بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: منتهى الدراية المؤلف: السيد محمد جعفر الشوشتري الجزء: 7 الوفاة: معاصر المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة تحقيق: الطبعة: الثالثة سنة الطبع: 1378 ش المطبعة: الناشر: مؤسسة دار الكتاب - قم - ايران ردمك: 964-5594-03-0 ملاحظات: منتهى الدراية في توضيح الكفاية تأليف السيد محمد جعفر الجزائري المروج الجزء السابع
1 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته وأكمل تحياته على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الأئمة الطيبين الطاهرين سيما الإمام المبين وغياث المضطر المستكين عجل الله تعالى فرجه الشريف، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين. أما بعد فهذا هو الجزء السابع من كتابنا (منتهى الدراية في توضيح الكفاية) وفقنا لإعداده للطبع، وهو يتبع الأجزاء المتقدمة في النهج والترتيب. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
3 جزائري، محمد جعفر، 1288 - 1377 ق. شارح منتهى الدراية في توضيح الكفاية [آخوند خراساني] تأليف محمد جعفر الجزائري المروج - قم: دار الكتاب، [14 ق = 13] - ج. فهرستنويسى بر اساس اطلاعات فيپا (فهرستنويسى پيش از انتشار). فهرستنويسى بر اساس جلد دوم. كتابنامه. ج. 7 (چاپ سوم: 1387) ISBN 964 - 5594 - 03 - 3 1. آخوند خراساني، محمد كاظم بن حسين، 1255 - 1329 ق. الكفاية الاصول - نقد وتفسير. 2. اصول فقه شيعه. الف. آخوند خراساني، محمد كاظم بن حسين، 1255 - 1329 ق. الكفاية الاصول، شرح. ب. عنوان. ج. عنوان: كفاية الاصول، شرح. BP 159 / 8 / آ / 3 ك 70233 297 / 312 1300 ي * م 64 - 2869 مؤسسه مطبوعاتي دار الكتاب - جزائري منتهى الدراية في توضيح الكفاية - الجزء السابع تأليف: سماحة آية الله السيد محمد جعفر الجزائري المروج قدس سره الناشر: مؤسسة دار الكتاب (الجزائري) شارع ارم، قم، ايران - تليفون وفاكس 744568 تليفون 741241 - 742428 الطبعة الثالثة: 1378 شمسي عدد المطبوع: 500 نسخة - المطبعة أمين صف الحروف وتجليد: مؤسسة دار الكتاب، تليفون: 743942 شابك 964 - 5594 - 03 - 0 ISBN 964 - 5594 - 03 - 0 (جميع حقوق الطبع والتصوير محفوظة للناشر)
4 فصل في الاستصحاب (1) وفي حجيته إثباتا ونفيا أقوال للأصحاب (2).
5 ولا يخفى أن عباراتهم (1) في تعريفه وإن كانت شتى،
7 إلا أنها (1) تشير إلى مفهوم واحد ومعنى فارد، وهو (الحكم
[1] فمنها: عدم صحة أخذ كلمة (إبقاء) في التعريف، لوجهين أحدهما: عدم صدق معناه لا حقيقة ولا مجازا، أما عدم صدق معناه الحقيقي في المقام فلان الاستصحاب إبقاء ظاهري لحكم أو لموضوع ذي حكم ولو لم يكن موجودا واقعا. وأما عدم انطباق معناه المجازي فلفرض تعدد معانيه المجازية وعدم قرينة على تعيين واحد منها بالخصوص، والتعريف لا بد أن يكون بالمبين لا بالمجمل. أما تعدد المعاني 8 ببقاء حكم (1) أو موضوع ذي حكم (2) شك في بقائه (3).
المجازية فلاحتمال إرادة حكم الشارع بالبقاء ان كان معتبرا من باب الاخبار، أو إرادة التزام العقلاء بالبقاء عملا، أو إرادة الظن بالبقاء بناء على اعتباره من باب الظن. وحيث انه لا معين لواحد من المعاني المجازية لتردد الابقاء بين احتمالات ثلاثة، فلا وجه لتعريف الاستصحاب بالابقاء المفروض كونه مجملا. ثانيهما: أن الابقاء بمعنى الحكم بالبقاء لا يلائم جميع المباني في الاستصحاب، إذ بناء على أخذه من الاخبار يصح تعريفه بالحكم بالبقاء، وأما بناء على حجيته من باب الظن فهو ظن خاص بالبقاء، كما أنه بناء على أخذه من بناء العقلاء فهو التزام العقلاء به في مقام العمل بلا حكم منهم. ومنها: أن تعريفه ب (إبقاء ما كان) فاقد لما يتقوم الاستصحاب به من اليقين السابق والشك اللاحق، والاعتماد على شاهد الحال أو على الاشعار غير سديد، لاقتضاء التعريف التصريح بهما، لما تسالموا عليه من لزوم كون المعرف أجلى من المعرف. ولو بني على كفاية الاشعار للزم كون كلمة (ما كان) مستدركة، للاستغناء عنها بلفظ الابقاء المشعر بكون أصل الحدوث مفروغا عنه. مع أن الشيخ (قده) أضاف كلمة (ما كان) ومن المعلوم أن عدم كفاية الاشعار يقتضي التصريح بركني الاستصحاب لا الإشارة إلى أحدهما وترك الاخر رأسا. 9
ومنها: أن تعليل الاخذ بالحالة السابقة في ظرف الشك بالكينونة السابقة غير وجيه، لعدم التعويل في التعبد الاستصحابي على مجرد الكون السابق، ضرورة أن حكم الشارع بالبقاء انما هو لحكمة موجبة لجعله، فان تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد لا تختص بالأحكام الواقعية، فالاحكام الظاهرية أيضا تنبعث عن ملاكات تقتضي جعلها، فالداعي للحكم بالبقاء مصلحة تقتضيه لا مجرد اليقين بثبوت الشئ في زمان. بل وكذا الحال لو كان الدليل عليه بناء العقلاء، إذ الموجب لهذا البناء كما يظهر من كلمات أكثرهم هو غلبة البقاء الموجبة للظن به، لا مجرد الثبوت السابق. وبعد هذه المناقشات قال المصنف: (ان الأولى أن يعرف الاستصحاب بأنه إلزام الشارع ببقاء ما لم يقم على بقائه دليل). ويمكن دفع بعض هذه المناقشات عن تعريف الشيخ الأعظم (قده) كما أن شيخنا المحقق العراقي (قده) تصدى لدفع بعضها. أما إشكال عدم جامعية التعريف للمباني المتشتتة فبأن (حقيقة الاستصحاب هو الحكم بالبقاء سواء أكان بإنشاء الشارع أم بإدراك العقل، لاندراج الكل في عنوان الحكم. وأما إشكال عدم وفاء الحد بما هو ركن المحدود أعني اليقين و الشك، فبأن الحكم بالبقاء لما كان لأجل الكينونة السابقة لا لشئ آخر - وهو يتوقف على الشك في البقاء، إذ لا معنى للاخذ بالحالة السابقة تعبدا أو ظنا ما لم يشك فيه - يدل على ركني الاستصحاب أعني اليقين السابق والشك اللاحق). لكنك خبير بما في كليهما، إذ في الأول أنه لا جامع بين حكم الشارع الذي هو من مقولة الفعل وبين إدراك العقل الذي هو من مقولة الانفعال أو الكيف النفساني، لتباين المقولات وعدم جامع بينها. وعليه فإطلاق الحكم عليها لا يكون الا بالاشتراك اللفظي الذي لا سبيل لاخذه 10
في الحدود. وفي الثاني: أن العمل باليقين السابق تعبدا وان لم يعقل لولا عروض الشك، الا أن هذا المقدار لا يدل على موضوعيته في الأصول العملية، لوضوح أن الامر كذلك في جميع الامارات والطرق غير العلمية، فإنه لولا الجهل بالواقع لا معنى للتعبد بخبر العدل والبينة و نحوهما، مع أنه لم يؤخذ الشك فيها موضوعا بل أخذ فيها موردا كما تقرر في محله. وعليه فالتصريح بالشك في التعريف أولى من إهماله اتكالا على الاشعار الذي لا يكتفي به في الحدود. هذا كله مضافا إلى أن غرض الأصحاب تعريف الاستصحاب الذي يعد من الأدلة، ومقتضاه صلاحية المعرف للاتصاف بالدليلية و الحجية بحيث يصح حمل الحجة عليه بالحمل الشائع، مع وضوح أن (إبقاء ما كان) بمعنى الحكم ببقائه مما لا يصح حمل الحجة عليه، لتصريح الشيخ الأعظم (قده) في رد كلام السيد العلامة الطباطبائي القائل بأن (لا تنقض) دليل الاستصحاب، وهو دليل الحكم الشرعي (بأن لا تنقض دليل الاستصحاب، وليس هو دليلا على شئ من الاحكام، لكونه بنفسه حكما كليا مثل لا ضرر) ومن المعلوم أن هذا المعنى أجنبي عن دعوى الأصحاب لحجية الاستصحاب وعدهم له من الحجج. هذا ما يتعلق بتعريف الشيخ. والظاهر أن هذا الاشكال يرد على كلا التعريفين اللذين ذكر هما المصنف في الحاشية والمتن، ولكنه (قده) تخلص منه بجعل مفاد الحجة هنا الثبوت وإرجاع البحث إلى تحقق الصغرى كما هو الحال في حجية خبر الثقة، فمعنى حجية الاستصحاب: ثبوت حكم الشارع ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم، وإلا فمع فرض تحققه لا مجال للنزاع في حجيته، كما لا خلاف في حجية مفهوم الوصف واللقب، إذ البحث فيهما صغروي، فالقائل به انما يقول بانعقاد المفهوم وثبوته، 11
ولا حاجة إلى البحث عن حجيته، لان المفهوم كالمنطوق مما يعمه دليل اعتبار ظواهر الألفاظ، فمعنى قولنا: (الاستصحاب حجة) ثبوت إلزام الشارع بالبقاء أو حكمه به، ومعنى عدم حجيته عدم ثبوت هذا الجعل. والظاهر صحة إطلاق الحجة على الاستصحاب وتوصيفه بها بإرادة المنجز والمعذر منها كما هو حال غيره من الأصول العملية كقولنا: (البراءة حجة والاحتياط حجة) فان حمل الحجة عليهما بمعنى الوسطية في مقام الاثبات وإيصال الواقع عنوانا كما في خبر الثقة وان لم يكن صحيحا لفقدهما جهة الكشف وإراءة الواقع، الا أن المناط في أحدهما هو التسهيل بالترخيص في مخالفة الواقع أحيانا كما في البراءة، وفي الاخر هو التضييق على المكلف وجعل الواقع المجهول على عهدته رعاية لأهمية ملاكه كما في إيجاب الاحتياط شرعا في الموارد الثلاثة، فإنه حجة قاطعة لعذره الجهلي، ولذا يصح الاحتجاج به من قبل المولى، كما يصح الاحتجاج من العبد على المولى بإبداء العذر في مخالفة الالزام الواقعي في غير موارد إيجاب الاحتياط اتكالا على مثل حديث الرفع كما في الشبهة البدوية. فكما يصح حمل الحجة على البراءة والاحتياط بالحمل الشائع فكذلك يصح حملها على الاستصحاب، لعدم خروج مفاده عما يقتضيه الأصلان المتقدمان فان نتيجة استصحاب الحكم أو الموضوع ذي الحكم إما نفي التكليف ظاهرا وإما إثباته كذلك، فيكون الاستصحاب وهو الابقاء العملي حجة أي معذرا أو منجزا عند الشارع. وعلى هذا فما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) في المقام من (عدم صحة توصيف الاستصحاب بالحجية مطلقا سواء أكان الحكم بالبقاء بمعنى إبقاء المكلف عملا أم بمعنى إلزام الشارع بالبقاء، أما على الأول فلعدم كون الابقاء العملي دليلا على شئ ولا حجة عليه. وأما على الثاني فلان الالزام الشرعي بالبقاء مدلول الدليل لا أنه دليل على نفسه، سواء أكانت الحجية بمعنى الوسطية في مقام الاثبات كما 12
في حجية خبر الثقة أم بمعنى المنجزية والمعذرية. أما بمعنى الوسطية فلان إنشاء الحكم المماثل كوجوب صلاة الجمعة لا معنى لكونه حجة على نفسه ولا على غيره، فإلزام الشارع بالبقاء لا يتصف بالحجية بهذا المعنى، وانما يتصف به مثل خبر الثقة الموصل للواقع عنوانا. وأما بمعنى المنجزية والمعذرية فلان الحكم الظاهري لا ينجز نفسه ولا غيره بل يتنجز بدليل آخر، فلا بد أن يكون في المقام أمر آخر هو المنجز والمعذر غير الاستصحاب الذي عرف بالالزام الشرعي، والقابل للبحث عن حجية ذلك الموصل لهذا الالزام أو المنجز له لا نفسه) لا يخلو من تأمل، فإنه وان لم يصح توصيفه بالحجية بمعنى الوسطية في مقام الاثبات الا أنه لا مانع من حمل الحجية بمعنى الاعذار والتنجيز عليه كما عرفت، وتنجز الحكم الظاهري كالواقعي انما هو بوصول دليله الدال عليه إلى المكلف من دون حاجة إلى دليل آخر كما يتضح ذلك بملاحظة أدلة البراءة والاحتياط، فإنها بوصولها إلى المكلف تنجز ما يستفاد منها من الاحكام الظاهرية. نعم يرد على تعريف الاستصحاب بما أفاده المصنف في الحاشية و المتن إشكال عدم جامعيته لشتات المباني في المسألة مع أنه (قده) ذكره أيضا في جملة ما أورده على تعريف الشيخ الأعظم (قده) وبيانه: أن إلزام الشارع بالبقاء تأسيسا أو إمضاء لما عليه العقلاء ينافيه تصريحه في الحاشية بعدم صحته، لعدم مساعدة كلماتهم عليه، فلا يتم التعريف الا بناء على أخذه من الاخبار، وأما بناء على كونه حكما عقليا ظنيا فلا. مضافا إلى: أنه يختص بالشبهات الحكمية، ولذا أضاف إليه في المتن قوله: أو موضوع ذي حكم. وإلى: أن بقاء الحكم كأصل حدوثه فعل الشارع، والالزام انما يتعلق بفعل المكلف الذي هو الابقاء والجري العملي المقابل للنقض كذلك، فيتعين حذف 13
كلمة (الالزام) أو تبديل (البقاء) بالابقاء ليتطابق التعريف مع المعرف، بأن يقال: الاستصحاب هو الابقاء العملي للمتيقن لحكم الشارع ببقائه ظاهرا موضوعا كان أو حكما. وأما قياس المقام بباب المفاهيم بإرجاع النزاع إلى صغرى حجية الظواهر ففيه: أنه مع الفارق، لان إثبات المفهوم للوصف ونحوه مساوق لحجيته، لاندراجه في كبرى حجية الظاهر، حيث إن اللفظ بدلالته الالتزامية يدل على المفهوم ويكون ظاهرا فيه. وهذا بخلاف المقام، إذ لو تم دليل الاعتبار كان مفاده الالزام الشرعي أو الحكم بالبقاء، وهو بنفسه حكم شرعي كنجاسة الماء المتغير الزائل تغيره بنفسه، لعدم كون استصحابها إثباتا للحجة كما هو واضح. فالمتحصل: أن تعريف الاستصحاب بما في الرسائل والمتن و الحاشية بل وغيرها من كلمات المتأخرين لا يخلو من شئ، ولو تم ما ادعاه المصنف من كون التعاريف لفظية لا يقصد بها تمييز المعرف بكنهه وذاته فالامر سهل. وحيث إنه ظهر معناه إجمالا فاعلم: أنه لما كان للاستصحاب قواعد مشابهة له - وهي قاعدة اليقين والمقتضي والمانع والاستصحاب القهقرائي - كان المناسب التعرض لها ولو بنحو الايجاز، وسيأتي الكلام حول القاعدة الأولى في مفاد بعض الاخبار المستدل به على الاستصحاب، كما سيأتي التعرض لقاعدة الاقتضاء والمنع بعد الفراغ من دلالة أولى صحاح زرارة على الاستصحاب. ولا بأس بالإشارة هنا إلى القاعدة الثالثة وهي التي تسمى بالاستصحاب القهقرائي تارة وبأصالة الثبات في اللغة أخرى وبأصالة عدم النقل ثالثة، وهو من الأصول العقلائية، وذلك عبارة عن شئ متيقن في الزمان المتأخر ومشكوك في الزمان المتقدم كالعلم يكون لفظ (البينة) مثلا فعلا حقيقة في شهادة رجلين عادلين والشك في كونها كذلك سابقا، وكلفظ (القلة) فإنه يعلم بكونه فعلا حقيقة فيما دون الكر، ويشك في كونه كذلك في الزمان السابق. وهذا عكس الاستصحاب المصطلح، حيث إنه يكون زمان المتيقن فيه متقدما و زمان المشكوك 14 إما (1) من جهة بناء العقلاء
متأخرا، فهو أجنبي عن الاستصحاب وان كان مشتملا على اليقين و الشك، لكنه ليس من الشك في البقاء، بل من الشك في الحدوث، فأدلة الاستصحاب لا تشمله. ولو سلم ذلك فانصراف أدلته عنه كاف في عدم شمولها له، فاعتباره انما هو ببناء العقلاء، لغلبة بقاء المعاني اللغوية والعرفية وعدم تغيرها بمرور الأزمنة، وعدم الردع في أمثال هذا البناء كاف في الامضاء. وقد ظهر من أجنبية أدلة الاستصحاب عن هذا الأصل العقلائي أمور: الأول: أن الاستصحاب القهقرائي أصل لفظي وليس أصلا عمليا، و يكون من قبيل أصالتي العموم والاطلاق وأصل عدم الاشتراك. الثاني: حجيته في اللوازم والملزومات. الثالث: أنه لا وجه لدعوى معارضته باستصحاب عدم هذا المعنى سابقا حتى يسقط بها الاستصحاب القهقرائي عن الاعتبار، وذلك لما مر من أنه أصل عقلائي حاكم على الاستصحاب المصطلح، ولا يجري الأصل مع دليل حتى يعارضه. كما لا وجه لدعوى دلالة أخبار الاستصحاب على عدم اعتباره، لما عرفت من أجنبية الاستصحاب القهقرائي عن مداليل تلك الأخبار. 15 على ذلك (1) في أحكامهم العرفية مطلقا (2) أو في الجملة (3) تعبدا (4) أو للظن به الناشئ عن ملاحظة ثبوته سابقا،
16 وإما (1) من جهة دلالة النص أو دعوى الاجماع عليه كذلك (2) حسبما يأتي الإشارة (3) إلى ذلك مفصلا. ولا يخفى أن هذا المعنى (4) هو القابل لان يقع فيه النزاع
17 والخلاف في نفيه وإثباته (1) مطلقا (2) أو في الجملة، وفي (3) وجه ثبوته [على أقوال) 4 (] ضرورة أنه (5) لو كان الاستصحاب
18 هو نفس بناء العقلاء على البقاء أو الظن به (1) الناشئ من العلم بثبوته لما (2) تقابل فيه الأقوال، ولما (3) كان النفي والاثبات واردين على مورد واحد، بل موردين (4). وتعريفه (5) بما ينطبق.
19 على بعضها (1) وإن كان ربما يوهم أن لا يكون هو الحكم بالبقاء بل ذاك الوجه (2)، إلا أنه (3) حيث لم يكن
20 بحد (1) ولا برسم، بل من قبيل شرح الاسم (2) كما هو الحال في التعريفات غالبا (3) لم يكن له (4) دلالة على أنه (5) نفس الوجه، بل للإشارة إليه (6) من هذا الوجه، ولذا (7) لا وقع للاشكال على ما ذكر في تعريفه بعدم الطرد أو العكس، فإنه لم يكن به (8) إذا لم يكن (9)
21 بالحد أو الرسم بأس (1). فانقدح (2) أن ذكر تعريفات القوم له وما ذكر فيها من الاشكال بلا حاصل (3) وتطويل بلا طائل. ثم لا يخفى (4) أن البحث في حجيته مسألة أصولية، حيث يبحث
22 فيها لتمهيد قاعدة تقع في طريق استنباط الاحكام.
23 الفرعية (1)،
24 وليس مفادها (1) حكم العمل بلا واسطة وإن كان ينتهي إليه (2)، كيف (3)؟ وربما لا يكون مجرى الاستصحاب إلا حكما أصوليا
25 كالحجية مثلا. هذا (1) لو كان الاستصحاب عبارة عما ذكرنا (2)، وأما لو كان عبارة عن بناء العقلاء على بقاء ما علم ثبوته، أو الظن به الناشئ من ملاحظة ثبوته (3)، فلا (4) إشكال في كونه مسألة أصولية.
[1] أقول: الظاهر أن مراده (قده) من نفي وجوب الفحص الحرجي عن المعارض إثبات المسألة الأصولية، وهي حجية الخبر حتى يجوز الاستناد إليه في مقام الاستنباط، فان كان كذلك فيتوجه عليه أولا: أن وجوب الفحص ليس حكما شرعيا لا أصوليا ولا فقهيا حتى يكون موردا لقاعدة نفي الحرج، ضرورة أنها لا تجري إلا في المجعول الشرعي، بل هو حكم عقلي ناش من العلم الاجمالي بوجود المعارض للروايات كوجود المخصصات والمقيدات لها، حيث إنها مانعة عن الحجية، فلا بد في إثبات حجيتها من إحراز عليتها من المقتضي و الشرط وعدم المانع، 27
ومن المعلوم أن إحراز عدم المانع منوط بالفحص التام الموجب للاطمئنان بعدمه، فالفحص الناقص الحرجي الذي لا يدفع الاحتمال العقلائي لوجود المعارض لا ينفي الوجوب العقلي للفحص التام حتى يثبت به حجية الخبر وجواز الافتاء به، بل لا بد للمجتهد حينئذ من التوقف في الفتوى والاخذ بالاحتياط. وثانيا - بعد تسليم شرعية وجوب الفحص - أن نفي الحرج من القواعد النافية للأحكام، ومن المعلوم أن شأنها نفي الحكم لا إثباته. و عليه فلا يثبت بنفي وجوب الفحص عن المعارض حجية الخبر كما هو ظاهر كلام شيخنا الأعظم (قده) فتأمل. فالمتحصل: أن الأصول العقلائية كأصالة عدم المانع وأصالتي العموم والاطلاق وغيرها مما لا يجريها أبناء المحاورة في تشخيص المرادات واستظهارها من الخطابات الملقاة إليهم إلا بعد الفحص و اليأس عن الظفر بما يخالف ظواهرها. وبالجملة: فلم يظهر لنا وجه وجيه لما أفاده رفع الله تعالى مقامه، وهو أعلم بما قال. وأما تحديد المسألة الأصولية بما تقدم في كلام الشيخ من أنها (ما لاحظ للمقلد فيها، وأنها ممهدة لاستنباط الحكم الفرعي منها) فينافيه قوله (قده) في جواب العلامة الطباطبائي: (ان معنى الاستصحاب الجزئي في المورد الخاص كاستصحاب نجاسة الماء المتغير ليس إلا الحكم بثبوت النجاسة في ذلك الماء النجس سابقا، وهل هذا إلا نفس الحكم الشرعي، وهل الدليل عليه إلا قولهم عليهم السلام: لا تنقص اليقين بالشك) إذ لو كانت ضابطة المسألة الأصولية تمهيدها للاستنباط لزم خروج الاستصحاب عن علم الأصول، لفرض كونه حكما شرعيا دل عليه مثل: (لا تنقض اليقين بالشك) وليس كحجية الخبر واقعا في طريق الاستنباط. كما أن جعل المعيار في أصولية المسألة (قدرة المجتهد خاصة على الفحص في الشبهات الحكمية فيكون نائبا عن العامي) غير ظاهر، للنقض عليه بكثير من القواعد 28
الفقهية، ضرورة عجز العامي عن تشخيص موضوعاتها، كقاعدة (ما يضمن) إذ تطبيق كل من عقديها الايجابي والسلبي على العقود المعاوضية انما هو بيد المجتهد، ولاحظ للمقلد فيه أصلا، فان الحكم بموضوعية الإجارة الفاسدة مثلا للضمان موقوف على اقتضاء صحيحها له، وتشخيص الموضوع كاستنباط حكم القاعدة وظيفة المجتهد، ولا يظن الالتزام بعدم كون هذه القاعدة فقهية بمجرد ذلك، وهذا يكشف عن عدم وفاء الضابطة المذكورة للمسألة الأصولية بحل الاشكال. هذا كله فيما أفاده الشيخ الأعظم (قده). وأما المصنف (قده) فقد عرفت كلامه في إدراج الاستصحاب في علم الأصول، لكنه لا يخلو من غموض. أما أولا: فلمنافاة حكمه هنا بكونه (قاعدة مهدت لاستنباط الاحكام منها) لما اختاره في تعريف علم الأصول (بأنه صناعة يعرف بها القواعد.) حيث إنه أضاف إليه جملة (أو التي ينتهي إليها في مقام العمل) كي يندرج حجية الظن الانسدادي على الحكومة ومباحث الأصول العملية في مسائل العلم، ومن المعلوم ظهور هذه الجملة في عدم استنباط حكم شرعي من الأصول العملية التي منها الاستصحاب، ولكنه (قده) عده هنا من الأصول، لكونه قاعدة مهدت للاستنباط، فلاحظ وتأمل. وأما ثانيا: فلان مفاد أدلة الاستصحاب كما صرح به في مواضع هو جعل الحكم المماثل، ومن المعلوم أن هذا المجعول بنفسه حكم شرعي ولا يستنبط منه حكم شرعي آخر كي يكون الاستصحاب قاعدة ممهدة لاستنباط الاحكام منه. وأما ثالثا: فلان جريان الاستصحاب في الحكم الأصولي كالحجية لا يستلزم كونه مسألة أصولية فيما كان المستصحب حكما فرعيا متعلقا بالعمل بلا واسطة، بل مقتضاه التفصيل في الموارد بحسب حال المستصحب كما التزم به شيخ مشايخنا الميرزا النائيني (قده). و لا يلزم منه استعمال اللفظ في أكثر من معنى، وذلك لانحلال (لا تنقض) بلحاظ تعدد اليقين والشك إلى أفراده، وكل فرد منها يختص بحرمة 29 وكيف كان (1) فقد ظهر مما ذكرنا في تعريفه (2) اعتبار أمرين في مورده: القطع بثبوت شئ والشك في بقائه، ولا يكاد (3) يكون الشك في البقاء إلا مع اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة بحسب
النقض، ولا محذور في كون الاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية قاعدة فقهية، بخلاف الجاري في الاحكام الأصولية و الأحكام الكلية ، لان ضابط المسألة الأصولية هو كون النتيجة مما ينفع المجتهد ولاحظ للمقلد فيها، وأما الجاري في المسألة الفقهية فهو قاعدة فقهية، لتعلقه بعمل آحاد المكلفين ابتدأ كما في إجراء كل مكلف قاعدة التجاوز والفراغ في عمل نفسه، هذا. لكن بناء على تعريف المسألة الأصولية بما ذكرناه في بحث المشتق من (أنها الدليل على كبرى قياس نتيجته حكم كلي فرعي) يندرج الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية في علم الأصول. 30 الموضوع والمحمول (1)، وهذا (2) مما لا غبار عليه في الموضوعات
31 الخارجية في الجملة (. [1 [1
[1] قد أفيد في توضيح هذه الكلمة وتفسيرها تارة بما في حاشية العلامة المشكيني (قده) من الفرق في استصحاب الموضوعات الخارجية كالعدالة بين كون منشأ الشك فيها الشك في وجود الرافع و الشك في بقاء معروضها، حيث قال معترضا 32
على تفصيل الماتن بين الموضوعات الخارجية ما لفظه: (لا إشكال في كون الشك في بقاء الموضوع ناشئا من جهة الشك في بقاء موضوعه أحيانا، كما إذا شك في بقاء القيام من جهة الشك في بقاء وجود زيد). وأخرى بما في حاشية العلامة الرشتي (قده) من كونه إشارة إلى التفصيل بين الموضوعات القارة والتدريجية. لكنك خبير بما في كليهما، أما الأول فلتوقفه على التزام المصنف بعدم جريان الاستصحاب في المحمول إذا كان منشأ الشك في بقائه الشك في بقاء موضوعه ومعروضه حتى يورد عليه بعدم الفرق بينه و بين ما إذا كان منشأ الشك فيه متمحضا في الشك في وجود الرافع. مع أن هذا خلاف ما صرح به في حاشية الرسائل فيما علقه على مبحث اعتبار بقاء الموضوع من الخاتمة بقوله: (مثلا إذا كان على يقين من قيام زيد ثم شك في بقاء قيامه ولو لأجل الشك في بقائه صح استصحاب قيامه، فإنه ما شك إلا في ثبوت القيام بزيد في الخارج في الان الثاني بعد ما كان على يقين منه في الان الأول). ومع هذا التصريح تعرف أن إيراد العلامة المشكيني ليس أمرا زائدا على ما تفطن له المصنف ونبه عليه في الحاشية، ولو كان قوله: (في الجملة) تنبيها على إنكار الاستصحاب في المحمول من جهة الشك في بقاء موضوعه لاتجه الاشكال عليه بما أفاده المحشي، و المفروض عدم قرينة على أن مقصود المصنف ذلك التفصيل كي يورد عليه. بل لا يناسب حمل قوله: (في الجملة) على ما استظهره المحقق المحشي حتى يجعله مبنى الاشكال على الماتن. وأما الثاني فلمنافاة هذا التفسير لتصريح المصنف بجريان الاستصحاب في 33
الأمور التدريجية المتصرفة كالقارة كما سيأتي في التنبيه الرابع، ومع بنائه على اعتبار الاستصحاب في كلا هذين القسمين من الموضوعات يلغو التقييد ب (في الجملة). وبما ذكرناه ظهر الغموض في ما أفاده سيدنا الأستاذ (قده) في شرح مقصود المصنف من التفرقة بين الاحكام والموضوعات بقوله: (أنه مع الشك في تبدل قيود الموضوع يمكن أن يستصحب بقيوده، فيكون الاستصحاب مثبتا لقيده كما يكون مثبتا لذاته، ومع العلم بتبدلها على تقدير بقاء ذاته أن اختلاف الحالات وتبادلها عليها لا يوجب اختلافا فيها، فلا يختل الشك في بقاء الذات فيها. بخلاف الأحكام الكلية، فان موضوعاتها نفس المفاهيم الكلية، ومن الواضح أن اختلاف القيود موجب لاختلاف المفهوم المأخوذ موضوعا للحكم، فلا يصدق على الشك في الحكم أنه شك في بقاء الحكم، لان صدقه يتوقف على وحدة الموضوع لذلك الحكم، ومع اختلافه يكون الشك في حدوث حكم لموضوع آخر، لا في بقاء ذلك الحكم لموضوعه) وذلك لان الفارق المذكور على تقدير تماميته يصلح للتفصيل بين الموضوعات بأسرها والاحكام، وهذا ليس مراد المصنف ظاهرا، لدلالة قوله: (في الجملة) على أن اتحاد القضيتين في استصحاب الموضوعات مما لا غبار عليه في الجملة لا مطلقا، فليس المقصود مجرد التفصيل بين الاستصحابات الجارية في الشبهات الحكمية بتصوير إشكال عدم إحراز وحدة القضيتين فيها وبين الاستصحابات الجارية في مطلق الشبهات الموضوعية، إذ لو كان كذلك للغا تقييد الموضوعات بقوله: (في الجملة) مع أن صريح كلامه التفصيل بين نفس الموضوعات، وأن وحدة القضيتين فيها تختلف وضوحا وخفأ، فقوله: (في الجملة) مقسم للموضوعات الخارجية إلى قسمين: أحدهما وضوح اتحاد القضيتين فيها، والاخر خفاؤه كذلك. وعلى هذا فلعل الأقرب إلى مقصود المصنف ما ذكرناه في التوضيح من 34 وأما الأحكام الشرعية (1) سواء كان مدركها العقل (2) أم النقل (3) فيشكل حصوله فيها (4)، لأنه (5) لا يكاد يشك في بقاء الحكم إلا من
التفصيل بين نفس الموضوعات، لعدم إحراز وحدة القضيتين في بعضها. ويؤيد هذا التفسير ما جاء في تقرير بحث سيدنا الفقيه الأعظم صاحب الوسيلة قدس سره من التصريح بذلك، فلاحظ. 35 جهة الشك في بقاء موضوعه بسبب تغير بعض ما هو عليه (1) مما احتمل دخله (2) فيه حدوثا (3) أو بقاء، وإلا (4) لا يتخلف الحكم عن
36 موضوعه إلا بنحو البدأ بالمعنى المستحيل (1) في حقه تعالى، ولذا (2) كان النسخ بحسب الحقيقة دفعا لا رفعا.
37 ويندفع هذا الاشكال (1) بأن الاتحاد في القضيتين بحسبهما (2) وإن كان مما لا محيص عنه في جريانه (3)، إلا أنه لما كان الاتحاد بحسب نظر العرف كافيا في تحققه (4) وفي صدق الحكم ببقاء ما
38 شك في بقائه، وكان بعض ما عليه الموضوع من (1) الخصوصيات التي يقطع معها بثبوت الحكم له مما يعد بالنظر العرفي من حالاته (2) وإن كان واقعا من قيوده ومقوماته (3)، كان (4) جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية الثابتة لموضوعاتها عند الشك فيها لأجل (5) طروء انتفاء بعض ما احتمل دخله فيها مما عد من حالاتها لا من مقوماتها (6) بمكان (7) من الامكان، ضرورة (8) صحة إمكان دعوى بناء العقلاء
39 على البقاء تعبدا، أو لكونه (1) مظنونا ولو نوعا. أو (2) دعوى دلالة النص أو قيام الاجماع عليه قطعا بلا تفاوت (3) في ذلك بين كون
40 دليل الحكم نقلا أو عقلا.
41 أما الأول (1) فواضح. وأما الثاني (2) فلان الحكم الشرعي
42 المستكشف به (1) عند طروء انتفاء ما احتمل دخله في موضوعه (2)
43 مما لا يرى مقوما له (1) كان (2) مشكوك البقاء عرفا (3)، لاحتمال (4) عدم دخله فيه واقعا وإن كان لا حكم للعقل بدونه قطعا (5). إن قلت: كيف هذا (6) مع الملازمة بين الحكمين؟
44 قلت: ذلك (1) لان الملازمة إنما تكون في مقام الاثبات والاستكشاف
45 لا في مقام الثبوت (1)، فعدم (2) استقلال العقل إلا في حال (3) غير ملازم
46 لعدم حكم الشرع إلا في تلك الحال (1)، وذلك (2) لاحتمال أن يكون ما هو ملاك حكم الشرع من المصلحة أو المفسدة التي هي ملاك حكم العقل كان (3) على حاله في كلتا الحالتين (4) وان لم يدركه (5) إلا في إحداهما، لاحتمال (6) عدم دخل تلك الحالة فيه، أو احتمال (7) \
47 أن يكون معه ملاك آخر بلا دخل لها فيه أصلا وان كان لها (1) دخل فيما اطلع عليه من الملاك. وبالجملة (2): حكم الشرع إنما يتبع ما هو ملاك حكم العقل
48 واقعا لا ما هو مناط حكمه فعلا. وموضوع حكمه كذلك (1) مما لا يكاد يتطرق إليه الاهمال والاجمال مع تطرقه إلى ما هو موضوع حكمه شأنا وهو ما قام به ملاك حكمه واقعا، فرب خصوصية لها دخل في استقلاله (2) مع احتمال بقاء ملاكه (3) واقعا،
49 ومعه (1) يحتمل بقاء حكم الشرع جدا، لدورانه (2) معه وجودا و عدما، فافهم وتأمل جيدا. [1]
[1] هذا ما أفاده المصنف هنا وفي حاشية الرسائل، ووافقه المحققان النائيني والعراقي (قد هما) بما يقرب منه، وخالفه تلميذه المحقق الأصفهاني بما محصله: أن حكم العقل العملي - في قبال حكم العقل النظري - مأخوذ من المقدمات المحمودة والقضايا المشهورة التي تطابقت عليها آراء العقلاء حفظا للنظام، وهذه العناوين المحكومة بالحسن أو القبح على ثلاثة أقسام، إذ تارة يكون الفعل علة تامة للحسن والقبح كالعدل والظلم. وأخرى مقتضيا لأحدهما كالصدق و الكذب، فان الصدق وان اقتضى اتصافه بالحسن لو خلي وطبعه، لكن حسنه الفعلي منوط باندراجه تحت عنوان العدل، ولذا قد يتصف بالقبح إذا صار مهلكا لنفس محترمة. وثالثة لا يكون الفعل بنفسه مقتضيا للحسن أو القبح فضلا عن عليته لأحدهما، وذلك كالضرب، فإنه يتصف بالحسن إذا اندرج تحت عنوان العدل كما إذا كان للتأديب، وبالقبح إذا اندرج تحت عنوان الظلم كما إذا كان للتشفي من ألم الغضب، ولا يتصف بشئ منهما إذا لم ينطبق عليه أحد العنوانين كضرب غير ذي الروح. وحيث كان التحسين والتقبيح من الآراء المحمودة فالمراد بالحكم العقلي هو الحكم العقلائي بمدح فاعل بعض الأفعال، لما فيه من المصلحة العامة الموجبة لحفظ النظام، وذم فاعل بعضها الاخر لما فيه من المفسدة العامة الموجبة لاختلال النظام وفساد النوع، وكل من هذه المصلحة وتلك المفسدة هي الموجبة لبناء 50
العقلاء على المدح والذم، إذ استحقاقهما من أهم سبل حفظ النظام و موانع اختلاله. ومبنى قاعدة الملازمة أن الشارع بما أنه رئيس العقلاء وواهب العقل ومنزه عن الاغراض النفسية فهو أيضا يحكم بالمدح والذم، و مدحه ثوابه وذمه عقابه. وحيث إن المدح والذم من صفات الأفعال الاختيارية ، فلا بد أن يصدر العنوان الممدوح أو المذموم بما هو عن قصد وعمد، لا صدور ذات الفعل المعنون فقط، مثلا إذا صدر منه الضرب بالاختيار بدون قصد التأديب لكن ترتب عليه الأدب قهرا لم يصدر من الضارب التأديب الممدوح، ومن الواضح أن صدوره بعنوانه بالاختيار ليس إلا بكون الفعل بما له من العنوان الممدوح الملتفت إليه الذي لا وعاء له إلا وجدان فاعله صادرا منه بالإرادة المتعلقة بعنوانه، ووجوده الواقعي ليس محكوما بالحسن والقبح حتى يشك في بقائه، بل ما لم يحرز ذلك العنوان فهو مقطوع الارتفاع. إذا تحقق هذا تعرف أن لا معنى للشك في نفس الحكم ولا في موضوعه الكلي ولا في الموضوع الخارجي، للقطع بالارتفاع. لا لأجل أن الحاكم هو العقل الذي لا يشك في حكم نفسه، فإنه ممنوع أولا بعدم الحكم للعقل، وانما شأنه التعقل والادراك. وثانيا: أن المناط في حكم العقل عنوان لموضوعه، ولأجله يشك في بقاء الموضوع، فكيف يتصور القطع بانتفاء حكم العقل؟ مع أن العلة والمعلول متلازمان قطعا وظنا وشكا، فإذا كانت العلة مشكوكة كان المعلول مشكوكا فيه لا مقطوع العدم سواء أريد به حكم العقل أم الشرع، إذ المفروض أنه لا علة له إلا ما هو حكم العقل. ومنه ظهر أن ما أفاده الماتن من كون انتفاء الحكم العقلي من انتفاء الكاشف وهو لا يستدعي انتفاء المكشوف غير ظاهر، لما عرفت من أن الاضرار ليس بوجوده الواقعي مناطا للقبح والعقاب ليعلم تارة و يشك فيه أخرى، بل بوجوده في وعاء وجدان العقل، فالمناط مع عدم إحرازه مقطوع العدم، لان المدح والذم 51
فعليته وتنجزه واحد، وما كان كذلك يستحيل أن يكون موضوعه الشئ بوجوده الواقعي حتى يعقل الشك فيه، هذا والظاهر أن الحق ما أفاده المصنف من جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي، وذلك لان العلم في الاحكام العقلية من التحسين والتقبيح موضوع، فان لم يحرز العقل مصلحة شئ أو مفسدته لا يحكم بحسنه أو قبحه، فحكمه بأحدهما منوط بالاحراز المزبور و الاتيان بذي المصلحة أو المفسدة اختيارا حتى يتصف الفعل بالحسن الفاعلي أو القبح كذلك، ومعلوم أن مقتضى موضوعية العلم هو القطع بانتفاء ما يترتب عليه من الحكم بالحسن أو القبح مع انتفائه، كانتفاء كل حكم بارتفاع موضوعه ان كان بسيطا أو جزئه ان كان مركبا، فإذا كان العلم بالاضرار المترتب على الكذب مثلا موضوعا لحكم العقل بالقبح وصار مشكوكا فيه انتفى حكمه بالقبح قطعا، لارتفاع موضوعه وهو العلم بالاضرار، فالشك في الموضوع مساوق للقطع بعدمه، كما هو شأن القطع الموضوعي في سائر الموارد، فحديث تبعية المعلول للعلة علما وظنا وشكا أجنبي عن مثل هذا المورد مما أخذ القطع فيه موضوعا، وانما مورده هو ما إذا كان الشئ بوجوده الواقعي علة، فإنه يصح حينئذ أن يقال: المعلول تابع للعلة علما وظنا وشكا، هذا. وأما العلم في الأحكام الشرعية وكذا ملاكاتها التي هي من الخواص الطبيعية والآثار الوضعية القائمة بذوات الأشياء الخارجية فهو طريق محض وكاشف صرف. نعم علم الشارع بها داع إلى تشريع الاحكام، ومقتضى طريقية العلم و عدم دخله لا في الحكم ولا في ملاكه هو تبعية الحكم الذي هو اللازم لملزومه أعني الملاك في العلم والظن والشك، وهذا مورد تبعية المعلول للعلة في العلم وأخويه. وقد ظهر مما ذكرنا أن شك العقل في موضوع حكمه وان كان مساوقا للقطع بعدم حكمه بالحسن أو القبح، لأنه مقتضى موضوعية العلم له، لكنه يوجب 52
الشك في بقاء الحكم الشرعي المستكشف بالحكم العقلي، لما مر من تبعية الحكم الشرعي للملاك الواقعي من دون دخل للعلم فيه، ومن المعلوم أن الشك في بقاء الحكم مورد الاستصحاب من غير فرق في ذلك بين منا شئ الشك. فتلخص مما ذكرناه أمور: الأول: ترتب الحكم العقلي من التحسين والتقبيح على العلم بالصلاح والفساد، وعدم ترتب شئ من الحكم الشرعي وملاكه على العلم، فإذا شك في بقاء حرمة الكذب الضار المستكشف من حكم العقل بقبحه بعد ارتفاع ضرره جرى استصحاب حرمته وان ارتفع حكم العقل فعلا بقبحه. الثاني: أن الحسن والقبح العقليين الفاعليين منوطان بالعلم بالمصلحة والمفسدة وإرادة الفاعل واختياره في إيجاد الفعل المشتمل عليهما، وان اتصف نفس الفعل أحيانا لدخله في حفظ النظام و المصلحة النوعية بالحسن، لكن لا يتصف بالحسن الفاعلي لعدم صدوره عن الإرادة والاختيار، فما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) من (تقوم حكم العقل بالحسن والقبح بالالتفات وإرادة الفاعل) لا يخلو من تأمل، فان مبنى التحسين والتقبيح العقلائيين لما كان حفظ النظام فلا ريب في عدم دخل إرادة الفاعل في تحققه، فان حفظ النظام يتوقف على عدم تحقق الظلم الذي هو التجاوز عن الحد سواء التفت إليه الفاعل أم لا. وعليه فلا يتوقف الحسن الفعلي والقبح كذلك على العلم ونحوه مع فرض كونهما من القضايا المشهورة التي تطابقت عليها آراء العقلاء. وما أفاده متين في الحسن الفاعلي، لكن الحافظ للنظام هو الفعل من حيث هو، لا من حيث استناده إلى فاعل مختار. الثالث: أن حكم العقل واسطة إثباتية وطريق للعلم بالحكم الشرعي، و ليس علة وواسطة ثبوتية له حتى يرتفع بارتفاعه، ولذا يشك في ارتفاعه مع القطع بانتفاء حكم العقل، ومجرد إدراكه لعلة التشريع كالأضرار في الكذب لا يترتب عليه إلا القبح العقلي الكاشف عن الحرمة، ولا يدل على انحصار علة التشريع به حتى 53 ثم انه لا يخفى اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب مطلقا وعدم حجية كذلك (1)، والتفصيل بين الموضوعات والاحكام، أو بين ما كان الشك في الرافع وما كان في المقتضي إلى غير ذلك من التفاصيل الكثيرة (2)
ترتفع حرمة الكذب غير الضار بارتفاع الضرر، فتبعية الحكم الشرعي للحكم العقلي في مقام الاثبات فقط لا تقتضي ارتفاعه واقعا بارتفاع الحكم العقلي، بل توجب الشك في بقائه. الرابع: أن قطع العقل بارتفاع المصلحة التي أدركها في مورد لا يوجب العلم بانحصار الملاك فيها وعدم مصلحة أخرى فيه توجب بقاء الحكم الشرعي، فاحتمال عدم انحصار الملاك فيما ارتفع يوجب الشك في بقاء الحكم الذي هو مورد الاستصحاب. نعم ما دام الحكم العقلي بالحسن أو القبح باقيا كان الحكم الشرعي المستكشف به أيضا موجبا لاستحقاق المثوبة والعقوبة على موافقته ومخالفته كاستحقاقه المدح والذم عقلا. الخامس: أنه قد ظهر ما في قوله (قده): (ان الاضرار ليس بوجوده الواقعي مناطا للقبح والعقاب ليعلم تارة ويشك فيه أخرى. إلخ) من الاشكال، وهو ما عرفت من أنه مقتضى موضوعية العلم للأحكام العقلية دون الأحكام الشرعية، فان العلم فيها وفي ملاكاتها طريق محض، ومقتضاه تبعية الأحكام الشرعية لملاكاتها الواقعية دون العلم بها، فانتفاء حكم العقل العملي بالمدح أو الذم لعدم إحراز الجهة المحسنة أو المقبحة لا يستلزم انتفاء الحكم الشرعي أيضا، بل يوجب الشك فيه، لاحتمال وجود ملاك واقعي له لم يدركه العقل، وهذا الشك يصحح جريان الاستصحاب فيه والمؤاخذة على مخالفته. 54 على (1) أقوال شتى لا يهمنا نقلها ونقل ما ذكر من الاستدلال عليها، و انما المهم الاستدلال على ما هو المختار منها وهو الحجية مطلقا على نحو يظهر بطلان سائرها (2)، فقد استدل عليه [) 3 عليها] بوجوه الوجه الأول: استقرار بناء العقلاء (4) من الانسان بل ذوي الشعور
55 من كافة أنواع الحيوان على العمل على طبق الحالة السابقة، وحيث (1) لم يردع عنه الشارع كان ماضيا. وفيه أولا: منع استقرار بنائهم على ذلك (2)
56 تعبدا (1)، بل اما. رجأ واحتياطا، أو اطمئنانا بالبقاء، أو ظنا [به] ولو نوعا (2)، أو غفلة (3) كما هو (4) الحال في ساير الحيوانات دائما
58 وفي الانسان أحيانا. وثانيا: سلمنا ذلك (1) لكنه لم يعلم أن الشارع به (2) راض، وهو عنده ماض، ويكفي في الردع عن مثله (3) ما (4) دل من الكتاب و السنة على النهي عن اتباع غير العلم، وما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات، فلا (5) وجه لاتباع هذا البناء فيما لا بد في اتباعه من الدلالة على إمضائه، فتأمل جيدا (. [1] 6
[1] ومنع شيخنا الأعظم الاستدلال ببناء العقلاء على الاستصحاب بأن المستصحب 59
ان كان من الموضوعات الخارجية فالعمل به انما هو للغلبة المورثة للظن بالبقاء فلو اقتضت الغلبة للظن بعدمه لم يبنوا عليه. وان كان من الأحكام الشرعية فلم يثبت بناؤهم عليه إلا في الشك في النسخ و الشك في حدوث الحكم مع عدم استناد بنائهم فيهما إلى الاستصحاب المصطلح، بل لامارة العدم، بملاحظة كون بناء الشارع على التبليغ والبيان. وكيف كان فتحقيق الكلام منوط بالبحث في جهتين: إحداهما في ثبوت صغرى بناء العقلاء مطلقا، وعدمه كذلك، أو التفصيل بين الشك في المقتضي والرافع كما في تقرير بحثي المحقق النائيني وسيدنا الفقيه الأعظم الأصفهاني (قد هما)، أو التفصيل بين الأمور الدينية و الدنيوية كما في تقرير شيخنا المحقق العراقي (قده) وجوه يأتي الإشارة إليها. ثانيتهما: في حجية هذا البناء على تقدير تحققه. أما الجهة الأولى فمحصلها: أنه قد يقال باستقرار بناء العقلاء على العمل بالمتيقن السابق موجبة جزئية، وانهم لا يعاملون مع الشك في البقاء معاملة الشك 60
في الحدوث فيما أحرز اقتضاؤه للاستمرار وشك في طروء المزيل، و هذا بناء عملي على الشك إلهاما من واهب العقل، وليس لطريقية الشك المسبوق باليقين لامتناعها، ولا للتعبد. لكنه ممنوع بما تقدم من الماتن (قده) من أن بناء العقلاء على الحالة السابقة المعلومة ان كان للاطمئنان أو الرجاء أو الظن بالبقاء فهو و ان كان مسلما، لكنه أجنبي عن المدعى وهو الاخذ بالحالة السابقة لمجرد ثبوتها. مع أنه لو اقتضى الاحتياط عدم البناء على الحالة السابقة فلا أقل من الشك في استقرار سيرتهم على العمل بالمشكوك فيه عملهم بالمتيقن. والبناء على الحالة السابقة غفلة عن حقيقة الحال وان كان مما يتفق أحيانا، لكنه أجنبي عن الاستصحاب المتقوم بالشك الفعلي كما سيأتي في التنبيه الأول. وعليه فتسليم هذه السيرة العملية تارة في خصوص الشك في الرافع كما في تقرير بحث المحقق النائيني. وأخرى في الأمور الدنيوية دون الدينية كما في تقرير بحث المحقق العراقي (لثبوت هذا الخلاف العظيم بين الأعاظم من الاعلام خلفا عن سلف، وذهاب جمع منهم إلى عدم الحجية، إذ المنكرون للحجية أيضا من العقلاء، بل كل واحد منهم بمثابة ألف عاقل) لا يخلو من شئ، إذ في الأول أنه لا معنى للتعبد في عمل العقلاء، فأخذهم بالحالة السابقة لا بد أن يكون اطمئنانا ببقائه أو رجأ خصوصا إذا كان الاحتياط مقتضيا لتحصيل الاطمئنان بالواقع والتوقف والفحص كما هو الحال في الأمور الخطيرة. وفي الثاني: أولا بوقوع الخلاف في بنائهم على العمل بخبر الثقة مع وضوح كونه أقوى ارتكازا من السيرة على الاستصحاب، فمجرد وقوع الخلاف لا يوجب إنكار البناء. وثانيا: بأن تصريحه (قده) فيما يتعلق بمضمرة زرارة لاثبات عموم اعتبار 61
الاستصحاب (بظهور سوق الرواية في كونه في مقام إدراج المورد تحت كبرى ارتكازية لا تعبدية) ينافي إنكار بناء العقلاء في الأمور الدينية، لان مورد سؤال زرارة وتطبيق الكبرى الكلية عليه هو الوضوء، فالالتزام بارتكازية الكبرى من جهة واختصاص بناء العقلاء بالأمور الدنيوية من جهة أخرى مستلزمان لتخصيص المورد الممتنع، فتأمل جيدا. ولذا فقد يلوح التنافي بين كلمات المصنف من إنكار سيرة العقلاء هنا ومن الاعتراف بكون الكبرى ارتكازية في مضمرة زرارة، وقد يوجه بما سيأتي عند التعرض لمفاد المضمرة إن شاء الله تعالى. وأما الجهة الثانية - وهي إمضاء بناء العقلاء - فمحصلها: أن المصنف (قده) فصل بين المقام والسيرة على العمل بخبر الثقة بوجهين، أحدهما: الاعتراف برادعية عمومات النهي عن متابعة غير العلم لبنائهم على الاستصحاب وعدم رادعيتها لعملهم بخبر الثقة. وثانيهما: أن اللازم في اعتبار السيرة هنا هو الامضاء الذي لا بد من إحرازه، وحيث لا سبيل إليه كفى في الردع عموم النهي عن العمل بغير العلم، وهذا بخلاف الخبر، لتصريحه بكفاية عدم ثبوت الردع في إمضاء السيرة، هذا. وأورد على كلا وجهي الفرق: أما على الأول فيما أفاده المحقق النائيني (قده) من منافاة دعوى صلاحية الآيات هنا للردع عن السيرة لما أفاده في بحث حجية الخبر، من خروج جميع موارد السير العقلائية عن العمل بما وراء العلم بالتخصص (مع أن بناء العقلاء على الاخذ بالحالة السابقة لو لم يكن أقوى من بنائهم على العمل بخبر الواحد فلا أقل من التساوي، فكيف كانت الآيات رادعة عن بناء العقلاء في المقام ولم تكن رادعة عنه في ذلك المقام؟). 62
وأجاب عنه شيخنا المحقق العراقي (قده) بما محصله: أن التفكيك بين المقامين في محله، لخروج السيرة الخبرية عن موضوع عمومات الردع، لقيامها على تتميم الكشف وإثبات العلم بالواقع الموجب لخروج موردها عن تلك النواهي تخصصا. وهذا بخلاف المقام، لان بناء هم على الاخذ بالحالة السابقة انما هو من جهة الأصلية في ظرف الجهل بالواقع لا الأمارية وتتميم الكشف، فعملهم هنا لا يخرج عن كونه عملا بغير العلم فيشمله عموم الردع. نعم لو أريد بعدم العلم عدم الحجة على الوظيفة الفعلية ولو ظاهرية لا عدم العلم بخصوص الواقع امتنع الردع هنا أيضا، إلا أنه خلاف ظهور مثل قوله تعالى: - ولا تقف ما ليس لك به علم - في عدم العلم بالواقع خاصة. وبهذا التوجيه يندفع إشكال التهافت بين كلامي المصنف (قده). لكنه لا يخلو من خفاء، ضرورة أن سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة و ان كانت خارجة عن العمومات تخصصا كما أفاده، إلا أنه لا يلتئم مع ما سلكه المصنف في بحث الخبر لاثبات التخصيص الذي هو تصرف في عقد الحمل لا الوضع، ومن المعلوم أن البحث عن كون التخصيص دوريا فرع شمول عمومات الردع لخبر الثقة موضوعا. مضافا إلى: أن موضوع الآيات الناهية وان كان عدم العلم الظاهر في ما لا يكشف عن الواقع، لكنه لا بد من التصرف فيه بإرادة مطلق الحجة، ضرورة أن المرتكب للحرام جهلا اعتمادا على مثل حديث الرفع ليس مؤاخذا على ما ارتكبه قطعا، مع وضوح أن الوظائف المجعولة للشاك لا يعقل كشفها عن الواقع ولو كشفا ناقصا، وحيث إن سياق الآية المباركة آب عن التخصيص، فلا بد من التصرف في العلم بإرادة مطلق الحجة منه وان كان فاقدا لجهة إحراز الواقع، وعليه فما أفاده المحقق العراقي (قده) لم يظهر وفاؤه بدفع التنافي بين كلامي المصنف (قده) كما أورده الميرزا عليه. 63
ويمكن أن يقال: ان مفاد أدلة حجية الخبر ان كان إثبات اعتباره من باب الظن النوعي مما يندرج في موضوع عمومات النهي عن اتباع غير العلم توجه كلام الماتن (قده) من دعوى استحالة التخصيص في باب الخبر لاستلزامه الدور، إذ ليس خروجه عنها موضوعيا، فلا بد أن يكون بالتخصيص. وأما سيرة العقلاء على الاستصحاب فحيث انه لا سبيل لاحراز حجيتها فهي ظن مشمول لعموم الآيات. وان كان مفاد أدلة الاعتبار إمضاء سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة، لكونه مورثا للاطمئنان الذي هو علم عادي، وإنكار التعبد الشرعي، كان خروج الخبر عن عمومات الردع تخصصيا. وحيث إن المصنف (قده) بنى في أوائل بحث الامارات على أن مفاد دليل الاعتبار هو ترتيب آثار الحجة الذاتية على الامارة غير العلمية - لا إثبات اعتبارها من باب الظن النوعي - فاللازم الاعتراف بالتخصص لا التخصيص، ولا يلزم محذور الدور حينئذ، والتهافت بين المقامين مسجل. نعم ما أفاده المحقق النائيني (قده) من مساواة السيرتين أو أقوائية سيرة الاستصحاب من الخبر يمكن منعه بأن كثرة الخلاف في ثبوت البناء العملي في الاستصحاب أزيد مما هو في بحث الخبر، وذلك يكشف عن عدم تسالمهم عليه فضلا عن أقوائيته، وليته (قده) بين وجه أقوائية بناء العقلاء على الاستصحاب من بنائهم على العمل بخبر الثقة. وأما على الثاني - أعني دعوى كفاية عدم ثبوت الردع في باب الخبر وعدم كفايته هنا وأن المعتبر هو الامضاء - فبأن المدار في حجية السيرة ان كان على الامضاء المنوط بالوصول، فمع عدم إحرازه لا كاشف عن رضاه ببناء العقلاء. وان كان على مجرد عدم ثبوت الردع لم يكن الردع المحتمل مانعا عن الاخذ ببنائهم. والحاصل: أن المناط في اعتبار السيرة سواء أكان عدم ثبوت الردع أم ثبوت الامضاء لم يفرق فيه بين السيرة على الخبر و الاستصحاب، فما هو الفارق بين 64
المقامين؟. وقد يوجه بعود النزاع لفظيا، وذلك (لان الشارع بما هو عاقل بل رئيس العقلاء متحد المسلك معهم، إلا إذا أحرز اختلاف مسلكه معهم بما هو شارع، ومجرد الردع الواقعي لا يكون كاشفا عن اختلاف المسلك، ولا يوجب رفع اليد عن اتحاد مسلكه المعلوم منه بما هو عاقل لكل عاقل) وعليه فالمناط استكشاف رضا الشارع بالعمل ببناء العقلاء، ويكفي فيه عدم ثبوت الردع، فإنه بنفسه دليل الامضاء، فلا تهافت بين كلامي المصنف. لكنه يشكل بأن مجرد عدم الردع لا يكفي في الامضاء، لما تقرر من أن السكوت في ظرف إمكان الردع دليل الامضاء، وإلا فعدم الردع في ظرف عدم إمكانه لا يكشف عنه، ولعل زمان نزول الآيات كان أول زمان يمكن فيه الردع عن مثل ما استقرت عليه سيرة العقلاء في كل ملة ونحلة، فان الردع عن مثله في أوائل البعثة لا يخلو عن صعوبة. وقد يمنع أصل صلاحية عمومات الكتاب للردع عن السيرة بما في تقرير بحث سيدنا الفقيه الأعظم صاحب الوسيلة (قده) بدعوى (انصراف الآيات عن مثل هذا البناء العقلائي، كسيرتهم على أصالة الصحة عند الشك فيها، وأصالة الفساد عند الشك في الفساد، وكون ذي اليد مالكا عند الشك فيه ونحوها، لعدم كون الآيات في مقام تحريم العمل بغير العلم تعبدا، بل هي صادرة في مقام توبيخ الكفار عن مخالفة العقلاء، فلا يشمل نفس طريقتهم) ولكنه لا يخلو من غموض، إذ بناء على شمول الآيات لفروع الدين وعدم اختصاصها بالأصول - كما هو مبنى الردع - لا وجه لدعوى كونها مسوقة للنهي عن مخالفة طريق العقلاء، إذ لا قرينة فيها على صرف ظهور مثل (ما لم يعلم) عن مدلوله إلى النهي عن مخالفة الطرق العقلائية. وعليه فلا قصور في رادعية الآيات. 65 الوجه الثاني: أن (1) الثبوت في السابق موجب للظن به في اللاحق. وفيه (2): منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن
ولا يلزم محذور الدور، فان حجية أصالة العموم وان كانت منوطة بعدم مخصصية السيرة لها، وهي مشكوكة حسب الفرض، إلا أن في العام اقتضاء الحجية، وسقوطه عن الحجية الفعلية متوقف على وجود المزاحم أعني الخاص الثابت حجيته، وحيث إن مخصصية السيرة في المقام فرع حجيتها المتقومة بعدم الردع فلا تصلح للمعارضة مع العمومات، ويقدم أصالة العموم عليها من باب تقديم ما فيه الاقتضاء على ما ليس فيه الاقتضاء، ويثبت الردع حينئذ. وقد تحصل من مجموع ما تقدم أن سيرة العقلاء على الاستصحاب ممنوعة، وعلى فرض تحققها فهي مردوع عنها. 66 بالبقاء فعلا (1) ولا نوعا، فإنه لا وجه له (2) أصلا إلا كون الغالب فيما ثبت أن يدوم مع إمكان أن لا يدوم، وهو (3) غير معلوم.
67 ولو سلم (1) فلا دليل على اعتباره بالخصوص مع نهوض الحجة على عدم اعتباره بالعموم. الوجه الثالث: دعوى الاجماع عليه كما عن المبادئ، حيث قال: (الاستصحاب حجة، لاجماع الفقهاء على أنه متى حصل حكم ثم وقع الشك في أنه طرأ ما يزيله أم لا وجب الحكم ببقائه على ما كان أولا، ولولا القول بأن الاستصحاب حجة (2) لكان ترجيحا لاحد طرفي الممكن من غير مرجح) (3) انتهى،
68 وقد نقل (1) عن غيره أيضا. وفيه (2): أن تحصيل الاجماع في مثل هذه المسألة مما له مبان مختلفة في غاية الاشكال ولو مع الاتفاق فضلا (3) عما إذا لم يكن
69 وكان (1) مع الخلاف من المعظم، حيث ذهبوا إلى عدم حجيته مطلقا أو في الجملة [1] ونقله موهون جدا لذلك (2) ولو قيل (3) بحجيته لولا ذلك (4). الوجه الرابع - وهو العمدة في الباب - الأخبار المستفيضة
[1] الأولى تقديم الاشكال الثاني على الأول، بأن يقال: (وفيه أولا: أن تحصيل الاتفاق في مثل هذه المسألة مع الخلاف من المعظم لذهابهم إلى عدم حجيته مطلقا أو في الجملة في غاية الاشكال. وثانيا بعد تسليمه: انه ليس إجماعا تعبديا، لاختلاف المباني في المسألة). 70 منها: صحيحة (1) زرارة، قال: (قلت له: الرجل
71 ينام (1) وهو على وضوء أ توجب
73 الخفقة (1) والخفقتان عليه الوضوء (2)؟ قال: يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب والاذن، وإذا نامت العين والاذن والقلب فقد وجب الوضوء، قلت: فان حرك في [إلى] جنبه شئ وهو لا يعلم (3)؟
74 قال: لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجي من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك أبدا، ولكنه ينقضه بيقين آخر).
75 وهذه الرواية وان كانت مضمرة (1)، إلا أن إضمارها لا يضر باعتبارها، حيث كان مضمرها مثل زرارة، وهو ممن لا يكاد يستفتي من غير الإمام عليه السلام لا سيما مع هذا الاهتمام (2). وتقريب الاستدلال بها: أنه لا ريب (3) في ظهور قوله عليه السلام:
76 (والا فإنه على يقين. إلخ)
77 عرفا (1) في النهي عن نقض اليقين بشئ بالشك (2) فيه، وأنه (3) عليه السلام بصدد بيان ما هو علة الجزاء المستفاد (4) من قوله عليه السلام: (لا) في جواب (فان حرك في جنبه. إلخ) وهو (5) اندراج
78 اليقين والشك في مورد السؤال في القضية الكلية الارتكازية غير
[1] لا يخفى منافاة إنكاره لبناء العقلاء على العمل بالحالة السابقة عند الشك في بقائها مع ما تكرر منه هنا وفي حاشية الرسائل من الاعتراف بكون قضية (فإنه على يقين) تعليلا بأمر مرتكز في أذهان العقلاء، لوضوح عدم التئام هذين الكلامين. ولذا قد يوجه تارة بما في حقائق سيدنا الأستاذ (قده) من أن (المقصود أنه ارتكز في أذهانهم مناسبة العلة للتعليل كسائر التعليلات الارتكازية مقابل التعليلات التعبدية، مثلا إذا قال: أكرم زيدا لأنه عالم فهو تعليل بأمر ارتكازي، و إذا قال: أكرم زيدا لأنه طويل، فالتعليل لا يناسب الارتكاز. بخلاف صفة العلم، فحيثية اليقين الذي يطرأ على موضوعه الشك مما يرتكز في ذهن العرف والعقلاء صلاحيته للحكم بعدم جواز النقض) وحاصله: أن المقصود بكون التعليل بأمر ارتكازي لا تعبدي هو: أن مناسبة العلة للتعليل مما ارتكز في أذهان العقلاء، لا كون العلة بنفسها من المرتكزات الفعلية العقلائية بحيث يكون لهم حكم فعلي بعدم نقض اليقين بالشك، بل هذا حكم شأني لهم. وأخرى بما في تقرير بعض أعاظم العصر مد ظله من أن (قاعدة عدم جواز 79 المختصة بباب دون باب.
نقض اليقين بالشك قاعدة ارتكازية مسلمة، فان اليقين والشك بمنزلة طريقين يكون أحدهما مأمونا من الضرر والاخر محتمل الضرر، فإذا دار الامر بينهما لا إشكال في أن المرتكز هو اختيار الطريق المأمون، وما أنكرناه سابقا انما هو تطبيق هذه الكبرى الكلية على الاستصحاب، لعدم صدق نقض اليقين بالشك عرفا، لان اليقين متعلق بالحدوث فقط والشك متعلق بالبقاء، فلم يتعلق اليقين بما تعلق به الشك حتى لا يجوز نقض اليقين بالشك، فلا يصدق نقض اليقين بالشك عرفا، فتطبيق هذه الكبرى الارتكازية على الاستصحاب انما هو بالتعبد الشرعي لأجل هذه الصحيحة وغيرها من الروايات الآتية. ولا مانع من كون الكبرى مسلمة ارتكازية مع كون بعض الصغريات غير واضحة، فان اجتماع الضدين مما لا إشكال ولا خلاف في كونه محالا، مع أنه وقع الخلاف بينهم في جواز اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد من جهة أنه هل يكون اجتماعهما من قبيل اجتماع الضدين أم لا؟) لكن قد يشكل الوجه الأول بأن المناسبة المعتبرة في مقام التعليل ليست مطلق الربط بين العلة والمعلل، وانما هو ربط خاص يحصل إما باندراج المعلل في عموم العلة بأن يكون من مصاديقها فعلا، كما مثل (قده) بوجوب إكرام زيد العالم ونحوه من موارد منصوص العلة، لثبوت حسن هذا التعليل عند العقلاء، لكونه مصداقا فعليا للعالم الذي ارتكز في أذهانهم رجحان إكرامه وتعظيمه، دون التعليل بطول القامة مثلا. وإما بكون العلة ملاكا للحكم المعلل، كتعليل وجوب الصوم ونحوه بالتقوى مثلا. وعلى التقديرين - أي سواء أكانت العلة علة للجعل أم للمجعول - يعتبر في حسن التعليل بها فعلية العلة إما بانطباقها فعلا على الموضوع المعلل كانطباق (العالم) على (زيد) في المثال، وإما بملاكيتها كذلك لحكمه، فمع شأنية العلة وعدم فعليتها لا يصح تعليل ذي الحكم الفعلي بها، إذ هو نظير تعليل موجود بمعدوم، كما 80
إذا علل وجوب إكرام زيد الشاعر بكونه شاعرا مع عدم موضوعية الشعراء فعلا لوجوب الاكرام، وكان التعليل به لمجرد صلاحيتهم لان تنالهم يد تشريع وجوب الاكرام في المستقبل، فهل يصح مثل هذا التعليل في المحاورات؟ والمفروض أن المقام من هذا القبيل، ضرورة أنه علل الحكم الفعلي - وهو عدم نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه - بما يصلح لان يكون مرتكزا في ذهن العرف والعقلاء من عدم نقض اليقين بالشك مع عدم كونه مرتكزا فعليا لهم، وليس هذا إلا من تعليل الحكم الفعلي بالشأني. فالمتحصل: أن التعليل المزبور لا يحسن إلا بكون العلة من المرتكزات الفعلية، وبوضوح انطباقها على المعلل لدى العقلاء فعلا لا قوة و شأنا، وإلا يخرج عن التعليل بأمر ارتكازي فعلي إلى التعليل بأمر ارتكازي شأني. ويشكل الوجه الثاني أولا: بأنه جعلت القاعدة الكلية الارتكازية قاعدة اليقين بقرينة قوله دام ظله: (لان اليقين متعلق بالحدوث فقط) ضرورة أن وحدة متعلقي اليقين والشك حقيقة هي قاعدة الشك الساري دون الاستصحاب، ولازم ذلك تطبيق تلك القاعدة تعبدا على الاستصحاب، مع وضوح عدم كونه صغرى لها لا وجدانا ولا تعبدا، لما بين قاعدتي اليقين والاستصحاب من المنافاة. وبالجملة: فالتطبيق التعبدي يوجب صغروية الاستصحاب لقاعدة اليقين، وهو كما ترى. وثانيا: بأن المراد بالقاعدة الارتكازية في كلماتهم هو الشك الطاري كما يظهر من أمثلتهم، دون الشك الساري، فلاحظ. وثالثا: بأنه لا يظهر وجه لتنظير اليقين والشك المتعلقين بشئ واحد بطريقين أحدهما مأمون الضرر والاخر محتمله، وذلك لأنه مع تعدد الطريق يمكن فرض الامن في واحد منهما واحتماله في آخر. بخلاف المقام، فان الوضوء المشكوك في بقائه مثلا محتمل الامن فقط، إذ الوضوء المعلوم وان كان معلوم الامن، لكنه قد خرج عن مورد الابتلاء، لانتفائه، فليس في حال الشك طريقان 81
أحدهما مأمون الضرر والاخر محتمله. نعم لا إشكال في أن لزوم سلوك الطريق المأمون وترك الطريق المحتمل الامن من المرتكزات العقلائية، لكنه كما عرفت أجنبي عن مورد البحث. وبالجملة: فالتطبيق التعبدي لا يجعل الاستصحاب من صغريات قاعدة اليقين ولا من صغريات الطريقين المأمون أحدهما من الضرر و الاخر محتمله وان فرض كون كلتا القاعدتين من مسلمات المرتكزات العقلائية. ورابعا: بالفرق بين النزاع في المقام ومسألة اجتماع الأمر والنهي، و ذلك لان كبرى استحالة اجتماع الضدين من البديهيات الأولية، و النزاع في تلك المسألة متمحض في صغرويتها لاجتماع الضدين و عدمها، فان كانت جهتا الأمر والنهي تعليليتين كانت مسألة الاجتماع من صغريات اجتماع الضدين المستحيل، لكون التركيب حينئذ اتحاديا. وان كانتا تقييديتين خرجت عن مسألة اجتماع الضدين، إذ لا تجتمع الصلاة والغصب مثلا في واحد حتى يستحيل اجتماعهما، لكون التركيب حينئذ انضماميا. وهذا بخلاف المقام، فان النزاع في ثبوت أصل القاعدة الارتكازية. والمتحصل: أن التنافي بين كلمات المصنف (قده) لا يندفع بما أفيد. بل هذا الاشكال وارد على كل من يرى صلاحية بناء العقلاء للاستدلال به على اعتبار الاستصحاب، وذلك لدلالة المضمرة صراحة أو ظهورا - كما اعترف به المصنف في التنبيه الرابع عشر وفي حاشية الرسائل - على حجية الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف، و من المعلوم عدم بناء العقلاء على الحالة السابقة حتى مع الظن بانتقاضها، بل يتفحصون عنها عند الظن بحصول ما ينافيها، ويشهد له كلام زرارة في الصحيحة الآتية أيضا: (فان ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن فنظرت فلم أر شيئا) حيث لم يعتمد على الحالة السابقة في افتتاح الصلاة مع ظن إصابة دم الرعاف بالثوب، بل تفحص عنه. 82
فلعل الأولى إنكار بناء العقلاء رأسا على الاستصحاب، وان كان مثل قوله عليه السلام: (وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا) لا يخلو من ظهور في إرجاع السائل إلى ارتكازه، لكن لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور من جهة أجنبية ما بنى عليه العقلاء - من العمل باليقين لكونه طريقا مأمونا دون متابعة الشك - لقاعدة الاستصحاب، لا سيما مع الخصوصيات المعتبرة فيه التي لا أثر منها في سيرة العقلاء. وعليه يكون (عدم نقض اليقين الشك) بيانا لقاعدة كلية أسسها الشارع الأقدس، وليس هذا من مرتكزات العقلاء حتى تكون الاخبار إمضاء لها: وهذا المعنى يمكن استفادته من بعض الاخبار الآتية، فان الراوي بعد أن تلقى القاعدة من الإمام عليه السلام سأل منه: (هذا أصل؟) ولو كان هذا قاعدة ارتكازية لم يكن مجال لسؤال الراوي، فتدبر. اللهم إلا أن يدفع التنافي بين كلمات المصنف (قده) بوجه آخر، بأن يقال: ان المراد بالامر الارتكازي وكذا الكلية الارتكازية هو جريان عمل العقلاء في الجملة على الاخذ بالمتيقن السابق ما لم ينقض بيقين آخر، فان سيرتهم جرت على ذلك من دون استنادها إلى دليل تعبدي من كتاب أو سنة، بل إلى مرتكزاتهم، فان اليقين لما فيه من الابرام لا يرفع اليد عنه بمجرد الاحتمال، بل يبنون على بقائه ما لم يعلموا بزواله، إلا إذا ضعف احتمال بقائه مع كون مخالفته أهم في نظرهم من موافقته، ولا مانع من إمضاء هذا البناء العقلائي مع قيود كسائر موارد إمضاء الشارع كالبيع وغيره، فتدبر. وأما إشكال المصنف على بناء العقلاء فليس راجعا إلى إنكار أصل البناء، بل إلى تعبديته، حيث قال: (وفيه أولا منع استقرار بنائهم على ذلك تعبدا) ضرورة أن المنع راجع إلى القيد - وهو التعبد - لا إلى أصل استقرار بنائهم، إذ من المعلوم أن العقلاء بما هم عقلا ليس بناؤهم على العمل بشئ تعبدا، بل لا بد من استنادهم فيه إلى وجه ربما يختلف باختلاف أنظارهم. وأما نفس الجري 83
العملي على المتيقن السابق وعدم نقض يقينهم بالشك فيه، فهم متفقون عليه ولا يختلفون فيه. وعليه فكل من الاستدلال بأصل البناء العملي العقلائي، ومن حسن التعليل بأمر ارتكازي صحيح، حيث إن اليقين والشك في مورد الرواية المتعلقين بالوضوء صغرى للكبرى الكلية الارتكازية العقلائية - وهي عدم نقض اليقين بالشك - التي جعلها الشارع أصلا من الأصول و لو كان فيها جهة كشف، لكن الشارع لم يعتبرها من هذه الحيثية كبعض القواعد الواجدة لحيثية الكشف، إلا أن الشارع اعتبرها بدون لحاظ كشفها، وربما تكون قواعد التجاوز والفراغ والصحة من هذا القبيل. والوجه في عدم اعتبار طريقيتها هو أنه اعتبر في موضوعاتها الشك الذي يفترق به الأصل عن الامارة. وبالجملة: مقتضى التعليل كون الجري العملي على طبق المتيقن السابق أمرا ارتكازيا عقلائيا، وهذا الامر العقلائي صار موردا لحكم الشارع ومتبعا لديه كسائر الأمور العقلائية التي تنالها يد التعبد الشرعي، على اختلافها في الاعتبار من حيث كون بعضها أمارة و الاخر أصلا عمليا. ويكفي في الدلالة على التعبد الشرعي تطبيق تلك الكبرى على المقام وجعله من صغرياتها مع وضوح صغرويته لها وجدانا، فان مثل هذه التطبيقات من المعصوم عليه السلام بيان للحكم الشرعي، لا لمجرد الاخبار عن الامر الخارجي الذي ليس بيانه من شأنه، بل يدل التطبيق على إمضاء الكبرى ومشروعيتها. فالمتحصل: أن الاستصحاب من الأمور الارتكازية العقلائية التي اعتبرها الشارع - مع قيود - أصلا من الأصول العملية، وليس من السير العقلائية المنهي عنها شرعا كالعمل بالقياس ونظائره. ولا يرد عليه أنه بناء على ارتكازية الاستصحاب يلزم حجية مثبتاته وكونه معارضا لدليل اجتهادي في مورد اجتماعهما، وذلك لما عرفت من عدم اعتباره لأجل الكشف والطريقية، فلاحظ وتدبر. 84 واحتمال أن يكون الجزاء هو (1) قوله: (فإنه على يقين. إلخ)
85 غير (1) سديد، فإنه (2) لا يصح إلا بإرادة لزوم العمل على طبق يقينه، وهو (3) إلى الغاية بعيد. [1] وأبعد منه كون (4) الجزاء قوله:
[1] لتوقفه على تأويل الجملة الخبرية إلى الانشائية. لكن التزم به المحقق النائيني (قده) إذ لو كان (فإنه على يقين) علة للجزاء المقدر لزم التكرار في جوابه عليه السلام بلا تكرر السؤال، فان معنى قوله عليه السلام: (لا حتى يستيقن) هو أنه لا يجب الوضوء، فلو قدر الجزاء (فلا يجب عليه الوضوء) كان تكرارا 87 (لا ينقض. إلخ) وقد ذكر (فإنه على يقين) للتمهيد. وقد انقدح بما ذكرنا (1) ضعف احتمال اختصاص قضية (لا تنقض. إلخ)
غير خال عن حزازة وفيه: أنه لا موجب لرفع اليد عن ظهور الجملة الاسمية في الاخبار وحملها على إنشاء طلب البقاء على اليقين السابق، ومجرد لزوم التكرار لا يقتضي ذلك إذا كان عليه السلام في مقام بيان ضابطة عامة في باب الوضوء أو مطلقا، وفائدته تأكيد المطلب وتقريره. ويشهد له قوله عليه السلام: (حتى يستيقن أنه قد نام) لدلالة سؤال زرارة (فان حرك.) وجوابه عليه السلام: (لا) على عدم اعتبار الظن بتحقق النوم الناقض، وأن العبرة باليقين به، فلا محالة يكون (حتى يستيقن.) تكرارا لما تضمنته الجملة السابقة، وليس هذا مما ينافيه قواعد البلاغة كما هو واضح. 88 باليقين والشك في باب الوضوء جدا (1)، فإنه ينافيه (2) ظهور التعليل في أنه بأمر ارتكازي لا تعبدي قطعا. ويؤيده (3) تعليل الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء في غير هذه الرواية بهذه القضية أو ما يرادفها، فتأمل جيدا، هذا.
89 مع أنه (1) لا موجب لاحتماله إلا احتمال كون اللام في (اليقين) للعهد إشارة إلى اليقين في (فإنه على يقين من وضوئه) مع أن الظاهر أنه للجنس كما هو الأصل فيه [1]
[1] لم يظهر مستند هذا الأصل. مضافا إلى معارضته بما اختاره في بحث ألفاظ العموم بقوله: (فالظاهر أن اللام مطلقا تكون للتزيين كما في الحسن والحسين عليهما السلام، واستفادة الخصوصيات انما تكون بالقرائن التي لا بد منها لتعيينها على كل حال) وعليه تكون دلالته على العموم بالاطلاق لا الوضع، وحيث إن القدر المتيقن في مقام التخاطب مانع عن الاطلاق والمفروض أن إضافة اليقين إلى (من وضوئه) مما يصلح لاعتماد المتكلم عليه فالكلام محفوف بما يحتمل كونه قيدا، ولا دافع لهذا الاحتمال، ومعه لا سبيل لاحراز الاطلاق. وما أفاده المحقق النائيني ووافقه سيدنا الأستاذ (قدهما) على ما حررته عنه من (عدم دخل الإضافة في الحكم، بل ذكر متعلق اليقين في الرواية انما هو لكون 90
اليقين من الصفات الحقيقية ذوات الإضافة، فلا بد وأن يكون له إضافة إلى شئ وانما أضيف إلى خصوص الوضوء لان الإضافة الخارجية في مورد السؤال كانت في خصوص الوضوء.) غير واف برفع الاجمال، لان محصله عدم دلالة إضافة اليقين إلى متعلقه كالوضوء في مقام الاثبات إلا على كون اليقين صفة حقيقية ذات إضافة، كدلالة نفس اليقين على ذلك. وعليه فلا تدل الإضافة المزبورة على دخلها في موضوع الحكم حتى تمنع عن دلالة الصحيحة على حجية الاستصحاب في جميع الموارد، إذ لا يقدح ذكر الإضافة في استفادة الاطلاق من اليقين. ووجه عدم وفائه بالغرض هو: أنه لا ملازمة بين مقامي الثبوت و الاثبات، ضرورة أنه وان لم يكن إشكال في توقف اليقين ثبوتا كالحب والبغض ونحو هما من الصفات الحقيقية ذوات الإضافة على وجود متيقن في لوح النفس الذي هو وعاء الصور العلمية، لامتناع حصول اليقين مطلقا أو مهملا، لكنه لا يلازم ذكر متعلق اليقين دائما في مقام الاثبات، ولا عدم دلالته حين ذكره في الكلام إلا على مجرد التنبيه على كون اليقين من الصفات الحقيقية ذوات الإضافة بحيث ينحصر دلالته على ذلك ولا يدل على دخل متعلقه في موضوع الحكم أصلا. أما الأول فيشهد له بعض الاخبار الآتية التي ذكر فيها اليقين مجردا عن الإضافة إلى متعلقه الظاهرة في موضوعية نفس اليقين من دون إضافته إلى شئ كقوله عليه السلام: (من كان على يقين فشك، ولا ينقض اليقين بالشك). وأما الثاني فلاحتمال دخل متعلقه وجدانا في الموضوع كسائر العناوين المأخوذة في الخطابات، ولا يندفع احتمال الدخل إلا بالقرينة، وإلا فمع احتمال كل من الدخل، والتنبيه على كون اليقين من الصفات ذوات الإضافة لا يمكن استفادة الاطلاق من الصحيحة، للاجمال المانع عن الاطلاق الذي يتوقف عموم حجية الاستصحاب عليه. 91
وبالجملة: فلا ظهور لذكر متعلق اليقين في كونه للتنبيه على أن اليقين من الصفات ذوات الإضافة حتى لا يمنع من استظهار الاطلاق، بل الاجمال المانع عن استظهاره باق بحاله. والظاهر أنه اشتبه مقام الاثبات بالثبوت، فلا سبيل لاثبات الاطلاق الا التشبث بما أفاده المصنف (قده) من عدم تعلق (من وضوئه) باليقين بل بمجموع الجار والمجرور. ويتأكد المطلب بعدم معهودية إضافة اليقين إلى متعلقه ب (من) بل بالباء، فيقال: (أنا متيقن بوضوئي، أو: على يقين بوضوئي) وجعل (من) بمعنى الباء خلاف الظاهر، وعلى هذا فلو فرض كون اللام للعهد أيضا لم يقدح في عموم اليقين. لكن ناقش فيه شيخنا المحقق العراقي (قده) أولا: بأنه مجرد احتمال لا يجدي شيئا ما لم يبلغ حد الظهور المعتد به. وثانيا: بأن غاية ذلك خروج (من وضوئه) عن كونه من الجهات التقييدية لليقين إلى التعليلية، ومثله لا يوجب إطلاقا في اليقين المأخوذ في الصغرى، فان اليقين وان لم يكن مقيدا ب (من وضوئه) لكنه لا إطلاق له يشمل اليقين بغير الوضوء، لاستحالة إطلاق المعلول لحال فقد علته، فالمراد باليقين هو اليقين الخاص أعني المتعلق بالوضوء، وكون اللام للعهد معناه الإشارة إلى هذا اليقين الخاص. وثالثا: بأن القدر المتيقن في مقام التخاطب مانع عن جريان مقدمات الحكمة التي يتوقف عليها الاطلاق، وبعد تيقن نوع اليقين المتعلق بالوضوء لا مجال للاخذ بالاطلاق لكن يمكن أن يقال باندفاع جميعها: أما المناقشة الأولى فبما عرفته من ظهور الكلام فيما ادعاه المصنف خصوصا بملاحظة عدم تعدي اليقين إلى متعلقه إلا بالباء، فليس هو مجرد احتمال حتى يورد عليه بالاجمال. وأما الثانية فبأنه بعد فرض تعلق كل من (اليقين) و (من وضوئه) بالمقدر وهو الكون لأنهما من الظرف المستقر، يكون حاصله طروء قيدين عرضيين عليه. 92 وسبق (1) (فإنه على يقين. إلخ) لا يكون قرينة عليه مع كمال الملامة مع الجنس أيضا (2)، فافهم (3). مع (4) أنه غير ظاهر في اليقين بالوضوء، لقوة احتمال أن يكون
ولو كان اليقين المتعلق بالكون مضافا إلى الوضوء لأجل كونه من الصفات الحقيقة ذوات الإضافة، فكأنه قيل: (فإنه كائن على يقين و كائن على وضوء) ومع كون القيدين في رتبة واحدة بالنسبة إلى المتعلق لا تعليل ولا تقييد لليقين بالوضوء، فيبقى إطلاقه سليما عن المقيد والمانع. وأما الثالثة فبما عرفته أيضا من أن القدر المتيقن في مقام التخاطب و ان كان صالحا لتقييد الاطلاق، إلا أن المدعى كما مر تجريد اليقين عن حيثية إضافته إلى الوضوء، وبعد تجريده عنها وإلغاء خصوصية الوضوء لا يبقى موضوع للاشكال. 93 (من وضوئه) متعلقا بالظرف (1) لا ب (يقين) وكان المعنى (فإنه كان من طرف وضوئه على يقين) وعليه لا يكون الأوسط [الأصغر] إلا اليقين (2)، لا اليقين بالوضوء (3) كما لا يخفى على المتأمل. وبالجملة (4): لا يكاد يشك في ظهور القضية في عموم اليقين و الشك، خصوصا (5) بعد ملاحظة تطبيقها في الاخبار على غير الوضوء
94 أيضا. ثم لا يخفى (1) حسن إسناد النقض
95 وهو ضد الابرام (1) إلى اليقين (2) ولو (3) كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار، لما (4) يتخيل فيه من (5) الاستحكام، بخلاف الظن، فإنه (6) يظن أنه ليس فيه إبرام واستحكام وان كان متعلقا بما فيه اقتضاء ذلك (7)،
99 وإلا (1) لما صح أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضي له، مع ركاكة (2) مثل (نقضت الحجر من مكانه) ولما (3) صح أن يقال: (انتقض اليقين باشتعال السراج) فيما إذا شك في بقائه للشك في استعداده (4)، مع بداهة صحته وحسنه. وبالجملة (5): لا يكاد يشك في أن اليقين كالبيعة والعهد إنما يكون
100 حسن اسناد النقض إليه بملاحظته (1) لا بملاحظة متعلقه، فلا [ولا] موجب (2) لإرادة ما هو أقرب إلى الامر المبرم أو أشبه بالمتين المستحكم مما فيه اقتضاء البقاء، لقاعدة (3) (إذا تعذرت الحقيقة فأقرب المجازات) بعد تعذر إرادة مثل ذاك الامر (4) مما يصح اسناد النقض إليه حقيقة. فان قلت (5):
101 نعم (1)، ولكنه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة (2)، فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء في المتيقن لما (3) صح إسناد
103 الانتقاض إليه بوجه ولو مجازا، بخلاف ما إذا كان (1) هناك، فإنه (2) وان لم يكن معه أيضا (3) انتقاض حقيقة، إلا (4) أنه صح إسناده إليه مجازا، فان اليقين معه (5) كأنه تعلق بأمر مستمر مستحكم قد انحل وانفصم بسبب الشك فيه من جهة الشك في رافعه. قلت (6): الظاهر أن وجه الاسناد هو لحاظ اتحاد متعلقي اليقين
104 والشك ذاتا وعدم ملاحظة تعددهما زمانا، وهو (1) كاف عرفا في صحة اسناد النقض إليه واستعارته (2) له بلا تفاوت في ذلك (3) أصلا في نظر أهل العرف بين ما كان هناك اقتضاء البقاء وما لم يكن. و كونه (4) مع المقتضي أقرب بالانتقاض وأشبه لا يقتضي تعينه [تعيينه] لأجل قاعدة (إذا تعذرت الحقيقة) فان (5) الاعتبار في الأقربية إنما هو بنظر
106 العرف (1)، لا الاعتبار، وقد عرفت عدم التفاوت بحسب نظر أهله (2). هذا كله في المادة (3). وأما (4) الهيئة فلا محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض
107 بحسب البناء والعمل (1) لا الحقيقة، لعدم (2) كون الانتقاض بحسبها [بحسبهما] تحت الاختيار سواء كان متعلقا باليقين كما هو (3) ظاهر القضية، أم بالمتيقن، أم ب آثار اليقين بناء (4) على التصرف فيها بالتجوز (5) أو الاضمار (6)،
109 بداهة (1) أنه كما لا يتعلق النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه بنفس اليقين (2) كذلك لا يتعلق بما كان (3) على يقين منه، أو أحكام (4) اليقين، فلا يكاد (5) يجدي التصرف
110 بذلك (1) في بقاء الصيغة على حقيقتها، فلا مجوز له (2) فضلا عن (3) الملزم كما توهم. [1] لا يقال: لا محيص عنه (4)،
[1] هذا الاشكال غير وارد على الشيخ، لأنه قال بعد عبارته المتقدمة: (وكيف كان فالمراد إما نقض المتيقن، فالمراد بالنقض رفع اليد عن مقتضاه، وإما نقض أحكام اليقين أي الثابتة للمتيقن من جهة اليقين، والمراد حينئذ رفع اليد عنها.) وهو يدل بوضوح على إرادة النقض العملي الذي هو فعل اختياري قابل لورود النقض عليه، لا الحقيقي. نعم قد يوهم كلامه الأول إرادة النقض الحقيقي، لكن لا بد من ملاحظة تمام كلامه لاستفادة مرامه زيد في علو مقامه. 111 فان (1) النهي عن النقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره، لمنافاته (2) مع المورد. فإنه يقال: إنما يلزم (3) لو كان اليقين ملحوظا بنفسه وبالنظر
112 الاستقلالي، لا (1) ما إذا كان ملحوظا بنحو المرآتية وبالنظر الآلي كما هو (2) الظاهر في مثل قضية (لا تنقض اليقين) حيث تكون ظاهرة
113 عرفا في أنها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام (1) حكم مماثل للمتيقن تعبدا إذا كان (2) حكما، ولحكمه (3) إذا كان موضوعا، لا (4) عبارة عن لزوم العمل ب آثار نفس اليقين بالالتزام (5) بحكم مماثل لحكمه شرعا وذلك (6) لسراية الالية من اليقين الخارجي إلى مفهومه الكلي،
114 فيؤخذ (1) في موضوع الحكم في مقام بيان حكمه مع عدم دخله (2) فيه أصلا، كما ربما يؤخذ (3) فيما له دخل فيه أو تمام الدخل (4)، فافهم (. [1] 5
[1] أورد شيخنا المحقق العراقي على جعل اليقين مرآة لمتعلقه أولا: بمخالفته للأصل المعول عليه من ظهور كل عنوان في الحكاية عن إرادة مفهومه استقلالا. 115
وثانيا: بأن لازم المرآتية على ما اعترف به المصنف في المعنى الحرفي أن يكون اليقين بمفهومه مغفولا عنه في مقام الاستعمال، مع أنه ليس كذلك في المقام. بل لازم ذلك استعمال اليقين في خلاف وضعه، لوحدة المعنى الاسمي والحرفي ذاتا واختلافهما بحسب الاستعمال، فمعنى مرآتية اليقين هنا استعماله بنحو المعنى الحرفي. ودعوى سراية المرآتية من المصاديق إلى المفهوم ممنوعة، إذ لازم سراية المرآتية عدم الالتفات إلى حيثية استحكامه أيضا، ومعه كيف يمكن جعل هذه الحيثية مصححة لإضافة النقض إليه، فلا بد أن يكون المصحح للإضافة حيثية اتصال المتيقن، وهذا ينتج اختصاص الاستصحاب بموارد الشك في الرافع بعد إحراز بقاء المقتضي، وهو ضد المقصود من عموم حجيته لأجل اسناد النقض إلى اليقين. ثم سلك (قده) مسلكا آخر لاثبات عموم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي أيضا بما حاصله: أن اليقين مأخوذ في القضية عنوانا لا مرآة للمتيقن، فهو بمعناه الاسمي موضوع لحرمة النقض سواء ترتب الأثر عليه أم على المتيقن، إذ قد يترتب الحكم الشرعي على اليقين بنفسه كالعلم بالنجاسة الموضوع للمانعية على ما هو ظاهر بعض الاخبار، وقد يترتب على المتيقن كالطهارة الحدثية، لترتب الآثار الشرعية عليها لا على العلم بها، وحيث كان المنقوض هو اليقين الملحوظ استقلالا، والمفروض إطلاق اليقين والشك من حيث المتعلق كان الاستصحاب حجة 116
في جميع الانقسامات الأولية. وتوهم استلزام هذا البيان لاجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي في اليقين المنقوض، لاقتضاء ترتب آثار اليقين للحاظه استقلالا، وترتب آثار المتيقن للحاظه آليا (مندفع) بأن المقصود لحاظ اليقين استقلاليا فقط، لكن آثار اليقين قد تترتب عليه حقيقة، كما في العلم المأخوذ في الموضوع، وقد تترتب عليه بالعناية لكونها آثارا للمتيقن، لكن محركية الاحكام الواقعية لما كانت منوطة بالعلم بها وكان التعبد ببقاء اليقين في ظرف الشك بلحاظ الجري العملي صح عد أحكام المتيقن أحكاما لليقين، وعليه فالملحوظ هو اليقين الاستقلالي فقط، فلم يلزم اجتماع لحاظين في اسناد واحد. لكنه لا يخلو من غموض، أما اشكاله على الماتن فيجاب عنه بأن مقصود المصنف (قده) من آلية اليقين للمتيقن ليس هو النظر الآلي المقوم للمعنى الحرفي المقابل للمعنى الاسمي، ضرورة اسناد النقض هنا إلى اليقين، فلو كان اليقين ملحوظا آلة وعبرة للمتيقن كما هو الحال في الابتداء المغفول عنه في (سرت من البصرة) المدلول عليه بحرف الجر، والظرفية المغفول عنها في (زيد في الدار) ونحو هما من المعاني الحرفية لم يصح اسناد النقض إلى اليقين. بل المراد أن إضافة النقض إلى اليقين انما تكون بلحاظ آثار المتيقن، لانتقاض اليقين بتبدله بالشك، ومن المعلوم أن هذا الاستعمال المجازي متوقف على النظر إلى اليقين ولحاظه بما هو اسم، كاستعمال الأسد في الرجل الشجاع، لإناطة صحته بالالتفات إلى معناه الحقيقي وإرادة معنى آخر منه، فكأنه قال عليه السلام: (لا تنقض المتيقن) مما يصح تعلق النقض الاختياري به. والحاصل: أن ما قرره المصنف في المعنى الحرفي من الغفلة عنه لا ربط له بما أفاده هنا من استعمال اليقين مجازا بلحاظ آثار المتيقن. و لو كان مراده من المرآتية هو الالية المقصودة في المعاني الحرفية لاختل اسناد النقض إلى نفس 117
اليقين، كما لا يصح وقوع الحرف ركنا في الكلام كأن يقال: (من ابتدأ) و (في ظرفية). ومما ذكرنا ظهر اندفاع اشكاله الثاني - من كون المعنى الحرفي مغفولا عنه - فان اليقين هو المسند إليه والملتفت إليه في مقام الاسناد، ولم يلزم لحاظ المتيقن حتى يراعى حيثية اتصاله واستعداده للبقاء. وأما ما أفاده (قده) في تحقيق مختاره فلا يخلو أيضا من شئ، فان خطاب (لا تنقض) حيث كان من الخطابات الشرعية فلا بد أن يكون النقض بلحاظ الأثر الشرعي، وحيث انه في اليقين نادر جدا فلا بد من إرادة آثار المتيقن، وكون اليقين حينئذ آليا استقلاليا. وما أفاده من كون أحكام المتيقن آثار اليقين بالعناية لا يفي بدفع الاشكال، إذ لا أثر لليقين إلا تنجيز الاحكام الواقعية، وهو أثر عقلي لا شرعي، وعليه ف آثار المتيقن أجنبية عن اليقين فكيف تعد من آثاره؟ والنقض بصحة التعبد بلحاظ الأثر العقلي كما هو الحال في اقتضاء أدلة الامارات لقيامها مقام القطع الطريقي مع انحصار الأثر في التنجيز والتعذير (غير متجه) وذلك لتوقف ورود هذا النقض على كون المجعول الشرعي في الامارات تتميم كشفها وتنزيلها منزلة القطع، وقد تقدم في مبحث الامارات ضعف هذا المبنى وعدم التعبد الشرعي فيها، وأن أدلة الامارات إمضاء لبناء العقلاء من دون تعبد وتنزيل في البين، فلا مورد لهذا النقض أصلا. ثم انه ينبغي تعقيب كلام المصنف (قده) بوجوه أخرى استدل بها على اختصاص حجية الاستصحاب بالشك في الرافع، لترتب الآثار الفقهية عليه، فنقول وبه نستعين: انه ينبغي قبل التعرض للأدلة بيان أمرين: أحدهما: توضيح مراد شيخنا الأعظم (قده) من المقتضي في تفصيله بين الشك في المقتضي والرافع. والظاهر أن مقصوده منه هو مقدار استعداد المستصحب 118
للبقاء في عمود الزمان، فان شك في مقدار اقتضائه للاستمرار فيه فهو شك في المقتضي. وان شك في زواله من ناحية عروض زماني مزيل له كان من الشك في الرافع. وقد أصر المحقق النائيني تبعا لأستاذه المحقق السيد محمد الأصفهاني (قدس سر هما) على أن هذا هو مراد الشيخ. ويستفاد ذلك مما صرح به الشيخ (قده) في تقسيم الاستصحاب باعتبار الشك في البقاء بقوله: (الثالث: من حيث إن الشك في بقاء المستصحب قد يكون من جهة المقتضي والمراد به الشك من حيث استعداده وقابليته في ذاته للبقاء كالشك في بقاء الليل. إلخ). نعم كلامه في مناقشة استدلال المحقق في المعارج ظاهر في إرادة معنى آخر منه، حيث قال الشيخ: (وفيه: أن المراد بالمقتضي إما العلة التامة للحكم أو للعلم به أعني الدليل أو المقتضي بالمعنى الأخص) لكن التأمل فيه يرشد إلى أنه (قده) بصدد إبطال دليل المحقق، وأن المقتضي في كلامه هو العموم أو الاطلاق، ولا ربط له بما اختاره الشيخ في معنى المقتضي من استعداد المستصحب للبقاء لولا طروء المزيل، فلاحظ كلاميهما. وعلى هذا فلا يراد بالمقتضي الملاك وفي قباله الرافع كاقتضاء العلم لوجوب الاكرام ومانعية الفسق عنه، إذ لا سبيل لاحراز مناطات الاحكام إلا الخطابات، ولازمه انسداد باب الاستصحاب في الاحكام، لتبعية الحكم لملاكه تبعية المعلول لعلته، والشك في الحكم ملازم للشك في مناطه. مضافا إلى جريان النزاع على مذهب غير العدلية ممن ينكر أصل التبعية للملاكات. كما لا يراد بالمقتضي أيضا الفاعل وما يترشح منه الأثر كالنار، في قبال الشرط المتمم لفاعلية الفاعل أو قابلية القابل، وعدم المانع، لجريان الاستصحاب في العدميات التي لا معنى للاقتضاء بمعنى إفاضة الوجود عليها. كما لا يراد بالمقتضي أيضا موضوعات الاحكام أي ما يستتبع حكما شرعيا تكليفيا أو وضعيا كاقتضاء الوضوء للطهارة وعقد النكاح لعلقة الزوجية، ورافع هذه الأمور 119
كنواقض الوضوء والطلاق والفسخ. وذلك لاعتبار اتحاد القضيتين، و إحراز المقتضي بمعنى الموضوع أمر متسالم عليه، فلا ينبغي جعل التفصيل بين المقتضي والرافع ناظرا إلى المقتضي بهذا المعنى. ثانيهما: تعيين موارد الشك في المقتضي والرافع، فنقول: ان المستصحب إما أن يكون موضوعا وإما أن يكون حكما شرعيا، فان كان موضوعا وشك في بقائه من جهة الترديد في مقدار عمره فهو شك في المقتضي، وان شك فيه للشك في حدوث قاسر زماني موجب لانعدامه عن صفحة الوجود مع قابليته ذاتا للبقاء لولاه فهو شك في الرافع. وان كان حكما شرعيا فاما أن يكون محدودا بغاية معينة في لسان الدليل، وإما أن لا يكون محدودا بها، فعلى الأول قد ينشأ الشك في البقاء من عدم إحراز المقتضي، كما إذا شك حكما في أن غاية وقت صلاة العشاء نصف الليل أو آخره، أو مفهوما كالعلم بأن غاية وجوب الامساك هو الغروب المردد مفهومه بين استتار القرص وزوال الحمرة المشرقية. وقد ينشأ الشك في البقاء من الشك في تحقق الغاية بنحو الشبهة الموضوعية كالشك في طلوع الشمس لغيم ونحوه، و هذا ملحق بالشك في الرافع، إذ الرافع هو الحادث الزماني، ومن المعلوم أن غاية وقت فريضة الغداة نفس الزمان أعني الطلوع. وعلى الثاني - أعني عدم محدودية الحكم الشرعي بغاية معينة - فالشك في بقائه يستند إلى الشك في طروء المزيل أعني العناوين الثانوية كالضرر والاضطرار، لا من الشك في المقتضي، لامكان إحراز دوامه إما بنفس دليل تشريعه وإما بدليل آخر مثل قوله عليه السلام: (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة). إذا عرفت هذا فاعلم: أنه قد استدل على عدم اعتبار الاستصحاب في الشك في المقتضي بوجوه خمسة: أولها ما تقدم في التوضيح عن المحقق الخوانساري 120
وصاحب الفصول والشيخ الأعظم (قدس سرهم) وأجاب عنه في المتن. ثانيها: ما أفاده المصنف هنا مجملا وفي حاشية الرسائل ببيان أو في، وأجاب عنه في المتن أيضا، وقد تقدم بيانه. ثالثها: ما أفاده الفقيه الهمداني (قده) من تقدير اليقين بالبقاء في ظرف الشك، قال: (قد يراد من نقض اليقين بالشك رفع اليد عن آثار اليقين السابق حقيقة في زمان الشك، وهذا المعنى انما يتحقق في القاعدة، وأما في الاستصحاب فليس إضافة النقض إلى اليقين بلحاظ وجوده في السابق، بل هو باعتبار تحققه في زمان الشك بنحو من المسامحة والاعتبار، إذ لا يرفع اليد عن اليقين السابق في الاستصحاب أصلا، وإنما يرفع اليد عن حكمه في زمان الشك، و ليس هذا نقضا لليقين، كما أن الاخذ بالحالة السابقة ليس عملا باليقين، بل هو أخذ بأحد طرفي الاحتمال، فلا بد في تصحيح إضافة النقض إليه بالنسبة إلى زمان الشك من اعتبار وجود تقديري له، بحيث يصدق بهذه الملاحظة أن الاخذ بالحالة السابقة عمل باليقين، ورفع اليد عنه نقض له، ومن المعلوم أن تقدير اليقين مع قيام مقتضية هين عرفا. وأما تقدير اليقين في موارد الشك في المقتضي فبعيد جدا.). ويرد عليه ما في حاشية المحقق الأصفهاني (قده) من الاشكال الاثباتي، وذلك لمخالفة إسناد النقض إلى اليقين التقديري لظواهر أخبار الاستصحاب (فان الظاهر من قوله عليه السلام: ولا ينبغي لك أن تنقض اليقين هو اليقين المذكور بقوله عليه السلام: والا فإنه على يقين من وضوئه، أو: لأنك كنت على يقين من طهارتك، لا اليقين المقدر، فيعلم منه أن النقض باعتبار اليقين المذكور، لا اليقين المقدر، ومن الواضح أن اليقين المتعلق بالبقاء في ظرف تعلقه بالحدوث هو اليقين بالحدوث، لأنه مضاف إلى الحدوث بالذات و إلى البقاء بالعرض). رابعها: ما أفاده المحقق النائيني (قده) وهو: أن اليقين المقتضي للجري 121
العملي غير متحقق في الشك في المقتضي، وذلك لان مفاد أخبار الباب وجوب إبقاء اليقين السابق عملا، وحيث إن اليقين مرآة للمتيقن فالمقصود إبقاء المتيقن بترتيب آثاره في زمان الشك بحيث لو خلي و طبعه لكان يبقى العمل على وفق اليقين ببقاء المتيقن، وهذا يتوقف على اقتضاء المتيقن للدوام في عمود الزمان ليتحقق الجري العملي على طبقه، فلو لم يكن له ذلك الاستعداد لم يصدق النقض، و انما هو الانتقاض، لفرض عدم اقتضائه للجري العملي كي يكون رفع اليد عنه نقضا لليقين بالشك. ولو لم يحرز قابليته للبقاء فلا أقل من الشك في صدق النقض على رفع اليد عنه، لدورانه بين النقض و الانتقاض، فلا يندرج في عموم قوله عليه السلام: (لا تنقض اليقين بالشك) لامتناع التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية. مثلا يكون رفع اليد عن ترتيب آثار الزوجية على العقد الدائم لمجرد الشك في الطلاق أو الفسخ نقضا لليقين بالشك، بخلافه في العقد المنقطع بعد بلوغ الاجل فإنه من انتقاض المتيقن وهو الزوجية الموقتة. وإذا تردد العقد بين الدوام والانقطاع فعدم ترتيب أحكام الزوجية بعد شهر مثلا ليس نقضا لليقين بها بالشك، لاحتمال كونه انتقاضا، وهو شبهة موضوعية لدليل حرمة النقض، هذا. لكن يمكن أن يقال: ان اليقين كما تقدم يمتاز عن الظن والشك بثباته و استحكامه كالحبل والغزل، والعناية المصححة لاسناد النقض إليه هي حيثية قراره في النفس ورسوخه فيها، وأما الجري العملي عليه فهو حكم العقل أو العقلاء بلزوم رعاية الواقع المنجز به أو بسائر الطرق، فالابرام والاستحكام من مقتضيات ذات اليقين، ولا يكون منشأ عروضهما عليه واتصافه بهما جهة اتصال المتيقن و استمراره أو وجوب الجري العملي عليه حتى يتجه ما أفاده (قده) من لزوم إحراز المقتضي لهذا التحرك العملي، فمصحح الاسناد هو ذات اليقين بما أنه انكشاف تام لا يعتريه شك وريب، ولا فرق 122
في هذا بين تعلقه بما هو طويل العمر وقصيره. والحاصل: أن النقض أسند إلى نفس اليقين، فاللازم هو إبقاء الجري العملي على طبقه، ومن المعلوم تحققه في كل من الشك في المقتضي والرافع، فلو دار العقد بين الدوام والانقطاع مدة شهر، فبعد مضي تلك المدة لا مانع من جريان استصحاب الزوجية المتيقنة والجري العملي على طبق اليقين السابق. خامسها: ما أفاده المحقق النائيني أيضا من: أن الشك في المقتضي يوجب انهدام اليقين السابق، إذ يعتبر في الاستصحاب حدوث اليقين أولا وتبدله بالشك ثانيا، وصدق نقض اليقين بالشك متوقف على أن يكون زمان الشك مما تعلق به اليقين في زمان حدوثه، وهذا انما يصح إذا كان المتيقن مرسلا بحسب الزمان حتى لا يكون اليقين بوجوده من أول الامر محدودا بوقت خاص، فإذا لم يعلم استعداد المستصحب للبقاء في مدة معينة كعشرة أيام، وشككنا في اليوم الثامن في بقائه للجهل بمقدار عمره لم يكن استمراره في هذه المدة معلوما كي يصير مشكوكا فيه حتى يبنى على بقائه، بل وجوده في اليوم الثامن مشكوك فيه من أول الامر، فلا يقين بالاستمرار حدوثا حتى يبنى عليه بقاء. وعليه يختص (لا تنقض) بما أحرز قابلية المتيقن للدوام وتمحض الشك في وجود الرافع. لكنه كسابقه لا يخلو من غموض، أما أولا: فلان المعتبر في الاستصحاب أمران أحدهما اليقين بثبوت الحالة السابقة وعدم زواله بسراية الشك إليه، وإلا انطبق عليه قاعدة اليقين، والاخر الشك في البقاء. أما اعتبار إحراز إرسال المتيقن في صحة اسناد النقض فلا دليل عليه، كما لا تتوقف صحة الاسناد المزبور عليه، لكفاية نفس إبرام اليقين في ذلك، وعليه فلو لم يحكم عليه بالاستمرار لصدق عليه النقض بالشك، وهو ممنوع شرعا. وأما ثانيا: فلان دعوى لزوم أن يكون زمان الشك مما تعلق به اليقين في زمان حدوثه حتى يختص الدليل بالشك في الرافع غير ظاهرة، ضرورة أن القطع 123 ثم (1) انه حيث كان كل من الحكم الشرعي وموضوعه مع الشك
بالحدوث منحصر بزمان الحدوث، ولا يشمل زمان وجود الرافع، لاحتمال طروء المزيل في الان الثاني، فيقال: ان وجود المتيقن مع احتمال وجود الرافع غير متيقن من أول الامر، كعدم تيقن بقاء العقد بعد شهر لاحتمال كونه موقتا، فلا يحرز المقتضي فيه من بدو وجوده. ومن المعلوم أنه لا فرق في انتفاء العلم بوجود المتيقن في زمان الشك بين كون علة الشك عدم العلم بوجود المقتضي في زمان الشك وبين كونها الشك في طروء الرافع، حيث إن زمان الشك في وجود المتيقن لم يتعلق به اليقين حين حدوثه، بل يكون من قبيل الشك الساري على التقريب المتقدم من الميرزا (قده)، لصيرورة وجود المتيقن في زمان الشك مشكوكا فيه من أول الامر، وهذا غير الاستصحاب، مع أن المنكر لحجية الاستصحاب في الشك في المقتضي لا يقصد إرجاع الشك فيه إلى قاعدة اليقين، بل مع فرض صدق الشك في البقاء ينكر اعتباره. هذا كله مضافا إلى النقض على هذا القول بأمور تسالموا على جريان الاستصحاب فيها مع أنها من الشك في المقتضي، منها: استصحاب عدم النسخ، مع أن الشك فيه في سعة الجعل وضيقه، إذ حقيقته انتهاء أمد الحكم لئلا يلزم البدأ المستحيل في حقه تعالى. ومنها: استصحاب الموضوعات الخارجية، كحياة زيد وعدالة عمرو ونحوهما، لعدم كون استعدادها للبقاء منضبطا حتى يشك في بقائها من جهة الرافع خاصة بل أكثر ما يقع الشك فيه منشؤه عدم إحراز قابليتها للاستمرار، فليتأمل. وقد تحصل: صحة ما ذهب إليه الماتن من عموم حجية الاستصحاب في كل من الشك في المقتضي والرافع. 124 قابلا للتنزيل بلا تصرف (1) وتأويل، غاية الامر تنزيل الموضوع (2) بجعل مماثل حكمه، وتنزيل الحكم (3) بجعل مثله، كما أشير إليه آنفا (4)
125 كان (1) قضية (لا تنقض) ظاهرة في اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية والموضوعية. واختصاص (2) المورد بالأخيرة لا يوجب تخصيصها بها (3)، خصوصا بعد ملاحظة أنها قضية كلية ارتكازية قد أتي بها في غير مورد لأجل (4) الاستدلال بها على حكم المورد، فتأمل (5).
[1] وبقيت أمور لم يتعرض لها المصنف هنا فينبغي التنبيه عليها تتميما للاستدلال بهذه الصحيحة على حجية الاستصحاب وعموم حجيته في جميع الأبواب. منها: ما قيل من ظهور الرواية في خلاف ما تسالموا عليه من حكومة الأصل السببي على المسببي، وبيانه: أن سؤال زرارة ثانيا بقوله: (فان حرك شئ في جنبه وهو لا يعلم) إما أن يكون سؤالا عن حكم الشبهة الموضوعية وإما عن الشبهة المفهومية، وقد تقدم في التوضيح أن الأول هو الذي استظهره المصنف في 126
الحاشية، وعليه يشكل بأن الشك في بقاء الوضوء حيث إنه ناش من عروض النوم كان المناسب إجراء الاستصحاب في عدم النوم لا في الوضوء الذي يتسبب الشك في بقائه عن الشك في طروء حدث النوم، إذ لازمه إما رفع اليد عن حكومة الأصل السببي على المسببي، وإما عدم دلالة الصحيحة على الاستصحاب، بل على قاعدة المقتضي و المانع، حيث إنه لا أصل حاكم عليها، وهو أيضا مما لا يرتضيه المصنف كما سيأتي كلامه قريبا. وأجيب عن الاشكال تارة: بأن قوله عليه السلام (وإلا فإنه على يقين من وضوئه) منطبق على عدم النوم بجعل عدم وجوب الوضوء كناية عن عدم تحقق سببه وهو النوم، لشدة الملازمة بينهما ولو في خصوص المورد. وأخرى، يمنع تسبب وجوب الوضوء عن النوم، لكون الطهارة و الحدث أمرين وجوديين عرضيين لم يتسبب أحدهما عن الاخر حتى يكون بينهما ترتب وطولية، غايته ملازمة وجود أحدهما لارتفاع الاخر، لما بينهما من التمانع في الوجود. وثالثة: بعدم جريان أصالة عدم النوم في نفسها في المقام لكونها مثبتة، ضرورة اشتراط حكومة الأصل السببي على المسببي بكون الترتب شرعيا واندراج المستصحب ببركة الأصل السببي تحت الكبرى الكلية الشرعية حتى يترتب عليه الحكم المترتب على ذاك العنوان كاستصحاب العدالة لاندراج الموضوع تحت كبرى جواز الطلاق عنده. وفي المقام لم يرد كبرى شرعية بأن الوضوء باق مع عدم النوم كي يحرز جزؤه العدمي بالأصل، وإنما هو حكم عقلي مستفاد من أدلة ناقضية النوم كقوله عليه السلام: (لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم) فيحكم العقل بأن الوضوء إذا تحقق و كانت نواقضه محصورة غير متحققة وجدانا إلا النوم المنفي بالأصل فهو باق، وهذا الشك لا يرتفع بأصالة عدم النوم إلا بالأصل المثبت. وأنت خبير بما في الجميع، أما في الأول: فلمنافاته لظهور الرواية في تطبيق 127
الاستصحاب على نفس الوضوء، ولا موجب لرفع اليد عنه حتى توجب دلالة الاقتضاء إرادة معنى كنائي منه. وأما في الثاني: فلما أفاده شيخنا المحقق العراقي من منافاته للأدلة الدالة على وجوب الوضوء عند تحقق هذه الاحداث الظاهرة في كونها بنفسها من موجبات الوضوء، فالتسبب متحقق شرعا. وأما في الثالث: فلان ما أفيد من عدم الترتب الشرعي غير ظاهر جدا، فان الدليل المتكفل لبيان ناقضية النوم ليس مفاده إلا تقيد المجعول الشرعي في مرحلة البقاء بعدم ذلك الناقض كتقيد حدوث الشئ بعدم مانعه كلبس ما لا يؤكل في الصلاة، ولا يعقل إهمال الحاكم لما يزاحم المقتضي حدوثا أو بقاء، بل لا بد من تقييد موضوع حكمه بعدمه، وهذا معنى الاخذ في لسان الدليل كقوله عليه السلام: (من لم يجد طعم النوم لم يجب عليه الوضوء) من موضوعية عدم النوم لعدم وجوب الوضوء، فالمتوضئ الشاك في تحقق النوم لا يجب عليه الوضوء، لاحراز جزئه العدمي بالاستصحاب، ويعود الاشكال و هو جريان الاستصحاب في المسبب دون السبب. ولعل الصحيح في دفع الاشكال أن يقال: ان حكومة الأصل السببي على المسببي وان كانت مسلمة عند الأكثر فيما إذا كان الترتب شرعيا كالمقام، إلا أن ذلك انما يثمر إذا كان الأصلان متخالفين بحسب المفاد، كما في استصحاب نجاسة الثوب المغسول بماء مستصحب الطهارة. وأما إذا كان مفاد كليهما واحدا لم يترتب ثمرة عملية على تحكيم الأصل السببي على المسببي. هذا مضافا إلى ورود نظير المقام في موثقة مسعدة بناء على كون قوله عليه السلام: (وذلك مثل الثوب.) تطبيقا للصدر على الأمثلة، إذ فيها ما هو مورد قاعدة اليد والاستصحاب، ومع ذلك حكم عليه السلام بحلية كل شئ لم يعلم أنه حرام التي هي قضية قاعدة الحل. فلعل الوجه في عدوله عليه السلام عن إجراء الأصل في السبب إلى إجرائه 128
في المسبب هو عدم ثمرة عملية مترتبة على حكومة الأصل السببي على المسببي هنا، فتأمل جيدا. ومنها: ما في دلالة المضمرة على عموم حجية الاستصحاب في جميع الموارد من الاشكال، وقد تعرض له الشيخ الأعظم وأجاب عنه، قال: (وربما يورد على إرادة العموم من اليقين بأن النفي الوارد على العموم لا يدل على السلب الكلي) ثم أجاب عنه بما توضيحه: أن أداة السلب ان كانت واردة على العموم الثابت - أي الملحوظ معنى اسميا قبل ورود السلب عليه - كان حينئذ من سلب العموم، لا عموم السلب، حيث إن مدخول أداة السلب وهو العموم مقدم رتبة على أداته، وان لم يكن كذلك بأن كان العموم متولدا من السلب - بحيث لو لم يكن سلب لم يكن عموم كما في النكرة والمفرد المحلى باللام الواقعين في حيز السلب، إذ العموم فيهما وليد السلب ومعلوله ومتأخر عنه، و لا يمكن أن يتقدم على السلب حتى يسلب بنفس النفي المولد له كما هو واضح - كان حينئذ من عموم السلب، لان العموم يتحصل بنفس السلب. ففي المقام يستفاد عموم السلب من كلمة (لا) الناهية في قولهم عليهم السلام: (لا تنقض اليقين) إذا اليقين بنفسه لا يفيد العموم، بل عموم سلبه يستفاد من كلمة (لا) وهذا يسمى بعموم السلب، فمعنى الجملة المذكورة حينئذ هو: أنه لا تنقض شيئا من أفراد طبيعة اليقين بالشك. فتحصل من جميع ما ذكرناه وفاء مضمرة زرارة سندا ودلالة باعتبار الاستصحاب في جميع الموارد. قاعدة المقتضى والمانع ومنها: ما أفاده بعض المدققين من إنكار دلالة الصحيحة على الاستصحاب، بل على قاعدة الاقتضاء والمنع، لأنه عليه السلام جعل غاية عدم إيجاب الوضوء 129
الاستيقان بالنوم الذي يكون رافعا له، فإذا أحرز المقتضي وهو الوضوء وشك في الرافع وهو النوم بنى على عدمه. وأجاب المصنف عنه في الحاشية بظهور قوله عليه السلام: (لا تنقض اليقين بالشك) في وحدة متعلقي اليقين والشك، فالمعنى: لا تنقض اليقين بشئ بالشك فيه لا بالشك في رافعه. وعدم وجوب الوضوء مع الشك في النوم انما هو لتحقق الشك في الوضوء وارتفاعه، فنهى الشارع عن نقض اليقين به بمجرد الشك فيه وان كان منشأ الشك في بقائه الشك في وجود الرافع أو رافعية الموجود، وهذا المعنى كما ترى أجنبي عن قاعدة المقتضي والمانع، لتعدد متعلق الوصفين فيها حقيقة، لتعلق اليقين فيها بالمقتضي والشك بالرافع، ولم يتعلق الشك بالمقتضي أصلا، لكونه معلوما مطلقا سواء شك في وجود الرافع أم لا، ومن المعلوم ظهور (لا تنقض اليقين بالشك فيه) في اتحاد المتعلق ومعاندة وصفي اليقين والشك بتعلق الأول بالحدوث و الثاني بالبقاء، فإرادة القاعدة من (لا تنقض) تتوقف على تقدير، بأن يقال: (لا تنقض اليقين بالمقتضي بسبب الشك في رافعه) ولا ملزم بذلك. هذا ما أفاده المصنف في الحاشية ووافقه غيره، وحيث إن هذه القاعدة مما شيد أركانها بعض المحققين ورتب عليها كثيرا من الأصول اللفظية والعملية وارتضاها بعض أجلة تلامذته من المعاصرين رأينا من المناسب التعرض لشطر من الكلام حولها، فنقول وبه نستعين: انه ينبغي لتوضيح المقصود منها تقديم مقدمة، وهي: أن المراد بالمقتضي في هذه القاعدة على ما يستفاد من كلماتهم هو ما يصلح لان يترشح منه الوجود ويترتب عليه الأثر، وبتعبير بعض الأعاظم من أساتيذنا (قده): (المقتضي هو ما يعطي الوجود) فهو قوام أجزأ علة وجود الشئ فلا يطلق 130
المقتضي في كلماتهم إلا على ما يفيض الوجود، والشرط متمم لفاعلية الفاعل أو لقابلية القابل. وكيف كان فلا يطلق المقتضي عندهم على العدم، إذ لا يعقل علية العدم للوجود وتأثيره فيه، إذ الفاقد لا يعطي. وربما يراد من المقتضي في هذه القاعدة ما يشتمل على الشرط أيضا، لان مقصودهم من جريانها في مواردها ترتيب الأثر على العلم بوجود مقتضية بالبناء على عدم المانع، فلا بد أن يراد به المقتضي مع شرائطه. وأما المانع، فالظاهر أن مرادهم به مطلق ما يمنع المقتضي عن تأثيره في المقتضى سواء أكان مانعا كالرطوبة المانعة عن تأثير النار في الاحراق، أم مزاحما له كوجود الضد المزاحم لتأثير المقتضي لوجود الضد الاخر، فكل ما يحتمل منعه لتأثير المقتضي في مقتضاه يبنى على عدمه بناء على حجية قاعدة المقتضي والمانع. وبعد تمهيد هذه المقدمة نقول: ان البحث يقع في مقامين: الأول فيما يراد من لفظي المقتضي والمانع، والثاني في دليل هذه القاعدة. أما المقام الأول، فمحصله: أن الوجوه المحتملة في معنى المقتضي في هذه القاعدة ثلاثة: أحدها: أن يراد به ما يقتضي وجود الأثر التكويني كاقتضاء النار لاحراق ما يجاوره من الثوب ونحوه، ومن المانع حينئذ ما يمنعها عن تأثيرها في الاحراق كالرطوبة الغالبة المانعة عن تأثيرها في احتراق مجاورها، فيكون كل من المقتضي و المانع تكوينيا، واعتبار القاعدة حينئذ يقتضي البناء على تحقق المقتضى عند العلم بوجود مقتضية مع الشك في وجود المانع. ثانيها: أن يراد بالمقتضي ما جعله الشارع موضوعا لحكمه، ومن المانع ما جعله مانعا عن ترتب ذلك الحكم عليه، فيكون كل من المقتضي والمانع شرعيا، كما إذا جعل الشارع الماء الملاقي للنجاسة موضوعا للانفعال إلا إذا كان كرا أو ذا مادة، ومقتضى اعتبار القاعدة حينئذ هو البناء على نجاسة الماء عند الشك في كريته أو كونه ذا مادة كما أفتى غير واحد بنجاسته استنادا إلى هذه القاعدة. 131
ثالثها: أن يراد بالمقتضي ملاكات الأحكام الشرعية، وبالمانع ما يمنع عن تأثيرها في تشريع الاحكام، كما إذا فرض ملاكية العلم لتشريع وجوب الاكرام ومانعية الفسق عن تشريعه، واعتبار القاعدة حينئذ يقتضي البناء على وجوب إكرام العالم عند الشك في فسقه، هذا. ثم إن نقض اليقين بالشك في هذه القاعدة يتصور على وجهين: أحدهما: أن المقتضي لاقتضائه لبشئ نزل منزلة الامر المبرم، فأخذ مقتضاه منه، وعدم ترتيبه عليه نقض له، وتصح نسبة النقض في هذا الوجه إلى كل من اليقين والمتيقن. ثانيهما: أن العلم بالمقتضي وان كان علما به فقط، لكنه حيث كان محكوما عند العقلاء بترتيب مقتضاه عليه عند الشك في مانعه فلا جرم يكون المكلف على يقين وبصيرة من أمره، فمن هذه الجهة يكون علمه بالمقتضي يقينا مبرما يصح اسناد النقض إليه، وجعل عدم ترتيب مقتضاه عليه نقضا وحلا له، ومثل هذا اليقين يجتمع مع الشك كما هو مقتضى نقض شئ بشئ، حيث إنه يجب اجتماع الناقض و المنقوض ليكون حلا لابرامه. وهذا الوجه محكي عن بعض المدققين. وأما المقام الثاني فنخبة الكلام فيه: أنه لا يظن من أحد القول بحجية قاعدة المقتضي والمانع فيما إذا أريد بالمقتضي ملاكات الأحكام الشرعية، إذ لا سبيل إلى إحرازها إلا بيان المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، وعلى فرض إحرازها في بعض الموارد فالعلم بشرائطها مفقود، إذ مجرد العلم بملاك حكم مع عدم إحراز الشرائط ليس موردا لقاعدة المقتضي والمانع. ولو أريد بالمقتضي إطلاق دليل الحكم أو عمومه في مقام الاثبات لم يكن ذلك من المقتضي بمعناه المصطلح وهو الملاك الداعي إلى التشريع، فيدور الامر بين إرادة المقتضي التكويني كالنار المقتضية للاحراق، وبين موضوع الحكم الشرعي، الظاهر أنه لا سبيل للالتزام بالمصير إلى المعنى الأول، لعدم دليل على اعتباره لا نقلا ولا عقلا. 132
أما الأول فواضح، إذ لا مورد لحكم الشارع بترتيب الأثر التكويني على علته التكوينية. وأما الثاني فلمخدوشية ما ادعي عليه من بناء العقلاء على الاخذ بالمقتضى عند إحراز مقتضية وعدم الاعتداد باحتمال خلافه، وذلك لعدم ثبوت بنائهم إلا على بقاء ما شك في بقائه بعد إحراز حدوثه، و ليس ذلك إلا بعد العلم بترتب الأثر على المقتضي والشك في بقائه، ومن المعلوم أن هذا هو معنى الاستصحاب دون قاعدة المقتضي و المانع، وأجنبي عن القاعدة رأسا، فما قيل من: (أن حكم العقل باعتبارها يظهر من بناء العقلاء عليها وركونهم إليها الكاشف عن تصديق العقل وإدراكه إياها) مما لا يمكن المساعدة عليه، ضرورة أنه لا يبني العقلاء على موت جماعة ركبوا السفينة في البحر في حال تموج البحر وكثرة أمواجه المقتضية عادة لغرق السفينة بمجرد الشك في وجود مانع من الغرق، وترتيب آثار موتهم بتقسيم أموالهم و تزويج أزواجهم، وهل يبنون على موت من ابتلي بمرض السكتة أو اصطدام السيارة المقتضيين للموت مع الشك في وجود مانع عنه؟ ونظائر ذلك كثيرة، فإنه لا إشكال في عدم بناء العقلاء على ترتيب الآثار في أمثال هذه الموارد بمجرد العلم بوجود مقتضياتها والشك في وجود الموانع، هذا كله في المقتضيات التكوينية. وأما المقتضيات التشريعية - وهي موضوعات الأحكام الشرعية كموضوعية الماء الملاقي للنجاسة لحكم الشارع بانفعاله ومانعية الكر أو الاتصال بالمادة عنه - فالظاهر أنه لا دليل على اعتبارها أيضا إلا ما قد يدعى (من دلالة بعض الروايات عليه، مثل قولهم عليهم السلام: لا تنقض اليقين بالشك، ولا تنقض اليقين إلا بيقين مثله، و إياك أن تنقض اليقين بالشك، ومن كان على يقين فشك فليمض على يقينه بتقريب: أنها صريحة في الركون إلى اليقين وعدم الاعتداد بالشك عند الاجتماع والمعارضة، بل التحذير عن نقض اليقين بالشك يكشف عن أن النقض به مما 133
لا يرتكبه العاقل.) إلى آخر ما أفيد فراجع. لكنك خبير بأن النقض لا يصدق إلا مع وجود أمرين: أحدهما فعلية اليقين والشك واجتماعهما في الزمان كما مر سابقا، والاخر وحدة متعلقهما كاليقين بعدالة زيد يوم الجمعة والشك في بقائها يوم السبت فيجتمع اليقين والشك في يومه، ولا ينطبق ذلك على قاعدة اليقين، لارتفاع اليقين رأسا، وكون الموجود الفعلي هو الشك فقط، و لا على قاعدة المقتضي والمانع، لتعدد متعلق اليقين والشك فيها لتعلق اليقين بوجود المقتضي والشك بحدوث مقتضاه، ولا يصدق نقض اليقين بشئ بالشك في شئ آخر، إذ لا معنى لنقض اليقين بوضوء زيد بالشك في بلوغ عمرو مثلا، فإنه في غاية الركاكة، بل ينطبق على الاستصحاب فقط، فلم ينهض دليل على قاعدة المقتضي و المانع بشئ من محتملاتها الثلاثة المذكورة. ولو شك في اعتبارها فمقتضى الأصل عدم حجيتها، فإنه المرجع في كل ما شك في حجيته كما قرر في محله. وينبغي التنبيه على أمور: الأول: أن القاعدة بناء على اعتبارها تكون أمارة لا أصلا عمليا، لان العلم بوجود المقتضي طريق إلى إحراز أثره، كإحراز مؤدى الامارة، ولازمها حجية مثبتاتها كسائر الامارات، وحكومتها أو ورودها على جميع الأصول العملية التي منها استصحاب حال العقل وأصالة البراءة. ودعوى (ابتناء جميع الأصول العملية عليها من الاحتياط و التخيير والبرأة واستصحاب المقتضي المعبر عنه باستصحاب حكم النص والعموم والاطلاق، فالامر في الأخير منها ظاهر. وأما الأولى فمرجعها إلى الاخذ بالعلم باشتغال الذمة بالتكليف المقتضي للاحتياط ووجوب الموافقة القطعية كما هو ظاهر) غير مسموعة، إذ فيها أولا: أجنبية تلك الأصول عن قاعدة المقتضي والمانع، لكونها دليلا اجتهاديا مثبتا لوجود المقتضى عند القطع بوجود 134
مقتضية، وليس هذا شأن الأصل العملي الذي يبين وظيفة الشاك في الحكم الواقعي. وثانيا: أن القاعدة ان كانت أصلا عمليا فلا معنى لاجرائها في شؤون الألفاظ من العموم والاطلاق ونحوهما. وان كانت من الأصول اللفظية فلا وجه لاجرائها في الأصول العملية. وثالثا: أن إطلاق المقتضي في مثل قاعدتي الاشتغال والبرأة غير ما اصطلح عليه القوم، بل هو اصطلاح جديد، ولا يساعده دليل، إذ لا معنى لاستصحاب العموم أو الاطلاق إلا الأصل اللفظي الحاصل من الوضع أو مقدمات الحكمة. ومن المعلوم أن شأن اللفظ هو الكشف والحكاية عن معناه، وهذا غير إيجاد شئ باللفظ، والمقتضي هو معطي الوجود، فتدبر. وكذا أصل البراءة، فان الاخذ بها ليس لكون العلم بالعدم الأزلي مقتضيا للعذر، بل الاخذ بها انما هو لأجل عدم مقتضية أعني تنجز التكليف، فإنه يمكن انتقاض العدم الأزلي واقعا مع عدم علمه به، فان لازم ما أفيد جريان البراءة في خصوص ما سكت الله تعالى عنه، لانحصار العلم بالعدم الأزلي بتلك الموارد، دون ما خفي علينا من الاحكام ولم نظفر بها بعد الفحص، وهو كما ترى. وأما أصالة الاحتياط العقلي فهي مستندة إلى حكم العقل بلزوم تحصيل المؤمن من المؤاخذة، وكذا أصالة التخيير، فإنها أيضا مستندة إلى لزوم التأمين من تبعات التكاليف بما أمكن من الموافقة. وتسمية هذه الأمور بالمقتضي غير معهودة كما عرفت. وبالجملة: فقاعدة المقتضي والمانع بمعناها المتداول عند القوم أجنبية عن الأصول العملية. الثاني: الظاهر أن مورد القاعدة - وهو البناء على وجود المقتضى عند العلم بوجود مقتضية - مختص بالشك في الحدوث، كما إذا لاقت النجاسة ماء مشكوك الكرية أو قليلا يحتمل أن يكون ذا مادة، ولم يعلم حالتهما السابقة، فان القاعدة بناء 135
على اعتبارها تقتضي انفعاله. وأما إذا شك في بقائه على النجاسة للشك في اتصاله بالكر أو المادة فالحكم ببقاء نجاسته يستند إلى غير القاعدة كالاستصحاب، لأن الشك في بقاء الموجود لا في أصله، والقاعدة تتكفل لاثبات الحدوث، وأما الشك في بقاء الحادث فهو مجرى الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي، كما إذا شك في اتصاله بأنابيب الماء. الثالث: أنه لا بأس بالتعرض لبعض الفروع التي فرعوها على قاعدة المقتضي والمانع وزعموا أنها متفرعة على تلك القاعدة بحيث ينحصر مستندها بها. منها: ما أشرنا إليه آنفا من نجاسة الماء المشكوك الكرية أو القليل المشكوك كونه ذا مادة إذا لا في النجاسة، بتقريب: أن الماء مقتض للانفعال بمجرد ملاقاته للنجاسة، والكرية أو المادة مانعة عنه، ومع العلم بالملاقاة وعدم إحراز المانع من الكرية وغيرها يحكم بالنجاسة. هذا، والمسألة وان كانت فقهية، إلا أنه لا بأس بالإشارة إليها حتى تظهر حقيقة الحال، فنقول وبه نستعين: ان في المسألة قولين: أحدهما الانفعال، وهو ما ذهب إليه جمع منهم الشيخ الأعظم (قده). ثانيهما عدم الانفعال وهو ما اختاره جمع أيضا منهم صاحبا الجواهر والعروة قدس سرهم. واستدل للقول الأول بوجوه: أحدها: قاعدة المقتضي والمانع، بتقريب: أنه يستفاد - من مثل قوله عليه السلام في الوضوء من الماء الذي يدخله الدجاجة الواطئة للعذرة (لا، إلا أن يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء) ونحوه غيره - كون الملاقاة مقتضية للنجاسة والكرية مانعة عنها، فمع العلم بالمقتضي والشك في وجود المانع يحكم بوجود المقتضى أعني النجاسة. ثانيها: استصحاب عدم الكرية هنا لاثبات عدم الكرية لهذا المشكوك بناء على اعتبار الأصل المثبت. 136
ثالثها: التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص. رابعها: قاعدة تعليق الحكم الترخيصي على أمر وجودي والبناء على ضد ذلك الحكم حتى يثبت الامر الوجودي، فيبنى على الانفعال حتى يثبت الكر الذي رتب عليه الحكم التسهيلي وهو عدم الانفعال، هذا ملخص ما قيل في وجه الحكم بالنجاسة. ومن هنا تعرف أولا: أن الحكم ليس منحصرا بالانفعال، وثانيا على فرض الانحصار: أنه لا ينحصر وجهه في قاعدة المقتضي والمانع، بل المنكرون لها كالشيخ أيضا يقولون بالانفعال. واستدل للقول الثاني وهو الطهارة بما قيل من عموم مثل (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير. إلخ) وان كان ضعيفا، لكونه مخصصا بغير الكر والمادة، فيستفاد منه بعد التخصيص أن الماء القليل غير ذي المادة ينفعل، والكر وذو المادة أو اندراجه في الكر، فلا وجه للاستدلال له بشئ من الأدلة الاجتهادية، وتصل النوبة إلى الأصل العملي، ومقتضاه الطهارة لقاعدتها أو استصحابها. هذا كله بناء على تسليم صغروية هذه المسألة لقاعدة المقتضي و المانع. لكنه غير معلوم، إذ لم يتضح من الأدلة أن ملاقاة النجاسة للماء مقتضية للانفعال والكرية مانعة عنها، لاحتمال أن تكون القلة شرطا في انفعاله بالملاقاة، فلا بد في الحكم بانفعاله حينئذ من إحراز قلته، كما ربما تستفاد شرطية القلة في الانفعال من قوله عليه السلام: (كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ واشرب) وكذا قوله عليه السلام: (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ. إلخ) فإنهما يدلان على عدم انفعاله بمجرد الملاقاة، بل إذا كان قليلا أو تغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة، فالقلة أو التغير شرط في الانفعال، لا أن الملاقاة مقتضية للانفعال والكرية مانعة عنه. فالنتيجة: أن صغروية هذا الفرع للقاعدة غير ثابتة أولا، وعدم انحصار مستند القائلين بالنجاسة بعد تسليم صغرويته لها في هذه القاعدة ثانيا، لاحتمال استنادهم 137 ومنها (1): صحيحة أخرى لزرارة،
فيها إلى بعض الوجوه المشار إليها. وبالجملة: فلا يستفاد من الأدلة اقتضاء الملاقاة مطلقا للنجاسة، بل المتيقن اقتضاء ملاقاة خصوص الماء القليل لها. ثم إن لهذه المسألة مباحث شريفة تطلب في علم الفقه المبارك. ومنها: حكمهم بحلية المرأة المشكوكة حرمة نكاحها للشك في علقة النسب معها، فان بعضهم بنى هذا الحكم على قاعدة المقتضي و المانع، بتقريب: اقتضاء المرأة لجواز النكاح وكون الأختية مثلا مانعة عنه، هذا. لكن الظاهر أجنبيته عن هذه القاعدة، إذ المستفاد من أدلة النكاح اقتضاء بعض العناوين كالأمومة والأختية وغير هما للحرمة الأبدية، وبعضها للحرمة المشروطة كالجمع بين الأختين، وبعضها لحلية النكاح بلا شرط كالأجنبية، فليس شئ من تلك العناوين المحرمة للنكاح من قبيل المانع وكون حلية تزويج المرأة من قبيل المقتضي حتى ينفي حرمة النكاح في المرأة المشكوكة من حيث علقة النسب بقاعدة المقتضي والمانع، بل يجوز نكاحها بناء على صحة استصحاب العدم الأزلي، وإلا فبقاعدة الحل الجارية في الشبهات الموضوعية بناء على عدم انقلابها في الموارد الثلاثة، والتفصيل في محله من الفقه الشريف. ومنها: غير ذلك من الفروع الفقهية التي يقف عليها المتتبع. 138 قال: (قلت له (1): أصاب ثوبي دم رعاف (2) أو غيره (3) أو شئ من المني فعلمت (4) أثره إلى أن أصيب له الماء، فحضرت الصلاة و نسيت أن بثوبي شيئا، وصليت، ثم اني ذكرت بعد ذلك، قال: تعيد الصلاة وتغسله.
139 قلت (1): فان لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته، قال: تغسله وتعيد. قلت (2): فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك، فنظرت فلم أر شيئا، فصليت فرأيت فيه، قال: تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت، فليس ينبغي لك أن تنقض
140 اليقين بالشك أبدا. قلت (1): فاني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت (2): فهل علي إن شككت في أنه أصابه شئ أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنك انما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك. قلت (3): ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته،
141 وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شئ أوقع عليك، فليس ينبغي لك
[1] لا يبعد ظهور الكلام في الاحتمال الأول، فان قول زرارة: (ان شككت في موضع منه) وان كان ملتئما مع كلا الاحتمالين، أما الاحتمال الأول، فلامكان 142 أن تنقض اليقين بالشك).
143 وقد ظهر مما ذكرنا (1) في الصحيحة الأولى تقريب الاستدلال بقوله: (فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك) في كلا الموردين (2)، ولا نعيد.
لكن يمكن أن يقال: بعدم التهافت بين الحكمين، فإنه بعد عدم شرطية خصوص الطهارة الواقعية أو مانعية النجاسة كذلك، ودخل العلم في المانعية يتجه الفرق بين الصورتين، إذ في السؤال الثالث لم تتنجز النجاسة أثناء الصلاة، لأنه علم بها بعد الفراغ، فكان حال الصلاة محرزا للطهارة. بخلاف السؤال السادس، فإنه لأجل رؤية النجاسة في الأثناء تنجزت عليه مانعيتها ولو بوجودها البقائي، ولهذا فصل عليه السلام بين سبق العلم بالنجاسة فتبطل الصلاة، وعدمه فيجري استصحاب عدم النجاسة وعليه التطهير والبناء من موضع قطعها. والحاصل: أن الفارق بين الجوابين منجزية العلم بالنجاسة الحاصل في أثناء الصلاة وعدمها لحصوله بعد الصلاة، ومع اختلاف موضوعي الحكمين وتغاير هما اختلف الحكمان. 144 نعم (1) دلالته في المورد الأول على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من (اليقين) في قوله عليه السلام: (لأنك كنت على
145 يقين من طهارتك) اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة كما هو الظاهر (1)، فإنه لو كان المراد منه اليقين الحاصل بالنظر والفحص بعده (2) الزائل (3) بالرؤية بعد الصلاة كان (4) مفاده قاعدة اليقين كما لا يخفى. ثم انه أشكل على الرواية (5) بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة
146 ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشك (1) فيها بل باليقين بارتفاعها (2)، فكيف يصح أن يعلل عدم الإعادة بأنها نقض اليقين بالشك (3)؟ نعم (4)
147 إنما يصح أن يعلل به (1) عدم جواز الدخول في الصلاة كما لا يخفى. ولا يكاد يمكن التفصي عن هذا الاشكال إلا بأن يقال (2): ان
148 الشرط في الصلاة فعلا (1) حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ولو بأصل أو قاعدة، لا نفسها (2)، فتكون (3) قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها (4) ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها (5)، كما أن إعادتها بعد الكشف تكشف (6) عن جواز النقض وعدم حجية
149 الاستصحاب حالها (1) كما لا يخفى، فتأمل جيدا. لا يقال: لا مجال حينئذ (2) لاستصحاب الطهارة، فإنه إذا لم يكن (3) شرطا لم يكن
150 موضوعا لحكم (1)، مع أنه ليس بحكم (2)، ولا (3) محيص في الاستصحاب عن كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم. فإنه يقال (4): ان الطهارة وان لم تكن شرطا
151 فعلا (1)، إلا أنها [أنه] غير منعزل عن الشرطية رأسا، بل هو (2) شرط واقعي اقتضائي كما هو قضية التوفيق بين بعض الاطلاقات (3) و مثل هذا الخطاب (4) هذا.
152 مع (1) كفاية كونها من قيود الشرط (2)، حيث إنه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها (3) شرطا. لا يقال (4): سلمنا
153 ذلك (1)، لكن قضيته أن يكون علة عدم الإعادة حينئذ (2) بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة هو إحراز الطهارة حالها (3) باستصحابها، لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب (4)،
154 مع أن (1) قضية التعليل أن تكون العلة له (2) هي نفسها لا إحرازها (3) ضرورة (4) أن نتيجة قوله: (لأنك كنت على يقين. إلخ) أنه على الطهارة، لا أنه مستصحبها (5) كما لا يخفى. فإنه يقال (6):
155 نعم (1) ولكن التعليل انما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال لنكتة (2) التنبيه على حجية الاستصحاب، وأنه (3) كان هناك استصحاب، مع (4) وضوح استلزام ذلك لان يكون المجدي بعد الانكشاف هو ذاك الاستصحاب لا الطهارة (5)، وإلا (6) لما كانت الإعادة
157 نقضا (1) كما عرفت في الاشكال (2). ثم انه لا يكاد يصح التعليل لو قيل باقتضاء الامر الظاهري للاجزاء (3) كما قيل، ضرورة (4) أن العلة
158 عليه (1) إنما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للاجزاء و عدم إعادتها، لا لزوم (2) النقض من الإعادة كما لا يخفى. [1]
[1] أورد عليه بعدم الفرق بين الالتزام بكفاية الطهارة الظاهرية أي كون الشرط إحراز الطهارة من الخبث ولو ظاهرا وبين القول باعتبار الطهارة الواقعية، إلا أن التعليل يكون بلحاظ إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي حتى مع تبين الخلاف، بل قد يقال: (بوحدة الجوابين حقيقة، إذ لا معنى لكبرى الاجزاء هنا إلا توسعة دائرة الشرطية، كأجزاء الصلاة المأتي بها إلى جهة أخبرت البينة بكونها هي القبلة لاقتضاء إخبارها التوسعة في شرطية القبلة الواقعية في الصلاة). لكنه لا يخلو من غموض، للفرق بين الوجهين بناء على ما صرح به المصنف (قده) في بحث الاجزاء بقوله: (والتحقيق أن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره كقاعدة الطهارة أو الحلية بل و استصحابهما في وجه قوي ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية يجزي). من أن مقتضى أدلة هذه الأصول العملية هو التوسعة في دائرة الشرط الواقعي، ويستنتج منه أن تعليله عليه السلام بكبرى الاستصحاب بيان لصغرى الطهارة الظاهرية وكبرى التوسعة في الشرط معا، فلا تقدير في الكلام، وهذا بخلاف ابتناء 159 اللهم إلا أن يقال: ان التعليل به (1) انما هو بملاحظة ضميمة
المسألة على الاجزاء، فإنه لا بد من تقدير (وكل أمر ظاهري مقتض للاجزاء) حتى ينطبق التعليل على المورد، لوضوح أن حكومة دليل قاعدة الطهارة واستصحابها ظاهرا على مثل (لا صلاة إلا بطهور) الظاهر في اعتبار خصوص الطهارة من الخبث واقعا تقتضي الاكتفاء بإحراز الطهارة ولو ظاهرا، بحيث يكون انكشاف الخلاف من باب تبدل الموضوع، ولذا حكموا في مسألة الصلاة إلى غير جهة القبلة الواقعية بأنها ان كانت ما بين المشرق والمغرب فهي مجزية من جهة التوسعة في القبلة للجاهل المتحري، وإلا فعليه الإعادة. وهذا المعنى لا ربط له بالاجزاء المتقوم بكون الشرط أو الجز وجوده الواقعي خاصة، وانما يكتفي الشارع بالناقص لبدليته عن التام و قناعته في مقام تفريغ الذمة. 160 اقتضاء الامر للاجزاء (1)، بتقريب: أن (2) الإعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشك في الطهارة قبل الانكشاف (3) و عدم (4) حرمته شرعا، وإلا (5) للزم عدم اقتضاء ذلك الامر (6) له مع اقتضائه شرعا (7)
161 أو عقلا (1)، فتأمل (2) (×). ولعل ذلك (3) مراد من قال بدلالة الرواية على أجزأ الامر الظاهري. هذا (4) غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل.
(×) وجه التأمل: أن اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء ليس بذاك الوضوح كي يحسن بملاحظته التعليل بلزوم النقض من الإعادة، كما لا يخفى. 162 مع (1) أنه لا يكاد يوجب الاشكال فيه والعجز (2) عن التفصي عنه إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب، فإنه (3) لازم على كل حال كان مفاده قاعدته أو قاعدة اليقين، مع بداهة عدم خروجه (4)
163 عنهما، فتأمل جيدا. [1]
[1] الظاهر أن الاعتراف بالعجز عن تطبيق كبرى الاستصحاب على المورد مع فرض عدم إخلاله بالاستدلال بالصحيحة المباركة أولى من الوجه المتقدم، وذلك لان مشكلة التطبيق نشأت من عدم مناسبة العلة بحسب دلالة ظاهر الكلام للحكم بعدم وجوب الإعادة. و توجيهه بأنه بلحاظ حال الدخول في الصلاة - حيث لم ينكشف الخلاف بعد - غير ظاهر، لعدم مناسبته لسؤال زرارة عن علة عدم وجوب الإعادة مع تبين فقد الشرط أو الاقتران بالمانع. نعم قد يتجه الربط بين العلة والسؤال بعدم كون قوله عليه السلام: (لأنك كنت.) تعليلا لعدم الإعادة بحسب لب الواقع، فان الإعادة و عدمها حكم عقلي مترتب على بقاء الامر من جهة عدم موافقة المأتي به للمأمور به، فالتعليل وان كان ظاهرا في رجوعه إلى عدم الإعادة، لكن لا بد من كونه بلحاظ التصرف في منشئها أي الارشاد إلى سقوط الامر، وعدم اشتغال ذمته بالصلاة المأتي بها في ثوب مستصحب الطهارة. ويؤيد هذا المطلب ظهور قوله عليه السلام: (لأنك كنت) في الماضوية، ويكون محصل جوابه عليه السلام عدم وجوب الإعادة، للتوسعة في شرطية الطهارة من الخبث، وكفاية إحرازها ولو بالاستصحاب المتحقق قبل افتتاح الصلاة، لاجتماع أركانه من اليقين بالطهارة و الشك في الإصابة. نعم يشكل كون التعليل بلحاظ ما قبل انكشاف الخلاف بما أفاده شيخنا المحقق 164
العراقي (قده) أولا: من أن قوله عليه السلام: (وليس ينبغي لك) مسوق لتنبيه ذهن السائل على ما هو المرتكز في الأذهان في نحو هذه الأوامر من الطريقية المحضة لليقين لا الموضوعية، إذ تكون إعادة الصلاة حينئذ بانكشاف وقوعها في النجس من نقض اليقين باليقين. و لو كان مقصوده عليه السلام بيان كفاية إحراز الطهارة حال الدخول في الصلاة حتى مع تبين الخلاف لكان المناسب تعليل عدم الإعادة بما يفيد موضوعية الاحراز الاستصحابي وان انكشف خطاؤه، ومن المعلوم أن إفادة هذا المعنى منوطة باعمال تعبد آخر غير ما يفيده مثل (ليس ينبغي لك) الظاهر في كون التعبد الاستصحابي طريقا محضا لاحراز الطهارة الواقعية. ودعوى استفادة موضوعية الاحراز الاستصحابي في باب الطهارة الخبثية في صحة العمل وفي الشرطية واقعا بحيث يكون انكشاف الخلاف من باب تبدل الموضوع غير مسموعة، فإنه مضافا إلى منافاته لظهور الجملة في طريقية الاستصحاب ينافي اعتراف المصنف بكونها كبرى كلية وقضية ارتكازية غير مختصة بباب دون باب. وثانيا: أنه بناء على شرطية إحراز الطهارة من الخبث حال الالتفات إليها لا مجال لجريان الاستصحاب في المقام، لعدم ترتب أثر عملي على إبقاء المستصحب تعبدا في ظرف الشك، لخروج الطهارة الواقعية عن موضوع الشرطية، وترتب الأثر على الاحراز، فالمقام نظير ما إذا نذر أن يعطي كل يوم فقيرا درهما ما دام ولده حيا، فإذا شك في حياته استصحبها وترتب عليها وجوب التصدق، بخلاف ما إذا نذر كذلك ما دام متيقنا بحياة ولده وشك فيها، فإنه لا يجري فيها الاستصحاب، لعدم ترتب الأثر على نفس الحياة التي هي مورد الاستصحاب، وترتبه على إحرازها. وحيث إن موضوع دليل الشرطية إحراز الطهارة سواء أكانت في الواقع أم لا، فلا أثر عملي لها واقعا كي تستصحب، وإنما ينشأ الأثر من ناحية الاستصحاب، وهو لا يخلو عن شبهة الدور. 165
وما أفاده في الإجابة عن هذا الاشكال تارة بكون الطهارة الواقعية شرطا اقتضائيا، وأخرى بكونها من قيود ما هو الشرط غير واف بدفعه. أما الأول فبأن مجرد الشرطية الاقتضائية غير كافية في جريان الاستصحاب ما لم تبلغ مرحلة الفعلية لان الاستصحاب وظيفة عملية يتوقف جريانه على ترتب الأثر العملي على المستصحب الذي لا بد أن يكون بنفسه حكما أو موضوعا له، والطهارة الواقعية ليست شيئا منهما، فلا يجري فيها الاستصحاب. وأما الثاني فبأن المراد من قيد الشرط ان كان هو الطهارة بوجودها اللحاظي الاعتقادي الحاصل بالاحراز فهو - مع أنه منعدم بزوال اعتقاده - غير مجد في جريان الاستصحاب، لاشتراط جريانه بترتب الأثر على المستصحب بوجوده الواقعي لا بوجوده الذهني. وان كان المراد به الطهارة الواقعية لزم بطلان الصلاة في المقام، لانعدامها حسب الفرض. ومما ذكرنا ظهر الفرق بين قيدية الطهارة وإباحة ماء الوضوء، لترتب الأثر على إباحة الماء واقعا فتستصحب، والمفروض عدم كون الطهارة الخبثية كذلك. هذا كله مضافا إلى النقض بما إذا صلى المكلف عالما بالنجاسة اضطرارا لبرد ونحوه، وتبين بعد الصلاة طهارة ثوبه وعدم اضطراره إلى لبسه، فحيث انه لم يحرز طهارته فلا بد من الحكم بفساد صلاته و وجوب إعادتها. وكذا لو انحصر لباس المصلي في ثوب متنجس، فإنه بناء على وجوب الصلاة فيه - كما ذهب إليه جمع منهم صاحب العروة لا الصلاة عريانا - إذا صلى فيه وانكشف طهارته صحت صلاته بلا إشكال مع عدم إحرازه للطهارة حين افتتاح الصلاة. وقد تحصل: أن تطبيق التعليل على المورد بما أفاده الماتن وأتعب نفسه الشريفة لتثبيته لا يخلو من الاشكال نقضا وحلا. وقد تفصي عن معضلة التطبيق بوجوه أخرى: منها: صحة تعليل عدم وجوب 166
الإعادة بالاستصحاب سواء قلنا بشرطية الطهارة الخبثية أم بمانعية النجاسة. ومنها: تطبيق التعليل بلحاظ كون المانع هو النجاسة الواقعية لولا المعذر، فصلاة زرارة غير مقترنة بالمانع لاقترانها بالمعذر، ولا معنى لإعادة الصلاة الصحيحة بعد اجتماع شرطها وفقد مانعها. ومنها: غير ذلك. وحيث إن تحقيق المسألة موكول إلى الفقه الشريف بملاحظة شتات الأخبار الواردة في شرطية الطهارة الخبثية أو مانعية النجاسة في الصلاة، فالأولى إيكال البحث عن ذلك إلى محله. ونقتصر في المقام على بيان آخر حول تطبيق التعليل احتمله شيخنا الأعظم من حسم مادة الاشكال بعدم كون النجاسة المرئية بعد الصلاة هي المظنونة إصابتها قبلها، بل تكون قذارة جديدة قال الشيخ: (والثاني أن يكون مورد السؤال رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها بعدها. فالمراد أنه ليس ينبغي أن ينقض يقين الطهارة بمجرد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة.). وقواه المحقق العراقي (قده) بشهادة تغيير الراوي أسلوب العبارة، حيث قال: (فلما صليت فيه فرأيت فيه) خاليا عن الضمير الذي أتي به في الفقرة السابقة بقوله: (فيما صليت وجدته) فإنه لو كانت النجاسة المرئية هي المظنونة لكان الحري أن يقول: (رأيته) ويؤيد هذا كلامه عليه السلام في الجملة الأخيرة التي أبدى فيها احتمال وقوع النجاسة حين رؤيتها وعدم كونها في الثوب أو البدن من أول الصلاة. وعلى هذا يستقيم تعليل عدم الإعادة بعدم نقض اليقين بالشك فيها، لان إعادتها باحتمال وقوعها في النجاسة عين الاعتناء باحتمال نجاسة الثوب حالها وهي نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها. لكنه لا يخلو من شئ، أما الأول فلان هذه الفقرة من الصحيحة وان رواها الشيخ بلا ضمير، ومقتضى إطلاق صاحب الوسائل كلمة (مثله) على رواية 167
الصدوق لها هو ظفره بنسخة خالية عن الضمير أيضا، إلا أن الموجود في نسخة العلل المطبوعة في النجف الأشرف (فرأيته فيه) وهذا مما يعترف المحقق العراقي (قده) بظهوره في النجاسة المظنونة السابقة على الدخول في الصلاة. نعم يمكن منع دلالة (فرأيته) على اتحاد القذارة المرئية والمظنونة بأن مثل هذا الكلام صدر من زرارة في جملة أخرى بقوله: (ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة. إلخ) فإنه مع اشتماله على الضمير يحتمل فيه إرادة كل من النجاسة المشكوكة بدوا والمعلومة إجمالا. وعليه فلا يكون وجود الضمير فارقا في مدلول الكلام حتى يبحث عن ترجيح رواية الشيخ أو الصدوق أعلى الله مقامهما. وأما ثانيا: فلان السياق شاهد على كون السؤال عن حكم النجاسة المظنونة كما اعترف الشيخ بأنه خلاف ظاهر السؤال، واستبعده المحقق العراقي من جهة استيحاش السائل عن التفرقة بين الفرضين و سؤاله عن لم التفصيل. والحاصل: أن حمل التعليل على كونه تعليلا للحكم بلحاظ النجاسة المحتمل وقوعها بعد الصلاة غير ظاهر. اللهم الا أن يقال: ان وجود الضمير وعدمه سيان في احتمال وقوع النجاسة بعد الصلاة كما أشير إليه آنفا، فان الضمير على تقدير وجوده راجع إلى النجس المظنون قبل الصلاة، فمعنى الرواية: (إني ظننت النجس قبل الصلاة ولم أره بعد الفحص، فارتفع الظن به و صليت، وبعد الصلاة رأيت النجس) ولا يدل على أن المرئي فعلا هو ذلك النجس الذي كان مظنونا قبل الصلاة بحيث يحصل العلم لزرارة بأن النجاسة المرئية عين المظنونة حتى وقعت الصلاة في النجس، بل يحتمل كونه ذلك كما يحتمل وقوعه بعدها. واستيحاش زرارة لعله كان لأجل عدم إحراز الطهارة واحتمال اقتران صلاته بالمانع، أو فقدانها للشرط. أو كان لأجل احتماله 168 ومنها (1): صحيحة ثالثة لزرارة: (وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه، ولا ينقض اليقين بالشك، ولا يدخل الشك في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، ولكنه ينقض الشك باليقين، و يتم على اليقين، فيبني عليه، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات) (2).
عدم حجية الاستصحاب في صورة الظن بخلاف الحالة السابقة. أو كان مع فرض علمه بوقوع الصلاة في النجس لأجل زعمه كون الطهارة الخبثية كالحدثية شرطا واقعيا، فالتعليل حينئذ يدل على كفاية إحراز الطهارة الخبثية بالاستصحاب، وعليه يستقيم التعليل. 169 والاستدلال (1) بها على الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة سابقا (2) والشك في إتيانها.
170 وقد أشكل (1) بعدم إمكان إرادة
171
[1] والكل لا يخلو من الغموض. أما الوجه الأول فيتوجه عليه أولا: منع ظهور الصدر في إتيان الركعتين مفصولتين حتى يكون قرينة على إرادة مثله في قوله عليه السلام: (قام فأضاف إليها أخرى) فان الامر بقراءة الفاتحة فيها وان كان 173
دالا بظهوره الاطلاقي على كونهما مفصولتين، وليس ذكر الفاتحة بيانا لاحد فردي الواجب التخييري، حيث إن التخيير في الثالثة و الرابعة من الرباعيات بين الفاتحة والتسبيحة بمثل قوله عليه السلام: (ان شئت سبحت وان شئت قرأت) مختص بالحافظ لعدد الركعات. وحيث إن ركعتي الاحتياط مما يحتمل كونهما نافلة لاحتمال تمامية الصلاة واقعا، فإثبات التخيير بأدلته بالنسبة إلى هاتين الركعتين يكون من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية له، وهو غير سديد. وعليه فالامر بقراءة الفاتحة ظاهر في الانفصال. إلا أن عدم تعرضه عليه السلام للتشهد والتسليم والتكبير - وغيرها من الخصوصيات مع كونه في مقام تعليم وظيفة الشاك بين الاثنتين والأربع - قرينة على إرادة ركعتي الاحتياط موصولتين بالركعتين المحرزتين، وقد روى زرارة بنفسه في رواية أخرى حكم الشك بين الاثنتين والأربع، عنه عليه السلام: أنه قال (يسلم ويقوم فيصلي ركعتين ثم يسلم ولا شئ عليه) وكذا غيره كما لا يخفى على من لاحظ روايات الباب. بل ربما يشعر ذكر قراءة الفاتحة بالخصوص - وعدم أمره عليه السلام بإتمام ما بيده - كون الحكم صادرا تقية، لان تعين الفاتحة في جميع الركعات مذهب جمع من المخالفين، ومعه كيف تتم قرينية الصدر المفروض إجماله على الذيل؟ وثانيا: أنه - مع تسليم ظهور الصدر في المفصولتين - لم تتم القرينية على ما هو المراد بالذيل، لان وحدة السياق انما يعتمد عليها ان لم يكن في الكلام قرينة أو ما يصلح للقرينية على الخلاف، وحيث إن قوله عليه السلام: (قام فأضاف) محفوف بلفظ (ولا ينقض) الظاهر في الاستصحاب، لم يبق له ظهور في الانفصال حتى يحمل (لا ينقض) على اليقين بالفراغ. ومع الغض عن هذا كله فلا منافاة بين ظهور الجملة في الاستصحاب و بين قرينية قراءة فاتحة الكتاب على إتيان ركعة الاحتياط مفصولة، فان غايته كما صرح به المصنف هنا وفي الحاشية تقييد ظهوره الاطلاقي المقتضي لفعل صلاة الاحتياط 174
موصولة. وأما الوجه الثاني: - وهو اقتضاء أصالة عدم التقية لعدم كون المراد البناء على الأقل وأنه يتعين حمله على إرادة تحصيل اليقين بالفراغ - فيرده: أن جملة: (لا تنقض) إما ليست ظاهرة في أحد الاحتمالين، و إما ظاهرة في أحدهما، ولا يصح التمسك بهذا الأصل هنا مطلقا، أما على الأول فلان أصالة عدم التقية التي هي من صغريات أصالة الجد إنما تجري في الكلام الظاهر في معنى يشك في مطابقته للمراد الجدي، وليس من شأنها تعيين المراد من الكلام المجمل كما في المقام، حيث يدور أمر (اليقين) بين اليقين بعدم فعل الرابعة واليقين بالبراءة. وأما على الثاني فلانه مع فرض ظهور الجملة في الاستصحاب المقتضي للبناء على الأقل ولزوم الاتيان بالركعة موصولة كما هو مذهب العامة لا تجري أصالة الجد أيضا، بداهة حجية أصالة الظهور وكونها مثبتة لصدور المضمون تقية في رتبة سابقة على أصالة عدم التقية الراجعة إلى أصالة الجد التي هي أصل لاحراز المراد الجدي من الكلام، فلا تجري فيما إذا أحرز بأصل أو غيره عدم كون الظاهر مرادا جديا للمتكلم. ومن المعلوم أنه مع فرض حجية أصالة الظهور في كلام لم يصدر لبيان الحكم الواقعي - لموافقته لمذهب المخالف - لا يبقى شك في الإرادة الواقعية كي يتحقق موضوع أصالة عدم التقية، فان أصالة الظهور حاكمة عليها ورافعة لموضوعها. إلا أن يمنع الظهور بدعوى أن ظهور الكلام في معنى منوط بتمامية ماله من القيود والملابسات، ومن المعلوم أن مجموع ما في الصحيحة من الصدر والذيل ظاهر في ما ذهب إليه الخاصة دون مذهب العامة. ثم انه بناء على ظهور الصحيحة في الاستصحاب تقية يدور الامر بين إعمالها في التطبيق فقط بأن يكون النهي عن نقض اليقين بالشك بداعي بيان الحكم 175
الواقعي وهو حجية الاستصحاب وتطبيقه على خصوص الشك في الركعات بالبناء على الأقل تقية، وبين كونه عليه السلام اتقى في الكبرى أيضا، وحيث إن اللازم الاقتصار في الخروج عن أصالة عدم التقية على الضرورة تعين أن تكون التقية في تطبيق الاستصحاب على الشك في الركعات من حيث ظهورها في إتيان الركعة المشكوكة متصلة. وهذا التفكيك بين الكبرى والمورد ليس بعزيز، فقد ورد في بعض الاخبار قول مولانا الإمام الصادق عليه السلام لأبي العباس بعد ما سأله اللعين عن الافطار في اليوم الذي شك الناس في الصوم: (ذاك إلى الامام ان صمت صمنا، وان أفطرت أفطرنا) فإنه عليه السلام طبق (ما للامام) على إمام الضلالة العباسي، وإنما قال ذلك مخالفة ضرب عنقه كما بينه عليه السلام بعد خروجه عن مجلس اللعين، و لكن نفس حجية حكم الحاكم في الهلال لا تقية فيه، ولذا استدل بهذه الرواية على نفوذ حكمه فيه. وكذا ورد تطبيق كبرى: (رفع ما استكرهوا عليه) الذي هو حكم واقعي على بطلان الحلف بالطلاق والعتاق إكراها، لبطلانهما عندنا حتى مع الاختيار، لكنه أسند بطلانهما حال الاكراه إلى حديث الرفع تقية. وبهذا ظهر الجواب عن خامس الوجوه المتقدمة في كلام الشيخ (قده) أيضا. وأما الوجه الثالث - وهو موافقة المضمون لموثقة عمار الآتية - ففيه أولا: عدم ظهور الموثقة - كما صرح به الشيخ - في البناء على اليقين، لاحتمال إرادة البناء على الأقل، فكيف تصلح الرواية المجملة في نفسها لتعيين المراد من جملة (لا تنقض) حتى مع الغض عن ظهورها في الاستصحاب. وثانيا: أن مانعية ظهور الموثقة في قاعدة البناء على اليقين عن الاخذ بظهور 176
جملة (لا تنقض) في الاستصحاب منوطة بقرينية وحدة السياق في روايات متعددة انعقد لكل منها ظهور في معنى، وحيث إن القرينة منفصلة فلا مانع من الاخذ بمدلول كل منها إلا مع وجود المزاحم للحجية. وهو مفقود في المقام، إذ لا تنافي بين البناء على الأقل بالاستصحاب وبين البناء على اليقين، وإنما هو تقييد الظهور الاطلاقي، وذلك خفيف المئونة. وأما الوجه الرابع - وهو فهم الفقهاء - فلم يثبت من غير السيد المرتضى (قده) ذلك، لأنهم استفادوا منها كغيرها من أخبار الباب وجوب الاتيان بصلاة الاحتياط، وهذا المقدار لا يصادم ظهور الجملة في الاستصحاب الدال على مجرد البناء على الأقل لا على كيفية الاتيان بها المدلول عليها بسائر أخبار الباب، أو بصدر نفس هذه الرواية بناء على قرينية ذكر الفاتحة على الركعتين المفصولتين. قال العلامة المجلسي في شرح الرواية: (وظاهر الخبر البناء على الأقل، ويمكن حمله على المشهور أيضا بأن يكون المراد بقوله عليه السلام: يركع الركعتين أي بعد السلام، وكذا قوله: قام فأضاف إليها أخرى. ولا يخفى أن الأول أظهر.). وقال المحدث الكاشاني بعد بيان معنى الفقرات: (ولم يتعرض في هذا الحديث لذكر فصل الركعتين أو الركعة المضافة للاحتياط و وصلها كما تعرض في الخبر السابق، والاخبار في ذلك مختلفة، وفي بعضها إجمال). وعليه فدعوى استظهار الأصحاب (قدس سرهم) لقاعدة البناء على اليقين من هذه الصحيحة عهدتها على مدعيها. وبالجملة: فشي مما أفاده شيخنا الأعظم (قده) لا يمنع حجية الصحيحة في الاستصحاب فضلا عن أصل ظهورها. 177 كذلك (1) لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة، بل (2) كان أصل الاتيان بها باقتضائه، غاية الامر إتيانها مفصولة ينافي إطلاق النقض [1 [3
[1] أورد عليه المحققان العراقي والأصفهاني (قدهما) بمنع هذا الاطلاق، ضرورة عدم اقتضاء الاستصحاب بنفسه للاتيان بالركعة المشكوكة موصولة حتى يقيد بما دل على إتيانها مفصولة، فان مفاد الاستصحاب هو عدم الاتيان بالركعة الرابعة خاصة وأما كيفية فعلها فليست للاستصحاب، كما أن اعتبار سائر الشرائط فيها ليس بدليل الاستصحاب، بل بإطلاق أدلة الشرائط الموجبة لاعتبارها في كل صلاة سوأ 180
كانت واجبة واقعا كما في الركعة الرابعة المعلومة، أم ظاهرا كما في الرابعة المشكوك فعلها، وهي تقتضي وصلها بالركعات الثلاث المعلومة مطلقا، والأدلة المبينة لكيفية صلاة الاحتياط من وجوب الاتيان بها مفصولة تقيد تلك الأدلة الأولية الدالة بإطلاقها على لزوم اتصال الركعة الرابعة المشكوكة، وعليه فالصحيح ملاحظة نسبة الاطلاق والتقييد بين أخبار صلاة الاحتياط وبين أدلة الاجزاء و الشرائط، لا بين إطلاق الاستصحاب وبين أخبار صلاة الاحتياط. لكن يمكن أن يقال: ان الايراد المذكور انما يتجه لو كان مقصود المصنف من قوله: (إطلاق النقض) إطلاقه اللفظي كي يقيد بأدلة البناء على الأكثر، ضرورة عدم انعقاد هذا الاطلاق في دليل الاستصحاب كي يقيد. وأما لو كان مقصوده منه إطلاقه المقامي أي كون ظهور اللفظ ناشئا من عدم ذكر القيد مع اقتضاء المقام بيانه لو كان، كما يدعى في دلالة صيغة الامر على كون الوجوب نفسيا عينيا تعيينيا لتوقف الغيرية ونحوها على مئونة زائدة ثبوتا وإثباتا فلا يرد عليه شئ، إذ يقال في تقريب هذا الاطلاق المقامي في الصحيحة: انه عليه السلام بين وظيفة الشاك في الرابعة بإلقاء كبرى الاستصحاب إلى زرارة، ومن المعلوم أن عدم بيانه لكيفية فعل الركعة المشكوكة بضميمة الأدلة الأولية المقتضية لفعل الرابعة موصولة يدل على لزوم وصلها بالركعات الثلاث المعلومة، لتوقف وجوب فعلها مفصولة على بيان زائد، وحيث انعقد الظهور الاطلاقي في الاتصال في قوله عليه السلام: (قام فأضاف إليها أخرى ولا ينقض اليقين بالشك) فلا تكون أخبار صلاة الاحتياط مانعة عن أصل هذا الظهور في البناء على الأقل، وانما تمنع إطلاقه في الاتيان بها موصولة، فيرفع اليد عنه، ويبقى أصل دلالته على البناء على الأقل سليما عن المزاحم. إلا أن يمنع هذا الاطلاق المقامي أيضا بما أفاده سيدنا الأستاذ (قده) فيما حررته عنه في الدورة السابقة باقتضاء نفس الاستصحاب للاتيان بالركعة موصولة، لقيامه 181 وقد قام الدليل (1) على التقييد في الشك في الرابعة وغيره (2)،
مقام العلم في التنجيز الموجب لكون العمل على طبق اليقين، ومن المعلوم أن اليقين بعدم الاتيان بالرابعة يوجب فعل الركعة موصولة، لا أن إتيانها موصولة قضية إطلاق الاستصحاب القابل للتقييد. وعليه فلا إطلاق في (النقض) أصلا لا لفظيا ولا مقاميا حتى يتجه تقييده بأدلة صلاة الاحتياط، بل الرواية كاشفة عن انقلاب وظيفة الشاك عن الحكم الواقعي الأولي، وعدم جريان الاستصحاب فيه. لكن الحق أن يقال: ان الاستصحاب وان كان لقيامه مقام العلم مقتضيا لوجوب الاتيان بالركعة المشكوكة موصولة كما في جبر النقيصة المعلومة، لكن حكم العقل بإتيان المشكوكة موصولة معلق على عدم تصرف الشارع في كيفية الإطاعة، وبعد تصرفه فيها بأدلة صلاة الاحتياط والآتيان بالمشكوكة مفصولة لا مجال للعمل بما يقتضيه الاستصحاب، وإطلاق ما دل على جبر ما نقص من الاجزاء موصولا، إذ تكون أدلة صلاة الاحتياط حاكمة على الاطلاق المزبور. فالنتيجة: أن أدلة صلاة الاحتياط حاكمة على ما يقتضيه الاستصحاب، وإطلاق ما دل على لزوم جبر نقص الصلاة بما يتصل بها. وبالجملة: فالاستصحاب يثبت النقص، وأدلة صلاة الاحتياط تبين كيفية جبره، ولا تهافت بينهما أصلا. وان أبيت عن الحكومة فلا أقل من اندراجهما في النص والظاهر، فان أدلة صلاة الاحتياط نص في الانفصال وتلك ظاهرة في الاتصال. 182 وأن (1) المشكوكة لا بد أن يؤتى بها مفصولة، فافهم (2). وربما أشكل (3) أيضا (4) بأنه لو سلم دلالتها على الاستصحاب
183 كانت من الأخبار الخاصة الدالة عليه في خصوص المورد (1)، لا (2) العامة لغير مورد (3)، ضرورة (4) ظهور الفقرات في كونها مبنية للفاعل (5)، ومرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك، وإلغاء خصوصية المورد ليس بذلك الوضوح (6) وان (7) كان
184 يؤيده (1) تطبيق قضية (لا تنقض اليقين) وما يقاربها (2)
185 على غير مورد. بل دعوى (1) أن الظاهر من نفس القضية (2) هو أن مناط حرمة النقض إنما يكون لأجل ما في اليقين والشك (3) لا لما في المورد من الخصوصية، وأن (4) مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك غير بعيدة. [1]
[1] وتفصيل الكلام: أن محتملات الصحيحة المباركة كثيرة: الأول: ما أفاده الشيخ الأعظم من إرادة اليقين بالفراغ بالبناء على الأكثر في الشك في الركعات. وقد تقدم. ويرد عليه: ما أفاده المحققان العراقي والأصفهاني (قدهما) من مخالفته لظاهر الجملة جدا، لان اليقين بالبراءة غير موجود بالفعل، ضرورة توقف وجوده على الاتيان بالوظيفة المقررة من فعل صلاة الاحتياط مفصولة، مع ظهور (لا تنقض اليقين بالشك) بل صراحته في اليقين الموجود فعلا، ومثله لا يناسب إلا الاستصحاب خصوصا بملاحظة ورود هذه الجملة في الأخبار السابقة الظاهرة بل الصريحة في الاستصحاب. 186
الثاني: ما أفاده المحدث الفيض الكاشاني (قده) من دلالتها على مجرد حرمة استئناف الصلاة بمجرد الشك بين الثلاث والأربع و وجوب الاتيان بركعة أخرى، بلا دلالة على كونها مفصولة وموصولة، فراجع. وحاصله: أن معنى (لا تنقض اليقين) لا تبطل المتيقن وهي الركعات الثلاث بسبب الشك في الرابعة حتى تستأنف الصلاة. ويرد عليه: مخالفته للظاهر من جهة التفكيك في اليقين والشك بين فقرات الرواية بحمل اليقين على المتيقن وهو الركعات الثلاث المحرزة، وجعل الشك بمعنى المشكوك تارة وبمعناه الظاهر أخرى في قوله: (ولكنه ينقض الشك باليقين) مضافا إلى أن سكوت الرواية عن كيفية فعل الركعة الأخرى مع كون السؤال لاستعلام وظيفة الشاك يساوق إهمال جواب السائل، وهو خلاف ظاهره من قناعة زرارة بما علمه عليه السلام. الثالث: ما أفاده صاحب الفصول (قده) من أن قوله عليه السلام: (ولا ينقض اليقين بالشك) ظاهر في الاستصحاب، وسائر الفقرات تبين كيفية الاتيان بالركعة، قال: (بأن قوله: ولا ينقض اليقين بالشك مسوق لبيان أنه لا ينقض يقينه بعدم فعل الرابعة سابقا بالشك في فعلها لاحقا.). وهذا وان كان متينا، إلا أن استفادة كيفية الاتيان بركعة الاحتياط توجب ارتكاب خلاف الظاهر، للزوم حمل اليقين والشك على المتيقن والمشكوك، وهو بلا ملزم، لامكان الاخذ بظاهرهما، ويكون النهي عن إدخال الشك في اليقين بمعنى حرمة تصرفه فيه و مزاحمته له، فيكون مفاد هذه الجمل تأكيد الاستصحاب المدلول عليه بالجملة الأولى، وأما كيفية ركعة الاحتياط فإما أن تستفاد من صدر الصحيحة بقرينة ذكر فاتحة الكتاب، أو من سائر الروايات كما أفاده المصنف في الحاشية. لكن الحمل على التأكيد غير ظاهر، لفرض اجتماع اليقين والشك في 187
الاستصحاب بلحاظ تعدد متعلقيهما من حيث الحدوث والبقاء، وإلا فامتناع اجتماع الوصفين مع الغض عن تعدد المتعلق في غاية الوضوح. وحيث إن الخلط بين شيئين مترتب على أمرين موجودين بالفعل، فلا بد أن يكون النهي عن الخلط بالنظر إلى متعلقيهما وهما المشكوك والمتيقن، ويتم حينئذ كلام الفصول. الرابع: ما في تقريرات المحقق النائيني (قده) من دلالتها على الاستصحاب كما أفاده الماتن من تقييد إطلاق (لا ينقض اليقين بالشك) المقتضي لفعل ركعة الاحتياط موصولة بما دل على كيفيتها. نعم خالف المصنف فيما استظهره في الحاشية - من جعل سائر فقرات الرواية تأييدا وتأكيدا لجملة (لا ينقض) تحفظا على ظهور اليقين و الشك في نفس الوصفين - واستفاد الميرزا (قده) منها كيفية الاتيان بركعة الاحتياط، لا تأكيد الجملة الأولى، قال مقرر بحثه الشريف: (وقد أشار الإمام عليه السلام في الرواية إلى هذا التقييد بقوله عليه السلام: (ولا يدخل الشك في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر) فان المراد بهما عدم وصل الركعة المشكوكة بالركعات المتيقنة، لان إدخال المشكوك في المتيقن وخلط أحدهما بالآخر إنما يكون بوصل المشكوك فيه بالمتيقن وعدم الفصل بينهما، فالإمام عليه السلام أراد أن يبين حكم المسألة لزرارة بنحو الكناية والإشارة حتى لا ينافي ذلك التقية منه، فعبر صلوات الله عليه أولا بما يكون ظاهرا في الركعة الموصولة ليوافق مذهب العامة، ثم عقبه ببيان آخر يستفاد منه الركعة المفصولة على طبق مذهب الخاصة، فقال عليه السلام: (ولا يدخل الشك في اليقين. فظهر أنه لا يلزم في الرواية أزيد من تقييد الاطلاق. بل يمكن أن يقال: ان هذا أيضا لا يلزم، فإنه لا نسلم أن إطلاق الاستصحاب يقتضي الاتيان بالركعة الموصولة. بل الاستصحاب لا يقتضي أزيد من البناء على عدم الاتيان بالركعة المشكوكة. وأما الوظيفة بعد ذلك ما هي فهي تتبع الجعل الشرعي، والمفروض أن الوظيفة التي قررها الشارع للشاك في عدد الركعات هي 188
الاتيان بالركعة المفصولة، فان الحكم يتبدل في حق الشاك واقعا و يكون تكليفه الواقعي عدم وصل الركعة. فتلخص: أن الرواية لا تقصر عن بقية الروايات في ظهورها في حجية الاستصحاب). وادعى المحقق العراقي (قده) أيضا هذا الظهور على ما في تقرير بحثه الشريف. وما أفيد حق، إلا أن منع إطلاق الاستصحاب منوط باتصال دليل المقيد، إذ مع انفصاله ينعقد الظهور الاطلاقي ثم يقيد بدليل منفصل. الخامس: ما في تقريرات شيخنا المحقق العراقي (قده) من تطبيق الاستصحاب في الرواية على الاشتغال بالتكليف بالصلاة والشك في ارتفاعه بالاكتفاء بالركعة المرددة بين الثالثة والرابعة. ومحصل ما أفاده يرجع إلى قاعدة الاشتغال التي هي قاعدة عقلية مقتضاها لزوم تحصيل الفراغ اليقيني عما اشتغلت به الذمة قطعا. لكن الرواية تكون حينئذ إرشادا إلى تلك القاعدة، ولا يكون مفادها حكما تعبديا كما هو المطلوب، وليس المورد من الموارد التي يجتمع فيها الحكم العقلي والشرعي المولوي كالظلم والاحسان و نحوهما، فان الظلم قبيح عقلا وحرام شرعا، والاحسان حسن عقلا و مستحب أو واجب شرعا. وذلك لان حكم العقل في تلك الموارد واقع في سلسلة علل الاحكام، بخلاف المقام، فإنه واقع في سلسلة معلولاتها، ضرورة أن قاعدة الاشتغال تقتضي عقلا لزوم تفريغ الذمة عن ثقل التكليف، وتحصيل المؤمن من تبعاته، فمورد قاعدة الاشتغال مرحلة الامتثال المتأخر عن تشريع الحكم وعلله، فلا وجه لجريان الاستصحاب في الاشتغال، لعدم قابليته للتعبد أولا، بل و كذا مع فرض قابليته له أيضا، للزوم إحراز ما هو محرز وجدانا بالتعبد ثانيا، بل لا معنى لارشاديته أيضا مع إحرازه الوجداني. 189
فالمتحصل: أن إرادة اليقين بالتكليف تنطبق على قاعدة الاشتغال دون الاستصحاب الذي هو المقصود. السادس: ما اختاره المصنف (قده) في المتن والحاشية، وبتسليم الاطلاق في الاستصحاب يندفع عنه بعض ما يرد على التقاريب الأخرى للاستصحاب من منافاة الاتيان بالركعة المفصولة لحقيقته لا لاطلاقه. و لكن مع ذلك يتوجه على مختاره (قده) جملة من المناقشات. الأولى: ما أفاده شيخنا الأعظم (قده) في الاشكال على دلالة موثقة عمار على الاستصحاب بقوله: (ومما ذكر يظهر عدم صحة الاستدلال بموثقة عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال: إذا شككت فابن علي اليقين، قلت: هذا أصل؟ قال: نعم، فان جعل البناء على الأقل أصلا ينافي ما جعله الشارع أصلا في غير واحد من الاخبار مثل قوله عليه السلام: أجمع لك السهو كله في كلمتين متى ما شككت فابن علي الأكثر.) وحاصله منافاة اليقين بالبراءة لليقين الاستصحابي. لكنه لا يخلو من غموض، فان الاستصحاب وان كان مقتضيا للبناء على الأقل، إلا أنه لا ينافي التعبد بالبناء على الأكثر الوارد في كثير من الاخبار، ضرورة عدم اقتضاء ذلك إلا التشهد والتسليم في ما بيده، وأما فعل ركعة الاحتياط مفصولة فهو مدلول جملة أخرى تالية للامر بالبناء على الأكثر، كقوله عليه السلام في رواية عمار المتقدمة في كلام الشيخ: (متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك نقصت) فالاتيان بركعة مفصولة ليس مدلولا للامر بالبناء على الأكثر حتى يكون معارضا لما يدل على البناء على الأقل. و عليه فلا فرق في لزوم الاتيان بركعة أخرى بين البناء على الأقل والبناء على الأكثر من حيث لزوم الاتيان بذوات الركعات المشكوكة، وأما كيفية إتيانها فهي تستفاد من جملة أخرى. نعم لو كان في البين مجرد الامر بالبناء على الأكثر بلا بيان للكيفية تم ما 190
أفاده الشيخ من امتناع التعبد بالمتنافيين وهما الأقل والأكثر، لكن بعد ملاحظة شتات الروايات الامرة بالبناء على الأكثر لم أظفر على رواية واحدة فاقدة لكيفية الاتيان بها، فلاحظ باب 8 و 10 و 11 و 13 من أبواب الخلل من الوسائل. والحاصل: أن وجوب الاتيان بركعة أخرى أو أزيد مما يقتضيه البناء على الأقل أيضا، وأما كيفية الاتيان بها والتشهد والتسليم على الركعة المرددة فإنما هو مدلول جملة أخرى، وعليه فلا يكون التعبد بعدم إتيان الرابعة مخالفا لما استقر عليه المذهب. الثانية: ما أورده شيخنا المحقق العراقي (قده) على جريان الاستصحاب في الشك في الركعات ولو لم تكن أدلة خاصة بالبناء على الأكثر، وذلك لاشكال الاثبات (لان وجوب التشهد والتسليم على ما يستفاد من الأدلة مترتب على رابعية الركعة بما هي مفاد كان الناقصة، لا على وجود الرابعة بمفاد كان التامة، وباستصحاب عدم الاتيان بالرابعة أو عدم وجودها بمفاد ليس التامة لا يثبت اتصاف الركعة المأتية بعد ذلك بكونها رابعة، فكان المقام نظير استصحاب عدم وجود الكر غير المثبت لكرية الموجود). ونوقش فيه تارة بعدم الدليل على وجوب إيقاع التسليم في آخر الركعة الرابعة بعنوانه، وإنما اللازم رعاية الترتيب بين الاجزاء، فإذا سلم بعد الاتيان بالركعة المشكوكة حصل الترتيب، لوقوعه بعد الرابعة، غايته أنه لا يعلم كون الرابعة هذه أو سابقتها. وأخرى بإمكان إثبات كون المصلي في الرابعة بالاستصحاب أيضا، لعلمه بأنه دخل فيها إما في الركعة السابقة أو في ركعة الاحتياط، ويشك في خروجه عنها، فيستصحب بقاؤها، ويترتب عليه وقوع التشهد والتسليم في الرابعة. أقول: بناء على صحة المبنى فقهيا من اشتراط وقوع التشهد والتسليم في 191
الركعة الرابعة بمفاد كان الناقصة لا على وجودها بمفاد كان التامة لا يجدي استصحاب عدم وجود الرابعة، لقصوره عن إثبات اتصاف المأتي بها بعنوان الرابعة، إلا على القول بالأصل المثبت. ومنه يعلم الخدشة في استصحاب بقاء الرابعة وعدم الخروج عنها، فان اليقين بالدخول في الرابعة والشك في الخروج عنها وان كان متحققا بمفاد كان التامة، لكن لا يثبت به رابعية ما بيده من الركعة حتى يحرز حين التشهد والتسليم وقوعهما في الرابعة، بل بعد التسليم في ركعة الاحتياط يحصل له العلم بوقوعهما في الرابعة فإنه نظير استصحاب وجود كر من الماء في الدار لاثبات كرية الموجود. فلعل الأولى في عدم مساعدة شيخنا المحقق العراقي (قده) على تقدير اعتبار التقييد - كما أنه ليس ببعيد، لانفهامه من النص الدال على كون التسليم آخر الصلاة إذ المراد ب آخرها هي الركعة الأخيرة سواء أ كانت رابعة أم غيرها، فلا بد في وقوع التسليم في محله من إحراز الرابعية إذا كانت هي الأخيرة أو غيرها إذا كانت الأخيرة هي الثالثة مثلا. وكذا يمكن استظهار اعتبار إحراز عنوان الأولية والثانوية في ركعات الصلوات اليومية من النصوص الواردة في استحباب خصوص بعض السور في الأوليين منها، فإنه لا بد في قراءة تلك السور من إحراز أولية الركعة وثانويتها، فراجع أبواب القراءة من الوسائل - أن يقال: ان الظاهر اختصاص اعتبار التقييد بحافظ العدد، ولذا لو سلم غافلا عن عنوان هذه الركعة والتفت بعد التسليم إلى كونها هي الرابعة مثلا صحت صلاته. وكذا الحال في صورة الشك، لان ما دل على البناء على الأكثر وفعل صلاة الاحتياط مفصولة يدل التزاما على إلغاء اعتبار إحراز عنوان الرابعة حين وقوع التشهد والتسليم بالنسبة إلى الشاك. فالنتيجة: أن استصحاب عدم الرابعة لا يكون مثبتا، فيجري كما أفاده بعض الأعاظم. 192
الثالثة: ما أفاده المحقق العراقي (قده) أيضا من انتفاء أحد ركني الاستصحاب وهو الشك في البقاء، ولذا التزم (قده) بكون عدم جريان الاستصحاب في ركعات الصلاة على القاعدة ولو لم تكن أدلة خاصة توجب البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة، فليس عدم جريان الاستصحاب فيها لأجل تلك الأدلة. وكيف كان، فوجه اختلال الشك في البقاء على ما في تقرير بحثه الشريف هو ما أفاده المقرر بقوله: (فان الذي تعلق به اليقين والشك إنما هو عنوان الرابعة المرددة بين الشخصين، إذ هو قبل الشروع فيما بيده من الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة يقطع بعدم وجود الرابعة، وبعد الشروع في أحد طرفي المعلوم بالاجمال أعني الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة يشك في تحقق الرابعة، ولكنه بهذا العنوان ليس له أثر شرعي حتى يجري فيه الاستصحاب، إذ الأثر إنما يكون لواقع ما هو الرابعة الذي ينتزع عنه هذا العنوان، وهو الشخص الواقعي الدائر أمره بين ما هو معلوم الوجود وما هو معلوم العدم، ومثله مما لا شك فيه أصلا، إذ هو على تقدير كونه ما بيده من الركعة يقطع بوجوده، وعلى تقدير كونه غيره الذي أفاد الإمام عليه السلام بالقيام إليه يقطع بعدم وجوده. فعلى التقديرين لا شك فيه حتى يجري فيه الاستصحاب. وبهذه الجهة أيضا منعنا عن الاستصحاب في الفرد المردد بلحاظ انتفاء الشك فيه، لدورانه بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع). أقول: قد عرفت أن للشك في الركعات موضوعية، فهو كما يوجب تبدل حكم الاتصال بالانفصال، كذلك ينفي شرطية إحراز عنوان رابعية الركعة، لامتناعه مع الشك، إذ بقاء شرطيته حتى مع الشك يوجب بطلان الصلاة ولزوم استئنافها، لأنه مقتضى الشرطية المطلقة. وكذلك تنفي موضوعية الشك. ويظهر من عدم شرطية إحراز عنوان الرابعية أن المستصحب عدم ذات الرابعة، وهو 193
متعلق الشك أيضا، ولا مانع من استصحابه إلى أن يؤتى بصلاة الاحتياط، والركعة المشكوكة توجب الشك في انتقاض عدم ذات الرابعة بها كسائر موارد الشك في رافعية الموجود، كما إذا شك في رافعية الرعاف للوضوء مثلا، فهل يصح منع استصحاب الوضوء، بدعوى أنه بناء على الرافعية نقطع بارتفاع الوضوء، وبناء على عدمها نقطع ببقائه؟ وعليه فلا يختل الشك الذي هو ركن الاستصحاب، فان متعلق اليقين والشك هو عدم ذات الركعة، والأثر الشرعي في الشك في الركعات مترتب على وجود ذاتها بمفاد كان التامة. ولا يحرز هذا الوجود الطارد لذلك العدم إلا بعد تحقق الركعة مفصولة. فلا يقاس المقام باستصحاب الفرد المردد، لتردد نفس المستصحب هناك بين ما هو مقطوع البقاء، وما معلوم الارتفاع. مضافا إلى عدم تمامية ما أفيد في الفرد المردد كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى. الرابعة: ما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) وبيانه: أنه بناء على كون صلاة الاحتياط صلاة مستقلة جابرة للمصلحة الفائتة على تقدير النقص، ونافلة على تقدير التمامية - كما هو صريح جملة من الاخبار - يشكل جريان الاستصحاب، لاقتضاء التعبد بعدم فعل الرابعة للتعبد ببقاء وجوبها الضمني المتعلق بها، ووجوب الاتيان بها موصولة بالنحو الذي تعلق به اليقين، ولا يثبت بهذا الاستصحاب وجوب ركعة مفصولة، لكونها ذات أمر مستقل حسب الفرض. ودعوى إجراء الاستصحاب بلحاظ التعبد بجز موضوع وجوب صلاة الاحتياط، لان موضوعه (الشاك غير الآتي بالرابعة) وهو شاك وجدانا وغير آت بالرابعة تعبدا (ممنوعة) أولا: بأن تمام الموضوع في الاخبار هو الشاك بين الثلاث والأربع بلا تقييده بعدم الاتيان بالرابعة، فلا مجال للاستصحاب. وثانيا: باستحالة هذا التقييد في نفسه، للزوم لغوية تشريع صلاة الاحتياط، لوضوح أن حقيقة التكليف الذي هو الانشاء بداعي جعل الداعي بالامكان منوطة بفعليته 194
المتوقفة على وصوله والعلم بموضوعه، إذ مع الجهل بالموضوع يمتنع الدعوة والتحريك. وعليه فان علم المكلف بعدم الاتيان بالرابعة انتفى إيجاب ركعة الاحتياط بانتفاء موضوعه. وان لم يعلم به امتنع فعلية وجوب الركعة، لما عرفت من توقف فعليته على وصول موضوعه أعني عدم الاتيان بالرابعة، ومن المعلوم امتناع جعل الحكم الذي لا يبلغ مرتبة الفعلية أصلا، فلا مناص من كون تمام الموضوع لايجاب الركعة نفس الشك بلا تقيده بعدم الاتيان كي يجري الأصل لاحرازه، لان التعبد الظاهري بشئ فرع معقولية التكليف الواقعي به حتى يتحقق احتماله باحتمال ثبوت موضوعه واقعا، وحيث إنه ممتنع فلا معنى للتعبد. لكنه لا يخلو من غموض، حيث إن الظاهر جريان استصحاب عدم الاتيان بالرابعة بلا إشكال، ضرورة أن موضوع وجوب صلاة الاحتياط في الشكوك الصحيحة في الركعات سواء أكان الشك بين الثلاث والأربع أم غيرهما هو الشك في وجود الركعة المشكوك فيها المحكوم بعدمه للاستصحاب، إذ مع عدم جريانه تقتضي قاعدة الاشتغال بطلان الصلاة ووجوب استئنافها بنفس الشك، كالشك في الأوليين وفيما إذا لم يدر كم صلى، لأن الشك يمنع عن العلم ببراءة الذمة. وأما مع جريان الاستصحاب المثبت لاحد طرفي الشك - و هو عدم الاتيان - والعمل بما يقتضيه النص الخاص تصح الصلاة و يثبت براءة الذمة عنها. وما دل على متممية صلاة الاحتياط على تقدير النقصان يدل على أن احتمال النقصان المؤيد بالحجة وهي الاستصحاب أوجب تداركه بصلاة الاحتياط مستقلة التي دل عليها دليل خاص بحيث لو لم يكن ذلك النص لكان نفس الاستصحاب موجبا لتدارك النقيصة مع لزوم فعلها موصولة. إلا أن الشك في الركعات أوجب انقلاب الحكم بالاتصال إلى الحكم بالانفصال، وهو لا ينافي استصحاب عدم الاتيان كما 195
تقدم في بعض التعاليق. وبالجملة: فاستصحاب عدم الاتيان أوجب الاحتياط لا نفس الشك، ولذا لا تجب صلاة الاحتياط بالشك في النقصان فيما لا يجري فيه الاستصحاب كالشك في الركعات بعد التسليم لقاعدة الفراغ الحاكمة على الاستصحاب مع وجود نفس الشك في تحقق الركعة، لكنه لعدم جريان استصحاب عدمها فيه لا تجب صلاة الاحتياط. والاشكال على الاستصحاب بما أفاده من الوجهين المزبورين غير ظاهر. إذ في أولهما: ما تقدم من دخل عدم الاتيان الثابت بالاستصحاب في موضوع وجوب صلاة الاحتياط، وعدم كون مجرد الشك تمام الموضوع لوجوبها، ولا إشكال في جريان الاستصحاب في جز موضوع الحكم. وفي ثانيهما - وهو استحالة التقييد بعدم الاتيان في نفسه لأجل عدم فعلية الحكم أصلا، حيث إنه مع العلم بعدم الاتيان بالركعة المشكوكة لا تشرع صلاة الاحتياط للزوم الاتيان بها موصولة، و المفروض أن الاستصحاب يقوم مقام القطع بعدم الاتيان، ومع عدم مشروعية وجوب صلاة الاحتياط في ظرف العلم كيف يقوم الاستصحاب مقامه ويثبت به وجوبها؟ - أن الاستصحاب يقوم مقام العلم في إثبات أصل عدم الاتيان، وأما كيفية العمل المترتب عليه فهي مما يقتضيه النص الخاص الدال على موضوعية الشك في الركعات و انقلاب حكم تدارك النقيصة المشكوكة من الاتصال إلى الانفصال، ولذا لا تجب إعادة الصلاة مع حصول العلم بالنقيصة بعد صلاة الاحتياط. وبالجملة: فالاستصحاب ينزل الشك في إتيان الركعة منزلة القطع بعدمه في لزوم التدارك، دون كيفيته المدلول عليها بدليل آخر حتى يقال بامتناع التعبد الظاهري لعدم معقولية التكليف الواقعي، فوجوب صلاة الاحتياط بمجرد الشك المقرون بعدم الاتيان للاستصحاب فعلي، لفعلية موضوعه وهو الشك. الخامسة: ما أورده بعض أعاظم العصر (مد ظله) من أن التنافي بين الصحيحة 196
للاتيان بركعة الاحتياط موصولة وروايات صلاة الاحتياط ليس بالاطلاق والتقييد كي يجمع بينهما بذلك، بل بالتباين، فالأخذ بالصحيحة يستلزم رفع اليد عن الروايات الاخر التي عليها اعتماد المذهب. ويتجه عليه أولا: ما تقدم من إمكان انعقاد الظهور الاطلاقي المقتضي للاتيان بالمشكوكة موصولة، وهو قابل للتقييد بروايات صلاة الاحتياط، فالتعارض ليس بالتباين. وثانيا: منافاة دعوى التعارض التبايني لما أفاده عقيب هذا بأسطر من صحة التمسك بالاستصحاب لتحقيق موضوع وجوب صلاة الاحتياط أعني الشاك غير الآتي بالركعة الرابعة، وأخبار صلاة الاحتياط حاكمة على الأدلة الأولية الدالة على وجوب الاتيان بها موصولة. ومن المعلوم أن هذه الصحيحة لو اقتضت بنفسها الاتيان بالرابعة موصولة كانت منافية لما دل على إتيانها مفصولة، وكيف تتجه حكومة أحد المتعارضين بالتباين على الاخر؟ ولا سبيل لتصحيحها إلا الالتزام بإطلاق الاستصحاب القابل للتقييد. ومع إنكار الاطلاق وعدم دلالة الصحيحة إلا على اقتضاء الاستصحاب لعدم الاتيان بالركعة من دون تعرض لبيان الوظيفة تقدم أخبار صلاة الاحتياط على الصحيحة أيضا، لدلالتها على الوظيفة وكيفية جبر النقيصة، ومن المعلوم تقدم المبين على المجمل، لكونه بيانا له. و عليه فلا تنافي بين الصحيحة وأخبار صلاة الاحتياط، لتوقف التنافي التبايني بينهما على دلالة الصحيحة على الاتيان بالركعة موصولة، و المفروض عدم دلالتها على ذلك. فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور: الأول: تركب موضوع وجوب صلاة الاحتياط من الشك وعدم الاتيان بالمشكوك فيه للاستصحاب. الثاني: موضوعية الشك لانقلاب الحكم من فعل النقيصة موصولة إلى الاتيان 197
بها مفصولة بالنص الخاص سواء أكان أمرها نفس الامر الضمني أم الاستقلالي، فان الشك أوجب الانفصال والاجتزاء بصلاة الاحتياط بهذا النص، لا بالاستصحاب حتى يقال: انه لا يثبت وجوب ركعة مفصولة. الثالث: عدم لزوم لغوية تشريع وجوب صلاة الاحتياط، لما مر آنفا من فعليته بمجرد تحقق موضوعه وهو الشك وعدم الاتيان بالركعة المشكوكة بالاستصحاب الذي قد عرفت عدم مانع من جريانه، لعدم لزوم محذور ثبوتي ولا إثباتي من تركب الموضوع من الشك و عدم الاتيان بالرابعة تعبدا، وليس موضوعه العلم بعدم الاتيان بالرابعة حتى يقال بلزوم لغوية تشريع حكم لا يبلغ مرتبة الفعلية أصلا. الرابع: أنه لا فرق في حكم صلاة الاحتياط بين كونها متممة لنفس الصلاة أو لملاكها، فان المتبع في مقام الاثبات هو النص الدال على لزوم الاتيان بها بداعي أمرها سواء أكان ذلك الامر واقعا هو الامر الضمني أم غيره. الخامس: أن الاستدلال بهذه الصحيحة على الاستصحاب في محله، و لا يرد عليه شئ من الاشكالات المذكورة في كلمات الاعلام الذين أزاحوا عنا الشبهات والأوهام وأضاءوا بتحقيقاتهم قلوب ذوي الافهام. وقد ظهر مما ذكرنا صحة الاستدلال برواية إسحاق بن عمار (قال لي أبو الحسن الأول عليه السلام: إذا شككت فابن علي اليقين، قال: قلت: هذا أصل؟ قال نعم). فان الامر بالبناء على اليقين ظاهر في وجوده فعلا في زمان الشك لا اليقين المعدوم كي يحتمل انطباقه على قاعدة اليقين. كما أن حملها على تحصيل اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر لا يخلو من تعسف، ضرورة أن ذلك اليقين مما يجب تحصيله بفعل ركعة الاحتياط وليس موجودا بالفعل حتى يبنى عليه، ولا معنى للامر بالبناء على شئ معدوم سيوجد فيما بعد. وإشكال الشيخ الأعظم عليه تارة بمنافاة البناء على الأقل - الذي هو مقتضى الاستصحاب - للبناء على الأكثر الذي عليه المذهب. و أخرى (بعدم الدلالة 198
على إرادة اليقين السابق ولا المتيقن السابق على المشكوك اللاحق) غير ظاهر. أما الأول فبما تقدم في الجواب عن أول الاشكالات الواردة على مختار المصنف، فلاحظ. مضافا إلى عدم القرينة - كسبق السؤال ونحوه - على صدور كلامه عليه السلام في مورد الشك في الركعات، وأصالة الاطلاق تدفع احتمال الاختصاص به. وأما الثاني فبأن الامر بالبناء على اليقين في ظرف الشك دليل على فعلية اليقين، وهو يقتضي سبق المتيقن على المشكوك، ولا يعتبر سبق نفس اليقين على الشك، فلو حصلا في آن واحد وتعلق أحدهما بالحدوث والاخر بالبقاء جرى الاستصحاب. وعليه فالدلالة تامة. وأما السند فقد عبروا عنها بالموثقة، وهو كذلك ان كان علي بن إسماعيل الذي وقع في طريق الصدوق إلى إسحاق هو الميثمي، فإنه (من وجوه المتكلمين من أصحابنا) كما في رجال النجاشي. لكن استظهر بعض أعاظم العصر أنه في هذا الطريق علي بن إسماعيل بن عيسى بقرينة رواية عبد الله بن جعفر الحميري الذي روى عن علي في طريق الصدوق إلى زرارة، وروايته عن حماد بن عيسى في طريقه إلى زرارة وحريز. وعليه ينصرف علي بن إسماعيل في هذه الطبقة إلى ابن عيسى. وأما توثيق ابن عيسى فيكفي فيه كونه من رجال كامل الزيارات. فان تم الأمران أمكن توصيف رواية إسحاق هنا بالموثقة، وإلا فلا. هذا كله مع أن الرواية في الفقيه هكذا: (وروي عن إسحاق) و يحتمل عدم شمول طريق الصدوق إلى إسحاق المذكور في المشيخة لمثل هذه الرواية، فهي لا تخلو من شبهة الارسال. لكنه ضعيف، ولذا عبر صاحب الوسائل عنه (بإسناده) فتأمل. 199 ومنها (1) قوله: (من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه، فان الشك لا ينقض اليقين، أو بأن اليقين لا يدفع بالشك).
200 وهو (1) وإن كان يحتمل قاعدة اليقين،
201 لظهوره (1) في اختلاف زمان الوصفين، وإنما يكون
[1] وتوضيح ما أفاده الشيخ في استفادة قاعدة اليقين من الرواية هو: أن صراحتها بمقتضى (من كان) الدالة على النسبة التحققية والفاء العاطفة الدالة على ترتب حدوث الشك على حدوث اليقين زمانا، و ظهورها في وحدة المتعلق المستفاد من عدم ذكره أو من إسناد النقض المتقوم بتوارد الوصفين على أمر واحد تدلان على قاعدة اليقين. ويؤيده أن اسناد النقض يكون حقيقيا أو أقرب إلى معناه الحقيقي مما هو في الاستصحاب، لوضوح أن المنهي عنه فيها رفع اليد عن نفس الآثار المرتبة على المتعلق في زمان اليقين به كما تقدم في مثال الاقتداء بمن تيقن يوم الجمعة بعدالته فيه، ثم انقلب يقينه بالشك فيها. وعليه فلا تنطبق الرواية على الاستصحاب الذي يكون المعتبر فيه اختلاف زمان متعلقي الوصفين سواء اتحد زمان نفس الوصفين أم اختلف، لما عرفت من صراحة الرواية في تعاقب زمان الوصفين، وهو مما لم يعتبر في الاستصحاب هذا. وناقش فيه شيخنا المحقق العراقي (قده) بمنع دلالة مثله على الزمان، بل أقصى ما تقتضيه هي الدلالة على مجرد السبق الشامل للزماني و الرتبي وغير هما نظير سبق العلة على معلولها والموضوع على حكمه، كما تشهد له صحة قولك: (كان الزمان وكانت العلة ولم يكن معها معلول) وقولك: (أدخل البلد فمن كان مطيعا فأكرمه ومن كان عاصيا فاضرب عنقه) بلا عناية أو تجوز، فيكون السبق في المقام رتبيا بالقياس إلى الحكم الذي هو وجوب المضي عليه لا سبقا زمانيا حتى يستفاد منه 203
قاعدة اليقين. ولكنه غير ظاهر، فان السبق وان كان أعم من الزماني والرتبي كما أفاده، إلا أن مقصود شيخنا الأعظم (قده) من السبق المدلول عليه بالفعل الماضي والفاء هو الزماني فقط، بقرينة ترتب حدوث الشك على حدوث اليقين الذي لا يكون إلا زمانيا، إذ لا معنى للترتب الذاتي والرتبي بينهما، وليس المقصود لحاظ ترتب وجوب المضي على اليقين حتى يكون رتبيا كما في تأخر كل حكم عن موضوعه، فإنه أجنبي عما يدعيه الشيخ بقوله: (ان اليقين والشك لا يجتمعان حتى ينقض أحدهما الاخر، بل لا بد إما من اختلافهما في زمان نفس الوصفين، وإما في زمان متعلقهما) وعليه فكلام الشيخ الأعظم (قده) في تطبيق الرواية على القاعدة دون الاستصحاب سليم عن هذا الاشكال. إلا أن الصحيح ما أفاده في آخر كلامه من دلالة الرواية على الاستصحاب، لورود مثل هذا التعبير في صحاح زرارة مما لا يراد منه إلا الاستصحاب دون القاعدة. بل الظاهر دلالة هذا المضمون على الاستصحاب حتى مع الاغماض عن وروده في سائر الأخبار، وذلك لما أفاده المصنف في الحاشية وأوضحه شيخنا العراقي (قدهما) من ظهور (فليمض على يقينه) في بقاء وصف اليقين السابق على فعليته في ظرف الشك الذي هو زمان وجوب المضي عليه، كما هو الحال في جميع العناوين الاشتقاقية و غيرها المأخوذة في القضايا الطلبية كقوله: (أكرم العالم) حيث التزموا بلزوم اتصاف الذات بالوصف العنواني حين إضافة الاكرام إليها حتى بناء على وضع المشتق للأعم، وليس ذلك إلا لظهور هذه القضايا في لزوم اتحاد ظرف التطبيق فيها مع ظرف النسبة الحكمية. وعلى هذا فلا ينطبق المضمون إلا على الاستصحاب، وذلك لظهور الكلام في 204 ذلك (1) في القاعدة، دون الاستصحاب ضرورة (2) إمكان [1] اتحاد زمانهما،
وجوب المضي على اليقين الموجود فعلا، أي لزوم ترتيب الآثار و الجري العملي على طبق اليقين السابق، وهذا غير متصور في القاعدة، لتبدل اليقين بالشك، ووجوب إحراز الوظيفة عند الشك، وعدم البناء في ذلك على اليقين الزائل، فإذا علم بعدالة زيد يوم الجمعة و شك فيها يوم السبت بحيث صارت عدالته في يوم الجمعة مشكوكة لم يجز ترتيب آثار العدالة يوم السبت، بل يجب إحرازها في جواز ترتيبها. ومما ذكرنا ظهر عدم إرادة الجامع بين القاعدة والاستصحاب من الرواية، إذ المطلوب في القاعدة هو البناء على صحة الأعمال الصادرة حال اليقين وعدم وجوب تداركها في حال الشك، لا ترتيب الآثار في ظرف الشك وتنزيل شكه منزلة اليقين كما هو المطلوب في الاستصحاب، وحيث لا يصلح الجزاء لإرادة الجامع فلا محالة لا يراد من الشرط إلا الاستصحاب. [1] في تقريرات بحث سيدنا الفقيه الأعظم صاحب الوسيلة (قده) ما لفظه: (قول المصنف في المتن: - ضرورة إمكان اتحاد زمانهما - تبعا لما في الرسائل ليس على ما ينبغي، بل الأولى أن يقولا بدل - الامكان - اعتبار اتحاد زمانهما كما لا يخفى). ومحصل مراد سيدنا (قده) من اعتبار اتحاد زمانهما هو: أنه يعتبر في الاستصحاب اجتماع اليقين بالحدوث مع زمان الشك وعدم ارتفاعه في زمان 205 إلا (1) أن المتداول في التعبير عن مورده هو مثل هذه العبارة، ولعله (2)
الشك، كاليقين بعدالة زيد يوم الجمعة مع الشك في بقائها يوم السبت، فيوم السبت زمان اجتماع اليقين بعدالته يوم الجمعة مع الشك في بقائها فعلا، فزمان وصفي اليقين والشك وهو يوم السبت في المثال واحد، ومن المعلوم أن بقاء اليقين بالحدوث في زمان الشك معتبر، واعتبار اتحاد زماني الوصفين بهذا المعنى - - أي بقاء اليقين في زمان الشك - ضروري في الاستصحاب، إذ مع ارتفاع اليقين و سراية الشك إلى زمان حدوثه بحيث يرتفع رأسا يكون ذلك قاعدة اليقين، وأجنبيا عن الاستصحاب، وعليه فما أفاده سيدنا (قده) حق بلا شبهة. لكن الظاهر أن مراد المصنف من (إمكان اتحاد زمانهما) بقرينة قوله: (لظهوره في اختلاف زمان الوصفين) هو زمان حصول الوصفين في مقابل قاعدة اليقين، لظهور (من كان على يقين فشك) في تقدم زمان حدوث اليقين على زمان حدوث الشك على ما هو مقتضى الفاء، ففي قاعدة اليقين يعتبر أمران: أحدهما اختلاف زمان حدوث الوصفين، ثانيهما اتحاد متعلقيهما، بأن تصير العدالة المتيقنة يوم الجمعة مشكوكة يوم السبت، بحيث يسري الشك إليها وتصير العدالة المتيقنة مشكوكة في نفس يوم الجمعة أيضا، ومن المعلوم أن اختلاف زمان حصول الوصفين معتبر في القاعدة دون الاستصحاب، إذ الغالب فيه اختلافهما زمانا وعدم اتحادهما فيه، مع إمكان حصول الوصفين أيضا فيه في زمان واحد، كما إذا حصل له في آن واحد العلم بعدالة زيد يوم الجمعة والشك في بقائها يوم السبت مثلا، لكن هذا الاتحاد ليس معتبرا في الاستصحاب حتى يلزم إبدال (الامكان) في المتن والرسائل باعتبار اتحاد زمانهما، فتأمل جدا. 206 بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته (1) إلى الوصفين، لما بين اليقين والمتيقن من نحو من الاتحاد، فافهم (2). هذا مع (3) وضوح أن قوله: (فان الشك لا ينقض. إلخ) هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من أخبار الباب (4). ومنها (5): خبر الصفار عن علي بن محمد القاساني، قال: (كتبت
207 إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب: اليقين لا يدخل فيه الشك، صم للرؤية (1) وأفطر للرؤية)
208 حيث (1) دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه
209 وزواله بدخول (1) شهر رمضان، ويتفرع عليه (2) عدم وجوب الصوم إلا بدخول شهر رمضان. وربما يقال (3): ان مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك
210 يشرف (1) على القطع بأن المراد باليقين (2) هو اليقين بدخول شهر رمضان (3)، وأنه (4) لا بد في وجوب الصوم والافطار من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه، وأين هذا من الاستصحاب؟ فراجع ما عقد في الوسائل من الباب (5) تجده شاهدا عليه (. [1] 6
[1] مضافا إلى ما في تقرير المحقق النائيني (قده) من أن المناسب لإفادة الاستصحاب هو التعبير بنقض اليقين بالشك، لا دخوله فيه، و من المعلوم 212
أن إرادة النقض من الدخول تحتاج إلى عناية ورعاية. وأورد عليه بعدم غرابة هذا الاستعمال، لوقوعه في ثالثة صحاح زرارة، حيث قال عليه السلام: (ولا يدخل الشك في اليقين) كما وقع نظيره في كلمات العلماء أيضا في قولهم: دليله مدخول أي منقوض. و اللغة تساعده، فان دخول شئ في شئ يوجب التفكيك بين أجزائه المتصلة، فيكون موجبا لنقضه وقطع هيئته الاتصالية. وبهذا البيان ينهدم أساس الاشكال، ويتعين الاخذ بظهور الجملة في الاستصحاب، لعدم الفرق في إفادة اعتباره بين التعبير بالنقض و الدخول. لكن الظاهر خلافه، إذ فيه - مضافا إلى منافاته لما أفاده مد ظله في ثالثة صحاح زرارة من حمل النهي عن إدخال الشك في اليقين على الاتيان بالركعة المشكوكة موصولة ووجوب فعلها مفصولة، ولم يحملها على تأكيد جملة (ولا ينقض اليقين بالشك) الدال على الاستصحاب أي عدم الاتيان بالركعة الرابعة. والوجه في التهافت بين الكلامين أن الدخول ان كان مساوقا للنقض لم يفرق بين موارد استعماله، فاللازم حمله على الاستصحاب في كلا الموضعين، والتفصيل لا وجه له - أنه لا مانع من حمل المكاتبة على ما تظافرت الاخبار عليه من بناء فريضة الصوم على اليقين وعدم الاعتداد بالتظني، لاحتفاف فقرة (اليقين لا يدخل فيه الشك) بما يدل على إناطة الصوم والافطار بالرؤية المفروض تكرره في كثير من الاخبار، وليست كالقرينة المنفصلة التي لا تمنع عن الاخذ بظهور هذه المكاتبة في الاستصحاب، فإنه مع وحدة مداليلها ووضوح المراد منها كيف يستقر ظهور المكاتبة في الاستصحاب؟ هذا. 213
مع أن الاعتماد على الروايات الاخر في مقام الاستظهار من رواية أخرى أمر واقع، وقد التزم به هذا القائل في تعميم جملة (ولا ينقض اليقين بالشك) الواردة في أولى صحاح زرارة، وعدم اختصاصه بباب الوضوء، وإثبات كون اللام للجنس لا للعهد بالقرينة الخارجية و هي ورود الفقرة في روايات متعددة، فلاحظ ما أفاده هناك. هذا كله بناء على انعقاد ظهور المكاتبة في الاستصحاب، ورفع اليد عنه بقرينة سائر الروايات. وأما بناء على ما ذكرناه في توضيح المتن - من أن صدرها بمجرده وان كان دالا بدوا على الاستصحاب، لكن احتفافه بالذيل المتكرر في كثير من الاخبار مانع عن انعقاد ظهوره فيه كما هو الحال في كل قرينة متصلة - فالامر أوضح، إذ لا ظهور فيه في الاستصحاب حتى يبحث عن مانعية الروايات المنفصلة عنه وعدمها. وقد ظهر مما ذكرنا ظهور صدر المكاتبة في الاستصحاب لو كانت مجردة عن الذيل، ولذا عد المصنف جملة: (ولا يدخل الشك في اليقين) الواردة في الصحيحة الثالثة مؤكدة لنفس الصدر الدال على الاستصحاب، لا بيانا لكيفية فعل ركعة الاحتياط، لتعارف التعبير عن الاستصحاب بالنقض والدخول وان كان الأول أظهر في الدلالة عليه من الثاني. وقد يورد على الماتن تارة بأن ظهور (اليقين) في الفعلي يقتضي إرادة اليقين بعدم دخول رمضان، وهو لا ينطبق إلا على استصحاب عدم رمضانية يوم الشك وعدم شوالية اليوم المردد بين الثلاثين من رمضان وعيد الفطر. وحمل اليقين على اعتبار العلم بشهر الصيام دخولا وخروجا خلاف ظهوره في الفعلية. وأخرى بأن تعليق الصوم والافطار على الرؤية - المراد بها اليقين بهلالي رمضان وشوال وعدم حسبان يوم الشك من أيام رمضان أصلا - ينافي تسالمهم على وجوب 214
صوم يوم يحتمل كونه آخر رمضان أو أول شوال، فإنه لو كان معنى الرواية بناء شهر الصيام على اليقين وعدم إدخال يوم الشك فيه كيف يتجه الحكم بوجوب صوم يوم الشك من آخره؟ وهل هو إلا من إدخال الشك في اليقين؟ وعليه فلا بد من إرادة الاستصحاب من المكاتبة كي ينطبق على الفتوى المسلمة. وأنت خبير بما فيها، أما في الأول: فلان فعلية اليقين فرع ظهور المكاتبة في الاستصحاب، والمفروض مانعية القرينة المتصلة عن ذلك كما عرفت. وأما في الثاني: فلان معنى إناطة الافطار بالرؤية وجوب الصوم إلى أن يعلم بهلال شوال، فما لم يحرز ذلك يجب عليه الامساك بعنوان رمضان، وليس وجوب صوم يوم الشك مستندا إلى استصحاب بقاء الشهر كي يلزم دخول يوم الشك في شهر الصيام، فان منكر حجية الاستصحاب أيضا يحكم بوجوب صومه، وليس ذلك إلا لاقتضاء نفس تعليق الافطار على الرؤية لوجوب الصوم إلى قيام حجة على رؤية هلال شوال، هذا. لكن الانصاف عدم قصور المكاتبة عن ظهورها في الاستصحاب كما أفاده الشيخ وغيره، حيث إن السائل سأل عن حكم صوم اليوم الذي يشك في كونه من شعبان أو من شهر رمضان، واليقين الفعلي للسائل هو اليقين بالشعبانية أو عدم الرمضانية، والشك في رمضانية اليوم وشعبانيته، والجواب المطابق لهذا السؤال هو: أن اليقين لا يدخل فيه الشك، يعني: أن اليقين الفعلي بالشعبانية أو عدم الرمضانية - لابرامه واستحكامه - لا يصلح الشك لان يدخل فيه وينقضه و يرفعه، مع ما في الشك من الوهن وفي اليقين من الثبات. وبعد بيان هذه القاعدة الكافية في الجواب تفضل الامام عليه الصلاة والسلام بتطبيقها على المورد بقوله عليه السلام: (صم للرؤية وأفطر للرؤية) يعني: لا ترفع اليد عن اليقين بالشعبانية إلا برؤية هلال شهر رمضان، وكذا لا ترفع اليد عن اليقين بالرمضانية إلا برؤية هلال شوال، فطبق القاعدة على فردين منها وهما: استصحاب الشعبانية واستصحاب الرمضانية. 215
بل نفس جملة (صم للرؤية) في مقام الجواب عن السؤال المزبور مع الغض عن قوله: (اليقين لا يدخل فيه الشك) تدل على الاستصحاب، إذ عدم الاعتناء بالشك في تمامية شعبان وإناطة وجوب الصوم بالرؤية الموجبة للقطع بتماميته ليس إلا الاستصحاب، فلا وجه لجعلها قرينة على عدم إرادة الاستصحاب من صدر الرواية، فيستفاد منه: أن اليقين بشعبانية الشهر لا ينقض بالشك في تماميته بل ينقض باليقين بها الحاصل برؤية هلال شهر رمضان. والمراد بالرؤية ليس خصوص اليقين، بل المقصود بها هو الحجة مطلقا ذاتية كانت أم مجعولة، فان صوم شهر رمضان كسائر الواجبات الموقتة التي لا بد في فعلها من إحراز وقتها بحجة عقلية أو شرعية، لعدم جواز إتيانها قبل أوقاتها، فاليقين في باب الصوم كغيره من الموقتات طريقي، وليس جز موضوع الصوم ولا قيده، وإلا لم تقم البينة مقامه، لان بناء المصنف على عدم قيام الامارات مقام القطع الموضوعي وان لوحظ على وجه الكاشفية، مع أن من المسلم ثبوت هلال شهر رمضان بالبينة. وكذا لم يكن وجه لوجوب قضاء صوم يوم الشك لو أفطر فيه ولم يصمه بنية شعبان، وذلك لان الموضوع هو العلم بالرمضانية، وهو لم يحصل للجاهل، فلم يتوجه إليه خطاب الصوم. بل لو صام بنية الندب لم يحسب أيضا من صوم شهر رمضان، لعدم توجه خطاب الصوم إليه، فلو كان شهر رمضان تسعة وعشرين يوما يحسب في حق هذا الشخص ثمانية وعشرين يوما. وأما النهي عن اتباع الظن والشك في الصوم فيراد به النهي عن متابعة غير الحجة من الظن غير المعتبر والرأي والشك كما في جملة من الروايات، فهو تعريض بمن يعمل بالرأي ونحوه، ولا يدل على موضوعية العلم أصلا، فلاحظ. وقد ظهر مما ذكرنا: أن وجوب صوم يوم الشك في آخر شهر رمضان يستفاد من نفس المكاتبة، فان قوله عليه السلام: (وأفطر للرؤية) يدل على وجوب الصوم إلى رؤية هلال شوال، وهذا هو مقتضى الاستصحاب. وعليه فلا إشكال على 216
الاستدلال بالمكاتبة من ناحية الاثبات. ولشيخنا المحقق العراقي (قده) إشكال ثبوتي ووافقه عليه بعض أجلة تلامذته كسيدنا الأستاذ (قده) في حقائقه، ومحصله: أن استصحاب الشهر لا يثبت موضوع الحكم إلا بالأصل المثبت، حيث إن وجوب الصوم ان كان مترتبا على بقاء الشهر بمفاد (كان) التامة فلاستصحابه مجال. وان كان مترتبا على كون الزمان المعين - كهذا اليوم - من شهر رمضان بمفاد (كان) الناقصة، فلا مجال لاستصحاب بقاء الشهر، إذ لا يترتب الوجود النعتي على استصحاب الوجود المحمولي إلا على القول بالأصل المثبت، والظاهر من قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وغيره هو الثاني، لظهوره في اعتبار وقوع الصوم في الشهر، وإحراز رمضانية النهار الذي يقع فيه الصوم لا يمكن باستصحاب بقاء الشهر، لقصوره عن إثبات رمضانية هذا النهار حتى يقع الصوم في شهر رمضان. أقول: هذا الاشكال الجاري في مطلق الافعال المقيدة بالزمان، سيأتي تفصيله في التنبيه الرابع، وقد تخلص منه كل بوجه من الوجوه، فمنهم من أجرى الاستصحاب في نفس الحكم المقيد كالشيخ، ومنهم من أجراه في الفعل المقيد كالمصنف، حيث قال: (ان الامساك كان قبل هذا الان في النهار، والآن كما كان، فيجب) ومنهم من أجراه في نفس الزمان بعد إنكار أصل التقييد وكفاية الاجتماع في الوجود كالمحقق النائيني، ومنهم من أجراه تارة في الزمان بمفاد كان الناقصة، وأخرى في الموضوع بنحو الاستصحاب التعليقي كالمحقق العراقي. وعليه فالاشكال المتقدم انما يقدح في الاستدلال بالمكاتبة لو لم يندفع بشئ من الوجوه المشار إليها، وإلا فمع اندفاعه ببعضها لا إشكال ثبوتا في الاستدلال، ولعل تعرض المحقق العراقي للاشكال لأجل عدم تمامية ما ذكره المصنف وغيره في استصحاب الموقتات، وسيأتي بعض الكلام في محله إن شاء الله تعالى. 217 ومنها (1): قوله عليه السلام: (كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر) و قوله: (الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس) وقوله: (كل شئ لك
218 حلال حتى تعرف أنه حرام).
219 وتقريب دلالة (1)
220 مثل (1) هذه الأخبار على الاستصحاب أن يقال: ان الغاية فيها (2) إنما هو لبيان استمرار ما حكم (3) على الموضوع واقعا (4) من (5) الطهارة والحلية ظاهرا ما لم (6) يعلم
222 بطروء ضده (1) أو نقيضه (2)، لا (3) لتحديد الموضوع كي (4) يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته،
223 وذلك (1) لظهور المغيا فيها (2) في بيان الحكم للأشياء بعناوينها (3)، لا بما هي مشكوكة الحكم (4) كما لا يخفى، فهو (5) وان لم يكن له بنفسه (6) مساس بذيل (7) القاعدة ولا الاستصحاب، إلا (8) أنه بغايته دل
224 على الاستصحاب، حيث إنها (1) ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا (2) ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه (3)، كما أنه (4) لو صار مغيا لغاية مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة (5) لدل على استمرار ذاك الحكم (6) واقعا، ولم يكن له (7) حينئذ بنفسه ولا بغايته دلالة على الاستصحاب.
225 ولا يخفى أنه (1) لا يلزم
226 على ذلك (1) استعمال اللفظ في معنيين أصلا،
227 وإنما يلزم (1) لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده (2) غاية (3) لاستمرار حكمه ليدل (4) على القاعدة والاستصحاب من (5) غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للأشياء أصلا،
228 مع (1) وضوح ظهور مثل (كل شئ حلال) أو (طاهر) في أنه (2) لبيان حكم الأشياء بعناوينها الأولية، وهكذا (الماء كله طاهر) (3) و ظهور (4) الغاية في كونها حدا للحكم لا لموضوعه، كما لا يخفى، فتأمل جيدا. ولا يذهب عليك أنه (5) بضميمة عدم القول بالفصل قطعا بين
229 الحلية والطهارة وبين سائر الأحكام لعم (1) الدليل وتم. ثم لا يخفى أن (2) ذيل موثقة عمار: (فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك) يؤيد (3) ما استظهرنا منها من كون الحكم
230 المغيا واقعيا ثابتا للشئ بعنوانه (1)، لا ظاهريا ثابتا له بما هو مشتبه، لظهوره (2) في أنه متفرع على الغاية وحدها، وأنه (3) بيان لها وحدها منطوقها ومفهومها (4)، لا لها مع المغيا كما لا يخفى على المتأمل. [1]
[1] قد أورد على كلامه (قده) بوجوه بعضها مشترك الورود على ما أفاده في كل من المتن والحاشية، وبعضها تختص بما فيها، فالأولى التعرض لها بعد بيان مختاره في الحاشية أعني استفادة طهارة كل شئ واقعا وظاهرا من المغيا والاستصحاب من الغاية، وقد استدل عليه بوجهين: أحدهما ما لفظه: (أن قوله عليه السلام: كل شئ طاهر مع قطع النظر عن الغاية يدل على طهارة الأشياء بعناوينها الواقعية كالماء و التراب وغيرهما، فيكون دليلا اجتهاديا على طهارة الأشياء، وبإطلاقه بحسب حالات الشئ التي منها حالة كونه بحيث يشتبه طهارته ونجاسته بالشبهة الحكمية أو الموضوعية تدل على قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته كذلك). ثانيهما: ما أفاده بقوله: (وان أبيت إلا عن عدم شمول إطلاقه لمثل هذه الحالة إلخ) 231
وبيانه أنه بناء على إنكار إطلاق المدخول - وهو شئ - لمثل حالة الشك في حكمه لأجل أن الشك في حكم الشئ ليس من حالاته المتبادلة كالعدالة والفسق بالنسبة إلى العالم الموضوع لوجوب الاكرام، لقيام الشك بنفس المكلف وان كان له إضافة إلى الشئ، لكونه كالعلم والظن من حالات المكلف، إلا أن مجرد هذه الإضافة لا توجب وصفا للشئ حتى يشمله إطلاقه (يمكن) إثبات الطهارتين بالمغيا بنفس عمومه الافرادي لما اشتبهت طهارته بشبهة لازمة لا تنفك عنه كبعض الشبهات الحكمية كالحيوان المتولد من حيوانين نجس وطاهر مع عدم تبعيته لهما في الاسم، ومن المعلوم أن (كل شئ) عنوان مشير إلى كل واحدة من الطبائع والذوات، وحيث كان هذا الفرد المشتبه الملازم للشبهة من أفراد (كل شئ) فهو طاهر بالعموم، وبضميمة عدم الفصل بين هذا المشتبه وسائر المشتبهات التي عرض عليها الشك بعد أن كانت معلومة الحكم يثبت طهارة كل مشتبه بالشبهة الموضوعية والحكمية، فان الدليل على الملزوم دليل على لازمه، فنفس العموم يتكفل طهارة كل شئ بما هو هو وبما هو مشكوك الحكم. لا يقال: ان التمسك بعموم (كل شئ) في الشبهة الموضوعية من التشبث بالدليل في الشبهة المصداقية الممتنع، فإنه بناء على إفادته الطهارة الواقعية والعلم بتخصيصه بالأعيان النجسة لا يكون الرجوع إليه في مثل الحيوان المردد بين الكلب والغنم لاثبات طهارته ظاهرا إلا تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية. فإنه يقال: انه كذلك لو كان مدلول المغيا طهارة الأشياء واقعا فحسب، وأما بناء على ما عرفت من طهارتها ظاهرا أيضا بأحد المسلكين المتقدمين يندفع الاشكال، فان الحيوان المردد شئ اشتبه حكمه، و قد ثبت طهارته ظاهرا. وأما إشكال استعمال اللفظ في معنيين المتقدم في إيراد الشيخ الأعظم (قده) على صاحب الفصول فغير متجه على هذا التقريب، لان إرادة الطهارة الواقعية تارة والظاهرية أخرى إنما نشأت من اختلاف أفراد الموضوع، لا من جهة الاختلاف في 232
معنى المحكوم به، فان الطهارة بمعنى النظافة والنزاهة، وهي أمر وحداني لا تعدد فيه. هذا ما أفاده المصنف حول استفادة الطهارتين من المغيا ثم تعرض لاستفادة الاستصحاب من الغاية بما عرفته في المتن. وبما أفاده (قده) يسقط بعض ما أورد عليه، وتبقى أمور لا بد من التعرض لها. أما التقرير الثاني فأورد عليه المحقق الأصفهاني (قده) بأن (كل شئ) وان تكفل حكم المشتبه بالشبهة اللازمة له، إلا أن إثبات حكم سائر المشتبهات حكما أو موضوعا بعدم الفصل غير سديد، لان التمسك بعدم الفصل فرع كون الموضوع المشتبه، فيتعدى من حكم بعض مصاديقه إلى بعضها الاخر، ولكن المفروض أن شمول (كل شئ) لمثل ماء الكبريت الملازم للشبهة في حكمه الواقعي إنما هو بعنوان الحكاية عن ذاته، لوضوح إرادة نفس الأعيان الخارجية من (شئ) ومن المعلوم عدم ملازمة تمام الذوات للشبهة - خصوصا الشبهات الموضوعية التي علم حكمها الكلي - حتى يتعدى من المشتبه اللازم للشبهة إلى غيره، وعليه فتعميم المغيا للحكم الواقعي و الظاهري بدعوى عدم الفصل غير وجيه. وأما التقرير الأول فأورد عليه أولا بما أفاده بعض الأعيان، ومحصله: أن موضوع الحكم الواقعي ذات الطبيعة أو الفعل المتعلق بها فهو مرسل، وموضوع الحكم الظاهري مقيد بالشك، والجمع بينهما في إنشاء واحد جمع بين المتناقضين، لاستحالة لحاظ الشئ مقيدا وغير مقيد. وبيانه: أن الاطلاق ان كان جمعا بين القيود تم ما ادعاه المصنف، لان معنى الرواية حينئذ: كل شئ بما هو طاهر وبما هو مشكوك طاهر أيضا، وتعدد المحمول هنا باعتبار تعدد الموضوع المستفاد من الاطلاق. وإن كان رفضا للقيود - كما هو الحق - و عدم تقيد الموضوع بحالة من حالاته، كان مدلول الرواية خصوص الحكم الواقعي، إذ مدلولها حينئذ طهارة ذات الشئ في تمام حالاته التي منها حالة كونه مشكوك الحكم، وهذا هو إطلاق 233
الحكم الواقعي المتحقق حال الشك، وحيث كان الحكم الظاهري مترتبا على الموضوع المشكوك حكمه الواقعي لا على ذات الموضوع و ان كانت مشكوكة لم يمكن استفادة الحكم الظاهري من الاطلاق، لوضوح التنافي بين اعتبار الماهية اللا بشرط القسمي واعتبارها بشرط شئ، ولأجل تقابلهما يمتنع لحاظهما في إنشاء واحد، ولا جامع بين التعينين، كما لا يعقل الاهمال من الحكيم الملتفت في مقام التشريع، هذا. مضافا إلى: أن إطلاق الشئ على طبيعة واحدة حقيقة بمجرد عروض الحالات المختلفة المتبادلة عليه كي يكون بلحاظ كل منها شيئا ممنوع عرفا، وإلا لزم أن يكون الشئ الواحد أشياء متعددة، فالماء و الماء المشكوك حكمه ليسا أمرين مختلفين، فطروء الشك لا يوجب تعددا في حقيقة الشئ عرفا، ولا اختلافا في الموضوع حتى يحكم على كل بما يناسبه. مثلا يطلق على (زيد) أنه شئ باعتبار ذاته، وليس باعتبار كونه ابن عمرو وأخا بكر وعم خالد أشياء أخرى، وإنما يتجه الاطلاق الأحوالي بالنسبة إلى الحالات الطارئة عليه كالعلم والجهل والفسق والعدالة ونحوها. وعليه فمنع أصل هذا الاطلاق الأحوالي ليس ببعيد. وثانيا: بما أورده المحقق الشيخ الحائري (قده) عليه من قوله: (يصير الحكم المجعول بملاحظة الشك لغوا، لان هذه القضية الجامعة لكلا الحكمين متى وصلت إلى المكلف يرتفع شكه من جهة اشتمالها على الحكم بطهارة جميع الأشياء بعناوينها الأولية، فلا يبقى له الشك حتى يحتاج إلى العمل بالحكم الوارد على الشك). وهذا الاشكال متجه في الشبهات الحكمية. والمناقشة فيه (بعدم لزوم اللغوية، لامكان عدم وصول الحكم الواقعي، فيكفي جعل الترخيص الظاهري المستفاد من الاطلاق) غير ظاهرة، إذ المفروض وصول كل منهما بنفس خطاب (كل شئ 234
طاهر) فكيف يحصل التفكيك في الوصول بين الطهارة الواقعية و الظاهرية، إذ مع علم المكلف بجعل الشارع المفروض دلالته على طهارة كل شئ واقعا يصير عالما، وبدون علمه بجعل الشارع لا يصير عالما. ولكنه لا يصح في الشبهات الموضوعية، إذ المفروض عدم صحة التمسك بالرواية لاثبات الحلية الواقعية والطهارة كذلك، لفرض ورود المخصص الموجب لتعنون العام بغير عنوان ما خرج، ولا مانع من التمسك بهما لاثبات حليته وطهارته ظاهرا، وهذا المقدار كاف في الخروج عن اللغوية. وثالثا: وهو عمدة الاشكالات بما محصله: تعدد رتبة الحكم الظاهري والواقعي، وتأخر الأول عن الثاني بمرتبتين، ومع تأخره لا يمكن إنشاؤهما بإنشاء واحد، فلا يعقل جعل (طاهر) محمولا للأشياء الواقعية بعناوينها وبعنوان الشك في حكمها، لتأخر الحكم الظاهري عن موضوعه - وهو الشك - المتأخر عن نفس الحكم الواقعي، ومع عدم جعل الحكم الواقعي لا معنى لتعلق الشك به حتى يتحقق موضوع الحكم الظاهري. ولو أريد تعميم مفاد المحمول لكل من الطهارتين لزم صيرورة المحمول جزا لموضوع نفسه ومحققا له، مع وضوح تقدمه عليه بما له من القيود، فان (طاهر) لو حمل على طبيعة الماء بعنوانها دل على الحكم الواقعي فقط، ولا مجال لإرادة الحكم الظاهري منه. ولو حمل على الماء بعنوان المشكوك حكمه لم يكن محمول آخر ليراد منه الحكم الواقعي. مضافا إلى لزوم كون المحمول جز الموضوع، فلو كان مدلول الرواية هكذا: (الماء طاهر بعنوانه الأولي - أي مع الغض عن تعلق العلم والجهل به - ومع الشك في طهارته المجعولة بنفس هذا الجعل طاهر أيضا) تم ما أراده المصنف (قده) لتعدد الدال والمدلول حينئذ، ولكن قد عرفت أن المحمول الواحد لا يترتب إلا على موضوع كذلك. فان قلت: يمكن أن ينشأ الحكمان في المقام كإنشاء الحكم الترخيصي الظاهري 235
للمشكوك، والحكم التحريمي الواقعي للتصرف في مال الغير من قولهم عليهم السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه) فإنه متضمن لحكمين أحدهما واقعي وهو الإباحة مع الطيب، والاخر ظاهري وهو الحرمة حال عدم إحراز رضا المالك، والأول مدلول الكلام المطابقي، والثاني مدلوله بالملازمة العرفية، فان العرف يستفيد من تعليق حكم على أمر وجودي الملازمة بين ضد ذلك الحكم عند الشك في ذلك الامر الوجودي، ولذا يحكم بانقلاب الأصل في الأموال إلى أصالة الاحتياط. وفي المقام يستفاد حكمان أحدهما واقعي وهو (كل شئ لك حلال) والاخر ظاهري وهو الإباحة الظاهرية المستفادة من تعليق الحرمة على الامر الوجودي، وعليه فلا مانع من إنشاء حكمين بإنشاءين، لتعدد الدال عليهما. قلت: - مضافا إلى أجنبية هذا البيان عما صرح به المصنف من استفادة الطهارتين من المغيا، وانحصار مدلول الغاية بالاستصحاب خاصة - أن الملازمة العرفية المدعاة على تقدير تسليمها تكون فيما إذا كان المعلق عليه أمرا خارجيا غير العلم والجهل كالغليان وطيب النفس، لاستحالة أخذ العلم موضوعا لحكم متعلقه. مع أن الحكم المعلق على الامر الوجودي في المقام هو الحرمة لا الترخيص. والحاصل: أن إشكال تعدد الرتبة مانع من استظهار الحكمين من المغيا. والمناقشة فيه بما أفاده بعض المدققين بمنع البناء وتلميذه المحقق بمنع المبنى لا تخلو من تأمل، فراجع كلاميهما متدبرا فيهما. وقد تحصل مما تقدم: أن ما استفاده المصنف (قده) من المغيا في الحاشية لا يخلو من غموض، ولعله لذا عدل إلى ما في المتن من عدم التمسك بإطلاق (الشئ) والتزم بدلالته على الحكم الواقعي خاصة و ان كان هذا أيضا محل تأمل كما سيظهر. وأما استظهار حجية الاستصحاب من الغاية فلا يخلو من تأمل أيضا، لان 236
حقيقة الاستصحاب جر الحكم الثابت واقعا تعبدا لا حقيقة، ومن المعلوم أن هذا الابقاء والاستمرار معنى اسمي ينظر إليه بالاستقلال، و تتوقف استفادته من الكلام على إنشائه بالمعنى الاسمي والدلالة عليه كذلك، بأن يقول: (كل ماء طاهر وتستمر طهارته إلى العلم بالقذارة) أو (كل ماء طاهر طاهر حتى تعلم أنه قذر) مما يدل على لحاظ الابقاء في عمود الزمان مستقلا. ولكن المفروض استفادة الاستصحاب من (حتى) ونحوه، ومن المعلوم أن الغاية من شؤون المغيا وتوابعه، ولا تدل إلا على خصوصية في غيرها كسائر المعاني الحرفية الدالة على النسب والارتباطات القائمة بالمفاهيم الاسمية. وحيث كان المعنى الحرفي سنخ وجود لا يتصور له وجود نفسي لا جوهرا ولا عرضا لكونه ملحوظا فانيا في الغير، انحصر مدلول الغاية بتخصص المغيا - أعني كل شئ طاهر - بخصوصية الامتداد و الاستمرار في زمان الجهل، بمعنى دلالة الكلام المشتمل على الغاية على كون المجعول هو المغيا الخاص أي الممتد إلى حصول العلم بالخلاف، وليس مدلوله إنشاء أمرين مستقلين أحدهما جعل أصل الطهارة لكل شئ، والاخر جعل استمرارها إلى الغاية المحدودة كما أفاده المصنف (قده) كي تتعدد دلالة الحديث على حكمين، هذا. مضافا إلى: أن المجعول بأدلة الاستصحاب كما عرفت هو إبقاء ما ثبت أي التعبد ببقاء الامر الثابت حكما كان أو موضوعا، وهذا المعنى لا يستفاد من مثل (كل شئ طاهر حتى تعلم) لظهوره في جعل الطهارة المستمرة إلى زمان العلم بالخلاف. مع وضوح الفرق بين جعل الطهارة البقائية وبقاء الطهارة المفروغ عن ثبوتها، إذ الاستصحاب هو الثاني دون الأول، وحيث لم يكن أصل الثبوت مفروغا عنه بل المجعول هو ثبوت الطهارة الممتدة - لفرض استظهار الحكم الواقعي من المغيا - أشكل الاستدلال بها على الاستصحاب. بل قد يشكل دلالة الغاية على الاستصحاب بما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) 237
من أن الاستصحاب لا يكون إبقاء لمطلق الطهارة الثابتة في المغيا، بل خصوص الواقعية كي يتعبد ببقائها ظاهرا. وإرجاع الغاية إلى الجامع بين الطهارتين أي الحكم باستمرار كل منهما ممنوع، فان الاستصحاب هو الأول لا الثاني، لكفاية نفس الشك فيه في الحكم بطهارة الشئ ظاهرا. وإرجاع الغاية إلى بعض أفراد الجامع تفكيك في مفاد المغيا الدال على الطهارتين بلا موجب. وقد تحصل من مجموع ما تقدم: أن الجمع في مفاد روايات الحل و الطهارة بين الحكم الواقعي والظاهري والاستصحاب كما اختاره المصنف في الحاشية كالجمع بين الأخيرين وهما قاعدتا الطهارة و الاستصحاب كما ذهب إليه صاحب الفصول على أحد الاحتمالين في كلامه كالجمع بين الحكم الواقعي والاستصحاب كما صنعه في المتن غير ظاهر. وعليه فالحق ما عليه المشهور وجل من تأخر عن المصنف من عدم دلالتها إلا على قاعدتي الحل والطهارة، وذلك لان الصدر وان كان ظاهرا في بيان الحكم الواقعي خاصة، لكون (شئ) مشيرا إلى ذوات الأعيان الخارجية والأحكام المتعلقة بها، إلا أن الذيل - وهو حتى تعلم - قرينة على إرادة الشئ بعنوان كونه مشكوك الحكم بعد وضوح امتناع تقيد الحكم الواقعي بالعلم بالخلاف، وذلك لانطباق ضابط القرينة على الغاية دون الصدر، لان كل ما يتكفل لبيان قيام العرض بالمحل كالفعل والفاعل والمبتدأ والخبر فهو ذو القرينة و هو ركن الكلام، وكل ما يتكفل لبيان الملابسات ويرجع إلى كيفية قيام العرض بالمحل فهو القرينة، فإذا قال: (جاء زيد راكبا) كان الفعل والفاعل ذا القرينة والحال قرينة، لأنه يتعرض لكيفية قيام العرض وهو المجئ بالمعروض، وكحديث (لا تعاد) بالنسبة إلى أدلة الاجزاء والشرائط، فإنه يتكفل كيفية دخل الجز والشرط من حيث إطلاق الدخل أو الاختصاص بحال الذكر إلا في الخمسة المستثناة. وهذا الضابط ينطبق على المقام، لتكفل المغيا لثبوت المحمول لذات الموضوع، 238
ولكن الذيل يتكفل لكيفية ثبوت المحمول للموضوع وأنه ليس ثابتا لذاته، بل ثبت لها مقيدة بالشك، فكأنه قال: (مشكوك الحل و الحرمة حلال، ومشكوك الطهارة طاهر) فلا تبقى غاية حتى يستفاد منها الاستصحاب، لفرض كونها قيدا للموضوع وهذا معنى قول الشيخ (قده): (بأن الغاية لا مذكورة ولا مقصودة). ويزيد ما ذكرناه وضوحا ما أفاده شيخنا المحقق العراقي (قده) من ظهور الغاية في استمرار المغيا حقيقة لا ادعاء، وهذا يتوقف على إرادة خصوص القاعدة دون الحكم الواقعي والاستصحاب، بداهة أن استمرار الشئ حقيقة لا بد أن يكون في مرتبة ثبوت الشئ، مع أن بقاء الحكم بالاستصحاب بقاء تعبدي ادعائي لا حقيقي، فلا بد من رفع اليد عن ظهور الغاية في الاستمرار الحقيقي، وهو بلا موجب بعد إمكان الاخذ بظاهره، ولا ريب في استمرار الطهارة الظاهرية حقيقة إلى أن يعلم بالخلاف. هذا كله ما يتعلق بالاحتمال الأول والثاني اللذين اختارهما المصنف في المتن والحاشية. الاحتمال الثالث: ما أفاده صاحب الفصول (قده) لكن استظهر المصنف في الحاشية أنه قائل بما اختاره هو فيها، لا ما استظهره شيخنا الأعظم من كلامه من إرادة القاعدة والاستصحاب. ولا تخلو دعوى المصنف عن قوة بعد مراجعة كلامه، قال في الفصول: (الخامس: قد دلت جملة من الاخبار على حجية الاستصحاب في موارد خاصة كقوله عليه السلام: كل ماء طاهر. إلى أن قال: ثم اعلم أن الروايتين الأوليين تدلان على أصلين، الأول: أن الحكم الأولي للمياه أو الأشياء هو الطهارة ولو بحسب الظاهر عند عدم العلم بالنجاسة، وهذا لا تعلق له بمسألة الاستصحاب وان تعلق به جملة من أحكامها. الثاني: أن هذا الحكم مستمر إلى زمن العلم بالنجاسة، و هذا من موارد الاستصحاب وجزئياته). وظاهر قوله: (ولو بحسب الظاهر) يوافق ما استظهره المصنف (قده) من دلالة 239
الروايات على أمور ثلاثة، إذ لو كان مقصوده استفادة الطهارة الواقعية خاصة لم يصح التعبير بقوله: (ولو بحسب الظاهر) ولعل حكاية شيخنا الأعظم (قده) كلام الفصول بقوله: (الحكم الأولي للأشياء هي الطهارة مع عدم العلم بالنجاسة) لأجل أن الشيخ استفاد منه إرادة أصالة الطهارة. وكيف كان، فان كان المقصود استظهار الأمور الثلاثة فيرد عليه جميع ما أورد على مختار المصنف في الحاشية بناء على استفادة الطهارتين من المغيا بالبيان المتقدم من المصنف. وان كان المقصود ما استفاده الشيخ الأعظم (قده) توجه عليه ما تقدم في المتن من استلزامه استعمال اللفظ في معنيين. الاحتمال الرابع، ما أفاده الشيخ (قده) من دلالة رواية حماد خاصة على الاستصحاب دون موثقة عمار. ولعل الفرق بينهما من جهة أن حكم الماء بحسب خلقته الأصلية هي الطهارة، فتكون نجاسته عرضية بالملاقاة أو بتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة، فجعل الشارع طهارته الواقعية ممتدة تعبدا إلى زمان العلم بالقذارة وهو عين الاستصحاب. وهذا بخلاف طهارة كل شئ، لعدم كون الأصل في خلقته الطهارة كما هو واضح، فالمجعول هو الطهارة المستمرة من زمان التعبد بها إلى زوال الموضوع بتبدل الشك بالعلم بأحد الطرفين، و هذا هو الطهارة الظاهرية، وليس إبقاؤها استصحابا لها، لأنه إبقاء للطهارة الواقعية عنوانا. هذا محصل الفارق بين الروايتين. ونوقش فيه: (بأن مجرد الفراغ عن طهارة الماء لكونه مخلوقا على الطهارة لا يوجب كون التعبد بالطهارة وإبقائها بعين هذا التعبد تعبدا استصحابيا، بل التعبد الاستصحابي هو الابقاء استنادا إلى ثبوته سابقا، لا الابقاء في مورد الثبوت سابقا، فالرواية من حيث غايتها وان كانت تفارق قيام البينة من حيث إن مفادها الابقاء إلى حصول الغاية، إلا أنه ليس كل إبقاء استصحابا، فتدبره، فإنه حقيق به). 240
الاحتمال الخامس: ما أفاده صاحب الحدائق من دلالة موثقة عمار و نحوها على طهارة الأشياء واقعا، وإناطة النجاسة بالعلم بها، قال (قده): (ان ظاهر الخبر المذكور أنه لا تثبت النجاسة للأشياء ولا تتصف بها إلا بالنظر إلى علم المكلف، لقوله عليه السلام: فإذا علمت فقد قذر بمعنى أنه ليس التنجيس عبارة عما لاقته عين النجاسة واقعا خاصة، بل ما كان كذلك وعلم به المكلف، وكذلك ثبوت النجاسة لبشئ إنما هو عبارة عن حكم الشارع بأنه نجس وعلم المكلف بذلك، وهو خلاف ما عليه جمهور أصحابنا رضوان الله عليهم). ولعله استفاد هذا المعنى من مقابلة القذر للنظيف، وحيث إن ظاهر القذارة الفعلية المنوطة بالعلم بها هي الواقعية فبقرينة المقابلة لا يراد من النظيف إلا الواقعي أيضا. لكنه ممنوع، فان ظاهرها ترتب حقيقة النجاسة الظاهرة في فعليتها - لا في اقتضائها - على الموضوعات بذواتها لا بما هي معلومة. بل نفس المقابلة بين القذر والطاهر ظاهرة في إرادة الفعلي كما هو شأن كل عنوان مأخوذ في لسان الدليل، والمراد بالقذر المعلوم أي المؤثر في ترتيب أحكامه عليه، ويؤيده قوله عليه السلام: (وما لم تعلم فليس عليك) فإنه مع كون القذر فعليا قد سلبت أحكامه عنه. ويقابل هذا الاحتمال بتمام المقابلة دعوى طريقية العلم بالقذارة بأن يكون المعنى (كل شئ طاهر حتى يتقذر) بعروض النجاسة عليه، فليس العلم إلا كاشفا عن الواقع، كما هو أحد القولين في قوله تعالى: (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) فان مفاده جواز الأكل والشرب إلى طلوع الفجر لا إلى تبين طلوعه. لكنه خلاف الظاهر أيضا، إذ لا وجه لاسقاط العلم عن الموضوعية بعد ظهور الغاية في تحديد المغيا، والمتحصل من مجموع الكلام هو الطهارة الظاهرية التي هي قاعدة الطهارة لا غير. 241
هذا كله حال الاخبار العامة والخاصة التي استدل بها المصنف على الاستصحاب. ولا بأس بالتنبيه على نكتة أفادها الشيخ الأعظم (قده) بعد الفراغ عن الاستدلال بالمكاتبة، قال: (وقد عرفت عدم ظهور الصحيح منها وعدم صحة الظاهر منها، فلعل الاستدلال بالمجموع باعتبار التجابر و التعاضد). وهذا الكلام ان كان المراد منه الاعتماد في الاستدلال على دلالة الضعيف سندا وعلى سند الضعيف دلالة كي ينجبر ضعف كل منهما بالآخر فهو كما ترى، فان المقرر في محله جبر ضعف السند فقط بعمل المشهور، لايجاده الوثوق بالصدور، دون ضعف الدلالة، لأنها راجعة إلى الفهم العرفي. ويتوقف جبر ضعف سند المكاتبة مثلا على ظهور صحاح زرارة وتمامية دلالتها على المدعى، وحيث إن هذه الدلالة منوطة بالاستناد إلى ظهور المكاتبة - المفروض ضعفها سندا - فلا يخلو هذا التجابر من شبهة الدور، ضرورة انحصار الجابر في الحجة المتوقفة على اجتماع أمور ثلاثة فيها، وهي أصالة الصدور والدلالة والجهة، والمفروض أن شيئا من الصحاح والمكاتبة بنظر الشيخ غير واجد لجميعها، أما الصحاح فلاجمالها، وأما المكاتبة فلضعف سندها وان كانت ظاهرة الدلالة، ولكن لا عبرة بظهور كلام لم يثبت صدوره من الشارع، ولا يجبر ضعف سندها بالصحاح التي هي مجملة. إذ لا أثر للتعبد بصدور المجمل حتى يصلح لجبر ضعف غيره. وان كان المراد منه ما أفاده المحقق الميرزا الآشتياني (قده) في الشرح من (أن مقصود الشارع من هذه الأخبار بيان الاخذ باليقين السابق وعدم نقضه بالشك اللاحق، فمجموع الأخبار المعتبرة من حيث السند يدل على ذلك من دون انضمام غيرها إليها، فهذا الظن إنما تحقق من تراكم الاحتمالات مستندة إلى اللفظ.). فهو وان لم يرد عليه ما تقدم من الدور، لكن الظاهر أنه خلاف مقصود الشيخ (قده) فإنه انما ذكر هذه الجملة بعد الفراغ من الروايات التي لم تخل واحدة منها من 242
ضعف في الدلالة - وهو الصحيح سندا - أو في السند وهو المكاتبة، فيلوح منه الاحتمال الأول الذي استفاده القوم وأشكلوا عليه. ولعل الميرزا (قده) استفاد ما ذكره من مجلس الدرس. وكيف كان فقد عرفت وفاء جملة من الأخبار المعتبرة بحجية الاستصحاب، ونحن في غنى من دعوى التجابر، لان كلا منها دليل مستقل عليها. تتمة: لا بأس بالاستدلال بخبرين آخرين، أحدهما: ما رواه عبد الله بن سنان في إعارة الثوب للذمي، قال: (سأل أبا عبد الله عليه السلام رجل وأنا حاضر: إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرد علي فأغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال عليه السلام: صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه) قال الشيخ الأعظم: (وفيه دلالة واضحة على أن وجه البناء على الطهارة وعدم وجوب غسله هو سبق طهارته وعدم العلم بارتفاعها). و الظاهر أن وجه إهمال المصنف للاستدلال بها مناقشته في دلالتها في الحاشية من (احتمال كون عدم الاستيقان بالنجاسة هو تمام العلة للحكم بالطهارة، وإنما ذكر خصوصية المورد لبيان تحققها فيه، لا لخصوصية في خصوصيته) فالرواية بنظره دليل قاعدة الطهارة لا الاستصحاب. لكنه غير ظاهر، فان قوله عليه السلام: (وهو طاهر، ولم تستيقن أنه نجسه) ظاهر في دخل كلا الامرين في الحكم بالطهارة أعني سبق اليقين بها والشك الفعلي بعد رد الثوب، وما أفاده المصنف وان كان محتملا، إلا أنه لا سبيل للاعتماد عليه بعد دلالة الرواية بوضوح على ترتب الحكم بالطهارة على كل من اليقين السابق والشك اللاحق. والاخذ بذلك الاحتمال معناه إلغاء القيود والخصوصيات 243
المأخوذة في لسان الدليل، وهو مما لا يمكن الالتزام به. ولو كان المقصود بيان قاعدة الطهارة لا استصحابها لاقتصر عليه السلام في مقام الجواب بقوله: (لأنك شاك في نجاسته) فأخذه عليه السلام لقيد الطهارة حين الإعارة كاشف عن موضوعية الامرين للحكم بعدم وجوب الغسل، فالاستدلال بها على الاستصحاب في المورد تام. وثانيهما: رواية بكير (إذا استيقنت أنك توضأت فإياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنك أحدثت) ودلالتها على الاستصحاب في المورد ظاهرة كما أفاده شيخنا الأعظم (قده) فان في التحذير بقوله عليه السلام: (فإياك) عقيب الاستيقان بالوضوء دلالة على لزوم الجري على طبق اليقين السابق بالطهارة، وعدم الاعتناء بالشك في انتقاضها ما لم يستيقن بالحدث. وظاهر عدم تعليق المصنف في الحاشية على كلام الشيخ يدل على ارتضائه له. لكنه يختص بباب الوضوء، وغايته تسرية الحكم إلى الطهارات الثلاث، وأما سائر الأبواب فالتعدي إليها منوط بتمامية عدم الفصل كما ادعاه الشيخ في رواية عبد الله بن سنان، والمصنف في أخبار الحل والطهارة، و شيخنا المحقق العراقي في روايتي عبد الله بن سنان وبكير. لكن الظاهر عدم تماميته، لتوقفه على نفي التفصيل بين باب الطهارة و غيرها، وهو ممنوع، لذهاب السيدين - وهما الأصل في إنكار الاستصحاب - إلى اعتباره في مورد خبر بكير، بل تعديا إلى عكس المسألة، قال السيد في المسائل الناصريات: (لا تزول طهارة متيقنة بحدث مشكوك، هذا صحيح. وعندنا أن الواجب البناء على الأصل طهارة كان أو حدثا، فمن شك في الوضوء وهو على يقين من الحدث وجب عليه الوضوء، ومن شك في الحدث وهو على يقين من الوضوء بنى على اليقين. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر ذكره.). 244 ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الاخبار (1) فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الأقوال، والنقض والابرام فيما ذكر لها من الاستدلال. ولا بأس بصرفه (2) إلى تحقيق حال الوضع،
وقال السيد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية: (ولا يجوز الصلاة إلا بطهارة متيقنة، فإن شك وهو جالس في شئ من واجبات الوضوء استأنف، فان شك فيه فان نهض متيقنا لتكامله لم يلتفت إلى شك يحدث له، لان اليقين لا يترك بالشك) وهذا هو مضمون رواية بكير مع التعدي إلى اليقين بالحدث والشك في الوضوء. وقد صرح في مقدمة كتابه بعدم حجية الاستصحاب. ومع هذا كيف تتجه دعوى عدم الفصل؟ 245
للبحث عن جهات مرتبطة بالحكم الوضعي ككونه مجعولا بالاستقلال مطلقا أو بتبع التكليف كذلك، أو بالتفصيل كما اختاره، وكونها محصورة في عدد معين وعدمه، وغير ذلك مما سيظهر. ولا بأس قبل توضيح كلام المصنف بتحقيق نسبة التفصيل المعزي إلى الفاضل التوني بنقل جملة من كلامه، فإنه لا يخلو عن فائدة، فنقول مستعينا به عز وجل: قال فيما حكاه عنه شيخنا الأعظم: (ولتحقيق المقام لا بد من إيراد كلام يتضح به حقيقة الحال، فنقول: الأحكام الشرعية تنقسم إلى ستة أقسام. إلى أن قال: السادس: الأحكام الوضعية كالحكم على شئ بأنه سبب لأمر أو شرط له أو مانع له. فأما الأحكام الوضعية، فإذا جعل الشارع شيئا سببا لحكم من الأحكام الخمسة كالدلوك لوجوب الظهر والكسوف لوجوب صلاته والزلزلة لصلاتها، والايجاب والقبول لإباحة التصرفات والاستمتاعات في الملك والنكاح، وفيه لتحريم أم الزوجة، و الحيض والنفاس لتحريم الصوم والصلاة إلى غير ذلك، فينبغي أن ينظر إلى كيفية سببية السبب هل هي على الاطلاق كما في الايجاب و القبول. أو في وقت معين كالدلوك ونحوه. وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شئ، فان ثبوت الحكم في شئ من أجزأ الزمان الثابت فيه الحكم ليس تابعا للثبوت في جز آخر، بل نسبة السبب في محل اقتضاء الحكم في كل جز نسبة واحدة، وكذلك الكلام في الشرط والمانع. فظهر مما ذكرناه أن الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلا في الأحكام الوضعية أعني الأسباب والشرائط والموانع للأحكام الخمسة من حيث إنها كذلك، ووقوعه في الأحكام الخمسة إنما هو بتبعيتها، كما يقال في الماء الكر المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره من قبل نفسه، فإنه يجب الاجتناب عنه في الصلاة، لوجوبه قبل زوال تغيره، فان مرجعه إلى أن النجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغيره فكذلك يكون بعده.). وبما نقلناه عن هذا الفاضل ظهر أن نسبة التفصيل في حجية الاستصحاب بين 246 وأنه (1) حكم مستقل بالجعل (2) كالتكليف أو منتزع (3) عنه وتابع له في الجعل، أو فيه (4) تفصيل حتى يظهر (5) حال ما ذكر هاهنا بين
247 التكليف والوضع من التفصيل (1)، فنقول وبالله الاستعانة: لا خلاف (2) كما لا إشكال في اختلاف التكليف والوضع مفهوما،
248 واختلافهما (1) في الجملة موردا (2)، لبداهة (3) ما بين مفهوم السببية أو الشرطية ومفهوم مثل الايجاب أو الاستحباب من المخالفة و المباينة. كما لا ينبغي (4) النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلى
249 التكليفي والوضعي، بداهة (1) أن الحكم وإن لم يصح تقسيمه إليهما ببعض (2) معانيه ولم يكد يصح إطلاقه (3) على الوضع، إلا (4) أن صحة تقسيمه بالبعض الاخر إليهما، وصحة (5) إطلاقه عليه بهذا المعنى (6) مما لا يكاد ينكر كما لا يخفى. ويشهد به (7) كثرة إطلاق الحكم عليه
250 في كلماتهم. والالتزام بالتجوز فيه (1) كما ترى. وكذا (2) لا وقع للنزاع في أنه محصور في أمور مخصوصة كالشرطية و السببية والمانعية كما هو المحكي عن العلامة (3)، أو مع زيادة العلية والعلامية (4)، أو مع زيادة الصحة والبطلان (5) والعزيمة
251 والرخصة (1)، أو زيادة غير ذلك (2) كما هو المحكي عن غيره،
252 أو (1) ليس بمحصور، بل كل ما ليس بتكليف مما له دخل فيه (2) أو في متعلقه (3) وموضوعه (4)، أو (5) لم يكن له دخل مما (6) أطلق عليه الحكم
253 في كلماتهم، ضرورة (1) أنه لا وجه للتخصيص بها (2) بعد كثرة إطلاق الحكم في الكلمات على غيرها. مع أنه (3) لا تكاد تظهر ثمرة مهمة علمية أو عملية للنزاع في ذلك (4)، وإنما المهم (5) في النزاع هو أن الوضع كالتكليف في أنه مجعول تشريعا بحيث يصح انتزاعه بمجرد إنشائه،
254 أو غير مجعول كذلك (1) بل إنما هو منتزع عن التكليف ومجعول بتبعه [1] وبجعله (2).
[1] لا يخفى ما في جعل الانتزاعية مساوقة للتبعية من المسامحة، ضرورة أن الأمور الانتزاعية لاحظ لها من الوجود، لكون الموجود خارجا أو اعتبارا هو منشأ الانتزاع، مع وضوح اقتضاء التبعية لتعدد الوجود المنوط بتعدد الايجاد كلوازم الوجود المجعولة بتبعه، و كتبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها بناء على الملازمة، فان المجعول متعدد حقيقة، لا أنه وجوب واحد ينسب إلى ذي المقدمة بالذات و إلى مقدمته بالعرض. وحيث إن المعاني الانتزاعية كما سيأتي بيانه لا تقرر لها إلا في الذهن، فاللازم التعبير بوجودها عرضا في قبال وجود ما ينتزع منه بالذات، لعدم كون المجعول بالعرض مجعولا حقيقة، ولا يصح إطلاق الوجود التبعي عليها المتقوم بتعدد المجعول حقيقة، غايته يتبع أحدهما الاخر. هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني بتوضيح منا. والظاهر تماميته، للفرق بين سنخي الوجود التبعي والعرضي كما أفاده، والمعنى الانتزاعي من الثاني لا الأول. وكلمات المصنف (قده) مختلفة، فعبر 255 والتحقيق أن ما عد من الوضع على أنحاء: منها: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل تشريعا أصلا لا استقلالا ولا تبعا و ان كان مجعولا تكوينا عرضا بعين جعل موضوعه كذلك (1).
تارة بأن الانتزاعيات موجودة عرضا، لقوله في الحاشية: (فيكون كل واحد منهما مجعولا بالعرض تشريعا بعين جعل الاخر بالذات، و هذا كما أنه جعل الماهية تكوينا موجبا لجعل لوازمها بالعرض كذلك بعين ذاك الجعل) وعليه فمقصوده من الجعل التبعي هنا هو الجعل العرضي، وقوله في المتن: (وان كان الصحيح انتزاعه من إنشائه وجعله) يدل عليه أيضا. وعبر أخرى بما يدل على تعدد الوجود كما هو ظاهر كلامه في بحث الأقل والأكثر الارتباطيين: (وان الجزئية مسببة عن التكليف، بداهة أن السببية والمسببية تقتضيان الاثنينية لا الاتحاد والعينية) وهذا كما ترى لا يلائم الوجود العرضي المدعى هنا. ومع هذا التهافت بين الكلامين يشكل توجيه التبعية التي اصطلح عليها هنا، فتأمل في العبارة. 256 ومنها: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلا تبعا للتكليف (1). ومنها: ما يمكن فيه الجعل استقلالا بإنشائه وتبعا (2) للتكليف بكونه (3) منشئا لانتزاعه وإن كان الصحيح انتزاعه (4) من إنشائه و جعله، وكون التكليف من آثاره وأحكامه على ما يأتي الإشارة إليه.
257 أما النحو الأول (1) فهو
258 كالسببية (1) والشرطية (2) والمانعية (3) والرافعية (4) لما (5) هو سبب التكليف وشرطه ومانعه ورافعه، حيث إنه (6) لا يكاد يعقل
260 انتزاع هذه العناوين لها من التكليف (1) المتأخر عنها ذاتا حدوثا (2) و ارتفاعا (3)، كما أن اتصافها (4) بها ليس إلا لأجل ما عليها من (5) الخصوصية
261 المستدعية لذلك (1) تكوينا، للزوم (2) أن يكون في العلة بأجزائها ربط خاص به (3) كانت مؤثرة [مؤثرا] في معلولها لا في غيره (4) ولا غيرها (5) فيه، وإلا لزم (6) أن يكون كل شئ مؤثرا في كل شئ (7). وتلك الخصوصية لا تكاد توجد فيها (8) بمجرد إنشاء مفاهيم
262 العناوين (1) وبمثل [) 2 ومثل] قول: (دلوك الشمس سبب [1]
[1] قد تكرر منه (قده) هنا وفي حاشية الرسائل إطلاق السبب على الدلوك والعقد مما جعله الشارع موضوعا لحكمه واعتباره، وحيث إن السبب الفاعلي بمعنى ما منه الوجود سواء أكان في الحكم التكليفي أم الوضعي هو شخص الحاكم والمعتبر، فليس المراد بالسبب ما يرادف العلة التي يكون المعلول رشحا لها، وإلا لزم عدم كون المسبب - وهو الوجوب والحرمة - فعلا اختياريا للشارع، وهو بديهي البطلان. مضافا إلى: أن السببية غير قابلة للجعل لا تكوينا ولا تشريعا، لأنها الرشح القائم بذات السبب، وهو كسائر لوازم الماهية لا تنالها يد الجعل التكويني فضلا عن التشريعي. وعليه فلا بد أن يراد بالسبب ما يكون شرطا أو معدا مما يوجب الدعوة للانشاء، فمثل أوقات الصلوات والموسم ومالكية النصاب ليست أسبابا وعللا حقيقية لوجوب الفرائض اليومية والحج والزكاة، وإنما هي شرائط الجعل. والقيود المأخوذة في موضوعات الأحكام الشرعية من هذا القبيل، لكنهم اصطلحوا على كل أمر دخيل في التكليف بالشرط وفي الوضع بالسبب، كقولهم: (الملاقاة سبب للنجاسة، والعقد سبب للملكية، و الدلوك شرط لوجوب الصلاة، والاستطاعة لوجوب الحج) ولا مشاحة في الاصطلاح، وان كان الأولى التعبير بالموضوع مطلقا. فان كان هذا مقصود المصنف من السبب فهو صحيح، واللازم حينئذ الاقتصار 263 لوجوب الصلاة) إنشاء (1) لا إخبارا، ضرورة (2) بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل إنشاء السببية له من كونه واجدا لخصوصية مقتضية لوجوبها، أو فاقدا لها (3)،
على الشرط والمانع، وإخراج السبب عن محل البحث. لكن قد يأباه تصريحه بأن سببية الدلوك والعقد ناشئة من خصوصية ذاتية فيهما أوجبت انتزاع السببية منهما لا عن الحكم الشرعي المترتب عليهما، و كذا قوله في آخر كلامه: (فظهر بذلك أنه لا منشأ لانتزاع السببية و سائر ما لأجزأ العلة) الظاهر في إرادة المقتضي المقابل للشرط و المانع. فتأمل في العبارة. 264 وأن (1) الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما (2) يدعو إلى وجوبها، ومعه (3) تكون واجبة لا محالة وان لم ينشأ السببية للدلوك أصلا. ومنه (4) انقدح أيضا عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من إيجاب الصلاة عنده (5)، لعدم اتصافه (6) بها بذلك ضرورة. نعم (7) لا بأس
265 باتصافه (1) بها عناية، وإطلاق (2) السبب عليه مجازا، كما لا بأس (3) بأن يعبر عن إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوك مثلا بأنه سبب لوجوبها، فكني [فيكنى] به (4) عن الوجوب عنده. فظهر بذلك (5): أنه لا منشأ لانتزاع السببية وسائر ما لأجزأ العلة (6) للتكليف إلا عما [[1] ما] هي عليها (7) من الخصوصية الموجبة لدخل
[1] كلمة المجاوزة زائدة، إذ العبارة هكذا: لا منشأ لانتزاع السببية. الا 266 كل (1) فيه على نحو غير دخل الاخر (2)، فتدبر. [1]
الخصوصية الموجبة لدخل كل واحد من أجزأ العلة في التكليف. [1] ينبغي قبل النظر في كلام المصنف التنبيه على أمر محصله: أن الموجودات منحصرة بلحاظ وعاء تقررها في أقسام ثلاثة، لأنها إما خارجية وإما ذهنية وإما اعتبارية. أما الأول وهو ما يكون موجودا في عالم العين فإما أن يكون موجودا في نفسه لنفسه بغيره وهو أنواع الجواهر من الجسم والنفس و العقل وغيرها، وإما أن يكون موجودا في نفسه لغيره بغيره أي لموضوعه، وهذا نحو تقرر المقولات العرضية الموجودة بوجود رابطي عدا مقولة الإضافة. وأما الثاني فهو ما يكون ظرف تقرره وتحصله الذهن كالكلية والجزئية والنوعية والجنسية والفصلية ونحوها، فان معروضات هذه الاعتبارات الذهنية والمعقولات الثانية التي هي من الخارج المحمول أمور ذهنية لا عينية لكن بنحو القضية الحينية - لا المشروطة - كما عبر به بعض المدققين. وأما الثالث فهو ما يكون ظرف تقرره عالم الاعتبار، وهذا القسم وان لم يكن له حظ من الوجود الخارجي ولا الذهني الزائل بالذهول وغفلة النفس عنه، إلا أن له تقررا جعليا حاصلا بتباني العقلاء و تعاهدهم على فرض الوجود له بداعي كونه منشأ للآثار، فصقع الاعتبار برزخ بين وعاءي الوجودين العيني والذهني والشاهد على وجود هذا القسم من الموجودات ظهور الآثار المترتبة عليها، لامتناع ترتبها على العدم المحض. واعتبارات العقلاء فيما يحتاجون إليه من الأمور الاقتصادية و السياسية لحفظ 267
النظام كالملكية والزوجية والحرية والرقية والضمان والولاية و القضاوة ونحوها كلها من الموجودات في عالم الاعتبار الحاصلة بتباني العقلاء عليها. وكذا الأحكام الشرعية، فإنها أمور اعتبارية سواء أكانت تأسيسية كما في الأحكام المتعلقة بالماهيات المخترعة من الصلاة والصيام و الحج ونحوها، أم إمضائية كما في كثير من الاعتباريات المتداولة بين العقلاء كالبيوع. وأما متعلقات الاحكام من الماهيات المخترعة فهي وان كانت مما اعتبرها الشارع وعين حدودها، إلا أن صدق الحكم الوضعي عليها لا يخلو من تعسف. وأما الأمور الانتزاعية فحيث إنها اعتبارات متقومة بالتصور ليس لها ما يحاذيها في الخارج أو في وعاء الاعتبار فهي غير موجودة بالذات، وإنما يكون التقرر لمنشأ الانتزاع، ولذا تعد من الخارج المحمول، سواء انتزعت من الحقائق المتأصلة الخارجية كانتزاع عنوان العلية والمعلولية من ذات العلة والمعلول الخارجيتين، والفوقية المنتزعة من ذات السقف لا من عرض قائم به كما قيل. أم من قيام عرض بمحل كالأبيضية المنتزعة عن الجدار الأبيض، وكذا من قيام المقولات بمحالها. أم من الأمور الاعتبارية كانتزاع السببية من العقد المملك في وعاء الاعتبار، لوضوح عدم ترتب الملكية تكوينا على الايجاب والقبول، وإنما هو بالجعل والاعتبار، و عليه فوجود الاعتبارات الانتزاعية بالعرض لا بالتبع. وقد تحصل مما تقدم اختلاف الحكم الشرعي والامر الانتزاعي حقيقة، وعدم جامع بينهما، وأن عد بعض الأمور من الأحكام الوضعية مع كونها اعتبارات ذهنية محضة - لعدم تطرق الجعل إليها لا أصالة و لا تبعا - غير ظاهر. كما ظهرت المسامحة في عد بعض الوضعيات المستقلة في الجعل كالملكية والزوجية من الانتزاعيات. إلا أن يوسع في المعنى الانتزاعي بشموله للموجودات الاعتبارية أيضا. لكنك عرفت الاختلاف بين سنخي الوجودين، ولا ينبغي الخلط بينهما. 268
إذا عرفت ما ذكرناه تعرف أن ما أفاده المصنف (قده) - من انتزاع السببية من ذات السبب وكونها من خارج المحمول - لا يخلو من شئ، لما أفيد من أنه خلط بين موضوعات التكاليف وملاكاتها، فان الخصوصية التكوينية المقتضية لتشريع الحكم وان امتنع انتزاعها عن الحكم، لتأخره عنها، إلا أنه ليس محل البحث، إذا الكلام في سبب المجعول لا الجعل، ومن المعلوم عدم ترتب الحكم على موضوعه إلا بعد وجوده وفعليته، ويكون تأخره عنه رتبيا لا زمانيا، وهو بمنزلة المعلول في عدم انفكاكه عن العلة زمانا، وحينئذ يكون منشأ انتزاع السببية - أعني الحكم - مقارنا لوجود الموضوع. وأورد المحقق الأصفهاني على المصنف (قدهما) بعد نفي سببية الدلوك وكونه شرطا أو معدا حقيقة - كما تقدم في بعض التعاليق - بما محصله: أن الشرط إما مصحح فاعلية الفاعل أو متمم قابلية القابل، والشرطية إما أن تكون ماهوية كاستعداد طبيعة النار باستعداد ماهوي للاحراق إذا كانت محاذية للمحترق مع خلوه عن الرطوبة ولو لم يكن في العالم نار ولا إحراق. وإما تكوينية وهي ظرف وجود الشرط والمشروط خارجا كتحقق النار والوضع والمحاذاة ويبوسة المحل خارجا، وكتحقق الصلاة عن طهارة، حيث ينتزع عنوان الشرطية والمشروطية مما هو موجود بالذات. ولا كلام في هذين النحوين. إنما الكلام في الجعل القائم بالشارع، فالصلاة كما أنها مشروطة واقعا بالطهارة، لدخلها في فاعلية الصلاة في النهي عن الفحشاء أو في قابلية النفس للتأثر بأثرها، كذلك لها شرطية أخرى حاصلة بتعلق الامر بها بمثل (صل متطهرا) إذ لولا دخلها في ذلك كان تقييد الطلب والبعث بها لغوا، وأخذها كاشف عن دخلها في الغرض، ومن المعلوم أن شرطية الطهارة للمطلوب بما هو مطلوب منوطة بتقيد الطلب وإناطة المطلوب بها، إذ مع إطلاق الطلب لا تتصف الطهارة إلا بالشرطية للغرض لا للمطلوب كما هو واضح، هذا في الشرطية للواجب و المتعلق. 269 وأما النحو الثاني (1) فهو
وكذا في الشرطية للتكليف، فالدلوك مثلا كما أنه شرط تأثير المصلحة المقتضية لايجاب الصلاة كذلك شرط لكون إنشاء الامر بالصلاة مصداقا حقيقيا للبعث، ومن المعلوم أن اتصاف الدلوك بالمصداقية للانشاء بداعي جعل الداعي لا موقع له إلا مرحلة الطلب المنوط بالدلوك، وهو أمر زائد على توقف تأثير المصلحة عليه، فالدلوك كالطهارة، فكما أنها ما لم يتقيد الامر بها لا تتصف بالشرطية للواجب كذلك دلوك الشمس، فهو متمم قابلية الانشاء لانتزاع البعث منه. وبهذا ظهر أن ما لا يقبل الجعل هو العلية بمعنى دخل شئ في التأثير واقعا، فإنها ماهوية لا جعلية تكوينا ولا تشريعا، وما يقبل الجعل هو الدخل في اتصاف الانشاء بكونه بعثا حقيقيا، فإنها مجعولة بتبع جعل منشأ الانتزاع. وهذا إشكال متين، وعليه فما أفاده المصنف في القسم الأول من عدم تطرق الجعل إليها لا يخلو من شئ. 270 كالجزئية (1) والشرطية والمانعية والقاطعية لما هو جز (2) المكلف به وشرطه (3) ومانعه (4) وقاطعه (5)، حيث (6) ان اتصاف شئ بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلا بالامر بجملة أمور (7) مقيدة بأمر وجودي (8)
272 أو عدمي (1)، ولا يكاد يتصف شئ بذلك - أي كونه جزا أو شرطا (2) للمأمور به - إلا بتبع ملاحظة الامر بما (3) يشتمل عليه مقيدا بأمر (4) أخر، وما لم يتعلق بها (5) الامر كذلك لما كاد اتصف (6) بالجزئية (7) أو الشرطية
273 وان أنشأ الشارع له (1) الجزئية أو الشرطية. وجعل (2) الماهية و أجزائها ليس إلا تصور [تصوير] ما فيه المصلحة المهمة الموجبة للامر بها، فتصورها [فتصويرها] بأجزائها وقيودها لا يوجب اتصاف شئ منها بجزئية المأمور به أو شرطيته [شرطه] قبل الامر بها (3)، فالجزئية للمأمور به أو الشرطية له إنما ينتزع لجزئه أو شرطه (4) بملاحظة الامر به بلا حاجة إلى جعلها (5)
274 له، وبدون الامر به (1) لا اتصاف بها أصلا وان اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصور أو لذي المصلحة (2) كما لا يخفى. [1]
[1] فرق شيخنا المحقق العراقي (قده) بين الجزئية والشرطية بانتزاع الأولى من التكليف دون الثانية، وذلك لان الجزئية الحقيقية منتزعة من الوحدة الاعتبارية الطارئة على المتكثرات الناشئة من تعلق تكليف واحد بها، فالتكليف بالنسبة إليها محقق حقيقة المضاف و هي الجزئية وإضافتها إلى الواجب بحيث لولاه لا يكون منشأ لاعتبار أصل الجزئية للواجب، بل للملحوظ أو غيره. وهذا بخلاف الشرطية والمانعية، فإنهما أمران واقعيان منتزعان من الإضافة والربط الخاص بين الشئ وذات الواجب في المرتبة السابقة على تعلق التكليف، بحيث كان الوجوب قائما بالربط المزبور كقيامه بذات العمل، فهما كعنوان المقدمية للواجب، فان ما هو طرف إضافة المقدمية، وما يصدق عليه بالحمل الشائع أنه مقدمة يكون في رتبة 275
سابقة على تعلق الوجوب، ولذا يسري إليها الوجوب من ذي المقدمة بمجرد تعلقه به. نعم صدق عنوان (مقدمة الواجب) منوط بتعلق الخطاب بذي المقدمة ومتأخر عنه، لكن طرف هذه الإضافة وما هو بالحمل الشائع شرط أو مقدمة ليس متوقفا على تعلق الخطاب المقيد بذلك الشئ، لوضوح أن الشئ قد يكون قيدا لاخر وطرفا لإضافته ولو لم يكن في العالم حكم كالرقبة المؤمنة وزيد العالم. وعليه ففرق بين الجزئية للواجب والشرطية والمانعية له، إذ لا واقع للجزئية قبل الامر بالمركب، فانتزاعها منوط بتعلق الوجوب بعدة أمور. وأما الشرطية للواجب فتنتزع عن الخصوصية التكوينية القائمة بذات الشرط، وليست حكما وضعيا تابعا للتكليف. لكن لم يظهر مرامه رفع مقامه في الفرق بين الجزئية وبين الشرطية و المانعية، حيث إن مناط الاتصاف في جميعها هو الدخل التكويني في الغرض المترتب على المتكثرات، إذ لا يتصف شئ بالجزئية و الشرطية والمانعية إلا بهذا الدخل، ومن المعلوم أجنبية الطلب المتعلق بهذه المتكثرات عن الاتصاف بالجزئية الحقيقية، وكذا الشرطية والمانعية، لما مر من أن مناط هذا الاتصاف الحقيقي هو الدخل التكويني في الملاك، دون الامر الوجداني المتعلق بالمتكثرات. نعم اتصافها بالجزئية وغيرها لذي المصلحة بوصف كونه مأمورا به يتوقف على تعلق الامر الواحد بتلك المتكثرات، فالركوع جز حقيقي للصلاة، لدخله تكوينا في مصلحتها، وجز انتزاعي لها بعد تعلق الامر بالصلاة، فقبل الامر يكون الركوع جزا حقيقيا لذي المصلحة، وبعده يصير جزا انتزاعيا أيضا للمأمور به. وكذا الحال في الشرط والمانع، فان دخلهما تكوينا في الغرض أوجب اتصافهما بالشرطية والمانعية، فالإضافة والربط الخاص بين الجز والشرط و المانع وذات الواجب في الرتبة السابقة على تعلق الوجوب الشرعي ثابتة، كعنوان المقدمة، 276 وأما النحو الثالث (1) فهو
فان المحمول بالحمل الشائع عليها هو عنوان المقدمة. نعم لا يحمل عليها مقدمة الواجب، كما لا تتصف بالوجوب أيضا بناء على وجوبها إلا بعد تعلق الوجوب بذيها. فالمتحصل: أن الجزئية والشرطية والمانعية أمور واقعية غير متوقفة على تعلق الطلب بما يقوم به الغرض. نعم الاتصاف بالجزئية و نحوها للواجب منوط بتعلق الامر به، وهذا الاتصاف انتزاعي. فقد ظهر أنه لا فرق بين الجزئية وغيرها في الحقيقية والانتزاعية، و كلها على وزان واحد. ومما ذكرنا يظهر حال الرقبة المؤمنة وزيد العالم، فان قيدية المؤمنة للرقبة والعالم لزيد ثابتة قبل تعلق الوجوب بعتق الرقبة المؤمنة وبإكرام زيد العالم، وبعد تعلقه بهما يتصفان بقيديتهما لموضوع الواجب. 277 كالحجية (1) والقضاوة (2) والولاية (3)
279 والنيابة (1) والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك (2)، حيث إنها وان كان من الممكن (3) انتزاعها من الأحكام التكليفية التي تكون في مواردها - كما قيل - ومن (4) جعلها بإنشاء أنفسها، إلا (5) أنه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى، أو من بيده الامر (6)
280 من قبله جل وعلا لها (1) بإنشائها بحيث يترتب عليها آثارها، كما تشهد به (2) ضرورة صحة انتزاع الملكية والزوجية والطلاق و العتاق بمجرد العقد أو الايقاع ممن (3) بيده الاختيار بلا ملاحظة (4) التكاليف والآثار، ولو (5) كانت منتزعة عنها لما كاد يصح اعتبارها إلا بملاحظتها،
281 وللزم (1) أن لا يقع ما قصد ووقع ما لم يقصد. [1]
[1] لا يخلو من تأمل، أما أولا: فلان أسباب الأحكام الوضعية من الملكية والزوجية ونحوهما قد تكون قهرية كالموت الموجب لانتقال إضافة الملكية قهرا 282 كما لا ينبغي (1) أن يشك في عدم
وقد تكون اختيارية، وهي توجد تارة بالانشاء كجميع ما ينشأ بالعقود والايقاعات، وأخرى بالفعل الخارجي كحيازة المباحات الأصلية. ولا ريب في تحقق الحكم التكليفي في السبب القهري كالموت والاختياري غير الانشائي كالحيازة، ضرورة حكم الشارع بجواز تصرف الحائز للمباح الأصلي فيما حازه وعدم جواز تصرف غيره فيه إلا بإذنه، وتنتزع الملكية عن ذلك. وكذا في الإرث، لحكمه بجواز تصرف الوارث في مال المورث وعدم جواز تصرف غيره فيه، وان كان مدلول بعض الأدلة جعل الملكية بالأصالة بمثل (ما تركه الميت فلوارثه). وأما في العقود والايقاعات فلا يقع شئ من التكليف والوضع، لان حكم الشارع بسلطنة الناس على أموالهم منوط بموضوعه أعني إضافة الملكية، وهي غير متحققة، لعدم تأصلها بالجعل والاعتبار حسب الفرض، وما لم تتحقق هذه الإضافة لا معنى للسلطنة على المال. ومع عدم إفادة الانشاء لبشئ من الوضع والتكليف المترتب عليه يلزم كون صيغ العقود لقلقة لسان خالية عن الأثر، لا أن الواقع هو التكليف غير المقصود. وأما ثانيا: فلانه لو فرض وقوع التكليف بالعقد دون الوضع لم يلزم ما ذكره (قده) من عدم وقوع ما قصد، فان الامر الانتزاعي إذا كان منشأ انتزاعه مجعولا تشريعيا كان مجعولا تبعيا عنده، وعليه فما قصد وقع تبعا وان كان ما وقع بالأصالة وهو التكليف غير مقصود، ولكن وقوع التكليف بدون قصد المتعاقدين لا يتوقف على قصد وقوعه، لعدم كونه مسببا عن إرادة المكلف، فإنه حكم شرعي منوط بتحقق موضوعه، ومن المعلوم أن الأصالة والتبعية ليستا دخيلتين في المجعولية ولا في كونهما مقصودتين. 283 صحة انتزاعها (1) عن مجرد التكليف في موردها، فلا (2) ينتزع الملكية عن إباحة التصرفات، ولا الزوجية من جواز الوطء، وهكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود والايقاعات (3). فانقدح بذلك (4) أن مثل هذه الاعتبارات إنما تكون مجعولة بنفسها يصح انتزاعها بمجرد إنشائها (5) كالتكليف، لا مجعولة بتبعه و منتزعة عنه. وهم ودفع، أما الوهم (6) فهو: أن الملكية كيف جعلت من
285 الاعتبارات الحاصلة بمجرد الجعل والانشاء التي تكون من خارج المحمول (1)، حيث (2) ليس بحذائها في الخارج شئ، وهي (3) إحدى المقولات المحمولات بالضميمة (4) التي لا تكاد تكون
286 بهذا السبب (1) بل بأسباب أخر كالتعمم والتقمص والتنعل (2)، فالحالة الحاصلة منها للانسان هو الملك، وأين هذه (3) من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه؟ وأما الدفع (4)، فهو: أن الملك يقال بالاشتراك
287 على ذلك (1) ويسمى بالجدة أيضا (2)، وعلى (3) اختصاص شئ بشئ خاص، وهو (4) ناش إما من جهة إسناد وجوده إليه ككون العالم ملكا للباري جل ذكره (5)، أو من جهة الاستعمال والتصرف فيه ككون الفرس
288 لزيد بركوبه له (1) وسائر تصرفاته فيه (2)، أو من جهة إنشائه (3) و العقد مع من اختياره (4) بيده كملك الأراضي والعقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعا وعرفا (5)، فالملك الذي يسمى بالجدة
289 أيضا (1) غير الملك الذي هو اختصاص خاص ناش من سبب اختياري كالعقد أو غير اختياري كالإرث (2) ونحوهما (3) من الأسباب الاختيارية وغيرها. فالتوهم إنما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضا [1 [4
[1] قد يقال: ان الملكية الاعتبارية تكون من سنخ الملكية الحقيقية أعني مقولة الجدة، بتقريب: أن الواجدية والإحاطة لها مراتب أقواها ملكية السماوات والأرضين له تعالى، وأي واجدية أقوى من واجدية العلة لمعلولها الذي يكون من مراتب وجودها، نظير واجدية النفس للصور المخلوقة لها، ودون هذه المرتبة واجدية أولي الامر صلوات الله عليهم أجمعين، لأنها من مراتب واجديته جل وعلا، ودونها واجدية الشخص لما يملكه وان لم يكن تحت تصرفه، ودونها الواجدية الحاصلة من إحاطة شئ ب آخر كالقميص المحيط بالبدن. لكن فيه أولا: أنه لا وجه لجعل الملكية الاعتبارية من مراتب الملكية الحقيقية 290 والغفلة (1) عن أنه بالاشتراك بينه (2) وبين الاختصاص الخاص و الإضافة [1] الخاصة الاشراقية كملكه تعالى للعالم،
مع أنه لا سنخية بينهما وان كان لكل منها مراتب. وثانيا: أن تنظير واجديته تعالى بواجدية النفس للصور والعلة للمعلول غير صحيح، لعدم كونه تعالى علة للكائنات، بل هو موجد لها بالإرادة والاختيار، ولا سنخية بين الواجب والممكن حتى يكون وجود الممكن من مراتب وجوده جل وعلا. وعليه فالملكية الاعتبارية العقلائية تغاير الحقيقية وليست من مراتبها. [1] الظاهر كون الواو عاطفة ل (الإضافة) على (الاختصاص) لكنه ليس كذلك، إذ ليس قوله: (والإضافة الخاصة) قسيما ومغايرا للاختصاص، بل هي بيان لاحد قسميه، وما ذكره هنا ملخص ما بينه بقوله: (وعلى اختصاص شئ بشئ خاص، وهو ناش إما من جهة اسناد وجوده إليه ككون العالم ملكا للباري جل ذكره. إلخ) فحق العبارة أن تكون هكذا (وبين الاختصاص الخاص الناشئ من الإضافة الاشراقية. أو المقولية. إلخ) وتوهم كون العطف تفسيريا فاسد، لكون الإضافة الاشراقية والمقولية منشأ للاختصاص لا عينه حتى يكون مفسرا له، فتدبر. 291 أو المقولية (1) كملك غيره [تعالى] لبشئ بسبب من تصرف و استعمال أو إرث أو عقد أو غيرهما من الأعمال (2)، فيكون (3) شئ ملكا لاحد بمعنى ولآخر بالمعنى الاخر، فتدبر (. [1 [4
[1] بقي الكلام في جملة من الأمور المختلف فيها، فمنها الصحة و الفساد فقيل بكونهما من الأحكام الوضعية، وقيل بكونهما من الأمور الواقعية غير المجعولة، وقيل بكونهما من الأمور الانتزاعية، وقيل بالتفصيل كما تقدم نقله عن المصنف، وله في الحاشية نظر آخر، فقال فيها: (وأما الصحة والفساد في العبادات فهما من قبيل لوازم الماهيات، وقد أشرنا إلى أنها تتبعها في الجعل تكوينا وتشريعا، فمعنى نفي الجعل فيهما نفيه عنهما مستقلا لا مطلقا). 292
والحق أن يقال بعدم كونهما من الأحكام الوضعية مطلقا سواء أكانت الصحة بمعنى الخصوصية المترتبة على الشئ بحسب طبعه كصحة الفواكه كالرمان، أم بمعنى التمامية كما هو المقصود بها في مسألة الصحيح والأعم. أما على المعنى الأول فلان الخصوصيات الكامنة في الأشياء أمور تكوينية غير قابلة للجعل، بل هي من دواعي الجعل و علله، فليست منتزعة عن الحكم الشرعي فضلا عن تعلق الجعل بها. وأما على المعنى الثاني فكذلك، إذ المقصود بالتمامية موافقة المأتي به للمأمور به الأولي وواجديته لجميع ماله دخل فيه شطرا و شرطا، ويقابلها مخالفته له، ومن المعلوم أنهما أجنبيتان عن الحكم الوضعي، لكونهما من أوصاف المأتي به، لا من شؤون المأمور به الداخلة في حيطة تصرف الشارع بما هو شارع. هذا في المأمور به الأولي. وكذا الحال في المأمور به الثانوي أو الظاهري كالصلاة بالوضوء منكوسا أو بالمسح على الخف، والصلوات العذرية المحرزة شرائطها بالامارات الشرعية والأصول العملية كموارد قاعدة التجاوز والفراغ و حديث (لا تعاد) ونحو ذلك كالحكم بصحة صلاة من أجهر في موضع الاخفات جهلا وبالعكس، فان غاية ما يمكن أن يقال في مجعولية الصحة بالأصالة في أمثالها هو كون الاجزاء حكم الشارع. لكنه غير ظاهر، ضرورة عدم تصرفه في مفهوم الصحة التي هي المطابقة، وإنما الاختلاف في موضوع الانطباق، فقد يكون ثابتا بالحكم الأولي، فصحته انطباق المأمور به بذلك الامر على المأتي به، وقد يكون ثابتا بالحكم الثانوي. وهو إما بمعنى جعل البدل المسمى بالقناعة في مقام الامتثال، وإما بتقييد الواقع، وعلى كلا التقديرين يكون التصرف الشرعي في ناحية المأمور به ومتعلق الخطاب، فتنتزع الصحة من مطابقة المأتي به مع ذلك المأمور به الثابت بدليل ثانوي، كما ينتزع الفساد من عدمها. 293
ومما ذكرنا يظهر غموض ما ادعاه المصنف (قده) في الحاشية (من كون الصحة في العبادات كلوازم الماهية تتبعها في الجعل تكوينا أو تشريعا) وذلك لوضوح انتزاع وصف الصحة من انطباق المأمور به بالامر الأولي أو الثانوي على المأتي به خارجا من دون تعلق جعل بها كما عرفت، بل جعل الصحة شرعا مع وجود الدليل الثانوي المبين لكيفية المأمور به المفروض انطباقه على المأتي به لغو، إذ نفس ذلك الدليل سواء أكان اجتهاديا كحديث (لا تعاد) أم أصلا عمليا كقاعدتي التجاوز والفراغ يقتضي كون مدلوله مأمورا به ومستلزما لأجزأ ما ينطبق هو عليه من الفرد الخارجي، وإلا كان الامر به لغوا. و بالجملة: فالاجزاء في ظرف انطباق الطبيعي المأمور به عقلي، فلا معنى لجعل الصحة شرعا إلا مع انكشاف الخلاف في بعض الموارد الكاشف عن عدم الامر كما لا يخفى. وعليه فما ذكرناه في مسألة الاجتماع من كون الصحة في المأمور به الثانوي أو الظاهري حكما شرعيا غير سديد، نعم لا بأس بما ذكرناه هناك من عدم كون الفساد حكما شرعيا، بل هو في جميع الموارد منتزع من عدم الانطباق، هذا كله في العبادات. وكذا الحال في المعاملات، فان صحتها منتزعة أيضا عن انطباق ما جعله الشارع تأسيسا أو إمضاء موضوعا للأثر الشرعي على الفرد المحقق في الخارج، فمع انطباقه عليه لا يعقل عدم صحته، للزوم الخلف، إذ يلزم عدم موضوعيته لما جعله الشارع موضوعا لحكمه، نظير الصلاة، فكما لا يعقل عدم الاجزاء مع انطباقها بجميع مالها من الاجزاء والشرائط على الفرد الخارجي، فكذلك لا يعقل في المعاملة التي جعلت موضوعا للأثر الشرعي مع انطباقها بما لها من القيود على ما وقع في الخارج، إذ عدم الاجزاء فيها أيضا مستلزم للخلف. والحاصل: أن الحق عدم مجعولية الصحة والفساد مطلقا من غير فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات، وبين الصحة والفساد الواقعيين والظاهريين، 294
فان انطباق الطبيعي على فرده قهري والاجزاء عقلي. ثم إن للمحقق الأصفهاني (قده) حاشية في المقام ينبغي ملاحظتها، و لم نتعرض لها رعاية للاختصار، والله تعالى هو الهادي إلى الصواب. ومنها: العزيمة والرخصة، وقد فسرتا بالمشروعية وعدمها أي بالسقوط على وجه الالزام وعلى وجه التسهيل. وهذا المعنى في الرخصة لا يرجع إلى الحكم التكليفي أعني الإباحة، كما تقدم في التوضيح، فلعل الأولى في معنييهما أن يقال: ان العزيمة سقوط الامر بجميع مراتبه كصلاة الحائض، والرخصة سقوطه ببعض مراتبه كاستحباب ما كان واجبا أو مستحبا مؤكدا. ومنها: الطهارة والنجاسة، فقيل كما عن قواعد الشهيد بكونهما حكمين تكليفيين، فالطهارة هي جواز الاستعمال في الأكل والشرب، و النجاسة هي وجوب الاجتناب عن الشئ استقذارا. وقيل بكونهما من الاعتبارات الوضعية المجعولة بالاستقلال كالملكية والزوجية و نحوهما. وهو مختار جمع من المحققين، وقيل بكونهما منتزعتين من الحكم التكليفي، من دون جعل لهما بالاستقلال كما يستفاد من بعض كلمات الشيخ الأعظم. وقيل بكونهما من الأمور الواقعية التي كشف عنهما الشارع. ونسب جمع منهم سيدنا الأستاذ تبعا لشيخيه المحققين الميرزا النائيني والعراقي هذا القول إلى الشيخ (قدس سرهم) والأصل فيه ما ذكره في كتاب الطهارة في النظر السادس قبل البحث في الأعيان النجسة بقوله: (وقد يطلق - أي الطهارة - على صفة حقيقية أو اعتبارية في الأجسام، ويقابلها بهذا المعنى النجاسة، فهي النظافة والخلو عن النجاسة، والنجاسة لغة القذارة، وشرعا قذارة خاصة في نظر الشارع مجهولة الكنه اقتضت إيجاب هجرها في أمور مخصوصة، فكل جسم خلا عن تلك القذارة في نظر الشارع فهو طاهر نظيف. ويظهر من المحكي عن الشهيد في قواعده أن النجاسة حكم الشارع بوجوب الاجتناب 295
استقذارا واستنفارا. وظاهر هذا الكلام أن النجاسة عين الحكم بوجوب الاجتناب، وليس كذلك قطعا، لان النجاسة مما يتصف به الأجسام، فلا دخل له في الاحكام. فالظاهر أن مراده أنها صفة انتزاعية من حكم الشارع بوجوب الاجتناب للاستقذار أو الاستنفار. وفيه: أن المستفاد من الكتاب والسنة أن النجاسة صفة متأصلة يتفرع عليها تلك الأحكام وهي القذارة التي ذكرناها، لا أنها صفة منتزعة من أحكام تكليفية، نظير الأحكام الوضعية المنتزعة منها كالشرطية والسببية والمانعية. ثم دعوى أن حكم الشارع بنجاسة الخمر لأجل التوصل إلى الفرار عنها، ولتزيد نفرة الطباع عنها ليست بأولى من دعوى أن حكمه بوجوب التنفر عنها لأجل قذارة خاصة فيها. إلخ). وهذه العبارة وان كانت ظاهرة في كونهما أمرين واقعيين كشف عنهما الشارع، لكنه (قده) في الرسائل في تعقيب كلام الفاضل التوني خالف ذلك، ففي العبارة المتقدمة عنه في التوضيح جعل الطهارة والنجاسة مرددتين بين كونهما من الاعتبارات المنتزعة عن التكليف ومن الأمور الواقعية، وفي موضع آخر قال في الرد على الفاضل: (وان كان - أي المستصحب - أمرا شرعيا كالطهارة و النجاسة فلا يخفى أن هذه الأمور الشرعية مسببة عن أسباب.) وقال بعده بأسطر: (فهما اعتباران منتزعان من الحكم التكليفي). وهذه الكلمات لا تخلو من تهافت مع ما أفاده في كتاب الطهارة، ضرورة أن جعلهما تارة حكمين شرعيين وأخرى اعتبارين منتزعين من التكليف ينافي كونهما أمرين واقعيين كشف عنهما الشارع، وحيث انه (قده) أحدث عهدا بكتاب الرسائل فلعله عدل عما اختاره في كتاب الطهارة الذي حكي تأليفه في أوائل أمره. وعليه فالنسبة المزبورة على إطلاقها غير مستقيمة. وكيف كان فقد أورد على ما أفاده الشيخ في كتاب الطهارة - من كون الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعية دون المجعولات الشرعية - أولا: بأنه خلاف ظواهر 296
الأدلة، إذ ظاهرها أن الشارع حكم بالنجاسة في شئ وبالطهارة في شئ آخر بما هو شارع، لا أنه أخبر عن حقيقة الأشياء بما هو من أهل الخبرة، حيث إن الامر بالاجتناب عن النجاسات يصير حينئذ إرشادا. وثانيا: بأنه لو قلنا به في مثل البول والكلب ونحوهما من القذارات العرفية، لكن يشكل الالتزام به في نجاسة بدن الكافر، إذ كيف يمكن القول بأن الاسلام وإظهار الشهادتين مزيل لعرض خارجي عن بدنه. وأبعد منه الالتزام بهذا التبدل في مثل ولد الكافر بالتبعية، فيكون الحكم بنجاسته قبل إقرار والده بالشهادتين إخبارا عن قذارته الواقعية، والحكم بطهارته بعده إخبارا عن نظافته الواقعية، فإنه خلاف الوجدان. وثالثا: بأنه لا يمكن القول بكون الحكم بالطهارة إخبارا عن النظافة الواقعية في الطهارة الظاهرية، إذ الحكم بطهارة الشئ المشكوك فيه الذي يحتمل أن يكون نجسا في الواقع لا يمكن أن يكون إخبارا عن النظافة الواقعية، ولا بد من القول بمجعولية الطهارة في مثله. لكن يمكن استفادة معنى آخر من كلام الشيخ احتمله سيدنا الأستاذ (قده) في مجلس الدرس من: أن المراد بالكشف عن الامر الواقعي ليس هو الاخبار والحكاية، لعدم مناسبة ذلك لمقام الشارعية المقتضي لحمل الخطابات على كونه بصدد التشريع وإعمال سيادته، بل المقصود بالامر بالاجتناب الذي هو أمر مولوي الكشف عن ملاكه و هو القذارة الموجودة في الأشياء، بتقريب: أن عمدة ما استفيد منه نجاسة بعض الأشياء هو النصوص الامرة بالغسل كالأمر بغسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه، وإلا فلفظ النجاسة لم يذكر في غالب الروايات وان ورد في تنجيس الخمر (ما على الميل من الخمر ينجس حبا من الماء) وكذا في تنجس الكر بالتغير، ويستكشف من الامر بالغسل كون النجاسة 297
خصوصية كامنة في الشئ لا ترفع إلا بالماء أو المسح على الأرض، أو الشمس، وتلك الخصوصية دعت الشارع إلى جعل أحكام للشئ المتصف بالنجاسة، فالنجاسة أعني تلك الخصوصية تكون نظير الملاكات في الأحكام التكليفية. ولو كانت النجاسة أمرا اعتباريا لم يكن معنى لغسلها بالماء مثلا، فان الامر بالغسل كاشف عن كون النجاسة المجهولة ماهيتها شيئا تكوينيا خارجيا، لا مجرد أمر اعتباري، إذ عليه لا معنى لغسلها بالماء الذي هو من الأعيان الخارجية، فالنجاسة كغير المأكول المحكوم بأحكام، فكما أن ما لا يؤكل من الأمور الخارجية فكذلك النجاسة، ويقابلها النظافة التي رتب عليها أحكام شرعية. ومن هنا يصح أن يقال: ان النجاسة أمر وجودي، والطهارة أمر عدمي، وتظهر الثمرة بين وجوديتهما ووجودية أحدهما خاصة في جريان الأصول وعدمه. والحاصل: أن الامر بالصلاة كما يكون مولويا كاشفا إنا عن الملاك وان لم ندركه كذلك الامر بالاجتناب عن النجس، فإنه خطاب مولوي كاشف عن الخصوصية الكامنة فيه، وليس أمر الشارع لمجرد تمييز المصداق حتى يكون إرشادا إلى القذارة غير المدركة عرفا. وعليه فإشكال لزوم حمل الأوامر والنواهي على الارشاد غير متجه. وأما إشكال طهارة ولد الكافر ونجاسته بالتبعية فهو مجرد استبعاد لا يقتضي بنفسه مجعولية الطهارة والنجاسة مع احتمال أن يكون الوجه فيه الربط الوثيق بين النفس والبدن، وتكون قذارة روح المشرك بل مطلق الكافر لأجل بعده عن حضرة الخالق المنان عز وجل موجبة لتأثر جسمه بها، فيكون محكوما بالنجاسة، وبمجرد تلفظه بالشهادتين وتسليمه للحق تنقلب تلك القذارة المعنوية إلى طهارة كذلك وتسري إلى بدنه فيطهر. وإنكار هذا التأثير والتأثر بين النفس والبدن منوط بحجة واضحة مفقودة. واحتمال هذا الوجه فيه كاف في تمامية ما أفاده الشيخ (قده) من كون النجاسة حقيقة مجهولة الكنه عنا. 298 إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل (1)، فقد عرفت أنه لا مجال
وأما الاشكال الثالث فهو أجنبي عن كلام الشيخ، إذ لا شك في أن الطهارة الظاهرية اعتبارية لا واقعية، لكن محط كلامه كما لا يخفى على من لاحظه هو الطهارة والنجاسة الواقعيتان، فلا مجال للنقض عليه بأن الطهارة الظاهرية مجعولة لا واقعية. 299 لاستصحاب دخل ما له الدخل (1) في التكليف إذا شك في بقائه على ما كان عليه من (2) الدخل، لعدم (3) كونه حكما شرعيا، ولا يترتب (4) عليه أثر شرعي. والتكليف (5) وان كان مترتبا عليه، إلا أنه ليس بترتب شرعي (6)، فافهم (7)،
300 وأنه (1) لا إشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقل بالجعل. حيث إنه كالتكليف (2). وكذا ما كان مجعولا بالتبع (3)، فان أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه (4). وعدم (5) تسميته حكما شرعيا - لو سلم غير ضائر بعد كونه مما تناله يد التصرف شرعا.
301 نعم لا مجال لاستصحابه (1) لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه (2)، فافهم (3).
302 ثم إن هاهنا تنبيهات (1) الأول (2): أنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين،
303 فلا استصحاب مع الغفلة،
305 لعدم (1) الشك فعلا ولو (2) فرض أنه يشك لو التفت، ضرورة أن الاستصحاب وظيفة الشاك، ولا شك مع الغفلة أصلا (3)، فيحكم (4) بصحة
306 صلاة من أحدث ثم غفل [1] وصلى، ثم شك (1) في أنه تطهر قبل الصلاة، لقاعدة الفراغ (2). بخلاف من التفت قبلها (3) وشك ثم غفل
[1] لا يخفى أنه مع الغفلة كيف يجري الاستصحاب مع اعتبار فعلية الشك واليقين فيه حدوثا وبقاء؟ فالأولى تعليل الحكم بالفساد بعدم إحراز الشرط وهو الطهارة، وعدم جريان قاعدة الفراغ في الصلاة، لعدم كون الشك حادثا بعد الصلاة. 307 وصلى، فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك (1)، لكونه (2) محدثا قبلها بحكم الاستصحاب (3) مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي. [1] لا يقال (4): نعم، ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة
[1] الظاهر الاستغناء عن هذه الجملة بقوله: (فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك) لأنه عبارة أخرى عن القطع ببقاء حدثه الاستصحابي، فتأمل في العبارة حقه. 308 بعد (1) ما التفت بعدها يقتضي أيضا فسادها. فإنه يقال (2): نعم، لولا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة (3) على أصالة فسادها (. [1 [4
[1] هذا ما أفاده المصنف (قده) من حكم الصورتين المتفرعتين على اعتبار الشك الفعلي في الاستصحاب، إلا أن لهذه المسألة صورا أخرى لا بأس بالتعرض لها مع الصورتين المتقدمتين في المتن، فنقول وبه نستعين: 309
الصورة الأولى: العلم بعدم حصول الطهارة بعد تيقن الحدث، وبطلان الصلاة في هذه الصورة واضح ولا إشكال فيه. الصورة الثانية: حصول الغفلة بعد تيقن الحدث، واستمرار الغفلة عن الطهارة إلى أن يفرغ من الصلاة، وبعد الفراغ عنها يشك في أنه تطهر قبل الصلاة أو لا، والحكم فيها صحة الصلاة، لحدوث الشك الفعلي بعدها، وعدم موضوعية الشك التقديري للاستصحاب حتى يحكم بفساد الصلاة، لوقوعها مع الحدث الاستصحابي. وما يجري بعدها من الاستصحاب لا يوجب بطلانها، لحكومة قاعدة الفراغ عليها بناء على كونها أصلا عمليا لا أمارة عقلائية كما لا يخفى. نعم يوجب الطهارة لما سيأتي من الأعمال المشروطة بالطهارة. وتظهر ثمرة النزاع في هذه الصورة كما عرفت في التوضيح. لكن نوقش في ترتبها عليه تارة بما أفاده شيخنا المحقق العراقي (قده) من: (أن استصحاب الحدث وان كان جاريا في ظرف الغفلة قبل الصلاة وأثناءها بناء على كفاية الشك التقديري، إلا أنه لا يترتب عليه إلا بطلان الصلاة سابقا، وأما وجوب الإعادة أو القضاء في ظرف الفراغ فلا يترتب على الاستصحاب المزبور، لأنه من آثار الاستصحاب الجاري في ظرف بعد الفراغ، لا من آثار استصحاب الحدث الجاري في ظرف الغفلة قبل الصلاة. وإنما أثر ذلك هو عدم جواز الدخول في الصلاة وجواز قطعها في فرض دخوله فيها غفلة، فإذا كان الاستصحاب الجاري في ظرف بعد الفراغ محكوما بالقاعدة، فمن حين الفراغ لا بد من الحكم بالصحة للقاعدة، لا البطلان، لعدم جريان الاستصحاب من ذلك الحين بمقتضى القاعدة. نعم بناء على تقيد موضوع القاعدة بعدم كون المصلي محكوما بالمحدثية سابقا كان لاخذ الثمرة مجال. لكن ليس هذا القيد شرطا في القاعدة قطعا، لان تمام الموضوع هو حدوث الشك في الصحة بعد الفراغ من العمل، ولذا لا تجري فيما لو حدث الالتفات والشك قبل الفراغ ولو لم يجر استصحاب الحدث كما في 310
موارد توارد الحالتين). وأخرى بما في تقرير بعض أعاظم العصر (مد ظله) ومحصله: أنه بناء على كون قاعدة الفراغ من الامارات العقلائية كما هو الظاهر فلا مجال للتمسك بالقاعدة لتصحيح العمل، لكونه قاطعا بغفلته أثناء العبادة، ولا معنى لأذكرية الغافل، فلا تجري القاعدة، والصلاة محكومة بالبطلان سواء جرى استصحاب الحدث التقديري أم لا. أما على فرض جريانه فلاحراز محدثيته تعبدا، وأما على تقدير عدمه فلاقتضاء قاعدة الشغل وجوب الإعادة. وبناء على كون القاعدة أصلا تعبديا غير منوطة بالالتفات حال العمل، وشمولها لموارد القطع بالغفلة، لاطلاق مثل (ما مضى فامضه كما هو) فلحكومتها على الاستصحاب، وعليه فلا أثر للالتزام بجريان الاستصحاب في الشك التقديري في الفرع المزبور مع وجود قاعدة الفراغ. لكن لا يخلو كلا الامرين من غموض، إذ في الأول: أن اعتبار الشك التقديري يقتضي جريان الاستصحاب فيه كجريانه في الشك الفعلي، فالغافل الذي هو شاك تقديري محدث قبل الصلاة بحكم الاستصحاب المقتضي لبطلان صلاته من أول الامر، فكيف تجري فيها قاعدة الفراغ مع كون موضوعها الصلاة المشكوكة صحتها دون الفاسدة ولو بالتعبد؟ وعليه فاستصحاب الحدث قبل الصلاة كما هو المفروض في الشك التقديري حاكم على قاعدة الفراغ كحكومة استصحاب حال اليد على اليد الحاكمة عليه كما ثبت في محله، فلا بد من تقيد موضوع قاعدة الفراغ بعدم محكومية المصلي بالمحدثية قبل الصلاة، كتقيد حكومة اليد على الاستصحاب بعدم العلم بحال اليد، و إلا فاستصحاب حالها حاكم عليها. و بالجملة: فكما يكون استصحاب الحدث قبل الصلاة في الشك الفعلي موجبا لانعقاد الصلاة باطلة وغير قابلة للصحة حتى تجري فيها قاعدة الفراغ، 311
فكذلك استصحاب الحدث في الشك التقديري، وإلا لزم الخلف، و انحصار مورد الاستصحاب في الشك الفعلي. وعليه فموضوع قاعدة الفراغ مركب من جزين حدوث الشك بعد الفراغ وعدم مانع من جريانها، كمحكومية المصلي بالمحدثية قبل الصلاة، للاستصحاب الجاري في الشك التقديري المفروض جريانه فيه كجريانه في الشك الفعلي. وعدم جريان قاعدة الفراغ في موارد توارد الحالتين قبل الفراغ إنما هو لأجل انتفاء أحد جزأيه وهو حدوث الشك بعد الفراغ، دون استصحاب الحدث، كعدم جريانه في تعاقب الحالتين. وأما إذا كان الشك بعد الفراغ مع كون المصلي محكوما قبل الصلاة بالمحدثية للاستصحاب الجاري في الشك التقديري، فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ فيها لاقتران الصلاة بالمانع حال الشروع فيها كما مر آنفا. لا يقال: ان مقتضى استصحاب الحدث في الشك التقديري قبل الصلاة هو بطلانها وان انكشف كون المصلي متطهرا واقعا. فإنه يقال: لا وجه للبطلان حينئذ إلا عدم قصد القربة، لكن المفروض تحققه في المقام لأجل الغفلة. والحاصل: أن الغرض من تشريع الأصول العملية - وهو إنجاز الواقع أو الاعذار عنه - يوجب تقديم الاستصحاب على القاعدة. وفي الثاني: أنه - مضافا إلى أن تقدم قاعدة الفراغ بناء على كونها أصلا عمليا على الاستصحاب ليس هو الحكومة المدعاة، لاتحاد الأصلين مرتبة، وإنما الوجه في تقديمها عليه كما نبه عليه المحقق الأصفهاني (قده) هو صون جعلها عن اللغوية، لكونها غالبا في مورد استصحاب عدم الاتيان بالجز والشرط، فلو أخذ بمقتضاه لزم اختصاص القاعدة بمورد نادر كتعاقب الحالتين الذي لا يجري فيه الاستصحاب. وقد تقرر أن المتعارضين بالعموم من وجه لو استلزم العمل بأحدهما في المجمع 312
طرح الاخر كلية أو بقاء فرد نادر له اقتضى صون جعله عن اللغوية تقديمه على معارضه، فتقديم القاعدة مستند إلى التخصيص لا إلى الحكومة - يرد عليه: أنه بناء على أمارية قاعدة الفراغ وان كان الامر كما أفاده من عدم جريانها في مفروض الكلام، لكونه قاطعا بغفلته حال الصلاة، لكنه بناء على كفاية الشك التقديري في الاستصحاب يكون بطلانها مستندا إليه، ولازمه جواز الافتاء به. وبناء على عدم كفايته لما لم يكن مصحح لهذه الصلاة، لعدم جريان قاعدة الفراغ فيها كما هو المفروض فيستند البطلان إلى قاعدة الاشتغال، وهو حكم عقلي لا يترتب عليه جواز الافتاء به شرعا. فبطلان العبادة وان كان مسلما، إلا أن وجهه هو الاستصحاب بناء على كفاية الشك التقديري في جريانه و الثابت به حكم شرعي، وقاعدة الشغل بناء على عدم كفايته والثابت بها حكم عقلي، هذا. وأما بناء على كون قاعدة الفراغ أصلا تعبديا لا أمارة عقلائية فلا تجري أيضا، لحكومة الاستصحاب عليها بناء على جريانه في الشك التقديري، وتجري بناء على عدم جريانه في الشك التقديري. فالنتيجة: أنه بناء على كفاية الشك التقديري في الاستصحاب وكون قاعدة الفراغ من الأصول التعبدية تكون الصلاة باطلة، لحكومة الاستصحاب على القاعدة. وبناء على عدم كفايته تصح الصلاة، لجريان القاعدة فيها بلا مانع، إذ المفروض عدم جريان الاستصحاب حينئذ. فالحق ترتب الثمرة على كفاية الشك التقديري المساوق للغفلة في الاستصحاب وعدم كفايته، وعدم المجال لانكارها. لكن الأولى عدم التعرض لأصل هذا البحث فضلا عن ثمرته، لكونه مجرد فرض، إذ لا وجه لكفاية الشك التقديري في الاستصحاب أصلا، لوضوح أن الشك الموضوع في جميع الأصول العملية متقوم بالالتفات، ولذا قال الشيخ (قده) في أول الرسائل: (اعلم أن المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي فاما أن يحصل له الشك فيه. إلخ) ولو انفتح باب اعتبار الشك التقديري في الاستصحاب لم يكن 313
وجه لاختصاصه به، بل يعم ذلك جميع الأصول العملية، ولم أعثر على من تعرض لاحتمال اعتبار الشك التقديري في غير الاستصحاب. الصورة الثالثة: أن يحصل له الشك في الطهارة ثم يغفل ويصلي في حال الغفلة، وبعد الفراغ تجدد له الشك واحتمل التطهير بعد الشك ووقوع صلاته في حال الطهارة. وقد يتوهم أن الحكم في هذه الصورة صحة الصلاة أيضا، لقاعدة الفراغ، إذ ليس حكم الشك أقوى من اليقين، وقد عرفت صحتها في الصورة الثانية وهي اليقين بالحدث و استمرار الغفلة إلى زمان الفراغ من الصلاة، فان حدوث الشك بعد الصلاة مع احتمال التطهير قبلها مورد قاعدة الفراغ. لكن فيه منع واضح، لأن الشك هنا هو الشك الحادث قبل الصلاة، فليس موردا لقاعدة الفراغ، وهذا هو الفارق بين هذه الصورة و سابقتها. الصورة الرابعة: هذه الصورة مع عدم احتمال التطهير بعد الشك. و حكمها بطلان الصلاة أيضا، لأن الشك المتجدد هو نفس الشك الحاصل قبل الصلاة لا الحادث بعدها حتى تجري فيه قاعدة الفراغ، بل الجاري فيه هو استصحاب الحدث، ومن المعلوم بطلان الصلاة مع الحدث المستصحب كبطلانها مع الحدث المعلوم. الصورة الخامسة: اليقين بالحدث والشك فيه مع استمرار الشك إلى الفراغ من الصلاة، والحكم بطلان الصلاة في هذه الصورة أيضا، لان الحدث الاستصحابي كالحدث القطعي مبطل لكل ما يشترط فيه الطهارة، ولا تجري قاعدة الفراغ في الصلاة، لعدم حدوث الشك بعدها، حيث إن الشك الفعلي بعد الصلاة هو نفس الشك الموجود قبلها، وليس هذا مجرى القاعدة، فلا مصحح حينئذ للصلاة. الصورة السادسة: أن يحصل له الشك في التطهير أثناء الصلاة بعد العلم بالحدث قبلها، وهذه الصورة قد تعرض لها المحقق الميرزا الآشتياني مجملا، وحكم فيها أولا ببطلان صلاته، لتعذر تحصيل الطهارة للاجزاء الباقية كي يحكم بصحة 314
ما مضى من عمله، ثم استقرب الصحة لقاعدة التجاوز، لان محل الطهارة لمجموع الاجزاء إنما هو قبل الاشتغال بها، فبمجرد الدخول في الصلاة تحقق التجاوز عن محل الطهارة. أقول: في المسألة أقوال: أحدها: ما أفاده الميرزا الآشتياني (قده) أولا من البطلان استنادا إلى أن قاعدة الفراغ تقتضي صحة الاجزاء التي فرغ منها، ولا تقتضي صحة الغايات التي لم يدخل فيها، فليس للبقية مصحح، وهو مختار جمع كثير منهم صاحب العروة وبعض محشيها. ثانيها: وجوب إتمامها، وعدم وجوب استئنافها بوضوء جديد، لكن لا يصح الاتيان بما يشترط فيه الطهارة بعد ذلك إلا بوضوء جديد. و هو منسوب إلى الشيخ الأعظم (قده) استنادا إلى قاعدة التجاوز المثبتة للوضوء، ومقتضاها جواز فعل سائر ما يشترط فيه الطهارة به، لكن حيثية التجاوز الموجبة لجريانها مختصة بما بيده من الصلاة دون غيره، ضرورة عدم صدق التجاوز على ما لم يأت به بعد من المشروطات بالطهارة، ولذا يجب تجديد الوضوء لها. ثالثها: وجوب إتمام الصلاة وعدم استئنافها، بل صحة الاتيان بعدها بكل ما يشترط فيه الطهارة بدون تجديد الوضوء. وهذا القول منسوب إلى كاشف الغطاء (قده) استنادا إلى أن القاعدة من الأصول المحرزة، فيحرز بها وجود الوضوء كإحرازه بالاستصحاب، فيجوز حينئذ فعل كل مشروط بالطهارة به. وما استقر به المحقق الآشتياني أخيرا يرجع إلى قول الشيخ الأعظم. والذي ينبغي أن يقال هو: أن الوضوء مما تجري فيه قاعدة التجاوز سواء أكان الشرط نفسه أم الطهارة المتحصلة منه كما يستفاد كل منهما من الأدلة. وعلى التقديرين يكون لهذا الشرط محل مقرر شرعي كما هو ظاهر الآية الشريفة، فان 315
القيام إلى الصلاة يراد به إرادة فعلها، ضرورة أنه ليس المراد القيام الذي يعد من أفعال الصلاة، وإلا يلزم كون الصلاة محلا للوضوء. و مع وجود المحل الشرعي للوضوء قبل الصلاة تجري فيه قاعدة التجاوز كجريانها في سائر الأجزاء والشرائط. وحيث إن القاعدة من الأصول العملية المحرزة فيترتب على المشكوك - الذي تجري فيه - آثار وجوده كصحة الأعمال المترتبة عليه، ففي الشك في الركوع مثلا بعد التجاوز عن محله تجري فيه قاعدة التجاوز، ويثبت بها وجوده وصحة ما يترتب عليه من الاجزاء. فظهر مما ذكرنا: أن شرطية الطهارة واعتبار تقارنها لأجزأ الصلاة كالاستقبال والستر كما في مستمسك سيدنا الأستاذ (قده) غير مانعة عن جريان القاعدة المثبتة للطهارة، بدعوى (عدم صلاحية قاعدة التجاوز لاثبات الطهارة للغايات التي لم يدخل فيها) وذلك لان للشرط سواء أكان نفس الوضوء أم الطهارة الحاصلة به محلا شرعيا، وبعد التجاوز عنه يحكم بوجوده وبترتب جميع آثاره الشرعية عليه. فلو كانت الطهارة شرطا، فالمفروض تحققها بمحصلها الشرعي في محله، وهذه الطهارة الثابتة بالقاعدة مقترنة بأجزاء الصلاة بأسرها. والفرق بين الطهارة وبين الستر والاستقبال أنه لا محل لهما قبل الصلاة حتى يصح إطلاق التجاوز عنهما، بخلاف الطهارة المتحققة قبل الصلاة والمقارنة لكل جز إلى آخر الصلاة. كما ظهر غموض القول بصحة الأعمال اللاحقة بذلك الوضوء وعدم لزوم تجديده لها كما عن كشف الغطاء، وذلك لان جهة التجاوز في قاعدته تقييدية، ومن المعلوم انتفاء هذه الجهة في الأعمال اللاحقة، لبقاء محلها، فلا بد من تجديد الوضوء لها. والحاصل: أن الأقوى ما اختاره الشيخ الأعظم واستقر به أخيرا تلميذه المحقق الآشتياني (قدهما) وان كان الأحوط إتمامها على تلك الحالة ثم إعادتها 316
بوضوء مستأنف. هذا ما يتعلق بصور المسألة. بقي التنبيه على نكتة، وهي: أن تفريع صحة الصلاة على فعلية الشك في الاستصحاب لا يخلو من مسامحة، حيث إن صحتها مبنية على جريان قاعدة الفراغ فيها، إذ مع عدم جريانها فيها لا يكون مجرد عدم جريان الاستصحاب لعدم فعلية الشك فيه كافيا في صحة الصلاة، بل مقتضى لزوم إحراز الطهارة وجوب إعادتها. فالأولى تفريع جريان قاعدة الفراغ وعدمه على فعلية الشك في الاستصحاب وعدمها، فبناء على اعتبار فعليته تجري القاعدة في المثال، وبناء على عدم اعتبارها لا تجري فيه، فالثمرة المترتبة على اعتبار فعلية الشك وعدمه هو جريان قاعدة الفراغ في الصلاة وعدمه، فصحة الصلاة وعدمها أثر لفعلية الشك مع الواسطة، هذا. وكيف كان فقد تعرض الشيخ والمصنف (قدهما) للشك التقديري، و مثاله المتقدم وهو صحة صلاة من أحدث وغفل وصلى. ولم يذكرا مثالا لليقين التقديري، ويمكن التمثيل له بما إذا شك يوم الجمعة مثلا في جنابته واستصحب عدمها، ف آجر نفسه لكنس المسجد، وبعد كنسه رأى في ثوبه منيا أوجب اليقين بجنابته يوم الخميس مع احتمال الغسل عنها في ذلك اليوم، صحت الإجارة بناء على جريان قاعدة الصحة فيها، واستحق الأجرة المسماة، فان الشك في الجنابة قبل الإجارة وان كان فعليا، لكن اليقين بها لم يكن فعليا حتى يجري استصحابها ويحكم بفساد الإجارة، لوقوعها حال الجنابة المستصحبة التي هي كالجنابة الواقعية في الاحكام من بطلان الإجارة و استحقاق أجرة المثل وغيرهما. نعم بناء على كفاية اليقين التقديري في الاستصحاب يحكم بفساد الإجارة واستحقاق أجرة المثل لأجل استصحاب الجنابة قبل الإجارة. 317 الثاني (1): أنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء
318 شئ على تقدير ثبوته وإن لم يحرز ثبوته
319
[1] وبهذا يظهر غموض ما أورده بعض أعاظم العصر عليه بما محصله: أن الملازمة المدعاة بين الحدوث والبقاء ان كانت واقعية، فهو مع مخالفته للواقع يقتضي كون الاستصحاب أمارة لا أصلا. وان كانت ظاهرية فيترتب عليها الملازمة الظاهرية بين حدوث التنجيز و بقائه، مع أنه لا سبيل للالتزام به، للنقض بموارد تنجز التكليف أولا بالعلم الاجمالي ثم ارتفاعه بانحلاله بقيام البينة على حرمة بعض الأطراف بخصوصه، حيث يرتفع التنجيز، لتبعيته للمنجز حدوثا و بقاء، ولا يكفي حدوثه لترتب أثره إلى الأبد. وعليه فلا ملازمة بين حدوث المنجز وبقائه. وذلك لما عرفت من عدم إرادة الملازمة الواقعية كما في الافطار و القصر، بل المقصود دلالة أخبار الاستصحاب على الملازمة الظاهرية بين الحدوث الواقعي والبقاء الظاهري، وأن ما ثبت واقعا محكوم عليه بالبقاء ظاهرا، ومن المعلوم أن هذا البقاء مستند إلى دليل الاستصحاب لا الامارة. وما أفاده (مد ظله) من 320 فيما (1) رتب عليه أثر شرعا أو عقلا؟ إشكال من (2) عدم إحراز الثبوت، فلا يقين، ولا بد منه (3)، بل ولا شك (4)،
عدم كفاية حدوث المنجز للتكليف لبقائه مطلقا متين جدا، لعدم الملازمة بينهما لكنه لا يرتبط بما أفاده الماتن من جعل الملازمة شرعا بين حدوث المنجز وبقائه في خصوص الاستصحاب بالدليل المختص به. 321 فإنه (1) على تقدير (2) لم يثبت. ومن (3) أن اعتبار اليقين إنما هو لأجل أن التعبد والتنزيل شرعا إنما هو في البقاء لا في الحدوث (4)، فيكفي (5) الشك فيه على تقدير الثبوت، فيتعبد به على هذا التقدير (6) فيترتب عليه
322 الأثر فعلا (1) فيما كان هناك أثر (2). وهذا (3) هو الأظهر (4)، وبه (5) يمكن أن يذب عما (6) في استصحاب
323 الاحكام التي قامت الامارات المعتبرة على مجرد ثبوتها (1) وقد شك في بقائها على تقدير ثبوتها من الاشكال (2) بأنه لا يقين بالحكم الواقعي، ولا يكون هناك حكم (3) آخر فعلي بناء على ما هو التحقيق (×)
(×) وأما بناء على ما هو المشهور من كون مؤديات الامارات أحكاما ظاهرية شرعية كما اشتهر أن ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم فالاستصحاب جار، لان الحكم الذي أدت إليه الامارة محتمل البقاء، لامكان اصابتها الواقع، وكان مما يبقى. والقطع بعدم فعليته حينئذ مع احتمال بقائه لكونها بسبب دلالة الامارة، والمفروض عدم دلالتها إلا على ثبوته لا على بقائه غير ضائر بفعليته الناشئة باستصحابه، فلا تغفل. 324 من (1) أن قضية حجية الامارة ليست إلا تنجز التكاليف مع الإصابة
[1] ويظهر مما أفاده المصنف (قده) في الهامش جريان الاستصحاب في كلي الحكم لا في شخص الحكم الظاهري المدلول عليه بالامارة، لأنه لا يخلو من إشكال، فان قيام الامارة وإن كان سببا لجعل حكم ظاهري، لكن لما كان المفروض تبعية هذا الحكم الظاهري لوجود الامارة حدوثا وبقاء، وليست باقية حسب الفرض فمقتضى كون قيامها جهة تقييدية لحدوث الحكم الظاهري هو انتفاؤه وعدم بقائه. والتزم المصنف (قده) لدفع الاشكال باستصحاب كلي الحكم، حيث قال: (لان الحكم الذي أدت إليه الامارة محتمل البقاء، لامكان إصابتها الواقع وكان مما يبقى) وتوضيحه: أن الحكم الفعلي الذي أدت إليه الامارة إنما يكون ظاهريا إذا كانت مخالفة للواقع، إذ لو أصابت الواقع كان المؤدى نفس الحكم الواقعي لا حكما ظاهريا مما ثلاثة، و حينئذ فبقيام الامارة على وجوب صلاة الجمعة مثلا يعلم المكلف بذات الوجوب إما واقعا على تقدير الإصابة، وإما ظاهرا على تقدير الخطأ، فان كان واقعيا فهو باق قطعا، وان كان ظاهريا فهو مرتفع بارتفاع الامارة، لفرض عدم تكفلها لحال البقاء، فيستصحب ذات الوجوب. وهذا نظير جريان الاستصحاب في بقاء الكلي الذي يدور أمره بين القطع بزواله على تقدير تحققه بالفرد القصير العمر، و احتمال بقائه لاحتمال تحققه بالفرد الطويل العمر. وبما ذكرناه في توضيح مقصود المصنف ظهر الاشكال في ما أفيد في توضيحه 325
من (إجراء الاستصحاب في شخص الحكم الظاهري المدلول عليه بالامارة لا في كلي الحكم) لوضوح عدم التئامه مع قوله: (محتمل البقاء لامكان اصابتها الواقع) لعدم الفائدة حينئذ في تعليله (قده) باحتمال الإصابة للواقع. مضافا إلى: ما عرفت من أن قيام الامارة حيثية تقييدية في إنشاء الحكم الفعلي لا تعليلية. كما ظهر غموض ما أورده عليه سيدنا الفقيه الأعظم الأصفهاني (قده) من (اندراج المقام في القسم الثاني من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي الذي بنى المصنف على عدم جريان الاستصحاب فيه، بتقريب: أن ذات الوجوب كان متيقنا في ضمن الوجوب الظاهري، وكان الوجوب الواقعي مشكوك الحدوث مقارنا لوجوده الظاهري). وذلك لما عرفت من أن الغرض إجراء الاستصحاب في الجامع بين الوجوبين المتيقن حدوثه بقيام الامارة، وليس الحكم الظاهري مقطوعا به والواقعي مشكوكا فيه حتى يندرج في ثاني أقسام القسم الثالث ويجري الأصل في عدم الحكم الواقعي ويختل ركن الشك في البقاء. نعم يرد على هذا الوجه ما أورده عليه السيد الفقيه المتقدم (قده) من عدم وفائه بحل الاشكال مطلقا، لاختصاصه بالامارات القائمة على الاحكام، وأما القائمة على الموضوعات كالبينة على عدالة زيد فحيث لا يكون مفاد دليل اعتبارها جعل حكم ظاهري في موردها يشكل حل الاشكال، لعدم تصور الجامع كي يستصحب كما كان في الشبهات الحكمية. وكيف كان فان كان مقصود الأصحاب من هذه الدعوى جعل الاحكام الظاهرية في موارد الامارات مطلقا سواء أصابت أم أخطأت فالاشكال المذكور مندفع، للقطع بالحكم الفعلي، فيستصحب في ظرف الشك في بقائه. لكن الالتزام بحجية الامارة من باب الموضوعية والسببية مستلزم للتصويب. 326 والعذر مع المخالفة كما [1] هو (1) قضية الحجة المعتبرة عقلا كالقطع
وان كان المقصود جعل الحكم الظاهري على تقدير المصادفة للواقع لكونه بعنوان إيصال الواقع، فلا يقين بالحكم الفعلي، لان المجعول هو الواقع في ظرف الشك فيه بداعي تنجيز الواقع، لا أنه مماثل له متيقن الثبوت كي يستصحب، وعليه تكون الامارة طريقا محضا. و الظاهر أن هذا هو الصحيح، لذهاب الأصحاب إلى الطريقية لا السببية. والعبارة المشهورة لا تلتئم مع مبنى الطريقية المحضة كما اعترف به في بحث الاجتهاد والتقليد. [1] ليس المقصود من اقتضاء أدلة حجية الامارات لاعتبار التنجيز و الاعذار جعلهما وان كان ظاهر العبارة ذلك، بل المراد اقتضاؤها لاعتبار الطريقية والوسطية في مقام الاثبات كما صرح به في مواضع عديدة، منها قوله في تأسيس الأصل في الشك في الحجية: (ولا يكاد يكون الاتصاف بها إلا إذا أحرز التعبد به وجعله طريقا متبعا) و عليه فالتنجيز والاعذار اعتباران عقليان منتزعان من جعل الطريقية، فلا وجه للايراد عليه بما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني وتبعه غيره من (ابتناء أساس الاشكال على كون المجعول بأدلة الامارات هو المنجزية والمعذرية. وأما بناء على كونه هو الاحراز والوسطية فلا موضوع للاشكال، لاشتراك الامارة حينئذ مع القطع الطريقي وقيامه مقامه بلا شبهة) لما عرفت من تصريح المصنف (قده) بجعل الطريقية أيضا، و الاشكال إنما نشأ من أخذ اليقين بالحدوث في أدلة الاستصحاب، الظاهر في اليقين الوجداني المفقود في موارد الامارات، ولا بد من دفعه إما بما في المتن أو بغيره. وعليه فتفسير الحجية بما في المتن ناظر إلى ما هو كالمعلول للطريقية التي هي المجعولة حقيقة. نعم يرد عليه ما في التقرير المزبور من (أن دليل الاستصحاب لو كان متكفلا لاثبات البقاء على تقدير الحدوث فبما ذا يكون الاستصحاب من الاحكام الظاهرية 327 والظن في حال الانسداد على الحكومة، لا إنشاء (1) أحكام فعلية شرعية ظاهرية كما هو ظاهر الأصحاب. ووجه الذب بذلك (2) أن الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الطريق حينئذ (3) محكوم بالبقاء،
بل هو على ذلك حكم واقعي معلق على ثبوت موضوعه، نظير بقية الاحكام الواقعية الثابتة على تقدير وجود موضوعاتها. والحاصل: أنه لو لم يؤخذ الشك في البقاء في موضوع الاستصحاب لما كان حكما ظاهريا، ومع أخذه لا بد من إحراز الحدوث حتى يتحقق الشك المذكور، والمفروض على ما أفاده عدم إحرازه، فلا يجري الاستصحاب) وتوهم تحقق الشك الفعلي حتى إذا لم يحرز الثبوت ممنوع، لكون الشك الفعلي المعتبر في الاستصحاب متعلقا بالبقاء لا الثبوت، وهو يستلزم اليقين بالحدوث، والمفروض عدمه. 328 فتكون (1) الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبدا (2)، للملازمة (3) بينه وبين ثبوته واقعا (4). ان قلت (5): كيف (6)؟ وقد أخذ اليقين بالشئ في التعبد ببقائه في الاخبار، ولا يقين في فرض تقدير الثبوت.
329 قلت (1): نعم (2)، ولكن الظاهر أنه أخذ كشفا عنه ومرآة لثبوته ليكون (3) التعبد في بقائه، والتعبد (4) مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه، فافهم (5).
330
[1] هذا كله بالنسبة إلى استصحاب مؤديات الامارات. وفي جريانه في مؤديات الأصول العملية مطلقا وعدمه كذلك، والتفصيل بين ما يتكفل دليله لبقائه فلا يجري فيه الاستصحاب، وبين ما لا يتكفله فيجري فيه وجوه بل أقوال، احتمل أولها المحقق النائيني في دورته الأصولية الأولى واختار هو ثانيها في تلك الدورة وكذا شيخنا المحقق العراقي (قدهما) والتزم بثالثها المحقق النائيني في دورته الأخيرة، فراجع التقارير للوقوف على الأنظار. أقول: لا تبعد صحة التفصيل في جريان الاستصحاب بين مفاده وبين مؤديات سائر الأصول العملية بناء على اقتضاء أدلة الاستصحاب للبناء العملي على كون أحد طرفي الشك هو الواقع، ضرورة أن الثابت حينئذ بالاستصحاب هو الحكم الواقعي ظاهرا، فالشك في بقائه شك في بقاء الحكم الواقعي ظاهرا، فلا مانع من استصحابه، لأنه استصحاب للحكم الواقعي حقيقة. وبناء على عدم اقتضاء أدلة الاستصحاب لذلك بأن يتحد مفاده مع سائر الأصول في كون مؤديات جميعها أحكاما ظاهرية مجعولة وظائف للشاك من دون نظر فيها إلى الواقع لا يجري الاستصحاب فيه، كعدم جريانه في غيره من الأصول. وحيث إن الاستصحاب بناء على المشهور أصل تنزيلي كان التفصيل بينه وبين سائر الأصول في محله. وعليه فالثوب المتنجس إذا غسل بماء مستصحب الطهارة وصار طاهرا ثم شك في ملاقاته للنجاسة، فلا مانع من استصحاب طهارته، لان هذه الطهارة هي الناشئة من طهارة الماء التي هي طهارة واقعية بمقتضى استصحابها. وإذا غسل 332
بماء محكوم بالطهارة لقاعدتها وصار الثوب طاهرا بمقتضى هذه القاعدة ثم شك في تنجسه بملاقاة النجاسة فلا يجري فيه الاستصحاب، لان طهارة الثوب ظاهرية محضة فلا ربط لها بالواقع حتى يجري فيها الاستصحاب وينزلها منزلة الطهارة الواقعية، بل الجاري فيه نفس قاعدة الطهارة أيضا المغياة بالعلم بخلافها، بل هي الجارية أيضا فيما إذا حكم بطهارته بقاعدة الصحة مثلا مما يكون مفاده حكما ظاهريا غير ناظر إلى الواقع. فالضابط في جريان الاستصحاب هو: صحة تنزيل المستصحب منزلة الواقع، وهذا الضابط مفقود فيما عدا الأصول التنزيلية كما عرفت. وأما فيها فالضابط المذكور منطبق عليها، حيث إن الشك في نجاسة الثوب الذي طهر بماء مستصحب الطهارة فرد جديد لعموم (لا تنقض) وأجنبي عن استصحاب طهارة الماء الموجبة لطهارة الثوب، فلا يقال: (ان استصحاب طهارة الماء كاف في إثبات طهارة الثوب عند الشك في ملاقاته للنجاسة، نظرا إلى أن الغاية وهي اليقين بالخلاف لم يحصل). وذلك لان هذا الشك واليقين فرد آخر للاستصحاب، وأجنبي عن الاستصحاب الجاري في الماء، إذ الشك الفعلي في نجاسة الثوب نشأ من سبب جديد وهو احتمال ملاقاته، فيجري الاستصحاب في طهارة الثوب بلا مانع، كما يجري في الثوب إذا علم بطهارته ثم شك في نجاسته لاحتمال ملاقاته للنجاسة، فان الطهارة التنزيلية كالطهارة الواقعية في جريان الاستصحاب فيها إذا شك في بقائها. والله تعالى هو العالم. 333 الثالث (1): أنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص
334 أحد الاحكام (1) أو ما يشترك بين الاثنين منها (2) أو الأزيد (3) من أمر عام. فان كان (4) الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي
335 كان في ضمنه وارتفاعه (1) كان (2) استصحابه
336 كاستصحابه (1) بلا كلام. [1] وإن كان (2) الشك فيه من جهة تردد الخاص الذي في ضمنه بين
[1] كما أفاده الشيخ (قده) أيضا، لكنه لا يخلو من كلام بناء على كون الكلي عين الفرد وجودا، إذ لا يتعدد الوجود ولا موضوع الأثر حتى يجري الاستصحاب تارة في الفرد وأخرى في الكلي، هذا. مضافا إلى: حكومة الأصل الجاري في الفرد لكونه سببيا على الأصل الجاري في الكلي لكونه مسببيا. وبالجملة: فجريان الأصل في كل من الكلي والفرد في هذا القسم الأول ليس خاليا عن الكلام. نعم سيأتي في القسم الثاني إن شاء الله تعالى دفع الاشكالين. 337 ما هو باق أو مرتفع قطعا [1] فكذا (1) لا إشكال في استصحابه، فيترتب
[1] ومن أمثلة هذا القسم الثاني ما إذا علمنا بوجود فردين علم بارتفاع أحدهما وبقاء الاخر، وعلمنا بتحقق عنوان في أحدهما كالعالم، ولم يعلم انطباقه على المرتفع أو الباقي، فان انطبق على الأول فقد ارتفع، وان انطبق على الثاني فهو باق، فالكلي وهو العالم مشكوك البقاء، لتردده بين فردين أحدهما مقطوع الارتفاع والاخر معلوم البقاء، نظير الشك في بقاء الحيوان، لتردده بين فردين أحدهما معلوم الارتفاع كالبق والاخر مقطوع البقاء كالفيل. وبالجملة: فهذا المثال ليس خارجا من أمثلة القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي، وليس قسما رابعا حتى يصير التقسيم به رباعيا، كما في تقريرات بعض أعاظم العصر دام ظله بجعل امتيازه عن القسم الثاني (بأنه في القسم الثاني يكون الفرد مرددا بين متيقن الارتفاع ومتيقن البقاء، بخلاف القسم الرابع، فان الفرد ليس فيه مرددا بين فردين، بل الفرد معين، غاية الامر أنه يحتمل انطباق عنوان آخر عليه). توضيح عدم كونه قسما رابعا، وأنه من أمثلة القسم الثاني هو: أن المفروض 338 عليه كافة ما يترتب عليه عقلا أو شرعا (1)
حدوث فردين كزيد وعمرو مع فرض العلم بعالمية زيد وارتفاعه و الشك في تحقق الهاشمية في ضمن أحدهما، فمع انطباقها على زيد قد ارتفعت ومع انطباقها على عمرو لم ترتفع، بل هي باقية، ففي هذا المثال أيضا يكون الفرد المنطبق عليه الكلي كالهاشمي مرددا بين فردين أحدهما متيقن الارتفاع والاخر متيقن البقاء، كتردد الفرد المنطبق عليه الحيوان بين فردين أحدهما متيقن الارتفاع ان كان هو البق مثلا، والاخر متيقن البقاء ان كان هو الفيل مثلا. والعلم بفرد مرتفع متصف بعنوان آخر أجنبي عن عنوان محتمل الانطباق على ذلك أو على الفرد الباقي، إذ لا دخل لذلك في جريان الاستصحاب في كلي الهاشمي المعلوم حدوثه والمشكوك بقاؤه والمردد مصداقه بين الفرد المعدوم والموجود. وبالجملة: فوزان هذا المثال وزان المثال المعروف وهو كون الشك في الحيوان لتردد الفرد الذي هو في ضمنه بين الفيل والبق، فتأمل جيدا. ثم إنه لا ينحصر منشأ الشك في بقاء الكلي في القسم الثاني بتردد الكلي بين فردين أحدهما باق قطعا والاخر مرتفع كذلك. بل يمكن أن يكون لاحتمال بقاء الاخر لا للقطع ببقائه، كما إذا وجد الكلي في ضمن زيد أو عمرو، فان كان الحادث زيدا فهو معلوم الارتفاع إما لعدم وجود المقتضي لبقائه إلى هذا الزمان وإما لقتله مثلا. وان كان عمرا فهو محتمل البقاء. فلا موجب لحصر منشأ الشك في القسم الثاني بالمتردد بين فردين أحدهما معلوم البقاء والاخر مقطوع الارتفاع، فيمكن أن يكون للقسم الثاني صور ثلاث: إحداها: ما في المتن من دوران الفرد بين مقطوع البقاء ومعلوم الارتفاع. ثانيتها: دورانه بين مقطوع البقاء ومحتمل الارتفاع. ثالثتها: دورانه بين مقطوع الارتفاع ومشكوك البقاء. 339 من (1) أحكامه ولوازمه. وتردد (2) ذاك الخاص الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه - ويكون
340 وجوده (1) بعين وجوده - بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم (2) بعدم حدوثه غير ضائر (3) باستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه، مع (4)
[1] قد تقدم من المصنف في حاشية الرسائل حل الاشكال بأن الطبيعي وفرده 341 عدم إخلاله باليقين والشك في حدوثه وبقائه، وإنما كان التردد
وان كانا اثنين بالنظر العرفي، لاقتضاء التوقف والعلية تعددهما، فاستصحاب الفرد لترتيب آثار الكلي لا يخلو من شبهة الاثبات، إلا أنها تندفع بخفاء الواسطة بنظر هم المسامحي المتبع في أمثال المقام. لكنه لا يخلو من تأمل، أما أولا: فلمنع تعدد الطبيعي وفرده بلحاظ وجودها الخارجي عرفا، لاقتضاء العينية اتحادهما، إذ لا يرى العرف وجودا للطبيعة النوعية غير وجود أفرادها. مع أن حل الاشكال بعد تسليم التعدد بدعوى خفاء الواسطة لا يخلو من شئ كما سيأتي في التنبيه السابع إن شاء الله تعالى. وأما ثانيا: فلمنع كفاية الإحالة إلى العرف في هذه المسألة، ضرورة أن مرجعية نظرهم المسامحي إنما تكون في فهم مداليل الألفاظ الواردة في الخطابات الشرعية، وتشخيص موضوعات الاحكام منها بحسب مرتكزاتهم، كما في حكمهم بموضوعية ذات الماء لحكم الشارع بالانفعال في مثل (الماء المتغير نجس) حتى مع أخذ التغير بعنوان التوصيف لا الاشتراط، واستظهارهم كون التغير علة لعروض النجاسة عليها. ومن المعلوم أجنبية المقام عن ذلك، إذ لا إجمال في مدلول قوله عليه السلام: (لا تنقض اليقين بالشك) وإنما الكلام في دوران الكلي بعد فرض عينيته مع الفرد بين كونه مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع، ولا وجود للكلي مع قطع النظر عن وجود الفردين المعلوم حال كل منهما. وأما الفرد المردد بين الفردين فلو صح استصحابه لاجتماع أركانه فيه على ما قيل فهو أجنبي عن استصحاب القدر المشترك كما سيأتي تحقيقه في آخر التنبيه إن شاء الله تعالى. 342 بين الفردين ضائرا باستصحاب أحد الخاصين اللذين كان أمره مرددا بينهما، لاخلاله (1) باليقين الذي هو أحد ركني الاستصحاب كما لا يخفى.
وبهذا يظهر غموض ما عن المحقق النائيني (قده) من (عدم ورود الاشكال بناء على كون الكلي عين وجود الفرد خارجا. وأما بناء على كونه منتزعا من وجود فرده فقد يشكل استصحاب الكلي حينئذ، لتبعية الامر الانتزاعي لمنشأ انتزاعه تبعية المعلول لعلته، ولا معنى لكون الفرد مقطوع الارتفاع أو معلوم البقاء وما ينتزع عنه مشكوك البقاء، لأنه من التفكيك بين العلة ومعلولها المستحيل. لكن يجاب عنه بكفاية النظر المسامحي العرفي الحاكم بوجود الكلي الطبيعي، وهذا المقدار كاف في جريان الاستصحاب قطعا) و ذلك لما عرفت من اعتبار النظر العرفي في خصوص مفاهيم الألفاظ الملقاة إليهم، لا في تطبيقها على الموضوعات مسامحة كتسامحهم في إطلاق الكر على ما دون المقدر الشرعي بمثقال مثلا. وبالجملة: فعلى ما ذكرنا يشكل الالتزام باستصحاب الكلي. ولهذا سلك المحقق الأصفهاني (قده) لدفع الاشكال مسلكا آخر أثبت فيه بقاء الكلي عقلا وصحة استصحابه، وذلك بتصور لحاظين لكل فرد من أفراد الطبيعة، فطبيعي الانسان المركب من النفس والبدن يلاحظ تارة بذاته وأخرى يلاحظ حصة من هذا الطبيعي متعينة بتعينات الزيدية مثلا، وبهذا اللحاظ الثاني يتحقق ركنا الاستصحاب في نفس الطبيعة من اليقين والشك، فيجري، وعليك بمراجعة كلامه للوقوف عليه ولم ننقله لطوله. ولكن الظاهر عدم اندفاع الاشكال به، لان ما أفاده لا يخرج الطبيعي عن القوة إلى الفعل مع الغض عن التعينات الفردية، ولا يثبت الوجود الفعلي للجامع بين الفردين أو الافراد، فلاحظ ما أفاده متدبرا فيه. 343 نعم (1) يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالا المترتبة على الخاصين فيما علم تكليف في البين. وتوهم (2) كون الشك في بقاء الكلي الذي في ضمن ذاك المردد
344 مسببا عن الشك في حدوث الخاص المشكوك حدوثه (1) المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه (2) فاسد (3) قطعا،
345 لعدم (1) كون بقائه وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه، بل من لوازم كون الحادث المتيقن ذلك المتيقن الارتفاع أو البقاء.
346 مع (1) أن بقاء القدر المشترك إنما هو بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه، لا أنه (2) من لوازمه.
347 على أنه (1) لو سلم (2) أنه من لوازم حدوث المشكوك، فلا شبهة في كون
348 اللزوم عقليا، ولا يكاد يترتب بأصالة عدم الحدوث إلا ما هو من لوازمه وأحكامه شرعا (. [1 [1
[1] مضافا إلى: أنه لو سلم كون الترتب شرعيا لم يجر الأصل أيضا في السبب أي عدم حدوث الفرد الباقي، لمعارضته بأصالة عدم حدوث الفرد الزائل فيبقى استصحاب بقاء الكلي بلا مانع. نعم لو اختص أحد الفردين بأثر زائد كان استصحاب عدم حدوث ذلك الفرد لنفي الأثر الزائد جاريا بلا معارض، كما إذا تردد النجس الحادث بين كونه بولا يوجب الغسل مرتين ودما يوجبه مرة، فأصالة عدم كونه بولا تنفي وجوب الغسلة الثانية، ولا تتعارض مع أصالة عدم كونه دما، لعدم اقتضائها لاثبات كون الحادث موجبا للغسل مرتين، وبه يصير الأصل في الفرد حاكما على الأصل في الكلي. وعليه يتفاوت الحال بين مثل الحدث المردد بين الأصغر والأكبر و النجس المردد بين البول والدم. وقد يشكل الفرق المزبور بما أفيد من اتحاد الصورتين حكما، لتحقق المعارضة. أما بلحاظ أثر طبيعي النجاسة وهو وجوب الغسل المجتمع مع الغسل مرة والغسل مرتين أو أكثر، فلمنافاة العلم بأصل وجوب الغسل مع أصالة عدم ما يوجبه 349
مرة وأصالة عدم ما يوجبه مرتين. وأما بلحاظ كل من الخصوصيتين فلان أثر البول عدم كفاية الغسل مرة، وأثر الدم جواز الاكتفاء به مرة. وليست الغسلة الأولى هي المتيقنة حتى ينفي الزائد عليها بالأصل، وذلك لاندراج المقام في المتباينين لا الأقل والأكثر، ضرورة عدم كون أثر الدم وجوب الغسل مرة المجتمع مع جواز الاكتفاء به و عدم جواز الاكتفاء به، لأنه أثر طبيعي النجس. وأما أثر الدم فهو وجوب الغسل اللابشرط القسمي المساوق لجواز الاكتفاء فيه بمرة، و من المعلوم أنه مباين للغسل بشرط شئ، لتقابل التعين اللابشرط القسمي مع بشرط شئ، وليس أحدهما متيقنا بالإضافة إلى الاخر. لكن يمكن أن يقال: ان وجوب الغسل مرة في الدم وان كان لا بشرط تعقبه بغسلة ثانية، إلا أن الاكتفاء بالمرة إنما يستفاد من إطلاق الامر بطبيعة الغسل وعدم تقيده بمرتين كما قيد بهما في تطهير المتنجس بالبول، فالمطلوب حينئذ هو صرف الوجود من الغسل المنطبق على أول وجوداته، فاندراج المقام في المتباينين بلحاظ تقابل الاعتبارات منوط بكون اللابشرط مأخوذا في الامر بتطهير المتنجس بالدم، مع أن إطلاق الامر يقتضي كون المأمور به طبيعي الغسل في قبال المتنجس بالبول الذي ورد فيه الامر بغسله مرتين، و حينئذ فيندرج المقام في الأقل والأكثر، لكون التعدد قيدا زائدا على مطلوبية أصل الطبيعة، فلا مانع من إجراء الأصل لنفي الأثر المختص بأحد الفردين، هذا. مضافا إلى: استلزام هذا البيان إنكار جريان الأصل في الأقل والأكثر مطلقا، لصيرورة الطرفين بلحاظ اعتبار اللابشرط وبشرط شئ من المتباينين، ولازم العلم الاجمالي بالتكليف في أحدهما هو الاشتغال لا البراءة عن الأكثر. 350
وإلى: أن اعتبارات الماهية من اللا بشرطية وأخويها أجنبية عن باب الظهورات العرفية التي يستظهرها أبناء المحاورات من الألفاظ، كأجنبية بعض القواعد المنطقية عن باب الظهورات، نظير كون نقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية، ولذا لا تلاحظ هذه القاعدة في قوله عليه السلام: (إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ) كما لا يخفى. [1] لا يخفى أن الشيخ (قده) مثل للقسم الثاني من استصحاب الكلي في صورة كون الشك في الرافع بما إذا علم بخروج البول أو المني و لم يعلم الحالة السابقة، وحكم باستصحاب الحدث إذا أتى بإحدى الطهارتين. ولا بأس بالتعرض لهذا الفرع تفصيلا، فنقول وبه نستعين: إذا خرجت رطوبة مرددة بين البول والمني فالصور المتصورة فيها أربع: الأولى: أن تكون الحالة السابقة معلومة وهي الحدث الأصغر، و حكمها وجوب الوضوء، لاستصحاب الحدث الأصغر، وعدم وجوب الغسل، لاستصحاب عدم الجنابة. والعلم الاجمالي بالحدث المردد بين الأكبر والأصغر حينئذ لا أثر له، لفقدان شرط تنجيزه وهو كونه موجبا للعلم بتكليف فعلي في ظرف انطباق المعلوم بالاجمال على أي واحد من الأطراف على التفصيل المتقدم في محله، وذلك لان الرطوبة المشتبهة ان كانت بولا فلا توجب تكليفا جديدا، فهذا العلم الاجمالي لتردد معلومه بين ماله الأثر وهو المني وما لا أثر له وهو البول لا يوجب تكليفا جديدا على كل تقدير حتى يكون منجزا له، فحال هذا العلم الاجمالي حال الشك البدوي في أصل خروج المني من العلم بالحدث الأصغر أو تردد الرطوبة الخارجة بين المني وغيره من المذي والودي في عدم الايجاب لتكليف فعلي. 351
الصورة الثانية: أن تكون الحالة السابقة المعلومة هي الحدث الأكبر، و العلم الاجمالي لا أثر له أيضا سواء أكانت الرطوبة منيا أم بولا. أما على الأول فلانه لا أثر لخروج المني مع سبق الجنابة. وأما على الثاني فلانه لا يوجب الوضوء مع الجنابة التي لا ترتفع إلا بالغسل، ولا أثر للوضوء معها أصلا. وبالجملة: فالمعلوم بالاجمال ان كان منطبقا على المني فلا يترتب عليه أثر جديد، لوجوب الغسل عليه قبل خروج هذه الرطوبة، وان كان منطبقا على البول فكذلك، إذ لا أثر للبول في حال الجنابة التي ينحصر رافعها في الغسل. فالنتيجة: أن استصحاب كلي الحدث لا يجري في شئ من هاتين الصورتين. الصورة الثالثة: أن تكون الحالة السابقة المعلومة هي الطهارة سواء أ كانت هي الكبرى أم الصغرى، والعلم الاجمالي هنا منجز، لترتب الحكم الفعلي على المعلوم بالاجمال على كل تقدير سواء انطبق على المني أم على البول، ضرورة حصول العلم بالحدث وانتقاض الطهارة به، ولا يحصل القطع بالطهارة إلا بالجمع بين الغسل و الوضوء، فالشك في ارتفاع الحدث بعد فعل أحدهما يكون مجرى الاستصحاب، ففي هذه الصورة يجري استصحاب الكلي، ويترتب عليه كل أثر يترتب على كلي الحدث، دون الآثار المترتبة على كل واحدة من الخصوصيتين. وتوهم عدم جريان استصحاب الكلي في هذه الصورة أيضا، لأجل وجود أصل حاكم عليه وهو استصحاب عدم الجنابة، حيث إنه بعد خروج الرطوبة يحصل له العلم بانتقاض وضوئه بها على كل تقدير، و يشك في بطلان طهارته الكبرى، فيجري الاستصحاب في بقائها من دون معارض، إذ لا شك في انتقاض الوضوء حتى يجري في بقائه الأصل، فاسد أما أولا: فلان الكلام ليس في خصوص ما إذا كانت الطهارة هي الوضوء، بل أعم من كونها هي الوضوء أو الغسل. وأما ثانيا: فلان العلم التفصيلي بانتقاض الوضوء وان كان مما لا إشكال فيه، لكنه لا يوجب العلم التفصيلي بكون الناقض بولا حتى لا يجب الاحتياط بالجمع 352
بين الوضوء والغسل على ما يقتضيه العلم الاجمالي بكون الرطوبة بولا أو منيا، ويكتفي بالوضوء في رفعه، لان الاكتفاء به منوط بإثبات كون الرطوبة المرددة بين البول والمني هي البول، ومن المعلوم أن استصحاب عدم الجنابة لا يصلح لاثبات ذلك إلا على القول بالأصل المثبت. وعليه فلو بني على جريان أصالة عدم الجنابة جرت أصالة عدم الحدث الأصغر أيضا. وان شئت فقل: ان الأصل بالنسبة إلى كل من البول والمني على حد سواء، وسقوطهما بالتعارض يوجب جريان استصحاب كلي الحدث، ومقتضاه لزوم الجمع بين الوضوء والغسل، إذ ليس في البين ما يوجب كون المعلوم بالاجمال بولا حتى يتعين الوضوء، فلا محيص لتحصيل العلم بارتفاع الحدث عن الجمع بينهما. نعم يمكن منع جريان استصحاب الكلي هنا، بأن يقال: ان هذا من موارد قاعدة الاشتغال دون الاستصحاب، لان الأثر وهو لزوم الاتيان بالوضوء والغسل إنما هو بحكم العقل الذي تقتضيه قاعدة الاشتغال، ومعه لا حاجة إلى الاستصحاب، وكذا الحال في الصورة الآتية. هذا بناء على ما هو الحق من مرجعية قاعدة الاشتغال في موارد الشك في الفراغ، لترتب الأثر على نفس الشك، وعدم جريان الاستصحاب فيها لاحراز الواقع تعبدا، لكونه من أردأ وجوه تحصيل الحاصل. وأما بناء على ما اختاره بعض الأعاظم من الرجوع إلى الاستصحاب في نظائره فإذا توضأ وجب عليه الغسل شرعا، لاستصحاب بقاء كلي الحدث، لا لقاعدة الشغل المقتضية لوجوب الغسل عقلا، لحكومة الاستصحاب عليها، فاللازم التمسك باستصحاب كلي الحدث أيضا في هذا الفرض، لا الرجوع في الجمع بين الوضوء و الغسل إلى العلم الاجمالي. وعليه فما أفاده مد ظله من إنكار استصحاب الكلي، لكفاية قاعدة 353 وأما (1) إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر
الاشتغال لا يلتئم مع مبناه، فلاحظ. الصورة الرابعة: أن تكون الحالة السابقة مجهولة، والحكم فيها هو لزوم الجمع بين الوضوء والغسل أيضا، لاستصحاب كلي الحدث بعد تعارض الاستصحابين في البول والمني، حيث إن الأصل عدم حدوث سبب الغسل والوضوء، ومن المعلوم تعارضه في كل منهما. فتلخص من جميع ما ذكرناه: أن استصحاب الكلي يجري في الصورتين الأخيرتين، دون الأوليين. ثم انه قد ظهر مما ذكرنا: أن استصحاب الكلي يجري فيما لم يكن هناك أصل يعين أحد الافراد بعينه، كما إذا كانت الحالة السابقة المعلومة هي الحدث الأصغر، فان استصحابه يمنع جريان الاستصحاب في كلي الحدث، لكون الأصغر متيقنا فيستصحب، و الحدث الأكبر مشكوك فيه بالشك البدوي. ولا فرق فيما ذكرناه - من عدم جريان استصحاب الكلي في الحدث مع تعين أحد أفراد الكلي بالأصل - بين كون الحدث الأكبر و الأصغر من قبيل المتضادين بحيث يمتنع اجتماعهما، وكونهما حقيقة واحدة مع اختلافهما في الشدة والضعف كما قيل بذلك في الوجوب والاستحباب، وكونهما متخالفين كالسواد والحلاوة و غيرهما مما يمكن اجتماعهما، فان الأصل يجري في الفرد المتيقن حدوثه، ولا يجري الاستصحاب في الكلي، فيصح أن يقال علي الوجه الأول: الأصل عدم تبدل الأصغر بالأكبر، وعلى الثاني: الأصل عدم حدوث المرتبة الشديدة، وعلى الثالث: الأصل عدم اجتماع الأكبر و الأصغر، وينبغي أن يكون ذلك أي عدم جريان استصحاب الكلي مع تعين الفرد بالأصل ضابطا مطردا في جميع الموارد. 354 في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه (1) ففي (2) استصحابه إشكال (3)
355 أظهره (1) عدم جريانه،
356
[1] مضافا إلى: أن المورد من موارد الشك في المقتضي كما اعترف به، وهو لا يرى حجية الاستصحاب فيه. وإلى: أنه مثبت، إذ لازم حجية الاستصحاب هنا هو وجود الكلي في ضمن الفرد المشكوك حدوثه. وتوجيه جريانه مع كونه شكا في المقتضي بأنه على مذهب المشهور توجيه بما لا يرضى به صاحبه. وعليه فالحق هو ما اختاره المصنف من عدم جريان الاستصحاب في شئ من أقسام القسم الثالث من استصحاب الكلي إلا فيما يعد المتيقن والمشكوك واحدا عرفا، هذا. 357 فان (1) وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده، إلا أن وجوده في ضمن
358 المتعدد من أفراده ليس من نحو وجود واحد له (1) بل متعدد حسب تعددها، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها لقطع بارتفاع وجوده منها (2) وإن (3) شك في وجود فرد آخر مقارن (4) لوجود ذاك الفرد أو لارتفاعه (5) بنفسه (6) أو بملاكه (7) كما إذا شك في
359 الاستحباب (1) بعد القطع بارتفاع الايجاب
360 بملاك (1) مقارن أو حادث. لا يقال (2): الامر وإن كان كما ذكر (3)،
361 إلا أنه (1) حيث كان التفاوت بين الايجاب والاستحباب، وهكذا (2) بين الكراهة والحرمة ليس إلا بشدة الطلب بينهما وضعفه (3)، كان (4) تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما، لمساوقة (5) الاتصال مع الوحدة، فالشك في التبدل حقيقة شك في
362 بقاء الطلب (1) وارتفاعه، لا في حدوث وجود آخر. فإنه يقال (2): الامر وإن كان كذلك (3)، إلا أن العرف حيث يرى الايجاب والاستحباب المتبادلين فردين
363 متباينين (1) لا واحد [1] مختلف الوصف في زمانين لم يكن (2) مجال للاستصحاب، لما (3) مرت الإشارة إليه (4) ويأتي (5) من أن قضية إطلاق أخبار
[1] الصواب (لا واحدا) بالنصب، لأنه معطوف على (فردين) يعني: أن العرف حيث يرى الايجاب والاستحباب فردين، لا فردا واحدا مختلف الوصف. إلخ. 364 الباب أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا (1) وان لم يكن (2) بنقض بحسب الدقة، ولذا (3) لو انعكس الامر ولم يكن نقض عرفا لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض عقلا.
365 ومما ذكرنا في المقام (1) يظهر أيضا حال الاستصحاب في متعلقات الاحكام [1] في الشبهات
[1] قد يشكل جريان الاستصحاب فيها كالوجوب المردد بين الظهر و الجمعة أو المردد بين النفسي والغيري أو الطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب ونحوها بناء على مختار المصنف (قده) من اقتضاء أخبار الباب إنشاء الحكم المماثل للمستصحب، فإنه كما يستحيل جعل الوجوب الواقعي مجردا عن خصوصية النفسية و الغيرية وعن تعلقها بخصوص الظهر أو الجمعة، كذلك يستحيل جعل الوجوب الظاهري مجردا عن إحدى الخصوصيتين، فالجامع لما امتنع جعله واقعا امتنع جعل المماثل له ظاهرا أيضا، وهذا بخلاف استصحاب القدر المشترك في الموضوعات، فإنه يجري فيه بلحاظ أثره كحرمة مس المصحف بالنسبة إلى كلي الحدث. وأما بناء على إنكار جعل الحكم المماثل هنا وكون مفاد أخبار الاستصحاب الامر بالمعاملة مع اليقين الزائل أو المتيقن معاملة الباقي من حيث الجري العملي فلا مانع من التعبد ببقاء الجامع المتيقن سابقا أو ببقاء اليقين به على اختلاف في تعريف الاستصحاب. 366 الحكمية (1) والموضوعية (2)
[1] هذا نقض أورده المصنف (قده) في الحاشية على ما ذهب إليه 367
شيخنا الأعظم (قده) من جريان استصحاب الكلي فيما لو احتمل حدوث فرد آخر من الكلي مقارنا لوجود الفرد المعلوم. والنقوض الأخرى وجهها عليه تلميذه المحقق الميرزا الآشتياني في الشرح. و الظاهر أنها واردة على مقالة الشيخ، ولما لم يمكن الالتزام بها فلا مناص من إنكار استصحاب الكلي في هذا القسم. إلا أن شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) دفع النقض الثاني بما محصله عدم جريان استصحاب كلي الحدث لأجل محكوميته بأصل موضوعي، وبيانه: أن وجوب الوضوء لم يترتب في الشرع على المكلف المحدث مطلقا سواء أكان حدثه أصغر أم أكبر، بل يتقيد موضوعه بمن أحدث بالأصغر ولم يحدث بالأكبر وذلك لقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) وقوله تعالى: (فان كنتم جنبا فاطهروا) حيث إن التفصيل قاطع للشركة، فيختص وجوب الوضوء بصنف من المكلفين كما يختص وجوب الغسل بصنف آخر منهم. وعليه فالمخاطب بالوضوء هو المحدث الذي لا يكون جنبا، فموضوع الحكم مؤلف من جزين، ومن المعلوم أن من استيقظ من نومه محدث بالأصغر وجدانا وغير جنب تعبدا، فوضوؤه رافع للحدث، ومعه لا مجال لاستصحاب كلي الحدث، هذا. لكنه لا يخلو من غموض، فان موضوع وجوب الوضوء وان قيل بكونه مؤلفا من أمرين أحدهما وجودي والاخر عدمي، إلا أن استصحاب كلي الحدث المقتضي للجمع بين الوضوء والغسل لا مانع من جريانه، ضرورة أن أصالة عدم الجنابة وان كانت محققة لجز موضوع وجوب الوضوء، لكنها لا ترفع احتمال بقاء طبيعي الحدث بعد الوضوء، أما وجدانا فواضح، وأما تعبدا فلعدم الترتب الشرعي بين ارتفاع هذا الطبيعي وأصالة عدم الجنابة، فان انتفاء طبيعة الحدث بارتفاع فرديها 368 فلا تغفل (1).
تكويني كانعدام كل طبيعة نوعية بانعدام أفرادها، لا تشريعي، ومن المعلوم اعتبار الترتب الشرعي في حكومة أحد الأصلين على الاخر، و المفروض أن ارتفاع كلي الحدث ليس من آثار ارتفاع الجنابة. وعليه فالنقض وارد على الشيخ، فتدبر. إلا أن يقال: إنه لم يثبت كون طبيعي الحدث حكما شرعيا ولا موضوعا له حتى يجري فيه الاستصحاب، ويترتب عليه الأثر المشترك، بل هو عنوان انتزاعي عقلي لا يترتب عليه أثر شرعي، إذ النصوص المتضمنة لأحكامه لا تدل على كون موضوعها عنوان الحدث، بل تدل على أحكام موجبات الحدث الأصغر وموجبات الحدث الأكبر، فيكون كل من الحدثين ذا أحكام خاصة مع تماثلهما في بعض الأحكام أيضا كحرمة مس المصحف الشريف. ومجرد التماثل في بعض الأحكام لا يوجب وحدة متعلقيهما واندراجهما تحت جامع واحد، و إلا لزم اندراج الصوم والصلاة مثلا تحت جامع واحد. فالنزاع في جريان الاستصحاب في كلي الحدث ساقط من أصله، لا أنه محكوم بأصل موضوعي كما عن المحقق النائيني (قده) حتى يورد عليه بعدم ارتفاع احتمال طبيعي الحدث بأصالة عدم الجنابة. لكن ما أفاده من تركب موضوع وجوب الوضوء من جزين لا يخلو من وجه وان كان أيضا لا يخلو من النظر والاشكال، فتدبر. 369
[1] ثم إنه ينبغي تذييل استصحاب الكلي بالبحث عن أمرين: الأول استصحاب الفرد المردد، الثاني استصحاب المفهوم المردد. وقبل بيانهما لا بأس بالتعرض للمسألة المعروفة بالمسألة العبائية التي ألقاها السيد الفقيه الجليل السيد إسماعيل الصدر قدس سره حين تشرفه بزيارة النجف الأشرف أيام حياة المصنف (قده) في بعض مجالسه، وهي: أنه إذا وقعت نجاسة على أحد طرفي عباءة، ولم يعلم أنه الطرف الأعلى أو الأسفل، ثم غسل الطرف الأعلى غسلا يوجب طهارته على تقدير نجاسته، فصارت النجاسة المعلومة بسبب هذا الغسل مشكوكة الارتفاع، ثم لاقى بدن المصلي كلا طرفي العباءة، فان المنسوب إلى الفقيه المتقدم عدم جريان استصحاب نجاسة العباءة، إذ لازم جريانه هو الحكم بنجاسة البدن الملاقي للعباءة، وهو خلاف ما تسالموا عليه من طهارة الملاقي لبعض أطراف الشبهة المحصورة، فان المقام منها، حيث إن البدن لاقى الطرف الذي كان هو أحد طرفي الشبهة مع صيرورة الطرف الآخر طاهرا، وبطلان اللازم وهو نجاسة الملاقي لبعض أطراف الشبهة المحصورة يكشف عن بطلان الملزوم وهو جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني. فنتيجة ما أفاده السيد الصدر (قده) هي عدم جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني وكون الحكم بطهارة البدن الملاقي لطرفي العباءة شاهدا على عدم جريانه فيه، هذا. وأجاب عنه المحقق النائيني (قده) بأن استصحاب النجاسة في العباءة أجنبي 370
عن استصحاب الكلي، حيث إن مورده هو تردد الكلي بهويته بين ما هو مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع كدوران الحيوان بين الفيل و البق. وأما إذا وجد فرد معين من الكلي وتردد بين مكانين، كما إذا دخل زيد الدار ولم يعلم أنه استقر في الطرف الشرقي منها الذي انهدم أو في الطرف الغربي منها الذي لم ينهدم فيشك في حياته لأجل عدم العلم بمكانه، فان هذا ليس من دوران الكلي بين فردين، بل من تردد مكان فرد معين بين مكانين، وهذا التردد يوجب الشك في بقائه لا تردده بين فردين، فهذا أشبه بالفرد المردد، وقد ثبت في محله عدم جريان الاستصحاب في الفرد المردد. أقول: بل ليس هذا من الفرد المردد أيضا، إذ المراد به هو دوران وجود الكلي بين فردين من أفراده كدوران وجود الانسان بين زيد و عمرو، فالمقام نظير دوران فرد معين من الكلي كزيد بين حالين كالصحة والمرض، أو بين مكانين ككونه في الطرف الشرقي من الدار أو في الطرف الغربي منها. وكيف كان فقد أورد عليه المحقق العراقي (قده) بما ملخصه: أنه لا مانع من استصحاب شخص النجاسة الواقعة على العباءة، ولا وجه لمنع جريانه مطلقا، فعدم جريان استصحاب الكلي - لعدم انطباق ضابطه عليه - وكذا عدم جريان استصحاب الفرد المردد في العباءة لا يمنع عن جريان استصحاب الشخص فيها، فان الترديد في مكان فرد أو حال من حالاته لا يقدح في استصحاب شخصه، فإذا شرب زيد مائعا مرددا بين الماء والسم أو لا نعلم أنه كان في الطرف الشرقي الذي انهدم فمات أو في الطرف الغربي الذي لم ينهدم فهو حي فلا مانع من استصحاب حياته هذا. ثم أجاب المحقق النائيني (قده) في الدورة الأخيرة أيضا بوجه آخر، و هو هذا: (ولكن التحقيق عدم جريان استصحاب النجاسة في المثال أصلا، لعدم أثر شرعي مترتب عليها، إذ عدم جواز الدخول في الصلاة وأمثاله إنما يترتب 371
على نفس الشك بقاعدة الاشتغال، ولا يمكن التمسك بالاستصحاب في موردها كما أشرنا إليه. وأما نجاسة الملاقي فهي مترتبة على أمرين: أحدهما إحراز الملاقاة، وثانيهما إحراز نجاسة الملاقى بالفتح، ومن المعلوم أن استصحاب النجاسة الكلية المرددة بين الطرف الأعلى والأسفل لا يثبت تحقق ملاقاة النجاسة الذي هو الموضوع لنجاسة الملاقي، والمفروض أن أحد طرفي العباءة مقطوع الطهارة و الاخر مشكوك الطهارة والنجاسة، فلا يحكم بنجاسة ملاقيهما) و لكن تعرض حضرة السيد المقرر دام ظله وتأييده لهذا الجواب فيما حرر عنه من تقرير بحثه الشريف ببيان آخر، وهو: (أن الاستصحاب المدعى في المقام لا يمكن جريانه في مفاد كان الناقصة، بأن يشار إلى طرف معين من العباءة ويقال: ان هذا الطرف كان نجسا و شك في بقائها، فالاستصحاب يقتضي نجاسته، وذلك لان أحد طرفي العباءة مقطوع الطهارة والطرف الآخر مشكوك النجاسة من أول الامر، وليس لنا يقين بنجاسة طرف معين يشك في بقائها ليجري الاستصحاب فيها. نعم يمكن إجراؤه في مفاد كان التامة، بأن يقال: ان النجاسة في العباءة كانت موجودة وشك في ارتفاعها فالآن كما كانت. إلا أنه لا تترتب نجاسة الملاقي على هذا الاستصحاب إلا على القول بالأصل المثبت، لان الحكم بنجاسة الملاقي يتوقف على نجاسة ما لاقاه وتحقق الملاقاة خارجا، ومن الظاهر أن استصحاب وجود النجاسة في العباءة لا يثبت ملاقاة النجس إلا على القول بالأصل المثبت، ضرورة أن الملاقاة ليست من الآثار الشرعية لبقاء النجاسة، بل من الآثار العقلية. وعليه فلا تثبت نجاسة الملاقي للعباءة. ونظير ذلك ما ذكره الشيخ (ره) في استصحاب الكرية فيما إذا غسلنا متنجسا بماء يشك في بقائه على الكرية من أنه إن أجرى الاستصحاب في مفاد كان الناقصة بأن يقال: ان هذا الماء كان كرا فالآن كما كان، فيحكم بطهارة 372
المتنجس المغسول به، لان طهارته تتوقف على أمرين: كرية الماء و الغسل فيه، وثبت الأول بالاستصحاب والثاني بالوجدان، فيحكم بطهارته. بخلاف ما إذا أجرى الاستصحاب في مفاد كان التامة، بأن يقال: كان الكر موجودا والآن كما كان، فإنه لا يترتب على هذا الاستصحاب الحكم بطهارة المتنجس إلا على القول بالأصل المثبت، لان المعلوم بالوجدان هو غسله بهذا الماء، وكريته ليست من اللوازم الشرعية لوجود الكر بل من اللوازم العقلية له). ثم ناقش دام ظله على ما في مصباح الأصول في هذا الجواب بما محصله: إمكان جريان الاستصحاب في مفاد كان الناقصة بدون تعيين موضع النجاسة، بأن نشير إلى الموضع الواقعي ونقول: خيط من هذه العباءة كان نجسا والآن كما كان، فهذا الخيط محكوم بالنجاسة للاستصحاب، والملاقاة ثابتة بالوجدان، لفرض تحقق الملاقاة مع طرفي العباءة، ولازم ذلك الحكم بنجاسة الملاقي لا محالة. والمنع عن جريان الاستصحاب بمفاد كان الناقصة للقطع بطهارة أحد طرفي العباءة والشك في نجاسة الطرف الآخر من أول الامر جار في جميع صور استصحاب الكلي، لعدم العلم بالخصوصية في جميعها، ففي دوران الحدث بين الأكبر والأصغر يكون الأصغر بعد الوضوء مقطوع الارتفاع والأكبر مشكوك الحدوث من أول الامر، وليس هذا مانعا عن جريان الاستصحاب في الكلي، لتمامية أركانه من اليقين والشك. فالانصاف في مثل مسألة العباءة هو الحكم بنجاسة الملاقي، لا لرفع اليد عن الحكم بطهارة الملاقي لاحد أطراف الشبهة المحصورة على ما ذكره السيد الصدر (ره) من أنه على القول بجريان استصحاب الكلي لا بد من رفع اليد عن الحكم بطهارة الملاقي لاحد أطراف الشبهة، بل لعدم جريان القاعدة التي نحكم لأجلها بطهارة الملاقي في المقام، لان الحكم بطهارته إما أن يكون لاستصحاب الطهارة فيه، وإما لجريان استصحاب عدم ملاقاته للنجس. 373
وكيف كان فالأصل الجاري في الملاقي في مثل المسألة العبائية محكوم باستصحاب النجاسة في العباءة، فيحكم بنجاسة الملاقي. و لا منافاة بين الحكم بطهارة الملاقي في سائر المقامات والحكم بنجاسته في المقام، وذلك للأصل الحاكم على الأصل الجاري في الملاقي، فان التفكيك في الأصول كثير جدا، فبعد ملاقاة الماء مثلا لجميع أطراف العباءة نقول: ان الماء قد لاقى شيئا كان نجسا، فيحكم ببقائه على النجاسة للاستصحاب فيحكم بنجاسة الماء. أقول: أما ما أورده المحقق العراقي (قده) على الجواب الذي أفاده المحقق النائيني (قده) فلا يرد عليه، لان هذا الكلام من الميرزا ناظر إلى نفي ما أفاده السيد الصدر (قده) من كون استصحاب نجاسة العباءة من القسم الثاني من استصحاب الكلي، وإثبات أنه أجنبي عنه، لعدم انطباق ضابطه عليه، وليس ناظرا إلى منع جريان جميع أنحاء الاستصحاب في العباءة. وأما إجراؤه في الشخص فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. وأما الجواب الثاني الذي أفاده المحقق النائيني (قده) في الدورة الأخيرة فهو الحق الذي ينبغي المصير إليه. ولا يرد عليه ما في مصباح الأصول تارة من جريان الاستصحاب في مفاد كان الناقصة بدون تعيين موضع النجاسة، بأن يقال: خيط من هذه العباءة كان نجسا والآن كما كان، فذلك الخيط محكوم بالنجاسة للاستصحاب، والملاقاة ثابتة بالوجدان، إذ المفروض تحقق الملاقاة مع طرفي العباءة، فيحكم بنجاسة الملاقي لا محالة. و أخرى بأن المنع عن جريان الاستصحاب بمفاد كان الناقصة لأجل القطع بطهارة أحد طرفي العباءة والشك في نجاسة الطرف الآخر من أول الامر يوجب انسداد باب الاستصحاب في جميع صور استصحاب الكلي، لعدم اليقين بالخصوصية في جميعها، فلازم ذلك عدم جريان استصحاب كلي الحدث في صورة دورانه بين الأكبر و الأصغر بعد الاتيان بالوضوء، للقطع بارتفاع الأصغر لو كان، والشك في حدوث الأكبر من أول الامر. مع 374
أن من المسلم جريان استصحاب كلي الحدث فيه. وذلك لما في المناقشة الأولى من: أن الأثر الشرعي وهو نجاسة الملاقي في المقام مترتب على نجاسة خصوص الطرف غير المغسول، إذ المفروض طهارة الطرف المغسول، ولا أثر لملاقاته، فلا بد من إثبات نجاسة الطرف غير المغسول بالخصوص بالوجدان أو بالتعبد حتى يصح الحكم بنجاسة ملاقيه، وكلاهما مفقود. أما الأول فواضح. وأما الثاني فيتوقف على اليقين بنجاسته والشك في بقائها حتى يجري الاستصحاب فيها، ومن المعلوم عدم اليقين بها وكون الشك في حدوثها. واستصحاب نجاسة خيط من العباءة بضم وجدانية الملاقاة لطرفيها إليه لا يثبت نجاسة الملاقي إلا بالأصل المثبت، ضرورة أن الملاقاة الوجدانية إنما هي مع العباءة، وهذه الملاقاة تستلزم عقلا ملاقاة الخيط المتنجس، وهذا غير الملاقاة مع المحل المعين المستصحبة نجاسته، بداهة أنها ملاقاة وجدانية لمستصحب النجاسة، فيندرج في كبرى شرعية وهي نجاسة ملاقي النجس. كما أن استصحاب النجس في العباءة بنحو مفاد كان التامة لا يجدي في نجاسة الملاقي، إذ نجاسته مترتبة على نجاسة الملاقي بنحو كان الناقصة دون النجاسة الجامعة بين طرفي العباءة، إذ المفروض طهارة الطرف الأسفل منها، ولا يثبت الوجود الناقصي باستصحاب الوجود التامي، نظير استصحاب الوجود المحمولي للكر في البيت لاثبات كرية ماء غسل به المتنجس الملقى فيه كما مر آنفا. ونظير ما عن المحققين في كتاب الوديعة من: أنه لو قال: (عندي ثوب لفلان) ومات ولم يكن في تركته إلا ثوب واحد، وشك الورثة في بقاء الوديعة عنده، لا يحكم بكون هذا الثوب وديعة، فان استصحاب بقاء الوديعة لا يثبت كون هذا الثوب وديعة إلا على القول بالأصل المثبت. بل يمكن منع استصحاب نجاسة الخيط مع الغض عن إشكال المثبتية أيضا، بتقريب عدم إحراز وحدة القضيتين المتيقنة والمشكوكة، توضيحه: أن النجس 375
المتيقن هو نجاسة خيط من خيوط العباءة التي هي مجموع طرفيها الاعلى والأسفل، وبعد غسل الأسفل يصير النجس المشكوك فيه خصوص خيط من خيوط الطرف الأعلى وتخرج خيوط الطرف الأسفل عن الطرفية، فالمشكوك فيه غير المتيقن، وهذا قادح في صدق وحدة القضيتين، ولا أقل من احتمال القدح المانع عن إحراز الوحدة الموجب للشك في شمول دليل الاستصحاب له. فالمقام نظير الملاقاة لاحد أطراف الشبهة المحصورة في عدم تنجس الملاقي له وان كان الملاقي كالبدن ملاقيا لكلا طرفي العباءة، إلا أن ملاقاته للطرف الأسفل كالعدم، إذ لا أثر لها بعد فرض غسله المطهر له على تقدير تنجسه، فملاقاته للطرف الأعلى كملاقاة شئ لاحد أطراف الشبهة المحصورة في عدم تنجس ملاقيه، بل المقام من صغروياتها. فالانصاف أن الملاقي للعباءة محكوم بالطهارة كغيره مما يلاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة. ونظير المقام من حيث ترتب الأثر على الفرد دون الكلي ما أفاده سيدنا الأستاذ (قده) من أنه (لو كان إنسان وكيلا لزيد ولعمرو على الانفاق على عيالهما، ثم علم بموت زيد وبحياة عمرو، وقد حضره إنسان واجب النفقة على أحدهما، فتردد بين أن يكون عيالا لزيد و أن يكون عيالا لعمرو، فعلى الأول لا يجب عليه إنفاقه عليه لموت معيله، وعلى الثاني يجب لحياة معيله، ففي جواز استصحاب حياة معيله لاثبات وجوب إنفاقه عليه إشكال. والذي يجري على ألسنة بعض أهل العصر ذلك، لاجتماع أركان الاستصحاب فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء كالكلي المردد بين فردين في القسم الثاني. لكن الظاهر المختار لجماعة من مشايخنا المعاصرين هو المنع، و الوجه فيه: أنه يعتبر في صحة جريان الاستصحاب تعلق اليقين و الشك بنفس موضوع الأثر الشرعي، ومثل عنوان المعيل في المثال المذكور ليس كذلك، لأنه إن أخذ عنوانا حاكيا عن زيد كان معلوم الوفاة، و ان أخذ حاكيا عن عمرو كان معلوم 376
الحياة. وان أخذ مرددا لم يكن موضوعا للأثر، لكون المفروض ترتب الأثر على مصداق الفرد لا على مفهومه المردد الصالح للانطباق على كل واحد منهما ولو على البدل. وبهذا يظهر الفرق بين الاستصحاب هنا واستصحاب الكلي في القسم الثاني مع تردده بين فردين أيضا، فان نفس متعلق اليقين والشك هناك وهو الكلي موضوع للأثر الشرعي، وليس كذلك هنا، لكون الأثر للشخص لا للكلي) وما اختاره هو ومشايخه قدس الله تعالى أرواحهم الطاهرة هو الحق الذي لا محيص عنه. هذا ما يرجع إلى المناقشة الأولى من المناقشتين المذكورتين في مصباح الأصول. وأما وجه عدم ورود المناقشة الثانية فهو: أن المفروض في مثل الحدث بناء على موضوعية كلي الحدث لاحكام شرعية اجتماع أركان الاستصحاب من اليقين والشك والأثر الشرعي في الكلي، فلا مانع من استصحابه. والشك في كل من الخصوصيتين قادح في استصحاب الشخص لا في استصحاب الكلي. فاستصحاب كلي الحدث بعد الوضوء لا مانع منه بعد اليقين بحدوثه والشك في بقائه وكونه موضوعا للأثر الشرعي، وكل مورد يكون مثل الحدث في ترتب الأثر الشرعي على الكلي يجري فيه استصحاب الكلي بلا مانع، ولا يقدح في استصحابه القطع بارتفاع أحد الفردين، لما مر آنفا من اجتماع أركانه في نفس الكلي. وهذا بخلاف المقام، فان الأثر الشرعي وهو نجاسة ملاقي العباءة مترتب على نجاسة خصوص الطرف غير المغسول، لا على كلي النجاسة، ومن المعلوم توقف نجاسة الملاقي على نجاسة الملاقي سواء قلنا بالسراية أم بالتعبد، وقد عرفت أنه لا سبيل إلى إحرازها لا وجدانا ولا تعبدا، هذا. بل قد تقدم في بعض تعاليق هذا التنبيه منع جريان استصحاب الكلي في الحدث رأسا، لما مر من أن كلي الحدث لم تثبت موضوعيته لحكم شرعي حتى يجري 377
فيه الاستصحاب، لعدم كون عنوان الحدث الجامع موضوعا في الأدلة النقلية لاحكام شرعية، بل الحدث عنوان انتزاعي، وليس بنفسه موضوعا للحكم الشرعي، فلا يجري فيه الاستصحاب حتى يستند إليه تنجز الحكم، بل تنجزه يستند إلى العلم الاجمالي. وقد أجاب المحقق العراقي (قده) عن الشبهة العبائية - بعد بيان مقدمتين: إحداهما: كون الطهارة والنجاسة من سنخ الاعراض الخارجية الطارئة على الموجودات الخارجية بحيث لا تعرض شيئا إلا بعد الفراغ عن وجوده خارجا، لا من سنخ الأحكام التكليفية المتعلقة بالطبيعة الصرفة القابلة للانطباق خارجا. وثانيتهما: توقف صحة استصحاب الشئ على ترتب الأثر الشرعي عليه بنحو مفاد كان التامة أو الناقصة - بأن عدم الحكم بنجاسة الملاقي في الفرض المزبور إنما هو لأجل ترتب نجاسته على نجاسة الملاقي بالفتح بمفاد كان الناقصة، لا من آثار وجود النجاسة بمفاد كان التامة، ومن المعلوم أن مثل هذا العنوان لم يتعلق به اليقين السابق حتى يجري فيه الاستصحاب، ضرورة أن كل واحد من طرفي العباءة من الأعلى والأسفل مشكوك النجاسة من الأول، والجامع بين المحلين بمقتضى المقدمة الأولى لا يكون معروضا للنجاسة، وإنما المعروض لها هو الطبيعي الموجود في ظرف انطباقه على هذا الطرف أو ذاك الطرف الذي عرفت عدم تعلق اليقين به. وأما استصحاب نجاسة القطعية الشخصية المرددة فهو من استصحاب الفرد المردد الذي عرفت عدم جريانه فيه. وأما صرف الوجود من النجاسة في العباءة بمفاد كان التامة فاستصحابه وان كان جاريا، لتمامية أركانه من اليقين بالوجود والشك في البقاء، لكنه بهذا العنوان لا يجدي في الحكم بنجاسة الملاقي بالكسر، لأنه من آثار كون الملاقى بالفتح نجسا بمفاد كان الناقصة حتى تسري النجاسة منه إلى الملاقي. نعم هذا العنوان موضوع للمانعية عن صحة الصلاة، فيجري الاستصحاب بمفاد كان التامة بلحاظ هذا 378
الأثر في ثوب المصلي أو بدنه، لا بلحاظ الحكم بنجاسة الملاقي. و حينئذ تندفع الشبهة المعروفة، إذ لا يلزم من استصحاب طبيعة النجاسة المرددة بين طرفي الاعلى والأسفل من العباءة بلحاظ أثر المانعية بعد تطهير الجانب المعين منه نجاسة الملاقي لطرفيه المغسول وغيره كي ترد الشبهة المعروفة، فافهم واغتنم). ويمكن إرجاع جل ما أفاده إلى الجواب الثاني المتقدم الذي ألقاه المحقق النائيني قدس الله تعالى سرهما وجزاهما عن العلم وأهله خير الجزاء في دورته الأصولية الأخيرة. وكيف كان فجواب شيخنا المحقق العراقي متين. إلا أن الظاهر عدم الحاجة إلى استصحاب النجاسة بمفاد كان التامة لترتيب أثر المانعية أيضا، لكفاية نفس العلم الاجمالي في تنجيز وجوب الاجتناب عن العباءة المذكورة في الصلاة كوجوب الاجتناب عقلا عن الثوبين المشتبهين فيها. وعليه فلا يجري الاستصحاب بأنحائه في العباءة. أما بمفاد كان التامة فلاشكال الاثبات بالنسبة إلى نجاسة الملاقي، ولعدم الحاجة إليه لترتيب المانعية. وأما بمفاد كان الناقصة ففي خصوص الطرف المغسول للقطع بالطهارة، وفي الطرف الآخر لعدم اليقين السابق، و في الموضع غير المعين - الذي عبر عنه المحقق العراقي (قده) بالقطعة الشخصية المرددة - لكونه من استصحاب الفرد المردد الذي لا يجري في نفسه. مضافا إلى أنه لا يثبت نجاسة الملاقي حتى يحكم بنجاسة ملاقيه. فتلخص من هذا البحث الطويل أمور: الأول: أن الاستصحاب في مسألة العباءة ليس من القسم الثاني من استصحاب الكلي كما زعمه السيد الفقيه الصدر (قده) حتى يكون بطلان لازم جريانه في العباءة - وهو نجاسة ملاقيه التي هي خلاف ما تسالموا عليه من طهارة ملاقي بعض 379
أطراف الشبهة المحصورة - دليلا على عدم صحة جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني رأسا. الثاني: أن الاستصحاب في المقام على تقدير جريانه يكون من القسم الأول من استصحاب الكلي، للعلم بوجود النجاسة في العباءة و الشك في ارتفاعها، فيجوز استصحاب كل من الكلي والشخص كالعلم بوجود زيد في الدار والشك في خروجه عنها في جواز استصحاب كلي الانسان وخصوص زيد فيما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على الكلي، إلا أن الاستصحاب في المقام كما عرفت لا يجري مطلقا لا في الكلي ولا في الشخص، لما مر من تفصيله. الثالث: أن الملاقي للعباءة كغيره مما يلاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة محكوم بالطهارة، ولا يكون الحكم بطهارته مؤيدا لعدم اعتبار استصحاب الكلي في القسم الثاني فضلا عن كونه دليلا عليه، لما عرفت من أجنبية مورد كل منهما عن الاخر. الرابع: أن ما أفاده بعض أعاظم العصر دامت أيامه الشريفة من: أن المستصحب هو الوجود بمفاد كان الناقصة، ولعدم كونه قابلا للإشارة الحسية، بأن يقال: كان هذا هو النجس، والآن كما كان، لعدم اليقين بلوازم وجوده الموجبة لتشخصه حتى يكون استصحابه من استصحاب الفرد المعين، ضرورة أن اليقين بتلك اللوازم وان لم يكن دخيلا في تشخصه واقعا، لكنه دخيل في صحة استصحابه بعنوان الفرد المعين، لتقوم الاستصحاب باليقين والشك المتعلقين بالمستصحب (يرجع) لا محالة إلى الفرد المردد المعبر عنه في لسان شيخنا العراقي (قده) بالقطعة الشخصية المرددة، وقد ثبت عدم جريان الاستصحاب في الفرد المردد. الخامس: عدم جريان استصحاب نجاسة الخيط بمفاد كان الناقصة، لما مر من عدم إحراز اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة مع الغض عن إشكال المثبتية، 380
وعن رجوعه إلى استصحاب الفرد المردد. هذا تمام الكلام في المسألة العبائية. استصحاب الفرد المردد أما الامر الأول وهو استصحاب الفرد المردد فله صورتان: إحداهما: أن يكون الشك في بقاء المعلوم بالاجمال من جهة ارتفاع أحد الفردين أو خروجه عن مورد الابتلاء. وثانيتهما: أن يكون الشك في بقائه من جهة أخرى. أما الصورة الأولى، فالحق وفاقا لجمع من المحققين عدم اعتباره فيها، خلافا للسيد الفقيه الطباطبائي (قده) على ما في حاشية المكاسب في التعليق على استدلال الشيخ الأعظم (قده) على لزوم المعاطاة باستصحاب القدر المشترك بين الملكية الجائزة واللازمة، حيث قال: (بأنه من استصحاب القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي، والحق عدم جريانه فيه. إلى أن قال: ثم إن التحقيق إمكان استصحاب الفرد الواقعي المردد بين الفردين، فلا حاجة إلى استصحاب القدر المشترك حتى يستشكل عليه بما ذكرنا. وتردده بحسب علمنا لا يضر بتيقن وجوده سابقا، والمفروض أن أثر القدر المشترك أثر لكل من الفردين، فيمكن ترتيب ذلك الأثر باستصحاب الشخص الواقعي المعلوم سابقا كما في القسم الأول الذي ذكره في الأصول، و هو ما إذا كان الكلي موجودا في ضمن فرد معين فشك في بقائه، حيث إنه حكم فيه بجواز استصحاب كل من الكلي والفرد، فتدبر). وحيث كان قيام الأمور الاعتبارية بالمردد معقولا بنظره الشريف فلذا قوى في وقف العروة جواز الوقف لاحد الشخصين أو أحد المسجدين ونحوهما، فلاحظ كلامه هناك. أقول: أما ما نسبه (قده) في حاشية المكاسب إلى الشيخ من التزامه باستصحاب 381
الفرد لترتيب أثر القدر المشترك عليه فلعله سهو من قلمه الشريف، لظهور الكلام في خلافه، أي ترتيب أثر الكلي باستصحابه وأثر الفرد باستصحابه، لا ترتيب أثر الكلي على استصحاب الفرد، لكون المناط في جريانه موضوعية المستصحب للأثر الشرعي كما سبق التنبيه عليه في صدر هذا التنبيه، قال الشيخ: (أما الأول فلا إشكال في جواز استصحاب الكلي ونفس الفرد، وترتيب أحكام كل منهما عليه). وأما أصل مدعاه من جريان الأصل في الفرد المردد فقد نوقش فيه تارة بمنع ثاني ركني الاستصحاب كما عن المحقق النائيني (قده) و أخرى بمنع ركن اليقين بالحدوث كما في حاشية المحقق الأصفهاني، وثالثة باختلال شرط جريانه وهو ترتب الأثر الشرعي على استصحاب الفرد المردد، ورابعة بغير ذلك. وكيف كان، فما قيل أو يمكن أن يقال في وجه عدم جريان الاستصحاب في الصورة الأولى وجوه: الأول: انتفاء ثاني ركني الاستصحاب فيه وهو الشك في البقاء، بتقريب: أن الفرد بما له من التشخص مردد بين ما هو مقطوع البقاء وبين ما هو مقطوع الارتفاع، فلا شك في بقاء الفرد الواقعي المعلوم الحدوث، إذ المفروض أنه إما معلوم البقاء أو مقطوع الارتفاع، ومن المعلوم أن الشك في البقاء أحد ركني الاستصحاب. وفيه: أن القطعين المزبورين إنما ينافيان الشك في البقاء إذا كانا فعليين، وأما إذا كانا تقديريين فلا منافاة بينهما أصلا، بداهة أن القطع على تقدير غير معلوم الحصول ليس قطعا فعلا بالحمل الشائع، بل هو شك حقيقة، فالحالة الفعلية حينئذ هي الشك في بقاء ما علم بحدوثه إجمالا بعد تحقق رافع أحدهما، كالوضوء ممن علم بحدث مردد بين البول والمني، فان الوضوء يوجب الشك وجدانا في ارتفاع ما علم به إجمالا من الحدث المردد. الثاني: انهدام أول ركني الاستصحاب وهو اليقين بالحدوث، بتقريب: 382
أن الخصوصية المفردة مجهولة، لترددها بين خصوصيتين، ومع التردد بينهما لا يحصل العلم التفصيلي بأحدهما، فالمتيقن هو القدر المشترك والجامع بينهما، ومتعلق الجهل كل واحدة من الخصوصيتين، كما هو شأن سائر العلوم الاجمالية، ومع فرض عدم موضوعية القدر المشترك للأثر الشرعي لا وجه لجريان الاستصحاب فيه وان اجتمعت فيه أركانه من اليقين بالحدوث والشك في البقاء، إذ المفروض كون الأثر الشرعي مترتبا على إحدى الخصوصيتين المفردتين، لا على الجامع بينهما. فما اجتمع فيه أركان الاستصحاب و هو الكلي لا يترتب عليه أثر شرعي وما هو موضوع الأثر الشرعي أعني مصداق الفرد بماله من العنوان التفصيلي كصلاة الظهر والجمعة و نجاسة هذا الاناء وذاك لا يجتمع فيه أركان الاستصحاب لعدم اليقين السابق بالخصوصية. وأما ما أفيد لمنع ركن اليقين بالحدوث من (أن اليقين أمر تعلقي بطبعه فلا بد من تعين المتعلق كي يصير معلوما، واليقين مساوق للوجود والتشخص، فان أريد بتيقن وجود الفرد المردد اليقين بالطبيعي الموجود بوجود أحد الفردين مع قطع النظر عن الخصوصية المفردة له فهو يقين بالكلي دون الفرد. وإن أريد به اليقين بالخصوصية المفردة المرددة بين الخصوصيتين، فأصل هذا اليقين محال، لان أحد الفردين المصداقي لا ثبوت ولا ماهية ولا وجود له حتى يصير معلوما، ولا معنى لتحقق الامر الإضافي مع عدم ما يضاف إليه. كما لا معنى لوجود العلم المطلق في أفق النفس. ومنه يعلم أن الإشارة إلى الموجود الشخصي المبهم عندنا واقعا لا يجعل الفرد بما هو معلوما، إذ التشخص الذي هو بعين حقيقة الوجود لأنه المتشخص بذاته المشخص لغيره غير مفيد، لان المستصحب على أي حال هو الموجود المضاف إما إلى الماهية الشخصية أو الكلية). 383
ففيه: أنه لا وجه لحصر المعلوم في الفرد المعين والطبيعي، إذ لازم ذلك إنكار منجزية العلم الاجمالي وعدم وجوب الموافقة القطعية، لفرض عدم كون المعلوم بالاجمال وجها للفرد. ومن المعلوم أن العلم بالجامع لا يتعدى عن متعلقه إلى صورة أخرى في أفق النفس، و المفروض أن العلم الاجمالي لا يختلف عن العلم التفصيلي في حد العلمية كما صرح به، ومع فرض الجهل بالخصوصيتين يكون تنجيز العلم الاجمالي منوطا بكفاية وصول الخصوصية بواسطة وصول العنوان المعلوم إجمالا القابل للانطباق على كل واحد من الفردين. وعليه فلا وجه للاشكال على استصحاب الفرد المردد بمنع ركن اليقين بالحدوث بالبيان المتقدم عن المحقق الأصفهاني (قده). الثالث: أن الشك في الاستصحاب لا بد من رجوعه إلى الشك في بقاء الحادث، لا في كون الباقي هو الحادث، بأن لا يرجع الشك إلى الشك في حدوث الفرد الباقي، فإذا علم إجمالا بوجوب إحدى الصلاتين الظهر والجمعة وأتى بالجمعة وأراد إجراء الاستصحاب، فان الشك فيه يرجع إلى الشك في حدوث الفرد الباقي لا في بقاء الفرد الحادث، إذ المفروض القطع بارتفاع الوجوب على تقدير تعلقه بالجمعة، فالشك إنما يتعلق بحدوث الفرد الاخر. وقد عرفت أنه يعتبر في الاستصحاب أن يكون الشك في بقاء الحادث لا في حدوث الباقي، فان جرى الاستصحاب في الفرد المردد على ما هو عليه من الترديد اقتضى ذلك الحكم ببقاء الحادث على كل تقدير سواء أكان هو الفرد الباقي أم المرتفع. وهذا ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير كونه هو الفرد المأتي به، فلا وجه لاستصحاب الفرد المردد بما هو مردد عند ارتفاع أحد فردي الترديد. نعم أركان الاستصحاب من اليقين بالحدوث والشك في البقاء بالنسبة إلى الكلي الجامع بين الفردين موجودة، ففي مثل الحدث المردد بين الأكبر والأصغر لا مانع من إجراء الاستصحاب في كلي الحدث بعد الاتيان بالوضوء مثلا وترتيب 384
آثاره من المانعية عن الصلاة وحرمة مس كتابة القرآن عليه. لكن هذا أجنبي عن استصحاب الفرد المردد الذي هو مورد البحث. فالمتحصل: أن مرجع هذا الوجه الثالث إلى أن الشك هنا في حدوث الباقي، وليس شأن الاستصحاب إثبات حدوثه، بل شأنه إثبات بقاء الحادث. وعليه فلا مجال لجريان الاستصحاب في الفرد المردد أصلا بعد ارتفاع أحد فردي الترديد. إلا أن يقرر بنحو يرجع فيه الشك إلى بقاء ما حدث، ببيان: أنه بإتيان أحد الفردين يشك في سقوط الواجب الذي اشتغلت به الذمة، و مقتضى الاستصحاب بقاؤه، فتأمل. الرابع: ما يظهر من تقريرات شيخنا المحقق العراقي (قده) من: أنه يعتبر في الاستصحاب تعلق اليقين والشك بموضوع ذي أثر شرعي، فلو تعلقا بعنوان لا يترتب عليه أثر شرعي فلا وجه لجريانه فيه، إذ التعبد الاستصحابي لا بد أن يكون بلحاظ الأثر الشرعي المترتب على المستصحب. وهذا الشرط مفقود في المقام، ضرورة أن عنوان إحدى الصلاتين أو أحد الإناءين مثلا ليس موضوعا للأثر الشرعي، بل الموضوع له هو العنوان التفصيلي كالظهر أو الجمعة، أو خصوص هذا الاناء أو ذاك الاناء في الإناءين المشتبهين، ومن المعلوم أن هذا العنوان التفصيلي لم يتعلق به اليقين والشك حتى يجري فيه الاستصحاب، وإنما تعلقا بعنوان إجمالي عرضي كأحد الفردين أو الفرد المردد، ومن المعلوم أن هذا العنوان العرضي وإن تعلق به اليقين والشك، إلا أنه لأجنبيته عما هو موضوع الأثر الشرعي لا يجري فيه الاستصحاب، فما هو الموضوع للحكم الشرعي أعني العنوان التفصيلي لم يتعلق به اليقين والشك، وما تعلقا به ليس موضوعا للأثر الشرعي. وملاك هذا الوجه الرابع عدم تعلق اليقين والشك بما هو موضوع الأثر الشرعي، وملاك الوجه الثالث عدم تعلق الشك ببقاء الحادث الذي هو من شرائط 385
الاستصحاب. ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا من عدم جريان الاستصحاب في الفرد المردد - لعدم ترتب الأثر الشرعي عليه - وجه جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني مع تردد الكلي بين فردين كالحدث المردد بين الأكبر والأصغر بعد الغسل أو الوضوء بناء على موضوعية كلي الحدث لاحكام شرعية، وذلك لوضوح ترتب الأثر الشرعي على نفس الكلي الذي تعلق به اليقين والشك هناك. بخلاف الفرد المردد، فإنه ليس موضوعا للأثر الشرعي، ولذا لا يجري فيه الاستصحاب وإن تعلق به اليقين والشك. ففرق واضح بين الفرد المردد و استصحاب الكلي في القسم الثاني في أنه يجري في الكلي ولا يجري في الفرد المردد مطلقا لا الشخصي ولا الكلي. أما الشخصي فلما مر من كون الشك هنا في حدوث الفرد، لا في بقاء الفرد الحادث الذي هو مورد الاستصحاب، دون الأول. مضافا إلى: أن استصحابه بعنوان كونه مرددا مرجعه إلى بقاء الحادث على كل تقدير سواء أكان هو الفرد الزائل أم الباقي، ومن المعلوم أنه ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير كونه هو الفرد الزائل، ومع العلم بارتفاع أحد فردي الترديد كيف يجري الاستصحاب في الفرد بوصف كونه مرددا؟ هذا. وأما الكلي فان أريد باستصحابه إثبات أن الباقي هو متعلق التكليف، ففيه: أنه مبني على الأصل المثبت الذي لا نقول به. وان أريد باستصحابه لزوم الاتيان بالباقي تحصيلا للعلم بفراغ الذمة عما اشتغلت به، ففيه: أنه يكفي في ذلك حكم العقل بعد تنجز التكليف الفعلي بالعلم الاجمالي بلزوم الإطاعة وإحراز فراغ الذمة من دون حاجة في ذلك إلى الاستصحاب، بل من المعلوم أنه لا مورد له مع قاعدة الاشتغال، لان موضوعها وهو الشك حاصل بالوجدان، والاستصحاب محرز تعبدي له، ومن البديهي أنه لا مجال لاحراز الموجود وجدانا بالتعبد، لأنه من أردأ وجوه تحصيل الحاصل، حيث إنه لا سنخية بين الاحراز التعبدي والوجداني. 386
وبالجملة: فالمقام من موارد قاعدة الاشتغال لا الاستصحاب، لعدم ترتب الأثر وهو لزوم تحصيل العلم على الواقع حتى نحتاج في إحرازه إلى الاستصحاب كما حقق ذلك مفصلا في محله. لا يقال: إن الأثر وهو لزوم الامتثال عقلا من الآثار المترتبة على الأعم من الحدوث والبقاء، فلا مانع من جريان الاستصحاب في البقاء. فإنه يقال: لا مجال للاستصحاب أيضا، لاستناد الشئ إلى أسبق علله، وحكم العقل بلزوم تحصيل العلم بالفراغ مستند إلى العلم الاجمالي بحدوث التكليف، ومن المعلوم تقدم الحدوث على البقاء. ثم إنه قد يتوهم أن عدم جريان الاستصحاب في الفرد المردد إنما هو فيما إذا كان العنوان الاجمالي مقصودا بالأصالة وبنحو الموضوعية. وأما إذا كان مقصودا بالعرض وبنحو العنوان المشير إلى ما هو الموضوع للأثر الشرعي فلا مانع من التعبد ببقائه للوصول إلى التعبد ببقاء ما هو الموضوع للحكم. لكنه فاسد، إذ فيه أولا: عدم صلاحية المردد المجهول للحكاية عن الفرد المعين والعلم به، لان التردد مساوق للجهل الذي يمتنع أن يكون موجبا للعلم. وثانيا: عدم إمكان تعنون المحكي بالعنوان الحاكي عنه، مع أن تعنونه بذلك ضروري، مثلا عنوان (من في الصحن) لا يجعل مشيرا إلى أشخاص إلا إذا كانوا داخلين في الصحن، ولا يصح جعله مشيرا إلى الخارجين عنه وان كان المقصود ذواتهم دون هذا العنوان العرضي، ومن المعلوم امتناع تعنون المحكي بعنوان الفرد المردد بهذا العنوان، لان المحكي معين وهو مضاد للفرد المردد، فلا يصلح المردد للحكاية عن المعين الذي هو موضوع الأثر. وثالثا: ما أفاده شيخنا المحقق العراقي (قده) من: أنه ان أخذ عنوانا لهذا الفرد كان مقطوع البقاء، وان أخذ عنوانا للفرد الاخر كان مقطوع الارتفاع، فلا شك في البقاء إلا بعنوان الفرد المردد الذي ليس هو موضوع الأثر بالفرض حتى 387
يجري فيه الاستصحاب. وأما الصورة الثانية، وهي الشك في بقاء الفرد المردد لا من جهة اليقين بارتفاع أحد الفردين، بل من جهة أخرى - كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين ثم شك في زوال نجاسته بسبب احتمال ورود مطهر من مطر أو غيره عليه - فقد ظهر حكمها مما تقدم، حيث إن عنوان الفرد المردد لم يرد في دليل موضوعا لحكم شرعي حتى يجري فيه الاستصحاب، كما لا يجري في كل واحد من الفردين معينا، لانتفاء اليقين بالخصوصية، إذ لم يتعلق ذلك إلا بعنوان أحدهما المردد الذي لا أثر له إلا لزوم الاجتناب عنهما، وهو حكم عقلي مترتب على تنجيز العلم، ومعه لا حاجة إلى جريان الاستصحاب فيه، بل لا وجه له، لما أشير إليه سابقا من عدم جريانه في موارد قاعدة الاشتغال. هذا ما يتعلق بمهمات مباحث الامر الأول أعني استصحاب الفرد المردد. استصحاب المفهوم المردد وأما الامر الثاني وهو استصحاب المفهوم المردد - كتردد مفهوم الكر بين ما بلغ مكسرة ثلاثة و أربعين شبرا إلا ثمن شبر كما هو المشهور بناء على كون كل بعد من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصف شبر. أو ستة وثلاثين شبرا بناء على كون بعده العمقي أربعة أشبار، وكل واحد من بعديه الآخرين ثلاثة أشبار. أو سبعة وعشرين شبرا بناء على كون كل من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار. وكتردد مفهوم النهار بين ما ينتهي باستتار القرص أو بذهاب الحمرة المشرقية. وكتردد مفهوم الرضاع الناشر للحرمة بين ما بلغ عشر رضعات أو خمس عشرة رضعة. و كتردد مفهوم العدالة بين ترك الكبائر فقط أو مع الاجتناب عن منافيات المروة. وكتردد مفهوم الغناء بين الصوت المشتمل على مطلق الترجيع أو خصوص الترجيع المطرب المناسب لمجالس اللهو و محافل الطرب، إلى غير ذلك من المفاهيم المرددة بين ما يعلم بارتفاعه وما يعلم ببقائه - فقد ظهر مما تقدم في الفرد المردد عدم صحة 388
جريان الاستصحاب فيه أيضا، لان المفهوم المردد ليس موضوعا للأثر الشرعي حتى يجري فيه الاستصحاب، بل لا يعقل أن يكون بوصف التردد موضوعا له، إذ لا مطابق له في الخارج، لان الموجود في الخارج هو الفرد المعين المتشخص بلوازم الوجود، وهو من أفراد الطبيعي لكن لا بقيد كونه مرددا، إذ لا يعقل التشخص الموجب للتعين مع التردد، ويمتنع انطباق المردد عليه. فإذا أخذ مقدار من ماء يساوي ثلاثة وأربعين شبرا إلا ثمن شبر حتى صار مساويا لسبعة و عشرين شبرا مثلا لا يصح ترتيب آثار الكر عليه باستصحاب كريته، لما مر من عدم ترتب أثر شرعي على المفهوم المردد ان كان هو المستصحب، ومن كون الشك في الحدوث دون البقاء ان كان المستصحب هو الباقي، لأن الشك فيه يرجع إلى الشك في حدوثه، ضرورة أنه على تقدير الحدوث قطعي البقاء، بمعنى: أن الكر ان كان ما يساوي سبعة وعشرين شبرا فهو باق قطعا وليس مشكوك البقاء، لكن الشأن في أن مفهوم الكر هل هو هذا أم غيره؟ ومثله الشك في بقاء عدالة شخص كان تاركا للكبائر ومنافيات المروة ثم ارتكب بعض منافيات المروة، فلا يصح استصحاب عدالته وترتيب آثارها عليه. وكذا الحال في سائر المفاهيم المرددة بين العلم بارتفاع أحد المفهومين وبقاء الاخر، فإنه لا سبيل إلى جريان الاستصحاب فيها أصلا، لما تقدم آنفا من عدم موضوعية المفهوم المردد للأثر الشرعي حتى يجري فيه الاستصحاب. ومن عدم اجتماع أركانه في المعين، لعدم كون الشك فيه في البقاء بل في الحدوث بالبيان المتقدم. هذا كله في الاستصحاب الوجودي كاستصحاب النهار عند استتار القرص، أو العدالة عند ارتكاب بعض منافيات المروة، وغير ذلك من الموارد التي يكون الشك فيها لترددها بين مفهومين يعلم بارتفاع أحدهما وببقاء الاخر. وأما الاستصحاب العدمي فالظاهر عدم الاشكال في جريانه، فلو زيد في ماء 389
قليل حتى صار ما يساوي سبعة وعشرين شبرا وشك في أنه بلغ كرا أولا، فلا مانع من استصحاب عدم كريته بعد كون الموضوع في الاستصحاب عرفيا، فيصح أن يقال: ان هذا الماء لم يكن كرا، والآن كما كان، أو: هذا الرضيع قبل عشر رضعات لم يكن ابنا أو بنتا لهذه المرضعة أو أخا أو أختا لأولادها، وبعد تحقق الرضعات العشر كما كان، أو: هذا الزمان قبل استتار القرص لم يكن ليلا، وبعد استتاره يستصحب عدم الليلية. وبالجملة: ففي المفاهيم المرددة لا يجري الاستصحاب في وجوداتها، لكن يجري في أعدامها ويترتب عليها آثارها، فإذا كان الماء أقل من سبعة وعشرين شبرا وزيد عليه حتى صار بهذا المقدار، وشك في أنه بلغ كرا أو لا جرى استصحاب عدم كريته. وان نوقش في الاستصحاب الموضوعي فلا مانع من جريان الاستصحاب الحكمي. وكذا في سائر المفاهيم المرددة كالعدالة والرضاع والنهار و الغناء وغيرها. والحاصل: أن وزان المفاهيم المرددة وزان الفرد المردد في عدم جريان الاستصحاب فيها. 390 الرابع (1): أنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الأمور القارة (2) أو التدريجية (3) غير القارة، فان الأمور غير القارة وإن كان (4) وجودها
391 ينصرم، ولا (1) يتحقق منه جز إلا بعد ما انصرم منه جز وانعدم، إلا أنه (2)
392 ما لم يتخلل في البين
393 العدم (1)، بل وإن تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفا (2) وإن انفصل حقيقة (3) كانت (4) باقية
394 مطلقا أو عرفا (1)، ويكون (2) رفع اليد عنها مع الشك في استمرارها وانقطاعها نقضا (3)، ولا يعتبر (4) في الاستصحاب بحسب تعريفه وأخبار الباب وغيرها من أدلته غير صدق النقض والبقاء كذلك (5) قطعا، هذا. مع (6)
395 أن الانصرام والتدرج في الوجود في الحركة في الأين
396 وغيره (1) إنما هو في الحركة القطعية، وهي كون الشئ في كل آن في حد أو مكان [وهي كون الأول في حد أو مكان آخر في الان الثاني] لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى [1] فإنه (2) بهذا
[1] هذا تعريف لمطلق الحركة، لا لخصوص القطعية، غايته أن الكون في كل آن في حد يكون جزا للحركة القطعية وجزئيا للتوسطية، فان الحركة كما عرفها في الاسفار عبارة عن (موافاة حدود بالقوة على الاتصال، والسكون هو أن تنقطع هذه الموافاة) وعليه فلا وجه لتخصيص التعريف المذكور في المتن بالحركة القطعية. 397 المعنى يكون قارا مستمرا (. [1 [1
[1] أورد شيخنا المحقق العراقي عليه بمنع صدق القار على الحركة بمعنى التوسط كي يتصور فيها البقاء الحقيقي، لما عرفت من أن البقاء الحقيقي للشئ عبارة عن استمرار وجوده في ثاني زمان حدوثه بماله من المراتب والحدود المشخصة له في آن حدوثه، ومثله غير متصور في الحركة التوسطية في مثل الزمان ونحوه، إذ الموجود منها في الخارج إنما هو الحصول في حد معين، وهو أمر آني لا قرار له، فلا يتصور له البقاء الحقيقي. ويمكن أن يقال: ان الحركة وإن كانت في ذاتها متقومة بالتجدد و الانصرام، إلا أن المفروض عدم لحاظ الموافاة للحدود في التوسطية، بل مجرد وقوعها 398 فانقدح بذلك (1) أنه لا مجال للاشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار، وترتيب مالهما من الآثار (2).
بين المبدأ والمنتهى أي كون الشئ بين الحدين، وهو الكلي الموجود بعين الوجودات المتجددة، ولا انصرام في هذه الحركة ما لم يبلغ المتحرك الحد المفروض. وعليه فما في المتن من صدق الموجود القار المستمر على المتحرك بالحركة التوسطية متين. 399
[1] لكن تصدى شيخنا المحقق العراقي (قده) لدفع إشكال استصحاب الزمان بمفاد كان الناقصة بما محصله: أن ذوات الآنات المتعاقبة كما تكون تدريجية، كذلك وصف الليلية والنهارية الثابتة لها أيضا تدريجية، وتكون حادثة بحدوث الآنات وباقية ببقائها، فإذا اتصف بعض هذه الآنات بالليلية أو النهارية وشك في اتصاف الزمان الحاضر بالليلية أو النهارية، فكما يجري الاستصحاب في نفس الزمان، و يدفع شبهة الحدوث فيما كان اسما لمجموع ما بين الحدين، كذلك يجري الاستصحاب في وصف الليلية أو النهارية الثابتة للزمان. فلا قصور في استصحاب الليلية الثابتة للآنات السابقة وجرها إلى الزمان الحاضر، لرجوع الشك المزبور بعد اليقين باتصاف الآنات السابقة بالليلية أو النهارية إلى الشك في البقاء لا في الحدوث، فيقال بعد إلغاء خصوصية القطعات ولحاظ مجموع الآنات من جهة اتصالها أمرا واحدا مستمرا: ان هذا الزمان الممتد كان متصفا بالليلية أو النهارية سابقا والآن كما كان، فيثبت بذلك اتصاف الان المشكوكة ليليته أو نهاريته بالليلية أو النهارية. وإلا فلو فتحنا باب هذا الاشكال يلزم سد باب الاستصحاب في الزمان في مثل الليل والنهار ولو بمفاد كان التامة، لجريان الاشكال المزبور فيه أيضا من حيث عدم تصور اليقين بالحدوث في مثل الليل والنهار الذي هو اسم لمجموع ما بين الحدين من حيث المجموع، و كون القطعة الحاضرة من الزمان غير القطعة 400
الموجودة سابقا) وبهذا البيان يندفع شبهة عدم اليقين بالحدوث كما تندفع شبهة مثبتية الأصل. وما أفاده (قده) لا يخلو من غموض، وذلك لانتفاء الحالة السابقة المتيقنة. وقياس اتصاف الآنات المتجددة بالليلية مثلا على نفس عنوان الليل مع الفارق، لصدق استمرار الموجود الوحداني حقيقة أو عرفا على الليل بمجرد استتار القرص أو ذهاب الحمرة إلى آن تحقق النهار، فيجري الاستصحاب عند الشك في الغاية، لأنه بقاء ما حدث. وهذا بخلاف إجراء الأصل في الليل بمفاد كان الناقصة، لان المتيقن هو وصف جز الليل أعني ليلية الساعة السابقة، وهذه الساعة الماضية الموصوفة بكونها ليلا جز الموجود الوحداني أعني الليل، ولا ريب في امتناع صيرورة الجز كلا بإلغاء خصوصيته، والساعة الفعلية المشكوكة ليليتها لو كانت ليلا لكانت قطعة أخرى من الليل، وهي متصفة بأنها الساعة الخامسة منه مثلا، والاتصاف وان كان متجددا بتجدد الآنات والأكوان، إلا أن المفروض اتصاف كل قطعة منها بوصف، والمتيقن هو وصف جز خاص، والمشكوك وصف جز آخر، ومن المعلوم امتناع تسرية وصف جز إلى جز آخر. وبعبارة أخرى: المقصود بالاستصحاب إثبات ليلية هذه الساعة المشكوكة ليليتها، فلا يقين بذات الليل المستمر إلى زمان الشك، وإلا لم يقع شك فيه، وإنما تعلق اليقين بليلية ساعة سابقة قد تصرمت، وجر هذا الوصف إلى الساعة الحالية التي هي قطعة أخرى من الليل - على فرض كونها ليلا - لا يوجب اتصاف هذه الساعة بكونها ليلا، لأنه استصحاب وصف جز لاثبات ذلك الوصف لجز آخر، وهو من أقوى الأصول المثبتة. وما أفاده من الملازمة بين استصحاب الزمان بمفاد كان التامة و الناقصة قد عرفت عدم تماميته، لأنه بمفاد كان التامة قد اجتمعت أركانه فيه من اليقين بحدوث 401 وكذا (1) كلما إذا كان الشك في الامر التدريجي من جهة الشك (2)
أمر واحد والشك في بقائه، فيجري، بخلافه بمفاد كان الناقصة، لاختلال ركن اليقين بالحدوث كما عرفت. ولشيخنا العراقي وجه آخر وهو الاستصحاب التعليقي الجاري في الفعل المقيد بالزمان، وسيأتي بيانه. 402 في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهى، أو أنه (1) بعد في البين. وأما (2) إذا كان من جهة الشك في كميته ومقداره كما في نبع الماء وجريانه
403 وخروج الدم وسيلانه فيما كان (1) سبب الشك في الجريان و السيلان الشك في أنه بقي في المنبع (2) والرحم فعلا (3) شئ من الماء والدم
404 غير ما سال وجرى منهما، فربما (1) يشكل في استصحابهما حينئذ (2)، فان الشك ليس في بقاء جريان شخص ما كان جاريا، بل في حدوث جريان جز آخر شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه. ولكنه (3) يتخيل بأنه لا يختل به ما هو الملاك في الاستصحاب
405 بحسب تعريفه ودليله حسب ما عرفت (1). ثم إنه (2) لا يخفى أن استصحاب بقاء الامر التدريجي إما يكون
406 من قبيل استصحاب الشخص، أو من قبيل استصحاب الكلي بأقسامه،
[1] فيه تأمل، لأنه من الشك في المقتضي الذي أنكر حجية الاستصحاب فيه. 407 فإذا شك (1) في أن السورة المعلومة التي شرع فيها تمت أو بقي شئ منها صح فيه (2) استصحاب الشخص والكلي. وإذا شك فيه (3) من جهة ترددها بين القصيرة والطويلة كان من
408 القسم الثاني (1). وإذا شك (2) في أنه شرع في أخرى مع القطع بأنه قد تمت الأولى كان من القسم الثالث [1 [3
[1] عده من القسم الثالث مبني على تعدد وجود الكلي بتعدد السورة أو بتخلل العدم المعتد به بين السورتين أو بتعدد الداعي، وإلا فعده من القسم الثالث غير معلوم. أما تعدد وجود الكلي بتعدد السورة فقد حكى المحقق المشكيني عن مجلس درس المصنف في دفع توهم كونه من القسم الثاني ما لفظه: (ثم أجاب بما حاصله: أنه كذلك دقة، وأما عرفا فإنهم يعدون كل سورة موجودا آخر، وليس السورة عندهم مثل الآية. ولو سلم فليفرض فيما قطع بالشروع في قراءة القرآن والفراغ عنها والشك في الشروع في قراءة الاشعار. ولو نوقش فيه بدعوى كون مطلق القراءة شخصا واحدا فليفرض فيما شك بعد القطع بالفراغ عن القراءة في الشروع في فعل من غير سنخ القراءة) ثم أورد عليه بأن الملاك ان كان نظر العرف 409 هذا في الزمان ونحوه من سائر التدريجيات. [1]
لم يفرق فيه بين السورة والآية، إذ الملاك عندهم وحدة الداعي. أقول: لا ريب في اختلاف الموارد في صدق الوحدة العرفية على مجموع قطعات الأمور التدريجية كما اعترف شيخنا الأعظم بوضوح الوحدة في بعض الموارد وعدمه في بعضها الاخر، والتباس الامر في غيرهما، لكنه حكم بحصول الوحدة في قراءة القرآن بداع واحد، وبتعدد الموجود بتعدد الدواعي، قال: (أما لو تكلم لداع أو لدواع ثم شك في بقائه على صفة التكلم لداع آخر فالأصل عدم حدوث الزائد على المتيقن). لكن الظاهر صدق الوحدة في قراءة السورة حتى مع تعدد الداعي، فلو شرع في تلاوة سورة بداع قربي ثم تبدل ذلك إلى داع شيطاني أثناء القراءة، فالظاهر صدق قراءة السورة الشخصية عرفا وان لم تصدق الوحدة بالدقة العقلية، وكذا لو سجد بقصد الطاعة فأطالها بداعي الاستراحة مثلا، فالظاهر عدم انثلام الوحدة بتبدل الباعث عليه. نعم إنما يتجه هذا بناء على مختار المصنف من عموم حجية الاستصحاب للشك في المقتضي، وإلا فبناء على اختصاصها بالشك في الرافع، فلا وجه لاجراء الأصل مع الشك في أصل الاقتضاء فضلا عما إذا علم بانقضاء المقتضي السابق وشك في قيام مقتض آخر مقامه، لعدم صدق النقض حسب الفرض، فما في الرسائل من قوله: (أو لأجل الشك في مقدار اقتضاء الداعي فالأصل بقاؤه) لا يخلو من خفاء. [1] ثم إن للشك في بقاء الدم في الرحم صورا كثيرة مذكورة مع أحكامها في الفقه، لكن لا بأس بالإشارة هنا إلى البحث الأصولي المتعلق بها، فنقول وبه نستعين: ان الشك في خروج الدم وبقاء الرحم على صفة القاذفية يتصور على وجوه: أحدها: أن يكون ذلك الشك في أول رؤيته، بحيث لو بقي إلى ثلاثة أيام لكان حيضا، ولو انقطع قبلها لكان استحاضة. والظاهر جريان الاستصحاب فيه 410
وإثبات بقاء الدم إلى الثلاثة، وترتيب أحكام الحيض عليه، لقاعدة الامكان الثابت شرطها وهو استمرار الدم ثلاثة أيام بالاستصحاب، كإثبات عدم المانع وهو اليأس بالاستصحاب فيما إذا شكت المرأة في اليأس ورأت الدم، فإنه يكفي في إحراز عدم اليأس الذي هو شرط قاعدة إمكان التحيض بالدم المرئي استصحاب عدم وصول المرأة إلى حد اليأس. والاشكال على استصحاب بقاء الدم إلى ثلاثة أيام تارة بأنه من الاستصحاب في الأمور المستقبلة، وأخرى بمعارضته باستصحاب عدم خروج الدم، وثالثة بأن موضوع قاعدة الامكان هو اليقين باستمرار الدم ثلاثة أيام، والاستصحاب لا يوجب اليقين، لأنه أصل، و موضوعه الشك. ورابعة بأنه لا يثبت الامكان إلا على القول بالأصل المثبت. مندفع في الأول: بأنه لا منشأ له إلا انصراف أدلة الاستصحاب عن الأمور المستقبلة، ومن المعلوم أن دعواه مجازفة ومخالفة لسيرة العقلاء والمتشرعة. وفي الثاني: بأن هذا هو الاشكال المتقدم في التدريجيات، وقد عرفت أنه مبني على لحاظ كل جز من أجزائه موجودا مستقلا، إذ بناء عليه يكون الشك في وجود الجز اللاحق، فيستصحب عدمه. لكن قد تقدم دفعه بأن مجموع الاجزاء يعد شيئا واحدا عرفا، فيكون الشك في الجز اللاحق شكا في البقاء دون الحدوث، وبهذا اللحاظ يجري استصحاب الوجود دون العدم، هذا. مع إمكان أن يقال: بحكومة الاستصحاب الوجودي على العدمي، حيث إن الشك في عدم الجز اللاحق ناش عن الشك في بقاء الدم في الرحم وعدمه، فإذا أحرز بقاؤه بالاستصحاب ارتفع الشك في العدم، فلا يبقى مجال لاستصحابه. وفي الثالث: بأن اليقين أخذ طريقا لا موضوعا، وقد ثبت في محله قيام الاستصحاب مقام القطع الطريقي المحض. وفي الرابع: بأن المراد بالامكان هو حكم الشارع بالتحيض برؤية الدم مع 411
وجود شرائط وعدم موانع، ومن المعلوم أن إحرازهما لتعبدي بالأصل حتى يترتب عليها حكم الشارع أجنبي عن الأصل المثبت، نظير استصحاب عدالة شخص لجواز تقليده أو الائتمام به. نعم لو كان المراد بالامكان الامر الاعتباري للماهية كالوجوب و الامتناع اللذين هما من اعتبارات الماهية أيضا كان الاستصحاب مثبتا. لكنه ليس كذلك، وتفصيله في الفقه. ثانيها: أن يكون ذلك الشك بالنسبة إلى الدم المرئي بعد العادة قبل العشرة بأن كان الشك في بقائه إلى ما بعد العشرة وانقطاعه على العشرة، فان تجاوز عن العشرة كان ما في العادة حيضا، وغيره استحاضة، وان انقطع على العشرة أو قبلها كان كله حيضا. والظاهر جريان الاستصحاب فيه وترتيب أحكام الحيض على ما في العادة، و أحكام الاستحاضة على ما عداه. لا يقال: ان مقتضى استصحاب الحيضية هو ترتيب أحكام الحيض على الدم الموجود بعد أيام العادة. فإنه يقال: إن استصحاب بقاء الدم حاكم على استصحاب الحيضية، لأن الشك في الحيضية ناش عن انقطاع الدم على العشرة وما دونها وبقائه إلى ما بعد العشرة، فإذا ثبت بالحجة كالاستصحاب بقاؤه إلى ما بعدها ارتفع الشك تعبدا عن حيضية الدم. ثالثها: أن يكون ذلك الشك في الفترة الواقعة في أيام العادة، بأن تشك المرأة في استمرار الفترة الموجب لطهرها وفي خروج الدم الكاشف عن بقاء الحيض. يمكن أن يقال: بجريان الاستصحاب في الفترة، وترتيب آثار الطهر عليها من وجوب الغسل وغيره، كما أنه يمكن إجراء الأصل في بقاء الرحم على قذف الدم بعد جعل الفترة المتخللة بحكم العدم في نظر العرف، فيحكم ببقاء الحيض. رابعها: أن يكون ذلك الشك في الفترة الواقعة بعد أيام العادة، كما إذا 412 وأما الفعل المقيد بالزمان (1) فتارة يكون الشك في حكمه من
كانت عادتها خمسة أيام، ثم انقطع الدم وشكت المرأة في استمرار الفترة إلى العشرة حتى تكون طهرا وانقطاعها برؤية الدم في بقية العشرة حتى تكون حيضا. وفي هذا الوجه يمكن أيضا استصحاب بقاء الدم، بجعل النقاء المتخلل في نظر العرف كالعدم. إلا أن يقال كما عن المشهور: بجريان استصحاب الطهر والحكم بوجوب الغسل عليها، بل دعوى عدم الحاجة في إثبات الطهر إلى الاستصحاب نظرا إلى اقتضاء أمارية العادة لطهرية النقاء الحادث بعدها غير بعيدة. وبالجملة: فيمكن التفصيل في الفترة بين وقوعها في أيام العادة وبين حدوثها بعد العادة، بالحكم ببقاء الحيض في الأول نظرا إلى استصحاب بقاء الرحم على قاذفية الدم، والحكم بالطهر ووجوب الغسل في الثاني لاستصحاب النقاء، أو لاقتضاء أمارية العادة لطهر الفترة الواقعة بعد أيامها. 413 جهة الشك في بقاء قيده (1)
414 وطورا (1) مع القطع بانقطاعه وانتفائه من (2) جهة أخرى (3) كما إذا احتمل (4) أن يكون التعبد [1] به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب، لا أصله. فان كان (5) من جهة الشك في بقاء القيد فلا بأس باستصحاب
[1] الأولى تبديل (التعبد) بالتقييد، لكون الكلام في الفعل المقيد بالزمان خصوصا بقرينة قوله بعد أسطر: (ظرفا لثبوته لا قيدا مقوما) مع أن دخل القيد في المصلحة تكويني لا تشريعي. 415 قيده من الزمان (1) كالنهار الذي قيد به الصوم [1] مثلا، فيترتب عليه (2)
[1] قد تقدم آنفا في التوضيح: أن إطلاق كلام المصنف: (من جهة الشك في بقاء قيده) يشمل كلا من الشبهة الموضوعية والحكمية. لكن جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية الناشئة من إجمال الدليل كدوران مفهوم النهار بين ما ينتهي إلى استتار القرص وبين ما ينتهي إلى ذهاب الحمرة محل إشكال، بل منع، لما تقدم في تعليقة استصحاب الكلي من أن المفهوم المردد ليس أثرا شرعيا ولا موضوعا لاثر شرعي، لامتناع انطباقه بما هو مردد على الخارج الموجب لعدم إمكان جعله موضوعا لبشئ من الاحكام حتى يصح جريان الاستصحاب فيه. وعليه فلا يمكن إجراؤه في نفس القيد وهو الزمان مع كون الشبهة مفهومية سواء أكان الزمان ظرفا أم قيدا. وأما في الشبهة الموضوعية فلا يجري فيها الاستصحاب أيضا إذا أخذ الزمان قيدا، لان استصحابه بمقتضى مفاد كان التامة مثبت، وبمقتضى مفاد كان الناقصة لا يجري، لعدم اليقين السابق به. 416 وجوب الامساك وعدم جواز الافطار ما لم يقطع بزواله (1). كما لا بأس (2) باستصحاب نفس المقيد، فيقال: إن الامساك كان قبل هذا الان في النهار، والآن كما كان، فيجب، فتأمل (3).
[1] ولهذا الاشكال عدل شيخنا الأعظم (قده) إلى التمسك باستصحاب 417
الحكم بأن يقال حين الشك في بقاء النهار: (ان وجوب الامساك في النهار كان ثابتا قبل هذا الان والآن كما كان). وإن كان هذا العدول لا يجدي أيضا في دفع الاشكال، لما يرد عليه أولا: من عدم جريان استصحاب الحكم مع عدم إحراز الموضوع كما أفاده المصنف في حاشية الرسائل. وثانيا: من أن المقصود إثبات وقوع الامساك في النهار، لا مجرد مقارنته واجتماعه مع النهار وجودا، كمقارنة الصلاة للطهارة على وجه، ومن المعلوم أن هذا المقصود لا يثبت باستصحاب وجوب الامساك في النهار، لأنه مثبت، حيث إن حكم الشارع بوجوب إبقاء الامساك الواقع في النهار مستلزم عقلا لبقاء النهار واتصاف الامساك فيه بكونه واقعا في النهار، ولو بني على اعتبار الأصل المثبت كان استصحاب نفس الزمان مغنيا عن استصحاب الحكم، لتسبب الشك فيه عن الشك في بقاء الزمان، ولم يكن وجه للعدول عن استصحاب نفس الزمان إلى استصحاب الحكم. ولا فرق في هذه الحكومة بين كون الزمان شرطا لنفس الحكم كما في الواجب المشروط، وبين كونه قيدا لمتعلقه، إذ المهم ترتب أحد الامرين على الاخر ترتبا شرعيا، فكما يكون ترتب أصل الحكم على شرطه شرعيا فكذلك يكون ترتبه على الزمان المأخوذ في المتعلق بأخذ الشارع، ومع هذه الحكومة لا وجه للاستصحاب الحكمي. وللتخلص عن الاشكال وإجراء الاستصحاب في الموقتات سلكوا طرقا أخرى: منها: ما أفاده المحقق النائيني (قده) في الدورة الأخيرة من جريان الاستصحاب في نفس الزمان وكذا في حكم الفعل المقيد به، و محصله: انطباق ضابط التركيب على المقام لا التقييد، إذ لو كان موضوع الحكم الشرعي مؤلفا من المعروض والعرض القائم به كموضوعية (الماء الكر) للاعتصام لم ينفع استصحاب الكر بمفاد كان التامة للتعبد ببقاء الكر من الماء، بل لا بد من إجرائه بمفاد (كان) 418
الناقصة، بأن يقال: (هذا الماء كان كرا والآن كما كان). وأما لو كان الموضوع مؤلفا من جوهرين أو عرضين لمحلين ونحوهما، فحيث لم يؤخذ عنوان اتصاف أحدهما بالآخر في الدليل كفى مجرد اجتماعهما في الوجود في ترتب الأثر عليه. والمقام من هذا القبيل، لعدم كون الحكم بالنسبة إلى الزمان كالعرض بالنسبة إلى محله، إذ الفعل كالامساك والصلاة ونحوهما عرض قائم بالمكلف، والوقت كالنهار والليل مقدار من حركة الفلك، ولا يتقيد أحدهما بالآخر، بل يكفي اجتماعهما في الوجود، ويكفي استصحاب الزمان بمفاد (كان) التامة. بل يصح استصحاب الحكم أيضا، فإذا ثبت الحكم في زمان نشك في بقائه للشك في بقاء الزمان المأخوذ قيدا للمتعلق فلا مانع من استصحابه. وليس هذا من التعبد ببقاء حكم لموضوع مشكوك الوجود الذي هو كالتعبد بوجود العرض من دون إحراز موضوعه، لان معنى التعبد ببقاء الوجوب فعلا هو التعبد ببقائه بجميع خصوصياته التي كان عليها، والمفروض أن الوجوب السابق إنما كان متعلقا بما إذا أتى به كان واقعا في النهار، فالآن يستصحب ذلك الوجوب على النحو الذي كان سابقا. لكنه لا يخلو من تأمل، فان ما أفاده (قده) من ضابط التركيب والتقييد وإن كان متينا في نفسه، لكن الظاهر أجنبية المقام عن الموضوع المركب الذي يكفي فيه مجرد مقارنة أجزائه في الوجود وان وافقه في ذلك شيخنا المحقق العراقي (قده) أيضا. وذلك لمخالفته لمقام الاثبات أعني ظهور أدلة الموقتات في مطلوبية الحصة الخاصة من الطبيعة وهي المقيدة بوقوعها في أوقاتها المضروبة لها. والزمان وان لم يكن كالعرض بالنسبة إلى فعل المكلف حتى يلتزم بالتقييد إلا أن الموجب للالتزام به هو أخذ الوقت الخاص في الدليل الظاهر في التقييد، لا الظرفية المحضة التي لا دخل لها في الحكم و متعلقه إلا لكونه من لوازم وجوده كالمكان بالنسبة إلى المكاني. و يرشد إليه مثل قوله عليه السلام: (ثمان ركعات 419
في السحر وهي صلاة الليل) الظاهر في القيدية والدخل في الملاك، ولولاه لكان أخذه في الدليل لغوا بعد استواء جميع الأزمنة في المصلحة. والمتحصل: أن عدم كون الزمان كالعرض لفعل المكلف لا يخرج المقام عن التقييد بعد ظهور الأدلة فيه، فيكون كأخذ عنوان التقارن بين الفعلين أو السبق واللحوق في موضوع الحكم الشرعي، مع أن كلا من الفعلين عرض قائم بجوهر، وذلك كاعتبار القبلية في تحقق القدوة إذا أدرك المأموم ركوع الامام، فان استصحاب ركوع الامام لا يثبت عنوان القبلية إذا شك المأموم في إدراكه إلا بناء على حجية الأصل المثبت. نعم ما أفاده (قده) ضابط مطرد يرجع إليه الشاك في كيفية دخل الزمان في موضوع الحكم الشرعي، وإلا فمع تسليم ظهور الأدلة في تقيد الفعل به لا سبيل لاجراء ضابط التركيب فيه. وبالجملة: فيشكل جريان الاستصحاب في كل من الحكم والزمان لاحراز وقوع الافعال الموقتة في أوقاتها. ومنها: ما في المتن من إجرائه في نفس الفعل المقيد بالزمان. وهو متين في نفسه، إلا أنه أخص من المدعى، لاختصاصه بالفعل المتصل بنظر العرف مع اشتغال المكلف به، وأما بدون اشتغاله به فلا ينفع الاستصحاب التنجيزي. ومنها: ما في تقرير شيخنا المحقق العراقي (قده) من التمسك بالاستصحاب التعليقي، بأن يقال عند الشك في انقضاء النهار وعدم الاتيان بالظهرين: (لو أتى بالصلاة قبل هذا الوقت لكانت واقعة في النهار، والآن كما كانت) ولا بأس به بناء على المختار من حجية الاستصحاب التعليقي حتى في الموضوعات كالأحكام. ومنها: ما أفاده سيدنا الأستاذ (قده) في مجلس الدرس من إنكار أصل تقيد الفعل بالزمان، ضرورة أن قيد الواجب هو ما يصح أن يقع في حيز الخطاب، ومن المعلوم اعتبار القدرة في متعلقه، والزمان لكونه غير اختياري لا يقع في حيزه 420
فلا محالة يكون الطلب مشروطا به، وحينئذ لا إشكال في استصحاب الزمان وترتب الوجوب عليه، إذ يثبت به الموضوع وهو صرف الوجود من الزمان، لكون الواجب في الموسع هو صرف الوجود منه، وكذا الوقت فان الموضوع منه هو صرف وجوده. لا يقال: إن جعل الوقت شرطا للوجوب ينافي ما بنوا عليه في الفقه من أهمية الوقت الموجبة لسقوط غيره من الشرائط وغيرها كترك السورة عند المزاحمة، إذ بناء على كون الوقت شرطا للوجوب لا وجه للمزاحمة المتقومة بتعلق الطلب بشيئين عجز المكلف عن امتثالهما، فإنه بناء على شرطيته للوجوب لم يتعلق به طلب حتى يقع التزاحم بملاحظته. فإنه يقال: لا تنافي بين الامرين، إذ عدم لزوم رعاية شرط الوجوب إنما يكون من ناحية نفس ذلك الوجوب المشروط به، لعدم اقتضاء الحكم حفظ موضوعه ولا إيجاده، ولذا يجوز تبديله كصيرورة المسافر حاضرا، إلا أنه لا يمتنع وجوب حفظه من ناحية حكم آخر كما هو الحال في الاستطاعة، فإنه لولا الدليل على وجوب إبقائها في أشهر الحج لجاز تفويتها. وعليه فيمكن أن يستفاد مما دل على تقديم الوقت على غيره في مقام المزاحمة وجوب مراعاة الوقت وتحقق الاضطرار بوجوب مراعاته، ولا ينافي هذا كونه شرطا للوجوب. وهذا الوجه يتم بناء على القول بالواجب المشروط والمعلق، وهو واضح على الأول. وكذا على الثاني، لعدم كون الوقت ونحوه من القيود غير الاختيارية متعلقا للطلب وان كان دخيلا في الواجب. و على هذا يكفي استصحاب الوقت بمفاد كان التامة لترتب الحكم الشرعي عليه، إذ التعبد ببقائه تعبد بترتب الحكم عليه كنفس الحكم الواقعي. ومنها: ما في حاشية المحقق الأصفهاني (قده) من: أن القيد المقوم هو الزمان بوجوده المحمولي لا الناعتي، وبيانه: أن الزمان ان كان مقوما - لا ظرفا - بحيث يكون 421
دخيلا في مصلحة الفعل المقيد به كصوم شهر رمضان، فتارة يكون قيدا للملاك بوجوده المحمولي كما إذا قال: (أمسك في النهار) و أخرى بوجوده الناعتي كما إذا قال: (يجب الامساك النهاري) و استصحاب الزمان بمفاد كان التامة ينفع في الصورة الأولى، إذ به يحرز وقوع الامساك الوجداني في النهار التعبدي. بخلاف الصورة الثانية، فإنه لا يجدي في تعنون الامساك بعنوان كونه في النهار لا وجدانا ولا تعبدا، لفرض دخل عنوان الاتصاف في الدليل، وعدم تعلق الحكم بالامساك مع وقوعه في النهار ليكفي إحراز النهار بالتعبد. ولا يبعد ظهور أدلة الموقتات في الأول. وعليه يكفي استصحاب الزمان بمفاد كان التامة. فيكون وزان الوقت وزان سائر الشرائط كالطهارة والستر ونحو هما من قيود الواجب في كفاية إحرازها بالاستصحاب بناء على كون جواز الدخول في الصلاة أثرا شرعيا للطهارة مثلا. كما يمكن دفع الاشكال بجعل قيود الواجب شرائط للمصلي حال صلاته، كما لعله يستفاد من قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) اعتبار الطهارة لمن يريد الصلاة، فيقال: ان هذا الشخص كان متطهرا والآن كما كان فيصلي وهو متطهر، ولو انكشف الخلاف وجبت الإعادة، لعدم كونه متطهرا بالفرض. مضافا إلى: أن مورد صحيحة زرارة الأولى كفاية هذا المقدار من إحراز الطهارة، و إلا يلزم عدم حجيتها في موردها. وبناء على عدم جريان الاستصحاب أصلا لا في الحكم ولا في المقيد ولا في القيد، فالظاهر أن المرجع هو أصالة البراءة من التكليف عند الشك في الوقت كالشك في بقاء النهار مثلا، مع الغض عن الأدلة الاجتهادية المعينة للوظيفة، لفرض دخل الزمان في الملاك وقيام الغرض به، ومع الشك في الوقت يشك في كون الفعل المقيد به مركبا للمصلحة، والأصل براءة الذمة منه. وليس المقام من 422 وإن كان (1) من الجهة الأخرى فلا مجال إلا لاستصحاب الحكم
موارد العلم بالغرض والشك في القدرة كدفن الميت عند احتمال صلابة الأرض حتى يكون من موارد قاعدة الاشتغال، وذلك للفرق الواضح بينهما، لتقوم المصلحة في الموقتات بالفعل المقيد، ومع الشك في الوقت لا علم بالغرض حتى يندرج في قاعدة الشغل، لأن الشك فيه مستتبع للشك في الحكم، والأصل عدمه. 423 في خصوص (1) ما لم يؤخذ الزمان فيه إلا ظرفا لثبوته، لا قيدا مقوما لموضوعه، وإلا (2) فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه [1] فيما بعد
[1] بل لا مجال لاستصحاب عدم الحكم مطلقا وإن كان الزمان قيدا، و ذلك لان العدم الأزلي الذي كان في حال الصغر قد انتقض قطعا حين البلوغ، لصيرورة كل واقعة ذات حكم في الشريعة، فالإباحة بعد البلوغ شرعية، وقبله عقلية، وهما متغايرتان. وعليه فعدم وجوب الجلوس بعد الزوال مغاير لعدم وجوبه قبل البلوغ، وليس هو ذلك العدم حتى يكون الشك في انتقاضه بوجوب الجلوس بعد الزوال كي يستصحب. وهذا المقدار من الميز بين العدمين كاف في التغاير المانع عن الاستصحاب المتقوم بالشك في بقاء عين ما كان، ومن المعلوم عدم الفرق في مانعية ذلك عن الاستصحاب بين ظرفية الزمان وقيديته. و العدم الاخر الذي يمكن استصحابه لا يقين 424 ذلك الزمان، فإنه (1) غير ما علم ثبوته له، فيكون الشك في ثبوته
به حتى يشك فيه ويستصحب، إذ لا بد أن يكون ذلك هو عدم وجوب الجلوس في الان الأول بعد الزوال حتى يشك فيه بعده، ومن المعلوم عدم العلم بذلك العدم. فالنتيجة: أنه لا مجال لاستصحاب العدم مطلقا وان كان الزمان قيدا، فما أفاده الشيخ الأعظم (قده) دفعا لتعارض استصحابي الوجود و العدم - على ما سيأتي في كلام العلامة النراقي (قده) - من (جريان استصحاب العدم دون الوجود في صورة قيدية الزمان، وجريان استصحاب الوجود دون العدم في صورة ظرفية الزمان، وعدم جريان كلا الاستصحابين في مورد حتى يتعارضا) لا يخلو من الغموض. نعم لا مانع من استصحاب الوجود في صورة الظرفية، لاجتماع أركانه من اليقين والشك الفعليين، ووحدة القضيتين. وأما في صورة قيدية الزمان فالمرجع فيها أصالة البراءة، لكون الشك فيها في التكليف، ولا مجال لجريان الاستصحاب فيها أصلا، لا العدمي ولا الوجودي. 425 له أيضا (1) شكا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه. لا يقال (2): إن الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وان أخذ ظرفا [1] لثبوت الحكم في دليله، ضرورة [2 [3 دخل مثل (4) الزمان فيما هو المناط لثبوته، فلا (5) مجال إلا لاستصحاب عدمه.
[1] قد عرفت منافاة الظرفية للتقييد وتقابلهما. [2] الاستدلال لقيدية الزمان بالظهور اللفظي - حيث إن كل ما يقع في 426 فإنه يقال: نعم (1) لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة ونظر
حيز خطاب من الخطابات الشرعية ظاهر في القيدية والدخل في موضوع الحكم - أولى من الاستدلال لها بدخله في الملاك وإن كان هو في نفسه حسنا، لكونه برهانا لميا. لكنه تخرص بالغيب، إذ لا سبيل إلى إحراز الدخل في الملاك حتى يصح جعله دليلا على قيديته للموضوع. وكيف كان، فما أفاده من القيدية بناء على رجوع كل قيد إلى الموضوع واضح. لكن هذا المبنى يوجب انسداد باب الاستصحاب في جل الاحكام بل كلها فتدبر. 427 العقل. وأما إذا كانت العبرة بنظر العرف (1) فلا شبهة في أن الفعل بهذا النظر موضوع واحد في الزمانين (2) قطع (3) بثبوت الحكم له في الزمان الأول، وشك في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزمان الثاني، فلا يكون مجال إلا لاستصحاب ثبوته (4). لا يقال (: [1] 5 فاستصحاب كل واحد من الثبوت والعدم يجري،
[1] لا يخفى أنه لا وقع لهذا الاشكال أصلا بعد حصر الاعتبار في النظر العرفي وإسقاط النظر العقلي عن الاعتبار في باب الاستصحاب، ضرورة أن دليل الاستصحاب مع الغض عن المعارضة أيضا لا يشمله، ومع قصور الدليل عن شموله له لا تصل النوبة إلى المعارضة. و ظني أن التعرض له تمهيد لرد كلام الفاضل النراقي تبعا للشيخ (قد هما) الذي تعرض له ولما يتوجه عليه من الاشكال فلاحظ. 428 لثبوت كلا النظرين (1) ويقع التعارض بين الاستصحابين كما قيل (2). فإنه يقال (3): إنما يكون
429 ذلك (1) لو كان في الدليل ما بمفهومه يعم النظرين، وإلا (2) فلا يكاد يصح إلا إذا سيق بأحدهما، لعدم إمكان الجمع بينهما، لكمال المنافاة بينهما (3)، ولا يكون في أخبار الباب (4) ما بمفهومه
430 يعمهما (1) فلا يكون هناك إلا استصحاب واحد وهو استصحاب الثبوت فيما إذا أخذ الزمان ظرفا، واستصحاب العدم فيما أخذ قيدا، لما (2) عرفت من أن العبرة في هذا الباب (3) بالنظر العرفي، ولا شبهة (4) في أن الفعل فيما بعد ذاك الوقت مع [معه] قبله متحد في الأول (5) ومتعدد
431 في الثاني (1) بحسبه، ضرورة (2) أن الفعل المقيد بزمان خاص غير الفعل في زمان آخر ولو (3) بالنظر المسامحي العرفي. نعم (4) لا يبعد أن يكون
432 بحسبه أيضا (1) متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في أنه بنحو التعدد المطلوبي، وأن (2) حكمه بتلك المرتبة التي كان [1] مع ذاك الوقت وإن لم يكن باقيا بعده (3) قطعا، إلا أنه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة (4) من مراتبه، فيستصحب (5)
[1] الظاهر أن الصواب (كانت) بدل (كان) لكونه صلة ل (التي) إذ المرتبة القصوى من المطلوبية نشأت من الوقت، فكأنه قيل: (وان حكمه بتلك المرتبة التي كانت مع ذلك الوقت. إلخ). 433 فتأمل جيدا (1). إزاحة وهم (2): لا يخفى أن الطهارة
434 الحدثية (1) والخبثية (2) وما يقابلها (3) يكون مما إذا وجدت بأسبابها لا يكاد يشك في بقائها إلا من قبل الشك في الرافع لها (4) لا من قبل الشك
435 في مقدار تأثير أسبابها،
436 ضرورة (1) أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها، كانت من الأمور الخارجية (2) أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار
437 شرعية (1) فلا أصل (2) لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي، وأصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة كما حكي عن بعض الأفاضل (3)، ولا يكون
438 هاهنا (1) أصل إلا أصالة الطهارة أو النجاسة. [1]
[1] ينبغي التعرض لكلام الفاضل النراقي أزيد مما تقدم في توضيح المتن خصوصا بعد اعتماد بعض الأجلة عليه في إنكار الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية، ولا بأس بنقل جملة مما أفاده في المناهج أولا ثم تحقيق الامر، قال في محكيها: (والتحقيق أن تعارض الاستصحابين ان كان في حكم وموضوع واحد فلا يمكن العمل بشئ منهما، ويتساقطان، فيرجع إلى أصل البراءة وشبهه، وذلك كما إذا قال الشارع في ليلة الجمعة: صم، وقلنا بأن الامر للفور، وكنا متوقفين في إفادته المرة أو التكرار، فنقطع بوجوب صوم يوم الجمعة، ونشك في السبت، وفيه يتعارض الاستصحابان، لأنا كنا يوم الخميس متيقنين بعدم وقوع التكليف بصوم يوم الجمعة ولا السبت، وبعد ورود الامر قطعنا بتكليف صوم يوم الجمعة وشككنا في السبت، وهذا شك مستمر من حين ورود الامر إلى يوم السبت، فنستصحب عدم تكليف يوم السبت بالصوم. وكذا يقطع يوم الجمعة بالصوم، ويشك في السبت فيستصحب التكليف أي وجوب الصوم، فيحصل التعارض. فان قلت: عدم التكليف المعلوم قبل الامر إنما يستصحب لولا الدليل على التكليف، واستصحاب الوجوب المتيقن في الجمعة دليل شرعي، فيرتفع عدم التكليف وينقض اليقين باليقين. قلنا: مثله يجري في الطرف الآخر، فيقال: وجوب صوم الجمعة إنما يستصحب لولا الدليل على عدمه، واستصحاب عدمه المتيقن قبل الامر دليل شرعي، فيرتفع الوجوب. لا يقال: ان العلم بالعدم قد انقطع، وحصل الفصل، فكيف يستصحب؟ لأنا نقول: لم يحصل فصل أصلا، بل كنا قاطعين بعدم إيجاب صوم السبت يوم الخميس، وشككنا فيه بعد الامر ولم نقطع بوجوب صومه أصلا، فيجب 439
استصحابه. إلى أن قال: ويعلم عدم حجية الاستصحاب في القسم الثالث مطلقا وهو الذي علم ثبوت الحكم في الجملة أو في حال و شك فيما بعده، لأنه بعد ما علم حكم في وقت أو حال وشك في ما بعده و ان كان مقتضى اليقين السابق واستصحاب ذلك الحكم وجوده في الزمان الثاني أو الحالة الثانية، لكن مقتضى استصحاب حال العقل عدمه، لان هذا الحكم قبل حدوثه كان معلوم العدم مطلقا، علم ارتفاع عدمه في الزمان الأول، فيبقى الباقي، مثلا إذا علم أن الشارع أمر بالجلوس يوم الجمعة، وعلم أنه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه فيما بعده.) إلى آخر ما حكاه الشيخ عنه وقد تقدم في التوضيح. ومقتضى هذا الكلام وإن كان منع حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية، ولذا نسب إليه القول بالمنع مطلقا، إلا أن صريح كلامه في المستند في استصحاب نجاسة ما جففته الشمس التفصيل بين الأحكام التكليفية والوضعية، حيث قال في ما أورده بعض على الاستصحاب المذكور ما لفظه: (وتحقيق المقام وتوضيحه: أن الأمور الشرعية على قسمين: أحدهما ما يمكن أن يكون المقتضي لثبوته مقتضيا له في الجملة أو إلى وقت كالوجوب والحرمة ونحوهما، فإنه يمكن إيجاب شئ أو تحريمه ساعة أو يوما أو إلى زمان أو مع وصف. وثانيهما ما ليس كذلك، بل المقتضي لثبوته يقتضي وجوده في الخارج، فإذا وجد فيه لا يرتفع إلا بمزيل. وذلك كالملكية. و شأن النجاسة في الشرعيات من هذا القبيل. وعلى هذا فبعد ثبوت النجاسة في الموضع يحتاج دفعه إلى مزيل، وما لم يعلم المزيل يستصحب). ونحوه كلامه في العوائد، حيث جعل الأحكام الوضعية كالولاية و القضاوة ونحوهما مما يحتاج رفعها إلى مزيل، فلاحظ. وبهذا يتضح عدم صحة ما نسب إلى الفاضل النراقي من إنكار حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية مطلقا تكليفية 440
كانت أم وضعية. وكيف كان فقد أورد على كلامه بوجوه: الأول: ما أفاده الشيخ الأعظم (قده) في أول اعتراضاته الثلاثة بقوله: (أما أولا: فلان الامر الوجودي المجعول إن لوحظ الزمان قيدا له أو لمتعلقه بأن لوحظ وجوب الجلوس المقيد بكونه إلى الزوال شيئا، والمقيد بكونه بعد الزوال شيئا آخر متعلقا للوجوب فلا مجال لاستصحاب الوجوب، للقطع بارتفاع ما علم وجوده، والشك في حدوث ما عداه. ولذا لا يجوز الاستصحاب في مثل - صم يوم الخميس - إذا شك في وجوب صوم يوم الجمعة. وان لوحظ الزمان ظرفا لوجوب الجلوس فلا مجال لاستصحاب العدم، لأنه إذا انقلب العدم إلى الوجود المردد بين كونه في قطعة خاصة من الزمان وكونه أزيد والمفروض تسليم حكم الشارع بأن المتيقن في زمان لا بد من إبقائه فلا وجه لاعتبار العدم السابق. إلخ). وهذا الاشكال وارد عليه. وان أمكنت المناقشة فيه تارة بما تقدم في بعض التعاليق من عدم جريان استصحاب العدم في صورة القيدية. وأخرى بابتنائه على عموم حجية الاستصحاب للشك في المقتضي، لكون الشك في بقاء الحكم بعد انقضاء الزمان أو زوال الوصف ناشئا من الشك في المقتضي وهو مقدار استعداده للبقاء لا في طروء المزيل، ومن المعلوم مخالفته لمختار الشيخ من عدم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي. إلا أن هاتين المناقشتين لا تقدحان في ورود أصل الاشكال على كلام العلامة النراقي، فإنه يعترف بأن المتيقن في زمان لا بد من إبقائه بحكم الشارع، ومعه لا وجه لاعتبار العدم الأزلي. الثاني: عدم اتصال زمان الشك باليقين، وقد تقدم تقريبه مع جوابه في العبارة المتقدمة عن المناهج. الثالث: ما عن شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) من: أن المعتبر في الاستصحاب اتصال زمان المشكوك فيه بزمان المتيقن، وهو غير متحقق في المقام 441
إذ اليقين بالجعل فاصل بين اليقين بعدم الجعل وزمان الشك، فالمشكوك فيه متصل بالمتيقن الثاني وهو وجود الجعل لا باليقين الأول وهو العدم، وهذا من نقض اليقين بالعدم باليقين بالوجود لا بالشك فيه، ولا مجال معه لاستصحاب عدم الجعل. وهذا الاشكال أيضا وارد على مقالة الفاضل (قده) من تعارض بقاء المجعول وعدمه. نعم لا يرد هذا الاشكال بناء على تقرير المعارضة بين استصحاب عدم تعلق الجعل واستصحاب بقاء المجعول، ضرورة كون المتيقن من المجعول - الناقض لعدم الجعل مستمرا - هو نجاسة الماء في ظرف التغير بأحد الأوصاف الثلاثة، فيستصحب، والمتيقن من عدم الجعل هو عدم نجاسة الماء مطلقا سواء زال تغيره أم لا، والمشكوك فيه هو انتقاض ذلك العدم المطلق بالوجود بسبب تشريع النجاسة لحال قبل زوال التغير، ومن المعلوم أنه لم يتخلل بين اليقين بعدم الجعل مطلقا والشك فيه إلا اليقين بوجود المجعول في ظرف التغير، وهذا اليقين بالمجعول غير فاصل بين اليقين بعدم الجعل المطلق والشك فيه، فأركان استصحاب عدم الجعل مجتمعة، وبجريانه يتحقق التعارض مع استصحاب بقاء المجعول. وبعبارة أخرى: المتيقن هو عدم جعل النجاسة للماء المتغير في جميع حالاته أي سواء زال تغيره بنفسه أو بعلاج أم لا. وهذا اليقين إنما ينتقض باليقين بجعل النجاسة للماء المتغير في جميع الحالات، ولا ينتقض باليقين بجعل النجاسة في خصوص حال التغير، فيتصل حينئذ زمان المشكوك - أعني نجاسة الماء بعد زوال التغير - بزمان المتيقن وهو عدم جعل النجاسة في جميع حالات الماء. ولعله لذا قرر بعض أعاظم العصر دام ظله إشكال المعارضة بين عدم الجعل وبقاء المجعول لا بين بقاء المجعول وعدمه كما يظهر من تمثيل الفاضل النراقي 442
بوجوب الصوم والجلوس. ثم تعرض دام ظله لبعض الاعتراضات والجواب عنها، وأهمها اثنان: الأول: أن استصحاب عدم الجعل معارض بمثله في رتبته، فان استصحاب عدم جعل الحرمة معارض باستصحاب عدم جعل الإباحة، للعلم الاجمالي بجعل أحدهما في الشريعة المقدسة، ويبقى استصحاب بقاء المجعول أعني الحرمة بلا معارض. وأجاب عنه بوجوه ثلاثة، فراجع كلامه. الثاني: ما أفاده المحقق النائيني (قده) من أن استصحاب عدم الجعل غير جار في نفسه، لعدم ترتب أثر عملي عليه، إذ الجعل هو الانشاء، والإطاعة والعصيان من آثار المجعول، فالعلم الوجداني بالجعل غير موضوع لحكم العقل بوجوب الامتثال فضلا عن إحرازه بالأصل، فلا أثر لاستصحاب عدم الجعل كي يعارض به استصحاب بقاء المجعول. وأجاب عنه بترتب الأثر على الجعل، فان الأحكام الشرعية أمور اعتبارية قائمة بنفس المعتبر وهو المولى، وليست من سنخ الجواهر و الاعراض الخارجية، والاعتبار كما يتعلق بأمر حالي كذلك يتعلق بأمر استقبالي، ونظيره في الوضع الوصية التمليكية، فالحكم الانشائي يصير فعليا بوجود موضوعه ويترتب عليه الإطاعة والعصيان، و بتحقق الموضوع خارجا ينشأ الحكم، فلا تنجيز ولا تعذير. وحيث انه يكفي في جريان الأصل موضوعية المستصحب للأثر في ظرف الشك وان لم يكن ذا أثر حال اليقين به، كما يترتب الأثر على المشروط بعد وجود شرطه كالصلاة بعد الزوال، فاستصحاب عدم بقاء الجعل يرفع الأثر حال وجود الموضوع، وبه يرتفع الاشكال. أقول: ما أفاده في تقريب تعارض أصالتي عدم الجعل وبقاء المجعول يتوقف على تعدد الجعل والمجعول حقيقة حتى يفرض جريان الأصل في كل منهما، وكلامه المتقدم وإن كان صريحا في التعدد، إلا أنه ينافيه قوله في موضع آخر: (فليس 443
جعل الحكم وإنشاؤه إلا عبارة عن اعتبار شئ على ذمة المكلف، و يتحقق المعتبر بمجرد الاعتبار، بل هما أمر واحد حقيقة، والفرق بينهما اعتباري كالايجاد والوجود). وحيث إن الانشاء عنده هو إبراز الاعتبار النفساني وبه يتحقق المنشأ والمعتبر فيشكل الامر في موارد تخلف أحدهما عن الاخر كما في الواجب المشروط وبيع الفضولي، لتأخر المعتبر عن زمان الانشاء فيهما، وهذا لا يلتئم مع فرضهما كالايجاد والوجود المتحدين حقيقة والمتعددين باعتبار الاسناد إلى الفاعل والقابل. وبعد تسليم اختلاف الجعل والمجعول حقيقة فالظاهر عدم جريان الاستصحاب في الجعل، لوضوح كون منشأ الشك في سعته وضيقه - بعد اليقين بانتقاض العدم الأزلي باليقين بالمجعول - هو الشك في سعة دائرة المجعول وضيقها، وباستصحاب بقائه لا يجري الاستصحاب في عدم الجعل حتى يعارض استصحاب المجعول، و ذلك لحكومة استصحاب المجعول عليه كحكومة سائر الأصول السببية على الأصول المسببية. وعليه ففي القليل المتنجس المتمم كرا يجري استصحاب النجاسة دون استصحاب عدم جعل النجاسة له، هذا. مضافا إلى: ما عرفت في تقريب إيراد الشيخ الأعظم على الفاضل النراقي (قدهما) من أن العدم المطلق قد انتقض بالوجود قطعا، فلا يقين بالعدم حتى يستصحب. ومع الغض عما ذكرنا، فان عمدة الاشكال عليه ما تقدم عن شيخ مشايخنا الميرزا النائيني (قده) من عدم ترتب الأثر على استصحاب عدم الجعل. وجوابه مد ظله عن الايراد غير سليم عن المناقشة، ضرورة أنه بعد الاعتراف بانفكاك الجعل عن المجعول - وأن أثر الجعل ليس إلا جواز إسناد المضمون إلى الشارع والافتاء على طبقه، وأثر المجعول المنوط بوجود الموضوع التنجز بالوصول - إن أريد باستصحاب بقاء الجعل التعبد ببقاء الانشاء أي اعتبار الحرمان أو اللابدية فهو معنى عدم النسخ، وهذا لا يتوقف على تحقق الموضوع خارجا كما هو واضح، لصحة إسناد الحكم الانشائي إلى الجاعل ما لم يعلم نسخه. وإن أريد باستصحاب 444
بقاء الجعل ترتيب آثار المجعول عليه حتى يجري الاستصحاب في الجعل بهذا اللحاظ كما أفاده مد ظله في رد المحقق النائيني (قده) فهو غير ظاهر، لان ترتب الأثر على المجعول ملازم لبقاء الاعتبار والابراز، ومن المعلوم أن إبقاء نفس الابراز تعبدا بلحاظ ترتب آثار المجعول من الأصل المثبت. نعم إذا أريد من استصحاب بقاء الجعل ترتيب أثر نفسه من صحة إسناد المضمون إلى الشارع دون ترتيب أثر المجعول مع فرض وجود الموضوع خارجا فهو وان كان سليما عن إشكال الاثبات، إلا أنه مساوق للتفكيك بين العلة ومعلولها، لوضوح وصول الحكم إلى مرتبة الفعلية بوجود موضوعه، ولا بد من ترتيب أثره عليه، فكيف يكتفي بترتيب أثر نفس الجعل دون المجعول؟ فلاحظ. هذا بعض ما يتعلق بأصل دعوى تعارض استصحابي عدم الجعل و بقاء المجعول في مطلق الشبهات الحكمية. وأما ما استثناه في آخر كلامه من الاحكام الترخيصية لعدم جريان استصحاب عدم جعل الإباحة فيها (لكونها متيقنة في صدر الاسلام، والشريعة إنما تتكفل بيان الاحكام الالزامية فحسب، فلا معارض لاستصحاب المجعول) فيرد عليه أولا: أن الإباحة الشرعية التي تعد من الأحكام الخمسة تتوقف على جعل الشارع قطعا، ولا وجه لحصر المجعول في الاحكام الالزامية خاصة، ويشهد لما ذكرناه مثل قوله تعالى: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) و (أحل لكم صيد البحر) ونحوهما مما يدل على جعلها تأسيسا. وثانيا: أنه أخص من المدعى، فان الاستحباب والكراهة حكمان ترخيصيان متوقفان على جعل الشارع قطعا. ولازمه وقوع المعارضة بين استصحابي عدم الجعل وبقاء المجعول، فلاحظ. وقد تحصل: أنه لا وجه لانكار الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية بدعوى المعارضة المذكورة. نعم لانكاره فيها وجه آخر وهو عدم إحراز وحدة الموضوع لعلنا نذكره في الخاتمة. 445 الخامس (1): أنه كما
446 لا إشكال (1) فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا، لا ينبغي الاشكال فيما إذا كان مشروطا معلقا (2)، فلو شك [1] في مورد لأجل طروء بعض الحالات (3)
[1] الأولى إبدال الفاء الظاهر في التفريع بالواو، ضرورة أن ما ذكر عقيب الفاء متمم لمورد الاستصحاب التعليقي لا نتيجة له، حيث إن مقصوده بيان مورد الاستصحاب التعليقي وهو ما إذا كان الشك في بقاء الحكم التعليقي لطروء حال على الموضوع الموجود كعروض الزبيبية على العنب حتى يصح استصحاب أحكامه المطلقة، إذ مع عدم الموضوع لا يصح استصحاب أحكامه الفعلية فضلا عن المعلقة فلو كان عدم الحكم لعدم الموضوع لم يجر فيه الاستصحاب التعليقي، فلا يثبت به جواز تقليد المجتهد الميت كالشيخ الطوسي (قده) في هذا الزمان، بأن يقال: (ان الشيخ كان في زمان حياته جائز التقليد والآن كما كان) فان الشك في جواز تقليده بعد وفاته إنما هو لانتفاء الموضوع لا لطروء حال على الموضوع كزبيبية العنب. 449 عليه في (1) بقاء أحكامه، فكما [) 2 ففيما] صح استصحاب أحكامه المطلقة (3) صح استصحاب أحكامه المعلقة، لعدم (4) الاختلال بذلك فيما
450 اعتبر في قوام الاستصحاب من (1) اليقين ثبوتا (2) والشك بقاء. وتوهم (3) أنه لا وجود
[1] تعليل عدم جريان استصحاب التحريم هنا بأجنبيته عن الاستصحاب 451 للمعلق (1) قبل وجود ما علق عليه فاختل أحد ركنيه فاسد (2)، فان المعلق
التعليقي ولو مع البناء على اعتباره أولى، لان مورد التعليقي هو الحكم المشروط بشئ، وهذا مفقود في المقام وهو العصير الزبيبي، حيث إن مورد الحرمة المعلقة على الغليان هو الماء المتكون بقدرته سبحانه وتعالى في العنب، والزبيب فاقد له وماؤه خارج عن ذاته و أجنبي عن حقيقته، فلا يكون غليانه موجبا لحرمته. وبالجملة: فلا موضوع للاستصحاب التعليقي هنا، واستناد عدم جريانه إلى عدم الموضوع له أولى من استناده إلى عدم حجيته. 452 قبله إنما لا يكون موجودا فعلا (1) لا أنه لا يكون موجودا أصلا ولو (2) بنحو التعليق، كيف (3)؟ والمفروض أنه (4)
453 مورد فعلا للخطاب بالتحريم مثلا أو الايجاب، فكان (1) على يقين منه قبل طروء الحالة، فيشك فيه بعده، ولا يعتبر (2) في الاستصحاب إلا الشك في بقاء شئ كان على يقين من ثبوته. واختلاف (3) نحو ثبوته.
454 لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك (. [1 [1
[1] لا يخفى أنه يظهر مما أفاده المصنف ضعف ما في تقريرات المحقق النائيني (قدهما) في منع الاستصحاب التعليقي من (أن نسبة الموضوع إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول، ولا يعقل أن يتقدم الحكم على موضوعه، والموضوع للنجاسة والحرمة في مثال العنب إنما يكون مركبا من جزين العنب والغليان، من غير فرق بين أخذ الغليان وصفا للعنب، كقوله: العنب المغلي يحرم وينجس، أو أخذه شرطا كقوله: العنب إذا غلى يحرم وينجس، لان الشرط يرجع إلى الموضوع ويكون من قيوده لا محالة، فقبل فرض غليان العنب لا يمكن فرض وجود الحكم، ومع عدم فرض وجود الحكم لا معنى لاستصحاب بقائه، لما تقدم من أنه يعتبر في الاستصحاب الوجودي أن يكون للمستصحب نحو وجود وتقرر في الوعاء المناسب له، فوجود أحد جزأي الموضوع المركب كعدمه لا يترتب عليه الحكم الشرعي ما لم ينضم إليه الجز الاخر. نعم الأثر المترتب على أحد جزأي المركب هو أنه لو انضم إليه الجز الاخر لترتب عليه الأثر، وهذا المعنى مع أنه عقلي مقطوع البقاء في كل مركب وجد أحد جزأيه فلا معنى لاستصحابه). توضيح وجه الضعف: أن مناط منع جريان الاستصحاب التعليقي بنظره (قده) هو اعتبار الوجود الفعلي في الاستصحابات الوجودية و عدم كفاية الوجود التقديري فيها كما هو مقتضى قوله: (ان نسبة الموضوع إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول) وقوله: (فوجود أحد جزأي الموضوع المركب كعدمه) وكذا بعض كلماته الاخر. ولكنك قد عرفت أن للوجود المعلق كالوجود الفعلي حظا من الوجود، ولذا يصدق (الحرام) على ماء العنب على تقدير الغليان، ولا يصدق على عصير 455
التمر وغيره. وكذا يصدق على زيد الموصى له (أنه مالك المال الكذائي بعد موت الموصي) ولا يصدق على عمرو الذي لم يوص له بشئ. وهذا الصدق أقوى شاهد على أن للحكم المعلق قبل حصول المعلق عليه حظا من الوجود، فاستصحاب الحكم المعلق من ناحية الوجود لا إشكال فيه. وأما قوله: (نعم الأثر المترتب على أحد جزأي المركب) إلى قوله: (وهذا المعنى مع أنه عقلي مقطوع البقاء. إلخ) الذي مرجعه إلى إشكالين: أحدهما: أن الأثر المترتب على انضمام الجز الاخر إلى الجز الموجود من الموضوع عقلي، والاخر: أنه مقطوع البقاء لا مشكوك البقاء حتى يجري فيه الاستصحاب. ففيه: أن الكلام ليس في الشك في ترتب الأثر على انضمام الجز الاخر إلى الجز الموجود من الموضوع حتى يرد عليه هذان الاشكالان. وببيان آخر: ليس الشك في ترتب الأثر أعني الحرمة على تقدير غليان ماء العنب مثلا، إذ هذا الشك لا يتصور إلا إذا كان الشك في النسخ. وهو خلاف الفرض، إذ المفروض أن منشأ الشك في بقاء الحرمة المعلقة هو طروء حالة كالزبيبية على الموضوع - وهو العنب مثلا - موجبة للشك في بقاء الحرمة المعلقة. ومن المعلوم أنها مع عروض هذه الحالة ليست معلومة البقاء ولو مع تحقق الجز الاخر و هو الغليان، بل لا بد في إحراز بقائها حينئذ من التشبث بالاستصحاب. وبالجملة: فقد اتضح مما ذكرناه: أن قول المقرر (قده): (ففيما نحن فيه ليس للعنب المجرد عن الغليان أثر إلا كونه لو انضم إليه الغليان لثبتت حرمته وعرضت عليه النجاسة، وهذا المعنى مما لا شك في بقائه فلا معنى لاستصحابه) ليس مرتبطا بالجهة المتعلقة بالاستصحاب التعليقي، حيث إن المحوج إلى هذا الاستصحاب ليس هو مجرد عدم تحقق الجز الاخر أعني الغليان الذي لا شبهة في فعلية الحرمة بوجوده، ضرورة أن ترتب فعلية الحرمة على وجوده قطعي، و ليس موردا للاستصحاب، بل مورده هو الشك في بقاء الحكم المعلق أو المطلق، 456 وبالجملة: يكون الاستصحاب متمما لدلالة الدليل (1) على
لتبدل حال من حالات موضوعه، وأن التعليق ليس مانعا عن جريان الاستصحاب فيه، فيجري فيه كما يجري في المطلق، كملكية العنب. كما اتضح ما في قوله (قده): (وأما حديث كون العنب والزبيب من حالات الموضوع لا مقوماته) إلى قوله: (والكلام في المقام إنما هو في مرحلة الثبوت والحدوث. إلخ) من الاشكال، فان المعيار عند المحقق النائيني وغيره في الاستصحابات الوجودية هو الوجود الفعلي للمستصحبات، وقد عرفت ما فيه. وقد ظهر مما ذكرناه ضعف ما أفيد من: (عدم الوجود للمستصحب في الاستصحاب التعليقي بناء على رجوع القيود إلى الموضوع، حيث إن الموضوع المركب قبل تحقق تمامه لا وجود لحكمه حتى يشك في بقائه، فنحتاج إلى استصحابه) لما عرفت من أن للحكم المعلق نحو وجود في مقابل العدم المطلق، ولا دليل على اعتبار أزيد من هذا الوجود للمستصحب في الاستصحاب الوجودي، فلو شك في سقوط حد شرب الخمر بالتوبة قبل قيام البينة عليه فلا مانع من استصحاب وجوب الحد المعلق على عدم التوبة، فأي مانع من استصحاب هذا الحكم المعلق إذا شك في بقائه لا لأجل النسخ، بل لعروض حالة كالتوبة أوجبت الشك في ذلك. فالكلام كله في أن التعليق في الاحكام لمنعه عن فعلية وجود الحكم المعلق هل هو مانع عن جريان الاستصحاب أم لا؟ وقد عرفت أن للحكم المعلق قبل حصول المعلق عليه نحو وجود يوجب صحة جريان الاستصحاب فيه لو شك في بقائه. 457 الحكم فيما أهمل أو أجمل (1) كان (2) الحكم مطلقا أو معلقا، فببركته يعم الحكم للحالة الطارئة (3) اللاحقة كالحالة السابقة،
458 فيحكم (1) مثلا بأن العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيته (2) من أحكامه المطلقة والمعلقة (3) لو شك فيها، فكما يحكم (4) ببقاء ملكيته يحكم بحرمته على تقدير غليانه. [1]
[1] كلام المصنف (قده) إلى هنا ناظر إلى جريان الاستصحاب في الاحكام المعلقة بمعنى رجوع القيد إلى الهيئة. وبناء على رجوعه إلى المادة وإطلاق الحكم فاختار في حاشية الرسائل أن جريانه أوضح حالا، قال فيها: (هذا كله لو كان الحكم حقيقة مشروطا كما هو ظاهر القضية التعليقية. وأما لو كان القيد في الحقيقة راجعا إلى الموضوع، بأن يكون العصير المغلي حراما، فالامر في صحة الاستصحاب أوضح، لأنه يكون استصحابا لما ثبت محققا وبالفعل من الحكم للمغلي من العصير 459
سابقا وشك فيه لاحقا. إلخ). وظاهره كما أوضحه تلميذه المحقق في حاشيته هو: أن القضايا الشرعية إن كانت على نهج القضايا الخارجية التي ينشأ الحكم فيها للأفراد الموجودة بالفعل أو التي ستوجد فيما بعد فلا فعلية للحكم قبل وجود الموضوع. وإن كانت على نهج القضايا الحقيقية التي ينشأ الحكم فيها للموضوع المفروض وجوده سواء أكان موجودا بالفعل أم سيوجد أم لم يقدر له الوجود أصلا، فحيث إن تمام الموضوع فيها هو تقدير الوجود بلا دخل لوجوده خارجا، ففعلية الحكم وما تتقوم به ليس إلا فرض الوجود له، وهو محقق بالفعل. ولما كانت القضايا الشرعية من سنخ القضايا الحقيقية لا الخارجية فالحرمة للعصير المغلي فعلية بفرض وجوده لا بوجوده خارجا، والمستصحب نفس هذه الحرمة بعد تبدل حال من حالات الموضوع، ولا تعليق في الحكم حتى يشكل ببعض ما تقدم من أن فعلية الحكم بفعلية موضوعه بجميع قيوده، والحرمة قبل الغليان إنشائية لا فعلية، والحكم الانشائي مما يصح سلب الحكم عنه حقيقة. وان تقدم الجواب عنه أيضا. أقول: لم يظهر فرق بين مثل (العصير المغلي حرام) وبين (العصير العنبي إذا غلى يحرم) وذلك فان الأحكام الشرعية وإن كانت محمولة على موضوعاتها على نهج القضايا الحقيقية التي يفرض فيها الوجود، ولا يعتبر فيها وجود الموضوع خارجا كما في (المستطيع يحج) ولو لم يوجد مستطيع أصلا، وليست كالقضية الخارجية، إلا أن ذلك لا يقتضي فعلية الحكم المنشأ للموضوع المقدر وجوده قبل وجوده الخارجي، لإناطة فعلية الحكم بفعلية موضوعه بجميع ما يعتبر فيه. وجعل الأحكام الشرعية من القضايا الحقيقية إنما هو لتصحيح الانشاء قبل وجود الموضوع وكفاية فرض وجوده، لا أن الحكم فيها فعلي، لكون تمام الموضوع هو تقدير الوجود حتى لا يلزم وجود الموضوع خارجا في فعلية الحكم. ويشهد 460 ان قلت: نعم (1)، ولكنه لا مجال لاستصحاب المعلق،
له كلمات المصنف في عد مراتب أربع للأحكام الشرعية، مع أن محط الكلام هو الاحكام المنشأة على نحو القضايا الحقيقية لا غير. وعليه فلم يظهر وجه أوضحية جريان الاستصحاب في مثل (العصير المغلي حرام) من مثل (العصير العنبي إذا غلى يحرم) مع تحقق التعليق والإناطة في مرتبة الفعلية في كلا التعبيرين. ولعل مقصود المصنف أمر آخر لم نقف عليه، فتدبر في كلامه زيد في علو مقامه. 461 لمعارضته باستصحاب ضده المطلق، فيعارض استصحاب الحرمة المعلقة للعصير باستصحاب حليته المطلقة (1). قلت (2): لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل عروض الحالة التي شك [1] في بقاء حكم المعلق بعده (3)،
[1] لما كانت تلك الحالة كالزبيبية موجبة للشك في بقاء الحكم المعلق 462 ضرورة (1) أنه (2) كان مغيا بعدم ما علق عليه المعلق، وما كان كذلك (3) لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب، لعدم (4)
فالأولى أن يقال: (قبل عروض الحالة التي أوجبت الشك في بقاء الحكم المعلق.) كما أن الصواب تعريف (حكم) ليوافق نعته وهو (المعلق) ورعاية الايجاز تقتضي حذف (حكم) كما صنعه قبل ذلك و بعده. 463 المضادة بينهما، فيكونان (1) بعد عروضها بالاستصحاب كما كانا (2) معا بالقطع قبل (3) بلا منافاة أصلا، وقضية ذلك (4) انتفاء حكم المطلق بمجرد ثبوت ما علق عليه المعلق، فالغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة كان غاية للحلية، فإذا شك (5) في حرمته المعلقة بعد عروض حالة عليه شك (6)
464 في حليته المغياة لا محالة أيضا (1)، فيكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحدا (2) خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة بنحو كانتا (3) عليه، فقضية (4) استصحاب حرمته
465 المعلقة بعد عروضها الملازم (1) لاستصحاب حليته المغياة حرمته فعلا بعد غليانه وانتفاء (2) حليته، فإنه (3) قضية نحو ثبوتهما
466 كان (1) بدليلهما أو بدليل الاستصحاب كما لا يخفى بأدنى التفات على ذوي الألباب، فالتفت (×) ولا تغفل.
(×) كي لا تقول في مقام التفصي عن إشكال المعارضة: ان الشك في الحلية فعلا بعد الغليان يكون مسببا عن الشك في الحرمة المعلقة، فيشكل بأنه لا ترتب بينهما عقلا ولا شرعا، بل بينهما ملازمة عقلا. لما عرفت من أن الشك في الحلية أو الحرمة الفعليتين بعده متحد مع الشك في بقاء حرمته وحليته المعلقة، وأن قضية الاستصحاب حرمته فعلا، وانتفاء حليته بعد غليانه، فان حرمته كذلك وإن كان لازما عقلا لحرمته المعلقة المستصحبة، إلا أنه لازم أعم لها كان ثبوتها بخصوص خطاب أو عموم دليل الاستصحاب، فافهم [1] [1] قد أشار المصنف في هذه التعليقة إلى أمور: الأول: الحكومة التي ادعاها الشيخ (قده) لدفع إشكال معارضة الاستصحاب التعليقي للتنجيزي، حيث قال في التنبيه الرابع: (والثاني - أي المعارضة المزبورة - فاسد، لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الإباحة قبل 467
الغليان) تقريب الحكومة على ما في حاشية تلميذة المحقق الآشتياني (قده) هو أنه (لا معنى للمعارضة المذكورة، إذ الأصل في الحكم المعلق حاكم على الأصل في ضده، فكيف يعارض معه؟ إذ الشك في ثبوت ضده وعدمه مسبب عن الشك في بقائه) هذا. وحاصله: أن الشك في بقاء حلية ماء الزبيب المغلي ناش عن الشك في بقاء حرمته المعلقة على الغليان، فبثبوتها بالاستصحاب ينتفي الشك في الحلية. ويقرر الحكومة بوجوه أخر، لكن جميعها يرجع إلى التقريب المذكور في الحاشية المذكورة. الثاني: الاعتراض الذي أورده غير واحد على الحكومة المزبورة، وقد تعرض له المصنف في حاشية الرسائل وأشار إليه أيضا في حاشية الكتاب بقوله: (فيشكل بأنه لا ترتب بينهما عقلا ولا شرعا) وحاصل الاعتراض: إنكار مبنى الحكومة وهو الترتب، وعلية أحد الشكين للاخر، وإثبات عرضيتهما وكونهما متلازمين. توضيح ذلك: أن الشك في بقاء الحلية ليس مسببا عن الشك في الحرمة المعلقة، لان التسبب يقتضي تعدد الرتبة كما هو شأن العلية و المعلولية، وقد ثبت في محله وحدة رتبة الضدين، وأن عدم أحدهما ليس مقدمة لوجود الاخر، وكذا العكس بل هما متلازمان. وعليه فليس عدم الحرمة مقدمة وعلة للحلية حتى يقال: (ان الشك في بقاء الحلية مسبب عن الشك في بقاء الحرمة، ويكون الأصل الجاري في بقاء الحرمة رافعا للحلية) بل عدم أحدهما ملازم لوجود الاخر، ومع التلازم - وعدم تعدد الرتبة وعدم تسبب أحد الشكين عن الاخر، وكونهما معلولين لعلة ثالثة وهي تأثير الغليان الحاصل حال الزبيبية في الحرمة وعدمه - يتعارض الأصلان لا محالة وينتفي حديث الحكومة. ولذا عدل المصنف عما أجاب به الشيخ في رسائله وطهارته معبرا عنه في 468
الأول بالحكومة، وفي الثاني بالورود مع إبدال استصحاب الحرمة فيه أيضا باستصحاب النجاسة، وأجاب هو عن الاشكال بوجه آخر، وهو قوله: (لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل. إلخ) وقد مر توضيحه، وملخصه: أن الشك في حرمته أو حليته فعلا متحد مع الشك في بقاء الحرمة المعلقة والحلية المغياة، وليس شكا آخر مغايرا له، ومقتضى شرطية الغليان للحرمة المفروض وجوده خارجا و غائيته للحلية هو ارتفاع الحلية وثبوت الحرمة فعلا، فان هذا مقتضى كيفية جعل الحكمين وتشريعهما، هذا. لكنك خبير بأن هذا الوجه الذي أفاده المصنف (قده) جواب عن الحكومة وعن الاعتراض المزبور، لأنه أنكر تعدد الشك فضلا عن تعدد الرتبة، وأثبت أن الشك في الحكم الفعلي من الحلية والحرمة هو عين الشك في الحكم الذي كان بعد عروض وصف الزبيبية للعنب، حيث إنه بعد عروضه صار كل من حليته المغياة بالغليان وحرمته المعلقة عليه مشكوكا، وبعد تحقق الغليان خارجا يكون الشك في الحكم الفعلي عين ذلك الشك لا غيره، ضرورة أن المشكوك فيه أعني الحلية الفعلية أو الحرمة كذلك هو عين الحلية المغياة والحرمة المعلقة قبل الغليان، فليس هنا شكان حتى يكون أحدهما سببا للاخر وحاكما عليه كما أفاده الشيخ (قده) أو يكونا متلازمين حتى يصير أصلاهما متعارضين كما هو مقصود المستشكلين على الحكومة. ثم إن المصنف (قده) أشار إلى منع الملازمة بين الشكين التي أثبتها منكروا الحكومة في حاشيته على المتن بقوله: (لما عرفت من أن الشك في أن الحلية أو الحرمة الفعليتين بعده متحد. إلخ) حيث إن الاتحاد ينفي موضوع الملازمة المتقومة بالتعدد، ومع فرض الاتحاد لا يبقى موضوع للتلازم، كما لا يبقى موضوع للحكومة المتقومة بشيئين حاكم ومحكوم، فإثبات الاتحاد ينفي موضوع كل من الحكومة و التلازم، ويدفع كليهما. وبهذا يظهر التهافت بين كلاميه أعني قوله: (باتحاد الشك في الحلية المغياة 469
مع الشك في الحرمة المعلقة) وقوله: (فان حرمته كذلك وان كان لازما عقلا لحرمته المعلقة المستصحبة) وذلك لاقتضاء الملازمة تعدد المشكوكين أعني الحلية المغياة والحرمة المعلقة، ومع هذا التعدد لا يتصور اتحاد الشكين. مضافا إلى: أنه لا يفي بحل إشكال المعارضة، لاجتماع أركان الاستصحاب في كل من الحلية الفعلية للعنب بعد تبدله بالزبيب قبل الغليان، والحرمة المعلقة عليه، ولمكان التضاد بين المستصحبين فالتعبد بكل منهما في ظرف الشك ينفى الاخر بالملازمة، ومقتضى استصحاب الحلية الفعلية بعد غليان الزبيب حلية العصير المغلي، كما أن مقتضى استصحاب حرمة العصير العنبي المعلقة على الغليان حرمة نقيع الزبيب. وعليه فلم يظهر وجه تحكيم استصحاب الحرمة المعلقة على استصحاب الحلية المغياة. وقد يقال في بيان مرام المصنف: بعدم جريان الاستصحاب في الحلية الفعلية للزبيب قبل الغليان، لوجود أصل حاكم عليه، وذلك للفرق بين حلية العنب والزبيب، فحلية العنب المطلقة قبل الغليان لا تجتمع مع الحرمة المعلقة. وحلية الزبيب وإن كانت متيقنة، إلا أنها مرددة بين كونها نفس الحلية الثابتة للعنب حتى تكون مغياة بالغليان، أو أنها حادثة للزبيب بعنوانه كحلية التمر في قبال الرطب فتكون باقية ولو بالاستصحاب، ومن المعلوم انتفاء احتمال حدوث حلية أخرى بعنوان الزبيب بأصالة عدمه. فحلية الزبيب هي حلية العنب المغياة بالغليان، وهي ترتفع به، ولا تكون قابلة للاستصحاب حتى يعارض بها حرمته بعد الغليان. وهذا نظير ما تقدم في استصحاب الكلي من أن المحدث بالحدث الأصغر إذا رأى بللا مرددا بين البول والمني فتوضأ لم يجر استصحاب كلي الحدث في حقه، لوجود الأصل الحاكم وهو أصالة عدم حدوث الجنابة. وعليه فجواب المصنف (قده) متين جدا 470
لكنه لا يخلو من تأمل، ضرورة أن حلية الزبيب المغياة بالغليان مرددة بين كونها نفس حلية العنب المفروض زوالها بتغير الوصف و كونها حلية حادثة بعنوان الزبيب وهي باقية، ولا مانع من استصحاب الحلية على ما هي عليها في نفس الامر. وأصالة عدم حدوث حلية بعنوان الزبيب قاصرة عن نفي الحلية المرددة، لما تقدم في استصحاب الكلي من أن أصالة عدم حدوث الفرد الطويل لا تصلح لنفي الكلي، لعدم الترتب الشرعي الذي هو شرط الحكومة. نعم في مسألة المحدث بالحدث الأصغر إنما نحكم بكفاية الوضوء من جهة اندراج المورد تحت الموضوع المركب من أمر وجودي وعدمي، حيث يحرز الأول بالوجدان والثاني بالتعبد. وليس في المقام موضوع مركب لينطبق ضابطه عليه. وعليه فمشكلة المعارضة باقية بحالها، ولا ترتفع بما أفاده المصنف (قده) كما لا ترتفع بالحكومة التي ذكرها شيخنا الأعظم (قده). فتلخص من هذا الامر الثاني مطلبان: أحدهما بطلان الحكومة، ثانيهما: بطلان الملازمة التي أوردوها على الحكومة. الثالث: أن الاستصحاب ليس مثبتا حتى لا يكون من هذه الجهة حجة، وقد عرفت توضيحه سابقا في توضيح قوله: (فقضية استصحاب حرمته) وقد أشار إليه المصنف في الهامش بقوله: (فان حرمته كذلك وان كان لازما عقلا لحرمته المعلقة المستصحبة. إلخ) هذا ما يتعلق بحاشية المصنف (قده) على الكتاب. ولا بأس بالتعرض لوجوه أخرى استدل بها المنكرون لحجية الاستصحاب التعليقي غير الوجوه الثلاثة المتقدمة في المتن، فنقول: الوجه الرابع: ما في شرح المحقق الآشتياني (قده) من قوله: (وقد يدعي من لا خبرة له في قبال القائلين بحجية الاستصحاب التعليقي أن الوجود التعليقي وان كان نحوا من الوجود، إلا أن أخبار الاستصحاب منصرفة إلى الوجود التنجيزي ولا تشمل الوجود التعليقي. وأنت خبير بما فيه) وضعفه ظاهر، ولذا اكتفى 471
في دفعه بقوله: (وأنت خبير بما فيه) فان الانصراف إن كان لكثرة الاحكام المطلقة وقلة الاحكام المعلقة، ففيه منع صغرى وكبرى. أما الصغرى فلما فيها من أن كثرة المطلقة وقلة المعلقة دعوى بلا بينة، لكثرة الاحكام المعلقة، إذ لا أقل من إناطتها بالشرائط العامة، بل جميع الأحكام معلقة، إذ المشروط بعد تحقق شرطه لا يصير مطلقا، لان معنى الاطلاق هو عدم تقيد الحكم بوجود شئ وعدمه، وهذا مناف للاشتراط والتقييد، فوجوب الحج مثلا بعد تحقق شرطه وهو الاستطاعة لا يصير مطلقا بأن يخرج الوجوب عن المشروطية بحيث يصير وجود الاستطاعة وعدمها بالنسبة إليه وإلى ملاكه على حد سواء. وأما الكبرى فلما فيها من: أن كثرة الوجود بنفسها لا توجب الانصراف الصالح لتقييد الاطلاق، إذ الصالح منه للتقييد لا بد أن يكون بمنزلة القرينة الحافة بالكلام المانعة عن انعقاد ظهوره في الاطلاق، و هذا الانصراف لو لم يقطع بعدمه فالشك في وجوده كاف في لزوم التمسك بالاطلاق وعدم رفع اليد عنه، لكونه من الشك في التقييد الذي يرجع فيه إلى الاطلاق. وإن كان الانصراف لعدم أنس الذهن بالوجود التعليقي كأنسه بالوجود التنجيزي، ففيه: أنه من الانصراف البدوي الزائل بالتأمل، و ذلك لا يصلح للتقييد أيضا، كانصراف الماء في قوله للكوفي: (توضأ) إلى ماء الفرات، فإذا نزل بها مسافر من مصر مثلا ومعه شئ من ماء مصر فهل يصح القول بعدم جواز الوضوء به لانصراف الماء إلى ماء الفرات؟ فالمتحصل: أن دعوى انصراف أخبار الاستصحاب عن الوجود التعليقي غير مسموعة. الوجه الخامس: انتفاء الموضوع في الاستصحاب التعليقي، ومن البديهي اعتبار بقائه في كل استصحاب، فالعنب المتبدل بالزبيب يعد معدوما، فلا وجه لجريان الاستصحاب التعليقي فيه. وقد أشار إلى هذا الوجه شيخنا الأعظم (قده) بقوله: (نعم ربما يناقش الاستصحاب المذكور تارة بانتفاء الموضوع وهو العنب). 472
وفيه: أن مفروض الكلام في حجية الاستصحاب التعليقي وعدمها إنما هو فيما إذا اجتمعت فيه شرائط حجية الاستصحاب، وكان الفارق بين الاستصحاب التنجيزي والتعليقي منحصرا في التعليقية، ففي مثال العنب المتبدل بالزبيب إن كان التبدل به موجبا لانتفاء الموضوع منع ذلك عن استصحاب أحكامه المطلقة كالملكية أيضا، ولذا قال الشيخ (قده) في دفعه: (لكن الأول لا دخل له في الفرق بين الآثار الثابتة للعنب بالفعل والثابتة له على تقدير دون آخر). الوجه السادس: أن الأصل عدم حجية الاستصحاب التعليقي، لأنه المرجع في كل ما شك في حجيته كما ثبت في محله. وفيه: أن إطلاق أدلة الاستصحاب لا قصور فيه، فيشمل الاستصحاب التعليقي كما يشمل التنجيزي، ومع الاطلاق لا تصل النوبة إلى الأصل المزبور. فتلخص من جميع ما تقدم ضعف الوجوه التي أقيمت على عدم حجية الاستصحاب التعليقي، وأن الحق حجيته، لوجود المقتضي لها وفقد المانع عنها. تكملة: لا يخفى أن الشيخ (قده) ممن أصر على حجية الاستصحاب التعليقي وأثبتها على من نفاها، قال تفريعا على عدم الاشكال في حجيته وأن وجود كل شئ بحسبه ما لفظه: (فإذا قلنا: العنب يحرم ماؤه إذا غلى أو بسبب الغليان، فهناك لازم وملزوم وملازمة. أما الملازمة وبعبارة أخرى سببية الغليان لتحريم ماء العصير فهي متحققة بالفعل من دون تعليق. وأما اللازم وهي الحرمة فله وجود مقيد بكونه على تقدير الملزوم، وهذا الوجود التقديري أمر متحقق في نفسه في مقابل عدمه، وحينئذ فإذا شككنا في أن وصف العنبية له مدخل في تأثير الغليان في حرمة مائه فلا أثر للغليان في التحريم بعد جفاف العنب وصيرورته زبيبا، فأي فرق بين هذا وبين سائر الأحكام الثابتة للعنب إذا شك في بقائها بعد صيرورته زبيبا؟). وحاصله: أن المستصحب في هذه القضية هو الحرمة المعلقة على الغليان، وأن لهذه الحرمة وجودا مقيدا متحققا في نفسه في مقابل عدمه، فإذا شك في بقائه 473
جرى الاستصحاب فيه كجريانه في الوجود الفعلي غير المعلق على شئ. ثم إن الشيخ (قده) أرجع الاستصحاب التعليقي إلى التنجيزي حتى لا يرد عليه إشكال التعليقية، حيث قال: (مع أنك قد عرفت أن الملازمة وسببية الملزوم للازم موجود بالفعل، وجد الملزوم أم لم يوجد، لان صدق الشرطية لا يتوقف على صدق الشرط، وهذا الاستصحاب غير متوقف على وجود الملزوم) وقال أيضا في طهارته في تاسع النجاسات في رد من جعل المستصحب في غليان ماء الزبيب حكما تعليقيا: (وفيه: أن هذا ليس من الاستصحاب التعليقي، بل هو استصحاب حكم شرعي تنجيزي وهي سببية غليانه للحرمة و استلزامه لها، فالمستصحب هو الاستلزام المنجز، لا ثبوت اللازم المعلق، وتمام الكلام في محله). وهاتان العبارتان صريحتان في أن السببية حكم فعلي منجز لا تعليق فيه، واستصحابها تنجيزي لا تعليقي، وهما تدلان على كون السببية عنده مجعولة لا منتزعة عن الحكم التكليفي، ضرورة أن فعليتها لا تلائم انتزاعيتها عن الحكم التكليفي الذي ليس هو موجودا فعليا، لتوقفه على الغليان في المثال، إذ الحكم الصالح لانتزاع السببية عنه في المقام هي الحرمة المشروطة بالغليان، ومع عدم فعلية منشأ الانتزاع لا يعقل فعلية ما ينتزع عنه. ولذا لا يرد عليه ما في تقريرات المحقق النائيني (قده): (أولا: أن الملازمة وان كانت أزلية، إلا أنك قد عرفت في الأحكام الوضعية عدم تعقل الجعل الشرعي للملازمة والسببية، فلا يجري استصحاب السببية في شئ من الموارد. وثانيا: من أن الملازمة بعد تسليم كونها من المجعولات الشرعية فإنما هي مجعولة بعد تمام الموضوع والحكم، بمعنى أن الشارع جعل الملازمة بين العنب المغلي وبين نجاسته و حرمته، والشك في بقاء الملازمة بين تمام الموضوع والحكم لا يعقل إلا بالشك في نسخ الملازمة، فيرجع إلى استصحاب عدم النسخ ولا إشكال فيه، وهو غير الاستصحاب التعليقي المصطلح عليه. فالانصاف: أن الاستصحاب التعليقي 474
مما لا أساس له، ولا يرجع إلى معنى محصل). أقول: أما وجه عدم ورود الاشكال الأول فهو أنه مبنائي، إذ بناء على عبارتي الشيخ المتقدمتين تكون السببية مجعولة بالاستقلال، و ليست منتزعة عن الحكم غير الفعلي الذي لم يتحقق شرطه حتى يقال: ان منشأ انتزاعها ليس حكما فعليا فكيف يكون ما ينتزع عنه فعليا؟ نعم يرد هذا الاشكال على الشيخ (قده) بناء على ما في الرسائل في الأحكام الوضعية من كون السببية منتزعة عن الحكم التكليفي وعدم استيلاء يد التشريع الاستقلالي عليها حتى تكون من المجعولات الشرعية المستقلة. مضافا إلى: أن منشأ انتزاع السببية هو جعل الشارع للحكم المشروط كما صرح به في الأحكام الوضعية. ولو كان منشأ انتزاعها فعلية المنشأ المنوطة بوجود الموضوع بجميع قيوده كالعنب المغلي في مفروض البحث توجه عليه إشكال استحالة وجود الامر الانتزاعي قبل فعلية منشئه. وأما وجه عدم ورود الاشكال الثاني فهو: أن الشك في الاستصحاب التعليقي ليس منشؤه الشك في النسخ حتى يقال: ان الاستصحاب التعليقي أجنبي عنه، ولا أظن من أحد ادعاء رجوعه إلى استصحاب عدم النسخ. وكيف كان فلا إشكال في أن الملازمة مجعولة بين تمام الموضوع والحكم، والمستصحب هو هذه الملازمة المجعولة، و الشك في بقائها نشأ من تبدل حال من حالات الموضوع، لا أنه نشأ من احتمال نسخها حتى يكون استصحاب الملازمة من صغريات استصحاب عدم النسخ. وبناء على مجعولية الملازمة بالاستقلال لا يرد على الاستصحاب التعليقي ما تقدم سابقا في أدلة المنكرين من عدم الوجود للمستصحب، وذلك لأن المفروض كون المستصحب حينئذ نفس الملازمة التي هي من الموجودات الفعلية، لا الحرمة المعلقة على شرط غير موجود فعلا كالغليان، ضرورة أن صدق القضية الشرطية 475
لا يتوقف على وجود الشرط فعلا، فقولنا: (ان كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا) قضية صادقة وإن كان التكلم به في الليل، وكذا قولنا: (ماء الزبيب إذا غلى يحرم) قضية صادقة وان لم يكن فعلا زبيب أو غليان أو شئ منهما، هذا. ثم إن في التقريرات المذكورة إشكالا آخر، وهو (مع أن القائل به لا أظن أن يلتزم بجريانه في جميع الموارد، فإنه لو شك في كون اللباس متخذا من مأكول اللحم أو من غيره، فالحكم بصحة الصلاة فيه تمسكا بالاستصحاب التعليقي بدعوى أن المكلف لو صلى قبل لبس المشكوك كانت صلاته صحيحة، فتستصحب الصحة التعليقية إلى ما بعد لبس المشكوك، والصلاة فيه، مما لا أظن أن يلتزم به القائل بالاستصحاب التعليقي، ولو فرض أنه التزم به فهو بمكان من الغرابة). لكن لا يخفى أن عدم الالتزام بجريان الاستصحاب التعليقي فيه وفي نظائره إنما هو لاشكال المثبتية، حيث إن لبس ما يؤكل إما شرط للصلاة، وإما لبس ما لا يؤكل مانع عنها، وأي واحد منهما كان تتوقف صحة الصلاة على إحرازه ولا يحرز باستصحاب الصحة أن لباسه كان واجدا للشرط وهو كونه مما يؤكل، أو فاقدا للمانع وهو كونه مما لا يؤكل، إلا على القول بحجية الأصل المثبت. والحاصل: أن استصحاب الصحة - التي هي حكم - لا يثبت الموضوع وهو كون اللباس من المأكول أو من غيره. هذا إذا كان مركز الاشتراط نفس الصلاة. وأما إذا كان نفس اللباس، فلا مجال فيه للاستصحاب أصلا لا التعليقي ولا التنجيزي لعدم الحالة السابقة له. وأما إذا كان مركز الاشتراط نفس المصلي، فيجري فيه الاستصحاب التنجيزي لعدم كونه لابسا لما لا يؤكل قبل لبس هذا اللباس المشكوك فيه، فيستصحب عدم لابسيته له. وكذا إذا وقع على لباسه ما يشك في كونه من أجزأ ما لا يؤكل لحمه، فإنه يجري فيه استصحاب عدم لابسيته له، هذا. 476 السادس (1): لا فرق
477 أيضا (1) بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة إذا شك في بقائه وارتفاعه بنسخة (2) في هذه الشريعة، لعموم (3) أدلة الاستصحاب.
479 وفساد (1) توهم اختلال أركانه فيما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة
480 لا محالة إما (1) لعدم اليقين بثبوتها في حقهم [في حقنا] وإن (2) علم بثبوتها سابقا في حق آخرين، فلا شك (3) في بقائها
481 أيضا (1) بل (2) في ثبوت مثلها كما لا يخفى. وإما (3) لليقين بارتفاعها (4) بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة، فلا شك (5) في بقائها حينئذ (6)
482 ولو (1) سلم اليقين بثبوتها في حقهم [في حقنا] وذلك (2) لان
483 الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتا لافراد المكلف كانت (1) محققة وجودا ومقدرة كما هو (2) قضية القضايا المتعارفة المتداولة وهي قضايا حقيقية، لا خصوص (3) الافراد الخارجية كما هو قضية القضايا الخارجية، وإلا (4)
484 لما صح الاستصحاب في الاحكام الثابتة في هذه الشريعة، ولا النسخ (1) بالنسبة (2) إلى غير الموجود في زمان ثبوتها كان (3) الحكم في الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد،
485 وكان (1) (×) الشك فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته. والشريعة السابقة (2) وان كانت منسوخة
(×) في كفاية اليقين بثبوته بحيث لو كان باقيا ولم ينسخ لعمه، ضرورة صدق أنه على يقين منه فشك فيه بذلك، ولزوم اليقين بثبوته في حقه سابقا بلا ملزم. وبالجملة: قضية دليل الاستصحاب جريانه لاثبات حكم السابق للاحق وإسرائه إليه فيما كان يعمه ويشمله لولا طروء حالة معها يحتمل نسخه ورفعه، وكان دليله قاصرا عن شمولها من دون لزوم كونه ثابتا له قبل طروئها أصلا كما لا يخفى. 486 بهذه الشريعة يقينا، إلا أنه (1) لا يوجب اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها، ضرورة (2) أن قضية نسخ الشريعة ليس ارتفاعها كذلك (3)
487 بل عدم بقائها بتمامها. [1]
[1] نعم يمكن توجيه ارتفاع جميع أحكام الشريعة المنسوخة بما عن سيدنا الفقيه الأعظم صاحب الوسيلة قدس سره من: (أنه بناء على تقوم كل حكم بصدوره عن نبي - بحيث يتميز الحكم الصادر من نبي عن الحكم الصادر من نبي آخر، ويكونان مجعولين بجعلين وان كانا متماثلين كما إذا كان كلاهما من سنخ واحد كالوجوب أو الحرمة - تصح دعوى نسخ تمام أحكام الشريعة السابقة وارتفاع جميعها. ومماثلة بعض أحكام هذه الشريعة لها لا تكشف عن الاتحاد الموجب لبقاء بعض أحكامها، بل هو حكم جديد مجعول في هذه الشريعة. لكن في هذا التوجيه ما لا يخفى، ضرورة أنه مبني على كون أمر التشريع وجعل الاحكام مفوضا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بحيث كانوا هم المشرعين للأحكام حتى يكون حكم كل نبي مغايرا لحكم يشرعه نبي آخر. وهذا غير ثابت بل المسلم أن الجاعل و المشرع هو الله تبارك وتعالى، والأنبياء كلهم مبلغون لأحكامه عز و جل فالحكم الباقي من الشريعة المنسوخة في هذه الشريعة الناسخة واحد لا تعدد ولا تغاير فيه.) هذا ملخص ما حكي عن سيدنا الاجل المتقدم رفع في الجنان مقامه. أقول: تفويض تشريع الاحكام إلى سائر الأنبياء غير ثابت. وأما بالنسبة إلى نبينا خاتم الرسل وسيدهم صلى الله عليه وآله وسلم فمقتضى جملة من الروايات تفويض تشريعها إليه صلى الله عليه و آله، وقد شرع أحكاما إلزامية وغيرها في هذا الشرع الأقدس، ففي الحسن أو الصحيح عن فضيل بن يسار عن أبي عبد الله 488
عليه السلام: (ان الله عز وجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات، فأضاف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الركعتين ركعتين، وإلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر، فأجاز الله عز وجل له ذلك كله، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سن رسول الله صلى الله عليه وآله النوافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة، فأجاز الله عز وجل له ذلك، والفريضة و النافلة إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر. وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان، وسن رسول الله صلى الله عليه وآله صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة، فأجاز الله عز وجل له ذلك. وحرم الله عز وجل الخمر بعينها وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله المسكر من كل شراب، فأجاز الله له ذلك كله) الحديث. وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ان الله تبارك وتعالى أدب نبيه صلى الله عليه وآله، فلما انتهى به إلى ما أراد قال له: إنك لعلى خلق عظيم، ففوض إليه دينه فقال: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، وان الله عز وجل فرض الفرائض ولم يقسم للجد شيئا، وان رسول الله صلى الله عليه وآله أطعمه السدس، فأجاز الله جل ذكره له ذلك، وذلك قول الله عز و جل: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب). وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (وضع رسول الله صلى الله عليه وآله دية العين ودية النفس وحرم النبيذ وكل مسكر، فقال له رجل: وضع رسول الله صلى الله عليه وآله من غير أن يكون جاء فيه شئ؟ قال: نعم ليعلم من يطيع الرسول ممن يعصيه). 489 والعلم إجمالا (1) بارتفاع بعضها
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب، من أراد الوقوف عليها، فليراجع أصول الكافي، باب التفويض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى الأئمة عليهم الصلاة والسلام في أمر الدين. لكن المفوض إليه صلى الله عليه وآله أحكام خاصة تأسيسية ليست في الشرائع السابقة حتى يقع فيها نزاع جريان استصحاب عدم النسخ فيها وعدمه. وبالجملة: فما أفاده سيدنا الاجل المتقدم رفع في الجنان مقامه من أن جميع الأنبياء عليهم السلام مبلغون عن الله عظمت آلاؤه لا ينافي تفويض تشريع بعض الأحكام إلى سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله مما يكون خارجا عن حريم البحث عن استصحاب أحكام الشرائع السابقة، فتدبر. 490 إنما (1) يمنع عن استصحاب ما شك
491 في بقائه (1) منها فيما إذا كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا، لا (2)
492 فيما إذا لم يكن [1] من أطرافه، كما إذا (1) علم بمقداره تفصيلا
[1] حق العبارة أن تكون هكذا: (فيما إذا خرج من أطرافه كما إذا علم بمقداره تفصيلا) فإنه بقرينة قوله: (كما إذا علم) في مقام بيان خروج المشكوك فيه عن أطراف العلم بالانحلال حتى يكون في قبال خروجه عنها ابتدأ المدلول عليه بقوله: (أو في موارد ليس المشكوك منها) إذ لو لم يرد بالعبارة الأولى الخروج الانحلالي بل أريد منها الخروج الابتدائي لزم التكرار أولا، وعدم ملامته لقوله: (كما إذا علم بمقداره تفصيلا) ثانيا، لكونه كالصريح في إرادة الخروج الانحلالي لا الابتدائي. 493 أو في ([1 [1 موارد ليس المشكوك منها، وقد (2) علم بارتفاع
[1] قد جعل هذا في تقريرات سيدنا الفقيه الأعظم صاحب الوسيلة معطوفا 494 ما في موارد الاحكام الثابتة في هذه الشريعة.
على قوله: (تفصيلا) ليكون بيانا للانحلال بوجه آخر، إذ مرجع العبارة حينئذ إلى هذا (إذا علم بمقداره تفصيلا أو إجمالا في موارد ليس المشكوك منها) وعليه فملخص ما في تلك التقريرات هو: أن الانحلال على ثلاثة أقسام: الأول: أن يعلم تفصيلا بمقدار يساوي المعلوم بالاجمال، كما إذا علم تفصيلا بحرمة عشرة أغنام معينة بعد العلم الاجمالي بوجود ذلك العدد المحرم في مجموع القطيع، فإذا شك في حرمة غيرها كان ذلك خارجا عن دائرة المعلوم بالاجمال وجرى فيه الأصل، لكون الشك فيه بدويا. الثاني: أن يعلم إجمالا بحرمة عشرة أغنام في خصوص السود مثلا، و شك 495
في حرمة فرد من البيض، فان العلم الاجمالي الأول الكبير - وهو العلم بحرمة العشرة في القطيع - ينحل بالعلم الاجمالي الثاني الصغير، وهو العلم بحرمة العشرة في خصوص السود، وبعد انحلاله يصير الشك في الزائد عليها بدويا. الثالث: أن تقوم بينة على كون الحرام هو العدد المعين تفصيلا أو إجمالا في جملة السود، وهذا هو الانحلال الحكمي، فقوله: - كما إذا علم بمقداره تفصيلا - ناظر إلى القسم الثاني، وقوله: - وقد علم. إلخ - بيان لوجه الانحلال بالقسم الثاني، يعني: بعد العلم الاجمالي بارتفاع أحكام من الشريعة السابقة في موارد أحكام شرعنا بمقدار العلم الاجمالي الأول ينطبق العلم الاجمالي الكبير عليه، ويكون الزائد مشكوكا بالشك البدوي). ومحصله: أن الانحلال الأول يكون بعلم تفصيلي كانحلال العلم الاجمالي بحرمة عشرين غنما في مجموع القطيع بعلم تفصيلي بحرمة عشرين غنما معينة من السود مثلا. والانحلال الثاني يحصل بعلم إجمالي ثانوي صغير كانحلال العلم الاجمالي بحرمة عشرين غنما في مجموع القطيع - التي عددها مائة - مثلا بعلم إجمالي بحرمة هذا العدد في خصوص السود التي عددها خمسون مثلا، فان هذا العلم الثاني الصغير الذي تكون أطرافه خصوص السود يوجب انحلال العلم الاجمالي الكبير الذي دائرته مجموع القطيع. ففيما نحن فيه يمكن أن يقال: ان العلم الاجمالي بنسخ جملة من أحكام الشرائع السابقة المنتشرة في جميع التكاليف الإلهية إما ينحل بعلم تفصيلي بها في شرعنا، وإما بعلم إجمالي بها في ضمن الاحكام الثابتة في شرعنا، إذ نعلم إجمالا بوجود تلك الأحكام المنسوخة المعلومة إجمالا فيها، وهذا العلم الاجمالي الثاني يوجب انحلال العلم الاجمالي الكبير المتقدم الذي دائرته أوسع، لعدم انحصار دائرة معلومه وهي الاحكام المنسوخة بخصوص الاحكام الثابتة في هذا الشرع، بل دائرته جميع الأحكام الإلهية مما علم منها في هذه الشريعة وغيرها. 496
نظير العلم الاجمالي بحرمة عشرين غنما في مجموع القطيع، و انحلاله بعلم إجمالي بحرمة هذا العدد في خصوص السود على ما مر آنفا. ثم إن كل واحد من الاحتمالين مما أفاده سيدنا الأكبر المتقدم قدس سره من الخروج الانحلالي ومما بيناه في التوضيح من الخروج الابتدائي يمكن أن يستفاد من قول المصنف: (أو في موارد ليس المشكوك منها). وكيف كان فالحق أن يقال: انه لا موضوع للبحث عن العلم الاجمالي بالنسخ ثم دعوى انحلاله بالعلم التفصيلي أو الاجمالي بكون المنسوخات في موارد خاصة معلومة في هذه الشريعة، وجريان استصحاب عدم النسخ في المشكوكات، لخلوها عن العلم الاجمالي، و ينبغي أن يعد البحث عن استصحاب عدم النسخ مطلقا حتى بالنسبة إلى أحكام هذا الشرع من الأبحاث الساقطة التي لا يترتب عليها ثمرة عملية. أما بالنسبة إلى الشرائع السابقة، فلان دعوى انحلال العلم الاجمالي بالنسخ في أحكامها بالعلم التفصيلي أو الاجمالي بمنسوخاتها مبنية على معرفة أحكام تلك الشرائع والإحاطة بها حتى يدعى العلم التفصيلي بمنسوخاتها، أو العلم الاجمالي بكونها في طائفة خاصة، و صيرورة النسخ فيما عداها مشكوكا فيه بالشك البدوي كي يجري فيه الاستصحاب، كما إذا فرض أن أحكام الشرع السابق مائة، وعلم إجمالا بنسخ جملة منها كثلاثين مثلا بهذه الشريعة، ثم علمنا تفصيلا بنسخ هذا العدد من تمام المائة أو علمنا به إجمالا في ضمن خمسين منها وهي خصوص أحكام المعاملات مثلا. لكن الامر ليس كذلك، لعدم معرفتنا بأحكام تلك الشرائع، حيث إن كتبها السماوية قد حرفت ودس فيها ما ليس فيها، بحيث لا يمكن الاعتماد عليها والاستناد إليها في معرفة أحكامها، فلا سبيل إلى معرفتها إلا الرجوع إلى الكتاب والسنة، وبعد الرجوع إليهما ومعرفة بعض أحكام تلك الشرائع منهما يعرف حالها أيضا من حيث النسخ و عدمه، ولا يبقى لنا شك فيها حتى يجري فيه الاستصحاب. وبالجملة: فقبل مراجعة الكتاب والسنة لا نعلم شيئا من أحكام الشرائع السابقة، 497 ثم لا يخفى أنه يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلامة (1) أعلى الله في
وبعد المراجعة إليهما ومعرفة جملة منها يظهر منهما حالها أيضا نسخا وإمضاء في هذا الشرع، ولا يبقى حكم منها مشكوك النسخ حتى يبقى مجال للبحث عن جريان استصحاب عدم النسخ فيه وعدمه. وببيان آخر: بعد تسلم أمرين - أحدهما انحصار طريق العلم بأحكام الشرائع السابقة بالكتاب والسنة، والاخر إكمال هذه الشريعة و الاذعان بمجئ نبينا صلى الله عليه وآله بجميع ما يحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة، ووجوب التدين به سواء أكان موافقا للشرع السابق أم مخالفا له - لا يبقى شك في حكم واقعة، لان أحكام هذه الشريعة و لو بنحو العموم أو الاطلاق معلومة، فلو علم حكم من أحكام الشرائع السابقة لم يجر فيه الاستصحاب، لأنه بعد المراجعة إلى أدلة أحكام هذه الشريعة يعلم بقاؤه أو ارتفاعه، ولا يبقى فيه شك حتى يستصحب. وحيث انه لا يترتب على هذا البحث ثمرة عملية فلا جدوى في إطالة الكلام فيما ذكره الاعلام هنا من عدم إجداء جعل الأحكام الشرعية من القضايا الحقيقية كما أفاده المصنف، وذلك لتفاوت نفس هذه القضايا الحقيقية بلحاظ موضوعاتها سعة وضيقا، فيمكن أن تكون القضية الحقيقية مختصة بأهل الشريعة السابقة كما إذا كانت بعنوان (يا أيها اليهود) أو (يا أيها النصارى). ومن أن استصحاب بقاء الجعل قاصر عن إثبات بقاء المجعول، لعدم حجية مثبتات الأصول. ومن التمسك بالاستصحاب التعليقي بعد سقوط التنجيزي وغير ذلك، مع أن للتأمل فيما أفادوه مجالا واسعا. 498 الجنان مقامه في الذب (1) عن إشكال تغاير الموضوع في هذا
499 الاستصحاب (1) من الوجه الثاني (2) إلى ما ذكرنا (3)، لا ما يوهمه ظاهر كلامه من (4) أن الحكم ثابت للكلي، كما أن الملكية له (5) في مثل باب الزكاة والوقف العام، حيث لا مدخل للأشخاص فيها (6)،
500 ضرورة (1) أن التكليف
501 والبعث [1] أو الزجر لا يكاد يتعلق به كذلك (1)، بل لا بد (2) من تعلقه بالأشخاص، وكذلك الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية (3). وكأن غرضه (4) من عدم دخل الأشخاص عدم دخل أشخاص
[1] الأولى تبديل واو العطف ب (من) ليكون بيانا للتكليف، إذ الثواب والعقاب المترتبان على الإطاعة والعصيان من آثار خصوص التكليف البعثي والزجري، فإرادة مطلق التكليف بأن يكون (البعث) من عطف الخاص على العام مما لا يلائم التعليل، فتدبر في العبارة. 502 خاصة [1 [1 فافهم (2).
[1] أقول: الظاهر أنه ليس هنا ما يلجئنا إلى توجيه كلام الشيخ (قده) وإرجاعه إلى القضية الحقيقية بعد إمكان إبقائه على ظاهره من القضية الطبيعية من دون محذور، بأن يقال: ان القضية الطبيعية يراد بها تارة ما يكون الموضوع فيها نفس الطبيعة من حيث هي، ولا يلاحظ معها الافراد أصلا حتى يسري الحكم منها إليها، بل الحكم مقصور على الطبيعة، مثل (الانسان نوع) على ما تقدم 503
آنفا. وأخرى ما يكون الموضوع فيها الطبيعة السارية، بمعنى: أن موضوع القضية هي الطبيعة لا من حيث هي، بل من حيث وجودها و سريانها في الافراد من دون دخل لخصوصيات الافراد، وهذا القسم هو مفاد القضية المحصورة، كقولنا: (كل إنسان حيوان) فان معناه حيوانية كل إنسان موجود، فالحكم يسري إلى أفراده، بخلاف قولنا: (الانسان نوع) فان الحكم وهو النوعية لا يسري إلى أفراده. وعلى هذا البيان لا مانع من التحفظ بظاهر كلام الشيخ، خصوصا بملاحظة قوله: (المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة.) فان الثبوت للجماعة معناه ثبوت الحكم لافراد الكلي، لا نفس الكلي، وإلا لم يصح هذا التعبير، إذ لو كان مراده القسم الأول من القضية الطبيعية لم يكن الحكم ثابتا للجماعة، لما مر من أن الحكم في القسم الأول من القضية الطبيعية مقصور على الطبيعية، ولا يسري إلى الافراد أصلا. وقوله: (لا مدخل لأشخاصهم فيه) يخرج القضية الخارجية التي تخيلها المستشكل. وسريان الحكم من الطبيعة إلى الافراد بدون دخل خصوصيات الافراد ليس إلا مقتضى القسم الثاني من القضية الطبيعية. ومالكية الفقير للزكاة لعلها من هذا القبيل، إذ لا مانع من مالكية طبيعة الفقير من حيث سريانها في أفرادها لها من دون نظر إلى خصوصياتها. والفرق بين هذا القسم الثاني من القضية الطبيعية والقضية الحقيقية هو: أن الموضوع في الأول نفس الطبيعة، لكن بلحاظ سريانها في الافراد في قبال القسم الأول منها الذي يكون الموضوع فيه الطبيعة من حيث هي من دون لحاظ وجودها وسريانها، ولذا يكون محمولها من المعقولات الثانية كالنوعية والجنسية. والحكم في هذا القسم لا يسري إلى الافراد، فلا يحمل (النوع) أو (الجنس) على أفراد الانسان أو أفراد الحيوان، بخلاف القسم الاخر من القضية الطبيعية الملحوظ فيها سريانها في الافراد، فان الحكم فيها يسري إلى أفرادها. وهذا في القضية 504 وأما ما أفاده من الوجه الأول (1) فهو (2) وإن كان وجيها بالنسبة إلى
الطبيعية المحصورة مثل (كل إنسان حيوان) فان الحكم فيه يسري إلى أفراد الانسان، وذاك في الطبيعية غير المحصورة مثل (الانسان نوع). وأما الموضوع في القضية الحقيقية فهو الافراد النفس الامرية سواء أكانت محققة أم مقدرة. والطبيعة ملحوظة فيها مرآة للأفراد، حيث إن عدم تناهيها الموجب لامتناع استحضارها تفصيلا بالقوى الجسمانية المتناهية تأثيرا وتأثرا أوجب لحاظ الطبيعة عنوانا ومرآة لها، فالحكم في القضية الحقيقية ثابت لنفس الافراد، والطبيعة تلاحظ فيها مرآة لها. بخلاف القضية الطبيعية، فان الملحوظ فيها بكلا قسميها من المحصورة وغيرها هو نفس الطبيعة إما بدون لحاظ السريان وإما معه. إذا تمهد ما ذكرنا يظهر أنه لا مانع من الاخذ بظاهر كلام الشيخ، كما عرفت من أن القضية الطبيعية المحصورة تنطبق عليه، لان الحكم فيها ثابت للكلي باعتبار وجوده، وهو عين ما أفاده من ثبوت الحكم الكلي للجماعة من دون مدخل لأشخاصهم. والملكية الثابتة للعناوين الكلية كملكية الخمس للسيد والزكاة للفقير وغير ذلك من هذا القبيل. وبالجملة: فلا محوج إلى ارتكاب خلاف الظاهر في كلامه، فلاحظ وتأمل. 505 جريان الاستصحاب في حق خصوص المدرك للشريعتين (1)، إلا أنه (2) غير مجد في حق غيره من المعدومين،
506 ولا يكاد (1) يتم الحكم فيهم بضرورة اشتراك أهل الشريعة الواحدة أيضا (2)، ضرورة (3) أن قضية الاشتراك ليس إلا أن الاستصحاب [1]
[1] الذي هو ظاهر كلام الشيخ (قده) لا الحكم المستصحب، بأن يقال: ان الحكم الذي يستصحبه مدرك الشريعتين يثبت في حق المعدومين بقاعدة 507 حكم كل من كان على يقين فشك، لا أنه (1) حكم الكل ولو من لم يكن كذلك بلا شك، وهذا (2) واضح.
الاشتراك من دون حاجة إلى يقين المعدوم وشكه، حيث إن دليل الاشتراك يثبت الملازمة بين المعدوم والموجود في الحكم الواقعي، فإذا ثبت هذا الحكم ظاهرا بالاستصحاب الجاري في حق الموجود ثبت في حق المعدوم أيضا، للاشتراك بينهما. توضيح وجه عدم إرادة الحكم المستصحب هو: أنه مبني على حجية الأصل المثبت، حيث إن مفاد قاعدة الاشتراك الملازمة بين المعدوم و الموجود في الاحكام الواقعية، فان ثبت حكم في حق الموجود بعلم أو علمي ثبت في حق المعدوم أيضا، للملازمة المزبورة، حيث إن العلم أو الامارة غير العلمية كخبر العادل يثبت اللوازم والملزومات والملازمات كما ثبت في محله. وإن ثبت بأصل من الأصول العملية فثبوته في حق غير الموجود موقوف على حجية الأصل المثبت، بأن يستفاد من الاستصحاب الجاري في حق الموجود ثبوت الحكم له، لأنه مؤدى الاستصحاب، وللمعدوم أيضا، لأنه ملازم لمؤدى الاستصحاب. مثلا إذا ثبت التلازم بين القصر والافطار للمسافر وثبت بأمارة معتبرة (أن المقيم عشرا في محلين يقصر) فلا إشكال 508
في ثبوت الافطار بها أيضا، لأنه ملازم لوجوب القصر. وأما إذا ثبت وجوب القصر بأصل عملي فثبوت ملازمه وهو وجوب الافطار به منوط بحجية الأصل المثبت، وحيث انه سيأتي في التنبيه الآتي عدم حجيته، فلا يثبت بالاستصحاب الجاري في حق الموجود حكم المعدوم، نظير التوضؤ بماء مشتبه بالمتنجس، حيث إن استصحاب بقاء الحدث لا يثبت نجاسة أعضاء الوضوء مع ما بينهما من الملازمة، ضرورة أن بقاء الحدث ملازم لنجاسة الماء الموجبة لنجاسة ملاقيه من البدن، هذا ما قيل. لكن الحق اندفاع إشكال مثبتية الاستصحاب هنا، وذلك لأن المفروض إثبات الحكم الثابت لمدرك الشريعتين بالاستصحاب لغيره بقاعدة الاشتراك، لا بنفس الاستصحاب حتى يرد عليه إشكال المثبتية. فعليه إذا جرى الاستصحاب في حق مدرك الشريعتين وأثبت له الحكم، ثبت نفس هذا الحكم أيضا لغيره وهو المعدوم بقاعدة الاشتراك، لا بالاستصحاب الجاري في حق مدرك الشريعتين حتى يقال: انه مثبت. وبالجملة: فان كان مراد الشيخ (قده) بتتميم المدعى في المعدومين بقاعدة الاشتراك هو الحكم المستصحب فإشكال الاثبات غير وارد عليه، كما أن تنظيره باستصحاب بقاء الحدث فيمن توضأ بماء مشتبه بالمتنجس في غير محله، إذ لا يراد في المقام إثبات الملازم وهو حكم المعدوم باستصحاب مدرك الشريعتين حتى يكون نظير استصحاب بقاء الحدث، بل يراد إثبات الحكم للمعدوم بقاعدة الاشتراك، فالفرق بينهما واضح. والصحيح ما أفاده المحقق النائيني (قده) من إنكار استصحاب عدم نسخ أحكام الشرائع السابقة. أما بناء على كون كل حكم في الشريعة اللاحقة مجعولا بجعل جديد فالامر واضح، لأنه حينئذ تكون أحكام الشريعة السابقة بأجمعها منسوخة، فلا شك حتى يستصحب شئ من أحكامها، بل الشك إنما هو في جعل المماثل 509
أو المضاد لما في الشريعة السابقة، ولا معنى لاستصحاب حرمة شئ مثلا لاثبات مماثلها في الشريعة اللاحقة. وأما بناء على عدمه و كون جملة من الاحكام السابقة ممضاة في شريعتنا فلان استصحاب الحكم السابق لاثبات تعلق الامضاء به يكون من الأصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها. والمختار وإن كان هو الاحتمال الأول. لكن لا مانع من الاستصحاب بناء على الاحتمال الثاني، ولا يلزم إشكال المثبتية، إذ ليس المراد بالامضاء إلا بقاء حكم الشريعة السابقة في شريعتنا، ومن المعلوم أن مقتضى الاستصحاب ليس إلا ذلك. 510 السابع (1): لا شبهة في أن قضية أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل
511 للمستصحب [1] في استصحاب الاحكام (1) ولأحكامه (2) في استصحاب
[1] لا يخفى مغايرة هذا التعبير لما أفاده الشيخ (قده) بقوله: (ان معنى عدم نقض اليقين والمضي عليه هو ترتيب آثار اليقين السابق الثابتة بواسطته للمتيقن ووجوب ترتيب تلك الآثار من جانب الشارع) وجه المغايرة أن كلام الشيخ ناظر 512 الموضوعات. كما لا شبهة (1) في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب
إلى ترتيب ما للمتيقن من الأحكام الشرعية في ظرف الشك في بقائه، وهذا لا يكون مطردا، إذ ربما لا يكون للحكم المتيقن أثر شرعي حتى يجب إبقاؤه بدليل الاستصحاب. وآثاره العقلية كوجوب المقدمة وحرمة الضد ووجوب الإطاعة وغيرها غير قابلة للجعل بعد وضوح أن مفاد الأصل العملي لا بد أن يكون مما تناله يد التشريع. وعليه فما أفاده المصنف أولى، لاطراد (الحكم المماثل) في جميع الموارد سواء أكان المستصحب حكما شرعيا أم موضوعا له، وعدم محذور في جعل الحكم المماثل في كلا الموردين. وقد تعرض المصنف (قده) لهذا المطلب في حاشية الرسائل، فراجع. لكن يمكن دفع الاشكال بأن تعبير الشيخ بعد كلامه المتقدم بقوله: (إذا عرفت هذا. فان كان - أي المستصحب - من الأحكام الشرعية فالمجعول في زمان الشك حكم ظاهري مساو للمتيقن السابق في جميع ما يترتب عليه، لأنه مفاد وجوب ترتيب آثار المتيقن السابق) مانع عن ورود الاشكال على ما أفاده في صدر التنبيه، إذ لا فرق في الالتزام بجعل الحكم الظاهري بأدلة الاستصحاب بين كون المستصحب حكما وبين كونه موضوعا، هذا. وأما تعبير المصنف ب (لا شبهة) الظاهر في إرسال ذلك إرسال المسلمات فمبني على ما استقر عليه رأيه من اقتضاء أخبار الاستصحاب جعل الحكم المماثل، وإلا فلا يلتئم مع الآراء المتشتتة في مفادها واختلافها في اقتضاء بعضها حجية مثبتاته. 513 من (1) الآثار الشرعية والعقلية. وإنما الاشكال (2)
515 في ترتيب [1] الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية (1) عادية كانت
[1] لا يخفى أنه يعتبر في محل النزاع أن يكون اللازم كنبات اللحية مترتبا على بقاء المستصحب لا على حدوثه وبقائه، إذ مع تيقن حدوثه يكون هو بنفسه أيضا كالمستصحب متيقن الحدوث وموردا للاستصحاب، ومعه لا حاجة إلى الأصل المثبت والبحث عن حجيته وعدمها، لكفاية استصحاب نفس اللازم في ثبوت أثره الشرعي. 516 أو عقلية (1). ومنشؤه (2) أن مفاد الاخبار هل هو تنزيل المستصحب
517 والتعبد به وحده بلحاظ خصوص ما له من الأثر بلا واسطة (1)؟ أو تنزيله (2) بلوازمه (3) العقلية أو العادية
518 كما هو (1) الحال في تنزيل مؤديات الطرق والامارات، أو بلحاظ (2) مطلق ماله من الأثر ولو بالواسطة بناء على صحة التنزيل (×) بلحاظ
(×) ولكن الوجه عدم صحة التنزيل بهذا اللحاظ، ضرورة أنه ما يكون شرعا لبشئ من الأثر لا دخل له بما يستلزمه عقلا أو عادة. و حديث أثر الأثر أثر وإن كان صادقا، إلا أنه إذا لم يكن الترتب بين الشئ وأثره وبينه وبين مؤثره مختلفا، وذلك ضرورة أنه لا يكاد يكون الأثر الشرعي لبشئ أثرا شرعيا لما يستلزمه عقلا أو عادة أصلا لا بالنظر الدقيق العقلي ولا بالنظر المسامحي العرفي إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا لذيها، لخفائها أو لشدة وضوح الملازمة بينهما عدا شيئا واحدا ذا وجهين، وأثر أحدهما أثر الاثنين، كما يأتي الإشارة إليه، فافهم. 519 أثر الواسطة أيضا (1) لأجل أن أثر الأثر أثر (2)، وذلك (3) لأن مفادها لو كان هو تنزيل الشئ وحده بلحاظ أثر نفسه لم يترتب عليه ما كان مترتبا
520 عليها، لعدم (1) إحرازها حقيقة (2) ولا تعبدا، ولا يكون (3) تنزيله بلحاظه، بخلاف (4) ما لو كان تنزيله بلوازمه أو بلحاظ (5) ما يعم آثارها،
521 فإنه (1) يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها. والتحقيق (2) أن الاخبار إنما تدل على التعبد
522 بما كان (1) على يقين منه فشك بلحاظ (2) ما لنفسه من آثاره وأحكامه،
523 ولا دلالة لها (1) بوجه (2) على تنزيله (3) بلوازمه التي لا تكون كذلك (4) كما هي (5) محل ثمرة الخلاف، ولا على تنزيله (6) بلحاظ ماله مطلقا
524 ولو (1) بالواسطة، فان (2) المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه [1] وأما
[1] لا يخفى أن المصنف (قده) في حاشية الرسائل منع الاطلاق أيضا بالقدر المتيقن في مقام التخاطب. لكن المنع به منوط بصلاحيته لذلك، وهو غير ظاهر كما سيظهر وجهه إن شاء الله تعالى. وقد ذهب شيخنا المحقق العراقي (قده) إلى انصراف الاطلاق إلى خصوص الآثار المترتبة على المستصحب بلا واسطة وإن كان للشارع جعل مطلق ما يترتب على المستصحب من الآثار الشرعية أعم من كونها بلا واسطة أو معها. ولعل الأولى في منع الاطلاق أن يقال: ان الاطلاق منوط بصدق اللفظ بمعونة مقدمات الحكمة على مصاديقه حقيقة ثم دعوى انصرافه عنه من جهة التشكيك في الصدق وأنس الذهن، كصحة إطلاق (ما لا يؤكل) على الانسان حقيقة وانصرافه عنه. 525 آثار لوازمه فلا (1) دلالة هناك على لحاظها
526 أصلا (1)، وما لم يثبت لحاظها بوجه أيضا (2) لما كان وجه لترتيبها
527 عليه باستصحابه كما لا يخفى. [1]
[1] هذا كله بناء على كون مفاد (لا تنقص) إنشاء حكم ظاهري مماثل كما عليه الشيخ الأعظم والمصنف (قدهما). وكذا الحال بناء على كونه (وجوب الالتزام بالمتيقن والبناء على أحد طرفي الشك على أنه هو الواقع) كما يظهر من بعض كلمات المحقق النائيني (قده) أو كونه (اعتبار بقاء اليقين السابق في اللاحق من حيث المحرزية) كما يظهر من تعريفه للاستصحاب. أو كونه (وجوب المعاملة مع اليقين أو المتيقن السابق معاملة بقائه من حيث الجري العملي على طبقة) كما هو ظاهر شيخنا المحقق العراقي (قده). أما الأول فهو مختاره في مباحث القطع من (أن المجعول في الأصول المحرزة هو الجهة الثانية من المرتبة الرابعة من مراتب القطع أعني البناء على وجوده وعقد القلب عليه المقابل للجحود المجتمع مع اليقين) وظاهر هذا الكلام وإن كان مقتضيا لاعتبار الأصل المثبت، لان الالتزام بشئ واقعا يقتضي الالتزام بلوازمه، فيكون التعبد به مستلزما للتعبد بلوازمه. إلا أنه ممنوع، إذ لو ثبت الملزوم واقعا لزم الالتزام به وبلوازمه، لكن المفروض اقتصار التعبد الاستصحابي على مورده - وهو نفس الملزوم - دون لوازمه، ولا بد من الالتزام به بهذا المقدار، وأما آثار لوازمه غير المتيقنة سابقا فهي خارجة عن مورد التعبد. لكن استفادة وجوب الالتزام القلبي من خطاب (لا تنقص) ممنوعة، لما أفاده المحقق الأصفهاني (قده): من استحالة الالتزام الجدي بالواقع مع فرض الشك فيه، والمفروض أنه لا جعل للحكم المماثل حتى يكون الالتزام به حقيقة التزاما بالواقع عنوانا. وأما الالتزام بالواقع بناء فهو لكونه تشريعا محرما لا معنى لتعلق الامر به، لامتناع الالتزام بشئ على أنه من الدين مع عدم إحرازه. وأما الثاني فهو مقتضى تعريفه الاستصحاب بقوله: (فالأحسن تعريفه على 528
المختار من أخذه من الاخبار بالحكم الشرعي ببقاء الاحراز السابق من حيث أثره وهو الجري العملي على طبقه، لا من حيث ثبوت الواقع به) وهذا التعريف وإن كان موهما لحجية الأصل المثبت، بدعوى أن اعتبار كون المكلف محرزا للواقع في اللاحق يقتضي كونه متيقنا بلوازمه بقاء. لكنه ممنوع أيضا، إذ ليس مقصوده من اعتبار المحرزية ما يقال في الامارات من اعتبارها وصولا تاما، لصراحة التعريف في أن إبقاء الاحراز إنما هو من حيث أثره أعني الجري العملي، لعدم اليقين بالبقاء حسب الفرض، والمفروض أن موضوع النهي في أخبار الاستصحاب هو نقض اليقين بالشك، ومن المعلوم أن فعلية الحكم تستدعى فعلية موضوعه - - أي اليقين والشك الفعليين - لا إلغاءه، فليس الشك مفروضا كالعدم حتى يكون خطاب (لا تنقض) كدليل اعتبار الامارة دالا على إلغاء احتمال الخلاف. وأما الثالث فهو مختار شيخنا المحقق العراقي، ومقتضاه حجية الأصل المثبت بدعوى: أن مرجع التعبد بالبقاء في استصحاب الموضوع إلى التوسعة الصورية للمتيقن من حيث موضوعيته للأثر بلحاظ مطلق الأعمال المترتبة عليه ولو بواسطة أثر عقلي أو عادي، فالمهم انتهاء التعبد إلى العمل ولو بوسائط عديدة. لكنه ممنوع بانصراف التنزيل إلى تطبيق القضايا الشرعية وتوسعة موضوعاتها. ومعه لا يشمل التنزيل لغيرها من القضايا العقلية والعادية. والمتحصل: أنه لا وجه لاعتبار مثبتات الاستصحاب على شئ من الاحتمالات المتطرقة في (لا تنقض) وان اختلفت في كون المحذور ثبوتيا أو إثباتيا. وعلى فرض تمامية المقتضى لاعتبار الأصل المثبت، فقد ادعى الفصول تبعا للشيخ الكبير عدم حجيته، لتعارض الأصل في الثابت و المثبت، كما إذا استصحب عدم وجود الحائل على البشرة فتوضأ وصلى، فان مقتضاه صحة وضوئه وصلاته لان لازم عدم الحائل هو وصول الماء إلى البشرة. وفي قباله استصحاب عدم 529
الغسل المتيقن قبل الوضوء، ومقتضاه بطلان الوضوء، ويسقط الاستصحابان بالتعارض، فلا جدوى في حجية الأصل المثبت. وأجاب الشيخ الأعظم (قده) عنه بأن الاستصحاب إما أن يكون حجة بالاخبار أو من باب الظن النوعي، فعلى الأول يكون الأصل المثبت حاكما على أصالة عدم الثابت، إذ مع فرض حجية استصحاب عدم الحائل في لازمه العادي والعقلي يكون نفس التعبد بعدم الحائل تعبدا بوصول الماء إلى البشرة، ولا مجال حينئذ لأصالة عدم تحقق الغسل، لانتفاء الشك فيه بمجرد التعبد بالملزوم. وعلى الثاني فلازم فرض التعارض حصول وصفين وجدانيين متنافيين، وهو محال، ضرورة أن الظن بالملزوم مستلزم للظن بلازمه واقعا واعتقادا، ولو فرض اجتماع أركان الاستصحاب في جانب الثابت كان معناه الظن بعدم وصول الماء إلى البشرة، ومن المعلوم استحالة اجتماع ظن المكلف بوصول الماء إليها الناشئ من استصحاب عدم الحائل مع الظن بعدم وصوله إليها الذي يقتضيه أصالة عدم وصوله. وعليه فلا وجه للمعارضة المدعاة أصلا. نعم قد يتصور تعارض الأصلين بناء على استناد حجية الأصل المثبت إلى أن أثر الأثر أثر، وهذا ما أفاده المحقق الميرزا الآشتياني (قده) ووافقه بعض أعاظم العصر على ما في تقرير بحثه الشريف ومحصله: أنه - بناء على اقتضاء التعبد بالملزوم لترتب جميع آثاره الشرعية حتى الآثار مع الواسطة - تصير آثار الواسطة آثارا لنفس الملزوم، وان لم يثبت نفس اللازم بهذا التعبد، لعدم تعلق اليقين و الشك به، وحينئذ فالأصل في الملزوم كأصالة عدم الحاجب يقتضي الحكم بصحة الوضوء والصلاة، والأصل في نفس الواسطة أي اللازم كأصالة عدم تحقق الغسل يقتضي عدم ترتب الآثار الشرعية على صب الماء على أعضاء الوضوء، فيقع التعارض بينه وبين الاستصحاب الجاري في الملزوم. 530
ثم ناقش فيه المحقق الآشتياني (قده) بوجهين أحدهما: (أن مناط تقديم الحاكم على المحكوم موجود هنا، لتعدد رتبة الأصلين، حيث إن الشك في الأثر الشرعي مسبب أولا وبالذات عن الشك في الملزوم، لتقدمه بحسب الرتبة، فإذا حكم الشارع بثبوت الملزوم لجريان الأصل فيه ثبت كون الأصل في الواسطة مما لا يترتب عليه أثر، والأصل الذي لا يترتب عليه أثر خارج عن أدلة الاستصحاب تخصصا، فتأمل). لكن فيه: أن ضابط حكومة الأصل السببي على المسببي لا ينطبق على المقام، لان المترتب على الأصل السببي أعني استصحاب عدم الحاجب هو انغسال العضو، وليس ذلك حكما شرعيا، ومن المعلوم أنه لا بد أن يكون المسبب حكما شرعيا، ولعله أشار إليه بالامر بالتأمل. وثانيهما: أن الواسطة وإن لم تكن مجعولة، إلا أنها مما يتعلق به التنزيل بالواسطة فلا معنى لجريان الأصل فيها. وفيه: أنه إن أريد تعلق التنزيل بالواسطة كتعلقه بذيها بأن ينزل الشك في الحاجب بمنزلة عدمه والشك في وصول الماء إلى البشرة بمنزلة عدمه بمعنى البناء على وصوله كان ذلك التزاما بالتعارض، ضرورة أن اليقين سابقا بعدم وصول الماء مع الشك الفعلي في وصوله يوجب جريان استصحاب عدم الوصول، وهو يعارض تنزيل عدم الوصول منزلة وصوله. وان أريد ترتب أثر الواسطة وهو صحة الوضوء من حيث كون أثر الأثر أثرا للمستصحب وهو عدم الحاجب من دون تعلق تنزيل بالواسطة - وإن كان خلاف صريح كلامه: (إلا أنها مما يتعلق به التنزيل بالواسطة) - فمرجعه إلى الوجه الأول وهو حكومة الأصل السببي على المسببي المانعة عن جريان الأصل المسببي، لارتفاع موضوعه بالأصل السببي، ويرد عليه ما ورد على ذلك الوجه من عدم انطباق ضابط حكومة الأصل السببي على المسببي على المورد، لعدم كون المسبب أثرا شرعيا. 531 نعم (1) لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها (2) محسوبا بنظر العرف
فالحق أن يقال: انه لا دليل على كون أثر الأثر أثرا للمستصحب وإن أطلق ذلك عليه عرفا، لكنه إطلاق مسامحي تطبيقي لا يعبأ به. فالاستصحاب لا يجري في الملزوم لاشكال المثبتية حتى يعارضه استصحاب عدم اللازم، بل يجري الأصل في اللازم كعدم انغسال العضو في المثال المزبور بلا معارض، إلا إذا طر الشك في وجود الحاجب بعد الوضوء واحتمل التفاته إليه حين الوضوء، فان استصحاب عدم انغسال العضو لا يجري حينئذ، لجريان الأصل الحاكم وهو قاعدة الفراغ في الوضوء، بل تجري القاعدة مع عدم احتمال الالتفات أيضا على وجه قوي، وقد تقدم بعض الكلام في التنبيه الأول، فراجع. 532 من آثار نفسه، لخفاء (1) ما بوساطته، بدعوى (2) أن مفاد الاخبار عرفا ما يعمه أيضا (3) حقيقة (4)،
533 فافهم (1). كما لا يبعد (2) ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا
534 بينه وبين المستصحب تنزيلا كما لا تفكيك بينهما واقعا (1)، أو بواسطة (2) ما
535 لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته (1) معه بمثابة عد أثره أثرا لهما،
[1] لا ريب في ثبوت الأمور المذكورة في الواسطة الجلية، لكنه ليس استثناء من الأصل المثبت، بل لكونها بنفسها مجرى الأصل، وسيأتي بيانه في تعليقة التنبيه الآتي. 536 فان [1 [1 عدم ترتيب هذا الأثر (2) عليه يكون نقضا ليقينه بالشك
[1] قد عرفت في التوضيح ما استظهرناه من قوله: (فان عدم ترتيب مثل هذا الأثر. إلخ) من أنه دليل لحجية الأصل المثبت في كل من الواسطة الخفية التي أفادها الشيخ، والواسطة الجلية التي أبداها الماتن. لكن في تقريرات بحث سيدنا الفقيه الأعظم الأصفهاني (قده): (أن نظر الشيخ في استثناء الواسطة الخفية إلى الدليل الأول، بتقريب: أن أثر الأثر ليس أثرا للمستصحب إلا إذا كانت الواسطة خفية، فيشمله حينئذ (لا تنقض) بلا عناية، إذ المفروض كون أثر الواسطة أثرا لذيها، فنفس تنزيل المستصحب كاف في التعبد بأثر الواسطة. و نظر المصنف في استثناء الواسطة الجلية إلى الدليل الثاني، فحاصل كلامه هو المنع عن اقتضاء التعبد بشئ التعبد بلوازمه إلا إذا كانت الملازمة جلية عند العرف، بحيث لا يرون التفكيك بينهما، ففي مثله يكون التعبد بالملزوم موجبا للتعبد باللازم، فتثبت الآثار المترتبة على اللازم بالتعبد كالآثار المترتبة على الملزوم بسبب التعبد به). 537 أيضا (1) بحسب (2) ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا،
وحاصله: أن هنا تنزيلين يتعلق أحدهما بالملزوم والاخر باللازم، فترتيب آثار اللازم على المستصحب منوط بتنزيل آخر غير تنزيل الملزوم، بخلاف كلام الشيخ، إذ ليس فيه إلا تنزيل واحد وهو تنزيل المستصحب، وآثار اللازم تترتب عليه بنفس ذلك التنزيل، لأنها آثار نفس المستصحب عرفا، فلا حاجة في ترتيبها عليه إلى تنزيل آخر. وما نسبه السيد إلى الشيخ (قدهما) هو ظاهر كلامه في الرسائل: (نعم هنا شئ وهو: أن بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة بين المستصحب وبين الحكم الشرعي هو من الوسائط الخفية بحيث يعد في العرف الأحكام الشرعية المترتبة عليها أحكاما لنفس للمستصحب، وهذا المعنى يختلف وضوحا وخفأ باختلاف مراتب خفاء الواسطة عن أنظار العرف). فان كون أثر الواسطة شرعا معدودا عرفا من آثار نفس المستصحب كاف في ترتبه على المستصحب بتنزيل واحد، وهو تنزيل المستصحب، من دون حاجة إلى تنزيل آخر متعلق بالواسطة ولو بدلالة التزامية يقتضيها تنزيل المستصحب. وبالجملة: فلا خفاء في مراد الشيخ (قده) لأنه يدعي كفاية تنزيل المستصحب في ترتيب أحكام الواسطة الخفية على المستصحب، لكون أحكامها أحكامه، ومعه لا حاجة إلى تنزيل آخر. 538 فافهم (1). ثم لا يخفى (2) وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية
539 وبين (1) الطرق و [أو] الامارات،
540 فان (1) الطريق أو الامارة حيث أنه كما يحكى [1 [2 عن المؤدى ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته، و يشير (3) إليها كان (4) مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في
[1] الأولى سوق العبارة هكذا (حيث إنه يحكى عن ملزوم المؤدى ولوازمه وملازماته كحكايته عن نفس المؤدى كان مقتضى إطلاق.). 541 حكايتها، وقضيته (1) حجية المثبت منها [1] كما لا يخفى. بخلاف (2)
[1] اعلم أن محصل ما أفاده هنا وفي حاشية الرسائل في وجه حجية مثبتات 542 مثل (1) دليل الاستصحاب، فإنه (2) لا بد من الاقتصار بما فيه من الدلالة
الامارة كما مر في التوضيح هو حكاية الامارة عن أطراف مؤداها ودلالتها عليها، وأن مفاد دليل اعتبارها لزوم الاخذ بتمام ما هي حاكية وكاشفة عنه من المؤدى وملازمه وملزومه ولازمه، وترتيب الأثر الشرعي على كل واحد منها، هذا. لكن أورد عليه المحققان النائيني والأصفهاني (قدهما) بما محصله: عدم تحقق الحكاية بالنسبة إلى اللازم والملازم، بتقريب: أن المقصود بالدلالة إن كان هو التصورية كالدلالة الوضعية فلا ريب في دلالة الكلام بهذه الدلالة على جميع مداليلها، لكن لا يصدق عليها عنوان الحكاية. وإن كان هو التصديقية فهي لكونها متقومة بالالتفات والقصد فالمخبر عن الملزوم إنما يخبر عن لازم كلامه في صورة التفاته إليه كي يصح أن يقال: ان المخبر أخبر عن لازم كلامه، وهو مخصوص باللام البين بالمعنى الأخص، وأما مطلق اللوازم و الملازمات حتى مع عدم الالتفات إليها فهي لوازم المخبر به وليس مخبرا بها ولو إجمالا وارتكازا فلا معنى لان يؤخذ بها. وقد يوجه كلام الماتن تارة بما في تقرير شيخنا المحقق العراقي (قده) من وجهين: أحدهما: أن المعتبر في الحكاية التصديقية عن المؤدى هو القصد كما أفيد، وأما بالنسبة إلى لازمه وملازمه فاعتبار القصد ممنوع جدا، بل يكفي في الاخذ بلوازمه وملزوماته مجرد حكاية الخبر عنها ولو دلالة تصورية قهرية حتى مع القطع بعدم التفات المتكلم إليها. و يشهد له بناء العرف والعقلاء في محاوراتهم وفي باب الاقرار 543
وغيره على الاخذ بلوازم كلام الغير وإلزامهم إياه بما يقتضيه كلامه حتى مع قطعهم بغفلته عنها. وثانيهما: أن المعتبر في الدلالة التصديقية بالنسبة إلى لوازم المؤدى - على فرض اعتبارها - هو القصد الاجمالي لا التفصيلي، ومن المعلوم أن المتكلم المخبر بالملزوم قاصد للوازم كلامه إجمالا. ومع تحقق الإرادة بنحو الاجمال لا قصور في شمول دليل التعبد بالامارة لجميع ما تحكي عنه من المؤدى ولوازمه وملزوماته. وأخرى بما في حاشية المحقق الأصفهاني (قده) في مقام دفع ما أورده أولا على المتن، قال: (ان الامارة تارة تقوم على الموضوعات كالبينة على شئ، فاللازم حينئذ كون ما يخبر به الشاهدان عن عمد وقصد ملتفتا إليه نوعا. وأخرى كالخبر عن الإمام عليه السلام، فان شأن المخبر بما هو مخبر حكاية الكلام الصادر عن الإمام عليه السلام بماله من المعنى الملتفت إليه بجميع خصوصياته للإمام عليه السلام لا للمخبر، إذ رب حامل فقه وليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، فمجرد عدم التفات المخبر بلوازم الكلام المخبر عنه لا يوجب عدم حجية المداليل الالتزامية للكلام الصادر من الامام، فان كلها ملتفت إليها للمتكلم بها) لكن الكل لا يخلو من الغموض، إذ في الأول: أن مفاد أدلة اعتبار الامارات كما صرح به المصنف في الحاشية هو تصديق الامارات فيما تحكي عنه، ومن المعلوم أن عنوان (الخبر والنبأ وما يرويه ثقاتنا) ونحوه من مضامين أدلة الاعتبار يقتضي تصديق العادل في ما أخبر به وحكى عنه وأداه، ولا تصدق هذه العناوين على لوازم الكلام غير الملتفت إليها. ودعوى صدق الحكاية على الدلالات التصورية غير واضحة لو لم يكن عدمه واضحا. 544 على التعبد بثبوته (1)، ولا دلالة إلا على التعبد بثبوت المشكوك
وأما الاستشهاد ببناء العقلاء على مؤاخذة المقر بلوازم كلامه فهو وإن كان تاما في مورده، وهو ما إذا كان اللازم بينا بالمعنى الأخص، أو كان مما يلتفت إليه نوعا وإن ادعى نفس المقر عدم التفاته إليه، لكنه لا يصلح للنقض على المدعى وهو عدم كفاية الدلالة التصورية، لعدم صدق الاخبار على اللازم بالاخبار عن الملزوم ما لم يكن نفسه مقصودا للمتكلم. بل يمكن منع الاخذ بلازم الكلام في باب الاقرار إذا اعتذر المقر بعدم التفاته إليه وغفلته عنه، إذا كان ثقة. وفي الثاني: أنه وإن كان متينا في نفسه، لكنه أجنبي عن المدعى إذا لم يلتفت المخبر إلى لوازم كلامه أصلا، فإنه كيف يصح الاحتجاج عليه بالاخبار عن لازم كلامه؟ إذ لا حكاية له عنه حتى يكون حجة عليه. نعم لو أحرز الالتفات الاجمالي إلى لازم الكلام فأخبر عن ملزومه ترتب عليه، وأما مع القطع بالغفلة فلا. وفي الثالث - وهو الذي أفاده المحقق الأصفهاني -: أنه إنما ينفع بناء على كون الواصل بخبر الثقة نفس الواقع وكون أدلة الاعتبار إمضاء لسيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة على أنه هو الواقع كما هو المختار. وأما بناء على مفروض الكلام من دلالتها على تصديق العادل في إخباره فيشكل ما أفاده، ضرورة أن الواجب على الفقيه أو الأفقه الذي جاء إليه الخبر تصديق الراوي العدل في أخباره، لان وصول خبره حقيقة وصول للواقع عنوانا، فأدلة الاعتبار تقتضي جعل الحكم المماثل لما أخبر به العادل بداعي التحفظ على الواقع، ولا تقتضي وصول الواقع بنفسه حتى يكون إخبار العدل إخبارا عن قول المعصوم عليه السلام بالملزوم المفروض التفاته إلى جميع لوازم كلامه. وحيث إن الواصل الذي يجب العمل به هو ما أخبر به العادل وهو الواقع العنواني فلا بد من الاقتصار في الاخذ بالمقدار الذي أخبر به العادل، وهو حسب الفرض خصوص الملزوم. 545 بلحاظ أثره (1)
والمتحصل مما تقدم: أنه لا مسرح للقول باعتبار مثبتات الامارات بناء على ما في المتن. كما لا وجه للقول باعتبارها من باب الظن النوعي، أو جعل المحرزية والوسطية في مقام الاثبات المنسوب إلى المحقق النائيني (قده)، لعدم كون موضوع أدلة حجية الخبر اعتبار الظن النوعي، ولا اعتبار الخبر علما، بل ليس في تلك الأدلة تعبد وجعل الهوهوية وتتميم الكشف وإنشاء الحكم المماثل للواقع أصلا، و إنما هو إمضاء لسيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة المفيد للعلم النظامي الذي عليه مدار عمل العقلاء في معاشهم ومعادهم. وهذا المعنى هو مراد المحقق النائيني (قده) على ما حكاه سيدنا الأستاذ كرارا، وأنكر ما اشتهرت نسبته إلى الميرزا (قده) من التزامه بجعل الوسطية وتتميم الكشف. ولو صح ما نسب إليه لكان مخدوشا بوجوه منها ما أورده المحققان العراقي والأصفهاني (قدهما) عليه، ولا نطيل الكلام بذكرها بعد منع صدق أصل النسبة. والنتيجة: أن المبنى المنصور في باب حجية الخير لما كان إمضاء السيرة على العمل بخبر الثقة فاللازم القول باعتبار مثبتاته، إذ وصول الملزوم وصول للازم بنظرهم بحيث يكون عدم ترتيب لوازم المخبر به على الخبر طرحا لنفس الاخبار عن الملزوم. ولو منع من صدق الخبر بالإضافة إلى اللازم لاحتمال غفلته عن لوازم كلامه لم يقدح ذلك في حجية مثبتاته بعد فرض التلازم بين الامرين واقعا، وكون المؤدى نفس الواقع لا عنوانه حتى يقتصر على مدلوله المطابقي. نعم مقتضى هذا البيان اختصاص حجية المثبت بالامارات التي يستند اعتبارها إلى السيرة الممضاة كأخبار الثقة والاقرار ونحوهما، و أما ما لا يستند منها إلى مثل هذه السيرة كاليد فالقول باعتبار مثبتاتها مشكل. 546 حسبما عرفت (1)، فلا (2) دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الأصول التعبدية، إلا (3) فيما عد أثر الواسطة أثرا له، لخفائها أو شدة وضوحها وجلائها حسبما حققناه.
547 الثامن (1) أنه لا تفاوت في الأثر المترتب على المستصحب بين
548 أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شئ (1) أو بوساطة (2) عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع ويتحد معه وجودا [1] كان منتزعا
[1] لا يخفى أن المصنف أجاب عن الاشكال في حاشية الرسائل أيضا من دون تعرض فيها لتقسيم الموضوعات الخارجية إلى ثلاثة أقسام والتفصيل بينها بما عرفت، قال: (لاتحاد تلك العناوين خارجا مع ما انطبقت عليها من الموضوعات الخارجية، ضرورة أنها لا بشرط أخذت في موضوعات الاحكام، وما لا بشرط يجتمع مع ألف شرط، فأين هذا من الحاجة في ترتيب الأثر إلى الواسطة؟) لكن الظاهر أن الصواب منع إطلاقه وتعين الالتزام بتفصيل المتن أو غيره. 552 عن مرتبة ذاته (1) أو بملاحظة (2) بعض عوارضه مما هو خارج المحصول (3) لا بالضميمة (4)، فان [1] 5 الأثر
[1] هذا التعليل يغاير ما سبقه من الدعوى بوجهين، أحدهما: أن ظاهر عبارته 553 في الصورتين (1) إنما يكون له حقيقة،
قبل التعليل هو مثبتية الأصل في المحمول بالضميمة خاصة في قبال عدم مثبتيته في الطبيعي والخارج المحمول. لكنه في مقام التعليل بقوله: (فان الأثر في الصورتين) زاد موردا آخر لمثبتية الأصل وهو ما إذا كان المحمول عنوانا مباينا للموضوع ومتحدا معه وجودا، فتأمل في العبارة. ثانيهما: أن العبارة كما يظهر بالتأمل لا تخلو من اضطراب نبه عليه تلميذه المحقق الأصفهاني (قده) وذلك لظهور قوله: (ويحمل عليه بالحمل الشائع) في أن العنوان الملحق بالطبيعي والفرد في عدم مثبتية الأصل فيه هو نفس الوصف الاشتقاقي من المبدأ الخارج المحمول، إذ هو الصالح للحمل، لا نفس المبدأ. وقرينة المقابلة تقتضي إرادة نفس العنوان المشتق من قوله: (لا المحمول بالضميمة) كي يحصل الفرق بين العادل والأبيض. لكن يستفاد من تمثيله في مقام التعليل للمحمول بالضميمة بالسواد والبياض أن موضوع الأثر نفس المبادئ لا الأوصاف المشتقة منها، و حينئذ يشكل الامر في استصحاب الذات لترتيب أثر المبدأ الذي يكون من الخارج المحمول كالوكالة والعدالة ونحوهما مما جعله المصنف من 554 حيث (1) لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواء،
الخارج المحمول، لعدم الاتحاد المصحح للحمل بين المستصحب والامر الانتزاعي. وعلى كل من الاحتمالين أورد المحقق الأصفهاني على الماتن بأنه على الأول - أعني ترتب الأثر على العنوان الوصفي الاشتقاقي بلحاظ قيام مبدئه بالذات - ينبغي التسوية بين الخارج المحمول بالضميمة، إذ لا فرق في الاتحاد مع الذات بين كون قيام المبدأ بها قياما انتزاعيا وانضماميا، فكما أن (الفوق) عنوان قائم بالسقف، فكذا (الأبيض) عنوان قائم بالجسم متحد معه، فلا فارق بين المحمول بالضميمة وبين الخارج المحمول مع فرض اتحادهما مع الذات. وعلى الثاني بأن الامر الانتزاعي إن كان من الحيثيات اللازمة للذات - وهو الذاتي في كتاب البرهان - فهو متيقن ومشكوك كمنشأ انتزاعه فهو المستصحب وهو الموضوع للأثر، لا أنهما متحدان في الوجود. وإن كان عرضيا بقول مطلق، فكما أن استصحاب ذات الجسم وترتيب أثر البياض عليه مثبت، فكذلك استصحاب ذات زيد وترتيب أثر الأبوة عليه مثبت، ومجرد اتحادهما في الوجود بقاء لا يجدي شيئا. أقول: ان تهافت الصدر والذيل يمكن أن يجاب عنه بأن مقصود المصنف إعطاء الضابطة وتمييز موارد الأصل المثبت عن غيرها، وأنه إن كان المحمول عين الموضوع لم يكن من الأصل المثبت، ومن المعلوم أن الأبيض وإن اتحد مع الجسم وجودا كاتحاد العادل مع زيد و الفوق مع السقف. إلا أن الفارق بينهما 555
وجود ما بحذاء الأبيض في الخارج، لكون المقولات العرضية موجودة في وعاء العين كوجود الجواهر وإن كان وجودها المحمولي عين وجودها النعتي. وهذا بخلاف الفوق، فإنه مجرد تصور لا شأن له غير اللحاظ، والموجود حقيقة هو المنشأ أي السقف. وهذا هو المستفاد من قوله: (حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه) إذ لو كان للمحمول ما يحاذيه في الخارج لم ينطبق عليه أنه عين الموضوع، بل هما موجودان، كما قد يدعى في حركة المتوسط في الدار المغصوبة من أن الحركة الواحدة صلاة وغصب. وعليه فتنظير المصنف للمحمول بالضميمة بنفس المبدأ كالسواد والبياض لا ينافي قوله: (ويحمل عليه بالحمل الشائع) إذ المقصود بيان مثال لما يحمل على الشئ مطلقا سواء أكان بوصفه الاشتقاقي كالأبيض أم بمعونة (ذو) كقوله: (الجسم ذو بياض) لان ضابط المحمول بالضميمة - وهو العرض المتأصل الملازم للوجود - صادق على كل من المبدأ والوصف المشتق منه كما يشهد له تعبير الحكيم السبزواري في ما نقلناه عنه في التوضيح. وحيث انه لا ظهور لكلام المصنف في إرادة نفس المبدأ بالخصوص من ذيل كلامه فلا سبيل لدعوى التهافت المزبورة. ثم إن دفع شبهة الاثبات بما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) من (اجتماع أركان الاستصحاب في نفس الكلي حقيقة، إذ اليقين بالفرد يقين بالحصة المتقررة في ذات الفرد والشك فيه شك فيها، فيجري الأصل فيه لا في الفرد حتى تتجه شبهة الاثبات) أولى مما ادعاه المصنف من العينية والاتحاد، لما أورده عليه المحقق المزبور في استصحاب الكلي من (أن عينية وجود الطبيعي ووجوده فرده واقعا أجنبية عن مقام التعبد بأثر الكلي، فإنهما متحدان بحسب الوجود الخارجي لا بحسب وجودهما التعبدي، وليس في التعبد بموضوع ذي أثر جعل الموضوع حقيقة حتى يكون جعل الفرد جعل الطبيعي المتحد معه. وليس أثر الكلي بالنسبة إلى أثر الفرد طبيعيا بالإضافة إلى فرده). 556 لا لغيره (1) مما كان مباينا معه
والأولى في دفع شبهه الاثبات إنكار أصل تعلق الاحكام بالكليات، ضرورة أن الكلي بما هو كلي ليس موضوعا للأثر، لعدم قيام ملاك التشريع به، مع أنه بتعبير بعض أعاظم أساتيذنا (قده) أم الموضوع، ومقوم موضوعيته، بل الكلي بلحاظ وجوده الخارجي موضوع. و هذا بلا فرق بين دعوى تعلق الاحكام بالطبائع أم بالافراد، أما على الثاني فواضح. وأما على الأول فلان المقصود تعلق الحكم بالطبيعة بوجودها السعي بحيث لا دخل للوازم الوجود وعلائم التشخص في الملاك. ولما لم يكن نفس الكلي موضوع الحكم أصلا فلا جدوى في دعوى الاتحاد والعينية كي يشكل بعدم إجداء ذلك في دفع الغائلة. وهذا بناء على إنكار موضوعية الكلي لبشئ من الاحكام متين. وأما بناء على الالتزام بتعلق الاحكام بالكلي والتنظير له بموضوعية جامع الحدث لحرمة مس المصحف كما في تقرير بعض الأعاظم فلا سبيل هنا للاشكال على المصنف (بأن الاتحاد والعينية غير دافع لشبهة الاثبات، وإنما تندفع بعدم موضوعية الكلي أصلا لحكم شرعي، وإنما لو حظ في الدليل عبرة ومرآة لافراده، فالموضوع في الحقيقة هو الفرد) وذلك لعدم خلوه من تهافت بين، لأوله إلى إنكار استصحاب الكلي رأسا، فلاحظ. 557 أو (1) من أعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة كسواده مثلا أو بياضه، وذلك (2) لان الطبيعي (3) إنما يوجد بعين وجود فرده، كما أن العرضي (4)
558 كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه، فالفرد (1) أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين (2) ما رتب عليه الأثر لا شئ آخر، فاستصحابه (3) لترتيبه لا يكون بمثبت.
559 كما توهم. [1 [1
[1] لا يخفى أن الوجه في عدم اعتبار الأصل المثبت هو: أن مفهوم مثل (لا تنقض اليقين بالشك) ليس إلا التعبد بإبقاء المتيقن عملا، لان مورد التعبد بعد وضوح طريقية اليقين هو نفس ما كان على يقين منه من حكم كجواز التقليد أو موضوع كحياة زيد، فلا وجه للتعدي عن مورد التعبد إلى غيره وإن كان لازما أو ملازما له، لقصور دليل التعبد عن الشمول له، بعد وضوح عدم وجود اللازم والملازم مع المستصحب حدوثا، إذ لو كانا معه حدوثا كان كل منهما موردا للاستصحاب، كما تقدم التنبيه عليه، ومن المعلوم أن التعبد ببقاء المتيقن يقتضي ترتيب أحكام نفسه دون غيره من أحكام لوازمه ونحوها عليه، فلا يثبت باستصحاب الحياة مثلا إلا ما يترتب على نفسها من حرمة تزويج الزوجة ووجوب الانفاق عليها ونحو ذلك دون لازمها كنبات اللحية، ولا أثرها الشرعي من حرمة حلقها و استحباب تدويرها مثلا. نعم إذا كان موضوع الحكم بالنسبة إلى المستصحب ذاتيا وكليا طبيعيا لافراده كاستصحاب خلية مائع لترتيب حكم طبيعي الخل عليه لا يكون الاستصحاب حينئذ مثبتا، حيث إن الفرد الذي هو المستصحب عين الكلي الذي يكون موضوع الحكم الشرعي. هذا إذا كان الكلي المنطبق على المستصحب ذاتيا إيساغوجيا له. ونحوه ما إذا كان ذاتيا برهانيا له أي منتزعا عن ذات الشئ بلا ضم ضميمة كإمكان الانسان وزوجية الأربعة ونحوهما مما لا يحتاج إلى جعل مستقل، بل هو مجعول بجعل نفس الماهية، فيترتب على المستصحب - كالانسان - الأثر المترتب على الامكان، 560
لأنه مجعول بجعل نفس الانسان الذي هو مورد التعبد، فان الامكان لازم لماهيته وغير منفك عنها وإن كان غيره لا عينه، بخلاف سابقه، فان الفرد عين وجود الطبيعي بناء على مذهب أكثر المحققين من كونه كالآباء مع الأولاد. ومنه يظهر حكم العناوين المشتقة من المبادئ العرضية من كون الاستصحاب الجاري في نفس الذوات المتصفة بتلك المبادئ لاثبات الآثار الشرعية التي موضوعاتها تلك المبادئ مثبتا، فإذا شك في حياة زيد العادل لا يكفي استصحاب حياته في ترتيب آثار عدالته إلا إذا كان معلوم العدالة على تقدير الحياة، وإلا كان اللازم إجراء الاستصحاب في نفس العدالة أيضا. وهذا من غير فوق بين كون المبدأ مما لا يكون له ما بحذاء في الخارج كالعلم والعدالة وغيرهما من الملكات، أو يكون له ما يحاذيه في الخارج كالسواد والبياض و نحوهما، فإنه مع عدم فردية المستصحب وعينيته لموضوع الحكم وعدم كفاية ذات المستصحب في انتزاعه كما في الذاتي البرهاني يكون الاستصحاب مثبتا. وأما الامر الانتزاعي الذي لا وجود إلا لمنشأ انتزاعه، فاستصحاب منشئه لا يكون مثبتا، كاستصحاب عدم إذن المالك في تصرف الغير في ماله، لأنه موضوع حرمة التصرف حقيقة دون ما ينتزع عنه من عنوان الغصب، إلا إذا فرض موضوعية نفس العنوان الانتزاعي للحكم في لسان الدليل، فان جريان الاستصحاب في منشئه حينئذ لا يجدي في ترتب الحكم المترتب على العنوان الانتزاعي، لأنه ليس مورد التعبد، فترتبه عليه موقوف على مثبتية الأصل. وإنكار مثبتيته بدعوى صغرويته لكبرى الأصل السببي الحاكم على المسببي بتقريب: أن منشأ انتزاع الغصب هو التصرف غير المأذون فيه، وأصله حاكم على الأصل الجاري في الغصب، وذلك الأصل كاف في ترتب الأثر الشرعي المترتب على الغصب (غير مسموع) لفقدان الترتب الشرعي الذي هو شرط حكومة الأصل السببي على المسببي فيما نحن فيه، ضرورة أن ترتب الامر الانتزاعي 561
كالغصب ليس شرعيا حتى يكون الأصل الجاري في منشئه حاكما على أصله. فتلخص مما ذكرنا: أنه لا وجه لحجية الأصل المثبت في شئ من الموارد أصلا. وثبوت الحكم بالاستصحاب فيما إذا كان المستصحب فردا للطبيعي الذي هو موضوع الحكم، أو كان موضوع الحكم من لوازم ذاته ومجعولا بجعله، أو كان منشأ لأمر انتزاعي فيما لم يكن نفس ذلك الامر الانتزاعي موضوعا للحكم أجنبي عن الأصل المثبت، لما مر آنفا. فما عن الشيخ الأعظم والمصنف (قدهما) من اعتباره مع خفاء الواسطة أو مع جلائها أيضا كما عليه المنصف، استنادا في الأول إلى كون الأثر بالمسامحة العرفية أثرا لذي الواسطة، وفي الثاني إلى عدم إمكان التفكيك في التعبد بين المستصحب ولازمه عرفا كامتناع التفكيك بينهما واقعا كالعلة والمعلول والمتضايفين على ما أفاده في حاشية الرسائل غير ظاهر. أما خفاء الواسطة التي هي موضوع الأثر الشرعي حقيقة فلانه لا يوجب اعتبار المسامحة العرفية في مقام التطبيق، ضرورة أن العرف مرجع في تعيين مفاهيم الألفاظ و ظواهرها الناشئة من الأوضاع أو القرائن، دون تطبيقاتها المبنية على المسامحة، ولذا لا يعتد بتطبيقهم المفاهيم المعلومة بحدودها على ما ليس من مصاديقها حقيقة، كإطلاق الكر الذي هو ألف ومائتا رطل عراقي على ماء ينقص عن هذا المقدار بقليل. وكإطلاق النصاب في باب الزكاة وفي بعض ما يتعلق به الخمس مما له يقدر شرعا والمسافة المعتبرة في تقصير الصلاة وإفطار الصوم، وعدة المرأة في الطلاق والفسخ وغير ذلك على الناقص منها بقليل، فان هذه الاطلاقات العرفية لما كانت مبنية على المسامحة لا يعتد بها، ولا يترتب عليها أحكام تلك المفاهيم، لعدم كونها مصاديق حقيقية لتلك المفاهيم التي هي موضوعاتها. وعليه فاستصحاب عدم الحاجب مع صب الماء على البدن يجدي في صحة الغسل إن كان موضوع صحته مركبا من الصب وعدم الحاجب، والأول محرز بالوجدان والثاني بالتعبد، لان المستصحب حينئذ جز الموضوع، ولا يكون 562
مثبتا أصلا. ولا يجدي إن كان موضوع صحته وصول الماء إلى البشرة وانغسالها به، وذلك لان الصحة التي يترتب عليها ارتفاع الحدث أو الخبث بالانغسال المزبور، وليست من آثار عدم الحاجب حتى يجري فيه الاستصحاب، فلا وجه للتعبد بعدم الحاجب الذي لا يترتب عليه أثر شرعي، بل يترتب على وصول الماء إلى البشرة الذي هو لازم عادي لعدم الحاجب، وجعله أثرا لعدم الحاجب مبني على المسامحة العرفية في مقام التطبيق، وقد مر عدم اعتبارها. وأما جلا الواسطة بمعنى كون الملازمة بينها وبين ذيها بمثابة لا يمكن التفكيك بينهما تعبدا كعدم إمكانه واقعا - وقد ذكر له المصنف (قده) في الحاشية صورتين تقدم بيانهما في التوضيح، إحداهما أن يكون مورد التعبد الاستصحابي العلة التامة، فان استصحابها يوجب ترتب أثر المعلول، وثانيتهما: أن يكون مورده أحد المتضايفين كاستصحاب أبوة زيد لعمرو، فان التعبد بأبوته له يستلزم التعبد ببنوة عمرو له، وترتيب آثارها من وجوب إطاعته لزيد، وحرمة تزويج زوجته بعد خروجها عن زوجيتها لزيد بطلاق أو غيره، وغير ذلك من الآثار الشرعية المترتبة على الولد بالنسبة إلى والده. فضابط جلا الواسطة هو عدن إمكان التفكيك بين الواسطة وذيها واقعا وتنزيلا، وكل ما كان كذلك يكون الأصل المثبت فيه معبرا - فلما فيه من أن جلا الواسطة بالمعنى المزبور خارج عن محل النزاع في الأصل المثبت، لان مورده كما تقدم سابقا هو ما يكون لازما للمستصحب بقاء، وأما ما يكون لازما له حدوثا فهو بنفسه مورد للاستصحاب، لاجتماع أركانه من اليقين والشك فيه، وأجنبي عن الأصل المثبت، فان اليقين بأبوة زيد لعمرو يستلزم اليقين ببنوة عمرو له، فلو فرض شك في بقاء الأبوة لزيد فلا محالة تصير بنوة عمرو له أيضا مشكوكة، فيجري فيها الاستصحاب كجريانه في أبوة زيد، فليس هنا أصل مثبت. نعم يتصور المثبتية فيما إذا جرى الاستصحاب في ذات أحد المتضايفين كزيد لاثبات ولد له، بأن يقال: ان بقاء زيد إلى هذا الزمان يلزمه عادة تكون ولد منه، 563
فان إثبات الولد له بهذا الاستصحاب من أوضح الأصول المثبتة، ولا يظن من أحد التزامه باعتباره، إذ لا ملازمة بين بقائه واقعا ووجود الولد له فضلا عن بقائه التعبدي. وبالجملة: فالاستصحاب حينئذ مثبت بلا إشكال، ولا مجال للقول بحجيته. وليس مراد المصنف من المتضايفين ذاتهما، بل مراده عنوانهما، ومن المعلوم أن المتضايفين متكافئان قوة وفعلا وعلما وظنا. ومما ذكرنا في المتضايفين يظهر حال العلة التامة والمعلول، ضرورة أن العلم بالعلة التامة لا ينفك عن العلم بمعلولها، فمع الشك يجري الاستصحاب في كل منهما، لاجتماع أركانه في كليهما من دون شبهة مثبتية الأصل فيها. وكذا الحال في لوازم الوجود، كضوء الشمس، فان نفس الضوء مما يجري فيه الاستصحاب، لكونه بنفسه متيقنا ومشكوكا، ويترتب عليه طهارة ما جففه من دون لزوم إشكال المثبتية. نعم إثبات الضوء باستصحاب بقاء القرص في قوس النهار يتوقف على الأصل المثبت. لكن قد عرفت جريان الاستصحاب في نفس الضوء. وأما العلة الناقصة فلا ملازمة واقعا بينها وبين معلولها، فكيف تمكن دعوى الملازمة عرفا بين التعبد بالعلة الناقصة والتعبد بالمعلول؟ والاستصحاب الجاري في الموضوعات المركبة كإثبات موضوع الضمان باستصحاب عدم إذن المالك في تصرف من استولى على ماله أجنبي عن الأصل المثبت كما لا يخفى. ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا: أن كثيرا من الفروع التي توهم ابتناؤها على الأصل المثبت ليست مبنية عليه، إما لاندراج بعضها في الموضوع المركب كمسألة الضمان الذي موضوعه الاستيلاء على مال الغير بدون إذنه، فان الاستيلاء والاذن عرضان لجوهرين. وإما لكون بعضها مما يجري في نفسه الاستصحاب كضوء الشمس من اللوازم، وبنوة الابن ونحوها من الملازمات والمتضايفات، فان ما لا ينفك عن المستصحب حدوثا من اللوازم والملازمات يكون بنفسه مجرى الاستصحاب، ولا يرتبط ثبوته بالأصل المثبت، لما مر من أن مورده هو ما يكون 564
لازما أو ملازما لبقاء المستصحب، إذ لو كان كذلك لحدوثه لثبت باستصحاب نفسه لا باستصحاب ملزومه أو ملازمه حتى يعد من صغريات الأصل المثبت. ونظير ضوء الشمس إسكار الخمر، فإذا فرض أن الحرمة مترتبة على عنوان المسكر، فإذا شك في بقاء خمرية مائع لا يكفي استصحابها في ترتب الحرمة المترتبة على المسكر وإن اتحد وجودا مع الخمر، بل لا بد من إجرائه في نفس الاسكار، لكونه من لوازم حدوث الخمر. نعم إذا كان موضوع الخمرية في ترتب الحرمة، إذ المراد بالواسطة في الأصل المثبت هو الواسطة في العروض، لأنها موضوع الحكم، لا الواسطة في الثبوت، وإن كانت الوسائط الثبوتية والجهات التعليلية هي الموضوعات الواقعية لدى العقل، إلا أن المراد بالموضوع هنا هو ما أخذ في الدليل الشرعي موضوعا للحكم، فالملاكات خارجة عن حيز الموضوعات وإنما هي دواع وعلل لتشريع الاحكام لها كما لا يخفى. وإما لدعوى قيام السيرة على اعتبار الأصل المثبت في بعض الموارد، كالشك في وجود الحاجب عن وصول الماء إلى البشرة. وإما لكون اعتبار الاستصحاب من باب الظن كما عليه قد ماء الأصحاب رضوان الله عليهم، وإن كانت كلتا الدعويين محل النظر والمنع. إذ في الأولى: عدم ثبوت اعتبار هذه السيرة، لعدم إحراز اتصالها بزمان المعصوم عليه السلام، والشك في اعتبارها كاف في عدم اعتبارها. وفي الثانية: ظهور الروايات المتقدمة المستدل بها على حجية الاستصحاب في كونه أصلا عمليا، لاخذ الشك في موضوعه، لا أمارة. والحاصل: أنه يمكن توجيه كثير من الفروع التي فرعوها على الأصل المثبت بما يمنع عن تفريعها عليه. وما يبتنى منها على الأصل المثبت لا يخلو إما أن يكون للبناء على كون الاستصحاب من الامارات التي تكون مثبتاتها حجة كما عن القدماء، 565 وكذا (1) لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتب
وإما أن يكون للبناء على حجية الأصل المثبت مع الالتزام بكون الاستصحاب من الأصول كما عن بعض المتأخرين. وضعف كلا هذين الوجهين ظاهر، فلاحظ تلك الفروع وما ذكروه فيها من المباحث. [1] لا يخفى أن سوق الكلام يقتضى أن يكون منشأ الاشكال في هذا المورد من الموارد الثلاثة مثبتية استصحاب مثل وجود الشرط للحكم الشرعي المترتب على لازم المستصحب. لكن ظاهر كلامه هنا وفي حاشية الرسائل أن منشأ الاشكال هو انتفاء الأثر أصلا، قال فيها: (إذ يتخيل أنه لا أثر شرعا يترتب على وجود أحدهما - أي وجود الشرط وعدم المانع - أو عدمه) وهذا هو الصحيح، لان 566 عليه (1) بين أن يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتكليف وبعض أنحاء
ضابط الأصل المثبت هو ترتب الأثر الشرعي على المستصحب بواسطة عقلية أو عادية كما تقدم في التنبيه السابق. وأما إذا لم يترتب على المستصحب أثر شرعي أصلا فلا وجه لجعله من الأصل المثبت، إذ المحذور حينئذ لغوية التعبد الاستصحابي. نعم قد يوجه مثبتية الأصل هنا بأن الأثر الشرعي مترتب على المشروط مثلا كالأمر بالصلاة إلى القبلة، والمفروض ترتب هذا الأثر باستصحاب ذات الشرط كالاستقبال، ويثبت الامر بالمشروط حينئذ، وقد توسط الامر غير المجعول لاثبات المجعول، ومن المعلوم أن إثبات أحد المتلازمين بإجراء الأصل في الاخر داخل في الأصل المثبت، والمراد من أحد المتلازمين هو الامر الانتزاعي الذي يكون لازما لأمر شرعي، وهو منشأ الانتزاع. لكنه يندفع بما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) أولا: من أنه لا اثنينية بين الامر الانتزاعي ومنشئه وجودا بنظر المصنف حتى يتوهم الوساطة الموجبة لكون الأصل مثبتا. وثانيا: من أنه إذا كانت الشرطية متيقنة كان منشؤها - وهو الامر بالمقيد - كذلك، فلا حاجة إلى إجراء الأصل في الامر الانتزاعي، وإثبات منشئه المجعول ليتوهم الاثبات بالأصل. 567 الوضع (1)، أو بمنشأ (2) انتزاعه كبعض أنحائه كالجزئية والشرطية والمانعية (3)، فإنه (4)
568 أيضا (1) مما تناله يد الجعل شرعا، ويكون (2) أمره بيد الشارع وضعا ورفعا ولو (3) بوضع منشأ انتزاعه ورفعه. ولا وجه (4) لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب (5) مجعولا مستقلا (6) كما لا يخفى،
569 فليس (1) استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت كما ربما توهم (2)، بتخيل أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية، بل (3)
570 من الأمور الانتزاعية، فافهم (1).
571 وكذا (1) لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر
572 ووجوده أو نفيه وعدمه (1)،
573 ضرورة (1) أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته. وعدم (2) إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر، إذ ليس (3) هناك ما دل على اعتباره بعد (4) صدق نقض اليقين بالشك برفع (5) اليد عنه كصدقه (6) برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح، فلا وجه (7) للاشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب (8) البراءة من التكليف وعدم المنع عن الفعل
574 بما (1) في الرسالة من (2) (أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم [1] المجعولة الشرعية) فان (3) عدم استحقاق العقوبة و إن كان غير
[1] لا يخفى أن جهة إشكال الشيخ في جريان استصحاب البراءة عن التكليف وعدم المنع ليست هي عدم كون المنع مجعولا شرعيا حتى يرد عليه: أن عدم التكليف كثبوته مجعول بمعنى أنه مما تناله يد التشريع، كيف؟ وقد التزم شيخنا الأعظم (قده) بجريان الاستصحاب في الوجودي والعدمي، ورد القول الثالث 575 مجعول، إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع.
الذي استظهره التفتازاني من كلا العضدي من (أن خلاف منكري الاستصحاب إنما هو في الاثبات دون النفي). وكذا مقتضى كلامه في خامس تنبيهات الشبهة الحكمية التحريمية من مبحث البراءة مجعولية عدم الحرمة، حيث أجاب عن إشكال حصر المحللات بما لفظه: (أن التحريم محمول في القرآن على الخبائث والفواحش، فإذا شك فيه فالأصل عدم التحريم، ومع تعارض الأصلين يرجع إلى أصالة الإباحة) لاقتضاء التعارض جريان الأصل في نفسه، ومن المعلوم إناطة جريانه بمجعولية عدم المنع، فلاحظ. بل جهة الاشكال هي: أن عدم استحقاق العقاب ليس مترتبا على عدم المشكوك واقعا - وهو التكليف - حتى يحرز بالاستصحاب، بل هو مترتب على نفس الشك المفروض إحرازه وجدانا، وهو مورد قاعدة قبح العقاب بإلا بيان. ويدل عليه قوله: (إذ لو لم يقطع بالعدم واحتمل العقاب احتاج إلى انضمام حكم العقل بقبح العقاب. إلخ) كما أن الشك في بقاء التكليف بعد العلم بحدوثه ليس موردا للاستصحاب، بل يكون مجرى قاعدة الاشتغال، حيث إن نفس الشك في فراغ الذمة عن التكليف بعد القطع باشتغالها وبه تمام الموضوع لحكم العقل بلزوم تحصيل اليقين بالفراغ من دون حاجة إلى استصحاب بقاء التكليف، إلا إذا احتيج إليه لجهة أخرى كلزوم قصد الوجه وغيره. والحاصل: أن إشكال الشيخ على الاستدلال باستصحاب البراءة هو: أن الأثر المطلوب وهو عدم العقاب لا يترتب على عدم المنع واقعا حتى يستصحب، بل يترتب على نفس الشك في المنع، وهو موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان. وعليه 576 وترتب (1) عدم الاستحقاق - مع كونه عقليا - على استصحابه (2) إنما (3)
فلا مجال لقول المصنف (قده): (إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر) إذ على ما أفاده الشيخ يكون عدم العقاب من آثار نفس الشك في المنع، لا من آثار عدم المنع حتى يقال: انه أعم من العدم الواقعي والظاهري كي يترتب على عدم المنع الظاهري الثابت بالاستصحاب من دون لزوم إشكال المثبتية. وإلا فلو ثبتت الإباحة الشرعية باستصحاب عدم التكليف ترتب عليه عدم استحقاق العقاب كما حكي صراحة كلامه فيه. 577 هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر، فتأمل (1).
578 التاسع (1) أنه لا يذهب عليك أن عدم ترتب الأثر
579 غير الشرعي (1) ولا الشرعي (2) بوساطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب (3)
580 إنما (1) هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعا (2)، فلا (3) يكاد يثبت به (4) من آثاره إلا أثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة أو بوساطة أثر شرعي آخر (5) حسبما عرفت فيما مر (6)،
581 لا بالنسبة (1) إلى ما كان للأثر الشرعي مطلقا (2) كان (3) بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب، فان آثاره (4) شرعية كانت أو غيرها تترتب عليه إذا ثبت ولو (5) بأن يستصحب، أو كان (6) من آثار
582 المستصحب، وذلك (1) لتحقق موضوعها حينئذ (2) حقيقة، فما للوجوب [1] عقلا (3) يترتب على الوجوب (4) الثابت شرعا باستصحابه أو
[1] الأولى سوق العبارة هكذا: (فالحكم العقلي المطلق من وجوب الموافقة. إلى غير ذلك يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه أو استصحاب موضوعه 583 استصحاب موضوعه (1) من (2) وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة إلى غير ذلك (3) كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب (4) بلا شبهة وارتياب، فلا تغفل (5).
كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب. إلخ) وذلك أما أولا: فلانه لا بد أن يكون مفسر الموصول في (ما للوجوب) من عوارض الوجوب لا نفسه المذكور صريحا في العبارة، إذ ليس الوجوب العقلي إلا نفس الأمور المذكورة، فهو نظير (أكرم ما لزيد من زيد). وأما ثانيا: فلان الحكم العقلي المترتب على الأثر الشرعي لا يختص بالوجوب، بل كل حكم عقلي من الحسن والقبح الثابتين لمطلق الأثر الشرعي ولو بوجوده الظاهري يترتب عليه. نعم إذا أريد بقوله: (للوجوب عقلا) الحكم العقلي لا يرد عليه شئ، ضرورة أن الحكم العقلي حينئذ يشمل الجميع، فكأنه قيل: (فما للحكم العقلي من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة إلى غير ذلك كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب. إلخ) لكن هذا الاحتمال بعيد. 584 العاشر (1): أنه قد ظهر مما مر (2) لزوم أن يكون المستصحب حكما
[1] لا يخفى أن مقتضى ما تقدم من كون الغرض من عقد هذا التنبيه دفع توهم اعتبار مجعولية المستصحب حدوثا في جريان الاستصحاب هو أجنبيته عن الأصل المثبت. فما في تقريرات سيدنا الفقيه صاحب الوسيلة وفي حاشية المحقق 585 شرعيا أو ذا حكم كذلك (1). لكنه (2) لا يخفى أنه لا بد أن يكون
المشكيني (قدهما) من كون هذا التنبيه من ملحقات الأصل المثبت لم يظهر له وجه. وتوجيه عده من ملحقاته كما في حاشية بعض الأعاظم (قده) بما حاصله: (أن المستصحب إذا كان عدم فعلية التكليف حال الصغر، حيث إن الصغر دخيل في عدم فعليته، وكان الغرض من استصحابه نفي إنشاء التكليف رأسا كان مثبتا، لان لازم عدم فعليته بعد البلوغ هو عدم جعله أصلا، إذ لو كان مجعولا بعد البلوغ لكان فعليا، لعدم مانع عن فعليته بعده، فبقاء عدم فعليته ملازم عقلا لعدم تشريعه رأسا) لا يخلو من غموض، لان مفروض كلام المصنف (قده) ليس هو عدم فعلية التكليف حال الصغر، بل عدمه الأزلي. وعليه فلا وجه لالحاق هذا التنبيه بالأصل المثبت. 586 كذلك (1) بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا، فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما ولا له أثر شرعا وكان في زمان استصحابه كذلك - أي حكما - أو ذا حكم يصح (2) استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف (3)، فإنه وإن لم يكن بحكم مجعول في الأزل (4) و لا ذا حكم، إلا أنه حكم مجعول فيما لا يزال (5)،
587 لما (1) عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال (2) مجعول [1] شرعا. وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا (3) أو كان ولم يكن حكمه
[1] لا يخفى أن ما اشتهر من أنه لا بد أن يكون المستصحب حكما أو موضوعا ذا حكم مما لا أصل له. إذ لم يقم عليه دليل من آية أو رواية أو إجماع أو عقل، وغاية ما يقتضيه دليل الاقتضاء هو عدم لزوم اللغوية من التعبد المدلول عليه بمثل (لا تنقض) ومن المعلوم تحقق الخروج عن اللغوية بقابلية المورد للجعل والتشريع وإن لم يطلق عليه الحكم اصطلاحا كما أفاده المصنف (قده). 588 فعليا (1) وله حكم كذلك (2) بقاء، وذلك (3) لصدق نقض اليقين بالشك
589 على (1) رفع اليد عنه والعمل (2) كما إذا قطع بارتفاعه، ووضوح (3) عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا (4) فيه
590 وفي تنزيلها (1) بقاء، فتوهم (2) اعتبار الأثر سابقا (3) كما ربما يتوهمه الغافل من (4) اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم فاسد (5) قطعا، فتدبر جيدا. [1]
[1] لا يخفى أنه يمكن أن يدعى التنافي بين ما أفاده هنا من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم بقاء لا ثبوتا، وبين ما تقدم في الامر السابع من جعل المماثل للمستصحب أو لحكمه. وجه المنافاة: أنه إذا لم يكن للحدوث حكم فلا معنى 591
لجعل مماثل له بقاء. لكنه يمكن دفع التنافي بينهما بأن يراد بالمماثلة المماثلة في الحكم الاقتضائي لا الفعلي، بمعنى أن المستصحب لو كان له حكم في حال اليقين به لكان كذا فيجعل مثله له في ظرف الشك فيه. أو يراد بالمماثلة السنخية وإن كان الحكم في زمان اليقين به عقليا لا شرعيا كاللا حرجية العقلية في حال الصغر، فان استصحابها حال البلوغ عبارة عن جعل الإباحة شرعا التي هي حكم مماثل لذلك الحكم العقلي في الترخيص والتوسعة على المكلف. أو يراد بالمماثلة البناء العملي، فمعنى الاستصحاب جعل الحكم بالبناء على المتيقن عملا، فكأنه: قال: (اعمل أيها الشاك في بقاء المتيقن عمل من يتيقن ببقائه) ويمكن دفع التنافي بوجوه أخرى أيضا، ولعل المصنف (قده) أشار إلى ما ذكرنا أو بعضه بقوله: (فتدبر جيدا). 592 الحادي عشر (1): لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم (2) أو موضوع (3). وأما إذا كان الشك في تقدمه وتأخره (4)
593 بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان.
594 فان لوحظ (1) بالإضافة إلى أجزأ الزمان
595 فكذا (1) لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الأول (2) وترتيب آثاره، لا آثار (3) تأخره عنه، لكونه (4) بالنسبة إليها مثبتا، إلا (5)
596 بدعوى خفاء الواسطة، أو عدم (1) التفكيك في التنزيل بين (2) عدم تحققه إلى زمان وتأخره عنه عرفا (3) كما لا تفكيك بينهما واقعا [1] ولا (4) آثار
[1] أورد عليه ب (أن عدم التفكيك في التنزيل إن كان لمجرد الاستلزام العقلي واقعا، فلا بد من القول به في جميع اللوازم العقلية. وإن كان لخصوصية في بعض الاستلزامات كالعلة التامة ومعلولها وكالمتضايفين على ما مر في البحث عن الأصل المثبت، فشي منهما غير منطبق على ما نحن فيه. أما الأول فواضح، إذ لا علية لعدم الشئ في الزمان الأول لوجوده في الزمان الثاني فضلا عن تأخره، فضلا عن أن يكون بنحو العلية التامة. وأما الثاني فالمتضايفان هما التقدم والتأخر، فالتعبد بتقدم العدم على الوجود تعبد بتأخر الوجود عن العدم. وأما العدم فليس مضايفا للوجود ولا لتأخره حتى يكون التعبد به تعبدا بمضايفه). لكن لا يبعد أن يكون المستثنى من عدم حجية الأصل المثبت بنظر المصنف هو 597 حدوثه في الزمان الثاني، فإنه (1) نحو وجود خاص.
كل ما يأباه العرف من التفكيك بين التعبدين والتنزيلين، فلا تعم هذه الكبرى المستثناة كل استلزام عقلي حتى إذا لم يكن بينا، كما لا تختص بالموردين المتقدمين في الأصل المثبت من العلة والمعلول والمتضايفين. وربما يشهد لما ندعيه كلامه في الحاشية في توجيه تمسك جمع من القدماء بالأصول المثبتة، قال: (قده): (ثم انه لا يبعد أن يكون ذلك - أي كون التلازم بين الشيئين بمثابة يوجب التلازم بينهما في مقام التنزيل - منشأ عمل جماعة من القدماء والمتأخرين بالأصول المثبتة في مقام، وعدم العمل بها في مقام آخر. وحمل ذلك على تفاوت المقامين في خفاء الواسطة وعدمه كما ترى يكذبه ملاحظة أن الواسطة في موارد عملهم في غاية الوضوح.). وعليه فتطبيق الكلية المستثناة على بابي العلة والمتضايفين المتقدمين في التنبيه السابع لعله لكونهما أظهر مصاديقها، لا لتحديد تلك الكبرى بالموردين، لوضوح أن من تلك الفروع التي عنونها شيخنا الأعظم هو استصحاب حياة الملفوف بالكساء لاثبات ضمان الجاني، مع أن موضوع الضمان هو قتل الحي، والحياة المستصحبة ليست علة للقتل ولا مضايفة له، فيتعين إرادة الملازمة بين التعبدين كتلازمهما واقعا، لا مطلق أنحاء الملازمة، وإلا كان النزاع في الأصل المثبت لفظيا، ولا خصوص العلة والتضايف. وعلى هذا فلا مانع من دعوى اقتضاء أصالة عدم الاسلام يوم الخميس للتعبد بتأخره عنه، وإلا كان عدم ترتيب آثار التأخر نقضا لنفس اليقين بعدم الاسلام يوم الخميس. فلا يرد على ما في المتن إشكال إلا منع المبنى بما تقدم في تعليقة التنبيه الثامن. 598 نعم (1) لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب (2) بناء (3) على أنه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق (4).
599 وإن لوحظ (1) بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا وشك
600 في تقدم ذاك عليه وتأخره عنه [1] كما إذا علم بعروض
[1] كان على المصنف والشيخ (قدهما) التعرض لصور الحادث المضاف إلى الزمان، لجريان الصور المتصورة في الحادث المضاف إلى حادث آخر في الحادث المضاف إلى أجزأ الزمان أيضا، من كون الأثر مترتبا على تقدمه على زمان خاص أو تأخره عنه أو تقارنهما، و لعل عدم التعرض له إنما هو للاستغناء عنه بذكر أقسام الحادث المضاف إلى حادث آخر أو لقلة الفروع المتفرعة عليها. 601 حكمين (1) أو موت متوارثين (2) وشك في المتقدم والمتأخر منهما. فان كانا مجهولي التاريخ فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من (3) التقدم أو التأخر أو التقارن (4)، لا للاخر (5)، و لا له (6)
603 بنحو آخر، فاستصحاب (1) عدمه بلا معارض (2)، بخلاف ما إذا كان (3) الأثر لوجود كل منهما كذلك (4) أو لكل (5) أنحاء وجوده، فإنه
604 حينئذ (1) يعارض، فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد، للمعارضة (2) باستصحاب العدم في آخر، لتحقق (3) أركانه في كل منهما. هذا (4) إذا
605 كان الأثر المهم مترتبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان التامة. وأما (1) إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدم أو بأحد
606 ضديه (1) الذي كان مفاد كان الناقصة (2)
607 فلا (1) مورد هاهنا (2) للاستصحاب (3)، لعدم (4) اليقين السابق فيه بلا ارتياب. [1]
[1] وعليه فعدم جريان الاستصحاب فيما ترتب الأثر على مفاد كان الناقصة 608
الأصل في الاعدام الأزلية فواضح. وأما بناء على جريانه فيها كما هو مختار الماتن في بحث العام والخاص، حيث تمسك بأصالة عدم القرشية لادراج الفرد المشتبه في عموم (كل امرأة ترى الحمرة إلى خمسين إلا أن تكون امرأة من قريش) فعدم جريانه هنا لأجل عدم الحالة السابقة كما أفاده الماتن. وقد يدعى التهافت بين المقام وما ذكره في بحث العام والخاص، ضرورة أن موضوع الأثر وإن كان وجودا خاصا بخصوصية التقدم أو التقارن أو التأخر، إلا أن نقيض هذا الوجود ليس عدما خاصا، بل عدم الخاص، وهو متحقق بسلب الربط ولو بسلب موضوعه، فاستصحاب عدم الرابط جار في نفسه، فان نقيض الوجود الرابط عدم الرابط لا العدم الرابط لئلا يكون له حالة سابقة). والحاصل: أن الأصل كما يجري في نفي اتصاف هذه المرأة بالقرشية كذلك يجري في عدم اتصاف هذا الحادث بالتقدم على الحادث الاخر، لأنه لم يتصف بالتقدم حين لم يكن موجودا فالآن كما كان. وحيث إن مختاره اعتبار الأصل في الاعدام الأزلية فلا يلزم في استصحاب عدم الاتصاف بالسبق وجود الموت في زمان مع عدم الاتصاف به، بل يكفي عدم اتصافه به حين لم يكن موجودا. فما في المتن من اختلال ركن اليقين السابق لا يتجه مع فرض الالتزام بجريان الاستصحاب في العدم الأزلي. لكن الظاهر أن ما تقدم منه في الايقاظ إجراء الأصل في العدم الأزلي المحمولي ولم يقصد ترتيب أثر العدم النعتي عليه، حيث قال هناك: (فلا أصل يحرز به أنها قرشية أو غيرها، إلا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين القريش تجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض إلا إلى خمسين) وعليه فنقيض الوجود الخاص وإن كان عدم الخاص الصادق على السالبة بانتفاء الموضوع، إلا أن 609 وأخرى (1) كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الاخر،
موضوع الأثر حسب الفرض هو اتصاف الحادث بعدم تقدمه على الاخر، لا عدم اتصافه به كي يثبت بأصل العدم الأزلي، فلا تهافت ظاهرا بين كلمات المصنف في المقامين. وأما توجيه كلام الماتن هنا بما في تقرير شيخنا المحقق العراقي وحقائق سيدنا الفقيه الأستاذ قدس سرهما من: أن وصف التقدم و التأخر من العناوين المنتزعة عن الذات ومن الخارج المحمول، فهي من قبيل لوازم الماهية غير المنفكة عنها في عالم تقررها، وليست من الإضافات الخارجية المسبوقة بالعدم حتى يجري فيها الاستصحاب فلا يقين بها حتى تستصحب. فلا يخلو من خفاء، إذ ليس في كلمات المصنف ما يشعر بأن المانع من إجراء الاستصحاب هو كون هذه الإضافات من لوازم الماهية، مع أنها ليست من لوازمها، بل من لوازم الوجود، ضرورة أن مثل التقدم والتأخر إنما ينتزع من الشئ بعد وجوده الخارجي، فإذا تحقق الحادثان خارجا ولو حظ أحدهما بالنسبة إلى الاخر أطلق عليهما المتقارنان، أو على أحدهما المتقدم وعلى الاخر المتأخر، ومن المعلوم أن مقولة الإضافة من المقولات التسع العرضية التي تعرض الجواهر الموجودة، لا الماهيات حتى تكون من لوازمها. 610 فالتحقيق (1) أنه أيضا (2) ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم مترتبا على ثبوته المتصف [) 3 على ثبوته للحادث بأن يكون الأثر
611 للحادث المتصف] بالعدم في زمان حدوث (1) الاخر، لعدم (2) اليقين بحدوثه كذلك (3) في زمان، بل (4) قضية الاستصحاب عدم حدوثه
612 كذلك (1) كما لا يخفى. وكذا (2) فيما كان مترتبا
613 على نفس (1) عدمه في زمان الاخر واقعا وإن كان (2) على يقين منه
616 في آن (1) قبل زمان اليقين (2) بحدوث أحدهما، لعدم (3) إحراز اتصال زمان شكه (4) وهو زمان حدوث
617 الاخر (1) بزمان
618 يقينه (1)، لاحتمال (2) انفصاله عنه باتصال (3) حدوثه به. وبالجملة: كان بعد ذاك الان (4) (×) الذي قبل زمان اليقين بحدوث
(×) وان شئت قلت: ان عدمه الأزلي المعلوم قبل الساعتين وإن كان في الساعة الأولى منهما مشكوكا، إلا أنه حسب الفرض ليس موضوعا للحكم والأثر، وإنما الموضوع هو عدمه الخاص وهو عدمه في زمان حدوث الاخر المحتمل كونه الساعة الأولى المتصلة بزمان يقينه أو الثانية المنفصلة عنه، فلم يحرز اتصال زمان شكه بزمان يقينه، ولا بد منه في صدق (لا تنقض اليقين بالشك) فاستصحاب عدمه إلى الساعة الثانية لا يثبت عدمه في زمان حدوث الاخر إلا على الأصل المثبت فيما دار الامر بين التقدم والتأخر، فتدبر. 619 أحدهما زمانان (1) أحدهما زمان حدوثه، والاخر (2) زمان حدوث الاخر وثبوته الذي (3) يكون ظرفا للشك في أنه (4) فيه أو قبله، و حيث (5) شك في أن أيهما مقدم وأيهما مؤخر لم يحرز (6) اتصال زمان الشك بزمان
620 اليقين، ومعه (1) لا مجال للاستصحاب، حيث (2) لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا (3) الشك من (4) نقض اليقين بالشك. لا يقال (5): لا شبهة في اتصال مجموع
621 الزمانين (1) بذاك الان (2)، وهو (3) بتمامه زمان الشك في حدوثه، لاحتمال (4)
622 تأخره عن الاخر، مثلا (1) إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها (2) وحدوث (3) الاخر في ساعة ثالثة كان (4) زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما (5) كما لا يخفى. فإنه يقال (6):
623 نعم (1)، ولكنه (2) إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزأ الزمان، والمفروض (3)
624 أنه بلحاظ إضافته إلى الاخر، وأنه حدث في زمان حدوثه وثبوته (1) أو قبله، ولا شبهة أن زمان شكه بهذا اللحاظ (2) إنما هو خصوص ساعة
625 ثبوت الاخر (1) وحدوثه لا الساعتين (2). فانقدح (3) أنه لا مورد هاهنا (4) للاستصحاب، لاختلال أركانه [1] 5 لا أنه (6) مورده، وعدم جريانه إنما هو
[1] لا ريب في اعتبار إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين في جريان الاستصحاب، لكن المقام أجنبي عن فرض الشبهة الموضوعية سواء أكان مقصود المصنف (قده) اتصال زمان الشك بزمان اليقين أم اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن. وتوضيحه منوط ببيان أمر، وهو: أن التعبد الاستصحابي تعبد ببقاء المستصحب المتيقن سابقا المشكوك لاحقا، بمعنى أن تمام الموضوع في ظرف التعبد هو 626 بالمعارضة (1) كي يختص (2) بما كان الأثر لعدم كل (3) في زمان الاخر، وإلا (4) كان الاستصحاب فيما له الأثر جاريا.
كونه مشكوكا فيه سواء أكان له ثبوت واقعي أم لا، وليس التعبد بلحاظ ثبوته الواقعي فقط بدون دخل الشك فيه، وإلا لزم إلغاء عنوان الشك المأخوذ في أخبار الاستصحاب، ولا بلحاظ كل من الواقع والشك، على أن يكون كل منهما جز الموضوع. والدليل على هذه الدعوى تطبيق كبرى الاستصحاب في الصحيحة الثانية من 627
صحاح زرارة على إجزاء الصلاة الواقعة عن الطهارة الخبثية المستصحبة مع انكشاف الخلاف ووقوعها في الثوب المتنجس بدم الرعاف، ولو أعاد زرارة صلاته لكان من نقض اليقين باليقين لا بالشك، إلا أنه عليه السلام حكم عليه بعدم الإعادة لمجرد أنه افتتح الصلاة عن الطهارة المستصحبة. وحيث إن المفروض انكشاف الحال بعد الصلاة وأنه لم يكن للطهارة ثبوت واقعي أصلا، فلا بد أن يكون تمام الموضوع في ظرف التعبد ثبوت المستصحب في أفق الشك لا في أفق الواقع ونفس الامر. بل وكذا الحال في ركن اليقين، فان الثبوت الواقعي للمستصحب ليس ركنا في الاستصحاب، بل ثبوته في أفق اليقين به، فلا عبرة بواقع المستصحب في الاستصحاب، إذ المقوم لركنيه ثبوته بنفس اليقين والشك كثبوت المراد والمشتاق بثبوت الإرادة والشوق كغيرهما من الصفات الوجدانية التعلقية. وحيث كان موضوع التعبد الاستصحابي المتيقن سابقا من حيث إنه متيقن والمشكوك لا حقا من حيث إنه مشكوك، لا ذات المتيقن و المشكوك، فاللازم اتصال زمان المشكوك بما هو مشكوك بالمتيقن بما هو متيقن، ولا دخل لأمر آخر فيه، فلو انفصل زمان ذات المشكوك عن زمان ذات المتيقن، لم يكن قادحا في الاستصحاب بعد ما عرفت من عدم كون الثبوت الواقعي مناطا لتحقق ركني الاستصحاب. إذا اتضح ما ذكرناه فنقول: انه لا بد في تطبيقه على المقام - وهو كون موضوع الإرث موت المورث عن وارث مسلم من فرض أزمنة ثلاثة: أحدها زمان اليقين بعدم الموت والاسلام كيوم السبت مثلا، وثانيها وثالثها زمانا اليقين بحدوث كليهما كيومي الأحد والاثنين مثلا، للعلم الاجمالي بتحققهما فيهما والجهل بالمتقدم والمتأخر منهما. والمدعى اجتماع أركان الاستصحاب في كل من الحادثين. أما تحقق اليقين والشك فواضح، لتيقن عدم كل منهما يوم السبت والشك في بقائه يوم الأحد. 628
وأما اتصال المشكوك بالمتيقن فكذلك، لما عرفت من اقتضاء أدلة الاستصحاب للتعبد ببقاء المتيقن من حيث إنه متيقن لا بذات المتيقن واقعا، والمفروض أن كلا من عدم الاسلام وعدم الموت متيقن يوم السبت، وقد شك في انتقاض عدم كل منهما من زمان حدوث العلم الاجمالي بوجود أحدهما وهو يوم الأحد، فالمتيقن في أحد الحادثين عدم الاسلام والمشكوك فيه هو عدم الاسلام في زمان الموت، و في الاخر عدم الموت والمشكوك فيه عدم الموت في زمان الاسلام، ومبدأ زمان الشك في كل منهما هو يوم الأحد ومنتهاه يوم الاثنين، ومجموع هذا الزمان متصل بيوم السبت. ولم يتخلل بين المتيقن والمشكوك فاصل، إذ المتعبد به هو بقاء المستصحب المتيقن سابقا و المشكوك لاحقا، فلا بد من أن يكون الفاصل هو اليقين التفصيلي بخلاف ما تيقنه يوم السبت، بأن يقطع بإسلام الوارث يوم الأحد بالخصوص، والمفروض عدم حصول هذا اليقين، وإنما حصل علم إجمالي بتحقق الحادثين في يومين، وهو لا يوجب انفصال المشكوك بما هو مشكوك عن المتيقن. نعم يحتمل أن يتخلل بين اليقين بعدم الاسلام والشك فيه احتمال حدوث الاسلام يوم الأحد، فينفصل زمان اليقين بعدمه أعني يوم السبت عن زمان الشك فيه أعني يوم الاثنين. وكذا الحال في جانب الموت، وهذا هو الذي دعا المصنف إلى منع التمسك بالأصل. لكن هذا الفصل إنما يجدي لو كان مفاد دليل الاستصحاب التعبد بعدم الاسلام بذاته أي مع الغض عن كونه متيقنا، إذ عليه يكون احتمال حدوث الاسلام يوم الأحد قادحا في الاتصال. لكنك قد عرفت أن مدلول أخبار الباب عدم نقض المتيقن من حيث إنه متيقن بالمشكوك من حيث إنه مشكوك. ولو كان يوم الأحد ظرف اليقين بالاسلام لم يكن مجال للاستصحاب، لأنه من نقض اليقين باليقين، إلا أن المفروض عدم هذا اليقين، 629
فلا بد من التعبد ببقاء عدم الاسلام المتيقن من يوم السبت إلى زمان اليقين بالاسلام وهو يوم الاثنين. والحاصل: أن المناط في جريان الاستصحاب اتصال المشكوك المتعبد ببقائه بالمتيقن، ولا دخل لاتصال غير ما هو مورد التعبد و انفصاله. وعلى هذا الضابط يدعى الاتصال المعتبر في الاستصحاب هنا، فموضوع الأثر في هذا القسم الرابع مؤلف من عدم أحد الحادثين بمفاد ليس التامة في زمان وجود الحادث الاخر بنحو الاجتماع في الوجود لا التقييد، وذلك كعدم الموت في زمان إسلام الوارث الذي يترتب عليه إرث الولد، فيوم السبت زمان اليقين بعدم الحادثين، ومن يوم الأحد يشك في عدم الاسلام كما يشك في عدم الموت، ولا مانع من استصحاب كل منهما إلى يوم الاثنين الذي تيقن فيه بانتقاض العدمين بالوجود، فيحكم باستمرار عدم الاسلام إلى يوم الاثنين كما يحكم بعدم الموت إلى يوم الاثنين، لأنه لو التفت يوم الأحد إلى يقينه بالعدمين يوم السبت فإما يتيقن بالاسلام بخصوصه وإما يتيقن بعدم الاسلام وإما يشك في الانتقاض، والمفروض بطلان الأولين، فيتعين الثالث، فيستصحب هذا العدم إلى يوم الاثنين الذي هو زمان اليقين بالاسلام، وكذا الكلام في جانب الموت. وبهذا البيان ظهر أن قول المحقق الأصفهاني في مقام التطبيق: (انه لو التفت إلى بقاء العدم في زمان الحادث الاخر في الزمان الثاني فاما أن يتيقن به أو يتيقن بخلافه أو يشك فيه) لا يخلو من مسامحة، ضرورة أن المكلف في الزمان الثاني إنما يشك في عدم الاسلام في نفسه، لا في عدمه في زمان الحادث الاخر، إذ ليس هذا العدم الخاص مسبوقا باليقين في يوم السبت حتى يتعبد ببقائه يوم الأحد. مضافا إلى: أن الزمان الثاني ظرف تحقق أحد الحادثين لا كليهما، فالشك في عدم الاسلام إلى زمان الموت وكذا في عدم الموت إلى زمان الاسلام إنما يحصل في الزمان الثالث الذي هو ظرف انتقاض العدمين بالوجود، لا الزمان 630
الثاني الذي هو ظرف الشك في وجود كل منهما بالخصوص، والعلم الاجمالي بانتقاض أحدهما فيه. وكيف كان ففرض الشبهة الموضوعية لاتصال الشك باليقين محال، لتوقفه على احتمال وجود الاسلام المتيقن يوم الأحد، ومن المعلوم أن الأمور الوجدانية وإدراكات النفس يدور أمرها بين الوجود والعدم ولا يتطرق فيها الشك، وإنما يتحقق في الخارجيات التي تصير معلومة أو مشكوكة أو مظنونة. والنتيجة: أن ما أصر عليه المصنف هنا متنا وهامشا وفي الحاشية من منع التمسك بالأصل في القسم الرابع، لعدم إحراز الشرط وهو اتصال الزمانين وكونه شبهة موضوعية لاخبار الاستصحاب قد عرفت منعه بما أفاده بعض أعاظم تلامذته بتوضيح منا. وهذا بناء على إرادة اتصال زمان المشكوك بالمتيقن واضح بما تقدم. وأما بناء على إرادة اتصال زمان نفس الوصفين كما هو ظاهر كلامه فيكفي في رده ومنع الشبهة المصداقية فيه أن الناقض لليقين السابق هو اليقين الفعلي بالخلاف، وأما احتمال وجود اليقين الفعلي بالخلاف فمعناه الشك في إدراك نفسه، وهو محال كما سبق. ولا بأس بتكميل البحث حول شبهة اتصال الشك باليقين بما أفيد في توجيه كلام الماتن (قده) تارة: بأن الشك في حدوث الاسلام حين الموت لا يعرض إلا بعد العلم بالموت، ولا علم بالموت إلا في الزمان الثالث وهو يوم الاثنين، والمفروض العلم بوجود الاسلام فيه أيضا، فيكون المقام مما انفصل فيه زمان الشك عن زمان اليقين، لان يوم السبت زمان اليقين بعدم الاسلام، وزمان الشك يوم الاثنين، و يوم الأحد فاصل بينهما، فليس هنا احتمال الفصل حتى يقال بعدم تصور الشبهة الموضوعية في الأمور الوجدانية. وأخرى: بأن اليقين الاجمالي بحدوث أحدهما في الزمان الثاني يوجب احتمال 631
انتقاض اليقين السابق بعدم كل منهما، كما أن اليوم الثالث ظرف اليقين بانتقاض كليهما، هذا. لكنك خبير بما في كل منهما. أما في الأول فلانه خلاف تصريح المصنف من الاشكال من ناحية عدم إحراز الاتصال لا إحراز الانفصال كما هو صريح هذا التوجيه، فليس هذا توجيها لكلام المصنف. مضافا إلى: عدم إناطة الاستصحاب بسبق اليقين على الشك كما تكرر التنبيه عليه، لكفاية اجتماعهما زمانا وحدوثهما في آن واحد. وهنا كذلك، إذ في الزمان الثالث وهو يوم الاثنين يتيقن بحدوثهما فعلا وبعدمهما في يوم السبت، ويشك في حدوث الاسلام في زمان الموت، فيستصحب، واتصال الشك باليقين إنما ينثلم بتخلل اليقين بالخلاف، وهو غير متحقق حسب الفرض. وأما في الثاني فلان اليقين الناقض بنظر المصنف هو اليقين التفصيلي خاصة، واستدل عليه بوجوه تعرضنا لها في أوائل بحث الاشتغال وسيأتي بعضها في آخر هذا الفصل، فلا يقدح العلم الاجمالي في اتصال زمان الشك باليقين، وإلا لاقتضى عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي ولو لم تلزم مخالفة عملية، لقصور المجعول حينئذ عن شموله للأطراف، وهذا كله خلاف مبناه المتكرر في مواضع من كلماته. هذا كله فيما يتعلق بكلام المصنف من شبهة عدم إحراز الاتصال المانعة عن جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ، وقد عرفت الجواب عنها. لكن الظاهر عدم جريانه فيهما لمانع آخر أبداه شيخنا المحقق العراقي ووافقه بعض أجلة تلامذته كسيدنا الأستاذ قدس سرهما. ومحصله: أن شأن الاستصحاب جر المستصحب وامتداده في زمان الشك في بقائه، لا إلى زمان اليقين بالانتقاض، لدلالة (لا تنقض اليقين بالشك) على 632
الحكم بدوام ما تيقن بثبوته ظاهرا، وهذا المعنى منوط بكون الشك في بقاء شئ متمحضا في استمراره في عمود الزمان كالشك في الحياة والعدالة. وعلى هذا، فان كان منشأ الشك في البقاء الشك في بقائه في عمود الزمان جرى الاستصحاب فيه، مع الجزم بأن الزمان المتأخر الذي حكم فيه بامتداد المستصحب وبقائه هو زمان وجود الاخر، كما في فرض العلم بتاريخ أحدهما المعين، فإنه لو حكم ببقاء مجهول التاريخ إلى ذلك الزمان يجزم بمقارنة بقائه التعبدي لزمان وجود الاخر. وإن كان منشأ الشك في البقاء الشك في زمان حدوث الاخر وتقدمه وتأخره لم يجر الاستصحاب، كما إذا علمنا بأن زيدا مات يوم الجمعة، وشك في بقاء حياته إلى زمان الخسوف، للشك في تقدم الخسوف على الجمعة وتأخره عنها. والوجه في عدم جريانه هو ظهور دليله في إلغاء الشك في خصوص الامتداد، والمفروض أن الشك في هذا الفرض ليس في امتداد المستصحب، بل في أمر آخر وهو مقارنته مع حادث آخر أو تقدمه عليه أو تأخره عنه. وكلما كان منشأ الشك كلا الامرين أو الامر الثاني خاصة لم يجر الاستصحاب، إذ ليس شأنه إلغاء الشك فيه من جهة اقتران حيثية بقائه ولو تعبدا في زمان مع زمان وجود غيره. وحينئذ فمع تردد الزمان الذي هو ظرف وجود الاخر بين الزمانين زمان الشك في وجود بديله الذي هو الزمان الثاني، وزمان يقينه الذي هو الزمان الثالث يكون الشك في مقارنة البقاء التعبدي للمستصحب مع زمان وجود الاخر على حاله. فلو أريد من الابقاء إبقاؤه إلى الزمان الثاني فلا يجزم حينئذ بتطبيق كبرى الأثر على المورد، إلا بفرض جر المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الاخر التي منها الزمان الثالث، وهو أيضا غير ممكن، لان الزمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل منهما بيقين آخر، فكيف يمكن جر المستصحب إلى الزمان الذي هو زمان انتقاض يقينه بيقين آخر؟ ومجرد كونه زمان الشك في حدوثه أو حدوث غيره 633 وأما (1) لو علم بتاريخ أحدهما فلا يخلو
لا يجدي في إمكان الجر إلى هذا الزمان بعد كونه زمان انتقاض يقينه كما هو واضح. وحيث اتضح ذلك نقول: ان المقام من هذا القبيل، فإذا شك في حياة الوارث أو إسلامه إلى زمان موت المورث مع العلم بهما وجهل تاريخهما كان منشأ الشك كلا الامرين أي الشك في أصل بقاء حياة الوارث أو عدم إسلامه في الزمان الثاني، والشك في حيثية مقارنة بقاء المستصحب ولو تعبدا فيه لزمان موت المورث بلحاظ تردد حدوثه بين الزمانين. وقد عرفت عدم جريان الاستصحاب في مثله على وجه يجدي في ترتيب الأثر المرتب على البقاء المقارن لزمان وجود الغير، لان ما يمكن جره بالاستصحاب إنما هو جر عدم إسلام الوارث أو حياته إلى الزمان المتأخر عن زمان يقينه الذي هو الزمان الثاني. ولكنه لا يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد، لعدم إحراز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجود الغير. وما يثمر في التطبيق إنما هو جر المستصحب إلى الزمان الثالث، وهو ممتنع، لأنه زمان انتقاض اليقين بكل واحد منهما بيقين آخر، فكيف يمكن جر المستصحب إلى مثل هذا الزمان الذي هو زمان انتقاض يقينه. هذا محصل ما أفاده (قده) ثم تعرض لبعض المناقشات والجواب عنه، وقال في آخره: (فتدبر فيما قلناه بعين الانصاف، فإنه دقيق و بالقبول حقيق) فراجع تمام كلامه قدس الله نفسه الزكية وجزاه عن العلم وأهله خير الجزاء. وعليه فالمانع من جريان الاستصحاب في المجهولين هذا، لا ما أفاده الماتن. 634 أيضا (1) إما أن يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن (2)، فلا إشكال في استصحاب عدمه (3) لولا
635 المعارضة (1) باستصحاب العدم في طرف الاخر (2) أو طرفه (3)
636 كما تقدم (1)، وإما (2) يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا (3) فلا مورد للاستصحاب أصلا لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه كما لا يخفى، لعدم (4) اليقين بالاتصاف به سابقا منهما.
637 وإما (1) يكون مترتبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الاخر (2)، فاستصحاب العدم (3) في مجهول التاريخ منهما كان (4) جاريا، لاتصال (5) زمان شكه [1] بزمان يقينه،
[1] أورد عليه سيدنا الأستاذ (قده) (بأن شبهة عدم الاتصال جارية في جميع 638 دون معلومه (1)، لانتهاء (2) الشك فيه في زمان، (3) وإنما (4) الشك فيه بإضافة
موارد العلم الاجمالي بالانتقاض، ومنها المقام، حيث إن مجهول التاريخ لما كان معلوم الوجود المردد بين ما قبل معلوم التاريخ وما بعده كان زمان الشك في عدمه وهو زمان حدوث معلوم التاريخ غير محرز الاتصال بزمان اليقين به، لاحتمال انفصاله عنه بزمان اليقين بوجوده). لكنك عرفت في مجهولي التاريخ أن المستصحب ليس هو الواقع، بل وجوده المشكوك بوجود نفس الشك، ولا يحتمل الفصل باليقين التقديري، فراجع. 639 زمانه [1] إلى الاخر،
[1] قيل: ان المراد ب (بإضافة زمانه. إلخ) بيان خصوص صورة اتصاف المعلوم التاريخ بزمان المجهول التاريخ. لكنه خلاف الظاهر، حيث إن إضافة زمانه إلى زمان الاخر تصدق على كل من الاتصاف وعدمه، فان الشك فيه في كلا الموردين يكون في قبال عدم الشك في الحادث المعلوم بالإضافة إلى الأزمنة التفصيلية. وبالجملة: فالشك سواء أكان بنحو الاتصاف الذي هو مفاد النعتية أم بنحو آخر كما هو مفاد المحمولية يكون في مقابل نفي الشك في الأزمنة التفصيلية، فإرادة 640 وقد عرفت (1) جريانه فيهما (2) تارة وعدم جريانه كذلك (3) أخرى. فانقدح (4) أنه لا فرق بينهما كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا
صورة الاتصاف فقط من العبارة المذكورة تكون بلا قرينة، فإضافة الحادث المعلوم التاريخ إلى زمان المجهول التاريخ تكون تارة بنحو العدم المحمولي وأخرى بنحو العدم النعتي. 641 مختلفين، ولا بين (1) مجهوله ومعلومه في المختلفين (2) فيما (3) اعتبر في الموضوع خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الاخر بحسب
642 الزمان من التقدم (1) أو أحد ضديه وشك فيها (2) كما لا يخفى. كما انقدح أنه (3) لا مورد للاستصحاب
643 أيضا (1) فيما تعاقب حالتان متضادتان (2) كالطهارة والنجاسة (3) وشك في ثبوتهما [1] وانتفائهما (4)، للشك (5) في المقدم و المؤخر منهما، وذلك (6)
[1] الأولى أن يقال: (في بقائهما) لكون الشك فيه لا في الثبوت، إذ المفروض القطع بثبوتهما، والشك إنما يكون في بقائهما و ارتفاعهما. كما أن الأنسب أن يقال: (وشك في بقاء واحد منهما لا بعينه وارتفاعه) إذ ليس الشك في بقائهما معا، كيف؟ وهما ضدان يمتنع اجتماعهما، بل يعلم إجمالا ببقاء أحدهما وارتفاع الاخر، والشك يتعلق بخصوصية إحدى الحالتين بقاء. 644 لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما (1) وترددها (2) بين الحالتين،
645 وأنه (1) ليس من تعارض الاستصحابين، فافهم وتأمل في المقام، فإنه دقيق. [1]
[1] لا يخفى أنه بناء على كون معنى نقض اليقين بالشك عدم تخلل اليقين بالخلاف بينهما - إذ مع تخلله يندرج المورد في نقض اليقين باليقين لا بالشك - لا يجري الاستصحاب بدون إحراز الاتصال المزبور، لعدم إحراز موضوعه، فلا وجه للتشبث بعموم دليله كما اتضح ذلك في توارد الحالتين. والظاهر أنه ليس من قبيل تعاقب الحالتين مسألة تردد حيض المرأة مع العلم بكونه ثلاثة أيام بين كونه في أول الشهر وبين أن يكون في الثلاثة الثانية أو الثالثة أو غيرهما من الثلاثات، فان استصحاب عدم الحيض يجري فيما عدا الثلاثة الأخيرة من الشهر، لكون مجموع ما عدا هذه الأخيرة أزمنة الشك في انتقاض عدم الحيض، وهي متصلة بزمان اليقين بعدم الحيض وهو ما قبل هذا الشهر، ضرورة عدم حصول اليقين بالحيض قبل الثلاثة الأخيرة، فشرط جريان الاستصحاب وهو 646
إحراز الاتصال موجود في جميع تلك الثلاثات وجدانا. نعم لا مجال لجريان الاستصحاب في الثلاثة الأخيرة، للعلم الاجمالي بانتقاض عدم الحيض إما فيها وإما في إحدى الثلاثات المتقدمة، فان هذا اليقين بالانتقاض مانع عن التعبد الاستصحابي ببقاء عدم الحيض في خصوص الأخيرة دون ما قبلها، لخلوها عن العلم بالانتقاض حين جريان الاستصحاب فيها. فالميزان في جريان الاستصحاب هو عدم تخلل اليقين بالخلاف بين زماني اليقين والشك، إذ مع تخلله يندرج في نقض اليقين باليقين، ويخرج عن مورد الاستصحاب. وفي مثال الحيض لا يحصل اليقين بالخلاف إلا في الثلاثة الأخيرة دون ما قبلها. وبالجملة: فالشك في تحقق الحيض من أول الشهر مستمر إلى الثلاثة الأخيرة من دون حصول العلم بخلافه، فأزمنة الشك - وهي ما عدا الثلاثة الأخيرة - متصلة بزمان القطع بعدم الحيض، وهذا الاتصال محرز وجدانا، إذ ليس الشك في انتقاض عدم الحيض في تلك الأزمنة إلا بدويا. فالمتحصل: أن مقايسة الحالتين وهما الحدث والطهارة بمسألة استصحاب عدم الحيض في جريان الاستصحاب كما في تقريرات بحث سيدنا الفقيه الأعظم الأصفهاني (قده) لم يظهر لها وجه، لما عرفت من تخلل القطع بين زماني القطع والشك في الحالتين المانع عن إحراز الاتصال الذي هو شرط جريان الاستصحاب على ما أفاده الماتن، بخلاف مسألة الحيض، لعدم تخلل القطع بالخلاف فيها حين جريان الاستصحاب. فالنتيجة: أن الاستصحاب لا يجري في مسألة تعاقب الحالتين، ويجري في مثال الحيض المتقدم. وكيف كان فلما كانت المسألة فقهية فلا بأس بالتعرض لها إجمالا تبركا وتزيينا للأصول بها، فنقول وبه نستعين: 647
مسألة: إذا علم المكلف بوضوء ونوم أو غيره مما ينقض الوضوء من موجبات الحدث الأصغر، فله صور: إحداها: أن يكون تاريخ كليهما مجهولا، ثانيتها: أن يكون تاريخ الوضوء مجهولا وتاريخ الحدث معلوما، ثالثتها: أن يجهل تاريخ الحدث ويعلم تاريخ الوضوء. والحصر في هذه الثلاثة عقلي، إذ لا يعقل العلم بتاريخ كليهما مع الشك في التقدم و التأخر، وتسمى هذه الصور الثلاث بتعاقب الحالتين تارة وتواردهما أخرى، ولا يختص هذا البحث بمسألة الوضوء والحدث، بل يجري في كثير من أبواب الفقه، نظير العلم بملاقاة الماء للنجاسة مع العلم بحدوث الكرية والشك في المتقدم منهما والمتأخر. والعلم بالجنابة والغسل مع الشك في التقدم والتأخر. والعلم بتحقق العقد من وليين في النكاح أو غيره مع الشك المزبور. والعلم بموت المتوارثين مع الشك المذكور. وصلاة الرجل والمرأة متحاذيين مع العلم بعدم تقارنهما والشك في المتقدم والمتأخر بناء على مانعية محاذاتهما، إلى غير ذلك من النظائر. وكيف كان ففي الصورة الأولى وهي الجهل بتاريخهما أقوال: أحدها - و (هو المشهور) كما في الروضة، و (هو المشهور قديما وحديثا) كما في طهارة الشيخ الأعظم (قده) و (المنسوب إلى الأصحاب) المشعر بالاجماع كما عن الذكرى - وجوب التطهير لما يأتي به مما يشترط فيه الطهارة، لا لإعادة ما أتى به، لعدم الحاجة إلى إعادته بعد تصحيحه بقاعدة الفراغ إذا حدث هذا الشك بعد الفراغ عنه. والظاهر المصرح به في بعض الكلمات أن الحكم المزبور المشهور وهو وجوب التطهير مطلق يشمل كلتا صورتي العلم بالحالة السابقة على الحالتين والجهل بها. وهذا هو الأقوى، من غير فرق في ذلك بين شرطية الطهارة ومانعية الحدث، ضرورة أن اليقين بفراغ الذمة منوط بإحراز ماله دخل في المأمور به سواء أكان ذلك شرطا له أم مانعا عنه، فلا بد من إحراز كل من الشرط وعدم المانع ولو بالأصل. 648
وبالجملة: فمقتضى قاعدة الاشتغال عقلا هو لزوم الاحراز المزبور بعد انسداد باب الاستصحاب في كل من الطهارة والحدث ذاتا في مجهولي التاريخ كما هو الأصح على ما تقدم وهو خيرة المصنف والمحقق العراقي وغيرهما، أو عرضا بسبب المعارضة كما هو مختار الشيخ الأعظم وغيره، أو إنكار حجية الاستصحاب رأسا كما هو مذهب بعض. فلا وجه للاكتفاء بالشك في الطهارة في صحة المشروط بالطهارة أو عدم الحدث بعد اليقين بالاشتغال الذي يقتضي لزوم تحصيل العلم بالفراغ. فلا يصغى إلى دعوى جواز الاكتفاء بالشك في الطهارة في صحة المشروط بها استنادا تارة إلى: قاعدة المقتضي والمانع. إذ فيها أولا: أجنبية المقام عن تلك القاعدة، لان موردها هو الشك في وجود المانع، لا القطع به، حيث إن المفروض هنا حصول العلم بوجود المقتضي والمانع معا، بل لنا أن نعكس الامر ونقول: ان المقتضي لعدم جواز الدخول في المشروط بالطهارة وهو اليقين بالحدث موجود، و المانع وهو الطهارة مشكوك فيه. وثانيا: بعد تسليم صغروية المقام لتلك القاعدة عدم الدليل على اعتبارها كما بيناه في ذيل أولى صحاح زرارة. وأخرى إلى: إدراجه في مسألة العلم بالطهارة والشك في الحدث التي يجري فيها استصحاب الطهارة. وذلك لما فيه من معارضته على تقدير جريانه بمثله وهو استصحاب الحدث، إذ المفروض كونه معلوم الحدوث مشكوك البقاء كالطهارة. وثالثة إلى: الاخذ بالحالة الأصلية وهي الطهارة، إذ بعد تعارض الاستصحابين وتساقطهما يرجع إلى تلك الحالة الأصلية، فلا يجب التطهير لما يأتي به من المشروط بالطهارة، وذلك لان المرجع بعد تساقط الأصلين أصل ثالث لا الحالة الأصلية الساقطة، ضرورة أنه بعد سقوطها يحتاج عودها إلى سبب جديد، لكونها حينئذ من الحوادث المحتاجة إلى العلة على ما يقتضيه نظام العلة والمعلول، وكذا 649
الحال في الحدث إذا فرض كونه هو الحالة الأصلية، فان عوده بعد سقوطه منوط بعلة جديدة. وعليه فالأصل الثالث الذي يرجع إليه على كل حال هو قاعدة الاشتغال القاضية بلزوم التطهير لما يشترط فيه الطهارة لا أصالة البراءة، لكون مجراها الشك في الشرطية لا في وجود الشرط، ولا أدلة الشرطية كقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية، لكون موردها هو المحدث، والمفروض أنه مشكوك فيه، فالتشبث بها يندرج في التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية كما لا يخفى. هذا بالنسبة إلى ما يشترط فيه الطهارة. وأما الاحكام المترتبة على المحدث كحرمة الدخول في المساجد وحرمة قراءة العزائم فتجري فيها البراءة، لكون الشك فيها في نفس الحكم، بخلاف المشروط بالطهارة، فان الشك فيه في المكلف به، والمرجع فيه قاعدة الاشتغال. فتلخص من جميع ما ذكرنا: أن المشهور المنصور هو القول بوجوب التطهير لكل ما يشترط فيه الطهارة، لقاعدة الاشتغال. ثانيها: ما عن المعتبر وجامع المقاصد بل المنسوب إلى المشهور بين المتأخرين من التفصيل بين الجهل بالحالة السابقة على الحالتين و العلم بها، بوجوب التطهير في الأول والاخذ بضد الحالة السابقة في الثاني. والوجه في الأول ما مر في القول الأول من قاعدة الاشتغال، وفي الثاني العلم بانتقاض اليقين السابق على الحالتين باليقين بالضد، إذ لو كان هو اليقين بالطهارة فقد انتقض باليقين بالحدث، والشك في انتقاض هذا اليقين بالطهارة، فيستصحب الحدث، أو يستصحب الطهارة في صورة كون الحالة السابقة على الحالتين هي الحدث. وبالجملة: فشرط جريان استصحاب الضد موجود، فيجري فيه بلا معارض، إذ لا يجري الاستصحاب في نفس الحالة السابقة، للعلم بانتقاضها، كما لا يجري 650
في مثلها، لاحتمال تعاقب المتجانسين، وذلك لعدم العلم بثبوته، لامكان عدم تعاقبهما، فأول ركني الاستصحاب وهو اليقين بالثبوت منتف. ومرجع هذا القول إلى اليقين بإحدى الحالتين والشك في انتقاضها، فلو كانت الحالة السابقة على الحالتين هي الحدث جرى استصحاب ضده وهو الطهارة، وكذا العكس، فيخرج عن مسألة اليقين بالحالتين والشك في المتقدم منهما ويندرج في مسألة اليقين بإحدى الحالتين والشك في الأخرى، ولذا قال في محكي الذكرى بعد حكاية هذا التفصيل: (انه إن تم ليس خلافا في المسألة، لرجوعه إما إلى يقين الحدث مع الشك في الطهارة، أو إلى العكس، والبحث في غيره) وعن كشف اللثام (الجزم بأن إطلاق الأصحاب الحكم بوجوب التطهير مقيد بعدم علمه حاله قبل زمانهما، بل حكي عن المسالك تقييد عبارة الشرائع به، فتأمل). أقول: الظاهر بطلان هذا التفصيل في نفسه، ويلزمه عدم صحة تنزيل إطلاقات الأصحاب الحكم بوجوب التطهير على من لم يعلم بحالته قبل الزمانين عليه، وعدم صحة إرجاعه إلى مسألة أخرى وهي العلم بإحدى الحالتين والشك في الأخرى. توضيح ذلك: أن التفصيل المزبور مبني على كون أثر كل حالة مستندا إليها، وعدم كفاية وجود الأثر حينها وإن لم يكن مسببا عنها. وبعبارة أخرى: الملحوظ هو الحدث المؤثر في عدم جواز الصلاة معه، وكذا الوضوء المؤثر في جواز الصلاة به، إذ يصح حينئذ أن يقال: ان المحدث قبل الحالتين يعلم بطروء وضوء رافع لذلك الحدث ويشك في ارتفاعه بعروض حدث رافع للطهارة، لاحتمال عروضه بعد الحدث السابق على الحالتين، ولا أثر للحدث بعد الحدث، فتستصحب الطهارة التي هي ضد الحالة السابقة على الزمانين للقطع بثبوته و الشك في بقائه، هذا. وأنت خبير بما في هذا المبنى من الضعف، لابتنائه على تقييد إطلاقات أدلة الاستصحاب بما إذا كان أثر المستصحب مستندا إلى نفسه و ناشئا عنه حتى لا تشمل 651
المستصحب الذي يترتب عليه الأثر بنحو القضية الحينية. ودون إثبات هذا التقييد خرط القتاد، بل إطلاق أدلته لا يقتضي أزيد من ترتب أثر شرعي على المستصحب أداء لحق الاستصحاب الذي هو من الأصول العملية سواء أكان ذلك الأثر مستندا إلى نفس المستصحب و مسببا عنه أم مستندا إلى غيره. وعليه فيجري استصحاب الحدث، لأنه بعد وقوعه يعلم بعدم جواز الاتيان بما يشترط فيه الطهارة، وإن لم يظهر أن هذا أثر له أو للحدث الواقع قبله. وكذا يجري استصحاب الطهارة وإن لم يعلم أن أثرها وهو جواز الاتيان بما يشترط فيه الطهارة مستند إلى نفس هذه الطهارة أو إلى ما قبلها. إذا عرفت هذا تعرف ضعف ما عن كشف اللثام من الجزم بصرف إطلاق حكم الأصحاب إلى صورة عدم العلم بحاله قبل الزمانين. مضافا إلى: ما في مصباح الفقيه من (ندرة الجهل بالحالة السابقة) فحمل إطلاقات الحكم بوجوب التطهير على الجاهل بحاله قبل الحالتين تنزيل للاطلاقات على فرد نادر. وضعف تقييد عبارة الشرائع به كما عن المسالك. وضعف إرجاع المقام أعني تيقن الحالتين مع الشك في المتقدم منهما إلى صورة تيقن إحدى الحالتين والشك في وجود الأخرى موضوعا وحكما. أما الأول: فلان المفروض في تلك المسألة هو تيقن إحدى الحالتين والشك في وجود الأخرى، لا في تأثيرها بعد العلم بوجودها كما في طهارة شيخنا الأعظم (قده). وأما المفروض في هذه المسألة فهو اليقين بوجود كلا الحادثين والشك في المتقدم منهما. وأما الثاني: فلما تقدم من أن المعتبر في الاستصحاب هو كون المستصحب المتيقن مما يترتب عليه الأثر سواء أكان مسببا عنه أم لا، فترتيبه عليه ولو بنحو القضية الحينية كاف في صحة استصحابه، فلا يكون تسبب الأثر عن المستصحب معتبرا في جريان الاستصحاب. فعليه يجري كل من استصحابي الطهارة والحدث، 652
لترتب الأثر بالنحو المزبور على كل منهما، ضرورة أنه بعد تحقق الطهارة يعلم بجواز فعل المشروط بالطهارة، كما أنه بعد وقوع الحدث يعلم بعدم جواز فعله. وبالجملة: فالمستصحب هو نفس الطهارة والحدث، لا أثرهما المسبب عنهما حتى يجري الاستصحاب في ضد الحالة السابقة فقط، و يحكم بالطهارة فيما إذا كانت الحالة السابقة قبل الزمانين هي الحدث، أو بالحدث فيما إذا كانت هي الطهارة، إذ لا موجب لجعل المتيقن خصوص الأثر المسبب عن الحالتين كما عرفت مفصلا. فالمتحصل: أن المعتبر في الاستصحاب هو وجود الأثر الشرعي عند وجود المستصحب وإن لم يكن مسببا وناشئا عنه، فلا مانع من جريان الاستصحاب في الحادثين مع الجهل بتاريخهما سواء علمت حالته السابقة عليهما أم لم تعلم. نعم قد تقدم عدم جريان الاستصحاب فيهما، إما لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بالشك كما عليه المصنف، وإما لعدم كون الشك فيهما في الامتداد كما عليه شيخنا العراقي. ثالثتها: ما عن العلامة في بعض كتبه من التفصيل بين الجهل بالحالة السابقة على الحادثين وبين العلم بها، بلزوم التطهير في الأول، و الاخذ بالحالة السابقة في الثاني، استنادا في الثاني إلى سقوط الأصل في الطرفين، لتكافئهما والرجوع إلى الحالة السابقة على الحالتين. وأورد عليه تارة: بأنه لا مجال لاستصحاب الحالة السابقة مع العلم بارتفاعها، ولذا قيل: إن إطلاق الاستصحاب عليه مسامحة. وأخرى: بأنه يحتمل تعاقب الوضوءين في صورة كون الحالة السابقة هي الطهارة، أو تعاقب الحدثين في صورة كونها هي الحدث، ومع هذا الاحتمال لا وجه للاخذ بالحالة السابقة. لكن لا يرد عليه شئ من هذين الاشكالين بعد ملاحظة كلامه في المختلف وتبين مرامه، قال (قده) في محكي المختلف: (إذا تيقن عند الزوال أنه نقض طهارة 653
وتوضأ عن حدث، وشك في السابق، فإنه يستصحب حالة السابق على الزوال، فان كان في تلك الحال متطهرا بنى على طهارته، لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ، ولا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة، ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه، فلا يزول اليقين بالشك. وإن كان قبل الزوال محدثا فهو الان محدث، لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها، والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها). وأنت ترى أن مفروض كلامه (قده) وقوع حالتين تؤثر كل واحدة منهما في ارتفاع أثر الأخرى مع العلم بالحالة السابقة عليهما، و مرجع هذا إلى العلم بالطهارة والشك في ارتفاعها، أو العلم بالحدث والشك في ارتفاعه، فيخرج عن مسألتنا وهو تعاقب الحالتين. توضيحه: أنه إذا علم بكونه أول الزوال متطهرا، ثم صدر منه وضوء ونوم مع فرض رفع كل منهما لاثر الاخر، فلا محالة يحصل له العلم بأنه متطهر فعلا، حيث إن رافعية نومه للطهارة منوطة بوقوعه عقيب طهارته التي كانت أول الزوال، كما أن رافعية وضوئه للحدث تقتضي وقوعه بعد النوم، فحالته الفعلية بمقتضى الاستصحاب الجاري في بقائها هي الطهارة المماثلة لحالته السابقة قبل الحالتين. وكذا الحال فيما إذا كانت حالته السابقة على الحالتين هي الحدث، حيث إن حالته الفعلية بناء على تأثير كل منهما في رفع أثر الأخرى هي الحدث. وهذا فرع آخر لا ربط له بمسألتنا وهي تعاقب الحالتين، ولا ينبغي عد حكمه من أقوالها، وذلك لخروجه عنها موضوعا، و حكمه هو الذي أفاده في المختلف بلا إشكال. وبعد الإحاطة بفرض المسألة يظهر عدم ورود شئ من الاشكالين على العلامة. ويؤيد أجنبية ما ذكره هنا عن مسألة تعاقب الحالتين بل يدل عليها أنه تعرض لهذا الفرع بعد أن اختار مذهب المشهور في تعاقب الحالتين، فيفهم أن هذا الفرع مغاير لتوارد الحالتين موضوعا وحكما. هذا بعض الكلام في الصورة الأولى وهي 654
الجهل بتاريخ الوضوء والحدث. وأما الصورة الثانية - وهي الجهل بتاريخ الوضوء والعلم بتاريخ الحدث والشك في تقدمه على الحدث وتأخره عنه - فالحكم فيها أيضا وجوب الوضوء، إما لعدم جريان الاستصحاب في المجهول التاريخ وجريان استصحاب الحدث، وإما لسقوطه بالمعارضة و وصول النوبة إلى قاعدة الاشتغال القاضية بلزوم الوضوء لما يشترط فيه الطهارة. وأما القول بعدم وجوب الوضوء لأصالة تأخر الوضوء، ففيه: أن أصالة التأخر معتبرة بالنسبة إلى أجزأ الزمان، لأنه مقتضى الشك في امتداد المستصحب وبقائه الذي هو ظاهر أدلة الاستصحاب، دون الشك فيه بالإضافة إلى حادث آخر، فإنه لا يصدق عليه الشك في بقاء المستصحب وامتداده، بل يصدق عليه الشك في حدوثه قبل الحادث الاخر أو بعده، وهذا أجنبي عن مفاد أدلة الاستصحاب كما لا يخفى. وأما الصورة الثالثة - وهي العلم بتاريخ الوضوء والشك في تاريخ الحدث - فعن المشهور جريان الاستصحاب فيها وسقوطه بالتعارض، ووجوب الوضوء للمشروط بالطهارة بناء منهم على عدم الفرق بين معلوم التاريخ ومجهوله في جريان الاستصحاب. لكن الظاهر أنه يجري الاستصحاب في الوضوء، فيبني عليه، ولا يجري في الحدث المجهول تاريخه. أما جريانه في الأول فلاجتماع ركنيه فيه وهما اليقين بالحدوث والشك في البقاء، فان الشك يكون في ارتفاع الوضوء بالحدث، وإن كان منشأ الشك الجهل بتاريخ وقوع الحدث. وأما عدم جريانه في الثاني فلعدم إحراز اتصال زمان اليقين بالشك فيه، لاحتمال وقوع الحدث قبل تاريخ الطهارة، فتخلل اليقين بها بين زماني اليقين بالحدث والشك فيه. وعليه فيجري استصحاب الوضوء بلا مانع. 655 الثاني عشر (1): أنه قد عرفت (2) أن مورد الاستصحاب لا بد (3) أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم كذلك (4)، فلا (5) إشكال فيما كان
656 المستصحب من الاحكام الفرعية أو الموضوعات الصرفة الخارجية (1) أو اللغوية (2) إذا كانت ذات أحكام شرعية.
657 وأما الأمور الاعتقادية (1) التي كان المهم فيها شرعا هو
658 الانقياد (1) والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها (2) من الأعمال القلبية الاختيارية (3)
659 فكذا (1) لا إشكال في الاستصحاب فيها حكما، وكذا موضوعا (2) فيما (3) كان هناك يقين سابق وشك لاحق، لصحة (4) التنزيل و عموم (5) الدليل.
660 وكونه (1) أصلا عمليا إنما (2) هو بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبدا قبالا للامارات الحاكية عن الواقعيات، فيعم (3) العمل بالجوانح (4) كالجوارح. وأما (5) التي كان المهم فيها
661 شرعا (1) وعقلا هو القطع بها ومعرفتها، فلا (2) مجال له موضوعا، ويجري (3) حكما،
662 فلو كان (1) متيقنا بوجوب تحصيل القطع بشئ كتفاصيل القيامة (2) في زمان، وشك في بقاء وجوبه يستصحب (3). وأما (4) لو شك [1] في حياة
[1] كون بقاء حياة الإمام عليه السلام من الأمور الاعتقادية التي يجب تحصيل اليقين بها غير ثابت. نعم نفس الإمامة كالنبوة مما يجب تحصيل القطع به، وأما بقاء حياة الامام كحياة النبي صلى الله عليهما فلا يجب تحصيل العلم به، فالمثال لا يطابق الممثل. 663 إمام زمان مثلا فلا يستصحب (1) لأجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه، بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته مع إمكانه (2)، ولا يكاد يجدي (3) في مثل وجوب المعرفة عقلا أو شرعا إلا [1] إذا كان حجة من باب إفادته (4) الظن، وكان (5) المورد مما يكتفي به
[1] لا يخفى أن الموضوع هو الأمور الاعتقادية التي يكون المهم فيها القطع بها فلا يلائمه هذا الاستثناء، لخروجه عن تلك الأمور موضوعا، بل يعد هذا قسما ثالثا للأمور الاعتقادية، وأجنبيا عن القسم الثاني رأسا. 664 أيضا (1). فالاعتقادات (2) كسائر الموضوعات لا بد في جريانه فيها (3) من (4) أن يكون في المورد أثر شرعي (5) يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه (6)،
665 كان (1) ذلك متعلقا بعمل الجوارح أو الجوانح.
666 وقد انقدح بذلك (1) أنه
667 لا مجال له (1) في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من كمال النفس (2) بمثابة يوحى إليها، وكانت (3) لازمة [1] لبعض مراتب كمالها، إما (4)
[1] ظاهر هذه الكلمة كصريحه في الحاشية: (فالنبوة صفة قائمة بنفس النبي 669 لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها، أو لعدم (1) كونها مجعولة،
غير قابلة للارتفاع). كون النبوة بمعنى كمال النفس من لوازم وجود شخص النبي ومما يستحيل انفكاكها عنه، وقد علله المحقق الأصفهاني (قده) بما ذكرناه في التوضيح من أنها درجة تحقق الكمال والمعرفة الشهودية، لا درجة التخلق حتى يمكن زوالها. لكن دعوى الاستحالة العادية هنا أولى من دعوى الاستحالة العقلية، إذ لا ريب في أن هذه المرتبة من الكمال الموجب لتلقي الوحي منه تعالى فضل منه وعطاء يحبوه من يشأ من خلقه، فالنبوة بهذا المعنى أيضا ملكه تعالى ينزعها ممن يشأ ويعطيها من يشأ، فكما أن سلب الملكية الاعتبارية تحت حيطة قدرته تعالى، كذلك سلب ذلك الكمال النفساني الحاصل بممارسة أشق المجاهدات التي يعجز عنها غيره. والحاصل: أن دعوى كون النبوة بهذا المعنى كالزوجية للأربعة من لوازم الذات أو ككمه وكيفه من العوارض اللازمة لوجوده في هذه النشأة لا يخلو إثباتها من تكلف، فان هذه الدرجة السامية كمال منة منه تعالى عليه كجماله واستواء خلقه مما يعقل زوالها وإن لم تجر سنته على سلبها عن أوليائه، فدعوى الاستحالة العادية أولى مما في المتن. 670 بل من الصفات الخارجية التكوينية ولو (1) فرض الشك في بقائها باحتمال (2) انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم (3) بقائها بتلك المثابة كما (4) هو الشأن في سائر الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات، وعدم (5) أثر شرعي
671 مهم (1) لها يترتب عليها باستصحابها (2). نعم (3) لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية (4) وإن كان (5) لا بد في إعطائها من أهلية وخصوصية يستحق بها لكانت (6)
672 موردا للاستصحاب بنفسها، فيترتب (1) عليها آثارها ولو كانت (2) عقلية بعد (3) استصحابها، لكنه (4) يحتاج إلى دليل [1] كان هناك غير
[1] سواء أكان الاستصحاب أصلا عمليا أم دليلا اجتهاديا، لافتقاره على التقديرين إلى دليل شرعي على اعتباره، فان كان ذلك الدليل من الشرع السابق لزم الدور. وإن كان من الشريعة اللاحقة فلا يجدي في بقاء الشريعة السابقة، لان اعتبار الاستصحاب من الشريعة اللاحقة مستلزم لنسخ الشريعة السابقة، وعدم شك في بقائها حتى يجري فيه الاستصحاب. ولو كان الدليل على اعتبار الاستصحاب بناء العقلاء لم يصح الاستناد إليه إلا بعد الامضاء، فيقع الكلام في أن الشرع السابق أمضاه أو اللاحق، فان كان هو السابق لزم الدور، وإن كان هو اللاحق فذاك مساوق للنسخ وعدم الشك في البقاء، وهو خلف. وتوهم كفاية حجية الاستصحاب في الشريعتين لصحة جريانه في النبوة فاسد، 673 منوط بها، وإلا (1) لدار كما لا يخفى. وأما استصحابها (2) بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها فلا إشكال فيها [فيه] كما مر (3).
لان ثبوتها في الشريعة اللاحقة لا يثبت اعتبار النبوة السابقة، إذ لو كان دليل اعتبار الاستصحاب صالحا لشموله للنبوة السابقة المشكوكة لزم من هذا العموم عدم اعتبار نفسه، لان بقاء اعتبار النبوة السابقة يقتضي بطلان النبوة اللاحقة الملزوم لبطلان العموم، فالشك فيها يستلزم الشك في صحة العموم. 674 ثم لا يخفى (1) أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلا إذا
675 اعترف بأنه على يقين فشك فيما (1) صح هناك التعبد والتنزيل (2) ودل عليه
676 الدليل (1). كما (2) لا يصح أن يقنع به إلا مع اليقين والشك، والدليل (3) على التنزيل. ومنه (4) انقدح أنه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى [1]
[1] قد نسبت هذه المناظرة والجواب عن استصحاب الكتابي إلى جمع من 677 أصلا لا إلزاما للمسلم لعدم (1) الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة، واليقين (2) بنسخ شريعته،
أعلام أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم، منهم العلامة الأوحد صاحب الكرامات الباهرة الأورع الزكي المرضي السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي قدس سره، لكن صحة هذه النسبة لا تخلو من تأمل، لان المناظرة التي وقعت بينه وبين بعض علماء اليهود في قرية (ذي الكفل) وضبطها بخصوصياتها تلميذه السيد الفقيه الجليل صاحب مفتاح الكرامة (قده) ونقلها بعض أحفاد السيد بحر العلوم في مقدمة رجاله المعروف بالفوائد الرجالية ليست ناظرة إلى استصحاب نبوة موسى عليه السلام، بل ناظرة إلى جهات أخرى، والسيد قد تعرض لها وأجاب عنها وأفحم اليهودي بالاحتجاج عليه بما وقع في التوراة من التحريفات والقبائح والشنائع والافتراء على النبي لوط عليه السلام وبنتيه وغير ذلك مما يستقل بقبحه العقل. وبالجملة: تلك المناظرة تتضمن فوائد مهمة أوجبت هداية عدة كثيرة من جماعة اليهود القاطنين في قرية (ذي الكفل) وينبغي لأهل العلم مراجعة هذه المناظرة والاستفادة من فوائدها التي أفادها السيد (قده) فيها شكر الله مساعيه الجميلة وجزاه عن العلم والاسلام خير الجزاء. 678 وإلا (1) لم يكن بمسلم. مع (2) أنه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين وشك (3). ولا إقناعا (4) مع الشك، للزوم (5) معرفة النبي بالنظر (6) إلى حالاته ومعجزاته عقلا (7)،
679 وعدم (1) الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا ولا شرعا (2). والاتكال (3) على قيامه في شريعتنا لا يكاد (4) يجديه إلا على نحو محال.
680 ووجوب (1) العمل بالاحتياط عقلا في حال عدم المعرفة بمراعاة (2) الشريعتين ما لم (3) يلزم منه الاختلال،
681 للعلم (1) بثبوت إحداهما على الاجمال، إلا (2) إذا علم بلزوم البناء على
682 الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال. [1]
[1] قد عرفت تفصيل ما أفاده المصنف (قده) في رد استصحاب الكتابي، ولا بأس بالتعرض لبعض الوجوه التي أفادها غيره في رده، و هو ما نسب إلى مولانا أبي الحسن الرضا صلوات الله وسلامه عليه في جواب الجاثليق مع توجيهه الذي ذكره الشيخ الأعظم (قده) أما جوابه عليه السلام فمضمونه هو ما أجاب به بعض السادة عن استصحاب الكتابي (من أنا نؤمن ونعترف بنبوة كل موسى وعيسى عليهما السلام أقر بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله، وكافر بنبوة كل من لم يقر بذلك). وهذا الجواب بظاهره كما أفاده الشيخ مخدوش بما عن الكتابي من أن موسى ابن عمران أو عيسى بن مريم عليهم السلام شخص واحد وجزئي حقيقي اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوته، فعلى المسلمين إثبات نسخ شريعته، هذا. وأما توجيه الشيخ (قده) لجواب الإمام عليه السلام فهو الجواب الخامس في الرسائل، وحاصله: أن معاشر المسلمين لما علموا أن النبي السالف أخبر بمجئ نبينا صلى الله عليه وآله وأن ذلك كان واجبا عليه، وكان الايمان به متوقفا على إقراره بنبوته صلى الله عليه و آله وتبليغ ذلك إلى أمته صح لهم أن يقولوا: ان المسلم نبوة النبي السالف على تقدير تبليغ نبوة نبينا صلى الله عليه وآله، والنبوة التقديرية لا تضرنا ولا تنفعهم في بقاء شريعتهم. ولا بأس بهذا التوجيه، وإلا فظاهر ما أجاب به بعض الفضلاء عنه مخدوش. وإن شئت الوقوف على سائر الأجوبة فراجع الرسائل. 683 الثالث عشر (1): أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام (2)، لكنه (3) ربما يقع
684 الاشكال (1) والكلام فيما إذا خصص في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان (2) مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام.
685 والتحقيق (1) أن يقال: ان مفاد العام تارة يكون بملاحظة
686 الزمان (1) ثبوت (2) حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام. وأخرى (3) على نحو جعل كل يوم من الأيام فردا لموضوع ذلك العام. وكذلك مفاد مخصصه تارة (4) يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه (5)، وأخرى (6) على نحو يكون مفردا و مأخوذا
688 في موضوعه. فان كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الأول (1) فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته (2)، لعدم (3)
689 دلالة للعام على حكمه، لعدم (1) دخوله على حدة في موضوعه، وانقطاع (2) الاستمرار بالخاص (3) الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق (4) من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق، فلا مجال (5) إلا لاستصحابه. نعم (6) لو كان الخاص غير قاطع لحكمه،
690 كما (1) إذا كان مخصصا له من الأول لما (2) ضر به في غير مورد دلالته، فيكون (3) أول زمان استمرار حكمه بعد زمان
693 دلالته (1)، فيصح (2) التمسك ب (أوفوا بالعقود) ولو خصص بخيار المجلس ونحوه (3)، ولا يصح (4) التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في
694 أوله (1)، فافهم (2).
695
[1] لكن الظاهر متانة تفصيل الماتن بين الابتداء والاثناء، واندفاع كلا الاشكالين، أما أولهما فبأن المفروض تكفل العام لاحكام شخصية لموضوعات كذلك، وإطلاق كل واحد من هذه الأحكام الشخصية يقتضي اتصاله بنفس زمان انعقاد العقد، وورود المخصص في الابتداء يزاحم هذا الاطلاق ويقدم عليه لأقوائيته، ونتيجة الجمع بين الدليلين أن مبدأ هذا الواحد الشخصي هو ما بعد زمان دلالة الخاص من دون لزوم تبعض البسيط أصلا، وإنما يتأخر هذا البسيط عن زمان الخاص إلى زمان افتراق المتبايعين أو غيره، وهذا بخلاف التخصيص في الأثناء، فإنه قاطع لاستمرار الحكم. وأما ثانيهما فبما ذكرناه في توضيح كلام المصنف (قده) فان دليل أصل لزوم العقد واستمراره وإن كان هو الآية الشريفة لا غيرها، إلا أن دليل وجوب الوفاء هو الآية المباركة، ودليل اعتبار اتصال اللزوم بالعقد هو إطلاقها الازماني، وحينئذ فالفرق بين دليلي خياري المجلس والغبن هو: أن الأول مانع عن الحكم المستمر، والثاني رافع استمرار الحكم، ومن المعلوم أن قاطع الاستمرار ورافعه يكون 696 وإن كان (1) مفادهما على النحو الثاني (2) فلا بد من التمسك بالعام بلا كلام، لكون (3) موضوع الحكم بلحاظ
بعد ثبوت أصل الحكم، إذ لو لم يجب الوفاء من أول الامر لم يصدق قطع الاستمرار ورفعه، فلا يجوز التمسك بالعام في التخصيص في الأثناء. بخلاف التخصيص في الأول فإنه مانع عن أصل الحكم المستمر، فمدلول الآية هو الحكم المستمر، وهذا المستمر يتأخر مبدؤه عن العقد إلى التفرق عن مجلس المعاملة، وعليه فلا يرد على المصنف ما أفيد من الفرق بين ثبوت الاستمرار بنفس الدليل الأول وغيره. 697 هذا الزمان (1) من أفراده، فله (2) الدلالة على حكمه، والمفروض (3) عدم دلالة الخاص على خلافه. وإن كان (4) مفاد العام
698 على النحو الأول (1) والخاص على النحو الثاني (2) فلا (3) مورد للاستصحاب، فإنه (4) وإن لم يكن هناك دلالة
699 أصلا (1)، إلا (2) أن انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته من (3) إسراء حكم موضوع إلى آخر، لا استصحاب (4) حكم الموضوع، ولا مجال (5) أيضا للتمسك بالعام [1]
[1] لما كان الغرض منع جريان استصحاب حكم الخاص بعد نفي دلالة 700 لما مر (1) آنفا، فلا بد من الرجوع إلى سائر الأصول. وإن كان (2) مفاد هما على العكس (3) كان (4) المرجع هو العام، للاقتصار (5) في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص،
العام والخاص أيضا على مورد الشك كان الأولى بيان وجه عدم دلالتهما عليه أولا ثم التعرض لوجه عدم جريان استصحاب حكم الخاص ثانيا، فلو قيل هكذا: (وان لم يكن هناك دلالة أصلا لا للعام ولا للخاص حتى يرجع إليهما، إذ في العام ما مر آنفا، وفي الخاص كون غير مورد دلالته موضوعا آخر، إلا أن انسحاب حكم الخاص إلى غير مورد دلالته قياس، لأنه تسرية حكم موضوع إلى آخر، لا استصحاب حكم لموضوع، فلا بد من الرجوع إلى سائر الأصول) كان أوفق بالميزان الطبيعي لبيان المطلب. 701 ولكنه (1) لولا دلالته لكان الاستصحاب مرجعا، لما (2) عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحو (3) صح استصحابه، فتأمل تعرف أن إطلاق كلام شيخنا العلامة أعلى الله مقامه في المقام نفيا (4)
702 وإثباتا (1) في غير محله. [1]
[1] لا يخفى أن في تقريرات سيدنا الفقيه صاحب الوسيلة قدس سره توجيه 703
تقسيم الشيخ العام والخاص باعتبار الزمان إلى قسمين - لا إلى أقسام أربعة كما صنعه المصنف - بالملازمة بين اعتباري أخذ الزمان في العموم مع اعتباري أخذه في الخاص أيضا، فإذا كان قيدا في العام كان قيدا في الخاص أيضا، وكذلك إذا كان ظرفا في العام. أقول: إن كان الامر كذلك كان ما أفاده الشيخ صوابا، لأنه مع قيدية الزمان لا محيص عن التشبث بالعام، لكون الشك حينئذ في التخصيص الزائد، والمفروض أن الزمان في الخاص قيد أيضا، ولا وجه معه للتمسك بالاستصحاب، لتعدد الموضوع. ومع ظرفية الزمان لا بد من التمسك بالاستصحاب، لأنه في الخاص أيضا ظرف، ووحدة الموضوع محفوظة فيه، فلا محيص عن جريان الاستصحاب. 704
وعلى ما أفاده سيدنا الاجل المتقدم رفع في الخلد مقامه يكون النزاع بين الشيخ والمصنف صغرويا لا كبرويا، لان المسلم عند الكل عدم الرجوع إلى الاستصحاب مع تعدد الموضوع، والمفروض أن الزمان إذا كان قيدا للخاص فلا محالة يتعدد به الموضوع سواء أكان الزمان حينئذ ظرفا للعام أم قيدا له، غاية الامر أنه إذا كان قيدا له يرجع إلى العام، لان مرجع الشك حينئذ إلى الشك في التخصيص الزائد، وإذا كان ظرفا له لا يرجع إلى شئ من العام والخاص، بل إلى استصحاب حكم الخاص، هذا. ولكن لم نظفر في كلام الشيخ بما يدل على الملازمة التي احتملها، وهو (قده) أعلم بما قال، وذلك توجيه وجيه رافع للنزاع حقيقة، إذ النزاع الصغروي لا يعد نزاعا. ويحتمل أن يكون نظر الشيخ (قده) إلى حال العام فقط من حيث جواز التمسك به وعدمه، وأن جواز التمسك به إنما هو فيما إذا كان الزمان قيدا له، وأما إذا كان ظرفا له فلا يصح التمسك به وإن كان قيدا في الخاص، فملاك جواز التشبث بالعام هو لحاظ قيدية الزمان فيه سواء أكان كذلك في الخاص أيضا أم كان ظرفا فيه، وهذا لا ينافي عدم جواز التمسك بالعام لأجل المعارضة إذا كان الزمان ظرفا له. وأن كلامه ليس مسوقا لبيان حكم الخاص. ويمكن الذب عن كلام الشيخ في صورة قيدية الزمان بأنه (قده) مثل للخاص بقوله: (لا تكرم زيدا يوم الجمعة) ومع تقيد حرمة الاكرام بهذا الزمان لا معنى لاستصحاب حكمه، لتعدد الموضوع، وقد جزم الشيخ والمصنف بعدم جريان الاستصحاب في الفعل المقيد بالزمان، لانتفاء الموضوع بعد انقضائه على ما تقدم في التنبيه الرابع. وعليه فما أورده المصنف على الشيخ من لزوم التفصيل في طرف الخاص بين ظرفية الزمان وقيديته قد تفطن له الشيخ أيضا، فلا يبقى مجال للايراد عليه نعم لا بأس بتفصيل المصنف بين التخصيص في الأثناء وغيره. 705
وكيف كان فتوضيح المقام منوط ببيان أمرين: الأول: أن الزمان في دليل العام إما أن يكون قيدا للحكم أو موضوعه وإما أن يكون ظرفا لهما، وفي كل منهما يتصور على نحوين. أما على القيدية فلانه قد يلاحظ مجموع آنات الزمان على وجه الارتباط قيدا واحدا نظير العام المجموعي بحيث لو خلا آن واحد عن وجود الموضوع أو الحكم لارتفع من أصله كما هو أحد الاحتمالين في الصوم من أنه الامساك المتقيد بكونه في مجموع النهار من حيث المجموع، لانتفاء المأمور به بعصيانه بخلو آن من آنات النهار عن الامساك تعمدا. وقد يلاحظ كل قطعة من الزمان المأخوذ في الدليل قيدا مستقلا بنحو يتكثر الموضوع أو الحكم بعدد القطعات المأخوذة في الدليل إجمالا، ويتفرع عليه صيرورة الموضوع الوحداني موضوعات متعددة ويتبعها أحكام متعددة، فان انقسام العام إلى المجموعي و الأصولي كما يجري في العموم الافرادي كذلك يجري في العموم الازماني، غير أن الارتباط والاستقلال يلاحظان في العموم الافرادي بالنسبة إلى الافراد العرضية، وفي العموم الازماني بالنسبة إلى أجزأ الزمان الطولية. وأما على الظرفية فتارة يكون مفاد العام إثبات حكم شخصي مستمر لكل فرد من أفراد موضوعه المستمر على نحو غير قابل للتكثر و لو تحليلا بحيث لو انقطع حكم هذا الشخص لم يكن الخطاب العام متكفلا لشخص هذا الفرد، كما إذا قال: (أكرم العلماء دائما) بنحو كان أخذ الزمان لمحض الإشارة إلى استمرار الحكم لا لدخله بتمامه أو بقطعاته في الحكم أو الموضوع حتى يكون قيدا كما كان في القسم الأول، ثم قال: (لا تكرم زيدا يوم الجمعة) حيث لا يتكفل ذلك العموم الافرادي لحكم إكرامه بعد يوم الجمعة. وأخرى يكون مفاده إثبات حكم سنخي لطبيعة الموضوع القابل للانطباق على كل فرد من أفراده على وجه الاطلاق بالنسبة إلى الحالات والأزمان. 706
وهذا القسم وإن اتحد حكما مع ما إذا كان الزمان مكثرا للموضوع، لتعدد الإطاعة والعصيان في كل منهما، إلا أنهما يختلفان من جهة كيفية لحاظ الشارع، فان جعل كل قطعة من الزمان قيدا للعام لقيام مقدار من المصلحة به كما هو الحال في الموقتات انحل العام بحسب الأزمان كانحلاله بحسب الافراد، لكونه حينئذ عاما استغراقيا. وإن جعل الزمان ظرفا له كان متعلق الحكم هو الطبيعة السارية ووجودها السعي، فلا انحلال بحسب الافراد، وإنما يلاحظ الامتثال و العصيان بالإضافة إلى نفس الطبيعة. قال المصنف في الحاشية: (انه لا ينافي استمرار حكمه على وحدته تعدد إطاعته ومعصيته، بل هو قضية استمراره). ويترتب على الحكم الشخصي والسنخي في صورة ظرفية الزمان جواز التمسك بالعام مطلقا إذا خصص في الأثناء أو في الابتداء في القسم الثاني كما سيأتي. وما تقدم من كيفية أخذ الزمان في الحكم أو الموضوع راجع إلى مقام الثبوت. وأما مقام الاثبات فاستفادة كل واحد من الظرفية والقيدية منوطة بدلالة الدليل سواء أكان قرينة متصلة بالعام أم دليلا خارجيا، و سواء أكان الخطاب أمرا أم نهيا، وسواء كان مصب العموم الزماني متعلق الحكم كقوله: (يجب إكرام العلماء في كل زمان أو مستمرا) و بين أن يكون مصبه نفس الحكم من الوجوب أو الحرمة كقوله: (يجب مستمرا إكرام كل عالم) أو (أن إكرام العلماء واجب بوجوب مستمر) ونحو ذلك. ويمكن بيان الاستمرار بدليل منفصل فيقول: (أكرم العلماء) ثم يقول هذا المطلوب مستمر إلى الأبد. ومثال ظرفية الزمان للحكم الواحد بالنوع وجوب الوفاء بالعقود المبحوث عنه في هذا التنبيه، وذلك لانحلاله بعمومه الافرادي إلى كل عقد صادر من كل مكلف له أهلية المعاملة، وبعمومه الازماني إلى وجوب الوفاء بكل عقد من أول حدوثه 707
إلى الأبد. وليس هذا الوجوب واحدا شخصيا، بل هو حكم واحد مستمر لموضوعه أعني الوفاء الملحوظ على نحو الطبيعة السارية بمعنى عدم لحاظ خصوصية كل وفاء في كل آن، بل بلحاظ سريان الوفاء الواحد في جميع الأزمنة. ويدل على وحدته الطبيعية دون الشخصية أن البائع لو وفى بعقده في زمان ولم يف به في زمان آخر كان مطيعا تارة وعاصيا أخرى، ومن الواضح أن وجوب الوفاء لو كان واحدا شخصيا لكانت إطاعته باستمرار الوفاء بالبيع في الزمان المستمر بحيث يكون انقطاع الوفاء في بعض الأزمنة موجبا لسقوط الامر بالوفاء رأسا، مع أنه لا ريب في وجوب الوفاء بالبيع في الآنات المتأخرة. وليس وجوب الوفاء في كل آن لأجل قيام مقدار من مصلحة الوفاء بنفس قطعات الزمان حتى يندرج في ما إذا كان الزمان قيدا مكثرا للموضوع أو الحكم، وذلك لتوقف القيدية على إحراز دخل نفس الزمان في الحكم أو موضوعه، ومن المعلوم أن الزمان ليس مقوما لمصلحة الوفاء. مضافا إلى: أن الأصل في الزمان هو الظرفية لا القيدية كما تقدم في التنبيه الرابع. هذا ما يتعلق بالامر الأول، الذي أشرنا فيه إلى كيفية أخذ الزمان في العموم ثبوتا وإثباتا. ولا يخفى أن للمحقق النائيني (قده) تفصيلا آخر في مقام الاثبات والاستظهار من الدليل، وهو الفرق بين كون مصب العموم الزماني متعلق الحكم ونفسه، فحكم بالرجوع إلى عموم العام في الأول، وباستصحاب حكم المخصص في الثاني، وحمل عليه كلام الشيخ الأعظم. لكنه مع كونه خلاف ظاهر كلام الشيخ (قده) لا يخلو في نفسه من المناقشة التي تعرض لها المحققان العراقي والأصفهاني، فراجع. الامر الثاني: أن التخصيص متوقف على عدم كون الحكم واحدا شخصيا كما إذا قال: (أكرم زيدا العالم مرة واحدة) فإنه لا معنى لتخصيصه لبساطته، 708
فلو ورد خطاب آخر كان معارضا له لا مخصصا، فصحة التخصيص منوطة بتعدد الحكم سواء تعدد الانشاء كما إذا قال: (أكرم العلماء) فإنه في قوة إنشاءات متعددة بعدد أفراده، أم لم يتعدد كما إذا قال: (تواضع للفقير) فان المنشأ هو طبيعة التواضع، فوحدته نوعية لا شخصية، فالمتكلم يقصد البعث إلى طبيعة التواضع للفقير، ولذا يصح تقييده بقوله: (ولا تواضع له إذا صار فاسقا) ومقتضى تعلق طبيعي البعث بطبيعي التواضع هو تعلق فرد من الوجوب بفرد من التواضع، ولأجله يتعدد إطاعته وعصيانه، مع أن الواحد الشخصي له امتثال واحد وعصيان كذلك. وبوضوح ما ذكرناه في الامرين تعرف أن الحق في المقام ما حكي عن ثاني المحققين في جامع المقاصد من فورية خيار الغبن معللا له (بأن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة، وإلا لم ينتفع بعمومه) فان ظاهره توقف الانتفاع بعمومه الافرادي على الملازمة بينه وبين العموم الأزماني، وإلا كان جعل اللزوم لكل فرد من أفراد العقود لغوا، فان البيع من أجلى أفراد العقود المتداولة، فإذا كان وجوب الوفاء به مختصا بآن وقوعه وجاز فسخه في سائر الآنات لم يترتب فائدة على هذا اللزوم، بل ربما يختل به النظام، فلا بد في دفع هذا المحذور من عموم وجوب الوفاء لجميع الأزمنة. وعليه فلا يتم ما فصله الشيخ والمصنف بين قيدية الزمان وظرفيته، فان الزمان وإن كان ظرفا في ظاهر الآية الشريفة ولا دخل له في مصلحة الوفاء بالعقد، إلا أن المجعول حيث كان طبيعي الوجوب لطبيعي الوفاء بكل عقد فورود المخصص سواء أكان في الابتداء أم في الأثناء لا يمنع التمسك بالعام في غير زمان الخاص، وذلك لان للآية الشريفة دلالتين: إحداهما: دلالتها على العموم الافرادي بمقتضى الجمع المحلى باللام، فتدل على وجوب الوفاء بكل عقد. وثانيتهما: دلالتها على إطلاقها الأزماني والأحوالي من حيث خصوصيات 709
الزمان والأحوال الطارئة على العقد، لا بمعنى الجمع بين قطعات الزمان حتى يكون عاما مجموعيا ويلزم خلف فرض ظرفية الزمان لحكم واحد مستمر، بل بمعنى أن الشارع لاحظ جميع خصوصيات طبيعة الزمان الوحداني ورفضها، لعدم دخل شئ منها في نفس مصلحة الوفاء بكل عقد. وحيث كان في الآية الشريفة حجتان كان مقتضى عمومها الافرادي وجوب الوفاء بكل عقد، ومقتضى إطلاقها الأزماني ثبوت هذا الحكم له في الزمان المستمر من دون تخصصه بوجود خصوصية محددة له ولا بعدمها. والتخصيص تارة يكون بإخراج نفس الفرد كخروج العقود الجائزة عن عموم وجوب الوفاء بكل عقد، فعقد الوكالة مثلا خارج عن هذا العموم الافرادي في جميع الأزمنة، إذ لا يندرج في العام بعد خروجه عنه، لأنه تخصيص أفرادي، فخروجه يكون بقول مطلق. وفي هذا الفرض لا معنى للشك في شمول حكم العام له أصلا، فهو نظير قوله: (أكرم العلماء دائما ولا تكرم زيد العالم أبدا) فان خروج زيد عن العموم يكون أفراديا فيعم جميع الأزمان والحالات الطارئة عليه، لتبعية كل من العموم الأزماني والأحوالي للعموم الافرادي، فلا يبقى لهما موضوع بعد خروج الفرد عنه. وأخرى يكون التخصيص بلحاظ بعض أزمنة وجود الفرد أو بعض حالاته بحيث لولا دليل المخصص كان إطلاق العام أزمانيا وأحواليا شاملا له، كما إذا قال: (أكرم العلماء دائما ولا تكرم زيدا في الخامس عشر من هذا الشهر) أو (لا تكرم زيدا حال فسقه) ونحو ذلك، فان أصالة العموم كما تكون حجة في الشك في أصل التخصيص والتخصيص الزائد، كذلك أصالة الاطلاق حجة في الشك في كليهما، إذ المفروض أن إكرام زيد ليس واحدا شخصيا، بل هو واحد نوعي قابل للتقييد. والتخصيص الوارد على عموم الآية الشريفة بأدلة الخيارات أو غيرها من هذا القبيل. فعموم الآية أزمانيا وأحواليا يدل على وجوب الوفاء بالبيع مثلا في كل حال 710
من أول حدوثه إلى الأبد، وأدلة الخيارات تدل على عدم وجوب الوفاء به في بعض الحالات أو الأزمنة، ولا توجب خروج أصل البيع عن فرديته لعنوان العقد، فدليل خيار المجلس يدل على جواز المعاملة ما دام المتبايعان في المجلس، ودليل خيار الغبن يدل على عدم وجوب الوفاء بالبيع الغبني حين ظهور الغبن، وهكذا سائر أدلة الخيارات، فإنها لا توجب تخصيص الفرد وإخراجه عن العموم، وإنما تقيد إطلاق ذلك الوفاء الوحداني المستمر سواء أكان زمان التقييد قصيرا أم طويلا، ولو شك في طول زمان المقيد وقصره كان المرجع أصالة الاطلاق. وحيث كان المقصود التمسك في المقام بإطلاق الآية فلا فرق فيه بين التخصيص في الابتداء والانتهاء والاثناء بعد أن كان المجعول طبيعي الحكم لطبيعي الوفاء في طبيعي الزمان، وليست وحدة الوفاء الواجب شخصية حتى يتوهم تبعض الواحد وتجزئة البسيط كما تقدم بيانه في الامر الأول. نعم فرق بين هذا المطلق وسائر المطلقات في كون أفراده طولية، لان الافراد والوفاءات طولية باعتبار أجزأ الزمان المتلاحقة وجودا، بخلاف أفراد سائر المطلقات فإنها عرضية مجتمعة في الوجود كإطلاق الرقبة الشامل للعالم والجاهل والأبيض والأسود، لكنك خبير بعدم كون طولية الافراد فارقة ولا قادحة في التمسك بأصالة الاطلاق. فتلخص مما ذكرناه أن أصالة الاطلاق في مثل الآية الشريفة هي المرجع في الشك في التقييد الزائد، ولا يجدي فرض ظرفية الزمان للعام في المنع من التمسك به مطلقا كما لعله مقتضى كلام الشيخ أو في خصوص الأثناء كما التزم به المصنف هنا وفي الحاشية، وذلك لما عرفت من أن وحدة وجوب الوفاء ليست شخصية بل نوعية، وإطلاق هذا الواحد النوعي حجة في الشك في أصل التقييد وفي التقييد الزائد، فتأمل في المقام فإنه به حقيق. وقد اعتمدنا في كثير مما تقدم على إفادات العلمين المحققين العراقي والأصفهاني، فراجع كلاميهما لمزيد الاطلاع على أنظارهما الشريفة. 711 الرابع عشر (1): الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب [1] هو خلاف (2) اليقين، فمع (3) الظن بالخلاف فضلا عن
[1] الظاهر الاستغناء عن هذا البحث بعد تعرض الاخبار لنقض اليقين باليقين وبعد تسليم تقدم الامارات غير العلمية حكومة أو غيرها على الاستصحاب، ضرورة أن خلاف اليقين إن كان ما تساوى طرفاه فلا إشكال في حجية الاستصحاب فيه، سواء أكان المراد بالشك في المحاورات هذا المعنى كما هو المتبادر أم غيره. وكذا إذا كان أحد طرفيه راجحا - المعبر عنه بالظن - ولم يقم دليل على اعتباره، إذ الناقض لليقين السابق ليس إلا اليقين بالخلاف على ما هو صريح أخبار الباب، فالظن غير المعتبر سواء أكان عدم اعتباره لأجل دلالة دليل خاص عليه أم لعدم دليل على اعتباره مما تشمله أخبار الاستصحاب سواء أكان الشك شاملا له لغة أم لا. 712 الظن بالوفاق يجري الاستصحاب. ويدل عليه (1)
وأما الظن المعتبر فلحكومة الامارات على الاستصحاب كما سيجئ إن شاء الله تعالى يقدم على الاستصحاب ويتصرف لأجل حكومتها في اليقين الناقض ويراد به الحجة على خلاف اليقين السابق. فالمتحصل: أنه بناء على حجية الاستصحاب من باب التعبد لا ثمرة لهذا البحث، لعدم دخل للمعنى اللغوي أو العرفي للشك فيه، لتعين المراد به من نفس أخبار الباب سواء وافق معناه اللغوي أو العرفي أم خالفه، وذلك المعنى المراد هو خلاف اليقين أي الحجة، سواء أكان طرفاه متساويين أم أحدهما راجحا مع موافقته للحالة السابقة أو مخالفته لها بشرط عدم قيام حجة عليه، إذ معه يقدم على الاستصحاب حكومة وإن كان موافقا له كما قرر في محله. وكذا الحال بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن النوعي، لامكان اجتماعه مع الظن الشخصي على خلافه إلا مع تقييد حجيته بعدم قيامه على خلافه. وبناء على اعتباره من باب الظن الشخصي لا محيص عن اعتبار الاستصحاب في خصوص حصول الظن الشخصي على طبق الحالة السابقة وعدم اعتباره بدونه وإن لم يحصل الظن الشخصي على خلافها. فتلخص: أنه ينبغي جعل معيار البحث في المراد بالشك المعتبر في باب الاستصحاب دليل اعتباره، لا المعنى اللغوي أو العرفي، فان كان دليل اعتباره الروايات كان المراد بالشك خلاف اليقين الشامل للظن والشك والوهم. وإن كان دليل اعتباره الظن، فان أريد به الظن النوعي كان الاستصحاب حجة حتى مع الظن الشخصي على خلاف الحالة السابقة كما مر آنفا إلا مع التقييد بعدم قيام الظن الشخصي على خلافها. وإن أريد به الظن الشخصي على طبق الحالة السابقة كانت حجية الاستصحاب مختصة بهذه الصورة، ولا يكون حجة في غيرها سوأ حصل الظن الشخصي على خلاف الحالة السابقة أم لم يحصل. 713 - مضافا (1) إلى أنه كذلك لغة (2) كما في الصحاح (3)، وتعارف (4) استعماله فيه في الاخبار في غير باب (5) - قوله (6) عليه السلام في أخبار الباب:
714 (ولكن تنقضه بيقين آخر) حيث (1) إن ظاهره أنه في بيان تحديد ما
715 ينقض به اليقين، وأنه (1) ليس إلا اليقين. وقوله (2) أيضا: (لا حتى يستيقن أنه قد نام) بعد السؤال منه عليه السلام عما إذا حرك في جنبه شئ وهو لا يعلم، حيث (3) دل بإطلاقه مع ترك الاستفصال [1] بين ما إذا أفادت هذه الامارة (4) الظن وما إذا لم تفده، بداهة (5) أنها لو لم تكن
[1] لا حاجة إلى ترك الاستفصال في استظهار الاطلاق، بل صراحة قوله عليه السلام: (حتى يستيقن) في التحديد وكون غاية وجوب إعادة الوضوء هي الاستيقان بالنوم كافية في إرادة خلاف اليقين من الشك، ومغنية عن إثباتها بالاطلاق المنوط بترك الاستفصال. كما أن الشيخ (قده) لم يتمسك بهذا الاطلاق، حيث قال: (ومنها قوله عليه السلام: حتى يستيقن، فإنه جعل غاية وجوب الوضوء الاستيقان بالنوم ومجئ أمر بين منه). 716 مفيدة له دائما لكانت مفيدة له أحيانا على (1) عموم النفي لصورة الإفادة. وقوله (2) عليه السلام بعده (3): (ولا ينقض اليقين بالشك) [1] أن (4) الحكم في المغيا (5) مطلقا (6) هو عدم نقض اليقين بالشك كما لا يخفى.
[1] الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، إذ المظنون أن مورد استشهاده هو بعينه ما استشهد به الشيخ من قوله: (ومنها قوله عليه السلام: ولكن ينقضه بيقين آخر، فان الظاهر سوقه في مقام بيان حصر ناقض اليقين باليقين) لعدم دلالة نفس 717 وقد استدل عليه (1) أيضا بوجهين آخرين: الأول: الاجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الاخبار. وفيه: أنه (2) لا وجه لدعواه (3) ولو سلم اتفاق الأصحاب على
عدم نقض اليقين بالشك على إرادة خلاف اليقين منه، بخلاف (ولكن ينقضه بيقين آخر) فإنه يدل على عدم نقض اليقين بالوضوء إلا باليقين بالنوم، فلا ينقض بغير اليقين وإن كان ظنا بالخلاف. 718 الاعتبار (1)، لاحتمال (2) أن يكون ذلك (3) من جهة ظهور دلالة الاخبار عليه. الثاني (4): أن الظن غير المعتبر إن علم بعدم اعتباره
719 بالدليل (1) فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع، وأن (2) كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده. وإن كان (3) مما شك في اعتباره، فمرجع (4) رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك، فتأمل جيدا (5).
720 وفيه: أن قضية عدم اعتباره - لالغائه (1) أو لعدم (2) الدليل على اعتباره - لا يكاد (3) يكون إلا عدم إثبات مظنونه [1] به تعبدا ليترتب
[1] الأولى إبداله ب (المظنون به) يعني: لا يكاد يكون إلا عدم إثبات الحكم المظنون بالظن غير المعتبر تعبدا. 721 عليه آثاره (1) شرعا، لا ترتيب (2) آثار الشك مع عدمه، بل لا بد حينئذ (3) في تعيين أن الوظيفة أي أصل من الأصول العملية من الدليل (4)، فلو فرض عدم دلالة الاخبار معه (5) على اعتبار الاستصحاب (6)،
722 فلا بد (1) من الانتهاء إلى سائر الأصول بلا شبهة، ولا ارتياب، ولعله أشير إليه (2) بالامر بالتأمل (3)، فتأمل جيدا.
723 تتمة (1): لا يذهب عليك أنه لا بد في الاستصحاب من بقاء
724 الموضوع وعدم (1) أمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه (2)، فهاهنا مقامان المقام الأول (3): أنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع، بمعنى (4)
725 اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا كاتحادهما حكما،
726 ضرورة (1) أنه بدونه لا يكون الشك في البقاء [1] بل في الحدوث،
[1] قد يقال: ان هذه الكلمة مستدركة، لكفاية نفس الشك في الدلالة على وحدة القضيتين، إذ لزوم هذا الاتحاد إنما هو من أجل إضافة الشك إلى المتيقن لا من أجل إضافة الشك إلى بقاء المتيقن، فلو فرض تعلق الشك بثبوت المتيقن كما في قاعدة اليقين لكان مقتضيا أيضا للاتحاد، وعليه فكلمة البقاء مستدركة. 727 ولا رفع (1) اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك، فاعتبار البقاء بهذا المعنى (2) لا يحتاج إلى زيادة بيان وإقامة برهان.
لكنه غير ظاهر، فان الاستصحاب وإن كان هو التعبد بنفس المتيقن الذي صار مشكوكا فيه، إلا أن الشك المأخوذ في أدلة الاستصحاب حيث لا إهمال فيه ولا إطلاق له بالإضافة إلى الحدوث والبقاء، فلا بد أن يكون هو الشك المضاف إلى البقاء، إذ لولا هذه الإضافة لشمل الشك في ما تيقن به سابقا كلا من الشك الطارئ والساري، لصدق الشك في المتيقن على كل من الاستصحاب وقاعدة اليقين، وإنما يختلفان من حيث المتعلق، فان كان الحدوث متعلق الشك انطبق على القاعدة، وإن كان البقاء متعلقه انطبق على الاستصحاب، ولما كان المتسالم عليه دلالة جملة من الاخبار ظهورا أو صراحة بقرينة المورد على الاستصحاب فلا محيص من إضافة الشك إلى البقاء كيلا يلتبس بالشك في الحدوث الذي هو مورد القاعدة. وعليه فتعبير المصنف بقوله: (الشك في البقاء) متين جدا. 728 والاستدلال (1) عليه (باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر،
729 لتقومه (1) بالموضوع وتشخصه (2) به
730 غريب (1)، بداهة أن استحالته (2) حقيقة غير مستلزم لاستحالته تعبدا،
731 والالتزام (1) ب آثاره شرعا. [1]
[1] وللمصنف في الحاشية إشكال آخر على هذا الاستدلال وتبعه جمع، وهو إشكال الأخصية، قال فيها: (مع أنه أخص من المدعى، فان المستصحب ليس دائما من مقولات الاعراض، بل ربما يكون هو الوجود، وليس هو من إحدى المقولات العشر، فلا جوهر بالذات ولا عرض وإن كان بالعرض.). لكن يمكن أن يقال: ان ظاهر الدليل العقلي المتقدم وإن كان اختصاصه بالعرض المقابل للجوهر، وهو يوهم أخصيته من المدعى كما أفاده، إلا أنه لا يرد عليه الاشكال بعد ملاحظة أمرين نبه عليهما الشيخ الأعظم، أحدهما: تفسير موضوع الاستصحاب بمعروض المستصحب، وثانيهما: تصريحه بجريان الاستصحاب في الوجود العيني والذهني والامر الاعتباري الذي موطنه وعاء الاعتبار الذي هو برزخ بين الوجودين، بل وجريانه في العدم أيضا. و بالنظر إلى هذين الامرين لا بد أن يكون مقصوده بالعرض المستحيل انتقاله إلى معروض آخر أو بقاؤه بلا معروض هو كل ما يقابل الذات ويحمل عليها، وهذا المعنى ينطبق على الوجود الجوهري والعرضي وعلى العدم الذي معروضه الماهية كاستصحاب عدم زيد، و على استصحاب الحكم الشرعي، ولا مشاحة في إطلاق العرض على ما يقابل الذات، فان الوجود عارض الماهية، مع أن الوجود ليس 732 وأما (1) بمعنى إحراز وجود الموضوع خارجا فلا يعتبر قطعا في جريانه (2)، لتحقق (3) أركانه بدونه.
من سنخ المقولات العرضية المصطلحة. ولعل تعبير شيخنا الأعظم في جملة كلامه: (لكن استصحاب الحكم كالعدالة مثلا لا يحتاج إلى إبقاء حياة زيد) قرينة على أن المراد بالعرض هو مطلق المحمول، لعدم كون العدالة حكما بمعناه المصطلح. وعليه فمحتمل كلام الشيخ من العرض هو مطلق المحمول، حيث يستحيل انتقاله من موضوعه كاستحالة بقائه بلا موضوع. ولعله لما ذكرناه أغمض المصنف عن إشكال الأخصية ولم يتعرض له في المتن، فتأمل. والاشكال الوارد على الدليل العقلي هو ما في المتن من عدم تقوم الابقاء التعبدي ببقاء الموضوع واقعا، مضافا إلى إشكال الميرزا من أنه تبعيد للمسافة. 733 نعم (1) ربما يكون مما لا بد منه في ترتيب بعض الآثار، ففي
734 استصحاب عدالة زيد لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده (1) وإن كان محتاجا إليه (2) في جواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو الانفاق عليه. وإنما (3) الاشكال كله في هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم أو بنظر العقل، فلو كان (4) مناط الاتحاد هو نظر العقل
735 فلا مجال للاستصحاب في الاحكام، لقيام (1) احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال (2) بعض خصوصيات موضوعه، لاحتمال (3) دخله فيه، ويختص (4) بالموضوعات، بداهة (5) أنه إذا شك
736 في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة، بخلاف (1) ما لو كان بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل، ضرورة (2) أن انتفاء
737 بعض الخصوصيات وإن كان موجبا للشك في بقاء الحكم، لاحتمال (1) دخله في موضوعه، إلا أنه ربما لا يكون بنظر العرف ولا في لسان الدليل من مقوماته (2)، كما أنه (3) ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف
738 بخصوصه موضوعا، مثلا إذا ورد (العنب إذا غلى يحرم) كان العنب بحسب (1) ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب،
739 ولكن (1) العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيلونه من (2) المناسبات بين الحكم وموضوعه يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم [1]
[1] ثم إنه لا بأس بالإشارة إلى ما بين الموضوع العقلي والعرفي والدليلي من النسب، فنقول: ان النسبة بينها عموم من وجه. أما العقلي و العرفي فلتصادقهما على الموضوعات كزيد إذا شك في حياته، فان الموضوع بنظر كل من العقل والعرف هو ماهية زيد، وتفارقهما في الشك في الاحكام الناشئ من زوال حال من حالات الموضوع كما في الماء المتغير الزائل تغيره بنفسه، فإنه بناء على الموضوع العرفي يجري الاستصحاب، وبناء على الموضوع العقلي لا يجري. وفي الشك في جواز تقليد المجتهد بعد موته، فإنه بناء على الموضوع العقلي يجري الاستصحاب، لان موضوع جواز تقليده بنظر العقل هو النفس الناطقة الباقية بعد الموت، ولا يجري بناء على الموضوع العرفي، لان موضوع جواز التقليد بنظر العرف هو الانسان المركب من البدن والنفس الناطقة. وأما العقلي والدليلي فلتصادقهما على مثل حياة زيد إذا شك فيها، فان استصحابها يجري، لكون الموضوع بكلا النظرين أي العقلي و الدليلي هو ماهية زيد، وتفارقهما في جواز التقليد المزبور، فان الاستصحاب بنظر العقل يجري وبنظر الدليل لا يجري، لان ظاهر مثل قوله تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر) و (لولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) وغير ذلك كون الموضوع نفس الأشخاص الذين لا ريب في كونهم أبدانا ونفوسا ناطقة، والموت يسقطهم عن الموضوعية للمرجعية، ومع انتفاء الموضوع لا مسرح للاستصحاب. 740 الزبيب، ويرون العنبية والزبيبية من حالاته المتبادلة (1) بحيث (2)
وأما العرفي والدليلي فلتصادقهما على مثل وجوب صلاة الجمعة إذا شك في وجوبها تعيينا أو مطلقا في عصر الغيبة، إذ يجري فيه الاستصحاب، حيث إن موضوع وجوبها في الآية الشريفة (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) هو المؤمن من دون دخل لحضور الامام عليه الصلاة والسلام في وجوبها، فإذا شك في زمان الغيبة في وجوبها لاحتمال اعتبار حضوره عليه السلام في ذلك جرى فيه الاستصحاب، لكون موضوعه أعني به المؤمنين باقيا على كلا النظرين أي العرفي والدليلي. وتفارقهما في أحكام العنب المتبدل بالزبيب إذا شك في بقائها لأجل تبدله بالزبيب، فإنه بناء على الموضوع العرفي يجري الاستصحاب في جميع أحكام العنب من الفعلية والتعليقية، وبناء على الموضوع الدليلي لا يجري، لكونه نفس العنب، والزبيب أجنبي عنه، فالموضوع غير باق. وفي موارد الاستحالة، كما إذا ورد (كل جسم لاقى نجسا ينجس) فإذا لاقى خشب نجاسة ثم صار رمادا، فإنه بناء على الموضوع العرفي لا يجري استصحاب نجاسته، لمغايرة الرماد للخشب عرفا، وبناء على الموضوع الدليلي يجري، لبقاء الموضوع وهو الجسم. 741 لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب كان (1) عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه، ولو كان (2) محكوما به كان من بقائه، ولا ضير (3) في أن يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات والمناسبات فيما (4) إذا لم تكن
742 بمثابة تصلح (1) قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه. [1]
[1] سيأتي عدم الفرق بين القرائن والجهات والمناسبات المتصلة والمنفصلة إلا في منع الأولى عن انعقاد الظهور، ومنع الثانية عن حجيته، إذ هما على حد سواء في تحديد الموضوع الدليلي. 743 ولا يخفى (1) أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ
744 من الموضوع (1)، فيكون نقضا بلحاظ موضوع (2) ولا يكون بلحاظ موضوع آخر، فلا بد في تعيين أن المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره من بيان أن خطاب (لا تنقض) قد سيق بأي لحاظ (3)؟ فالتحقيق (4) أن يقال: ان قضية إطلاق خطاب (لا تنقض) هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي، لأنه المنساق من الاطلاق في المحاورات العرفية، ومنها الخطابات الشرعية (5)، فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي (6) فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم
745 لا محيص (1) عن الحمل على أنه بذاك اللحاظ (2)، فيكون (3) المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف وإن لم يحرز بحسب العقل (4) أو لم يساعده النقل (5)، فيستصحب (6) مثلا ما يثبت
746 بالدليل للعنب إذا صار زبيبا، لبقاء (1) الموضوع واتحاد القضيتين عرفا، ولا يستصحب (2) فيما لا اتحاد كذلك (3) وإن كان هناك اتحاد عقلا كما مرت الإشارة إليه في القسم الثالث (4) من أقسام استصحاب الكلي، فراجع. [1]
[1] ينبغي لتنقيح البحث التعرض لجهات ثلاث، الأولى: في بيان المراد بالموضوع، الثانية: في الدليل على اعتباره، الثالثة: فيما يحرز به الموضوع. أما الجهة الأولى فمحصلها: أن المراد بالموضوع هو معروض المستصحب بجميع ما له دخل في عروضه وقيامه به من الخصوصيات الدخيلة في العروض، وهذا يختلف بحسب اختلاف المقامات، إذ قد يكون المعروض الماهية الموجودة كما إذا كان المحمول في القضية الأوصاف الخارجية المعبر عنها في لسان بعض الأساطين بالمحمولات المترتبة كالقيام والجلوس والمشي والركوب ونحوها من الاعراض الخارجية، وكذا الأحكام الشرعية من الوجوب والحرمة وغيرهما. فان الموضوع في الاعراض الخارجية هو وجود الماهية كوجود زيد الذي هو معروض 747
القيام والجلوس مثلا. وقد يكون المعروض نفس الماهية، كما إذا كان المحمول في القضية هو الوجود الذي يسمى بالمحمول الأولي في مقابل المحمولات المترتبة من الاعراض الخارجية، فيكون معروض الوجود في مثل قضية (زيد موجود) ماهية زيد القابلة لكل من الوجود والعدم. وأما إذا كان المحمول في القضية من لوازم الماهية كالزوجية للأربعة فهو خارج عن المقام، لعدم تصور الشك في بقاء المحمول حتى يجري فيه الاستصحاب. وكيف كان فيظهر مما ذكرنا صحة التعبير عن اعتبار بقاء الموضوع بما في المتن من اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا و محمولا، وانحصار التغاير بينهما في القطع والشك بالنسبة إلى المحمول كقيام زيد، فإنه كان معلوما ثم صار مشكوكا فيه. كما يظهر مما مر أن المراد ببقاء الموضوع في الاستصحاب بقاؤه في الوعاء المناسب له سواء أكان وجودا خارجيا أم غيره. فتوهم اعتبار بقائه بحسب الوجود الخارجي فاسد كما مر تفصيله في التوضيح. وأما الجهة الثانية، فمحصل الكلام فيها: أنه قد استدل على المدعى بوجوه: الأول: الاجماع المصرح به في كلام بعض. وفيه: أنه ليس المقام موردا للاجماع، لأنه راجع إلى تحقق موضوع الاستصحاب حتى يشمله دليل اعتباره، وليس راجعا إلى ما يؤخذ من الشارع حتى يكون الاجماع حجة فيه، فان المقام مندرج في الشبهات الموضوعية لا الحكمية، ضرورة أن تشخيص معنى الخمر مثلا الذي هو موضوع حكم الشارع بالحرمة ليس وظيفة الشارع حتى يرجع فيه إليه. الثاني: الدليل العقلي، وهو الذي تمسك به جماعة كشيخنا الأعظم وجمع من مشايخه وغيرهم (قدس سرهم) وقد اتضح تقريبه في التوضيح عند شرح قول المصنف (والاستدلال عليه باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر) كما اتضح أيضا هناك جوابه وعدم صحة الاستدلال به، فراجع. 748
الثالث: حكم العرف بذلك بالنظر إلى الاخبار المتضمنة للنهي عن نقض اليقين بالشك، حيث إنه لا يصدق هذا النقض إلا مع اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة من جميع الجهات إلا من حيث القطع والشك، لان ثبوت المحمول للموضوع في الزمان الأول قطعي وفي الزمان الثاني مشكوك فيه، فلو لم تكن القضية المشكوكة عين المتيقنة ولو باختلال وصف من أوصاف الموضوع لم يتحقق موضوع الاستصحاب، لعدم إحراز الوحدة، فمع الشك في الاتحاد لا يمكن التمسك بالاخبار، للشك في موضوعها. وهذا الوجه هو الذي اختاره المصنف وغيره كما تقدم في التوضيح. ويظهر مما ذكرنا في اشتراط بقاء الموضوع اعتبار وحدة المحمول أيضا، لتوقف وحدة القضيتين على ذلك كما هو واضح. وأما الجهة الثالثة - وهي ما يحرز به الموضوع - فمحصلها: أن الميزان في إحرازه أحد أمور على سبيل منع الخلو: أحدها: العقل، بأن يقال: ان مقتضاه اتحاد القضيتين من جميع الجهات والاعتبارات التي يحتمل دخلها في الحكم سواء أكانت من الأمور الوجودية أم العدمية، فلو اختل بعضها كان اختلاله موجبا للشك في بقاء الموضوع ومانعا عن إحراز وحدة القضيتين. وعليه فلا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية إلا في الشك في الرافع ذاتا أو صفة. لكن يجري في الشبهات الموضوعية، لان الموضوع في استصحاب وجود الموضوعات وهو الماهية القابلة لكل من الوجود والعدم باق وغير زائل، هذا. وفيه أولا: أنه لا دليل على لزوم متابعة العقل هنا مع كون الخطابات ملقاة إلى العرف، واقتضاء إلقائها إليهم مرجعيتهم في تشخيص مفاهيمها من ألفاظها، فلو لم يكن فهمهم في هذا الباب حجة لكان اللازم التنبيه على ذلك والارجاع إلى العقل، ولم ينبه عليه، فلا بد من متابعة العرف في تشخيص موضوع الاستصحاب من 749
أخباره كغيرها من الخطابات الشرعية. نعم بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن لا بد من إحراز الموضوع بالدقة العقلية، إذ بدون إحرازه بجميع ماله دخل في الحكم لا يحصل الظن ولو نوعا بالحكم، لامتناع حصوله مع الشك في الموضوع الذي هو كالعلة للحكم، حيث إن لازمه حصول الظن بالمعلول مع الشك في العلة كما لا يخفى. وثانيا: أنه بناء على لزوم إحراز الموضوع بالدقة العقلية لا يبقى فرق بين الشك في المقتضي والشك في الرافع وجودا أو رفعا في عدم حجية الاستصحاب، حيث إن لعدم الرافع أيضا دخلا في مناط الحكم وملاكه، فلا بد من إحراز عدمه كلزوم إحراز أجزأ الموضوع و قيوده، وهو خلاف ما التزم به القائلون بحجية الاستصحاب من اعتباره في الشك في وجود الرافع ورافعية الموجود، فتأمل. ثانيها: الرجوع إلى دليل الحكم الشرعي، فالموضوع حينئذ هو ما حمل عليه الحكم في دليله، وعليه فالموضوع في الحكم بالنجاسة في الماء المتغير بها هو ذات الماء إن كان لسان الدليل هكذا (الماء ينجس إذا تغير) والماء بوصف التغير إن كان لسان الدليل (الماء المتغير ينجس) ومقتضى هذا الوجه الجمود على ظاهر العنوان المأخوذ في الدليل، ففي الفرض الأول إذا زال التغير بنفسه وكان للدليل إطلاق يشمل حالات الموضوع يتمسك به ولا يرجع معه إلى الاستصحاب، وإلا فهو المرجع. وفي الفرض الثاني يحكم بانتفاء الموضوع، ولا يجري فيه الاستصحاب، بل يرجع فيه إلى قاعدة الطهارة. ولازم هذا الوجه عدم جريان الاستصحاب فيما إذا كان الدليل لبيا أو مجملا لفظيا من حيث الموضوع، إذ لا سبيل إلى إحراز الموضوع حينئذ. ثالثها: الرجوع إلى العرف في تشخيص الموضوع، ففي كل مورد حكم فيه العرف بوحدة القضيتين وأن هذا كان كذا يجري فيه الاستصحاب مطلقا سواء علم بكون المشار إليه بالدقة العقلية أو بالنظر إلى دليل الحكم موضوعا أم لا، إلا مع 750
قيام الدليل على خلاف ما يقتضيه الاستصحاب كما في بعض الموارد، كالانسان بعد الموت، فان الموضوع للطهارة والنجاسة بنظر العرف واحد وهو البدن، ولذا يقولون بأن طهارته ارتفعت بالموت، وإن كان موضوع الطهارة بالدقة العقلية غير موضوع النجاسة، لمغايرة الحي عقلا الذي هو موضوع الطهارة للميت الذي هو موضوع النجاسة. وكذا بالنظر إلى الموضوع الدليلي، فان موضوع الطهارة هو الانسان الذي لا يصدق على الميت، لكونه جمادا. وأما العرف فهم يجعلون الموضوع أعم من الحي والميت، ومقتضى الاستصحاب حينئذ هو طهارة الانسان بعد الموت، لكن الدليل قام على نجاسته بالموت. وبالجملة: فالمدار في وحدة القضيتين هو العرف الارتكازي لا الموضوع العقلي أو الدليلي. هذا ما يستفاد من كلمات الاعلام. أما عدم اعتبار الموضوع العقلي في المقام الراجع إلى استظهار المعاني من ألفاظ الخطابات الشرعية فواضح. وأما عدم اعتبار الموضوع الدليلي في مقابل الموضوع العرفي وجعل المدار في تشخيص وحدة القضيتين على الثاني دون الأول فغير ظاهر بعد بنائهم على اعتبار وحدة الموضوع في القضيتين، حيث إن تحقق هذه الوحدة مع مغايرة الموضوع الدليلي للموضوع العرفي ممتنع، إذ العنب الموضوع للحرمة حال الغليان في لسان الدليل غير ما هو أعم منه ومن الزبيب ولا يتحدان. والوجوه المذكورة لدفع هذه الشبهة وإثبات وحدة القضيتين مع الالتزام بتغاير الموضوع الدليلي مع العرفي لا تخلو من الاشكال، فان منها: ما أفاده المحقق الآشتياني (قده) في الشرح من قوله: (ان الوجه في اعتبار المسامحة العرفية في المقام هو: أنه بعد حكمهم باتحاد القضيتين يصدق النقض على ترك الالتزام بما كان محمولا في القضية الأولية المتيقنة قطعا، كما أنه يصدق على الالتزام به أنه إبقاء للمتيقن السابق جزما، فالمسامحة وإن وقعت منهم في جعل المعروض 751
الأعم من الواجد للوصف العنواني الذي كان موضوعا في الأدلة الشرعية والفاقد له، إلا أن صدق النقض والبقاء على التقديرين حقيقي غير مبني على المسامحة. والمفروض أن المتبع بناء على القول باعتبار الاستصحاب ليس إلا صدق المفهومين بحكم العرف، فإنه المتبع في باب الألفاظ). ومحصل مرامه (قده) هو اعتبار المسامحة العرفية في المقام دون سائر المقامات كما صرح بذلك قبيل هذا، ببيان: أن العرف يتسامح في جعل الموضوع أعم من الواجد للوصف المأخوذ في موضوع الحكم في لسان الدليل والفاقد له، وبعد هذه المسامحة يكون صدق النقض والابقاء حقيقيا. إذ فيه أولا: أنه لا ملزم بالالتزام بهذه المسامحة بعد إمكان حمل الموضوع الأولي على هذا المعنى الأعم من أول الامر حتى لا يلزم تسامح ومجاز أصلا. وثانيا: أن هذه المسامحة لا توجب وحدة القضيتين وهما (العنب إذا غلى يحرم) و (الزبيب إذا غلى يحرم) بل توجب عدم الاعتناء بالموضوع الدليلي وهو (العنب إذا غلى يحرم) وكون الموضوع خصوص العرفي الارتكازي الذي هو أعم من الموضوع الدليلي. وعليه فالمراد من العنب مثلا بمقتضى مرتكزات العرف هو المعنى العام الشامل للزبيب، والمفروض مرجعية العرف في هذه الخطابات، فصدق النقض والابقاء حقيقة برهان إني على كون العنب مثلا في الخطاب الأولي هو هذا المعنى العام. والحاصل: أن النقض والابقاء حقيقة منوطان بوحدة الموضوع في القضيتين، فلا بد أن يضافا إلى موضوع الدليل، لأنه موضوع القضية المتيقنة، فيلاحظ النقض والابقاء بالنسبة إلى ذلك الموضوع لا إلى غيره، فالمناسبات الثابتة بين الموضوع والحكم الموجبة لسعة دائرة الموضوع أو ضيقها تلاحظ بالنسبة إلى موضوع 752
الدليل، لان الاستصحاب يوجب بقاء ذلك واستمراره، لا تعيينه وتشخيصه، فان دليل الاستصحاب ناظر إلى ما ثبت بدليل الحكم و متفرع عليه، لأنه متكفل لبقاء ما علم به سابقا، وليس في مقام تشخيص موضوع القضية المشكوكة وتعيينه حتى يقال بعدم قدح مسامحة العرف هنا، لكونه من موارد الشك في الصدق دون الشك في المصداق ليكون من المسامحة العرفية غير المعتبرة في مقام تطبيق المفهوم المبين بجميع حدوده وقيوده على ما ليس مصداقا له حقيقة، كتطبيق الكر على ما دونه بمثقال، والمسافة على ما دونها بذراع مثلا، وهكذا سائر المفاهيم المبينة. فتحصل: أنه لم يظهر وجه للترديد بين الموضوع الدليلي والعرفي وجعلهما متقابلين، بل الموضوع هو الدليلي فقط، واستظهاره بحدوده وقيوده منوط بنظر العرف، فالموضوع العرفي الارتكازي هو عين الموضوع العرفي الدليلي لا غيره حتى يتجه الترديد بينهما وجعلهما متقابلين، فلاحظ وتأمل. ومنها: ما عن المحقق النائيني في مقام دفع الاشكال عما أفاده الشيخ الأعظم من الترديد في أخذ الموضوع بين العقل والعرف والدليل. أما الاشكال فيقرر تارة بأن الرجوع إلى العقل إنما بتقسيم في المستقلات العقلية دون الموضوعات الشرعية التي ليس للعقل إلى ملاكاتها سبيل. وأخرى: بأنه لا وجه للمقابلة بين ما أخذ في الدليل موضوعا وبين ما يراه العرف موضوعا، إذ العرف ليس مشرعا لموضوع في مقابل موضوع الدليل. وإن أريد من الرجوع إلى العرف الرجوع إليه في معرفة معنى موضوع الدليل فهو صحيح، إلا أنه لا يختص بالمقام، بل تشخيص معنى اللفظ ومفهومه إنما يرجع فيه إلى العرف مطلقا، فلا معنى لجعل الموضوع العرفي مقابلا لموضوع الدليل في خصوص باب الاستصحاب. وإن أريد من الموضوع العرفي ما يتسامح فيه العرف ويراه من مصاديق موضوع الدليل مع أنه ليس منها حقيقة فقد عرفت أنه لا عبرة بالمسامحات العرفية. 753
وأما دفع الاشكال فهو: أن الترديد بين العقل والعرف والدليل إنما يكون بلحاظ بقاء الموضوع واتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة، لا بلحاظ مقام تعيين أصل الموضوع حتى يقال: ان تعيين الموضوع إنما يكون بيد الشرع وليس للعقل والعرف إلى ذلك سبيل، فان ذلك مما لا ينبغي توهمه في المقام، بل المقصود هو أنه هل يعتبر في اتحاد القضيتين أن يكون المشكوك فيه عين المتيقن عقلا مطلقا؟ أو أنه يكفي في الاتحاد العينية العرفية مطلقا، أو أنه لا هذا ولا ذاك، بل تختلف الموارد حسب اختلاف ما يقتضيه ظاهر الدليل. أقول: الظاهر أنه لا يتوهم أحد كون العرف مشرعا لموضوع في قبال الشارع، إذ تحديد موضوع كل حكم بيد الحاكم لا كل أحد. وأما الترديد بين العقل وأخويه فجعل مورده بقاء الموضوع لا تعيينه غير ظاهر، إذ لو أريد بقاؤه مع الغض عن تعيينه حدوثا أي ما أخذ موضوعا في دليل الحكم فلا معنى له، إذ البقاء وجود استمراري لموضوع القضية المتيقنة، وليس مغايرا له، وإلا كان أجنبيا عن الاستصحاب، إذ لا فرق بين القضية المتيقنة والمشكوكة إلا في الادراك الذي هو في المتيقنة جزمي وفي المشكوكة شكي. وعليه فلا بد أن يكون مورد الترديد تعيين موضوع الدليل الذي هو موضوع القضية المتيقنة، فان البحث عن البقاء مع إجمال الموضوع لغو. وإن أريد بقاؤه مع لحاظ الحدوث كما هو كذلك في الاستصحاب فلا بد أن يكون موضوع المشكوكة عين موضوع الدليل، لأنه موضوع المتيقنة دون غيره، فان العنب المغلي مثلا الذي هو موضوع الحرمة في الدليل وفي القضية المتيقنة غير الزبيب المغلي الذي هو موضوع القضية المشكوكة. واتحاد الموضوع في هاتين القضيتين منوط بتوسعة دائرة موضوع الدليل حتى يعم الزبيب، وإلا فلا يعقل الاتحاد و العينية في موضوع القضيتين مع تغاير موضوع المتيقنة الذي هو 754
موضوع الدليل مع موضوع القضية المشكوكة ولو كان التغاير بالأعمية والأخصية كما لا يخفى. وعليه فلا بد في تعيين موضوع الدليل من مراعاة المرتكزات العرفية والمناسبات الموجودة بين الحكم والموضوع الدخيلة في استظهار المعاني من الخطابات الشرعية. والحاصل: أنه لا مورد للموضوع العرفي الارتكازي في قبال الموضوع الدليلي حتى يقع الترديد بينهما، بل الموضوع الدليلي هو عين الموضوع العرفي الارتكازي، إذ الدلالة التصديقية الكاشفة عن مراد المتكلم في الجمل التركيبية منوطة بمراعاة جميع ماله دخل في تشخيص الموضوع الدليلي من الأمور الارتكازية سواء أكانت من قبيل القرائن المتصلة أم المنفصلة، ولا وجه لملاحظتها في غير دليل الحكم، إذ يضاف البقاء إلى ما يستفاد من دليل الحكم لا إلى غيره، لتوقف صدق النقض والابقاء على لحاظ ما أخذ موضوعا في لسان دليل الحكم، فالتوسعة والتضييق بحسب النظر العرفي يلاحظان في موضوع الدليل لا في غيره. وبالجملة: فإشكال الترديد بين الموضوع الدليلي والعرفي لا يندفع ظاهرا بما نسب إلى المحقق النائيني، ولا بد من مزيد التأمل فيما أفاده أعلى الله مقامه. ومنها: ما تعرض له المصنف (قده) في المتن وحاشيته على الرسائل وأوضحناه بقولنا: (هذا ما أفاده المصنف في حاشيته من الفرق بين الموضوع العرفي والدليلي بعد سؤال الفرق بينهما بقوله قلت) لكنه لا يجدي أيضا، لان دليل الحكم لا يكون دليلا فعليا إلا بعد تحقق دلالته التصديقية المتوقفة على لحاظ جميع القرائن والمناسبات فيه، لدخلها في تحديد الموضوع الدليلي سواء أكانت تلك القرائن و المرتكزات العرفية من قبيل القرينة المتصلة بالكلام المانعة عن انعقاد الظهور، أم من قبيل القرينة المنفصلة المانعة عن حجيته دون أصله، ولا نتصور شيئا آخر يسمى بالموضوع العرفي. 755
ففي مثل (الماء المتغير نجس) وإن كان ظاهره بدوا موضوعية الماء المتصف بالتغير للنجاسة، لكن العرف بمقتضى ما ارتكز عنده من المناسبات يرى أن موضوعها ذات الماء، وأن التغير واسطة لعروض النجاسة عليه. وكذا (الكلب نجس) فان ظاهره بمقتضى اللغة أو غيرها وإن كان موضوعية الكلب الحي للنجاسة، لكن العرف بنظره الثانوي يرى أن موضوعها جسمه المعروض للموت والحياة. وكذا نظائر هذين الموردين. والحاصل: أن كل ماله دخل في تحديد الموضوع الدليلي من مرتكزات العرف لا بد من لحاظه، لتوقف دليلية الخطاب وحجيته حتى يصح الاستناد إليه والاستدلال به على لحاظه، ومعه لا يتصور موضوع عرفي في مقابل الموضوع الدليلي حتى يقع الترديد بينهما، بل الموضوع واحد وهو الدليلي، وإن شئت فسمه بالعرفي أيضا، لكون مستظهره من الدليل هو العرف، ولا مشاحة في الاصطلاح. نعم يمكن توجيه الترديد بين الموضوعين بوجه آخر وإن كان بعيدا بل فاسدا، وهو أن يقال: ان المراد بالموضوع الدليلي معناه الافرادي الثابت له بالعرف الخاص من اللغة أو غيرها، وهو المدلول عليه بالدلالة التصورية من دون لحاظ المعنى الجملي الذي هو مركب الدلالة التصديقية، والمراد بالموضوع العرفي هو المعنى الجملي التصديقي الذي يصح إسناده إلى المتكلم، بأن يقال: انه قال كذا، فحينئذ يكون كل من الموضوعين مغايرا للاخر، ويتجه الترديد بينهما. لكن هذا التوجيه غير وجيه، إذ مرجعه إلى الترديد بين العرف الخاص والعرف العام، ومن الواضح تقدم الثاني على الأول بلا ترديد. وببيان آخر: ليس المدار في استظهار مرادات المتكلمين على المعاني الافرادية، بل على المعاني الجملية المنوطة بمراعاة القرائن و المناسبات الارتكازية، ومن المعلوم أنه لا بد أن يكون الترديد بين موضوعين فعليين، لا موضوع فعلي وموضوع شأني كالمقام، لتوقف الحكم على فعلية موضوعه. 756
وبالجملة: فلم يظهر وجه صحيح للترديد المزبور، فالمتعين بلا إشكال وترديد الاخذ بالموضوع العرفي الذي هو عين الموضوع الدليلي. نعم الاشكال كله في جريان الاستصحاب في الشك في الحكم الشرعي إذا كان منشأ الشك انتفاء بعض خصوصيات الموضوع أو وجود ما كان فاقدا له، حيث إن العرف حينئذ إما جازم ببقاء الموضوع أو ارتفاعه وإما شاك في بقائه، وعلى التقادير الثلاثة لا مجال للاستصحاب، للعلم ببقاء الموضوع في الأول، وارتفاعه في الثاني، والشك في بقائه في الثالث، ومن المعلوم أن الشك في بقائه كالعلم بعدمه في عدم جريان الاستصحاب، فينحصر جريانه في موردين: أحدهما: الشك في النسخ، لأن الشك في الحكم مع بقاء موضوعه بتمام خصوصياته لا يتصور إلا في الشك في النسخ. لكنه لا حاجة حينئذ إلى الاستصحاب لوجود الدليل على بقاء الحكم وهو إطلاقه الأحوالي والأزماني إن كان، وإلا فهو ما دل على استمرار الحلال والحرام إلى يوم القيامة. ثانيهما: الشك في وجود الرافع ورافعية الموجود. لا يقال: كما في حاشية المحقق الآشتياني (قده) انه يمكن منع جريان الاستصحاب فيه أيضا، لكون عدم الرافع قيدا للموضوع، حيث إن وجوده رافع للموضوع، فإذا كانت الطهارة مقيدة بعدم النوم ونحوه من النواقض، فلا بد من إحراز هذا القيد العدمي حتى يحرز بقاء الموضوع، إذ بدونه يشك في بقائه، فلا يجري فيه الاستصحاب. فإنه يقال: بامتناع التقييد بعدم الرافع، لان التقييد فرع إمكان الاطلاق، ومن المعلوم استحالته هنا، إذ الطهارة والحدث ضدان، وليس عدم أحدهما مقدمة لوجود الاخر كما ثبت في محله، وإطلاق الطهارة معناه وجودها مطلقا ولو مع الحدث، وهو مستحيل، لاستحالة اجتماع الضدين، واستحالة الاطلاق 757
توجب امتناع التقييد بناء على كون تقابل الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة. وبعبارة أخرى: الرافع والمرفوع لا يجتمعان حتى يمكن التقييد. وبالجملة: فاعتبار الاستصحاب يكون في موردين، أحدهما: كون الشك في الرافع وجودا ورفعا، والاخر كون الشك في كيفية علية العنوان كالتغير، وأنه علة لنجاسة الماء حدوثا وبقاء، فيرتفع الحكم بارتفاعه، أو حدوثا فقط، فلا يرتفع بارتفاعه بل هو باق. فلا يجري في النسخ، ولا في اختلال حال من حالات الموضوع، لما مر آنفا من أن الموضوع حينئذ إن كان باقيا بنظر العرف فنفس دليل الحكم محكم، وإن لم يكن باقيا فلا يجري الاستصحاب، لانتفاء الموضوع. وكذا الحال فيما إذا شك العرف في بقاء الموضوع. وهذا الاشكال أي الشك في بقاء الموضوع هو العمدة في وجه عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية لا معارضة الاستصحاب الوجودي مع العدمي فيها كما ذهب إليه بعض الأجلة على ما تقدم في التنبيه الرابع. ولا يخفى أن ما ذكرناه من انحصار مجرى الاستصحاب بالموردين المذكورين لا ينافي ما تقدم في أولى صحاح زرارة من حجيته في الشك في المقتضي أيضا، لان المانع عن جريانه في المقام هو عدم إحراز الموضوع بتبدل حال من حالاته، لرجوع الشك فيه إلى عدم إحراز بقاء الموضوع لعدم إحراز مقتضية، بخلاف الشك في المقتضي، فان الموضوع محرز، وإنما يشك في بقائه في عمود الزمان لعدم العلم بمدة عمره. و بعبارة أخرى: منشأ الشك في المقتضي هو الشك في مقدار عمر المستصحب وبقائه في عمود الزمان، ومنشأ الشك في المقام الشك في بقاء نفس الموضوع، للشك في دخل أمر زماني فيه يوجب عدم إحراز وحدته في القضيتين، فتفطن كيلا يلتبس عليك الامر. هذا تمام الكلام في المقام الأول. وأما المقام الثاني فسيأتي. 758 المقام الثاني (1): أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الامارة المعتبرة في مورده (2)، وإنما الكلام في أنه (3) للورود أو الحكومة (4) أو التوفيق (5) بين دليل اعتبارها وخطابه.
759 والتحقيق أنه (1) للورود، فان (2) رفع اليد عن اليقين السابق بسبب
760 أمارة معتبرة على خلافه
761 ليس (1) من نقض اليقين بالشك، بل (2) باليقين. وعدم (3) رفع اليد عنه
762 مع الامارة على وفقه ليس (1) لأجل أن لا يلزم نقضه (2) به، بل من جهة لزوم العمل بالحجة (3).
763 لا يقال: نعم (1)، هذا لو أخذ بدليل الامارة في مورده، ولكنه لم لا يؤخذ بدليله ويلزم (2) الاخذ بدليلها؟ فإنه يقال (3):
764 ذلك (1) إنما هو لأجل أنه لا محذور في الاخذ بدليلها، بخلاف الاخذ بدليله، فإنه (2) يستلزم تخصيص [1] دليلها بلا مخصص (3) إلا على وجه دائر،
766 إذ التخصيص (1) به يتوقف على اعتباره معها، واعتباره (2) كذلك يتوقف على التخصيص به، إذ لولاه (3) لا مورد له (4) معها كما عرفت آنفا (5).
767 وأما حديث الحكومة (1) فلا أصل له أصلا،
768 فإنه (1) لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله
769 إثباتا (1) وبما هو مدلول الدليل (2) وإن كان (3) دالا على إلغائه معها ثبوتا (4)
770 وواقعا، لمنافاة (1) لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها. كما أن (2) قضية دليله إلغاؤها كذلك (3)، فان (4) كلا من الدليلين
771 بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل، فيطرد كل منهما الاخر مع المخالفة (1)، هذا. مع (2) لزوم اعتباره معها في صورة الموافقة. ولا أظن
772 أن يلتزم به القائل بالحكومة [1] فافهم (1)، فان المقام لا يخلو عن دقة.
[1] قد يورد على هذا الجواب بما حاصله: أن تسليم نظر الدليل يقتضي عدم اختصاص الحكومة بصورة المخالفة، لان إطلاق الدليل في جميع الحالات يقتضي تقدم الامارة على الاستصحاب حتى في صورة الموافقة التي هي من الحالات التي يشملها الاطلاق. لكنه لا يلائم كلام الشيخ (بمعنى أنه لا يعبأ باحتمال مخالفة مؤداه للواقع) حيث إن ظاهره انحلال الدليل الناظر إلى عقدين إيجابي وهو (اعمل بمؤدى الامارة) وسلبي، وهو (لا تعتن باحتمال خلافه) فان كان كذلك فلا إطلاق فيه حتى يشمل صورة الموافقة، فالجواب الثاني صحيح. وهذا الايراد غير وارد عليه. إلا أن يقال في تصحيح حكومة الامارة على الاستصحاب في كلتا صورتي الموافقة والمخالفة وعدم اختصاص الحكومة بصورة المخالفة بما يظهر من مطاوي الأبحاث المتقدمة، وحاصله: أن احتمال الخلاف في الامارة بناء على حجيتها من باب التعبد يكون ملغى في وعاء التشريع ومحكوما بالعدم، بخلاف الاستصحاب، فإنه مع وجوده فيه وعدم إلغاء الشارع له المستكشف من الشك الذي هو موضوع 773
الاستصحاب ومتقوم بوجود كلا احتمالي الوفاق والخلاف يحكم الشارع بإبقاء المتيقن السابق عملا، ومن المعلوم تقدم الدليل الملغي لاحتمال الخلاف على الدليل الذي يكون احتمال الخلاف مقوما لموضوعه، وذلك لارتفاع موضوعه بذلك الدليل، ووضوح عدم تكفل شئ من الأدلة لحفظ موضوعه كعدم تكفله لايجاده، فإذا كان المستصحب ومؤدى الامارة - كالبينة - طهارة شئ قدمت الامارة على الاستصحاب حكومة، لان احتمال الخلاف فيها وهو النجاسة معدوم شرعا وموجود في الاستصحاب. فالنتيجة: حكومة الامارة على الاستصحاب مطلقا وإن كان موافقا لها بناء على اقتضائها نفي احتمال الخلاف. فقول المصنف: (مع لزوم اعتباره معها في صورة الموافقة) محل التأمل والنظر. نعم يقع الكلام في صحة المبنى في حجية الامارات. وأما الاشكال الأول فهو وإن كان واردا بدوا على تفسير الشيخ للحكومة، لكنه مندفع عنه بالتأمل في مجموع كلماته، إذ ليس مراده بالنظر تحديد مقدار ما يراد من الدليل المحكوم بالدلالة اللفظية، بل المقصود مجرد النظر في مقتضاه، ويشهد له كلامه المتقدم في التوضيح، وقوله بعده: (فمؤدى الامارات بحكم الشارع كالمعلوم لا يترتب عليه الأحكام الشرعية المجعولة للمجهولات). وقوله بعد أسطر: (لان معنى حجية الظن جعل احتمال مخالفة مؤداه للواقع بمنزلة العدم في عدم ترتب ما كان يترتب عليه من الأثر لولا حجية هذه الامارة.) فلاحظ كلماته في أول بحث التعادل والترجيح. والظاهر من مجموعها أن الحكومة وإن كانت متوقفة على نظر دليل الحاكم إلى دليل المحكوم ووفاء مقام الاثبات به، إلا أن الشيخ يدعي تكفل نفس أدلة اعتبار الامارات لالغاء الشك وطرح احتمال الخلاف، و من المعلوم ارتفاع موضوع الأصول العملية - وهو الشك - بنفس دليل اعتبار الامارة، فتدبر في كلامه زيد في علو مقامه. 774 وأما التوفيق (1) فان كان بما ذكرنا (2) فنعم الاتفاق، وإن كان بتخصيص دليله بدليلها (3) فلا وجه له (4)،
775 لما عرفت (1) من أنه لا يكون مع الاخذ به نقض يقين بشك، لا أنه (2) غير منهي عنه مع كونه من نقض اليقين بالشك.
776 خاتمة (1): لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية، وبيان التعارض بين الاستصحابين. أما الأول (2) فالنسبة (3) بينه وبينها هي بعينها النسبة بين الامارة وبينه، فيقدم عليها (4)، ولا مورد معه
777 لها (1)، للزوم (2) محذور التخصيص إلا بوجه دائر في العكس (3)،
778 وعدم (1) محذور فيه أصلا. هذا في النقلية منها. وأما العقلية (2) فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها، بداهة (3) عدم
779 الموضوع معه لها، ضرورة (1) أنه إتمام حجة وبيان ومؤمن من العقوبة وبه الأمان (2)، ولا شبهة في أن الترجيح به عقلا صحيح (3). وأما الثاني (4) فالتعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم إمكان
780 العمل بهما (1) بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما (2)، كاستصحاب وجوب أمرين (3) حدث بينهما التضاد في زمان الاستصحاب، فهو (4) من باب تزاحم (×) الواجبين.
(×) فيتخير بينهما ان لم يكن أحد المستصحبين أهم، وإلا فيتعين الاخذ بالأهم، ولا مجال لتوهم أنه لا يكاد يكون هناك أهم لأجل أن إيجابهما إنما يكون من باب واحد وهو استصحابهما من دون مزية في أحدهما أصلا كما لا يخفى. وذلك لان الاستصحاب إنما يتبع المستصحب، فكما يثبت به الوجوب، والاستصحاب يثبت به كل مرتبة منهما، فتستصحب، فلا تغفل. 781 وإن (1) كان مع [1] العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما، فتارة يكون المستصحب (2) في أحدهما
[1] حق العبارة أن تكون هكذا: (وإن كان للعلم بانتقاض الحالة السابقة. إلخ) إذ المقصود من قوله: (ان كان) بيان التعارض المأموري وهو التزاحم المصطلح، ولذا جعله من باب تزاحم الواجبين، ومن قوله: (وان كان مع العلم. إلخ) بيان التعارض المصطلح، إذ العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما مانع عن تشريع أحد الاستصحابين. وبالجملة: قوله: (فالتعارض بين الاستصحابين) معنى عام ومقسم للتزاحم المصطلح، وهو قوله: (ان كان لعدم إمكان العمل) و للتعارض المصطلح وهي صور العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحد المستصحبين، فكأنه قال: (التعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم قدرة المكلف على الامتثال فهو من باب تزاحم الواجبين، وإن كان للعلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما فتارة. إلخ). 782 من الآثار الشرعية (1) لمستصحب الاخر، فيكون الشك فيه (2) مسببا عن الشك فيه، كالشك في نجاسة الثوب [1] المغسول بماء مشكوك
[1] لا يخفى أنه مثال لتسبب الشك المسببي عن الشك السببي، بداهة أن علة الشك في بقاء نجاسة الثوب هي الشك في طهارة الماء، و ليس مثالا لكون المستصحب في الشك المسببي من الآثار الشرعية للمستصحب في الشك السببي كما هو ظاهر العبارة، لوضوح أن أثر طهارة الماء شرعا هو طهارة الثوب لا نجاسته كما مر في التوضيح، فالأولى أن يعبر عن الشك السببي والمسببي بتسبب أحد الشكين عن الاخر مع كون ارتفاع مستصحب الأصل المسببي من الآثار الشرعية لمستصحب الأصل السببي، وهذا التعريف ينطبق على مثال الثوب المذكور وغيره من الأمثلة بلا تكلف. 783 الطهارة [1] وقد كان طاهرا (1)، وأخرى (2) لا يكون كذلك. فان كان (3) أحدهما أثرا للاخر، فلا مورد إلا للاستصحاب
[1] وأما تسبب كل منهما عن الاخر بحيث يكون كل منهما علة للاخر ومعلولا له فغير معقول كما أفاده الشيخ، لاستلزامه اجتماع النقيضين، لان كلا من الشكين لعليته للاخر موجود قبله، ولمعلوليته له معدوم كذلك، ومن المعلوم امتناع وجود شئ وعدمه في رتبة واحدة، والتمثيل له بالعامين من وجه بتقريب: أن الشك في أصالة العموم في كل منهما مسبب عن الشك في أصالة العموم في الاخر غير صحيح، لما في الرسائل من أن منشأ الشك فيهما شئ ثالث وهو العلم الاجمالي بتخصيص أحد العامين، فالشكان عرضيان وكلاهما معلول لعلة ثالثة، وليس كل منهما علة للاخر، ففي مثل إكرام الأمير الفاسق الذي هو مورد اجتماع (أكرم الأمراء) و (لا تكرم الفساق) يكون الشك في أصالة العموم في كل من هذين العامين ناشئا من العلم الاجمالي بتخصيص أحدهما. 784 في طرف السبب،
785 فان (1) الاستصحاب في طرف المسبب موجب لتخصيص الخطاب (2) وجواز (3) نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم (4) ترتيب أثره الشرعي، فان (5) من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع (6) نجاسته، فاستصحاب (7) نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته، بخلاف (8)
788 استصحاب طهارته، إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة الثوب بالشك، بل باليقين بما هو رافع لنجاسته، وهو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته (1). وبالجملة: فكل من السبب والمسبب وإن كان موردا للاستصحاب (2)، إلا أن الاستصحاب في الأول بلا محذور، بخلافه في الثاني (3)، ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلا بنحو محال (4)،
789 فاللازم (1) الاخذ بالاستصحاب السببي. [1] (×)
(×) وسر ذلك أن رفع اليد عن اليقين في مورد المسبب يكون فردا لخطاب (لا تنقض اليقين) ونقضا لليقين بالشك مطلقا بلا شك، بخلاف رفع اليد عن اليقين في مورد المسبب، فإنه إنما يكون فردا له إذا لم يكن حرمة النقض يعم النقض في مورد السبب، وإلا لم يكن بفرد له، إذ حينئذ يكون من نقض اليقين باليقين، ضرورة أنه يكون رفع اليد من نجاسة الثوب المغسول بماء محكوم بالطهارة شرعا باستصحاب طهارته لليقين بأن كل ثوب نجس يغسل بماء كذلك يصير طاهرا شرعا. وبالجملة: من الواضح لمن له أدنى تأمل أن اللازم في كل مقام كان للعام فرد مطلق وفرد كان فرديته معلقة على عدم شمول حكمه لذلك الفرد المطلق كما في المقام، كما لو كان هناك عامان كان لأحدهما فرد مطلق وللآخر فرد كان فرديته معلقة على عدم شمول حكم ذلك العام لفرده المطلق كما هو الحال في الطرق في مورد الاستصحاب هو الالتزام بشمول حكم العام لفرده المطلق حيث لا مخصص له، ومعه لا يكون فرد آخر يعمه أو لا يعمه. ولا مجال لان يلتزم بعدم شمول حكم العام للفرد المطلق ليشمل حكمه لهذا الفرد، فإنه يستلزم التخصيص بلا وجه أو بوجه دائر، كما لا يخفى على ذوي البصائر. [1] ويمكن توجيه هذا اللزوم مضافا إلى ما في المتن وغيره بأن المقام من صغريات المقتضي واللا مقتضي، حيث إن الأصل السببي يقتضي بمدلوله ارتفاع موضوع الأصل المسببي، ومن المعلوم تبعية الحكم لموضوعه حدوثا وبقاء، فبارتفاعه ينتفي الحكم، ولا يصلح الحكم لحفظ موضوعه، فلا يبقى شك في الأصل المسببي 790
حتى يجري فيه الاستصحاب. وعليه فالأصل يقتضي ارتفاع موضوع المسببي، والأصل المسببي لا يقتضي بقاء موضوعه، فيكون التعارض بينهما من تعارض المقتضي مع اللا مقتضي، ومن المعلوم تقدم الأول على الثاني. ففي المثال المعروف المذكور في المتن و غيره تقتضي الطهارة الثابتة للماء بالاستصحاب ارتفاع الحدث والخبث به، فغسل الثوب المتنجس ونحوه به يوجب طهارته وارتفاع نجاسته، فلا يبقى شك في نجاسته حتى يجري فيها الأصل المسببي، والمفروض تبعية الحكم لوجود موضوعه، وعدم صلاحية الحكم لحفظه. ولا عكس أي لا يكون بقاء نجاسة الثوب علة لنجاسة الماء، بل بقاؤها معلول نجاسة الماء، بداهة أنه مع طهارة الماء يطهر الثوب، فاستصحاب طهارته مقتض لطهارة المتنجس المغسول به، إذ المستفاد من النصوص هو أن المتنجس يطهر بغسله بماء طاهر و إن ثبتت طهارته بالتعبد كالاستصحاب وقاعدة الطهارة. وأما استصحاب نجاسة الثوب المتنجس المغسول به فهو غير مقتض لنجاسة الماء، بل بقاء نجاسته كما مر آنفا لازم لنجاسة الماء ومعلول لها لا مقتض لها، إذ لو كان الماء طاهرا لأزال نجاسة الثوب، فنجاسته المستصحبة معلقة على عدم نهوض حجة على طهارته، فلا مقتضي لبقائها مع اقتضاء استصحاب طهارة الماء لارتفاع نجاسته، ومن الواضح تقدم المقتضي على اللا مقتضي. فلا ينبغي الاشكال في تقدم الأصل السببي على المسببي وإن كان كل من الشك السببي والمسببي فردا فعليا لعموم (لا تنقض) وذلك لعدم كون الترتب العلي بينهما مانعا عن شمول العام لهما مع فرض فردية كليهما فعلا بحسب الوجود الخارجي للعام، لفعلية اليقين و الشك في كل منهما، فان مجرد الترتب العلي الموجب لصدور أحدهما عن الاخر غير مانع عن الفردية للعام، فإذا ورد أن حمل مشكوك النجاسة في الصلاة مانع فلا شبهة في شموله لكل من الملاقى وملاقيه. فالوجه في تقدم السببي على المسببي هو ما تقدم من اندراجهما في المقتضي واللا مقتضي، واختلاف الخطابين في الاقتضاء كاختلافهما كذلك في باب الترتب 791
الموجب لصحته كما تقدم في محله، هذا. ثم إن في تقريرات سيدنا الفقيه الأعظم الأصفهاني (قده): (نعم يترتب على استصحاب نجاسته نجاسة ماء الغسالة الخارجة عن الثوب بعد الغسل). ولم يظهر المراد منه، فإنه بناء على نجاسة الغسالة يكون الماء الخارج من الثوب المتنجس محكوما بالنجاسة مطلقا سوأ جرى استصحاب نجاسة الثوب أم لم يجر، لان الثوب كان نجسا قطعا، والشك في نجاسته نشأ من غسله بالماء المستصحب الطهارة كما هو مفروض المتن وغيره، فالماء المستعمل في تطهيره نجس يقينا، إما لنجاسته في نفسه قبل غسل الثوب به، وإما لكونه غسالة، فجعل نجاسة الماء المغسول به الثوب المتنجس ثمرة لاستصحاب نجاسة الثوب غير ظاهر، فليتأمل في كلامه زيد في علو مقامه. نعم ثمرة استصحاب نجاسته نجاسة ملاقيه، ونجاسة ما عدا الغسالة مما بقي من الماء بناء على حجية الأصل المثبت، حيث إن بقاء نجاسة الثوب بالاستصحاب بعد غسله بالماء المزبور مع اجتماع شرائط التطهير من لوازم نجاسة الماء قبل غسل الثوب به، فنجاسة الماء غير الغسالة ليست مسببة عن نجاسة الثوب وناشئة منها، بل بقاء نجاسة الثوب من لوازم نجاسة ذلك الماء الذي غسل ببعضه الثوب. وأما نجاسة غير الغسالة فهي من اللوازم العقلية لبقاء نجاسة الثوب دون الشرعية، ضرورة أن انفعاله شرعا مستند إلى ملاقاته سابقا للنجاسة، إذ المفروض أن بقية الماء وهي غير الغسالة لم تلاق الثوب حتى تتنجس بملاقاتها له. نعم بقاء نجاسة الثوب وعدم طهره بالماء المستصحب الطهارة يستلزم عقلا نجاسة بقية الماء التي لم تستعمل في تطهير الثوب، وإلا لم يكن وجه لبقاء نجاسة الثوب بعد الغسل به. وحجية الاستصحاب في اللوازم منوطة باعتبار الأصول المثبتة. ثم إن الظاهر عدم الفرق في تقدم الاستصحاب في الشك السببي في المثال المزبور بين كون نجاسة الثوب حين غسله بالماء المحكوم بالطهارة للاستصحاب أو لقاعدة الطهارة معلومة وبين كونها مستصحبة، فان استصحاب طهارة الماء أو قاعدتها 792
يرفع تلك النجاسة ظاهرا بكلا قسميها، غاية الامر أنه في صورة العلم يكون شروع الاستصحاب المسببي بعد غسل الثوب، وهذا غير قادح في تقدم الاستصحاب السببي على المسببي. لكن نظرهم في هذا المثال إلى الفرض الأول وهو كون الثوب معلوم النجاسة، و الشك في بقاء نجاسته ناشئا من غسله بماء مستصحب الطهارة. وأما تقريب الورود بما في المتن فيتوقف على ما اختاره في تقدم الامارة على الاستصحاب من الورود حيث جعل قيام الامارة مفيدا لليقين بالحكم بعنوان ثانوي، فيكون نقض الحالة السابقة باليقين لا بأمر آخر. وهو كما ترى منوط بالتصرف في متعلق اليقين، لظهور (لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر) في تعلق اليقين الناقض بنفس ما تعلق به اليقين المنقوض وهو نفس الحكم الواقعي بعنوانه لا بعنوان (مما قامت الامارة عليه) ولولا هذا التصرف لا يقين بطهارة الثوب، وإنما هو يقين بغسل الثوب بماء محكوم بالطهارة تعبدا، وبينهما فرق واضح. نعم لا بأس بهذا الكلام بناء على ثبوت الحالة السابقة بالامارة أيضا، لاتحاد متعلقي اليقينين. وكذا لو تصرفنا في اليقين والشك بإرادة الحجة واللاحجة منهما كما هو كذلك، فان الاستصحاب الجاري في السبب حجة شرعية على طهارة الثوب بضميمة ما يدل على أن (ما يغسل بالماء الطاهر طاهر) فيندرج نقض اليقين بالنجاسة بالحجة على الطهارة لا بالشك فيها، ويتم المطلوب. وبناء على هذا التصرف لا فرق في الأصل الجاري في السبب بين كونه استصحاب الطهارة وقاعدتها، إذ المهم صدق نقض الحجة على النجاسة بالحجة على الطهارة سواء أكانت أصلا محرزا أم غيره. فما يظهر من المحقق الأصفهاني (قده) من تقريب الورود بإرادة الحجة واللاحجة من اليقين والشك ثم تخصيصه بما كان الأصل الجاري في السبب الاستصحاب لا قاعدة الطهارة (إذ ليست القاعدة حجة منجزة للواقع أو واسطة في وصوله عنوانا حتى يرتفع بها موضوع الاستصحاب) لا يخلو 793 نعم (1) لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب المسببي جاريا، فإنه (2) لا محذور فيه حينئذ (3) مع وجود أركانه (4)
من تأمل، فان القاعدة وإن لم تكن موصلة إلى الواقع، لكن حجيتها بمعنى المنجزية عند الإصابة والاعذار عند المخالفة، فهي حجة على الاحكام الواقعية وتصلح لنقض اليقين السابق بها. وأما تقريب الحكومة بما في كلمات الشيخ والمحقق النائيني وغيرهما فلا يخلو من إشكالات نبه على جملة منها المحقق الأصفهاني، فراجع. 794 وعموم خطابه. وإن (1) لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للاخر فالأظهر
795 جريانهما فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي المعلوم إجمالا، لوجود المقتضي إثباتا (1)
796 وفقد المانع عقلا (1). أما وجود المقتضي فلاطلاق الخطاب وشموله (2) للاستصحاب في أطراف المعلوم بالاجمال، فان (3) قوله عليه السلام
797 في ذيل بعض أخبار الباب (ولكن تنقض اليقين باليقين) لو سلم أنه (1) يمنع عن شمول قوله عليه السلام في صدره: (لا تنقض اليقين بالشك) لليقين (2) والشك في أطرافه، للزوم (3) المناقضة في مدلوله، ضرورة (4) المناقضة بين السلب الكلي والايجاب الجزئي، إلا أنه (5) لا يمنع
798 عن عموم النهي في سائر الأخبار مما ليس فيه (1) هذا الذيل، وشموله (2) لما (3) في أطرافه، فان (4) إجمال ذاك الخطاب لذلك (5) لا يكاد يسري إلى غيره مما (6) ليس فيه ذلك. [1]
[1] لا يخلو من تأمل، فان إجمال الذيل في الاخبار المذيلة وإن لم يوجب 799 وأما فقد المانع (1) فلأجل أن جريان الاستصحاب في الأطراف
إجمال الاخبار الخالية عنه، لمكان الانفصال، إلا أنه يوجب عدم حجية ظهور المطلق الخالي عن القيد، ولا فرق في عدم الحجية بين عدم الظهور أصلا وعدم حجيته مع وجوده. وعليه فحال الاخبار المجردة عن الذيل حال الاخبار المذيلة في عدم حجية الاطلاق، فتأمل. هذا ما يتعلق بالوجهين المذكورين في المتن. وأما الوجه الثالث الذي أفاده في تعليقة الرسائل ولم يتعرض له في المتن لا صراحة ولا إشارة فهو: أن ظهور الصدر في شموله لليقين والشك في أطراف العلم الاجمالي أقوى من ظهور قوله: (ولكن تنقضه) في شموله لليقين بانتقاض الحالة السابقة إجمالا في أحد الأطراف، وذلك لوقوع (اليقين) في حيز النهي الواقع في مقام بيان الكبرى، بخلافه في الذيل، فإنه لا موجب لدلالته على العموم لا وضعا كما هو واضح، ولا إطلاقا، لعدم سوق القضية في مقام البيان من هذه الجهة. وعليه فالمقتضي بمعنى العموم اللفظي للاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي موجود، وليس العلم بارتفاع الحالة السابقة في بعض الأطراف بنفسه مانعا من شمول العموم لها. نعم يمنع عن جريانه فيها مخالفة التكليف الفعلي المعلوم، وبدون مخالفته له عملا لا مانع من جريانه. وقد تقدم في أول بحث الاشتغال التعرض للوجوه المذكورة وغيرها مما أورده المصنف على كلام الشيخ، فراجع. 800 لا يوجب إلا المخالفة الالتزامية [1] وهو ليس بمحذور لا شرعا ولا عقلا (1). ومنه (2) قد انقدح عدم جريانه في أطراف العلم بالتكليف فعلا (3)
[1] بل لا يوجبها أيضا، لتحقق الموافقة الالتزامية بالالتزام بالتكليف على ما هو عليه من دون توقفه على معرفته بخصوصيته، فجريان الاستصحاب في الأطراف لا يوجب المخالفة الالتزامية. 801 أصلا ولو (1) في بعضها، لوجوب (2) الموافقة القطعية له عقلا، ففي جريانه لا محالة يكون محذور المخالفة القطعية أو الاحتمالية (3) كما لا يخفى.
802 تذنيب (1): لا يخفى أن مثل (2) قاعدة التجاوز (3) في حال الاشتغال (4)
803 بالعمل، وقاعدة (1) الفراغ بعد الفراغ عنه، وأصالة (2) صحة عمل الغير
804 إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية (1) إلا القرعة (2) تكون مقدمة (3) على استصحاباتها المقتضية
805 لفساد (1) ما شك فيه من الموضوعات، لتخصيص (2) دليله بأدلتها. وكون (3)
806 النسبة بينه وبين بعضها عموما من وجه
807 لا يمنع (1) عن تخصيصه بها - بعد الاجماع على عدم الفصل بين مواردها - مع لزوم (2) قلة الموارد لها جدا لو قيل
808 بتخصيصها (1) بدليله، إذ قل مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها كما لا يخفى. وأما القرعة (2) فالاستصحاب في موردها يقدم عليها،
809 لأخصية (1) دليله من دليلها، لاعتبار (2) سبق الحالة السابقة فيه، دونها. واختصاصها (3) بغير الاحكام إجماعا
810 لا يوجب (1) الخصوصية في دليلها بعد عموم (2) لفظها لها [1] هذا،
[1] هذا في المخصص المنفصل الذي لا يزاحم ظهور العام في العموم صحيح. وأما في المتصل المانع عن انعقاد ظهوره فيه فلا محيص فيه عن انقلاب النسبة، 811 مضافا (1) إلى: وهن دليلها بكثرة (2) تخصيصه حتى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر [1] بعمل المعظم كما قيل، وقوة (3) دليله بقلة (4)
فإذا قال: (أكرم الأمراء البصريين) ثم قال: (لا تكرم الأمراء المبدعين) فلا إشكال في كون النسبة بينهما عموما من وجه، لاجتماعهما في الأمير المبدع البصري، وافتراقهما في المبدع غير البصري وفي البصري غير المبدع، لكون الأول موردا لدليل النهي فقط، والثاني موردا لدليل الامر كذلك. ويأتي التفصيل في التعادل والترجيح إن شاء الله تعالى. [1] لفظ الجبر ظاهر في جبر ضعف السند، لكنه غير مراد للمصنف هنا، لتعليل الوهن بكثرة التخصيص، وهي توجب ضعف الدلالة دون السند. مضافا إلى صحة أسناد بعض روايات القرعة، وحيث إن بناءهم على عدم انجبار ضعف الدلالة بعمل الأصحاب، وأنه جابر لضعف السند فقط، فلا بد أن يكون مراد المصنف من الجبر بعمل المعظم ما نبه عليه بعض أعاظم المحشين (قده) من تلامذة المصنف من: أنه لما قام الاجماع على خروج مصاديق عديدة عن عموم دليل القرعة ولم نعلمها بعينها، فلا بد في التمسك بعموم دليلها في مورد من إحراز عدم كونه مما 812 تخصيصه بخصوص دليل (1). لا يقال: كيف (2) يجوز تخصيص دليلها بدليله؟
خرج عنه بالاجماع، ولا يحرز هذا الخروج إلا بتمسك الأصحاب بدليل القرعة في ذلك المورد، ضرورة أن تمسكهم به حينئذ يكشف إنا عن عدم كون ذلك المورد من الموارد الخارجة عن عموم دليلها. وهذا أجنبي عن جبر ضعف الدلالة بالعمل، بل المقام نظير الرجوع إلى العرف في الشبهة الموضوعية، كالرجوع إليهم في تشخيص كون هذا المائع خمرا أو خلا، حيث إن ظهور دليل القرعة في العموم مسلم لكن المخصص مشتبه، وفي تمييزه يرجع إلى أهل الخبرة، فان تمسكوا بالعموم في مورد كشف تمسكهم إنا عن عدم تخصيص العموم به وبقائه تحته. 813 وقد (1) كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا لحكمه (2)، وموجبا (3) لكون نقض اليقين باليقين بالحجة على خلافه، كما هو (4) الحال بينه وبين أدلة سائر الامارات، فيكون هاهنا أيضا (5) من دوران الامر بين
814 التخصيص بلا وجه غير دائر (1) والتخصص (2). فإنه يقال (3): ليس الامر كذلك (4)، فان (5) المشكوك فيما كانت
815 له حالة سابقة وإن كان من المشكل والمجهول والمشتبه (1) بعنوانه الواقعي، إلا (2) أنه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشك، والظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق (3) لا في الجملة (4)،
816 فدليل (1) الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق (2) عليه حقيقة رافع لموضوعه أيضا (3)، فافهم (4). فلا بأس (5) برفع اليد عن دليلها
817 عند دوران الامر بينه (1) وبين رفع اليد عن دليله، لوهن عمومها وقوة عمومه [1]
[1] لا يخفى أن الوجوه المحتملة في تقديم الاستصحاب كثيرة، منها: الوجهان المذكوران في المتن. ثالثها: أخصية الاستصحاب من القرعة، لشمولها للمشكوك المسبوق باليقين وعدمه، واختصاص الاستصحاب بالمسبوق باليقين. وفيه: أن النسبة بينهما عموم من وجه، لشمول الاستصحاب للشبهة الحكمية والموضوعية، فيجتمعان في الشبهة الموضوعية المسبوقة باليقين. رابعها: عدم اجتماعهما موردا، لاختصاص الاستصحاب بالشبهات البدوية، والقرعة بالعلم بالحكم مع تردد موضوعه بين المتباينين. وفيه: أن المعيار في لحاظ النسبة بين الدليلين هو معنى اللفظ مع الغض عن القرائن الخارجية، ومن المعلوم أن كلا من دليلي القرعة بالمعيار المزبور عام. ثم إن ما ذكر في التذنيب من القواعد المهمة المبتلى بها مما ينبغي استقصاء البحث فيه، إلا أن اختلال الحال وتراكم الأهوال منعني عن ذلك، ولذا اقتصرت على شرح كلمات المصنف من بيان النسبة بينها وبين الاستصحاب، سائلا منه سبحانه وتعالى أن يوفقني عاجلا للتعرض له مفصلا في رسالة مستقلة. 818 كما أشير إليه آنفا (1)، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله باطنا وظاهرا. إلى هنا انتهى ما وفقني الله تعالى له من شرح مباحث الاستصحاب من كفاية الأصول للمحقق الخراساني قدس سره في الأرض الأقدس الغروية على مشرفها أفضل الصلاة وأكمل التحية، ونحمده تبارك وتعالى على ما أنعم به علي من التعليق على كتاب الكفاية من أوله إلى هنا، وأسأله جل شأنه متوسلا بسادة خلقه محمد وآله الأئمة الطاهرين وأمهم الصديقة الكبرى صلى الله عليها وعليهم من الان إلى يوم الدين وأشد اللعائن على أعدائهم أجمعين أن يوفقني لشرح ما بقي من الكتاب مخلصا لوجهه الكريم، فإنه الرؤوف الرحيم.