائشة أن أبا بكر] دخل عليها وهي تشتكي الحديث ((5 - باب تعالج المريض)) 1756 - مالك عن زيد بن أسلم أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح فاحتقن الجرح الدم (1) وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار فنظرا إليه فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما أيكم أطب فقالا أوفي الطب خير يا رسول الله فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء (2) قال أبو عمر رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن زيد بن أسلم حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن زيد بن أسلم أن رجلا أصابه جرح فاحتقن الدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له رجلين من بني أنمار فقال أيكما أطب فقال الرجل يا رسول الله أو في الطب خير فقال له إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وقال أبو بكر حدثني سفيان بن عيينة قال حدثني عمرو بن دينار عن هلال بن يساف قال جرح رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوا له الطبيب فقالوا يا رسول الله هل يغني عنه الطبيب قال نعم لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء] أو دواء أو أنزل الدواء الذي أنزل الداء
413 من طرق شتى من حديث أسامة بن شريك وحديث أبي الدرداء وحديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة وحديث بن عباس وحديث أنس وحديث جابر وحديث بن مسعود [وقد ذكرناها كلها بأسانيدها في التمهيد وفي حديث] بن مسعود وأبي سعيد ما أنزل الله داء إلا وأنزل معه دواء علمه من علمه وجهله من جهله (1) وقال بن مسعود [في حديثه] فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر وحدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن علي قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال شهدت الأعاريب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم هل علينا من حرج أن نتداوى فقال تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء وقال مرة شفاء إلا الهرم (2) وذكر تمام الحديث وفي هذا الحديث إباحة التداوي وإباحة معالجة الأطباء وجواز الطب والتطبب وقد ذكرنا في التمهيد اختلاف السلف والخلف من العلماء في كراهة التداوي والعلاج وأتينا بما نزع به كل فريق منهم هنالك والحمد لله 1757 - مالك عن يحيى بن سعيد قال بلغني أن سعد بن زوارة اكتوى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذبحة فمات قال أبو عمر هكذا وقع في رواية يحيى عن مالك سعد بن زرارة وإنما هو أسعد بن زرارة أبو أمامة وقد ذكرناه بما ينبغي من ذكره في كتاب الصحابة
414 وأما سعد بن زرارة جد عمرة بنت عبد الرحمن فهو أخو أبي أمامة أسعد بن زرارة 1758 - مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر اكتوى من اللقوة ورقي من العقرب قال أبو عمر حديث أسعد بن زرارة قد روي عن بن شهاب بإسنادين أحدهما ما رواه معمر عن بن شهاب عن أنس ولم يروه عن بن شهاب عن أنس أحد والله أعلم - غير معمر وهو عند أهل العلم بالحديث - والله أعلم - [مما أخطأ فيه معمر] بالبصرة فيما أملاه من حفظه هناك والآخر رواه بن جريج ويونس بن يزيد عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وهو أولى عندهم بالصواب في الإسناد والله أعلم وأما حديث عمر المذكور فحدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثني حميد بن مسعدة قال حدثني يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة (1) قال وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثني محمد بن علي بن زيد الصائغ قال حدثني سعيد بن يعقوب الطالقاني قال حدثني يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوصة (2) قال أبو عمر هكذا قال وإنما المعروف من الشوكة والشوكة الذبحة وأما الشوصة فهي ذات الجنب [وقد يكتوى منها أيضا] حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني إبراهيم بن علي قال حدثني محمد بن الربيع بن سليمان الأزدي قال حدثني يوسف بن سعيد قال حدثني حجاج بن محمد قال حدثني بن جريج عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد أبا أمامة أسعد بن زرارة وكان رأس
415 النقباء ليلة العقبة أخذته [الشوكة] بالمدينة قبل بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم بئس الميت هذا ليهود يقولون ألا دفع عنه ولا أملك له ولا لنفسي شيئا فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكوي من الشوكة طوق عنقه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات وكذلك رواه بن وهب عن يونس وبن سمعان عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف فذكر مثله قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الكي من حديث عمران بن حصين وهو حديث صحيح وقد ذكرنا طرقة في التمهيد منها ما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن الخليل قال حدثني أبو النضر قال حدثني سليمان بن المغيرة عن سعيد الجريري عن مطرف بن الشخير عن عمران بن حصين قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الكي قال فما زال البلاء بي حتى اكتويت فما أفلحت ولا أنجحت قال عمران وكان يسلم علي فلما اكتويت فقدت ذلك ثم راجعه بعد ذلك السلام (1) قال أبو عمر قد عارض حديث عمران حديث جابر وحديث أنس فأما حديث جابر فرواه سفيان الثوري والليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ مرتين (2) وفي رواية الثوري في أكحله مرتين وقد ذكرنا الأسانيد عنهما في التمهيد وأما حديث أنس فرواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال كويت من ذات الجنب فشهدني أبو طلحة [وأنس بن النضر وأبو طلحة كواني ورواه عمران القطان عن قتادة عن أنس قال كواني أبو طلحة] ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فما نهينا عنه وقد ذكرت طرق هذين الحديثين في التمهيد ومما يعارض حديث النهي عن الكي ويصحح حديث الإباحة في ذلك
416 حديث بن عمر وبن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن كان الشفاء ففي ثلاث أو قال الشفاء في ثلاث في شربة عسل أو كية نار أو شرطة محجم (1) وبعض رواته يزيد فيه وما أحب أن أكتوي (2) وحديث بن عباس من رواية سعيد بن جبير وحديث بن عمر من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن] بن عمر وقد ذكرتهما في التمهيد وقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي في أمر ما أو في علة ما أو نهى عنه نهي أدب وإرشاد إلى التوكل على الله والثقة به فلا شاف سواه ولا شيء إلا ما شاء ومن الدليل على ذلك حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما توكل من استرقى أو اكتوى (3) وقد ذكرته بإسناده في التمهيد يريد - والله أعلم - لم يتوكل حق التوكل لأن من لم يسترق ولم يكتو أشد توكلا وإخلاصا للتوكل منه ويفسر هذا قوله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون (4) وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد ومن هذا المعنى ما رواه محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده أن رجلا من العرب شاور عمر بن الخطاب في أن يكوي ابنه فقال له عمر لا تقرب ابنك النار فإن له أجلا لا يعدوه ومن ذلك أيضا حديث الشعبي عن جابر حدثني [سعيد] حدثنا قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن نمير قال حدثني مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال
417 اشتكى رجل منا شكوى شديدة فقال الأطباء لا يبرأ إلا بالكي فأراد أهله أن يكووه وقال بعضهم لا حتى نستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمروه فقال لا يبرأ الرجل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا صاحب بني فلان قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا لو كوي قال الناس إنما أبرأه الكي قال أبو عمر قد اكتوى جماعة من السلف الصالح قال قيس بن أبي حازم دخلنا على خباب نعوده وقد اكتوى سبعة في بطنه (1) وقال قيس أيضا عن جرير أقسم على عمر لأكتوين واكتوى بن عمر واسترقى وكوى أبو طلحة أنس بن مالك من اللقوة أيضا وكوى بن عمر ابنا له وهو محرم وكوى الحسن بن علي بختية له قد قال سنامها على جنبها وأمر أن يقطع وتكوى قال أبو عمر رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقرب بالمعوذتين وكان يمسح الموضع بماء فيه ملح وكان الأسود يرقى من العقرب بالحميرية ((6 - باب الغسل بالماء من الحمى)) 1759 - مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر كانت إذا أتيت بالمرأة وقد حمت تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها وقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نبردها بالماء 1760 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء
418 قال أبو عمر قد أسند حديث هشام بن عروة عن أبيه من أصحاب مالك بن وهب ومعن بن عيسى وروياه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وكذلك رواه عبد الله بن نمير وزهير بن معاوية ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وعن بن وهب وطائفة معهم من رواة مالك عن 1761 - مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء وقد ذكرت الرواية عنهم بذلك في التمهيد وأما معنى الحديث فقد فسرته فاطمة بنت المنذر في روايتها له عن أسماء بأنها كانت تصب الماء بين المرأة المحمومة وبين جيبها [كأنها] كانت تصبه بين طوق قميصها وعنقها حتى يصل إلى جسدها وذكر بن وهب في صفة الغسل للحمى حديثا في جامعه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل شكى إليه الحمى اغتسل ثلاثة أيام قبل طلوع الشمس كل يوم وقل بسم الله وبالله اذهبي يا أم ملدم فإن لم تذهب فاغتسل سبعا قال أبو عمر من فعل شيئا مما في هذين الحديثين أو غيرهما مع اليقين الثابت لم تلبث الحمى أن تقلع إن شاء الله تعالى وقد روى بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بماء زمزم (1) رواه أبو جمرة عنه وروى مقسم عن بن عباس أنه كان إذا حم بل ثوبه ثم لبسه ثم قال إنها من فيح جهنم فأبردوها بالماء قال أبو عمر تأويل بن عباس حسن أيضا إن شاء الله عز وجل
419 وقد ذكرت إسناد الحديثين عن بن عباس في التمهيد وروى مقسم عن بن عباس أنه كان إذا حم بل ثوبه ثم لبسه ثم قال إنها من فيح جهنم فأبردوها بالماء قال أبو عمر تأويل بن عباس حسن أيضا إن شاء الله عز وجل وقد ذكرت إسناد الحديثين عن بن عباس في التمهيد ((7 - باب عيادة المريض)) 1762 - مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا عاد الرجل المريض خاض الرحمة حتى إذا قعد عنده قرت فيه أو نحو هذا قال أبو عمر حديث جابر هذا محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أهل المدينة وفي فضل العيادة آثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم سوى حديث جابر هذا رواها عنه جماعة من الصحابة منهم علي وبن عباس وأبو أيوب وأبو موسى وعائشة وأنس وأبو سعيد الخدري وثوبان وذكرنا منها في التمهيد حديث جابر خاصة من طرق منها ما حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني [عبد الله] بن محمد بن ناصح قال حدثني أحمد بن علي بن سعيد القاضي قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني هشيم قال حدثني عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس فإذا جلس انغمس فيها وكذلك رواه بن أبي شيبة عن هشيم بإسناده ولفظه سواء ورواه الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال حتى إذا قعد استقر فيها وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال عاد أبو موسى الحسن بن علي وكان شاكيا فقال له علي أعائدا جئت أم شامتا قال بل عائدا فقال علي أما إذا جئت عائدا فإني
420 سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في مخرفة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة وإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان ممسيا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح (1) وهذا حديث حسن صحيح [ثابت الإسناد] شريف المعنى رفيع - والحمد لله كثيرا ((8 - باب الطيرة (2) والعدوي)) 1763 - مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى (3) ولا هام (4) ولا صفر (5) ولا يحل الممرض (6) على المصح (7) وليحلل المصح حيث شاء فقالوا يا رسول الله وما ذاك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه أذى قال أبو عمر هكذا رواه يحيى وتابعه قوم من رواة الموطأ
421 ورواه القعنبي والتنيسي وأبو مصعب وزياد بن يونس وبن بكير عن مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بن عطية الأشجعي عن أبي هريرة فزادوا في الإسناد عن أبي هريرة إلا أن بن بكير قال فيه عن بن عطية الأشجعي وقد قيل إن بن عطية اسمه عبد الله ويكنى أبا عطية وقيل إنه مجهول لا يعرف إلا في هذا الحديث قال أبو عمر لم يأت إلا بحديث معروف محفوظ من حديث أبي هريرة وقد روى حديثه هذا بشر بن عمر عن مالك فقال فيه عن بن عطية أو عن أبي عطية حدثني خلف بن قاسم قال حدثني محمد بن عبد الله قال حدثني يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثني أبو هشام الرفاعي قال حدثني بشر بن عمر الزهراني قال حدثني مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي عطية أو بن عطية - شك بشر - عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طيرة ولا هام ولا يعدي سقيم صحيحا وليحل المصح حيث شاء وقد روى هذا الحديث عن أبي هريرة جماعة منهم محمد بن سيرين وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله وروى أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لا عدوى ولا هام ولا طيرة [سعد بن أبي وقاص وبن عباس وجابر] وقد ذكرت أحاديثهم كلها في التمهيد وذكرت ما للعلماء في معنى الطيرة والفأل ومعنى الهام والصفر وما جاء في ذلك عن السلف من الأخبار وعن العرب من المذاهب والأشعار في موضعين من التمهيد أحدهما هذا البلاغ والآخر حديث بن شهاب عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر وقد ذكرنا هناك من ذلك طرقا ونذكر ها هنا من حديث أبي هريرة ولو طريقا واحدا أما قوله لا عدوى فمعناه أنه لا يعدي شيء شيئا ولا يعدي سقيم صحيحا والله يفعل ما يشاء لا شيء إلا ما شاء وكانت العرب أو أكثرها تقول بالعدوى والطيرة ومنهم من كان لا يصدق بذلك وينكره ولكل طائفة منهم في مذهبه أشعار وقد ذكرت منها في التمهيد ما يكفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى إعلاما منه أن ما اعتقد من ذلك من اعتقده منهم كان باطلا
422 وأنشد الشافعي للحطيئة يمدح أبا موسى الأشعري (لا يزجر الطير شيخا إن عرضن له * ولا يفيض على قسم بأزلام (1)) قال الشافعي يعنى أنه سلك طريق الإسلام في التوكل على الله تعالى وترك زجر الطير قال الشافعي وقال بعض الشعراء يمدح نفسه (ولا أنا ممن يزجر الطير همه * أصاح غراب أم تعرض ثعلب) وللشافعي - رحمه الله - كلام في السائح من الطير والبارح ذكره حين سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أقروا الطير على وكناتها ويروى على مكانتها (2) وقد ذكرناه في غير هذا الموضع وأما قوله لا هام فإنهم اختلفوا أيضا في ذلك فقالوا أو من قال منهم إن الرجل إذا قتل خرج من رأسه طائر يزفو فلا يسكت حتى يقتل قاتله وقال شاعرهم (فإن تك هامة بالمرء تزفو * وقد أزفيت بالمروين هامة (3)) يريد مرو الروذ ومرو الشلنجات وقال بعضهم عظام القتيل تصير هامة فكانت تطير وكانوا يسمون ذلك الطائر الصداء قال لبيد يرثي أخاه (فليس الناس بعدك في نفير * وما هم غير أصداء وهام
423 وقال أبو دؤاد الإيادي (سلت الموت والمنون عليهم * فلهم في صداء المقابر هام (1)) فأكذبهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا عدوى ولا هام ونهى عن اعتقاد ذلك وأما قوله ولا صفر فقال [بن وهب] هو من الصفار يكون بالإنسان حتى يقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتل الصفار أحدا وقال آخرون هو شهر صفر كانوا يحلونه عاما ويحرمونه عاما وذكر بن القاسم عن مالك مثل ذلك قال وقال مالك الهام الطير الذي يقال له الهامة وقد ذكرنا في التمهيد ما قاله أبو عبيد وغيره في ذلك كله وأما الممرض فالذي إبله مراض والمصح الذي إبله صحاح وأما قوله إنه أذى فقال أبو عبيد معنى الأذى عندي المأثم وروى بن وهب عن بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال يكره أن يدخل المريض على الصحيح وليس به إلا قول الناس وأما حديث أبي هريرة فنذكره من حديث بن شهاب من بعض طرقه لأنه عند بن شهاب عن سنان بن أبي سنان عن أبي هريرة وعن أبي سلمة عن أبي هريرة وعن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وعند معمر منها حديثان وليس عند مالك عن بن شهاب منها شيء روى عبد الرزاق عن معمر وروى بن وهب عن يونس كلاهما عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا هامة ولا صفر فقام أعرابي فقال يا رسول الله إن الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيرد عليها البعير الجرب فتجرب كلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الأول
424 وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال كان أبو هريرة يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ثم حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يورد ممرض على مصح الحديثين كليهما ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى فأقام على أن لا يورد ممرض على مصح قال فقال الحارث بن أبي ذباب وهو بن عم أبي هريرة قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا حديثا آخر قد سكت عنه كنت تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى فأبى أبو هريرة أن يحدث بذلك وقال لا يورد ممرض على مصح فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة ورطن بالحبشية ثم قال للحارث أتدري ما قلت قال لا قال أبو هريرة إني أقول أبيت أبيت قال أبو سلمة فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين ورواه الليث بن سعد [عن عبد الرحمن بن خالد] بن مسافر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله سواء إلى آخره
425 ((51 كتاب الشعر)) ((1 - باب السنة في الشعر)) 1764 - مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى قال أبو عمر قد روي هذا الحديث عن مالك عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك وهم ممن رواه وقد ذكرناه في التمهيد والصواب ما رواه يحيى وغيره في الموطأ عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما الإحفاء فهو عند أهل اللغة الاستئصال بالحلق والإعفاء عندهم ترك الشعر لا يحلقه وقد اختلف العلماء في حلق الشارب فكان مالك يقول [السنة] قص الشارب وهو أخذ الشعر من الإطار وهو طرف الشفة العليا وأصل الإطار في اللغة جوانب الفم المحدقة به وكل شيء يحدق بالشيء ويحيط به فهو إطار له والحجة لمالك فيما ذهب إليه من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم خمس من الفطرة (1) فذكر منها قص الشارب وقد تقدم في بابه من هذا الكتاب
426 ومن الحجة له أيضا حديث زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه شيئا فليس منا (1) وحديث عبد الله بن بسر قال كان شارب رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيال شفته وحديث المغيرة بن شعبة قال ضفت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر لي بجنب فشوي وأخذ من شاربي على سواك (2) وهذا كله لا يكون معه حلق ولا استئصال وقد ذكرت هذه الأحاديث بأسانيدها في باب أبي بكر بن نافع في التمهيد وقد ذكرناها في باب سعيد بن أبي سعيد أيضا وقال مالك في الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار فلا يجزه ولا يمثل بنفسه وقال بن القاسم عنه إحفاء الشارب عندي مثله وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه ويقول تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم إحفاء الشارب إنما هو الإطار وقال بن عبد الحكم عنه ليس إحفاء الشارب حلقه وأرى أن يؤدب من حلق شاربه وقال أشهب عن مالك في حلق الشارب هذه بدع وأرى أن يوجع ضربا من فعله وقال مالك كان عمر بن الخطاب إذا كربه أمر نفخ وفتل شاربه وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال السنة في الشارب الإطار واحتج بعض أصحابنا المتأخرين بأن الشارب لا يقع إلا على ما يباشر به شرب الماء من الشفة وهو الإطار فذلك الذي يحفى وذكر بن وهب عن الليث قال لا أحب لأحد أن يحلق شاربه ولكن يقصره على طرف الشارب وأكره أن يكون طويل الشاربين
427 وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إحفاء الشارب وحلقه واستئصاله أفضل من تقصيره ومن قصه وقال أبو بكر الأثرم رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه إحفاء شديدا وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال يحفى كما قال نبي الله صلى الله عليه وسلم احفوا الشارب قال أبو عمر حجة من ذهب إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم احفوا الشارب والشارب معروف وهو ما عليه الشعر من الشفه العليا تحت الأنف حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن قاسم قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني هارون بن عبد الله قال حدثني معن بن عيسى وروح بن عبادة وعبد الله بن نافع قالوا حدثنا مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى قال أبو عمر من حجتهم أيضا حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال جزوا الشوارب واتركوا اللحى وروى عكرمة عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجز شاربه وهذا قد خولف فيه راويه فقيل فيه يقص شاربه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثني حسين بن صالح عن سماك عن عكرمة عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من شاربه وكان إبراهيم خليل الله - عليه السلام - يقص من شاربه قالوا وأما ما روي عن عمر أنه كان ربما فتل شاربه إذا اهتم فهذا لا حجة فيه لأنه لا بد للمرء أن يترك شاربه حتى يكون فيه الشعر ثم يحلقه بعد ورووا عن عبد الله بن عمر أنه كان يحفي شاربه حتى كأنه ينتفه وقال بعضهم في حديث بن عمر حتى يرى بياض الجلد وعن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي أسيد
428 الساعدي ورافع بن خديج وسهل بن سعد أنهم كانوا يحفون شواربهم وأما قوله واعفوا اللحى فقال أبو عبيد يعني وفروا اللحى لتكثر يقال فيه عفا الشعر إذا كثر وقد عفوت الشعر وعفيته لغتان وقال بن الأنباري وغيره عفا القوم إذا كثروا وعفوا إذا قلوا وهو من الأضداد ويقال عفوته أعفوه وعفيته أعفيه قال أبو عمر روى أصبغ عن بن القاسم قال سمعت مالكا يقول لا بأس أن يأخذ ما تطاير من اللحية وشذ وقال فقيل لمالك فإذا طالت جدا فإن من اللحى ما تطول قال أرى أن يؤخذ منها وتقصير وقد ذكر أبو عيسى الترمذي في المصنف قال حدثني هناد بن السري قال حدثني عمرو بن هارون عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا بن الأعرابي قال حدثني سفيان عن بن طاوس عن أبيه أنه كان يكره أن يشرب بنفس واحد وكان يأمرنا أن نأخذ من باطن اللحية وروى سفيان عن بن عجلان عن نافع عن بن عمر أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة وعن عطاء وقتادة مثله سواء وروى عبيد الله بن عمر عن نافع أن بن عمر كان إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة يقبض عليها ويأخذ من طرفها ما خرج من القبضة وكان قتادة يفعله وكان محمد بن كعب القرظي يرى للحاج أن يأخذ من الشارب واللحية وكان قتادة يأخذ من عارضيه وكان الحسن يأخذ من لحيته وكان بن سيرين لا يرى بذلك بأسا وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يأخذون من جوانب اللحية
429 قال أبو عمر قد صح عن بن عمر ما ذكرناه عنه في الأخذ من اللحية وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى وهو أعلم بما روى 1765 - مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر وتناول قصة (1) من شعر كانت في يد حرسي يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساءهم قال أبو عمر قد ذكرنا ما في هذا الحديث من المعاني والوجوه التي يمكن استنباطها من ألفاظه في التمهيد وأما الظاهر من معناه فهو النهي عن أن تصل المرأة شعرها بشعر غيرها وفي هذا المعنى جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الواصلة والمستوصلة (3) والواصلة هي الفاعلة والمستوصلة الطالبة أن يفعل ذلك بها حدثني أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثني عبيد الله بن محمد قال حدثني البغوي قال حدثني علي بن الجعد قال حدثني شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت الحسن بن مسلم بن يناق يحدث عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت تزوجت صبية من الأنصار فمرضت وتمرط شعرها فأرادوا أن يصلوا فيه فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فلعن الواصلة والمستوصلة (4) وروي عن بن سيرين أنه سأله رجل فقال إن أمي كانت تمشط النساء
430 أترى لي أن آكل من مالها وأرثه عنها فقال إن كانت لا تصل فلا بأس قال أبو عمر فإذا كان هذا لضرورة فلا يحل فكيف به من غير ضرورة ولهذا الحديث طرق قد ذكرت بعضها في التمهيد وفي هذا الحديث تقريع وتوبيخ من معاوية لأهل المدينة [وقد احتج به بعض من لا يرى عمل أهل المدينة حجة لأن ظاهرة أن أهل المدينة] لم يغيروا ذلك المنكر أو جهلوه 1766 - مالك عن زياد بن سعد عن بن شهاب أنه سمعه يقول سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك قال أبو عمر هكذا رواه جماعة الرواة عن مالك إلا حماد بن خالد الخياط فإنه رواه عن مالك عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس فأخطأ فيه والصواب فيه من رواية مالك الإرسال كما في الموطأ وأما من غير رواية مالك فصوابه عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس لا من حديث بن شهاب الزهري عن أنس وقد ذكرنا حديث حماد بن خالد وحديث بن عباس أيضا من طرق في التمهيد منها ما حدثني أحمد بن فتح قال حدثني محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر قال حدثني الحسين بن محمد الضحاك قال حدثني أبو مروان العثماني قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد (1) حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني محمد بن جعفر الوركاني قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال كان أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
431 يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد ورواه الليث بن سعد وعبد الله بن وهب جميعا عن يونس بن يزيد عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس مثله ورواه بن عيينة ومعمر عن بن شهاب عن عبيد الله لم يذكر بن عباس وقال محمد بن يحيى النيسابوري الصحيح المحفوظ في هذا الحديث ما رواه يونس وإبراهيم بن سعد قال أبو عمر روى عيسى عن بن القاسم عن مالك قال رأيت عامر بن عبد الله بن الزبير وربيعة بن أبي عبد الرحمن وهشام بن عروة يفرقون شعورهم وكانت لهشام جمة على كتفيه وذكر بن وهب عن أسامة بن زيد الليثي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف يوم الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون كل من لم يفرق شعره وقد ذكرنا في التمهيد من كانت له لمة ومن كانت له وفرة ومن فرق من الصحابة والتابعين ومن حلق منهم وجئنا فيما جاء عنهم في ذلك بالآثار وأشبعنا هذا المعنى هناك والحمد لله كثيرا وقد ذكرنا هناك أيضا حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اخضبوا وافرقوا وخالفوا اليهود وقد كان مالك - رحمه الله - يفرق شعره زمانا من عمره وفي هذا الباب قال مالك ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه أو شعر أم امرأته بأس قال أبو عمر لا أعلم في هذا خلافا وأجمعوا أنه لا يجوز أن ينظر أحد إلى ذات محرم منه نظر شهوة وأن ذلك حرام عليه والله يعلم المفسد من المصلح ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور 1767 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره الإخصاء ويقول فيه تمام الخلق قال أبو عمر يعني أن في ترك الخصاء تمام الخلق
432 ويروى نماء الخلق واختلف أهل العلم بتأويل القرآن في [معنى] قوله تعالى * (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * [النساء 119] فقال بن عمر وأنس بن مالك وطائفة هو الخصاء وروي ذلك عن بن عباس وهو قول عكرمة وأبي صالح ونحو ذلك قول الحسن لأنه قال هو الوشم وروي ذلك عن بن مسعود وقال مجاهد وغيره في قوله تعالى * (فليغيرن خلق الله) * قال دين الله وروي ذلك عن بن عباس أيضا وعن إبراهيم وجماعة واستشهد بعضهم بقول الله عز وجل " فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " [الروم 30] وقد اختلف [أهل العلم] والفقهاء في الضحية بالخصاء والموجوء من الأنعام وأكثرهم على إجازته إذا كان سمينا وقالوا خصي فحل الغنم يزيد في سمنه وكره جماعة من فقهاء الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم وقالوا لو لم يشتروا منهم لم يخصوا ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله (عز وجل) وكذلك سائر أعضائهم وجوارحهم في غير حد ولا قود 1768 - مالك عن صفوان بن سليم أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام قال أبو عمر هكذا رواية مالك لم يختلف عليه رواه الموطأ في ذلك عنه وقد رواه سفيان بن عيينة عن صفوان بن سليم فأسنده
433 حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني صفوان بن سليم عن امرأة يقال لها أنيسة عن أم سعد بنت مرة الفهري عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا وكافل اليتيم - له أو لغيره - في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه قال أبو عمر وهذه فضيلة عظيمة إلى كل من ضم يتيما إلى مائدته وأنفق عليه من طوله فإذا كان مع ذلك من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا نال ذلك وحسبك بها فضيلة وقربة من منزل النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وليس بين السبابة والوسطى في الطول ولا في اللصوق كثير وإن كان نسبة ذلك من سعة الجنة كثيرا وأما قوله في هذا الحديث له أو لغيره فالمعنى - والله أعلم - من قرابته كان اليتيم أو من غير قرابته وهذا الحديث الذي قبله في الخصي ليسا من معنى هذا الباب في شيء وهما عند يحيى فيه كما ترى - والله عز وجل - الموفق للصواب وعند بن وهب والقعنبي وجماعة من رواة مالك عن مالك عن ثور بن زيد عن أبي الغيث سالم مولى بن مطيع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الساعي على الأرملة واليتيم كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يقوم الليل ويصوم النهار (1) وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه الساعي على الأرملة والمسكين ولا يذكر اليتيم ((2 - باب إصلاح الشعر)) 1769 - مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي جمة أفأرجلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأكرمها فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرمها هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة فيما علمت والله عز وجل أعلم
434 وقد روته طائفة منهم عمر بن علي المقدمي عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة قال كانت لي جمة وكنت كل يوم أدهنها مرة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم جمتك وأحسن إليها فكنت أدهنها في كل يوم مرتين ذكره البزار قال حدثني أحمد بن ثابت قال حدثني عمر بن علي المقدمي قال حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة فذكره وروى بن وهب عن أبي الزناد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال من كان له شعر] فليكرمه وروى خالد بن إلياس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا الشعر قال أبو عمر حدثني [أحمد] بن عبد الله [بن محمد] بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن إدريس عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة قال مازح النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة فقال لأجزن جمتك فقال يا رسول الله لك مكانها اثنان فدعها فقال له بعد ذلك أكرمها فكان يتخذ لها المسك وروى بن جريج عن عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ شعرا فليحسن إليه أو ليحلقه وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثائرا الرأس فقال إما أن تحسن إلى شعرك وإما أن تحلقه ورأى رجلا ثائر اللحية فقال لم يشوه أحدكم بنفسه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديثان معارضان لهذا في ظاهرهما أحدهما حدثناه سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني هشام [قال حدثنا الحسن عن عبد الله بن] مغفل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا
435 والآخر حديث بن بريدة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الإرفاه (1) حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد الصائغ قال حدثني سعيد بن سليمان قال حدثني بن المبارك عن كهمس بن الحسن عن بن بريدة فذكره قال كهمس قلت لابن بريدة ما الإرفاه قال الترجل كل يوم [وهذا يحتمل أن يكون في من شعره سبط] لا يحتاج أن يرجله في كل وقت وأما المشعث السمج فلا والله أعلم 1770 - مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية (2) فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن اخرج كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته ففعل الرجل ثم رجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان قال أبو عمر روى بن وهب عن مسلم بن خالد أنه أخبره عن إسماعيل بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يرى الشعث وقد يتصل معنى حديث عطاء بن يسار هذا [من حديث جابر] رواه الأوزاعي قال حدثني حسان بن عطية قال حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا في منزلنا فرأى رجلا شعثا فقال أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه (3) ورأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه (4) وقد ذكرناه من طرق عن الأوزاعي في كتاب التمهيد وأما التشبيه بالشيطان فلما يقع في القلب من قبح صورته وقد قال عز وجل في شجرة الزقوم " طلعها كأنه رؤوس الشيطين " [الصافات 65] على هذا المعنى والله أعلم
436 ((3 - باب ما جاء في صبغ الشعر)) 1771 - مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليسا لهم وكان أبيض اللحية والرأس قال فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما قال فقال له القوم هذا أحسن فقال إن أمي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت على لأصبغن وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ قال مالك في صبغ الشعر بالسواد لم أسمع في ذلك شيئا معلوما وغير ذلك من الصبغ أحب إلي قال وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله ليس على الناس فيه ضيق قال مالك في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ ولو صبغ رسول الله لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود قال أبو عمر إن نخيلة بالخاء المنقوطة يرويه يحيى وكذلك رواه بن القاسم وطائفة من رواة الموطأ ورواه بن بكير [ومطرف] نحيلة بالحاء غير المنقوطة والله أعلم قال أبو عمر ما قاله مالك واستدل به استدلال حسن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خضب لأخبرت بذلك عائشة عبد الرحمن بن الأسود لأنه الأرفع والأعلى في الحجة وفيما كان يفعله أفضل الأسوة ومما يعضد ذلك ويؤيده حديث ربيعة عن أنس من رواية مالك وغيره قوله لم يكن في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون شعرة بيضاء وذكر البخاري [عن بن بكير] عن الليث عن خالد بن إسماعيل عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن عبد الرحمن قال سمعت أنسا يصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان ربعة من القوم ليس بالطويل وذكر الحديث إلى قوله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء
437 قال ربيعة رأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسألت عنه فقيل لي احمر من الطيب ورواه موسى بن أنس عن أبيه قال لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم من الشيب ما يخضب حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني علي بن الجعد قال حدثني زهير بن معاوية عن حميد الطويل قال سئل أنس عن الخضاب قال خضب أبو بكر بالحناء والكتم وخضب عمر بالحناء قيل له فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء (1) وأسر حميد إلى رجل على يمينه فقال كن سبع عشرة شعرة قال أحمد بن زهير وحدثني أبي قال حدثني معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال سألت سعيد بن المسيب أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لم يبلغ ذلك قال أبو عمر قد قال قوم من أهل العلم بالأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب ورووا في ذلك آثارا منها ما رواه بن إسحاق قال حدثني سعيد المقبري عن عبيد بن جريج قال قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمن إني رأيتك تصفر لحيتك فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصفر بالورس فأنا أحب أن أصفر به كما كان يصنع وروى حماد بن سلمة ويحيى بن سعيد القطان كل واحد منهم عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر رأيتك تصفر لحيتك فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته (2) وقال عطاء رأيت بن عمر ورأيت لحيته صفراء وقال عبد الله بن همام قلت لأبي الدرداء أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب فقال يا بن أخي ما بلغ منه الشيب ما يخضب ولكنه كان منه ها هنا شعرات بيض وكان يغسلها بالحناء والسدر وقال عثمان بن موهب رأيت شعر النبي صلى الله عليه وسلم أخرجته إلى أم سلمة فرأيته مخضوبا بالحناء والكتم
438 وقيل لمحمد بن علي أكان علي يخضب قال قد خضب من هو خير منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجاء بن حيوة لا يغير شيبة فشهد عنده أربعة أن النبي صلى الله عليه وسلم غير شيبة قال فغير في بعض المياه وقد ذكرت أسانيد هذه الأخبار كلها في التمهيد من كتاب أحمد بن زهير وأما قول مالك في الصبغ بالسواد أن غيره من الصبغ أحب إليه فهو كذلك لأنه قد كره الصبغ بالسواد أهل العلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إذ أتى بأبي قحافة ورأسه كأنه ثغامة غيروا شعره وجنبوه السواد (1) ولم يختلف العلماء في جواز الصبغ بالحناء والكتم وما أشبههما وإن كانوا قد اختلفوا في الأفضل من تغيير شيب اللحية بالحناء ومن تركها بيضاء فكان مالك - رحمه الله - [لا يغير شيبه] حدثني أحمد بن عبد الله ومحمد بن علي قالا حدثني أبي قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني يحيى بن إبراهيم قال حدثني محمد بن يحيى قال رأيت الليث بن سعد يخضب بالحناء ورأيت مالك بن أنس لا يغير الشيب وكان نقي البشرة ناصع بياض [الشيب] حسن اللحية لا يأخذ منها من غير أن يدعها تطول قال يحيى ورأيت عثمان بن كنانة ومحمد بن إبراهيم وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن نافع وعبد الله بن وهب وأشهب بن عبد العزيز لا يغيرون الشيب قال ولم يكن شيب بن وهب وبن القاسم وأشهب بالكثير أخبرنا خلف بن قاسم قال حدثني أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن بمكة في المسجد الحرام قال حدثني أبو بشر محمد بن أحمد [بن حماد] الدولابي قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون قال قال بعض ولاة المدينة بمالك بن أنس ألا تخضب يا أبا عبد الله فقال له مالك لم يبق عليك من العدل إلا أن أخضب وحدثني خلف [قال حدثني قاسم] قال حدثني أبو بشر الدولابي قال حدثني أبو بكر بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني إسحاق بن عيسى قال
439 رأيت مالك بن أنس لا يخضب فسألته عن تركه الخضاب قال بلغني أن عليا كان لا يخضب وقال سفيان بن عيينة كان عمرو بن دينار وأبو الزبير وبن أبي نجيح لا يخضبون وكان علي بن أبي طالب والسائب بن يزيد وجابر بن زيد ومجاهد وسعيد بن جبير لا يخضبون كلهم أبيض الرأس واللحية قال أبو عمر كان الشافعي - رحمه الله - يخضب وكان الشيب قد سبق إليه وعجل [عليه] فتوفي وهو بن أربع وخمسين ذكره الربيع بن سليمان كان الشافعي يخضب لحيته حمراء قانية وروى الشافعي وغيره عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا بكر خضب بالحناء والكتم وعن سفيان أيضا عن الزهري عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم (1) ومن حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم] أنه قال أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم (2) وروى محمد بن كناسة قال حدثني هشام بن عروة عن أخيه عثمان بن عروة عن أبيه عن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود (3) ورواه وهب عن هشام بن عروة عن عثمان بن عروة عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وقال يحيى بن معين إنما هو عن عروة بن الزبير مرسلا وممن خضب من الصحابة والتابعين بالحناء والكتم وكانت لحيته [قانية] أبو بكر وعمر وأنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى والحسن بن علي ومحمد بن الحنفية وجماعة
440 وقد ذكرناهم في التمهيد قال أبو جعفر الأنصاري رأيت أبا بكر ولحيته ورأسه [كأنهما حمر القطا وقال قيس بن أبي حازم كان أبو بكر يخرج إلينا ولحيته] كأنها ضرام عرفج من الحناء والكتم وكان عثمان بن عفان ومعاوية والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة [وجابر بن عبد الله] وجابر بن سمرة وسلمة بن الأكوع وقيس بن أبي حازم وأبو العالية وجماعة قد ذكرناهم في التمهيد يصفرون لحاهم وأما الخضاب بالسواد فحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن عليه عن الليث عن أبي الزبير عن جابر قال جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكأن رأسه ثغامة فقال اذهبوا به إلى بعض نسائه فليغيرنه وجنبوه السواد (1) وقال عطاء ما رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالسواد ما كانوا يخضبون إلا بالحناء والكتم وهذه الصفرة حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب قال سمعت سعيد بن جبير وسئل عن الخضاب بالوشمة فقال يكسو الله - عز وجل - في وجهه نورا ثم يطفئه بالسواد وممن كره الخضاب بالسواد مجاهد وعطاء وطاووس ومكحول والشعبي وروي ذلك عن أبي هريرة وقد خضب بالسواد الحسن والحسين ومحمد بنو علي [بن أبي طالب] وقال عبد الأعلى سألت بن الحنفية عن الخضاب بالوشمة فقال هو خضابنا أهل البيت وقال محمد بن إسحاق كان أبو جعفر بن علي [بن حسين] يخضب بالحناء والوشمة ثلثين بالحناء وثلثا وشمة وخضب بالسواد نافع بن جبير وموسى بن طلحة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعقبة بن عامر
441 وكان عقبة بن عامر ينشد في ذلك (أسود أعلاها وتأبي أصولها * ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل) وكان الحسين بن علي يقول في ذلك (نسود أعلاها وتأبي أصولها * فليت ما يسود منها هو الأصل) وكان هشيم يخضب بالسواد فأتاه رجل فسأله عن قول الله - عز وجل * (وجاءكم النذير) * [فاطر 37] فقال له قد قيل له إنه الشيب فقال له السائل فما تقول في من جاءه نذير من ربه فسود وجهه فترك هشيم الخضاب بالسواد ((4 - باب ما يؤمر به من التعوذ)) 1772 - مالك عن يحيى بن سعيد قال بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أروع (1) في منامي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعاقبة وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وهذا الحديث [محفوظ من رواية أهل المدينة] مرسلا ومسندا حدثني [أبو محمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا] محمد بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن محمد بن يحيى بن حبان أن خالد بن الوليد كان يروع - أو يروق - من الليل فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتعوذ بكلمات الله التامة من غضب الله وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث نفس يجده وأنه قال له إذا أتيت فراشك فقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وكذلك رواه بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوليد بن
442 الوليد أخي خالد لا في خالد قال كان الوليد بن الوليد بن المغيرة يروع في منامه ثم ذكر مثل حديث مالك سواء وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وليس في هذا الحديث ما يحتاج إلى شرح وفيه التعوذ بكلمات الله وفيه الاستعاذة ولا تكون بمخلوق وكلمات الله من الله وليس من الله شيء مخلوق وتفسير قوله وأن يحضرون فإن أهل المعاني قالوا معناه وأن يصيبني أحد بسوء وكذلك قال أهل التفسير في قول الله - عز وجل - " أعوذ بك من همزت الشيطين وأعوذ بك رب أن يحضرون " [المؤمنون 97 98] قالوا يصيبوني بسوء ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه الحشوش محتضرة (1) أي يصاب الناس فيها وقد قيل إن هذا أيضا قول الله - عز وجل - * (كل شرب محتضر) * [القمر 28] أي يصيب منه صاحبه 1773 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال له جبريل أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى فقال جبريل فقل أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق (2) الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن قال أبو عمر هذا الحديث قد رواه قوم عن يحيى بن سعيد مسندا حدثني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني حمزة بن محمد بن علي قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري قال حدثني سعيد بن أبي مريم قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عياش الشامي عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن
443 وهو مع جبريل وأنا معه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وجعل العفريت يدنو ويزداد قربا فقال جبريل ألا أعلمك كلمات تقولهن فيكب العفريت لوجهه وتطفأ شعلته قل أعوذ بوجه الله الكريم وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل إلا طارق يطرق بخير يا رحمن فكب العفريت لوجهه وطفئت شعلته وقد روى عبد الرحمن بن خنبش عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى قال حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني عفان قال حدثني جعفر بن سليمان قال حدثني أبو التياح قال سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قادته الشياطين قال جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية وتحدرت عليه من الجبال وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرعب منه - قال جعفر أحسبه قال وجعل يتأخر - فجاء جبريل وقال يا محمد قل قال ما أقول قال قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق [وذرأ وبرأ] ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن [شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن] شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن قال فطفئت شعلة الشيطان وهزمهم الله تعالى (1) 1774 - مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رجلا من أسلم قال ما نمت هذه الليلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي شيء فقال لدغتني عقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك هذا حديث مسند متصل وفيه دليل على أن كلمات الله غير مخلوقة لأنه لا يستعاذ بمخلوق والقرآن كلامه جل جلاله
444 1775 - مالك عن سمي مولى أبي بكر عن القعقاع بن حكيم أن كعب الأحبار قال لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمارا فقيل له وما هن فقال أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وبرأ وذرأ قال أبو عمر هذا يدل على أن من السحر ما يغلب الأعيان [أحيانا] والله أعلم وهذا معنى قول كعب لجعلتني يهود حمارا وفي ما تقدم من الأحاديث في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشهد لقول كعب في تعوذه وأن من الدعاء والاستعاذة والرقى ما يصرف السوء والبلاء والحمد لله كثيرا ((5 - باب ما جاء في المتحابين في الله)) 1776 - مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي قال أبو عمر قوله المتحابون لجلالي أي المتحابون في ومن أجلي إجلالا ومحبة وابتغاء مرضاتي والمعنى في ذلك أن يكون العمل لله - عز وجل - خالصا لا يكون لشيء من عرض الدنيا إنه يحبه لله عز وجل مؤمن به مخلص له ويحبه لدعائه إلى الخير ولفعله الخير وتعليمه الدين والدين جماع الخير كله فإذا أحبه لذلك فقد أحب الله - عز وجل - قال الله عز وجل * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) * [آل عمران
445 روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة أن [رجلا سأله] فقال يا رسول الله مال المرء يحب القوم ولما يلحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب (1) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث البراء بن عازب أنه قال أوثق عرى الإسلام الحب في الله (عز وجل) والبغض في الله (عز وجل) (2) ومن حديث بن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن مسعود أتدري أي عرى [الإسلام] أوثق قلت الله ورسوله أعلم قال الولاية في الله عز وجل والحب فيه والبغض فيه ومن حديث بن مسعود أيضا قال أوحى الله - عز وجل - إلى نبي من الأنبياء أن قل لفلان الزاهد أما زهدك في الدنيا فتعجلت به راحة نفسك وأما انقطاعك إلي فقد تعززت بي فماذا عملت فيما لي عليك فقال يا رب وما لك علي قال هل واليت في وليا أو عاديت في عدوا وقال عليه السلام حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق وروي عن مسروق أنه قال حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة وقال بريدة الأسلمي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (3) وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال والله إنه لعهد النبي الأمي إلي إنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق (4) وقال جابر بن عبد الله ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي
446 قال أبو عمر فمن الحب في الله - عز وجل - حب أولياء الله عز وجل وهو حب الأتقياء الأولياء منهم المعلمون لدين الله (عز وجل) العاملون به وروى ثابت البناني عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تحاب رجلان في الله - عز وجل - إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه وروى ثابت البناني أيضا عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرسل الله - عز وجل - على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال له أين تريد قال أريد أخا لي في هذه القرية قال هل له عليك من نعمة تربها قال لا ولكنني أحببته في الله - عز وجل - قال فإني رسول الله إليك إنه قد أحبك كما أحببته فيه ومن حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لله - عز وجل - عباد ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنازلهم أو بمكانهم من الله عز وجل قالوا يا نبي الله من هم وما أعمالهم لعلنا نحبهم قال قوم تحابوا لروح الله - عز وجل - من غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها والله إن وجوههم نور وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * [يونس 62] وهذه الآثار كلها قد ذكرنا أسانيدها كلها في التمهيد وروينا عن قتادة عن مسلم بن يسار قال مرضت مرضة فلم يكن في عملي شيء أوثق في نفسي من قوم كنت أحبهم في الله - عز وجل وعن ثابت البناني عن مسلم بن يسار قال ما في عملي شيء إلا وأنا أخاف أن يكون قد دخله ما يفسده إلا الحب في الله - عز وجل حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثني أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثني الهيثم بن خارجة قال حدثني إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو وعبد الرحمن بن ميسرة عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تبارك وتعالى المتحابون لجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي 1777 - مالك عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري عن حفص بن
447 عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جمهور الرواة على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد ورواه مصعب الزبيري وأبو قرة موسى بن طارق عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة وأبي سعيد معا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه زكريا [بن يحيى] الوقار عن بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم ويوسف بن عمرو بن يزيد ثلاثتهم عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أبا هريرة وهذا خطأ من الوقار لم يتابع عليه ولم يكن من أهل الحديث وقد ذكرنا الروايات عنهم بذلك في التمهيد والمحفوظ المعروف عن بن وهب وبن القاسم روايتهما لهذا الحديث عن مالك كما رواه يحيى وجمهور الرواة على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد والصحيح عندي فيه - والله عز وجل أعلم - أنه عن أبي هريرة لا عن أبي سعيد لأنه كذلك رواه عبيد الله بن عمر وكان إماما في الحديث عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة رواه عنه بن المبارك وحماد بن زيد ويحيى القطان كذلك وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وظل الله - عز وجل - في هذا الموضع رحمته - والله عز وجل أعلم - وجنته وقيل ظل الله عز وجل ظل عرش الله قال الله عز وجل " أكلها دآئم وظلها " [الرعد 35] وقال عز وجل " إن المتقين في ظلل وعيون " [المرسلات 41] وقال تعالى * (وظل ممدود) * [الواقعة 30] ومن كان في ظل الله عز وجل - سلم من هول الموقف وشدته وما يلحق الناس فيه من القلق والضيق والعرق على ما في حديث المقداد بن الأسود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم
448 ويدخل في قوله عليه السلام إمام عادل كل من حكم بين اثنين فما فوقهما من رعية أو أهل وذرية كما قال صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته (1) الحديث وقال صلى الله عليه وسلم المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين (2) وهم الذين يعدلون في أهليهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا وقال علي - رضي الله عنه - في خطبته يوم الجمعة على المنبر أيها الرعاء إن لرعيتكم عليكم حقوقا الحكم بالعدل والقسم بالسوية وما من حسنة أحب إلى الله - عز وجل - من حكم إمام عادل قال أبو عمر في فضل الإمام العادل وفضل الشاب الناسك وفضل المشي إلى المسجد والصلاة فيه وانتظار الصلاة بعد الصلاة وفي المتحابين في الله - عز وجل وفي العين الباكية من خشية الله - عز وجل - وفي فضل الصدقة في السر والعلانية وفي فضل العفاف والتارك شهوته خوفا من الله - عز وجل - وحبا منه وتصديقا بوعيده ووعده آثار كثيرة يطول الكتاب بذكرها وفي محكم القرآن من ذلك كله بيان شاف وبالله - عز وجل - التوفيق 1778 - مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد قال لجبريل قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله العبد قال مالك لا أحسبه إلا أنه قال في البغض مثل ذلك قال أبو عمر هكذا رواه جماعة من الرواة عن مالك فيما علمت
449 ورواه عبد العزيز بن المختار ومعمر وحماد بن سلمة عن سهيل بإسناده [وقالوا في آخره وإذا أبغض العبد فقال مثل ذلك ولم يشكوا وروى عبد العزيز بن أبي سلمة عن سهيل بإسناده] فلم يذكر فيه البغض أصلا وروى هذا الحديث نافع مولى بن عمر عن أبي هريرة بمثل ذلك لم يذكر البغض ورواه حجاج وروح بن عبادة وغيرهما عن بن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قال الله عز وجل " إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " [مريم 96] فقال أهل العلم بتأويل القرآن منهم بن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير يحبهم يحببهم إلى الناس وقالوا في قول الله - عز وجل - * (وألقيت عليك محبة مني) * [طه 39] حببتك إلى عبادي وقال الربيع بن أنس إذا أحب الله - عز وجل - عبدا ألقى له مودة في قلوب أهل السماء ثم ألقى مودة في قلوب أهل الأرض وقال كعب الأحبار والله ما استقر لعبد ثناء في أهل الأرض حتى يستقر ثناء في أهل السماء وقال عبد الله بن مسعود لا تسل أحدا عن وده لك وانظر ما في نفسك له فإن في نفسه مثل ذلك إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وقد ذكرنا آثار هذا الباب بالأسانيد في التمهيد وروي عن أبي الدرداء أنه قال إياكم ومن تبغضه قلوبكم أخذه منصور الفقيه [الشافعي فقال] (شاهدي ما في مضمري * من صدق ودي مضمرك) (فما أريد وصفه * قلبك عني يخبرك) [وقيل أنها لداود بن منصور وهي أصح والله أعلم ومن حديث هذا المعنى قول صالح بن عبد العزيز (لا أسأل الناس عما في ضمائرهم * ما في ضميري لهم من داء يلقين] 1779 - مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال
450 دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن قوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله لأحبك لله فقال آلله فقلت آلله فقال آلله فقلت آلله فقال الله فقلت آلله قال فأخذه بجبوة ردائي فجبذني إليه وقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في قال أبو عمر قد مضى في المتحابين في الله ما فيه كفاية والحمد لله أخبرنا عبد الرحمن بن عمر فيما كتب به إلي قال حدثني بن الأعرابي قال حدثني عبد الصمد بن أبي يزيد قال سمعت [أحمد] بن أبي الحواري قال حدثني أحمد بن يونس الحذاء قال سئل أبو حمزة النيسابوري عن المتحابين في الله عز وجل من هم فقال العاملون بطاعة الله المتعاونون على أمر الله [وإن تفرقت دورهم] وأبدانهم قال أحمد فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال قد يعملون بطاعة الله ويتعاونون على أمره ولا يكونون إخوانا في الله حتى يتزاوروا ويتباذلوا فقال أحمد صدق الله قال أبو عمر معنى التباذل أن يبذل كل واحد منهما ماله لأخيه متى احتاج وفي هذا الحديث لقاء أبي إدريس الخولاني لمعاذ بن جبل وسماعه منه وهو حديث صحيح الإسناد لا مطعن فيه لأحد وقد عده بعض من لم تتسع روايته [ولا عظمت عنايته بهذا الشأن غلطا من أبي حازم أو ممن دونه] [واحتج بما رواه معمر و] بن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس قال أدركت عبادة بن الصامت وأبا الدرداء وشداد بن أوس ووعيت عنهم وفاتني معاذ بن جبل وقد صح عن أبي إدريس من طرق شتى صحاح كلها لقاؤه لمعاذ بن جبل وقد ذكرناه في التمهيد ولا خلاف أن أبا إدريس الخولاني ولد عام حنين وأن معاذ بن جبل توفي سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة في طاعون عمواس [بغير نكير أن يسمع منه وهو غلام وولي أبو إدريس قضاء دمشق من فضالة بن عبيد دون واسطة] وكان فضالة قاضيا بعد أبي الدرداء
451 وقال الوليد بن مسلم أدرك أبو إدريس معاذ بن جبل وهو بن عشر سنين قال أبو عمر يحتمل قول الزهري عن أبي إدريس فاتني معاذ في معنى كذا أو في حديث كذا أو في طول مجالسته كمجالسته لأبي الدرداء وقد أدرك أبو إدريس جماعة من الصحابة غير من ذكر الزهري كما أدرك الذين أدرك الزهري وقد ذكرت الشواهد على ما قلت من ذلك في التمهيد والحمد لله كثيرا 1780 - مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول القصد والتؤدة حسن السمت جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة قال أبو عمر القصد ها هنا الاقتصاد في النفقة وفي معناه جاء الحديث ما عال من اقتصد وأما التودة التأني والاستثبات في الأمر وأما حسن السمت فالوقار والحياء وسلوك طريقة الفضلاء وقد روي حديث بن عباس هذا مسندا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني أبو خيثمة مصعب بن يزيد وسعيد بن جعفر الثقفي قالا حدثني زهير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السمت الصالح والهدى الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة (1) قال أبو عمر رواه عبد الملك بن حسين النخعي عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والصواب فيه ما قاله زهير بن معاوية - والله أعلم - وكان زهير حافظا وليس عبد الملك بن حسين بمشهور بحمل العلم حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن بكر بن داسة قال حدثني أبو داود قال حدثني النفيلي قال حدثني زهير قال حدثني
452 قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه قال قال لنا عبد الله بن عباس إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إن الهدى الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة (1) [وروى عبد الجبار بن سعيد المساحقي قال سمعت بن أنس يقول قال بن عباس حسن السمت والتؤدة ونقاء الثوب وإظهار المروءة وحسن الهيئة جزء من بضعة وأربعين جزءا من النبوة قال أبو عمر والصواب عن مالك ما في الموطأ]
453 ((52 كتاب الرؤيا)) ((1 - باب ما جاء في الرؤيا)) 1781 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة في ما علمت وقد رواه شعبة عن قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة (1) وروى عفان بن مسلم عن عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء من ستة وعشرين جزءا من النبوة هكذا جاء هذا الحديث جزء من ستة وعشرين جزءا وإسناده عن عفان في التمهيد وروى حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين العقيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا جزء من أربعين جزءا من النبوة (2) هكذا قال من أربعين وإسناده في التمهيد
454 وقد روي في حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن جريج عن بن أبي حسين عن عكرمة عن بن عباس وروي عن عبادة أيضا مرفوعا جزء من أربعة وأربعين جزءا من النبوة وروي عن بن عباس مرفوعا أيضا جزء من خمسين جزءا من النبوة وقال حدثنيه العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كله مذكور في التمهيد 1782 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك قال أبو عمر أكثر الروايات عن أبي هريرة في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة هكذا رواه سعيد بن المسيب وأبو سلمة وأبو صالح السمان ومحمد بن سيرين عن أبي هريرة كما رواه الأعرج جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة واختلف في ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاصي فروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم جزء من ستة وأربعين جزءا وروي عنه جزء من تسعة وأربعين وفي حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة رواه الليث بن سعد عن بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سماك عن عكرمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رؤيا المسلم جزء من سبعين جزءا من النبوة وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث [وغيرها] في باب إسحاق من التمهيد واختلاف ألفاظ الرواة من الصحابة وغيرهم في الأجزاء المذكورة من النبوة والحمد لله كثيرا
455 وقد تكلمنا على معانيها هناك بما فيه بلاغ وشفاء إن شاء الله تعالى وتكلمنا فيما يتوجه عليه وجوه الوحي وأنواعه فالرؤيا نوع من أنواعه ولا خلاف بين العلماء أن رؤيا الأنبياء وحي بدليل قوله عز وجل حاكيا عن إبراهيم وابنه صلوات الله عليهما * (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) * [الصافات 102] يعني ما أمرك الله به في منامك وهذا واضح والحمد لله كثيرا [حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن المفسر قال حدثني أحمد بن علي قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني يحيى بن صالح عن سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها وليفسرها وإذا رأى الرؤيا تسوؤه فلا يذكرها ولا يفسرها] 1783 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ويقول ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة قال أبو عمر لا أعلم لزفر بن صعصعة ولا لأبيه غير هذا الحديث ولا أعلمه [روى عنه] غير إسحاق بن أبي طلحة - والله أعلم - وهكذا قال يحيى وأكثر رواة الموطأ في هذا الحديث عن مالك عن إسحاق عن زفر بن صعصعة عن أبيه ومن رواة مالك من لا يقول فيه عن أبيه ويجعله لزفر بن صعصعة عن أبي هريرة والأكثر يقول فيه عن أبيه وهذا الحديث يدل على شرف علم الرؤيا وفضلها لأنه لم يكن صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من صلاة الغداة هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا إلا ليقصها عليه ويعبرها ليتعلم أصحابه كيف الكلام في تأويلها وذلك دليل على فضل عبارة الرؤيا وشرف علمها وحسبك بيوسف صلى الله عليه وسلم وما أعطاه الله منها وفي أنبياء الله أسوة حسنة صلوات الله عليهم
456 1784 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات فقالوا وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إرسال هذا الحديث ولا أعلمه مسندا متصلا في رواية عطاء بن يسار ومعناه مسند صحيح من حديث بن عباس وغيره وإنما أعرف لعطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأويل قول الله عز وجل " لهم البشرى في الحياة الدنيا " [يونس 64] قال هي الرؤيا الصالحة رواه الأعمش وعبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء ورواه وكيع وأبو معاوية وعلي بن مسهر وغيرهم عن الأعمش وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عمرو بن دينار عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر قال سألت أبا الدرداء عن قول الله عز وجل " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة " [يونس 64] قال ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها غيرك إلا رجل واحد وهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له قال سفيان ثم لقيت عبد العزيز بن رفيع فحدثنيه عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم [قال سفيان ثم لقيت محمد بن المنكدر فحدثنيه عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] قال أبو عمر وروي من حديث جابر بن عبد الله وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاصي وطلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي الدرداء ومعناه
457 وعلى ذلك أكثر أهل التفسير 1785 - ومن ذلك ما ذكر مالك في آخر هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة " [يونس 64] فقال هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له وأما حديث بن عباس فحديثه إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثني محمد بن العباس الحلبي قال حدثني علي بن عبد الحميد الغضائري قال حدثني محمد بن أبي عمر العبدي وحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثني بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن [إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة في مرضه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له (1) قال أبو عمر هذا الحديث في معنى قول الله تعالى " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين " [الأحزاب 40] وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم وأنا العاقب الذي لا نبي بعدي (2) 1786 - مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة
458 من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله قال أبو سلمة إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها قال أبو عمر في هذا الحديث نص في معنى الرؤيا ودليل فالنص منها أن من رأى في منامه ما يكره فنفث عن يساره ثلاث مرات وتعوذ بالله من شر ما رأى لم تضره] تلك الرؤيا والدليل منه أن كل ما يكره من أنواع الرؤيا فهو حلم وليس برؤيا بل هي أضغاث لا تضره] إذا استعاذ بالله الذي رآها [من شرها] ونفث كما أتى في الحديث - والله أعلم - حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن محمد بن يزيد الحلبي القاضي قال حدثني محمد بن جعفر بن يحيى قال حدثني هشام بن عمار قال حدثني يحيى بن حمزة قال حدثني يزيد بن عبيدة قال حدثني مسلم بن مشكم عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليحزن بن آدم ومنها ما يهم به في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال قلت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني مضر بن محمد الكوفي قال حدثني إبراهيم بن عثمان المصيصي قال حدثني مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا ثلاثة فالرؤيا الحسنة من الله والرؤيا من تحزين الشيطان والرؤيا ما يحدث به الإنسان نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به وليقم فليصل (2) قال أبو هريرة وأحب القيد وأكره الغل القيد في النوم ثبات في الدين قال أبو عمر قد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله
459 ((2 - باب ما جاء في النرد (1))) 1787 - مالك عن موسى بن ميسرة عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله قال أبو عمر قد روي هذا الحديث عن سعيد بن أبي هند عن نافع مولى بن عمر وأسامة بن زيد وعبد الله بن سعيد ابنه وقد اختلف فيه على سعيد وعلى موسى بن ميسرة أيضا على ما قد ذكرناه في التمهيد 1788 - مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها وعندهم نرد فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري وأنكرت ذلك عليهم 1789 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا وجد أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها قال أبو عمر إنكار عائشة لهذا لا يكون إلا لعلم عندها لا رأيها وكذلك عبد الله بن عمر لا يكسر النرد ويضرب اللاعب إلا وقد بلغه فيها النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مبين عن الله تعالى ما يحل وما لا يحل وما يكره وما يستحب قال يحيى سمعت مالكا يقول لا خير في الشطرنج وغيرها وسمعته يكره اللعب بها ويعدها من الباطل ويتلو هذه الآية " فماذا بعد الحق إلا الضلل " [يونس 32] قال أبو عمر النرد قطع ملونة تكون من خشب البقس وغيره مثل الأبنوس وشبهه وتكون من العاج ومن غير ذلك يقال لهما الطبل ويعرف أيضا بالكعاب وتعرف بالأرن وتعرف بالنردشير حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا يحيى بن يحيى قال حدثنا الليث بن سعد عن بن إلهاد عن موسى بن ميسرة عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن أبي موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده النرد فقال
460 عصى الله ورسوله من ضرب بكعابها يلعب بها (1) وروى سفيان الثوري عن علقمة عن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير (2) وقد ذكرنا طرق هذا الحديث [عن الثوري] في التمهيد وذكر بن وهب قال حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال دخل عبد الله بن عمر داره فإذا أناس يلعبون فيها بالنرد فصاح بن عمر وقال ما لداري يلعبون فيها بالأرن قال وكانت النرد تدعى في الجاهلية بالأرن قال بن وهب وحدثني جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة عن علي بن الأقمر عن مسروق بن الأجدع عن بن مسعود قال إياكم وهذه الكعاب الموشومات اللائي يزحزحن فإنهن من الميسر وقال عثمان بن أبي سليمان أول من قدم بالنرد إلى مكة أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة فوضعها بفناء الكعبة فلعب بها وعلمها قال أبو عمر رويت الكراهة في اللعب بالنرد عن عثمان بن عفان وبن مسعود وبن عمر وعائشة وأبي موسى وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وجماعة كلهم يكره اللعب بها من جهة القمار وروى شعبة عن عبد ربه قال سمعت سعيد بن المسيب وسئل عن النرد فقال إذا لم يكن قمارا فلا بأس به وروي عن عبد الله بن المغفل وعن الشعبي وعكرمة أنهم كانوا يلعبون بالنرد وهذا لا يجوز أن يضاف إليهم إلا على غير سبيل القمار ولنهي الله (عز وجل) عن الميسر ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله وكل من خالف السنة والحق فلا حجة في قوله ولا عمله بل هو محجوج مخصوم بها وجماعة الفقهاء يكرهون اللعب بالنرد ويحرمون القمار بها وبغيرها
461 وقال الحسن النرد من ميسر العجم وأما الشطرنج فأجمع العلماء أن اللعب بها قمار لا يجوز وأخذ المال وأكله قمارا بها لا يحل وأجمع مالك وأصحابه على أنه لا يجوز اللعب بالنرد ولا بالشطرنج وقالوا لا تجوز شهادة المدمن المواظب على لعب الشطرنج وقال أبو حنيفة وأصحابه يكره اللعب بالشطرنج وبالنرد وبالأربعة عشر وبكل اللهو وقالوا فإن لم يظهر من اللاعب بها كبيرة وكانت محاسنه أكثر من مساوئه قبلت شهادته قال الشافعي أكره اللعب بالنرد للخبر واللعب بالشطرنج والحمام بغير قمار وإن كرهناه أخف حالا من اللعب بالنرد وقال أصحاب الشافعي لا تسقط عندنا - في مذهبه - شهادة اللاعب بالنرد وبالشطرنج إذا كان عدلا في جميع أحواله لم يظهر منه سفه ولا ريبة ولا علمت منه كبيرة إلا أن يلعب بها قمارا فإن لعب بها قمارا وكان بذلك معروفا سفه بها نفسه وسقطت عدالته لأكله المال بالباطل وقال إسحاق بن راهويه إذا لعب بالنرد أو بالشطرنج على غير معنى القمار يريد به التعليم والمكايدة فهو مكروه لا يبلغ ذلك إسقاط شهادته وأما الليث بن سعد فذكر بن وهب عنه أنه قال الشطرنج شر من النرد ولا خير فيها ولا تجوز شهادة اللاعب بها وقال بن شهاب هي من الباطل ولا أحبها وقد روي عنه أنه قال لا بأس باللعب بها ما لم يكن قمارا وقد روي عن جماعة من العلماء أنهم أجازوا اللعب بالشطرنج على غير قمار وأنهم لعبوا بها على غير قمار وقد ذكرناهم في التمهيد وأما القمار فلا يجوز عند أحد منهم في شيء من الأشياء وأكل المال به باطل على كل حال قال الله عز وجل " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالبطل " [النساء 29] وقد روي عن مجاهد وطاوس وعطاء وإبراهيم النخعي أنهم قالوا كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز
462 ((53 كتاب السلام)) ((1 - باب العمل في السلام)) 1790 - مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم قال أبو عمر قد روي هذا المعنى بإسناد متصل من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلا أن من أهل العلم من ينكره ويضعف إسناده حدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثني عبد الأعلى بن حماد قال حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال حدثني سعيد بن خالد قال حدثني عبد الله بن الفضل عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزئ من الجماعة إذا مرت أن يسلم أحدهم ويجزئ من القعود أن يرد أحدهم (1) وقد روي من حديث زيد بن أسلم بهذا اللفظ حدثنيه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني يوسف بن عدي قال حدثني عيسى بن يونس عن بن جريج عن زيد بن أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر القوم على المجلس [فسلم] منهم رجل أجزأ ذلك عنهم وإذا رد من أهل المجلس رجل أجزأ ذلك عنهم قال أبو عمر معنى قوله في الابتداء أجزأ ذلك عنهم يعني أجزأ ذلك من
463 السنة المندوب إليها كما يقال من أتى الوليمة وهو صائم أجزأه التبرك والدعاء وإنما قلنا هذا لإجماع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنة وأن الرد فرض لقول الله عز وجل * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * [النساء 86] وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فقال مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول أهل المدينة إذا سلم رجل على جماعة من الرجال فرد عليه واحد منهم أجزأ هو عنهم وشبهه الشافعي بصلاة الجماعة والتفقه في دين الله وغسل الموتى ودفنهم والصلاة عليهم والخروج إلى أرض العدو لدعائهم إلى الإسلام وقتالهم عليه قال فهذه فروض كلها على الكفاية لا يحل الاجتماع على تضييعها ومنه تشميت العاطس قال أبو عمر حديث زيد بن أسلم هذا يدل على أن هذا الفرض لا يتعين على كل الجماعة الذين سلم عليهم وأنه إذا قام برد التحية واحد منهم أجزأ عنهم وقال الطحاوي كان أبو يوسف ينكر الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رد السلام بعض القوم أجزأ عن جميعهم وقال لا يجزئ إلا أن يردوا جميعا وقال الطحاوي رد السلام من الفرائض المتعينة على كل إنسان بنفسه لا ينوبه فيها عنه غيره لا من الفروض التي على الكفاية التي إذا قام بها أحدهم سقط الفرض عنهم قال أبو عمر ليس مع الطحاوي بما قال أثر يحتج به مرسل ولا مسند وقد جاء الحديث برد السلام مما دل أنه من الفروض التي على الكفاية فالمصير إليه أولى من الرأي وبالله التوفيق قال أبو عمر الدليل على أن الابتداء بالسلام سنة وفضيلة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ابتدأ قوما بالسلام فضلهم بعشر حسنات وقوله عليه السلام في المتهاجرين خيرهما الذي يبدأ بالسلام (1) والدليل على أن رد السلام فريضة قول الله عز وجل * (فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * [النساء
464 والسنة أن يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني روح بن عبادة قال حدثني بن جريج قال أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والماشيان جميعا أيهما بدأ بالسلام فهو أفضل حدثني أحمد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثني الحارث قال حدثني روح بن عبادة قال حدثني بن جريج قال أخبرني زياد بن سعد أن ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد [أخبره] أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير (1) 1791 - مالك عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه قال كنت جالسا عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم زاد شيئا مع ذلك أيضا قال بن عباس وهو يومئذ قد ذهب بصره من هذا قالوا هذا اليماني الذي يغشاك فعرفوه إياه قال فقال بن عباس إن السلام انتهى إلى البركة (2) قال أبو عمر قول بن عباس هذا أخذه من قول الله تعالى " رحمت الله وبركته عليكم أهل البيت " [هود 73] [روى الأعمش عن مجاهد عن بن عباس قال انتهوا في السلام حيث انتهت الملائكة يا أهل البيت الصالحين رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت وروى بن جريج عن عطاء أن بن عباس أتاهم يوما في مجلس فسلم عليهم فقال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقلت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته وعفوه ومغفرته فقال من هذا فقلت عطاء فقال انتهى السلام وبركاته ثم تلا " رحمت الله وبركته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " [هود 73] سئل مالك هل يسلم على المرأة فقال أما المتجالة فلا أكره ذلك وأما الشابة فلا أحب ذلك
465 قال أبو عمر اختلف السلف والخلف في السلام على النساء فقال منهم قائلون لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن منهم ذوات محرم وممن قال ذلك الكوفيين قالوا لما يسقط عنهن الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في الصلاة سقط عنهن رد السلام فلا يسلم عليهن وقال آخرون جائز أن يسلم الرجل على المرأة المتجالة دون الشابة التي يخشى من ردها الفتنة قال أبو عمر قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم على النساء وفيه الأسوة الحسنة حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن أنه سمعها تقول مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا (1)) 1 (2 - باب ما جاء في السلام على اليهودي والنصراني)) 1792 - مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول السام عليكم فقل عليك هكذا رواه يحيى بلفظ الواحد من غير واحد وتابعه طائفة من الرواة عن مالك على ذلك وقال القعنبي عليكم بلفظ الجماعة من غير واو أيضا وكذلك رواه الدراوردي عن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه وعليكم بالواو وكذلك قال قتادة عن أنس وعليكم بالواو
466 قال أبو داود وكذلك رواية عائشة وأبي عبد الرحمن الجهني وأبي بصرة الغفاري قال أبو عمر روى شعبة عن قتادة أنه سمعه يحدث عن أنس أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم فقال قولوا وعليكم وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني بن نمير عبد الله عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الرحمن الجهني قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم (1) وروى جماعة من الأئمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى حديث أبي عبد الرحمن الجهني سواء وعلى ذلك جمهور العلماء وقد أجاز قوم أن يبدؤوا بالسلام ونزعوا بأشياء قد ذكرتها والقائلين بها في التمهيد وقال آخرون الرد على أهل الذمة وعلاك السلام أو وعلاكم السلام أي ارتفع عنكم السلام وقالت فرقة يرد عليهم وعليكم السلام بكسر السين يعني الحجارة وهذا كله ليس بشيء ولا يجوز أن يلتفت إليه ولا يعرج عليه وفي السنة الأسوة الحسنة وما سواها فلا معنى له ولا عمل عليه وقد حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني سليمان بن حرب قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن بن أبي مليكة عن عائشة أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقال النبي عليه السلام وعليكم فقالت عائشة رضي الله عنها السام عليكم ولعنة الله وغضبه يا أخوة
467 القردة والخنازير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة عليك بالحلم وإياك والجهل قالت يا رسول الله أما سمعت ما قالوا قال سمعت فقال أما سمعت ما رددت عليهم فاستجيب لنا فيهم ولم يستجب لهم فينا (1) قال أبو عمر السام الموت بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت ((3 - باب جامع السلام)) 1793 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل نفر ثلاثة فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد فلما وقفا على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه قال أبو عمر في هذا الحديث من معاني السلام أن القادم على القوم والآتي إليهم يبدؤهم بالسلام يسلم عليهم كما يصنع المار والماشي على القاعد والراكب على الماشي ألا ترى إلى قوله فلما وقفا على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما ولم يقل رد السلام - في الحديث - اكتفاء بمعرفة الناس بذلك وفي هذا الحديث معان من آداب مجالسة العالم والتحلق إليه والتخطي في حلقته إلى فرجة إن كانت فيها أو الجلوس حيث انتهى بالطلب المجلس وغير ذلك ومعنى استحياء الله من عبده المطيع مجازاته عن جميل فعله برحمته له
468 وعفوه عنه وغير ذلك وإيوائه لمن أوى الله وإعراضه عن من أعرض عنه فلم يوجب له حسنة ولا محا عنه سيئة فلا يعرض عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وحلقته من غير عذر إلا من في قلبه مرض ونفاق وقد ذكرت ذلك كله مبسوطا في التمهيد والحمد لله كثيرا 1794 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل فرد عليه السلام ثم سأل عمر الرجل كيف أنت فقال أحمد إليك الله فقال عمر ذلك الذي أردت منك قال أبو عمر في هذا الخبر ما يدل على أن السنة المعمول بها في المجاوبة للسائل عن الحال حمد الله والثناء عليه فإن المسؤول عن حاله لا ينفك من نعمة الله ظاهرة وباطنة من صحة جسم وصرف بلاء وكشف كربة وتفريج غم ورزق يرزقه وخير يمنحه ذكر ذلك أو نسيه فإذا سئل عن ذلك فليحمد ربه فله الحمد كله على كل حال لا إله إلا هو الكبير المتعال 1795 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل بن أبي بن كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط (1) ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق فقلت له وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق قال وأقول اجلس بنا ها هنا نتحدث قال فقال لي عبد الله بن عمر يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا قال أبو عمر في هذا الخبر ولفعل بن عمر هذا أصل كبير في السنة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا محمد بن رمح قال حدثنا الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير
469 قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف (1) وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم [قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث يذكره بإسناده وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم] قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا قيس بن [الربيع] عن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله حدثني بشيء يوجب الجنة قال بذل الطعام وإفشاء السلام وحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني إبراهيم بن عبد الله العبسي الكوفي قال حدثني وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم (2) حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني إسحاق بن عمر بن سليط قال حدثني حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة السلام بالمعرفة (3) 1796 - مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا سلم على عبد الله بن عمر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات فقال له عبد الله بن عمر وعليك ألفا ثم كأنه كره ذلك قال أبو عمر هذا الخبر كان باب العمل في السلام أولى به لقول بن عباس انتهى السلام إلى البركة
470 وقد ذكرنا هذا المعنى موجودا هناك مجودا والحمد لله كثيرا 1797 - مالك أنه بلغه إذا دخل البيت غير المسكون يقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قال أبو عمر قد روي عن جماعة من السلف العلماء بتأويل القرآن قالوا إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين روينا ذلك عن بن عباس وعلقمة وإبراهيم النخعي وعكرمة ومجاهد وأبي مالك وعطاء وبعضهم يقول السلام علينا من ربنا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وكان عطاء يزيد أيضا والسلام على أهل البيت ورحمة الله والذي ذكره مالك مجتمع عليه في من دخل بيتا ليس فيه أحد وقال أبو مالك وكذلك إذا دخلت بيتا ليس فيه مسلم [وإنما فيه أهل الذمة] قلت مثل ذلك السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وقالوا إذا دخلت المسجد وليس فيه أحد فقل مثل ذلك وإذا دخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقل السلام على رسول الله وإن شئت قلت السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقال بن جريج قوله عز وجل * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية) * [النور 61] قال على أهليكم قال وقال مجاهد في قوله * (فسلموا على أنفسكم) * قال بعضكم على بعض قال بن جريج وسئل عطاء أحق على الرجل إذا دخل على أهله أن يسلم قال نعم يسلم عليهم وقاله عمرو بن دينار وقالوا جميعا إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة قال بن جريج وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول إذا دخلت على أهلك فسلم [عليهم] تحية من عند الله مباركة طيبة
471 قال وما رأيت إلا يوجبه قال بن جريج وأخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه قال قد أدركتم العشاء
472 ((54 كتاب الاستئذان)) ((1 - باب الاستئذان)) 1798 - مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال يا رسول الله أستأذن على أمي فقال نعم قال الرجل إني معها في البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها فقال الرجل إني خادمها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها قال أبو عمر لا أعلم هذا الحديث يتصل بهذا اللفظ مسندا بوجه من الوجوه وهو من صحاح المراسيل وقد رواه زياد بن سعد عن صفوان بن سليم كما رواه مالك حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني الحسن بن إسماعيل قال حدثني عبد الملك بن بحر قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثني سنيد بن داود قال حدثني حجاج قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني زياد عن صفوان مولى لبني زهرة أنه أخبره عن عطاء بن يسار أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أأستأذن على أمي قال نعم قال إنها ليس لها خادم غيري أفأستأذن عليها كلما دخلت قال أتحب أن تراها عريانة قال الرجل لا قال فاستأذن قال بن جريج وأخبرني الزهري قال سمعت هذيل بن شرحبيل الأزدي الأعمى أنه سمع بن مسعود يقول عليكم إذن على أمهاتكم قال بن جريج وسمعت عطاء يخبر عن بن عباس أنه قال له أستأذن على
473 أختي يتيمة في حجري معي في البيت قال نعم فرددت عليه ليرخص لي فأبى وقال أتحب أن تراها عريانة قلت لا قال فاستأذن فراجعته أيضا فقال أتحب أن تطيع الله قلت نعم قال فاستأذن فقال لي سعيد بن جبير إنك لتردد عليه قال أردت أن يرخص لي قال بن جريج وأخبرني بن طاوس عن أبيه قال ما من امرأة أكره لي أن أرى عريتها من ذات محرم وكان يتشدد في ذلك وقال بن جريج قلت لعطاء أواجب على الرجل أن يستأذن على أمه وذات قرابته قال نعم قلت بأي وجبت قال قوله عز وجل * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) * [النور 59] حدثني عبد الرحمن قال حدثني علي قال حدثني أحمد قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب قال يستأذن الرجل على أمه وإنما أنزلت * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) * في ذلك قال أبو عمر كان الشعبي وطاوس والضحاك يكرهون أن ينظر الرجل إلى شعر أمه وذات محرمة وروي عن جماعة من جلة العلماء أنهم كانوا يفلون أمهاتهم وممن روي ذلك عنهم محمد بن الحنفية وأبو جعفر محمد بن علي بن حسين ومورق العجلي وطلق بن حبيب وعلى مذهب هؤلاء فتوى جماعة علماء الأمصار في النظر إلى شعر الأم وإلى شعور ذوات المحارم من النساء وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد 1799 - مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع هكذا قال مالك في إسناد حديثه هذا عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري وهذا وهم ممن رواه هكذا
474 وكذلك رواه بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن المستأذن ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع وهذا لا معنى له لأن أبا سعيد الخدري لم يرو هذا الحديث قط عن أبي موسى الأشعري وإنما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهد بذلك لأبي موسى وقد خرج بعض الرواة له مخرجا كأنه قال عن أبي [سعيد الخدري عن قصة أبي] موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى لنا مثل هذا المعنى في كتاب الحج في حديث عمير بن سلمة الضمري عن البهزي في الحمار الوحشي وإنما الراوية له عن النبي صلى الله عليه وسلم عمير بن سلمة والبهزي هو صائد للحمار لأن عميرا روى الحديث عن قصة البهزي وكذلك قول من قال في هذا الحديث عن أبي سعيد عن أبي موسى وإنما هي قصة أبي موسى رواها أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها أبو موسى وغيره حدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثني أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثني محمد بن جرير قال حدثني سفيان بن وكيع قال حدثني عبد الأعلى عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال استأذن أبو موسى على عمر فقال السلام عليكم أأدخل [فقال عمر واحدة ثم مكث ساعة ثم قال السلام عليكم أأدخل فقال عمر اثنتان ثم مكث ساعة فقال السلام عليكم أأدخل] فقال عمر ثلاث ثم رجع فقال عمر للبواب ما صنع قال رجع قال علي به فلما جاءه قال ما هذا الذي صنعت قال السنة فقال والله لتأتيني على هذا ببرهان أو لأفعلن بك قال فأتانا ونحن جماعة من الأنصار فقال يا معشر الأنصار ألستم أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع فجعل القوم يمازحونه قال أبو سعيد ثم رفعت رأسي إليه فقلت ما أصابك في هذا من العقوبة فأنا شريكك فأتيت عمر فأخبرته [فقال ما كنت علمت بهذا (1 قال أبو عمر في هذا الحديث من قول عمر] واحدة اثنتان ثلاث دليل على أن عمر كان يعلم أن الاستئذان ثلاث
475 وقد روي في ذلك أيضا عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاث فدل ذلك على أن الذي جهله عمر من دعوى أبي موسى قوله فإن أذن لك وإلا فارجع هذا لا غير والله أعلم وقد روى أبو زميل الحنفي عن بن عباس قال استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فأذن لي أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال أحمد بن حنبل وحدثني يزيد بن هارون قال حدثني داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري] قال استأذن أبو موسى على عمر ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع فلقيه عمر فقال ما شأنك رجعت فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من استأذن ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع فقال لتأتيني على هذا بالبينة أو لأفعلن وأفعلن فأتى مجلس قومه فناشدهم فقلت أنا معك فشهدت له فخلى عنه وهذا لفظ حديث داود بن أبي هند وحدثني عبد الله قال حدثني أحمد قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن سعيد الجريري عن أبي سعيد الخدري قال سلم عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع فأرسل عمر في أثره لم رجعت قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع (1) قال أبو عمر مثل هذا الحديث المختصر [أوهم من جعله عن أبي سعيد] عن أبي موسى وقد بان بما روينا أنه ليس كذلك إنما هو لأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم شهد به لأبي موسى ورواه كما رواه أبو موسى وهذا هو الصحيح - إن شاء الله تعالى - وبالله التوفيق 1800 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم
476 أن أبا موسى الأشعري جاء يستأذن على عمر بن الخطاب فاستأذن ثلاثا ثم رجع فأرسل عمر بن الخطاب في أثره فقال ما لك لم تدخل فقال أبو موسى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع فقال عمر ومن يعلم هذا لئن لم تأتني بمن يعلم ذلك لأفعلن بك كذا وكذا فخرج أبو موسى حتى جاء مجلسا في المسجد يقال له مجلس الأنصار فقال إني أخبرت عمر بن الخطاب أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع فقال لئن لم تأتني بمن يعلم هذا لأفعلن بك كذا وكذا فإن كان سمع ذلك أحد منكم فليقم معي فقالوا لأبي سعيد الخدري قم معه وكان أبو سعيد أصغرهم فقام معه فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فقال عمر بن الخطاب لأبي موسى أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول (1) الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد تقدم إسناد هذا الحديث متصلا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم أبي بن كعب وأبو سعيد الخدري ومن [أسانيد] هذا الحديث ما حدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أن بسر بن سعيد حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول كنا في مجلس أبي بن كعب فأتى أبو موسى مغضبا حتى وقف فقال أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع قال أبي وما ذاك قال استأذنت على عمر أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئت اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئته أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت فقال قد سمعناك ونحن يومئذ على شغل فلو استأذنت حتى يؤذن لك قال استأذنتك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا فقال أبي والله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا الذي بجنبك قم يا أبا سعيد فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا
477 قال بن وهب وقال مالك الاستئذان ثلاث لا أحب أن يزيد أحد عليها إلا من علم أنه لم يسمع فلا أرى بأسا أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع قال وقال مالك الاستئناس فيما نرى - والله أعلم - الاستئذان قال أبو عمر يريد قول الله عز وجل * (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) * [النور 27] [وقد قرئت حتى تستأذنوا وتسلموا] روي ذلك عن بن عباس وقد روي عنه أنه كان يقرؤها كما كان أبي يقرؤها وبن مسعود يقرآنها حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا قال عكرمة تعلمها بن عباس من أبي وكان يقرؤها كذلك وقال هشيم عن مغيرة عن إبراهيم هي في مصحف عبد الله كذلك وروى شعبة وهشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أوهم الكاتب إنما هي حتى تستأذنوا وتسلموا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني أبو داود عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى أنه أتى عمر فاستأذن ثلاثا قال يستأذن أبو موسى يستأذن الأشعري يستأذن عبد الله بن قيس فلم يؤذن له فرجع فبعث إليه عمر فقال ما ردك فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن أحدكم ثلاثا فإن أذن له وإلا فليرجع فقال ائتني ببينة على هذا فقال هذا أبي فانطلقنا إلى عمر فقال نعم يا عمر لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر لا أكون عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) قال أبو عمر قد ذكرنا حديث الاستئناس هذا من طرق كثيرة في التمهيد وفي ألفاظه اختلاف متباين لكن المعنى المبتغى فيها لم يختلفوا فيه وهو أن الاستئذان ثلاث فإن أذن له وإلا فليرجع معناه - إن شاء الله - والله أعلم - لا أنه واجب عليه أن يرجع وإنما فائدة الحديث أنه ليس عليه أن يستأذن أكثر من ثلاث وقد قال بعض أهل العلم إن الاستئذان ثلاث مأخوذ من قول الله عز وجل " يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلث مرت " [النور
478 قال يريد ثلاث دفعات قال فورد القرآن في المماليك والصبيان وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أجمعين قال أبو عمر ما ذكره هذا القائل وإن كان له وجه فإنه غير معروف عن العلماء في تفسير الآية التي نزع بها والذي عليه جمهور أهل العلم في قوله عز وجل في هذه الآية " ثلث مرت " أي في ثلاث أوقات ويدل على صحة هذا القول مساق الآية وتمامها فيها " من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلث عورت لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوفون عليكم بعضكم " [النور 58] وللكلام في هذه الآية في معنى العورات موضع غير هذا وقد زعم قوم أن في قصة أبي موسى الأشعري مع عمر في الاستئذان دليل على أن عمر كان لا يقبل خبر الواحد العدل حتى يقع إليه ما ينضم إليه العلم الظاهر به كالشاهدين قال أبو عمر ليس كما زعموا لأنه معروف عن عمر من وجوه متواترة قبوله لخبر الواحد العدل ومحال أن يقبل خبر الواحد العدل وهو يدين برده ألا ترى أنه قبل خبر الضحاك بن سفيان [وحده] في ما جهله من ميراث المرأة من دية زوجها وكان يذهب إلى أنه لا يرث الدية إلا من [يقوم] بها من العاقلة حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وقبل أيضا خبر حمل بن مالك بن النابغة الهذلي الأعرابي أن في الجنين غرة عبدا أو [وليدة] وقد كان أشكل عليه القضاء في الجنين حتى أخبره حمل بن مالك بذلك وكانت قصته نزلت به في امرأتيه وقبل خبر عبد الرحمن بن عوف في الجزية وفي الطاعون ولا يشك ذو لب أن أبا موسى عند عمر أشهر وأولى بالعدالة من الأعرابي الهذلي المذكور وقد صح عن عمر في حديث السقيفة أنه قال إني قائل مقالة قد قدر لي أن أقولها فمن وعاها وحفظها فليحدث بها فكيف يأمر من سمع قوله أن يحدث به وينهى عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم نصر الله عبدا سمع مقالتي
479 فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها فندب السامع لحديثه أن يؤديه كما سمعه ودعا له إذا فعل ذلك ولا وجه للتبليغ إلا القبول وإلا لم يكن للتبليغ فائدة وحسبك به فضيلة ولا يظن بعمر أنه لا يقبل خبر الواحد العدل إلا من قل نظره وفهمه وغلب عليه الجهل وأما قوله في حديث ربيعة لأبي موسى أما إني لم أتهمك ولكنني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مما حمله عليه اجتهاده وقد أوضحنا هذا المعنى وسائر ما في الحديث من المعاني في التمهيد والحمد لله وإذا كان عمر مع لزومه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وطول مجالسته وقيامه وقعوده معه يخفى عليه مثل هذا من حديث الاستئذان ودية الجنين وميراث المرأة من دية زوجها وغير ذلك مما قد ذكرناه في غير موضع من كتابنا فكيف يجوز لأحد [أن يقول] في شيء من السنن فهذا لا يخفى على إمام ومعلم هذا لا يقوله إلا من لا تحصيل له ولا يشتغل بقوله لأن العلم لا يحيط بجميعه أحد ولا عيب على من فاته الأقل إذا كان عنده الأكثر وبالله التوفيق ((2 - باب التشميت في العطاس)) 1801 - مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن عطس فشمته (1) ثم إن عطس فشمته ثم إن عطس فشمته ثم إن عطس فقل إنك مضنوك (2) قال عبد الله بن أبي بكر لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة 1802 - [مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال] يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا ولكم قال أبو عمر أما حديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه فلم تختلف الرواية عن مالك في إرساله
480 وقد روي مسندا من حديث سلمة بن الأكوع عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه من طرق في التمهيد منها ما حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بندار قال حدثني يحيى بن سعيد عن عكرمة بن عمار قال حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمته ثم عطس فشمته ثم عطس فقال له في الثالثة إنك مزكوم (1) وروي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يشمت المسلم إذا عطس ثلاث مرات وإن زاد فهو زكام (2) رواه بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن سعيد المقبري عن أبي هريرة وقد ذكرناه في التمهيد وذكرنا الاختلاف علي بن عجلان فيه وأما كيفية تشميت العاطس فأحسن ما روي فيه حديث عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وإذا قال الحمد لله فليقل له أخوه يرحمك الله فإذا قيل له ذلك فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم (3) وقد ذكرناه من طرق في التمهيد ومثله سواء من حديث عائشة وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد أيضا ومن أحسن ذلك أيضا حديث سالم بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس أحدكم فليحمد الله وليقل له من عنده يرحمك الله وليرد يغفر الله لنا ولكم (4) ومن حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرناهما في التمهيد بأسانيدهما وطرقهما وأما اختلاف الفقهاء في كيفية تشميت العاطس
481 فقال مالك لا بأس أن يقول العاطس لمن شمته يهديكم الله ويصلح بالكم وإن شاء الله قال يغفر الله لنا ولكم [كل ذلك جائز وهو قول الشافعي أي ذلك قال فحسن وقال أصحاب أبي حنيفة يقول يغفر الله لكم] ولا يقول يهديكم الله [ويصلح بالكم ورووا عن إبراهيم النخعي أنه قال يهديكم الله ويصلح بالكم] شيء قالته الخوارج لأنهم لا يستغفرون للناس واختار الطحاوي قوله يهديكم الله ويصلح بالكم لأنه أحسن من تحيته لأن حال من هدي وأصلح باله فوق المغفور له قال أبو عمر ليس ما اختاره الطحاوي بأحسن من غيره وقد حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن محمد المكي قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني أبو نعيم قال حدثني سفيان عن حكيم بن الديلم عن أبي بردة عن أبي موسى قال كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم (1) قال أبو عمر انفرد به حكيم بن الديلم وهو ثقة مأمون وقد أشبعنا آداب هذا الباب بالآثار في التمهيد وقد أجمع العلماء على أن من عطس فلم يحمد الله لم يجب على جليسه تشميته وفي ذلك آثار قد ذكرناها ويقال سمت العاطس وشمته قال الخليل تسميت العاطس لغة في تشميته وروي عن ثعلب أنه سئل عن معنى التشميت والتسميت فقال أما التشميت فمعناه أبعد الله عنك الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك وأما التسميت فمعناه جعلك الله على سمت حسن ونحو هذا وقال أهل الظاهر تشميت العاطس واجب متعين على كل جليس سامع تحميد العاطس
482 وقالت طائفة من الفقهاء هو واجب على الكفاية كرد السلام وقال آخرون هو ندب وإرشاد وأدب وليس منه شيء واجب ((3 - باب ما جاء في الصور والتماثيل)) 1803 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن رافع بن إسحاق مولى الشفاء أخبره قال دخلت أنا وعبد الله بن أبي طلحة على أبي سعيد الخدري نعوده فقال لنا أبو سعيد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل أو تصاوير شك إسحاق لا يدري أيتهما قال أبو سعيد قال أبو عمر قيل في هذا الحديث أن معناه ملائكة الوحي وقيل ملائكة الوحي وغير ملائكة الوحي وكأن قائل هذا استدل بالكرام الحافظين [الكاتبين] أنهم يدخلون مع المرء حيث ما دخل 1804 - مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده قال فوجد عنده سهل بن حنيف فدعا أبو طلحة إنسانا فنزع نمطا (1) من تحته فقال له سهل بن حنيف لم تنزعه قال لأن فيه تصاوير وقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد علمت فقال سهل ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما كان رقما (2) في ثوب قال بلى ولكنه أطيب لنفسي قال أبو عمر هذا الحديث يدل على فساد تأويل من تأول في الحديث الأول ما ذكرنا لأن أبا طلحة وسهل بن حنيف حملاه على العموم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ولا مدخل لملائكة الوحي بعده صلى الله عليه وسلم في بيت أبي طلحة ولا غيره والله أعلم وهذا الحديث منقطع غير متصل لأن عبيد الله بن عبد الله لم يدرك سهل بن حنيف ولا أبا طلحة ولا حفظ له عنهما ولا عن أحدهما سماع ولا له سن يدركها به والله أعلم ولا خلاف أن سهل بن حنيف مات سنة ثمان وثلاثين بعد شهود صفين وصلى عليه علي - رضي الله عنه - فكبر عليه ستا
483 وكذلك [كان يفعل] بالبدريين وأما أبو طلحة فاختلف في وقت وفاته اختلافا متباينا فقيل توفي سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه وذكر أبو زرعة قال سمعت أبا نعيم يحدث عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال سرد أبو طلحة الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة وقد ذكرنا الشواهد على هذا القول في بابه من كتاب الصحابة وهو أصح إن شاء الله تعالى والصحيح في هذا [الحديث] أن بين عبيد الله وبين أبي طلحة وسهل بن حنيف فيه بن عباس كذا رواه الزهري من رواية بن أبي ذئب وغيره حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن أبي الخصيب قال حدثني عبد الله بن الحسن بن أبي شعيب قال حدثني يحيى بن عبد الله [البابلي قال حدثني أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب العامري عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله] بن عتبة عن عبد الله بن عباس عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال] لا تدخل الملائكة بيتا فيه تصاوير (1) قال أبو عمر هذا يدل على أن أبا النضر وهم في إسناد هذا الحديث والله أعلم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو الطاهر محمد بن أحمد القاضي الذهلي قال حدثني أبو مسلم الكشي قال حدثني أبو عاصم عن بن أبي ذئب عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس عن أبي طلحة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة (2)
484 قال أبو عمر كان هذا الحديث غير حديث أبي النضر فهو أشبه بمعنى حديث أبي سعيد الخدري وما شاع في ذلك من التأويل ساغ في هذا وليس حديث أبي النضر كذلك فيما تدل عليه معاني ألفاظه وقد تابع بن أبي ذئب على هذا الإسناد والمتن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو الطاهر الذهلي محمد بن أحمد بن عبد الله بن نضر بن بجير قال حدثني أبو مسلم الكشي قال حدثني عبد الله بن رجاء قال حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس عن أبي طلحة الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة قال أبو عمر رواه الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله قال حدثني أبو طلحة الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة فوهم [فيه] الأوزاعي إذ قال عن عبيد الله قال حدثني أبو طلحة وقد ذكرنا الإسناد عن الأوزاعي في التمهيد وليس في حديث بن شهاب هذا استثناء ما كان رقما في ثوب وذلك موجود في حديث أبي النضر فكأنهما حديثان والله أعلم 1805 - مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها اشترت نمرقة (1) فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية وقالت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بال هذه النمرقة قالت اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ثم قال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة
485 [قال أبو عمر] هذا الحديث من أصح ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وهو مخالف لحديث أبي النضر في قوله إلا ما كان رقما في ثوب لأن هذا قد صرح بأن الصورة في الثوب لا يجوز اتخاذها ولا استعمال الثوب الذي هي فيه وذكر فيه من الوعيد ما ترى وهو غاية في تحريم عمل الصور في الثياب وغيرها ولم يخص منها ما يوطأ ويتوسد مما يمتهن وينصب هذا ما يوجبه ظاهر هذا الحديث وهو أشد حديث روي في هذا الباب وهو أحسنها إسنادا وأصحها نقلا وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت كان على بابي درنوق فيه الخيل ذوات الأجنحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألقوا هذا وقد ذكرنا إسناده في التمهيد أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني بكر بن محمد بن العلاء قال حدثني [الحسن] بن المثني قال حدثني أبي قال حدثني معاذ بن هشام قال وحدثني [أبي] عن قتادة عن نضر بن أنس أن رجلا أتى عبد الله بن عباس إني رجل من أهل العراق أصور هذه التصاوير فقال بن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول من صور صورة] يكلف يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ (1) وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فعلى [حسب] اختلاف الآثار فيه وتأويلها فكان بن شهاب فيما ذكر عنه معمر وغيره يكره التصاوير في الثياب وغيرها ما نصب منها وما بسط على ظاهر حديثه هذا عن القاسم عن عائشة وقالت طائفة إنما يكره من التصاوير ما كان في حيطان البيوت وأما ما كان رقما في ثوب فلا على حديث سهل بن حنيف وسواء كان الثوب منصوبا أو مبسوطا وممن قال بذلك القاسم بن محمد وهو خلاف ظاهر حديث عائشة المتقدم ذكره من روايته عنها ذكر بن أبي شيبة عن أزهر عن بن عون قال دخلت على القاسم بن محمد وهو في بيته بأعلى مكة ورأيت في بيته حجلة فيها تصاوير السندس والعنقاء
486 وقال آخرون لا يجوز استعمال شيء من الثياب التي فيها الصور إذا كان الثوب ينصب أو يلبس وإنما يجوز من ذلك ما كان يوطأ وذكروا ما رواه وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت سترت سهوة (1) لي بستر فيه تصاوير فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم هتكه فجعلته مسندتين فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على إحداهما (2) فقالوا ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره من ذلك ما كان سترا منصوبا ولم يكره ما اتكئ عليه من ذلك ويوطأ قال أبو عمر يحتمل أن يكون الستر لما هتكه تهتكت صوره فلم يبق منه صورة تامة وكذلك اتكأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تكون حينئذ في هذا الحديث حجة علي بن شهاب إلا أن جماعة من السلف قد ذهبوا هذا المذهب فيما يوطأ ويمتهن بالاتكاء وشبهه أنه لا بأس به وأنه خلاف المنصوب [ذكر] بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن الجعد عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص أن أباها جاء من فارس بوسائد فيها تماثيل فكنا نبسطها وعن بن فضيل عن ليث قال رأيت سالم بن عبد الله متكئا على وسادة حمراء فيها تماثيل فقلت له في ذلك فقال إنما يكره هذا لمن ينصبه ويصنعه وعن بن المبارك عن هشام بن عروة أن أباه كان يتكئ على المرافق التي فيها التماثيل الطير والرجال وعن بن علية عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال كانوا لا يرون بأسا بما وطئ وبسط من التصاوير وكان بن سيرين لا يرى بذلك بأسا وكان عكرمة يقول في التصاوير في الوسائد والبسط التي توطأ هو أذل لها قال وكانوا يكرهون ما نصب من التماثيل ولا يرون بأسا بما وطأته الأقدام وعن سعيد بن جبير وعكرمة بن خالد وعطاء بن أبي رباح أنهم كانوا لا يرون بأسا بما يوطأ ويبسط من الصور قال أبو عمر هذا المذهب أوسط المذاهب في هذا الباب
487 وقد قال قوم ما قطع رأسه فليس بصورة وروي ذلك عن بن عباس وقالت به طائفة واحتج بعضهم بحديث بن المبارك عن يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة أنه حدثه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جبريل أتاني البارحة فلم يمنعه أن يدخل علي إلا أنه كان في البيت حجال وستر فيه تماثيل وكلب فأمر بالتمثال أن تقطع رأسه وبالستر أن يشق ويجعل منه وسادتان تؤطآن وبالكلب أن يخرج (1) قال أبو عمر ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يكره من الصور إلا ما له ظل مما له روح من تمثال النحاس والجواهر كلها والطين وكل ما إذا صور كان له ظل وذهب غيرهم من أهل العلم إلى أن المكروه من الصور ما كان له روح من كل حيوان من أي شيء صنع كان له ظل أو لم يكن وحجتهم في ذلك حديث بن شهاب عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم (2) وقد حدثني أحمد بن قاسم قال حدثني قاسم قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني هوذة بن خليفة قال حدثني عوف عن سعيد بن أبي الحسن سمع بن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صور صورة فإن الله معذبه يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ (3) قال أبو عمر لا أعلم أحدا كره صور الشجر إلا مجاهدا فإن بن أبي شيبة ذكر عن عبد السلام عن ليث عن مجاهد أنه كان يكره أن يصور الشجر المثمر ((4 - باب ما جاء في أكل الضب)) 1806 - مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن سليمان بن يسار أنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة بنت
488 الحارث فإذا ضباب فيها بيض ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد فقال من أين لكم هذا فقالت أهدته لي أختي هزيلة بنت الحارث فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد كلا فقالا أولا تأكل أنت يا رسول الله فقال إني تحضرني من الله حاضرة قالت ميمونة أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا فقال نعم فلما شرب قال من أين لكم هذا فقالت أهدته لي أختي هزيلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتك جاريتك التي كنت استأمرتيني في عتقها أعطيها أختك وصلي بها رحمك ترعى عليها فإنه خير لك قال أبو عمر قد ذكرنا اختلاف ألفاظ رواة الموطأ في ألفاظ هذا الحديث [في التمهيد ولم يختلفوا في إسناده وكلهم يرسله عن سليمان بن يسار وما في هذا الحديث من أكل الضب] فسيأتي في الحديثين اللذين بعد في هذا الباب إن شاء الله عز وجل وأما قوله عليه السلام فإنه تحضرني من الله حاضرة فهو عندي مفسر لما ذكره بن شهاب في حديثه المذكور بعد هذا قوله صلى الله عليه وسلم إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه وقد روي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قذر الضب ولم يأكله وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده في التمهيد وأصح ما يروى من المسند في معنى حديث هذا الباب ما حدثنا قاسم بن محمد قال حدثني خالد بن سعد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني إبراهيم بن مرزوق قال حدثني وهب بن جرير قال حدثني شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أهدت خالتي أم حفيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطا وسمنا وأضبا قال فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن ولم يأكل من الأضب وأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراما لم يؤكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال أبو عمر] وفي هذا الحديث دليل واضح على أن الصدقة على ذي الرحم القريبة أفضل من العتق لقوله صلى الله عليه وسلم أرأيت وكذلك يرويه جماعة من رواة الموطأ جاريتك التي استأمرتني في عتقها أعطيها أختك وصلي بها رحمك فإنه خير لك
489 وحدثني [سعيد] وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثنا يعلى قال حدثني محمد بن إسحاق عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة قالت كانت لي جارية فأعتقتها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فأخبرته بعتقها فقال آجرك الله أما أنك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك ورواه أسد بن موسى قال حدثني أبو معاوية محمد بن خازم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ميمونة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم خادما فأعطاها خادما فأعتقتها فقال ما فعلت الخادم قلت يا رسول الله أعتقتها فقال أما أنك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك قال أبو عمر فهذان [إسنادان عند] محمد بن إسحاق لهذا الحديث فإن لم يكن كذلك فرواية يعلى بن عبيد أولى بالصواب من رواية أبي معاوية لشهادة حديث مالك له بذلك ولأن أبا معاوية كثير الخطأ جدا فيما يرويه عن المدنيين وعن غير الأعمش قال وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني أحمد بن سعيد قال حدثني محمد بن إبراهيم الديلي قال حدثني عبد الحميد بن صبيح قال حدثني سفيان بن عيينة عن بن طاوس عن أبيه أن ميمونة أعتقت جارية لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفلا أعطيتيها أختك الأعرابية قال أبو عمر وهذه الأخت الأعرابية هي هذيلة أم حفيد المذكورة في حديث مالك والله أعلم وأخوات ميمونة لأبيها وأمها لبابة الكبرى ولبابة الصغرى وعصماء وغراء وهذيلة أم حفيد بنات الحارث بن حزن الهلالي وأمهن هند بنت عوف الكنانية وقيل الحميرية وأخواتهن لأمهن أسماء وسلمى وسلامة الخثعميات وهن تسع أخوات منهن ست لأب وأم وثلاث لأم 1807 - مالك عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد بن المغيرة أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت
490 ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه فقيل هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت أحرام هو يا رسول الله فقال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر قال أبو عمر الضب دويبة معروفة بأرض اليمن وأرض نجد ولم يكن بأرض الحجاز ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه وقد يحتمل قوله لم يكن مأكولا بأرض قومي فأكثر أهل الحجاز لا يأكلونه وقد نقل أهل الأخبار أن مدنيا سأل أعرابيا من اليمن فقال أتأكلون الضب قال نعم قال واليربوع قال نعم قال والقنفذ قال نعم قال والورل قال نعم قال أفتأكلون أم حبين قال لا قلت فليهني أم حبين العافية قال أبو عمر مما يدل على أن الضب يوجد في بعض دون بعض قول بعض العرب (بلاد يكون الخيم أظلال أهلها * إذا حضروا بالقيظ والضب نونها (1)) وقال بعض بني تميم (لكسرى كان أعقل من تميم * ليالي فر من أرض الضباب (2)) وأما خلق الضب فكما قال شاعرهم (له كف إنسان وخلق غطاءة * وكالقرد والخنزير في المسخ والعصب) وقد ذكرنا في التمهيد من شواهد هذا المعنى أكثر من هذا والحمد لله وذكرنا هناك اختلاف الناس في أكل الضب ومن كره أكله من العلماء بحديث حصين عن زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضبابا قال فشويت منها ضبا وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه بين يديه قال فأخذ عودا فعد به أصابعه ثم قال إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض ولا أدري أي الدواب هي قال فلم يأكل منه ولم ينه (3) [قال أبو عمر] قد ذكرت [هذا الحديث من طرق في التمهيد وذكرت
491 خلاف الأعمش لحصين في إسناده] وذكرت ما يعضده وما يخالفه مثل حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن القردة والخنازير أهي من الذين مسخوا قال إن الله تعالى لم يهلك قوما ولم يمسخ قوما فجعل لهم نسلا ولا عاقبة ولكنهم من شيء كان قبل ذلك رواه مسعر عن علقمة بن مرثد عن المغيرة اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه من طرق في التمهيد والمحنوذ المشوي في التنور وشبهه يقال حنيذ ومحنوذ كما يقال قتيل ومقتول قال الله تعالى ف * (جاء بعجل حنيذ) * [هود 69] أي مشوي 1808 - مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلا نادى رسول الله فقال يا رسول الله ما ترى في الضب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لست بآكله ولا بمحرمه قال أبو عمر الفقه في هذا الباب ما قاله بن عباس مما قد ذكرناه في هذا الباب وحدثنا أيضا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا كثير بن هشام قال حدثني جعفر بن برقان قال حدثني يزيد بن الأصم قال ذكر الضب عند بن عباس فقال بعض جلسائه أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يحله ولم يحرمه فقال بن عباس بئس ما تقولون إنما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلا ومحرما جاءت أم حفيد تزور أختها ميمونة بنت الحارث ومعها طعام فيه لحم ضب فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أغسق - يعني أظلم - فقرب إليه الطعام فكرهت ميمونة أن يأكل النبي صلى الله عليه وسلم من طعام لا يعلم ما هو فقالت يا رسول الله إن فيه لحم ضب فأمسك رسول الله وأمسكت ميمونة وأكل من كان عنده
492 قال بن عباس فلو كان حراما لنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكله ((5 - باب ما جاء في أمر الكلاب)) 1809 - مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير وهو رجل من أزد شنوءة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث ناسا معه عند باب المسجد فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط قال أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إي ورب هذا المسجد 1810 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتنى كلبا إلا كلبا ضاريا أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان [قال أبو عمر] وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث وفي لفظه في التمهيد وفي حديث بن عمر هذا وحديث سفيان بن أبي زهير إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والزرع والماشية دون ما عدا ذلك ويدخل عندي في معنى الصيد والزرع والماشية جواز اتخاذ الكلاب في البادية [جملة لأن الأغلب من أمرها الزرع والماشية والصيد تجد ذلك في البادية] والحاضرة والله أعلم وروي من حديث يونس عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اتخذ كلبا ليس كلب صيد ولا ماشية ولا حرث نقص من أجره كل يوم قيراط
493 قال أبو عمر الحرث يدخل فيه الكرم والزرع ولم يختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم " [الأنبياء 78] أنه كان كرما وفي معنى الزرع والكرم والغنم عندي منافع البادية كلها من الطارق وغيره والله أعلم وقد سئل هشام بن عروة عن اتخاذ الكلاب للدار فقال لا بأس به إذا كان موضع الدار مخوفا وأجاز مالك اقتناء الكلاب للزرع والصيد والماشية وكان بن عمر لا يجيز اتخاذ الكلب إلا للصيد والماشية خاصة ووقف عندما سمع ولم يبلغه ما روى أبو هريرة وسفيان بن أبي زهير وبن مغفل وغيرهم في ذلك وفي هذا الحديث دليل على أن اتخاذ الكلاب ليس بمحرم وإن كان ذلك الاتخاذ لغير الزرع والضرع والصيد لأن قوله من اتخذ كلبا - [أو اقتنى كلبا] لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا ولا اتخذه للصيد نقص من أجره كل يوم قيراط يدل على الإباحة لا على التحريم لأن المحرمات لا يقال فيها من فعل هذا نقص من عمله أو من أجره كذا بل ينهى عنه لئلا يواقع المطيع شيئا منها وإنما يدل ذلك اللفظ على الكراهة لا على التحريم والله أعلم وأما نقصان الأجر فإن ذلك - والله أعلم - لما يقع من التفريط في غسل الإناء من ولوغ الكلاب لمن له اتخاذها ومن التقصير عن القيام لما يجب عليه في ذلك من عدد الغسلات وقد يكون لما جاء في الحديث بأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب [وقد مضى القول في ذلك] وقد يكون في التقصير في الإحسان إلى الكلب لأنه قانع ناظر إلى يد متخذه ففي الإحسان إليه أجر كما قال صلى الله عليه وسلم في كل ذي كبد رطبة أجر (1) وفي الإساءة إليه بتضييقة وزر
494 وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض (1) هذا والهر يفترس ويطلب رزقه والكلب ليس كذلك وقد يكون لما قال الحسن وغيره روى حماد بن يزيد عن واصل مولى أبي عيينة قال سأل الحسن رجل فقال يا أبا سعيد أرأيت ما ذكر في الكلب أنه ينقص من أجر أهله كل يوم قيراط قال فذكر ذلك فقيل له مم ذلك يا أبا سعيد قال لترويعه المسلم وذكر بن سعد عن الأصمعي قال قال أبو جعفر المنصور لعمرو بن عبيد ما بلغك في الكلب قال بلغني أنه من اقتنى كلبا لغير زرع ولا حراسة نقص من أجره كل يوم قيراط قال ولم قال هكذا جاء الحديث قال خذها بحقها وإنما ذلك لأنه ينبح الضيف ويروع السائل 1811 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب قال أبو عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب يدل على أنها لا تؤكل لأن ما يجوز أكله لم يجز قتله إذا كان مقدورا عليه ولا يؤكل حتى يذبح أو ينحر وإن كان صيدا ممتنعا حل بالتسمية رميه وقتله كيف أمكن ما دام ممتنعا ألا ترى إلى ما جاء عن عمر وعثمان رضي الله عنهما - لما ظهر في المدينة اللعب بالحمام والمهارشة بين الكلاب أنهما كانا يأمران بقتل الكلاب وذبح الحمام ففرق بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل قال الحسن بن أبي الحسن سمعت عثمان يقول في خطبته اقتلوا الكلاب واذبحوا الحمام
495 وقد اختلفت الآثار في قتل الكلاب واختلف العلماء في ذلك أيضا فذهب جماعة من أهل العلم منهم عبد الله بن عمر ومالك بن أنس أن الأمر بقتل الكلاب كلها إلا ما ورد الحديث في إباحة اتخاذه منها للصيد والماشية قال مالك وللزرع أيضا ومن حجتهم حديث بن شهاب عن سالم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا صوته يأمر بقتل الكلاب وكانت الكلاب تقتل إلا كلب صيد أو ماشية وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب وأرسل في أقطار المدينة لتقتل وروى حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب حتى إن المرأة لتدخل بالكلب فما تخرج حتى يقتل (1) وروى شعبة عن أبي التياح عن مطرف بن عبد الله عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ورخص في كلب الزرع والصيد وجاء الأمر بقتلها عن أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن بن عمر دخل أرضا له فرأى كلبا فهم أن يقع بقيم أرضه فقال إنه كلب عابر دخل الآن قال فأخذ المسحاة وقال حرشوه علي فقتله وقال جماعة من أهل العلم الأمر بقتل الكلاب منسوخ إلا في الأسود البهيم فإنه يقتل ومن حجتهم ما حدثنا سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثني أبو شهاب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم (2) قال فدخل ما عدا الأسود البهيم في أن لا يقتل
496 وقال بعض من ذهب هذا المذهب الأسود البهيم من الكلاب أكثر أذى وأبعدها من تعلم ما ينفع ورووا أن الكلب البهيم الأسود شيطان أي بعيد من الخير والمنافع قريب من الضر والأذى وهذا شأن الشياطين من الإنس والجن وروي عن الحسن وإبراهيم أنهما كانا يكرهان صيد الكلب الأسود فقالت طائفة إنه يقطع الصلاة وقد ذكرنا الحديث بذلك في كتاب الصلاة وبينا أن ذلك منسوخ أيضا وروى إسماعيل المكي عن أبي رجاء العطاردي قال سمعت بن عباس يقول السود من الكلاب الجن والبقع الحن وأنشد بعضهم في الجن والحن قال الشاعر (إن تكتبوا الزمنى فإني لزمن * في ظاهري داء ودائي مستكن) (أبيت أهوى في شياطين ترن * مختلف نجارهم جن وحن) وقال صاحب العين الحن حي من الجن منهم الكلاب البهم يقال منه كلب جني قال أبو عمر وذهب كثير من العلماء إلى أن لا يقتل من الكلاب أسود ولا غير أسود إلا أن يكون عقورا مؤذيا وقالوا الأمر بقتل الكلاب منسوخ يقول صلى الله عليه وسلم [لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا (1) فدخل في نهيه ذلك الكلاب وغيرها وقال صلى الله عليه وسلم] خمس من الدواب يقتلن في الحل والحرم (2) فذكر منها الكلب العقور فخص العقور دون غيره
497 فقد قيل إن الكلب العقور ها هنا الأسد وما أشبهه من عقاره سباع الوحش واحتجوا بالحديث الصحيح في الكلب الذي كان يلهث عطشا فسقاه الرجل فشكر الله له ذلك وغفر له بذلك وقال في كل كبد رطبة أجر (1) [حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو خالد الأحمر عن هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها (2) قال أبو عمر] وليس هذه حال من يجب قتله لأن المأمور بقتله مأجور قاتله ومأجور المعين على قتله وإذا كان في الإحسان إلى الكلب أجر ففي الإساءة إليه وزر والإساءة إليه أعظم من قتله وليس في قوله صلى الله عليه وسلم الكلب الأسود البهيم شيطان ما يدل على قتله لأن شياطين الجن والإنس لم يؤمر بقتلهم وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانه (3) وقالوا إن قتل الكلاب منسوخ بسورة المائدة وقوله عز وجل * (وما علمتم من الجوارح مكلبين) * [المائدة 4] وليس هذا عندي بالبين لأن كلب الصيد لم يؤمر بقتله بل أبيح لنا بالنص اتخاذه وما أبيح لنا اتخاذه لم يجز قتله وقد أوضحنا هذا المعنى [في مواضع] من التمهيد والحمد لله كثيرا ((6 - باب ما جاء في أمر الغنم)) 1812 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء (4) في أهل الخيل والإبل
498 والفدادين (1) أهل الوبر (2) والسكينة في أهل الغنم قال أبو عمر أما قوله عليه السلام رأس الكفر نحو المشرق فمعناه أن كفر أهل المشرق - وهم ذلك الوقت فارس وما وراءهم من العجم وكلهم لا كتاب له ولا شريعة ومن كان كذلك فكفره أشد الكفر لأنه لا يقر بنبي ولا برسول ولا كتاب [له ولا شريعة] ولا يدين بدين يرضاه الله عز وجل وأما قوله والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر فإنه أراد الأعراب أهل الجفاء والتكبر وهم أهل الخيل والإبل وكلهم أو جلهم فداد متكبر على متجبر هذا معنى الفداد عند أهل العلم واللغة وإن كان أهل اللغة قد اختلفوا في العبارة في الفدادين واشتقاق الاسم فيهم على ما ذكرناه في التمهيد عنهم وأحسن ذلك ما قاله أبو عبيد قال الفداد ذو المال الكثير المختال ذو الخيلاء قال ومنه الحديث أن الأرض إذا دفن فيها الإنسان قالت له ربما مشيت على فدادا [قال أبو عمر الحديث في ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول بن آدم ما غرك بي لقد كنت تمشي حولي فدادا في حديث قد ذكرته بإسناده وتمامه في التمهيد وقال مالك الفدادون أهل الجبل من أهل الوبر وهم أهل الخيل والإبل] قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث قيس بن عاصم أنه قال أهل الإبل أهل الجفاء روى وهب بن منبه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من لزم البادية جفا (3) وقد ذكرته بإسناده وتمامه في التمهيد وفي كتاب جامع بيان العلم
499 وأما قوله عليه السلام والسكنية في أهل الغنم فالسكينة مأخوذة من السكون والوقار والله أعلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ثوب الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة (1) والسكينة اسم يمدح به ويذم بضده 1813 - مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال (2) ومواقع القطر (3) يفر بدينه من الفتن قال أبو عمر رواه بعض شيوخنا شعب الجبال فصحف وإنما هو شعف الجبال واحدتها شعفة وهي رؤوس الجبال وأعاليها وأما الفتن فكثيرة في الأهل [والمال وما يلقاه المؤمن ممن يحسره ويؤذيه حتى يفتنه عن دينه أو ممن يراه يفوقه في] المال والجاه والحال فتكون فتنة له وقد ذكرنا في التمهيد آثارا في معاني الفتن كثيرة وفي هذا الحديث دليل على تغيير الأزمنة وعلى فضل العزلة وقد ذكرت من فضل اعتزال الناس والبعد عن شرورهم وما ندب إليه وحض عليه من ذلك أهل العلم ما فيه كفاية في التمهيد والحمد لله ذكر عن عبد الله بن مسعود أنه مر به رجل يحبس طائرا فقال وددت أني حيث صيد هذا الطائر لا يكلمني أحد ولا أكلمه وقال عمر بن الخطاب اليأس غنى والطمع فقر حاضر وفي العزلة راحة من خلطاء السوء
500 وقال أبو الدرداء نعم صومعة الرجل [المسلم] بيته يكف فيه بصره ونفسه وإياكم والمجالس في الأسواق فإنها تلغي وتلهي وقال طلحة بن عبيد الله أقل لعيب الرجل لزومه بيته وقال حذيفة وددت أني وجدت من يقوم لي في مالي فدخلت في بيتي وأغلقت علي بابي فلم يدخل علي أحد ولم أخرج إلى أحد حتى ألقى الله عز وجل وقال بن لهيعة عن يسار بن عبد الرحمن قال لي بكير بن الأشج ما فعل خالك قلت لزم البيت منذ كذا وكذا فقال له إن رجالا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم وهذا الباب قد أشبعناه بالآثار المرفوعة عن الصحابة من سائر السلف في التمهيد والحمد لله ولقد أحسن منصور الفقيه حيث يقول (ليس هذا زمان قولك ما الحك * م على من يقول أنت حرام) (وألحقي بائنا بأهلك أو أن * ت عتيق محرر يا غلام) (ومتى تنكح المصابة في العد * دة عن شبهة وكيف الكلام) (في حرام أصاب سن غزال * فتولى وللغزال بغام) (إنما ذا زمان كد إلى الموت * وقوت مبلغ والسلام) 1814 - مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته (1) فتكسر خزانته فينتقل طعامه وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه قال أبو عمر هذا الحديث يقضي بأن اللبن يسمى طعاما وكل مطعوم في اللغة العربية فهو طعام واللبن طعام يغني عن الطعام والشراب وليس شيء سواه يغني في ذلك سواه
501 وقد مضى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ما تقدم من هذا الكتاب وهذا الحديث في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه (1) إلا أن العلماء اختلفوا فيما يأكله الإنسان من الثمار المعلقة في الأشجار للمسافر وسائر المارين من مال الصديق وغيره وأكثرهم يجيز أكل مال الصديق إذا كان تافها لا يتشاح في مثله وإن كان ذلك بغير إذنه ما لم [يكن] يجب فعله واللبن في الضرع يشبه الطعام المخزون تحت الأقفال فقد شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بذلك في قوله فتكسر خزانته وما أعلم بين أهل العلم خلافا أنه لا يجوز كسر قفل مسلم ولا ذمي لأخذ شيء من ماله بغير إذنه والله أعلم وليس الثمر المعلق عند أكثرهم كذلك والآثار كثيرة حسان مذكورة وردت في ذلك منها حديث الليث بن سعد عن بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق فقال من أصاب منه ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه (2) ومن حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من دخل حائطا فأكل منه فلا يتخذ خبنة (3) وروى قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها [فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثة فإن أجابه أحد] فليستأذنه وإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل (4) وهذه الآثار يحتمل أن تكون في من احتاج وجاع أو في مال الصديق إذا كان تافها لا يتشاح وذكر بن المبارك قال أخبرنا عاصم الأحول عن أبي زينب قال صحبت عبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك وأبا برزة في سفر فكانوا يصيبون من الثمر
502 وقال أبو داود الطيالسي عن يزيد بن إبراهيم التستري قال سمعت الحسن يقول يأكل ولا يفسد ولا يحمل وعن عمر بن الخطاب مثل ذلك في أموال أهل الذمة وغيرهم وأما مالك - رحمه الله - فذكر بن وهب عنه أنه سمعه يقول في الرجل يدخل الحائط فيجد الثمر ساقطا قال لا يأكل منه إلا أن يعلم أن صاحبه طيب النفس به أو يكون محتاجا إلى ذلك فأرجو أن لا يكون به بأس ولا يكون عليه شيء إن شاء الله تعالى قال وسمعت مالكا يقول في المسافر ينزل بالذمي أنه لا يأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه وعن طيب نفس منه فقيل لمالك أرأيت الضيافة التي جعلت عليهم ثلاثة أيام فقال كان يومئذ يخفف عنهم بذلك وذكر الحارث بن مسكين قال سمعت أشهب بن عبد العزيز يقول خرجنا مرابطين إلى الإسكندرية فمررنا بجنان الليث بن سعد فدخلنا فأكلنا من الثمر فلما أن رجعت دعتني نفسي إلى أن أستحل ذلك من الليث فدخلت إليه فقلت يا أبا الحارث إنا خرجنا مرابطين ومررنا بجنانك فأكلنا من الثمر وأحببنا أن تجعلنا في حل فقال الليث يا بن أخي لقد نسكت نسكا أعجميا أما سمعت الله عز وجل يقول * (أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) * [النور 61] فلا بأس أن يأكل الرجل من مال أخيه الشيء التافه الذي يسره بذلك وأكثر ذلك فيما كان ثمرا معلقا غير المدخرات ومن المدخرات ما لا يتشاح في مثله ويعلم أن صاحبه تطيب به نفسه حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثي محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني شعبة عن أبي بشر قال سمعت عباد بن شرحبيل رجل منا من بني غبر قال أصابتنا مجاعة فأتيت المدينة فدخلت حائطا من حيطانها فأخذت سنبلا ففركته وأكلت منه وحملت في ثوبي فجاءني صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما علمته إذ كان جاهلا ولا أطعمته إذا كان جائعا قال فرد علي الثوب وأمر لي بوسق أو نصف وسق قال أبو عمر يحتمل أن يكون ضربه له لأنه أخذ فوق ما سد جوعه وما حمل في غير بطنه
503 1815 - مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من نبي إلا قد رعى غنما قيل وأنت يا رسول الله قال وأنا قال أبو عمر هذا يدل على فضل الغنم وفضل اكتسابها ورعيها والقيام بها تبركا بأنبياء الله - عز وجل - صلوات الله عليهم وحسبك بما ذكره الله - عز وجل - في كتابه لموسى فقال عز وجل " وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمي " [طه 17 18] والهش تحريك ورق الشجر بالعود ليسقط إلى الغنم فتأكلها وهذا الحديث قد روي مسندا إلا أنه اختلف فيه على أبي سلمة بن عبد الرحمن على ما قد ذكرناه في التمهيد والحمد لله كثيرا حدثني يعيش بن سعيد قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن غالب قال حدثني بشر بن آدم قال حدثني إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بثمر الأراك فقال عليكم بأسوده فإني كنت أجتنيه إذ كنت أرعى الغنم قالوا يا رسول الله وكنت ترعى الغنم قال نعم وما من نبي إلا وقد رعى الغنم (1) وفي هذا الحديث إباحة الإخبار عن الماضين من الأنبياء في قياس ذلك والله أعلم - ذلك الإخبار عن الأمم الماضية والقرون السالفة وعلم أيام الناس ومن أول ما ذكر في هذا الباب ما قد ذكره مالك في هذا الكتاب في باب جامع الطعام والشراب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم عن أبي هريرة موقوفا ورواه الدراوردي بإسناد حسن أيضا عن محمد بن عجلان عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة أنه مر عليه وهو يرعى غنما له فقال له أبو هريرة إلى أين تريد قال أريد غنما لي قال امسح رغامها وأطب مراحها وصل في حاشية مراحها فإنها من دواب الجنة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك وللدراوردي بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المدينة ليست بأرض مطر
504 ((7 أ - باب البدء بالأكل قبل الصلاة)) 1816 - مالك عن نافع أن بن عمر كان يقرب إليه عشاؤه فيسمع قراءة الإمام وهو في بيته فلا يعجل عن طعامه حتى يقضي حاجته منه قال أبو عمر هذا الحديث كتاب الصلاة كان أولى به وفعل بن عمر هذا مأخوذ من السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء (1) وهذا - والله أعلم - لما يخشى على من كانت هذه حاله من شغل باله بالأكل ويدخل عليه في صلاته السهو وما يشغله عن الخشوع والذكر وفيه دليل على سعة وقت المغرب وإن كان المستحب تعجيلها حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا سويد بن نصر قال حدثني عبد الله بن المبارك عن معمر عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب العشاء ونودي بالصلاة فابدؤوا بالعشاء (2) أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا يحيى بن حبيب قال حدثني حماد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء (3) قال أبو عمر هذا الأمر على الندب لا على الإيجاب بدليل حديث الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين ثم قام فصلى ولم يتوضأ (4)
505 ((7 ب - باب ما جاء في الفأرة تقع في السمن)) 1817 - مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال انزعوها وما حولها فاطرحوه قال أبو عمر ليس في حديث مالك هذا في الفأرة أنها ماتت وهو محفوظ فيه ومعلوم عند الجميع وفي قوله ألقوها دليل على موتها قال أبو عمر اضطرب مالك في إسناد هذا الحديث في الموطأ وفي غيره فرواه عنه جماعة كثيرة [يطول ذكرهم] كما رواه يحيى بن يحيى صاحبنا عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورواه القعنبي وطائفة كثيرة أيضا عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا ميمونة ورواه بن بكير وأبو مصعب عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا بن عباس ولا ميمونة وقد ذكرنا في التمهيد كل من تابع يحيى على ما ذكرنا ومن تابع القعنبي على ما ذكرنا وسميناهم هنالك والحمد لله ورواه يحيى القطان وجويرية عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن بن عباس أن ميمونة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وهذا اضطراب شديد وقد اختلف في إسناده أيضا أصحاب بن شهاب علي بن شهاب وفي لفظه أيضا وعند معمر فيه عن بن شهاب إسنادان أحدهما عن الزهري عن عبيد الله
506 عن بن عباس والثاني عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد وزاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مائعا فلا تقربوه وقال فيه عبد الواحد بن زياد عن معمر بهذا الإسناد وإن كان مائعا - أو قال ذائبا - لم يؤكل ولكن انتفعوا به واستصبحوا وقد ذكرنا الأسانيد بكل ما ذكرنا في التمهيد وفي هذا الحديث [من الفقه] معان كثيرة وقد تقصيناها في التمهيد [منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم] حكم للسمن الجامد الملاصق للفأرة بحكم الفأرة الميتة بتحريم الله - عز وجل - الميتة على عباده فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلقاء الفأرة وإلقاء ما مسها واتصل بها من السمن الجامد وأجمع العلماء على أن [أكل] الفأرة الميتة وما باشرها [من السمن الجامد] حرام لا يحل أكل شيء من ذلك واختلفوا في السمن المائع الذائب والزيت المائع والخل والعسل والمري وسائر المائعات فقال جمهور العلماء وجماعة [أئمة] الفتيا بالأمصار لا يؤكل شيء من ذلك كله إذا مات فيه شيء من الحيوان الذي له دم سائل كالفأرة والعصفور والدجاجة والوزغة وسائر الحيوان المأكول بالذكاة وما يؤكل من الحيوان أصلا فهو بذلك عندهم أحرى وشذت طائفة عن الجماعة منهم داود فقالوا لا يؤكل الجامد المتصل بالفأرة من السمن ويؤكل غير ذلك [كله] من مائع وجامد إذا لم تظهر فيه النجاسة الواقعة فيه ولم تغير شيئا منه وحكموا هنا للمائعات حكم الماء ومن أهل البدع أيضا من أجاز أكل الجامد وغير الجامد [إذا وقعت فيه الفأرة] وردوا الحديث كردهم لسائر أخبار الآحاد العدول عصمنا الله برحمته من الخذلان ويلزم داود ومن قال بقوله أن لا يتعدى الفأرة كما لا يتعدى السمن وأظنه قاله أو [قاله] بعض أصحابه ويلزمهم أيضا أن لا يعتبروا إلقاءها في السمن الجامد
507 حتى تكون هي التي وقعت بنفسها فماتت لأن الحديث إنما ورد في فأرة وقع في سمن ليس فيه ألقيت وكفى بقول يؤول برد أصله إلى هذا فسادا وقبحا فهذا ما [كان] في أكل المائع إذا وقعت فيه الميتة والحيوان فمات واختلف الفقهاء في الزيت تموت فيه الفأرة أو تقع فيه ميتة هل يستصبح به [أو ينتفع منه في الأكل وغير الأكل أم لا فقال منهم قائلون لا يستصبح به] ولا يباع ولا ينتفع بشيء منه كما لا يؤكل وممن قال ذلك الحسن بن صالح وأحمد بن حنبل ومن حجة من قال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم وإن كان مائعا فلا تقربوه كذا قال فيه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله [اليهود] أو قاتل الله اليهود - حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها (1) يعيبهم بذلك واحتج أحمد أيضا بحديث عبد الله بن عكيم قال أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [قبل موته] بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (2) قال فحكم ما وقعت فيه الميتة حكم الميتة وقال آخرون يجوز الاستصباح بالزيت تقع فيه الميتة وينتفع به في الصابون وشبهه ولا يباع ولا يؤكل فإنه لا يجوز بيعه ولا أكله وممن قال ذلك مالك والشافعي وأصحابهما والثوري وروي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر إجازة الاستصباح به قال علي - رضي الله عنه استنفع به للسراج ولا تأكله وروى الثوري ومعمر عن أيوب السختياني عن نافع ورواه بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن
508 فأرة وقعت في أفراق زيت لآل عبد الله بن عمر فأمرهم بن عمر أن يستصبحوا به ويدهنوا به الأدم ومن حجة هؤلاء أيضا - إلى ما تقدم ذكره - قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر إن الذي حرم شربها حرم بيعها (1) وقال آخرون ينتفع بالزيت الذي تقع فيه الفأرة [والميتة كلها] بالبيع [وبكل شيء] ما عدا الأكل فإنه لا يؤكل قالوا وجائز أن يبيعه ويبين وكل ما جاز الانتفاع به جاز بيعه والبيع من الانتفاع وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد ويروى عن أبي موسى الأشعري قال لا تأكلوه وبيعوه لمن تبيعونه ولا تبيعوه من المسلمين قال أبو عمر قوله لا تبيعوه من المسلمين ليس بشيء وذكر بن وهب عن بن لهيعة وحيوة بن شريح عن خالد بن أبي عمران أنه قال سألت القاسم وسالما عن الزيت تموت فيه الفأرة هل يصلح أن يؤكل قالا لا قلت أفأبيعه قالا نعم ثم كلوا ثمنه وبينوا لمن يشتريه ما وقع فيه ومن حجتهما رواه عبد الواحد بن زياد عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفأرة تقع في السمن قال إن كان جامدا فألقوها [وما حولها] وإن كان مائعا فستصبحوا به وانتفعوا به قالوا والبيع من الانتفاع قال ويحتمل ما رواه عبد الرزاق في هذا الحديث قوله وإن كان مائعا فلا تقربوه أي للأكل قال أبو عمر هذا تعسف في التأويل وبعد من الصواب بل قوله وإن كان مائعا فاستصبحوا به وانتفعوا يريد أن ينتفع به في الاستصباح لا غيره ولو أراد غير الاستصباح لذكره على أن عبد الرزاق أثبت في معمر من عبد الواحد بن زياد وهو الحجة عليه وعلى مثله فيه
509 ومن حجة أبي حنيفة أيضا ومن قال بقوله في جواز البيع في الزيت المنجوس أن قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها (1) إنما خرج عليهم شحوم الميتة وشحوم الميتة نجسة الذات فلا يحل بيعها ولا أكلها ولا الانتفاع بشيء منها والزيت الذي تقع فيه الميتة إنما نجس بالجوار كالثوب الذي يصيبه الدم ولذلك رأى غسله من رآه من أهل العلم وذكروا حديث يزيد بن أبي حبيب عن عطاء عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بمكة يقول إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل له يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تدهن بها السفن والجلود ويستصبح بها الناس فقال هي حرام ثم قال قاتل الله اليهود لما حرم عليهم الشحم جملوه فباعوه وأكلوا ثمنه يحذر أمته أن يفعلوا مثل ذلك وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في التمهيد قالوا فعلى هذا خرج قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود في بيع الشحوم وأكل ثمنها وفي بيع الخمر وأكل ثمنها لأنها نجسة الذات مثل شحوم الميتة والدم وليس الزيت تقع فيه الميتة كذلك لأنه إنما نجس بالمجاورة وليس بنجس الذات فلذلك جاز بيعه إذا بين بعيبه وجاز أكل ثمنه لأنه مما ينتفع به للاستصباح وغيره ((8 - باب ما يتقى من الشؤم)) 1818 - مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن يعني الشؤم 1819 - مالك عن بن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر
510 عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في الدار والمرأة والفرس قال أبو عمر قطع في هذا الحديث بالشؤم لأنه قد يكون في هذه الثلاث ولم يقطع في ذلك بحديث أبي حازم وقد روى هذا الحديث معمر عن بن شهاب بإسناده وزاد فيه وقالت أم سلمة والسيف فلا أدري من قول بن شهاب ذلك عن أم سلمة أم من قول بن عمر عنها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعارض حديث بن عمر في الشؤم فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا طيرة [رواه بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم] لا طيرة وخيرها الفأل قيل يا رسول الله وما الفأل قال الكلمة الصالحة (1) وقد ذكرت إسناده في التمهيد وروى زهير بن معاوية عن عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طيرة والطيرة على من تطير وإن تكن في شيء ففي المرأة والدار والفرس (2) وذكرت هناك أيضا إسناد حديث حكيم بن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شؤم وقد يكون اليمن في الدار والفرس والمرأة وحديث قتادة عن أبي حسان أن عائشة أنكرت على أبي هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الطيرة في المرأة والدار والدابة فأقسمت أنه ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وإنما كان أهل الجاهلية يقرونه ثم قرأت (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتب من قبل أن نبرأها) [الحديد 22] قال أبو عمر أهل العلم لا يرون الإنكار علما ولا النفي شهادة ولا خبرا وقد مضى في معنى قوله عليه السلام لا عدوى ما هو زيادة في هذا الباب والله الموفق للصواب
511 1820 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة قال أبو عمر قوله ذميمة يعني مذمومة يقول دعوها وأنتم لها ذامون كارهون لما وقع في نفوسكم من شؤمها فهذا الحديث قد روي مسندا ومرسلا من حديث أنس والمسند رواه عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قد ذكرناه في التمهيد وروى معمر وبن عيينة عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي أن امرأة من الأنصار قالت يا رسول الله إنا سكنا دارا وعددنا كثير فهلكنا وكان لنا مال ونشب فافتقرنا وذات بيننا حسن فاختلفنا وساءت أخلاقنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة قال أبو عمر هذا عندي - والله أعلم - قول قاله صلى الله عليه وسلم لقوم علم منهم أن الطيرة والشؤم قد غلب عليهم وثبت في نفوسهم لأن إزاحة ما وقر في النفوس عسير ولذلك قال لهم دعوها ذميمة يريد إذا وقع بنفوسكم منها ما لا يكاد أن يزول منها وهذا عندي من معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنما الطيرة على من تطير أي على من اعتقدها وصحت في نفسه لزمته ولم تكن تخطئه ولقد أحسن القائل (ولست أبالي حين أغدو مسافرا * أصاح غراب أم تعرض ثعلب) والنشب المال قال أبو العتاهية (وليس الغنى نشب في يد * ولكن غنى النفس عين الغنى)) 1 (9 - باب ما يكره من الأسماء)) 1821 - مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله قال للقحة (1) تحلب من
512 يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال له الرجل مرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال حرب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمك فقال يعيش فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم احلب قال أبو عمر قد روي هذا الحديث مسندا حدثنا عبد الرحمن قال حدثني علي قال حدثني أحمد قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال حدثني بن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن يعيش الغفاري قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوما بناقة فقال من يحلبها فقام رجل فقال ما اسمك قال مره قال اقعد ثم قام آخر فقال ما اسمك قال حرب قال اقعد ثم قام رجل فقال ما اسمك فقال يعيش قال احلبها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معاوية أنه قال شر الأسماء حرب ومرة وقد ذكرناه في التمهيد قال أبو عمر هذا عندي - والله أعلم - من باب الفأل الحسن فإنه صلى الله عليه وسلم كان يطلبه ويعجبه وليس من باب الطيرة في شيء لأنه محال أن ينهى عن الطيرة ويأتها بل هو باب الفأل فإنه كان صلى الله عليه وسلم يتفاءل بالاسم الحسن وقد روى حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توجه لحاجة يحب أن يسمع يا نجيح يا راشد يا مبارك وقال بن عون عن بن سيرين كانوا يستحبون الفأل ويكرهون الطيرة قال بن عون ومثل ذلك أن يكون باغيا طالبا فتسمع يا واجد أو تكون مربضا فتسمع يا سالم حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى عن هشام وشعبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل قيل وما الفأل قال الكلمة الحسنة
513 وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني حسين بن حريث قال حدثني أوس بن عبد الله بن بريدة عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير ولكن كان يتفاءل فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني أسلم فلقي النبي صلى الله عليه وسلم ليلا فقال له نبي الله من أنت قال أنا بريدة قال فالتفت إلى أبي بكر وقال له يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن قلت من أسلم قال لأبي بكر سلمنا قال ثم ممن قال من بني سهم قال خرج سهمك قال أحمد بن زهير قال لنا أبو عمار حسين بن حريث سمعت أوسا يحدث بهذا الحديث بعد ذلك عن أخيه سهل بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن بريدة فأعدت عليه ثلاثا من حدثك قال سهل أخي 1822 - مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل ما اسمك فقال جمرة فقال بن من فقال بن شهاب قال ممن قال من الحرقة قال أين مسكنك قال بحرة النار قال بأيها قال بذات لظى قال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا قال فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أبو عمر لا أدري ما أقول في هذا [إلا أنه] قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون بعدي محدثون فإن يكن فعمر (2) وقال علي - رضي الله عنه ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر وقد وافق ظنه ورأيه نزول تحريم الخمر وكذلك آية فداء الأسرى وآية الحجاب ومقام إبراهيم وقد يوجد هذا في من دون عمر من الذكاء وحسن الظن حتى لا يكاد يخطئه ظنه
514 وفي الأشعار في مدح من هذه صفته كثير وقد ذكرنا أكثره في كتاب بهجة المجالس والحمد لله كثيرا وقوله في هذا الخبر عندي [شيء] اتفق له والله عز وجل أعلم في احتراق أهل المخبر وكأنه من نحو قوله صلى الله عليه وسلم البلاء موكل بالمنطق أخذه الشاعر فقال (إن البلاء موكل بالمنطق *) فصادف قوله قدرا سبق في علم الله - عز وجل ((10 - باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام)) 1823 - مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه هذا حديث لا خلاف في صحته وقد أفصح بأن أجرة الحجام تطيب له على علمه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعطي أحدا إلا ما يحل كسبه ويطيب أكله سواء كان عوضا [من علمه أو غير عوض ولا يجوز في أخلاقه وسنته وشريعته أن يعطي عوضا] على شيء من الباطل وقد قال صلى الله عليه وسلم من السنة قص الشارب (1) وقال صلى الله عليه وسلم احفوا الشارب وأعفوا اللحى] (2) وهذا كله يدل على أن كسب الحجام طيب لا بأس به وأن حديث أبي
515 جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الدم ليس من كسب الحجام في شيء وأنه لا وجه لكراهة أبي جحيفة لكسب الحجام من أجل ذلك وهو حديث ثابت عن أبي جحيفة رواه شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه اشترى غلاما حجاما فكسر محاجمه أو أمر بها فكسرت قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم قال أبو عمر نهيه عندنا عن ثمن الدم كنهيه عن الخمر والخنزير وثمن الميتة وثمن الكلب وليس من كسب الحجام في شيء بدليل حديث أنس المذكور وقد روى رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كسب الحجام خبيث وثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث (1) [وقد ذكرنا إسناده في التمهيد] وهو إسناد حسن إلا أنه لا يخلو من أن يكون على سبيل التنزه وذلك - والله أعلم - لما فيه من جهل العوض لأنها صناعه كانت عندهم دناءة حتى قالوا الناس كلهم أكفاء إلا حائك وحجام ولم يكن في العرب من يتخذها صناعة مكسب وإنما كان يفعل ذلك بعضهم لبعض كإماطة الأذى وأخذ القمل من الرؤوس ونحو ذلك أو يكون منسوخا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجرة على حجامته إياه وفقه هذا الباب ما قاله بن عباس رضي الله عنه روى ذلك خالد الحذاء عن عكرمة ومحمد بن سيرين عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره وفي حديث عكرمة قال بن عباس ولو علمه خبيثا لم يعطه وفي حديث بن سيرين قال بن عباس ولو كان به بأس لم يعطه وقد ذكرنا الأسانيد عن خالد بذلك كله في التمهيد 1824 - مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان دواء يبلغ الداء فإن الحجامة تبلغه
516 قال أبو عمر روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مخالفا للفظه من وجوه منها حديث أبي هريرة وحديث أنس وحديث سمرة بن جندب وحديث بن عباس فحديث أبي هريرة رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة تبلغه ورواه صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان شيء يقع من الداء فإن الحجامة تنفع من الداء فاحتجموا صبيحة سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين وحديث أنس رواه حميد وغيره عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمثل ما تداويتم به الحجامة (1) وحديث سمرة رواه عبد الملك بن عمير عن حصين بن أبي الحر عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير ما تداويتم به الحجامة وحديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفاء في ثلاث في شربة عسل أو شرطة محجم أو كية نار (2) وروي من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن يكن في شيء من أدويتكم هذه خير ففي شرطة محجم أو لدغة نار أو شربة عسل وما أحب أن أكتوي وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد وفي إباحة الحجامة والتداوي بها إباحة التداوي بكل ما يرجى نفعه مما يؤلم ومما لا يؤلم وحسبك بلدغة النار والكي وقد قطع عروة ساقه معالجة وتداويا وخوفا أن يسري الداء إلى أكثر مما سرى وقد ذكرنا في التمهيد آثارا كثيرة في فضل الحجامة - والحمد لله كثيرا 1825 - مالك عن بن شهاب عن بن محيصة الأنصاري أحد بني حارثة
517 أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجازة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال اعلفه نضاحك (1) يعني رقيقك وقال بن بكير ناضحك ورقيقك وقال بن القاسم النضاح الرقيق ويكون في الإبل وقال عبد الملك بن حبيب النضاح الذين يسقون النخيل واحده الناضح من الغلمان والإبل [وإنما يفترقون] في الكثير والكثير من ناضح الإبل نواضح ومن الغلمان نضاح وقال يحيى في هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن بن محيصة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا غلط فاحش وقال بن وهب ومطرف وبن بكير وبن نافع والقعنبي عن مالك عن بن شهاب عن بن محيصة عن أبيه وهو مع هذا كله مرسل وهو حرام بن سعد بن محيصة واتفق معمر وبن أبي ذئب وبن عيينة ويونس بن يزيد فقالوا فيه عن بن شهاب عن بن محيصة [عن أبيه كما قال أكثر الرواة عن مالك وقال فيه الليث عن بن محيصة] أن أباه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فأبى أن يأذن له فلم يزل به حتى قال أطعمه رقيقك واعلفه ناضحك وقال فيه بن عيينة عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن محيصة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقال فيه بن إسحاق عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه عن جدة محيصة أنه كان له غلام حجام يقال له أبو طيبة لم يسمه من أصحاب بن شهاب غير بن إسحاق وقد ذكرنا في التمهيد من غير طريق بن شهاب ما يعضد رواية بن إسحاق أن الغلام الحجام اسمه نافع أبو طيبة
518 وقال الخليل الناضح الجمل الذي يستقى عليه الماء قال أبو عمر إنما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة أكل إجارة غلامه الحجام لأنه يعمل في أكثر أمره بغير سوم - والله أعلم - فيعطى ما لا يرضى أو يطلب ما لا يرضى به الذي عمل له فيشبه الأجرة المعلومة هذا أو ما شاء الله مما هو أعلم به والذي عليه مدار هذا الباب ما قاله بن عباس قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثني هوذة بن خليفة قال حدثني عوف عن محمد أن بن عباس سئل عن كسب الحجام فقال قد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن بن عباس أنه سئل عن كسب الحجام وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه وقد ردنا هذا المعنى بيانا في التمهيد ((11 - باب ما جاء في المشرق)) 1826 - مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ويقول ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان (1) قال أبو عمر إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - إلى ناحية المشرق بالفتنة لأن الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين هي قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وهي كانت سبب وقعة الجمل وحروب صفين كانت في ناحية المشرق ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق [قال أبو عمر] روينا عن حذيفة (رضي الله عنه) أنه قال أول الفتن قتل عثمان وآخرها الدجال
519 ومعلوم أن أكثر البدع إنما ظهرت وابتدأت من المشرق وإن كان الذين اقتتلوا بالجمل وصفين منهم كثير من أهل الحجاز والشام فإن الفتنة وقعت في ناحية المشرق فكانت سببا إلى افتراق كلمة المسلمين ومذاهبهم وفساد نيات كثير منهم إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة والله أعلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ذلك لعلمه بوقوعه ويحزن له ولو ذكرنا الآثار والشواهد بما وصفنا لخرجنا بذلك عما إليه في هذا الكتاب قصدنا [وبالله التوفيق] 1827 - مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين فإن بها تسعة أعشار السحر وبها فسقة الجن وبها الداء العضال قال أبو عمر سئل مالك عن الداء العضال فقال الهلاك في الدين وأما السحر فمنسوب إلى أرض بابل وهي من العراق وتنسب أيضا إلى مصر وأما فسقة الجن فهذا لا يعرف إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له وذلك معدوم في هذه القصة ولأهل الكوفة والبصرة روايات رواها علماؤهم في فضائلها ذكر أبو بكر بن أبي شيبة [وغيره] كثيرا منها ولم تختط الكوفة ولا البصرة إلا برأي عمر (رضي الله عنه) ونزلها جماعة من كبار الصحابة وكان بها العلماء والعباد والفضلاء وأهل الأدب والفقهاء وأهل العلم وهذا أشهر وأغرب من أن يحتاج إلى استشهاد لأنه علم ظاهر وعلم فسقة الجن علم باطن وكل آية تعرف لناحيتها فضلا تنشره إذا سئلت عنه وتطلب العيب لمن عابها ومن طلب عيبا وجده والفاضل حيث كان فهو فاضل والمفضول الساقط حيث كان من البلدان لا تصلحه بلدة لأن الأرض لا تقدس صاحبها وإنما يقدس المرء عمله وإن من مدح بلدة وذم أخرى يحتاج إلى توقيف ممن يجب التسليم له على أنه لا مدح ولا ذم لبلدة إلا على الأغلب من أحوال أهلها وأما على العموم فلا
520 وقد عم البلاء والفتن اليوم في كل جهة من جهات الدنيا ((12 - باب ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك)) 1828 - مالك عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت قال أبو عمر روى هذا الحديث بن وهب عن مالك عن نافع عن بن عمر عن أبي لبابة والصحيح فيه ما رواه يحيى وأكثر الرواة لأن نافعا قد سمعه من أبي لبابة مع بن عمر كما سمع حديث الصرف مع بن عمر من أبي سعيد الخدري وقد أوضحنا ذلك من آثاره المتواترة في التمهيد منها ما حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع أنه أخبره أنه سمع أبا لبابة يحدث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الجنان قال أبو عمر إلى هنا انتهى حديث القطان لم يقل التي في البيوت وقاله جماعة عن عبد الله بن عمر مثل ذلك ورواه أيوب عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت كما قال مالك وغيره إلا أن مالكا قال الحيات وقد قال مالك الجنان في حديثه عن نافع عن سائبة وسيأتي بعد إن شاء الله والجنان الحيات قال الخليل الجنان الحية وقال نفطويه الجنان الحيات وأنشد للخطفى جد جرير واسمه حذيفة (يرفعن بالليل إذا ما أسدفا * أعناق جنان وهاما رجفا) (وعنقاء باقي الرسيم خيطفا
521 قال وبهذه الأبيات سمي الخطفا وقال غيره (تبدل حالا بعد حال عهدتها * تناوح جنان بهن وخيل (1)) قال بن أبي ليلى الجنان الذين لا يتعرضون للناس والخيل الذين يتخيلون للناس ويؤذونهم وروي عن بن عباس أنه قال الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل وقد روي هذا عن بن عمر أيضا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن بن عمر كان يقتل الحيات كلها ويقول إن الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل كما حدثه أبو لبابة البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت قال فوجد بن عمر بعد ذلك حية في داره فأمر بها فأخرجت إلى البقيع وروى بن وهب عن أسامة بن زيد الليثي عن نافع أن أبا أمامة مر بعبد الله بن عمر وهو عند الأطم الذي عند دار عمر بن الخطاب يرصد حية فقال أبو لبابة يا أبا عبد الرحمن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتل عوامر البيوت فانتهى عبد الله بن عمر عن ذلك ثم وجد ذلك حية في بيته فأمر بها فطرحت ببطحان قال نافع فرأيتها بعد ذلك في بيته قال بن وهب عوامر البيوت تتمثل بمثل حية دقيقة في المدينة بالبيوت وغيرها ففيها جاء النهي عن قتلها حتى تنذر وأما التي في الصحاري فلا تنذر وتقتل على كل حال 1829 - مالك عن نافع عن سائبة مولاة لعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء
522 هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن نافع عن سائبة مرسلا لم يذكر عائشة ورواه جماعة عن مالك كما رواه يحيى مرسلا وليس هذا الحديث عند القعنبي ولا بن بكير ولا بن وهب ولا بن القاسم لا مرسلا ولا غير مرسل إلا أن القعنبي وحده ذكر هذا اللفظ في حديث مالك عن نافع عن أبي لبابة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء ولم يتابع القعنبي أحد من رواة مالك على هذا اللفظ في حديث مالك عن نافع عن أبي لبابة وإنما هو لفظ حديث نافع عن سائبة وقد رواه جماعة من أصحاب نافع عن نافع عن سائبة عن عائشة مسندا قال حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن نمير قال حدثني عبيد الله بن عمر عن سائبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء فمن تركهن فليس منا ورواه الليث عن نافع عن سائبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويقتلان أولاد النساء في بطون أمهاتهم قلت لنافع ما ذو الطفيتين قال ذو الخطين في ظهره وقال النضر بن شميل الأبتر من الحيات صنف أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحيات ما سالمناهن مذ حاربناهن ومن تركهن خيفة فليس منا فقوله صلى الله عليه وسلم من تركهن فليس منا خارج على ما عدا ذوات البيوت فلا يقتل من ذوات البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين كما تقتل حيات الصحاري وعلى هذا يصح ترتيب الأحاديث وتهذيبها حدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن جعفر بن الورد ويعقوب بن المبارك أبو يوسف قالا حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف
523 قال حدثني سعيد بن أبي مريم قال حدثني محمد بن جعفر قال أخبرني محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما سلمناهن منذ عاديناهن ومن ترك منهن شيئا خيفة فليس منا قال يحيى بن أيوب سئل أحمد بن صالح عن تفسير ما سالمناهن منذ عاديناهن فقيل له متى كانت العداوة قال حين أخرج آدم من الجنة قال الله عز وجل * (اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو) * [طه 123] 1830 - مالك عن صيفي مولى بن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى قضى صلاته فسمعت تحريكا تحت سرير في بيته فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال أترى هذا البيت فقلت نعم قال إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فبينا هو به إذا أتاه الفتى إلى يستأذنه فقال يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهدا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة فانطلق الفتى إلى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين فأهوى إليها بالرمح ليطعنها وأدركته غيرة فقالت لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه ثم خرج بها فنصبه في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتا فما يدري أيهما كان أسرع موتا الفتى أم الحية فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان قال أبو عمر قد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث وفي ألفاظه وفي ولاء صيفي في التمهيد لأن مالكا يقول فيه مولى بن أفلح وأفلح هو مولى أبي أيوب الأنصاري وقال بن عجلان فيه عن صيفي مولى [الأنصار كذا قال فيه الليث وغيره عن بن عجلان
524 وقال فيه بن عيينة عن بن عجلان عن صيفي مولى] أبي السائب ولم يقم إسناده بن عيينة والقول عندي في ذلك ما قاله مالك والله أعلم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وقد روي هذا الحديث بغير هذا الإسناد رواه حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن غالب وزكريا بن يحيى الناقد قالا حدثنا خالد بن خداش قال حدثني حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن فتى من الأنصار كان حديث عهد بعرس وأنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فرجع من الطريق فإذا هو بامرأته قائمة بالحجرة فمد إليها الرمح فقالت ادخل فانظر ما في البيت فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فانتظمها برمحه وركز الرمح في الدار فانتفضت الحية وماتت ومات الرجل قال فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد نزل بالمدينة جن مسلمون أو قال إن لهذه البيوت عوامر - شك خالد - فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا فإن عاد فاقتلوه وقال زكريا بن يحيى في حديثه فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني بن مسرور قال حدثني أحمد بن أبي سليمان قال حدثني سحنون قال حدثني [بن وهب قال سمعت] مالكا يقول في الحية توجد في المسجد إنها تقتل ولا يتقدم إليها وأما ذوات البيوت فإنها يتقدم إليها [ثلاثا] ثم تقتل قال مالك قد سمعت ذلك قال أبو عمر قال بعض أهل العلم لا تؤذن الحيات ولا يناشدن ولا يحرج عليهن إلا بالمدينة خاصة لهذا الحديث وما كان مثله وممن قال ذلك عبد الله بن نافع وقال آخرون المدينة وغيرها سواء لأن إسلام الجن وأنه لا يحل قتل من أسلم من إنسي ولا جني وكما نزل من مسلمي الجن بالمدينة من تركها منهم كذلك ينزلون غير المدينة والله أعلم
525 قال مالك أحب إلي أن تنذر عوامر البيوت بالمدينة وغيرها ثلاثة أيام ولا ينذرن بالصحاري قال أبو عمر روينا عن عائشة من حديث بن أبي مليكه وغيره عنها أنها قتلت حية بالمدينة فأريت في المنام أن قائلا يقول لها لقد قتلت مسلما قالت لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لها ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك وكان يجيء ليسمع القرآن فأصبحت فازعة فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلت في سبيل الله أو في الرقاب وذكر سنيد قال حدثني محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن حية طافت بالبيت سبعا قال فجاء عبد الله بن عمرو بن العاص فقال أيها الجان إنك قد قضيت طوافك بالبيت ولا نأمن عليك بعض سفهائنا فاذهب قال فحفر الحصباء ببطنه ثم ذهب مصعدا في السماء قال فجعلنا ننظر إلى بريق بطنه وهو ذاهب في السماء روى عباد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن سعد بن أبي وقاص وقال بينا أنا بعبادان إذ جاءني رسول زوجتي فقال أجب فلانة فاستنكرت ذلك فدخلت فقلت مه فقالت إن هذه الحية - وأشارت إليها - كنت أراها في البادية إذا خلوت ثم مكثت لا أراها حتى رأيتها الآن وهي هي أعرفها بعينها قال فخطب سعد خطبة حمد الله وأثنى عليه ثم قال إنك قد آذيتيني وإني لأقسم بالله إن رأيتك بعد هذا لأقتلنك فخرجت الحية وانسابت من باب البيت ومن باب الدار فأرسل وراءها سعد إنسانا فقال انظر أين تذهب فتبعتها حتى جاءت المسجد وجاءت منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقيت عليه ثم صعدت إلى السماء حتى غابت وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الباب بالأسانيد في التمهيد من ذلك ما حدثني أحمد بن عمر قال حدثني عبد الله بن محمد [قال حدثني محمد بن] فطيس قال حدثني بحر بن نصر قال حدثني بن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجن على ثلاثة أثلاث فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء وثلث حيات وكلاب وثلث يحلون ويظعنون وهذا إسناد جيد رواته أئمة ثقات وهو خير من إسناد حديث أبي الدرداء وقد ذكرناه في التمهيد
526 قال أبو عمر ما يحل ويظعن الغول والسعلاة وهو ضرب من ضروب الجن وفرع منهم يتصور في القفار والطرق ليلا ونهارا فتفزع المسافر وتتلون ألوانا في صور شتى منها قبيحة ومنها حسنة قال الفضل بن زهير (فما تدوم على حال تكون بها * كما تغول في أثوابها الغول (1)) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان (2) وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه إذا تغولت الغيلان فأذنوا بالصلاة وقد ذكرت إسناده في التمهيد والحمد لله العلي المجيد ((13 - باب ما يؤمر به من الكلام في السفر)) 1831 - مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الغرز (3) وهو يريد السفر يقول باسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم ازو (4) لنا الأرض وهون علينا السفر اللهم أني أعوذ بك من وعثاء السفر (5) ومن كآبة المنقلب ومن سوء المنظر في المال والأهل قال أبو عمر الغرز لا يكون إلا في الرحال على الجمال [وهو] بمنزلة الركاب من السروج من جمل وغيره وأما قوله ازو لنا الأرض فمعناه اطو لنا الأرض وقرب لنا البعد وسهل لنا الوعر وأصل الانزواء الانضمام والانقباض
527 ووعثاء السفر شدته وصعوبته ومعنى كآبة المنقلب أي لا ينقلب الرجل في سفره ولا ينصرف من وجهته إلى أمر يكتئب منه ويحزن له وسوء المنظر ما يسوءك النظر إليه وأن تقف عليه في أهلك ومالك وهذا الحديث يستند من وجوه كثيرة من حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن سرجس وحديث البراء وحديث عبد الله بن عمر وغيرهم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن الورد قال حدثني أحمد بن حماد بن مسلم قال حدثني سعيد بن أبي مريم ويحيى بن عبد الله بن بكير قالا حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر قال اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة على الأهل اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال ومن الحور بعد الكون ومن دعوة المظلوم (1) وحدثني خلف قال حدثني بن الورد قال حدثني عبد الرحمن بن معاوية العتبي قال حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني حماد بن زيد عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء وزاد وسئل عاصم عن الحور بعد الكون فقال صار بعد ما كان قال أبو عمر يريد رجع عما كان عليه من الخير وحدثني أحمد بن فتح قال حدثني حمزة بن محمد ومحمد بن عبد الله النيسابوري قالا حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني زكريا بن يحيى قال حدثني جرير عن مطرف عن أبي إسحاق عن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى سفر قال اللهم بلاغا يبلغ خيرا ومغفرة ورضوانا بيدك الخير إنك على كل شيء قدير اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم هون علينا السفر واطو لنا الأرض اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب
528 وقد ذكرنا بالأسانيد عن الصحابة في هذا الحديث في التمهيد 1832 - مالك عن الثقة عنده عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نزل منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل هكذا قال يحيى عن مالك [عن الثقة عنده وقال القعنبي وبن بكير وبن القاسم عن مالك] أنه بلغه عن يعقوب والمعنى سواء إلا أن مالكا - رحمه الله - كان لا يروي إلا عن ثقة وقد روى هذا الحديث عن يعقوب بن الأشج جماعة منهم الحارث بن يعقوب وبن عجلان ويزيد بن أبي حبيب وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد على أنه قد اختلف فيه علي بن عجلان وليس في هذا الحديث معنى أكثر من ظاهره إلا أن كلمات الله غير مخلوقة [ولو كانت مخلوقة] ما استعيذ بها - والله أعلم وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال أدركت الناس منذ سبعين سنة وكان قد أدرك طائفة من الصحابة وكبار التابعين يقولون الله - عز وجل - الخالق وما سواه مخلوق إلا القرآن فإنه كلام الله منه خرج وإليه يعود ((14 - باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء)) 1833 - مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب 1834 - مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه كان
529 يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم قال أبو عمر كأن مالكا - رحمه الله - يجعل الحديث الثاني في هذا الباب تفسيرا للأول والمعنى أن الجماعة - وأقلها ثلاثة - لا يهم بهم الشيطان ويبعد عنهم - وإنما سمي الواحد شيطانا والاثنان شيطانان لأن الشيطان في أصل اللغة هو البعيد من الخير من قولهم نوى شطون أي بائنة بعيدة فالمسافر وحده يبعد عن خير الرفيق وعونه والأنس به وتمريضه ودفع وسوسة النفس بحديثه ولا يؤمن على المسافر وحده أن يضطر إلى المشي بالليل فتعرضه الشياطين المردة هازلين ومتلاعبين ومفزعين وقد بلغنا ذلك عن جماعة المسافرين إذا سافروا منفردين وكذلك الاثنان لأنه إذا مر أحدهما في حاجتهما بقي الآخر وحده فإن شردت دابته أو نفرت أو عرض له في نفسه أو حاله شيء لم يجد من يعينه ولا من يكفيه ولا من يخبر بما يطرقه فكأنه قد سافر وحده وإذا كانوا ثلاثة ارتفعت العلة المخوفة في الأغلب لأنه لا يخرج الواحد مرة في الحاجة ويبقى الاثنان ثم يخرج الآخر مرة أخرى ويبقى الاثنان يكون هذا دأبا في الأغلب في أمورهم وإن خرج الاثنان لم يطل مكث الواحد وحده هذا ونحوه والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك صلى الله عليه وسلم وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حرملة وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان يهم بالواحد وبالاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم فوصله وأسنده وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وقد روي عن عمر بن الخطاب من وجوه قد ذكرتها في التمهيد أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد (1) واختلف فيه على عبد الملك بن عمير اختلافا كثيرا قال أبو عمر أبعد ها هنا بمعنى بعيد - والله أعلم
530 وقد ذكرنا هناك حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا (1) وقد عرضت لعبد الله بن عمر قصة شنعاء في سفر سافره وحده فرأى رجلا خارجا من قبر يتأجج نارا في عنقه سلسلة يناديه يا عبد الله اسقني ماءا إذ خرج رجل بإثره من القبر فقال يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر ثم جبذه بالسلسلة فأدخله القبر ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر الرجل وحده وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده وتمامه في التمهيد 1835 - مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها هكذا رواه يحيى وجماعة الرواة عن مالك عن سعيد عن أبي هريرة ورواه بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وهذا الحديث قد صرح بأنه لا يجوز لامرأة أن تسافر المدة المذكورة فيه إلا مع ذي محرم منها [وأجمعت الأمة أنها تسافر مع زوجها حيث شاءت من قصير المسافة وطويلها وإن لم يكن محرم منها] وقد جاء في الحديث من أخبار الآحاد العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة إلا مع زوجها أو ذي محرم منها (2) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر [مع بعض أزواجه] واختلفت ألفاظ الأحاديث المسندة في هذا الباب
531 فرواه مالك وبن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه وكذلك رواه شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة [مسيرة يوم وليلة] ورواه بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم لم يقل يوما ولا غيره ولا قال في الإسناد عن أبيه ورواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف عليه فيه فمنهم من قال عنه لا تسافر امرأة بريدا إلا مع ذي محرم ومنهم من قال يوما ومنهم من قال يومين ومنهم من قال ثلاثة والألفاظ عنهم في هذا الحديث مضطربة جدا ورواه عبد الملك بن عمير عن قزعة مولى زياد عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذي محرم ورواه عبد الملك بن ميسرة عن قزعة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة فوق يومين إلا مع زوجها أو ذي محرم منها ورواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأة سفرا ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها وبعض أصحاب الأعمش يقول فيه بإسناده هذا فوق ثلاث ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله واختلف الفقهاء في المحرم من المرأة هل تكون من السبيل التي شرطها الله عز وجل في الحج بقوله * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * [آل عمران
532 فقال قوم المحرم من المرأة من السبيل فإذا لم يكن معها زوج أو ذو محرم فليست ممن استطاعت سبيلا لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها عن السفر إلا معه وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك وجوازه في كتاب الحج واختلف العلماء أيضا في المسافة التي يقصر فيها المسافر الصلاة فقال قوم بريدا وقال آخرون يوما وقال آخرون يوما وليلة وقالت طائفة يومين وقالت طائفة ثلاثة أيام على حسب ما روى كل واحد منهم في هذا الباب وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الصلاة فأغنى عن إعادتها ها هنا ومذهب الكوفيين أن الصلاة لا تقصر في المسافة أقل من ثلاثة أيام وحجتهم عن الثلاثة الأيام [مجتمع عليها] للمسافر في قصر الصلاة قالوا ولا يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سافر أقل من ثلاث فقصر الصلاة وإنما قصر الصلاة بذي الحليفة في توجهه إلى مكة والأصل في الصلاة التمام فالواجب إلا تقصر إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف وقد أجمعوا أن من سافر ثلاثة أيام فله أن يقصر وما أجمعوا عليه فهو اليقين الذي يجب أن يدان به وأما ألفاظ الأحاديث واختلافهما فذلك عندي - والله أعلم - لا يصح حمله إلا على أجوبة السائلين فأدى كل واحد منهم معنى ما أجيب به عن سؤاله كأنه سأل فقال يا رسول الله هل تسافر امرأة بريدا بغير محرم فقال لا فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسافر امرأة بريدا إلا مع ذي محرم وكذلك السائل عن مسيرة يوم وليلة وعن ثلاثة أيام فأدى كل واحد منهم معنى ما سمع مما أجيب به عما سأل عنه والذي جمع معاني آثار هذا الحديث - على اختلاف ألفاظه - أن تكون المرأة تمنع من كل سفر [يخشى عليها فيه] الفتنة إلا مع ذي محرم [أو زوج] قصيرا كان السفر أو طويلا والله أعلم
533 ((15 - باب ما يؤمر به من العمل في السفر)) 1836 - مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن خالد بن معدان يرفعه إن الله تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم (1) فأنزلوها منازلها فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها بنقيها وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار وإياكم والتعريس (2) على الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الحيات قال أبو عمر هذا الحديث منقطع في الموطأ عند جميع الرواة وقد روي مسندا من طرق في التمهيد ونذكر ها هنا بعضها إن شاء الله تعالى وأما قوله إن الله رفيق يحب الرفق فقد روي من حديث الحسن عن عبد الله بن مغفل ومن حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف (3) وقد ذكرت الأسانيد للحديثين بذلك في التمهيد وذكرت حديث مالك عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله - عز وجل - رفيق يحب الرفق في الأمر كله (4) وهذا عموم يدخل فيه الرفق بالدواب في الأسفار وغيرها وخص المسافر في هذا الحديث بالذكر فأمر أن يمشي مهلا رويدا ويكثر
534 النزول إذا كانت الأرض مخصة لترعى دابته الكلأ وتنال من الحشيش والماء وهذا إنما هو في الأسفار البعيدة ما لم تضم الضرورة إلا أن يجد في السفر فإذا كانت جدبة وكان عام السنة فالسنة للمسافر أن يسرع في السفر ويسعى في الخروج عن بلاد الجدب وبدابته رمق رمق يقيه من النقي والنقي الشحم والقوة حتى يحصل في بلد الخصب وأما قوله فإن الأرض تطوى بالليل فمعناه - والله أعلم - أن الدابة إذا استراحت نهارا كان مشيها بالليل ضعف مشيها بالنهار ولهذا المعنى ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدلجة والله أعلم وروى الليث بن سعد عن عقيل عن بن شهاب عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل (1) ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم [لبعض أصحابه] اللهم اطو له البعد وهون عليه السفر رواه أسامة بن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل ليودعه فكان من دعائه اللهم اطو له البعد وهون عليه السفر (2) وأما اتصال معنى الحديث المرسل لمالك عن بن عبيد عن خالد بن معدان في هذا الباب فمحفوظ من حديث بن عباس وحديث أبي هريرة حدثني عبد الله بن محمد [أخبرنا خلف بن سعيد حدثني أحمد بن خالد] حدثني علي بن عبد العزيز حدثني محمد بن أبي نعيم الواسطي حدثني هشيم حدثني عبد الله بن جعفر بن نجيح المدني عن أبي الحويرث عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كانت الأرض مخصبة فاقصدوا في السير وأعطوا الركاب حقها فإن الله رفيق يحب الرفق وإذا كانت الأرض مجدبة فانجوا عنها وعليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل وإياكم والتعريس على ظهر الطريق فإنه مأوى الحيات ومدرجة السباع وحدثني عبد الوارث بن سفيان حدثني قاسم بن أصبغ حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني خالد بن عبد الله قال حدثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافرتم في
535 الخصب فأعطوا الإبل حقها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير وإن أعرستم فاجتنبوا الطريق فإنه مأوى الهوام بالليل (1) 1837 - مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته (2) من وجهه فليعجل إلى أهله قال أبو عمر يقولون إن مالكا انفرد بهذا الحديث لم يروه عن سمي غيره ولا رواه عن أبي صالح غير سمي وقد وجدته لسهيل عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة ولابن سمعان عن زيد بن أسلم عن جمهان عن أبي هريرة وروى عبيد الله بن المنتاب عن سليمان بن إسحاق الطلحي عن هارون الفروي عن عبد الملك بن الماجشون قال قال مالك ما لأهل العراق يسألوني عن حديث السفر قطعة من العذاب فقيل له إنه لم يروه أحد غيرك فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت به قال أبو عمر قد روي عن مالك في هذا الحديث إسنادان غير إسناد الموطأ وكلاهما خطأ أحدهما رواه أبو عاصم رواد بن الجراح عن مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة والآخر رواه عتيق بن يعقوب عن مالك عن أبي النضر عن أبي صالح عن أبي هريرة [ولا يصح عن مالك عن سمي إلا إسناده على ما في موطئه وقد رواه خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر الوركاني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
536 وليس بمعروف لمالك عن سهيل وإنما هو له عن سمي وقد رواه الدراوردي عن سهيل حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي حدثني أبي حدثني عثمان بن عبد الرحمن حدثني إبراهيم بن قاسم حدثني أبو المصعب أحمد بن أبي بكر الزهري حدثني عبد العزيز الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب فإذا فرغ أحدكم من مخرجه أو من سفره فليعجل في الكرة إلى أهله وإذا عرستم فتجنبوا الطريق فإنه مأوى الهوام والدواب قال أبو عمر حديث مالك عن سمي صحيح وحديث الدراوردي عن سهيل أيضا صحيح وليس سمي بأروى عن أبي صالح من ابنه سهيل عنه وإن كان سمي أحفظ وأقل خطأ من سهيل وقد روي عن مالك أيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم سافروا تصحوا حدثنا خلف بن قاسم حدثني أبو محمد أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس [العسقلاني واسم أبي إياس] ناجية بن حمزة قال حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا الحسن بن إسماعيل حدثنا أبو جعفر أحمد بن إسماعيل بن القاسم الحافظ وأبو الحسن علي بن أحمد بن إسحاق المعدل والفضل بن عبيد الله الهاشمي قال حدثني محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني قال حدثني أبو علقمة الفروي وهو عبد الله بن عيسى المدني الأصم قال حدثني مطرف بن عبد الله عن مالك بن أنس عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سافروا تصحوا وتغنموا قال أبو عمر هذا أيضا من حديث أبي حازم عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سافروا تصحوا وترزقوا وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سافروا تصحوا واغزوا تستغنموا (1) وقد ذكرنا الأسانيد في ذلك كله في التمهيد وليس حديث سمي عندي [بمعارض] لهذا بل ذلك العذاب وهو التعب والمشقة كالدواء المر الشنيع المعقب للصحة ولذلك قيل السفر مصحة والله أعلم
537 ((16 - باب الأمر بالرفق بالمملوك)) 1838 - مالك أنه بلغه أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق قال أبو عمر ليس هذا الحديث متصلا ويسند عن أبي هريرة [من طرق محفوظة] من رواية مالك وغيره ورواية مالك ذكرها أبو داود قال حدثني أحمد بن حفص بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم [بن طهمان عن مالك بن أنس عن بن عجلان] عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمملوك طعامه وكسوته [بالمعروف] ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق [قال أبو داود] هكذا رواه مالك عن بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة وخالفوه فرووه عن بن عجلان عن بكير بن الأشج عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة قال أبو عمر هو كما قال أبو داود وممن خالف مالكا في ذلك وهيب بن خالد وسفيان بن عيينة وسليمان بن بلال والليث بن سعد وسعيد بن أبي أيوب وعبد العزيز الدراوردي وقد ذكرنا أحاديثهم بالأسانيد عنهم في التمهيد كلهم يرويه عن محمد بن عجلان عن بكير بن الأشج عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ولم يقل أحد في هذا الحديث بالمعروف إلا مالك وحده حدثني أحمد بن فتح قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني عبد الله بن علي النيسابوري قال حدثني أحمد بن حفص بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس عن بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق قال أبو عمر قد جعل قوم من أهل العلم في هذا الحديث بالمعروف معارضا
538 لقوله صلى الله عليه وسلم أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون (1) وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ذر الغفاري ومن حديث عبادة بن الصامت ومن حديث بن عباس وقد ذكرناها في التمهيد قالوا فقوله صلى الله عليه وسلم بالمعروف في حديث مالك يعارض رواية من روى عنهم أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون لأن المعروف أن العبد لا يساوي سيده في مطعم ولا ملبس وحسبه أن يكسوه ويطعمه مما يعرف لمثله من المطعم والملبس وعلى هذا مذهب جماعة الفقهاء والحجة لهم ما حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني عمر بن محمد الجمحي بمكة قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثنا القعنبي قال حدثني داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صنع لأحدكم خادمه طعاما وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه فليأكل فإن كان الطعام قليلا فليضع منه في يده أكلة أو أكلتين قال داود يعني لقمة أو لقمتين قال أبو عمر هذا يدل على أن قوله صلى الله عليه وسلم أطعموهم مما تأكلون على الندب لا على الوجوب فمن فعل ذلك فقد أحسن وحمد له ذلك من فعله لأنه إذا لم يناوله من الطعام الذي صنع له وولى حره ودخانه إلا لقمة أو لقمتين فلم يساوه معه في الطعام وكذلك الملبس ومما يدل على أن نفقة المماليك واجبة على ساداتهم ما حدثني أحمد بن فتح قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن خالد قال حدثني علي بن عبد العزيز وحدثناه عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أسيد قال حدثني بن جامع قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني أبو النعمان عارم بن الفضل قال حدثني حماد بن زيد قال حدثني عاصم بن بهدله عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الصدقة ما أبقى غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول
539 ثم أتبع الحديث بقول امرأتك أنفق علي أو طلقني ويقول مملوكك أنفق علي أو بعني ويقول ولدك أنفق علي إلى من تكلني قال أبو عمر هذا بين في نفقات الزوجات والمماليك والبنين الصغار والبنات ولا خلاف بين العلماء في وجوب النفقات جملة على ما ذكرنا وتلخيص ما يجب في ذلك على الغني من النفقة والفقير مذكور في الباب التالي والحمد لله 1839 - مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان يذهب إلى العوالي (1) كل يوم سبت فإذا وجد عبدا في عمل لا يطيقه وضع عنه منه قال أبو عمر هذا هو الواجب على كل من استرعاه الله رعية أن يأمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر ومن المنكر الذي يلزم السلطان [تغييره] أن يكلف العبد من العمل ما لا يطيق روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من استرعاه الله رعية فلم يحطها بالنصيحة لم يرح رائحة الجنة (2) ولم يفعل عمر من ذلك إلا ما امتثل فيه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق وكذلك عمر كان يفعل بالدواب إذا رأى عليها ما يشق بها من الحمولة أمر بالتخفيف عنها ومن هذا الباب أيضا السفن الجارية في البحر واجب على السلطان أن يتفقد أمرها فإن حملت ما لا يطيق معه القيام بحمله عند الهول ويضعف عنه أمر ربها في التخفيف من شحنتها حتى تستقبل ويطيب جريها ويكون مع ذلك السلامة في الأغلب من حالها وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتسع جدا ومن طلب العلم لله فهمه الله تعالى
540 1840 - مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان وهو يخطب وهو يقول لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها (1) ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنه إذا لم يجد سرق وعفوا إذ أعفكم الله وعليكم من المطاعم بما طاب منها قال أبو عمر هذا كلام صحيح واضح المعنى موافق للسنة والقول في شرحه تكلف والله الموفق ((17 - باب ما جاء في المملوك وهيئته)) 1841 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين قال أبو عمر هذا يدل على أن من كان عليه فرضان فقال بهما وأداهما كان أفضل ممن كان عليه واحد وأداه وكذلك سائر ما زاد من الفرائض والله أعلم - وهذا يدخل فيه الزكاة والحج وبر الوالدين وغير ذلك [مما يطول ذكره] وفيه دليل أيضا على فضل الصبر على مضض الرق وذلته والقيام به مع ذلك بحق السيد ولهذا وما كان مثله كان العتق للرقاب من أفضل العمل وأوجبها لجسيم الثواب 1842 - مالك أنه بلغه أن أمة كانت لعبد الله بن عمر بن الخطاب رآها عمر بن الخطاب وقد تهيأت بهيئة الحرائر فدخل على ابنته حفصة فقال ألم أر جارية أخيك تجوس الناس (2) وقد تهيأت بهيئة الحرائر وأنكر ذلك عمر قال أبو عمر قد روي عن عمر أنه ضرب أمة بالدرة رآها تهيأت بهيئة الحرائر ونهى عن ذلك
541 والعلماء مجمعون على أن الله - عز وجل - لم يرد بما أمر به النساء من الاحتجاب وأن يدنين عليهن من جلابيبهن الإماء وإنما أراد بذلك الحرائر وأجمعوا أن الأمة ليس منها عورة إلا ما من الرجل إلا أن منهم من كره عرضها للبيع أن يرى منها فخذا أو بطنا أو صدرا وكره أن ينكشف شيء من ذلك منها في صلاتها ومنهم من لم يكره النظر إليها إلا ما يكره من الرجل وهو القبل والدبر وأجاز النظر إلى ما سوى ذلك منها عند ابتياعها وقال هي سلعة من السلع لا حرمة لها وإنما كره عمر للإماء - والله أعلم - أن يتهيأن بهيئة الحرائر لئلا يظن أنهن حرائر فيضاف إليهن التبرج والمشي وينسب ذلك منهن إلى ما وقع الظن عليهن فيأثم بذلك الظان ومعلوم أن الإماء ينصرفن في خدمة ساداتهن فيكثر خروجهن لذلك وتطوافهن وقوله تجوس الناس معناه تجول في أزقة المدينة مقبلة ومدبرة وهذا من قول الله عز وجل " فجاسوا خلل الديار " [الإسراء
542 ((55 كتاب البيعة)) ((1 - باب ما جاء في البيعة)) 1843 - مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر قال كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما استطعتم 1844 - وفي هذا الباب أيضا مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كان كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما استطعت قال أبو عمر أما قوله صلى الله عليه وسلم فيما استطعتم وقوله بن عمر - (رضي الله عنهما) عن نفسه في بيعته لعبد الملك فيما استطعت وذلك كله مقيد بقول الله - عز وجل - * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * [البقرة 268] وقوله تعالى * (فاتقوا الله ما استطعتم) * [التغابن 16] وأصل البيعة حديث عبادة حدثني سعيد بن نصر وأحمد بن محمد قالا حدثنا وهب بن مسرة وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة
543 قال حدثني عبد الله بن إدريس عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكرة وعلى أثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول الحق أينما كنا وعلى أن لا نخاف في الله لومة لائم (1) قال أبو عمر فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أشار إليها عبد الله بن عمر في كتابه إلى عبد الملك بن مروان في قوله وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله ورسوله فيما استطعت وعلى هذا كانت بيعة الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا كثيرا من معاني البيعة عند ذكرنا حديث عبادة هذا في كتاب الجهاد من هذا الكتاب لرواية مالك له هناك عن يحيى بن سعيد وذكرنا أكثر من ذلك في كتاب التمهيد في باب عبد الله بن دينار وباب محمد بن المنكدر ذكر سنيد قال حدثني مبشر الحلبي عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن أبي المعيقيب قال شهدت أبا بكر الصديق يبايع الناس بعد نبي الله صلى الله عليه وسلم فتجتمع عنده العصابة فيقول لهم أتبايعون على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير فيقولون نعم قال فتعلمت شرطه هذا وأنا كالمحتلم أو فوقه فلما خلا من عنده أتيته فابتدأته فقلت أبايعك على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير فصعد في البصر ورأيته أعجبه قال حدثني معتمر بن سليمان عن عاصم الأحول عن عمر أو عمرو بن عطية قال أتيت عمر بن الخطاب وأنا غلام فبايعته على كتاب الله وعلى سنة رسوله هي لنا وهي علينا فضحك وبايعني وروى أبو داود الطيالسي وغيره عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس قال قدمت على عمر بعد هلاك أبي بكر فقلت ارفع يدك أبايعك على ما بايعت عليه صاحبيك من قبل أعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فبايعته على السمع والطاعة فيما استطعت
544 وذكر بن أبي شيبة قال حدثني عباد بن العوام عن أشعث بن سوار عن أبيه قال سمعت موسى بن طلحة قال بعث في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأنا في الأسارى فانطلقت فدخلت فسلمت فقال أتبايع وتدخل فيما دخل فيه الناس قلت نعم فقال هكذا وقد يده فبسطها فبايعته ثم قال ارجع إلى أهلك ومالك فلما رآني الناس قد خرجت جعلوا يدخلون فيبايعون قال أبو عمر كان هذا يوم الجمل بعد الوقعة والمبايعون يومئذ كانوا أصحاب عائشة والزبير وطلحة وأما مد اليد والمصافحة في البيعة فذلك من السنة المسنونة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون بعده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء وفي هذا الباب 1845 - مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة بايعنه على الإسلام فقلن يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما استطعتن وأطقتن قالت فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة قال أبو عمر قوله في هذا الباب هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أصافح النساء دليل على أن من شرط البيعة للرجال المصافحة وقد تقدم هذا في بيعة أبي بكر وعمر وسائر الخلفاء وقد ذكرنا الوجوه التي كانت عليها البيعة في صدر الإسلام في صدر كتاب الجامع من كتابنا هذا مستوعبة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه مرة على بيعة النساء وبايعهم على الحرب مرارا منها بيعة الرضوان والبيعة التي كانت بمكة قبل الهجرة
545 وقد بينا ذلك كله فيما سلف من كتابنا هذا والحمد لله كثيرا وقال بن جريج وغيره في قوله عز وجل " ولا يأتين ببهتن يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف " [الممتحنة 12] كانت المرأة في الجاهلية تلد الجارية فتأخذ الغلام مكانها وتقول لزوجها هو ولدك وأما قوله في حديث بن المنكدر هذا في بيعة النساء ولا نعصيك في معروف فقيل المعروف كل ما أمرهم به صلى الله عليه وسلم فإنه لا يأمر أبدا إلا بالمعروف ولا ينهاهم إلا عن المنكر قال الله عز وجل " يأمرهم بالمعروف وينههم عن المنكر ويحل لهم الطيبات " [الأعراف 157] وقيل المعروف ها هنا حرج النساء على ألا ينحن على موتاهن روي ذلك عن أم سلمة ومن رواية من يرفعه وروي مثله عن أم عطية قالت أخذ علينا في البيعة ألا ننوح وقال بن عباس اشترط عليهن ألا ينحن نياحة الجاهلية ولا يخلون بالرجال في البيوت وقال الحسن كان في ما أخذ عليهن ألا يتحدثن مع الرجال إلا أن يكون محرما فإن الرجل قد تلاطفه المرأة بالكلام فيمني في فخذه وقال عبد الله بن بسر ترون يدي هذه صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بايعته وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر أنهما بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين فلما رآهما بسط يده وتبسم وبايعهما وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث وما كان مثلها في معنى الباب في التمهيد والحمد لله كثيرا وقد روى بن وهب وإبراهيم بن طهمان وسعيد بن داود كلهم عن مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة في بيعة النساء قالت ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم [بيده يد امرأة قط] إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته قال اذهبي فقد بايعتك وروى حجاج عن بن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بهذه الآية " يا أيها النبي إذا
546 جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا) [الممتحنة 12] ولا [قالت عائشة فمن أقر من المؤمنات بهذا فقد أقر بالمحنة وإذا أقررن بذلك قال لهن انطلقن فقد بايعتكن] قالت عائشة لا والله ما مست امرأة قط يده غير أنه يبايعهن بالكلام قال أبو عمر هذا يرد ما روي عن إبراهيم وقيس بن أبي حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصافح النساء إلا وعلى يده ثوب
547 ((56 كتاب الكلام)) ((باب ما يكره من الكلام)) 1846 - مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهم قال أبو عمر قد أوضحنا معنى هذا الحديث بالآثار وما يوجبه النظر على الأصول المجتمع عليها في التمهيد وطال فيه القول هناك واختصار ذلك من الآثار ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن محمد البرتي القاضي ببغداد قال حدثني أبو معمر عبد الله بن عمرو قال حدثني عبد الوارث بن سعيد عن الحسين المعلم عن بن بريدة قال حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي أخبره عن أبي ذر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو بالكفر إلا ردت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك وحدثني أحمد بن قاسم [بن عيسى] قال حدثني عبيد الله بن محمد قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال حدثني بن الجعد قال حدثني شعبة عن عبد الله بن دينار قال سمعت بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الرجل لأخيه يا كافر [أو أنت كافر] فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت إلى الأول قال أبو عمر باء بها أي احتمل وزرها ومعناه أن الكافر إذا قيل له يا كافر فهو حامل وزر كفره ولا حرج على قائل ذلك له وكذلك القول للفاسق يا فاسق
548 وإذا قيل للمؤمن يا كافر فقد باء قائل ذلك بوزر الكلمة واحتمل إثما مبينا [وبهتانا عظيما] إلا أنه لا يكفر بذلك لأن الكفر لا يكون إلا بترك ما يكون به الإيمان وفائدة هذا الحديث النهي عن تكفير المؤمن وتفسيقه قال الله عز وجل " ولا تنابزوا بالألقب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمن " [الحجرات 11] فقال جماعة من المفسرين في هذه الآية هو قول الرجل لأخيه يا كافر يا فاسق وممن قال بذلك عكرمة والحسن وقتادة وهو معنى قول مجاهد لأنه قال هو الرجل يدعى بالكفر وهو مسلم وقد فسر بن حبيب هذا الباب عن مطرف عن مالك تفسيرا حسنا لا تدفعه الأصول قال إنما هو في من قاله على اعتقاد التكفير بالنية والبصيرة وهم الخوارج لا أراه أراد بذلك إلا الخوارج الذين يكفرون أهل الإيمان بالذنوب ومن ذهب مذهبهم ورأى رأيهم فأما من قاله على وجه استعظام ما يرتكب الرجل من المعصية وما يظهره من الفواحش والتشديد بذلك النهي والزجر والترجع فليس من معنى الحديث في شيء 1847 - مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم قال أبو عمر هذا الحديث معناه لا أعلم خلافا فيه بين أهل العلم أن الرجل يقول ذلك القول احتقارا للناس وازدراء بهم وإعجابا بنفسه وأما إذا قال ذلك تأسفا وتحزنا وخوفا عليهم لقبح ما يرى من أعمالهم فليس ممن عني بهذا الحديث والله أعلم قال أبو الدرداء إن تفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس كلهم في ذات الله - عز وجل - ثم يعود إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا قال ضمرة بن ربيعة عن صدقة بن يزيد عن صالح بن خالد قال إذا أردت أن تعمل من الخير شيئا فأنزل الناس منزلة البقر إلا أنك لا تحقرهم
549 قال أبو عمر يقول أنزلهم منزلة من لا يميز ولا يحصل ولا تحتقرهم وقال مسلم بن يسار إذا لبست ثوبا فظننت أنك فيه أفضل منك في غيره بئس الثوب هو لك قال مسلم وكفى بالمسلم من الشر أن يرى أنه أفضل من أخيه 1848 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقل أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر هكذا رواه جمهور الرواة عن مالك يا خيبة الدهر ورواه سعيد بن هشام الصوفي عن مالك بإسناده فقال فيه لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر وفي بعض النسخ عن عبيد الله بن يحيى عن أبيه في هذا الحديث لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الدهر هو الله والجماعة يروون فإن الله هو الدهر قال أبو عمر رواية الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كما نقله مالك عن أبي الزناد عنه وكذلك رواه بن سيرين وخلاس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر وهو معنى حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل استقرضت عبدي فلم يقرضني وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول وادهراه وادهراه وأنا الدهر وأنا الدهر وأما بن شهاب فروى هذا الحديث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وعن أبي سلمة عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يسب بن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار (1) وفي روايته عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يؤذيني بن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار
550 قال أبو عمر من أهل العلم من يروي حديث بن شهاب هذا وأنا الدهر بالرفع فيكون بمعنى حديث مالك وما كان مثله ومنهم من يرويه بنصب الدهر على الصرف كأنه قال أنا الدهر كله بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وما فيهما وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد قال أبو عمر المعنى عند جماعة العلماء في هذا الحديث أنه ورد نهيا عن ما كان أهل الجاهلية يقولونه من ذم الدهر وسبه لما ينزل من المصائب في الأموال والأنفس وكانوا يضيفون ذلك إلى الدهر ويسبونه ويذمونه بذلك على أنه الفاعل ذلك بهم وإذا وقع سبهم على من فعل ذلك بهم وقع على الله عز وجل فجاء النهي عن ذلك تنزيها لله تعالى وإجلالا له لما فيه من مضارعة سب الله وذمه تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا قال امرؤ القيس (ألا إنما ذا الدهر يوم وليلة * وليس على شيء قويم بمستمر) وقد ذكرنا كثيرا من أشعارهم في التمهيد بهذا المعنى وهو شيء لم يكن يسلم منه أحد ولم ينه عنه إلا من عصمه الله - عز وجل - بتوفيقه ويسره للعمل بعلمه بل هو كثير جار في الإسلام كما كان في الجاهلية يذم الدهر مرة ويذم الزمان تارة وتذم الليالي والأيام مرة وتذم الدنيا أيضا وكل ذلك لا يجوز على [معنى] ما وصفنا وبالله التوفيق إلا أن أهل الإيمان إذا ذموا الدهر والزمان لم يقصدوا بذلك إلا الدهر على قبيح ما يرى منهم كما قال حكيم من شعرائهم (يذم الناس كلهم الزمانا * وما لزماننا عيب سوانا) (نذم زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان بنا هجانا) (وإن الذي لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضا عيانا) وربما كان ذمهم للدهر على معنى الاعتبار بما تأتي به المقادير في الليل والنهار كما قال أبو العتاهية (سل القصر أودى أهله أين أهله * أكلهم عنه تبدد شمله) (أكلهم قضت يد الدهر جمعه * وأفتاه قص الدهر يوما وقتله) (أخي أرى الدهر نبلا مصيبة * إذا ما رمانا الدهر لم تخط نبله) (فلم أر مثل الدهر في طول عدوه * ولا مثل ريب الدهر يؤمن ختله
551 وقال أيضا (إن الزمان يغريني بأمانه * ويذيقني المكروه من حدثانه) (فأنا النذير من الزمان لكل من * أمسى وأصبح واثقا بزمانه) [وقال (إن الفتى من الفناء قريب * إن الزمان إذا رمى لمصيب) (إن الزمان لأهله لمؤدب * لو كان فيهم ينفع التأديب) (صفة الزمان حكيمة وبليغة * إن الزمان لشاعر وخطيب) (ولقد رأيتك للزمان مجربا * لو كان يحكم رأيك التجريب) (ولقد يكلمك بالسن غريمة * وأراك لست تجيب) (لو كنت تفهم ما بك قوله * لعراك منه تعجم ونحيب) (كيف اغتررت بصرف دهرك يا أخي * كيف اغتررت به وأنت لبيب) (ولقد حسبت الدهر بك * حفيا وأنت مجرب وأريب) وقال منصور الفقيه (يا حسن الظن بالليالي * أما تراها كيف تفعل) (يضحك هذا وذاك يبكي * تنصر هذا وذاك يخزل) (ذاك معافى وذاك مبتلى * وذاك تولى وذاك تعزل) (أم أنت عن ما تراه من ذا * وذاك من فعلها بمعزل) والمراد بهذا من منصور وغيره أن ذلك يقع من الليل والنهار ومثل ذلك قوله أيضا (للدهر إقبال وإدبار * وكل حال بعدها حال) (وآمن الأيام في غفلة * وليس للأيام إغفال) وقد أنشدنا في باب أبي الزناد من كتاب التمهيد أشعارا كثيرة من أشعار الجاهلية وأشعارا أيضا كثيرة إسلامية فيها ذم الزمان [وذم الدنيا] وذم الدهر إلا أن المؤمن الموحد العالم بالتوحيد ينزه الله - سبحانه وتعالى - عن كل سوء ينوي ذلك ويعتقده فإن جرى على لسانه [شيء] على عادة الناس استغفر الله وراجع الحق وراض نفسه عن العودة إليه كما قال بعض [الفضلاء] العقلاء (يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا * وأنت والد سوء تأكل الولدا) (أستغفر الله بل ذا كله قدر * رضيت بالله ربا واحدا صمدا) (لا شيء يبقى سوى خير تقدمه * ما دام ملك لإنسان ولا خلدا) وقال [سليمان] بن قبة العدوي وكان مؤمنا صالحا
552 (أيا دهر أعملت فينا أذكاك * ووليتنا بعد وجه ففاكا) (جعلت الشرار علينا رؤوسا * وأجلست سفلتنا مستواكا) (فيا دهر إن كنت عاديتنا * فها قد صنعت بنا ما كفاكا) وقال المساور بن هند (بليت وعلمي في البلاد مكانه * وأفنا شبابي الدهر وهو جديد) والأشعار في هذا أكثر من أن يحيط بها كتاب لو أفرد لها وأكثر ما يعني المسلم إذا ذم دهره ودنياه وزمانه ختل الزمان وأهله وسلطانه والأصل في هذا المعنى في الإسلام وأهله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله أو آوى إلى الله وأما أهل الجاهلية فإنهم كانوا منهم دهرية زنادقة لا يعقلون ولا يعرفون الله ولا يؤمنون [وفي قريش منهم قوم وصفهم أهل الأخبار كرهت ذكرهم] وقد حكى الله تعالى عنهم أو عن بعضهم قولهم * (ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) * [الجاثية 24] قال أبو عمر معنى ما ذكرنا قال أئمة العلماء أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثني محمد بن إسحاق القاضي قال حدثني أحمد بن مسعود الزبيدي بمصر قال حدثني أبو القاسم يحيى بن محمد بن يحيى بن أخي حرملة قال حدثني عمي حرملة بن يحيى قال قال الشافعي في قول الله عز وجل * (وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) * [الجاثية 24] وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل هو الدهر قال الشافعي تأويل ذلك - والله أعلم - أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر وتذمه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هدم أو ذهاب مال أو غير ذلك من المصائب وتقول أصابتنا قوارع الدهر وأبادهم الدهر وأنا عليهم الدهر والليل والنهار يفعل ذلك بهم فيذمون الدهر بذلك ويسبونه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر على أنه الذي يفعل بكم ذلك فإنكم إذا سببتم فاعل ذلك وقع سبكم على الله - عز وجل - فهو الفاعل بذلك كله وهو فاعل الأشياء ولا شيء إلا ما شاء الله العلي العظيم 1849 - مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى بن مريم لقي خنزيرا بالطريق
553 فقال له انفذ بسلام فقيل له تقول هذا لخنزير فقال عيسى إني أخاف أن أعود لساني بالنطق بالسوء قال أبو عمر إنما قيل ذلك لعيسى [لأن الخنزير كثير الأذى لبني آدم في أموالهم من زروعهم وكرومهم وكذلك نقول لعيسى] تقول لخنزير خيرا فقال أكره أن أعود لساني النطق بالسوء ولقد أحسن القائل حيث يقول (تعود الخير فخير عادة * تدعو إلى الغبطة والسعادة) وقال منصور الفقيه (عليك السكوت فإن لم يكن * من القول بد فقل أحسنه) (فربما فارقت بالذي * تقول أماكنها الألسنة) وقال آخر (لسان الفتى سبع عليك مراقب * فإن لم يدع مرعى به فهو آكله)) 1 (2 - باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام)) 1850 - مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه قال أبو عمر لم يختلف رواة الموطأ عن مالك في إسناد هذا الحديث عن محمد بن عمرو عن أبيه [لم يقولوا عن جده ورواه جماعة كثيرة قد بينتهم في التمهيد عن محمد بن عمرو عن أبيه] عن جده علقمة بن وقاص عن بلال بن الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأولى والأصح إن شاء الله عز وجل ولا أعلم خلافا أن الكلمة المذكورة في هذا الحديث من رضوان الله ومن سخط الله والمعنى في ذلك مما يرضى الله ومما يسخطه أنها المقولة عند
554 السلطان بالخير فيرضي الله أو بالشر [والباطل] فيسخط الله وذلك أيضا منصوص عليه في الحديث حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني محمد بن عمرو قال حدثني أبي عن أبيه عن علقمة بن وقاص قال مر به رجل له شرف فقال له علقمة إن لك رحما وإن لك حقا وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء وتتكلم عندهم بما شاء الله أن تتكلم وإني سمعت بلال بن الحارث المزني صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه فقال علقمة فانظر ويحك ماذا تقول وماذا تكلم فرب كلام منعني أن أتكلم به ما سمعت من بلال بن الحارث قال أبو عمر رواه سفيان بن عيينة وسعيد بن عامر وأبو معاوية وجماعة هكذا وقد فسر بن عيينة هذا الحديث بمعنى ما أصف لك قال هي الكلمة عند السلطان الظالم ليرده بها عن ظلمة في إراقة دم أو أخذ مال لمسلم أو ليصرفه عن معصية الله - عز وجل - [أو يعز] ضعيفا لا يستطيع بلوغ حاجته عنده ونحو ذلك مما يرضي الله به وكذلك الكلمة في عونه على الإثم والجور مما يسخط الله به حدثني أحمد بن فتح قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني محمد بن يحيى بن الحسين قال حدثني عبيد الله بن محمد العيشي قال حدثني حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الجمرة أي الجهاد أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال كلمة حق عند ذي سلطان جائر (1) وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني محمد بن جعفر
555 قال حدثني شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه (1) وروي عن عائشة وأبي الدرداء بمعنى واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رفع حاجة ضعيف لا يستطيع رفعها إلى السلطان ثبت الله قدميه على الصراط وقد ذكرت إسنادي هذين الحديثين وآثارا كثيرة في معنى هذا الباب في التمهيد 1851 - مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة قال أبو عمر هذه الكلمة عند السلطان على ما تقدم في الحديث قبل هذا وقد أسند هذا الحديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرته في التمهيد من حديث البزار [عن إبراهيم] بن سعيد الجوهري عن عبد الصمد بن النعمان عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار [عن أبيه] عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكلم بالكلمة فذكره ((3 - باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله)) 1852 - مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا أو قال إن بعض البيان لسحر [قال أبو عمر] هكذا رواه يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم مرسلا وما أظن أرسله عن مالك غيره وأحسبه سقط له [ذكر] بن عمر من كتابه بأن جماعة أصحاب
556 مالك رووه عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه الثوري وبن عيينة عن زهير بن محمد عن زيد بن أسلم [عن بن عمر] عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن في روايتهم فخطبا أو خطب أحدهما ورواه القطان عن مالك حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن مالك [بن أنس] عن زيد بن أسلم عن بن عمر قال قدم رجلان فخطبا فعجب الناس من بيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله إن من البيان لسحرا من حديث عمار بن ياسر وغيره والرجلان اللذان قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبا أو خطب أحدهما - لا أعلم خلافا - أنهما عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر إلا أنهما كان معهما قيس بن عاصم فلم يتكلم يومئذ وروى حماد بن زيد عن محمد بن الزبير قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو أخبرني عن الزبرقان فقال هو مطاع في ناديه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان هو والله يا رسول الله يعلم أني أفضل منه فقال عمرو إنه لزمر المروءة ضيق العطن أحمق الأب لئيم الخال يا رسول الله صدقت في الأولى وما كذبت في الأخرى أرضاني فقلت أحسن ما علمت وأسخطني فقلت أسوأ ما علمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا هكذا في رواية حماد بن زيد لهذا الخبر أن قيس بن عاصم كان معهما كذلك روي من حديث الحكم بن عتيبة عن مقسم عن بن عباس ما ذكرته في التمهيد وذكر المدائني هذا الخبر فلم يذكر فيه إلا الرجلين الزبرقان وعمرو بن الأهتم ويشهد لهذا حديث مالك قدم رجلان فقال المدائني في خبره مطاع في أدانية لم يقل في ناديه وكذلك في حديث بن عباس واختلف العلماء في المعنى المقصود بهذا اللفظ قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا هل هو على معنى الذم أو على معنى المدح
557 فقالت طائفة من أصحاب مالك هو على معنى الذم وأضافوا ذلك أيضا إلى مالك واستدلوا بإدخاله لهذا الحديث تحت ترجمة الباب بما يكره من الكلام واحتجوا على ما ذهبوا إليه من ذلك بتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لذلك البيان بالسحر والسحر مذموم قليلة وكثيرة وذلك - والله أعلم - لما فيه من البلاغة والتفيهق من تصوير الباطل في صورة الحق وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثرثارين المتفيهقين أنهم أبغض الخلق إلى الله تعالى (1) وقال آخرون وهم الأكثر عددا إنه كلام أريد به المدح قالوا والبيان ممدوح بدليل قول الله عز وجل " خلق الإنسن علمه البيان " [الرحمن 3 4] وبدليل ما في الحديث قوله فعجب الناس لبيانهما والإعجاب لا يقع إلا بما يحسن ويطيب سماعه لا بما يقبح ويذم قالوا وشبيهه بالسحر مدح له لأن معنى السحر الاستمالة وكل ما استمالك فقد سحرك فكأنه غلب على القلوب بحسن كلامه فأعجب الناس به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرهم بفضل البلاغة لبلاغته وفصاحته صلى الله عليه وسلم وكان قد أوتي جوامع الكلم فأعجبه ذلك القول فشبهه بالسحر لغلبة السحر على القلوب واستمالته لها وقد روي أن عمر بن عبد العزيز كلمة رجل في حاجة بكلام أعجبه فقال هذا السحر الحلال ومن ها هنا - والله أعلم - أخذ بن الرومي قوله (وحديثها السحر الحلال لو أنها * لم تجن قتل المسلم المتحرز) (إن طال لم يملل وإن هي أوجزت * ود المحدث أنها لم توجز) (شرك العقول ونزهة ما مثلها * للسامعين وعقله المستوفز) وأنشدني يوسف بن هارون في قصيدة له (نطقت بسحر بعدها غير أنه * من السحر لم يختلف في حلاله) حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني محمد بن يزيد قال حدثني بن إدريس عن مالك بن مغول قال كان زيد بن إياس يقول للشعبي يا مبطل الحاجات يعني أنه يشغل جلساءه
558 عن حوائجهم بحسن حديثه من بلاغة الشعبي ما حدثني أحمد بن محمد قال حدثني أحمد بن سعيد قال حدثني أبو الحسن محمد بن عبد الله بن سعيد المهراني قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال حدثني العتبي عن من حدثه قال كان الشعبي إن سمع حديثا ورده فكأنه زاد فيه من تحسينه بلفظه فسمع يوما حديثا وقد سمع جليسا له يقال له رزين فرده الشعبي وحسنه فقال له رزين أتق الله يا أبا عمر وليس هكذا الحديث فقال له الشعبي يا رزين ما كان أحوجك إلى محدرج شديد الجلد لين المهزة عظيم الثمرة أخذ ما بين مغرز عتق إلى عجب ذنب فيوضع منك في مثل ذلك فيكثر له رقصاتك من غير جدل فلم يدر ما قال له فقال وما ذاك يا أبا عمرو فقال شيء لنا فيه أدب ولك فيه أدب قال أبو عمر ما زالت العرب تمدح البيان والفصاحة في أشعارها وأخبارها فمن ذلك قول حسان بن ثابت في بن عباس (إذ قال لم يترك مقالا لقائل * بمنتظمات لا ترى بينها فصلا) (كفى وشفى ما في النفوس فلم * يدع لذي إربة في القول جدا ولا هزلا) في أبيات قد ذكرتها في التمهيد ولحسان أيضا في بن عباس (صموت إذا ما الصمت زين أهله * وفتاق أبكار الكلام المختم) (وعى ما وعى القرآن من كل حكمة * ونيطت لها لآداب باللحم والدم) وأنشد لعدي ثعلب بن الحارث التيمي وقال إنه لم يسمع في مدح الكلام أحسن من هذين البيتين (كان كلام الناس جمع عنده * فيأخذ من أطرافه يتخير) (فلم يرض الأكل بكر ثقيله * تكاد بيانا من دم الجوف تقطر) وقال بكر بن سوادة في خالد بن صفوان (عليم بتنزيل الكلام ملقن * ذكور لما سداه أول أولا) (ترى خطباء الناس يوم ارتجاله * كأنهم الكروان عاين أجدلا) وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد والحمد لله كثيرا 1853 - مالك أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول لا تكثروا الكلام
559 بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فإنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية قال أبو عمر هذا عندي أفضل كلام قيل في معناه أو من أفضل الكلام قيل أجمعه للخير وأدلك عليه ولقد أحسن القائل - (ارحم الناس جميعا فهم أبناء جنسك * ابغ للناس من الخير كما تبغي لنفسك) وقد حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن محمد بن يعقوب قال قال عيسى بن مريم لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فإن الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية قال أبو عمر هو عندي - والله أعلم - محمد بن يعقوب بن عيينة بن المغيرة بن الأحسر قال حدثني أحمد قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الله بن موسى قال حدثني شيبان عن آدم بن علي قال سمعت أخا بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الناس ثلاثة فسالم وغانم وظالم لنفسه قال فالسالم الساكت والغانم الذي يأمر بالخير وينهى عن المنكر والظالم لنفسه الناطق بالخنا والمعين على الظلم قال أبو بكر وحدثني سعيد بن عبد الله بن الربيع بن خيثم [عن نسير بن ذعلوق عن بكر بن مساعد كان الربيع بن خيثم يقول] لا خير في الكلام إلا في تسع تسبيح الله وتكبير الله وتحميد الله وسؤالك الخير وتعوذك من الشر وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر وقراءتك القرآن وروينا عن سيبويه أنه قال رأيت الخليل بن أحمد في المنام فقال لي أرأيت ما كنا فيه فإنني لم أنتفع بشيء منه إنما انتفعت بقولي سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله وأمر بمعروف ونهي عن منكر
560 1854 - مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترسل بعض أهلها بعد العتمة فتقول ألا تريحون الكتاب [قال أبو عمر] الكتاب ها هنا الكرام الكاتبون وهم الحفظة الرقباء قال الله عز وجل " كراما كتبين " [الانفطار 11] قال الله عز وجل * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * [ق 18] وكانت عائشة رضي الله عنها ذهبت إلى أن النوم راحة للحفظة لأنه لا يكتب على النائم شيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاث فذكر منهم النائم حتى يستيقظ وروى أبو برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النوم قبل صلاة العشاء وعن الحديث بعدها وكره صلى الله عليه وسلم السمر إلا لمصلي أو مسافر وكان عمر بن الخطاب يشدد في ذلك وقال مجاهد لا يجوز السمر بعد العشاء إلا لمصلي أو مسافر أو مذاكر بعلم ((4 - باب ما جاء في الغيبة)) 1855 - مالك عن الوليد بن عبد الله بن عبد الله بن صياد أن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أخبره أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الغيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع قال يا رسول الله وإن كان حقا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قلت باطلا فذلك البهتان قال أبو عمر هكذا قال يحيى بن حويطب وإنما هو بن حنطب كذلك قال فيه جماعة من رواة الموطأ وكذلك هو عند سائر العلماء وهو المطلب بن عبد الله بن حويطب المخزومي تابعي مدني ثقة إلا أن عامة أحاديثه مراسيل ويرسل أيضا عن من يلقه من الصحابة وقيل إن سماعة من جابر صحيح ومن عائشة على اختلاف وأما أبو هريرة وبن عمر وأبو موسى] وأم سلمة وأبو قتادة فلم يسمع منهم في ما يقولون عنهم وهو يرسل عنهم وأما الوليد بن عبد الله بن صياد فلا أعلم [أحدا] روى عنه غير مالك
561 وحديثه هذا في الغيبة محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رواه عنه شعبة والدراوردي وبن عيينة وغيرهم حدثني يونس بن عبد الله قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني جعفر بن محمد الفريابي قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني شعبة قال سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكر أخاك بما يكره قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته قال أبو عمر هذا الحديث مخرج في التفسير في المسند في قول الله عز وجل * (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) * [الحجرات 12] ويقتضي معنى الغيبة ومعنى البهتان وإن كان البهتان عندهم المواجهة بالقبيح وروي عن الحسن البصري أن رجلا سأله فقال له يا أبا سعيد إني اغتبت فلانا وإني أريد أن أستحله فقال أما يكفيك أن اغتبته حتى تريد أن تبهته وقال محمد بن سيرين ظلم لأخيك المسلم أن تقول أسوأ ما تعلم فيه حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن عوف قال حدثني أبو اليمان قال حدثني بن أبي حسين قال حدثني نوفل بن مساحق عن [سعيد بن] زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن من أربى الربى الاستطالة في عرض المسلم بغير حق (1) حدثني خلف بن قاسم قال حدثني [أحمد بن] أسامة بن عبد الرحمن بن أبي السمح قال حدثني أبي قال حدثني هارون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال حدثني عبد الرحمن بن زيد قال محمد بن المنكدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يخرج من هذا البيت فمر برجلين أعرفهما وأعرف أنسابهما فقال عليكم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين قلت فما ذنبهما قال ذنبهما أنهما يأكلان لحوم الناس قال أبو عمر يصحح هذا قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
562 وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب عن بن لهيعة قال أخبرني سليمان بن كيسان قال كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر عنده رجل بفضل أو صلاح قال كيف هو عنده إذا ذكر إخوانه فإن قالوا إنه ينتقصهم وينال منهم قال عمر ليس هو كما يقولون وإن قالوا إنه يذكر منهم جميلا وخيرا ويحسن الثناء عليهم قال هو كما تقولون إن شاء الله وعن عمر بن الخطاب قال من أدى الأمانة وكف عن أعراض المسلمين فهو الرجل فقد استثنى من هذا الباب من لا غيبة فيه من الفساق المعلنين المجاهرين وأهل البدع المضلين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له وقد روي عنه عليه السلام أنه قال المجالس بالأمانة إلا مجلس سفك فيه دم حرام أو فرج حرام أو مال بغير حقه (1) وقال معاوية ما بقي من العبادة إلا الوقعة في أهل الريبة لأنهم ليس لهم غيبة وأصل هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم في الأحمق المطاع عيينة بن الحصين الفزاري بئس بن العشيرة قال أبو عمر لقد أحسن الشاعر في قوله (وأخلاق ذي الفضل معروفة * ببذل الجميل وكف الأذى) وقال آخر (احذر الغيبة فهي ال * فسق لا رخصة فيه) (إنما المغتاب كالآكل * من لحم أخيه) وقد زدنا هذا المعنى بيانا في كتاب التمهيد
563 وقد أفردنا للغيبة بابا كاملا أوردنا فيه ما جاء عن الحكماء والعلماء والشعراء من النظم والنثر في كتابنا كتاب بهجة المجالس وأنس المجالس والحمد لله كثيرا ((5 - باب ما جاء فيما يخاف من اللسان)) 1856 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة فقال رجل يا رسول الله لا تخبرنا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مثل مقالته الأولى فقال له الرجل لا تخبرنا يا رسول الله فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضا فقال الرجل لا تخبرنا يا رسول الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضا ثم ذهب الرجل يقول مثل مقالته الأولى فأسكته رجل إلى جنبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه ما بين لحييه (1) وما بين رجليه (2) ما بين لحييه وما بين رجليه قال أبو عمر هكذا قال يحيى في هذا الحديث عن مالك لا تخبرنا على لفظ النهي ثلاث مرات فأعاد الكلام أربع مرات وتابعه بن القاسم وطائفة من رواة الموطأ على قوله لا تخبرنا على النهي إلا أن إعادة الكلام عند بن القاسم ثلاث مرات وقال القعنبي فيه ألا تخبرنا على لفظ العرض والإغراء والحث وأعاد الكلام ثلاث مرات وكلهم قال فيه ما بين لحييه وما بين رجليه ثلاث مرات وما أظن تكرير الكلام في رواية من رواه على لفظ النهي إلا حرصا من القائل أن يستخرج ذلك المبهم الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله من وقاه الله شر اثنين ولم يذكرهما ولو شاء لقال من وقاه الله شر لسانه وفرجه ولكنه لما أبهم ذلك وأجمله أراد القائل بقوله لا تخبرنا بأيهما [فقلنا نذكرهما أو نعلمهما بعضنا أو نحو هذا والله أعلم
564 وأما من رواه ألا تخبرنا يا رسول الله] فيدل أيضا على أنه لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبارهم بها ليعلم كيف فهمهم لها وهو معنى متقارب وإن اختلف اللفظ فيه وليس عند بن بكير هذا الحديث في شيء من الموطأ ولا عنده من الأربعة الأبواب إلا باب واحد ترجمته باب ما يكره من الكلام أورد فيه الأحاديث المذكورة في هذه الأبواب الأربعة إلا هذا الحديث فإنه ليس عنده ولم يختلف على مالك في إرسال هذا الحديث وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه من وجوه من حديث سهل بن سعد ومن حديث أبي موسى ومن حديث أبي هريرة ومن حديث جابر رواه معقل بن عبيد الله عن عمرو بن دينار عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن [لي] ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة وحديث سهل بن سعد [رواه عمر بن علي المقدمي عن أبي حازم عن سهل بن سعد] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يتكفل لي بما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة (1) ورواه محمد بن عجلان عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من وقاه الله شر اثنين دخل الجنة شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد وفي هذا الحديث دليل على أن أكبر الكبائر وإنما هي من الفم والفرج وما بين اللحيين الفم وما بين الرجلين الفرج ومن الفم ما يتولد من اللسان وهو كلمة الكفر وقذف المحصنات وأخذ أعراض المسلمين ومن الفم أيضا شرب الخمر وأكل الربا وأكل مال اليتيم ظلما ومن الفرج الزنى واللواط ومن اتقى ما يأتي من اللسان والفرج فأحرى أن يتقي القتل والله أعلم [والكبائر كثيرة] إلا أن الذي يعتمد عليه فيها ما جاء منصوصا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله تعالى مراده من قوله تعالى ذكره * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * [النساء
565 فمن ذلك حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وهو خلقك وأن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك وأن تزاني حليلة جارك (1) وقد روي عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكبر الكبائر الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله [إلا بالحق] (2) ومنها حديث بن عمر أنه سئل عن الكبائر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هن تسع الشرك بالله وقذف المحصنات وقتل النفس المؤمنة والفرار من الزحف والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين والإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا وحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي روي عنه من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم [في بعضها] زيادة ألفاظ على بعض ويجمعها كلها الكبائر الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله وشرب الخمر وعقوق الوالدين واليمين الغموس التي يقتطع بها حق مال امرئ مسلم وهو كاذب وفي بعضها عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن الكبائر أن يسب الرجل والديه يعني يتسبب لهما وهذا عندي داخل في عقوقهما وحديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه قتل النفس وشهادة الزور والشرك وعقوق الوالدين وحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه لم يذكر شهادة الزور وحديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيه الزنى والسرقة وشرب الخمر ثم قال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا بلى قال شهادة الزور
566 وحديث خريم بن فاتك قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح يوما فلما انصرف قام قائما فقال عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثم تلا " فاجتنبوا الرجس من الأوثن واجتنبوا قول الزور " [الحج 30] (1) وروى وائل بن ربيعة عن بن مسعود أنه سمعه يقول عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ثم قرأ " فاجتنبوا الرجس من الأوثن واجتنبوا قول الزور * (2) وروى محارب بن دثار عن بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار وفي حديث بن عمر وبن مسعود وبن عباس وحديث أبي أيوب الأنصاري وحديث عبد الله بن أنس فيها كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم الفرار من الزحف (3) وفي حديث أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنع بن السبيل يعني ما يرد رمقه ويحبس عليه نفسه من جوع أو عطش وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر [أنها السبع] الموبقات الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق [والزنى] وأكل الربا وأكل مال اليتيم وشهادة الزور وقذف المحصنات (4) وأجمع العلماء المسلمين أن الجور في الحكم من الكبائر للوعيد الوارد فيه قال الله عز وجل " وأما القسطون فكانوا لجهنم حطبا " [الجن 15] والقاسط الجائر والمقسط العادل وقال الله عز وجل " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " [المائدة 44] يعني أهل الكتاب ثم قال " فأولئك هم الفاسقون " [المائدة 47] " فأولئك هم الظالمون " [المائدة 45] والأحاديث في الإمام الجائر كثيرة والوعيد فيها شديد
567 وروي عن بن عباس أن الإضرار في الوصية من الكبائر وذلك - والله أعلم - لأن الوعيد أتى منوطا بذكر ذلك في القرآن قال الله عز وجل * (غير مضار وصية من الله والله عليم حليم تلك حدود الله) * [النساء 12] ثم الوعيد الوعيد بإثر ذلك في من تعدى حدود الله ومنهم من يرفع حديث بن عباس في [الإضرار] بالوصية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد والحمد لله وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل الحسن وغيره إن أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك وتبدد سنتك وتفارق أمتك فسره أبو عبيد بأن قال يعاهده ثم يغدره فيقتله أو يقاتله أو يرجع أعرابيا بعد هجرته أو يلحق بالمشركين وتجتمع من هذه الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كتاب [الله تعالى عدد الكبائر] سبع عشرة كبيرة وذلك أتم وأعم من حديث هذا الباب فيما بين لحييه ورجليه لقول الله عز وجل " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئائكم وندخلكم مدخلا كريما " [النساء 31] والمدخل الكريم الجنة ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة 1857 - مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ (1) لسانه فقال له عمر مه غفر الله لك فقال أبو بكر إن هذا أوردني الموارد قال أبو عمر إذا كان أبو بكر - وموضعه من الدين [والفضل] والسابقة أعلى المواضع - يخاف من لسانه ويقول إنه يورده موارد يخشى منها على نفسه فما ظنك بغيره وعلى قدر علم الإنسان يكون خوفه ووجله وإشفاقه " إنما يخشى الله من عباده العلماء " [فاطر 28] * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * [الرحمن 46] روينا عن بن مسعود أنه قال المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس تحت جبل يخاف أن يقع عليه فيدق عنقه والفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على الفم فصرفه بيده وروينا عن أسد بن موسى عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل أنه قال يا رسول الله أي الأعمال
568 أفضل فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه ووضع عليه أصبعه فاسترجع معاذ وقال يا رسول الله نؤاخذ بما نقول كله ويكتب علينا قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكب معاذ وقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم (1) وقد روى الدراوردي خبر مالك هذا عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن أبي بكر مثله وزاد فيه ليس شيء من الجسد إلا وهو يشكو اللسان إلى الله تعالى وهذا اللفظ قد روي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حدثنا خلف بن قاسم حدثنا يعقوب بن المبارك حدثنا إسحاق بن أحمد البغدادي حدثنا يعقوب بن إبراهيم المروزي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اتق الله فينا فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا (2) ومن حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صمت نجا (3) قال عبد الله بن مسعود أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل وروينا عن سلمان الفارسي وعبد الله بن مسعود أنهما قالا ما شيء أحق بطول سبحان الله من لسان وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد ولقد أحسن امرؤ القيس في قوله (إذا المرء لم يخزن عليه لسانه * فليس على شيء سواه بحازن (4)) [وقال الشاعر امرؤ القيس] (رأيت اللسان على أهله * إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا
569 وقال منصور الفقيه (خرس إذا سألوا وإن * قالوا عيي أو جبان) فالعي ليس بقاتل * ولربما قتل اللسان) وقد أفردنا لهذا المعنى بابا تقصينا فيه ما للحكماء والشعراء ومن النظم والنثر في كتاب بهجة المجالس والحمد لله وذكرنا في التمهيد حديث أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اكفلوا لي ست خصال أكفل لكم الجنة من حدث فلا يكذب ومن وعد فلا يخلف ومن اؤتمن فلا يخن املكوا ألسنتكم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم [وهذا الحديث من أحسن ما جاء في معنى هذا الباب والحمد لله] ((6 - باب ما جاء في مناجاة اثنين دون واحد)) 1858 - مالك عن عبد الله بن دينار قال كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس مع عبد الله بن عمر أحد غيري وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه فدعا عبد الله بن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة فقال لي وللرجل الذي دعاه استأخرا شيئا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يتناجى اثنان دون واحد قال أبو عمر معنى قوله استأخرا شيئا أي تأخرا 1859 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد قال أبو عمر هكذا يجب على كل من علم شيئا أن يعمل به ويستعمله ألا ترى اجتهاد بن عمر في استعمال ما روي حتى دعا الرجل الرابع ليقف عندما سمع
570 ورحم الله الشعبي حيث يقول كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به والمعنى في هذا الحديث قد بان في حديث بن مسعود لأن ذلك يحزن الثالث المنفرد وأما حديث بن عمر فليس فيه فإن ذلك يحزنه لا من رواية نافع ولا من رواية عبد الله بن دينار وقد رواه عن نافع أيوب وعبيد الله بن عمر [كما رواه مالك وكذلك رواه أبو صالح السمان عن بن عمر وكذلك رواه القاسم بن محمد عن بن عمر] ليس في حديث واحد منهم فإن ذلك يحزنه وإنما هو في حديث بن مسعود حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن حدثنا جعفر بن محمد المستعاض قال حدثنا منجاب بن الحارث قال حدثنا بن مسهر عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر [فإن ذلك يحزنه] حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير وأبو الأحوص عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر] حتى يختلطوا بالناس إن ذلك يحزنه وحدثنا أحمد بن محمد حدثنا جعفر حدثنا عبيد الله بن معاذ [حدثنا أبي] حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث [فإن ذلك يحزنه وحدثنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا أبو كامل قال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث] فقلنا لابن عمر فإن كانوا أربعة قال لا بأس بذلك قال أبو عمر ظاهر الأحاديث يدل على النهي إنما ورد في ثلاثة أن لا يتناجى منهم اثنان دون الثالث وأما إذا كثر الناس فلا بأس أن يتناجى منهم اثنان وأكثر وقد روى يزيد بن هارون قال أخبرنا شريك عن منصور عن أبي حازم عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه ويسوؤه حتى تختلطوا بالناس
571 وهذا حديث حسن وفيه عن بن عمر من قوله فإن ذلك يحزنه ما ليس في غيره عنه وقد قيل إن ذلك إنما يكره في السفر وحيث لا يعرف المتناجيان ولا يوثق ويخشى الغدر منهما وحجة من قال ذلك ما حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا عثمان بن سعيد عن بن لهيعة وحدثنا الفريابي حدثنا محمد بن مصفى قال حدثنا عثمان بن سعيد عن بن لهيعة وحدثنا أحمد حدثنا محمد حدثنا جعفر الفريابي حدثني بن لهيعة قال أخبرنا بن هبيرة عن أبي سالم الجيشاني واسمه سفيان بن هانئ عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة أن يتناجى اثنان دون صاحبهما قال أبو عمر قد استعمل بن عمر هذا الحديث في السوق بالمدينة على ما حكى عبد الله بن دينار ولا أراه سمع حديث السفر وسمع الحديث دون ذلك فحمله على عمومه وظاهره والله أعلم ((7 - باب ما جاء في الصدق والكذب)) 1860 - مالك عن صفوان بن سليم أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب امرأتي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في الكذب فقال الرجل يا رسول الله أعدها وأقول لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا جناح عليك قال أبو عمر لا أعلم هذا الحديث بهذا اللفظ يستند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه وقد رواه سفيان بن عيينة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن صفوان عن سليم عن عطاء بن يسار] قال قال رجل يا رسول الله هل علي جناح أن أكذب امرأتي قال لا يحب الله الكذب فقال يا رسول الله استصلحها وأستطيب نفسها فقال لا جناح عليك
572 قال بن عيينة وأخبرني بن أبي حسين قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلح الكذب إلا في ثلاث يصلح الرجل بين اثنين والحرب خدعة والرجل يستصلح امرأته قال أبو عمر إذا كان للرجل أن يكذب في الإصلاح بين اثنين فإصلاحه بينه وبين امرأته أولى بذلك ما لم يقصد بذلك ظلما وكذلك غير امرأته من صديق قد آخاه في الله يخشى فساده وأن يحرم الانتفاع به في دينه وماله وقد روى شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل الكذب يكتب علي بن آدم إلا ثلاثا كذب الرجل امرأته ليرضيها ورجل كذب ليصلح بين اثنين ورجل كذب في خديعة الحرب (1) قال أبو عمر حسبك في هذا الباب بحديث بن شهاب وقد رواه مالك ومعمر وشعيب وعقيل وغيرهم عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس بالكذاب من قال خيرا ليصلح بين الناس (2) وأما حديث مالك فرواه الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن مالك بن أنس عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس بالكذاب الذي يمشي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقوله وقد احتج بن عيينة في إباحة الكذب فيما ليس فيه مضرة على أحد إذا قصد به الخير ونواه لقول الله تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام * (بل فعله كبيرهم هذا) * [الأنبياء 63] وبفعل يوسف إذ جعل الصاع في رحل أخيه ثم نادى مناديه " أيتها العير إنكم لسرقون " [يوسف 70] وقد أتينا من الأحاديث عن السلف في هذا الباب بما فيه شفاء وسكون للنفس في الاقتداء في التمهيد والحمد لله 1861 - مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول عليكم بالصدق
573 فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وأياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ألا ترى أنه يقال صدق وبر وكذب وفجر قال أبو عمر هذا المعنى يروى عن بن مسعود مسندا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو داود قال وحدثنا مسدد قال حدثني عبد الله بن داود قالا حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب فيتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا (1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن إذا حدث صدق وإذا وعد نجز وإذا اؤتمن وفي والمنافق إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان (2) ومن حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه قال] يعرف المؤمن بوقاره ولين كلامه وصدق حديثه قال الشاعر (ما أقبح الكذب المذموم قائله * وأحسن الصدق عند الله والناس) وقد أفردنا في كتاب بهجة المجالس بابا في مدح الصدق والأمانة وذم الكذب والخيانة أتينا فيه من النظم ما فيه كفاية والحمد لله حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن
574 سعيد عن بهز بن حكيم قال أخبرني أبي عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل للذي يحدث الناس فيكذب ليضحك به القول ويل له ثم ويل له (1) 1862 - مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان ما بلغ بك ما نرى يريدون الفضل فقال لقمان صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني قال أبو عمر ثلاث وأي ثلاث ما أجمعها للخير قال الله تعالى " يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين " [التوبة 119] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دين لمن لا أمانة له (2) وأول ما يرفع من هذه الأمة الأمانة وقال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (3) وقال بشر بن بكر رأيت الأوزاعي مع جماعة من العلماء [في المنام] في الجنة فقلت وأين مالك بن أنس فقيل رفع قلت بماذا قال بصدقه قال منصور الفقيه (الصدق أولى ما به * دان امرؤ فاجعله دينا) (ودع النفاق فما رأي * ت منافقا إلا مهينا) 1863 - مالك بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول لا يزال العبد يكذب وتنكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه كله فيكتب عند الله من الكاذبين يحيى 1864 - مالك عن صفوان بن سليم أنه قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن بخيلا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن كذابا فقال لا قال أبو عمر لا أحفظ هذا الحديث مسندا من وجه ثابت وهو حديث حسن مرسل ومعناه أن المؤمن لا يكون كذابا والكذاب في لسان العرب من غلب عليه
575 الكذب ومن شأنه الكذب في ما أبيح له وفي ما لم يبح وهو أكثر من الكاذب لأن الكاذب يكون لمرة واحدة والكذاب لا يكون إلا للمبالغة والتكرار وليست هذه صفة المؤمن وأما قوله إن المؤمن قد يكون بخيلا وقد يكون جبانا فهذا معلوم بالمشاهدة معروف بالأخبار والمعاينة ولكن ليس البخل ولا الجبن من صفات الأنبياء ولا الجلة من الفضلاء لأن الكرم والسخاء من رفيع الخصال وكذلك النجدة والشجاعة وقوة النفس على المدافعة إذا كان ذلك في الحق ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا (1) وقد ذكرت في التمهيد بإسناده عن الثوري عن منصور عن إبراهيم أنه ذكر عنده البخل فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (2) قال إبراهيم وسمعت علقمة والأسود يقولان قال عبد الله وأي داء أدوى من البخل قال أبو عمر قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (3) وكان أبو حنيفة لا يجيز شهادة البخيل فقيل له في ذلك فقال إنه يحمله النقص على أن يأخذ فوق حقه قال وقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه ما استقصى كريم قط وأما الكذب والتشدد فيه موجود في الآثار المرفوعة عن السلف أيضا مثل ذلك وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل في كذبة كذبها لا ندري على الله كذب أو في غير ذلك وقد حدثنا خلف بن أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا يونس بن وهب قال أخبرني محمد بن مسلم عن أيوب عن بن سيرين عن عائشة قالت ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب وما أطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد بشيء من الكذب وإن قل فتخرج له من نفسه حتى يحدث توبة (4)
576 وفي التمهيد في هذا المعنى زيادات ((8 - باب ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين)) 1865 - مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا وأن تناصحوا من ولاة الله أمركم ويسخط لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال هكذا روى يحيى هذا الحديث مرسلا وتابعه القعنبي وبن وهب وبن القاسم ومعن بن موسى ومحمد بن المبارك الصوري ورواه بن بكير وأبو المصعب ومصعب الزبيري وعبد الله بن يوسف التنيسي وبن عفير وأكثر الرواة عن مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مسندا] [وكذلك رواه جماعة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مسندا] وعند مالك فيه إسناد آخر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وهو غريب قد ذكرته في التمهيد من طرق عنه قال أبو عمر في هذا الحديث الأمر بالإخلاص في العبادة والتوحيد والحض على الاعتصام بحبل الله وقد اختلف في معنى حبل فقيل القرآن وقيل الجماعة والخلافة والمعنى [في ذلك متداخل] لأن كتاب الله يأمرنا بالائتلاف وينهى عن الفرقة والاختلاف وقد ذكرنا في التمهيد من قال من العلماء بالقولين جميعا وقد روي عن بن مسعود القولان جميعا روى منصور عن أبي وائل عن بن مسعود في قوله * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * [آل عمران 103] قال حبل الله هو الصراط المستقيم كتاب الله وروى أبو حصين عن الشعبي عن ثابت بن قطبة قال قال عبد الله بن مسعود في خطبته أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنها حبل الله الذي أمر وأن تكرهون في الجماعة خير مما يحبون في الفرقة
577 قال أبو عمر هذا التأويل أظهر في معنى حديث هذا الباب والله أعلم قال بن المبارك - رحمه الله (إن الجماعة حبل الله فاعتصموا * منه بعروته الوثقى لمن دانا) (لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل * وكان أضعفنا نهبا لأقوانا) في أبيات قد ذكرتها في التمهيد وفي حديث زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم (1) وقد روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم جبير بن مطعم وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك كما رواه زيد بن ثابت وقد ذكرنا أحاديثهم من طرق في كتاب بيان العلم وفضله وفي كتاب التمهيد أيضا في معنى قوله ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم أي لا يكون القلب المعتقد لهن غليلا وفي هذا الباب حديث عجيب بمعنى حديث سهيل رواه الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرته بطوله في التمهيد وروى بن عباس وأبو ذر وأبو هريرة بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات على ذلك فميتته جاهلية (2) ومن حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نزع يدا من طاعة ومات ولا طاعة عليه كانت ميتته ضلالة ولا حجة له (3) ومن حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجماعة رحمة والفرقة عذاب والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا وقد ذكرت كثيرا منها في التمهيد وتكلمت بما أحضرني في معانيها
578 وأما مناصحة ولاة الأمر فلم يختلف العلماء في وجوبها إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها ولما رأى العلماء أنهم لا يقبلون نصيحا ولا يريدون من جلسائهم إلا ما وافق هواهم زاد البعد عنهم والفرار منهم قال حذيفة بن اليمان إذا كان والي القوم خيرا منهم لم يزالوا في عليا وإذا كان وإليهم شرا منهم لم يزدادوا إلا سفالا حدثنا بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الحميد قال حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا يحيى بن يمان قال حدثنا سفيان عن قيس بن وهب عن أنس بن مالك قال [كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوننا عن سب الأمراء وبه عن يحيى بن يمان عن إسرائيل] عن أبي إسحاق قال ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيرهم وقد أشبعنا معنى الطاعة والنصيحة للولاة وكيف العمل في ذلك عند العلماء وما يجب للإمام على الرعية من ذلك ويجب عليه ويلزمه لهم بالآثار المرفوعة وأقاويل السلف في التمهيد والحمد لله وأما قوله ويكره لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال فالمعنى في قيل وقال والله أعلم - الخوض في أحاديث الناس التي لا فائدة فيها وإنما جلها الغلط وحشو وغيبة وما لا يكتب فيه حسنة ولا سلم القائل والمستمع فيه من سيئة قال الشاعر (ومن لا يملك الشفتين يسحق * بسوء [اللفظ] من قيل وقال) وقال أبو العتاهية (عليك ما يعنيك من كل ما ترى * وبالصمت إلا عن جميل تقوله) (تزود من الدنيا بزاد من التقي * فكل بها ضيف وشيك رحيله) وأما قوله وإضاعة المال فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال أحدهما أن المال أريد به ملك اليمين من العبيد والإماء والدواب وسائر الحيوان الذي في ملكه أن يحسن إليه ولا يضيعهم فيضيعون وهو قول السري بن إسماعيل عن الشعبي واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث أنس وأم سلمة أن عامة وصية رسول
579 الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة كانت قوله الله الله الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم والقول الثاني إضاعة المال ترك إصلاحه والنظر فيه وتنميته وكسبه واحتج من قال بهذا القول - فيس بن عاصم المنقري لبنيه حين حضرته الوفاة يا بني عليكم بكسب المال واصطناعه فإن فيه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم ويقول عمرو بن العاصي في خطبته حيث قال يا معشر الناس [إياكم وخلالا أربعة تدعو إلى النصب بعد الراحة وإلى الضيق بعد السعة وإلى المذلة بعد العز إياكم وكثرة العيال وإخفاض الحال والتضييع للمال والقيل والقال في غير درك ولا نوال والقول الثالث إضاعة المال إنفاقه في غير حقه من الباطل والإسراف والمعاصي وهذا هو الصواب عند ذوي الدين والألباب روى بن وهب قال حدثنا إبراهيم بن نشيط قال سألت عمر مولى عفرة عن الإسراف ما هو فقال كل شيء أنفقته في غير طاعة الله وفي غير ما أباحه الله فهو إسراف وإضاعة للمال وروى أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير أنه سأله رجل عن إضاعة المال فقال أن يرزقك الله رزقا فتنفقه في ما حرم الله عليك وهكذا قال مالك - رحمه الله - وأما قوله وكثرة السؤال ففيه قولان أحدهما كثرة السؤال عن المسائل النوازل المعضلات في معاني الديانات والآخر كثرة السؤال في الاستكثار من المال والكسب بالسؤال وأما الوجه الأول فقد أوضحناه بالآثار في كتاب العلم وسيأتي معنى السؤال للمال في موضعه من هذا الكتاب بعد إن شاء الله تعالى وقد روى بن وهب وبن القاسم وأشهب بمعنى واحد عن مالك أنه قال أما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال فلا أدري أهو الذي أنهاكم عنه من كثرة المسائل [فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم] كثرة المسائل وعابها أم هو مسألتك الناس قال أبو عمر كان أبي بن كعب وزيد بن ثابت وجماعة من السلف يكرهون السؤال في العلم عن ما لم ينزل ويقولون إن النازلة إذا نزلت المسؤول عنها
580 وكانوا يجعلون الكلام في ما لم ينزل تكلفا ويتلو بعضهم " قل ما أسئلكم عليه من أجر ومآ أنا من المتكلفين " [ص 86] حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال سمعت مالك بن أنس يقول أدركت أهل هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة فإذا نزلت نازلة جمع لها الأمير من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه من شيء أنفذه وأنتم تكثرون من المسائل وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها قال أبو عمر من نزل النوازل من الفقهاء وأجاب فيها كأبي حنيفة وربيعة وعثمان البتي ومن جرى مجراهم ممن استعمل الرأي قالوا رأينا لمن بعدنا خير من رأيهم لأنفسهم وقد روي هذا عن الحسن - رحمه الله وأما صعاب المسائل وما عسى ألا ينزل فهو باب إلى النظر وإلى التكسب وإلى التحفظ من الخصم ومخادعته فهذا مكروه عند جميعهم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن موسى قال حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الصنابحي عن معاوية بن أبي سفيان قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات قال الأوزاعي يعني صعاب المسائل وحدثنا أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني نصر بن مرزوق قال حدثني أسيد بن موسى قال حدثني شريك عن ليث عن طاوس عن بن عمر قال لا تسألوا عما لم يكن فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن قال أبو عمر هذا باب قد أوضحناه وبسطناه بالآثار عن السلف في كتاب بيان العلم وفضله بما فيه شفاء للناظر فيه والحمد لله وأما قوله الثاني فكأنه أقرب إلى معنى إضاعة المال وهو سؤال الناس أموالهم والتكسب بالمسألة فهذا مكروه عند جماعة العلماء وسنبين ذلك في ما بعد إن شاء الله
581 ومما يدل على أن السؤال في المال أقرب وأشبه لمعنى الحديث ما رواه المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا هشيم قال أخبرنا غير واحد منهم منهم مغيرة عن الشعبي عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة أن معاوية كتب إلى المغيرة اكتب لي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه المغيرة إنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند انصرافه من الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات وكان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات وعقوق الأمهات ووأد البنات (1) 1866 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه قال أبو عمر هذا الحديث ليس للقول فيه مدخل لأن معناه لا يشكل على سامعه وقد روى الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون عبدا لله أمينا ومن حديث الحسن وقتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة وقد ذكرنا أسانيدهما في التمهيد ومن هذا المعنى قول الشاعر (إن شر الناس من يشكرني * حين يلقاني وإن غبت شتم
582 ((9 - باب ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة)) 1867 - مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا كثر الخبث قال أبو عمر هذا الحديث لا يعرف لأم سلمة بهذا اللفظ وإنما يحفظ هذا اللفظ لزينب بنت جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما نذكره هنا إن شاء الله وقد سئل بن وهب عن قوله في هذا الحديث إذا كثر الخبث فقال أولاد الزنى وأما حديث أم سلمة فيقرب من هذا الحديث بغير لفظه فمن ذلك ما رواه منذر الثوري عن الحسن [بن محمد] قال حدثتني امرأة من الأنصار قالت دخلت على أم سلمة [زوج النبي صلى الله عليه وسلم] [فبينا أنا عندها إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم] فتكلم بكلام لم أفهمه فسألت أم سلمة بعد خروجه فقالت إن الفساد إذا فشا في الأرض ولم يتناه عنه أرسل الله بأسه على أهل الأرض قالت قلت يا رسول الله وفيهم الصالحون قال نعم وفيهم الصالحون يصيبهم ما أصابهم ويقبضهم الله إلى رحمته ورضوانه ومغفرته ومن ذلك ما رواه أبو يونس حاتم بن أبي صغيرة قال حدثني مهاجر بن القبطية أنه سمع أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخسفن بجيش يغزون هذا البيت بعيدا من الأرض فقال رجل وإن كان فيهم الكاره يا رسول الله قال نعم ويبعث كل رجل منهم على نيته وروى علقمة بن مرثد عن المعرور بن سويد عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده فقلت يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون قال بلى قلت فكيف بأولئك قال يصيبهما ما أصابهم ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان فهذا ما وجدته لأم سلمة في هذا الباب
583 وقد ذكرت الأسانيد بذلك في التمهيد وأما حديث زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرواه بن شهاب عن عروة بن الزبير أنه حدثه أن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب بنت جحش قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق بيده وعقد عشرا قالت فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث (1) هكذا رواه عقيل وصالح بن كيسان وشعيب بن أبي حمزة وسليمان بن كثير وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن الوليد الزبيدي كلهم عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه بن عيينة عن الزهري فزاد في إسناده امرأة رابعة قال في إسناده عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن حبيبة بنت أم حبيبة عن زينب بنت جحش وقال محمد بن يحيى المحفوظ عندنا ما قال عقيل ومن تابعه وأخطأ بن عيينة في زيادته فيه المرأة الرابعة قال أبو عمر قد اختلف في هذا الإسناد عن بن عيينة وقد ذكرنا الأسانيد كلها بذلك في التمهيد وقد روى أنس وغيره في هذا الباب نحو رواية زينب وأم سلمة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد الحضيبي القاضي قال حدثنا محمد بن نصر بن منصور أبو جعفر الصائغ قال حدثني محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس بن مالك قال ذكر خسف قبل المشرق فقالوا يا رسول الله إنه يخسف بأرض فيها مسلمون قال نعم إذا أكثر أهلها الخبث وروى بن المبارك عن يونس عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أصاب الله قوما ببلاء عم به من بين أظهرهم ثم يبعثون على أعمالهم
584 وروى الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول على المنبر مثل المنتهك لحدود الله والمدهن فيها والقائم بها مثل ثلاثة نفر اصطحبوا في سفينة فجعل أحدهم يحفرها فقال الآخر إنما تريد أن تغرقنا وقال الآخر دعه فإنما يحفر في نصيبه وموضعه وذكر الحديث أخبرنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا قذعة بن سويد قال حدثنا سيف بن سليمان عن عدي بن عدي عن أبيه عن مولاه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يعذب العامة بذنوب الخاصة حتى تكون العامة تستطيع أن تغير على الخاصة فإذا لم تغير العامة على الخاصة عذب الله العامة والخاصة قال أسد وحدثنا الفرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء قال لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا صعبا فلا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ثم يدعو عليهم خياركم فلا يستجاب لهم وقد ذكرت في التمهيد كثيرا من الآثار المرفوعة وغير المرفوعة في هذا المعنى مما يقتضي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الإنكار بالقلب يكفي إذا لم يقدر على غير ذلك 1868 - مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول كان يقال إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم قال أبو عمر هذا المعنى ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين وهذا الحديث قد رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن رجل عن عمر بن عبد العزيز وممكن أن يكون الرجل إسماعيل بن أبي حكيم ذكره أسد بن موسى عن محمد بن مسلم الطائفي عن يحيى بن سعيد وروى وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقابه
585 ذكره بن أبي شيبة عن وكيع وذكره أسد بن موسى قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيرون عليه فلا يغيرون إلا أصابهم الله بعذاب قبل أن يموتوا قال أبو عمر هذا واضح في أنه لا يلزم التغيير إلا من القوة والعزة والمنعة وأنه لا يستحق العقوبة إلا من هذه حاله وأما من ضعف عن ذلك فالفرض عليه التغيير بقلبه والإنكار والكراهة قال عبد الله بن مسعود بحسب المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع له تغييرا أن الله يعلم من قلبه أنه له كاره وروى الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر شيئا فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فأبعده الله قيل يا رسول الله أفلا نقتلهم قال لا ما صلوا (1) وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث وكثيرا منها مثلها في التمهيد قال أبو عمر يقولون من رضي بالفعل فكأنه فعله قال الحسن - رحمه الله - إنما عقر الناقة رجل واحد فعمهم الله بالعقوبة لأنهم عموا فعله بالرضى ومن أحسن ما روي في ذلك حديث بن عميرة الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن القوم ليصنعون المنكر فيكون من حضرهم لمن غاب عنهم يعني إذا أنكر ولم يرض ويكون من غاب عنهم كمن حضرهم إذا رضي فعلهم هذا معنى الحديث دون لفظه كتبته من حفظي حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا جعفر بن مكرم قال حدثنا قريش بن أنس عن بن عون عن الحسن عن الأحنف أنه كان جالسا عند معاوية فقال يا أبا بحر ألا نتكلم قال إني أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت وحدثنا أحمد قال حدثنا محمد [بن جرير] قال حدثنا علي بن سهل
586 وسهل بن موسى - واللفظ له - قالا حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال سمعت بلال بن سعيد يقول إن الخطيئة إذا أخفيت لن تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة ((10 - باب ما جاء في التقى)) 1869 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال سمعت عمر بن الخطاب وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته وهو يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أو ليعذبنك قال أبو عمر قال الله تعالى * (خير الزاد التقوى) * [البقرة 197] يريد دار الآخرة والتقوى اسم جامع لطاعة الله والعمل بها في ما أمر به أو نهى عنه فإذا انتهى المؤمن عن ما نهاه الله وعمل بما أمره الله فقد أطاع الله واتقاه * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * [الطلاق 2 3] * (يجعل له من أمره يسرا) * [الطلاق 4] والتقى اسم أيضا لخشية الله و " إنما يخشى الله من عباده العلماء " [فاطر 28] فمن خشي الله واتقاه وانتهى عن ما نهاه وقام بما افترض عليه فهو [العالم] بشهادة الله له بذلك وحسبك وأما قوله بخ بخ أمير المؤمنين فهو توبيخ منه لنفسه وتوبيخ النفس وتقريعها عبادة كما أن الرضى عنها هلكة وقوله لتتقين الله أو ليعذبنك الله يعني إن شاء وهو مقيد بقول الله تعالى * (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) * [البقرة 284] 1870 - قال مالك وبلغني أن القاسم بن محمد كان يقول أدركت الناس وما يعجبون بالقول قال مالك يريد بذلك العمل إنما ينظر إلى عمله ولا ينظر إلى قوله قال أبو عمر روينا عن الحسن أنه قال إذا سمعت من الرجل كلاما حسنا
587 فرويدا به فإن وافق قوله فعله فذلك وإلا فإنما يذري على نفسه وقال المأمون نحن إلى أن نوعظ بالأعمال أحوج منا إلى أن نوعظ بالأقوال قال أبو عمر يكفي من هذا كله قول الله تعالى " يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " [الصف 3] ((11 - باب القول إذا سمعت الرعد)) 1871 - مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثم يقول إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد هكذا رواه يحيى لم يجاوز به عامرا ورواه غيره من رواة الموطأ فقالوا فيه مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال أبو عمر جمهور أهل العلم من أهل الفقه والحديث يقولون الرعد ملك يزجر السحاب وقد يجوز أن يكون زجره لها تسبيحا لقول الله تعالى " ويسبح الرعد بحمده " [الرعد 13] والرعد لا يعلمه الناس إلا بذلك الصوت وجائز أن يكون ذلك تسبيحه قال الله تعالى " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [الإسراء 44] وقد قال أهل العلم بتأويل القرآن في قوله تعالى * (يا جبال أوبي معه) * [سبأ 10] أي سبحي معه وروى بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أخبرنا عن الرعد ما هو قال ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء قالوا فما هذا الصوت الذي يسمع قال زجره السحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر قالوا صدقت (1) وروي عن علي - رضي الله عنه - قال الرعد ملك والبرق مخارق من حديد
588 وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن كعبا أرسل إليه يسأله عن الرعد فقال هو ملك يزجر السحاب كما يزجر الحادي - أو قال الراعي الخبيث - الإبل إذا شذت سحابة ضمها أو يفضي إلى الأرض صعق من يبصره وعن الضحاك عن بن عباس قال الرعد ملك من الملائكة [يزجر السحاب] اسمه الرعد وهو الذي تسمعون صوته وعن عكرمة قال الرعد ملك يزجر السحاب يزجرها الله به كالحادي بالإبل وعن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب وعن السدي عن أصحابه قالوا الرعد ملك يقال له الرعد يأمره الله بما يريد أن يمطر وذكر عبد الرزاق عن معمر قال سألت الزهري عن الرعد فقال الله أعلم [قال عبد الرزاق وحدثني أبي أن وهب بن منبه سئل عن الرعد فقال الله أعلم] أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمرو بن حرب عن سفيان بن عيينة قال قلت لعبد الله بن طاوس ما كان أبوك يقول إذا سمع الرعد قال كان يقول سبحان من سبحت له سبحانه ورواه زمعة بن صالح عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس أنه كان إذا سمع الرعد يقول سبحان من سبحت له وروى بن علية عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس مثله قال أبو عمر فهذا ما لسلف المسلمين من الصحابة والتابعين في الرعد وقد جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا به أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن علي بن حرب قال حدثنا سنان بن حاتم قال حدثنا عبد الواحد بن زياد عن أبي مطرف عن سالم عن بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والبرق قال اللهم لا تقتلنا غضبا ولا تقتلنا نقمة وعافنا قبل ذلك (1) قال أحمد بن شعيب وحدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الواحد بن
589 زياد عن الحجاج عن أبي مطرف انه سمع سالم بن عبد الله [بن عمر] يحدث عن أبيه قال كان رسول الله إذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك ((12 - باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم)) 1872 - مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لهن عائشة أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا فهو صدقة هكذا روي هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة كلاهما جعل الحديث لعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه يونس عن بن شهاب عن عروة عن عائشة كلاهما جعل الحديث لعائشة عن النبي عليه السلام ورواه معمر وعقيل وعبيد الله بن عمر وأسامة بن زيد عن بن شهاب عن عروة عن عائشة عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب عندهم وقد رواه إسحاق بن محمد الفروي عن مالك كذلك وليس هذا الحديث عند بن عيينة إلا عن معمر عن الزهري وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عن هؤلاء كلهم في التمهيد واختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنا لا نورث ما تركناه فهو صدقة فقال قوم من أهل البصرة منهم بن علية هذا مما خص به نبينا صلى الله عليه وسلم زيادة في فضله كما خص بما خص به من نكاح فوق الأربع بالموهوبة من غير صداق إلى أشياء خصه الله بها زيادة في فضائله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون بل ذلك للأنبياء كلهم لا يورثون وما تركوا فهو صدقة واحتجوا بما ذكره أبو الحسن الدارقطني قال حدثنا أبو عمر محمد بن
590 يوسف بن يعقوب قال حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني قال حدثنا عبد الله بن [أبي] أمية النحاس قال قرئ على مالك بن أنس عن بن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال سمعت عمر بن الخطاب يقول حدثنا أبو بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنا معشر الأنبياء ما تركنا فهو صدقة وبما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي 1873 - وهذا الحديث رواه مالك في الموطأ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقتسم ورثتي دنانير ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة هكذا قال يحيى دنانير وغيره من رواة الموطأ يقولون لا يقتسم ورثتي دينارا وهذا الحديث ذكره مالك في هذا الباب بعد حديثه عن بن شهاب المذكور قال أبو عمر فعلى هذين القولين جماعة علماء السلف إلا الروافض وهم لا يعدون خلافا لشذوذهم فيما ذهبوا إليه في هذا الباب عن سبيل المؤمنين ولا حجة لهم في قول الله تعالى " وورث سليمان داود " [النمل 16] وقوله يرثني ويرث من آل يعقوب لأن سليمان إنما ورث من داود النبوة والعلم والحكمة كذلك قال جماعة العلماء بتأويل القرآن وكذلك قالوا في قوله تعالى " يرثني ويرث من آل يعقوب " إلا الحسن فإنه قال يرثني ويرث من آل يعقوب النبوة والحكمة وكيف يسوغ لمسلم أن يظن أن أبا بكر - رضي الله عنه - منع فاطمة ميراثها من أبيها صلى الله عليه وسلم ومعلوم عند جماعة العلماء أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان يعطي الأحمر والأسود ويسوي بين الناس في العطاء ولم يستأثر لنفسه بشيء ويستحيل في العقل أن يمنع فاطمة ويرده على سائر المسلمين وقد أمر بنيه أن يردوا ما زاد في ماله منذ ولي
591 أمر المسلمين إلى بيت المال وقال إنما كان لنا من أموالهم ما لبسنا على ظهورنا وما أكلنا من طعامهم وروى أبو ضمرة أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال لعائشة ليس عند آل أبي بكر شيء غير هذه اللقحة والغلام الصغير كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا فإذا مت فادفعيه إلى عمر فلما مات دفعته إلى عمر فقال عمر رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده قال أبو عمر لم ير أبو بكر مما يخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني النضير وفدك وسهمه بخيبر وغير ذلك مما أفاء الله عليه إلا أن يليه بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه فينفق منه على عيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذ منه لهم كل عام قوت العام ويجعل ما فضل في الكراع والسلاح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل وفي هذه الولاية تخاصم إليه علي والعباس ليليها كل واحد منهما بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يليها به وروى حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن أبي بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعول وأنفق على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق قال أبو عمر الأحاديث في هذا الباب كثيرة في تركة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ما تخاصم فيه العباس وعلي وفي ظواهرهما اختلاف وتدافع وقد ذكرتها على ما وصل إلي منها في التمهيد والذي ذكرت في هذا الكتاب كاف مقنع والله الموفق للصواب
592 ((57 كتاب جهنم)) ((1 - باب ما جاء في صفة جهنم)) 1874 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزأ من نار جهنم فقالوا يا رسول الله إن كانت لكافية قال إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزأ 1875 - مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال أترونها حمراء كناركم هذه لهي أسود من القار والقار الزفت قال أبو عمر حديث مالك عن عمه موقوف على أبي هريرة ومعناه مرفوع لأنه لا يدرك مثله بالرأي ولا يكون إلا توقيفا وفيه قوله أسود من القار وهي لغة مهجورة واللغة الفصيحة أشد سوادا من القار وأشد بياضا وليس في هذا الباب مدخل للقول والنظر وإنما فيه التسليم والوقوف عند التوقيف وبالله التوفيق وقد جاء عن بن مسعود وبن عباس وأنس في صفة جهنم ما يعلم أنه لم يقولوا ذلك إلا بما علموه وما وقفوا عليه روى الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال إن ناركم هذه ليست مثل نار جهنم لا ينتفع بها أحد أو أنها لما نزلت ضرب بها البحر ضربتين ولولا ذلك لم ينتفع أحد بها
593 وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وقد روى إسرائيل عن عمار الذهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال إن ناركم هذه جزء من سبعين من النار قد ضرب بها البحر حين أنزلت سبع مرار ولولا ذلك ما انتفع بها وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد وعبد الله بن نمير قالا حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن نفيع بن الحارث عن أنس بن مالك قال إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وإنها لتدعو الله ألا يعيدها بتلك النار أبدا قال وحدثنا زيد بن الحباب عن محمد بن مسلم عن ميسرة عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - سأل رجلا من اليهود لم ير في اليهود مثله عن النار الكبرى فقال البحر يبعث الله الريح الدبور على البحور فتعود نارا فهي النار الكبرى قال أبو عمر محمد بن مسلم الطائفي وميسرة بن عمار الأشجعي ثقتان لا بأس بهما [جميعا
594 ((58 كتاب الصدقة)) ((1 - باب الترغيب في الصدقة)) 1876 - مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب سعيد بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا كان إنما يضعها في كف الرحمن يربيها كما يربي أحدكم فلوه (1) أو فصيله حتى تكون مثل الجبل هكذا روى يحيى هذا الحديث مرسلا وتابعه أكثر الرواة للموطأ على إرساله وممن تابعه بن وهب وبن القاسم وأبو المصعب ومطرف ورواه بن بكير ومعن بن عيسى مسندا عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم [وكذلك رواه بن عجلان - وكان ثقة - عن أبي الحباب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم] أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن بن عجلان عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب فيضعها في حق ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب
595 - إلا كان كأنما وضعها في يد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه وفصيله حتى إن اللقمة أو التمرة لتأتي يوم القيامة مثل الجبل العظيم (1) قال سفيان ألم تعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وقال " يمحق الله الربوا ويربى الصدقات " [البقرة 267] قال أبو عمر كان بن عيينة كثيرا ما يفسر الحديث بالقرآن وكان عالما بتأويل القرآن والحديث ومعنى ما قاله بن عيينة موجود عن بن مسعود قال إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل وتلا " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون " [الشورى 25] وروى معمر عن أيوب عن القاسم بن محمد عن أبي هريرة قال إن الله يقبل الصدقة إذا كانت من طيب ويأخذها بيمينه وذكر معنى حديث مالك عن يحيى بن سعيد في هذا الباب وأما قوله يأخذها بيمينه فهذا مجاز وحسن عبارة عن قبول الله تعالى للصدقة ومعنى أخذ الله لها قبوله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء وليس كمثله شيء وهو السميع العليم وفي هذا الحديث إن الله لا يقبل من الصدقة إلا الطيب والطيب الحلال بهذا جاء القرآن فقال " كلوا من الطيبات واعملوا صلحا " [المؤمنون 51] وقال " كلوا مما في الأرض حللا طيبا " [البقرة 168] وفي فضل الصدقة آثار كثيرة قد ذكرنا ما حضرنا ذكره في التمهيد منها ما حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن بجير القاضي قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا الحكم بن يعلى قال حدثنا عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة [بن عامر] عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الصدقة لتطفىء عن أهلها حر القبور
596 وقال صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة (1) رواه عدي بن حاتم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم 1877 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء (2) وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما أنزلت هذه الآية * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * [آل عمران 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * [آل عمران 92] وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت فيه وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث أكثر رواة الموطأ عن مالك كلهم قال فيه فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه وكذلك رواه علي بن عبد العزيز عن القعنبي عن مالك ورواه إسماعيل بن إسحاق عن القعنبي فقال فيه فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقاربه وبني عمه ولم يختلف [العلماء] أن الأقارب وبني العم ها هنا هم أقارب أبي طلحة لا أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيره
597 وقد روي ذلك منصوصا من رواية الثقاة أيضا حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا بشر بن الوليد قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال لما نزلت هذه الآية * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * [آل عمران 92] جاء أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم [على المنبر] قال وكانت دار بن جعفر والدار التي تليها إلى قصر بن جدلية حوائط لأبي طلحة وقد كان قصر بني جديلة حائطا لأبي طلحة يقال له بيرحاء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من مائها ويأكل من تمرها فجاء أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال إن الله يقول * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * وإن أحب أموالي إلى بيرحاء فهي لله ولرسوله أرجو بره وزخره اجعلها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ بذلك يا أبا طلحة مال رابح قد قبلناه منك ورددناه عليك فاجعله في الأقربين فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه فكان منهم أبي بن كعب وحسان بن ثابت قال فباع حسان نصيبه من معاوية فقيل له يا حسان تبيع صدقة أبي طلحة فقال ألا أبتع صاعا من تمر بصاع من دراهم وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا أبي عن تمامة عن أنس وحميد الطويل عن أنس وهذا لفظ أبي قال أنس كانت لأبي طلحة أرض فجعلها لله تعالى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له اجعلها في أقاربك فجعلها لحسان وأبي قال أنس وكانا أقرب إليه مني أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود قال وبلغني عن محمد بن عبد الله الأنصاري أنه قال أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل بن الأسود بن حزام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وحسان بن ثابت بن المنذر بن حزام يجتمع مع أبي طلحة وحسان في حزام [قال وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية] بن عمرو بن مالك بن النجار قال الأنصاري بين أبي طلحة وأبي ستة آباء قال وعمرو بن مالك يجمع حسانا وأبيا وأبا طلحة
598 قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد ما بد إلينا من وجوه معاني حديث أنس في قصة أبي طلحة وتقصينا ذلك هناك ونذكر ها هنا طرفا فمن ذلك أنه جائز أن يضيف إلى الرجل الفاضل حب المال وجائز أن يضيف ذلك إلى نفسه وقد قال أبو بكر لعائشة ما أجد أحب إلي] غنى منك ولا أعز علي فقرا منك وفيه إباحة دخول جنات الأصدقاء والإخوان الأصفياء والأكل من ثمارها والشرب من مائها بغير إذنهم وذلك كله إذا علم أن نفس صاحبها تطيب بذلك ولم يكن ممن [يتشاح الناس فيه وكان تافها] وقيل إن كسب العقار من شأن الأبرار وأن اكتساب ذلك بالهبة وغير الهبة مباح حلال أخذ الناس فيه وكان تائها لا باد لهم وفيه دليل على أنه يستعذب الماء للفضلاء الجلة العلماء وفيه أن من أخرج شيئا من ماله فجائز جعله حيث أراه الله من سبل الخير وجائز أن يشاور فيه ويصدر عنه برأي من يثق برأيه في ذلك وليس ذلك وجه معلوم لا يتعدى كما قال من قال معنى قول الرجل لله وفي سبيل الله كذا دون كذا وفيه دليل على أن الصدقة على الأقارب الفضلاء من أعمال البر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشهد إلا بالأفضل من الأعمال وقد قالوا الصدقة على الأقارب صدقة وصلة وقد فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأقارب على العتق بدليل حديث بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة قالت كانت لي جارية فأعتقتها فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال آجرك الله لو أعطيتها إخوانك كان أعظم لأجرك حدثنا عبد الله قال حدثنا حمزة قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن بن إسحاق عن بكير بن الأشج فذكره وروى سفيان بن عيينة قال حدثنا محمد بن المنكدر قال لما نزلت * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * [آل عمران 92] قال زيد بن حارثة اللهم إنك تعلم أنه ليس مال أحب إلي من فرسي هذا وكان له فرس يقال له سبل فجاء به النبي
599 صلى الله عليه وسلم فقال هذا في سبيل الله فقال لأسامة اقبضه فكأن زيدا وجد من ذلك في نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد قبلها منك وروى حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن المنكدر مثله 1878 - مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعطوا السائل وإن جاء على فرس قال أبو عمر لا أعلم في هذا الحديث خلافا وقد روي معناه من حديث حسين بن علي (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه من الفقه الحض على إعطاء السائل وهذا عندي مرتب على ما قد مضى في هذا الكتاب من الأحاديث المسندة الصحاح في كراهة السؤال لمن معه ما يعد به وما يعيشه وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى (1) يعني قويا على الخدمة والاكتساب بهما وإذا كان السائل لا يقدر على التصرف في السؤال إلا بدابة تحمل راحلته ولم يكن له معيشة ولا حرفة فجائز له السؤال - والله أعلم - على ظاهر هذا الحديث على أنه حديث ليس مما تقطع به الحجة وقد اختلف الفقهاء في من تحل له الصدقة المفروضة ورأوا - أو رأى أكثرهم - أن من لم يكن له في داره فضل على سكناه ولا في خادمه فضل عن من يقوم بخدمته وكذلك الدابة إذا احتاج إليها وليس له مال غيرها أنه فقير تحل له الصدقة وقد ذكرنا اختلافهم في هذا المعنى في ما سلف من كتابنا هذا - والحمد لله والحديث الذي ذكرناه حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا وكيع عن سفيان عن مصعب عن يحيى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين عن أبيها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وإن جاء على فرس
600 وقد روي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن السؤال يكذبون ما أفلح من ردهم وهذه أحاديث ليست بالقوية وقد ذكرنا أسانيدها في التمهيد 1879 - مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ الأشهلي الأنصاري عن جدته أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن إن تهدي لجارتها ولو كراع (1) شاة محرقا قال أبو عمر الرواية المشهورة في هذا الحديث يا نساء المؤمنات على نصب النداء وجر المؤمنات على معنى قول النحويين مسجد الجامع وحسن الوجه كأنه إضافة الشيء إلى بعضه وهذا الذي اختاره العلماء الخشني وغيره - رحمه الله وقد أنكر قوم هذا المعنى لم يتسعوا في العربية هذا الاتساع وأنكروا هذه الرواية ورووها بالرفع كأنه قال يا أيها النساء المؤمنات قال صاحب العين الكراع من الإنسان والدواب وسائر المواشي هو ما دون الكعب وفي هذا الحديث الحض على الصلة والهدية إلى الجار بقليل الشيء وكثيره وفي ذلك دليل على أن التأكيد في بره وحفظه فكل من أمرت بإلطافه وصلته فقد نهيت عن أذاه والإضرار به ولا ينبغي لأحد أن يحقر من المعروف وسائر عمل الخير قليلا ولا تافها لأن الله يقبل اليسير ويضاعفه ويربيه كما يربى الإنسان فلوه ولقد أحسن محمود الوراق قوله (لو قد رأيت الصغير من فعل الخي * ثوابا عجبت من كبره) (أو قد رأيت الكبير من عمل الشر * جزاء أشفقت من حذره) 1880 - مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن مسكينا سألها وهي
601 صائمة وليس في بيتها إلا رغيف فقالت لمولاة لها أعطيه إياه فقالت ليس لك ما تفطرين عليه فقالت أعطيه إياه قالت ففعلت قالت فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا شاة وكفنها فدعتني عائشة أم المؤمنين فقالت كلي من هذا هذا خير من قرصك قال أبو عمر هذا من المال الرابح والفعل الزاكي عند الله يعجل منه ما يشاء ولا ينقص ذلك فما يذخر عنه من ترك شيئا لله لم يجد فقره وعائشة - رضي الله عنها - في فعلها هذا من الذين أثنى الله عليهم بأنهم يؤثرون على أنفسهم مع ما هم فيه من الخصاصة وأن من فعل ذلك [فقد] وقي شح نفسه وأفلح فلا حاجة لإحسان بعده وفي هذا المعنى ما حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن أسد قال حدثنا محمد بن مسروق العسال قال حدثنا القيروان قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا الحسن بن الحسن المروذي قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا محمد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن نافع أن بن عمر اشتكى أو اشتهى عنبا فاشترى له عنقودا بدرهم فجاء مسكين فقال أعطوه إياه فخالف إنسان فاشتراه بدرهم ثم جاء به إلى بن عمر فجاء المسكين يسأل فقال أعطوه إياه ثم خالف إنسان فاشتراه بدرهم ثم جاء به فأراد السائل أن يرجع فمنع ولو علم بن عمر أنه ذلك العنقود ما ذاقه وأما قوله شاة وكففها فإن العرب أو بعض وجوههم كان هذا من طعامهم يأتون إلى الشاة أو الخروف فإذا سلخوه غطوه كله بعجين دقيق البر وكفنوه فيه ثم علقوه في التنور فلا يخرج من ودكه شيء إلا في ذلك الكفن وذلك من طيب الطعام عندهم 1881 - قال مالك بلغني أن مسكينا استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب فقالت لإنسان خذ حبة فأعطه إياها فجعل ينظر إليها ويعجب فقالت عائشة أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة قال أبو عمر قد جاء مثل هذا عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص
602 ذكر حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي أمامة الدارمي أن سائلا أتى عبد الرحمن بن عوف وبين يديه طبق عليه عنب فأعطاه عنبة فقال أين تقع هذه منه قال فيها مثاقيل ذر كثيرة وحماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عطاء بن فروخ أن سعد بن مالك أتاه سائل وبين يديه طبق عليه تمر فأعطاه تمرة فقبض يده فقال سعد إن الله يقبل منها مثقال الذرة والخردلة وكم في هذه من مثاقيل الذرة قال أبو عمر قال الله تعالى * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * [الزلزلة 7] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة (1) ومن اعتاد الصدقة تصدق مرة بالكثير ومرة باليسير ألا ترى أن عائشة في الحديث قبل هذا آثرت السائل بفطرها كله وفي هذا الحديث أعطته حبة عنب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجيمي لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي (2) وقد مضى هذا المعنى بأوضح من هذا في ما تقدم من هذا الكتاب وبالله التوفيق ((2 - باب ما جاء في التعفف عن المسألة)) 1882 - مالك عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده ثم قال ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنيه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر
603 وفي هذا الحديث من الفقه إعطاء السائل مرتين من مال واحد وفيه حجة لمن قال يعطى الفقير باسم الفقر وباسم بن السبيل من مال واحد فكذلك سائر سهام الصدقات وقياسه عندهم الوصايا يجيزون لمن أوصى لهم بشيء وإذا قبضه أن يعطي مع المساكين إن كان ذلك الشيء لا يخرجه عن حد المسكنة وكذلك سائر أنواع الوصايا وأبى من ذلك بن القاسم وطائفة من الكوفيين وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من السخاء والكرم لأنه كان كثيرا ما يعطي من سهمه وصميم ماله وفيه الاعتذار إلى السائل إذا لم يجد ما يعطيه وفيه الحض على الاستغناء عن الناس بالصبر والتوكل على الله وانتظار رزق الله وذلك أفضل ما أعطيه المؤمن 1883 - مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة قال أبو عمر رواه أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال اليد العليا المتعففة وقد ذكرنا إسناده في التمهيد ورواية مالك أولى بالصواب بدليل حديث طارق المحاربي رواه يزيد بن زياد عن أبي الجعد عن جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال قدمت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر يخطب الناس ويقول يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وروى سفيان بن عيينة عن بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة
604 أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندي دينار قال أنفقه على نفسك فقال عندي آخر فقال أنفقه على ولدك قال عندي آخر قال أنفقه على زوجتك قال عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت أعلم (1) قال أبو عمر قد مضى في باب الوصية حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم إنك لن تنفق نفقة إلا أجرت فيها حتى ما تضعه في في امرأتك (2) وهذا كله تفسير معنى وابدأ بمن تعول وأن الأجر في من تعول أفضل لأن عمل الفرض أفضل من التطوع روى سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن الشعبي قال إن من النفقة التي تضاعف سبعمائة ضعف نفقة الرجل على أهله وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا المعطية رواه جماعة من الصحابة من طرق شتى ذكرناها في التمهيد منها ما رواه بن وهب عن بن لهيعة وحيوة بن شريح عن محمد بن عجلان قال سمعت القعقاع بن حكيم يحدث عن عبد الله بن عمر أن عبد العزيز بن مروان كتب إليه أن ارفع إلى حاجتك فكتب إليه عبد الله بن عمر يقول إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وإني لا أحسب اليد العليا إلا المعطية ولا السفلى إلا السائلة وإني غير سائلك شيئا ولا راد رزقا ساقه الله إلي منك والسلام قال أبو عمر هذا أصل في قبول جوائز السلطان من غير سؤال وكان بن عمر يقبل جوائز عبد العزيز بن مروان وهدايا المختار وحسبك به علما وورعا وقد ذكرنا ما من النفقات فرض وما منها سنة وما منها تطوع وندب في التمهيد وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله
605 صلى الله عليه وسلم لا يفتح إنسان على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر وفي حديث مالك معان مستنبطة قد ذكرتها في التمهيد وهي واضحة لمن تدبرها 1884 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء فرده عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لم رددته فقال يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيرا لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عن المسألة فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله فقال عمر بن الخطاب أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحدا شيئا ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته قال أبو عمر هذا قول الفقه والعلم الصحيح ما لم يعلم الشيء حراما بعينه يمكن استحقاقه من يد من هو في يده ولم يبن له من السنة والعلم ما بان لعمر بن الخطاب من فحوى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بعيد من الصواب وأما السؤال فمكروه على كل حال لا يجوز لمن له ما يعد ويعيشه إذا كان طعاما بمثل ذلك في غده وما بعده وقد روي حديث عمر هذا مسندا من وجوه صحاح منها حديث بن شهاب عن سالم عن أبيه ومنها حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر وقد ذكرناها في التمهيد ومن طرقها ما رواه بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر العطاء فيقول يا رسول الله أعطيه من هو أفقر إليه مني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذه فتموله أو تصدق به وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك
606 قال سالم فمن أجل ذلك كان بن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه وقد روى هذا الحديث عن بن شهاب جماعة منهم معمر والزبيري وشعيب بن أبي حمزة ورواه بن عيينة عن معمر عن الزهري بإسناده ومعناه إلا أن منهم من لم يذكر كلام سالم ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الهدية رزق من رزق الله فمن أهدي له شيء فليقبله ولا يرده وليكافئ عليه ومن حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من عرض له شيء من الرزق من غير أن يسأله فليقبله فإنما هو رزق ساقه الله إليه والآثار المرفوعة في هذا كثيرة قد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد وقال أبو الدرداء أيضا إذا أعطاك أخوك شيئا فاقبله منه فإن كان لك فيه حاجة فاستمتع به وإن كنت غنيا فتصدق به ولا تنفس عن أخيك أن يأجره الله فيك وعن أبي الدرداء أيضا أنه قال إن أحدكم يقول اللهم ارزقني وقد علم أن الله لا يخلق له دينارا ولا درهما وإنما يرزق بعضكم من بعض فإذا أعطي أحدكم شيئا فليقبله وإن كان غنيا فليضعه في أهل الحاجة من إخوانه وإن كان فقيرا فليستعن به على حاجته ولا يرد على الله رزقا رزقه وقد ذكرنا أسانيد هذه الأخبار في التمهيد والحمد لله 1885 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه هكذا رواه يحيى ليأخذ أحدكم وتابعه أكثر رواة الموطأ على ذلك فقالت منهم طائفة لأن يأخذ منهم معن بن عيسى وبن نافع
607 وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة من وجوه منها حديث بن شهاب عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه وغيره من مسند هذا الباب في التمهيد ومن أحسنها ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن عمر النمري قال حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة الفزاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء اتقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بد (1) قال أبو عمر هذا حديث صحيح ثابت وهو أصل عند العلماء في سؤال السلطان خاصة وقبول جوائزه وأعطيته على كل حال ما لم يعلمه حراما بعينه وعموم هذا الحديث يقتضي جميع السلاطين والأمراء بدليل قوله صلى الله عليه وسلم سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها (2) الحديث وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا عبد الله بن أبي حسان قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقبل جوائز الأمراء وروى الأعمش وغيره عن حبيب بن أبي ثابت قال رأيت هدايا المختار تأتي بن عباس وبن عمر فيقبلانها قال أبو عمر قبل جوائز الأمراء جمهور العلماء منهم عامر الشعبي والحسن البصري وإبراهيم النخعي وبن شهاب الزهري والقاسم بن مخيمرة والحسن بن محمد بن الحنفية وثابت البناني ويزيد الرقاشي وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس وسفيان الثوري وبن عيينة والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي وأبو يوسف ومحمد وكان يحيى بن سعيد الأنصاري في ديوان الوليد وكان جماعة من العلماء يأخذون من بني أمية العطاء
608 وكان سفيان الثوري يقول جوائز السلطان أحب إلي] من صلة الإخوان لأن الإخوان يمنون وكان يحتج بقول بن مسعود ذلك المهنى وعليك المأثم وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا الأعرابي قال حدثنا عباس الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول حدثني عبيد الله بن ثور بن أبي الخلال [العتكي] قال حدثنا الخلال بن ثور عن عبد المجيد بن وهب عن أبي الخلال قال سألت عثمان بن عفان [عن جائزة السلطان] قال لحم ظبي ذكي قال أبو عمر روينا عن الحسن بن أبي الحسن من وجوه أنه كان يقول لا يرد جوائزهم إلا أحمق أو مرائي قال أبو عمر ما أعلم أحدا لم يقبل جوائز السلطان من علماء التابعين إلا سعيد بن المسيب وبن سيرين وقد ذكرنا كثيرا من الآثار عنهم في التمهيد وقد أفرد لها أحمد بن خالد - رحمه الله - وكان أعلم رجل بالأندلس جمع علم الأصول والفروع كتابا جمع فيه ما انتهى من ذلك إليه وزدنا فيه آثارا لم يروها والله أعلم وأما سؤال الناس فمكروه غير جائز لم نجد عنه بدا حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا علي بن محمد حدثنا أحمد قال حدثنا سحنون قال حدثنا بن وهب] قال أخبرني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع أباه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم (1) ومن حديث شعبة عن بسطام بن مسلم عن عبد الله بن خليفة عن عائذ بن عمرو أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه فلما وضع رجله على إسكفة الباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما في السؤال ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا (2) وحديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم من تكفل لي ألا يسأل الناس شيئا أتكفل له الجنة
609 وحديث قبيصة بن المخارق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المسألة لا تحل إلا في ثلاث رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى [يصيبها ثم يمسك ورجل أضاقته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى] يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه قد أصابت فلان الفاقة فحلت له المسألة فسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك وما سواهن من المسائل يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا (1) وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار وغيرها في معناها في التمهيد والحمد لله 1886 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله لنا شيئا نأكله وجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أجد ما أعطيك فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول لعمري إنك لتعطي من شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليغضب علي أن لا أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا (2) قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية قال مالك والأوقية أربعون درهما قال مالك فرجعت ولم أسأله فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب فقسم لنا منه حتى أغنانا الله عز وجل هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة عن مالك عن زيد عن عطاء عن رجل من بني أسد وقد رواه عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وعن بن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري حديث] في هذا المعنى بغير هذا اللفظ وقد تقدم ذكره
610 ولا أعلم خلافا بين العلماء في كراهة السؤال لمن له أوقية أو عدلها وقد اختلفوا في المقدار الذي تحرم به الصدقة المفروضة على من ملكه وقد ذكرنا هذا المعنى في كتاب الزكاة والحمد لله وأما السؤال فمكروه غير جائز عند جميعهم لمن يجد منه بدا وروينا عن عبد الله بن عباس أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما أوصاه به إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ولقد أحسن بعض الأعراب في قوله (علام سؤال الناس والرزق واسع * وأنت صحيح لم تخنك الأصابع) (وللعيش أوكار وفي الأرض مذهب * عريض وباب الرزق في الأرض واسع) (فكن طالبا للرزق من رازق الغنى * وخل سؤال الناس فالله صانع) وقال عبيد بن الأبرص (من يسأل الناس يحرموه * وسائل الله لا يخيب) وقال مسلم بن الوليد (أقول لمأفون البديهة طائر * مع الحرص لم يغنم ولم يتمول) (سل الناس إني سائل الله وحده * وصائن عرضي عن فلان وعن خل) وقد أتينا من أشعار الشعراء في هذا المعنى مع أقاويل العلماء في كتاب بهجة المجالس بما فيه شفاء والحمد لله وأما قوله في الحديث للقحة خير من أوقية فاللقحة الناقة اللبون وقال أحيحة بن الجلاح (تبوع للحليلة حيث كانت * فما يعتاد لقحته الفصيل) وقال الأصمعي لقاح الإبل أن تحمل سنة 1887 - مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمعه يقول ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع عبد إلا رفعه الله قال مالك لا أدري أيرفع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا
611 قال أبو عمر هذا حديث محفوظ مسند صحيح عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناها من طرق شتى كثيرة عن العلاء بإسناده كما وصفنا ومثله لا يقال بالرأي ومعنى قوله ما نقصت صدقة من مال أي لا تنقص الصدقة المال لأنه مال مبارك فيه إذا أديت زكاته وتطوع منه صاحبه لأن الصدقة تضاعف إلى سبعمائة ضعف ويجدها صاحبها وقت الحاجة إليها كجبل أحد مضاعفة أضعافا كثيرة فأي نقصان مع هذا وحدثنا يونس بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا علي بن جعفر بن محمد البغدادي قال حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا أبو الربيع [وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري قال حدثنا محمد بن جعفر بن محمد عن عاصم بن علي] قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله اللفظ لحديث إسماعيل بن جعفر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا القاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال ولا عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله عزا ولا تواضع رجل إلا رفعه الله وليس في هذا الحديث موضع للقول ولا مدخل للتفسير والشرح والحمد لله ((3 - باب ما يكره من الصدقة)) 1888 - مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لآل محمد إنما هي أوساخ الناس
612 [قال أبو عمر] هذا المعنى يستند من حديث مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث الحديث الطويل ولا أعلم رواه وأسنده عن مالك إلا جويرية بن أسماء وسعيد بن داود بن أبي زنبر الزنبري وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس وهذا عندنا الصدقة المفروضة لأن عبد المطلب بن ربيعة والفضل بن عباس أرادا أن يستعملهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة فنهاهما علي رضي الله عنه عن سؤال رسول الله [فلم يقبلا منه وردا عليه قوله وأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم] فسألاه فقال لهما إن الصدقة أوساخ الناس لا تنبغي لآل محمد وأمر لهما بما أراده من الخمس والحديث مذكور بتمامه في التمهيد وقد ذكرنا اختلاف العلماء في آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة في غير هذا الموضع وهو اختلاف متباين ونذكر منه ها هنا ما عليه أئمة الفتيا قال أبو عمر قال مالك - رحمه الله - لا تحل الصدقة لآل محمد ولا بأس أن تعطى مواليهم وإنما تحرم على آل محمد الصدقة المفروضة دون التطوع ولم يذكر من آل محمد عنده وقد اختلف أصحابه على ما قد ذكرناه في كتاب اختلافهم فقال الثوري - رحمه الله - لا يأخذ موالي بني هاشم الصدقة ولم يفرق بين النفل والفرض وقال أبو حنيفة وأصحابه ذوو القربى الذين تحرم عليهم الصدقة فهم بنو هاشم آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب وولد عبد المطلب جميعا ومواليهم وإنما تحرم عليهم الصدقة الواجبة فأما التطوع فلا هذا ما ذكره الطحاوي عنهم في مختصره في كتاب الاختلاف وذكر الطبري في تهذيب الآثار قال قال أبو حنيفة الصدقة حلال لبني هاشم وقال أبو يوسف لا تحل لهم الصدقة من غيرهم وتحل لبعضهم من بعض
613 وقال الشافعي تحرم صدقة الفرض على بني هاشم وبني عبد المطلب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم في سهم ذي القربى وتحل صدقة التطوع عليهم وعلى كل أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر روى أبو رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ومولى القوم منهم وفي هذا الحديث عندي نظر وقد روى أبو حيان التميمي عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم أنه قيل له من آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة قال آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل قال أبو عمر قول من قال هم بنو هاشم من بني عبد المطلب بن هاشم [وأسد بن هاشم] وسائر بني هاشم أولى وحجة من قال هذا القول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم (1) وقد قيل إنهم قريش كلهم وهذا قول ضعيف وأما قوله أوساخ الناس فقد بان في حديث مالك في هذا الباب 1889 - مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال قال عبد الله بن الأرقم ادللني على بعير من المطايا أستحمل عليه أمير المؤمنين فقلت نعم جملا من الصدقة فقال عبد الله بن الأرقم أتحب أن رجلا بادنا في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه (2) ثم أعطاكه فشربته قال فغضبت وقلت يغفر الله لك أتقول لي مثل هذا فقال عبد الله بن الأرقم إنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم وخرج قوله أوساخ الناس مخرج المثل السائر المضروب في كراهة الصدقة لمن وجد عنها غنى ومعناه يقتضي وجهين يعضدهما الأصول أحدهما أن الأوساخ التي ضرب بها المثل هي على الغني حرام لأن الكلام خرج على الصدقة المفروضة وهي لا تحل للأغنياء
614 والوجه الآخر أن الصدقة كلها مكروهة لكل من يجد عنها بدا بقوته على الاكتساب والتخوف في طلب الرزق وإن كان فقيرا فقد أوضحنا المعنى الذي يحرم الصدقة على السائل فيما تقدم قال أبو عمر وفي هذا عندي حجة لمن قال في الماء المستعمل إنه ماء الذنوب كراهة له لأنها تنجسه 1890 - مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني عبد الأشهل على الصدقة فلما قدم سأله إبلا من الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه وكان مما يعرف به الغضب في وجهه أن تحمر عيناه ثم قال إن الرجل ليسألني ما لا يصلح لي ولا له فإن منعته كرهت المنع وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي ولا له فقال الرجل يا رسول الله لا أسألك منها شيئا أبدا قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت رواه أحمد بن منصور البلخي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أنس وقد ذكرناه في التمهيد والصحيح ما في الموطأ والقول في معناه بين لأن الأشهل الأنصاري سأله عن الصدقة ما استحقه بعمالته عليها وكان غنيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يعرف حد الغنى عند نفسه فسأل ما يظنه حلالا له فأتاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بان له [به] علم ما يحل له من الصدقة الواجبة فكف عن ذلك
615 ((59 كتاب العلم)) ((1 - باب ما جاء في طلب العلم)) 1891 - مالك أنه بلغه أن لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل السماء [قال أبو عمر] قد أفردنا لفضائل العلم جزءا كاملا في كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله فمن أراد الشفاء من هذا طالعه هناك فاشتفى وبالله التوفيق وروينا عن أسد بن موسى عن بكر بن خنيس عن ضرار بن عمرو عن محمد بن سيرين قال إن قوما تركوا طلب العلم ومجالسة العلماء وأخذوا في الصلاة والصيام حتى يبس جلد أحدهم على عظمه ثم خالفوا السنة فهلكوا وسفكوا دماء المسلمين فوالذي لا إله غيره ما عمل أحد عملا على جهل إلا كان يفسد أكثر مما يصلح
616 ((60 كتاب دعوة المظلوم)) ((1 - باب ما يتقى من دعوة المظلوم)) 1892 - مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى فقال يا هني اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة (1) ورب الغنيمة (2) وإياي ونعم بن عوف ونعم بن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق وأيم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم إنها لبلادهم ومياههم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا قال أبو عمر أما دعوة المظلوم فقد ثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم [في ذلك أنها لا ترد وكذلك في ما يروى من صحف إبراهيم فأما الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فذلك] فمنه ما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن بن عباس عن معاذ بن جبل وربما قال وكيع عن بن عباس
617 أن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم [خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم] صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب (1) وقال وحدثنا [أبو] معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة أن رجلا أتى معاذا فقال أوصني قال إياك ودعوة المظلوم وقال أبو بكر في المصنف حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد [عن أبي هريرة] قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه وذكر سنيد قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا أبو معشر فذكر بإسناده مثله وعن علي رضي الله عنه قال ثلاثة لا ترد دعوتهم إمام عادل في رعيته والوالد لولده والمظلوم لظالمه قال أبو الدرداء دعوة المظلوم تصعد إلى السماء فتفتح لها أبواب السماء وعن أبي الدرداء أيضا إياكم ودعوة المظلوم وبكاء اليتيم فإنهما يسريان بالليل والناس نيام ولقد أحسن القائل (نامت جفونك والمظلوم منتبه * يدعو عليك وعين الله لم تنم) وقال عون بن عبد الله أربع دعوات لا يحجبن عن الله دعوة والد راض [وإمام مقصد] ودعوة المظلوم ودعوة رجل دعا لأخيه بظهر الغيب قال أبو عمر كذلك أسانيد هذه الأحاديث في كتاب أبي بكر وغيره في الدعاء وفي هذا الحديث ما كان عمر عليه من التقى وخوف الله وإيثار طاعة الله
618 وإنه كان لا يخاف أحدا في الله ألا ترى أنه لم يداهن عثمان ولا عبد الرحمن لموضعهما من الغنى وآثر المساكين والضعفاء والصريمة تصغير صرمة وهي القطعة الصغيرة من الماشية وفعل عمر هذا أصله السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا لله ولرسوله (1) يعني إبل الصدقة ورأى عمر مواساة الضعفاء من ذلك الحمى لأن ذلك أيسر عليه من الذهب والورق كما قال وفي هذا الحديث دليل على أن عثمان وعبد الرحمن بن عوف كانا من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وقدموا المدينة لا شيء لهم فتجروا فبارك الله لهم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر العاشر في السائب والنعم وهو اسم جل الإبل والبقر والغنم وقوله اضمم جناحك يقول لا تستطل على أحد لمكانك مني واتق دعوة المظلوم
619 ((61 كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم)) ((1 - باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم)) 1893 - مالك عن بن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب (1) هكذا رواه يحيى مرسلا ولم يقل فيه عن أبيه وتابعه على ذلك أكثر الرواة للموطأ وممن تابعه على ذلك القعنبي وبن بكير وبن القاسم وعبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس وأسنده عن مالك - فقال فيه عن بن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه معن بن عيسى وعبد الله بن نافع وأبو مصعب ومحمد بن المبارك الصوري ومحمد بن عبد الرحيم وبن شدوس الصنعاني وإبراهيم بن طهمان وحبيب كاتبه ومحمد بن حرب وأبو حذافة وكان القعنبي يحدث به عن مالك مرسلا وعن سفيان بن عيينة مسندا عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث مالك سواء
620 ولم يختلف عن بن شهاب أنه رواه عن محمد بن جبير عن أبيه وقد روي عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه رواه هكذا حماد بن سلمة عن جعفر بن أبي وحشية عن نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا محمد وأنا أحمد والحاشر والعاقب وقد روى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة وأبو موسى وقد ذكرنا ذلك عنهم في التمهيد أخبرنا علي بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا العباس بن محمد بن العباس البصري قال حدثنا أحمد بن صالح قال قرأت على عبد الله بن نافع قال حدثني مالك عن بن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لي خمسة أسماء وأنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده أحد وكذلك رواه أصحاب بن شهاب عن محمد بن جبير عن أبيه مسندا كما رواه هؤلاء ومعنى قوله يحشر الناس على قدمي أي قدامي وأمامي كأنهم يجتمعون إليه وينضمون حوله ويكونون أمامه ووراءة يوم القيامة قال الخليل حشرتهم السنة إذا ضمتهم من النواحي وقد قيل على قدمي على سابقتي من قوله تعالى " وبشر الذين ءامنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم " [يونس 2] والقدم السابقة بإخلاص الصدقة والطاعة قال حسان بن ثابت الأنصاري (لنا القدم العليا إليك وخلفنا * لأولنا في طاعة الله تابع) (1) وقال ذو الرمة (لكم قدم لا ينكر الناس أنها * مع الحسب العادي طمت على البحر
621 وأما العاقب فقد جاء عنه في هذا الحديث وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي قال أبو عبيد سألت سفيان بن عيينة عن العاقب فقال لي آخر الأنبياء وكذلك كل شيء خلف بعد شيء فهو عاقب قال أبو عمر هذا يشهد له كتاب الله تعالى في قوله " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين " [الأحزاب 40] وذكر بن وهب عن مالك قال ختم الله به الأنبياء وختم بمسجده هذه المساجد قال أبو عمر قال عباس بن أنس السلمي (يا خاتم النبأ إنك مرسل بالحق * كل هدى السبيل هداكا) (إن الإله ثنى عليك محبة * في خلقه ومحمدا سماكا) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو رجاء المعلالي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال أحسن بيت قيل فيما قالوا قول عبد المطلب أو قول أبي طالب (وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد) قال أبو عمر قد قيل إن أصدق بيت قاله شاعر (فما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد (2)) وهذا البيت في شعر لأبي إياس الديلي يمدح به النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت أبا إياس في كتاب الصحابة والحمد لله حدثنا محمد بن عبد الملك قراءة مني عليه قال حدثني أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا أبو الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثنا سعيد بن سليم قال حدثنا منصور بن الأسود عن ليث عن الربيع عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أولهم خروجا وأنا قائدهم إذا وفدوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا مستشفعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا الكرامة والمفاتيح يومئذ
622 بيدي ولواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي يطوف علي ألف خادم كأنهن بيض مكنون أو لؤلؤ منثور (1) حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا بن الأعرابي قال حدثنا الزعفراني قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا المختار بن فلفل قال حدثنا أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أكثر الأنبياء أتباعا يوم القيامة يجيء النبي وليس معه مصدق غير رجل واحد وأنا أول شافع وأول مشفع (2) صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما