بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة المؤلف: السيد على خان المدنى الجزء: الوفاة: 1120 المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند الشيعة تحقيق: تقديم : السيد محمد صادق بحر العلوم الطبعة: سنة الطبع: 1397 المطبعة: الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم ردمك: ملاحظات: الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة تأليف صدر الدين السيد على خان المدني الشيرازي الحسيني صاحب (سلافة العصر) و (أنوار الربيع) المتوفى سنة 1120 ه 1708 م قدم له العلامة الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم الطبعة الثانية 1397 هجري منشورات مكتبة بصيرتي قم - شارع ارم
تعريف الكتاب 1 بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة المقدم 2 ترجمة المؤلف (*) نسبه الشريف هو صدر الدين السيد على خان المدني الشيرازي ابن نظام الدين أحمد بن محمد معصوم بن أحمد نظام الدين ابن إبراهيم بن سلام بن مسعود عماد الدين ابن محمد صدر الدين ابن منصور غياث الدين ابن محمد صادر الدين ابن إبراهيم شرف الدين ابن محمد صدر الدين ابن إسحاق عز الدين ابن علي ضياء الدين ابن عرب شاه فخر الدين ابن الأمير عز الدين أبى المكارم ابن الأمير خطير الدين ابن الحسن شرف الدين أبى على ابن الحسين أبى جعفر العزيزي ابن علي أبى سعيد النصيبيني ابن زيد الأعشم (1) أبى إبراهيم بن علي بن الحسين (أبي شجاع الزاهد) بن (محمد أبى جعفر ابن علي بن الحسين ابن جعفر أبى عبد الله ابن أحمد نصير الدين السكين النقيب ابن جعفر أبى عبد الله الشاعر ابن محمد أبى جعفر ابن محمد ابن زيد الشهيد ابن الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام (2).
(*) اقتطفنا هذه الترجمة مما ذكره شيخنا العلامة الكبير الحجة الشيخ عبد الحسين الأميني أدام الله وجوده في (ج 11 - ص 346 - ص 353) من كتابه (الغدير في الكتاب والسنة والأدب) مع بعض الإضافات منا والتصرف. (1) - في شرح الصحيفة السجادية للمترجم له المطبوع بإيران (ص 17): الأغشم: بالمعجمتين. (2) - أخذنا هذا النسب من كتاب (سلوة الغريب) للمترجم له وأضفنا إليه - أخذنا من المصادر الوثيقة - كلمتين جعلناهما بين قوسين، ففي حلقات السلسلة المذكورة في شرح الصحيفة للمترجم له سقط كما لا يخفى. كلمة المقدم 3 من أسرة كريمة طنب سرادقها بالعلم والشرف والسؤدد، ومن شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتى أكلها كل حين، اعترفت شجونها في أفطار الدنيا من الحجاز إلى العراق إلى إيران، وهي مثمرة يانعة حتى اليوم يستبهج الناظر إليها بثمرها وينعه، وأول من انتقل من رجال هذه العائلة إلى شيراز على أبو سعيد النصيبيني، وأول من غادر شيراز إلى مكة المعظمة السيد محمد معصوم، وذلك بعد انتقال عمه ختنه الأمير نصير الدين حسين إليها، كما في (سلوة الغريب) لصاحب الترجمة. ولادته ونشأته: ولد سيدنا المترجم له بالمدينة المنورة ليلة السبت الخامس عشر من جمادى الأولى سنة 1052 ه واشتغل بالعلم فيها إلى أن هاجر إلى حيدر آباد الهند سنة 1068 ه وشرع بها في تأليف كتابه (سلافة العصر) سنة 1081 ه. وأقام بالهند ثماني وأربعين سنة - كما ذكره معاصره يوسف ضياء الدين الصنعاني في (نسمة السحر) وكان في حضانة والده الطاهر إلى أن توفى أبوه سنة 1086 ه (1) فانتقل إلى (برهان پور) عند السلطان (أورنك زيب) وجعله رئيسا على الف وثلاثمائة فارس وأعطاه لقب (خان) ولما ذهب السلطان إلى بلد (أحمد نكر) جعله حارسا (لأورنك آباد) فأقام فيه مدة ثم جعله واليا على لاهور وتوابعه ثم ولي ديوان برهان پور وأشغل هناك منصة الزعامة مدة سنين وكان بعسكر ملك الهند 1114 ه ثم استعفى وحج وزار مشهد الرضا
(1) ذكر شيخنا في مستدرك الوسائل أن وفاته سنة 1066 ه وفيه تصحيف، فلا حظ. كلمة المقدم 4 عليه السلام، ورود إصفهان في عهد السلطان حسين الصفوي سنة 1117 ه وأقام بها سنين ثم عاد إلى شيراز وحط بها عصا السير زعيما ومدرسا مفيدا. مؤلفاته: ان المترجم له سيدنا صدر الدين من ذخائر الدهر، وحسنات العالم، وعباقرة الدنيا، والعلم الهادي لكل فضيلة، يحق للأمة جمعاه أن تتباهى بمثله، وتبتهج بفضله الباهر، وسؤدده الطاهر، وشرفه المعلى، وبحده الأثيل، والواقف على آيات براعته، وسور نبوغه - من كتاب خطه بقلمه أو قريض نطق به فمه. لا يجد ملتحدا عن الاذعان بإمامته في كل تلكم المناحي، ضع يدك على أي سفر قيم من نفثات براعه تجده حافلا ببرهان هذه الدعوى، كافلا لاثباتها بالبينات، واليك أسماؤها: (1) - رياض السالكين في شرح الصحيفة الكاملة السجادية كتاب قيم يطفح العلم من جوانبه، وتتدفق الفضيلة بين دفتيه فإذا أسمت فيه سرح اللحظ فلا يقف إلا على خزائن من العلم والأدب موصدة أبوابها أو مخابئ ورقائق لم يهتد إليها أي ألمعي غير مؤلفه الشريف المبجل. (2) نغمة الأغان في عشرة الاخوان: أرجوزة ذكرت برمته في كشكول شيخنا الشيخ يوسف صاحب الحدائق المطبوع. (3) رسالة في المسلسلة بالآباء شرح فيها الأحاديث الخمسة المسلسلة بآبائه فرغ منها سنة 1109 ه. (4) - سلوة الغريب وأسوة الأديب: في رحلته إلى حيدر آباد سنة 1068 ه. (5) - أنوار الربيع في أنواع البديع في شرح قصيدته البديعية.
كلمة المقدم 5 (6) - الكلم الطيب والغيث الصيب في الأدعية المأثورة، عن النبي (ص) وأهل البيت عليهم السلام لم يتمه. (7) - الحدائق النبية في شرح الصمدية لشيخنا البهائي. (8) ملحقات السلافة: مشحونة بكل أدب وظرافة. (9) - شرحان أيضا على الصمدية: المتوسط والصغير. (10) - رسالة في أغاليط الفيروز آبادي في القاموس. (11) - موضح الرشاد في شرح الارشاد: في النحو. (12) سلافة العصر في محاسن أعيان العصر، يشتمل على تراجم شعراء القرن الحادي عشر وهو ذيل لريحانة الألباء لشهاب الدين الخفاجي وقد طبع بمصر سنة 1328 ه. (13) - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة (1) (14) - التذكرة في الفوائد النادرة. (15) - المخلاة في المحاضرات. (16) الزهرة في النحو. (17). الطراز في اللغة، قال الخونساري في روضات الجنات (ص 413) (كان مشتغلا بتأليفه إلى يوم رحلته من الدنيا ولم يتمه بعد وخرج منه قريب من النصف). (18) - ديوان شعره (2).
(1) وهو كتابنا هذا الذي تم طبعه في هذه المطبعة، وقد طبع على نسخة مخطوطة مصححة، ومن الأسف أنه لم يوجد من هذا الكتاب في الخزائن سوى هذا المقدار الذي طبع وهو يتضمن الطبقة الأولى وشيئا يسيرا من الطبقة الرابعة والحادية عشرة ولم توجد بقية الطبقات الثنتي عشرة حسب تقسيم المؤلف في أول الكتاب فلا حظ ذلك. (2) أنظر التعريف بهذه المؤلفات المطبوع منها والمخطوط في كتاب (الذريعة). لشيخنا الامام الطهراني أدام الله وجوده. مفرقة في أجزائه. كلمة المقدم 6 وله شعر كثير لا يوجد في ديوانه السائر الدائر، منه تخميسه لميمية شرف الدين البوصيري (1) الشهيرة بالبردة أولها مخمسا: يا ساهر الليل يرعى النجم في الظلم * وناحل الجسم من وجد ومن ألم ما بال جفنك يذرو الدمع كالغيم * أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعا جرى من مقلة بدم مشايخه: أخذ المترجم له العلم عن كثير من أعلام الدين وأساطين الفضيلة وتظلمه في العلوم يومى إلى كثرة مشايخه في الاخذ والقراءة يروى بالإجازة عن أستاذه الشيخ جعفر ابن كمال الدين البحراني المتوفى سنة 1091 - (أو سنة 1088 كما ذكره العلامة الشيخ يوسف البحراني في كشكوله) - وعن السيد والده المقدس نظام الدين أحمد وعن العلامة المجلسي صاحب البحار كما أن العلامة المجلسي روى عنه ويروى أيضا سيدنا المترجم له عن الشيخ على ابن الشيخ فخر الدين محمد ابن الشيخ حسن صاحب (معالم الأصول) ابن الشهيد الثاني المتوفى سنة 1104 ه.
(1) - البوصيري هو أبو عبد الله محمد بن سعيد المولود سنة 608 ه والمتوفى في الرابع من جمادى الثانية سنة 697 ه. كلمة المقدم 7 الراوون عنه: يروى بالإجازة عنه كثير من الاعلام منهم السيد الأمير محمد حسين ابن الأمير محمد صالح الخاتون آبادي المتوفى سنة 1151 ه والشيخ باقر ابن المولى محمد حسين المكي كما ذكره السيد عبد الله الجزائري في إجازته الكبيرة ومنهم العلامة المحدث الشيخ محمد باقر المجلسي رحمه الله صاحب البحار كما ذكرنا سابقا. * شعره: ذكرنا سابقا أن له ديوان شعر، وهو مخطوط توجد نسخ منه في بعض خزائن الكتب في النجف الأشرف وغيرها وبعضها بخطه الشريف، وهو حافل بغرر الشعر بأنواعه العديدة منه قصيدته الغديرية التي يقول في أولها (1): سفرت أميمة ليلة النفر * كالبدر أو أبهى من البدر نزلت منى ترمى الجمار وقد * رمت القلوب هناك بالجمر وتنسكت تبغى الثواب وهل * في قتل ضيف الله من أجر إن حاولت أجرا فقد كسبت * بالحج أصنافا من الوزر نحرت لواحظها الحجيج كما * نحر الحجيج بهيمة النحر نحرت لواحظها الحجيج كما * نحر الحجيج بهيمة النحر ترمى وما تدرى بما سفكت * منها اللواحظ من دم هدر.
(1) القصيدة تناهز (61) بيتا أفطر شطرا منها في (ج 11 - ص 344 - ص 345) من كتاب الغدير للعلامة الأميني، وقد أخذنا من ديوانه المخطوط. كلمة المقدم 8 الله لي من حب غانية * ترمى الحشا من حيث لا تدرى بيضاء من كعب وكم منعت * كعب لها من كاعب بكر زعمت سلوي وهي سالية كلا ورب البيت والحجر ما قلبها قلبي فأسلوها * يوما ولا من أمرها أمرى أبكى وتضحك إن شكوت لها * حر الصدود ولوعة الهجر وعلى وفور ثراي لي ولها * ذك الفقير وعزة المثرى لم يبق منى حبها جلدا * إلا الحنين ولا عج الذكر ويزيد غلى الماء ما ذكرت * والماء يثلج غلة الصدر قد ضل طالب غادة حميت * في قومها بالبيض والسمر ومؤنب في حبها سفها * نهنهته عن منطق الهجر يزداد وجدي عن سلامته * فكأنه بملامه يغرى لا يكذبن الحب أليق بي * وبشيمتي من سبة الغدر هيهات يأبى الغدر لي نسب * أعزى به لعلي الطهر خير الورى بعد الرسول ومن * حاز العلى بمجامع الفخر صنو النبي وزوج بضعته وأمينه في السر والجهر إن تنكر الأعداء رتبته * شهدت بها الآيات في الذكر شكرت حنين له مساعيه * فيها وفى أحد وفى بدر سل عنه خيبر يوم نازلها * تنبيك عن خبر وعن خبر من هد منها بابها بيد * ورمى بها في مهمه قفر واسأل براءة حين رتلها * من رد حاملها أبا بكر والطير إذ يدعو النبي له * من جاءه يسعى بلا نذر والشمس إذ أفلت لمن رجعت * كيما يقيم فريضة العصر وفراش أحمد حين هم به * جمع الطغاة وعصبة الكفر *
كلمة المقدم 9 من بات فيه بقية محتسبا * من غير ما خوف ولا ذعر والكعبة الغراء حين رمى * من فوقها الأصنام بالكسر من راح يرفعه ليصدعها * خير الورى منه على الظهر والقوم من أروى عليلهم * إذ يجأرون بمهمه قفر والصخرة الصماء حولها * عن نهر ماء تحتها يجرى والناكثين غداة أمهم * من رد أمهم بلا نكر والقاسطين وقد أضلهم * غي ابن هند وخدنه عمرو من فل جيشهم على مضض * حتى نجوا بخدايع المكر والمارقين من استباحهم * قتلا فلم يفلت سوى عشر و (غدير خم) وهو أعظمها * من ناك فيه ولاية الامر واذكر مباهلة النبي به * وبزوجه وابنيه للنفر واقرأ (وأنفسنا وأنفسكم (1) * فكفى بها فخرا مدى الدهر هذى المفاخر والمكارم لا * قعبان من لبن ولا خمر وله أيضا في مدح الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نقلا من ديوانه المخطوط أمير المؤمنين فدتك نفسي * لنا من شأنك العجب العجاب تولاك الأولى سعدوا ففازوا * وناواك الذين شقوا فخابوا ولو علم الورى ما أنت أضحوا * لوجهك ساجدين ولم يحانوا يمين الله لو كشف المغطى * ووجه الله لو رفع الحجاب حفيت عن العيون وأنت شمس * سمت عن أن يحللها سحاب ولبس على الصباح إذا تجلى * ولم يبصره أعمى العين عاب لس ما دعاك أبا تراب * محمد النبي المستطاب
(1) سورة آل عمران: آية (61). كلمة المقدم 10 فكان لكل من هو من تراب * إليك وأنت علته انتساب فلولا أنت لم يخلق سماه * ولولا أنت لم يخلق تراب وفيك وفى ولائك يوم حشر * يعاقب أو يثاب بفضلك أصبحت توراة موسى * وإنجيل ابن مريم والكتاب فوا عجبا لمن ناواك قدما * ومن قوم لدعوتهم أجابوا أزاغوا عن صراط الحق عمدا * فضلوا عنك أم خفى الصواب أم ارتابوا بما لا ريب فيه * وهل في الحق إذ صدع ارتياب وهل لسواك بعد (غدير خم) * نصيب في الخلافة أو نصاب ألم يجعلك مولاهم فذلك * على رغم هناك لك الرقاب فلم يطمح إليها هاشمي * وإن أضحى له الحسب اللباب فمن تيم بن مرة أو عدى * وهم سيان إن حضروا وغابوا لئن جحدوك حقك عن شقاء * فبالأشقين ما حل العقاب فكم سفهت عليك حلوم قوم فكنت البدر تنبحه الكلاب ومن غرر شعره أيضا قوله يمدح به الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لما ورد إلى النجف الأشرف مع جمع من حجاج بيت الله الحرام: يا صاح هذا المشهد الأقدس * قرت به الأعين والأنفس و (النجف الأشرف) بانت لنا * أعلامه والمعهد الأنفس والقبة البيضاء قد أشرقت * ينجاب عن لألائها الحندس والقبة البيضاء قد أشرقت * ينجاب عن لألائها الحندس حضرة قدس لم ينل فضلها لا المسجد الأقصى ولا المقدس حلت بمن حل بها رتبة * يقصر عنها الفلك الأطلس تود لو كانت حصى أرضها * شهب الدجى والكنس الخنس وتحسد الاقدام منا على * السعي إلى أعتابها الا رؤس
(1) الكنس *: هي النجوم كلها. والسيارات منها. كلمة المقدم 11 فقف بها والثم ثرى تربها * ففي المقام الأطهر الأقدس وقل صلاة وسلام على * من طاب منها الأصل والمغرس خليفة الله العظيم الذي * من ضوئه نور الهدى يقبس نفس النبي المصطفى أحمد * وصنوه والسيد الا رأس العلم العيلم بحر الندى * وبره والعالم النقرس (1) فليلنا من نوره مقمر * ويومنا من ضوئه مشمس أقسم بالله وآياته * إليه تنجي ولا تغمس إن علي بن أبي طالب * منار ين الله لا يطمس ومن حباه الله أنباء ما * في كتبه فهو لها فهرس أحاد بالعلم الذي لم يحط * بمثله بليا ولا هرمس (2) لولاه لم تخلق سماه ولا * أرض ولا نعمى ولا أبؤس ولا عفا الرحمان عن آدم * ولا نجا من حوته يونس هذا أمير المؤمنين الذي * شرايع الله به تحرس وحجة الله التي نورها * كالصبح لا يخفى ولا يبلس تالله لا يجحدها جاحد * إلا امرؤ في غيه مركس والمقحم الخليل وطيس الوغى * إذا تناهى البطل الأحرس جلبا به يوم الفخار التقى * لا الطيلسان الخز والبرنس (3) (1) النقرس: بكسر النون ثم القاف الساكنة بعدها الراء المكسورة ثم السين المهملة، هو الطبيب الماهر المدقق. (2) الهرامسة ثلاثة (هرمس الأول) وهو عند العرب إدريس، وعند العبرانيين أخنوخ، وهو أول من درس الكتب ونظر في العلوم وأنزل الله عليه صحائف، و (الهرمس الثاني) كان بعد الطوفان، وكلن بارعا في علم الطب والفلسفة و (هرمس الثالث) سكن مصر، وكان بعد الطوفان، وكلن طبيبا فيلسوفا عالما. (1) البرنس: بضم الياء الموحدة، قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر الاسلام.
كلمة المقدم 12 يرفل من تقواه في حلة * يحسدها الديباج والسندس يا خيرة الله الذي خيره * يشكره الناطق والأخرس عبدك قد أمك مستوحشا * من ذنبه للعفو يستأنس يطوى إليك البحر والبر لا * يوحشه شئ ولا يونس طورا على فلك به سامح * وتارة ترسى به عرمس (1) في كل هيماء يرى شوكها * كأنه الريحان والنرجس حتى أتى بابك مستبشرا * ومن أتى بابك لا ييأس أدعوك يا مولى الورى موقنا * أن دعائي عنك لا يحبس فنجني من خطب دهر غدا للجسم منى أبدا ينهس (2) هذا ولولا أملى فيك لم * يقر بي مثوى ولا مجلس صلى عليك الله من سيد * مولاه في الدارين لا يوكس (3) ما غردت ورقاء في روضة * وما زهدت أغصانها الميس كلمته حول نسبه الذي ذكرناه: قال رحمه الله في (سلوة الغريب): فائدة سنية تتعلق بنسنا أحببت التنبيه عليها: بأنجز الكلام إليها وهي أنى قرأت على ظهر كتاب من كتب الوالد بخط السيد صدر الدين محمد الواعظ ابن منصور غياث الدين ابن محمد صدر الدين ابن منصور غياث الدين جدنا المذكور في عمود النسب: أن أبا الحسن وأبا زيد
(1) - العرمس: بكسر العين المهملة. الناقة الصلبة الشديد. (2) - نهس: أخذ بمقدم أسنانه: نهست الحية. نهشت. نهس الكلب: قبض بالفم. (3) - وكس: نقص، ووكس وأوكس: خسر. كلمة المقدم 13 علي بن محمد الخطيب الحماني (1) ابن جعفر أبى عبد الله الشاعر أحد أجدادنا قال: وهو جدي، وأدخله في النسب. هكذا قال فانا صدر الدين محمد الواعظ ابن ناصر الشريعة منصور ابن محمد صدر الدين ابن منصور غياث الدين ابن محمد ابن إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن علي ابن عرب شاه ابن أمير أنه ابن أميري ابن الحسن بن الحسين العزيزي ابن علي النصيبيني بن زيد الأعثم ابن علي - هذا المحكى عنه عيني الحماني - ابن محمد بن جعفر بن محمد بن محمد بن زيد الشهيد ابن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. هذا كلامه، وأقول: ليس علي بن محمد الحماني هذا داخلا في عمود نسبنا بل ينتهى نسبه إلى زيد الشهيد هكذا، هو علي بن محمد الخطيب ابن جعفر بن عبد الله الشاعر الذي هو أحد أجدادنا - ابن محمد بن محمد بن زيد الشهيد. وإن ما أوقع السيد صدر الدين في هذا الغلط تشابه الأسماء، فان جعفرا جد السيد على الحماني المذكور - الذي توهم صدر الدين أنه ابن أحمد السكين - هو أبو أحمد السكين لكن اشتبه عليه بابنه فإن ابنه أيضا اسمه جعفر كما مر في النسب ويتضح ذلك بان محمد بن زيد الشهيد، وهو أصغر بنى أبيه - له عدة بنين منهم محمد ابنه، والعقب منه في أبى عبد الله جعفر الشاعر وحده، فأعقب أبو عبد الله جعفر هذا من ثلاثة بنين: محمد الخطيب الذي هو أبو السيد الحماني، وأحمد السكين الذي هو جدنا، والقاسم، فيكون السيد على الحماني ابن أخي أحمد السكين لا ابن ابنه، فاحمد السكين عمه لأجده، وأيضا ما تم للسيد صدر الدين إدخال السيد على الحماني في النسب حتى أسقط منه أبا الحسن عليا الذي هو بين أبى جعفر محمد وبين جعفر بن أحمد السكين، وهو غلط فاحش، ولقد مر على ذلك برهة من الزمن ولم ينبه له أحد من أجدادنا.
(1) - أنظر ترجمة الحماني هذا في (ج 3 - ص 57 - 69) من كتاب الغدير الطبعة الثانية. كلمة المقدم 14 وفاته رحمه الله: توفى المترجم له بشيراز في شهر ذي القعدة سنة 1120 ه ودفن بحرم الشاه چراغ أحمد ابن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام عند جده غياث الدين المنصور صاحب المدرسة المنصورية. قال الميرزا عبد الله الأفندي في (رياض العلماء) إنه توفى سنة 1118 ه وفى (سفينة البحار) للشيخ عباس القمي رحمه الله أنه توفى سنة 1119 ه، وفى آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج 3 - ص 285، أن وفاته سنة 1104 ه. ولكن الذي اختاره مشايخنا من أنها كانت سنة 1120 ه هو المعتضد إنه رحمه الله نفسه نص على قدومه إلى إصبهان سنة 1117 ه وقال الشيخ على الحزين في التذكرة إني أدركته بها سنين. هذا، وتوجد ترجمته لسيدنا المترجم له في أمل الآمل، ورياض العلماء، ونسمة السح ج 2، وتذكرة الشيخ على الحزين، والسوانح له أيضا، ونشوة السلافة لابن بشارة، ورياض الجنة للزونوزي، وتتميم أمل الآمل للسيد ابن شبانة ونجوم السماء ص 176، وروضات الجنات ص 412، ومستدرك الوسائل ج 3 - ص 386، وسفينة البحار ج 2 ص 245 والذريعة، ومعجم المطبوعات ص 244، وآداب اللغة العربية ج 3 - ص 285، ومجلة المرشد العراقية ج 1 - ص 197، وفى بعض أعدادها نشر شطر من شعره وذكر أيضا في كثير من المعاجم الرجالية، فراجعها.
كلمة المقدم 15 هذا موجز من ترجمة المؤلف رحمه الله، وقد رغب الا الأستاذ محمد كاظم الشيخ صادق الكتبي حفظه الله أن أصدر الكتاب بها كما صدرت لكثير من مطبوعاته القيمة. والحق - ان ما يبذله حفظه الله ووفقه في سبيل نشر الكتب اللاسلامية لمما يدعونا إلى تشجيعه وشكره ونرجو لمطبوعاته القيمة الرواج المطر، جعل الله مستقبل أمره خيرا من ماضيه والله ولى التوفيق محمد صادق بحر العلوم
كلمة المقدم 16 الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة تأليف صدر الدين السيد على خان المدني الشيراز ي الحسيني صاحب (سلافة العصر) و (أنوار الربيع) المتوفى سنة 1120 ه 1708 م قدم له العلامة الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم الطبعة الثانية 1397 هجري منشورات مكتبة بصيرتي قم - شارع ارم
1 بسم الله الرحمن الرحيم ما ترنمت مطربات عنادل الأقلام على عذبات أنامل الأعلام. ولا تفتحت كمائم أزهار زاهر الكلام في نواضر حدائق الأرقام، بأحسن من حمد مالك أرغم بقدرته كل منكر وجاحد، وأظهر في كل شئ آية تدل على أنه واحد، فشهدت بوحدانيته السماء مزينة بزينة الكواكب، والأرض حاملة أثقال أعبائها على المناكب; والصباح هاتك لستور الظلماء نهاره مطردة في الحدائق الخضر أنهاره والمساء رافلة في حلل السواد سواهم ليله راكضة في ميادين الظلام أداهم خيله والبحار ملتطمة بالجزر والمد أمواج عبابها، منتشرة انتشار اللؤلؤ حبات حبابها والأنهار منسابة في الجداول انسياب الحيات في الرمال، مطردة إطراد الذوابل في أكف الأبطال حين النزال، والماء بائحا صفاءه بأسراره، لائحا حصباؤه في قراره، والنار لامعة سبائك لهبها. مائجة ذوائب عذبها، والرياح ناسمة جنوبا وشمالا مؤرجة بنفحاتها يمينا وشمالا، والهواء حاملا الماء في بطون الغمام سائرا بالجواري المنشئات في البحر كالأعلام، والطير مفصحة بعد عجمتها مطربة بالأسحار بنغمتها، والخيل مسابقة في مجاريها معقود الخير بنواصيها، والإبل هادرة بجر اجرها مجترة بحناجرها، كلها ألسنة ناطقة بوحدانيته وأدلة ثابتة على فردانيته، أحمده بماله من المحامد السنية، وأشكره على سوابغ نعمه الهنية وثمرات عوارفه اليانعة الجنية التي أبلغت المأمن وبلغت الأمنية، لا سيما التوفيق للاقرار بالنبوة المحمدية، والإمامة العلوية. والطهارة الفاطمية، والسيادة الحسنية
2 والبسالة الحسينية، والعبادة السجادية، والعلوم الباقرية، واللهجة الصادقية والحلوم الكاظمية والرجاحة الرضوية، والسماحة الجوادية، والأخلاق النقوية والشهامة العسكرية، والخاتمة المهدوية فأصلي وأسلم على ذي الأعراق الزكية والأعراف الذكية، والقبلة المكية المبعوث إلى البرية بالملة المرضية، وعلى آله وعترته أولى النفوس القدسية والعلوم اللدنية والمراتب العلية والمناقب العلوية أئمة الأمة وكاشفي الغمة، وسبل الهداية وأعلام الولاية، وسفن النجاة وأبواب المناجاة، صلى الله وسلم عليه وعليهم صلاة وسلاما يبلغان الأمل ويزكيان العمل ما خطت الأقلام وخطت الأقدام. اما بعد فيقول العبد الفقير إلى ربه الغنى (على صدر الدين) ابن احمد نظام الدين الحسيني الحسنى عاملهما الله بلطفه الخفي وفضله السني إني منذ ارتضعت در الفضل والعلم، واتشحت رداء العقل والحلم لم أزل مجتنيا من رياض الفضل أزهى أزهارها واردا من موارد الفواضل أصفى أنهارها، مؤلفا بتقييد شوارد الفوائد مغرما نظم فرائد القلائد، متبعا آثار أرباب التأليف مقتضيا رسوم أصحاب التصنيف وكنت في حدثان السن وريعان الصبا وعنفوان الشباب أقدر في خلدي جمع طبقات عالية تحتوي على عيون أخبار أعيان الفرقة الناجية، أعني الشيعة الإمامية والفرقة الثاني عشرية، إذ لم اقف لأحد من أصحابنا رضوان الله عليهم على كتاب واف بهذا الغرض، قائم بأداء هذا الحكم المفترض سوى كتب الرجال وهي مع ضيق مجالها لم تحتو الا على رواة الأحاديث ورجالها، حتى وقفت على كتاب صنف قبل عصرنا هذا بقليل نحا مؤلفه نحو هذا الغرض الجليل، وهو الكتاب المسمى (بمجالس المؤمنين) للقاضي نور الله التوستري نور الله ضريحه وأحله من مبوأ الرضوان فسيحه غير أنه لم يبرئ منى عليلا ولم يبرد لي غليلا، اما أولا: فلأنه فارسي العبارة أعجمي الإشارة وليس أربى إلا اللسان العربي، واما ثانيا فلأنه جاء بالطم والرم ولم يميز بين الروح والجرم، فأفسد السمين بالغث ورقع الجديد
3 بالرث وأدخل الدخيل في الصريح وجمع بين الصحيح والجريح، وعد من أصحابنا ما لا ينزل بفنائهم ولا يسقى من إنائهم، وأهمل ذكر جماعة من مشايخنا هم أشهر من أن لا يعرفوا، وحاشاهم من أن يكونوا نكرات فيعرفوا فحرك منى هذا الاستدراك ما كان منى في مستكن الخاطر وما به حراك، وذلك بعد أن اشتعل الرأس شيبا وامتلأت العيبة عيبا فأزمعت أولا على تأليف كتاب بسيط حافل كاف في القيام بهذا المقصد كامل. ثم رأيت أن ذلك يفتقر إلى بسطة فراغ وسكون في هذا الوقف المتصف بالمقت مما لا يكون، مع اشتغال البال واشتعال البلبال، والخطوب ثائره والساعات طائره، والفرص خطفات بروق تأتلق، والنفوس على فواتها تذوب وتحترق، فثنيت العنان عن ذلك المرام، واخذت في تأليف هذا الكتاب المفرغ في قالب الإيجاز والإحكام مع التزامي أن لا أخليه من عيون الأخبار والنكت المعتبرة لدى الاعتبار وأن لا أخل فيه بما يجب ذكره في محاسن كل انسان، مما يليق به من نادرة أو شعر أو مكرمة أو احسان، هذا مع التثبت والتحري في النقل وعدم التساهل الذي لا يسيغه العقل وإذ أسفر إن شاء الله تعالى من أفق النمام صاحبه وأزهر بنور الكلام مصباحه: سميته: (الدرجات الرفيعة في طبقات الإمامية من الشيعة) سائلا ممن نظر فيه ونهل من صافيه أن يقيل عثاري وزللي، ويستر عواري وخللي، وهو المثاب في اصلاح ما طغى به القلم وزلت به القدم، فان الإنسان محل النسيان وأول ناس أول الناس. ورتبته على اثنتي عشرة طبقة الأولى في الصحابة: الثانية في التابعين الثالثة في المحدثين الذين رووا عن الأئمة عليهم السلام، الرابعة في العلماء من سائر المحدثين والمفسرين والفقهاء (رض)، الخامسة في الحكماء والمتكلمين، السادسة في علماء العربية، السابعة في السادة الصفوية، الثامنة في الملوك والسلاطين، التاسعة في الأمراء، العاشرة في الوزراء، الحادية عشرة في الشعراء، الثانية عشرة في النساء.
4 المقدمة اعلم رحمك الله ان شيعة أمير المؤمنين " ع " والأئمة من ولده عليهم السلام لم يزالوا في كل عصر وزمان ووقت وأدان، مختفين في زوايا الاستتار محتجبين احتجاب الأسرار في صدور الأحرار وذلك لما منوا به من معاداة أهل الإلحاد ومناواة أولي النصب والعناد، الذين أزالوا أهل البيت عليهم السلام عن مقاماتهم ومراتبهم وسعوا في إخفاء مكارمهم الشريفة ومناقبهم، فلم يزل كل متغلب منهم يبذل في متابعة الهوى مقدوره ويلتهب حسدا ليطفئ نور الله ويأبى الله الا أن يتم نوره، كما روى عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام انه قال لبعض أصحابه: يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا، وما لقى شيعتنا ومحبونا من الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد أخبر الناس أنا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره وعولجت خلا خيل أمهات أولاده. فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وهم قليل حتى قتل، ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفا ثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم فقتلوه ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام، ونقصي، ونمتهن، ونحرم ونقتل، ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء
5 في كل بلدة فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره في زمن معاوية بعد موت الحسن " ع " فقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وصار من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين " ع " ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال له شيعة على. وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي يوسف المدايني في كتاب (الأحداث) قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبى تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منير يلعنون عليا ويبرؤون منه. ويقعون فيه وفى أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة على " ع "، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليها البصرة، وكان يتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام على " ع " فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم من العراق، فلم يبق بها معروف منهم وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة على " ع " وأهل بيته شهادة. وكتب إليهم ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم واكتبوا إلى بكل ما يروى كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطايع، ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجئ أحد بخبر مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروى في عثمان فضيلة أو منقبة الا كتب اسمه
6 وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا ثم كتب إلى عماله: ان الحديث في عثمان قد كثر وفشى في كل مصر وفى كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبى تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحب إلى وأقر لعيني وأدحض لحجة أبى تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجرى هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقى إلى معلمي المكاتب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله تعالى، ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاه ورزقه وشفع ذلك بنسخة أخرى، من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره. فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتى أن الرجل من شيعة على " ع " ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقى إليه بسره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الإيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء القضاة والولاة، وكان أعظم ذلك بلاء القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها. ولم يزل كذلك حتى مات الحسين بن علي " ع " فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل الا خايف على دمه أو طريد في الأرض. ثم تفاقم
7 الأمر بعد قتل الحسين " ع " وولى عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة، وولى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والذين يبغضون عليا عليه السلام ويوالون أعداءه فأكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم وأكثروا من الغض من على " ع " وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى أن إنسانا وقف للحجاج، ويقال انه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب فصاح به: أيها الأمير ان أهلي عقوني فسموني عليا وإني فقير بائس واما إلى صلة الأمير محتاج فتضاحك له الحجاج وقال: للطف ما توسلت به وقد وليتك موضع كذا. وقد روى ابن عرفه المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: ان أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بنى أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بنى هاشم. قال المؤلف عفا الله عنه ولم يزل الأمر على ذلك سائرا في خلافة بنى أمية حتى جاءت الخلافة العباسية فكانت أدهى وأمر وأخزى وأضر، وما لقيه أهل البيت " ع " وشيعتهم في دولتهم أعظم مما منوا به في الخلافة الأموية كما قيل: والله ما فعلت أمية فيهم * معشار ما فلعت بنو العباس ثم شب الزمان على ذلك وهرم، والشأن مضطرب والشنآن مضطرم والدهور لا يزداد الا عبوسا والأيام لا تبدى لأهل الحق إلا بؤسا، ولا معقل الشيعة من هذه الخطة الشنيعة في أكثر الأعصار ومعظم الأمصار الا الانزواء في زوايا التقية والانطواء على الصبر بهذه البلية، وهذا السبب للذي من أجله لم يصنف أحد من أصحابنا كتابا في هذا الشأن على مرور الدهر وكرور الزمان فخفي علينا أحوال كثير من أكابر الشيعة وأركان الشريعة، والمسؤول ممن وقف على هذا التصنيف، ورشف من زلال هذا التأليف; ان لا يبديه الا إلى أهله وان يكتمه عمن أركسه الله في جهله، توقيا من عناد الناصبين، وأولى العدوان الغاضبين، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.
8 الطبقة الأولى في الصحابة وقد عن لنا ان نقدم هنا مقدمات: المقدمة الأولى في تعريف الصحابة وهو على أظهر القول من لقى النبي صلى الله عليه وآله مؤمنا به ومات على الإسلام ولو تحللت رده والمراد من اللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الأخر وان لم يكالمه، ويدخل فيه رؤية أحدهما للآخر سواء كان ذلك بنفسه أو بغيره، كما إذا حمل شخص طفلا إلى النبي صلى الله عليه وآله والمراد رؤيته في حال حياته والا فلو رآه بعد موته قبل دفنه كأبي ذؤيب الهذلي فليس بصحابي على المشهور، وكذا المراد برؤيته أعم من أن يكون مع تميزه وعقله حتى يدخل فيه الأطفال الذين حنكهم ولم يروه بعد التمييز، ومن رآه وهو لا يعقله، والتعبير باللقاء أولى من قول بعضهم الصحابي من رأى النبي صلى الله عليه وآله لأنه يخرج حينئذ ابن أم مكتوم ونحوه من العميان وهم صحابه بلا تردد. واللقاء في هذا التعريف كالجنس يشمل المحدود وغيره. وقولنا مؤمنا كالفصل يخرج من حصل له اللقاء المذكور ولكن في حال كونه كافرا لم يؤمن بأحد من الأنبياء كالمشركين، وقولنا به فصل ثان يخرج من لقيه مؤمنا لكن بغيره من الأنبياء عليه السلام لكنه هل يخرج من لقيه مؤمنا بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة كبحير الراهب; فيه تردد. فمن أراد اللقاء حال نبوته حتى لا يكون مثله صحابيا عنده يخرج عنه، ومن أراد أعم منه يدخل، وقولنا مات على الإسلام يخرج من ارتد بعد أن لقيه مؤمنا ومات على الردة كعبد الله
9 ابن جحش وابن خطل، وقولنا ولو تخللت برده أي بين لقائه مؤمنا وبين موته صلى الله عليه وآله بل بعده أيضا، فان اسم الصحبة باق سواء رجع إلى الإسلام في حياته أو بعده، وسواء لقيه ثانيا بعد الرجوع إلى الإسلام أم لا هذا مذهب الجمهور خلافا لبعضهم قالوا ويدل عليه قصة الأشعث بن قيس فإنه كان ممن ارتد وأتي به إلى أبى بكر أسيرا فعاد إلى الإسلام فقبل منه ذلك وزوجه أخته وكانت عوراء فأولدها ابنه محمدا أحد قاتلي الحسين " ع ". ولم يتخلف أحد من ذكره في الصحابة ولا من تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها، وقيل إن الصحابي هو من طالت مجالسته له صلى الله عليه وآله على طريق السمع والأخذ عنه فلا يدخل من وفد عليه وانصرف بدون مكث وهو قول أصحاب الأصول. وحكى عن سعد ابن المسيب قال: لا يعد صحابيا الا من أقام معه صلى الله عليه وآله سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين. ووجهه أن صحبته شرف عظيم فلا ينال الا باجتماع يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من سقر، والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التي بها يختلف المزاج، وعورض بأنه صلى الله عليه وآله لشرف منزلته أعطى كل من رآه حكم الصحبة، وأيضا يلزم ان لا يعد جويبر بن عبد الله ونحوه صحابيا ولا خلاف في أنهم صحابة، ثم أن الصحابة على مراتب كثيرة بحسب التقدم في الإسلام والهجرة والملازمة والقتال تحت رايته والرواية منه ومكالمته ومشاهدته ومماشاته وان اشترك الجميع في شرف الصحبة، ويعرف كونه صحابيا بالتواتر والاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر وأخبار الثقة وقبض رسول الله صلى الله عليه وآله عن مائة وأربعة عشر صحابي آخرهم موتا على الاطلاق أبو الطفيل عامر بن وائلة، مات سنة مائة من الهجرة والله تعالى اعلم.
10 المقدمة الثانية حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم، ولا يتحتم الحكم بالأيمان والعدالة بمجرد الصحبة ولا يحصل بها النجاة من عقاب النار وغضب الجبار الا ان يكون مع يقين الايمان وخلوص الجنان، فمن علمنا عدالته وايمانه وحفظه وصية رسول الله في أهل بيته، وانه مات على ذلك كسلمان وأبي ذر وعمار واليناه وتقربنا إلى الله تعالى بحبه، ومن علمنا أنه انقلب على عقبه وأظهر العداوة لأهل البيت " ع " عاديناه لله تعالى وتبرأنا إلى الله منه ونسكت عن المجهولة حاله، وقالت العامة والحشوية، الواجب الكف والامساك عن جميع الصحابة وعما شجر بينهم واعتقاد الأيمان والعدالة فيهم جميعا وحسن الظن بهم كلهم وقال أبو المعالي الجويني منهم ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن الكلام فيما شجر بين أصحابه وقال إياكم وما شجر بين أصحابي. وقال ادعو إلى أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا لما بلغ مدى أحدهم ولا نصفه وقال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقال: خيركم القرآن الذي أنا فيه ثم الذي يليه. وقد ورد في القرن الثناء على الصحابة وعلى التابعين. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وقد روى عن الحسن البصري انه ذكر عنده الجمل وصفين فقال، تلك دماء طهر الله منها أسيافنا فلا نلطخ بها ألسنتنا. ثم إن تلك الأحوال قد غابت عنا وبعدت أخبارها على حقايقها فلا يليق بنا ان نخوض فيها، ولو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ لوجب ان يحفظ رسول الله صلى الله عليه وآله فيه فمن المروة ان يحفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في عايشة زوجته: وفى الزبير بن عمه; وفى طلحة الذي وقاه بيده، ثم ما الذي ألزمنا وأوجب علينا ان نلعن أحدا من المسلمين أو نبرأ منه
11 وأي ثواب في اللعنة والبراءة، ان الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف: لم لم تعلن؟ بل يقول له لم لعنت؟ ولو أن انسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصيا ولا آثما، ولو جعل الإنسان عوض اللعنة استغفر الله كان خيرا له، ثم كيف يجوز للعامة ان تدخل نفسها في أمور الخاصة، وأولئك قوم كانوا أمراء هذه الأمة وقادتها ونحن اليوم في طبقة سافلة جدا عنهم فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم؟ أليس بقبيح من الرعية ان تخوض في دقائق أمور الملك وأحواله وشئونه التي ترى بينه وبين أهله وبنى عمه ونسائه وسراريه؟ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله صهرا لمعاوية وأخته أم حبيبة تحته، فالأدب ان تحفظ أم حبيبة وهي أم المؤمنين في أخيها، وكيف يجوز أن يلعن من جعل بينه وبين رسول الله مودة أليس المفسرون كلهم قالوا هذه الآية نزلت في أبى سفيان وآله وهي قوله تعالى عسى الله ان يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة. وكان ذلك مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان وتزوجه ابنته على أن جميع ما ينقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت، ولم يكن القوم الا كبني أم واحدة ولم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط، ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع انتهى كلامه. وقد قصدي بعض الشيعة الزيدية لنقضه ورده بما لا غنى بنا عن ذكره هنا فقال ما ملخصه: لولا أن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه كما أوجب موالاة أوليائه، وضيق على المسلمين تركها إذا دل العقل عليها، وأوضح الخبر عنها بقوله سبحانه: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم وبقوله تعالى: ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل إليه ما اتخذوهم أولياء. وبقوله تعالى: لا تتولوا قوما غضب الله عليهم. لاجماع المسلمين على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه وولاية أوليائه، وعلى ان البغض في الله واجب والحب في الله واجب لما تعرضنا لمعاداة من أحد الناس في الدين ولا البراءة منه ولكانت عداوتنا للقوم تكلفا
12 ولو ظننا الله عز وجل يعذرنا إذا قلنا: يا رب غاب أمرهم عنا فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى. لاعتمدنا على هذا العذر وواليناهم، ولكنا نخاف ان يقول سبحانه لنا: ان كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم فلم يغب عن قلوبكم وأسماعكم قد أتتكم به الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي صلى الله عليه وآله وموالاة من صدقه ومعاداة من عصاه وجحده وأمرتم بتدبر القرآن وما جاء به الرسول فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية القائلين غدا ربنا انا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل. فاما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها وأوجبها الا ترى إلى قوله تعالى: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون فهو اخبار معناه الأمر كقوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء. وقد لعن الله تعالى الغاصبين بقوله: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود. وقوله ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا وقوله: ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا وقال الله لإبليس: وان عليك لعنتي إلى يوم الدين. وقال: ان الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا. فأما قول من يقول أي ثواب في اللعن وان الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن بل قد يقول له لم لعنت وانه لو جعل مكان لعن الله فلانا اللهم اغفر لي لكان خيرا له ولو أن انسانا عاش عمره كله ولم يلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك. فكلام جاهل لا يدرى ما يقول اللعن طاعة ويستحق عليها الثواب إذا فعلت على ووجهها، وهو ان يلعن مستحق اللعنة لله وفى الله لا في العصبية والهوى، لأن الشرع قد ورد بها في نفى الولد ونطق بها القرآن، وهو ان يقول الزوج في الخامسة: ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين. فلو لم يكن الله تعالى يريد ان يتلفظ عباده بهذه اللفظة، وانه قد تعبدهم بها لما جعلها من معالم الشرع، ولما كررها في كثير من كتابه العزيز ولما قال في حق القائل: وغضب الله عليه ولعنه وليس المراد من قوله ولعنه الا الأمر لنا أن نلعنه، ولو لم يكن المراد ذلك لكان لنا ان نلعنه لأن الله تعالى قد لعنه
13 فيلعن الله تعالى انسانا ولا يكون لنا ان نلعنه، هذا ما لا يسوغ كما لا يجوز ان يمدح انسانا الا ولنا ان نمدحه ولا بذمه إلا ولنا ان نذمه وقال: هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله. من لعنه وقال ربنا اتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا. وقال تعالى: وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا. وكيف يقول القائل ان الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن الا يعلم هذا القاتل ان الله تعالى أمر بولاية أوليائه وامر بعداوة أعدائه، فكما يسأل عن التولي يسأل عن التبرئ الا ترى ان اليهودي إذا أسلم يطالب بان يقال له تلفظ بكلمة الشهادتين ثم قل: تبرأت من كل دين يخالف دين الإسلام. فلا بد من البراءة لأن بها يتم العلم ألم يسمع هذا القاتل قول الشاعر: تود عدوى ثم تزعم انني * صديقك ان الرأي عنك لعازب فمودة العدو خروج عن ولاية الولي وإذا بطلت المودة لم يبق الا البراءة لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى وعصاته بان لا يؤذيهم ولا يبرأ منهم باجماع المسلمين على نفى هذه الواسطة، واما قوله لو جعل عوض اللعنة استغفر الله لكان خيرا له فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره ولا قبل منه لأنه يكون عاصيا لله تعالى مخالفا امره في امساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البراءة منه واظهار البراءة والمصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته واستغفاره عن البعض الآخر واما من يعيش عمره ولا يلعن إبليس فان كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر وان كان يعتقد وجوب لعنه ولا يلعنه فهو مخطئ وعلى ان الفرق بينه وبين ترك لعنة رؤوس الضلالة في هذه الأمة كمعاوية والمغيرة وأمثالهما ان أحدا من المسلمين لا يورث عنده الأمساك عن لعنة إبليس شبهة في أمر إبليس والامساك لعن هؤلاء وأضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم وتجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب فلهذا لم يكن الأمساك عن لعن إبليس نظيرا للامساك عن أمر هؤلاء قال ثم يقال
14 للمخالفين أرأيتم لو قال قائل قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف فليس ينبغي ان نخوض في قصتهما ولا ان نلعنهما ونعاديهما ونبرأ منهما هل كان هذا إلا كقولكم قد غاب عنا أمر معاوية والمغيرة بن شعبة وأضرابهما فليس لخوضنا في قصتهم معنى وبعد فكيف أدخلتم أيها العامة والحشوية وأهل الحديث أنفسكم في أمر عثمان وخضتم فيه وقد غاب عنكم وبرئتم من قتله ولعنتموهم وكيف لم تحفظوا أبا بكر الصديق في محمد ابنه فإنكم لعنتموه وفسقتموه ولا حفظتم عايشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور ومنعتمونا ان نخوض وندخل أنفسنا في أمر على والحسن والحسين " ع " ومعاوية الظالم له ولهما المتغلب على حقه وحقوقهما وكيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم ولعن ظالم على والحسن والحسين " ع " تكلف وكيف أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة وبرئت ممن نظر إليها ومن القائل لها يا حميرا وانما هي حميراء ولعنته بكشفه سترها ومنعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة وما جرى لها بعد وفاة أبيها فان قلتم ان بيت فاطمة انما دخل وسترها انما كشف حفظا لنظام الإسلام وكيلا ينتشر الأمر ويخرج قوم من المسلمين اعتاقهم من ربقة الطاعة ولزوم الجماعة قيل لكم وكذلك ستر عايشة انما كشف وهودجها انما هتك لأنها نشرت حبل الطاعة وشقت عصا المسلمين وأراقت دماء المؤمنين من قبل وصول علي بن أبي طالب " ع " إلى البصرة وجرى لها مع عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة ومن كان معها من المسلمين الصالحين من القتل وسفك الدماء ما ينطق به كتب التواريخ والسير فإذا جاز دخول بيت فاطمة لأمر لم يقع بعد جاز كشف ستر عايشه على ما قد وقع وتحقق فكيف صار هتك ستر عايشه من الكبائر التي يجب معها التخليد في النار والبراءة من فاعله ومن أوكد عرى الايمان وصار كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها وجمع الحطب ببابها وتهددها في التحريق من أوكد عرى الدين وأثبت دعائم الإسلام ومما أعز الله به المسلمين واطفائه نار الفتنة والحرمتان واحدة والستران واحد وما نحن ان نقول لكم ان حرمة
15 فاطمة " ع " أعظم ومكانها ارفع وصيانتها لأجل رسول الله صلى الله عليه وآله أولى فإنها بضعة منه وجزء من لحمه ودمه وليست كالزوجة الأجنبية التي لا نسب بينها وبين الزوج وانما هي وصلة مستعارة وعقد يجرى مجرى إجارة المنفعة وكما يملك رق الأمة بالبيع والشراء ولهذا قال الفرضيون أسباب التوارث ثلاثة: سبب ونسب وولاء والنسب القرابة والسبب النكاح والولاء ولاء العتق فجعلوا النكاح خارجا من النسب ولو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الأقسام الثلاثة قسمين فكيف تكون عايشة أو غيرها في منزلة فاطمة وقد أجمع المسلمون كلهم من يحبها ومن لا يحبها منهم انها سيدة نساء العالمين قال وكيف يلزمنا اليوم حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في زوجته وحفظ أم حبيبه في أخيها ولم تلزم الصحابة أنفسها حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل بيته ولا الزمت الصحابة أنفسها حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في صهره وابن عمه عثمان بن عفان وقد قتلوه ولعنوه وقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان وهو خليفة منهم عايشة كانت تقول اقتلوا نعثلا لعن الله نعثلا ومنهم عبد الله بن مسعود وقد لعن معاوية علي بن أبي طالب وابنيه حسنا وحسينا وهم احياء يرزقون في العراق وهو يلعنهم في الشام على المنابر ويقنت عليهم في الصلوات وقد لعن أبو بكر وعمر سعد بن عبادة وهو حي وبرئا منه وأخرجاه من المدينة إلى الشام ولعن عمر خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة وما زال اللعن فاشيا في المسلمين إذا عرفوا من الانسان معصية تقتضي اللعن والبرائة قال ولو كان هذا أمر معتبرا وهو أن يحفظ زيد لأجل عمر وفلا يلعن لوجب ان يحفظ الصحابة في أولادهم فلا يلعنوا لأجل آبائهم فكان يجب ان يحفظ سعد بن أبي وقاص فلا يلعن عمر ابن سعد قاتل الحسين " ع " وان يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد صاحب وقعة الحرة وقاتل الحسين " ع " ومخيف المسجد الحرام بمكة وان يحفظ عمر بن الخطاب في عبيد الله ابنه قاتل الهرمزان والمحارب عليا في صفين قال على أنه لو كان الامساك عن عداوة من عادى الله من أصحاب محمد رسول الله من حفظ رسول الله في أصحابه ورعاية
16 عهده وعقده لم نعادهم ولو ضربت رقابنا بالسيوف ولكن محبة رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه ليست كمحبة الجهال الذين يضع أحدهم حجته لصاحبه مع المعصية وانما أوجب رسول الله صلى الله عليه وآله محبة أصحابه لطاعة الله فإذا عصوا الله وتركوا ما أوجب محبتهم فليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله محاباة في ترك لزوم ما كان عليه في محبتهم ولا تغطرس في العدول عن التمسك بموالاتهم فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب ان يعادي أعداء الله ولو كانوا عترته كما يحب ان يوالي أولياء الله وان كانوا أبعد الخلق نسبا منه والشاهد على ذلك اجماع الأمة على أن الله تعالى أوجب عداوة من ارتد بعد الإسلام وعداوة من نافق وان كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي أمر بذلك ودعا إليه وذلك أنه صلى الله عليه وآله قد أوجب قطع يد السارق وضرب القاذف وجلد البكر إذا زنا وان كان من المهاجرين والأنصار الا ترى انه قال لو سرقت فاطمة لقطعتها فهذه ابنته الجارية مجرى نفسه لم يحابها في دين الله ولا راقبها في حدود الله وجلد أصحاب الإفك وفيهم سطح بن أثاثه وكان من أهل بدر قال وبعد فلو كان محل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله محل من لا يعادى إذا عصى الله سبحانه ولا يذكر بالقبيح بل يجب ان يراقب لأجل اسم الصحبة ويغضى عن عيوبه وذنوبه لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثنائه في القرآن لما اتبع هواه فانسلخ عما أوتي من الآيات وغوى قال سبحانه واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولكان ينبغي ان يكون محل عبده العجل من أصحاب موسى " ع " هذا المحل لأن هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا جليلا من رسل الله تعالى قال ولو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة لعلمت ذلك من حال أنفسها لانهم أعرف بحالهم من عوام أهل دهرنا وإذا قدرت أفعال بعضهم ببعض دلتك على أن القصة على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم هذا على وعمار وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وجميع من كان مع علي " ع " من المهاجرين والأنصار لم يروا
17 ان يتغافلوا عن طلحة والزبير حتى فعلوا بهما وبمن معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا وهذا طلحة والزبير وعايشة ومن كان معهم وفى جانبهم لم يروا ان يمسكوا عن علي " ع " حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا وهذا معاوية وعمر ولم يريا عليا " ع " بالعين التي يرى بها العامي صديقه أو جاره ولم يقصرا دون ضرب وجهه بالسيف ولعنه ولعن أولاده وكل من كان حيا من أهله وقتل أصحابه وقد لعنهما هو أيضا في الصلاة المفروضات ولعن معهما أبا الأعور السلمي وأبا موسى الأشعري وكلاهما من الصحابة وهذا سعد بن أبي وقاص ومحمد به سلمة وأسامة ابن زيد وسعد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الله بن عمر وحسان بن ثابت وأنس بن مالك لم يروا ان يقلدوا عليا " ع " في حرب طلحة ولا طلحة في حرب على " ع " وطلحة والزبير باجماع المسلمين أفضل من هؤلاء المعدودين لأنهم زعموا انهم قد خافوا ان يكون على " ع " قد غلط وزل في حربهما وخافوا ان يكونا قد غلطا وزلا في حرب على " ع " وهذا عثمان قد نفى أبا ذر إلى الربذة كما يفعل باهل الخنا والريب وهذا عمار وابن مسعود تلقيا عثمان بما تلقياه به لما ظهر لهما بزعمهما منه ما وعظاه لأجله ثم فعل عثمان ما تناهى إليكم ثم فعل القوم بعثمان ما قد علمتم وعلم الناس كلهم وهذا عمر يقول في قصة الزبير بن العوام لما استأذنه في الغزو أنى ممسك بباب هذا الشعب ان يتفرق أصحاب محمد صلى الله عليه وآله في الناس فيضلوهم وزعم أنه وأبا بكر كانا يقولان ان عليا والعباس في قصة الميراث في عمهما كاذبين ظالمين فاجرين وما رأينا عليا والعباس اعتذرا ولا تنصلا ولا نقل أحد من أصحاب الحديث ذلك ولا رأيا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنكروا عليهما ما حكاه عمرو عنهما ونسبه إليهما ولا أنكروا أيضا على عمر وقوله في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله انهم يريدون إضلال الناس ويهمون به ولا أنكروا على عثمان دوس بطن عمار ولا كسر ضلع بن مسعود ولا على عمار وابن مسعود ما تلقيا به عثمان كانكار العامة اليوم الخوض في حديث الصحابة ولا اعتقدت
18 الصحابة في أنفسها ما تعتقده العامة فيها اللهم إلا أن يزعموا انهم أعرف بحق القوم منهم وهذا على وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية نحن معاشر الأنبياء لا نورث ويقولون انها مختلقة قالوا وكيف كان النبي صلى الله عليه وآله يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة ونحن أولى الناس بان يؤدى هذا الحكم إليه وهذا عمر بن الخطاب يشهد لأهل الشورى انهم النفر الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو عنهم راض ثم يأمر بضرب أعناقهم ان أخر وافصل حال الإمامة هذا بعد أن ثلبهم وقال في حقهم ما لو سمعه العامة اليوم من قائل لوضعت ثوبه في عنقه سحبا إلى السلطان ثم شهدت عليه بالرفض واستحلت دمه فان كان الطعن على بعض الصحابة رفضا فعمر بن الخطاب ارفض الناس وامام الروافض كلهم ثم شاع واشتهر من قول عمر كانت بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه وهذا طعن في العقد وقدح في البيعة الأصلية ثم ما نقل عنه من ذكر أبى بكر في خلواته قوله عن عبد الرحمن وابنه انه دويبة سوء ولهو خير من أبيه ثم عمر القائل في سعد بن عبادة وهو رئيس الأنصار وسيدها اقتلوا سعدا قتل الله سعدا اقتلوه فإنه منافق قد شتم أبا هريرة وطعن في روايته وشتم خالد بن الوليد وطعن في دينه وحكم بفسقه وبوجوب قتله وخون عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ونسبهما إلى سرقة مال الفئ واقتطاعه وكان سريعا إلى المسائة كثير الجبه والشتم والسب لكل أحد وقل ان يكون في الصحابة من سلم من معرة لسانه أو يده ولذلك أبغضوه وملوا أيامه مع كثرة الفتوح فيها فهلا احترم عمر الصحابة كما تحترمهم العامة اما ان يكون عمر مخطئا واما ان تكون العامة على الخطأ فان قبلوا عمر ما شتم ولا ضرب ولا أساء الا إلى عاص مستحق لذلك قيل لهم فكانا نحن نقول إننا نريد ان نبرء ونعادي من لا يستحق البراءة والمعاداة كلا ما قلنا هذا ولا يقول هذا مسلم ولا عاقل وانما غرضنا الذي يجرى بكلامنا هذا ان نوضح ان الصحابة قوم من الناس لهم ما
19 للناس وعليهم ما عليهم من أساء منهم ذممناه ومن أحسن منهم حمدناه وليس لهم عن غيرهم من المسلمين كبير فضل الا بمشاهدة الرسول صلى الله عليه وآله ومعاصرته لا غير بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم لأنهم شاهدوا الأعلام والمعجزات فقرب اعتقادهم من الضرورة ونحن لم نشاهد ذلك فكانت عقايدنا محض النظر والفكر بعرضة الشبه والشكوك فمعاصينا أخف لأنا أعذر ثم نعود إلى ما كنا فيه فنقول وهذه عايشة أم المؤمنين خرجت بقميص رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبل وهذا عثمان قد أبلى سننه اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا ثم لم ترض بذلك حتى قالت اشهد ان عثمان جيفة على الصراط غدا فمن الناس من يقول روت بذلك خبرا ومن الناس من يقول موقوف عليها وبدون هذا لو قاله انسان اليوم يكون عند العامة زنديقا ثم قد حصر عثمان، حصره أعيان الصحابة فما كان أحد ينكر ذلك ولا يعظمه ولا يسعى ازالته وانما أنكر على من أنكر على المحاصرين له وهو رجل كما علمتم من وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم من أشرافهم ثم هو أقرب إليه من أبى بكر وعمر وهو مع ذلك امام المسلمين والمختار منهم للخلافة وللإمام حق على رعيته فان كان القوم قد أصابوا فإذن ليست الصحابة في الموضع الذي وضعتها به العامة وان كانوا ما أصابوا فهذا هو الذي نقول من أن الخطأ جائز على آحاد الصحابة كما يجوز على آحادنا اليوم ولسنا نقدح في الاجماع ولا ندعى اجماعا حقيقيا على قتل عثمان وانما نقول ان كثيرا من المسلمين فعلوا ذلك والخصم يسلم ان ذلك كان خطأ ومعصية فقد سلم ان الصحابي يجوز ان يخطى ويعصى وهو المطلوب وهذا المغيرة بن شعبة وهو من الصحابة ادعى عليه الزنا وشهد عليه قوم بذلك فلم ينكر ذلك عمر ولا قال هذا محال وباطل لأن هذا صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله لا يجوز عليه الزنا وهلا أنكر عمر على الشهود وقال لهم ويحكم هلا تغافلتم عنه لما رأيتموه يفعل ذلك فان الله تعالى قد أوجب الأمساك عن مساوي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأوجب الستر عليهم وهلا تركتموه
20 لرسول الله في قوله دعوا إلى أصحابي ما رأينا عمر الا قد انتصب لسماع الدعوى وإقامة الشهادة واقبل يقول للمغيرة يا مغيرة ذهب ربعك ذهب نصفك يا مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك حتى اضطرب الرابع فجلد الثلاثة وهلا قال المغيرة لعمر كيف تسمع في قول هؤلاء وليسوا من الصحابة وانا من الصحابة ورسول الله صلى الله عليه وآله قد قال أصحابي كالنجوم بابهم اقتديتم اهتديتم ما رأيناه قال ذلك بل استسلم لحكم الله تعالى وهيهنا من هو أمثل من المغيرة وأفضل قدامة بن مظعون لما شرب الخمر في أيام عمر فأقام عليه الحد وهو رجل من علية الصحابة ومن أهل بدر المشهود لهم بالجنة فلم يرد عمر الشهادة ولا داء عنه الحد لعله انه يدرى ولا قال قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذكر مساوي أصحابه وقد ضرب عمر أيضا ابنه حدا فمات وكان ممن عاصر رسول الله صلى الله عليه وآله ولم تمنعه معاصرته له من اقامته الحد عليه وهذا على " ع " يقول ما حدثني أحد بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله الا استحلفته عليه أليس هذا اتهاما لهم بالكذب وما استثنى أحدا من المسلمين الا أبا بكر على ما ورد في الخبر وقد صرح غير مرة بتكذيب أبي هريرة وقال لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال أبو بكر في مرضه الذي توفى فيه وددت انى لم اكشف بيت فاطمة ولو كان أغلق على حرب فندم والندم لا يكون الا ذنب ثم ينبغي للعاقل ان يفكر في تأخر على " ع " عن بيعة أبى بكر ستة أشهر إلى أن ماتت فاطمة " ع " فأن كان مصيبا فأبو بكر على الخطأ في انتصابه في الخلافة وان كان مصيبا فعلى على الخطأ في تأخره عن البيعة وحضور المسجد وقال أبو بكر في مرض موته أيضا للصحابة فلما استخلفت عليكم خيركم في نفسي يعنى عمر فكلكم ورم لذلك أنفه يريد ان يكون الأمر له لما رأيتم الدنيا قد جاءت اما والله لتتخذن ستاير الديباج ونضايد الحرير أليس هذا طعنا في الصحابة وتصريحا بأنه قد نسبهم إلى الحسد لعمر لما نص عليه بالعهد ولقد قال له طلحة لما ذكر عمر للأمر ماذا تقول لربك إذا سئلك عن عباده وقد وليت عليهم فظا غليظا
21 فقال أبو بكر اجلسوني اجلسوني أبا الله تخوفوني إذا سألني قلت وليت عليهم خير أهلك ثم شتمه وأتمه بكلام كثير منقول فهل قول طلحة إلا طعن في عمر وهل قول أبى بكر ألا طعن في طلحة ثم الذي كان بين أبي بن كعب وبين عبد الله ابن مسعود من السباب حتى نفى كل واحد منهما الآخر عن أبيه وكلمة أبي بن كعب مشهورة منقولة ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيهم صلى الله عليه وآله وقوله الا هلك أهل العقدة والله ما آسي عليهم انما آسى على من يضلون من الناس ثم قول عبد الرحمن بن عوف ما كنت أرى ان أعيش حتى يقول له عثمان يا منافق وقوله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما وليت عثمان شسع نعلي وقوله اللهم ان عثمان قد آلى ان لا يقيم كتابك فافعل به وافعل وقال عثمان لعلى " ع " في كلام دار بينهما أبو بكر وعمر خير منك فقال على " ع " كذبت انا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما. وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: كنت عند عروة بن الزبير فتذاكرنا كم أقام النبي صلى الله عليه وآله بمكة بعد الوحي فقال عروة أقام عشرا فقلت كان ابن عباس يقول أقام ثلاث عشرة فقال كذب ابن عباس وقال ابن عباس المتعة حلال فقال له جبير بن مطعم كان عمر ينهى عنها فقال يا عدى نفسه من هيهنا ضللتم أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وتحدثني عن عمر وجاء في الخبر عن علي لولا ما فعل ابن الخطاب في المتعة ما زنى الا شقي وقيل ما زنى إلا شقي أي قليل سب بعضهم بعضا وقدح بعضهم في بعض في المسائل الفقهية أكثر من أن يحصى مثل قول ابن عباس وهو يرد على زيد مذهبه في العول في الفرائض ان شاء أو قال من شاء باهلته ان الذي حصى رمل عالج عددا أعدل من أن يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا هذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ ومثل قول ابن أبي بن كعب في القرآن لقد رأيت القرآن وزيد هذا غلام ذو ذوابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب فقال على في أمهات الأولاد وهو على المنبر كان رأى أبى
22 بكر ورأى عمر الا يبعن وأنا أرى الآن بيعهن فقام إليه عبد الله السلماني فقال له رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك في الفرقة وكان أبو بكر يرى التسوية في قسم الغنائم وخالفه عمر وأنكر فعله وأنكرت عايشة على أبى سلمة بن عبد الرحمن خلافه على ابن عباس في المتوفى عنها زوجها وهي حاملة وقالت فروج يصقع مع الديكة وأنكرت الصحابة على ابن عباس قوله في الصرف وسفهوا رأيه حتى قيل إنه تاب من ذلك عند موته واختلفوا في حد شارب الخمر حتى خطأ بعضهم بعضا. وروى بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال الشؤم في ثلاثة المرأة والدار والفرس فأنكرت عايشة ذلك وكذبت الراوي وقالت إنه انما قال صلى الله عليه وآله ذلك حكاية عن غيره. وروى أيضا بعض الصحابة عنه صلى الله عليه وآله انه قال التاجر فاجر فأنكرت عايشة ذلك وقلت انما قاله صلى الله عليه وآله في تاجر دلس وأنكر قوم من الأنصار رواية أبى الأئمة من قريش ونسبوه إلى افتعال هذه الكلمة وكان أبو بكر يقضى بالقضاء فينقضه عليه أصاغر الصحابة كبلال وصهيب ونحوهما قد روى ذلك في عدة قضايا وقيل لابن عباس ان عبد الله بن الزبير يزعم أن موسى صاحب الخضر " ع " ليس موسى بني إسرائيل فقال كذب عدو الله أخبرني أبي ابن كعب قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر كلاما يدل على أن موسى صاحب الخضر هو موسى نبي إسرائيل وباع معاوية أواني ذهب وفضة بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء من عذيري من معاوية أخبره عن الرسول صلى الله عليه وآله وهو يخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض ابدا وطعن ابن عباس في خبر أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخلن يده في الأناء حتى يتوضأ وقال فما نصنع بالسهراس وقال على " ع " لعمر وقد أفتاه الصحابة في مسألة واجمعوا عليها ان كانوا راقبوك فقد غشوك وان كان هذا جهد رأيهم فقد أخطأوا وقال ابن عباس
23 الا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الأبن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا وقالت عايشة أخبروا زيد ابن أرقم انه قد أحبط جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأنكرت الصحابة على أبى موسى قوله ان النوم لا ينقض الوضوء ونسبته إلى الغفلة وقلة التحصيل وكذلك أنكرت على أبى طلحة الأنصاري قوله ان اكل البرد لا يفطر الصائم وهزئت به ونسبته إلى الجهل وسمع عمر عبد الله بن مسعود وأبى ابن كعب يختلفان في صلاة الرجل في الثوب الواحد فصعد المنبر وقال إذا اختلف اثنان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فعن أي فتياكم يصدر المسلمون لا يختلفان بعد مقامي هذا إلا فعلت وصنعت وقال جرير بن كليب رأيت عمر ينهى عن المتعة وعلى " ع " يأمر بها فقلت ان بينكما لشرا فقال على " ع " ليس بيننا الا الخير ولكن خيرنا أتبعنا لهذا الدين قال هذا المتكلم وكيف يصح ان يقول رسول الله صلى الله عليه وآله (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) لا شبهة ان هذا يوجب ان يكون أهل الشام وصفين على هدى وأن يكون أهل العراق أيضا على هدى وأن يكون قاتل عمار ابن ياسر مهتديا وقد صح الخبر الصحيح انه صلى الله عليه وآله قال له نقتلك الفئة الباغية وقال في القرآن فقاتلوا التي تبغى حتى تفي إلى أمر الله فدل على انها ما دامت موصوفة بالمقام على البغي مفارقة لأمر الله ومن يفارق أمر الله لا يكون مهتديا وكان يجب ان يكون بسر بن أرطاة الذي ذبح ولدى عبيد الله بن العباس الصغيرين مهتديا لأن بسر من الصحابة أيضا وكان يجب ان يكون عمر وابن العاص ومعاوية الذين كانا يلعنان عليا " ع " في أدبار الصلاة وولديه مهتدين وقد كان في الصحابة من يزنى ومن يشرب الخمر كأبي محجن الثقفي ومن ارتد عن الإسلام كطلحة بن خويلد فيجب ان يكون كل من اقتدى بهؤلاء في أفعالهم مهتديا قال وانما هذا من موضوعات متعصبة الأموية فان لهم من ينصرهم بلسانه وبوضعه الأحاديث إذا عجز عن نصرهم بالسيف وكل القول في الحديث الآخر وهو قوله القرن الذي انا فيه ومما يدل على بطلانه ان القرن
24 الذي جاء بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا وهو أحد القرون التي ذكرها في النص وكان ذلك القرن هو القرن الذي قتل فيه الحسين " ع " وأوقع بالمدينة وحوصرت مكة ونقضت الكعبة وشرب خلفاؤه والقائمون مقامه والمنتصبون في منصب النبوة الخمر وارتكبوا الفجور كما جرى ليزيد بن معاوية وليزيد بن عاتكة وللوليد بن يزيد وأريقت الدماء الحرام وقتل المسلمون وسبى الحريم واستعبد أولاد المهاجرين والأنصار ونقش على أيديهم كما ينقش على أيدي الروم وذلك في خلافة عبد الملك وإمرة الحجاج وإذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرا كلها لا خير فيها ولا في رؤسائها وأمرائها والناس برؤسائهم وأمرائهم والقرن خمسون سنة فكيف يصح هذا الخبر قال فاما ما ورد في القرآن من قوله تعالى لقد رضى الله عن المؤمنين وقوله سبحانه محمد رسول الله والذين معه وقول النبي صلى الله عليه وآله ان الله أطلع على أهل بدر ان كان الخبر صحيحا فكله مشروط بسلامة العاقبة ولا يجوز ان يخبر الحكيم مكلفا غير معصوم بأنه لا عقاب عليه فليفعل ما شاء قال ومن أنصف وتأمل أحوال الصحابة وجدهم مثلنا يجوز عليهم ما يجوز علينا ولا فرق بيننا وبينهم الا الصحبة لا غير فان لها منزلة وشرفا ولكن لا إلى حد يمتنع على كل من رأى الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه يوما أو شهرا أو أكثر من ذلك أن لا يخطئ ويزل ولو كان هذا صحيحا ما احتاجت عايشة إلى نزول براءتها من السماء بل كان رسول الله صلى الله عليه وآله من أول يوم يعلم كذب أهل الإفك لأنها زوجته وصحبتها له أوكد من صحبة غير ما وصفوان بن المعطل كان من الصحابة أيضا فكان ينبغي ان لا يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يحمل ذلك الهم والغم الشديدين اللذين حملهما ويقول صفوان من الصحابة وعايشة من الصحابة والمعصية عليهما ممتنعة وأمثال هذا كثير وأكثر من الكثير لمن أراد ان يستقري أحوال القوم وقد كان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك ولا يقولون في العصاة منهم مثل هذا القول وانما اتخذهم العامة أربابا
25 بعد ذلك قال ومن الذي يجترئ على القول بان أصحاب محمد صلى الله عليه وآله لا تجوز البراءة من أحد منهم وان أساء وعصى بعد قول الله تعالى للذي شرفوا برؤيته لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين وبعد قوله سبحانه وتعالى قل انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم وبعد قوله عز وجل فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد الا من لا فهم له ولا نظر معه ولا تمييز عنده قال ومن أحب ان ينظر اختلاف الصحابة وطعن بعضهم في بعض ورد بعضهم على بعض وما رد به التابعون عليهم واعترضوا به أقوالهم واختلاف التابعين أيضا فيما بينهم وقدح بعضهم في بعض فلينظر في كتاب النظام وقال الجاحظ كان النظام أشد الناس انكارا على الرافضة لطعنهم على الصحابة حتى إذا ذكر الفتيا وتنقل الصحابة فيها وقضاياهم بالأمور المختلفة وقول من استعمل الرأي في دين الله انتظم مطاعن الرافضة وغيرها وزاد عليها وقال في الصحابة اضعاف قولها قال وقال بعض رؤساء المعتزلة غلط أبى خليفة الذي منه تفرع غلط إبراهيم أغلط وأعظم وهو في الاحكام عظيم لأنه أضل خلقا وغلط حماد أعظم من غلط أبي حنيفة لأن حمادا أصل أبي حنيفة الذي منه تفرع غلط إبراهيم وأعظم من غلط حماد غلط علقمة والأسود أعظم من غلط إبراهيم لأنهما أصله الذي عليه اعتمد وغلط ابن مسعود أعظم من غلط هؤلاء جميعا لأنه أول من بدر إلى وضع الأديان برأيه وهو الذي قال أقول فيها برأيي فان يكن صوابا فمن الله وان يكن خطأ فمني قال واستأذن أصحاب الحديث على ثمامة بخراسان حيث كان مع الرشيد بن المهدى فسألوه كتابه الذي صنفه في الرد على أبي حنيفة في اجتهاد الرأي فقال لست على أبي حنيفة كتبت ذلك الكتاب وانما كتبته على علقمة والأسود وعبد الله ابن مسعود لأنهم الذين قالوا بالرأي قبل أبي حنيفة قال وقال وكان بعض المعتزلة أيضا إذا ذكر ابن عباس استصغره.
26 وقال صاحب (الدراية) يقول في دين الله برأيه وذكر الجاحظ في كتابه المعروف بكتاب (التوحيد) ان أبا هريرة ليس بثقة في الرواية. عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ولم يكن على يوثقه في الرواية بل يتهمه ويقدح فيه وكذلك عمر وعايشة وكان الجاحظ يفسق عمر بن عبد العزيز ويستهزئ به ويكفره وعمر بن عبد العزيز وان لم يكن من الصحابة فأكثر العامة يرى له من الفضل ما يراه لواحد من الصحابة قال وكيف يجوز ان نحكم حكما جزما ان كل واحد من الصحابة عدل ومن جملة الصحابة الحكم بن أبي العاص وكفاك به عدوا مبغضا لرسول الله ومن الصحابة الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب ومنهم حبيب بن سلمة الذي فعل ما فعل بالمسلمين في دولة معاوية وبسر ابن أرطاة عدو الله وعدو رسوله وفى الصحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس وقال كثير من المسلمين مات رسول الله (ص) ولم يعرفه سبحانه كل المنافقين بأعيانهم وانما كان يعرف قوما منهم ولم يعلم بهم أحدا الا حذيفة فيما زعموا فكيف يجوز ان نحكم حكما جزما ان كل واحد ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وآله أو رآه أو عاصره عدل مأمون لا يقع منه خطأ ومن الذي يمكنه ان يتحجر واسعا كهذا التحجر أو يحكم هذ الحكم قال واعجب من الحشوية وأصحاب الحديث إذ يجادلون على معاصي الأنبياء ويثبتون انهم عصوا الله وينكرون على من ينكر ذلك ويطعنون فيه ويقولون هذا رأى معتزلي وربما قالوا ملحد مخالف لنص الكتاب وقد رأينا منهم الواحد والمائة والألف يجادل في هذا الباب فتارة يقولون ان يوسف " ع " قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة وتارة يقولون ان داود " ع " قتل أوريا لنكح امرأته وتارة يقولون ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان كافرا ضالا قبل النبوة وربما ذكروا زينب بنت جحش وقصة الغذاء يوم بدر فاما قدحهم في آدم وإثباتهم معصيته ومناظرتهم من ينكر ذلك فهو دأبهم وديدنهم فإذا تكلم واحد في عمرو بن العاص أو في معاوية وأمثالهما ونسبهم إلى المعصية وفعل
27 القبيح احمرت وجوههم وطالت أعناقهم وتخازرت أعينهم وقالوا مبتدع رافضي يسب الصحابة ويشتم السلف فان قالوا انما اتبعنا في ذكر معاصي الأنبياء نصوص الكتاب قيل لهم فاتبعوا في البراءة من جميع العصاة نصوص الكتاب فإنه تعالى قال لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله وقال فان بغت إحديهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله وقال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ثم يسألون عن بيعة على " ع " هل هي صحيحة لازمة لكل الناس فلا بد من أن يقولوا بلى فيقال لهم فإذا خرج على الإمام الحق خارج أليس يجب على المسلمين قتاله حتى يعود إلى الطاعة فهل يكون هذا القتال الا البراءة التي نذكر هنا لأنه لا فرق بين الأمرين وانما برئنا منهم لأنا لسنا في زمانهم فيمكننا ان نقاتل بأيدينا فقصارى أمرنا ان نبرأ الآن منهم ونلعنهم ويكون ذلك عوضا عن القتال الذي لا سبيل لنا إليه قال هذا المتكلم على أن النظام وأصحابه ذهبوا إلى أنه لا حجة في الاجماع وأنه يجوز ان تجمع الأمة على الخطأ وعلى المعصية وعلى الفسق بل على الردة وله كتاب موضوع في الاجماع بطعن فيه في أدلة الفقهاء ويقول إنها ألفاظ غير صريحة في كون الاجماع حجة نحو قوله تعالى جعلناكم أمة وسطا وقوله تعالى كنتم خير أمة وقوله تعالى ويتبع غير سبيل المؤمنين. واما الخبر الذي صورته لا تجتمع أمتي على خطأ فخبر واحد ومثل دليل الفقهاء قولهم ان الهمم المختلفة والآراء المتباينة إذا كان أربابها كثيرة عظيمة فإنه يستحيل اجتماعهم على الخطأ وهذا باطل باليهود والنصارى وغيرهم من فرق الضلال هذه خلاصة ما ذكره في الرد على أبى المعالي الجويني وهو كلام إذا تأمله من ليس في قلبه مرض علم أنه أصاب به شاكلة الغرض. وقال السيد علي بن طاوس في (الطرايف) من طريف ما رأيت من مناقضاتهم انني سمعت جماعة من هؤلاء الأربعة المذاهب ورأيت في كتبهم انهم
28 يستعظمون ذكر أحد من الصحابة بسوء حتى لو علموا ان رجلا ذكر عن أبي بكر وعمر وأمثالهما نقصا أو روى لهم عيبا أو يلعنهم أو غلب على ظنهم ان أحدا ينسب إلى هؤلاء الصحابة خطيئة فإنهم يضللون القائل والناقل والمستمع ويبيح كثير منهم دماء من تعمد ذلك فمن اعتقادهم في ذلك ما ذكره أبو إسماعيل عبد الله ابن محمد الأنصاري الهروي وهو من علماء الأربعة للمذاهب في كتاب الاعتقاد ما هذا لفظه ان الصحابة كلهم عدول رجالهم ونساؤهم. ثم قال عقيب ذلك فمن يتكلم فيهم بتهمة أو تكذيب فقد توثب على الإسلام بالأبطال ومن ذلك ما ذكره الغزالي في كتاب الأحياء وفى كتاب قواعد العقائد في الأصل التاسع قال واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة. قال السيد (ره) هذا يناقض ما رووه عن نبيهم صلى الله عليه وآله انه قال لعلي " ع " انك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين فقاتلهم بأمر نبيهم وكانوا من الصحابة وسفكت الدماء بين الفريقين قال ومما رأيت من تكذيب هؤلاء الأربعة المذاهب لأنفسهم وذمهم لكثير من صحابة نبيهم جملة وتفصيلا وشهاداتهم ان نبيهم ذمهم وشهد عليهم بالضلال ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند سهل ابن سعد في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول انا فرطكم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ ابدا وليردن على أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم قال أبو حازم فسمع النعمان ابن أبي عباس وانا أحدثهم هذا الحديث فقال هكذا سمعت سهلا يقول قال فقلت نعم فقال وانا اشهد على أبى سعيد الخدري لسمعته يزيد ويقول إنهم أمتي فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا لمن بدل بعدي ومن ذلك ما رووه في الجمع بين الصحيحين أيضا للحميدي في الحديث الستين من المتفق عليه من مسند عبد الله بن عباس قال إن النبي صلى الله عليه وآله قال الا وانه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال انك لا تدرى ما
29 أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم قال فيقال لي انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ومن ذلك ما رووه أيضا في الجمع بين الصحيحين للحميدي في الحديث الحادي والثلاثين بعد المائة من المتفق عليه من مسند انس بن مالك قال إن النبي صلى الله عليه وآله قال ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ودفعوا إلى اختلجوا دوني فأقولن أي رب أصحابي أصحابي فيقالن لي انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ومن ذلك ما رووه في الجمع بين الصحيحين أيضا للحميدي في الحديث السابع والستين بعد المائتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة من طرق فمنها عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وآله بينما انا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم فقال هلموا قلت إلى أين قال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم فقال هلموا قلت إلى أين فقال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال إنهم ارتدوا على أدبارهم فلا أرى يخلص منهم الا مثل همل النعم ورووا نحو ذلك في مسند أم سلمة من عدة طرق ومن مسند عايشة ورووا نحو ذلك من مسند أسماء بنت أبي بكر ورووا نحو ذلك من مسند سعيد بن المسيب وجميع هذه الروايات في الجمع بين الصحيحين للحميدي ومن ذلك ما رواه أيضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا فرطكم على الحوض وليدفعن إلى رجال منكم حتى إذا هويت إليهم لأتناولهم اختلجوا دوني فأقول أي رب أصحابي فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ومن ذلك ما رووه في الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في مسند أبى الدرداء في الحديث الأول من صحيح البخاري قالت أم الدرداء في الحديث الأول دخل أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك فقال والله ما أعرف من أمر محمد شيئا الا انهم يصلون جميعا ومن ذلك ما رووه في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الأول من صحيح
30 البخاري من مسند انس بن مالك عن الزهري قال دخلت على انس بن مالك بدمشق وهو يبكى فقلت ما يبكيك فقال لا أعرف شيئا مما أدركت الا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت، وفى حديث آخر منه ما أعرف شيئا مما كان على عهد رسول الله قبل الصلاة قال أليس صنعتم ما صنعتم فيها ومن ذلك ما رووه أيضا في الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في الحديث السادس بعد الثلثمائة من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال عن النبي صلى الله عليه وآله في أواخر الحديث المذكور ان مثلي كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهي الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فذلك مثلي ومثلكم انا آخذ بحجزتكم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها. قال السيد ره هذه بعض أحاديثهم الصحاح فيما ذكروه عن بعض صحابة نبيهم وما يقع منهم بعد وفاته فإذا كان شهد نبيهم على جماعة من أصحابه بالضلال والهلاك وانهم ممن كان يحسن ظنه بهم في حياته ولولا حسن ظنه بهم ما قال أي رب أصحابي ثم يكون ضلالهم قد بلغ إلى حد لا تقبل شفاعة نبيهم فيهم ويختلجون دونه وتارة يبلغ غضب نبيهم عليهم إلى أن يقول سحقا سحقا وتارة يقول إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم وتارة يشهد عليهم أبو الدرداء وأنس ابن مالك وهما من أعيان الصحابة عندهم بأنه ما بقى من شريعة محمد صلى الله عليه وآله الا الاجتماع في الصلاة ثم يقول أنس قد ضيعوا الصلاة وتارة يشهد على قوم من أصحابه يشفق عليه ويأخذ بحجزتهم عن النار وينهاهم مرارا بلسان الحال والمقال فيغلبونه ويسقطون فيها وقد تضمن كتابهم وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا نعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين فكيف ينبغي ان يجوز لمسلم ان يرد شهادة الله وشهادة رسوله بضلال كثير من صحابة نبيهم وهل يرد ذلك من المسلمين الا ممن هو شاك في قول الله تعالى وقول النبي أو مكابر للعيان وكيف يلام أو يذم من صدق الله ورسوله في ذم بعض أصحابه أو اعتقاد
31 ضلاله وكيف استحسنوا لأنفسهم ان يرووا مثل هذه الأخبار الصحاح ثم ينكروا على الفرقة المعروفة بالرافضة ما أقروا لهم بأعظم منه وزكوهم فيه وكيف يرغب ذو بصيرة في اتباع هؤلاء الأربعة المذاهب وقد بلغوا إلى هذه الغايات من المناقضات واضطراب المقالات والروايات. المقدمة الثالثة في تقسيم الصحابي بحسب الرد والقبول إلى مردود ومقبول اعلم: ان الصحابي لا يخلو من أن يكون اسلامه مسبوقا بكفر كما هو غالب الوقوع أو لم يكن مسبوقا بكفر بل نشأ على الفطرة الإسلامية وهو قليل كأمير المؤمنين عليه السلام والسبطين من المقبولين وعبد الله بن الزبير من المردودين وكل من القسمين اما ان يكون كثير الصحبة والملازمة للنبي صلى الله عليه وآله أولا فان كان كثير الصحبة فلا يخلو من أن يكون سمع النص الجلي في شأن أمير المؤمنين أو لم يسمع والذي سمع لا يخلو من أن يكون عمل بمقتضى النص ولم يخالف كالمقداد وسلمان وأبي ذر (رض) أو لم يعلم والأول مقبول قطعا والثاني أما أن يكون عدم علمه بمقتضى النص عنادا واستكبارا أو أكراها وإجبارا الأول ان كان مسلما فطريا فهو عند بعض الشيعة مرتد فطري لا تقبل له توبة ولا تغفر له حوبة وأن لم يكن مسلما فطريا فان استبصر ثانيا ورجع إلى العمل بمقتضى النص فهو مقبول والا كان مرتدا غير فطري وكان مردودا وتقبل توبته ثانيا ومن ترك العمل بمقتضى النص عن اكراه مقبول مع تحقق شرائط العدالة فيه والذي لم يسمع النص لا يخلو من أن يكون اعتمد على دليل آخر غير النص في أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله هو أمير المؤمنين " ع " من غير فصل وأعتقد ذلك اعتقادا جزما ولم تعترضه شبهة يجوز معها صحة خلافة غيره ومتابعته أو لم يعتقد ذلك بل كان صاحب شبهة
32 والأول أما لم يعدل عن أمير المؤمنين " ع " أو عدل وعدوله أما عن أكراه وإجبار أو عن عناد وإصرار القسمان الأولان مقبولان والثالث ان لم يكن مسلما فطريا ورجع كان مقبولا والا فمردود والثاني أعني الذي لم يعتقد تعيين أمير المؤمنين " ع " للخلافة واختلجته شبهة في ذلك أما أن يكون نجا من أسر شبهته أو استمر في عمهه وحيرته الأول مقبول والثاني عند بعض علمائنا معذور وقيل لا يعذر ويحكم عليه بالفسق لأن هذا المطلب ضروري والشبهة فيه تضمحل بأدنى توجه فلا تسمع دعوى استمرار الشبهة فيه إلا ان يكون المدعى لذلك بليدا وعن مرتبة قابلية الخطاب ساقطا بعيدا وفى الجملة لا يحكم على هذا القسم بالكفر والارتداد بل هو أما فاسق أو على ظاهر العدالة والقسم الثاني من التقسيم الأول أعني الذي لم يكن كثير الصحبة للنبي صلى الله عليه وآله ولم يسمع النص منه في الخلافة أما أن يكون عالما بالنص من طريق آخر أولا والأول أن عمل بمقتضى علمه فهو مقبول وأن لم يعمل فان كان عدم علمه عن عناد وكان مسلما فطريا كان مرتدا لا تقبل توبته والا كان مقبولا ان تاب وان كان عن أكراه وإجبار كان مقبولا والثاني أعني من لم يكن عالما بثبوت النص مطلقا يجرى فيه بعض التقسيمات السابقة فيقسم إلى مردود ومقبول كما علمت والمقصود بايراد هذه المقدمة دفع ما توهمته العامة وتقرر في أوهامها من أن الشيعة يكفرون جميع الصحابة أو أكثرهم وليس كذلك وكيف وهذا أفضل المحققين من الشيعة نصير الدين الطوسي يقول في كتابه المسمى بالتجريد محاربو على " ع " كفرة ومخالفوه فسقة ومن المعلوم ان أكثر الصحابة لم يحاربوا عليا " ع " ولكنهم خالفوه بدفع النص. وقال العلامة الحلي (ره) في شرح التجريد والمحارب لعلى " ع " كافر لقول النبي صلى الله عليه وآله حربك يا علي حربي ولا شك في كفر من حارب النبي صلى الله عليه وآله وأما مخالفوه فقد اختلف قول علمائنا فيهم فمنهم من حكم بكفرهم لأنهم دفعوا
33 ما علم ثبوته من الدين ضرورة وهو النص الجلي الدال على إمامته " ع " مع تواتره وذهب آخرون إلى انهم فسقة وهو الأقوى انتهى واستبعدت العامة أن يجتمع جمهور الصحابة على الفسق والضلال بل رأوا أن ذلك من المحال وأي استبعاد في ذلك وهؤلاء أصحاب موسى نبي الله " ع " وهم ستمائة ألف انسان وقد شاهدوا الآيات والمعجزات وعرفوا الحجج والبينات لم يستحل عليهم أن يجتمعوا على خلاف نبيهم " ع " وهو حي بين أظهرهم حتى خالفوا خليفته وهو يدعوهم ويعظهم ويحذرهم من الخلاف وينذرهم فلا يصغون إلى شئ من قوله ويعكفون على عبادة العجل من دون الله عز وجل. ثم قد تضافرت الأخبار عن أمير المؤمنين " ع " في التظلم من قريش والعرب الذين هم الصحابة من وجوه ليس لانكارها سبيل وهو " ع " أجل من أن يقول غير الحق وكفاك بخطبته المشهورة المعروفة بالشقشقية تظلما وتألما وشكوى وهي قوله " ع " أما والله لقد تقصها ابن أبي قحافة وأنه ليعلم أن محلى منها محل القطب من الرحى ينحدر عنى السيل ولا يرقى إلى الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفى العين قذى وفى الحلق شجى أرى ترائى نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ثم تمثل بقول الأعشى: (شتان ما يومى على كورها) (ويوم حيان أخي جابر) فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة أن أشنق لها خرم وأن أسلس لها تقحم في الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض فصبرت على طولة المدة
34 وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم انى أحدهم فيالله وللشورى متى أعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا فصغى منهم رجل لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث عليه فتله وأجهز عمله وكبت به بطنته فما راعني إلا والناس كعرف الضبع ينثالون على من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله تعالى على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم وسغب مظلوم لا لقيت حبلها على غاربها وسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز قالوا: وقام إليه رجل من السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا فاقبل ينظر فيه فلما فرغ من قراءته قال له ابن عباس لو أطردت مقالتك من حيث أفضيت فقال " ع " هيهات يا بن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت قال ابن عباس فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على ذلك الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين " ع " بلغ منه حيث أراد. قال العلامة الحلي رحمه الله في كتاب نهج الحق هذا يدل بصريحه على تألم أمير المؤمنين " ع " وتظلمه من هؤلاء الصحابة وأن المستحق للخلافة هو وأنهم منعوه عنها ومن الممتنع ادعاؤه الكذب في هذا المقام وقد شهد الله تعالى له بالطهارة وإذهاب الرجس عنه وجعله وليا لنا في قوله تعالى انما وليكم الله ورسوله
35 وامر النبي صلى الله عليه وآله بالاستعانة به في دعاء المباهلة فوجب أن يكون محقا في أقواله. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج وأما قول ابن عباس ما آسفت على كلام إلى آخره فحدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي قال قرأت على الشيخ أبى محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة فلما انتهيت إلى هذا الموضع قال لي لو سمعت ابن عباس يقول هذا لقلت له وهل بقى في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتأسف أن لا يكون بلغ من كلامه ما أراد والله ما رجع عن الأولين ولا عن الآخرين ولا بقى في نفسه أحد لم يذكره الا رسول الله صلى الله عليه وآله. قال مصدق وكان ابن الخشاب صاحب دعابة وهزل قال فقلت له أتقول أنها منحولة فقال لا والله وأنى لأعلم أنها كلامه " ع " كما أعلم انك مصدق قال فقلت له أن كثيرا من الناس يقولون أنها من كلام الرضى فقال لي انى للرضي وغير الرضى هذا النفس وهذا الأسلوب وقد وقفنا على رسائل الرضى وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنشور وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر ثم قال والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب قد صنفت قبل أن يحلق الرضى بمائتي سنة ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هي من العلماء قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضى. قال ابن أبي الحديد وقد وجدت أنا هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبى القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضى بمدة طويلة ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبى جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية في الكتاب المعروف بكتاب الإنصاف كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبى القاسم البلخي ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضى موجودا وقال الشيخ بن ميثم وقد وجدتها بنسخة عليها خط الوزير أبى الحسن على
36 ابن محمد بن الفرات وكان وزير المقتدر بالله وذلك قبل مولد الرضى بنيف وستين سنة. قال المؤلف وقد روى هذه الخطبة الحسن بن عبد الله بن مسعود العسكري من أهل السنة في كتاب معاني الأخبار بأسناده عن ابن عباس ولكن العامة لما لم يمكنهم الجواب عما تضمنته هذه الخطبة من القدح الصريح في أئمتهم لم يجدوا لهم مفرا الا ادعاء إنها منحولة: وهبني قلت هذا الصبح ليل * أيعمى العالمون عن الضياء قال ابن أبي الحديد راويا في شرح النهج مرفوعا قال: قال له قائل يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ترك ولدا ذكرا قد بلغ الحلم وآنس منه الرشد كانت العرب تسلم إليه أمرها؟ قال لا بل كانت تقتله أن لم يفعل ما فعلت أن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وآله وحسدته على ما أتاه الله من فضله واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ونفرت به ناقته مع عظيم إحسانه إليها وجسيم منته عندها وأجمعت مذ كان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته ولولا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة وسلما إلى العز والامرة لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا ولارتدت في حافرتها وعاد قارحها جذعا وبازلها بكرا ثم فتح الله الفتوح فأثرت بعد الفاقة وتمولت بعد الجهد والمخمصة فحس في عيونها من الإسلام ما كان سمجا وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا وقالت لولا أنه حق لما كان كذا ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين فكنا نحن ممن خمل ذكره وخبت ناره وانقطع صوته وصيته واكل الدهر علينا وشرب ومضت السنون والأحقاب بما فيها ومات كثير ممن يعرف ونشأ كثير ممن لا يعرف وما عسى أن يكون الولد لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقربني ما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة بل للجهاد والنصيحة افتراه لو كان له ولد يفعل ما فعلت كذلك لم يكن يقرب ما قربت ثم لم يكن ذلك عند قريش والعرب سببا للحظوة
37 والمنزلة بل للحرمان والجفوة اللهم انك تعلم أنى لم أرد الأمرة ولا علو الملك والرياسة وإنما أردت القيام بحدودك والأداء لشرعك ووضع الأمور في مواضعها وتوفير الحقوق على أهلها والمضي على منهاج نبيك وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك وروى عنه " ع " أيضا أنه قال اللهم إني أستعديك على قريس فأنهم أضمروا لرسول الله ضروبا من الشر والغدر فعجزوا عنها وحلت بينهم وبينها فكانت الوجبة بي والدائرة على اللهم أحفظ حسنا وحسينا ولا نمكن فجرة قريش منهما ما دمت حيا فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد. وروى أنه قال أما والله الذي خلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأمي إلى أن الأمة ستغدر بك من بعدي وقال " ع " قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله أن اجتمعوا عليك فاصنع ما أمرتك وإلا فألصق كلكلك بالأرض فلما تفرقوا عنى جررت على المكروه ذيلي وأغضيت على القذى جفني وألصقت بالأرض كلكلي ومثل هذه الأخبار عنه كثيرة شهيرة وقد بلغت من الكثرة والشهرة بحيث لا يمكن أن تكون بأسرها كذبا بل لابد وأن يصدق شئ منها وأيها صدقت ثبتت فيه الشكاية ممن منعه الخلافة ولا ريب في أن جمهور الصحابة كانوا بين مانع ودافع وأما الذين كانوا معه " ع " فقيل أنهم لم يبلغوا الأربعين حتى روى عنه أنه قال لو وجدت أربعين رجلا لقاتلهم وقيل بل كانوا سبعمائة من أكابر الصحابة كلهم يريد إمامته حامل له على الطلب وهذا ان صح فالمانع له عن الطلب وقتال القوم أما علمه بأنهم لا يثبتون معه حينئذ أو اتقاء الفتنة في زمان عدم استقرار الدين وخشية ارتداد القوم وزوال الإسلام كما روى أن فاطمة " ع " لامته على قعوده وأطالت تعنيفه وهو ساكت حتى أذن المؤذن فلما بلغ إلى قوله أشهد أن محمدا رسول الله قال لها أتحبين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا؟ قالت لا قال فهو ما أقول لك.
38 المقدمة الرابعة اعلم أن كثيرا من الصحابة رجع إلى أمير المؤمنين " ع " وظهر له الحق بعد أن عانده وتزلزل بعضهم في خلافة أبى بكر وبعضهم في خلافته " ع " وليس إلى استقصائهم جميعا سبيل وقد اتفقت نقلة الأخبار على أن أكثر الصحابة كانوا معه " ع " في حروبه. قال المسعودي في مروج الذهب كان ممن شهد صفين مع علي " ع " من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلا منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار ومن سائر الصحابة تسعمائة وكان جميع من شهد معه من الصحابة الفين وثمانمائة. وحكى المسعودي أيضا عن المنذر بن الجارود قال لما قدم على " ع " البصرة دخل مما يلي الطف فأتى الزاوية فخرجت لأنظر إليه فورد معه موكب في نحو الف فارس يقدمهم فارس على فرس أشقر قلت من هذا؟ قالوا: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ثم تلاه فارس آخر على كميت معتم بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء وعليه قباء أبيض أشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلدا سيفا معه راية وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة مدججين في الحديد والسلاح فقلت من هذا فقالوا هذا أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وهؤلاء الأنصار وغيرهم ثم تلاه فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلدا سيفا متنكبا قوسا معه راية على فرس أشقر في نحو الف فارس من الناس قلت من هذا؟ قيل: أبو قتادة ابن ربعي ثم مر بنا فارس آخر على فرس أبيض عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها من بين يديه ومن خلفه شديد الأدمة عليه سكينة ووقار رافعا صوته
39 بالقرآن متقلدا سيفا متنكبا قوسا معه راية في الف من الناس مختلفي التيجان حوله مشيخة وكهول وشبان كأنما أوقفوا للحساب وأثر السجود في وجوههم قلت من هذا؟ قيل: عمار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم ثم مر بنا فارس على فرس أشقر عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء متقلدا سيفا متنكبا قوسا تخط رجلاه الأرض في آلاف من الناس الغالب على ثيابهم الصفرة والبياض معه راية صفراء قلت من هذا؟ قيل: قيس بن سعد بن عبادة في عدة من الأنصار وأبنائهم من قحطان ثم مر بنا فارس على فرس أشهل ما رأينا أحسن منه عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها من بين يديه ومن خلفه قلت من هذا؟ قيل: عبد الله بن عباس في عدة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأول قلت من هذا؟ قيل: قثم بن العباس ثم أقبلت المواكب والرايات يقفوا بعضها بعضا واشتبكت الرماح ثم ورد موكب فيه خلق من الناس عليهم السلاح والحديد مختلفي الرايات في أوله راية كبيرة يقدم ذلك الموكب فارس كأنه كسر وجبر (قال ابن عائشة وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء كذلك نخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن الرجل إنه كسر وجبر) عن يمينه شاب حسن الوجه وعن يساره شاب كذلك وبين يديه شاب مثلهما قلت من هؤلاء؟ قالوا: هذا علي بن أبي طالب " ع " وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله وهذا محمد بن الحنفية بين يديه ومعه الراية العظمى وخلفه عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بنى هاشم وهؤلاء المشايخ من أهل بدر من المهاجرين والأنصار فسار حتى نزل المنزل المعروف بالزاوية وصلى أربع ركعات وعفر خديه على التراب وقد خالط ذلك دموعه ثم رفع يديه وقال اللهم رب السماوات وما أظلت والأرضين وما أقلت ورب العرش العظيم هذه البصرة أسألك خيرها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها
40 اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين اللهم أن هؤلاء قد بغوا على وخالفوا طاعتي ونكثوا بيعتي اللهم أحقن دماء المسلمين وبعث إليهم من يناشدهم الله في الدماء وقال " ع " على م تقاتلونني فأبو إلا الحرب. قال المؤلف عفى عنه وهذا حين نذكر من أكابر الصحابة وأعيانهم من ثبت عندنا ولاؤه وإخلاصه لأمير المؤمنين وسيد الوصيين صلى الله عليه وآله وقد رتبنا هذه الطبقة على بابين. الباب الأول في بنى هاشم وساداتهم من الصحابة العلية، والشيعة العلوية أبو طالب بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة ابن قصي بن كلاب بن لوى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، اشتهر بكنيته واسمه عمران وقيل عبد مناف وقيل شيبة وهو عم النبي صلى الله عليه وآله وكافله ومربيه وناصره وأمه فاطمة بنت عمرو ابن عائد المخزومية ولد قبل النبي صلى الله عليه وآله بخمس وثلاثين سنة وكان سيد البطحاء وشيخ قريش ورئيس مكة قالوا ولم يسد في قريش فقير قط الا أبو طالب وعتبة بن ربيعة هذا لشرفه وهذا لصدقه وإنما كانت قريش تسود بالمال، ولما مات عبد المطلب أوصي بالنبي صلى الله عليه وآله إليه فقال: أوصيك يا عبد مناف بعدي * بواحد بعد أبيه فرد فارقه وهو ضجيع المهد * فكنت كالأم له في الوجد وفى أبيات أخر فيه تصريح بأن أسم أبى طالب عبد مناف فكفل أبو طالب النبي صلى الله عليه وآله وأحسن تربيته وسافر به إلى الشام وهو ابن اثنتي عشرة سنة وقيل تسع سنين والأول أكثر يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده كذلك وكان لا ينام الا
41 إلى جنبه ويخرجه معه متى خرج. قرأت في أمالي أبى جعفر محمد بن حبيب قال كان أبو طالب إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله أحيانا يبكى ويقول إذا رأيته ذكرت أخي وكان عبد الله أخاه لأبويه وكان شديد الحب له والحنو عليه وكذلك كان عبد المطلب شديد الحب له وكان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله البيات إذا عرف مضجعه وكان يقيمه ليلا من منامه ويضجع عليا " ع " مكانه فقال له على " ع " ليلة يا أبه أنى مقتول فقال: إصبرن يا بنى فالصبر أحجى * كل حي مصيره لشعوب قد بذلاك والبلاء شديد * لفداء الحبيب وابن الحبيب لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب * والباع والكريم النجيب أن تصبك المنون فالنبل تترى * فمصيب منها وغير مصيب كل حي وأن تملى بعمر * آخذ من مذاقها بنصيب فقال علي عليه السلام مجيبا له: أتأمرني بالصبر في نصر أحمد * ووالله ما قلت الذي قلت جازعا ولكنني أحببت أن تر نصرتي * وتعلم أنى لم أزل لك طائعا سأسعى لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا أخرج ابن عساكر عن جلهمة بن عرفة قال قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادي وأجدب العيال فهلم لنستقي فخرج أبو طالب ومعه غلام كان وجهه شمس دجى تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فالصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه وما في السماء قزعه فاقبل السحاب من ههنا وههنا وأغدق وانفجر الوادي وأخصب النادي والبادي وفى ذلك يقول أبو طالب " ع ": وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
42 تطوف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل ولما أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله أن يصدع بما أمر به فقام بأظهار دين الله ودعا الناس إلى الإسلام على رؤوس الأشهاد وذكر آلهة قريش وعابها أعظمت ذلك قريش وأنكروه وأجمعوا على عداوته وخلافه وأرادوا به السوء فقام أبو طالب " ع " بنصرته ومنعه منهم وذب عنه من عاداه وحال بينه وبين كفار قريش محاماة أبى طالب عنه وقيامه دونه وامتناعه من أن يسلمه مشى إليه رجال من أشراف قريش منهم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وأبو سفيان صخر ابن حرب وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل ونبيه ومنبه أبنا الحجاج وأمثالهم من رؤساء قريش فقالوا له يا أبا طالب أن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آراءنا فأما أن تكفه عنا وأما أن تخلى بيننا وبينه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه يظهر دين الله ويذعنوا إليه فوقع التضاغن في قلوبهم حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله بينها وتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه فمشوا إلى أبى طالب مرة ثانية فقالوا يا أبا طالب أن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا فأما أن تكفه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا فعظم على أبى طالب فراق قومه وعداوتهم ولم تطب نفسه بإسلام ابن أخيه لهم ولا خذلانه فبعث إليه فقال له يا بن أخي ان قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا فابق على وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيقه قال فظن رسول الله انه قد بدا لعمه فيه بداء وانه خاذله ومسلمه وانه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي علي ان اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه ثم استعبر
43 باكيا وقام وولى فلما ولى ناداه أبو طالب اقبل يا ابن أخي فأقبل راجعا فقال له اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ ابدا وقال أبو طالب " ع " يذكر ما اجتمعت عليه قريش من حربه لما قام بنصر محمد صلى الله عليه وآله: والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا فأنفذ لأمرك ما عليك مخافة * وابشر وقر بذاك منك عيونا ودعوتني وزعمت انك ناصحي * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا وعرضت دينا قد علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا قال بعض علمائنا اتفق على نقل الأبيات الأربعة قيل البيت الخامس مقاتل والثعلبي وابن عباس والقاسم وابن دينار وزاد أهل الزيغ والضلال البيت الخامس ظلما وزورا إذ لم يكن في جملة أبياته مسطورا ولم ينتبهوا للتناقض الذي فيه ومنافاته باقي الأبيات انتهى قلت: وزيادة البيت لا تنافى إسلامه رضي الله عنه لأن مفهومه لولا حذار الشغب من قريش وخوف الفتنة التي توجب المسبة عندهم لأظهرت ما تدعوني إليه وبينته على رؤوس الأشهاد وهذا لا ينافي اسلامه باطنا واعتقاده الحق كما دل عليه سائر الأبيات وغيره من شعره ثم إن قريشا حين عرفت ان أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وآله واسلامه إليهم ورأوا إجماعه على مفارقتهم وعداوتهم مشوا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان أجمل فتى في قريش فقالوا له يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أبهى فتى في قريش وأجمله فخذه إليك فأتخذه ولدا فهو لك وسلم لنا هذا ابن أخيك الذي خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك لنقتله فأنما هو رجل برجل فقال أبو طالب " ع " والله ما أنصفتموني تعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون ابدا فقال له مطعم ابن عدي بن نوفل وكان له صديقا مصافيا والله يا أبا طالب ما أراك تريد ان تقبل من قومك شيئا لعمري
44 لقد جهدوا في التخلص مما تكره واراك لا تنصفهم فقال أبو طالب " ع " ما أنصفوني ولا أنصفتني ولكنك قد أجمعت على خذلاني ومظاهرة القوم على فاصنع ما بدا لك، قال فعند ذلك تنابذ القوم وثارت الأحقاد ونادى بعضهم بعضا وتذمروا بينهم على من في القبائل من المسلمين الذين اتبعوا محمدا صلى الله عليه وآله فوثبت كل قبيلة على من فيها منهم يعذبونهم ويفتنونهم في دينهم ومنع الله تعالى رسوله منهم بعمه أبى طالب وقام في بنى هاشم وبنى المطلب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وآله والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الدفاع عن رسول الله الا ما كان من أبى لهب فأنه لم يجتمع معهم على ذلك، قيل ولم يؤثر عن أبي لهب خير قط الا ما روى أن أبا سلمة ابن عبد الأسد المخزومي لما وثب عليه قومه ليعذبونه ويفتنونه عن الإسلام هرب منهم واستجار بأبي طالب " ع " وأم أبى طالب مخزومية وهي أم عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وآله فأجاره فمشى إليه رجال من بنى مخزوم وقالوا يا أبا طالب هبك منعت منا ابن أخيك محمد فمالك ولصاحبنا تمنعه منا قال إنه استجار بي وهو ابن أختي وان أنا لم امنع ابن أختي لم امنع ابن أخي فارتفعت أصواتهم وصوته فقام أبو لهب ولم ينصر أبا طالب قبلها ولا بعدها فقال يا معشر قريش والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ لا تزالون تتوثبون عليه في جواره من بين قومه اما والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه فبما قام فيه حتى يبلغ ما أراد فقالوا بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبه فقاموا فانصرفوا وكان وليا لهم ومعينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وأبى طالب فاتقوه وخافوا ان تحمله الحمية على الإسلام. ثم لما رأت قريش إلى انها لا تصل إلى محمد صلى الله عليه وآله لقيام أبى طالب " ع " دونه أجمعت على أن تكتب بينها وبين بنى هاشم صحيفة يتعاقدون فيها ان لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم فكتبوها وعلقوها في جوف الكعبة تأكيدا على أنفسهم وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار
45 ابن قصي فلما فعلوا ذلك انحازت بنو هاشم والمطلب فدخلوا كلهم مع أبي طالب في الشعب فاجتمعوا إليه وخرج منهم أبو لهب إلى قريش فظاهرها على قومه فضاق الأمر ببني هاشم وعدموا القوت الا ما كان يحمل إليهم سرا وخفية وهو شئ قليل لا يسد أرماقهم وأخافتهم قريش فلم يكن يظهر منهم أحد ولا يدخل إليهم أحد وذلك أشد ما لقى رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته بمكة فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا لا يصل إليهم شئ الا القليل سرا ممن يريد صلتهم من قريش وكان أبو جهل بن هشام لقى حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد وهي عند رسول الله صلى الله عليه وآله محاصرة في الشعب فتعلق به وقال أتحمل الطعام إلى بنى هاشم والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة فجاءه أبو البختري العاص بن هشام بن الحرث بن أسد بن عبد العزى فقال مالك وله فقال إنه يحمل الطعام إلى بنى هاشم فقال أبو البختري يا هذا ان طعاما كان لعمته عنده بعثت إليه فيه أفتمنعه ان يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال كل منهما من صاحبه فأخذ له أبو البختري لحيي بعير فضربه به فشجه ووطئه وطأة شديدة فانصرف وهو يكره أن يعلم رسول الله وبنو هاشم بذلك فيشمتوا به وبعث الله تعالى على صحيفتهم الأرضة فأكلتها قيل إلا أسم الله وأطلع الله رسوله صلى الله عليه وآله على ذلك فذكره رسول الله لعمه أبى طالب فقال أبو طالب أربك أطلعك على هذا قال نعم قال فوالله ما يدخل عليك أحد فأنطلق في عصابة من بنى هاشم والمطلب إلى المسجد فلما رأتهم قريش أنكروا ذلك وظنوا انهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لأبي طالب قد آن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم فقال انما أتيتكم بأمر نصف بيننا وبينكم ان ابن أخي أخبرني ان هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث الله عليها دابة فأبقت اسم الله وأكلت غدركم وتظاهركم علينا بالظلم فان كان كما قال فلا والله ما نسلمه حتى نموت عن آخرنا
46 وأن كان باطلا دفعناه إليكم قالوا قد رضينا ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر الصادق " ع " فقالوا هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغيا وعدوانا فقال أبو طالب يا معشر قريش على م نحصر ونحبس وقد بان الأمر وقد تبين انكم أولى بالظلم والقطيعة، ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة وقال اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا ثم انصرف إلى الشعب. ولما أراد الله سبحانه ابطال الصحيفة والفرج عن بنى هاشم من الضيق والذل الذي كانوا فيه قبض هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك بن حسل ابن عامر بن لوى فقام في ذلك أحسن قيام وذلك أن أبا عمرو بن الحارث كان أخا لنصلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي من أمه فكان هشام بن عمرو بحسب ذلك واصلا لبني هاشم وكان ذا شرف في قومه بنى عامر بن لوى فكان يأتي بالبعير ليلا وقد أو قره طعاما وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب حتى إذ اقبل به فم الشعب خلع خطامه من رأسه ثم يضربه على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به مرة أخرى وقد أوقره تمرا فيصنع به مثل ذلك ثم أنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي فقال يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يبتاعون ولا يبتاع منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم ولا يواصلون ولا يزارون اما انى احلف لو كان أخوال أبى الحكم بن هشام ودعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك ابدا قال ويحك يا هشام فما ذا اصنع انما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقض هذه الصحيفة القاطعة فقال قد وجدت رجلا قال من هو؟ قال أنا قال زهير أبغنا ثالثا فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم أرضيت ان يهلك بطنان من بنى عبد مناف جوعا وجهدا وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما والله لئن أمكنتموهم من هذا لتجدن قريشا إلى مساءتكم في غيره سريعة قال ويحك ماذا أصنع انما أنا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا قال
47 أنا؟ قال أبغنا ثالثا قال قد وجدت قال من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية قال قال أبغنا رابعا فذهب إلى أبى البختري بن هشام فقال له نحو ما قال لمطعم قال وهل من أحد يعين على ذلك قال: نعم وذكرهم له قال فأبغنا خامسا فمضى إلى زمعة ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن أبي العزى فكلمه فقال وهل يعين على ذلك من أحد قال نعم ثم سمى له القوم فاتعدوا حطيم الحجون ليلا بأعلى مكة فأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها وقال زهير: أن أبدأكم وأكون أولكم في التكلم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة فطاف بالبيت سبعا ثم اقبل على الناس فقال يا أهل مكة أنأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة وكان أبو جهل في ناحية المسجد فقال كذبت والله لا تشق فقال زمعة بن الأسود لأبي جهل أنت والله كذبت ما رضينا والله بها حين كتبت فقال أبو البختري معه صدق والله زمعة لا نرضى بها ولا نقر بما كتب فيها فقال مطعم بن عدي صدقا والله وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها وقال هشام بن عمرو مثل قولهم فقال أبو جهل هذا أمر قضى بليل وقام مطعم بن عدي إلى الصحيفة فحطها وشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ما كان من باسمك اللهم قالوا واما كاتبها منصور بن عكرمة فشلت يده فيما يذكرون فلما مزقت الصحيفة خرج بنو هاشم من حصار الشعب فلم يزل أبو طالب " ع " ثابتا صابرا مستمرا على نصرة رسول الله وحمايته والقيام دونه حتى مات. واعلم أنه لا خلاف عندنا في إسلام أبى طالب رضي الله عنه ونقل ابن الأثير في (جامع الأصول) اجماع أهل البيت " ع " على ايمانه وإجماعهم حجة ووافقنا على ذلك أكثر الزيدية وبعض شيوخ المعتزلة منهم أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما ولنا في ايمانه (رض) عنه روايات منها: ما روى عن حماد بن سلة عن ثابت عن إسحاق بن عبد الله عن العباس بن
48 عبد المطلب (رض) قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله يا بن أخي ما ترجو لأبي طالب عمك من الله سبحانه فقال أرجو له رحمة الله من ربى وكل خير. ومنها ما روته العامة ان أبا بكر جاء بأبيه أبى قحافة إلى النبي صلى الله عليه وآله عام الفتح يقوده وهو شيخ كبير أعمى فقال رسول الله ألا تركت الشيخ حتى تأتيه فقال أردت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يؤجره الله أما والله أما والذي بعثك بالحق نبيا لأنا كنت أشد فرحا بإسلام عمك أبى طالب منى بإسلام أبى لالتمس بذلك قرة عينك قال صدقت. ومنها ما روى بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب (رض) وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة ان أبا طالب " ع " ما مات حتى قال لا اله إلا الله محمد رسول الله. ومنها الخبر المشهور ان أبا طالب " ع " عند الموت قال كلاما خفيا فأصغى إليه أخوه العباس ثم رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا بن أخي ولقد قالها عمك ولكنه ضعف عن أن يبلغك صوته. ومنها ما روى عن أمير المؤمنين " ع " أنه قال ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله من نفسه الرضا. ومنها ما روى عن أبي عبد الله " ع " جعفر بن محمد الصادق " ع " ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أن أصحاب الكهف أسروا الأيمان وأظهروا الشرك فأتاهم الله أجرهم مرتين وان أبا طالب " ع " أسر الأيمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرتين. ومنها ما روى عن محمد بن علي الباقر " ع " أنه سئل عما يقوله الناس ان أبا طالب " ع " في ضحضاح من النار فقال " ع " لو وضع ايمان أبى طالب " ع " في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه ثم قال ألم تعلموا ان أمير المؤمنين " ع " كان يأمر ان يحج عن عبد الله وأبيه أبى طالب في حياته
49 ثم أوصى وصيته بالحج عنهما. ومنها ما روى عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عن أبيه عن أمير المؤمنين " ع " انه كان ذات يوم جالسا بالرحبة والناس حوله مجتمعون فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين انك بالمكان الذي أنزلك الله عز وجل به وأبوك يعذب بالنار فقال " ع " صه فض الله فاك والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق لو شفع أبى في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم أبى يعذب بالنار وابنه قسيم الجنة والنار ثم قال: والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله ان نور أبى طالب يوم القيامة ليطفي أنوار الخلق إلا خمسة أنوار نور محمد صلى الله عليه وآله ونوري ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ومن ولدته من الأئمة لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله تعالى من قبل ان يخلق الله آدم " ع " بألفي عام. ومنها ما روى أن أبان بن محمد كتب إلى أبى الحسن علي بن موسى الرضا " ع " جعلت فداك انى قد شككت في إسلام أبى طالب فكتب " ع " إليه ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى الآية وبعدها انك ان لم تقر بإيمان أبى طالب " ع " كان مصيرك إلى النار. ومنها ما روى عن زين العابدين علي بن الحسين " ع " انه سئل عن إسلام أبى طالب " ع " فقال " ع " واعجبا ان الله تعالى نهى رسوله صلى الله عليه وآله ان يقر مسلمة على نكاح كافر وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ولم تزل تحت أبى طالب " ع " حتى مات. ومنها رواية عن النبي صلى الله عليه وآله حدث الحسين بن علي " ع " عن أبيه قال سمعت أبا طالب " ع " يقول حدثني محمد صلى الله عليه وآله ابن أخي قلت له بماذا بعثت يا محمد قال بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه أحد ومحمد الصادق الأمين. ومنها ما روى عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال قال أبو طالب " ع "
50 للنبي صلى الله عليه وآله يا بن الأخ الله أرسلك قال النبي صلى الله عليه وآله نعم قال فأرني آيته قال ادع لي تلك الشجرة فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت فقال أبو طالب عليه السلام اشهد انك صادق يا علي صل جناح ابن عمك. ومنها ما روى عن أبي عبد الله " ع " قال: ان أبا طالب أسلم بحساب الجمل. وعنه " ع " انه قال أسلم أبو طالب بحساب الجمل وعقد بيده ثلاثا وستين قال ابن بابويه في (معاني الأخبار) سئل أبو القاسم الحسين بن روح عن معنى هذا الخبر فقال عنى بذلك إله أحد جواد قال وتفسير ذلك أن الألف واحد واللام ثلاثون والهاء خمسة والألف واحد والحاء ثمانية والدال أربعة والجيم ثلاثة والواو ستة والألف واحد والدال أربعة فذلك ثلاثة وستون. ومنها ما رواه ابن بابويه في (أماليه) بأسناده عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي قال سمعت أبا عبد الله الصادق " ع " يقول نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وآله فقال يا محمد ان الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول انى قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك فقال صلى الله عليه وآله يا جبرئيل بين لي ذلك فقال اما الصلب الذي أنزلك فعبد الله بن عبد المطلب واما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، واما الحجر الذي كفلك فأبو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد. قالت الإمامية ومما يدل على ايمانه خطبة النكاح التي خطبها عند نكاح رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهي الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم " ع " وزرع إسماعيل " ع " وجعل لنا بلدا حراما وبيتا محجوبا - وروى محجوجا - وجعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله أخي من لا يوازن به فتى من قريش الا رجح عليه برا وفضلا وحزما وعقلا ورأيا ونبلا وان كان في المال مقلا فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك وما أحببتم من الصداق فعلى وله والله بعد نبأ شايع وخطب جليل قالوا افتراه يعلم نبأه الشايع وخطبه الجليل ثم يعانده ويكذبه وهو
51 من أولي الألباب هذا غير سائغ في العقول. قال المؤلف عفى عنه انى لا أكاد أقضى العجب ممن ينكر ايمان أبى طالب " ع " أو يتوقف فيه واشعاره التي يرويها المخالف والمؤلف صريحة في صراحة إسلامه وأي فرق بين المنظوم والمنثور إذا تضمنا اقرارا بالإسلام فمن اشعاره الدالة صريحا على إسلامه قوله: ألا بلغا عنى على ذات بينها * لويا وخصا من لوى بنى كعب ألم تعلموا انا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب وان عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب وقوله: ترجون منا خطة دون نيلها * ضراب وطعن بالوشيج المقوم ترجون ان نسخوا بقتل محمد * ولم تختضب سمر العوالي من الدم كذبتم وبيت الله حتى تفلقوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم وتقطع أرحام وتنسى خليلة * خليلا ويغشى محرم بعد محرم على ما مضى من مقتكم وعقوقكم * وغشيانكم في امركم كل مأثم وظلم نبي جاء يدعوا إلى الهدى * وامرأتي من عند ذي العرش قيم فلا تحسبونا مسلميه فمثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم وقوله: فلا تسفهوا أحلامكم في محمد * ولا تتبعوا أمر الغواة الأثائم تمنيتم أن تقتلوه وانما * أمانيكم هذى كأحلام نائم وانكم والله لا تقتلونه * ولما تروا قطف اللحى والجماجم زعمتم بانا مسلمون محمدا * ولما نقاذف دونه ونراجم من القوم مفضال أتى على العدى * تمكن في الفرعين من آل هاشم امين حبيب في العباد مسموم * بخاتم رب قاهر في الخواتم
52 يرى الناس برهانا عليه وهيبة * وما جاهل في قومه مثل عالم وقوله وقد غضب لعثمان بن مظعون الجمحي حين عذبته قريش ونالت منه امن تذكر دهر غير مأمون * أصبحت مكتئبا تبكي لمحزون امن تذكر أقوام ذوي سفه * يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين الا ترون أذل الله جمعكم * انا غضبنا لعثمان بن مظعون ونمنع الضيم من يبغي مضيمتنا * بكل مطرد في الكف مسنون حتى تقر رجال لا حلوم لها * بعد الصعوبة بالأسماح واللين أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب * على نبي كموسى أو كذي النون وقد جاء في الخبر ان أبا جهل بن هشام جاء مرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد وقد أخذ بيده حجرا يريد ان يرضخ به رأسه فلصق الحجر بيده فلم يستطع ما أراد فقال أبو طالب " ع " في ذلك من أبيات: أفيقوا بنى عمنا وانتهوا * عن الغي من بعض ذا المنطق وإلا فأنى إذا خائف * بوائق في داركم تلتقي كما ذاق من كان من قبلكم * ثمود وعاد ومن ذا بقى واعجب من ذاك في امركم * عجائب في الحجر الملصق بكف الذي قام من خبثه * إلى الصابر الصادق المتقى فأثبته الله في كفه * على رغمه الخائن الأحمق وقوله من أبيات هي من مشهور شعره: أنت النبي محمد * قرم أغر مسود لمسودين أكارم * طابوا وطالب المولد نعم الأرومة أصلها * عمرو الخضم الأوحد ولقد عهدتك صادقا * في القول لا تتزيد واشتهر عن عبد الله المأمون بن هارون الرشيد انه كان يقول أسلم والله
53 أبو طالب بقوله: نصرت الرسول رسول الاله * ببيض تلا تلا كلمع البروق أذب وأحمي رسول الاله * حماية عم عليه شفيق وروى عن أمير المؤمنين " ع " أنه قال: قال لي أبى يا بنى الزم ابن عمك فأنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل ثم قال: ان الوثيقة في لزوم محمد * فاشدد بصحبته عليه يديكا ومن شعره المناسب لهذا المعنى قوله لعلى وجعفر ابنيه " ع ": ان عليا وجعفرا ثقتي * عند مسلم الزمان والنوب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبى والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بنى ذو حسب وقوله يخاطب أخاه حمزة وكان يكنى أبا يعلى: فصبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا وحط من أتى بالحق من عند ربه * بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا فقد سرني إذ قلت انك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا وناد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا وكل هذه الأشعار قد جاءت مجيئ التواتر لأنه ان لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد وهو تصديقه رض محمدا صلى الله عليه وآله ومجموعها متواتر كما أن كل واحد من قتلات على " ع " الفرسان منقولة آحادا ومجموعها متواتر يفيدنا العلم الضروري بشجاعته وكذلك القول فيما يروى عن سخاء حاتم وحلم الأحنف وذكاء اياس ونحو ذلك وما قول منكري اسلامه (رض) في قصيدته اللامية التي شهرتها كشهرة (قفا نبك) وان جاز الشك فيها أو في شئ من أبياتها جاز الشك في قفا نبك وفى أبياتها يقول فيها " ع ": وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
54 تطوف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل لقد علموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعي بقول الأباطل فأصبح فينا أحمد في أرومة * يقصر عنها سورة المتطاول لعمري لقد كفت وجدا بأحمد * وأحببته حب الحبيب المواصل وجدت بنفسي دونه وحميته * ودافعت عنه بالذرى والكلاكل فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها * وشينا لمن عادى وزين المحافل فمن مثله في الناس أي مؤمل * إذا قاسه الحكام عند التفاضل حليم رشيد عادل غير طائش * يوالي إلها ليس عنه بغافل فأيده رب العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير ناصل وهي قصيدة طويلة جدا أخذنا منها غرضنا هنا قال ابن كثير: هي قصيدة بليغة جدا لا يستطيع ان يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى. قال أصحابنا (رض) انما لم يظهر أبو طالب " ع " الإسلام ويجاهر به لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ما تهيأ له وكان كواحد من المسلمين الذين أظهروه ولم يتمكن من نصرته والقيام دونه حينئذ وإنما نمكن من نصرته والمحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وان أبطن الإسلام وما أحسن قول السيد أبى محمد عبد الله بن حمزة الحسيني الزيدي من قصيدة: حماه أبونا أبو طالب * وأسلم والناس لم تسلم وقد كان يكتم ايمانه * وأما الولاء فلم يكتم وأما رواية العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقه وأنه في ضحضاح من نار فهو خبر يرونه كلهم عن رجل واحد وهو المغيرة بن شعبة وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص لعلى " ع " مشهور معلوم وقصته وخبره غير خاف فبطل التمسك به.
55 وما روته أيضا من أن عليا " ع " وجعفرا لم يأخذ من تركة أبى طالب عليه السلام شيئا حديث موضوع ومذهب أهل البيت " ع " بخلاف ذلك فأن المسلم عندهم يرث الكافر ولا يرث الكافر المسلم ولكن يرثه المسلم ولو كان أعلى درجة منه في النسب قالوا وقوله صلى الله عليه وآله لا توارث بين أهل ملتين نقول بموجبه لأن التوارث تفاعل ولا تفاعل عندنا في ميراثهما واللفظ الذي يستدعى الطرفين كالتضارب لا يكون إلا من اثنين. وورد في السير والمغازي ان عتبة بن ربيعة أو أخاه شيبة لما قطع رجل عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب يوم بدر أقبل عليه على " ع " وحمزة (رض) فاستنقذاه منه وخبطا عتبة بسيفهما حتى قتلاه واحتملا صاحبها من المعركة إلى العريش فألقياه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأن مخ ساقه ليسيل فقال يا رسول الله لو كان أبو طالب حيا لعلم أنه قد صدق في قوله حيث يقول: كذبتم وبيت الله نخلي محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل فيقال ان رسول صلى الله عليه وآله أستغفر له ولأبي طالب " ع " يوم بدر وبلغ عبيدة مع النبي صلى الله عليه وآله إلى الصفراء ومات ودفن بها. وقد روى أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في عام جدب فقال أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا صبي يرتضع ولا شارف يجتر، ثم أنشد يقول: أتيناك والعذراء تدمى لبانها * وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل وألقى بكفيه الفتى لاستكانة * من الجوع حتى ما يمر ولا يحل وليس لنا إلا إليك مزارنا * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل فقام النبي صلى الله عليه وآله يجر رداءه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال اللهم أسقنا غيثا مغنيا مريئا هنيئا مريعا سجالا غدقا طبقا دائما دررا تحيى به الأرض وتنبت به الزرع وتدر به الضرع، واجعله سقيا نافعا! عاجلا غير رايث
56 فوالله ما رد رسول الله صلى الله عليه وآله يده إلى نحره حتى ألقت السماء أرواقها وجاء الناس يضجون الغرق الغرق يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال اللهم حوالينا ولا علينا فأنجاب عن المدينة حتى استدار حولها كالأكليل فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجده ثم قال لله در أبى طالب " ع " لو كان حيا لقرت عينه، من ينشدنا قوله، فقال " ع " يا رسول الله لعلك أردت (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه) قال صلى الله عليه وآله: أجل؟ فأنشده أبياتا من هذه القصيدة ورسول الله صلى الله عليه وآله يستغفر لأبي طالب " ع " على المنبر ثم قام رجل من كنانة فأنشده أبياتا: لك الحمد والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المطر دعى الله خالقه دعوة * إليه وأشخص منه البصر فان كان إلا كما ساعة * أو أقصر حتى رأينا الدرر دفاق العز إلى وجسم البعاق * أغاث به الله عليا مضر فكان كما قاله عمه * أبو طالب ذا رواه غزر به يسر الله صوب الغمام * فهذا العيان كذاك الخبر فمن يشكر الله يلق المزيد * ومن يكفر الله يلق الغير فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان يكن شاعرا أحسن فقد أحسنت، وسئل العارف بالله السيد الجليل مولانا السيد عبد الرحمان بن أحمد الحسيني الإدريسي المغربي نزيل مكة المشرفة والمتوفى بها سنة سبع وثمانين وألف، وكان من أرباب الحال وأقطاب الرجال عن إسلام أبى طالب فأملى ما صورته إعلم قربك الله منه ورزقك كمال الفهم منه ان أبا طالب " ع " قد قال بإيمانه جمع من أهل الكشف والشهود ووردت أحاديث تشهد بإسلامه أوردها الحافظ بن حجر في (الإصابة) وتكلم عليها وجاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " ان جبرئيل " ع " أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال إن الله يبشرك ببشارة فقال إن الله لا يعذب صلبا أنزلك وبطنا حملك وحجرا كفلك قال صلى الله عليه وآله بين لي يا جبرئيل فقاله " ع ": أما الصلب
57 فهو عبد الله، واما البطن فهي آمنة وأما الحجر فهو أبو طالب. واخرج تمام الخبر الرازي في فوائده عن ابن عمر قال: قال رسول صلى الله عليه وآله إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمى أبى طالب وأخ لي كان في الجاهلية أورده المحب الطبري في (ذخائر العقبى) قال السيوطي في (المسالك) وقد ورد هذا الحديث من طريق آخر عن ابن عباس أخرجه أبو نعيم وفيه التصريح بأن الأخ من الرضاعة وأخرج الشيخ عبد الوهاب الشعراني حديثا بأن الله تعالى أحيى أبا طالب " ع " للنبي صلى الله عليه وآله انتهى. وانما نقلنا هذا الكلام على هذا الوجه ليعلم ان محققي الصوفية وافقونا على اسلامه أيضا فان قلت هبكم أجمعتم على اسلامه وإيمانه فكيف قلتم بتشيعه وذكرتموه في طبقات الشيعة. قلت إن النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر عشيرته في حياته ان عليا وصيه وخليفته بمحضر من أبى طالب وغيره من بنى عبد المطلب فأذعن له أبو طالب " ع ". روى الثعلبي في تفسيره وغيره مسندا إلى البراء قال: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) جمع رسول الله بنى عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة ويشرب العس فأمر عليا " ع " ان يذبح شاة فأدمها ثم قال صلى الله عليه وآله ادنوا باسم الله فدنى القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعى بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم اشربوا باسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل فسكت النبي صلى الله عليه وآله فلم يتكلم يومئذ ثم دعاهم من العد على مثل ذلك الطعام والشراب ثم أنذرهم صلى الله عليه وآله فقال يا بنى عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير جئتكم بما لم يجئ به أحد جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوني تهتدوا من يواخيني ويوازرني ويكون وليي ووصيي وخليفتي في أهلي ويقضى ديني فسكت القوم وأعاد ذلك ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول على " ع " أنا فقال صلى الله عليه وآله أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب " ع " أطع ابنك فقد أمر عليك.
58 وذكر الطبري في تاريخه: عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب " ع " قال: لما نزلت هذه الآية (وأنذر عشيرتك الأقربين) على رسول الله دعاني فقال يا علي أن الله أمرني ان أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعلمت انى متى أبدأهم بهذا الأمر رأيت منهم ما أكره فصمت حتى جائني جبرئيل فقال يا محمد انك ان لم تفعل ما أمرت به يعذبك ربك فاصنع صاعا من الطعام واجعل عليه رجل شاة واملأ عسا من لبن ثم أجمع بنى عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعى بالطعام الذي صنعته لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وآله بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: كلوا باسم الله فأكلوا حتى مالهم إلى شئ من حاجة وأيم الله الذي نفس على بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمته لجميعهم، ثم قال اسق القوم يا علي فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا وأيم الله ان كان الرجل منهم ليشرب مثله فلما أراد رسول الله ان يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله فلما كان من الغد قال رسول الله يا علي أن هذا الرجل قد سبقي إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل ان أكلمهم فعدلنا اليوم إلى مثل ما صنعت بالأمس ثم اجمعهم لي ففعلت ثم جمعتهم ثم دعا بالطعام فقربته لهم ففعل مثل ما فعل بالأمس فأكلوا حتى مالهم بشئ حاجة ثم قال أسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه جميعا حتى رووا. ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا بنى عبد المطلب إني والله ما أعلم ان شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله ان أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي منكم فأحجم القوم عنه جميعا وقلت أنا وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم
59 بطنا وأحمشهم ساقا أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه فأعاد القول فأمسكوا عنه واعدت ما قلت فاخذ برقبتي ثم قال لهم هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب " ع " قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع فان قلت من أين ثبت عندكم ان أبا طالب " ع " أذعن بذلك وقبل تأمير ابنه عليه قلت ثبت ذلك عندنا لما رويناه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام انه قال كان نقش خاتم أبى طالب " ع " رضيت بالله ربا وبابن أخي محمد نبيا وبابني على له وصيا: إذا قالت حذام فصدقوها * فان القول ما قالت حذام ولله در ابن أبي الحديد المعتزلي حيث يقول: ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا فقاما فذاك بمكة آوى وحاما * وهذا بيثرب خاضا الحماما تكفل عبد مناف بأمر * وأودى فكان على تماما فقل في بشير مضى بعد ما * قضى ما قضاه وأبقى شماما فالله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما وما ضر مجد أبى طالب * جهول لغى أو بصير تعامى كما لا يضر أياب الصباح * من ظن ضوء النهار الظلاما قلت كان ابن أبي الحديد من المتوقفين في إسلام أبى طالب وصرح بذلك في شرحه لنهج البلاغة فقضى على نفسه بالجهل والتعامي في هذه الأبيات، وقال الكلبي لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش وأوصاهم فقال يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب واعلموا انكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا الا أحرزتموه ولا شرفا الا أدركتموه فلكم به على الناس الفضيلة وله به إليكم الوسيلة والناس لكم حرب وعلى حربكم ألب وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية فان فيها مرضاة للرب وقواما للجأش وثباتا للوطأة صلوا أرحامكم ولا تقطعوها فان صلة الرحم منسأة
60 في الأجل وزيادة في العدد واتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم خيبوا الداعي واعطوا السائل فان فيها شرف الحياة والمهمات عليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة فان فيها محبة في الخاص ومكرمة في العام وإني أوصيكم بمحمد صلى الله عليه وآله خيرا فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب كأني انظر إلى صعاليك العرب وأهل الوبر والأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعافها أربابا وأعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم منه أقربهم عنده قد محضته العرب ودادها وأصغت له فؤادها وأعطته قيادها دونكم يا معشر قريش أين أبيكم كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا يسلك أحد منكم سبيله الا سعد ولا يأخذ بهديه الأرشد ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهي وأنشد يخاطب ابنيه عليا وجعفرا " ع " وإخوته حمزة والعباس: أوصى بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وشيخ القوم عباسا وحمزة الأسد الحامي حنيفته * وجعفرا ان يذودوا دونه الناسا كونوا فدى لكم أمي وما ولدت * في نصر احمد دون الناس أتراسا ثم مات (رض) قال الواقدي توفى أبو طالب " ع " في النصف من شوال في السنة العاشرة من النبوة وهو ابن بضع وثمانين سنة وفى (المواهب اللدنية) ابن سبع وثمانين سنة وفى سيرة العمرى مات بعد ما خرج من الحصار بالشعب بثمانية أشهر واحد وعشرين يوما وقال ابن الجوزي مات قبل الهجرة بثلاث سنين. روى أنه لما مات (رض) جاء أمير المؤمنين على " ع " إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فآذنه بموته فتوجع عظيما وحزن شديدا ثم قال له امض فتول غسله فإذا رفعته على سريره فأعلمني ففعل فاعترضه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو محمول على رؤوس الرجال فقال له وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا لقد ربيت وكفلت صغيرا
61 ونصرت وآزرت كبيرا ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال اما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يتعجب لها الثقلان وإنما لم يصل عليه صلى الله عليه وآله لأن صلاة الجنائز لم تكن شرعت بعد ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله على خديجة وإنما كان تشييع ورقة ودعاء. وفى الحديث الصحيح المشهور ان جبرئيل قال لرسول الله صلى الله عليه وآله ليلة مات أبو طالب " ع " اخرج منها فقد مات ناصرك وللمؤلف غفر الله له شعرا في هذا المقام: أبو طالب عم النبي محمد * به قام أزر الدين واشتد كاهله ويكفيه فخرا في المفاخر انه * مؤازره دون الأنام وكافله لئن جهلت قوم عظيم مقامه * فما ضر ضوء الصبح من هو جاهله ولولاه ما قامت لأحمد دعوة * ولا انجاب ليل الغي انزاح باطله أقر بدين الله سرا لحكمة * فقال عدو الحق ما هو قائله وماذا عليه وهو في الدين هضبة * إذ عصفت من ذي العناد أباطله وكيف يحل الذم ساحة ماجد * أواخره محمودة وأوائله عليه سلام الله ما ذر شارق * وما تليت أخباره وفضائله وكان لأبي طالب (رض) من البنين ستة أربعة ذكور أحدهم طالب وهو أكبر ولده وبه كان يكنى وكانت قريش أكرهته على النهضة إلى بدر لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله ففقد ولم يعرف له خبر ويقال انه أقحم فرسه في البحر حتى غرق ويقال ان قريشا ردته إلى مكة ويدل على صحة هذا القول ما أخرجه الكليني رحمه الله في الروضة باسناده عن أبي عبد الله " ع " انه قال لما خرجت قريش إلى بدر وأخرجوا بنى عبد المطلب معهم خرج طالب بن أبي طالب " ع " فنزل وجاورهم وهم يرتجزون ونزل طالب أبى طالب يرتجز: يا رب أما تغرزن بطالب * في منقب من هذه المناقب
62 في مغنب المحارب المغارب * يجعله المسلوب غير السالب فقالت قريش ان هذا ليغلبنا فردوه قال في رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام انه كان أسلم انتهى. قال المؤلف وروى أرباب السير لطالب شعرا يدل على اسلامه وهو قوله من أبيات: وقد حل مجد بنى هاشم * مكان النعائم والزهرة ومحض بنى هاشم احمد * رسول المليك على فترة والثاني أمير المؤمنين " ع " علي بن أبي طالب " ع " والثالث جعفر " ع " والرابع عقيل وبنتان أم هاني وجمانة أمهم فاطمة بنت أسد وكأن على أصغرهم وكان جعفر أسن منه بعشر سنين وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين وطالب أسن من عقيل بعشر سنين ذكره ابن قتيبة وأبو سعيد وأبو عمر والله أعلم. حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله أمه هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهره وكان أخا لرسول الله صلى الله عليه وآله من الرضاعة أرضعتهما ثويبة بلبن ابنها مسروح وكانت مولاة أبى لهب وكان أسن من النبي صلى الله عليه وآله بأربع سنين. قال أبو عمرو هذا يرد ما ذكر من تقييد رضاعة ثويبة بلبن ابنها مسروح إذ لا رضاع الا في حولين ولولا التقييد بذلك حمل الرضاع على زمانين مختلفين وأجيب بامكان ارضاعها حمزة في آخر سنة في أول ارضاعها ابنها وارضاعها النبي صلى الله عليه وآله في أول سنة في آخر ارضاعها ابنها فيكون أكبر بأربع سنين وقيل كان أسن بسنين وكان اسمه في الجاهلية والإسلام حمزة. قال في القاموس الحمزة الأسد ويقال انه حموز لما حمزه ضابط لما ضمه ومنه اشتقاق حمزه أو من الحمازة وهي الشدة ويكنى أبا عمارة وأبا يعلى كنيتان له بابنيه عمارة ويعلى وكان يدعى أسد الله وأسد رسوله اخرج البغوي في معجمه عن يحيى بن عبد الرحمان بن لبيبه عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال
63 والذي نفسي بيده انه لمكتوب عند الله عز وجل في السماء السابعة حمزة أسد الله وأسد رسوله وكان اسلامه في السنة الثانية وقبل السادسة من المبعث وسبب اسلامه ما روى أن النبي صلى الله عليه وآله كان جالسا عند الصفا فمر به أبو جهل لعنه الله فشتمه وآذاه وقال فيه ما يكره من العيب لدينه ومن التضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وآله ومولاة لعبد الله بن جذعان في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف أبو جهل عنه فعمد إلى نادى قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب ان أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنصه وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش الا وقف وسلم فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد صلى الله عليه وآله آنفا من أبى الحكم بن هشام وجده هيهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وآله فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله تعالى به من الكرامة وكان أعز فتى في قريش وأشدها شكيمة فخرج يسعى حتى دخل المسجد ونظر إليه جالسا في القوم فاقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه فشجه شجة منكرة وقال أشتمته وانا على دينه أقول ما يقول فرد على ذلك أن استطعت فقامت رجال بنى مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فأبى والله سببت ابن أخيه سبا قبيحا وثم حمزة على اسلامه وعلى مبايعته النبي صلى الله عليه وآله فلما أسلم حمزة عرفت قريش ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد عز وامتنع وان حمزة شيعته فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون من النبي صلى الله عليه وآله وقال حمزة بن عبد المطلب حين أسلم: حمدت الله حين هدى فؤادي * إلى الإسلام والدين الحنيف لدين جاء من رب عزيز * خبير بالعباد بهم لطيف إذا تليت رسائله علينا * تحدر دمع ذي اللب الحصيف رسائل جاء أحمد من هداها * بآيات مبينة الحروف
64 واحمد مصطفى فينا مطاع * فلا تغشوه بالقول العنيف فلا والله نسلمه لقوم * ولما نقض منهم بالسيوف اخرج الحافظ الدمشقي عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله خير أعمامي حمزة، واخرج ابن بابويه في أماليه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه " ع " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله أحب أخواني إلى على وأحب أعمامي إلى حمزة، وروى عن الباقر " ع " انه قال كان أمير المؤمنين دائما يقول والله لو كان حمزة وجعفر حيين ما طمع فيها أبو بكر ولكن ابتليت بجلفين عقيل والعباس: ومثل هذا الحديث ما أخرجه الكليني في الكافي عن ابن مسكان عن سدير قال: كنا عند أبي جعفر " ع " فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واستذلالهم أمير المؤمنين " ع " فقال رجل من القوم أصلحك الله فأين كان عز بنى هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبو جعفر " ع " من كان بقى من بنى هاشم انما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقى معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام عباس وعقيل وكانا من الطلقاء. اما والله لو أن حمزة وجعفر كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا ولو كانا شاهديه لأتلفا أنفسهما. قال المؤلف: دل هذان الحديثان على أن حمزة وجعفرا كانا يعتقدان استحقاق على " ع " الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وانه صاحبها دون غيره وأنهما لو كان حيين يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله لم يطمع فيها غيره ولم يصل إليها أحد سواه ولذلك ذكرناهما في طبقات الشيعة. وروى أن أمير المؤمنين " ع " قال يوم بويع أبو بكر بالخلافة وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم. وا جعفراه ولا جعفر لي اليوم. قال ابن أبي الحديد في شرح النهج سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد فقلت له أتقول لو أن حمزة وجعفرا كانا حيين يوم مات رسول الله أكانا يبايعانه بالخلافة؟ فقال نعم كانا أسرع إلى بيعته من النار في يبس العرفج
65 فقلت له أظن أن جعفرا رض كان يبايعه ولا أظن حمزة كذلك وأراه جبارا قوى النفس شديد الشكيمة زاهيا بنفسه وشجاعا بهمته وهو العم والأعلى سنا وآثاره في الجهاد معروفة وأظنه كان يطلب الخلافة لنفسه فقال الأمر في أخلاقه وسجاياه كما ذكرت ولكنه كان صاحب دين متين وتصديق خالص لرسول الله صلى الله عليه وآله ولو عاش لرأى من أحوال على " ع " مع رسول الله صلى الله عليه وآله ما يوجب أن يكسر له نخوته وأن يقيم له صغره وأن يقدمه على نفسه وأن يتوخى رضا الله ورسوله فيه وإن كان بخلاف إيثاره ثم قال: أين خلق حمزة السبعي من خلق على " ع " الروحاني اللطيف الذي جمع بينه وبين خلق حمزة فاتصفت بهما نفس واحدة وأين هيولائيته نفس حمزة وخلوها من العلوم من نفس على " ع " القدسية التي أدركت بالفطرة لا بقوة الرياضة التعليمية ما لم تدركه نفوس مدققي الفلاسفة الإلهيين لو أن حمزة حي حتى رأى من على ما رآه غيره لكان اتبع له من ظله وأطوع له من أبي ذر والمقداد وأما قولك هو العم والأعلى سنا فقد كان العباس العم والأعلى سنا وقد عرفت ما بذله له وندبه إليه وكان أبو سفيان كالعم وكان أعلى سنا وقد عرفت ما عرضه عليه. ثم قال: لا زالت الأعمام تخدم أبناء الأخوة وتكون اتباعا لهم الست ترى حمزة والعباس اتبعا ابن أخيهما صلى الله عليه وآله وأطاعاه ورضيا برياسته وصدقا دعوته الست تعلم أن أبا طالب " ع " كان رئيس بنى هاشم وشيخهم والمطاع فيهم وكان محمد صلى الله عليه وآله يتيمه ومكفوله وجاريا مجرى أحد أولاده عنده ثم خضع له واعترف بصدقه ودان لامره حتى مدحه بالشعر كما يمدح الأدنى الأعلى انتهى ملخصا وقتل حمزة بأحد شهيدا قتله وحشى العبد الحبشي. قال الواقدي: كان وحشى عبدا لابنة الحارث بن عامر بن عبد مناف ويقال كان لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقالت له ابنة الحارث أن أبى قتل يوم بدر فان أنت قتلت أحد الثلاثة فأنت حر محمدا وعلي بن
66 أبى طالب وحمزة بن عبد المطلب فإني لا أرى في القوم كفوا لأبي غيرهم فقال وحشى: أما محمد فقد عرفت انى لا أقدر عليه وان أصحابه لن يسلموه. وأما على " ع " فوالله لو وجدته نائما ما أيقظته من هيبته. وأما حمزة فالتمسه. قال وحشى فكنت يوم أحد التمسه فبينا انا في طلبه إذ طلع على فطلع رجل حذر مرس كثير الالتفات فقلت ما هذا بصاحبي الذي التمس إذ رأيت حمزة يفرى الناس فريا فكمنت له إلى صخرة وهو مكبس له كتيت أي مطرق لصدره صوت من شدة الغيط فاعترض له سباع ابن أم أنمار وكانت أمه ختانة بمكة مولاة لشريف الثقفي فقال له حمزة وأنت أيضا يا ابن مقطعة البظور ممن يكتم علينا فاحتمله حي إذا برقت قدماه رمى به فبرك عليه فشحطه شحط الشاة ثم أقبل إلى مكبسا حين رآني فلما بلغ المسيل وطئ على جرف فزلت قدمه فهززت حربتي حتى رضيت فضربته في خاصرته حتى خرجت من مثانته وكر عليه طائفة من أصحابه فأسمعهم يقولون أبا عمارة فلا يجيب فقلت قد والله مات الرجل فذكرت هند بنت عتبة وما لقيت على أبيها وعمها وأخيها وانكشف عنه أصحابه حين أيقنوا بموته ولا يروني فكررت عليه فشققت بطنه فاستخرجت كبده فجئت بها إلى هند بنت عتبة فقلت لها ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك قالت سلني فقلت هذه كبد حمزة فأخذتها فمضغتها ثم لفظتها فلا أدرى لم تسغها أو قذرتها فنزعت ثيابها وحليها فأعطتنيها ثم قالت إذا جئت مكة فلك عشرة دنانير ثم قالت أرني مصرعه فدللتها عليه فقطعت مذاكيره وجدعت أنفه وأذنيه وقطعت أصابعه فجعلت ذلك معضدين في يديها وخذمتين أي خلخالين في رجليها حتى قدمت بذلك مكة وقدمت بكبده أيضا معها. قال الواقدي: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم أحد ما فعل عمى ما فعل عمى فخرج الحرث بن الصمة يطلبه فأبطأ فخرج على " ع " يطلبه حتى انتهى إلى الحرث ووجد حمزة مقتولا فجاء فأخبر النبي صلى الله عليه وآله فاقبل يمشى حتى وقف
67 عليه فقال صلى الله عليه وآله ما وقفت موقفا قط أغيظ إلى من هذا الموقف فطلعت صفية بنت عبد المطلب ومعها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فحالت الأنصار بينها وبين رسول الله فقال: دعوهما فجعل إذا بكت صفية يبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا نشجت ينشج وجعلت فاطمة " ع " تبكي فكلما بكت يبكى رسول الله ثم قال صلى الله عليه وآله لن أصاب بمثل حمزة أبدا ثم قال لصفية وفاطمة " ع " أبشرا أتاني جبرئيل فأخبرني ان حمزه مكتوب في أهل السماوات أسد الله وأسد رسوله ولما رأى صلى الله عليه وآله ما مثل بحمزة أحزنه ذلك وقال صلى الله عليه وآله إن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين منهم فأنزل الله عليه وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولأن صبرتم لهو خير للصابرين فقال بل نصبر فلم يمثل بأحد من قريش، ولما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله خرج معهم وحشى حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة فلما رآه قال رسول الله أوحشي قال نعم قال اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة فحدثه فلما فرغ قال ويحك غيب عنى وجهك فكان يتنكبه لئلا يراه حتى قبضه الله تعالى إليه. وكانت وقعة أحد يوم السبت لإحدى عشر ليلة وقيل لسبع ليال وقيل. لثمان وقيل لتسع وقيل للنصف من شوال في سنة ثلاث من الهجرة وشذ من قال سنة أربع، وعن مالك كانت بعد وقعة بدر بسنة. وعنه أيضا كانت على رأس إحدى وثلاثين شهرا من الهجرة والله أعلم، عن جابر قال قال: رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب، وفى رواية حمزة خير الشهداء وكان لحمزة " ع " من الولد عمارة ويعلى ولم يعقب واحد منهما وكان يعلى قد ولد خمسة رجال وماتوا كلهم من غير عقب وتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله ولكل واحد منهما أعوام ولم يحفظ لواحد منهما رواية وكانت له بنت يقال لها أم أبيها وقيل اسمها آمنة وكانت تحت عمران بن أبي سلمة المخزومي ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وهي التي ذكرت لرسول الله وقيل له ألا تتزوج ابنة حمزة
68 فإنها أحسن فتاة في قريش فقال صلى الله عليه وآله انها ابنة أخي من الرضاعة وان الله عز وجل قد حرم من الرضاعة ما حرم من النسب. جعفر ابن أبي طالب يكنى أبا عبد الله هو شقيق أمير المؤمنين " ع " لأمه وأبيه أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس فولدت ثمة بنيه عبد الله ومحمدا وعونا فلم يزل هنالك حتى قدم على النبي صلى الله عليه وآله وهو بخيبر سنة سبع فحصلت له الهجرتان. أخرج الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه رض في أماليه عن محمد ابن عمر الجرجاني قال: قال الصادق جعفر بن محمد أول جماعة كانت ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلى وأمير المؤمنين على " ع " معه إذ مر أبو طالب وجعفر معه فقال يا بنى صل جناح ابن عمك فلما أحس رسول الله صلى الله عليه وآله تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول: ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بنى ذو حسب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبى فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم وكان (رض) يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يسميه أبا المساكين، روى أنه كان يقول لأبيه أبى طالب " ع " يا أبة انى لأستحي ان أطعم طعاما وجيراني لا يقدرون على مثله وكان يقول له أبوه انى لأرجو ان يكون فيك خلف من عبد المطلب وله (رض) فضل كثير وقد روى في شأنه أحاديث كثيرة. فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح خيبر قدم جعفر بن أبي طالب " ع " من الحبشة فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل يقبل بين عينيه ويقول ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر، وعن جابر لما قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله فلما نظر جعفر إلى رسول
69 الله صلى الله عليه وآله خجل قال: مشى على رجل واحدة إعظاما منه لرسول الله صلى الله عليه وآله فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله بين عينيه وأعطاه وامرأته أسماء من غنائم خيبر وقال اشبهت خلقي وخلقي. وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله خير الناس حمزه وجعفر وعلى " ع ". وروى السبعي قال سمعت عبد الله بن جعفر يقول كنت إذا سئلت عمى عليا " ع " شيئا فمنعني أقول له بحق جعفر فيعطيني، وأخرج ابن بابويه في أماليه عن جابر عن أبي جعفر الباقر " ع " قال: أوحى الله تعالى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله انى أشكر لجعفر بن أبي طالب " ع " أربع خصال فدعاه النبي صلى الله عليه وآله فأخبره فقال لولا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك ما شربت خمرا قط لأني لو شربتها زال عقلي وما كذبت قط لأن الكذب ينقص المروة وما زنيت قط لأني خفت انى إذا عملت عمل بي وما عبدت صنما قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع فضرب النبي صلى الله عليه وآله على عاتقه وقال حق لله تعالى ان يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة. قال المؤلف: قد تقدم في ترجمة حمزة " ع " وجه ذكرنا لجعفر (رض) في طبقات الشيعة فلا حاجة بنا إلى اعادته هنا. قال الزمخشري: في ربيع الأبرار كان جعفرا أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خلقا وخلقا وكان الرجل يرى جعفر فيقول السلام عليك يا رسول الله يظنه إياه فيقول لست برسول الله أنا جعفر، وروى عن علي بن يونس المدني قال كنت مع مالك فإذا سفيان بن عيينة بالباب يستأذن قال مالك رجل صاحب شيبة ادخلوه فدخل فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فردوا عليه السلام ثم قال السلام سلامان خاص وعام ثم قال السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته قال مالك وعليك السلام يا أبا محمد ورحمة الله وبركاته فصافحه مالك ثم قال يا أبا محمد لولا أنها بدعة لعانقناك فقال سفيان بن عيينة
70 عانق خير منك ومنا النبي صلى الله عليه وآله فقال مالك: جعفرا! قال نعم قال ذاك حديث خاص يا أبا محمد ليس بعلم قال سفيان ما يعم جعفرا يعمنا إذا كنا صالحين وما يخصه يخصنا فتأذن لي ان أحدث في مجلسك قال: نعم يا أبا محمد قال: حدثني عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب " ع " من ارض الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وآله وقبل بين عينيه وقال جعفر أشبه الناس بي خلقا وخلقا، يا جعفر ما أعجب ما رأيت بأرض الحبشة قال: يا رسول الله بينا أنا أمشي في أزقتها إذا سوداء على رأسها مكتل فيه بر فصدمها رجل على دابته فوقع مكتلها وانتثر برها وأقبلت تجمعه من التراب وهي تقول: ويل للظالم من الديان يوم الدين ويل للظالم من المظلوم يوم القيامة ويل للظالم إذا وضع الكرسي للفصل يوم القيامة فقال النبي صلى الله عليه وآله لا يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها حقه غير متعتع. وكانت هجرته (رض) إلى الحبشة في السنة الرابعة من النبوة وكان هو المتكلم عند النجاشي من المسلمين المهاجرين إلى الحبشة لما جمع بينهم وبين عبد الله ابن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص وكانا رسولي قريش إليه، وكان من خبر ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله لما رأى مبالغة قريش في أذى المسلمين بمكة أشار عليهم ان يلحقوا بأرض الحبشة وقال صلى الله عليه وآله: ان بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده فجاوروا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه فخرج قوم من المسلمين فيهم جعفر " ع " وكان عدتهم ثلاثة وثلاثون رجلا سوى النساء والأولاد ونزلوا ارض الحبشة وجاوروا بها النجاشي ملكها آمنين على دينهم يعبدون الله تعالى ولا يؤذون فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي منهم رجلين جلدين من قريش وأن يهدوا إلى النجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص فقالوا لهما ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن
71 تكلما النجاشي ثم تقدما إلى النجاشي ثم سلاه ان يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم فخرجا ولما قدما دفعا إلى كل بطريق هديته وقالا انه قد صبا إلى بلد الملك غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم وقد أرسلنا قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فقالوا نعم وقدما هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم ثم كلماه فقالا: أيها الملك انه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دين الملك وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فقال بطارقته صدقوا أيها الملك فارددهم وأسلمهم إليهما فغضب النجاشي ثم قال لا والله لا أسلم قوما جاوروني ونزلوا بلادي ولجأوا إلى واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم فإن كان كما يقولان سلمتهم إليهما وإن كان غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني فأرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فدعاهم فلما أن جاء رسوله اجتمعوا فقال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قال جعفر " ع " نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وآله كائن في ذلك ما هو كائن وأرسل النجاشي وجمع بطارقته وأساقفته فنشروا مصاحفهم حوله فلما جاؤوه سئلهم ان هؤلاء يزعمون انكم فارقتم دينهم فأخبروني ما هذا الدين الذي فارقتم به قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم. فتكلم جعفر بن أبي طالب " ع " قال له أيها الملك كنا أهل جاهلية لا نعرف الله ولا رسله نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوى منا الضعيف وكنا على ذلك حتى بعث الله رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء
72 وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة ونهانا عن الزنا والفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وكل ما يعرف من السيئات، تلى شيئا يتلى لا يشبهه شئ فصدقناه وآمنا به وعرفنا ان ما جاء به هو الحق من عند الله فعبدنا الله وحده لا شريك له وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ففارقنا عند ذلك قومنا فآذونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان وان نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا وبلغنا ما نكره ولم نقدر على الامتناع أمرنا نبينا صلى الله عليه وآله أن نخرج إلى بلادك اختيارا لك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ان لا نظلم عندك أيها الملك. فقال لهم النجاشي: هل معكم مما جائكم به عن الله تعالى شئ؟ فقال له جعفر " ع " نعم قال فاقرء على فقرء عليه صدرا من كهيعص فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلت لحاهم ومصاحفهم ثم قال: والله ان هذا الكلام هو الكلام الذي جاء به عيسى ليخرجان من مشكاة واحدة. ثم قال لعبد الله بن مسعود بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص أعبيد هم لكم؟ قالا لا، قال ألكم عليهم دين؟ قالا لا، قال فانطلقا والله لا أسلمهم إليكما أبدا ولا أخلى بينكما وبينهم فالحقا بشأنكما فخرجا من عنده مقبوحين فلما خرجا قال عمرو بن العاص: لأتينه غدا وأعيبهم مما استأصل به خضراءهم فقال عبد الله بن أبي ربيعة وهو أتقى الرجلين فيهما لا تفعل فان للقوم رحما وان كانوا قد خالفوا فما يجب ان تبلغ ذلك منهم فقال والله لأخبرته انهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد فلما كان الغد غدا إليه ودخل عليه فقال: أيها الملك انهم يخالفونك ويقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما يزعمون أنه عبد، فقال النجاشي ان لم يقولوا في عيسى بن مريم مثل قولي أدعهم في أرضي ساعة من نهار، فأرسل إليهم وكانت الدعوة الثانية أشد عليهم من الأولى فاجتمعوا
73 فقال بعضهم لبعض قد عرفتم ان عيسى " ع " إلهه الذي يعبد وأن نبيكم جائكم بأنه عبد وان ما يقولون هو الباطل فماذا تقولون؟ قال جعفر " ع " تقول والله فيه ما قال الله تعالى وما جاء به نبيا صلى الله عليه وآله كائن في ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال لهم: ماذا تقولون في عيسى بن مريم فقال جعفر " ع " نقول فيه ما جاء به نبيا صلى الله عليه وآله انه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فاخذ منها عودا فقال ما عدا عيسى بن مريم ما تقول مثل هذا العود ردوا عليهما هداياهما فخرجا خائنين وقال للمسلمين مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد انه رسول الله وانه الذي بشر به عيسى ولولا ما انا فيه من الملك لأتينه حتى اقبل نعله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم الآمنون قال جعفر: فلما جاهر رسول الله وخرج إلى المدينة وظهر بها أتيناه فقلنا ان صاحبنا قد خرج إلى المدينة فظهر بها وقتل الذي كنا حدثناك عنهم وقد أردنا الرحيل فزودنا وحملنا ثم قال: بلغ صاحبك ما صنعت إليكم وهذا صاحبي معكم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وقل له يستغفر لي قال جعفر: فخرجنا حتى أتينا المدينة فتلقانا رسول الله صلى الله عليه وآله فاعتنقي ثم قال: ما أدرى أسر انا بفتح خيبر أم أفرح بقدوم جعفر ووافق ذلك فتح خيبر ثم جلس فقام رسول النجاشي فقال: هذا جعفر فاسأله ما صنع به صاحبنا فقال لهم ما فعل بكم؟ فقالوا ما فعل زودنا وحملنا وشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله (ص) وقال: قل له يستغفر لي فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فتوضأ ثم دعا ثلاث مرات فقال: اللهم اغفر للنجاشي فقال المسلمون آمين قال جعفر فقلت للرسول وأخبر صاحبك بما قد رأيت عن النبي صلى الله عليه وآله. وروى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق " ع " أنه قال: لقد كاد عمرو بن العاص عمنا جعفر بأرض الحبشة عند النجاشي وعند كثير من رعيته
74 بأنواع من الكيد ردها الله تعالى بلطفه رماه بالقتل والسرق والزنا فلم يلصق به شئ من تلك العيوب لما شاهده القوم من طهارته وعبادته ونسكه وسيماء النبوة عليه فلما نبا معوله عن صفاته هيأ له سما قدمه إليه في الطعام فأرسل تعالى هرا كفا تلك الصحفة وقد مد نحوه ثم مات لوقته وقد أكل منها فتبين لجعفر كيده وغائله فلم يعدها عنده وما زال ابن الجزار عدو لنا أهل البيت. وقتل جعفر رض شهيدا في غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة وهو ابن إحدى وأربعين سنة وقد تقدم في ترجمة أبيه أبى طالب " ع " انه كان أسن من أمير المؤمنين بعشر سنين، ومؤتة بضم الميم وهمزة ساكنة بعدها تاء مثناة ويجوز تخفيف الهمزة فيقال موته بسكون الواو موضع من ارض الشام من عمل البلقاء والبلقاء دون دمشق. وكان جعفر رض أحد الأمراء الثلاثة في هذه الغزوة وهم جعفر وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وقاتل جعفر رض في هذه الواقعة قتالا شديدا حتى إذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها فكان أول رجل عقر فرسه في الإسلام وكانت الراية في يده فقاتل حتى قطعت يده اليمنى فاخذها بيده اليسرى فقطعت فضمها إلى صدره ثم ضربه رجل من الروم قطعه نصفين فوقع أحد نصفيه في كرم هناك فوجد فيه بضع وثلاثون جرحا، وعن ابن عمر قال كنت في تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه في القتلى فعددنا بين منكبيه تسعين ضربة بين طعنة رخ وضربة سيف. قال الواقدي: حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر عن قتادة ان النبي صلى الله عليه وآله قال: لما التقى الناس بمؤتة جلس على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معركتهم فقال صلى الله عليه وآله اخذ الراية زيد بن حارثة فجائه الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت وحبب إليه الدنيا فقال الآن حين استحكم الأيمان في قلوب المؤمنين تحبب إلى الدنيا فمضى قدما حتى استشهد ثم
75 صلى عليه وقال استغفروا له فقد دخل الجنة وهو يسعى ثم قال صلى الله عليه وآله اخذ الراية جعفر بن أبي طالب " ع " فجائه الشيطان فمناه الحياة وكره إليه الموت ومناه الدنيا فقال الآن حين استحكم الأيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا ثم مضى قدما حتى استشهد فصلى عليه صلى الله عليه وآله ثم قال استغفروا له فإنه شهيد قد دخل الجنة فهو يطير بها بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة ثم قال صلى الله عليه وآله اخذ الراية عبد الله بن رواحة ثم دخل الجنة معترضا فشق ذلك على الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اصابته الجراح قيل يا رسول الله فما اعتراضه قال: لما اصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فشجع فاستشهد فدخل الجنة فسرى عن قومه. وعن أسماء بنت عميس امرأة جعفر قالت: أصبحت في اليوم الذي اصبب فيه جعفر " ع " وأصحابه فأتاني رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل على وكنت قد اخذت بنى فغسلت وجوههم ودهنتهم قال يا أسماء أين بنو جعفر فجئت بهم إليه فضمهم وشمهم ثم ذرفت عيناه فبكى فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله لعله بلعك عن جعفر شئ قال نعم انه قتل اليوم، فقمت أصيح واجتمع إلى النساء فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا أسماء لا تقولي هجرا ولا تضربي صدرا ثم خرج عنى حتى دخل على فاطمة " ع " وهي تقول وا ابن عماه فقال على مثل جعفر فلتبك الباكية ثم قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم. وعن يحيى بن أبي يعلى قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: انا احفظ حين دخل النبي صلى الله عليه وآله على أمي فنعى إليها أبى ناظر إليه يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهرقان بالدمع حتى قطرت لحيته ثم قال صلى الله عليه وآله اللهم ان جعفرا قدم أحسن الثواب فاخلفه بذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته، ثم قال صلى الله عليه وآله يا أسماء أأبشرك قالت بلى بابى وأمي قال صلى الله عليه وآله فان الله تعالى جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة، قالت بابى وأمي فاعلم الناس بذلك فقام رسول الله وأخذ بيدي يمسح رأسي حتى رقى المنير وأجلسني امامه على
76 الدرجة السفلى وان الحزن ليعرف عليه فتكلم. فقال: ان المرء كثير بأخيه وابن عمه الا ان جعفرا قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة ثم نزل ودخل بيته وأدخلني وامر بطعام فصنع له وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيبا عمدت سلمى خدامته إلى شعير فطحنته ثم سقته ثم أنضجته وأدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا فتغديت انا وأخي عنده وأقمنا عنده ثلاثة أيام ندور في بيوت نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا وأتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك وانا أساوم في شاة فقال: اللهم بارك له في صفقته فوالله ما بعت شيئا ولا شربت الا بورك فيه. وعن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال مثل لي جعفر وزيد وعبد الله في حينه من كل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدود ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود فسئلت فقيل لي انهما حين غشيهما الموت أعرضا أو صدا بوجوههما واما جعفر فلم يفعل وروى عنه صلى الله عليه وآله انه قال: زارني البارحة جعفر في ملابس من الملائكة له جناحان يطير بهما حيث شاء من الجنة. وروى الزمخشري في ربيع الأبرار قال: هبط جبرئيل " ع " على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له يا محمد ان أصحابك الذين بمؤتة قد قتلوا جميعا وصاروا إلى الجنة وان الله قد جعل لجعفر جناحين أبيضين قادمتاهما مضرجتان بالدماء مكللتان باللؤلؤ والجوهر يطير بهما في الجنة مع الملائكة: ولهذا يقال لجعفر رض ذو الجناحين والطيار في الجنة. قال أمير المؤمنين " ع " من أبيات له إلى معاوية: وجعفر الذي يضحى ويمسي * يطير مع الملائكة ابن أمي وقال حسان بن ثابت يرثى جعفرا وأصحابه رض: فلا يبعدون الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
77 وزيد وعبد الله حين تتابعوا * جميعا وأسياف المنية تقطر رأيت خيار المؤمنين تواردوا * شعوبا وخلق بعدهم يتأخر غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبى إذا سيم الظلامة أصغر فطاعن حتى مال غير موسد * بمعترك فيه القنا تتكسر فصار مع المستشهدين ثوابه * جنان وملتف الحدائق أخضر وكنا نرى في جعفر من محمد * وقارا وأمرا حازما حين يأمر وما زال في الإسلام من آل هاشم * دعائم صدق لا ترام ومفخر هم أجبل الإسلام والناس حولهم * رضام إلى طود يطول ويقهر بهاليل منهم جعفر وابن أمه * على ومنهم احمد المتخير وحمزة والعباس منهم ومنهم * عقيل وماء العود من حيث يعصر بهم يكشف اللأواء في كل مأزق * عماش إذا ما ضاق بالناس مصدر هم أولياء الله أنزل حكمه * عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهر وقال كعب ابن مالك الأنصاري من قصيدة أولها يقول فيها: نام العيون ودمع عينك يهمل * سحا كما وكف الرباب المسيل وجدا على النفر الذين تتابعوا * قتلا بمؤنة أسندوا لم ينقلوا ساروا امام المؤمنين كأنهم * طود يقودهم الهزبر المشبل إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام أولهم ونعم الأول حتى تقوضت الصفوف وجعفر * حيث التقى جمع الغواة مجندل فتغير القمر المنير لفقدهم * والشمس كاسفة وكادت تأفل قوم علا بنيانهم من هاشم * فرغ أشم وسؤدد متأثل وهذه الأشعار تشهد للشيعة بان جعفرا هو الأمير الأول فان قتل فزيد
78 ابن حارثة فان قتل فعبد الله بن رواحة لا ما يزعمه عامة المحدثين من أن الأمير الأول زيد بن حارثة ثم جعفر ثم عبد الله. وكان جعفر رض عنده من الولد ثمانية ذكور عبد الله ومحمدا الأكبر قتل مع عمه أمير المؤمنين بصفين وعون ومحمد الأصغر قتلا بالطف مع ابن عمهما الحسين وحميد وحسين وعبد الله الأصغر وأمهم جميعا أسماء بنت عميس الخثعمية رض. العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عم النبي صلى الله عليه وآله وآخر من مات من أعمامه صلى الله عليه وآله، أمه نثيلة وقيل نثلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر وكان مولده قبل الفيل بثلاث سنين وكان أسن من النبي صلى الله عليه وآله بسنتين وقيل بثلاث. روى أنه قيل له أيكما أكبر أنت أم النبي صلى الله عليه وآله قال هو أكبر منى وانا ولدت قبله: وكان رئيسا في الجاهلية في قريش واليه عمارة المسجد الحرام والسقاية بعد أبي طالب " ع ": وكان وسيما جميلا أبيض له ضفيرتان معتدل القامة وقيل كان طويلا حتى أنه كان يقبل المرأة وهي في هودجها على البعير قال من رآه أطول من رأينا العباس، يطوف بالبيت وكأنه فسطاط أبيض، وكان اجهر الناس صوتا. قيل إنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه، وسئل بعضهم كيف لم تتفتق مرارات الغنم فقال إنها كانت الفت صوته ولقد أتتهم غارة فصاح يا صباحاه فأسقطت الحوامل وكان يقف على سلع فينادى غلمانه وهم بالغابة وبين الغابة وسلع وهو جبل في وسط المدينة ثمانية أميال وكان النبي صلى الله عليه وآله يحترم عمه العباس. أخرج أبو محمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي في كتابه ارشاد القلوب ان النبي صلى الله عليه وآله قال في غير موطن وصية منه في العباس ان عمى العباس بقية الأباء والأجداد فاحفظوني فيه كل في كنفي وانا في كنف عمى العباس فمن آذاه فقد آذاني ومن عاداه فقد عاداني سلمه سلمى وحربه حربي، واخرج
79 الشيخ أبو على الحسن بن محمد الطوسي في أماليه عن علي " ع " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله احفظوني في عمى العباس فإنه بقيه آبائي. وأخرج الترمذي عن عبد المطلب بن ربيعه بن الحرث بن عبد المطلب ان العباس دخل يوما على رسول الله صلى الله عليه وآله مغضبا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله ما أغضبك فقال يا رسول الله أرى قوما من قريش يتلاقون بينهم بوجوه مسفرة فإذا لقونا لقونا بغير ذلك فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى احمر وجهه ثم قال والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل ايمان حتى يحبكم: يا أيها الناس من أذى عمى فقد آذاني فإنما عم الرجل صنو أبيه واختلف أهل التواريخ في مبدأ اسلامه، فقال بعضهم كان اسلامه قديما وكان يكتم ايمانه واسلامه وخرج مع المشركين يوم بدر فقال رسول صلى الله عليه وآله من لقى العباس فلا يقتله فإنه خرج مستكرها، وقيل إنه أسلم يوم فتح خيبر وكان يكتم اسلامه ويسره ما يفتح على المسلمين وأظهر اسلامه يوم فتح خيبر وشهد حنينا والطائف وتبوك وقيل إن اسلامه كان قبل يوم بدر وكان يكتب بأخبار المشركين إلى النبي صلى الله عليه وآله وكان المسلمون بمكة يتقون به وكان يحب القدوم على رسول الله صلى الله عليه وآله فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله ان مقامك بمكة خير لك. وعن شرحبيل بن سعد قال: لما بشر أبو رافع رسول الله صلى الله عليه وآله بإسلام العباس بن عبد المطلب أعتقه. وقيل إنه أسلم يوم بدر ولا خلاف انه كان في الأسرى يوم بدر أسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري وكان أبو اليسر رجلا صغير الجثة وكان العباس رجلا عظيما قويا فقال النبي صلى الله عليه وآله لأبي اليسر كيف أسرته قال: أعانني رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده فقال لقد أعانك عليه ملك كريم. فلما أمسى القوم والأسارى محبوسون في الوثاق وفيهم العباس بات رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الليلة ساهرا فقال له بعض أصحابه ما يسهرك يا رسول الله قال
80 سمعت أنين العباس فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما بالي لا اسمع أنين العباس فقال رجل من القوم أرخيت من وثاقه شيئا قال افعل ذلك بالأسارى كلهم. ولما قدم بالأسارى إلى المدينة قال رسول الله للعباس افد نفسك يا عباس وابني أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب وخليفتك عتبة بن جحد فإنك ذو مال، قال انى كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني قال الله أعلم باسلامك ان يكن ما ذكرت حقا فالله يجزيك فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، وكان العباس أحد العشرة الذين ضمنوا طعام أهل بدر ونحر كل واحد يوم نوبته عشرا من الإبل وكان حمل معه عشرين أوقية من الذهب ليطعم بها الناس وكان يوم بدر في نوبته فأراد ان يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون الأوقية فأخذت منه حين اخذ واسر في الحرب فكلم النبي ان يحسبها في فدائه فأبى صلى الله عليه وآله فقال: انه شئ خرجت تستعين به علينا فلا اتركه لك قال تركتني أتكفف قريشا ما بقيت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها انى لا أدرى ما يصيبني في وجهي هذا فان حدث في حادث فهو لك ولعبد الله ولعبيد الله وللفضل ولقثم يعنى بنيه: فقال العباس: وما يدريك قال أخبرني به ربى جل جلاله فقال العباس: اشهد انك صادق والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما علم بهذا غيري وغيرها وإني لأعلم انك رسول الله ثم فدى نفسه وابني أخويه وحليفه. قيل وفى العباس نزلت يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم، قوله تعالى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا أي ايمانكم، قال العباس: فأبدلني الله عشرين عبدا تاجرا يضربون بمال كثير وأدناهم بعشرين الف مكان العشرين أوقية وأعطاني زمزم وما أحب ان لي بها جميع أموال مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربى.
81 قال محمد بن إسحاق كان رسول الله صلى الله عليه وآله لما استشار أبا بكر وعمر وسعد بن معاذ في أمر الأسارى غلظ عليهم عمر غلظة شديدة فقال يا رسول الله أطعني فيما أشير به عليك فان لا آلوك نصحا قدم عمك العباس فاضرب عنقه بيدك وقدم عقيلا إلى أخيه على " ع " يضرب عنقه وقدم كل أسير منهم إلى أقرب الناس إليه يقتله قال فكره رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ولم يعجبه ولما فدى العباس نفسه رجع إلى مكة ولم يزل فيها فلما كان الفتح استقبل النبي صلى الله عليه وآله بالأبواء - وهو بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة والمدة - موضع بين مكة والمدينة وكان معه يوم فتح مكة وأظهر اسلامه يومئذ وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله حنينا والطائف وتبوك وكان يوم حنين آخذا بركاب رسول الله وهو على بغلته البيضاء الدلدل وقد انطلق الناس إلا نفرا من أهل بيته فقال رسول الله حين رأى من الناس ما رأى وانهم لا يلوون على شئ يا عباس أصرخ يا معشر الأنصار أصحاب العمرة يعنى الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان يوم الحديبية ان لا يفروا عنه قال العباس فناديت فاقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها. وروى الشيخ أبو محمد الديلمي في كتابه (ارشاد القلوب) ان النبي صلى الله عليه وآله كان جالسا في مسجده وحوله جماعة من الصحابة إذ دخل عليه عمه العباس وكان رجلا صبيحا حسنا حلو الشمائل فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله قام إليه واستقبله وقبل بين عينيه ورحب به وأجلسه إلى جانبه وجعل يفديه بأبيه وأمه فأنشده العباس قوله فيه يمدحه صلى الله عليه وآله. من قبلها طبت في الظلال وفى * مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر * أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد * الجم نسرا وأهله الغرق وخضت نار الخليل مكتتما * نجول فيها وليس تحترق
82 من صلب طاهر إلى رحم * إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من * خذف عليا تحتها النطق وأنت لما ولدت أشرقت الأرض * وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفى * النور وسبل الرشاد نحترق فقال النبي صلى الله عليه وآله يا عم جزاك الله خيرا ومكافاتك على الله ثم قال معاشر الناس احفظوني في عمى العباس وانصروه ولا تخذلوه. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: أرسل العباس بن عبد المطلب إلى بنى عبد المطلب فجمعهم عنده وكان على " ع " عنده بمنزلة لم يكن أحد بها، فقال العباس: يا بن أخي انى قد رأيت رأيا لم أحب ان اقطع فيه شيئا حتى أستشيرك فقال على " ع " ما هو قال ندخل على النبي صلى الله عليه وآله فنسئله إلى من هذا الأمر من بعده فان كان فينا لم نسلمه والله ما بقى في الأرض عن طارق وان كان في غيرنا لم نطلبه بعد ابدا قال على " ع " يا عم وهل هذا الأمر إلا إليكم وهل أحد ينازعكم في هذا الأمر. وفى رواية ان العباس وعليا " ع " دخلا على النبي صلى الله عليه وآله فسئله العباس عن ذلك فلم يجبه هل هو فيهم أم في غيرهم بل قال لهما أنتم المظلومون أنتم المقهورون، هذه روايتنا معشر الشيعة فان قلت هذا ينافي ما تدعونه من أن النبي قد نص على أمير المؤمنين وبين فرض طاعته ودعى الأمة إلى اتباعه لأنه لو كان الامر كذلك لم يكن أقول العباس المذكور معنى. قلت قد أجاب عن هذا السؤال شيخنا المفيد قدس الله روحه في كتاب العيون والمحاسن فقال إن العباس رض انما سئل النبي صلى الله عليه وآله عن كون الامر فيهم بعده على الوجوب وتسليم الأمة لهم وهل المعلوم عند الله تعالى تمكنهم منه وعدم الحيلولة بينهم وبينه فيطمئن بذلك قلبه ويسكن إلى وصوله إلى غرضه وعدم المنازع وتمكينهم من الامر أو يغلبون عليه وبحال بينهم وبينه، فيسأل النبي صلى الله عليه وآله ان يوصى لهم
83 بالإكرام والإعظام، ولم يكن في شك من الاستحقاق والاختصاص بالحكم، ألا ترى إلى جواب النبي بأنكم المقهورون وأنتم المظلومون فجميع هذه الألفاظ جاءت بها الرواية، ولولا أن سؤال العباس إنما كان عن حصول المراد من التمسكن من المستحق ونفوذ الأمر والنهي لم يكن لجواب النبي بما ذكرناه معنى يعقل ، وكان جوابا عن غير السؤال ورسول الله صلى الله عليه وآله يجل عن صفات النقص كلها لانتظامه صفات الكمال، ونظير ذلك فيما ذكرناه قول رجل لأبيه وهو يعلم أنه وارثه دون الناس كافة أترى ان تركتك تكون لي بعد الوفاة أم تجعل لغيري، وهل ما أهلتني له يتقرر لي أم يغلبني عليه إخواني أو بنو عمى؟ فيقول له الوالد إذا لم يعلم الحال ما يغلب في ظنه من ذلك أو يجيبه بالرجاء وليس سؤال الولد لوالده عن الاستحقاق، وأمثال ذلك كثير في الجواب عنه كفاية وغنى عن الأمثال، انتهى. واتفق النقل من الخاصة والعامة: على أن العباس قال لأمير المؤمنين " ع " يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وهما في الدار إمدد يدك أبايعك، فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله، فلا يختلف عليك اثنان، واختلفوا في رواية جواب أمير المؤمنين، فروت العامة انه قال له أو يطمع فيها طامع غيري، قال العباس: ستعلم، فلم يلبثا ان جاءتهما الأخبار بأن الأنصار أقعدت سعدا لتبايعه، وان عمرا جاء بابى بكر فبايعه وسبق الأنصار بالبيعة، فأنشد العباس قول دريد: أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد وروت الخاصة: انه قال يا عم ان لي برسول الله شغلا عن ذلك فلما ألح عليه قال يا عم ان رسول الله أوصى إلى وأوصاني أن لا أجرد سيفا بعده حتى يأتيني الناس طوعا وأمرني بجمع القرآن والصمت حتى يجعل الله لي مخرجا. وادعت المعتزلة ومتكلمو المجبرة ان في هذا دليلا على أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم
84 ينص على أمير المؤمنين " ع "، قالوا لأنه لو نص عليه لم يدعه العباس إلى البيعة لأن المنصوص عليه لا يفتقر في إمامته وكمالها إلى البيعة فلما دعاه العباس إلى عقد إمامته من حيث تعقد الإمامة التي تكون بالاختيار دل على بطلان النص. أجاب أصحابنا رض بأنه: ان كان دعاء العباس أمير المؤمنين إلى البيعة يدل على ما زعمتم من بطلان النص وثبوت الإمامة بالاختيار فيجب ان يكون دعاء النبي صلى الله عليه وآله إلى بيعته ليلة العقبة ودعاء المسلمين من المهاجرين والأنصار تحت شجرة الرضوان دليلا على أن نبوته إنما تثبت له من جهة الإختيار وانه لو كان ثابت الطاعة من قبل الله تعالى وارساله وكان المعجز دليل نبوته لا مستغنى عن البيعة تارة بعد أخرى، فان قلتم بذلك خرجتم عن المسلة وان أبيتموه نقضتم العلة، فإن قالوا ابن بيعة الناس لرسول الله صلى الله عليه وآله لم تكن لإثبات النبوة وانما كانت للعهد في نصرته بعد معرفة حقه وصدقه فيما أتى به الله عز وجل من رسالته. قيل لهم كذلك كان دعاء العباس أمير المؤمنين إلى بسط اليد للبيعة فإنما كان بعد ثبوت إمامته لتجديد العهد في نصرته والحرب لمخالفيه وأهل مضادته ولم يحتج " ع " إليها في اثبات إمامته، ويدل على ما ذكرناه قول العباس: يقول الناس عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان فعلق الاتفاق بوقوع البيعة ولم يكن ليعلقه به الا وهي بيعة الحرب التي ترعب عندها الأعداء ويحذرون من الخلاف ولو كانت بيعة الاختيار من جهة الشورى والاجتهاد لما منع ذلك من الاختلاف بل كانت نفسها الطريق إلى تشتت الرأي وتعلق كل قبيل باجتهاده واختياره أو لا ترى إلى جواب أمير المؤمنين " ع " بقوله يا عم ان لي برسول الله صلى الله عليه وآله شغلا عن ذلك، ولو كانت بيعة عقد الإمامة لما شغله عنها شاغل ولا كانت قاطعة له عن مراده في القيام برسول الله أو لا ترى
85 إلى قوله لما ألح عليه يا عم ان رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى إلى وأوصاني ان لا أجرد سيفا بعده، فدل ذلك أيضا على أن البيعة انما دعا إليها للنصرة والحرب وانه لا تعلق لثبوت الإمامة بها وان الاختيار ليس منها في قبيل ولا دبير على ما وصفناه. وروى أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله واشتغل على " ع " بغسله ودفنه وبويع أبو بكر خلا الزبير وأبو سفيان وجماعة من المهاجرين بعلي " ع " والعباس لإجالة الرأي وتكلموا بكلام يقتضى الاستنهاض والتهيج فقال العباس : قد سمعنا قولكم فلا لقلة نستعين بكم ولا لظنة نترك آرائكم فأمهلونا نراجع الفكر فإن يكن لنا من الأمر، ثم مخرج يصر بنا وبهم الحق صرير الحديد ونبسط إلى المجد كفا لا نقبضها أو نبلغ المدى وان تكن الأخرى فلا لقلة العدد ولا لوهن في الأيد والله لولا أن الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العلى فحل على " ع " حبوته فقال: الصبر حلم والتقوى دين والحجة محمد والطريق الصراط، أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، ماء آجن ولقمة يغض بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت ايناعها، كالزارع بغير أرضه، فان أقل يقولوا حرص على الملك وان سكت يقولوا جزع من الموت، هيهات بعد اللتيا واللتي، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة ثم نهض ودخل منزله وتفرق القوم. وروى الزبير بن بكار في (الموفقيات) قال: لما ازدحم الناس على أبى بكر فبايعوه مر أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب " ع " وأنشده أبياتا.
86 بنى هاشم لا تطمعوا الناس فيكم * ولا سيما تيم ابن مرة أو عدى فما الامر إلا فيكم وإليكم * وليس لها إلا أبو حسن على أبا حسن فاشدد بها كف حازم * فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي فقال على " ع " لأبي سفيان: انك تريد أمرا لسنا من أصحابه وقد عهد إلى رسول الله عهدا وانا عليه، فتركه أبو سفيان وعدل إلى العباس في منزله فقال يا أبا الفضل أنت لها أهل وأحق بميراث ابن أخيك إمدد يدك لأبايعك فلا يختلف عليك الناس بعد بيعتي إياك. فضحك العباس وقال يا أبا سفيان يدفعها على " ع " ويطلبها العباس فرجع أبو سفيان خائبا. وروى عن البراء بن عازب انه قال: لم أزل لبني هاشم محبا فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله خفت ان تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فكنت أتردد لبني هاشم وهم عند النبي في الحجرة وأتفقد وجوه قريش فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر وإذا قائل يقول القوم في (سقيفة بنى ساعدة) وإذا قائل آخر يقول بويع أبو بكر، فلم ألبث وإذا أنا بابى بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعته من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبى بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى، فأنكرت عقلي وخرجت اشتد حتى انتهيت إلى بنى هاشم والباب مغلق فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا وقلت قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة! فقال العباس ثربت أيديكم آخر الدهر أما أبى قد أمرتكم فعصيتموني فمكثت أكابد ما في نفسي ورأيت في الليلة المقداد وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعمارا وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين، وبلغ ذلك أبا بكر وعمر فأرسلا إلى أبى عبيدة والمغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي فقال المغيرة الرأي أن تلقوا العباس
87 فتجعلوا له ولولده في هذا الأمر نصيبا لتقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب " ع " فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه قال: وان الله ابتعث لكم محمدا نبيا وللمؤمنين وليا فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتى اختار له ما عنده فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين فاختاروني عليهم واليا ولأموالهم راعيا فتوليت ذلك وأنا لا أخاف بعون الله وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب، وما انفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع فاما دخلتم فيما دخل فيه الناس أو صرفتموهم عما مالوا إليه فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ولمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله وان كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله ومكان أهلك ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم وعلى رسلكم بنى هاشم، فإن رسول الله منا ومنكم فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه من الخشونة والوعيد واتيان الأمر من أصعب وجوهه. فقال أي والله وأخرى إنا لم نأتكم حاجة إليكم ولكن كرهنا ان يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم فانظروا لأنفسكم ولعامتهم. فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه وقال: ان الله ابتعث محمدا صلى الله عليه وآله نبيا كما وصفت ووليا للمؤمنين فمن الله على أمته حتى اختار له وزعمت أنه خلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين فإن كنت برسول الله صلى الله عليه وآله طلبت فحقنا أخذت وان كنت بالمؤمنين فنحن منهم ما تقدمنا في امركم فرطا ولا حللنا وسطا ولا نزعنا شخصا. فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذا كنا كارهين وما أبعد قولك انهم طعنوا عليك من قولك انهم مالوا إليك، وأما ما بذلت لنا فان يكن حقك لم نرض منه ببعضه
88 دون بعض وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان، وأما قولك ان رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم فإن رسول الله شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها، وأما قولك يا عمر انك تخاف الناس علينا فهذا الذي قدمتموه أول ذلك والله المستعان. ومما يناسب إيراده هنا ما ذكره الشريف أبو القاسم علي بن الحسين المرتضى (رض) في كتابه (الفصول) قال: حضر الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بسر من رأى واجتمع إليه من العباسيين وغيرهم جمع كثير فقال له بعض مشايخ العباسيين أخبرني من كان الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال له كان الإمام من دعاه العباس إلى مده يده للبيعة، على حرب من حارب وسلم من سالم، فقال العباسي ومن هذا الذي دعاه العباس لذلك؟ فقال له الشيخ هو علي بن أبي طالب " ع " حيث قال له العباس في اليوم الذي قبض فيه رسول الله بما اتفق أهل النقل ابسط يدك يا بن أخي أبايعك فيقول الناس عم رسول الله صلى الله عليه وآله بايع ابن أخيه فلا يختلف عليك اثنان، فقال شيخ من فقهاء البلد فما كان الجواب من على " ع " فقال له كان الجواب ان قال له ان رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلى أن لا ادعو أحدا حتى يأتوني ولا أجرد سيفا حتى يبايعوني وانما انا كالكعبة أقصد ولا أقصد. ومع هذا فلي برسول الله شغل، فقال له العباسي فقد كان العباس إذا على خطأ في دعائه إلى البيعة؟ فقال الشيخ لم يخطأ العباس فيما قصد له لأنه عمل على الظاهر وكان عمل أمير المؤمنين " ع " على الباطن فكلاهما أصابا الحق ولم يخطئا والحمد لله، فقال له العباسي فإن كان الإمام هو علي بن أبي طالب " ع " بعد النبي صلى الله عليه وآله فقد أخطأ أبو بكر وعمر ومن تبعهما وهذا أعظم في الدين؟ فقال له الشيخ لست أنشط الساعة بتخطية أحد وانما أجبتك عن شئ فإن كان صوابا تضمن تخطية انسان فلا تستوحش من اتباع الصواب وان كان باطلا فتكلم على بطلانه فهو أولى من التشنيع بما لا يجدي نفعا مع أنه
89 ان استعظمت تخطية من ذكرت فلا بد من تخطية على " ع " والعباس من قبل انهما تأخرا عن بيعة أبى بكر ولم يرضيا بتقدمه ولا عملا له ولا لصاحبه عملا ولا تقلدا لهما ولاية ولا رآهما أبو بكر ولا عمر أهلا ان يشركا مما في شئ من أمورهما وخاصة ما صنع عمر بن الخطاب يوم الشورى لما ذكر عليا " ع " عابه ووصفه بالدعابة تارة وبالحرص على الدنيا أخرى وامر بقتله ان خالف عبد الرحمن وجعل الحق في حيز عبد الرحمن دونه وفضله عليه وذكر من يصلح للإمامة في الشورى ومن يصلح للاختيار، فلم يذكر العباس في إحدى الطائفتين وقد اخذ من على " ع " والعباس وجميع بنى هاشم الخمس الذي جعله الله لهم وأرغمهم فيه وحال بينهم وبينه وجعله في السلاح والكراع، فان كنت أبها الشريف أيدك الله تنشط للطعن على على " ع " والعباس رحمه الله بخلافهما للشيخين وكراهتهما وتأخرهما عن بيعتهما وترى من العقد ما سنه الشيخان من التأخير لهما عن شريف المنازل والفظ عنهما والحط من أقدارهما فصر إلى ذلك فإنه الضلال بغير شبهة، وان كنت ترى ولائهما والتعظيم لهما والاقتداء بهما فاسلك سبيلهما ولا تستوحش من تخطئة من خالفهما وليس هاهنا منزلة ثالثة، فقال العباسي عند سماع هذا الكلام اللهم انك تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. وعن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن أبي رافع، قال انى لعند أبى بكر إذ طلع على " ع " والعباس يتدافعان ويختصمان في ميراث النبي صلى الله عليه وآله فقال أبو بكر يكفيكم القصير الطويل يعنى عليا " ع " بالقصير، وبالطويل العباس. فقال العباس أنا عم النبي ووارثه وقد حال على " ع " بيني وبين تركته؟ قال أبو بكر فأين كنت يا عباس حين جمع النبي صلى الله عليه وآله بنى عبد المطلب وأنت أحدهم فقال أيكم يؤازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلي وينجز عدتي ويقضى ديني فأحجمتم عنها إلا على، فقال النبي صلى الله عليه وآله أنت لذلك. فقال العباس
90 فما أقعدك مجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه؟ فقال أبو بكر أغدرا يا بنى عبد المطلب. وروى أن متكلما قال لهارون الرشيد: أريد أن اقرر هشام بن الحكم بأن عليا " ع " كان ظالما فقال له ان فعلت ذلك فلك كذا وكذا فامر به، فلما حضر هشام قال له المتكلم يا أبا محمد روت الأمة بأجمعها ان عليا نازع العباس إلى أبى بكر في تركة النبي صلى الله عليه وآله قال نعم، قال فأيهما الظالم لصاحبه؟ قال هشام فنظرت فإذا أنا إن قلت إن عليا " ع " كان ظالما كفرت وخرجت عن مذهبي وان قلت إن العباس كان ظالما ضرب الرشيد عنقي، ووردت على مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك ولا أعددت لها جوابا فذكرت قول أبى عبد الله " ع " وهو يقول لي يا هشام لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك، فعلمت انى لا أخذل، وعن لي الجواب في الحال فقلت له لم يكن فيهما ظالم قال أفيختصم. اثنان في أمر وهما جميعا محقان؟ قال نعم اختصم الملكان إلى داود " ع " وليس فيهما ظالم وانما أرادا أن ينبها داود " ع " على الخطيئة ويعرفاه الحكم. كذلك على " ع " والعباس تحاكما إلى أبى بكر ليعرفاه ظلمه وينبهاه على خطأه فلم يحر المتكلم جوابا واستحسن الرشيد ذلك. وروى الجمهور حديث خصومة على " ع " والعباس رضي الله عنه عند عمر بن الخطاب وأوردوه في صحاحهم، فنحن نذكر من ذلك طرفا ثم نتكلم عليه. رووا عن الزهري عن مالك بن الأوس بن الحدثان: ان عمر بن الخطاب دعاه يوما لقسمة مال بين قومه قال فبينا انا عنده إذ دخل مؤذنه فقال هل لك في عثمان وسعد وعبد الرحمن والزبير يستأذنون عليك؟ قال نعم فأذن لهم قال ثم لبث قليلا فيقال هل لك في علي " ع " والعباس يستأذنان عليك؟ قال أذن لهما فلما دخلا قال العباس يا أمير المؤمنين إقضي بيني وبين هذا يعنى عليا
91 " ع " وهما يختصمان في الصوافي التي أفاءها الله على رسوله من أموال بنى النضير، فاستب على " ع " والعباس عند عمر فقال عبد الرحمن يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال عمر أنشدكما الله الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا نورث ما تركناه صدقة يعنى نفسه؟ قالوا قد قال ذلك، فاقبل على العباس وعلى " ع " فقال أنشدكما الله هل تعلمان ذلك؟ قالا معا نعم. قال عمر فإني أحدثكم عن هذا الأمر ان الله تبارك وتعالى خص رسوله في هذا الفئ وهو شئ لم يعطه غيره قال تعالى (ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير) فكانت هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وآله فما اختارها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقى منها هذا المال فكان ينفق على أهله سنتهم ثم يأخذ ما بقى فيجعله مجعل مال الله عز وجل فعل ذلك في حياته ثم توفى، فقال أبو بكر أنا ولى رسول الله فقبضه الله تعالى وقد عمل فيها بما عمل رسول الله (والتفت إلى العباس وعلى " ع ") تزعمان ان أبا بكر فيها ظالم فاجر والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا أولى الناس بأبي بكر وبرسول الله فقبضتها سنتين أو قال سنين من إمارتي اعمل فيها مثل ما عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر، ثم قال وأنتما: - وأقبل على العباس وعلى " ع " - تزعمان انى فيها ظالم فاجر والله يعلم انى لصادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني وكلمتماني كلمة واحدة وأمركما جميع فجئتني يعنى العباس تسألني نصيبك من ابن أخيك وجاءني هذا يعنى عليا " ع " يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا نورث ما تركناه صدقة فلما بدا لي ان ادفعها إليكما دفعتها على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر وبما عملت انا به فيها وإلا فكلماني، فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك أفتلتمسان منى قضاء غير ذلك والله الذي بأذنه
92 تقوم السماوات والأرض لا أقضى بينكما بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما عنها فادفعاها إلى فانا أكفيكماها. قال المؤلف عفى الله عنه: هذا الحديث من مناكير العامة وفواقرهم التي يشهد العقل بانكارها ويجزم بعدم صحتها والطعن فيه من وجوه: الأول: ان عمر استشهد: عثمان وسعدا وعبد الرحمن والزبير على أنهم يعلمون ان النبي صلى الله عليه وآله قال لا نورث ما تركناه صدقة فقالوا قد قال ذلك ومعظم المحدثين ذكروا انه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابي الواحد فأين كان هؤلاء القوم أيام أبى بكر ما نعلم أن أحدا من هؤلاء يوم خصومة فاطمة " ع " وأبى بكر روى من هذا شيئا. الثاني: ان عمر ناشد عليا " ع " والعباس هل تعلمان ذلك فقالا معا نعم فإذا كانا يعلمان فكيف جاء العباس وفاطمة " ع " إلى أبى بكر يطلبان منه الميراث على ما رووه عن عروة عن عائشة ان فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله وهما حينئذ يطلبان ارضه بفدك وسهمه بخيبر فقال لهما أبو بكر انى سمعت رسول الله يقول لا نورث ما تركناه صدقة انما يأكل آل محمد من هذا المال وإني والله لا أغير أمرا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته وهل يجوز ان يقال كان العباس يعلم ذلك ثم يطلب الإرث الذي لا يستحقه وهل يجوز ان يقال كان على " ع " يعلم ذلك ويمكن زوجته ان تطلب ما لا تستحقه وهل خرجت من دارها إلى المسجد ونازعت أبا بكر وكلمته بما كلمته به الا بقوله واذنه ورأيه. الثالث: قول عمر لعلى " ع " والعباس وأنتما حينئذ تزعمان ان أبا بكر فيها ظالم فاجر ثم قوله لما ذكر نفسه وأنتما تزعمان انى فيها ظالم فاجر فإذا كانا يزعمان ذلك فيكف يجمع هذا الزعم مع كونهما يعلمان ان رسول الله صلى الله عليه وآله
93 قال لا نورث. الرابع: انهما حضرا يتنازعان لا في الميراث بل في ولاية صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله أيهما يتولاها ولاية لا إرثا وعلى هذا كانت الخصومة كما يزعمون فهل يكون جواب ذلك هل تعلمون وهل تعلمان ان رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة؟ قالوا: وكانت هذه الصدقة بيد على " ع " غلب عليها العباس وكانت فيها خصومتهما فأبى عمر ان يقسمها بينهما حتى أعرض عنها العباس وغلب عليها على " ع " ثم كانت بيد الحسن " ع " ثم بيد الحسين " ع " والحسن بن الحسن " ع " كلاهما يتداولانها ثم بيد زيد بن علي " ع ". وروى أيضا عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: سمعت عمر يقول للعباس وعلى " ع " وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة: أنشدكم الله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يدخل فيئه أهل السنة من صدقاته ثم يجعل ما بقى في بيت المال قالوا اللهم نعم قال فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله قبضها أبو بكر فجئت يا عباس تطلب ميراثك من ابن أخيك وجئت يا علي " ع " تطلب ميراث زوجتك من أبيها وزعمتما ان أبا بكر كان فيها خائنا فاجرا والله لقد كان أمرا مطيعا تابعا للحق ثم توفى أبو بكر فجئتماني تطلبان ميراثكما اما أنت يا عباس فتطلب ميراثك من ابن أخيك واما أنت يا علي فتطلب ميراث زوجتك من أبيها وزعمتما انى فيها خائن فاجر والله يعلم انى فيها مطيع تابع للحق فأصلحا أمركما والا والله لم ترجع إليكما فقاما وتركا الخصومة فأمضيت صدقة. وهذا الحديث: يدل صريحا على أنهم جاءا يطلبان الميراث لا الولاية ويطعن في صحته ان أبا بكر حسم المادة أولا وقرر عند العباس وعلى " ع " وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وآله لا يورث وكان عمر من المساعدين له على ذلك فكيف يعود العباس وعلى " ع " بعد وفاة أبى بكر يحاولان أمرا قد كان فرغ منه ويئس
94 من حصوله اللم الا ان يكونا ظنا ان عمر ينقض قضاء أبى بكر وهذا بعيد بل مستحيل لأن عليا والعباس " ع " كانا يعلمان موالاة عمر لأبي بكر في هذه الواقعة الا تراه يقول نسبتماني ونسبتما أبا بكر إلى الظلم والخيانة فكيف يظنان انه ينقض قضاء أبى بكر وكم للعامة من مناكير أعد منها ولا أعددها، والذي نعتقده في العباس رض أنه كان معترفا لأمير المؤمنين " ع " بالخلافة والإمامة عالما ماله من عظيم المنزلة ورفيع المقامة لا يختلجه في ذلك شك ولا ريب بل كان من المتقين الذين يؤمنون بالغيب. قال السيد علي بن طاوس قدس سره، روى كثير من علماء الإسلام: دوام اتحاد العباس مع علي " ع " وتولى أمره لما مات وقد كان من أخصاء على حتى روى ابن سعد وهو من أعيان المخالفين لأهل البيت ان عليا هو الذي غسل العباس وتولى أمره لما مات. وقد كان من اختصاص على " ع " بأولاد العباس قبل تمكنه من خلافته وبعد انبساط يده ومبايعته ما يدل على دوام الصفاء والوفاء، وقد ذكر ذلك جماعة من العلماء حتى كانوا خواصه في حروبه وولاياته وفى أسراره واحتجاجاته وما كان طلب العباس للميراث والصدقات إلا مساعدة لعلى " ع " ولذلك دفعها العباس إليه خاصته واما قولهم ان عليا غلب العباس عليها فغير صحيح لاستمرار يد على وأولاده عليهم السلام عليها وترك منازعة بنى العباس لهم، مع أن العباس ما كان ضعيفا عن منازعة على ولا أولاد العباس ضعفاء عن منازعة أولاده في الصدقات المذكورة ولعل المخالفين أرادوا ان يوقعوا خلافا بين العباس وعلى " ع " ليعتذروا لأبي بكر وعمر في مخالفة بنى هاشم. واخرج الشيخ الطوسي رحمه الله في (أماليه) عن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه عمار قال: لما مرضت فاطمة " ع " بنت رسول الله صلى الله عليه وآله مرضها الذي توفيت فيه وثقلت جاءها العباس بن عبد المطلب رض عائدا فقيل له
95 انها ثقيلة وليس يدخل عليها أحد فانصرف إلى داره وأرسل إلى على فقال لرسوله قل له يا بن الأخ ان عمك يقريك السلام ويقول لك قد فجأني من الغم بشكاة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وقرة عينه وعيني فاطمة " ع " ما هدني وإني لأضنها أولنا لحوقا برسول الله والله يختار لها ويحبوها ويزلفها لديه فان كان من أمرها ما لا بد منه فانا أجمع لك الغداة المهاجرين والأنصار حتى يصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها وفى ذلك جمال الدين، فقال على " ع " وانا حاضر عنده أبلغ عمى السلام وقل له لا عدمت اشفاقك وتحنك وقد عرفت مشورتك ولرأيك فضل ان فاطمة بنت رسول الله لم تزل مظلومة ومن حقها ممنوعة وعن ميراثا مدفوعة لم تحفظ فيها وصية رسول الله صلى الله عليه وآله ولا روعي فيها حقه ولا حق الله عز وجل وكفى بالله حاكما ومن الظالمين منتقما وأنا أسألك يا عم ان تسمح لي بترك ما أشرت به فإنها أوصتني بستر أمرها! قال فلما أتى العباس رسوله بما قاله على " ع " قال يغفر الله لابن أخي وانه لمغفور له ان رأى ابن أخي لا يطعن عليه فيه انه لم يولد لعبد المطلب مولد أعظم بركة من على إلا النبي صلى الله عليه وآله ان عليا " ع " لم يزل أسبقهم إلى كل مكرمة وأعلمهم بكل قضية وأشجعهم في الكريهة وأشدهم جهادا للأعداء في نصرة الحنيفة وأول من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله. وفى السنة السابعة عشرة من الهجرة استسقى عمر بالعباس، روى ابن مسعود قال: خرج عمر يستسقى بالعباس فقال اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك وبقية آبائه وكبير رجاله فإنك قلت وقولك الحق المبين: واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهم نبيك في عمه فقد دلونا به مستشفعين ومستغفرين، ثم اقبل على الناس فقال استغفروا ربكم: انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا، قال ابن مسعود ورأيت العباس يومئذ وقد طال عمره وعيناه تنفتحان
96 وسبابته تجول على صدره وهو يقول: اللهم أنت الراعي فلا تهمل ضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير ورق الكبير، وارتفعت الشكوى وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم أغثهم بغياثك من قبل ان يقنطوا فيهلكوا إنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون، قال فنشأت طريرة من سحاب وقال الناس ترون ترون ثم تلامت واستتمت ومشت ريح ثم هدرت ودرت فوالله ما برحوا حتى اعتلقوا الأحذية وقلصوا المآزر وطفق الناس يلوذون بالعباس ويقولون هنيئا لك ساقى الحرمين يريدون ما كان من استسقاء أبيه عبد المطلب بمكة فنسبوه إليه. وروى عن ابن عباس قال: كان بين العباس وعلى " ع " مباعدة فلقيت عليا في مرض العباس فقلت له ان كان لك في النظر إلى عمك حاجة فإته وما أراك تلقاه بعدها فوجم لها وقال تقدمني، واستأذنت له فأذن فدخل فاعتنق كل واحد منهما صاحبه واقبل على على يده يقبلها ويقول يا عم ارض عنى رضى الله عنك. قال قد رضيت عنك، ثم قال يا بن أخي قد أشرت عليك من قبل بشيئين فلم تقبل ورأيت في عاقبتهما ما كرهت وها انا أشير عليك برأي ثالث فان قبلته وإلا نالك ما نالك مما كان قبله، قال وما ذاك يا عم؟ قال لما قبض رسول الله أتانا أبو سفيان بن حرب تلك الساعة فدعوناك إلى أن نبايعك وقلت لك ابسط يدك أبايعك ويبايعك هذا الشيخ فإنا ان بايعناك لم يختلف عليك أحد من بنى عبد مناف وإذا بايعك بنو عبد مناف لم يختلف عليك قرشي وإذا بايعك قريش لم يختلف عليك أحد من العرب، فقلت انا بجهاز رسول الله صلى الله عليه وآله مشغول وهذا الأمر فليس يخشى عليه، فلم نلبث ان سمعنا التكبير من سقيفة (بنى ساعدة) فقلت يا عم ما هذا فقلت ما دعوناك إليه فأبيت، قلت سبحان الله أو كان هذا؟ قلت نعم، قلت أفلا يرد؟ قلت لك وهل رد مثل هذا قط، ثم أشرت عليك حين طعن عمر فقلت لا تدخل نفسك في الشورى فإنك ان
97 اعتزلتهم قدموك وان ساويتهم تقدموك فدخلت معهم فكان ما رأيت، ثم انا الآن أشير عليك برأي ثالث فان قبلته وإلا نالك ما نالك مما كان قبله. انى أرى ان هذا الرجل يعنى عثمان قد اخذ في أمر والله لكأني بالعرب قد سارت إليه حتى ينحر في بيته كما ينحر الجمل والله ان كان ذلك وأنت بالمدينة لزمك الناس به وإذا كان ذلك لم تنل من الأمر شيئا إلا بعد شر لا خير معه، قال ابن عباس فلما كان يوم الجمل عرضت له وقد قتل طلحة فقال والله لكأن عمى كان ينظر إلى هذا من وراء ستر رقيق والله ما نلت من هذا الأمر شيئا إلا بعد شر لا خير معه. وروى أن العباس أوصى عليا في علته التي مات فيها فقال: أي بنى انى مشرف على الظعن إلى الله الذي فاقتي إلى عفوه وتجاوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه وأشير عليك به ولكن العرق نبوض والرحم عروض وإذا قضيت حق العمومة فلا تأل بي بعد؟ أن هذا الرجل يعنى عثمان قد ناجاني مرارا بحديثك وناظرني ملاينا ومخاشنا في أمرك ولم أجد منه عليك إلا مثل ما أجده منك عليه ولا رأيت منه لك إلا مثل ما رأيت منك له ولست تؤتى من قلة علم ولكن من قلة قبول ومع هذا كله فالرأي الذي أودعك به ان تمسك عنه لسانك ويدك فإنه لا يبدأك ما لم تبدأه ولا يجبك عما لم يبلغه فان قلت كيف هذا وقد جلس مجلسا أنا صاحبه فقد قاربت ولكن حديث يوم مرض رسول الله صلى الله عليه وآله فات، ثم حرم الكلام فيه حين مات فعليك الآن بالعزوب عن شئ أرادك له رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يتم وتصديت له مرة بعد أخرى فلم يستقم، ومن ساور الدهر غلب ومن حرص على ممنوع تعب، وعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك وبعثته على متابعتك وأوجرته محبتك ووجدت عنده من ظني به لك لا توتر قوسك إلا بعد الثقة بها وإذا أعجبتك فانظر إلى سيئتها ثم لا تفوق إلا بعد العلم ولا تفرق في النزع إلا لنصيب الرمية وانظر لا بطرف يمينك
98 عينك ولا تجز شمالك شينك ودعني بآيات من آخر سورة الكهف وقم إذا بدا لك، ومما ينسب إلى العباس (رض) عنه من الشعر ما عزاه إليه الزمخشري في (ربيع الأبرار) قال: إذا مجلس الإنصاف حف بأهله * وحلت بواديهم غفار وأسلم فما الناس بالناس الذين عهدتهم * ولا الدار بالدار التي كنت تعلم وتوفى العباس في خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة يوم الجمعة لأثنى عشرة وقبل لأربع عشرة خلون من رجب وقيل من رمضان سنة اثنين وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين من الهجرة، وهو ابن سبع وثمانين سنة بعد أن كف بصره أدرك منها في الإسلام اثنين وثلاثين سنة وصلى عليه أمير المؤمنين " ع " وعثمان ودفن بالبقيع ودخل قبره ابنه عبد الله وكان له من الذكور تسعة بنين وقيل عشرة ومن الإناث ثلاث بنات والله أعلم. عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبو العباس، أمه أم الفضل لبانة بنت الحرث ابن حرب الهلالية، ولد في شعب بنى هاشم وهم محصورون فيه قبل الهجرة بثلاث سنين وذكر الطائي ان النبي صلى الله عليه وآله حنكه بريقه حين ولد ودعا له بالحكمة مرتين. وعن سعيد بن جبير عنه قال بت في بيت خالتي ميمونة فوضعت للنبي صلى الله عليه وآله سلا فقال من وضع هذا قالت عبد الله قال اللهم علمه التأويل وفقه في الدين، وكان طويلا أبيضا مشربا بحمرة جسيما وسيما صبيح الوجه وكان له وفرة وكان يخضب بالحنا وقيل بالسواد. وروى أنه قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وانا ابن عشر سنين وفى رواية ثلاث عشر وفى أخرى خمسة عشر، وكان عمر يعظمه ويعتد به ويقدمه مع حداثة سنه وعلمه بميله إلى أمير المؤمنين " ع "، وكان إذا ذكره يقول: ذاكم فتى الكهول له لسان سئول وقلب عقول وقال له لقد علمت علما ما علمناه.
99 وعن سعد بن أبي وقاص انه قال: ما رأيت أحضر فهما والب لبا ولا أكبر علما ولا أوسع حلما من ابن عباس ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات ولا يجاوز قوله وان حوله لأهل بدر. وعن مسروق قال: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت أجمل الناس، وإذا نطق قلت أفصح الناس، فإذا تحدث قلت اعلم الناس، وقال مجاهد: ما رأيت أحدا قط مثل ابن عباس لقد مات يوم مات وانه لخير هذه الأمة وكان يسمى البحر لكثرة علمه. وعن عبيد الله بن عبد الله قال كان ابن عباس قد فاق الناس بخصال بعلم ما سبق إليه وفقه ما احتيج إليه وحلم ونسب ولا رأيت أحدا أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله منه ولا أعلم بشعر ولا أعلم بعربية ولا بتفسير ولا بحساب ولا بفريضة ولا أعلم بما مضى ولا أثقب رأيا فيما احتيج إليه منه، ولقد كنا نحضر عنده فيحدثنا بالعشية كلها في النسب والعشية كلها في الشعر. وعن أبي مليكه قال صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة فكان إذا نزل قام شطرا من الليل يرتل القرآن حرفا حرفا ويكثر من النشيج والنحيب. وعن أبي رجاء قال رأيت ابن عباس وأسفل عينيه مثل الشراك البالي من البكاء وكان يصوم الاثنين والخميس. قال العلامة الحلي في (الخلاصة) عبد الله بن عباس رض من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان محبا لعلى " ع " وتلميذه حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين " ع " أشهر من أن يخفى وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه وهو اجل من ذلك وقد ذكرناها في كتابنا الكبير واجبنا عنها انتهى. وعن الشهيد الثاني رحمه الله جملة ما ذكره الكشي من الطعن فيه خمسة أحاديث كلها ضعيفة السند والله أعلم بحاله انتهى. قال القاضي نور الله في (مجالس المؤمنين) أما أنا فاعتقد ايمانه واما أجوبة
100 العلامة في كتابه الكبير فلم اقف عليها والذي سمعناه من بعض الثقاة ان كتابه المذكور ضاع قبل ان يبيض في جملة كتب وأثاث للعلامة رض في الفترة الواقعة بعد وفاة السلطان محمد خدا بنده الماضي والى الآن لم يقف أحد من الأفاضل على نسخة من الكتاب المذكور. قال المؤلف: عفى الله عنه الذي اعتقده في ابن عباس رض انه كان من أعظم المخلصين لأمير المؤمنين وأولاده ولا شك في تشيعه وايمانه وستقف على ما نذكره من اخباره على ما تحقق معه ذلك انشاء الله تعالى. وقال السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحلي رحمه الله في كتابه (حل الأشكال في معرفة الرجال) عبد الله بن عباس رض حاله في المحبة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين والموالاة والنصرة له والذب عنه والخصام في رضاه والمؤازرة له مما لا شبهة فيه وقد كان يعتمد ذلك مع من يجيب اعتماده معه بعده على ما نطق به لسان السير. وقد روى الكشي اخبارا شاذة ضعيفة تقتضي قدحا أو جرحا ومثل الحبر رض موضع ان يحسده الناس وينافسوه ويقولوا فيه ويباهتوه: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله * فالناس أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسدا وبغيا إنه لذميم ولو اعتبر العاقل حالة الناس كافة رأى أنه ليس أحد منهم خاليا من متعرض به أو قائل فيه اما مباهتا أو غير مباهت ومعلوم ان ذلك غير جار على قانون الصحة ونمط السداد إذ فيهم من لا شبهة في نزاهته وبرائته: وما زلت استصفى لك الود أبتغي * محاسنة حتى كأني مجرم لأسلم من قول الوشاة وتسلمي * سلمت وهل حي من الناس يسلم ولو شك العاقل في كل شئ لما شك في حال نفسه عند قول باطل يقال وبهت يبهت به لا أصل له في كلام شاهد بان السلامة من التعرض بعيدة لأن
101 الرفيع بمظنة حسد المتوسط له ومن دونه فيقولان فيه والمتوسط بمظنة الحسد من المتوسط فيقول فيه والساقط بمنزلة قدح الرفيع والمتوسط حقا فيه وانا مورد ما رواه الكشي في خلاف ما مدحت به ومجيب من ذلك انشاء الله تعالى. حديث أول يتعلق بقول صدر فيه من مولانا زين العابدين " ع " من رواية إبراهيم بن عمر الصنعاني وقال ابن الغضائري فيه إبراهيم بن الصنعاني اليماني يكنى أبا إسحاق ضعيف جدا روى عن أبي جعفر " ع " وأبى عبد الله " ع " وله كتاب. حديث ثاني يتعلق بغضب الحسن " ع " منه عقيب مقالة قالها تتعلق بافتخاره بالعلم وكأنه كان يعرض به الطريق محمد بن مسعود قال حدثني جعفر بن محمد بن أيوب قال حدثني حمدان بن سليمان أبو الخير قال حدثني أبو محمد عبد الله ابن محمد اليماني قال حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي عن أبيه الحسين عن طاوس وفى هذا الحديث من لا نثبت روايته اما من حيث لا نعرف عدالته أو من حيث إن الطعن متوجه إليه. حديث ثالث يتعلق بأخذ عبد الله ألفى ألف درهم من مال البصرة، رواه سفيان بن سعيد عن الزهري والمشار إليهما عدوان متهمان. حديث رابع يتعلق بمراجعته لعلى " ع " بما سفك من الدماء والحديث مروي عن شيخ من أهل اليمامة بذكر عن معلى بن هلال عن الشعبي وهذا السند ضعيف جدا لا أصل له تارة بجهالة الشيخ اليماني وتارة بما يعرف من حال الشعبي من طرق المخالف واما من طرقنا فالأمر ظاهر ومعلى بن هلال لابد من معرفة عدالته. وروى حديثا خامسا يتعلق به وبأخيه عبيد الله شديدا في الطعن لكن طريقه ضعيف لأن من رواته محمد بن سنان يرويه عنه محمد بن عيسى العبيدي
102 وهو مضعف قال ولو ورد في مثله الف حديث يقبل أمكن ان يعرض للتهمة فكيف مثل هذه الروايات الضعيفة الركيكة انتهى، وهذا حين نذر جملة من أخباره. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس انه كان يقول، يوم الخميس وما يوم الخميس ثم يبكى حتى بل دمعه الحصى فقلنا يا بن عباس وما يوم الخميس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وجعه فقال ائتوني بدواة اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي ابدا فتنازعوا فقال إنه لا ينبغي عندي تنازع فقال قائل ما شأنه هجر استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال دعوني فالذي انا فيه خير مما أنتم فيه. وفى الصحيحين أيضا أخرجاه معا عن ابن عباس قال: لما احتضر رسول الله صلى الله عليه وآله وفى البيت رجال منهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وآله هلم اكتب لكم كتابا لا تضلون بعده قال عمر ان رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف القوم واختصموا فمنهم من يقول قربوا إليه يكتب إليكم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول القول ما قاله عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عنده قال لهم قوموا فكان ابن عباس يقول الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب. قال: بعض العلماء صدق ابن عباس عند كل عاقل مسلم والله لو لبس المسلمون السواد وأقاموا المآتم وبلغوا أعظم الحزن لأجل ما فعل عمر بن الخطاب لكان قليلا. وروى عبد الله بن عمر قال كنت عند أبي يوما وعنده نفر من الناس فجرى ذكر الشعر فقال من اشعر العرب فقالوا فلان وفلان فطلع عبد الله بن عباس فسلم وجلس فقال عمر قد جائنا الخبير من اشعر العرب يا عبد الله؟ قال زهير بن أبي سلمى قال فأنشدني مما تستجيده له فقال إنه مدح قوما من غطفان
103 يقال لهم بنو سنان: لو كان يعقد فرق الشمس من شرف * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا قوم سنان أبوهم حين تنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا انس إذا أمنوا جن إذا فزعوا * مرزؤن بها ليل إذا جهدوا محسدون على من كان من نعم * لا ينزع الله منهم ما له حسدوا فقال عمر قاتله الله لقد أحسن ولا أرى هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت من بنى هاشم لقرابتهم من رسول الله فقال ابن عباس وفقك الله يا أمير المؤمنين فلم تزل موفقا قال ابن عباس أتدري ما منع الناس منكم قال لا؟ قال لكني أدري قال ما هو؟ قال كرهت قريش ان يجتمع لكم الخلافة والنبوة فتجحفوا بالناس جحفا فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت فأصابت فقال ابن عباس أيميط عنى أمير المؤمنين غضبه قال قل ما تشاء قال أما قولك ان قريشا كرهت فان الله تعالى قال لقوم ذلك بأنهم كرهوا ما انزل الله فأحبط أعمالهم واما قولك كنا تجحف فلو أجحفنا بالخلافة لجحفنا بالقرابة ولكنا قوم أخلاقا مشتقة من أخلاق رسول الله الذي قال الله تعالى له وانك لعلى خلق عظيم وقال له واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وأما قولك ان قريشا اختارت فان الله تعالى يقول وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة وقد علمت أن الله اختار لذلك من اختار فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لو فقت قريش فقال عمر على رسلك يا بن عباس أبت قلوبكم يا بنى هاشم إلا غشا في أمر قريش لا يزول وحقدا عليها لا يحول فقال ابن عباس لا تنسب قلوب بنى هاشم إلى الغش فان قلوبهم من قلب رسول الله صلى الله عليه وآله طهره الله وزكاهم وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واما قولك حقدا فكيف لا يحقد من غصب حقه ويراه في يد غيره فقال عمر اما أنت يا بن عباس فقد بلغني عنك كلام أكره ان أخبرك به فتزول منزلتك عندي قال ما هو
104 أخبرني به فان يك باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه وان يك حقا فان منزلتك عندي لا تزول به. قال بلغني انك لا تزل أتقول اخذ هذا الأمر منا حسدا وظلما قال اما قولك حسدا فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة فنحن بنو آدم المحسود واما قولك ظلما فأنت تعلم صاحب الحق من هو ثم قال ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله صلى الله عليه وآله واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله صلى الله عليه وآله فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وآله من سائر قريش فقال عمر قم الآن وارجع إلى منزلك فقام فلما ولى هتف به عمر أيها المنصرف انى على ما كان منك لراع حقك فالتفت ابن عباس وقال إن لي عليك حقا وعلى كل المسلمين برسول الله صلى الله عليه وآله فمن حفظه فحق نفسه حفظ ومن أضاعه فحق نفسه أضاع فقال عمر لجلسائه واها لابن عباس ما رأيته لاحى أحدا الا خصمه. وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا أبو زيد عمر ابن شبة باسناد رفعه إلى ابن عباس قال انى أماشي عمر في سكة من سكك المدينة يده في يدي فقال يا بن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما، فقلت في نفسي والله لا يسبقني بها فقلت يا أمير المؤمنين فاد إليه ظلامته فانتزع يده من يدي ثم مر يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته فقال يا بن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا انهم استصغروه فقلت في نفسي هذه شر من الأولى فقلت والله ما استصغره الله حين امره بأخذ سورة براءة من أبى بكر. وعن ابن عباس قال ماشيت عمر بن الخطاب يوما فقال لي يا بن عباس ما منع قومكم منكم وأنتم أهل البيت خاصة؟ قلت لا أدري قال لكني أدري انكم فضلتموهم بالنبوة فقالوا ان فضلونا بالخلافة مع النبوة لم يبقوا لنا شيئا وان أفضل النصيبين بأيديكم بل ما أخالها إلا مجتمعة فيكم وان نزلت على رغم أنف قريش. وروى أحمد بن أبي طاهر في كتاب تاريخ بغداد بسنده عن ابن عباس
105 قال: دخلت على عمر في أول خلافته وقد ألقى إليه صاع من تمر على صحفة فدعاني للأكل فأكلت تمرة واحدة وأقبل يأكل حتى أتى عليه ثم شرب من جرة كانت عنده واستلقى على مرفقة له وطفق يحمد الله يكرر ذلك ثم قال من ابن جئت يا عبد الله قلت من المسجد قال كيف خلفت ابن عمك فظننته يعنى عبد الله بن جعفر قلت خلفته مع أقرانه يلعب قال لم اعن ذلك انما عنيت عظيمكم أهل البيت قلت خلفته يمتح بالغرب على نخلات له وهو يقرأ القرآن فقال يا عبد الله عليك دماء البدن ان كتمتنيها أبقى في نفسه شئ من أمر الخلافة قلت نعم قال أيزعم ان رسول الله صلى الله عليه وآله جعلها له قلت نعم وأزيدك سألت أبى عما يدعيه فقال صدق قال عمر لقد كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في امره ذرو من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا وقد كان يزيغ في امره وقتا ما ولقد أراد في مرضه ان يصرح باسمه فمنعت من ذلك اشفاقا وحفيظة على الإسلام لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش ابدا ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله انى علمت ما في نفسه فأمسك وأبى الله إلا امضاء ما حتم. قلت: يشير إلى اليوم الذي قال فيه صلى الله عليه وآله هلم اكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فقال عمر أنه قد غلبه الوجع وقد ذكرنا الحديث آنفا. وحدث ابن عائشة عن أبيه قال نظر الخطيئة إلى ابن عباس في مجلس عمر وقد برع بكلامه فقال من هذا الذي قد نزل عن القوم في سنه وعلاهم في قوله قالوا هذا ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله فأنشأ يقول شعرا. ان وجدت بيان المرء نافلة * تهدى له ووجدت العمى كالصمم المرء يبلى وتبقى الكلم سائرة * وقد يلام الفتى يوما ولم يلم وعن الشعبي قال: قيل لابن عباس من أين أصبت هذا العلم؟ قال بلسان سؤل وقلب عقول.
106 وروى أن الناس كلموا ابن عباس ان يحج بهم وعثمان محصور في الدار فدخل عليه فأخبره فأمره ان يحج بهم فحج بالناس فلما قدم رأى عثمان قد قتل وقد بويع أمير المؤمنين " ع ". قال ابن عباس قدمت من مكة بعد مقتل عثمان بخمسة أيام فجئت عليا " ع " لأدخل عليه فسألت عنه فقيل لي عنده المغيرة بن شعبة فجلست بالباب حتى خرج المغيرة ودخلت على على " ع " فقال لي أين لقيت طلحة والزبير؟ فقلت بالرصف قال ومن معهما قلت أبو سعيد بن الحرث بن هشام في فتية من قريش فقال " ع " اما انهم لن يدعوا ان يخرجوا فيطلبوا بدم عثمان والله أعلم انهم قتلة عثمان فقلت له أخبرني عن شأن المغيرة ولم خلا بك قال " ع " جائني بعد مقتل عثمان بيومين فقال أخلني ففعلت فقال أنت بقية الناس وانا لك ناصح وإني أشير عليك بترك عمال عثمان عامك هذا فاكتب إليهم باثباتهم على أعمالهم فإذا بايعوك واطمئن امرك عزلت من أحببت وأبقيت من أحببت فقلت والله لا أداهن في ديني ولا أعطي الرياء في أمري قال فان كنت قد أبيت فانزع من شئت وأقر معاوية فان له جرءة وهو في أهل الشام مسموع منه ولك في ابقائه حجة فقد كان عمر ولاه الشام كلها فقلت والله لا استعملت معاوية ابدا فخرج من عندي بعد ما أشار به ثم عاد فقال إلى أشرت بما أشرت به وأبيت على ثم نظرت فإذا أنت مصيب لا يسعك ان تأخذ أمرك بخدعة ولا ان يكون فيه دلسة فقلت اما أول ما أشار به فقد نصحك فيه وأما الآخر فقد غشك به وانا أشير عليك ان تبقى معاوية فان بايعك فعلى ان أقفله من منزله قال " ع " الله لا أعطيه إلا السيف وتمثل " ع " بهذا البيت: فما شبة ان رمتها غير عاجز * بعار إذا ما غالت النفس غولها فقلت يا أمير المؤمنين " ع " انك رجل شجاع اما سمعت رسول الله يقول الحرب خدعة فقال بلى فقلت انى والله لأصدرن بهم بعد ورود ولأتركنهم
107 ينظرون في أدبار الأمور ولا يدرون ما وجهها في غير نقض! عليك ولا إثم فقال " ع " يا بن عباس لست من هناتك ولا هنات معاوية في شئ، لك ان تشير على وارى فإذا عصيتك فأطعني فقلت فانا افعل فان أيسر ما عندي لك الطاعة، ثم خرج ابن عباس معه " ع " إلى البصرة وشهد معه وقعة الجمل ولما صار على " ع " إلى البصرة بعث ابن عباس فقال له لا تلقين طلحة فإنك ان تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه يركب الصعب ويقول هو الذلول ولكن الق الزبير فإنه ألين عريكة فقل له يقول لك ابن خالك عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق فما عدا مما بدا قال ابن عباس فاتيت الزبير فقلت له ما قال " ع " فقال انى أريد ما تريد كأنه يقول الملك ولم يزدني على ذلك فرجعت إلى أمير المؤمنين " ع " فأخبرته. وروى أن أمير المؤمنين " ع " لما أرسل ابن عباس إلى الزبير قال من كان له ابن عم مثل ابن عباس فقد أقر الله عينه. وأخرج الكشي باسناده قال، لما هزم علي بن أبي طالب " ع " أصحاب الجمل بعث عبد الله ابن عباس إلى عايشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة قال ابن عباس فأتيتها وهي في قصر بنى خلف في جانب البصرة قال: وطلبت عليها الاذن فلم تأذن فدخلت عليها من غير اذنها فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس وإذا هي من وراء سترين فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة قال فمددت الطنفسة فجلست عليها، فقالت من وراء الستر يا بن عباس أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير إذننا وجلست على متاعنا بغير إذننا، فقال لها ابن عباس نحن أولى بالسنة منك ونحن علماك السنة وانما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله فخرجت منه ظالمة لنفسك غاشة لدينك عانية على ربك عاصية لرسول الله صلى الله عليه وآله فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا باذنك ولم نجلس على متاعك إلا بأمرك ان أمير المؤمنين " ع " بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة. فقالت: رحم الله أمير المؤمنين ذاك عمر بن الخطاب فقال ابن
108 عباس هذا والله أمير المؤمنين وان تربدت فيه وجوه ورغمت فيه معاطس اما والله لهو أمير المؤمنين " ع " وأمس برسول الله صلى الله عليه وآله رحما وأقرب قرابة وأقدم سبقا وأكثر علما وأعلى منارا وأكثر آثارا من أبيك ومن عمر فقالت أبيت ذلك فقال اما والله ان كان آباؤك فيه قصير المدة عظيم المشقة ظاهر الشوم بين النكد، وما كان آباؤك فيه إلا كحلب شاة حتى صرت ما تأمرين ولا تنهين لا ترفعين ولا تضعين وما كان مثلك إلا كمثل ابن الخضرمي بن نجمان أخي بنى أسد حيث يقول: ما زال اهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب حتى تركتهم كأن قلوبهم * في كل مجمعة طنين ذباب قال: فأراقت دمعتها وأبدت عويلها وتبدي نشيجها ثم قالت اخرج والله عنكم فما في الأرض بلد أبغض إلى من بلد أنتم فيه، فقال ابن عباس فلم والله ماذا بلاؤنا عندك ولا صنيعنا إليك انا جعلناك للمؤمنين اما وأنت بنت أم رومان وجعلنا أباك صديقا وهو ابن أبي قحافة فقالت يا بن عباس تمنون على برسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ولم لا نمن عليك لو كان منك قلامة منه مننتنا به ونحن لحمه ودمه ومنه واليه وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده لست بأبيضهن لونا ولا أحسنهن وجها ولا بأرشحهن عرقا ولا بأنضرهن ورقا ولا بأطراهن أصلا فصرت تأمرين فتطاعين وتدعين فتجابين وما مثلك إلا كما قال آخر بنى فهر: مننت على قومي فأبدوا عداوة * فقلت لهم كفوا العداوة والنكرا ففيه رضا من مثلكم لصديقه * وأحجى بكم ان تجمعوا البغي والكفرا قال ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين " ع " فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها فقال " ع " انا اعلم بك حيث بعثتك. وأقام أمير المؤمنين بعد وقعة الجمل خمسين ليلة ثم اقبل على الكوفة
109 واستخلف ابن عباس على البصرة. ولما خرج " ع " إلى صفين لحرب معاوية كتب إلى عماله يستفزهم فكتب إلى ابن عباس وهو عامله على البصرة: أما بعد فاشخص إلى بمن قبلك من المسلمين والمؤمنين وذكرهم بلائي عندهم وعفوي عنهم في الحرب وأعلمهم الذي في ذلك من الفضل والسلام. فلما وصل كتابه إلى ابن عباس بالبصرة قام في الناس فقرأ عليهم الكتاب وحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس استعدوا للشخوص إلى إمامكم وانفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرؤن القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب ولا يدينون دين الحق مع أمير المؤمنين " ع " وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والصادع بالحق والمقيم بالهدى والحاكم بحكم الكتاب الذي لا يرتشي في الحكم ولا يداهن الفجار ولا تأخذه في الله لومة لائم فقام إليه الأحنف بن قيس فقال نعم والله لنجيبنك ولنخرجن معك على العسر واليسر والرضا والكره، نحتسب في ذلك الأجر ونامل به من الله العظيم حسن الثواب وأجابه سائر الناس إلى المسير فاستعمل أبا الأسود الدؤلي على البصرة وخرج حتى قدم على أمير المؤمنين " ع " بالنخيلة وهي بضم النون: مصغر نخلة موضع من الكوفة على سمت الشام. وعن عبد الله بن عوف ابن الأحمران عليا " ع " لم يبرح النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس باهل البصرة. وروى نصر بن مزاحم قال لما اشتد الأمر وعظم البلاء على أهل الشام قال معاوية لعمرو بن العاص ان رأس الناس بعد على " ع " لعبد الله بن عباس فلو كتبت إليه كتابا لعلك تخدعه به ولعله لو قال شيئا لم يخرج على منه وقد أكلتنا الحرب ولا أرانا نصل إلى العراق إلا بهلاك أهل الشام فقال عمرو
110 ان ابن عباس لا يخدع ولو طمعت فيه لطمعت في علي قال معاوية على ذاك فاكتب فكتب عمرو إليه اما بعد فان الذي نحن فيه وأنتم ليس بأول أمر قاده البلاء وأنت رأس هذا الجمع بعد على " ع " فانظر فيما بقى ودع ما مضى فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولكم حياء ولا صبرا. وعلم أن الشام لا تملك إلا بهلاك أهل العراق، وان العراق لا تملك إلا بهلاك أهل الشام فما خيرنا بعد هلاك أعدادنا منكم وما خيركم بعد هلاك أعدادكم منا ولسنا نقول ليت الحرب عادت ولكنا نقول ليتها لم تكن وان فينا من يكره اللقاء كما أن فيكم من يكرهه وانما هو أمير مطاع ومأمور مطيع ومؤتمن مشاور وهو أنت فاما الأشتر الغليظ الطبع القاسي القلب فليس بأهل ان يدعى في الشورى ولا في خواص أهل النجوى وكتب في أسفل الكتاب: طال البلاء وما يرجى له آسى * بعد الإله سوى رفق ابن عباس قولا له قول من يرجو مودته * لا تنس حظك ان الخاسر الناسي انظر فداؤك نفسي قبل قاصمة * للظهر ليس لها راق ولا آسى ان العراق وأهل الشام لن يجدوا * طعم الحياة مع المستغلق القاسي يا بن الذي زمزم سقيا الحجيج له * أعظم بذلك من فخر على الناس انى أرى الخير في سلم الشأم لكم * والله يعلم ما بالسلم من بأس فيها التقى وأمور ليس يجهلها * إلا الجهول وما نوكى كأكياس فلما وصل الكتاب إلى ابن عباس عرضه على أمير المؤمنين " ع " فقال قاتل الله ابن العاص ما أغراه بك يا عبد الله أجبه وليرد عليه الشعر الفضل ابن العباس فإنه شاعر فكتب ابن عباس إلى عمرو اما بعد فإني لا اعلم أحدا من العرب أقل حياء منك انه مال بك معاوية إلى الهوى فبعته دينك بالثمن اليسير ثم خبطت الناس في عشوة طمعا في الدنيا فأعظمتها إعظام أهل الدنيا ثم تزعم انك
111 تتنزه عنها تنزه أهل الورع فان كنت صادقا فارجع إلى بيتك ودع الطمع في مصر والركون إلى الدنيا الفانية واعلم أن هذه الحرب ما معاوية فيها كعلى " ع " بدأها على " ع " بالحق وانتهى فيها إلى العذر وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السرف وليس أهل العراق فيها كأهل الشام بايع أهل العراق عليا " ع " وهو خير منهم وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه ولست انا وأنت فيها سواء أردت الله تعالى وأردت مصر وقد عرفت الشئ الذي باعدك منى ولا أعرف الشئ الذي قربك من معاوية فان ترد شرا لا نسبقك إليه وان ترد خيرا لا تسبقنا إليه والسلام. ثم دعا أخاه الفضل فقال: يا بن أم أجب عمرا فقال الفضل: يا عمرو حسبك من مكر ووسواس * فاذهب فليس لداء الجهل من آسى الا تواتر طعن في نحوركم * يشجي النفوس ويشقى نخوة الرأس اما على فان الله فضله * بفضل ذي شرف عال على الناس ان تعقلوا الحرب نعقلها مخيسة * أو تبعثوها فانا غير أنكاس قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة * هذا بهذا وما بالحق من باس ثم عرض الشعر والكتاب على على " ع " فقال لا أراه يجيبك بعدها بشئ ابدا ان كان يعقل وان عاد عدت عليه فلما انتهى الكتاب إلى عمرو ابن العاص عرضه على معاوية فقال إن قلب ابن عباس وقلب على " ع " واحد وكلاهما ولد عبد المطلب وان كان قد خشن فلقد لأن وان كان قد عظم صاحبا فلقد قارب وجنح إلى السلم. قال نصر وقال معاوية لأكتبن إلى ابن عباس كتابا استعرض فيه عقله وانظر ما في نفسه فكتب إليه: اما بعد فإنكم معشر بنى هاشم لستم إلى أحد أسرع بالماءة منكم إلى أنصار ابن عفان حتى انكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما واستعظامهما ما نيل منه فان يكن ذلك منافسة لبني أمية في السلطان فقد ولياه
112 عدى وتيم فلم تنافسوهم وأظهرتم لهم الطاعة وقد وقع من الأمر ما ترى وأكلت هذه الحروب بعضها بعضا حتى استوينا فيها فما يطمعكم فينا يطمعنا فيكم وما يؤيسنا منكم يؤيسكم منا ولقد رجونا غير ما كان وخشينا دون ما وقع ولست ملاقينا اليوم بأحد من حد أمس ولا عذابا أحد من حد اليوم وقد قنعنا بما في أيدينا من ملك الشام فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق وأبقوا على قريش فأنما بقى من رجالها ستة رجلان بالشام ورجلان بالعراق ورجلان بالحجاز فاما الرجلان بالشام فانا وعمرو، واما اللذان بالعراق فأنت وعلى، واما اللذان بالحجاز فسعد وابن عمر فاثنان من الستة ناصبان لك واثنان واقفان فيك وأنت رأس هذا الجمع اليوم ولو بايع لك الناس بعد عثمان كنا إليك أسرع منا إلى على والسلام فلما وصل الكتاب إلى ابن عباس أسخطه وقال حتى متى يخطب ابن هند إلى عقلي وحتى متى أحجم على ما في نفسي فكتب إليه أما بعد فقد أتاني كتابك وقرأته فاما ما ذكرت من سرعتنا إليك بالمساءة والى أنصار ابن عفان وكراهتنا لسلطان أمية فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره حتى صرت إلى ما صرت إليه وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان وهو الوليد بن عقبه واما طلحة والزبير فإنهما أجلبا عليه وضيقا خناقه ثم خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك فقاتلناهما على النكت كما قاتلناك على البغي واما قولك انه لم يبق من قريش غير ستة فما أكثر رجالها وأحسن بقيتها وقد قاتلك من خيارها من قاتلك ولم يخذلنا إلا من خذلك واما إغراؤك إيانا بعدي وتيم فأن أبا بكر وعمر خير من عثمان كما أن عثمان خير منك وقد بقى لك منا ما ينسيك ما قبله وتخاف ما بعده واما قولك لو بايع الناس لي لاستقاموا فقد بايع الناس عليا وهو خير منى فلم يستقيموا له وما أنت وذكر الخلافة يا معاوية وانما أنت طليق وابن طليق والخلافة للمهاجرين الأولين وليس الطلقاء منها في شئ والسلام. فلما وصل كتابه إلى معاوية قال هذا عملي بنفسي لا اكتب والله كتابا سنة كاملة وقال شعرا:
113 دعوت ابن عباس إلى جل حطة * وكان امرءا أهدى إليه رسائلي فاخلف ظني والحوادث جمة * وما زاد أن أغلى على مراجلي فقل لابن عباس أراك مخوفا * بجهلك حلمي انني غير غافل فأبرق وارعد ما استطعت فإنني * إليك بما يشجيك سبط الأنامل قال نصر: لما أراد الناس عليا " ع " ان يضع الحكمين قال لهم ان معاوية لم بكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص وانه لا يصلح للقرشي الا مثله فعليكم بعبد الله بن عباس فارموه به فان عمرا لا يعقد عقده إلا حلها عبد الله ولا يحل عقدة إلا عقدها ولا يبرم أمرا إلا نقضه ولا ينقض أمرا إلا أبرمه فقال الأشعث والله لا يحكم فينا مضربان حتى تقوم الساعة ولكن اجعل رجلا من أهل اليمن إذا جعلوا رجلا من مضر فقال على " ع " انى أخاف ان يخدع يمنيكم فان عمرا لبس من الله في شئ إذا كان في أمر هوى فقال الأشعث والله لئن يحكمان ببعض ما نكره واحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب وهما مضربان انتهى ثم اختار أهل الشام عمرو بن العاص وقالوا قد رضينا به وقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج فيما بعد رضينا نحن واخترنا أبا موسى الأشعري فقال لهم على " ع " فإني لا أرضى بابى موسى ولا أرى ان أوليه قالوا فانا لا ترضى الا به فقال على " ع " فإنه ليس يرضى وقد فارقني وخذل الناس عنى وهرب منى حتى آمنته بعد شهر ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك. قالوا والله لا تبالي إن كنت وابن عباس ولا نريد الا رجلا هو منك ومن معاوية سواء لبس إلى واحد منكما أدنى من الآخر فقال على " ع " قد أبيتم إلا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما شئتم فبلغ ذلك أهل الشام فبعث أيمن ابن حزيم الأسدي وكان معتزلا لمعاوية وكان هواه ان يكون من أهل العراق بهذه الأبيات: لو كان للقوم أمر يعصمون به * من الضلال رموكم بابن عباس لله در أبيه أيما رجل * ما مثله لفصال الخطب في الناس
114 لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن * لا يهتدى ضرب أخماس لأسداس ان يخل عمرو به يقذفه في لجج * يهوى به النجم تيسا بين أتياس أبلغ لديك عليا غير عاتبه * قول امرئ لا يرى بالحق من باس ما الأشعري بمأمون أبا حسن * فاعلم هديت وليس العجز كالرأس فاصدع بصاحبك الأدنى برغمهم * ان ابن عمك عباس هو الأسى فلما بلغ أهل العراق هذا الشعر طارت أهواء قوم من أولياء على " ع " وشيعته إلى ابن عباس وأبت القراء إلا أبا موسى وكان أيمن بن حزيم هذا رجلا عابدا مجتهدا وقد كان معاوية جعل له فلسطين على أن يبايعه ويشايعه على قتال على " ع " فقال أيمن هذه الأبيات وبعث بها إليه: ولست مقاتلا رجلا يصلى * على سلطان آخر من قريش له سلطانه وعلى إثمي * معاذ الله من سفه وطيش أأقتل مسلما في غير جرم * فليس بنافع ما عشت عيشي وروى المدائني في كتاب (صفين) والزبير ابن بكار في (الموفقيات) قالا: لما اجتمع أهل العراق على طلب أبى موسى وأحضروه للتحكيم على كره من على " ع " اتاه عبد الله ابن عباس وعنده وجوه الناس والاشراف فقال يا أبا موسى ان الناس لم يرضوا بك ويجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه وما أكثر أشباهك من المهاجرين والأنصار المتقدمين قبلك ولكن أهل العراق أبوا الا ان يكون الحكم يمانيا ورأوا ان معظم أهل الشام ايمان وأيم الله انى لأظن ذلك شرا لك ولنا فإنه قد ضم إليك داهية العرب وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة فان تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه وان يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك واعلم يا أبا موسى ان معاوية طليق الإسلام وان أباه رأس الأحزاب وانه يدعى الخلافة من غير مشورة ولا بيعة واعلم أن لعمرو مع كل شئ يسرك خبيئا يسوؤك ومما نسيت فلا تنس ان عليا " ع " بايعه القوم
115 الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وانها بيعة هدى وانه لم يقاتل القاسطين والناكثين فقال أبو موسى رحمك الله والله مالي امام غير على " ع " وإني لواقف عندما رأى وان حق الله أحب إلى من رضى معاوية وأهل الشام وما انا وأنت إلا بالله فقال بعض الشعراء في ذلك: والله ما كلم الأقوام من بشر * بعد الوصي على كابن عباس أوصي ابن قيس بأمر فيه عصمته * لو كان فيها أبو موسى من الناس انى أخاف عليه مكر صاحبه * أرجو رجاء مخوف شيب بالياس وذكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري في (أماليه) قال قال عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد. حضرت الحكومة فلما كان يوم الفصل جاء عبد الله بن عباس فقعد إلى جانب أبى موسى وقد نشر اذنيه حتى كاد ان ينطق بهما فعلمت ان الأمر لا يتم لنا ما دام هناك وانه يفسد على عمرو حيلته فأعملت المكيدة في امره فجئت حتى قعدت عنده وقد شرع عمرو وأبو موسى في الكلام فكلمت ابن عباس كلمة استطعمته جوابها فلم يجب فكلمته الأخرى فلم يجب فكلمته ثالثة فقال انى لفي شغل عن جوابك الآن فجبهته وقلت يا بنى هاشم لا تتركون بأوكم وكبركم ابدا اما والله لولا مكان النبوة كان لي ولك شأن قال فحمى وغضب واضطرب فكره ورأيه فاسمعني كلاما يسوء سماعة فأعرضت عنه فقمت وقعدت إلى عمرو بن العاص وقلت قد كفيتك التقوا له، انى قد شغلت باله بما دار بيني وبينه فأحكم أنت امرك قال فذهل والله ابن عباس عن الكلام الدائر بين الرجلين حتى قام أبو موسى فخلع عليا. (وروى) البلاذري في كتاب أنساب الأشراف قال قيل لعبد الله بن العباس ما منع عليا " ع " ان يبعثك يوم التحكيم قال منعه حاجز القدر ومحنة الابتلاء وقصر المدة اما والله لو كنت لقعدت على مدارج أنفاسه ناقضا ما أبرم ومبرما ما نقض أطير إذا سف وأسف إذا طار ولكن سبق قدر وبقى أسف ومع اليوم
116 غد والآخرة لأمير المؤمنين. (وروى) ان ابن عباس هو الذي كتب كتاب الصلح بين أمير المؤمنين ومعاوية فلما كتب هذا ما قاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لمعاوية ابن أبي سفيان قال له عمرو ابن العاص امح أمير المؤمنين فانا لا نعرف فلو عرفنا انه أمير المؤمنين ما نازعناه فقال أمير المؤمنين " ع " لابن عباس امحه فقال ابن عباس لا امحوه فمحاه أمير المؤمنين " ع " وقال إن هذا اليوم كيوم الحديبية حينما كتبت الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه وآله هذا ما تصالح عليه محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسهيل بن عمرو فقال سهيل لو اعلم انك رسول الله لم أخالف ولم أقاتلك انى إذا لظالم لك ان أمنعك ان تطوف بيت الله وأنت رسوله ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله امحها يا علي فقلت لا أمحو اسم الرسالة عنك فقال يا علي انى لرسول الله ومحمد بن عبد الله ولن يمحو عنى الرسالة كتابي لهم من محمد بن عبد الله فاكتبها فامح ما أراد محوه اما ان لك مثلي ستعطيها وأنت مضطهد، وفى (رواية) وقال على " ع " ان ذلك الكتاب انا كتبته بيننا وبين المشركين واليوم اكتبه إلى أبنائهم كما كان رسول الله كتبه إلى آبائهم شبها ومثلا فقال عمرو سبحان الله أتشبهنا بالكفار ونحن مسلمون فقال أمير المؤمنين " ع " يا بن النابغة ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا فقام عمرو وقال والله لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد اليوم فقال على " ع " اما والله انى لأرجو ان يظهر الله عليك وعلى أصحابك. (ومن مناكير العامة) ما رووه عن عكرمة ان عليا " ع " أحرق أناسا ارتدوا فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت انا لم أحرقهم بالنار وان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقوله صلى الله عليه وآله من بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليا فقال ويح ابن أم الفضل انه لغواص وندم على احراقهم. (قال) شيخنا المفيد قدس الله روحه وهذا من أظرف شئ سمع وأعجبه
117 وذلك أن ابن عباس أحد تلامذته والآخذين العلم عنه وهو الذي يقول كان أمير المؤمنين " ع " يجلس بيننا كأحدنا ويداعبنا ويبسطنا ويقول والله ما ملأت طرفي منه قط هيبة له فكيف يجوز من مثل من وصفناه التقدم على أمير المؤمنين في الفتيا واظهار الخلاف عليه في الدين لا سيما في الحال التي هو مظهر له فيه الاتباع والتعظيم والتبجيل وكيف ندم على احراقهم وقد أحرق في آخر زمانه (" ع ") الاحد عشر الذين ادعوا فيه الربوبية أفتراه ندم على ندمه الأول كلا ولكن الناصبة تتعلق بالهباء المنثور. (وقال) ابن أبي الحديد وهل اخذ عبد الله بن عباس الفقه وتفسير القرآن إلا عنه عليه السلام. (وروى) الكشي وغيره ان ابن عباس حمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك عليا " ع " ووقع بين أمير المؤمنين " ع " وبينه مكاتبات شنيعة من اجل ذلك وهي مذكورة في كتاب الكشي وبعضها في نهج البلاغة وأنكر المحققون من العلماء ذلك وقالوا ان ذلك لم يكن ولا فارق عبد الله بن عباس عليا ولا بابنه ولا خالفه ولم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل " ع "، قال ابن أبي الحديد وهذا هو الأمثل عندي والأصوب أي لم يفارق أمير المؤمنين " ع ". (قال المؤلف) عفا الله عنه: ومما يدل على أن ابن عباس لم يفارق أمير المؤمنين إلى أن قتل ما رواه المؤيد الخوارزمي في مناقبه عن عثمان بن المغيرة قال لما ان دخل شهر رمضان كان " ع " يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين (" ع ") وليلة عند ابن عباس لا يزيد على ثلاث لقم يقول يأتيني أمر الله وانا خميص انما هي ليلة أو ليلتان فأصيب من الليل. (وروى) ذلك أيضا مصنف كتاب زهد علي بن أبي طالب " ع ". (روى) أبو الفرج الأصبهاني في كتاب (مقاتل الطالبين) ان عليا ولى غسله ابنه الحسن وعبد الله بن عباس.
118 وذكر بعض المؤرخين، ان ابن عباس لما قتل على " ع " حمل مبلغا من بيت المال البصرة ولحق بالحجاز واستخلف على البصرة عبد الله بن الحرث بن نوفل وهذا هو الصحيح ويدل عليه ان ابن الزبير عيره بذلك كما سيأتي. روى المدائني قال: وفد عبد الله بن عباس على معاوية مرة فقال معاوية لابنه يزيد وزياد بن سمية وعتبة بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحكم انه قد طال العهد بعبد الله بن عباس وما كان شجر بيننا وبينه وبين ابن عمه ولقد كان رضيه للتحكيم فدفع عنه فحركوه للكلام لنبلغ حقيقة صفته وتقف على كنه معرفته ونعرف ما صرف عنا من شبا حده وزوى عنا من دهاء رأيه فربما وصف المرء بغير ما فيه هو أعطى من النعت والاسم ما لا يستحقه ثم أرسل إلى عبد الله بن عباس فلما دخل واستقر به المجلس ابتدأه ابن أبي سفيان فقال يا بن عباس ما منع عليا ان يوجه بك حكما فقال والله لو فعل لقرنت عمرا بصعبة من الإبل يوجع كتفيه مراسها ولا ذهلت عقله واجرضته بريقه وقدحت في سويداء قلبه فلم يبرم أمرا ولم ينقض رأيا الا كنت منه بمرء ومسمع فان نكثه أبرمت قواه وان أبرمه فصمت عراه بغرب مقول لا يفل حده وأصالة رأى كمتاح الاجل لا وزر منه أفرى به أديمه وأفل به شبا حده واشحذ به عزائم المتقين وأزيح به شبهة الناكثين. فقال عمرو بن العاص هذا والله يا معاوية بزوغ (1) أول الشر وأفول آخر الحقير وفى حسمه قطع مادته فبادره بالحملة وانتهز منه الفرصة واردع بالتنكيل به غيره وشرد به من خلفه فقال ابن عباس يا بن النابغة ضل والله عقلك وسفه حلمك ونطق الشيطان على لسانك هلا توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دعيت إلى النزال وتكافحت الابطال وكثرت الجراح وتقصفت الرماح وبرزت إلى أمير المؤمنين مصاولا فكفا نحوك بالسيف حاملا لما رأيت الكر آثر
(1) وفى نسخة: نجوم. 119 من الفر وقد أعددت حيلة السلامة قبل لقائه والانكفاء عنه بعد إجابة دعائه فمنحته رجاء النجاة عورتك وكشفت له خوف بأسه سوأتك حذر ان يصطلمك بسطوته أو يلتهمك بحملته ثم أشرت على معاوية كالناصح له بمبارزته وحسنت له التعرض لمكافحته رجاء ان تكفى مؤنته وتعدم صورته فعلم غل صدرك وما أنحيت عليه من النفاق أضلعك وعرف مقر سهمك في غرضك فاكفف غرب لسانك وأقمع عوراء لفظك عن أسد خادر وبحر زاخر فإنك ان تعرضت للأسد افترسك وان عمت في البحر غمسك. فقال مروان بن الحكم يا بن عباس انك لتصر بنابك وتوري نارك كأنك ترجو لغلبة وتؤمل العافية ولولا حلم أمير المؤمنين عنكم لتناولكم بأقصر أنامله فأوردكم منهلا بعيدا صدوره ولعمري لئن سطا بكم ليأخذن بعض حقه ولئن عفا عن جرائركم فقديما ما نسب إلى ذلك فقال ابن عباس وانك لتقول ذلك يا عدو الله وطريد رسول الله والمباح دمه والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه وركوب أثباجه اما والله لو طلب منى معاوية ثاره لأخذك به ولو نظر في أمر عثمان لوجدك أوله وآخره، واما قولك لي انك لتصر بنا بك وتوري نارك فاسأل معاوية وعمرا يخبراك ليلة الهرير كيف ثباتنا للمثلات واستخفافنا بالمعضلات وصدق جلادنا عند المصاولة وصبرنا على اللأواء والمطاولة ومصافحتنا بجباهنا السيوف المرهفة ومباشرتنا حد الأسنة المشرعة هل جبنا عن كرايم تلك المواقف أم لم نبذل مهجنا للمتألف، وليس لك إذ ذاك فيها مقام محمود ولا يوم مشهود ولا أثر معدود وأنهما شهدا ما لو شهدته لأقلقك فاربع على ظلعك ولا نعرض ما ليس لك فإنك كالمقرون في صفد لا تهبط برجل ولا ترقى برجل ولا ترقى بيد، فقال زياد يا بن عباس انى لأعلم ما منع حسنا وحسينا من الوقوف معك على أمير المؤمنين الا ما سولت لهما أنفسهما وغرهما به من هو عند البأساء سلمهما وأيم الله لو وليتهما لأدبا في الرحلة إلى أمير المؤمنين
120 أنفسهما ويقل بمكانهما لبثهما فقال ابن عباس إذا والله يقصر دونهما باعك ويضيق بهما ذراعك ولو رمت ذلك لوجدت من دونهما فئة صدقا صبرا على البلاء لا يخيمون على اللقاء فلعركوك بكلاكلهم ووطؤوك بمناسمهم وأوجروك مشق رماحهم وشفار سيوفهم ووخز أسنتهم حتى تشهد بسوء ما اتيت وتتبين ضياع الحزم فيما جنيت فحذار حذار من سوء النية فتكافأ برد الأمنية وتكون سببا لفساد هذين الحيين بعد صلاحهما وساعيا في اختلافهما بعد ائتلافهما حيث لا يضرهما التباسك ولا يغنى عنهما إيناسك فقال عبد الرحمن بن أم الحكم، لله در ابن ملجم فقد بلغ الآمل وأمن الرجل واحد الشفرة وألان المهرة وأدرك الثأر ونفى العار وفاز بالمنزلة العليا ورقى الدرجة القصوى فقال ابن عباس اما والله لقد كرع كأس حتفه بيده وعجل الله إلى النار بروحه ولو أبدى لأمير المؤمنين صفحته لخالطه الفحل القضم والسيف الخذم ولألعقه صابا وسقاه سماما وألحقه بالوليد وعتبة وحنظلة فكلهم كان أشد منه شكيمة وأمضى عزيمة ففرى بالسيف هامهم وزملهم بدمائهم وقرى الذئاب أشلاءهم وفرق بينهم وبين أحبابهم أولئك حطب جهنم لها واردون فهل تحسن منهم من أحد أو تسمع له ركزا ولا غر وان ختل ولا وصمة ان قتل فانا لكما، قال دريد بن الصمة شعرا: فانا للحم السيف غير مكره * ونلحمه طورا وليس بذي مكر يغار علينا واترين فيستقي * بنا ان أصبنا أو نغير على وتر فقال المغيرة بن شعبة اما والله لقد أشرت على علي " ع " بالنصيحة فآثر رأيه ومضى على غلوائه فكانت العاقبة عليه لا له وإني لأحسب ان خلفه يقتدون بمنهجه فقال ابن عباس كان والله أعلم بوجوه الرأي ومعاقد الحزم وتصريف الأمور من أن يقبل مشورتك فيما نهى الله عنه وعنف عليه قال سبحانه لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله إلى آخر الآية ولقد وقفك على ذكر مبين وآية متلوة قوله تعالى وما كنت متخذ المضلين عضدا وهل
121 كان يسوغ له ان يحكم في دماء المسلمين وفى المؤمنين من ليس بمأمون عنده ولا موثوق به في نفسه هيهات هيهات هو اعلم بفرض الله وسنة رسوله ان يبطن خلاف ما يظهر الا التقية ولات حين تقية مع وضوح الحق وثبوت الجنان وكثرة الأنصار يمضى كالسيف المصلت في أمر الله مؤثرا لطاعة ربه والتقى على آراء أهل الدنيا فقال يزيد بن معاوية يا بن عباس انك لتنطق بلسان طلق ينبئ عن مكنون قلب حرق فاطو على ما أنت عليه كشحا فقد محا ضوء حقنا ظلمة باطلكم فقال ابن عباس مهلا يا يزيد فوالله ما صفت القلوب لكم منذ تكدرت بالعداوة عليكم ولا دنت بالمحبة إليكم منذ فأت بالبغضاء عنكم ولا رضيت اليوم منكم ما سخطته أمس من أفعالكم فان تدل الأيام فستقضى لما شذ عنا ونسترجع ما ابتز منا كيلا بكيل ووزنا بوزن وان تكن الأخرى فكفى بالله وليا لنا ووكيلا على المعتدين علينا فقال معاوية ان في نفسي منكم لحزازات يا بنى هاشم وإني لخليق ان أدرك فيكم الثأر وأنفى العار فان دمائنا قبلكم وظلامتنا فيكم فقال ابن عباس والله ان رمت ذلك يا معاوية لنستثيرن عليك أسدا مخدرة وأفاعي مطوفة لا يفثأها كثرة السلاح ولا بعضها نكاية الجراح يضعون أسيافهم على عواتقهم يضربون بها قدما قدما من ناواهم يهون عليهم نباح الكلاب وعواء الذئاب لا يفاتون بوتر ولا يسبقون إلى كريم ذكر قد وطنوا على الموت أنفسهم وسمت بهم إلى العليا هممهم كما قالت الأزدية قوم إذا شهدوا الهياج فلا * ضرب ينهنهم ولا زجر وكأنهم آساد أغيلة * غرثت وبل متونها القطر فلتكونن منهم بحيث أعددت ليلة الهرير الهرب فرسك وكان أكبر همك سلامة حشاشة نفسك ولولا طعام من أهل الشام وفوك بأنفسهم وبذلوا دونك مهجهم حتى إذا ذاقوا خز الشفار وأيقنوا بحلول الدمار رفعوا المصاحف مستجيرين بها وعائذين بعصمتها لكنت شلوا مطروحا بالعراء تسفى عليك رياحها ويعتورك ذئابها وما أقول هذا أريد صرفك عن عزيمتك ولا أزالتك عن
122 معقود نيتك لكن الرحم التي تعطف عليك والأواصر التي توجب صرف النصحية إليك فقال معاوية لله درك يا بن عباس ما تكشف الأيام منك الا عن سيف صقيل ورأي أصيل وبالله لو لم يلد هاشم غيرك لما نقص عدد ولو لم يكن لأهلك سواك لكان الله قد كثرهم ثم نهض فقام ابن عباس وانصرف. وروى الحنبلي في (نهاية المطالب) باسناده عن ربعي بن خراش قال سأل معاوية عبد الله بن عباس فقال ما تقول في علي بن أبي طالب فقال صلوات الله على أبى الحسن كان والله علم الهدى. وكهف التقى، وخل الحجى: وبحر الندى، وطود النهى، علما للورى، ونورا في ظلم الدجى. وداعيا إلى المحجة العظمى، ومستمسكا بالعروة الوثقى، وساميا إلى الغاية القصوى، وعالما بما في الصحف الأولى، وعاملا بطاعة الملك الأعلى. وعارفا بالتأويل والذكرى، ومتعلقا بأسباب الهدى، وحائدا عن طرقات الردى، وساميا إلى المجد والعلى، وقائما بالدين والتقوى، وسيد من تقمص وارتدى بعد النبي المصطفى، وأفضل من صام وصلى، وأجل من ضحك وبكى، صاحب القبلتين وهل يساويه مخلوق: كان أو يكون، كان والله للأسد قاتلا، وللبهم في الحرب خاتلا، على مبغضيه لعنة الله ولعنة العباد، إلى يوم التناد. قال الزمخشري في ربيع الأبرار كان ابن عباس يقول في علي بن أبي طالب كان والله يشبه القمر الباهر، الأسد الخادر. والفرات الزاخر، والربيع الباكر، فأشبه من القمر ضوئه وبهاءه، ومن الأسد شجاعته ومضاءه ومن الفرات جوده وسخائه، ومن الربيع خصبه ورخائه وروى محمد بن جرير الطيري باسناده عن الفضل بن العباس بن ربيعة قال وفد عبد الله بن العباس على معاوية قال فوالله انى لفي المسجد إذ كبر معاوية في الخضراء فكبر أهل الخضراء ثم كبر أهل المسجد بتكبيرة أهل الخضراء فبلغ الخبر ابن عباس فراح فدخل على معاوية قال علمت يا بن عباس ان الحسن توفى
123 قال لذلك كبرت قال نعم قال اما والله ما موته بالذي يؤخر اجلك ولا حفرته بسادة حفرتك ولأن أصبنا به فلقد أصبنا بسيد المرسلين وامام المتقين ورسول رب العالمين ثم بعده بسيد الأوصياء فجبر الله تلك المصيبة ورفع تلك المعرة فقال ويحك يا بن عباس ما كلمتك إلا وجدتك معدا. وحدث الزبير ابن بكار عن رجاله قال قدم ابن عباس على معاوية وكان يلبس أدنى ثيابه ويخفض شانه لمعرفته ان معاوية كان يكره اظهاره لشأنه وجاء الخبر إلى معاوية بموت الحسن بن علي " ع " فسجد شكرا لله تعالى وبان السرور في وجهه في حديث طويل ذكره الزبير ابن بكار ذكرت منه موضع الحاجة إليه وأذن للناس وأذن لابن عباس بعدهم فاستدناه وكان قد عرف بسجدته فقال له أتدري ما حدث بأهلك قال لا قال فان أبا محمد " ع " توفى فعظم الله أجرك فقال انا لله وانا إليه راجعون عند الله محتسب المصيبة برسول الله صلى الله عليه وآله وعند الله نحتسب بمصيبتنا بالحسن " ع " انه قد بلغتني سجدتك فلا أظن ذلك الا لوفاته والله لا يسد جده حفرتك ولا يزيد بقضاء اجله في عمرك ولربما رزينا بأعظم من الحسن " ع " ثم حبى الله قال معاوية كم كان أتى له قال شأنه أعظم من أن تجهل مولده قال أحسبه ترك صبيانا صغارا قال كلنا كان صغيرا فكبر قال أصبحت سيد أهلك قال إماما أبقى الله! يا عبد الله الحسين " ع " بن علي " ع " فلا ثم قام وعينه تدمع فقال معاوية لله دره لا والله ما هجيناه قط إلا وجدناه سيدا ودخل على معاوية بعد انقضاء العزاء فقال له معاوية يا أبا العباس اما تدرى ما حدث في أهلك قال لا قال هلك أسامة بن زيد فعظم الله أجرك قال انا لله وانا إليه راجعون رحم الله أسامة وخرج واتاه بعد أيام وقد عزم على محاققته فصلى في الجامع يوم الجمعة واجتمع الناس يسألونه عن الحلال والحرام والفقه والتفسير وأحوال الإسلام والجاهلية وافتقد معاوية الناس فقيل انهم مشغولون بابن عباس ولو شاء ان يضربوا معه بمائة الف سيف قبل الليل لفعل فقال نحن أظلم منه حبسناه عن أهله ونعينا إليه
124 أحبته انطلقوا فادعوه فدعاه الحاجب فقال انا بنى عبد مناف إذا حضرت الصلاة لم نقم حتى نصلى أصلي إنشاء الله وآتيه فرجع وصلى العصر واتاه فقال حاجتك فما سأله حاجة الا قضاها وقال أقسمت عليك لما دخلت بيت المال فأخذت حاجتك وانما أراد ان يعرف أهل الشام ميل ابن عباس إلى الدنيا فعرف ما يريده فقال إن ذلك ليس لي ولا لك فان أذنت ان أعطي كل ذي حق حقه فعلت قال أقسمت عليك الا دخلت فأخذت حاجتك فدخل فاخذ برنس خز أحمر يقال انه كان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " ثم خرج فقال يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة قال ما هي قال علي بن أبي طالب " ع " قد عرفت فضله وسابقته وقرابته وقد كفاكه الموت أحب ان لا يشتم على منابركم قال هيهات يا بن عباس هذا أمر دين أليس أليس وفعل وفعل فعدد ما بينه وبين على " ع " فقال ابن عباس أولى لك يا معاوية والموعد القيامة ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون وتوجه إلى المدينة. قلت: أولى لك. قال الجوهري تهدد ووعد، وقال الأصمعي أي قاربه يهلكه أي نزل به قال تغلب لم يقل أحد في أولى أحسن مما قال الأصمعي. قال المؤلف: عفا الله عنه لابن عباس مع معاوية اخبار كثيرة اقتصرنا منها على هذا المقدار خشية الاكثار. وفى بعض الروايات: ان ابن عباس حضرموت الحسن " ع " بالمدينة وانه لما حمل سرير الحسن " ع " إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله ظن مروان انهم سيد فنونه عند رسول الله صلى الله عليه وآله فتجمع هو ومن معه ولبسوا سلاحهم ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول مالي ولكم تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعه * أيدفن عثمان في أقصى المدينة، ويدفن الحسن مع النبي صلى الله عليه وآله لا يكون ذلك ابدا وانا أحمل السيف وكادت الفتنة تقع بين بنى هاشم وبنى أمية فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له ارجع يا مروان من حيث جئت فانا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله
125 لكنا نريد أن نحدد عهدا بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة لندفنه لوصيته عندها ولو كان وصى بدفنه مع رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت انك أقصر باعا عن ردنا ولكنه كان اعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير اذنه ثم اقبل على عائشة وقال وا سوأتاه يوما على بغل ويوما على جمل تريدين ان تطفئ نور الله وتقاتلي أولياء الله ارجعي فقد كفيت الذي تخافين وبلغت ما تحبين والله منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين. وهذا يخالف ما ذكرناه آنفا عن المسعودي والزبير أبن بكار أن أبن عباس لما مات الحسن " ع " كان بدمشق ولعل المراد بابن عباس الذي حضر بموت الحسن عبيد الله بن عباس لكن إذا أطلق ابن عباس لم يرد به الا عبد الله والله أعلم. واخرج الشيخ أبو على الحسن بن محمد الطوسي قدس الله روحه في (أماليه) عن سعيد بن المسيب قال سمعت رجلا يسأل أبن عباس عن علي بن أبي طالب " ع " فقال صلى القبلتين وبايع البيعتين ولم يعبد صنما ولا وثنا ولم يضرب على رأسه بزلم ولا قدح ولد على الفطرة ولم يشرك بالله طرفة عين فقال الرجل انى لم أسألك عن هذا انما أسألك عن حمل سيفه على عاتقه يختال به حتى انى البصرة فقتل بها أربعين الف ثم سار إلى الشام فلقى حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ثم أتى أهل النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم فقال له ابن عباس أعلي " ع " اعلم عندك أم انا فقال لو كان على اعلم عندي منك ما سألتك فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثم قال ثكلتك أمك على علمني وكان علمه من رسول الله صلى الله عليه وآله علمه الله من فوق عرشه فعلم النبي صلى الله عليه وآله من الله وعلم على " ع " من النبي صلى الله عليه وآله وعلى من علم على " ع " وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله كلهم في علم على " ع " كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر. واخرج الموفق في مناقبه عن سعيد بن جبير قال بلغ ابن عباس ان قوما يقعون في علي " ع " فقال لابنه علي بن عبد الله خذ بيدي فاذهب بي إليهم فاخذ
126 بيده حتى انتهى إليهم فقال أيكم الساب الله فقالوا سبحان الله من سب الله فقد أشرك فقال أيكم الساب رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا من سب رسول الله صلى الله عليه وآله فقد كفر فقال أيكم الساب لعلى " ع " قالوا قد كان ذلك قال فاشهدوا انى سمعت رسول الله يقول من سب عليا " ع " فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أكبه الله على وجهه في النار، ثم ولى عنهم فقال لابنه على كيف رأيتهم فأنشأ يقول: نظروا إليك باعين محمرة * نظر التيوس إلى شفار الجازر قال زدني فداك أبوك فقال: خزر الحواجب ناكسي أذقانهم * نظر الذليل إلى العزيز القادر قال زدني فداك أبوك فقال ما أجد مزيدا قال لكني أجد. أحياؤهم خزى على أمواتهم * والميتون فضيحة للغابر واخرج الطوسي رحمه الله في (أماليه) عن يونس بن عبد الوارث عن أبيه قال بينا ابن عباس (ره) يخطب عندنا على منبر البصرة إذا قبل الناس بوجهه ثم قال أيتها الأمة المتحيرة في دينها اما والله لو قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله وجعلتم الوراثة والولاية حيث جعلها الله ما عال سهم من فرائض الله ولا عال ولى الله ولا اختلف اثنان في حكم الله فذوقوا وبال ما فرطتم فيه بما قدمت أيديكم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. (وروى صاحب كتاب الأوائل) عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله ابن مسعود انه قال التقيت انا وزفر بن أويس النظري فقلنا أنمضي إلى ابن عباس نتحدث عنده فمضينا وتحدثا فكان مما حدثنا به ان قال سبحان الله الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في المال نصفا ونصفا وثلثا ذهب النصفان بالمال فأين الثلث انما جعل نصفا ونصفا وأثلاثا وأرباعا وأيم الله لو قدموا من قدمه الله وأخروا من اخره الله ما عالت الفريضة قط قلت من الذي نعمه الله ومن الذي اخره الله قال الذي أهبطه الله من فرض إلى فرض فهو الذي قدمه الله والذي أهبطه
127 من فرض إلى ما بقى فهو الذي اخره الله فقلت من أول من أعال الفرائض قال عمر بن الخطاب. (قال المؤلف) ترك العول مما أجمع عليه علماء الإمامية ووردت به نصوص عن أهل البيت " ع " وهو عبارة عن زيادة الفرض على مجموع اجزاء المال واخذ كل صاحب فرض عدد فرضه من هذا العدد الزائد ليدخل النقص على كل منهم بالسوية مثلا إذا اجتمع بنت وزوج وأبوان فللبنت النصف وهو ستة من اثنى عشر وللزوج الربع ثلاثة منه ولكل من الأبوين السدس اثنان منه فالمجموع ثلاثة عشر فيقسم المال على ثلاثة عشر ويعطى الزوج ثلاثة منه والبنت ستة منه وكل من الأبوين اثنين ينقص فرض كل منهم والامامية لا يدخلون النقص الا على البنت فيأخذ الزوج الربع وكل من الأبوين السدس ويبقى للبنت خمسة من اثنى عشر وكان فرضها ستة من اثنى عشر وهذا معنى قول ابن عباس والذي أهبطه الله من فرض إلى ما بقى فهو الذي اخره الله (وروى) عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ابن رباح قال سمعت عبد الله بن عباس يقول ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وآله ولولا أن عمر نهى عنها ما احتاج إلى الزنا الا شفى. (وروى) عن ابن عباس انه قال لو جعل الله لأحد ان يحكم برأيه لجعل ذلك لرسول الله وقد قال له وان احكم بينهم بما أراك الله ولم يقل بما رأيت (واخرج) ابن بابويه (ره) في أماليه عن سعيد ابن جبير قال اتيت عبد الله بن عباس فقلت له يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وآله انى جئتك أسألك عن علي بن أبي طالب " ع " واختلاف الناس فيه فقال ابن عباس يا بن جبير جئت تسألني عن خير خلق الله من الأمة بعد محمد نبي الله صلى الله عليه وآله جئت تسألني عن رجل كانت له ثلاثة آلاف منقبة في ليلة القربة يا بن جبير جئتني تسألني عن وصى رسول الله صلى الله عليه وآله ووزيره وخليفته وصاحب حوضه ولوائه وشفاعته والذي نفس
128 ابن عباس بيده لو كانت بحار الدنيا مدادا وأشجارها أقلاما وأهلها كتابا فكتبوا مناقب علي بن أبي طالب " ع " وفضائله من يوم خلق الله الدنيا ان يفنيها ما بلغوا معشار ما اتاه الله تبارك وتعالى. (وحكى) ان عمر بن أبي ربيعة أتى عبد الله بن العباس وهو في حلقة في المسجد الحرام فقال له أمتعني الله بك ان نفسي قد تاقت إلى قول الشعر وقد أكثر الناس في الشعر فاسمع حتى أنشدك فاقبل عليه ابن وقال هات فأنشده: تشط غدا دار جيراننا فقال ابن عباس: وللدار بعد غد أبعد قال عمر والله ما قلت الا كذا فهل سمعته أصلحك الله قال لا ولكن كذلك ينبغي ثم أنشده: امن آل نعم أنت غاد فمبكر * غداة غد أم رائح فمهجر حتى أتى على آخرها فلم يعب شيئا وقال أنت شاعر ماذا شئت فقل فلما قام عمر قال نافع بن الأزرق الله يا بن عباس انا لنضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي الأرض لنسألك عن الحلال والحرام فتعرض عنا ويأتيك مترف من مترفي قريش قد عطر لحيته بالغالية يلحف أذياله بالحصى وينشد شعرا: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت * فيجزى بالعشي فيخسر فقال ابن عباس ليس هكذا أنشدني الرجل قال كيف أنشدك قال: رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت * فيضحي وأيما بالعشي فيخصر قال ما أراك إلا قد حفظت البيت قال نعم وان شئت ان أنشدك القصيدة أنشدتكها قال فأنى أشاء فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها هي سبعون بيتا فقال له نافع يا بن عباس أسمعت هذا الشعر قبل اليوم قال لا ورب هذه البنية قال ما رأيت احفظ منك قال لو رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع "
129 رأيت احفظ منى ان كان ليصلي فيبدع الآية فيركع ثم يقوم فإذا قال ولا الضالين رجع إلى الموضع الذي ركع فيقرأها وينظمها انتظاما لا يعلم أحدا ممن رآه ما صنع الا حافظ كتاب الله تعالى. (وحكى المسعودي) في مروج الذهب قال لما هم الحسين " ع " بالخروج إلى العراق اتاه عبد الله بن عباس فقال يا بن عم قد بلغني انك نريد الخروج إلى العراق وانهم أهل غدر وانما بدعوتك إلى الحرب فلا تعجل فان أبيت الا محاربة هذا الجبار وكرهت المقام بمكة فاشخص إلى اليمن فإنها في عزلة ولك فيها أنصار وأعوان فأقم بها ومث دعاتك واكتب إلى أهل الكوفة وأهل العراق ليخرجوا أميرهم فان قووا على ذلك ونفوه عنها ولم يبقى بها فنعم واما انا لغدرهم بآمن وان لم يفعلوا أقمت مكانك إلى أن يأتي الله بأمره فان فيها حصونا وشعابا فقال الحسين " ع " يا بن عم انى لأعلم انك لي ناصح وعلى شفيق ولكن مسلم بن عقيل كتب إلى باجتماع أهل الكوفة على نصرتي وبيعتي وقد أجمعت على المسير إليهم فقال إنهم من خبرت وجريت وهم أصحاب أبيك وأخيك وانك لو خرجت فبلغ ابن زياد خروجك لاستفزهم وكان الذين كتبوا إليك أشد، عليك من عدوك فان عصيتني وأبيت الا الخروج فلا تخرجن نسائك وولدك معك فوالله انى لخائف ان تقتل ولولا يزرى بي وبك لأنشبت يدي في عنقك فكان الذي رد عليه ان قال والله لأن اقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أن نستحل بي مكة فآيس ابن عباس منه. (وروى غيره) انه لما خرج الحسين من مكة إلى العراق ضرب عبد الله ابن عباس بيده على منكب ابن الزبير: يا لك من قبرة بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت ان تنقري * هذا الحسين سائر فابشري خلى الجو والله لك يا بن الزبير سار الحسين " ع " إلى العراق فقال ابن
130 الزبير يا بن عباس والله ما ترون هذا الأمر الا لكم ولا ترون إلا انكم أحق به من جميع الناس فقال ابن عباس انما يرى من كان في شك ونحن من ذلك على يقين ولكن أخبرني عن نفسك بماذا تروم هذا الأمر قال بشر في قال بماذا شرفت ان كان لك شرف فإنما هو بنا فنحن أشرف منك لأن شرفك منا وعلت أصواتهما فاعترض بينهما رجال من قريش فأسكتوهما. (وروى) عثمان بن طلحة العذري قال شهدت من ابن عباس (ره) مشهدا ما سمعته من رجل من قريش كان يوضع إلى جانب سرير مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير المدينة سرير آخر أصغر منه فيجلس عليه عبد الله بن عباس إذا دخل ويوضع الوسائد فيما عدا ذلك فأذن مروان يوما للناس وإذا سرير آخر قد أحدث تجاه سرير مروان فاقبل ابن الزبير فجلس عليه أي على السرير المحدث وسكت مروان والقوم فإذا يد ابن الزبير تتحرك فعلمت انه يريد ان ينطق ثم نطق فقال إن أناسا يزعمون أن بيعة أبى بكر كانت غلطا وفلتة ومغالبة الا ان شأن أبى بكر أعظم من أن يقال فيه هذا ويزعمون انه لولا ما وقع لكان الأمر لهم وفيهم والله ما كان من أصحاب محمد ص أحد أثبت ايمانا ولا أعظم سابقة من أبى بكر فمن قال غير ذلك فعليه لعنة الله فأين هم حين عقد أبو بكر لعمر فلم يكن الا ما قال ثم ألقى عمر حظهم في حظوظ وجدهم في جدود فسمت تلك الحظوظ فاخر الله سهمهم وادحض جدهم وولى الأمر عليهم من كان أحق به منهم فخرجوا عليه خروج اللصوص على التاجر خارجا من القرية فأصابوا منه عزه ثم قتلهم الله به كل قتلة وصاروا مطردين تحت بطون الكواكب فقال ابن عباس على رسلك أيها القاتل في أبى بكر وعمر والخلافة اما والله ما نالا ولا نال أحد منهما شيئا الا وصاحبنا خير ممن نال وقو تقدم صاحبنا لكان أهلا وفوق الاهل ولولا انك انما تذكر حظ غيرك وشرف امرئ سواك لكلمتك ولكن ما أنت وما لا حظ لك فيه اقتصر على حظ نفسك ودع تيما لتيم وعديا لعدي وأمية لامية
131 ولو كلمني تيمي أو عدوى أو أموي لكلمته وأخبرته خبر حاضر لا خبر غائب عن غائب ولك من أنت وليس عليك فان يكن في أسد ابن عبد العزى شئ فهو لك اما والله لنحن أقرب بك عهدا وأبيض عندك يدا وأوقر عندك نعمة ممن أمسيت تظن انك تصول به علينا وما أخلق ثوب صفيه بعد. والله المستعان على ما تصفون. (وروى) ان عبد الله بن الزبير تزوج امرأة من فزارة يقال لها أم عمر بنت منظور فلما دخل بها وخلا معها قال لها أتدرين من معك في حجلتك قالت نعم عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد قال ليس هذا أردت قالت فأي شئ تريد فقال معك في حجلتك من أصبح الغداة في قريش بمنزلة الرأس في الجسد لا بل العينين من الرأس فقالت اما والله لو أن بعض الهاشميين حضرك لكان خليقا ان لا يقر لك بذلك فقال لها ان الطعام والشراب على حرام حتى أحضرك الهاشميين وغيرهم ممن لا يستطيع لذلك انكارا قالت إن أطعتني فلا تفعل وأنت اعلم بشأنك فخرج ابن الزبير إلى المسجد فإذا بحلقة فيها جماعة من قريش وفيها من بنى هاشم عبد الله بن عباس وعبد الله بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب فقال لهم انى أحب ان تنطلقوا معي إلى منزلي في حاجة عرضت فقام القوم بأجمعهم حتى قاموا على باب منزله فقال ابن الزبير يا هذه اطرحي عليك سترك وأذني القوم يدخلوا ففعلت فلما أخذوا مجالهم دعا ابن الزبير بالمائدة فاكل القوم جميعا فلما فرغوا من الغذاء قال لهم انما جمعتكم لحديث أوردته على صاحبة هذا الستر فزعمت أن لو كان بعض الهاشميين حضرني ما أقر لي به وقد حضرتم أيها الملأ جميعا وأنت يا بن عباس ما تقول أخبرتها ان معها في خدرها من أصبح الغداة في قريش بمنزلة الرأس من الجسد لا بل العينين من الرأس فردت على ما قلت فقال له ابن عباس أراك قصدت قصدي فان شئت ان أقول قلت وان اكف كففت فقال ابن الزبير لا بل قل وما عسيت ان نقول الست تعلم أن أبى حواري
132 رسول الله وان أمي اسما بنت صديق رسول الله صلى الله عليه وآله وان خديجة سيدة نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وان صفية عمة رسول الله جدتي وان عائشة أم المؤمنين خالتي فهل تستطيع لهذا انكارا يا بن عباس فان قدرت ان تنكر ذلك فافعل فقال ابن عباس لقد ذكرت شرفا شريفا وفخرا فاخرا غير انك بنا نلت هذا كله وأدركت سنامه وعلوه فأنت تفاخر من بفخره فخرت وتسامي من بفضله سموت فقال ابن الزبير هلم أنافرك قبل ان يبعث محمد صلى الله عليه وآله فقال ابن عباس (قد أنصف القارة من راماها) أسئلكم يا معشر الحضور أعبد المطلب كان أضخم في قريش أم خويلد فقالوا اللهم بل عبد المطلب فقال أسألكم بالله أهاشم كان أضخم في قريش أم أسد فقالوا اللهم بل هاشم فقال أسألكم بالله أعبد مناف كان أضخم في قريش أم عبد العزى قالوا اللهم بل عبد مناف فأنشأ ابن عباس يقول: تنافرني يا بن الزبير وقد قضى * عليك رسول الله لا فول هازل فلو غيرنا يا بن الزبير فخسرته * ولكنما فاخرت شمس الأصائل قضى عليك رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله ما افترقت فرقتان الا كنت في خيرهما فقد فارقتنا من لدن قصي بن كلاب فنحن في فرقة الخير فان قلت لا كفرت وان قلت نعم قهرت فضحك بعض القوم فقال ابن الزبير اما والله يا بن عباس لولا تحرمك بطعامنا وكراهة الاخساس بالدين معك لا عرفت جبينك قبل ان تقوم من مجلسك هذا فقال ابن عباس ولم أفبالباطل فبالباطل لا يغلب الحق أم بالحق فالحق لا يخس بالدين معي ولا يعنيه على ولا عليك من معي فقالت المرأة من خلف الستر اما والله لقد نهيته يا بن عباس عن هذا المجلس فأبى الا ما ترى فقال ابن عباس أيتها المرأة اقنعي ببعلك فما أعظم الخطر وأكرم الخبر ثم اخذ القوم بيد ابن عباس وقالوا انهض أيها الرجل لقد فضحته في منزله غير مرة فنهض ابن عباس (ره) وهو يقول شعرا. الا يا قومنا ارتحلوا وسيروا * فلو ترك القطا ليلا لناما
133 فقال ابن الزبير يا صاحب القطا ارجع واقبل على اما والله ما كنت لتدعني حتى أقول وأيم الله لقد عرف القوم انى سابق غير مسبوق وأبى حواري وصديق يتبجح في الشرف الأنيق غير طليق ولا ابن طليق فقال ابن عباس هذا الكلام مردود من أمر حسود سابق فيمن سبقت وفاخر فيمن فخرت وصديق فيمن صدقت فان كان هذا الأمر أدركته بأسرتي فالفخر لي عليك والكثكث في يديك واما ما ذكرت من الطليق فوالله لقد ابتلى فصبر وانعم عليه فشكر وان كان لوفيا كريما غير ناقض بيعة بعد توكيدها ولا مسلم كتيبة بعد تأييدها ولا بفرار جبان فقال أتعير الزبير بالجن والله أنك لتعلم خلاف ذلك فقال ابن عباس والله أنى لأعلم انه قد فر وما كر وحارب فما قر وبايع فما بر وأنشأ ابن عباس رحمه الله يقول: وما كان الا كالسكيت امامه * عتاق تجاري في الجهاد فاجهدا فأدرك منها مثل ما كان أهله * وقصر عن جرى الكرام مبلدا فقال عبد الله بن نوفل بن الحرث ويلك يا بن الزبير أقمناه عنك فتأبى الا منازعته فوالله لو نازعته من ساعتك هذه إلى انقضاء عمرك ما كنت الا كالمزداد من الريح فقل أو دع فقال ابن الزبير والله يا بنى هاشم ما بقى الا المحاربة والمضاربة بالسيوف فقال له عبد الله بن نوفل بن الحرث اما والله لقد جربت ذلك فوجدت غيه وخيما فان شئت فعد حتى نعود وانصرف القوم عنه وافتضح ابن الزبير. (وروى) أن ابن الزبير خطب بمكة على المنبر وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر فقال إن هيهنا رجلا قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله ويفتى في القملة والنملة وقد احتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى وكيف ألومه في ذلك وقد قاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وآله ومن وقاه بيده فقال ابن عباس
134 لقائده استقبل في وجه ابن الزبير وارفع من صدري وكان ابن عباس قد كف بصره فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ثم قال يا بن الزبير شعرا: قد أنصف القارة من راماها * إنا إذا ما فئة نلقاها نرد أولاها على أخراها * حتى تصير حرضا دعواها يا بن الزبير اما العمى فان الله تعالى يقول فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور واما فتياي في القملة والنملة فان فيها حكمين لا تعلمهما أنت ولا أصحابك واما حمل المال فإنه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب الله فأخذناه بحقنا واما المتعة فسأل أمك اسما إذا نزلت عن بردى عوسجة واما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها وصانا حلائلهما في بيوتهما فما أنصفا الله ولا محمدا من أنفسهما إذ أبرزا زوجة نبيه صلى الله عليه وآله وصانا حلائلهما واما قتالنا إياكم فانا لقيناكم زحفا فان كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا وان كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا وأيم الله لولا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد بن عبد العزى عظما الا كسرته فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن بردى عوسجة فقالت ألم أنهك عن ابن عباس وعن بنى هاشم فإنهم كعم الجواب إذا بدهوا فقال بلى وعصيتك فقالت يا بنى احذر هذا الأعمى الذي ما أطاقته الأنس والجن واعلم أن عنده فضايح قريش ومخازيها بأسرها فإياك وإياه إلى اخر الدهر فقال أيمن بن خزيم بن مالك الأسدي: يا بن الزبير لقد لاقيت بائقة * من البوائق فالطف لطف محتال لاقيته هاشميا طاب منبته * في مغرسيه كريم العم والخال ما زال يقرع منك السمع مقتدرا * على الجواب بصوت مسمع عال
135 حتى رأيتك مثل الكلب منحجرا * خلف الغبيط وكنت الباذخ العالي ابن ابن عباس المعروف حكمته * خير الأنام له حال من الحال عيرته المتعة المتبوع سنتها * وبالقتال وقد عيرت بالمال لما رماك على رسل بأسهمه * جرت عليك كسوف الحال والبال فاختر مقولك الا على بشفرته * عزا وحبا بلا قيلا ولا قال واعلم بأنك ان عاودت غيبته * عادت عليك مخار ذات أذيال (وبلغ يزيد بن معاوية) ان ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يدعوه إلى مبايعته وقال له ان الناس إذا رأوك بايعتني لم يتخلف عنى أحد فقال له ابن عباس ان ليزيد في رقابنا بيعة لا يمكن نقضها. فكتب يزيد إلى ابن عباس اما بعد فقد بلغني ان الملحد بن الزبير دعاك إلى بيعته والدخول في طاعته وانك امتنعت عليه واعتصمت ببيعتي وفاء منك لنا وطاعة لله في تثبيت ما عرفك الله من حقنا فجزاك الله من ذي رحم بأحسن ما يجزى الواصلين لأرحامهم والموفين بعهدهم ومهما نسيت فإني لست بناس برك وتعجيل صلتك وحسن جزائك الذي أنت أهله منى في الطاعة وما جعله الله لك من الشرافة والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وانظر ما قبلك من قومك ومن يطرأ عليك من الآفاق ومن غره الملحد بن الزبير بلسانه وزخرف له قوله فأعلمهم حسن رأيك في والتمسك ببيعتي فإنهم لك أطوع ومنك اسمع منهم للملحد المحارق والخارج المارق والسلام. (فكتب إليه ابن عباس) اما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه دعاء ابن الزبير إياي إلى بيعته وامتناعي عليه فان بك ذلك كما بلغك فلم يكن حمدك ولا ودا أردت ولكن الله بالذي نويت به عليم وزعمت انك لست بناس بري وتعجيل صلتي فاحبس أيها الانسان صلتك عنى فإني حابس عنك نصرتي وودي فلعمري ما تؤتينا مما في يديك من حقنا الا الحقير القليل وانك لتحبس عنا منه العريض
136 الطويل وسألتني أن أحض الناس على موالاتك وأن اخذلهم عن ابن الزبير فواعجبا لك تسألني نصرتك وتحدوني على ودك وقد قتلت الحسين بفيك الكثكث انك إذ منتك نفسك ذلك لعازب الرأي وأنت المفند المثبور أنسيت قتلك الحسين " ع " وفتيان عبد المطلب مصابيح الدجى وأعلام الهدى غادرتهم جنودك مصرعين في البطحاء مرملين بالدماء مسلوبين بالعراء تسفى عليهم ريح الصبا تعتورهم الذئاب وتنتابهم عرج الضباع لا مكفنين ولا موسدين حتى أتاح الله لهم قوما لم يشركوك في دمائهم فكفنوهم ودفنوهم وبهم عززت وجلست مجلسك الذي جلست أنت وأبوك قبلك وما أنس ما الأشياء لم انس تسليطك عليهم الدعي ابن العاهرة الفاجرة البعيد من رحمنا اللهم ان رسول الله قال الولد للفراش وللعاهر الحجر فقال أبوك الولد لغير الفراش والعاهر لا ينقصه عهره شيئا ويلحق به ولده للزنية كما يلحق بالعف التقى ولده للرشده فقد أمات أبوك السنة وأحيى البدع وقد جررت على الدواهي بمخاطبتك على انى استصغر واستقصر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى وهذا الأيدي تنطف من دمائنا وتلك الجثث الطواهر تنتابها العواسل وتفرسها الفراعل وتخطف لحومها سباع الطير ولن أنسى طردك الحسين " ع " من حرم الله وتسييرك إليه الرجال بالسيوف في الحرم تغتاله وتطلب غرته دسست إليه من نابذه ليقتله فما زلت به حتى أشخصته من مكة إلى الكوفة فخرج منها خائفا يترقب تزأر له خيلك زئير الأسد عداوة منك لله ولرسوله ولأهل بيته وأيم الله ان كان لأعز أهل البطحاء بالبطحاء حديثا وقديما وأولى أهل الحرمين منزلة بالحرمين لو نوى بهما مقاما واستحل بهما قتالا ولكن كره ان يكون هو الذي يستحل حرمة الله وحرمة رسوله فأكبر ما لم تكبر أنت حيث دسست إليه الرجال تغتاله بهما وما لم يكبر ابن الزبير حين الحد في البيت الحرام مع حزبه الغاوين فقصد قصد العراق فكتبت إلى ابن مرجانة يستقبله بالخيل والرجال والسيوف والحراب وأمرته أن يسرع معاجلته ويترك مطاولته وأكدت
137 بالإلحاح ليقتله ومن معه من بنى عبد المطلب أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ثم انه طلب إليكم الموادعة وسألكم الرجعة فاغتنمتم قلة الأنصار واستأصال أهل بيته فعدوتم عليهم فقتلتموهم كأنكم قتلتم أهل بيت من الترك فلا شئ أعجب إلى من طلبك ودي ونصرتي وقد قتلت ابن أبي وسيفك يقطر من دمى وأنت أحد ثاري وانا أرجو ان لا يطل لديك دمى ولا تسبقني بثأري ولأن سبقت ولا تشتفي بثأري ولان شفيت به في الدنيا فقتلتنا فقد قتل النبيون وآل النبيين فطللت دمائهم وكان الله الموعد وكفى بالله للمظلومين ناصرا والله لنظفرن بك غدا أو بعد غد وذكرت وفائي لك وعرفاني بحقك فان يك كما ذكرت أو لم يكن فوالله ما رأيت أعرف أننا أحق بهذا الأمر منك ومن أبيك ولكنكم كابرتمونا فقهرتمونا واستأثرتم علينا بسلطاننا ودفعتمونا عن حقنا فبعدا للمتجري على ظلمنا ودافعنا عن حقنا كما بعدت ثمود وعاد وقوم مدين واخوان لوط. ومن أعجب الأعاجيب وما زال يريك الدهر العجب حملك بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وأغيلمة من ولد صغار إليك بالشام كالسبي المجلوب وترى الناس انك قهرتنا وانك تمن علينا وبنا من الله عليك ومنعك وأباك وأمك من السبي فلعمري إن كنت تمسي وتصبح وأنت تجرح بدني فلقد رجوت أن لا يقطب جراحك لساني ونقضي أو ابرامي وأيم الله لا يمكنك الله بعد قتل الحسين " ع " وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يأخذك أخذا أليما ويخرجك من الدنيا مذموما مدحورا فعش لا أبالك رويدا ما استطعت فقد والله لعنك الله وملائكته ورسله والله المستعان وعليه التكلان. (واخرج النسائي في صحيحه) عن أبي مليكة قال كان بين ابن عباس وبين ابن الزبير شئ فغدوت على ابن عباس فقلت أتريد ان تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله فقال معاذ الله أن الله كتب ابن الزبير وبنى أمية محلين للحرام وإني والله لا أحله ابدا.
138 (وروى المسعودي) عن سعيد بن جبير إن ابن عباس دخل على ابن الزبير فقال له أبن الزبير إلى م تؤنبني وتعنفني فقال أبن عباس انى سمعت رسول الله يقول بئس المسلم يشبع ويجوع جاره وأنت ذلك الرجل فقال أبن الزبير والله أنى لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة وتشاجرا فخرج ابن عباس من مكة فأقام بالطائف حتى مات. (وروى غيره) أن أبن الزبير حبس عبد الله بن العباس مع محمد بن الحنفية رضي الله عنه في رجال من بنى هاشم في شعب غارم حتى أرسل المختار من الكوفة جيشا فاستخلصوهم منه كما سيأتي ذكره في ترجمة ابن الحنفية انشاء الله تعالى (وروى المدائني) قال لما اخرج ابن الزبير عبد الله بن عباس من مكة إلى الطائف مر بنعمان فنزل فصلى ركعتين ثم رفع يديه يدعو فقال اللهم أنك تعلم أنه لم يكن بلد أحب إلى من أن أعبدك فيه من البلد الحرام وإني لا أحب أن تقبض روحي إلا فيه إن ابن الزبير أخرجني ليكون الأقوى في سلطانه اللهم فأوهن كيده واجعل دائرة السوء عليه فلما دنى من الطائف تلقاه أهلها فقالوا مرحبا يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وآله أنت والله أحب إلينا وأكرم علينا ممن أخرجك هذه منازلنا تخيرها فأنزل منها حيث أحببت فنزل منزلا فكان يجلس إليه أهل الطائف بعد الفجر وبعد العصر فيتكلم بينهم. (قال المسعودي) في مروج الذهب ذهب بصر ابن عباس لبكائه على علي ابن أبي طالب والحسن والحسين " ع " وهو الذي يقول: أن يأخذ الله من عيني نورهما * ففي لساني وقلبي منهما نور قلبي ذكى وعقلي غير مدخل * وفى فمي صارم كالسيف مشهور (وأخرج الكشي) عن سلام بن سعيد عن عبد الله بن عبد يا ليل، رجل من أهل الطائف. قال: أتينا ابن عباس (ره) نعوده في مرضه الذي مات فيه قال فأغمي عليه في البيت فاخرج إلى صحن الدار قال فأفاق فقال إن خليلي رسول الله
139 قال إني سأهاجر هجرتين وإني سأخرج من هجرتي فهاجرت هجرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهجرة مع علي " ع " وإني سأعمى فعميت وإني سأغرق فأصابني حكة فطرحني أهلي في البحر فغفلوا عنى فغرقت ثم استخرجوني بعد وأمرني أن أبرء من خمسة من الناكثين وهم أصحاب الجمل ومن القاسطين وهم أهل الشام ومن الخوارج وهم أهل النهروان ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لا قدر. ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا الله أعلم قال ثم قال اللهم أن أحيى ما حي عليه علي بن أبي طالب " ع " وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب " ع " قال ثم مات فغسل وكفن ثم صلى على سريره فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس انما هو فقهه، فدفن. (وأخرج أيضا) عن شريح عبد أبى عبد الله " ع " ان ابن عباس لما مات وأخرج خرج من كفنه طير أبيض ينظرون إليه نحو السماء حتى غاب عنهم فقال " ع " وكان أبى يحبه حبا شديدا وكانت أمه تلبسه ثيابه وهو غلام فينطلق إليه في غلمان بنى عبد المطلب قال فأتاه بعد ما أصيب ببصره فقال من أنت قال انا محمد بن علي بن الحسين " ع " فقال حسبك من لم يعرفك فلا عرفك. (وأخرج أحمد بن حنبل) في مسنده عن السدى عن أبي صالح قال لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال اللهم أنى أتقرب إليك ولاية علي بن أبي طالب. (قال الشيخ) أبو الحسين يحيى بن الحسن بن البطريق قدس الله روحه هذا القول من ابن عباس من أدل دليل على أن الميت يسأل عن معرفة الله تعالى ومعرفة النبي صلى الله عليه وآله وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " لأنه قد ثبت عند من يعلم ومن لا يعلم أن منكرا ونكيرا ومبشرا أو بشيرا يسألان الميت عند نزول قبره عن ربه ونبيه وإمامه وهذا من أدل دليل على سؤال الملائكة عن ولاية أمير المؤمنين " ع " ولولا ذلك لما جعلها ابن عباس خاتمة علمه لأنه كان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أمير المؤمنين " ع " بلا خلاف وكان يقول له
140 أمير المؤمنين " ع " أنت كنت مملوء علما ولو لم يتحقق في ذلك حالا عن النبي صلى الله عليه وآله لما كان قد جعل غاية تقربه إلى الله وهو آخر كلام يكتب له ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ولو لم يعلم أن فيها النجاة لما جعلها آخر عمله فهذا مما يجب على خلق الله كافة أن يأتوا بمثل ما أتى به ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلمهم. وتوفى ابن عباس رضى الله تعالى عنه بالطائف سنة ثمان وستين أيام ابن الزبير وقيل سنة تسع وستين وقيل سنة سبعين وقيل ثلاث وسبعين وهو أضعفها وله من العمر سبعون سنة وقيل إحدى وسبعين سنة وقيل أربع وسبعين ودفن بالطائف وصلى عليه محمد بن الحنفية (رض) وقال اليوم مات رباني هذه الأمة وضرب على قبره فسطاطا. (وحدث جماعة) من المحدثين قالوا حضرنا جنازة عبد الله بن عباس فلما وضع ليصلى عليه جاء طائر عظيم أبيض من قبل وجهه يقال أنه الغرنوق فوقع على أكفانه ودخل فيها فالتمس فلم يوجد حتى الساعة وكانوا يرون أنه علمه فلما سوى عليه التراب سمع قائل يسمع صوته ولا يرى شخصه يتلو هذه الآية: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) فأغرب ابن الضحاك فيما أخرجه عن أبي بكر بن أبي عاصم أن ابن عباس مات بمكة وقبره بالطائف لا يختلف فيه اثنان. (قالت العامة) مرويات بن عباس في كتب الحديث الف وستمائة وستون. وكان له من الولد العباس وبه كان يكنى وعلى السجاد الفضل ومحمد وعبد الله ولبانة وأسماء (قال المؤلف عفى عنه) زرت قبر عبد الله بن العباس مرارا بالطائف وهو معظم بتلك الديار وعليه قبة عظيمة يقصده الناس للزيارة من الأطراف وينذرون له النذور ويعتقدون فيه اعتقادا عظيما وهو أهل لذلك رحمه الله تعالى. (ويقال) ما رؤى قبور أخوة أكثر تباعدا من قبور بنى العباس قبر عبد الله بالطائف وقبر عبيد الله بالمدينة وقبر قثم بسمرقند وقبر عبد الرحمن بالشام وقبر معبد بأفريقية.
141 الفضل بن العباس أمه أم الفضل أيضا كان أكبر أولاد العباس وبه كان يكنى ولم يزل اسمه الفضل في الجاهلية والإسلام وكان يكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد وكان أجمل الناس وجها. (قال أهل العلم بالتاريخ) غزى الفضل مع رسول الله صلى الله عليه وآله مكة وحنينا وثبت يومئذ وشهد حجة الوداع وأردفه رسول الله صلى الله عليه وآله خلفه فيها لما دفع من مزدلفة إلى منى وكان الفضل رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فمرت ظعن بحريم فجعل الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر فحول رسول الله صلى الله عليه وآله يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر فقال العباس لويت عنق ابن عمك يا رسول الله فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما. (وأخرج) ابن بابويه (ره) في الفقيه عن القداح عن الصادق جعفر ابن محمد " ع " قال قال الفضل بن عباس أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بغلة أهداها إليه كسرى أو قيصر فركبها النبي بحبل من شعر وأردفني خلفه ثم قال لي يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده امامك. تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فقد مضى بما هو كائن فلو جهد الناس ان ينفعوك بأمر لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليك ولو جهدوا ان يضروك بأمر لم يكتبه الله عليك لم يقدروا فان استطعت ان تعمل بالصبر مع اليقين فافعل فان لم تستطع فاصبر فان في الصبر على أمورك خيرا كثيرا واعلم أن النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا. (وكان) الفضل هو الذي يصب الماء في غسل رسول الله وأمير المؤمنين يغسله. (وروى) أن أمير المؤمنين " ع " عصب عيني الفضل حين صب الماء عليه وان رسول الله أوصاه بذلك وقال إنه لا يبصر عورتي أحد غيرك إلا عمى
142 ونزل الفضل مع علي قبر رسول الله صلى الله عليه وآله (روى) أن عليا " ع " منع الناس أن ينزلوا معه القبر وقال لا ينزل قبره غيري وغير العباس ثم أمر في نزول الفضل وقثم ابني العباس ومن شعر الفضل قوله: من أبيات يقول فيها: الا أن خير الناس بعد محمد * وصى النبي المصطفى عند ذي الذكر وأول من صلى وصنو نبيه * وأول من أردى الغواة لدى بدر (روى الزبير بن بكار) قال روى محمد بن إسحاق أن أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرة قال وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون أن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الفضل بن عباس يا معشر قريش وخصوصا يا بنى تيم انكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها دونكم ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهية الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا حسدا منهم لنا وحقدا علينا وانا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا وهو ينتهى إليه. (قال أبو عمر) أختلف في وفاة الفضل بن العباس فقيل أصيب بأجنادين في خلافة أبى بكر سنة ثلاث عشر. (وفى ذخائر العقبى) أجنادين بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الدال المهملة وقد يكسر. الموضع المشهور من نواحي دمشق وكانت به الوقعة بين المسلمين والروم وقيل قتل يوم مرج الصفر وهو بضم الصاد وتشديد الفاء موضع بغوطة دمشق كان به وقعة المسلمين على الروم سنة ثلاث عشر أيضا وقيل مات بطاعون عمواس وهو بفتح العين المهملة والميم وقد تسكن وتخفيف الواو وبعد الألف سين مهملة اسم بلدة صغيرة بين القدس والرملة منها نشأ الطاعون ثم انتشر في الشام فنسب إليها وهو أول طاعون كان في الإسلام بالشام سنة سبع عشرة وقيل ثمان عشرة قال بعضهم والأول أصح وذلك في خلافة عمر ومات في هذا الطاعون خمس وعشرون ألفا وقيل ثلاثون ألفا قال السيوطي ان جيش المسلمين،
143 وتوفى الفضل وله من العمر اثنتان وعشرون سنة ولم يترك ولدا غير ابنة تزوجها الحسن بن علي " ع " ثم فارقها فتزوجها أبو موسى الأشعري فولدت له موسى ومات عنها فتزوجها عمر بن طلحة بن عبيد الله وقيل أن الفضل خلف ابنا يقال له عبد الله ولم يثبت والله أعلم. (عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب) وأمه أم الفضل أيضا كان أصغر من أخيه عبد الله نسبة قيل أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسمع منه وحفظ عنه كان أحد الأجواد وكان يقال من أراد الفقه والجمال والسخاء فليأت دار العباس الفقه لعبد الله والجمال للفضل والسخاء لعبيد الله واستعمل أمير المؤمنين " ع " عبيد الله على اليمن وأمره على الموسم وبعث معاوية ذلك العام يزيد بن شجرة الزهاوي ليقيم الحج فاجتمع فسأل كل منهما صاحبه أن يسلم له فأبى واصطلى على أن يصلى بالناس شيبة بن عثمان (وروى) أن معاوية بعث إلى اليمن بسر بن أرطاة في جيش كشيف وأمره أن يقتل كل من كان في طاعة على " ع " فلما قدم اليمن وعليها عبيد الله بن عباس من قبل على تنحى عبيد الله واستولى بسر عليها وقتل خلقا كثيرا وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا وحرق قوما بالنار فلما بلغ ذلك عليا " ع " بعث جارية بن قدامة السعدي في الفين فصمد نحو بسر فهرب بسر من بين يديه يفر من جهة إلى أخرى حتى أخرجه من اعمال على " ع " كلها ورجع إلى معاوية وعاد عبيد الله بن عباس إلى عمله فلم يزل عاملا على اليمن حتى قتل على " ع " وقيل بل قدم على أمير المؤمنين هو وسعيد بن نمران وعاتبهما علي على عدم محاربتهما بسرا فقال سعيد قد والله قاتلت ولكن ابن عباس خذلني وأبى أن يقاتل وقال لا والله ما لنا بهم طاقة فقاتلت بمن معي قتالا ضعيفا وتفرق الناس عنى وانصرفت وهذا هو الصحيح. (وكان) ممن قتله بسر في وجهه هذا سلمان وداود ابني عبيد الله بن العباس
144 وهما غلامان وقيل اسمهما قثم وعبد الرحمن أمهما حورية بنت خالد بن فارط الكنانية وتكنى أم حكيم في موضع قتلهما (فروى) علي بن مجاهد عن إسحاق أن أهل مكة لما بلغهم ما صنعه بسر خافوه وهربوا فخرجوا فيهم أبنا عبيد الله ابن العباس فأضلوهما عند بئر ميمون بن الحضرمي وهجم عليهما بسر فأخذهما وذبحهما. (وروى) إنهما وصلا إلى أخوالهما من بنى كنانة (وقيل) إنما قتلهما باليمن وإنهما ذبحا على درج صنعاء. (وروى) عبد الملك بن نوفل عن أبيه أن بسرا دخل الطائف فبات بها وخرج حتى مر ببني كنانة وفيهم ابنا عبيد الله بن العباس وأمهما فلما انتهى بسر إليهم طلبهما فدخل رجل من بنى كنانة كان أبوهما أوصاه بهما فاخذ السيف من بيته وخرج فقال له بسر ثكلتك أمك والله ما كنا أردنا قتلك فلم عرضت نفسك للقتل قال اقتل دون جارى أعذر لي ثم شد على أصحاب بسر بالسيف حاسرا وهو يرتجز: آليت لا يمنع حافات الدار * ولا يموت مصلتا دون الجار إلا فتى أروع غير غدار فضارب بسيفه حتى قتل ثم قدم الغلامان فذبحا فخرج نسوة من بنى كنانة فقالت امرأة منهن هذه الرجال تقتلها فما بال الولدان والله ما كانوا يقتلون في جاهلية ولا إسلام والله أن سلطانا لا يشيد إلا بقتل الضرع الضعيف والشيخ الكبير ورفع الرحمة وقطع الأرحام لسلطان سوء فقال بسر والله لهممت أن أضع فيكن السيف قالت والله انه لأحب إلى أن فعلته ولهما بلغ خبر الغلامين أمهما جزعت جزعا شديدا وقالت ترثيهما: ها من أحس لي ابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف ها من أحس لي ابني اللذين هما * سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف ها من أحس لي ابني اللذين هما * مخ العظام فمخي اليوم مزدهف نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا * من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا
145 أنحى على ودجى طفلي مرهفة * مشحوذة وكذاك الظلم والسرف من دل والهة عبرى مفجعة * على صبيين ضلا إذ مضى السلف (وأخرج الشيخ الطوسي رحمة الله عليه) في أماليه بأسناده عن معاوية ابن ثعلبة قال أجتمع عبيد الله بن العباس من بعد وبسر بن أرطاة عند معاوية لعبيد الله أتعرف هذا! هذا الشيخ قاتل الصبيين؟ قال بسر نعم أنا قاتلهما، فمه فقال عبيد الله لو أن لي سيفا قال بسر فهاك سيفي وأومى إلى سيفه، فزبره معاوية وانتهره، وقال أف لك من شيخ ما أحمقك أتعمد إلى رجل قد قتلت أبنيه فتعطيه سيفك كأنك لا تعرف أكباد بنى هاشم والله ان دفعته إليه لبدأ بك وثنى بي، فقال عبيد الله بل والله كنت ابدا بك ثم أثنى به. (وروى) أبو الحسن المدائني قال أجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن أرطاة يوما عند معاوية بعد صلح الحسن " ع " فقال عبيد الله لمعاوية أنت أمرت اللعين السئ القدم أن يقتل ابني؟ فقال ما أمرته بذلك ولوددت انه لم يكن قتلهما فغضب بسر ونزع سيفه فألقاه وقال لمعاوية إقبض سيفك عنى، قلدتنيه وأمرتني أن أخبط به الناس ففعلت حتى إذا بلغت ما أردت قلت لم أهو ولم أأمر؟ فقال معاوية خذ سيفك إليك فلعمري إنك لضعيف تلقى السيف بين يدي رجل من بنى عبد مناف قتلت بالأمس ابنه فقال عبيد الله أتحسبني يا معاوية قاتلا بسرا بأحد ابني هو أحقر وألأم من ذلك. ولكن والله لا أرى لي مقعنا ولا أدرك ثارا إلا أن أصيب بهما يزيد وعبد الله فتبسم معاوية فقال وما ذنب معاوية وابني معاوية، والله ما علمت ولا أمرت ولا رضيت ولا هويت وأحتملها منه لشرفه وسؤدده. (قال) ودعا علي " ع " على بسر فقال: اللهم إن بسرا باع دينه بالدنيا وانتهك محارمك، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده من طاعتك، اللهم فلا تمته حتى تسلبه عقله ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار، اللهم العن بسرا
146 وعمرا ومعاوية، وليحل عليهم غضبك ولتنزل بهم نقمتك وليصيبهم بأسك ورجزك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. فلم يلبث بسر بعد ذلك إلا يسيرا حتى وسوس وذهب عقله وكان يهذي بالسيف ويقول اعطوني سيفا اقتل به لا يزال يردد ذلك حتى اتخذ له سيفا من خشب وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه فلبث كذلك إلى أن مات. وقال المسعودي في (مروج الذهب) مات بسر بن أرطاة لعنة الله زائل العقل يلعب بنجوه فربما شدوا يديه جميعا منعا له من ذلك فسلح ذات يوم فأهوى إليه بفيه فتناوله فتبادروا لمنعه فقال أتمنعوني; وعبد الله وقشم يطعماني; يعنى ابني عبيد الله بن العباس للذين قتلهما. قال وكان موته في أيام الوليد بن عبد الملك سنة ست وثمانين. ولما توفى أمير المؤمنين " ع " خرج عبيد الله بن العباس إلى الناس فقال أن أمير المؤمنين توفى وقد ترك خلفا فان أحببتم خرج إليكم وأن كرهتم فلا أجد على أحد، فبكى الناس وقالوا بل يخرج إلينا، فخرج الحسن " ع " فخطب بهم فقال: أيها الناس اتقوا الله فانا أمراؤكم وأولياؤكم وإنا أهل البيت الذين قال الله تعالى فينا (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، يطهركم تطهيرا) فبايعه الناس وكان خرج إليهم وعليه ثياب سود ثم وجه عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد بن عبادة مقدمة له في اثنى عشر ألفا إلى الشام وقال له يا بن عم أنى بعثت معك اثنى عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر الرجل منهم يرد الكتيبة فسر بهم والن لهم جانبك وابسط لهم وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقاة أمير المؤمنين (" ع ") وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات حتى تصير بمسكن ثم امض حتى تستقبل معاوية فان أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإني على أثرك وشيكا وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين يعنى قيس بن سعد وسعيد بن قيس وإذا لقيت معاوية فلا
147 تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتله فان أصبت فقيس بن سعد فان أصيب قيس بن سعد فسعيد بن قيس على الناس فسار عبيد الله بن العباس حتى أتى مسكن وقد وافى معاوية فنزل بقرية يقال لها الحبوبية بمسكن واقبل عبيد الله بن العباس حتى نزل بإزائه فلما كان من غد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد الله فيمن معه فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العباس ان الحسن " ع " قد أرسل لي في الصلح وهو مسلم الأمر إلى فان دخلت في طاعتي الان كنت متبوعا والا دخلت وأنت تابع ولك أن جئتني الآن أن أعطيك الف ألف درهم أعجل لك هذا الوقت نصفها وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر فاقبل عبيد الله ليلا فدخل على معاوية في عسكره فوفى له بما وعده وأصبح الناس ينتظرون عبيد الله ان يخرج فيصلى بهم فلم يخرج فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس ابن سعد ثم خطبهم فثبتهم وذكر عبيد الله فنال منه ثم أمرهم بالصبر والنهوض إلى العدو فأجابوه بالطاعة فحارب بهم من خرج إليه من عسكر معاوية حتى كان من صلح الحسن " ع " ومعاوية ما كان. وسيأتي ذكر طرف من ذلك في ترجمة قيس بن سعد إن شاء الله تعالى. (روى) ان عبد الله بن صفوان بن أمية مر يوما بدار عبد الله بن عباس بمكة فرأى فيها جماعة من طالبي الفقه ومر بدار عبيد الله بن عباس فرأى جماعة ينتابونها الطعام فدخل على ابن الزبير فقال له أصبحت والله كما قال الشاعر: فان تصبك من الأيام قارعة * لم أبك منك على دنيا ولا دين قال وما ذاك يا أعرج قال هذان ابنا العباس أحدهما يفقه الناس والآخر يطعم الناس فما تركا لك مكرمة فدعا عبد الله بن مطيع فقال انطلق إلى ابني عباس فقل لهما يقول لكما أمير المؤمنين اخرجا عنى أنتما ومن انزوى إليكما (وفى نسخة) أنتما ومن انضوى أو انضم إليكما من أهل العراق وإلا فعلت وفعلت فقال عبد الله بن عباس قل لابن الزبير والله ما ينتابنا من الناس إلا رجلان أحدهما يطلب فقها والآخر
148 يطلب فضلا فأي هذين يمنع وحضر أبو الطفيل عامر بن وائل الكناني فجعل يقول: لله در الليالي كيف تضحكنا * منها خطوب أعاجيب وتبكينا ومثلها تحدث الأيام من غير * في ابن الزبير عن الدنيا تسلينا كنا نجثى ابن عباس فيقبسنا * علما ويكسبنا اجرا ويهدينا ولا يزال عبيد الله مترعة * جفانه مطعما ضيفا ومسكينا فالسير والدين والدنيا بدارهما * ننال منه الذي نبغي إذا شينا ان النبي هو النور الذي كشطت * به عمايات ماضينا وباقينا ورهطه عصمة في ديننا ولهم * فضل علينا وحق واجب فينا ففيم تمنعهم منا وتمنعنا * منهم وتؤذيهم فينا وتؤذينا ولست فاعلم بأولاهم به رحما * يا بن الزبير ولا أولى به دينا لن يؤتى الله إنسانا ببغضهم * في الدين عزا ولا في الأرض تمكينا (وكان) عبيد الله بن العباس من أجواد الإسلام المشهورين، فمن جوده أنه أول من فطر جيرانه وأول من وضع الموائد على الطريق، ومن جوده أنه أتاه رجل وهو بفناء داره فقام بين يديه وقال يا بن عباس ان لي عندك يدا وقد احتجت إليها فصعد إليه بصره وصوبه فلم يعرفه فقال له ما يدك عندنا قال رأيتك واقفا عند زمزم وغلامك يملأ من مائها والشمس قد صهرتك فظللتك بطرف كائي حتى شربت قال أجل أنى لأذكر لك ذلك ثم قال لغلامه ما عندك قال مائة دينار وعشرة آلاف درهم قال ادفعها إليه وما أراها تفي بحق يده فقال الرجل والله لو لم يكن لإسماعيل ولد غيرك لكان فيك كفاية فكيف وقد ولد سيد الأولين والآخرين ثم شفع بك وبأبيك. (ومن جوده أيضا) أن معاوية حبس عن الحسن بن علي " ع " صلاته حتى ضاقت حاله فقيل له لو وجهت إلى ابن عمك عبيد الله بن عباس لكفاك وقد قدم بنحو ألف ألف قال الحسين " ع " فما مقدارها عنده والله أنه لأجود
149 من الريح إذا عصفت وأسخى من السحاب إذا زخر ثم وجه إليه رسوله بكتاب ذكر فيه حبس معاوية عنه صلاته وضيق حاله وأنه يحتاج إلى مائة الف، فلما قرأ عبيد الله كتابه وكان ارق الناس قلبا وألينهم عطفا انهملت عيناه، ثم قال ويلك يا معاوية ما اجترحت يداك من الإثم حين أصبحت لين المهاد رفيع العماد والحسين يشكو ضعف الحال وكثرة العيال، ثم قال لقهرمانه إحمل إلى الحسين نصف ما نملكه من فضة وذهب ودابة وأخبره إني شاطرته فان أقنعه ذلك والا فارجع وأحمل إليه الشطر الآخر (قال ولما) وصل الرسول إلى الحسين قال انا لله ثقلت والله علي بن عمى وما حسبت أنه يتسع لنا بهذا كله فاخذ الشطر من ماله وهو أول من فعل هذا في الاسلام. (ومن جوده أيضا) ان معاوية أهدى إليه وهو عنده بالشام من هدايا النيروز حللا كثيرة ومكا وآنية من ذهب وفضة ووجهها إليه مع حاجبه فلما وضعها بين يديه نظر إلى الحاجب وهو يطيل النظر فيها فقال في نفسك منها شئ قال نعم والله ان في نفسي منها ما كان في نفس يعقوب من يوسف فضحك عبيد الله وقال فشأنك بها فهي لك قال جعلت فداك انا أخاف أن يبلغ ذلك معاوية فيغضب لذلك قال فاختمها بخاتمك وادفعها إلى الخازن وهو يحملها إليك ليلا. فقال الحاجب والله إن هذه الحيلة في الكرم أكثر من الكرم ولوددت أن لا أموت حتى أراك مكانه، يعنى معاوية فظن عبيد الله انها مكيدة منه فقال دع هذا الكلام فانا من قوم نفى بما عقدنا ولان ننقض ما أكدنا، وقال له يوما رجل من الأنصار جعلت فداك والله لو سبقت حاتم بيوم ما ذكرته العرب وانا شهد أن عفو جودك أكثر من مجهوده وطل صوبك أكثر من وابله. مات عبيد الله سنة ثمان وخمسين. (وقال الواقدي والزبير بن بكار) توفى بالمدينة في أيام يزيد بن معاوية.
150 وقال مصعب مات باليمن والأول أصح وقال الحسن مات سنة سبع وثمانين في خلافة عبد الملك والله أعلم. (قثم بن العباس بن عبد المطلب) أمه أم الفضل أيضا وهو رضيع الحسن بن علي (روى) أن أم الفضل قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله رأيت عضوا من أعضائك في بيتي قال خيرا رأيته تلد فاطمة غلاما ترضعينه بلبن فثم فولد الحسن فأرضعته بلبن قثم وكان فثم يشبه النبي صلى الله عليه وآله، أخرج ابن الضحاك عن ابن العباس ان العباس رأى ابنا له يقال له قثم فوضعه على صدره وهو يقول: حبى قثم * شبيه ذي الأنف الأشم نبي ذي النعم * برغم من رغم (وروى ابن عبد البر) في كتاب (الاستيعاب) عن عبد الله بن جعفر قال; كنت أنا وعبيد الله وقثم ابني العباس تلعب فمر رسول الله راكبا فقال ادفعوا لي هذا الفتى يعنى قثم، فرفعه إليه فأردفه ثم جعلني بين يديه ودعا لنا (قال ابن عبد البر): روى عبد الله بن عباس قال كان قثم آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله أي آخر من خرج من قبره ممن نزل فيه وكان المغيرة ابن شعبة يدعى ذلك لنفسه فأنكر علي بن أبي طالب " ع " ذلك وقال بل آخر من خرج من القبر قثم بن العباس، (قال) ابن عبد البر وكان قثم واليا لعلى على مكة عزل عنها على خالد بن العاص بن هشام وكان واليها لعثمان وولاها أبا قتادة الأنصاري ثم عزل عنها وولى مكانه قثم بن العباس فلم يزل واليا حتى قتل على " ع " وقال الزبير بن بكار استعمل على قثم بن العباس على المدينة. قال ابن عبد البر واستشهد قثم بسمرقند كان واليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية فقتل هناك. (وقال) ابن الضحاك مات قثم في خلافة عثمان بن عفان وقبره خارج سور
151 سمرقند في قبة عالية معروفة بمزار شاه يعنى السلطان الحي; وفى قثم يقول داود بن مسلم: عتقت من حل ومن رحلة * يا ناق إن أدنيتني من قثم انك إن أدنيت منه غدا * حالفني اليسر ومات العدم في كفه بحر وفي وجهه * بدر وفى العرنين منه شمم اصم عن قيل الخنا سمعه * وما عن الخير به من صمم لم يدر مالا وبلى قد درى * فعاقها واعتاض عنها نعم (وقيل) أن هذه الأبيات لابن المولى في قثم ابن العباس بن عبيد الله بن العباس لا قثم بن العباس هذا وكان قثم بن العباس بن عبيد الله واليا على المدينة وقيل على اليمامة من قبل أبى جعفر المنصور وكان جوادا ممدحا والله أعلم، وقثم بضم القاف وفتح الثاء المثلثة على وزن عمر يقال رجل قثم إذا كان كثير العطاء وجموعا للخير وبه سمى الرجل وهو معدول عن قائم تقديرا ولا ينصرف للعدل والعلمية (عبد الرحمن بن العباس بن عبد المطلب) أمه أم الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله وقتل هو وأخوه معبد بإفريقيا شهيدين في خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح قال مصعب وقال ابن الكلبي قتل عبد الرحمن بالشام. (معبد بن العباس بن عبد المطلب) أمه أم الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يحفظ عنه شيئا وقتل بإفريقيا كما تقدم ذكره آنفا. (كثير بن العباس بن عبد المطلب) أمه أم ولد رومية اسمها سبا وقيل أم حميرية وكان يكنى أبا تمام، قال أبو عمرو ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بأشهر في سنة عشرة من الهجرة وكان فقيها
152 زكيا فاضلا عابدا سيدا روى عن أبيه وأخيه عبد الله وعنه ابن شهاب وعبد الرحمن الأعرج وجماعة. (تمام بن العباس رضوان الله عليه ابن عبد المطلب) أمه سبا أم كثير المذكورة آنفا ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وروى عنه لا تدخلوا على قلحا استاكوا فلولا ان أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة، أخرجه البغوي في معجمه وكان تمام واليا لعلى " ع " على المدينة وكان قد استخلف قبله سهل بن حنيف حين توجه إلى العراق ثم عزله واستجلبه لنفسه وولى أبا أيوب الأنصاري ثم شخص أبو أيوب واستخلف رجلا من الأنصار فلم يزل واليا إلى أن قتل على " ع " قال الزبير بن بكار وكان تمام أشد الناس بطشا وله عقب وقال أبو عمرو كان تمام أصغر بنى العباس وكان العباس يحمله ويقول: تموا بتمام فصاروا عشرة * يا رب فاجعلهم كراما بررة واجعل لهم ذكرا وانم الشجرة ولا يخفى ان هذا ينافي ما تقدم في كثير من أن كثيرا ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بأشهر وذكر أن تمام روى عن النبي صلى الله عليه وآله فيكون كثير أصغر منه قطعا إلا أن يكون هناك اختلاف بين الرواة والله أعلم; قال الزبير بن بكار كان للعباس عشرة بنين ستة منهم أمهم أم الفضل وهم الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد وعبد الرحمن وسابعتهم أم حبيب شقيقتهم وفى أم الفضل يقول عبد الله ابن يزيد الهلالي: ما ولدت نجيبة من فحل * كستة من بطن أم الفضل أكرم بها من كهلة وكهل وعون بن عباس قال أبو عمرو ولم أقف على اسم أمه وكثير وتمام لأم ولد والحرث بن عباس أمه من هذيل هؤلاء عشرة أولاد العباس رحمهم الله تعالى.
153 (عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب) يكنى أبا يزيد ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام عقيلا وهو أخو أمير المؤمنين " ع " لامه وأبيه وكان أسن من جعفر رحمه الله بعشر سنين وجعفر أسن من أمير المؤمنين بعشر سنين، وكان أبو طالب يحب عقيلا أكثر من حبه لسائر بنيه ولذلك قال للنبي والعباس حين أتياه ليقتسما بنيه عام المحل ليخففا عنه ثقلهم دعوا لي عقيلا وخذوا من شئتم فاخذ العباس جعفرا واخذ النبي عليا وقد قال رسول الله لعقيل يا أبا يزيد إني أحبك حبين حبا لقرابتك منى وحبا لما كنت أعلم من حب عمى إياك وكان عقيل قد اخرج إلى بدر مكرها كما أخرج العباس ففداه العباس، روى أن أخاه عليا " ع " مر به وهو أسير فلما رآه صد عنه فقال له عقيل والله لقد رأيتني ولكن عمدا تصد عنى فجاء على إلى رسول الله فقال يا رسول الله هل لك في أبى يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعه فانطلق معه رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليه فلما رأى عقيل رسول الله قال يا رسول الله إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم وإلا فادركوا القوم ما داموا بحدثان فرحتهم فقال النبي صلى الله عليه وآله قد قتله الله تعالى ولما فدى عاد إلى مكة ثم أقبل مسلما مهاجرا قبل الحديبية وشهد غزاة مؤتة: مع أخيه جعفر " ع " وقيل إنه لم يعد إلى مكة بل أقام مع رسول الله وشهد معه المشاهد كلها والأول أصح وكان عقيل قد باع دور بنى هاشم المسلمين بمكة وكانت قريش تعطى من لم يسلم مال من أسلم فباع دور قومه حتى دار رسول الله فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله مكة يوم الفتح قيل له ألا تنزل دارك يا رسول الله فقال وهل ترك لنا عقيل من دار وكان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامها ولكنه كان مبغضا إليهم لأنه كان يعد مساويهم وكان له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله فيصلى عليها ويجتمع إليه الناس في علم النسب وأيام العرب وكان حينئذ قد ذهب بصره كان يقال إن في قريش أربعة يتحاكم إليهم في علم النسب وأيام قريش ويرجع إلى قولهم عقيل بن أبي طالب ومخرمة
154 ابن نوفل الزهري وأبو الجهم بن حذيفة العدوي وحويطب بن عبد العزى العامري وكان عقيل أسرع الناس جوابا وأشدهم عارضة وأحضرهم مراجعة في القول وأبلغهم في ذلك. (قال) الشيخ عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني في شرح (نهج البلاغة) خرج عقيل إلى العراق ثم إلى الشام ثم عاد إلى المدينة ولم يشهد مع أخيه أمير المؤمنين " ع " شيئا من حروبه أيام خلافته وعرض نفسه وولده عليه فأعفاه ولم يكلفه حضور الحرب; قال: واختلف الناس فيه هل التحق بمعاوية وأمير المؤمنين حي فقال قوم نعم ورووا أن معاوية قال يوما وعقيل عنده هذا أبو يزيد لولا علمه انى خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه فقال عقيل أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي وقد آثرت دنياي واسأل الله خاتمة خير وقال قوم إنه لم يعد إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين " ع " (قال) ابن أبي الحديد وهذا القول هو الأظهر عندي واستدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه عقيل إلى أمير المؤمنين في آخر خلافته والجواب الذي أجابه. (قال المؤلف) عفا الله عنه إن الكتاب المشار إليه من أدل دليل على هذا القول فان عقيلا لما كتب إلى أخيه " ع " عقيب غارة الضحاك بن قيس الفهري على أطراف أعماله وكان معاوية قد بعثه في وقعة النهروان وذلك في آخر خلافته " ع " وقد رأيت أن أذكر الكتاب المذكور وجوابه ليطلع عليه من أحب النظر إليه. (قال) إبراهيم بن محمد بن سعد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات. (كتاب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه) حين بلغه خذلان أهل الكوفة له وتقاعدهم عنه لعبد الله على أمير المؤمنين " ع " من عقيل بن أبي طالب: سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو:
155 أما بعد: فان الله حارسك من كل سوء وعاصمك من كل مكروه وعلى كل حال إن قد خرجت إلى مكة معتمرا. فلقيت عبيد الله بن سعد بن أبي سرح مقبلا من (قديد) في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء فعرفت المنكر في وجوههم فقلت إلى أين يا أبناء الشانئين أبمعاوية تلحقون عداوة والله منكم قديما غير منكرة تريدون بها إطفاء نور الله وتبديل أمره فأسمعني القوم وأسمعتهم فلما قدمت مكة سمعت أهلها يتحدثون ان الضحاك بن قيس أغار على الحيرة فاحتمل من أموالها ما شاء ثم انكفأ راجعا سالما فأف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك وما الضحاك إلا فقع بقرقر وقد توهمت حيث بلغني ذلك أن شيعتك وأنصارك خذلوك، فاكتب إلى يا بن أمي برأيك، فان كنت الموت تريد تحملت إليك بيني أخيك وولد أبيك فعشنا معك ما عشت ومتنا معك إذا مت فوالله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك فواقا، وأقسم بالأعز الأجل إن عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هنى ولا مري ولا نجيع والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. فكتب إليه أمير المؤمنين: من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب: سلام عليك فإني احمد إليك الذي لا إله إلا هو: أما بعد كلانا الله وإياك كلاءة من يخشاه بالغيب إنه حميد مجيد، فقد وصل إلى كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح مقبلا من (قديد) في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء متوجهين إلى جهة الغرب وأن ابن أبي سرح طالما كاد الله ورسوله وكتابه وصد عن سبيله وبناها عوجا فدع عنك ابن أبي سرح ودع عنك قريشا وخلهم وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق ألا وإن العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها على حرب النبي من قبل اليوم فأصبحوا قد جهلوا حقه وجحدوا فضله بادروا بالعداوة ونصبوا له الحرب وجهدوا عليه كل الجهد وجروا إليه جيش الأحزاب اللهم فاجز قريشا عنى الجوازي فقد قطعت رحمي
156 وتظاهرت على ودفعتني عن حقي وسلبتني سلطان ابن أمي وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسابقتي في الإسلام إلا أن يدعى مدع مالا أعرف ولا أظن الله يعرفه والحمد لله على كل حال وأما ما ذكرت من غارة الضحاك على أهل الحيرة فهو أقل وأذل من أن يلم بها أو يدنو منها ولكنه قد كان أقبل في جريدة خيل فاخذ على السماوة حتى مر بواقصة وشراف والقطقطانة فما والى ذلك الصقع فوجهت إليه جندا كثيفا من المسلمين فلما بلعه ذلك فر هاربا فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن وكان ذلك حين طفلت الشمس للأياب فتناوشوا القتال قليلا كلا ولا فلم يصبر لوقع المشرفية وولى هاربا وقتل من أصحابه بضع عشر رجلا ونجا جريضا بعد ما أخذ منه المخنق فلا ساء بلائي ما نجا واما ما سألتني أن أكتب إليك برأيي فيما انا فيه فان رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله لا يزيدني كثرة الناس معي عزة ولا تفرقهم عني وحشة لأبي محق والله مع المحق ووالله ما أكره الموت على الحق وما الخير كله إلا بعد الموت لمن كان محقا واما ما عرضت به من مسيرك إلى ببنيك وبنى أبيك فلا حاجة لي في ذلك فأقم راشدا محمودا فوالله ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت ولا تحسبن ان أبيك لو أسلمه الناس متخشعا ولا متضرعا إنه لكما قال أخو بنى سليم: فان تسأليني كيف أنت فأنني * صبور على ريب الزمان صليب يعز على أن ترى بي كآبة * فبشمت عاد أو بساء حبيب وقد أورد الشريف الرضى (ره) بعض هذا الكتاب الذي كتبه أمير المؤمنين " ع " جوابا لأخيه في نهج البلاغة إلا أن بين ما أورده وبين ما نقلناه اختلافا يسيرا في العبارة. (قال المؤلف) القائلون بان عقيلا فارق أخاه في حياته زعموا أنه شهد صفين مع معاوية غير أنه لم يقاتل ولم يترك نصح أخيه والتعصب له فرووا أن معاوية قال يوم صفين لا نبالي وأبو يزيد معنا فقال عقيل وقد كنت معكم يوم
157 بدر فلم أغن عنكم من الله شيئا، واختلفوا في سبب فراقه له " ع " (فروى) أن عليا " ع " كان يعطيه في كل يوم ما يقوته وعياله فطلب منه أولاده مريسا فجعل يأخذ كل يوم من الشعير الذي يعطيه أخوه قليلا ويعزله حتى اجتمع مقدار ما جعل بعضه في التمر وبعضه في السمن وخبز بعضه وصنع لعياله مريسا فلم تطلب نفوسهم باكله دون أن يحضر أمير المؤمنين ويأكل منه فذهب إليه والنمس منه أن يأتي منزله فاتاه فلما قدم المريس بين يديه سأله عنه فحكى له كيف صنع، فقال " ع " وهل كان يكفيكم ذاك بعد الذي عزلتم منه قال نعم فلما كان اليوم الثاني جاء ليأخذ الشعير فنقص منه أمير المؤمنين مقدار ما كان يعزل كل يوم (وقال) إذا كان في هذا ما يكفيك فلا تجعل لي أن أعطيك أزيد منه فغضب من ذلك فحمى له أمير المؤمنين حديدة ثم قربها من خده وهو غافل فجزع من ذلك وتأوه فقال أمير المؤمنين مالك تجزع من هذه الحديدة المحماة وتعرضني لنار جهنم فقال عقيل والله لأذهبن إلى من يعطيني تبرا ويطعمني برا ثم فارقه وتوجه إلى معاوية. (وروى) أنه وفد على أمير المؤمنين " ع " بالكوفة يسترفده فعرض عليه عطاءه فقال انما أريد من بيت المال فقال تقيم إلى يوم الجمعة فلما صلى قال له ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين قال بئس الرجل قال فإنك أمرتني أن أخونهم وأعطيك فلما خرج من عنده شخص إلى معاوية فامر له يوم قدومه بمائة ألف درهم وقال له يا أبا يزيد انا خير لك أم على قال وجدت عليا انظر لنفسه منه لي ووجدتك انظر لي منك لنفسك (وروى) أنه قدم على أمير المؤمنين " ع " فوجده جالسا في صحن المسجد بالكوفة فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وكان عقيل قد كف بصره فقال عليك السلام يا أبا يزيد ثم التفت أمير المؤمنين إلى ابنه الحسن فقال له قم وانزل عمك فقام فأنزله ثم عاد إليه فقال اذهب فاشتر لعمك قميصا جديدا ورداءا جديدا وإزارا جديدا فذهب فاشترى له ذلك فغدا عقيل على أمير المؤمنين
158 في الثياب فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال وعليك السلام يا أبا يزيد قال يا أمير المؤمنين ما أراك أصبت من الدنيا شيئا وأنى لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت به لنفسك فقال يا أبا يزيد يخرج عطائي فادفعه إليك فلما ارتحل عن أمير المؤمنين انى معاوية فنصب له كراسيه واجلس جلسائه حوله فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف درهم فقبضها. (وروى) أنه طلب من أمير المؤمنين صاع بر فلم يعطه وحمى له حديدة وكواه بها وقد ذكر ذلك أمير المؤمنين في كلام له فقال والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا ورأيت صبيانه شعث الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم وعاودني مؤكدا وكرر على القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن انى أبيعه ديني واتبع قياده مفارقا طريقتي فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من المها وكاد ان يحترق من ميسمها فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه أتئن من الأذى ولا أأن من لظى. وحكى أن معاوية سأل عقيلا عن قصة الحديدة المحماة المذكورة فبكى وقال انا أحدثك يا معاوية عما سألت نزل بالحسين " ع " ابنه ضيف فاستسلف درهما اشترى به خبزا واحتاج إلى الأدام فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءهم من اليمن فاخذ منه رطلا فلما طلبها على " ع " ليقسمها قال يا قنبر أظن أنه حدث في هذا الزق حدث قال نعم يا أمير المؤمنين وأخبره فغضب وقال على بالحسين فرفع عليه الدرة فقال الحسين بحق عمى جعفر وكان إذا سئل بحق جعفر سكن فقال له ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة قال " ع " أن لنا فيه حقا فإذا أعطيناه ورددناه قال فداك أبوك وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم اما لولا انى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل ثنيتيك لأوجعتك ضربا ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا
159 في ردائه وقال اشتر به خير عسل تقدر عليه قال عقيل والله لكأني انظر إلى يدي على " ع " وهما على فم الزق وقنبر بقلب العسل فيه ثم شده وجعل يبكى ويقول اللهم اغفر للحسين فإنه لم يعلم فقال معاوية ذكرت من لم ينكر فضله رحم الله أبا حسن فلقد سبق من كان قبله وأعجز من يأتي بعده هلم حديث الحديدة قال نعم أقويت وأصابتني مخمصة شديدة فسألته فلم تند صفاته فجمعت صبياني وجئت بهم والبؤس والضر ظاهران عليهم فقال " ع " إيتني عشية لأدفع إليك شيئا فجئته يقودني أحد ولدى فأمره بالتنحي ثم قال ألا فدونك فأهويت حريصا قد غلبني الجشع أظنها صرة فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا فلما قبضتها نبذتها وخرت كما يخور الثور تحت يدي جازره فقال لي ثكلتك أمك هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا فكيف بك وفى غد إن سلكنا في سلاسل جنهم ثم قرأ عليه السلام إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ثم قال " ع " ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى فانصرف إلى أهلك فجعل معاوية يتعجب ويقول هيهات هيهات عقمت النساء أن تلدن مثله (وروى) أن عقيلا رضي الله عنه غدا يوما عند معاوية وذلك بعد وفاة أمير المؤمنين " ع " وصلح الحسن " ع " لمعاوية وجلساء معاوية حوله فقال يا أبا يزيد أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك فقد وردت عليهما قال أخبرك مررت والله بعسكر أخي فإذا ليله كليل رسول الله ونهاره كنهار رسول الله إلا أن رسول الله ليس في القوم ما رأيت إلا مصليا ولا سمعت الا قارئا ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله صلى الله عليه وآله ليلة العقبة ناقته ثم قال من هذا من يمينك يا معاوية قال هذا عمرو بن العاص قال هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزار قريش فمن الآخر قال الضحاك بن قيس الفهري قال اما والله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس فمن هذا الآخر قال أبو موسى الأشعري قال هذا ابن السراقة فلما رأى معاوية أنه قد اغضب جلساءه علم أنه
160 أن استخبره عن نفسه قال فيه سوء فأحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء فيذهب بذلك غضب جلسائه قال يا أبا يزيد ما تقول في؟ قال دعني من هذا قال لتقولن قال أتعرف حمامة قال ومن حمامة يا أبا يزيد قال قد أخبرتك ثم قام فمضى فأرسل معاوية إلى النسابة فدعاه وسأله عن حمامة قال ولى الأمان قال نعم قال حمامة جدتك أم أبى سفيان كانت بغيا في الجاهلية صاحبة راية فقال معاوية لجلسائه قد ساويتكم وزدت عليكم فلا تغضبوا. (وروى) ابن عبد ربه في كتاب العقد ان معاوية قال لعقيل إن عليا قد قطعك ووصلتك ولا يرضيني منك الا أن تلعنه على المنبر قال افعل قال فاصعد فصعد ثم قال بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه قال أيها الناس ان أمير المؤمنين معاوية أمرني أن العن علي بن أبي طالب فالعنوه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ثم نزل، فقال له معاوية انك لم تبين يا أبا يزيد من لعنت بيني وبينه قال والله ما ازددت حرفا ولا نقصت آخر والكلام إلى نية المتكلم. (وروى أيضا) أنه لما قدم عقيل إلى معاوية أكرمه وقربه وقضى عنه دينه ثم قال له في بعض الأيام والله إن عليا لم يكن حافظا لك إذ قطع قرابتك وما وصلك وما اصطنعك فقال له عقيل والله لقد أجزل العطية وأعظمها ووصل القرابة وحفظها وحسن ظنه بالله إذ ساء به منك وحفظ أمانته وأصلح رعيته إذ خنتم وأفسدتم وجرتم فاكفف لا أبا لك فإنه عما تقول بمعزل، قال ودخل عقيل على معاوية وقد كف بصره فأجلسه معاوية على سريره وقال له أنتم معشر بنى هاشم تصابون في أبصاركم قال وأنتم معشر بنى أمية تصابون في بصائركم، وقال له معاوية يوما والله إن فيكم خصلة ما تعجبني يا بنى هاشم قال وما هي قال لين قال لين؟ ماذا قال هو ذاك قال إيانا تعير يا معاوية أجل والله أن فينا للينا من غير ضعف وعزا من غير جبروت واما أنتم يا بنى أمية فان لينكم غدر وعزكم كفر فقال معاوية ما كل هذا أردنا يا أبا يزيد فأنشد عقيل يقول شعرا:
161 لذي اللب قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الإنسان إلا ليعلما وقال له إن فيكم لشبقا يا بنى هاشم قال اجل هو منا في الرجال وفيكم في النساء يا بنى أمية ولذلك لا يقوم بالأموية إلا هاشمي. وقال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص وقد أقبل عقيل لأضحكنك من عقيل فلما سلم قال معاوية مرحبا برجل عمه أبو لهب فقال عقيل وأهلا برجل عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد لأن امرأة أبى لهب أم جميل بنت حرب بن أمية قال معاوية يا أبا يزيد ما ظنك بعمك أبى لهب قال إذا دخلت النار فاعدل ذات اليسار تجد عمى أبا لهب مفترشا عمتك حمالة الحطب فانظر أناكح في النار خير أم منكوح قال كلاهما شر والله. وقال الوليد بن عقبة لعقيل في مجلس معاوية غلبك أخوك يا أبا يزيد على الثروة قال نعم واستبقني وإياك إلى الجنة قال اما والله ان شدقيك لمضمومان من دم عثمان فقال وما أنت وقريش والله ما أنت فينا إلا كنطح التيس فغضب الوليد وقال والله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لأرهقوا صعودا وأن أخاك لأشد هذه الأمة عذابا فقال صه والله إنا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة أبيك عقبة بن أبي معيط. وقرأت في كتاب لم يذكر مؤلفه أسمه أن عقيلا رضي الله عنه قدم على على فقال له ما جاء بك أيها الشيخ فقال مشورة الشقيق وإلحاح الصديق وتطلع النفس إلى كل ممنوع فقال له ألم يك عطاؤك دارا ورزقك جاريا وأنت في دعة مقيم مع أهلك قال بلى ولكن أحببت أن أنال من دنياك وما حوت كفاك فقال وأبيك إن ذلك لديك لمنزور وقد أخذت عطائي خمسة آلاف درهم فدونكها فاقبضها ثم خرج فأتى معاوية فلما دخل عليه أمر له بمائة ألف درهم وأجلسه معه على سريره وأذن للناس فلما غص المجلس باهله قال معاوية يا أهل الشام هذا عقيل بن أبي طالب أتى أخاه عليا وهو يجبى إليه أموال العراق فامر له بخمسة آلاف درهم
162 وأتاني فأمرت له بمائة ألف درهم فقال لهم عقيل يا أهل الشام عنى فاسمعوا لا عن معاوية انى أتيت أخي عليا " ع " فوجدته رجلا قد جعل دنياه دون دينه وخشي الله على نفسه ولم تأخذه في الله لومة لائم فوصلني بما اتسعت له كفاه واحتمله ماله فحسبكم انه خرج إلى من جميع ماله وإني أتيت معاوية فوجدته رجلا قد جعل دينه دون دنياه وركب الضلالة واتبع هواه فأعطاني ما لم يعرق فيه جبينه ولم تكدح فيه يمينه رزقا أجراه الله على يديه وهو المحاسب عليه دوني لا محمود ولا مشكور فيه ثم التفت إلى معاوية فقال اما والله يا بن هند ما تزال منك سوالف يمرها منك قول وفعل فكأني بك قد أحاط بك ما الذي تحاذر فأطرق معاوية ساعة ثم قال من يعذرني من بنى هاشم ثم أنشد يقول: أزيدهم الاكرام كي يشعبوا العصا * فيأبوا لدى الاكرام أن يتكرموا إذا عطفتني رقتان عليهم * نأوا حسدا عنى فكانوا هم هم وأعطيهم صفوا الاخا فكأنني * معا وعطاياي المباحة علقم وأغضي عن الذنب الذي لا يقيله * من القوم إلا الهزبري المصمم حيا واصطبارا وانعطافا ورقة * وأكظم غيظ القلب إذ ليس يكظم أما والله يا بن أبي طالب لولا أن يقال عجل معاوية لخرق ونكل عن جواب لتركت هامتك أخف على أيدي الرجال من حولي الحنظل فأجابه عقيل: عذيرك منهم من يلوم عليهم * ومن هو منهم في المقالة أظلم لعمرك ما أعطيهم منك رأفة * ولكن لأسباب وحولك علقم أبى لهم ان ينزل الذل دارهم * بنو حرة زهر وعقل ومسلم وانهم لم يقبلوا الضيم عنوة * إذا ما طغى الجبار كانوا هم هم فدونك ما أسديت فاشدد به يدا * وخيركم المبسوط والشر فالزموا ثم رمى المائة ألف درهم ونفض ثوبه وقام ومضى فلم يلتفت إليه. قال المؤلف ثم إن معاوية استعطفه بعد ذلك ولم يبد له إلا المحبة وكان
163 يحتمل له ما يجبه به يدل على ذلك ما رواه الزمخشري في ربيع الأبرار أن معاوية كتب إلى عقيل يعتذر إليه من شئ جرى بينهما من معاوية بن أبي سفيان إلى عقيل ابن أبي طالب اما بعد يا بنى عبد المطلب فأنتم والله فروع قصي ولباب عبد مناف وصفوة هاشم فأين أحلامكم الراسية وعقولكم الكاسية وحفظكم الأواصر وحبكم العشائر ولكم الصفح الجميل والعفو الجزيل مقرونان بشرف النبوة وعز الرسالة وقد والله ساءني ما كان جرى ولن أعود لمثله إلى أن أغيب في الثرى فكتب إليه عقيل (ره). صدقت وقلت حقا غير انى * أرى أن لا أراك ولا تراني ولست أقول سوء في صديقي * ولكني أصد إذا جفاني فركب إليه معاوية وناشده في الصفح وأجازه مائة ألف درهم حتى رجع. (وروى) ابن عبد ربه أن معاوية قال لعقيل بن أبي طالب لم جفوتنا يا أبا يزيد فأنشأ يقول: وإني امرؤ منى التكرم شيمة * إذا صاحبي يوما على الهون أضمرا ثم قال أيم الله يا معاوية لئن كانت الدنيا أفرشتك مهادها وأظلتك بسرادقها ومدت عليك اطناب سلطانها ما ذاك بالذي يزيدك منى رغبة ولا تخشعا لرهبة فقال معاوية لقد نعتها أبا يزيد نعتا هش له قلبي وأيم الله يا أبا يزيد لقد أصبحت علينا كريما والينا حبيبا وما أصبحت أضمر لك إساءة. (ويروى) أن زوجة عقيل وهي فاطمة ابنة عتبة بن ربيعة قالت له يا بنى هاشم لا يحبكم قلبي ابدا أين أبى أين عمى أين أخي كأن أعناقهم أباريق فضة ترد آنافهم الماء قبل شفاههم قال إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك فشدت عليها ثيابها وأتت عثمان فشكت عليه فبعث عبد الله بن عباس ومعاوية حكمين فقال ابن عباس لأفرق بينهما وقال معاوية ما كنت لأفرق بين سنخين من قريش فلما أتياهما وجداهما قد أغلقا بابهما واصطلحا.
164 توفى عقيل رحمه الله في خلافة معاوية، قال ابن الضحاك ولم يوقف على السنة التي مات فيها وقال ابن أبي الحديد توفى في خلافة معاوية في سنة خمسين وعمره ست وتسعون سنة وكان له من البنين ثمانية عشر ذكرا قتل بالطف منهم مع الحسين " ع " خمسة وانقرض الجميع ولم يعقب منهم الا محمد بن عقيل ولا عقب له من غيره انتهى (أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب) هو ابن عم رسول الله وأخوه من الرضاعة أرضعتهما حليمة السعدية أياما قيل اسمه المغيرة والصحيح ان المغيرة أخوه من أمه غزية بنت قريش بن طريف من ولد فهر بن مالك وكان ترب رسول الله قبل النبوة يألفه ألفا شديدا فلما بعث رسول الله عاداه وهجاه وهجا أصحابه وكان شاعرا فلما كان عام فتح مكة ألقى الله في قلبه الاسلام فخرج متنكرا فتصدى لرسول الله فاعرض عنه فتحول إلى الجانب الآخر فاعرض عنه فقال انا مقتول قبل أن أصل إليك فأسلمت وذلك بطريق الأبواء كذا في الصفوة. وفى ذخائر العقبى أسلم أبو سفيان وحسن اسلامه ويقال أنه ما رفع رأسه إلى النبي صلى الله عليه وآله حياءا منه وسلم ولده جعفر لقيا رسول الله بالأبواء وأسلما قبل دخوله صلى الله عليه وآله مكة. وقيل بل لقياه هو وعبد الله بن أمية بين السقيا والعرج فاعرض رسول الله عنهما فقالت له أم سلمة (رض) لا يكن ابن عمك وأخوك وابن عمتك أشقى الناس بك وقال له علي بن أبي طالب " ع " ائت رسول الله من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف " ع " لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فإنه لا يرضى ان يكون أحد أحسن قولا منه ففعل ذلك أبو سفيان فقال رسول الله اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، قال أبو سفيان وخرجت معه فشهدت فتح مكة وحنينا فلما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف مصلتا
165 والله يعلم انى أريد الموت دونه وهو ينظر إلى فقال العباس يا رسول الله أخوك وابن عمك أبو سفيان فارض عنه فقال صلى الله عليه وآله فعلت فغفر الله كل عداوة عادانيها ثم التفت إلى فقال أخي لعمري فقبلت رجله في الركاب وكان أبو سفيان ممن ثبت مع رسول الله يوم حنين لم يفر ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله وعززه على اختلاف في النقل. ويقال إن الذين كانوا يشبهون رسول الله الحسن بن علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وقثم بن العباس وأبو سفيان بن الحرث هذا والسائب بن عبيد الله بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف. وجمعهم ابن سيد الناس فقال لخمسة شبه المختار من مضر * يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن لجعفر وابن عم المصطفى قثم * وسائب وأبى سفيان والحسن وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب أبا سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وشهد له بالجنة. عن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أبو سفيان بن الحرث من شباب أهل الجنة. وعن أبي حبة البدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو سفيان من خير أهلي قاله يوم حنين وكان يصلى في كل ليلة الف ركعة. وعن ابن إسحاق أن أبا سفيان بن الحرث لما حضرته الوفاة قال لأهله لا تبكوا على فإني لم أقترف خطيئة منذ أسلمت وكان سبب موته أنه كان في رأسه ثؤلولة فحلقه الحلاق فقطعها فلم يزل مريضا حتى مات. قال أهل السير مات أبو سفيان بن الحرث بالمدينة بعد أن استخلف عمر بستة أشهر ويقال بل مات سنة عشرين وقيل توفى سنة الستة عشر ودفن بالبقيع قاله ابن قتيبة وقال أبو عمرو دفن في دار عقيل وكان هو الذي حفر قبر نفسه
166 قبل أن يموت بثلاثة أيام وكان له من الأولاد ثلاثة ذكور وبنت (نوفل بن الحرث بن عبد المطلب) يكنى أبا الحرث وكان أسن من إخوته ومن جميع من أسلم من بنى هاشم حتى من حمزة والعباس رضي الله عنهما، خرج إلى بدر فأسر ففداه العباس بأمر رسول الله كما مر في ترجمة العباس، وقيل بل فدى نفسه وقيل أسلم وهاجر أيام الخندق وقيل أسلم يوم فدى نفسه نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، قال لما أسر نوفل بن الحرث ببدر قال له رسول الله صلى الله عليه وآله افد نفسك قال مالي شئ أفتدي به قال افد نفسك برماحك التي بجدة قال والله ما علم أحد أن لي رماحا بجدة غيري بعد الله أشهد انك رسول الله وفدى نفسه بها فكانت الف رمح وشهد نوفل مع رسول الله فتح مكة وحنين والطائف وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حنين بثلاثة آلاف رمح فقال رسول الله كأني أرى رماحك تقصف أصلاب المشركين وآخى رسول الله بينه وبين العباس بن عبد المطلب وكانا مشتركين في الجاهلية متفاوضين في المال متحابين. توفى بالمدينة سنة خمس عشرة وقيل أربع عشرة في خلافة عمر وصلى عليه عمر بعد أن شيعه إلى البقيع ماشيا ووقف على قبره حتى دفن وكان له من الولد سبعة ذكور (عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب) أمه عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية أدرك الاسلام وثبت مع النبي صلى الله عليه وآله فيمن ثبت يومئذ وكان رسول الله يقول له ابن عمى وحبى ومنهم من يقول كان يقول له ابن أمي (وروى) لما قدم من مكة على النبي ألبسه حلة وأجلسه إلى جانبه وقال هو ابن أمي وكان أبوه يحبني ويبرني ويحسن إلى وكان أبوه الزبير من اشراف قريش. وقتل عبد الله بن الزبير يوم أجنادين في خلافة أبى بكر شهيدا ووجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم ثم أثخنه الجراح فمات بها.
167 وذكر الواقدي أن أول قتيل من الروم يومئذ بطريق معلم برز ودعا إلى الميدان فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب فاختلفا ضربات ثم قتله عبد الله ولم يتعرض لسلبه ثم برز آخر يدعو إلى البراز فبرز إليه فاقتتلا بالرمحين ساعة ثم صارا إلى السيفين فضربه عبد الله على عاتقه وهو يقول خذها وانا ابن عبد المطلب فأثبته وقطع سيفه الدرع فأسرع في منكبه ثم ولى الرومي منهزما فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يتبارز فقال عبد الله إني والله ما أجد أنى أصبر فلما اختلفت السيوف واخذ بعضها بعضا وجد في ربضة من الروم عشرة حوله قتلى وهو مقتول بينهم وكانت سنه نحوا من ثلاثين سنة. وقيل إن سنه لما توفى النبي صلى الله عليه وآله كانت ثلاثين سنة ولم يعقب والله أعلم. (عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رحمه الله) يكنى أبا جعفر أمه أسماء بنت عميس الخثعمية وهو أول مولود ولد للمسلمين المهاجرين بالحبشة وقدم مع أبيه على النبي بخيبر سنة سبع وقد تقدم ذلك في ترجمة جعفر رحمه الله. (وروى) عن الأمام أبى عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال بايع رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وهم صغار ولم يبايع صغيرا قط إلا هم. (وروى) عن عبد الله بن جعفر أنه قال انا أذكر حين وافى الخبر رسول الله بموت أبى فدخل علينا البيت ونعاه إلينا ومسح يده على رأسي ورأس أخي وقبل ما بين عيني وقد فاضت عيناه بالدمع حتى قطرت لحيته وهو يقول اللهم إن جعفرا قدم إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته ثم عاد إلينا بعد ثلاثة أيام فأحسن عزاءنا جميعا وغير ثيابنا ودعا لنا وقال لأمي أسماء لا تحزني فإني وليهم في الدنيا والآخرة وقد تقدم نحو ذلك في ترجمة جعفر (رض) بأبسط من هذا.
168 (وروى) أبو الفرج الأصبهاني باسناده عن عثمان بن أبي سليمان وابن قمارين قالا مر النبي صلى الله عليه وآله بعبد الله بن جعفر وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان فقال ما تصنع بهذا فقال أبيعه قال ما تصنع بثمنه قال اشترى به رطبا فأكله فقال النبي صلى الله عليه وآله اللهم بارك له في صفقة يمينه فكان يقال ما اشترى شيئا قط إلا رمح به. وكان عبد الله أحد أجواد الإسلام المشهورين وكان يلقب بالجواد وبحر الجود وكان يقال له ابن ذي الجناحين وصاح به اعرابي يا أبا الفضل فقيل له كنيته قال إن تكن كنيته فإنها صفته وكان حليما ظريفا عفيفا وقيل لم يكن في الإسلام أسخى منه واستسرفه بعضهم في الجود فقال إن الله عودني عادة وعودت خلقه عادة عودني ان يمدني بالرزق وعودت خلقه ان أمدهم بالبر فأكره أن أقطع العادة فيقطع عنى المادة. وروى أنه أعطى امرأة سألته مالا عظيما فقيل له انها لا تعرفك وكان يرضيها اليسير فقال إن كان يرضيها اليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير وإن كانت لا تعرفني فانا أعرف نفسي. (وروى) الرياشي عن الأصمعي قال مدح نصيب بن رياح عبد الله بن جعفر فامر له بمال كثير وكسوة شريفة ورواحل موقرة برا وتمرا فقيل أتفعل هذا بمثل هذا العبد الأسود قال اما لأن كان عبدا انني لحر وإن كان أسود إن ثناءه لأبيض وإنما اخذ مالا يفنى وثيابا تبلى ورواحل تنضى وأعطى مديحا يروى وثناء يبقى. ومن غريب ما يحكى من جوده ان عبد الرحمن بن أبي عمارة وهو من نساك الحجاز دخل على نحاس يعرض قيانا له تعلق بواحدة منهن فشهر يذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه فكان جوابه أن قال. يلومني فيك أقوام أجالسهم * فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
169 فانتهى خبره إلى عبد الله بن جعفر فلم يكن له هم غيره فحج فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألف درهم وأمر قيمة جواريه ان تزينها وتطيبها ففعلت وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه فقال مالي لا أرى ابن أبي عمارة فأخبر الشيخ فاتاه مسلما فلما أراد ان ينهض استجلسه ثم قال ما فعل حب فلانة قال في اللحم والدم والمخ والعصب قال أتعرفها لو رأيتها قال لو أدخلت الجنة ما أنكرها فامر بها عبد الله ان تخرج إليه وقال إنما اشتريتها لك والله ما دنوت منها فشأنك بها مباركا لك فيها فلما ولى قال يا غلام احمل معه مائة ألف درهم ينعم معها بها فبكى عبد الرحمن فرحا وقال يا أهل البيت لقد خصكم الله بشرف ما خص به أحدا قبلكم من صلب آدم " ع " فلتهنكم هذه النعمة وبورك لكم فيها. وخرج عبد الله إلى ضيعة له فنزل على نخيل وقوم فيه غلام اسود يقوم عليها فأتى الغلام بقوته ثلاثة أقراص فدخل كلب فدنا من الغلام فرمى إليه بقرص فأكله ثم رمى إليه بالثاني والثالث فأكلهما وعبد الله ينظر إليه فقال يا غلام كم قوتك كل يوم قال ما رأيت قال فلم آثرت هذا الكلب قال ما هي بأرض كلاب وانه جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت ان أرده قال فما أنت اليوم صانع قال اطوى يومى هذا فقال عبد الله بن جعفر ألام على السخاء ان هذا لأسخى منى فاشترى الغلام والنخيل فأعتق الغلام ووهب له النخيل ثم ارتحل. وأنشد عبد الله بن جعفر قول الشاعر: ان الصنيعة لا تكون صنيعة * حتى تصيب بها طريق المصنع فقال هذا رجل يريد ان يبخل الناس بل أمطر المعروف مطرا فان صادف موضعا كان الذي قصدت وإلا كنت أحق به. قدم رجل من المدينة بسكر فكسد عليه فقصد به عبد الله بن جعفر فاشتراه منه وأنهبه الناس فلما رأى الرجل ذلك قال لعبد الله أتأذن لي ان أنهب معهم جعلت فداك قال بلى فانهب فجعل ينهب مع الناس وعبد الله يضحك.
170 خرج الحسنان " ع " وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه وأبو حبة الأنصاري من مكة إلى المدينة فأصابهم مطر فلجأوا إلى خباء اعرابي فأقاموا عنده ثلاثا حتى سكنت السماء وذبح لهم فلما ارتحلوا قال له عبد الله ان قدمت المدينة فاسأل عنا فاحتاج الأعرابي بعد سنين فقالت امرأته لو اتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان فقال قد نسيت أسماءهم فقالت سل عن ابن الطيار فاتاه فقال الق سيدنا الحسن " ع " فلقيه فامر له بمائة ناقة بفحولها ورعاتها ثم أتى الحسين " ع " فقال كفانا أبو محمد مؤنة الإبل فامر له بألف شاة ثم انى عبد الله (رض) فقال كفاني أخواي الإبل والشاة فامر له بمائة ألف درهم ثم أتى أبا حبة فقال والله ما عندي مثل ما أعطوك ولكن جئني بإبلك فأوقرها لك تمرا فلم يزل اليسار في أعقاب الاعرابي (وروى) عنه (رض) كان يقول لا خير في المعروف إلا أن يكون ابتداء فاما أن يأتيك الرجل بعد تململ على فراشه لا يدرى أيرجع ينجح الطلب أو كآبة المنقلب فان أنت رددته عن حاجته تصاغرت إليه نفسه فتراجع الدم في وجهه وتمنى ان يجد نفقا في الأرض فيدخل فيه فلا. قال المسعودي في مروج الذهب وقد عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما على معاوية فسمع به عمرو بن العاص فسبق إلى دمشق ودخل على معاوية وعنده جمع من بنى هاشم وغيرهم فقال عمرو قد أتاكم رجل خذول للسلف متعارف بالسرف وذكر مساوي أعرضنا عن ذكرها فغضب عبد الله بن الحرث بن عبد المطلب وقال كذبت يا عمرو ليس عبد الله كما ذكرت ولكنه لله ذكور ولبلائه شكور وعن الخناء نفور مهذب ما جد كريم حليم إن ابتدأ أصاب وإن سئل أجاب غير حصر ولا هياب كالهزبر الضرغام والسيف الصمصام ليس كمن اختصمت فيه من قريش مشركوها فغلب عليه جزا ها فأصبح أو ضعها نسبا وألأمها حسبا لأشرف له في الجاهلية مذكور ولا قدم له في الاسلام مشهور غير انك تنطق بلسان غيرك ولقد كان أمر في الحكم وأبين في الفصل ان يعمك عن ولوغك في اعراض
171 قريش كعام الضبع في وجارها فلست لأعراضها بوفي ولا لأحسابها بكفي، فهم عمرو بان يتكلم فمنعه معاوية وتفرق القوم. (وروى) المدائني قال بينا معاوية يوما جالسا وعنده عمرو بن العاص إذ قال الآذن قد جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقال عمرو والله لأسوأنه اليوم فقال معاوية لا تفعل يا أبا عبد الله فإنك لا تنتصف منه ولعلك ان تظهر لنا من معيبه ما هو خفى عنا وما لا تحب ان نعلمه منه وغشيهم عبد الله بن جعفر فأدناه معاوية وقربه فمال عمرو إلى بعض جلساء معاوية فنال من علي (" ع ") جهارا غير سائر له وثلبه ثلبا قبيحا فالتمع لون عبد الله بن جعفر واعتراه إفكل حتى أرعدت فرائصه ثم نزل من السرير كالفنيق فقال عمرو مه يا أبا جعفر فقال له عبد الله صه لا أم لك ثم قال: أظن الحلم دل علي قومي * وقد يتجهل الرجل الحليم ثم حسر عن ذراعيه وقال يا معاوية حتى م تتجرع غيضك والى كم الصبر على مكروه قولك وسيئ أدبك وذميم أخلاقك هبلتك الهبول اما يزجرك ذمام المجالسة عن القدح لجليسك ان لم تكن لك حرمة من دينك تنهاك عما لا يجوز لك اما والله لو عطفتك أواصر الأرحام وحاميت على سهمك من الاسلام ما أوعيت بنى الأماء لمتك والعبيد الشك اعراض قومك وما يجهل موضع الصفوة إلا أهل الجزة وإنك لتعرف وشائط قريش وصفوة عرائرها فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطتك في سفك دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين " ع " إلى التمادي في ما قد وضح لك الصواب في خلافه فاقصد لمنهج الحق فقد طال عماؤك عن سبيل الرشد وخبطك في ديجور ظلمة الغي فان أبيت إلا تتابعا في قبح اختيارك لنفسك فاعفنا عن سوء المقالة فينا إذا ضمنا وإياك الندى وشأنك وما تريد إذا خلوت والله حسيبك فوالله لولا ما جعل لنا الله في يديك لما أتيناك ثم قال إنك ان كلفتني ما لم أطلق * ساءك ما سرك منى من حلق
172 فقال معاوية أبا جعفر أقسمت عليك لتجلسن لعن الله من أخرج ضب صدرك من وجاره محمول لك ما قلت ولك عندنا ما أملت فلو لم يكن محتدك ومنصبك لكان خلقك وخلقك شافعين لك إلينا كيف وأنت ابن ذي الجناحين وسيد بنى هاشم فقال عبد الله كلا بل سيدا بنى هاشم حسن وحسين " ع " لا ينازعهما في ذلك أحد فقال معاوية يا أبا جعفر أقسمت عليك لما ذكرت لك حاجة أقضيها كائنة ما كانت ولو ذهبت بجميع ما أملك فقال اما في هذا المجلس فلا ثم انصرف فاتبعه معاوية بصرة وقال والله لكأنه رسول الله مشيه وخلقه وانه لمن مشكاته ولوددت انه آخى بنفيس ما أملك ثم التفت إلى عمرو وقال يا أبا عبد الله ما تراه منعه من الكلام معك قال ما لا خفاء به عنك قال أظنك تقول هاب جوابك لا والله ولكنه ازدراك واستحقرك ولم يرك للكلام أهلا ما رأيت اقباله على دونك ذاهبا بنفسه عنك فقال عمرو فهل لك ان تسمع ما أعددته لجوابه فقال معاوية أذهب إليك أبا عبد الله فلات حين جواب سائر اليوم ونهض معاوية وتفرق الناس. (وروى) ان عبد الله بن جعفر بن أبي طالب دخل على معاوية بن أبي سفيان وعنده ابنه يزيد فجعل يزيد يعرض بعبد الله وينسبه إلى الأشراف فقال عبد الله انى لأرفع نفسي عن جوابك ولو صاحب السرير يكلمني لأجبته فقال له معاوية كأنك تظن انك أشرف منه قال أي والله ومنك ومن أبيك ومن جدك فقال معاوية ما كنت أظن أن أحدا في عصر حرب بن أمية أشرف منه فقال عبد الله بلى ان أشرف من حرب من أكفا عليه إناءه وأجاره بردائه فقال معاوية صدقت يا أبا جعفر ومعنى هذا ان حرب بن أمية كان إذا عرضت له في أسفاره ثنية تنحنح فلم يجترأ أحد ان يرقاها قبله فعرضت له يوما في بعض أسفاره ثنية فتنحنح فوقف الناس فقال غلام من تميم، ومن حرب ثم تقدمه فقال حرب سيمكنني الله تعالى
173 منك بمكة ثم ضرب الدهر من ضربه وعرضت للتميمي حاجة إلى مكة فدخلها وسأل عن أعز أهل مكة فقيل له عبد المطلب بن هاشم فقال أردت دونه فقالوا ابنه الزبير فقرع على الزبير بن عبد المطلب بابه فخرج إليه فقال إن كنت مستجيرا أجرناك وإن كنت طالب قرى قريناك فأنشأ التميمي يقول: لاقيت حربا بالثنية مقبلا * والصبح أبلج ضوءه للساري قف لا تصاعدوا كتني ليروعني * ودعا بدعوة معلن وشعار فتركته خلفي وسرت امامه * وكذاك كنت أكون في الاسفار فمضى يهددني الوعيد ببلدة * فيها الزبير كمثل الليث ضاري فتركته كالكلب ينبح وحده * وأتيت قوم مكارم وفخار وحلقت بالبيت العتيق وركنه * وبزمزم والحجر والأستار إن الزبير لما نعى بمهند * عضب المهزة صارم بتار ليث هزبر يستجار ببابه * رحب المباءة مكرم للجار فقال له الزبير أمامي فإنا بنى عبد المطلب إذا أجرنا رجلا لم نتقدمه فمضى قدامه فلقيه حرب فقال التميمي ورب الكعبة ثم شد عليه فاخترط الزبير سيفه ونادى في إخوته فمضى حرب يشتد والزبير في اثره حتى أتى دار عبد المطلب فلقيه خارجا فقال مم يا حرب فقال ابنك قال ادخل الدار فدخل فأكفأ عليه جفنة هاشم التي كان يهشم فيها الثريد وتلاحق بنو عبد المطلب فلم يجترئوا ان يدخلوا دار أبيهم فجلسوا على الباب واحتبوا بحمائل سيوفهم فخرج عبد المطلب فرآهم فسره ما رأى منهم وقال يا بنى أصبحتم اسود العرب ثم دخل على حرب فقال له قم فاخرج فقال يا أبا الحرث هربت من واحد واخرج إلى عشرة فقال هاك ردائي فالبسه فإنهم إذا رأوه عليك لم يهيجوك وكان رداؤه أعطاه إياه ابن ذي يزن فلبسه وخرج فرفعوا رؤسهم فلما رأوا رداء أبيهم نكسوا رؤسهم ومر حرب. (وروى) المدائني قال قدم عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية وذلك
174 بعد أن مات معاوية واستخلف يزيد فأعطاه أربعة آلاف الف فقيل له أتعطي هذا المال كله رجلا واحد فقال ويحكم انما أعطيها أهل المدينة أجمعين فما هي في يده إلا عارية ثم وكل به يزيد من صحبه وهو لا يعلم لينظر ما يفعل فلما وصل إلى المدينة فرق جميع المال حتى احتاج بعد شهر إلى الدين. ولما وافى الخبر أهل المدينة بقتل الحسين " ع " دخل بعض موالى عبد الله ابن جعفر عليه فنعى إليه ابنيه عونا ومحمدا وكانا قتلا مع الحسين " ع " فاسترجع عبد الله فقال أبو السلاسل مولى عبد الله هذا ما لقينا من الحسين فحذفه عبد الله بنعله ثم قال يا بن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لأحببت ان لا أفارقه حتى اقتل معه والله انه لما يسخى بنفسي عنهما ويعزى على المصاب بهما انهما أصيبا مع أخي وابن عمى مواسيين له صابرين معه ثم اقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز على مصرع الحسين " ع " ان لا أكن واسيت حسينا بيدي فقد واساه ولداي قال المسعودي في مروج الذهب كان الحجاج تزوج إلى عبد الله بن جعفر حين أملق عبد الله وافتقر من الجود والبذل. قال المؤلف نزوج ابنته أم كلثوم واختلف أهل السير هل زفت إليه أم لا. فروى بذيح قال زوج عبد الله بن جعفر ابنته أم كلثوم من الحجاج على ألفي الف في السر وخمسمائة الف في العلانية وحملها إليه إلى العراق فمكثت عنده ثمانية أشهر. ونقل الزمخشري في ربيع الأبرار قال لما زفت بنت عبد الله بن جعفر إلى الحجاج نظر إليها وعبرتها تجرى على خدها فقال مم بابى أنت وأمي قالت شرف اتضع وضعه شرفت. قال بذيح مولى عبد الله بن جعفر لما خرج عبد الله بن جعفر إلى عبد الملك ابن مروان خرجنا معه حتى دخلنا دمشق فانا لنحط رحالنا إذ جاءنا الوليد بن عبد الملك على بغلة ومعه الناس فقلنا جاء إلى ابن جعفر ليحييه ويدعوه إلى منزله
175 فاستقبله ابن جعفر بالترحيب فقال له لكن أنت لا مرحبا بك ولا أهلا فقال يا بن أخي لست أهلا لهذه المقالة منك قال بلى ولشر منها قال وفيم ذلك قال إنك عمدت إلى عقيلة نساء العرب وسيدة بنى عبد مناف ففرشتها عبد ثقيف يتفخذها قال وفى هذا عتب على يا بن أخي قال وما أكثر من هذا قال والله ان أحق الناس أن لا يلومني في هذا أنت وأبوك أن من كان قبلكم من الولاة ليصلون رحمي ويعرفون حقي وإنك وأباك منعتماني ما عندكما حتى ركبني من الدين ما والله لو أن عبدا مجدعا حبشيا أعطاني ما أعطاني عبد ثقيف لزوجته فإنما فديت بها رقبتي من النار قال فما راجعه بكلمة حتى عطف عنانه ومضى حتى دخل على عبد الملك وكان الوليد إذا غضب عرف ذلك في وجهه فلما رآه عبد الملك قال مالك أبا العباس قال مالي إنك سلطت عبد ثقيف وملكته ورفعته حتى تفخذ نساء بنى عبد مناف فأدركته الغيرة فكتب عبد الملك إلى الحجاج يعزم عليه أن لا يضع كتابه من يده حتى يطلقها فطلقها فما قطع الحجاج عنها رزقا ولا كرامة يجريها عليها حتى خرجت من الدنيا قال وما زال واصلا لعبد الله بن جعفر حتى هلك. وروى الثقاة من الرواة قالوا لما أكره الحجاج عبد الله بن جعفر على أن يزوجه ابنته وبذل لها من الأموال ما يجل قدره أستأجله في نقلها إليه سنة ففكر عبد الله في الانفكاك عنه فألقى في روعه خالد بن يزيد بن معاوية فكتب إليه يعلمه ذلك وكان الحجاج تزوجها باذن عبد الملك فورد على خالد كتابه ليلا فاستأذن من ساعته على عبد الملك فقيل أفى هذا الوقت قال هو أمر لا يؤخر فاعلم عبد الملك فأذن له فلما دخل قال فيم المسرى يا أبا هاشم قال أمر جليل لم أمن أن أؤخره فتحدث حادثه على فلا أكون قضيت حق بيعتك قال ما هو قال تعلم أنه ما كان بين حيين من العدواة والبغضاء ما كان بين آل الزبير وبيننا قال لا قال إن تزوجي إلى آل الزبير حلل ما كان لهم بقلبي فما أهل بيت أحب إلى منهم قال إن ذلك ليكون قال فكيف أذنت للحجاج ان يتزوج في بنى هاشم والحجاج من
176 سلطانك بحيث علمت فجزاه خيرا وكتب إلى الحجاج يعزم عليه ان يطلقها فطلقها فغدا الناس يعزونه عنها. وعن عروة ابن هشام بن عروة عن أبيه قال لما تزوج الحجاج وهو أمير المدينة بنت عبد الله بن جعفر أتى رجل سعيد بن المسيب فذكر له ذلك فقال انى لأرجو ان لا يجمع الله بينه وبينها ولقد دعا بذلك داع فابتهل وعسى الله فلما بلغ ذلك عبد الملك بن مروان أبرد البريد إلى الحجاج وكتب إليه يغلظ له ويقصر به ويذكر تجاوزه قدره ويقسم بالله لأن هو قرب منها ليقطعن أحب أعضائه ويأمره بتسويغ أبيها المهر وبتعجيل فراقها ففعل ذلك فما بقى أحد فيه خير إلا سره ذلك فقال جعفر بن الزبير يخاطب الحجاج: ولولا انتكاس الدهر ما نال مثلها * رجائك إذ لم يرج ذلك يوسف أبنت الصفي ذي الجناحين تبتغى * لقد رمت خطبا قدره ليس يوصف قال بذيح وفد عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان فلما دخل عليه استقبله عبد الملك بالترحيب ثم أخذ بيده فأجلسه معه على سريره ثم سأله فالطف المسألة حتى سأله عن مطعمه ومشربه فلما أنقضت مسائلته قال يحيى بن الحكم أمن خبيثة كان وجهك أبا جعفر قال وما خبيثة قال أرضك التي جئت منها قال سبحان الله يسميها رسول الله صلى الله عليه وآله طيبة وتسميها خبيثة قد اختلفتما في الدنيا وأظنكما في الآخرة مختلفين فلما خرج من عنده هيأ ابن جعفر لعبد الملك هدايا وألطافا. قال الراوي قيل لبذيح ما قيمة ذلك قال قيمته مائة الف من وصائف وكسوة وحرير ولطف من لطف الحجاز قال فبعثني بها فدخلت عليه وليس عنده أحد فجعلت أعرض عليه شيئا شيئا قال فما رأيت مثل إعظامه لكل ما عرضت عليه من ذلك وجعل يقول - كلما أريته شيئا - عافى الله أبا جعفر ما رأيت كاليوم وما كنا نريد ان يتكلف لنا شيئا من ذلك قال فخرجت من عنده وأذن لأصحابه فوالله لبينا انا أحدثه عن تعجب عبد الملك واعظامه لما أهدى إليه إذا بفارس قد
177 أقبل علينا فقال أبا جعفر ان أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك جمعت لنا وخش رقيق الحجاز واباقهم وحبست عنا فلانة فابعث بها إلينا وذلك أنه حين دخل عليه أصحابه جعل يحدثهم عن هدايا أبى جعفر ويعظمها عندهم فقال له يحيى بن الحكم وما أهدى إليك ابن جعفر جمع لك وخش رقيق الحجاز واباقهم وحبس عنك فلانة قال ويلك وما فلانة هذه قال ما لم يسمع أحد بمثلها قط جمالا وكمالا وأدبا وخلقا لو أراد كرامتك بعث بها إليك قال وأين تراها وأين تكون قال هي والله معه وهي نفسه التي بين جنبيه فلما قال الرسول ما قال وكان أبو جعفر في أذنه بعض الوقر إذا سمع ما يكره تصام فاقبل عليه فقال يا بذيح قال قلت بقول أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول أنه جائني بريد من ثغر كذا يقول بان الله نصر المسلمين وأعزهم قال أقرأ أمير المؤمنين السلام وقل له أعز الله نصرك وكبت عدوك فقال يا أبا جعفر إني لست أقول هذا وأعاد مقالته الأولى فسألني فصرفته إلى وجه آخر فاقبل على الرسول وقال ماص هن أمه أيرسل أمير المؤمنين تتهكم وعن أمير المؤمنين تجيب هذا الجواب اما والله لأطلن دمك فانصرف فاقبل على أبو جعفر فقال من ترى صاحبنا قلت صاحبك بالأمس قال أظنه فما الرأي عندك قلت يا أبا جعفر قد تكلفت له ما تكلفت فان منعتها إياه جعلها سببا لمنعك ولو طلب إحدى بناتك ما كنت أرى أن تمنعها إياه قال ادعها لي فلما أقبلت رحب بها فأجلسها إلى جنبه ثم قال اما والله ما كنت أظن أن يفرق بيني وبينك إلا الموت قالت وما ذاك قال أنه حدث أمر وليس والله كائنا فيه إلا ما أحببت جاء الدهر فيه بما جاء قالت وما هو قال عبد الملك بعث يطلبك فان تهوين فذاك وإلا لم يكن ابدا قال ما شئ لك فيه هوى ولا أظن فيه فرجا عنك إلا فديته بنفسي وأرسلت عينيها بالبكاء قال اما إذ فعلت فلا تريني مكروها فمسحت عينيها وأشار إليها فقامت فقال ويحك يا بذيح استحثها قبل أن يبدر إلى من القوم بادرة قال ودعا بأربع وصائف ودعا صاحب نفقته بخمسمائة دينار ودعا
178 مولاة له كانت تلى طيبه قد حست لها ربعة عظيمة ممارة طيبا ثم قال عجل بها ويلك فخرجت أسوق بها حتى انتهيت إلى الباب فإذا الفارس قد بلغ عنى فما تركني الحجاب ان تمس رجلاي الأرض حتى أدخلت على عبد الملك وهو يتلظى فقال لي يا ماص كذا وكذا أنت المجيب عن أمير المؤمنين والمتهكم برسله قلت يا أمير المؤمنين ائذن لي أتكلم قال وما تقول يا كذا وكذا قلت ائذن لي جعلني الله فداك أتكلم قال تكلم قلت يا أمير المؤمنين انا أصغر شانا وأقل خطرا ان يبلغ أمير المؤمنين من كلامي ما أرى وهل انا إلا عبد من عبيده نعم قد قلت ما بلغك وأنت تعلم انا انما نعيش في كنف هذا الشيخ وإن الله لم يزل إليه محسنا فجائه من قبلك شئ ما أتاه مثله قط انما طلبت نفسه التي بين جنبيه فأجبت بما بلغك لأسهل الأمر عليه ثم سألني فأخبرته واستشارني فأشرت عليه وها هي هذه قد جئتك بها قال ادخلها ويلك قال فأدخلتها عليه وعنده مسلمة ابنه وهو غلام ما رأيت مثله ولا أجمل منه حين أخضر شاربه فلما جلست وكلمها أعجب بكلامها فقال لله أبوك أمسكك لنفسي أحب إليك أم أهبك لهذا الغلام فإنه ابن أمير المؤمنين قالت يا أمير المؤمنين لست لك بحقيقة وعسى ان يكون هذا لي وجها قال فقام من مكانه ما راجعها فدخل واقبل عليها مسلمة فقال يا لكاع أعلى أمير المؤمنين تختارين قالت يا عدو نفسه أتلومني ان اخترتك لعمر الله لقد قل رأي من اختارك قال ضيعت والله مجلسه وطلع علينا عبد الملك قد ادهن بدهن وارى الشيب وعليه حلة كأنها الذهب وبيده مخصرة يخصر بها فجلس مجلسه على سريره ثم قال أيها لله أبوك أمسكك لنفسي أحب إليك أم أهبك لهذا الغلام قالت ومن أنت أصلحك الله قال لها الخصي هذا أمير المؤمنين قالت لست مختاره على أمير المؤمنين أحدا قال فأين قولك آنفا قالت رأيت شيخا كبيرا وأرى أمير المؤمنين أشيب الناس وأجملهم ولست مختارة عليه ابدا قال دونكها يا مسلمة قال بذيح فنشرت عليها الكسوة والدنانير التي كانت معي وأريته الجواري والطيب قال عافى الله ابن جعفر أخشى ان لا يكون لها
179 عندنا نفقة وطيب وكسوة قلت بلى ولكنه أحب ان يكون معها ما تكتفي به إلى حين تستأنس قال فقبضها مسلمة فلم تلبث عنده يسيرا حتى هلكت قال بذيح فوالذي ذهب بنفس مسلمة ما جلست معه مجلسا ولا وقفت معه موقفا أنازعه فيه الحديث إلا قال ويحك أبغي مثل فلانة فأقول أبغني مثل ابن جعفر فيقول إذا والله لا أقدر فأقول والله لا أقدر على مثلها حتى تقدر على مثل ابن جعفر قال قلت لبذيح ويلك فما أجازه أبى قال حين رفع إليه حاجته ودينه لأجزينك حائزة لو نشر لي مروان من قبره ما زدته عليها فأمر له بمائة الف وأيم الله أنى لأحسبه أنفق في هديته ومسيره ذلك سوى جاريته التي كانت عدل نفسه مأتي الف. (وروى) ان ابن قسوة انى عبد الله بن العباس يستوصله فلم يصله فقال: أتيت ابن عباس أرجى نواله * فلم يرج معروفي ولم يخش منكري فليت قلوصي عريت أو رحلتها * إلى حسن في داره وابن جعفر فقال عبد الله بن جعفر انا أشتري منك عرض ابن عمى فقال أشتر ولا تؤخر فوصله حتى كف. وروى عبد الله بن مصعب ان الحزين مر بالعقيق في غداة باردة فمر عبد الله بن جعفر وعليه مطرف وقد استعار الحزين من رجل ثوبا فقال: أقول له حين واجهته * عليك السلام أبا جعفر قال وعليك السلام فقال: فأنت المهذب من غالب * وفى البيت منها الذي يذكر فقال كذبت يا عدو الله ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: وهذى ثيابي قد أخلقت * وقد عضني زمن منكر قال هاك ثيابي فأعطاه ثيابه. وعن يحيى بن الحسن قال بلغني ان أعرابيا وقف على مروان بن الحكم
180 أيام الموسم بالمدينة فسأله فقال له يا اعرابي ما عندنا ما نصلك به عليك بابن جعفر فأتى الأعرابي باب عبد الله بن جعفر فإذا ثقله قد سار نحو مكة وراحلته بالباب عليها متاعه وسيف معلق فخرج عبد الله وأنشأ الأعرابي يقول: أبو جعفر من أهل بيت نبوة * صلاتهم للمسلمين ظهور أبا جعفر ان الحجيج ترحلوا * وليس لرحلي فاعلمن بعير أبا جعفر ضن الأمير بماله * وأنت على ما في يديك أمير وأنت امرؤ من هاشم في صميمها * إليك يصبر المجد حيث تصير فقال يا اعرابي سار الثقل فدونك الراحلة بما عليها وإياك ان تخدع عن السيف فإني اخذته بألف دينار فأنشأ الاعرابي يقول: حباني عبد الله نفسي فدائه * باعيس مهري سباط مشافره وأبيض من ماء الحديد كأنه * شهاب بدى والليل داج عساكره وكل أمري يرجو نوال بن جعفر * سيجري له باليمن والسعد طائره فيا خير خلق الله نفسا ووالدا * وأكرمه للجارحين يجاوره سأثني بما أوليتني يا بن جعفر * وما شاكر عرفا كمن هو كافره (وروى) انه جاء شاعر إلى عبد الله بن جعفر فأنشده: رأيت أبا جعفر في المنام * كساني من الخز دراعة شكوت إلى صاحبي أمرها * فقال سيؤتى بها الساعة سيكسوكها الماجد الجعفري * ومن كفه الدهر نفاعة ومن قال للجود لا تعدني * فقال لك السمع والطاعة فقال عبد الله لغلامه ادفع له دراعتي الخز همم قال له كيف لو يرى جبتي المنسوجة بالذهب التي اشتريتها بثلاث مائة دينار فقال له الشاعر بابى أنت وأمي ودعني أغفي إغفاءة أخرى فلعلي أراها في المنام فضحك عبد الله منه وقال له ادفع جبتي الوشي. قال يحيى بن الحسن وكان عبد الله بن الحسن يقول كان أهل
181 المدينة يدانون بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء عبد الله بن جعفر. وافتقد عبد الله بن جعفر صديقا له من مجلسه ثم جائه فقال له أين كانت غيبتك قال خرجت إلى عرض من اعراض المدينة مع صديق لي فقال إن اسم تجد من صحبة الرجال بدا فعليك بصحبة من إذا صحبته زانك وإن جفوته صانك وإن احتجت إليه مالك وإن رأى منك خلة سدها أو حسنة عدها وان كثرت عليه لم يرفضك وإن سألته أعطاك وإن سكت عنه ابتداك. ومن كلامه ان باهل المعروف من الحاجة إليه أكثر مما بأهل الرغبة منهم فيه وذلك أن حمده وأجره وذكره وذخره وثنائه لهم فما صنعت من صنيعة أو أتيت من معروف فإنما تصنعه إلى نفسك فلا تطلبن من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك. ويروى هذا الكلام لأبيه جعفر. وقيل له انك تبذل الكثير إذا سألت وتضايق في القليل إذا توجرت فقال انى أبذل مالي وأصف بعقلي. ويقال أن أول من صنع الغالية عبد الله بن جعفر. نقل الزمخشري أنه أهدى لمعاوية قارورة من الغاية فسأله كم أنفق عليها فذكر مالا فقال هذه غالية فسميت بذلك ويحكى انه ضاقت يده في آخر عمره فدعى يوم جمعة وقال اللهم ان كنت صرفت عنى ما كنت تجرى على يدي من الإحسان إلى خلقك فاقبضني إليك فما عاش الا جمعة أخرى. وقال المسعودي سمع عبد الله بن جعفر يوم جمعة يقول اللهم انك عودتني عادة وعودتها عبادك فان قطعتها عنى فلا تبقني فمات في تلك الجمعة في أيام عبد الملك وصلى عليه أبان بن عثمان بمكة في سنة سيل الجحاف حين بلغ الركن وذهب بكثير من الحاج وقال كثير من المؤرخين توفى بالمدينة سنة ثمانين من الهجرة وله
182 من العمر تسعون سنة وقيل توفى سنة أربع وثمانين وعمره ثمانون سنة. قال ابن عبد البر والأول أولى وقيل توفى سنة أربع وسبعين وله اثنان وسبعون سنة وقال أبو الحسن العمرى مات عبد الله في زمان عثمان بن عفان ودفن بالبقيع وهذا غريب وقيل مات بالأبواء سنة تسعين وصلى عليه سليمان ابن عبد الملك بن مروان وله تسعون سنة. وقال أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني قال يحيى توفى عبد الله وهو ابن سبعين سنة في سنة ثمانين وهو عام الجحاف سيل كان بمكة أجحف بالحاج فذهب بالإبل عليها الحمول وكان الوالي يومئذ على مكة أبان بن عثمان في خلافة عبد الملك. (وروى) عن الجعدي قال لما هلك عبد الله بن جعفر شهده أهل المدينة كلهم وإنما كان عبد الله بن جعفر مأوى المساكين وملجأ الضعفاء فما ينظر إلى ذي حاجة إلا رأيته مستعبرا قد أظهر الهلع والجزع فلما فرغوا من دفنه قام عمرو ابن عثمان فوقف على شفير القبر فقال رحمك الله يا بن جعفر ان كنت لرحمك واصلا ولأهل الشر مبغضا ولأهل الريبة قاليا ولقد كنت فيما بيني وبينك كما قال أعشى طرود: دعيت الذي قد كان بيني وبينكم * من الود حتى غيبتك المقابر فرحمك الله يوم ولدت ويوم كنت رجلا ويوم مت ويوم تبعث حيا والله لان كانت هاشم أصيبت بك لقد غم قريشا هلكك فما أظن أن يرى بعدك مثلك فقال عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق لا إله إلا الله الذي يرث الأرض ومن عليها واليه ترجعون ما كان أحلى العيش بك يا بن جعفر وما أسمج ما أصبح بعدك والله لو كانت عيني دامعة لأحد لدمعت عليك كان والله حديثك غير مشوب وودك غير ممزوج بكدر وكان له من الولد عشرون ذكرا وقيل أربعة وعشرون. ومن شعر عبد الله بن جعفر ما أنشده له هارون الرشيد.
183 حكى يعقوب بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قال دخلت يوما على الرشيد وهو متغيظ متربد فندمت على دخولي عليه وكنت أفهم غضبه في وجهه فسلمت فلم يرد فقلت داهية دهتكم ثم أومى إلى فجلست فالتفت إلى وقال لله در عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فلقد نطق بالحكمة حيث يقول: يا أيها الزاجري عن شيمتي سفها * عمدا عصيت فقال الزاجر الناهي أقصر فإنك من قوم أرومتهم * في اللؤم فافخر بهم إن شئت أو باهى يزين الشعر أفواها إذا نطقت * بالشعر يوما وقد يزرى بأفواه قد يرزق المرء لا من فضل حيلته * ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي لقد عجبت لقوم لا أصول لهم * أثروا وليسوا وان أثروا بأشباه ما نالني من غي يوما ولا عدم * الا وقولي عليه الحمد لله فقلت ومن الذي بلغت به المقدرة أن يسامي بمثلك أو يدانيه قال لعله من بنى أبيك وأمك ومن شعره أيضا وقد عوتب في كثرة الجود: لست أخشى قلة العدم * ما اتقيت الله في كرمى كلما أنفقت يخلفه * لي رب واسع النعم (عون بن جعفر بن أبي طالب) ولد في الحبشة بعد أخيه عبد الله وكان يشبه أباه جعفرا خلقا وخلقا وأمه أم أخواته أسماء بنت عميس الخثعمية وخلف على أم كلثوم بنت أمير المؤمنين " ع " بعد عمر ثم بعده أخوه محمد قاله صاحب العمدة وقتل عون بالطف مع الحسين " ع " وقيل قتل هو وأخوه محمد بشوشتر شهيدين كما سيأتي. وولد ابنا أسمه مساور له ذيل لم يطل وانقرض عقبه.
184 (محمد بن جعفر بن أبي طالب) ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وأمه أسماء بنت عميس أيضا. (روى) عن عبد الله بن جعفر إنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وآله نعى أبينا جعفر فدخل علينا وقال لأمنا أسماء بنت عميس أين بنو أخي فدعانا وأجلسنا بين يديه وذرفت عيناه فقالت أسماء هل بلغك يا رسول الله عن جعفر شئ قال نعم أستشهد رحمه الله فبكت وولولت وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فلما كان بعد ثلاثة أيام دخل علينا ودعانا فأجلسنا بين يديه كأننا أفراخ وقال لا تبكين على أخي - يعنى جعفر - بعد اليوم ثم دعا بالحلاق فحلق رؤسنا ثم أخذ بيد محمد وقال هذا شبيه عمنا أبى طالب وقال لعون هذا شبيه أبيه خلقا وخلقا وأخذ بيدي فشالهما وقال اللهم احفظ جعفرا في أهلي وبارك لعبد الله في صفقته فجائته امنا تبكي وتذكر يتمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله تخافين عليهم وانا وليهم في الدنيا والآخرة. وقد تقدم نظير ذلك في ترجمة عبد الله وترجمة جعفر بعبارة أخرى. قيل قتل محمد بن جعفر بالطف شهيدا مع الحسين " ع " وقال ابن عبد البر في الاستيعاب قتل محمد وعون بشوشتر شهيدين قال القاضي نور الله في المجالس قول صاحب الاستيعاب هو الصواب لأن قبر محمد على فرسخ من دزفول وهي من اعمال شوشتر فيمكن انه استشهد بشوشتر ثم نقل إلى هناك أو أطلق أسم شوشتر على ذلك الموضع لأنه من أعمال شوشتر وقال القاضي نور الله أيضا وتشرف محمد بن جعفر بمصاهرة أمير المؤمنين " ع " على أبنته أم كلثوم بعد عمر بن الخطاب. قال المؤلف كان لجعفر ابنان يسمى كل منهما محمدا أحدهما الأكبر ولا خلاف انه قتل مع عمه أمير المؤمنين " ع " بصفين وهو الذي خلف عمر على أم كلثوم والثاني محمد الأصغر وهو الذي قيل إنه قتل بالطف أو بشوشتر قال صاحب العمدة يقال انه ما أدرك الحلم فظهر ان صاحب الترجمة إنما هو محمد
185 الأكبر وخفى على القاضي نور الله ذلك فظن إنما هو محمد واحد فاستصوب انه قتل بشوشتر قال إنه تشرف بمصاهرة أمير المؤمنين " ع " وقد علمت أن أحدهما غير الآخر بقى ان صاحب عمدة الطالب قال خلف على أم كلثوم بعد عمر عون ابن جعفر بن أبي طالب ثم بعده أخوه محمد فان أراد بمحمد هذا محمد الأكبر فهو قد قتل بصفين قبل عون كما ذكره هو بنفسه في العمدة فكيف خلفه عليها بعده وان أراد محمد الأصغر فقد قتل هو وعون معا بالطف أو بغيره على الخلاف في ذلك إلا أن يكون عونا طلقها فتزوجها بعده أحد المحمدين لكن عبارته لا تعطى ذلك والله أعلم. (ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب) يكنى أبا أروى وكانت له صحبة وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة إلا ان كل مأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي موضوعة وان أول دم وضع دم ربيعة بن الحرث وذلك أنه قتل لربيعة بن الحرث في الجاهلية ولد يسمى آدم وقيل نمام فأبطل النبي صلى الله عليه وآله الطلب به في الإسلام ولم يجعل لربيعة في ذلك تبعة وكان ربيعة هذا أسن من العباس فيما ذكروا بسنتين وكان شريكا لعثمان في التجارة وروى عن النبي صلى الله عليه وآله وتوفى سنة ثلاثة وعشرين في خلافة عمر. (الطفيل بن الحرث بن عبد المطلب) كان من الصحابة وشهد بدرا مع النبي وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وشهد معه الجمل وصفين. (الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب رحمه الله) كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا وأسلم عند اسلام أبيه نوفل وكانت تحته كثيرة بنت أبي لهب بن عبد المطلب واستعمله النبي صلى الله عليه وآله على بعض اعمال مكة واستعمله أبو بكر أيضا وقيل إن أبا بكر ولاه المدينة ثم أنتقل من المدينة إلى البصرة واختط بها دارا في ولاية عبد الله بن عامر ومات بها في آخر خلافة
186 عثمان هكذا قال كثير من المؤرخين وفى كتاب صفين لنصر بن مزاحم ان عليا استعمله في حرب صفين على قريش البصرة وهذا يدل على أنه شهد صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام. (المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب) يكنى أبا يحيى ولد على عهد رسول الله بمكة قبل الهجرة وقيل بعدها ولم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وآله غير ست سنين وهو الذي تلقى عبد الرحمن بن ملجم المرادي حين ضرب أمير المؤمنين فهم الناس به فحمل عليهم بسيفه ففرجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة فرماها عليه واحتمله وضرب به الأرض وقعد على صدره وانتزع السيف من يده وكان رجلا قويا واستعمله عثمان على القضاء فكان قاضيا في زمنه وشهد مع أمير المؤمنين صفين. ومن شعره أيام صفين: يا عصبة الموت صبرا لا يهولكم * جيش ابن حرب فان الحق قد ظهرا وقاتلوا كل من يبغي غوائلكم * فإنما النصر في الضرا لمن صبرا اسقوا الخوارج حد السيف واحتسبوا * في ذلك الخير وأرجو الله والظفرا وأيقنوا ان من اضحى يخالفكم * اضحى شيقا وأضحى نفسه خسرا فيكم وصى رسول الله قائدكم * وصهره وكتاب الله قد نشرا ولا تخافوا ضلالا لا أبا لكم * سيحفظ الدين والتقوى لمن نصرا وتزوج المغيرة امامة بنت أبي العاص بن الربيع بعد أمير المؤمنين " ع " وأولدها ابنه يحيى ويقال أن أمير المؤمنين " ع " هو الذي أوصاه ان يتزوجها خوفا من أن يتزوجها معاوية ولما خرج الحسن " ع " لقتال معاوية استخلفه على الكوفة وأمره باستحثاث الناس واشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى التأم العسكر وسار الحسن إلى أن كان من أمر الصلح بينه وبين معاوية ما كان.
187 (عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب) وولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى به رسول الله فحنكه ودعا له، قيل ولد قبل وفاته صلى الله عليه وآله بسنتين يكنى أبا محمد وقيل أبا إسحاق أمه هند بنت أبي سفيان ابن حرب أبى معاوية، قال ابن الأثير له ولأبيه صحبة وقيل إن له إدراكا ولأبيه صحبة وكان يلقب به لأن أمه هند بنت أبي سفيان بن حرب كانت ترقصه وهو صغير فتقول: لأنكحن ببه جارية خدبة مكرمة محبه تحب أهل الكعبة. قال في القاموس (ببه) حكاية صوت صبي ولقب فرشي والشاب الممتلي البدن نعمة وصفة للأحمق والخدبة بكسر الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة الجارية المشتدة الممتلاة اللحم وقولها تجب بكسر الجيم أي تغلب أهل الكعبة في الحسن والجمال يقال جبه إذا غلبه وجبت فلانة النساء إذا غلبتهن بالحسن وكان عبد الله المذكور مع أمير المؤمنين " ع " وشهد معه مشاهده كلها ولما أراد الحسن " ع " صلح معاوية وجه به رسولا إلى معاوية وكان واليا على البصرة في زمن يزيد بن معاوية فلما مات يزيد اتفق أهل البصرة عليه حتى يجتمع الناس على إمام يرضونه وإنما اتفقوا عليه لأن أباه من بنى هاشم وأمه من بنى أمية وفيه يقول الفرزدق: وبايعت أقواما وفيت بعهدهم * وببة قد بايعته غير نادم ثم خرج مع ابن الأشعث فلما هزم هرب إلى عمان فمات بها سنة أربع وثمانين والله أعلم. (عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب) رأى النبي صلى الله عليه وآله وكان معه مسلما بعد الفتح قال ابن عساكر ولحق بعلي بالمدائن قال الوليد بن عقبة وهو أخو عثمان لأمه يذكر قبض أمير المؤمنين عليه السلام نجائب عثمان وسيفه وسلاحه. بنى هاشم ردوا سلاح ابن أختكم * ولا تنهبوه لا تحل نهائبه
188 بنى هاشم كيف الهوادة بيننا * وعند على درعه ونجائبه بنى هشام كيف التودد منكم * وبن ابن أروى فيكم وحرائبه بنى هاشم الا تردوا فإننا * سواء علينا قاتلاه وسالبه بنى هاشم انا وما كان منكم * كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه وأجابه عبد الله بن أبي سفيان بأبيات طويلة من جملتها: فلا تسألونا سيفكم ان سيفكم * أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه وشبهته كسرى وقد كان مثله * شبيها بكرسي هديه وضرائبه أي كان كافرا كما كان كسرى كافرا ومنها: ومنا على الخير صاحب خيبر * وصاحب بدر يوم سالت كتائبه وكان ولى الامر بعد محمد * علي وفى كل المواطن صاحبه وصى النبي المصطفى وابن عمه * وأول من صلى ومن لأن جانبه وصنو رسول الله حقا وجاره * فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه قال شيخنا المفيد في هذا الشعر دليل على اعتقاد هذا الرجل في أمير المؤمنين " ع " انه كان الخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل. وكان المنصور إذا أنشد شعر الوليد المذكور يقول لعن الله الوليد هو الذي فرق بين بنى عبد مناف بهذا الشعر. وشعره في علي " ع " قوله رحمه الله: وصلى على مخلصا بصلاته * لخمس وعشر من سنيه كوامل وخلى أناسا بعده يتبعونه * له عمل أفضل به صنع عامل قال الواقدي قتل عبد الله بن أبي سفيان بكربلا شهيدا مع الحسين " ع " (العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب) كان من شجعان قريش وأبطالها ذا قدرة وجاه أقطعه عثمان دارا بالبصرة
189 وأعطاه مائه ألف درهم وشهد صفين مع أمير المؤمنين " ع " وأبلى بها بلاء حسنا. (روى) ابن قتيبة في كتاب (عيون الاخبار) قال: قال أبو الأغر التيمي بينا أنا واقف بصفين إذ مر بي العباس بن ربيعة مكفرا في السلاح وعيناه تبصان من نحت المغفر، كأنهما عينا أرقم وبيده صفيحة يمانية وهو على فرس له صعب فبينا هو يمعثه ويلين من عريكته إذ هتف به هاتف من أهل الشام يعرف بغرار ابن أدهم يا عباس هلم إلى البراز قال العباس فالنزول إذا فأنه أيأس من القفول فنزل الشامي وهو يقول: ان تركبوا فركوب الخيل عادتنا * أو تنزلونا فانا معشر نزل ونزل العباس أيضا ثم عصب فضلات درعه في عجزته ودفع فرسه إلى غلام أسود يقال له أسلم كأني والله أنظر إلى فلافل شعره ثم دلف كل واحد منهما إلى صاحبه فذكرت قول أبى ذويب: فتنازلا وتوافقت خيلاهما * وكلاهما بطل اللقاء مخدع فكف الناس أعنة خيولهم ينظرون ما يكون من الرجلين فتكافحا بسيفيهما مليا من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته إلى أن لحظ العباس وهنا في درع الشامي فأهوى إليه بيده فهتكه إلى ثندوته ثم عاد لمجاولته وقد أصحر له مفتق الدرع فضربه العباس ضربة أنتظم بها جوانح صدره فخر الشام لوجهه وكبر الناس تكبيرة ارتجت بها الأرض من تحتهم وسما العباس في الناس فإذا قائل يقول من ورائي قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبكم ويتوب الله على من يشاء فالتفت فإذا أمير المؤمنين " ع " فقال يا أبا الأغر من المنازل لعدونا قلت هذا ابن أخيكم هذا العباس بن ربيعة فقال وأنه لهو يا عباس ألم أنهك وابن عباس ان تخلا بمراكز كما وان لا تباشرا حربا قال إن ذلك كان قال " ع " فما عدا عما بدا قال يا أمير المؤمنين أفأدعى إلى البراز فلا أجيب فقال " ع " نعم طاعة إمامك أولى من إجابة عدوك
190 ثم تغيظ واستطار حتى قلت الساعة الساعة ثم سكن وتطامن ورفع يديه مبتهلا وقال اللهم اشكر، للعباس مقامه وأغفر له ذنبه اللهم إني قد غفرت له فاغفر له وأسف معاوية على غرار وقال متى ينطف فحل بمثله أيطل دمه لاها الله إذا لا رجل يشرى نفسه لله يطلب بدم غرار فانتدب له رجلان من لخم فقال لهما اذهبا فأيكما قتل العباس برازا فله كذا فأتياه ودعوه للبراز فقال إن لي سيدا أريد ان أوامره فأتى على " ع " فأخبره الخبر فقال على " ع " والله لود معاوية انه ما يبقى من بنى هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في بطنه إطفاء لنور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون اما والله ليملكنهم منا رجال ورجال يسومهم الخسف حتى يحتفروا الآبار ويتكففوا الناس ويتواكلوا على المساحي ثم قال يا عباس ناقلني سلاحك بسلاحي فناقله ووثب " ع " على فرس العباس وقصد اللخميين فما شكا انه هو فقالا له اذن لك صاحب فتحرج ان يقوم نعم فقال " ع " إذ للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير فبرز له أحدهما فكأنه اختطفه ثم برز إليه الآخر فألحقه بالآخر ثم أقبل وهو يقول الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ثم قال يا عباس خذ سلاحك وهات سلاحي فان عاد إليك أحد فعد إلى قال فبلغ الخبر إلى معاوية فقال قبح الله اللجاج أنه لقعود ما ركبه أحد قط إلا خذله فقال عمرو بن العاص المخذول والله اللخميان لا أنت فقال أسكت أيها الرجل فليست هذه من ساعاتك قال وإن لم يكن فرحم الله اللخميين وما أراه يفعل قال فان ذلك والله أخر لصفقك لحجرك قال قد علمت ولولا مصر لركبت المنجاة منها قال هي أعمتك ولولاها ألفيت بصيرا قال ابن قتيبة وكان تحت العباس أم فراس بنت حقان بن ثابت فولدت له أولادا وعقبه كثير. (العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب) كان النبي صلى الله عليه وآله زوج ابنته رقية أباه عتبة بن أبي لهب ففارقها قبل دخوله بها. (روى) انه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني
191 ولا أحبك ثم سطا عليه وشق قميصه وهو خارج إلى الشام تاجرا فقال له النبي اما إني اسأل الله أن يسلط عليك كلبا فخرج في نفر من قريش حتى نزلوا مكانا من الشام يقال له الزرقاء ليلا فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتبة يقول يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا على محمد قاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وانا بالشام فعدا عليه الأسد من بين القوم فاخذ برأسه فصرعه. وعن عروة بن الزبير إن عتبة لما أراد الخروج إلى الشام أتى رسول الله فقال يا محمد هو يكفر بالذي دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ثم تفل ورد التفلة على رسول الله قال صلى الله عليه وآله اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وأبو طالب (رض) حاضرا فرجم لها فقال ما كان أغناك عن دعوة ابن أخي ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلا فأشرف عليهم راهب من الدير فقال ارض مسبعة فقال أبو لهب وكان في القوم يا معشر قريش أعينونا هذه الليلة فإني أخاف دعوة محمد صلى الله عليه وآله فجمعوا أحمالهم وفرشوا لعتبة في أعلاها وباتوا حوله فجاء الأسد فجعل يشم وجوههم ثم ثنى ذنبه فوثب على عتبة فضربه ضربة واحدة فشدخه فقال قتلني ومات. وقال بعضهم ان الذي قتله الأسد هو عتيبة بالتصغير بن أبي لهب وكانت تحته أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وأما عتبة أبو العباس فأسلم هو وأخوه معتب يوم الفتح وكانا قد هربا من النبي صلى الله عليه وآله. روى عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله مكة في الفتح قال يا عباس ان ابني أخيك عتبة ومعتب لا أراهما قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله تنحيا من قربك فقال أذهب إليهما فاتني بهما قال العباس فركبت إليهما وهما بعرفه فقلت لهما ان رسول الله صلى الله عليه وآله يدعوكما فركبا معي فقدما على رسول الله صلى الله عليه وآله فدعاهما إلى الاسلام فبايعا. وفى رواية فسر رسول الله صلى الله عليه وآله باسلامهما ودعا لهما، قال أبو عمرو وشهدا عتبة ومعتب حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وفقأت عين معتب بحنين وكان فيمن
192 ثبت ولم ينهزم وشهدا معه للطائف ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة ولهما عقب قال الزبير بن بكار، وفارق عتبة أم كلثوم بنت رسول الله قبل دخوله بها أيضا وذلك أنه لما نزلت تبت يدا أبى لهب قال لهما أبوهما رأسي من رأسكما حرام ان لم تفارقا ابنتي محمد صلى الله عليه وآله ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما. وأما العباس بن عتبة فلا خلاف في اسلامه ولما مات النبي صلى الله عليه وآله كان رجلا وتزوج أمينة بنت العباس بن عبد المطلب فولدت له الفضل الشاعر المشهور قال ابن حجر في الإصابة والفضل هذا هو صاحب الأبيات المشهورة في أمير المؤمنين حين بويع بالخلافة لأبي بكر وهي: ما كنت أحسب هذا الامر منصرفا * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعلم الناس بالقرآن والسنن وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عونا له في الغسل والكفن من فيه ما فيهم من كل صالحة * وليس في كلهم ما فيه من حسن ما ذا الذي ردكم عنه فنعرفه * ها أن بيعتكم من أول الفتن وعن مؤيد الدين الخوارزمي في المناقب قال هذه الأبيات للعباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وعزاها الشريف المرتضى في كتاب المجالس لربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وعزاها القاضي البيضاوي والنيسابوري في تفسيريهما لحسان بن ثابت وقال الزبير بن بكار لما بويع أبو بكر قال بعض ولد أبى لهب بن عبد المطلب: ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن الأبيات قال فبعث عليه على فنهاه وأمره أن لا يعود وقال " ع " سلامة الدين أحب إلينا من غيره قال القاضي نور الله رادا على ابن حجر في نسبتها إلى الفضل بن العباس المذكور يكذب ذلك أن هذا الشعر لا يقوله إلا من كان موجودا قبل انصراف الخلافة عن أمير المؤمنين " ع " ولم يكن في حسبانه انها منصرفة عنة والعباس بن عتبه لم يكن له إذ ذاك بهذه الصفة قال وفى كلام ابن
193 حجر مؤاخذة أخرى وهي أن الفضل لم يكن ابن العباس كما توهم بل هو أخوه فهو الفضل بن عتبة بن أبي لهب كما صرح به السيد المرتضى قدس سره في المنتقى قال والشعر المشهور عنه هي الأبيات التي أجاب بها الوليد بن عقبة حين قال يرثى عثمان ويحرض الناس على مخالفة أمير المؤمنين " ع " وأول شعره: ألا أن خير الناس بعد ثلاثة * قتيل التجى الذي جاء من مصر فقال الفضل بن عتبة يجيبه: الا ان خير الناس بعد محمد * مهيمنه التاليه في العرف والنكر وخيرته في خيبر ورسوله * بنبذ عهود الشرك فوق أبى بكر وأول من صلى وضو نبيه * وأول من أردى الغواة لدى بدر فذاك على الخير من ذا يفوته * أبو حسن حلف القرابة والصهر قال وابن حجر وأضرابه في الحقيقة في مثل هذه الاشتباهات معذورون لأنهم عن معرفة أهل البيت والعلم بأحوال بنى هاشم بعداء مهجورون. وأما السيد المرتضى وهو أحد ذرية أهل البيت " ع " وصاحب البيت أدرى بالذي فيه قال المؤلف لا شك أن العباس بن عتبة كان له ولد أسمه الفضل وهو أحد شعراء بنى هاشم المذكورين وفصحائهم المشهورين وقد تقدم ان أمه أمينة بنت العباس بن عبد المطلب لا يخالف في ذلك أحد من علماء النسب وسيأتي ترجمته في الطبقة الحادية عشر إن شاء الله. فمؤاخذة القاضي الثانية لا محل لها ولا يبعد أن يكون العباس أخ أسمه الفضل أيضا. وأعلم أن الأبيات التي نسبها القاضي إلى الفضل بن عتبة مجيبا بها الوليد ابن عقبة ذكرها الشريف المرتضى في كتاب الفصول وعزاها إلى الفضل بن عتبة أيضا وذكر أبو جعفر الطبري في تاريخه انها الفضل بن العباس بن عبد المطلب وهو باطل لأن الفضل بن عباس بن عبد المطلب لم يدرك خلافة عثمان باتفاق المؤرخين وقد تقدم تاريخ وفاته والاختلاف فيه ولم يذكر أحد انه بقى إلى زمن
194 عثمان فكيف يجيب الوليد عن شعره قاله بعد قتل عثمان والله أعلم. وقتل العباس ابن عتبة شهيدا في يوم الحرة سنة أربع وستين في خلافة يزيد. (عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب) له صحبة ورواية عن النبي. وروى أن النبي صلى الله عليه وآله غير اسمه وسماه المطلب ولم يزل بالمدينة إلى خلافة عمر ثم سار إلى دمشق ومات بها سنة اثنتين وستين من الهجرة والله أعلم. (جعفر بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب) أمه جمانة بنت أبي طالب (رض) وذكر أهل بيته انه شهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وآله ووقعة بئر معاوية وانه لم يزل مع ابنه ملازما لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض وتوفى بدمشق سنة خمسين في خلافة معاوية. قال المؤلف أعلم ان بنى هاشم كلهم من ذكرناه ومن لم نذكره لم يبايعو أبا بكر. حتى بايع أمير المؤمنين " ع " كرها لقلة أنصاره لعهد عهده إليه رسول الله وقد تكرر ذلك في كلامه عليه السلام. فمر ذلك قوله " ع " اللهم إني استعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي واكفأوا إنائي واجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري وقالوا ألا ان في الحق ان تأخذه وفى الحق ان تمنعه فاصبر مغموما أو مت متأسفا فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الميتة فأغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجى وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلب من حز الشفار قال الشيخ كمال الدين ابن ميثم أعلم ان هذا الفصل يشمل على اقتصاص صورة حاله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر الخلافة وهو اقتصاص في معرض التظلم والشكاية ممن يرى أنه أحق منه بالأمر فأشار إلى أنه فكر في أمر المقاومة والدفاع عن هذا الحق الذي يراه أولى به فرأى أنه لا ناصر له إلا أهل بيته وهم
195 قليلون بالنسبة إلى من لا يعينه أو يعين عليه فإنه لم يكن له معين إلا بنى هاشم كالعباس وبنيه وأبى سفيان بن الحرث ومن يخصهم وضعفهم وقلتهم عن مقاومة جمهور الصحابة ظاهر فظن بهم عن الموت لعلمه " ع " انه لو قام بهم لقتلوا ثم لا يحصل له مقصوده. قال وأعلم أنه قد أختلف الناقلون لكيفية حاله " ع " بعد وفاة رسول الله فروى المحدثون من الشيعة وغيرهم أخبارا كثيرة ربما خالف بعضها بعضا بحسب اختلاف الأهواء منها والذي عليه جمهور الشيعة إن عليا " ع " امتنع من البيعة لأبي بكر وامتنع معه جماعة بنى هاشم كالزبير وأبى سفيان بن الحرث والعباس وبينه وغيرهم وقالوا لا نبايع إلا عليا عليه السلام وإن الزبير شهر سيفه فجاء عمر في جماعة من الأنصار فاخذ سيفه فضرب به الحجر فكسره وحملت جماعتهم إلى أبى بكر فبايعوه وبايع معهم على " ع " كرها. (وروى) أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني أبو زيد عمر بن شيبة قال حدثنا أحمد بن معاوية قال حدثني النضر بن سهيلي قال حدثنا محمد بن عمرو عن مسلمة بن عبد الرحمن قال لما جلس أبو بكر على المنبر كان على والزبير وناس من بنى هاشم في بيت فاطمة " ع " فجاء عمر إليهم فقال والذي نفسي بيده لتخرجن أو لأحرقن البيت عليكم فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد فدق به فبدر السيف فصاح به أبو بكر وهو على المنبر اضرب به الحجر قال أبو عمرو بن حماس فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة ويقال هذه ضربة سيف الزبير ثم قال أبو بكر دعوهم فسيأتي الله بهم ونقل أحمد بن عبد ربه في كتاب العقد ان أبا بكر بعث إليهم عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال إن أبوا فقاتلهم فاقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم النار فلقيته فاطمة " ع " فقال يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا قال نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة.
196 (وروى) غير واحد ان عليا " ع " وسائر بنى هاشم لم يبايعوا أبا بكر ستة أشهر حتى بايع على " ع " مكرها فبايع بنو هاشم. وفى حديث عوف عن الزهري فلما رأى على " ع " انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبى بكر فقال رجل للزهري فلم يبايعه علي عليه السلام ستة أشهر فقال لا والله ولا واحد من بنى هاشم حتى بايعه علي عليه السلام. قال المؤلف ولهذا ذكرنا بنى هاشم في طبقات الشيعة والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. الباب الثاني (في ذكر غير بنى هاشم من الصحابة المرضية والشيعة المرتضوية) ورضوان الله عليهم (عمر بن أبي سلمة) ابن عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة يكنى أبا حفص أمه أم سلمة زوجة النبي وهو ربيب رسول الله مات صلى الله عليه وآله وهو ابن تسع سنين وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث وروى عنه سعيد بن المسيب وغيره وشهد هو وأخوه سلمه مع علي " ع " حروبه وروى أن أمهما أتت بهما إليه " ع " فقالت عليك بهما صدقة فلو يصلح لي الخروج لخرجت معك وذكر الشيخ في رجاله والعلامة في الخلاصة بدل عمر محمدا فقالا محمد بن أبي سلمة وما ذكرناه هو الصحيح. (وروى) هشام بن محمد الكلبي في كتاب الجمل ان أم سلمة كتبت إلى على من مكة اما بعد فان طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون ان
197 يخرجوا بعائشة ويذكرون ان عثمان قتل مظلوما وانهم يطلبون بدمه والله كافيكهم بحوله وقوته ولولا ما نهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيوت لم ادع الخروج إليك والنصرة لك ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا قال فلما قدم عمر على أمير المؤمنين " ع " أكرمه ولم يزل مقيما معه حتى شهد مشاهد، كلها ووجهه على أميرا إلى البحرين وقال لابن عم له بلغني ان عمر يقول الشعر فابعث إلى من شعره فبعث إليه بأبيات له أولها. جزتك أمير المؤمنين قرابة * رفعت بها ذكرى جزاء موقرا ولم يزل عمر المذكور عاملا لأمير المؤمنين " ع " على البحرين حتى عزله واستعمل النعمان بن عجلان الرزقي على البحرين مكانه ولما أراد عزله كتب إليه " ع " أما بعد فإني وليت النعمان بن عجلان الرزقي على البحرين نزعت يدك بلا ذم لك ولا تتريب عليك فقد أحسنت الولاية وأديت الأمانة فاقبل غير ظنين ولا ملوم ولا متهم ولا مأثوم فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام وأحببت ان تشهد معي فإنك ممن استظهر به على جهاد العدو وإقامة عمود الدين إن شاء الله تعالى. وذكر هذا الكتاب السيد الرضى (ره) في نهج البلاغة قال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب توفى عمر بن أبي سلمة بالمدينة في خلافة عبد الملك سنة ثلاثة وثمانين وقال صاحب منهج المقال قتل مع أمير المؤمنين " ع " بصفين وهو غلط وما ذكره أبن عبد البر هو الصحيح والله أعلم. (سلمان الفارسي عليه الرحمة) أصله من فارس من رامهرمز وقيل بل من أصبهان من قرية يقال لها جي بفتح الجيم وتشديد الياء المثناة من تحت وكان أسمه عند أبيه روزبه وقيل ما هو وقيل ما به بن بهبود ابن بدخشان من ولد منوجهر الملك وقيل بهودان بن بودخشان بن موسلا بن فيروز بن مهرك من ولد الملك وهو معدود من موالى
198 رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيته أبو عبد الله وكان إذا قيل له ابن من أنت يقول انا سلمان ابن الإسلام انا من بني آدم. قال ابن بابويه ره كان اسم سلمان روزبه ابن خشنودان وما سجد قط لمطلع الشمس كما كان يفعل قومه وإنما كان يسجد له عز وجل وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية وكان أبواه يظنان انه إنما يسجد لمطلع الشمس مثلهم وكان سلمان وصى عيسى " ع " في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من المعصومين انتهى. وقد روى أنه تداوله أرباب كثيرة بضع عشر ربا من واحد إلى آخر حتى أفضى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وكان إسلامه للسنة الأولى من الهجرة وفى رواية في جمادى الأولى منها. وقد ذكر كثير من المحدثين حديث إسلامه ورووه عنه بوجوه مختلقة الأشهر منها ما روى أنه قال كنت ابن دهقان قرية جي من أصبهان وبلغ من حب أبى إلى أن حبسني في البيت كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى صرت قطة بيت النار فأرسلني أبى يوما إلى ضيعة له فمررت بكنيسة النصارى فدخلت عليهم فأعجبتني صلوتهم فقلت دين هؤلاء خير من ديني فسألتهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام فهربت من والدي حتى قدمت الشام فدخلت على الأسقف وجعلت أخدمه وأتعلم منه حتى حضرته الوفاة فقلت له إلى من توصي لي فقال قد هلك الناس وتركوا دينهم إلا رجلا بالموصل فالحق به فلما قضى نحبه لحفت بذلك الرجل فلم يلبث إلا قليلا حتى حضرته الوفاة فقلت له إلى من توصي لي فقال ما أعلم رجلا بقى على الطريقة المستقيمة إلا واحدا بنصيبين فلحقت بصاحب نصيبين قالوا وتلك الصومعة اليوم باقية وهي التي تعبد فيها سلمان قبل الاسلام ثم احتضر صاحب نصيبين فبعثني إلى رجل بعمورية من ارض الروم فأتيته وأقمت عنده واكتسبت بقيرات وغنيمات فلما نزل به الموت قلت له إلى من توصي لي
199 فقال قد ترك الناس دينهم وما بقى أحد منهم على الحق وقد اطل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم " ع " يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى ارض بين حرتين بها نخل قلت فما علامته قال يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة قال ومر بي ركب من كلب فخرجت معهم فلما بلغوا وادى القرى ظلموني وباعوني من يهودي فكنت أعمل له في نخله وزرعه فبينا انا عنده إذ قدم ابن عم له فابتاعني منه وحملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا ان رأيتها فعرفتها وبعث الله محمدا صلى الله عليه وآله بمكة ولا علم لي بشئ من أمره فبينا انا في رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لسيدي فقال قاتل الله بنى قيلة قد اجتمعوا على رجل بقبا قدم عليهم من مكة يزعمون أنه نبي فأخذني العرق والانتفاض ونزلت عن النخلة وجعلت استقصى في السؤال فما كلمني سيدي بكلمة بل قال أقبل على شأنك ودع ما لا يعنيك فلما أمسيت أخذت شيئا كان عندي من التمر وأتيت به النبي صلى الله عليه وآله فقلت له بلغني إنك رجل صالح وان لك أصحابا غرباء ذوي حاجة وهذا شئ كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم فقال صلى الله عليه وآله لأصحابه كلوا وامسك فلم يأكل فقلت في نفسي هذه واحدة وانصرفت فلما كان من الغد أخذت ما كان بقى عندي وأتيته به فقلت له إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية فقال صلى الله عليه وآله كلوا واكل معهم فقلت في نفسي هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ببقيع الغرقد وقد تبع جنازة رجل من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت خلفه انظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصفه لي صاحبي بعمورية فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وآله استدبره عرف إني أثبت في شئ وصف لي فألقى ردائه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فأكببت عليه أقبله وأبكي فقال مالك فقصصت عليه القصة فأعجبه ثم قال يا سلمان كاتب صاحبك فكاتبته على ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية فقال سول الله صلى الله عليه وآله للأنصار أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل حتى جمعت ثلاثمائة ودية فوضعها رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فصحت كلها واتاه مال من بعض
200 المغازي فأعطاني منه وقال أد كتابتك فاديت وأعتقت. وروى ابن بابويه في كتاب اكمال الدين خبر اسلامه باسناده إلى موسى ابن جعفر " ع " قال حدثني أبي صلوات الله عليه ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " وسلمان الفارسي وأبا ذر وجماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال أمير المؤمنين " ع " يا أبا عبد الله الا تخبرنا بمبدأ أمرك فقال سلمان والله يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته انا كنت رجلا من أبناء أهل شيراز من الدهاقين وكنت عزيزا على والدي فبينا انا سائر مع والدي في عيد لهم إذ انا بصومعة وإذا فيها رجل ينادى اشهد ان لا إله إلا الله وان عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله فرصف حب محمد صلى الله عليه وآله في لحمي ودمي فلم يهنئني طعام ولا شراب فقالت لي أمي مالك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس قال فكابرتها حتى سكتت فلما انصرفت إلى منزلي إذ انا بكتاب معلق من السقف فقلت لأمي ما هذا الكتاب فقالت روزبه ان هذا الكتاب لما رجعنا من عيدنا رأيناه معلقا فلا تقرب ذلك المكان فإنك إن قربته قتلك أبوك قال فجاهدتها حتى جن الليل ونام أبى وأمي فقمت فأخذت الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم " ع " وانه خلق من صلبه نبيا يقال له محمد بأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن عبادة الأوثان يا روزبه أنت وصى عيسى فآمن واترك المجوسية قال فصعقت صعقة وزادني شدة قال فعلم أبى وأمي بذلك فأخذوني وجعلوني في بئر عميقة وقالا لي ان رجعت وإلا قتلناك فقلت لهما افعلا بي ما شئتما فان حب محمد لا يذهب من صدري قال سلمان ما كنت أعرف العربية قبل قراءتي ذلك الكتاب ولقد فهمني الله العربية من ذلك اليوم قال فبقيت في البئر فجعلوا ينزلون إلى أقراصا صغارا قال فلما طال أمرى رفعت يدي إلى السماء فقلت يا رب انك حببت محمدا صلى الله عليه وآله ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجى وأرحني مما انا فيه فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال قم يا روزبه فاخذ بيدي وأتى بي إلى الصومعة
201 فأنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وان عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله فأشرف على الديراني فقال أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فأصعدني إليه فخدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال انى ميت فقلت على من تخلفني قال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي إلا راهبا بأنطاكية فإذا لقيته فاقرأه منى السلام وادفع إليه هذا اللوح وناولني لوحا فلما مات غسلته وكفنته ودفنته واخذت اللوح وصرت به إلى أنطاكية وأتيت الصومعة وأنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وان عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله، فأشرف على الديراني فقال لي أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فصعدت وخدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال انى ميت فقلت على من تخلفني فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه إلا راهبا بالإسكندرية فإذا لقيته فاقرأه منى السلام وادفع إليه هذا اللوح فلما توفى غسلته وكفنته ودفنته واخذت اللوح وأتيت الصومعة فأنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وان عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله فأشرف على الديراني فقال لي أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال لي انى ميت قلت على من تخلفني قال لا أعرف أحدا يقول في الدنيا بمقالتي هذه وان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد حانت ولادته فإذا أتيته فاقرأه عنى السلام وادفع إليه هذا اللوح قال فلما توفى غسلته وكفنته ودفنته واخذت اللوح وخرجت فصحبت قوما فقلت لهم يا قوم اكفوني الطعام والشراب أكفكم الخدمة قالوا نعم قال فما أرادوا ان يأكلوا شدوا على شاة فقتلوها بالضرب ثم جعلوا بعضها كبابا وبعضها شويا فامتنعت من الاكل فقالوا كل فقلت انى غلام ديراني وان الديرانيين لا يأكلون اللحم فضربوني فكادوا يقتلونني فقال بعضهم أمسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فإنه لا يشرب فلما أتوا بالشراب قالوا أشرب فقلت انى غلام ديراني وان الديرانيين لا يشربون الخمر
202 فشدوا على وأرادوا قتلى فقلت لهم يا قوم: لا تضربوني ولا تقتلوني فإني أقر لكم بالعبودية فأقررت لواحد منهم فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي قال فسألني عن قصتي فأخبرته وقلت ليس لي ذنب إلا انى أحببت محمدا ووصيه فقال اليهودي وإني لأبغضك وابغض محمدا ثم أخرجني إلى خارج داره وإذا رمل كثير على بابه فقال والله يا روزبه لان أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك قال فجعلت أحمل طول ليلى فلما جهدني التعب رفعت يدي إلى السماء فقلت يا رب حببت محمد صلى الله عليه وآله ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجى وأرحني مما أنا فيه فبعث الله عز وجل ريحا فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي فلما أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله فقال يا روزبه أنت ساحر وانا لا أعلم فلأخرجنك من هذه القرية كي لا تهلكنا قال فأخرجني وباعني من امرأة سليمية فأحببتني حبا شديدا وكان لها حائط فقالت هذا الحائط لك كل منه ما شئت وهب وتصدق قال فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله فبينا انا ذات يوم في الحائط وإذا انا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة فقلت في نفسي والله ما هؤلاء كلهم بأنبياء وان فيهم نبيا قال فاقبلوا حتى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم فلما وصلوا إذا فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين " ع " وأبو ذر والمقداد وعقيل بن أبي طالب (رض وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئا فدخلت على مولاتي وقلت لها يا مولاتي هبي لي طبقا من رطب فقالت لك ستة اطباق قال فجئت فحملت طبقا من رطب فقلت في نفسي إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة فوضعته بين يديه وقلت هذه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلوا وامسك رسول الله وأمير المؤمنين " ع " وحمزة بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وقال لزيد مد يدك وكل فقلت في نفسي هذه علامة فدخلت على مولاتي وقلت لها هبي لي طبقا آخر فقالت لك ستة اطباق قال فجئت
203 فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه وقلت هذه هدية فمد يده وقال بسم الله كلوا فمد القوم جميعا أيديهم فأكلوا فقلت في نفسي هذه أيضا علامة قال فبينا أدور خلفه إذ حانت من النبي التفاتة فقال يا روزبه تطلب خاتم النبوة فقلت نعم فكشف عن كتفيه فإذا انا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات قال فسقطت على قدم رسول الله أقبلها فقال لي يا روزبه ادخل على هذه المرأة وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله تبيعينا هذا الغلام فدخلت عليها فقلت لها يا مولاتي ان محمد بن عبد الله يقول لك تبيعينا هذا الغلام فقالت قل له لا أبيعك إلا بأربعمائة نخلة مايتا نخلة منها صفراء ومائتا نخلة منها حمراء قال فجئت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال ما أهون ما سألت ثم قال قم يا علي أجمع هذا النوى كله فجمعه واخذه فغرسه ثم قال اسقه فسقاه أمير المؤمنين " ع " فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضا فقال لي ادخل إليها وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا قال فدخلت عليها وقلت لها ذلك فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت والله لا أبيعكم إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء فهبط جبرئيل فمسح جناحه على النخل فصار كله اصفر، قال ثم قال لي قل لها ان محمدا يقول لك خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا فقلت لها فقالت والله لنخلة من هذه أحب إلى من محمد ومنك فقلت لها والله ليوم مع محمد أحب إلى منك ومن كل شئ أنت فيه فاعتنقني رسول الله وسماني سلمان. وفى بعض الروايات ان النبي صلى الله عليه وآله أتى إليه بمثل شبه بيضة دجاجة من ذهب من بعض الغزوات فقال ما فعل الفارسي المكاتب فدعى سلمان له قال خذ هذه فاد بها ما عليك فقال وأين يقع هذا مما على يا رسول الله فلما قال ذلك سلمان اخذها رسول الله صلى الله عليه وآله فقلبها على لسانه ثم أعطاها سلمان فاخذها فأوفى فيها حقه كله أربعين أوقية. وفى الشفا نقلا من كتاب البزار أعطاه مثل بيضة دجاجة بعد أن رددها
204 على لسانه فوزن منها لواليه أربعين أوقية وبقى عنده مثل ما أعطاهم. وروى أبو عمرو ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب ان سلمان اشتراه رسول الله صلى الله عليه وآله من أربابه وهم قوم يهود بدارهم وعلى ان يغرس لهم من النخل كذا وكذا ويعمل فيها حتى تدرك فغرس رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك النخل كله بيده إلا نخلة واحدة غرسها عمر بن الخطاب فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من غرسها فقيل عمر فقلعها وغرسها رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فأطعمت. وفى شواهد النبوة لما جاء سلمان إلى النبي صلى الله عليه وآله لم يفهم النبي كلامه فطلب ترجمانا فأتى بتاجر من اليهود وكان يعلم الفارسية والعربية فمدح سلمان النبي صلى الله عليه وآله وذم اليهودي فحرف اليهودي الترجمة فقال إن سلمان يشتمك فقال النبي هذا الفارسي جاء ليؤذينا فنزل جبرئيل " ع " وترجم كلام سلمان للنبي فقال النبي لليهودي فقال يا محمد إذا كنت تعرف الفارسية فما حاجتك إلى قال ما كنت أعلمها قبل فالآن علمني جبرئيل " ع " أو كما قال فقال اليهودي يا محمد قد كنت قبل هذا اتهمك والآن تحقق عندي انك رسول الله فقال أشهد ان لا إله إلا الله وإنك رسول الله ثم قال رسول الله لجبرئيل " ع " علم سلمان الفارسي العربية قال قل له ليغمض عينيه ويفتح فاه ففعل سلمان فتفل جبرئيل في فيه فشرع سلمان يتكلم بالعربي الفصيح ثم كان شغل سلمان الرق حتى فاته بدر واحد حتى عتق في السنة الخامسة من الهجرة، وفى بعض الروايات انه أسلم بمكة. وأخرج الشيخ الطوسي (ره) في أماليه باسناده عن حسان بن سدير الصيرفي عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر " ع " قال جلس جماعة من أصحاب رسول الله ينتسبون ويفتخرون وفيهم سلمان ره فقال له عمر ما نسبتك أنت يا سلمان وما أصلك فقال انا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد وكنت مملوكا فاعتقني الله بمحمد، فهذا
205 حسبي ونسبي يا عمر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فذكر له سلمان ما قال عمر وأما أجابه به فقال رسول الله يا معشر قريش ان حسب المرء دينه ومروته خلقه واصله عقله قال الله تعالى (يا أيها الناس انا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ثم أقبل على سلمان (ره) فقال له سلمان انه ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل فمن كنت اتقى منه فأنت أفضل منه وكان سلمان (رضي الله عنه) خيرا فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشف ا وهو أول الأركان الأربعة وثانيها المقداد وثالثها أبو ذر ورابعها عمار قال أبو عمرو وأول مشاهد سلمان الخندق وهو الذي أشار بحفره فقال أبو سفيان وأصحابه لما رأوه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها قال روى أن سلمان شهد بدرا واحدا وهو عبد يومئذ والأكثر ان أول مشاهده الخندق ولم يفته بعد ذلك مشهد. وكتب صلى الله عليه وآله عهدا لحى سلمان بكازرون وصورته بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله سأله سلمان وصية بأخيه ما هاد ابن فروخ وأهل بيته وعقبه من بعده من أسلم منهم وأقام على دينه سلام الله، احمد الله إليكم الذي أمرني أن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له أقولها وأأمر الناس بها وان الخلق خلق الله والأمر حكمه. الله خلقهم وأماتهم وهو ينشرهم واليه المصير وان كل أمر يزول وكل شئ يعيد ويفنى وكل نفس ذائقة الموت من آمن بالله ورسوله كان له في الآخرة دعة الفائزين ومن أقام على دينه تركناه فلا اكراه في الدين وهذا كتاب لأهل بيت سلمان ان لهم ذمة الله وذمتي على دمائهم وأموالهم في الأرض التي يقيمون فيها سهلها وجبلها ومراعيها وعيونها غير مظلومين ولا مضيقا عليهم فمن قرئ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمؤمنات فعليه أن يحفظهم ويكرمهم ويبرهم ولا يتعرض لهم بالأذى والمكروه وقد رفعت عنهم جز الناصية والجزية والخمس والعشر إلى سائر المؤن والكلف ثم إن سألوكم فاعطوهم وان استغاثوا بكم فأغيثوهم وان استجاروا بكم فأجيروهم وإن أساؤا فاغفروا لهم
206 وإن أسيئ إليهم فامنعوا عنهم ولهم ان يعطوا من بيت مال المسلمين في كل سنة مائة حلة في شهر رجب ومائة في الأضحية ومن الأواني مائة فقد استحق سلمان ذلك منا لان فضل سلمان على كثير من المؤمنين وانزل في الوحي على أن الجنة إلى سلمان أشوق من سلمان إلى الجنة وهو ثقتي وأميني تقى نقى ناصح لرسول الله والمؤمنين وسلمان منا أهل البيت فلا يخالفن أحد هذه الوصية فمن خالفها فقد خالف الله ورسوله وعليه اللعنة إلى يوم الدين ومن أكرمهم فقد أكرمني وله عند الله الثواب ومن آذاهم فقد آذاني وانا خصمه يوم القيامة وجزاؤهم جهنم وبرئت منه ذمتي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكتب علي بن أبي طالب بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله في رجب سنة تسع من الهجرة وحضر أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسلمان وأبو ذر وعمار وعتبة وبلال والمقداد وجماعة آخرون من المؤمنين. قال بعض المؤرخين: ماهاد بن فروخ المكتوب باسمه العهد أبن أخ سلمان الفارسي وهو ماهاد بن فروخ بن بدخشان وعقبه بفارس وهذا العهد في أيديهم إلى الآن وهو مكتوب على أديم أبيض مختوم بخاتم النبي صلى الله عليه وآله وعليه ختم أبى بكر وعثمان والله أعلم. ويستفاد من هذا العهد ان التاريخ كان من زمن النبي صلى الله عليه وآله وهو خلاف المشهور من أن التاريخ بالهجرة إنما وضعه عمر بن الخطاب في أيام خلافته والله أعلم. وقد ورد في شأن سلمان أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام. فمنها ما رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: سلمان منا أهل البيت. قال الشيخ محيي الدين ابن العربي في الفتوحات لما كان النبي صلى الله عليه وآله عبدا محضا أي خالصا قد طهره الله تعالى وأهل بيته تطهيرا وأذهب عنهم الرجس وكلما يشينهم فان الرجس هو القذر عند العرب على ما حكاه القرآن قال تعالى (إنما يريد
207 الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فلا يضاف إليهم إلا مطهر ولابد أن يكون كذلك فان المضاف إليهم هو الذي يشبههم فما يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس فهذا شهادة من النبي صلى الله عليه وآله لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله سلمان منا أهل البيت وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم وإذا كان لا يضاف إليهم إلا مطهر مقدس وحصلت له العناية الآلهية بمجرد الإضافة فما ظنك باهل البيت في نفوسهم فهم المطهرون بل عين الطهارة ومنها ما روى عنه صلى الله عليه وآله من وجوه انه قال لو كان الدين في الثريا لناله سلمان. وفى رواية أخرى لناله رجل من فارس. ومنها ما روى من حديث ابن بريدة عن أبيه ان رسول الله قال أمرني ربى بحب أربعة وأخبرني انه يحبهم على " ع " وأبو ذر والمقداد وسلمان. ومنها ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة وان الجنة لأعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة. ومنها ما رواه أبو هريرة قال تلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) قالوا ومن يستبدل بنا فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله على منكب سلمان ثم قال هذا وقومه (وفى رواية) قال: قال ناس من أصحاب رسول الله يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله تعالى ان تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا قال وكان سلمان يحب رسول الله فضرب رسول الله فخذ سلمان قال هذا وأصحابه والذي نفسي بيده لو كان الايمان منوطا بالثريا لتناوله رجل من فارس أخرجه الترمذي. قال أبو عمرو في (الاستيعاب) وفى الحديث المروى ان أبا سفيان مر على سلمان وصهيب وبلال في نفر من المسلمين فقالوا ما أخذت السيوف مأخذها من عنق عدو الله وأبو سفيان يسمع قولهم فقال لهم أبو بكر تقولون هذا لشيخ
208 قريش وسيدها وأتى النبي فأخبره فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله. قال وقد روينا عن عائشة انها قالت كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وآله ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وآله. قال وقد روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي " ع " انه سأل عن سلمان فقال علم العلم الأول والعلم الآخر ذاك بحر لا ينزف هو منا أهل البيت. قال المؤلف أخرج الكشي في كتابه عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر " ع " قال: قال تروى ما يروى الناس ان عليا " ع " قال في سلمان أدرك علم الأول وعلم الآخر قلت نعم قال فهل تدرى ما عنى قال قلت يعنى علم بني إسرائيل وعلم النبي فقال ليس هذا يعنى ولكن علم النبي وعلم على وأمر النبي وأمر على صلوات الله عليهما وأخرج عن زرارة قلت سمعت أبا عبد الله " ع " يقول أدرك سلمان العلم الأول والعلم الآخر وهو منا أهل البيت بلغ من علمه انه مر برجل في رهط فقال له يا عبد الله تب إلى الله عز وجل من الذي عملت به في بطن بيتك البارحة قال ثم مضى فقال له القوم لقد رماك سلمان بأمر فما دفعته عن نفسك قال إنه أخبرني بأمر ما اطلع عليه إلا الله. وعن الحسن بن صهيب عن أبي جعفر " ع " عن أبيه " ع " عن جده عن علي بن أبي طالب " ع " قال ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تمطرون منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة وكان على " ع " يقول وانا امامهم وهم الذين صلوا على فاطمة " ع ". وأخرج الشيخ الطوسي في أماليه عن منصور بن بزرج قال قلت لأبي عبد الله الصادق " ع " ما أكثر ما اسمع منك سيدي ذكر سلمان الفارسي قال " ع " لا تقل سلمان الفارسي ولكن قل سلمان المحمدي أتدري ما أكثر ذكرى له قلت
209 لا قال لثلاث خصال إيثاره هوى أمير المؤمنين " ع " على هوى نفسه، والثانية حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة حبه للعلم والعلماء ان سلمان كان عبدا صالحا حنيفا مسلما وما كان من المشركين. وأخرج الكشي عن محمد بن حكيم قال ذكر عند أبي جعفر " ع " سلمان المحمدي فقال إن سلمان منا أهل البيت انه كان يقول للناس هربتم من القرآن إلى الأحاديث وجدتم كتابا دقيقا حوسبتم فيه على النقير والقمطير والفتيل وحبة الخردل فضاق عليكم ذلك وهربتم إلى الأحاديث التي اتسعت عليكم. وعن زرارة عن أبي جعفر " ع " قال كان على محدثا وكان سلمان محدثا. وعن أبي بصير عن أبي عبد الله " ع " قال كان والله على محدثا وكان سلمان محدثا قلت أشرح قال يبعث الله إليه ملكا ينقر في اذنه يقول كيت وكيت. وعن أبي العباس أحمد بن حماد المروزي عن الصادق " ع " انه قال في الحديث الذي روى فيه ان سلمان كان محدثا قال إنه كان محدثا عن امامه لا عن ربه لأنه لا يحدث عن الله تعالى إلا الحجة. وعن عبد الرحمن بن أعين قال سمعت أبا جعفر يقول: كان سلمان من المتوسمين. وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله " ع " يقول سلمان علم الاسم الأعظم. وعن جابر عن أبي جعفر " ع " قال دخل أبو ذر على سلمان وهو يطبخ قدرا له فبينما هما يتحادثان إذ انكبت القدر لي وجهها فلم يسقط منها شئ من مرقها ولا من ودكها قال فخرج أبو ذر وهو مذعور من عند سلمان فبينما هو متفكر إذ لقى أمير المؤمنين " ع " على الباب فلما ان بصر به أمير المؤمنين " ع " قال يا أبا ذر ما الذي أخرجك من عند سلمان ومن الذي ذعرك فقال له أبو ذر يا أمير المؤمنين رأيت سلمان صنع كذا وكذا، فعجبت من ذلك. فقال: أمير المؤمنين عليه السلام يا أبا ذر إن سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت: رحم الله قاتل سلمان، يا أبا ذر سلمان باب الله في الأرض من عرفه كان مؤمنا ومن
210 أنكره كان كافرا وان سلمان منا أهل البيت. وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله " ع " يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا سلمان لو عرض علمك على المقداد لكفر يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر. وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه " ع " قال ذكرت التقية يوما عند على " ع " فقال إن أبا ذر لو علم ما في قلب سلمان لقتله وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما فما ظنك بسائر الناس. قال المؤلف اختلف أقوال العلماء في معنى هذا الحديث. فمنهم من أوله ومنهم من حمله على ظاهره وأولى ما قيل فيه ان مقام أبي ذر دون مقام سلمان لأن مقام أبي ذر في الثامنة ومقام سلمان في التاسعة فلو اطلع أبو ذر على غير مقامه لقتله وما منا إلا له مقام معلوم. وروى صاحب نزهة المذكورين ان سلمان خرج مع أصحابه فأصابتهم مخمصة فاقبل ظبي فدعاه وقال كن مشويا لينتفع أصحابي بك فصار مشويا فأكلوا منه حتى شبعوا ثم قال قم بإذن الله فقام فذهب إلى الصحراء فقيل له في ذلك فقال كل من أطاع الله فان الله يجيبه ويجيب دعوته كما قال تعالى (ادعوني أستجب لكم). وأخرج الكشي عن الحسن بن منصور قال قلت للصادق " ع " أكان سلمان محدثا قال " ع " نعم قلت من يحدثه قال ملك كريم قلت فإذا كان سلمان كذا فصاحبه أي شئ هو قال أقبل على شأنك. وفى رواية زاذان عن أمير المؤمنين " ع " سلمان الفارسي كلقمان الحكيم. وحكى عن الفضل بن شاذان انه قال ما نشأ في الاسلام رجل كان أفقه من سلمان. وروى قتادة عن أبي هريرة قال سلمان صاحب الكتابين يعنى الإنجيل والقرآن وعن الصادق جعفر بن محمد " ع " قال عاد رسول الله صلى الله عليه وآله سلمان الفارسي
211 فقال يا سلمان لك في علتك ثلاث خصال أنت من الله عز وجل بذكر ودعاؤك فيه مستجاب ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته متعك الله بالعافية إلى منتهى أجلك. وعنه عن أبيه عن جده " ع " قال وقع بين سلمان الفارسي (ره) وبين رجل كلام وخصومة فقال له الرجل من أنت يا سلمان فقال اما أولى وأولك فنطفة قذرة واما آخري وآخرك فجيفة منتنة فإذا كان يوم القيامة ووضعت الموازين فمن ثقلت موازينه فهو الكريم ومن خف ميزانه فهو اللئيم. وعن أبي بصير قال سمعت الصادق جعفر بن محمد " ع " يحدث عن أبيه عن آبائه " ع " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوما لأصحابه أيكم يصوم الدهر فقال سلمان انا يا رسول الله فقال رسول الله أيكم يحيى الليل فقال سلمان انا يا رسول الله قال أيكم يختم القرآن كل يوم فقال سلمان انا يا رسول الله فغضب بعض أصحابه فقال يا رسول الله ان سلمان من الفرس يريد ان يفتخر علينا معاشر قريش قلت أيكم يصوم الدهر فقال انا وهو أكثر أيامه يأكل وقلت أيكم يحيي الليل فقال انا وهو أكثر ليلته نائم وقلت أيكم يختم القرآن في كل يوم فقال انا وهو أكثر نهاره صامت فقال النبي صلى الله عليه وآله مه يا فلان أنى لك بمثل لقمان الحكيم سله فإنه ينبئك فقال الرجل يا أبا عبد الله الست زعمت أنك تصوم الدهر فقال نعم فقال رأيتك في أكثر نهارك تأكل فقال ليس حيث تذهب انى أصوم الثلاثة في الشهر وقال الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها واصل شعبان بشهر رمضان فذلك الدهر فقال أليس زعمت أنك تحيي الليل فقال نعم فقال أنت أكثر ليلك نائم فقال ليس حيث تذهب ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من بات على فراشه على طهر فكأنما أحيى الليل كله فانا أبيت على طهر فقال أليس زعمت أنك تختم القرآن في كل يوم فقال نعم فقال أنت أكثر أيامك صامت فقال ليس حيث تذهب ولكني سمعت حبيبي رسول الله يقول لعلى عليه السلام
212 يا أبا الحسن مثلك في أمتي مثل قل هو الله أحد فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن ومن قرئها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاث مرات فقد ختم القرآن فمن أحبك بلسانه فقد كمل ثلث إيمانه ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الأيمان ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الأيمان والذي بعثني بالحق نبيا يا علي لو أحبك أهل الأرض كمحبة أهل السماء لك لما عذب الله أحدا بالنار وانا اقرأ قل هو الله أحد في كل يوم ثلاث مرات فقام الرجل كأنه قد ألقم حجرا. وعن سلمان (ره) قال بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والمولاة له. وعن زاذان قال سمعت سلمان يقول انى لا أزال أحب عليا فإني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يضرب فخذه ويقول محبك لي محب مبغضك لي مبغض ومبغضي لله مبغض. وعن حباب بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر " ع " قال كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة فقلت من هم فقال المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي ثم عرف الناس بعد يسير وقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين " ع " مكرها فبايع وذلك قول الله عز وجل وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم الآية. وفى رواية عن أبي جعفر " ع " في أمر البيعة ان سلمان عرض في قلبه عارض ان عند أمير المؤمنين " ع " اسم الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلعة فمر به أمير المؤمنين " ع " فقال له يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايع فبايع. وفى رواية ان سلمان قال لهم لما بايعوا أبا بكر (كرديد ونكرديد) أي فعلتم ولم
213 تفعلوا، قالت المعتزلة معناه استخلفتم خليفة ونعم ما فعلتم إلا انكم عدلتم عن أهل البيت فلو كان الخليفة منهم كان أولى والامامية تقول معناه أسلمتم وما أسلمتم. قال المؤلف وفى رواية سليم بن قيس عن سلمان (رض) كلام بالعربية يمكن ان يكون تفسيرا لهاتين الكلمتين قال سليم قلت لسلمان بايعت أبا بكر ولم تقل شيئا قال قد قلت بعد ما بايعت تبا لكم سائر الدهر أتدرون ما ذا صنعتم بأنفسكم أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة الأولين وأخطأتم سنة نبيكم حين أخرجتموها من معدنها وأهلها قال سلمان أخذوني فوجأوا في عنقي حتى تركوها مثل السلعة ثم فتلوا يدي فبايعت مكرها. وفى رواية أبان بن تغلب عن الصادق " ع " قال قام سلمان الفارسي فقال الله أكبر الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا صمتا أذناي يقول بينما أخي وابن عمى جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أهل النار يريدون قتله وقتل من معه فلست أشك انكم هم فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين " ع " وأخذ بمجامع ثوبه وجلد به الأرض ثم قال يا بن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم لأريتك أينا أضعف ناصرا وأقل عددا. وفى رواية سليم قال سلمان فقال لي عمر أما إذا بايع صاحبك فقل ما بدا لك وليقل ما بدا له قال فقلت إني أشهد إني سمعت رسول الله يقول إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب الثقلين إلى يوم القيامة ومثل عذابهم قال قل ما شئت أليس قد بايع ولم تقر عينك بان يليها صاحبك قال قلت فإني أشهد انى قرأت في بعض الكتب كتب الله المنزلة انه باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم قال قل ما شئت أليس قد عزلها الله عن أهل البيت الذين قد اتخذتموهم أربابا قال فقلت فإني أشهد انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وقد سألته عن هذه الآية (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) انك أنت هو فقال
214 أسكت اسكت الله نامتك أيها العبد ابن الخناء فقال على " ع " اسكت يا سلمان فسكت ووالله لولا أنه امرني بالسكوت لأخبرته بكل شئ نزل فيه وفى صاحبه قال سليم ثم أقبل على سلمان فقال إن القوم ارتدوا بعد رسول الله إلا من عصمه الله بآل محمد فأن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون ومن أتبعه وبمنزلة العجل ومن أتبعه فعلى " ع " في سنة هارون وعتيق في سنة السامري وسمعت رسول الله يقول لتركن أمتي سنة بني إسرائيل حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع. وروى أن سلمان خطب إلى عمر فرده ثم ندم فعاد إليه فقال إنما أردت ان أعلم ذهبت حمية الجاهلية من قلبك أم هي كما هي. قال ابن شهرآشوب في المناقب كان عمر وجه سلمان أميرا إلى المدائن وأنما أراد له الختلة فلم يفعل إلا بعد أن استأذن أمير المؤمنين " ع " فمضى فأقام بها إلى أن توفى وكان يحطب في عبائة يفترش نصفها ويلبس نصفها ووقع حريق في المدائن وسلمان أميرها فلم يكن في بيته إلا مصحف وسيف فرفع المصحف في يده وحمل السيف في عنقه وخرج قائلا هكذا ينجوا المخفون قيل دخل عليه رجل فلم يجد في بيته إلا سيفا ومصحفا فقال له ما في بيتك إلا ما أرى قال إن أمامنا منزل كؤود وإنا قد قدمنا متاعنا إلى المنزل. قال الحسن كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين وكان يحطب في عبائة يفترش نصفها ويلبس نصفها فإذا خرج عطاؤه تصدق به. قيل ولم يكن له بيت يظله إنما كان يدور مع الظل حيث دار. قال أبو عمرو وقد ذكر أبن وهب بن نافع ان سلمان لم يكن له بيت إنما كان يستظل بالجدار والشجر وان رجلا قال له الا ابني لك بيتا تسكن فيه قال لا حاجة في ذلك فما زال به الرجل حتى قال له انا أعرف البيت الذي يوافقك
215 قال فصفه لي قال ابني لك بيتا إذا أنت كنت فيه أصاب رأسك سقفه وان أنت مددت فيه رجليك أصابهما الجدار قال نعم فبنى له. قال: قال وكان سلمان يسف الخوص وهو أمير على المدائن ويبيعه ويأكل منه ويقول لا أحب ان أكل إلا من عمل يدي وقد كان تعلم سف الخوص من المدينة. قال غيره كان يأكل من عمل يده ويطحن مع الخادمة ويعجن عنها إذا أرسلها في حاجة ويقول لا تجمع عليها عملين وكان يعمل من الخوص قفافا فيبيع ذلك بثلاثة دراهم فيرد درهما في الخوص وينفق على عياله درهما ويتصدق بدرهم وكان لا يأكل من صدقات الناس ويقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال سلمان منا أهل البيت وكان غالب الناس ممن لا يعرفه يسخرونه في حمل أمتعتهم من السوق لرثاثة ثيابه فربما عرفوه فيعتذرون إليه ويقولون تحمل عنك فيقول لا حتى أصل إلى المنزل وها هو ذاك. قيل وربما حمل حزمة الحطب على رأسه من السوق فإذا رأى ازدحام الناس قال أوسعوا الطريق للأمير. وكان لا يحضر بين يديه طعام عليه أدامان. وروى الأعمش عن أبي وائل قال ذهبت انا وصاحب لي إلى سلمان الفارسي فلما جلسنا عنده قال لولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن الكلف لتكلفت لكم ثم جاء بخبز وملح ساذج لا برار عليه فقال صاحبنا لو كان في ملحنا صعتر فبعث سلمان بمطهرته فرهنها على الصعتر فلما أكلنا قال صاحبي الحمد لله الحمد لله الذي أقنعنا بما رزقنا فقال سلمان لو قنعت بما رزقك الله لم تكن مطهرتي مرهونة. وروى أن أبا ذر استضافه فقدم له خبز شعير وملحا فقال أبو ذر أردنا خلا وبقلا فرهن سلمان ركوته على ذلك فلما فرغا من الاكل قال أبو ذر الحمد لله على القناعة قال سلمان لو كنت قنعت لما كانت ركوتي مرهونة
216 وأخرج الشيخ محمد بن علي بن بابويه في أماليه باسناده عن عبد العظيم ابن عبد الله الحسنى عن الأمام محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهما السلام قال اخذ سلمان أبا ذر إلى منزله فقدم له رغيفين فاخذ أبو ذر يقلبهما فقال له سلمان يا أبا ذر لأي شئ تقلب هذين الرغيفين قال خفت ان لا يكونا نضجين فغضب سلمان من ذلك غضبا شديدا ثم قال ما أجرأك حيث تقلب هذين الرغيفين فوالله لقد عمل في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش. وعمل فيه الملائكة حتى القوة إلى الريح وعملت فيه الريح حتى ألقته إلى السحاب. وعمل فيه السحاب حتى أمطره إلى الأرض، وعمل فيه الرعد والملائكة حتى وضعوه مواضعه، وعملت فيه الأرض والخشب والحديد والبهائم والنار والحطب والملح وما لا أحصيه أكثر فكيف لك ان تقوم بهذا الشكر فقال أبو ذر إلى الله أتوب وأستغفر الله مما أحدثت واليك اعتذر مما كرهت. وروى عن جرير بن عبد الله انه قال انتهيت مرة إلى ظل شجرة وتحتها رجل نائم قد استظل بنطع له وقد جاوزت الشمس النطع فسويته عليه ثم إن الرجل استيقظ فإذا هو سلمان الفارسي (رض) فذكرت له ما صنعت فقال يا جرير تواضع لله في الدنيا فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة أتدري ما ظلمة النار يوم القيامة قلت لا؟ قال فإنه ظلم الناس بعضهم بعضا في الدنيا. وأخرج الكشي عن النصيبي عن أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين " ع " لسلمان يا سلمان إذهب إلى فاطمة فقل لها تتحفك من تحف الجنة فذهب إليها سلمان فإذا بين يديها ثلاث سلال فقال يا بنت رسول الله أتحفيني قالت هذه سلال جائني بها ثلاث وصائف فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة انا سلمى لسلمان وقالت الأخرى انا ذرة لأبي ذر وقالت الأخرى انا مقدودة للمقداد ثم قبضت فناولتني فما مررت بملأ إلا ملئوا طيبا لريحها.
217 وأخرج الكشي باسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: خطب سلمان فقال الحمد لله الذي هداني لدينه بعد جحودي له وأنا مذك لنار الكفر أهل لها نصيبا وأثبت لها نصيبا وأثبت لها رزقا حتى ألقى الله عز وجل في قلى حب تهامة فخرجت جائعا ظمآنا قد طردني قومي وأخرجت من مالي ولا تحملني حمولة ولا متاع يجهزني ولا مال يقوتني وكان من شأني ما قد كان حتى أتيت محمدا صلى الله عليه وآله فعرفت من العرفان ما كنت أعلمه ورأيت من العامة ما أخبرت بها فأنقذوني به من النار فثبت على المعرفة التي دخلت بها في الاسلام. الا أيها الناس اسمعوا من حديثي ثم انقلوه عنى فقد أوتيت العلم كثيرا ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة انه لمجنون، وقالت طائفة أخرى اللهم اغفر لقاتل سلمان، ألا ان لكم منايا تتبعها بلايا وان عند على علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون ابن عمران قال له رسول الله صلى الله عليه وآله أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ولعلكم أصبتم سنة الأولين وأخطأتم سبلكم والذي نفس سلمان بيده لتركبن طبقا عن طبق سنة بني إسرائيل القذة بالقذة اما والله لو وليتموها عليا لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم فابشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء وقد نابذتكم على سواء وانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء اما والله لو انى ادفع ضيما أو أعز لله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم لضربت به قدما قدما وهي خطبة طويلة لم نر التطويل بذكرها كلها هنا. (وروى) ابن شهرآشوب في المناقب قال: كان الناس يحفرون الخندق وينشدون سوى سلمان فقال النبي صلى الله عليه وآله اللهم اطلق لسان سلمان ولو على بيت من الشعر فأنشأ سلمان يقول: مالي لسان فأقول الشعرا * اسأل ربى قوة ونصرا على عدوى وعدو الطهرا * محمد المختار حاز الفخرا حتى أنال في الجنان قصرا * مع كل حوراء تحاكي البدرا
218 فضج المسلمون وجعلت كل قبيلة تقول سلمان منا فقال النبي صلى الله عليه وآله: سلمان منا أهل البيت. وروى أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان من الشام أقدم يا أخي إلى بيت المقدس فلعلك تموت فيه فكتب إليه سلمان أما بعد فان الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس كل إنسان عمله والسلام. وقيل إن سلمان الفارسي (رض) لما مرض مرضه الذي مات فيه اتاه سعد يعوده فقال كيف تجدك أبا عبد الله فبكى فقال ما يبكيك فقال والله لا أبكي حرصا على الدنيا ولا حبا لها ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلينا عهدا فقال ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب فأخشى ان يكون قد جاوزنا أمره وهذه الأساود حولي وليس حوله إلا مطهرة وإجانة وجفنة وأخرج الكشي عن عمرو بن يزيد قال سلمان قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله إذا حضرك أو أخذك الموت حضر أقوام يجدون الريح ولا يأكلون الطعام ثم أخرج صرة من مسك فقال هبة أعطانيها رسول الله ثم بلها ونفحها حوله ثم قال لامرأته قومي أجيفي الباب فقامت وأجافت الباب ثم رجعت وقد قبض رحمه الله. وروى حبيب بن الحسن العكي عن جابر الأنصاري قال صلى بنا أمير المؤمنين صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال معاشر الناس أعظم الله أجركم في أخيكم سلمان فقالوا في ذلك فلبس عمامة رسول الله ودراعته وأخذ قضيبه وسيفه وركب على العضباء وقال لقنبر عد عشرا قال ففعلت فإذا نحن على باب سلمان قال زاذان فلما أدركت سلمان الوفاة قلت له من المغسل لك؟ قال من غسل رسول الله فقلت انك بالمدائن وهو بالمدينة فقال يا زاذان إذا شددت لحيي تسمع الوجبة فلما شددت لحييه سمعت الوجبة وأدركت الباب فإذا انا بأمير المؤمنين " ع " فقال يا زاذان قضى أبو عبد الله سلمان؟ قلت نعم يا سيدي فدخل وكشف الرداء عن وجهه فتبسم سلمان إلى أمير المؤمنين فقال له مرحبا يا أبا عبد الله إذا لقيت
219 رسول الله فقل له ما مر على أخيك من قومك. وفى رواية أخرى عن زاذان ان أمير المؤمنين " ع " لما جاء ليغسل سلمان وجده قد مات فتبسم في وجهه وهم ان يجلس فقال له أمير المؤمنين عد إلى موتك قال زاذان ثم أخذ " ع " في تجهيزه فلما صلى عليه كنا نسمع من أمير المؤمنين تكبيرا شديدا وكنت رأيت معه رجلين فسألته عنهما فقال أحدهما أخي جعفر " ع " والآخر الخضر " ع " ومع كل واحد منهما سبعون صفا من الملائكة في كل صف الف الف ملك. وقد أشار إلى هذه الحكاية أبو الفضل اليمنى في قوله: سمعت منى يسيرا من عجائبه * وكل أمر على لم يزل عجبا دريت عن ليلة سار الوصي بها * إلى المدائن لما ان لها طلبا فالحد الطهر سلمانا وعاد إلى * عراص يثرب والاصباح ما قربا كآصف قبل رد الطرف من سبأ * بعرش بلقيس وافى يحرق الحجبا أراك في آصف لم تغل أنت بلا * أنا بحيدر غال أورد الكذبا ان كان احمد خير المرسلين فذا * خير الوصيين أو كل الحديث هبا وقلت ما قلت من قول الغلاة فما * ذنب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا وروى أن ابن عباس رأى سلمان في منامه وعليه تاج من ياقوت وحلي وحلل فقال له ما أفضل الأشياء بعد الأيمان في الجنة فقال ليس في الجنة بعد الايمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله شئ هو أفضل من حب علي بن أبي طالب " ع ". وتوفى سلمان (رض) سنة خمس وثلاثين من الهجرة وقيل في أول سنة ستة وثلاثين في آخر خلافة عثمان واختلف في مقدار عمره فقيل ثلاثمائة وخمسون وقيل أكثر من أربع مائة سنة وانه أدرك وصى عيسى " ع " وقيل مائتان وخمسون سنة وكان له من الولد عبد الله وبه كان يكنى ومحمد وله عقب مشهور وما اشتهر من أن سلمان (رض) كان مجبوبا كلام ينقله جهلة الصوفية لا أصل له والله أعلم.
220 (المقداد بن أسود بن يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري) وكان الأسود بن يغوث قد تبناه وحالفه في الجاهلية فنسب إليه واسم أبيه الحقيقي عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة من ثمامة بن طرود بن عمرو بن سعد ابن وهب بن ثور بن تغلبة بن مالك بن الشريد بن هزل بن قايش بن دريم بن القيم بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة البهرائي - نسبة إلى بهراء - ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة وهي نسبة على غير قياس لأن قياسه بهراوي بالواو وينسب المقداد إلى كندة أيضا قال ابن عبد ربه في العقد وذلك أن كندة سبته في الجاهلية فأقام فيهم وانتسب إليهم وقال غيره ان أباه قد حالف كندة فنسب إليهم وقال ابن عبد البر قيل أنه كان عبدا حبشيا للأسود بن عبد يغوث فتبناه واستلحقه والأول أصح ويكنى أبا معبد وقيل أبا الأسود، كان رجلا ضخما أسمر اللون طويل القامة شجاعا وكان قديم الإسلام ولم يقدم على الهجرة ظاهرا فأتى مع المشركين من قريش هو وعتبة بن غزوان ليتوصلا إلى المسلمين فانحاز إليهم وذلك في السرية التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وآله عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب حين رجع من غزوة الأبواء قبل ان يصل إلى المدينة فسار عبيدة في ستين رجلا حتى بلغ ماء الحجاز بأسفل ثنية المرة فلقى جمعا عظيما من قريش وكان على المشركين أبو سفيان صخر بن حرب وقيل عكرمة بن أبي جهل وقيل غير ذلك فتراموا بالنبل ولم يقع بينهم ضرب السيوف فظن المشركون أن للمسلمين مددا فخافوا وانهزموا ولم يتبعهم المسلمون فانحاز يومئذ المقداد وعتبة ابن غزوان المأربي إلى المسلمين وكانا مسلمين لكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار وكانت هذه السرية على رأس ثمانية أشهر من السنة الأولى من الهجرة وشهد المقداد في ذلك العام المشاهد كلها قال ابن مسعود أول من أظهر الإسلام سبعة فذكر منهم المقداد وكان من الفضلاء النجباء ولم يصح انه كان في بدر فارس من المسلمين غيره.
221 أخرج مسلم والترمذي عن المقداد قال أقبلت انا وصاحبان لي قد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله فليس أحد فيهم يقبلنا فأتينا النبي صلى الله عليه وآله فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز فقط فقال النبي احتلبوا هذا اللبن بيننا قال فكنا يحتلب ويشرب كل انسان منا نصيبه ونرفع لرسول الله صلى الله عليه وآله نصيبه قال فيحيي من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان قال ثم يأتي المسجد فيصلى قال ثم يأتي شرابه فيشرب فأتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي فقال محمد يأتي الأنصار فيحتفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة فأتيتها فشربتها فلما ان وغلت بطني وعلمت ان ليس لي إليها سبيل ندمني الشيطان فقال ويحك ما صنعت أشربت شراب محمد فيجئ فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك وعلى شملة إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدمي وجعل لا يجيئني النوم فلما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فسلم كما كان يسلم ثم أتى المسجد فصلى ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا فرفع رأسه إلى السماء فقلت الآن يدعو على وأهلك فقال اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني قال فعمدت إلى الشملة فشددتها على واخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله وإذا هي حافل وإذا هن حفل كلهن فعمدت إلى اناء كان لآل محمد صلى الله عليه وآله ما كانوا يطمعون ان يحتلبوا فيه فحلبت فيه حتى علت رغوته فجئت إلى رسول الله فقال أشربتم شرابكم الليلة؟ قلت يا رسول الله إشرب فشرب ثم ناولني ما زاد. وفى رواية رزين فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني ثم انقفا فلما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد روى أجيبت دعوته ضحكت حتى القيت إلى الأرض فقال رسول الله إحدى سوأتك يا مقداد، فقلت يا رسول الله كان من أمرى كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذه إلا رحمة
222 من الله أفلا كنت آذنتني فتوقظ صاحبينا فيصيبان منها معنا، فقلت والذي بعثك بالحق إذ أصبتها وأصبتها معك لا أبالي من أخطأته من الناس. قال ابن مسعود: لقد شهدت من المقداد مشهدا لان أكون صاحبه أحب إلى مما طلعت عليه الشمس وذلك أنه أنى النبي وهو يذكر المشركين، فقال يا رسول الله إنا والله ما نقول كما قال أصحاب موسى لموسى إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكنا نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن يسارك فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يشرق وجهه لذلك وسره وأعجبه. (وروى) أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا إلى بريدة قال: قال رسول الله ان الله يحب من أصحابي أربعة أخبرني انه يحبهم وأمرني أن أحبهم، قالوا من هم يا رسول الله؟ قال إن عليا منهم وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد ابن الأسود الكندي. وقال العلامة رحمه الله في (الخلاصة) كان المقداد ثاني الأربعة عظيم القدر شريف المزلة جليلا من خواص علي عليه السلام. وأخرج الكشي عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو جعفر " ع " ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذر والمقداد، قال فقلت فعمار؟ فقال قد كان حاص حيصة ثم رجع ثم قال " ع " ان أردت الذي لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد. وفى رواية: ما بقى أحدا إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فان قلبه كان مثل زبر الحديد. وعن جميل بن أبي ثابت قال: قال المقداد الأسود أدخلوني معكم في الشورى؟ قالوا: لا قال فاجعلوني قريبا منكم فأبوا قال فإذا أبيتم فلا تبايعوا رجلا لم يشهد بدرا ولا بيعة الرضوان وانهزم يوم أحد، فقال عثمان لان
223 وليت رددتك إلى مولاك الأول. فلما مات المقداد (رض) قام عثمان على قبره فقال إن كنت وان كنت، وأثنى خيرا. فقال الزبير شعرا: لأعرفنك بعد الموت تندبني * وفى حياتي ما زودتني زادي فقال عثمان: تستقبلني بمثل هذا يا زبير فقال ما كنت أحب أن يموت مثل هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو عليك ساخط. وأخرج الشيخ الطوسي في (أماليه) باسناده عن لوط بن يحي قال: حدثني عبد الرحمن بن جندب قال: لما بويع عثمان سمعت المقداد بن الأسود الكندي يقول لعبد الرحمن بن عوف والله يا عبد الرحمن ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم: فقال له عبد الرحمن وما أنت وذاك يا مقداد؟ قال والله إني لأحبهم لحب رسول الله صلى الله عليه وآله إياهم ويعتريني وجد لا أبثه لشرف قريش على الناس بشرفهم واجتماعهم على نزع سلطان رسول الله من أيديهم، فقال له عبد الرحمن ويحك والله لقد أجهدت نفسي لكم. فقال له المقداد والله لقد تركت رجلا من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون، أما والله لو أن لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إياهم يوم بدر وأحد فقال له عبد الرحمن ثكلتك أمك يا مقداد لا يسمعن هذا الكلام منك الناس أما والله إني لخائف أن تكون صاحب فرقة وفتنة قال جندب فأتيته بعد ما انصرف من مقامه فقلت يا مقداد أنا من أعوانك فقال رحمك الله أن الذي نريد لا يغنى فيه الرجلان والثلاث فخرجت من عنده وأتيت علي بن أبي طالب " ع " فذكرت له ما قال وقلت فدعى لنا بخير. (وروى) عن الشعبي قال لما بايع عبد الرحمن بن عوف عثمان بن عفان لقيه المقداد من الغد فأخذ بيده وقال إن كنت أردت بما صنعت وجه الله فأثابك الله ثواب الدنيا والآخرة، وإن كنت إنما أردت الدنيا فأكثر الله مالك فقال عبد الرحمن اسمع رحمك الله إسمع؟ قال لا أسمع وجذب يده ومضى حتى دخل
224 على علي فقال قم فقاتل حتى نقاتل معك، قال على " ع " فيمن نقاتل رحمك الله. (وروى) مسلم في المجلد الثالث من صحيحه عن همام بن الحارث ان رجلا جعل يمدح عثمان فعمد المقداد وجثا على ركبتيه وكان رجلا ضخما فجعل يحثو في وجهه الحصى فقال عثمان ما شأنك؟ قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب، هذا لفظ الحديث. قال صاحب (الطرائف) في هذا الحديث عدة طرائف. فمن طرائفه ان الصحابة قد كان يمدح بعضهم بعضا وما نقل أحد منهم انه حثا في وجه المادحين التراب فلولا ان عثمان بلغ إلى حال من النقص لم يبلغ إليه أحد من الصحابة لم يحث التراب في وجه مادحه. ومن طرائفه: ان المقداد ممن أجمع المسلمون على صلاحه وصواب ما يعمله. ومن طرائفه ان عثمان لما كان عالما ان هذا لا يعمل مع أحد قال للمقداد ما شأنك. ومن طرائفه ان هذا قد جرى من المقداد وشاع إلى زماننا هذا وما سمعنا ان أحدا من المسلمين أنكر على المقداد ولا خطأه. ومن طرائفه ان هذا يقتضى ان من مدح عثمان فكذا ينبغي ان يحثى التراب في وجهه اقتداء بالمقداد الذي أجمع المسلمون على صلاحه. ومات المقداد في سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة في أرضه بالجرف فحمل إلى المدينة ودفن بالبقيع وكان قد شرب دهن الخروع فمات رحمه الله. (أبو ذر الغفاري رحمه الله) اسمه جندب بن جنادة على الأصح ابن سفيان بن عبيدة بن ربيعة بن حزام ابن غفار وقيل اسم أبيه برير بموحدة مصغرا ومكبرا أو عشرقة أو عبد الله أو السكن. قال ابن حجر في التقريب تقدم إسلامه وتأخرت هجرته فلم يشهد بدرا ومناقبه كثيرة جدا.
225 وقال غيره أسلم خامس خمسة ثم رجع إلى أرض قومه وقدم بعد الهجرة وكان من أكابر العلماء والزهاد كبير الشأن كان عطاؤه في السنة أربعمائة دينار وكان لا يدخر شيئا. أخرج ابن بابويه رحمه الله في (أماليه) عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله الصادق " ع " لرجل من أصحابه ألا أخبركم كيف كان سبب إسلام سلمان وأبي ذر (ره) فقال الرجل وأخطأ أما إسلام سلمان فقد علمت فأخبرني كيف كان سبب إسلام أبي ذر، فقال أبو عبد الله الصادق " ع " إن أبا ذر كان في بطن (مر) يرعى غنما له إذ جاء ذئب عن يمين غنمه فهش أبو ذر بعصاه عليه فجاء الذئب عن يسار غنمه فهش أبو ذر بعصاه عليه ثم قال له والله ما رأيت ذئبا أخبث منك ولا شرا فقال الذئب شر والله منى أهل مكة بعث الله إليهم نبيا فكذبوه وشتموه فوقع كلام الذئب في اذن أبي ذر فقال لأخته هلمي مزودتي وإداوتي وعصاي ثم خرج يركض حتى دخل مكة فإذا هو بحلقة مجتمعين فجلس إليهم فإذا هم يشتمون النبي صلى الله عليه وآله ويسبونه كما قال الذئب فقال أبو ذر هذا والله ما أخبرني به الذئب فما زالت هذه حالتهم حتى إذا كان آخر النهار وأقبل أبو طالب قال بعضهم لبعض كفوا فقد جاء عمه، فلما دنا منهم أكرموه وعظموه فلم يزل أبو طالب متكلمهم وخطيبهم إلى أن تفرقوا فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت إلى فقال ما حقك فقلت هذا النبي المبعوث فيكم، قال وما حاجتك إليه؟ فقال له أبو ذر أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته فقال أبو طالب تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. قال فقلت نعم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال فقال إذا كان غدا في هذه الساعة فأتني، فلما كان من الغد جاء أبو ذر فإذا الحلقة مجتمعون وإذا هم يسبون النبي صلى الله عليه وآله كما قال الذئب فجلس معهم حتى أقبل أبو طالب فقال بعضهم لبعض كفوا فقد جاء عمه فكفوا فجاء أبو طالب فما زال متكلمهم وخطيبهم إلى أن قام فلما قام تبعه أبو ذر فالتفت إليه أبو طالب
226 فقال ما حاجتك فقال هذا النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه قال فقال أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته فقال أبو طالب تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال نعم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فرفعني إلى بيت فيه جعفر بن أبي طالب " ع " قال فلما دخلت سلمت فرد على السلام ثم قال ما حاجتك قال فقلت هذا النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه فقلت أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فرفعني إلى بيت فيه حمزة بن عبد المطلب فلما دخلت سلمت فرد على السلام ثم قال ما حاجتك فقلت هذا النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه قلت أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال قلت نعم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال فرفعني إلى بيت فيه علي بن أبي طالب " ع " فلما دخلت سلمت فرد على السلام قال ما حاجتك قلت النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه فقلت أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقلت نعم أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله قال فرفعني إلى بيت فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا هو نور في نور فلما دخلت سلمت فرد على السلام قال ما حاجتك قلت هذا النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه قال فقلت أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ الا أطعته قال تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله قلت نعم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فقال انا رسول الله يا أبا ذر أنطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات فخذ ماله وكن بها حتى يظهر أمرى قال أبو ذر فانطلقت إلى بلادي فإذا ابن عم لي قد مات وخلف ما لا كثيرا في ذلك الوقت الذي أخبرني فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فاحتويت على ماله فبقيت ببلادي حتى ظهر أمر رسول الله
227 فأتيته وروت العامة في خبر اسلامه وجها غير هذا الوجه فروى البخاري باسناده عن أبي حمزة عن ابن عباس قال لما بلغ أبا ذر مبعث النبي قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم أئتني فانطلق الأخ حتى قدم وسمع قوله صلى الله عليه وآله ثم رجع إلى أبي ذر فقال رأيته يأمر بمكارم الأخلاق فكلاما ما هو بالشعر فقال ما شفيتني مما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي ولا يعرفه وكره ان يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل اضطجع فرآه على " ع " فعرف انه غريب فلما رآه تبعه فلم يسأل أحد منهما صاحبه عن شئ حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد فظل ذلك اليوم ولا يراه النبي صلى الله عليه وآله حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمر به على فقال اما آن للرجل ان يعلم منزله فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ حتى إذا كان اليوم الثالث قعد على مثل ذلك فأقامه على معه ثم قال ألا تحدثني ما الذي أقدمك قال إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدنني فعلت ففعل فأخبره قال فإنه حق وهو رسول الله فإذا أصبحت فاتبعني فإني ان رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء فان مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وآله فقال له ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمرى قال والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه (أوجعوه) وأتى العباس فأكب عليه ثم قال ويلكم ألستم تعلمون انه من غفار وان طريق تجارتكم إلى الشام عليهم فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه. وروى مسلم باسناده عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت انا وأخي أنيس وآمنا
228 فنزلنا على خال لنا فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا فحسدنا قومه فقالوا انك إذا خرجت عن أهلك خالفه إليهم أنيس فجاء خالنا فثنى علينا الذي قيل له فقلت إماما مضى من معروفك فقد كدرته ولا اجتماع لنا فيما بعد فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكى فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها وأتينا الكاهن فخير أنيسا وأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها قال وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاث سنين قلت لمن قال لله قلت فأين توجه قال أتوجه حيث يوجهني ربى أصلى عشاء حتى إذا كان آخر الليل القيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس فقال أنيس ان لي حاجة بمكة فاكفني فانطلق أنيس حتى أتى مكة فرآه على ثم جاء فقلت ما صنعت قال لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله قلت فما يقول الناس قال يقولون شاعر كاهن ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم والله لقد وضعت قوله على اقراء الشعر فما يلتثم على لسان أحد بعدي انه شعر والله انه لصادق وانهم لكاذبون قال قلت فاكفني حتى أذهب فانظر قال فأتيت مكة فتضعفت رجلا فقلت أين هذا الرجل الذي يدعونه الصبائي فأشار إلى فقال الصبائي الصبائي فمال على أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا على قال فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر (1) قال فاتيت زمزم فغسلت عنى الدماء وشربت من مائها ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم وما كان لي طعام إلا زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع قال فبينما أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أسمختهم (2) أي فما يطوف بالبيت أحد وامرأتان منهم تدعوان أسافا ونائلة قال فاتتا على في طوافهما فقلت أنكحا أحدهما الأخرى قال فما تناهتا عن قولهما قال فاتتا على فقلت هن مثل الخشبة غير انى لا أكن فانطلقتا تولولان وتقولان لو كان
(1) وفى نسخة: نصيب أحمش (2) وفى نسخة: صمختهم. 229 هاهنا أحد من أنفارنا قال فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر وهما هابطان قال ما لكما قالت الصابي بين الكعبة وأستارها قال فما قال لكما قالتا انه قال لنا كلمة تملأ الفم وجاء رسول الله حتى أستلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى فلما قضى صلاته قال أبو ذر فكنت أول من حياه بتحية الإسلام قال فقلت السلام عليك يا رسول الله فقال وعليك ورحمة الله ثم قال من أنت قلت من غفار قال فأهوى بيده ووضع أصابعه على جبهته فقلت في نفسي كره أنى انتميت إلى غفار فذهبت آخذ بيده فدفعني صاحبه وكان أعلم به منى ثم رفع رأسه فقال متى كنت هاهنا قال قلت قد كنت هاهنا من ثلاثين ليلة ويوم قال فمن كان يطعمك قال قلت ما كان لي طعام إلا ماء زمزم حتى تكسرت عكن بطني وما أجد على كبدي سخفة جوع قال إنها مباركة انها طعام طعم فقال أبو بكر يا رسول الله إيذن لي في اطعامه الليلة فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر وانطلقت معهما ففتح أبو بكر بابا فجعل يقبض لنا زبيب الطائف وكان ذلك أول طعام أكلته بها ثم عثرت ما عثرت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إنه قد وجهت لي أرض ذات نحل لا أراها الا يثرب فهل أنت مبلغ عنى قومك عسى الله ان ينفعهم بك ويأجرك فيهم فاتيت أنيسا فقال ما صنعت قلت ما صنعت فأنى قد أسلمت وصدقت قال ما بي رغبة عن دينك فإني قد أسلمت وصدقت فأتينا امنا فقالت ما بي رغبة عن دينكما فإني قد أسلمت وصدقت فاحتملنا حتى اتينا قومنا غفارا فأسلم نصفهم وكان يؤمهم إيماء بن رحضة وكان سيدهم وقال نصفهم إذا قدم رسول الله المدينة أسلمنا فقدم رسول الله فأسلم نصفهم الباقي وجاءت أسلم فقالوا يا رسول الله إخواننا نسلم على الذي أسلموا عليه فأسلموا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله. قال المؤلف كان أبو ذر (ره) من أعاظم الصحابة وكبرائهم الذين وفوا بما عاهدوا الله عليه وهو أحد الأركان الأربعة وكفاه شرفا ما رواه في وصيته
230 المشهورة التي أوصاه بها رسول الله حين قال له يا رسول الله بابى أنت وأمي أوصني بوصية ينفعني الله بها فقال نعم وأكرم بك يا أبا ذر انك منا أهل البيت وإني موصيك بوصية فاحفظها فإنها جامعة لطرق الخير وسبله فإنك ان حفظتها كان ذلك بها كفيلا ثم ذكر الوصية ولولا طولها وما اشترطنا على أنفسنا من الاختصار في هذا الكتاب لأوردناها. (روى) عن النبي من أراد ان ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى زهد أبي ذر. وأخرج أبو نعيم في حلية الأولياء عن زيد بن وهب وأبو علي المحمودي المروزي في أماليه انه قال صلى الله عليه وآله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وفى رواية الترمذي أصدق وأوفى من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم ثم قال عمر بن الخطاب كالحاسد يا رسول الله أفنعرف ذلك له فقال نعم فاعرفوه، وفى رواية المحمودي يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده. (وروى) عن الإمام الحسن بن علي العسكري " ع " قال حدثني أبي عن أبيه عن آبائه " ع " ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان من خيار أصحابه عنده أبو ذر الغفاري فجاء ذات يوم فقال يا رسول الله ان لي غنيمات قدر ستين شاة أكره ان أبدوا فيها وأفارق حضرتك وخدمتك وأكره ان اكلها إلى راع فيظلمها ويسئ رعايتها فكيف أصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ابدأ فيها فبدا فيها فلما كان اليوم السابع جاء إلى رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا ذر فقال لبيك يا رسول الله قال ما فعلت غنيماتك قال يا رسول الله لها قصة عجيبة فقال ما هي قال يا رسول الله بينما انا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي فقلت يا رب غنمي فأخطر الشيطان ببالي يا أبا ذر ان عدا الذئب على غنمك وأنت تصلى فأهلكها ما يبقى لك في الدنيا ما تعيش به فقلت للشيطان يبقى وجه الله والايمان بمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله
231 وموالاة أخيه سيد الخلق بعده علي بن أبي طالب وموالاة الأئمة الطاهرين من ولده ومعاداة أعدائهم وكلما فات من الدنيا بعد ذلك فجلل وأقبلت على صلاتي فجاء الذئب فأخذ حملا وذهب به إذ أقبل على الذئب أسد فقطعه نصفين واستنقذ الحمل ورده إلى القطيع ثم نادى يا أبا ذر أقبل على صلاتك فان الله وكلني بغنمك إلى أن تصلى فأقبلت على صلاتي وقد غشيني من التعجب ما لا يعلمه إلا الله فجاءني الأسد وقال لي إمض إلى محمد صلى الله عليه وآله واقرأه عنى السلام فأخبره ان الله قد أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك ووكل أسدا بغنمه يحفظها فعجب من قوله رسول الله. وحدث ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن عبيدة بن عمير الليثي عن أبي ذر قال: دخلت على رسول الله المسجد وهو جالس وحده فاغتنمت وحدته فقال يا أبا ذر ان للمسجد نحية قلت يا رسول لله وما تحيته قال ركعتان فركعتهما ثم التفتت إليه فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أنت أمرتني بالصلاة فما الصلاة قال صلى الله عليه وآله خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر قلت يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى قال الايمان بالله ثم الجهاد في سبيل الله تعالى قلت يا رسول الله أي المؤمنين أكمل ايمانا قال أحسنهم خلقا قلت يا رسول الله فأي المسلمين أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه ويده قلت فأي الهجرة أفضل قال من هجر السوء قلت فأي الليل أفضل قال جوف الليل الغابر قلت فأي الصلاة أفضل قال طول القنوت قلت فأي الصدقة أفضل قال جهد من مقل إلى فقير في سر قلت فما الصوم قال فرض مجزئ وعند الله اضعاف كثيرة قلت أي الرقاب أفضل قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قلت فأي الجهاد أفضل قال من عقر جواده واهريق دمه قلت أي آية أنزلها الله عليك أعظم قال آية الكرسي ثم قال يا أبا ذر ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة قلت يا رسول الله كم النبيون قال مائة الف وأربعة وعشرون الف نبي قلت يا رسول الله كم المرسلون قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جم
232 الغفير قلت من كان أول الأنبياء قال آدم قلت وكأن من الأنبياء مرسلا قال مكملا خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ثم قال يا أبا ذر أربعة من الأنبياء سريانيون آدم " ع " وشيث وإدريس " ع " وهو أول من خط بالقلم ونوح وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك محمد صلى الله عليه وعليهم وأول الأنبياء آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وآله وأول نبي من أنبياء بني إسرائيل موسى " ع " وآخرهم عيسى وبينهما الف نبي قلت يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب قال مائة كتاب وأربعة كتب أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشرين صحيفة وأنزل التوراة والأنجيل والزبور والفرقان قلت يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم قال أمثال كلها، أيها الملك المبتلى المغرور لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا ان يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجى فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه ويتفكر فيها صنع ربه وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال فان في هذه الساعة عونا لتلك الساعات واستجماما للقلوب وتفريغا لها، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه فان من حسب كلامه من عمله أقل الكلام إلا فيما يعنيه. وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم، قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى قال صلى الله عليه وآله كانت عبرا كلها عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن أيقن بالنار كيف (1) يضحك ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها ولمن أيقن بالقدر ثم بنصب ولمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل قلت يا رسول الله هل لك في الدنيا مما أنزل الله عليك شئ مما كان في صحف إبراهيم وموسى قال يا أبا ذر تقرأ: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ان هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) قلت يا رسول الله أوصني قال أوصيك بتقوى الله فإنه زين لأمرك كله
(1) وفى نسخة (ثم) 233 قلت يا رسول الله زدني قال عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض قلت زدني قال عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك قلت زدني قال إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه قلت زدني قال أحب المساكين ومجالستهم قلت زدني قال لا تخف في الله لومة لائم قلت زدني قال ليحجرك عن الناس ما تعلم من نفسك ولا تجد عليهم فيما يأتي ثم قال كفى بالمرء عيبا ان يكون فيه ثلاث خصال ان يعرف من الناس ما يجهل عن نفسه ويستحى لهم مهما هو فيه ويؤذى جليسه فيما لا يعنيه ثم قال يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق. قال المؤلف وإنما أوردنا هذا الحديث على طوله لما فيه من أنواع الحكم وفوائد العلم والأنباء عن الأمور الخالية والأخبار عن الأيام الماضية وفيه اعتبار لأولى الأبصار والعقول وتنبيه لذوي التمييز والفهوم. وفى معالم التنزيل لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك وقطع وادى القرى ومضى سائرا جعل يتخلف عنه الرجل فيقول دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أرى حكم الله منه حتى قيل يا رسول الله قد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره فقال دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أرى حكم الله منه وتلوم أبو ذر على بعيره فلما أبطأ أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وآله ماشيا ونزل رسول الله في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله هذا رجل يمشى في الطريق وحده فقال صلى الله عليه وآله كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هو أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله رحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده. وأخرج الكشي في رجاله عن أبي على المحمودي المروزي رفعه فقال أبو ذر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله في شأنه ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على
234 ذي لهجة أصدق من أبي ذر يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين ووصى رسول الله صلى الله عليه وآله واستخلافه إياه فنفاه القوم عن حرم الله وحرم رسوله بعد حملهم إياه من الشام على قتب بلا وطاء وهو يصيح فيهم قد خاب القطار يحمل إلى النار سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا فقتلوه فقرا وجوعا وضرا وصبرا. وعن أبي خديجة الجمال عن أبي عبد الله " ع " قال دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرئيل " ع " فقال جبرئيل من هذا يا رسول الله قال صلى الله عليه وآله أبو ذر قال اما انه في السماء أعرف منه في الأرض، وسأله عن كلمات يقولهن إذا أصبح قال فقال يا أبا ذر كلمات تقولهن إذا أصبحت فما هن قال أقول يا رسول الله اللهم إني أسألك الأيمان بك والتصديق بنبيك والعافية من جميع البلاء والشكر على العافية والغنى عن الناس. وعن موسى بن بكير قال: قال أبو الحسن " ع " قال أبو ذر من جزى الله عنه الدنيا خيرا فجزاها الله عنى مذمة بعد رغيفي شعير أتغدى بأحدهما وأتعشى بالآخر وبعد شملتي صوف أنزر بأحدهما وارتدى بالأخرى. (قال) وقال إن أبا ذر بكى من خشية الله حتى اشتكى عينيه فخافوا عليهما فقيل له يا أبا ذر لو دعوت الله في عينيك فقال انى عنهما لمشغول وما عناني أكثر فقيل له وما شغلك عنهما قال العظيمتان الجنة والنار. (قال) وقيل له عند الموت يا أبا ذر مالك قال عملي قالوا نسألك عن الذهب والفضة قال ما أصبح فلا أمسى ولا أمسى فلا أصبح لنا كندوج فيه حرمتا عنا سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول كندوج المرء قبره. قال المؤلف الكندوج بفتح الكاف وسكون النون وضم الدال المهملة وبعد الواو جيم شبه المخزن لفظ معرب.
235 وأخرج ابن بابويه في معاني الأخبار عن أنس بن مالك قال حدثنا أبو عبد الله عبد السلام بن محمد بن هارون الهاشمي قال حدثنا محمد بن عقبة الشيباني قال حدثنا أبو القسم الخضر بن أبان عن أبي هدية إبراهيم بن هدية البصري عن أنس بن مالك قال أتى أبو ذر يوما إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ما رأيت كما رأيت البارحة قالوا وما رأيت البارحة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ببابه فخرج ليلا وأخذ بيد علي بن أبي طالب " ع " وخرجنا إلى البقيع فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة فعدل إلى قبر أبيه فصلى عنده ركعتين فإذا بالقبر قد أنشق وإذا بعبد الله جالس وهو يقول انا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقال له من وليك يا أبة فقال وما الولي يا بنى فقال هو هذا على فقال إن عليا وليي قال فارجع إلى روضتك ثم عدل إلى قبر أمه آمنة فصنع كما صنع عند قبر أبيه فإذا بالقبر قد أنشق فإذا هي تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها من وليك يا أماه فقالت وما الولاية يا بنى قال هو هذا علي بن أبي طالب. فقالت إن عليا ولى فقال ارجعي إلى حضرتك وروضتك فكذبوه ولببوه وقالوا يا رسول الله كذب عليك اليوم فقال وما كان من ذلك قالوا ان جندب حكى عنك كيت وكيت فقال النبي صلى الله عليه وآله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال عبد السلام بن محمد فعرضت هذا الخبر على الجهني محمد بن عبد الأعلى فقال علمت أن النبي صلى الله عليه وآله قال أتاني جبرئيل فقال إن الله عز وجل حرم النار على ظهر أنزلك وبطن حملك وثدي أرضعك وحجر كفلك. وأخرج عن إسماعيل الفراء عن رجل قال قلت لأبي عبد الله " ع " أليس قال رسول الله في أبي ذر: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال بلى قال قلت فأين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين وابنيه الحسن والحسين " ع " قال: فقال كم السنة شهرا قال قلت أثنا عشر شهرا قال: كم
236 منها حرم قال قلت أربعة أشهر قال أشهر رمضان منها قال قلت لا قال إن في شهر رمضان ليلة أفضل من الف شهر إنا أهل بيت لا يقاس بنا أحد. وأخرج أبو بكر أحمد بن عبد العزيز عن أبي لهيعة أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وأبو ذر غائب فقدم وقد ولى أبو بكر فقال أصبتم قناعة وتركتم قرابة لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما أختلف عليكم اثنان. وأخرج الشيخ الطبرسي في الاحتجاج عن أبان بن تغلب عن الصادق جعر بن محمد " ع " ان أبا ذر قام يوم ولى أبو بكر فقال يا معاشر قريش أصبتم قناعة وتركتم قرابة والله لترتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما أختلف عليكم سيفان والله لقد صارت لمن غلب ولتطحن إليها عين من ليس من أهلها ولتسفكن في طلبها دماء كثيرة فكان كما قال أبو ذر ثم قال لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال الأمر بعدي لعلى ثم لابني الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي، فأطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به إليكم فأطعتم الدنيا الفانية وشربتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شبابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل وكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على أعقابها وغيرت وبدلت واختلفت فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وعما قليل تذوقون وبال امركم وتجزون بما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد. (وروى) الثعلبي في تفسيره من عدة طرق فمنها ما رفعه إلى عباية بن ربعي قال بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أقبل أرجل معتم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله الا وقال الرجل قال رسول الله فقال ابن عباس سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه فقال يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله بهاتين وإلا فصمتا ورأيته
237 بهاتين وإلا فعميتا يقول: على قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله اما انى صليت مع رسول الله يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا وكان على " ع " راكعا فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فاقبل إليه السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وآله فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم ان موسى سألك وقال (ربى أشرح لي صدري ويسر لي أمرى وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وأجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزرى وأشركه في أمرى) فأنزلت قرآنا ناطقا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا اللهم وانا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمرى وأجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري قال أبو ذر فما أستتم رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله فقال يا محمد اقرأ؟ قال وما أقرأ قال: (إنما وليكم الله ورسوله والذي آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). قال روى أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في كتاب المناقب وهو من مخالفي أهل البيت باسناده إلى عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت من أحب أصحابك إليك فان كان أمر كنا معه وان كانت نائبة كنا من دونه قال هذا على أقدمكم سلما وإسلاما. وروى أبو بكر بن مردويه في كتابه المشار إليه أيضا باسناده إلى داود ابن أبي عوف قال حدثني معاوية بن أبي ثعلبة الحنفي قال الا أحدثك بحديث لم يخلط قلت بلى قال مرض أبو ذر فأوصى إلى على " ع " فقال بعض من يعوده لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر كان أجمل لوصيتك من على، قال والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين " ع " والله انه لمرتع الأرض تسكن إليه ولو قد فارقكم لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض قال: قلت يا أبا ذر انا لنعلم ان أحبهم
238 إلى رسول الله أحبهم إليك قال أجل قلت فأيهم أحب إليك قال هذا الشيخ المضطهد حقه يعنى علي بن أبي طالب " ع ". وأخرج الكشي عن حذيفة بن أسيد قال سمعت أبا ذر يقول وهو متعلق بحلقة باب الكعبة انا جندب لمن عرفني وانا أبو ذر لمن لم يعرفني انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول من قاتلني في الأولى والثانية فهو في الثالثة من شيعة الدجال انما مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل سفينة نوح في لجة البحر من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ألا هل بلغت. وعن عبد الملك بن أبي ذر الغفاري قال بعثني أمير المؤمنين " ع " يوم مزق عثمان المصاحف فقال ادع أباك فجاء إليه أبى مسرعا فقال يا أبا ذر أتى اليوم في الاسلام أمر عظيم مزق كتاب الله ووضع فيه الحديد وحق على الله ان يسلط الحديد على من مزق كتابه بالحديد قال فقال أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول أهل الجبرية من بعد موسى قاتلوا أهل النبوة فظهروا عليهم فقتلوهم زمانا طويلا ثم إن الله بعث فتنة فهاجروا إلى غير آبائهم فقاتلهم فقتلوه وأنت بمنزلتهم يا علي فقال على " ع " قتلتني يا أبا ذر فقال أبو ذر لقد علمت أنه سيبدأ بك. وعن أبي سخيلة قال حججت انا وسلمان بن ربيعة فمررنا بالربذة قال فاتيت أبا ذر فسلمنا عليه فقال إن كانت بعدي فتنة وهي كائنة فعليكم بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب " ع " فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: على أول من آمن بي وصدقني وهو أول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهو الفاروق بعدي يفرق بين الحق والباطل وهو يعسوب الدين، والمال يعسوب الظلمة. وروى عن أبي جعفر " ع " قال قام أبو ذر (رض) بباب الكعبة فقال انا جندب بن جنادة الغفاري هلموا إلى أخ ناصح شفيق فاكتنفه الناس فقالوا قد روعتنا فانصح لنا فقال إن أحدكم إذا أراد سفرا لأعد له من الزاد ما يصلحه
239 فما بالكم لا تزودن لطريق القيامة وما يصلحكم فيه قالوا وكيف نتزود لذلك فقال يحج الرجل منكم حجة لعظام الأمور ويصوم يوما شديد الحر للنشور ويصلى ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور ويتصدق بصدقة على المساكين للنجاة من يوم العسير ويتكلم بكلمة حق فيجيره الله لها يوم يستجير ويسكت عن كلمة باطل ينحو بذلك من عذاب السعير يا بن آدم إجعل الدنيا مجلسين مجلسا في طلب الحلال ومجلسا للآخرة ولا ترد الثالث فإنه لا ينفعك وأجعل الكلام كلمتين كلمة للآخرة وكلمة في التماس الحلال والثالثة تضرك وأجعل مالك درهمين درهما تنفقه على عيالك ودرهما لآخرتك والثالث لا ينفعك وأجعل الدنيا ساعة من ساعتين ساعة مضت بما فيها فلست قادرا على ردها وساعة آتية لست على يقين من ادراكها والساعة التي أنت فيها ساعة عملك فاجتهد فيها لنفسك وأصبر فيها عن معاصي ربك فان لم تفعل قد هلكت. ثم قال قتلى هم لا أدركه. وروى لما توفى عبد الرحمن بن عوف قال أناس من أصحاب رسول الله إنا نخاف على عبد الرحمن فيما ترك فقال كعب وما تخافون كسب طيبا وأنفق طيبا وترك طيبا فبلغ ذلك أبا ذر رحمة الله عليه فخرج مغضبا يريد كعبا فمر فلحق عظم بعير فاخذه بيده ثم انطلق يطلب كعبا فقيل لكعب ان أبا ذر يطلبك فخرج هاربا حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر فاقبل أبو ذر يقتص الخبر في طلب كعب حتى انتهى إلى دار عثمان فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر فقال أبو ذر هاهنا يا بن اليهودية تزعم أنه لا بأس فيما ترك عبد الرحمن لقد خرج رسول الله نحو أحد وأنا معه فقال يا أبا ذر قلت لبيك يا رسول الله فقال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا عن يمينه وشماله وفوقه وخلفه وقدامه وقليل ما هم ثم قال يا أبا ذر قلت نعم يا رسول الله بابى أنت وأمي قال ما سرني أن لي مثل أحد أنفقه في سبيل الله أموت ثم أموت ولا اترك منه قيراطين ثم قال يا أبا ذر أنت تريد الأكثر وانا
240 أريد الأقل فرسول الله صلى الله عليه وآله يريد هذا وأنت يا بن اليهودية تقول لا بأس بما ترك عبد الرحمن بن عوف كذبت وكذب من قال، قال فلم يرد عليه حرفا حتى خرج. وعن جعفر بن معروف قال: حدثني الحسن بن علي بن النعمان قال حدثني أبي عن ابن حمزة عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله " ع " يقول أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له ومعهما مائتا دينار فقال لهما انطلقا إلى أبي ذر فقولا له ان عثمان يقرئك السلام ويقول لك هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك فقال أبو ذر وهل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا لا. قال إنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسع المسلمين قالا له انه يقول من طيب مالي وبالله الذي لا إله إلا هو ما خالطها حرام ولا بعثت بها إليك الا من حلال، فقال لا حاجة لي فيها وقد أصبحت يومى هذا وانا من أغنى الناس فقالا له عافاك الله وأصلحك ما نرى في بيتك قليلا ولا كثيرا مما يستمتع به فقال بلى تحت هذا الأكاف ترون رغيف شعير وقد أتى عليه أيام فما اصنع بهذه الدنانير لا والله حتى يعلم الله انى لا أقدر على قليل ولا كثير وقد أصبحت غنيا بولاية علي بن أبي طالب " ع " وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون وكذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إنه لقبيح بالشيخ ان يكون كذابا بافرداها عليه وأعلماه انه يقول لا حاجة لي فيها وفيما عنده حتى ألقى الله ربى فيكون هو الحاكم فيما بيني وبينه. وأخرج محمد بن يعقوب الكليني في الروضة عن أبي بصير عن أبي عبد الله " ع " قال: أتى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله انى قد اجتويت المدينة فتأذن لي ان أخرج وابن أخي إلى مزينة فنكون بها فقال صلى الله عليه وآله انى أخشى ان تعبر عليك خيل من العرب فيقتل ابن أخيك فتأتين شعثا فتقوم بين يدي متكئا على عصاك فتقول قتل ابن أخي واخذ السرح فقال يا رسول الله بل لا يكون إلا خيرا إن شاء الله فأذن رسول الله له فخرج هو وابن أخيه وامرأته فلم يلبثا هناك إلا يسيرا حتى غارت خيل النبي فزارة فيها عيينة بن حصين فأخذت
241 السرح وقتل ابن أخيه واخذت امرأة من بنى غفار واقبل أبو ذر يشتد حتى وقف بين يدي رسول الله وبه طعنة جائفة فاعتمد على عصاه وقال صدق الله ورسوله اخذ السرح وقتل ابن أبي ووقفت بين يديك على عصاي فصاح رسول الله صلى الله عليه وآله في المسلمين فخرجوا في الطلب وردوا السرح وقتلوا نفرا من المشركين. وأخرج في كتاب الجنائز من الكافي عن علي بن إبراهيم رفعه قال لما مات ذر ابن أبي ذر مسح أبو ذر القبر بيده ثم قال رحمك الله يا ذر والله إنك كنت بي بارا ولقد قبضت وإني عنك لراض أما والله ما بي فقدك وما على من غضاضة ومالي أحد سوى الله من حاجة ولولا هول المطلع لسرني ان أكون مكانك ولقد شغلني الحذر لك عن الحد عليك والله ما بكيت لك ولكن بكيت عليك فليت شعري ماذا قلت وما قيل لك ثم قال اللهم أنى قد وهبت له ما افترضت عليه من حقي فهب له ما افترضت عليه من حقك فأنت أحق بالحق منى. وأما خبر نفيه إلى الربذة: فاعلم أن الذي عليه أكثر أرباب السير وعلماء الاخبار والنقل ان عثمان نفى أبا ذر أولا إلى الشام ثم استقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية ثم نفاه من المدينة إلى الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام وأصل هذه الواقعة أن عثمان أعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال وأختص زيد بن ثابت بشئ منها جعل أبو ذر يقول بين الناس وفى الطرقات والشوارع (بشر الكافرين بعذاب اليم) ويرفع بذلك صوته ويتلو قوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) فرفع ذلك إلى عثمان مرارا وهو ساكت ثم انه أرسل مولى من مواليه أن أنته عما بلغني عنك فقال أبو ذر أينهاني عن قراءة القرآن كتاب الله وعيب من ترك أمر الله فوالله لان أرضى الله بسخط عثمان أحب إلى وخير لي من أن أسخط الله برضى عثمان فاغضب ذلك عثمان واحفظه فتصابر وتماسك إلى أن قال عثمان يوما والناس حوله أيجوز للأمام ان يأخذ من المال شيئا قرضا فإذا أيسر
242 قضاه فقال كعب الأحبار لا بأس بذلك فقال أبو ذر يا بن اليهودية أتعلمنا ديننا فقال عثمان قد كثر أذاك وتولعك بأصحابي الحق بالشام فأخرجه إليها فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فبعث إليه معاوية يوما ثلاثمائة دينار فقال أبو ذر لرسوله ان كانت من عطائي الذي حرمتموني إياه عامي هذا قبلتها وان كانت صلة فلا حاجة لي فيها وردها عليه ثم بنى معاوية الخضراء بدمشق فقال أبو ذر يا معاوية ان كانت هذه من مال الله فهي الخيانة وان كانت من مالك فهي الاسراف وكان أبو ذر يقول بالشام والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وآله والله انى لأرى حقا يطفأ وباطلا يحيى وصادقا مكذبا وإثرة بغير تقى وصالحا مستأثرا عليه فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية ان أبا ذر لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله ان كان لك فيه حاجة. وروى أبو عثمان الجاحظ في كتاب السفيانية عن جلام بن جندب الغفاري قال كنت عاملا لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان فجئت يوما أسأله عن حال عملي إذ سمعت صارخا على باب داره يقول أتتكم القطار تحمل النار اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له فارتاب معاوية وتغير لونه وقال يا جلام أتعرف الصارخ فقلت اللهم لا قال من عذيري من جندب بن جنادة يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت ثم قال ادخلوه على فجئ بابى ذر بين قوم يقودونه حتى وقف بين يديه فقال له معاوية يا عدو الله وعدو رسوله تأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع اما انى لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غير أذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك ولكني استأذن فيك قال جلام وكنت أحب ان أرى أبا ذر لأنه رجل من قومي فالتفت إليه فإذا رجل أسمر ضرب من الرجال خفيف العارضين في ظهره حناء فاقبل على معاوية وقال ما انا بعد والله ولا رسوله بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله أظهرتما الاسلام وأبطنتما الكفر ولقد لعنك رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا عليك أمرت
243 ان لا تشبع. سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا ولى الأمة الأعين الواسع البلعوم الذي يأكل ولا يشبع فلتأخذ الأمة حذرها منه فقال معاوية ما انا ذلك الرجل قال أبو ذر بل أنت ذلك الرجل أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله سمعته يقول وقد مررت به اللهم العنه ولا تشبعه الا بالتراب وسمعته صلى الله عليه وآله يقول است معاوية في النار فضحك معاوية وأمر بحبسه وكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان إلى معاوية ان أحمل جندبا إلى على أغلظ مركب وأوعره فوجه به مع من سار به الليل والنهار وحمله على شارف ليس عليها قتب حتى قدم به إلى المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد فلما قدم بعث إليه عثمان ان الحق بأي أرض شئت قال بمكة قال لا قال بيت المقدس قال لا قال بأحد المصرين قال لا ولكني مسيرك إلى الربذة فسيره إليها فلم يزل بها حتى مات. وفى (رواية الواقدي): ان أبا ذر لما دخل على عثمان قال له: لا أنعم الله بقين عينا * نعم ولا لقاه يوما زينا تحية السخط إذا ألقينا فقال أبو ذر رضي الله عنه: ما عرفت اسمي قينا قط، وفى رواية أخرى لا أنعم الله بك عينا يا جندب، فقال أبو ذر: انا جندب وسماني رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله فاخترت اسم رسول الله سماني على أسمى، فقال له عثمان أنت الذي تزعم إنا نقول يد الله مغلولة وان الله فقير ونحن أغنياء فقال أبو ذر لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده ولكني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباده خولا ودينه دخلا فقال عثمان لمن حضر سمعتموها من رسول الله قالوا لا قال عثمان ويلك يا أبا ذر أتكذب على رسول الله فقال أبو ذر لمن حضر ما تدرون انى صدقت قالوا لا والله ما ندري فقال عثمان أدعو لي عليا " ع " فلما جاء قال عثمان لأبي ذر أقصص عليه حديثك في بنى أبى العاص فأعاده فقال
244 عثمان لعلى " ع " أسمعت هذا من رسول الله فقال على سمعت رسول الله يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر فقال من حضر أما هذا فقد سمعناه كلنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أبو ذر أحدثكم انى سمعت هذا من رسول الله فتتهوموني ما كنت أظن انى أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمد (ص). وروى الواقدي في خبر آخر باسناده عن صهبان مولى الأسلميين قال: رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان فقال له أنت الذي قلت وفعلت فقال أبو ذر نصحتك فاستغششتني ونصحت صاحبك فاستغشني قال عثمان كذبت ولكنك تريد الفتنة وتحبها قد أنغلت الشام علينا فقال له أبو ذر أتبع سنة صاحبك لا يكن لأحد عليك ملام فقال عثمان مالك وذلك لا أم لك قال أبو ذر ما وجدت لي عذرا إلا الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فغضب عثمان وقال أشيروا على في هذا الشيخ الكذاب اما ان أضربه أو أحبسه أو أقتله فإنه قد فرق جماعة المسلمين أو أنفيه من أرض الإسلام فتكلم على " ع " وكان حاضرا فقال انى أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون فان يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ان الله لا يهدى من هو مسرف كذاب فأجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه على " ع " بمثله ولم نذكر الجوابين تذمما منهما. قال الواقدي ثم إن عثمان فطن على الناس ان يقاعدوا أبا ذر ويكلموه فمكث كذلك أياما ثم أتى به فوقف بين يديه فقال أبو ذر ويحك يا عثمان اما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت أبا بكر وعمر هل هديك كهديهم اما انك لتبطش بي بطش جبار فقال عثمان أخرج عنا من بلادنا فقال أبو ذر ما أبغض إلى جوارك قال أين أخرج قال حيث شئت قال أخرج إلى الشام أرض الجهاد قال انما جلبتك من الشام لما أفسدتها أفأردك إليها قال أخرج إلى العراق قال لا أنك أن تخرج إليها بقدم على قوم أولى شبهة وطعن على الأئمة والولاة قال فاخرج إلى
245 مصر قال لا قال فإلى أين أخرج قال إلى البادية قال أبو ذر أصير بعد الهجرة أعرابيا قال نعم قال أبو ذر فاخرج إلى بادية نجد، قال عثمان بل إلى الشرق الا بعد الأقصى فأقصى أمض على وجهك هذا فلا تعدون الربذة فخرج إليها. وروى الواقدي أيضا عن مالك ابن أبي الرجال عن موسى بن ميسرة ان أبا الأسود الدؤلي قال كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه إلى الربذة فجئته فقلت له الا تخبرني أخرجت من المدينة طائعا أم خرجت مكرها فقال كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم فأخرجت إلى المدينة فقلت دار هجرتي وأصحابي فأخرجت من المدينة إلى ما ترى ثم قال بينا انا ذات ليلة نائم في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إذ مر بي فضربني برجله وقال لا أراك نائما في المسجد فقلت بأبي أنت وأمي غلبتني عيني فنمت فيه فقال صلى الله عليه وآله فكيف تصنع إذا أخرجوك منه قلت أذن الحق بالشام فإنها أرض مقدسة وارض الجهاد قال فكيف تصنع إذا أخرجت منها قلت أرجع إلى المسجد قال صلى الله عليه وآله فكيف تصنع إذا أخرجوك منه قلت آخذ سيفي فأضربهم به فقال الا أدلك على خير من ذلك انسق معهم حيث ساقوك وتسمع وتطيع وانا اسمع وأطيع وتالله ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي وروى علي بن إبراهيم في تفسيره ان أبا ذر (رض) دخل على عثمان وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون ان يقسمها فيهم فقال أبو ذر (رض) لعثمان ما هذا المال فقال عثمان مائة ألف درهم حملت إلى من بعض النواحي أريد ان أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي فقال أبو ذر (رض) لعثمان يا عثمان أيما أكثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانير فقال بل مائة ألف درهم فقال اما تذكر انى انا وأنت دخلنا على رسول الله عشاء فرأيناه كثيبا حزينا فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام فلما أصبحنا أتينا فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له بآبائنا وأمهاتنا
246 نفديك دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا وعدنا إليك اليوم فرأيناك ضاحكا مستبشرا فقال نعم كان بقى عندي من فئ المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم فاسترحت فنظر إلى كعب الأحبار فقال له يا أبا بحر ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شئ فقال لا لو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يا بن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك حيث قال الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله الآية فقال عثمان يا أبا ذر انك شيخ خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول صلى الله عليه وآله لقتلتك فقال يا عثمان أخبرني حبيبي رسول الله فقال لا يفتنونك ولا يقتلونك واما عقلي فقد بقى منه ما أحفظ حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك وفى قومك فقال وما سمعت من رسول الله قال سمعته يقول إذا بلع آل أبي العاص ثلاثين رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دخلا وعباده خولا الفاسقين حزبا والصالحين حربا فقال عثمان يا معشر أصحاب رسول الله محمد هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله فقالوا لا فقال عثمان ادعوا عليا فجاء أمير المؤمنين " ع " فقال له عثمان يا أبا الحسن أنظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب فقال أمير المؤمنين لا تقل كذاب فإني سمعت رسول الله يقول ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر فقال أصحاب رسول الله صدق أبو ذر فقد سمعنا هذا من رسول الله فبكى أبو ذر عند ذلك فقال عثمان يا أبا ذر أسألك بحق رسول الله إلا ما أخبرتني عن شئ أسألك عنه فقال أبو ذر والله لو لم تسألني بحق رسول الله لأخبرتك فقال أي البلاد أحب إليك ان تكون فيها فقال مكة حرم الله وحرم رسوله ا عبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك فقال المدينة فقال لا ولا كرامة لك قال فسكت أبو ذر فقال عثمان أي البلاد أبغض إليك تكون فيها
247 فقال الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر صدق الله ورسوله صلى الله عليه وآله. وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة عن عبد الرزاق عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال لما خرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس ان لا يكلم أحد أبا ذر ولا يشيعه وأمر مروان بن الحكم ان يخرج به فخرج به وتحاماه الناس إلا علي بن أبي طالب وعقيلا أخاه وحسنا وحسينا وعمارا فإنهم خرجوا معه يشيعونه فجعل الحسن يكلم أبا ذر فقال له مروان أيها يا حسن ألا تعلم أن الأمير قد نهى عن كلام هذا الرجل فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك فحمل على مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته وقال تنح لحاك الله إلى النار فرجع مروان مغضبا إلى عثمان فتلظى على على " ع " ووقف أبو ذر فودعه القوم ومعه ذكوان مولى أم هاني بنت أبي طالب " ع " قال ذكوان فحفظت كلام القوم وكان حافظا فقال على " ع " يا أبا ذر انك غضبت لله ان القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى الفلا والله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا يا أبا ذر لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل ثم قال لأصحابه ودعوا عمكم وقال لعقيل ودع أخاك فتكلم عقيل فقال ما عسى أن نقول يا أبا ذر أنت تعلم انا نحبك وأنت تحبنا فاتق الله فان التقوى نجاة واصبر فان الصبر كرم واعلم أن استثقالك الصبر من الجزع واستبطانك العافية من اليأس فدع اليأس والجزع ثم تكلم الحسن " ع " فقال يا عماه لولا أنه لا ينبغي للمودع ان يسكت وللمشيع ان ينصرف لقصر الكلام وان طال الأسف وقد أتى القوم إليك ما ترى فضع عنك الدنيا بتذكر فراقها وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها واصبر حتى تلقى نبيك صلى الله عليه وآله وهو عنك راض، ثم تكلم الحسين " ع " فقال يا عماه ان الله تعالى قادر على أن يغير ما ترى والله كل يوم هو في شأن وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك فما
248 أغناك عما منعوك وأحوجهم إلى ما منعتهم فاسأل الله الصبر والنصر واستعذبه من الجشع والجزع فان الصبر من الدين والكرم وان الجشع لا يقدم رزقا والجزع لا يؤخر، أجلا ثم تكلم عمار مغضبا فقال لا آنس الله من أوحشك ولا آمن من أخافك اما والله لو أردت دنياهم لآمنوك ولو رضيت أعمالهم لأحبوك وما منع الناس ان يقولوا بقولك الا الرضا بالدنيا والجزع من الموت ومالوا إلى ما مال إليه سلطان جماعتهم والملك لمن غلب فوهبوا لهم دينهم ومنحهم القوم دنياهم فخسروا الدنيا والآخرة الا ذلك هو الخسران المبين، فبكى أبو ذر وكان شيخا كبيرا وقال رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه وآله مالي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم انى ثقلت على عثمان بالحجاز ثم ثقلت على معاوية بالشام وكره ان أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فأفسد الناس عليهما فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلا الله والله ما أريد إلا الله صاحبا ولا أخشى مع الله وحشة ورجع القوم إلى المدينة فجاء على " ع " إلى عثمان فقال له عثمان ما حملك على رد رسولي وتصغير أمرى فقال على " ع " أما رسولك فأراد ان يرد وجهي فرددته واما أمرك فلم أصغره قال أو ما بلغك نهيي عن كلام أبي ذر قال أو كلما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه قال عثمان أقد مروان من نفسك قال مم ذا قال من شتمه وجذب راحلته قال اما راحلته فراحلتي بها واما شتمه إياي فوالله لا تشتمني شتمة إلا شتمتك مثلها لا أكذب عليك فغضب عثمان وقال: لم لا يشتمك كأنك خير منه قال على " ع " أي والله ومنك ثم قام فخرج فأرسل عثمان إلى وجوه المهاجرين والأنصار والى بنى أمية يشكو إليهم عليا " ع " فقال القوم أنت الوالي عليه واصلاحه أجمل قال وددت ذلك فاتوا عليا " ع " فقالوا لو اعتذرت إلى مروان وأتيته فقال " ع ": كلا أما مروان فلا آتيه ولا اعتذر منه ولكن إن أحب عثمان أتيته فرجعوا إلى عثمان فأخبروه فأرسل عثمان إليه فاتاه ومعه بنو هاشم كلهم فتكلم على " ع " فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما ما وجدت على
249 فيه من كلام أبي ذر ووداعه فوالله ما أردت مسائتك ولا الخلاف عليك ولكن أردت به قضاء حقه وأما مروان فإنه أعترض يريد ردى عن قضاء حق الله تعالى فرددته رد مثلي مثله وأما ما كان منى إليك فإنك أغضبتني فاخرج الغضب منى ما لم أرده فتكلم عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما ما كان منك إلى فقد وهبته لك وأما ما كان منك لمروان فقد عفى الله عنك وأما ما حلفت عليه فأنت البر الصادق فادن يدك فاخذ يده فضمها إلى صدره فلما نهض قالت قريش وبنو أمية لمروان أما أنت فقد جبهك على وضرب راحلتك وقد تفانت وائل في ضرع ناقة وذبيان وعبس في لطمة فرس والأوس والخزرج في نسعه أفتحمل لعلى ما أتاه إليك فقال مروان فوالله لو أردت ذلك قدرت عليه. وروى أن عبد الله بن مسعود لما بلغه خبر نفى أبي ذر إلى الربذة وهو إذ ذاك بالكوفة قال في خطبة بمحفل من أهل الكوفة فهل سمعتم قول الله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم يعرض بذلك بعثمان فكتب الوليد بذلك لعثمان فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به الأرض وأمر باحراق مصحفه وجعل منزله حبسه وحبس عنه عطاءه أربع سنين إلى أن مات. وروى شهر ابن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم قال كنت عند أبي الدرداء إذ دخل عليه رجل من المدينة فسأله فقال أين تركت أبا ذر فقال بالربذة فقال انا لله وإنا إليه راجعون لو أن أبا ذر قطع منى عضوا ما هجيته لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيه. وروى بعض المؤرخين قال لما أمر أبو ذر بالمسير إلى الربذة سار إليها فأقام بها أياما ثم أتى المدينة فدخل على عثمان والناس عنده سماطين فقال يا أمير المؤمنين انك أخرجتني إلى أرض ليس بها زرع ولا ضرع وليس لي خادم يخدمني
250 إلا مخدرة ولا ظل يظلني إلا ظل شجرة فاعطني خادما وغنيمات أعيش بها فحول وجهه عنه فتحول إلى السماط الآخر فقال مثل ذلك فقال له حبيب بن سلمة لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمس مائة شاة فقال أبو ذر أعط خادمك والفك وشويهاتك إلى من هو أحوج منى إلى ذلك فإني إنما أسأل حقي في كتاب الله تعالى فجاء على " ع " فقال له عثمان الا تغنى عنا سفيهك هذا قال " ع " أي سفيه قال أبو ذر قال على " ع " ليس بسفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون أن يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم قال عثمان التراب في فيك قال على " ع " التراب في فيك أنشد بالله ممن سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لأبي ذر فقام أبو هريرة وغيره فشهدوا بذلك فولى على ولم يجلس. ومن كلام أبي ذر (رض) الدنيا ثلاث ساعات ساعة مضت وساعة أنت فيها وساعة لا تدرى أتدركها أم لا فلست تملك بالحقيقة إلا ساعة واحدة إذا الموت من ساعة إلى ساعة. وروى أنه قال قتلني هم يوم لم أدركه قيل وكيف ذلك يا أبا ذر قال إن أملى جاوز أجلى. وعن أبي عبد الله عن أبيه " ع " أنه قال في خطبة أبي ذر يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ومال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت إلى غيرهم، الدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره، وما بين البعث والموت إلا كنومة نمتها ثم استيقظت منها، يا جاهل العلم تعلم العلم فان قلبا ليس فيه شرف العلم كالبيت الخراب الذي لا عامر له. عن أبي جعفر " ع " عن أبي ذر أنه قال يا باغي العلم قدم لمقامك بين يدي الله فإنك مرتهن بعملك كما ندين تدان، يا باغي العلم صل قبل أن لا تقدر على ليل ولا نهار تصلى فيه، إنما مثل الصلاة لصاحبها كمثل رجل دخل على ذي سلطان فانصت
251 له حتى فرغ من حاجته وكذلك المرء المسلم بإذن الله ما دام في الصلاة لم يزل الله ينظر إليه حتى يفرغ من صلاته: يا باغي العلم تصدق قبل ان لا تعطى شيئا ولا جمعه، إنما مثل الصدقة وصاحبها مثل رجل طلبه قوم بدم فقال لهم لا تقتلوني أضربوا لي أجلا أسعى في رجالكم كذلك المرء المسلم بإذن الله كلما تصدق بصدقة حل بها عقدة من رقبته حتى يتوفى الله أقواما وهو عنهم راض ومن رضي الله عنه فقد أمن من النار: يا باغي العلم ان هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرفا ختم على فمك كما تختم على ذهبك وعلى رزقك، يا باغي العلم ان هذه الأمثال ضربها الله للناس وما يلعقها إلا العالمون. وأخرج الكشي عن حلام بن أبي ذر الغفاري وكانت له صحبة قال مكث أبو ذر (ره) بالربذة حتى مات فلما حضرته الوفاة قال لامرأته إذبحي شاة من غنمك فاصنعيها فإذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق فأول ركب تريهم قولي يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى نحبه ولقى ربه فأعينوني عليه وأجيبوه فان رسول الله أخبرني انى أموت في أرض غربة وأنه يلي غسلي ودفني والصلاة على رجال من أمتي صالحون. وعن محمد بن علقمة الأسود النخعي قال خرجت في رهط أريد الحج منهم مالك بن الحرث الأشتر وعبد الله بن الفضل التميمي ورفاعة بن شداد البجلي حتى قدمنا الربذة فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد هلك غريبا ليس له أحد يعينني عليه قال فنظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على ما ساق إلينا واسترجعنا على عظم المصيبة ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء وتعاونا على غسله حتى فرغنا منه ثم قدمنا مالك الأشتر فصلى عليه ثم دفناه فقام الأشتر على قبره ثم قال اللهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين لم يغير ولم يبدل لكنه رأى منكرا فغيره بلسانه وقلبه حتى جفي ونفى
252 وحرم وأحتقر ثم مات وحيدا غريبا اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجرة حرم الله وحرم رسول الله قال فرفعنا أيدينا جميعا وقلنا آمين فقدمت الشاة التي صنعت فقالت أنه أقسم عليكم ان لا تبرحوا حتى تتغدوا فتغدينا وارتحلنا. وذكر أبو عمرو بن عبد البر في كتاب الاستيعاب قال لما حضرت أبا ذر الوفاة وهو بالربذة بكت زوجة أبي ذر فقال ما يبكيك فقالت ما لي لا أبكى وأنت تموت بفلاة من أرض وليس عندي ثوب يسعك كفنا ولا بد لي من القيام بجهازك فقال أبشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله يقول لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فلا يريان النار أبدا وقد مات لنا ثلاثة من الولد وسمعت أيضا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لنفر أنا فيهم ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة وانا لا أشك أنى ذلك الرجل والله ما كذب ولا كذبت فانظري الطريق قالت أم ذر فقلت أنى وقد ذهب الحاج وتقطعت الطريق فقال: اذهبي وتبصري قالت فكنت أشتد إلى الكثيب فاصعد وأنظر ثم أرجع إليه فأمرضه فبينما انا وهو على هذه الحالة إذ أنا برجال على ركابهم كأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم فأسرعوا إلى حتى وقفوا على وقالوا يا أمة الله مالك فقلت أمرؤ من المسلمين يموت تكفنونه قالوا ومن هو؟ قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قلت نعم قالت ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه فقال: إني أبشروا سمعت رسول الله يقول لنفر أنا فيهم ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر الا وقد هلك في قرية وجماعة والله ما كذبت ولا كذبت ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم لم أكفن إلا في ثوب هو لي ولها وأنشدكم الله أن ألا يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا أو نقيبا قالت وليس في أولئك النفر إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار قال له انا أكفنك يا عم في ردائي هذا وفى ثوبين معي
253 في عيبتي من غزل أمي فقال أبو ذر أنت فكفني فمات فكفنه الأنصاري. قال أبو عمرو كان النفر الذين حضروا موت أبي ذر بالربذة مصادفة جماعة منهم حجر بن الأدبر ومالك بن الحارث الأشتر (ره). قلت: حجر بن الأدبر هو حجر بن عدي الذي قتله معاوية وهو من أعلام الشيعة وعظمائها وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. وفى معالم التنزيل: ان أبا ذر ره لما أخرجه عثمان إلى الربذة فأدركته بها منيته ولم يكن أحد معه إلا امرأته وغلامه فأوصاهما ان اغسلاني وكفناني ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولا له هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فأعينوني على دفنه فلما مات فعلا فاقبل عبد الله بن مسعود في رهط من العراق فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطأها وقام إليه الغلام وقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فأعينوني على دفنه فاستهلت عين ابن مسعود يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وآله تمشى وحدك وتموت وحدك ونبعث وحدك ثم نزل هو وأصحابه فواروه بالتراب ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله في مسيره إلى تبوك وكانت وفاة أبي ذر (ره) في سنة إحدى وقيل اثنين وثلاثين من الهجرة في خلافة عثمان. والغفاري بكسر الغين المعجمة وفتح الفاء بعد الألف راء مهملة إلى بنى غفار على وزن كتاب وهو غفار بن مليل بن ضمرة بطن من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. والربذة: التي نفى إليها أبو ذر هي بفتح الراء المهملة والباء الموحدة والذال المعجمة على وزن قصبة، قال في القاموس هي مدفن أبي ذر الغفاري قرب المدينة وقال الفيومي في المصباح هي قرية كانت عامرة في صدر الإسلام وبها قبر أبي ذر الغفاري وهي في وقتنا هذا دارسة لا يعرف بها رسم وهي من المدينة في جهة الشرق على طريق الحاج نحو ثلاثة أيام هكذا أخبرني به جماعة من أهل المدينة
254 في سنة ثلاثة وعشرين وسبعمائة. (أبو اليقظان عمار) بعين مهملة مفتوحة فميم مشددة فراء ابن ياسر بمثناة تحتية وبعد الألف سين مهملة وراء. ابن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن الوذيم بفتح الواو كسر الذال المعجمة وبعدها ياء مثناة تحتية وآخره ميم ويقال الوذين بالنون ابن تغلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بمثناة تحتية على وزن سام بن عنس بفتح العين المهملة وسكون النون وبعدها سين مهملة ابن مالك وهو مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب المذحجي العنسي مولى بنى مخزوم. قال أبو عمرو في كتاب الاستيعاب كان ياسر والد عمار بن ياسر عربيا قحطانيا من عنس في مذحج الا ان ابنه عمار كان مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسر قدم مع أخوين له يقال لهما الحرث ومالك في طلب أخ لهم رابع فرجع الحرث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومي فزوجه أبوه حذيفة أمة له يقال لها سمية فأولدها عمارا فمن هاهنا كان عمار مولى بنى مخزوم وأبوه عربي قحطاني لا يختلفون في ذلك وللحلف والولاء الذي بين بنى مخزوم وعمار وأبيه ياسر كان اجتماع بنى مخزوم على عثمان حين نال غلمان عثمان من عمار ما نالوا من الضرب حتى ناله فتق في بطنه وكسروا ضلعا من أضلاعه فاجتمعت بنوا مخزوم وقالوا والله لئن مات لقتلنا به أحدا غير عثمان. وكان عمار رضي الله عنه آدم طويلا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين لا يغير شيبته. قال أبو عمر ولم يزل عمار مع حذيفة بن المغيرة حتى مات وجاء الله بالاسلام فأسلم عمار وعبد الله أخوه وياسر أبوهما وسمية أمهما وكان إسلامهم
255 قديما في أول الإسلام. وقال غيره أسلم عمار بعد بضعة وثلاثين رجلا والنبي في دار الأرقم بن أبي الأرقم وكان يعذب هو وأخوه وأبوهما وأمهما في الله عذابا عظيما وكان رسول الله يمر بهم وهم يعذبون فيقول صبرا يا آل ياسر فان موعدكم الجنة ويقول لهم صبرا يا آل ياسر اللهم أغفر لآل ياسر وقد فعلت وكانت سمية أم عمار من الخيرات الفاضلات وهي أول شهيدة في الاسلام وقد كانت قريش أخذت ياسرا وسمية وابنيهما وبلال وجنابا وصهيبا فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ فاعطوهم ما سألوا من الكفر وسب النبي صلى الله عليه وآله بألسنتهم واطمأن الأيمان في قلوبهم ثم جاء إلى كل واحد منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فالقوهم فيها ثم حملوا بجوانبها فلما كان العشى جاء أبو جهل فجعل يشتم سمية ويرفث ثم وجأها بحربة في قلبها فماتت وهي أول من أستشهد في الاسلام فقال عمار للنبي صلى الله عليه وآله يا رسول الله بلغ العذاب من أمي كل مبلغ فقال صبرا يا أبا اليقظان اللهم لا تعذب أحدا من آل ياسر بالنار وفيهم انزل (ألا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان). قال أبو عمرو: هذا مما أجمع أهل التفسير عليه. وهاجر عمار مع النبي إلى المدينة فكان من المهاجرين الأولين وصلى القبلتين وشهد بدرا والمشاهد كلها وأبلى بلاء حسنا وأختلف في هجرته إلى الحبشة فقال أبو عمرو أنه هاجر إليها وقيل لم يهاجر. روى ابن عباس أنه قال في قوله تعالى (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس) انه عمار بن ياسر (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) أنه أبو جهل بن هشام. وعن علي " ع " قال: أستأذن عمار على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ائذنوا له مرحبا بالطيب ابن الطيب.
256 وعنه " ع " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه. وعن خالد بن الوليد قال كان بيني وبين عمار كلام فاغلظت له فشكاني إلى رسول الله فقال من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الجنة تشتاق إلى ثلاثة على وعمار وسلمان. وعن علي " ع " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله دم عمار ولحمه وعظمه حرام على النار. وعن عائشة أنها قالت ما من أحد من أصحاب رسول الله أشاء إن أقول فيه إلا قلت إلا عمار بن ياسر انى سمعت رسول الله يقول عمار ملئ ايمانا إلى أخمص قدميه. قال عبد الرحمن بن أبزى شهدنا مع علي " ع " صفين ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منا ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر (رض). روى الأعمش عن أبي عبد الرحمن السلمي قال شهدنا مع علي صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله يتبعونه كأنه علم لهم. وروى أن مسعود البدوي وطائفة قالوا لحذيفة حين أحتضر وقد ذكر الفتنة إذا أختلف الناس فبمن تأمر قال عليكم بابن سمية فإنه لن يفارق الحق حتى يموت أو قال فإنه يزول مع الحق حيث زال. قال أبو عمرو بعضهم يجعل هذا الحديث عن حذيفة مرفوعا. وعن أبانة العكبري عن النبي صلى الله عليه وآله ما خير عمار بين أمرين الا أختار أشدهما. وعن أبي بكر بن عياش في قوله تعالى (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) قال عمار. وروى أبو بكر بن مردويه في كتابه والواحدي في أسباب النزول قال
257 ابن عباس وقتادة لما هاجر النبي أسر أبو جهل عمارا وجعل يمسح رأسه وعفره وبقر بطن أمه وجعل يقول سب محمدا أو لأقتلنك فسبه ونجا وهرب فقال قومه عند النبي كفر عمار فقال النبي أن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الأيمان بلحمه ودمه، وجاء عمار إلى النبي باكيا فقيل له كيف أفلت قال وكيف يفلت من يسب رسول الله صلى الله عليه وآله ويذكر آلهتم بخير فجعل النبي يمسح عينيه ويقول إن عادوا لك فعد لهم بما قلت فجاء جبرئيل " ع " يقول (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان). وعن أحمد بن يونس قال سمعت أبا بكر بن عياش في قوله (امن هو قانت آناء الليل ساجدا) قال ساعات الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قال عمار (هل يستوي الذي يعلمون) قال عمار (والذين لا يعلمون) قال مواليه بنى المغيرة. وأخرج الكشي في رجاله عن فضيل الرسان قال سمعت أبا داود وهو يقول حدثني بريدة الأسلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الجنة تشتاق إلى ثلاثة قال فجاء أبو بكر فقيل له يا أبا بكر أنت الصديق وأنت ثاني اثنين إذ هما في الغار فلو سألت رسول الله صلى الله عليه وآله من هؤلاء الثلاثة قال أنى أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو تيم قال ثم جاء عمر فقيل له يا أبا حفص ان رسول الله قال إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة وأنت الفاروق أنت الذي ينطق الملك على لسانك فلو سألت رسول الله من هؤلاء الثلاثة فقال انى أخاف ان أسأله فلا أكون منهم فيعيرني بذلك بنو عدى ثم جاء على " ع " فقيل له يا أبا الحسن ان رسول الله قال إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة فلو سألته من هؤلاء الثلاثة فقال " ع " أسأله أن كنت منهم حمدت الله فان لم أكن منهم حمدت الله قال: فقال على " ع " يا رسول الله أنك قلت إن الجنة لتشتقاق إلى ثلاثة فمن هؤلاء قال أنت منهم وأنت أولهم وسلمان الفارسي فإنه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك وعمار بن ياسر يشهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها إلا وهو فيها كثير خيره ضيئ نوره عظيم أجره.
258 وعن جعفر بن معروف قال حدثنا الحسن بن علي بن نعمان عن أبيه عن صالح الحذاء قال لما أمر النبي ببناء المسجد قسم عليهم المواضع إلى كل رجل رجلا فضم عمار إلى على " ع " فبينا هم في علاج البناء إذ خرج عثمان عن داره وارتفع الغبار فتمنع بثوبه وأعرض بوجهه قال: فقال على " ع " لعمار إذا قلت شيئا فرد على قال: فقال عليه السلام من كلامه: لا يستوي من يعمر المساجدا * يظل فيها راكعا وساجدا ومن يرى عن الطريق حائدا قال فأجابه عمار كما قال فغضب عثمان من ذلك فلم يستطع ان يقول لعلى شيئا فقال لعمار يا عبد يا لكع ومضى فقال على " ع " لعمار هنيت بما قال لك الا تأتى النبي فتخبره قال فاتاه فأخبره فقال يا نبي الله ان عثمان قال لي يا لكع فقال رسول الله من يعلم ذلك قال على " ع " قال فدعاه وسأله فقال له كما قال عمار فقال لعلى أذهب فقل له حيث ما كان يا عبد يا لكع أنت القائل لعمار يا عبد يا لكع فذهب علي عليه السلام فقال له ذلك فانصرف. وعن علي بن عقبة عن رجل عن أبي عبد الله " ع " قال كان رسول الله وعلى " ع " وعمار يعملون مسجدا فمر عثمان في بزة له يخطر فقال على أرجز به فقال عمار: لا يستوي من يعمر المساجدا * يظل فيه راكعا وساجدا ومن تراه عائدا معاندا * عن الغبار لا يزال حائدا قال فإني النبي (ص) فقال ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا فقال رسول الله أفتمنن بذلك فنزلت آيتان يمنون عليك إن أسلموا الآية ثم قال النبي صلى الله عليه وآله لعلى " ع " اكتب هذا في صاحبك ثم قال النبي اكتب هذه الآية. انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله. وعن محمد بن أحمد بن حماد المروزي قال عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ألقته قريش في النار يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم فلم يصبه
259 منها مكروه وقتلت قريش أبويه ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول صبرا يا آل ياسر موعدكم الجنة ما تريدون من عمار، عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان عمار عمار جلدة بين عيني وأنفي تقتله الفئة الباغية. وهو أول من بنى مسجدا لله تعالى في الإسلام بنى مسجد قبا وكان الناس في بناء المسجد النبوي ينقلون لبنة لبنة وهو ينقل لبنتين لبنتين فغشى عليه فاتاه رسول الله فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول ويحك يا بن سمية الناس ينقلون لبنة لبنة وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة في الآخرة. وعن حبيب بن أبي ثابت قال لما بنى المسجد جعل عمار يحمل حجرين حجرين فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا اليقظان الا تشفق على نفسك قال يا رسول الله أنى أحب أن أعمل في هذا المسجد قال ثم مسح ظهره ثم قال أنك من أهل الجنة تقتلك الفئة الباغية. وعن مجاهد قال رآهم وهم يحملون حجارة المسجد فقال رسول الله مالهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وتلك دار الأشقياء والفجار. وروى الطبرسي في الاحتجاج عن أبان بن تغلب عن الصادق " ع " ان عمار بن ياسر قام حين تولى الخلافة أبو بكر فقال يا معاشر قريش يا معاشر المسلمين ان كنتم علمتم والا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بارئه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته فمروا صاحبكم ليرد الحق إلى أهله قبل ان يضطرب حبلكم ويضعف امركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويبلغ فيكم عدوكم فقد علمتم ان بنى هاشم أولى بهذا الأمر منكم وعلى " ع " من بينهم وليكم بعهد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه وإيثاره إياه بكريمته فاطمة " ع " دون من خطبها إليه منكم وقوله صلى الله عليه وآله انا مدينة الحكمة وعلى بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها وأنكم جميعا مضطرون فيما أشكل
260 عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ماله من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه فمالكم تحيدون عنه وتغيرون على حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة بئس للظالمين بدلا أعطوه ما جعله الله له ولا تولوا عنه مدبرين ولا ترتدوا على (1) أدباركم فتنقلبوا خاسرين. وشهد عمار قتال اليمامة في زمن أبى بكر فأشرف على صخرة وقال يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون إلى إلى أنا عمار بن ياسر وقطعت أذنه وهو يقاتل أشد قتال. واستعمله عمر على الكوفة وكتب معه إليهم كتابا مضمونه أنى بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا وابن مسعود معلما ووزيرا وأنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله من أهل بدر فاسمعوا لهما واقتدوا بهما وقد آثرتكم بهما على نفسي. وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال رأيت عمارا وقد اشترى قتا بدرهم فاستزاد حبلا فأبى فجاذبه حتى قسمه نصفين وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة فقيل لعمران عمارا لا يحسن السياسة فعزله فلما ورد عليه قال له أساءك عزلنا إياك قال لئن قلت ذاك لقد سائني حين استعملتني وساءني حين عزلتني. وعن سالم بن أبي الجعد أن عمر جعل عطاء عمار ستة آلاف. وروى الجوهري قال قام عمار يوم بويع عثمان فنادى يا معشر المسلمين إنا قد كنا وما كنا نستطيع الكلام قلة وذلة فأعزنا الله بدينه وأكرمنا برسوله فالحمد لله رب العالمين يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم تحولونه هاهنا مرة وهاهنا مرة ما أنا امن أن ينزعه الله منكم ويضعه في غيركم كما زعمتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله فقال له هشام بن المغيرة يا بن سمية لقد عدوت طورك وما عرفت قدرك ما أنت وما رأت قريش لأنفسها أنك لست في شئ من أمرها وإمارتها فتنح عنها وتكلمت قريش بأجمعها فصاحوا بعمار فانتهروه فقال
(1) في نسخة: على أعقابكم 261 الحمد لله رب العالمين ما زال أعوان الحق أذلاء ثم قام فانصرف. قال الشعبي وأقبل عمار ينادى ذلك اليوم: يا ناعي الإسلام قم فانعه * قد مات عرف وبدا منكر أما والله لو أن لي أعوانا لقاتلهم والله لأن قاتلهم واحد لأكونن له ثانيا فقال على " ع " يا أبا اليقظان والله لا أجد عليهم أعوانا ولا أحب ان أعرضكم لما لا تطيقون. وروى عياش بن هشام الكلبي عن أبي مخنف في أسناده انه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلى وجوهر فاخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكل كلام شديد حتى أغضبوه فخطب فقال لنا خذن حاجتنا من هذا الفئ وان رغمت به أنوف أقوام فقال علي عليه السلام اذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه فقال عمار أشهد الله ان أنفى أول راغم من ذلك فقال عثمان أعلى يا بن ياسر تجترئ خذوه فأخذوه ودخل عثمان فدعا به وضربه حتى غشى عليه ثم أخرج فحمل حتى أتى به منزل أم سلمة (ره) فلم يصل الظهر والعصر والمغرب فلما أفاق توضأ وصلى وقال الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله تعالى فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان عمار حليفا لبني مخزوم يا عثمان أما على فاتقيته وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف اما والله لئن مات لأقتلن به رجلا من بنى أمية عظيم الشأن فقال عثمان وانك لها هنا يا بن القسرية قال فإنهما قسريتان - وكانت أم هشام وجدته قسريتين من نخلة - فشتمه عثمان وأمر به فاخرج فأتى به أم سلمة فإذا هي غضبت لعمار وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت أيضا وأخرجت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وفعلا من نعاله وثوبا من ثيابه وقالت لأسرع ما تركتم من سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد. وروى آخرون ان السبب في ضرب عثمان لعمار انه مر بقبر جديد فسأل
262 عنه فقيل عبد الله بن مسعود فغضب عثمان على عمار لكتمانه إياه موته إذ كان المتولي للصلاة عليه والقيام بشأنه وعندها وطأه عثمان حتى أصابه الفتق. وروى آخرون ان المقداد وعمار وطلحة والزبير وعدة من أصحاب رسول الله اجتمعوا وهم خمسون رجلا من المهاجرين والأنصار فكتبوا كتابا عددوا أحداث عثمان وما نقموا عليه وخوفوه به وأعلموه أنهم مواثبوه ان لم يقلع وقالوا لعمار أوصل هذا الكتاب لعثمان حتى يقرأه فلعله أن يرجع عن هذا الذي ننكره فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه ثم قال أعلي تقدم من بينهم فقال لأني أنصحهم لك قال كذبت يا بن سمية فقال عمار انا ابن ياسر فامر عثمان غلمانه فمدوا بيديه ورجليه وضربوه حتى أغمي عليه وكان ضعيفا كبيرا وقام إليه عثمان بنفسه ووطئ بطنه ومذاكيره برجليه وهما في الخفين حتى أصابه الفتق فأغمي عليه أربع صلوات فقضاها بعد الإفاقة فاتخذ لنفسه ثيابا تحت ثيابه وهو أول من لبس الثياب تحت الثياب لأجل الفتق فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات عمار من هذا لنقتلن من بنى أمية شيخا عظيما يعنون عثمان ثم إن عمارا الزم بيته إلى أن كان من قتل عثمان ما كان. أخرج الشيخ الطوسي (ره) في أماليه باسناده عن أبي نجية قال سمعت عمار بن ياسر يعاتب أبا موسى الأشعري ويوبخه على تأخره عن علي بن أبي طالب " ع " وقعوده عن الدخول في بيعته ويقول له يا أبا موسى ما الذي أخرك عن أمير المؤمنين " ع " فوالله لئن شككت فيه لتخرجن عن الإسلام وأبو موسى يقول لا تفعل ودع عتابك لي فإنما انا أخوك فقال له عمار (رض) ما انا لك باخ أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يلعنك ليلة العقبة وقد هممت مع القوم بما هممت فقال له أبو موسى أفليس قد أستغفر لي قال عمار قد سمعت اللعن ولم أسمع الاستغفار. وعن أبي مخنف قال لما نزل أمير المؤمنين ذا قار وقد خرج عليه طلحة والزبير بعث ابنه الحسن " ع " وعمار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد
263 ابن عبادة ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة فاقبلوا حتى كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس فلما دخلوا الكوفة قرأوا كتاب على " ع " وهو من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين أما بعد فإني خرجت مخرجي هذا إما ظالما وإما مظلوما وإما باغيا وإما مبغيا على فأنشد الله رجلا بلغه كتابي هذا الا نفر إلى فان كنت مظلوما أعانني وان كنت ظالما استعتبني والسلام. قال أبو مخنف فحدثني موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال أقبلنا مع الحسن " ع " وعمار بن ياسر من ذي قار حتى نزلنا القادسية فنزل الحسن وعمار ونزلنا معهما فاحتبى عمار بحمائل سيفه ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم ثم سمعته يقول ما تركت في نفسي حزة أهم إلى من أن لا يكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار فلما دخل الحسن " ع " وعمار الكوفة أجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس. قال أبو مخنف حدثني جابر بن زيد قال حدثني تميم بن حذيم الناجي قال قدم علينا الحسن " ع " ابن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس إلى على " ع " ومعهما كتابه فلما فرغا من قرائة كتابه قام الحسن وهو فتى حدث السن فقال أبى والله لأرثي له من حداثة سنه وصعوبة مقامه فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود فتساند إليه وكان عليلا من شكوى به فقال الحمد لله العزيز الجبار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء وعلى ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله من علينا بنبوته وخصه برسالته وأنزل عليه وحيه واصطفاه على جميع خلقه وأرسله إلى الجن والإنس حين عبدت الأوثان وأطيع الشيطان وجحد الرحمن فصلى الله على محمد وآله وجزاه أفضل ما جزى المسلمين أما بعد فإني لا أقول لكم الا ما تعرفون ان أمير المؤمنين
264 علي بن أبي طالب " ع " أرشد الله امره وأعز نصره بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب والى العمل بالكتاب والجهاد في سبيل الله وان كان في عاجل ذلك ما تكرهون فان في آجله ما تحبون إن شاء الله تعالى وقد علمتم ان عليا " ع " صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وحده وانه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه ثم شهد معه جميع مشاهده وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم ولم يزل رسول الله عنه راض حتى غمضه وغسله وحده والملائكة أعوانه والفضل به عمه ينقل إليه الماء ثم أدخله حضرته وأوصاه بقضاء دينه وعداته وغير ذلك من أموره كل ذلك من من الله عليه والله ما دعا إلى نفسه ولقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند وردها فبايعوه طائعين ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ولا خلاف اتاه حسدا وبغيا عليه فعليكم عباد الله بتقوى الله والجد والصبر والاستعانة بالله والحقوا إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين " ع " عصمنا الله وإياكم بما عصم أولياءه وأهل طاعته وألهمنا وإياكم تقواه وأعاننا وإياكم على جهاد أعدائه واستغفر الله العظيم لي ولكم، ثم مضى إلى الرحبة فهيأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين عليه السلام. قال جابر قلت لتميم كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه فقال ولما سقط عنى من قوله أكثر ولقد حفظت بعض ما سمعت، قال أبو مخنف ولما فرغ الحسن بن علي " ع " من. خطبته قام عمار فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال أيها الناس أخو نبيكم وابن عمه يستنفركم لنصر دين الله وقد بلاكم الله بحق دينكم وحرمة إمامكم فحق دينكم أوجب وحرمة إمامكم أعظم أيها الناس عليكم بامام لا يؤدب وفقيه لا يعلم وصاحب بأس لا ينكل في ذي سابقة في الإسلام ليست لأحد وانكم لو حضرتموه بين لكم امركم إن شاء الله تعالى، قال فلما بلغ أبو موسى خطبة الحسن " ع " وعمار قام فصعد المنبر وقال الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وآله فجمعنا بعد الفرقة وجعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة وحرم
265 علينا دماءنا وأموالنا قال الله تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) فاتقوا الله وضعوا أسلحتكم وكفوا عن قتال إخوانكم اما بعد يا أهل الكوفة ان تطيعوا الله باديا وتطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المضطر ويأمن فيكم الخائف ان عليا انما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة وطلحة والزبير حواري رسول الله صلى الله عليه وآله ومن معهم من المسلمين وانا اعلم منكم بهذه الفتن انها أقبلت اشبهت وإذا أدبرت أسفرت انى أخاف عليكم ان يلتقي غاران منكم فيقتتلان ثم يتركان كالأحلاس الملقاة بنجوة من الأرض ثم تبقى رجرجة من الناس لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر انها قد جائتكم فتنة لا يدرى من أين تؤتى تترك الحليم حيران كأن اسمع رسول الله صلى الله عليه وآله بالأمس يذكر الفتن فيقول أنت فيها نائما خير منك قائما وأنت فيها قائما خير منك ساعيا فشلوا سيوفكم وقصروا رماحكم ونصلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم وخلوا قريشا يرتق فتقها ويرأب صدعها فان فعلت فلأنفسها ما فعلت وان أبت فعلى أنفسها ما جنت وتصلى هذه الفتنة من جناها، فقام إليه عمار بن ياسر (ره) فقال أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك فقال نعم هذه يدي بما قلت فقال إن كنت صادقا فإنما عناك بذلك وحدك واتخذ عليك الحجة فالزم بيتك ولا تدخلن في الفتنة اما انى اشهد ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر عليا " ع " بقتال الناكثين وسمى له فيهم من سمى وأمره بقتال القاسطين وان شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون ان رسول الله صلى الله عليه وآله انما نهاك وحدك وحذرك من الدخول في الفتنة ثم قال له اعط يدك على ما سمعت فمد يده فقال له عمار غلب الله من غابه وجاحده ثم جذبه فنزل عن المنبر. وروى فروة بن الحرث التميمي قال كنت اعتزل الحرب بوادي السباع مع الأحنف بن قيس وخرج ابن عم لي يقال له جون مع عسكر البصرة فنهيته فقال لا أرغب بنفسي عن نصرة أم المؤمنين وحواري رسول الله فخرج معهم
266 فإني لجالس مع الأحنف نستنشي الأخبار إذا بجون بن قتادة ابن عمى مقبلا فقمت إليه فاعتنقته وسألته عن الخبر فقال أخبرك العجب خرجت وانا لا أريد أن أبرح الحرب حتى يحكم الله بين الفريقين فبينا انا واقف مع الزبير إذ جاءه رجل فقال ابشر أيها الأمير فان عليا لما رأى ما أعد الله من هذا الجمع نكص على عقبيه وتفرق عنه أصحابه وأتاه آخر فقال له مثل ذلك فقال له الزبير ويحكم أبو الحسن يرجع والله لو لم يجد الا العرفج لدان إلينا فيه ثم أقبل رجل فقال أيها الأمير ان نفرا من أصحاب على فارقوه ليداخلو معنا منهم عمار بن ياسر فقال الزبير كلا ورب الكعبة ان عمارا لا يفارقه ابدا فقال الرجل بلى والله مرارا فلما رأى الزبير ان الرجل ليس راجعا عن قوله بعث معه رجلا آخر وقال اذهبا فانظرا فعادا وقالا ان عمارا قد اتاك رسولا من عند صاحبه قال جون فسمعت والله الزبير يقول وانقطاع ظهراه وا جدع أنفاه واسوداد وجهاه ويكرر ذلك مرارا ثم أخذته رعدة شديدة فقلت والله ان الزبير ليس بجبان وأنه لمن فرسان قريش المذكورين وان لهذا الكلام لشأنا لا أريد ان أشهد مشهدا يقول أميره هذه المقالة فرجعت إليكم ولم يكن إلا قليلا حتى مر الزبير بنا تاركا للقوم فاتبعه عمر ابن جرموز فقتله. وأخرج الشيخ الطوسي في أماليه عن موسى بن عبد الله الأسدي قال لما انهزم أهل البصرة أمر علي بن أبي طالب " ع " ان تنزل عائشة قصر بنى خلف فلما نزلت جائها عمار بن ياسر فقال لها يا أمه كيف رأيت ضرب بنيك دون دينهم بالسيف فقالت استبصرت يا عمار من أجل انك غلبت قال انا أشد استبصارا من ذلك اما والله لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على لحق وانكم على الباطل فقالت له عائشة أهكذا يخيل لك أتق الله يا عمار فان سنك قد كبر ودق عظمك وفنى أجلك وأذهبت دينك لابن أبي طالب فقال عمار أنى والله اخترت لنفسي في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فرأيت أن عليا أقرأهم لكتاب الله
267 وأعلمهم بتأويله وأشدهم تعظيما لحرمته وأعرفهم بالسنة مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وعظم عنائه وبلائه في الإسلام فسكتت. (وروى) نصر بن مزاحم في كتاب (صفين) قال: لما أراد أمير المؤمنين " ع " المسير إلى الشام استشار من معه من المهاجرين والأنصار فقام عمار بن ياسر فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أمير المؤمنين أن استطعت ان لا تقيم يوما فافعل أشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وادعهم إلى حظهم ورشدهم فان قبلوا سعدوا وان أبوا إلا حربنا فوالله ان سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وكرامة منه. وأخرج الطوسي (ره) في أماليه باسناده عن الحسين بن أسباط الصيدي قال سمعت عمار بن ياسر (ره) يقول عند توجهه إلى صفين اللهم لو اعلم أنه أرضى لك ان أرمى بنفسي من فوق هذا الجبل لرميت بها ولو أعلم أنه أرضى لك أن أوقد لنفسي نارا فأقع فيها لفعلت وإني لا أقاتل أهل الشام إلا وانا أريد بذلك وجهك وانا أرجو أن لا تخيبني وانا أريد وجهك الكريم. وروى قال خرج في اليوم الثالث من أيام صفين عمار بن ياسر وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كاشد القتال وجعل عمار يقول يا أهل الإسلام تريدون ان تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين فلما أراد الله ان يظهر دينه ويظهر رسوله أتى النبي صلى الله عليه وآله وهو والله فيما نر راهب غير راغب وقبض الله ورسوله لنعرفه وهو معروف بعداوة المسلم ومودة المجرم فالعنوه لعنه الله وقاتلوه فإنه ممن يطفي نور الله ويظاهر أعداء الله وكان مع عمار زياد بن النصر على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل فحمل في الخيل وصبروا له وشد عمار في الرجال فأزالوا عمرو بن العاص عن موقعه. وروى عن حبيب بن ثابت قال لما كان قتال صفين قال رجل لعمار يا أبا اليقظان ألم تقل قال رسول الله قاتلوا الناس حتى يسلموا فإذا أسلموا عصموا منى
268 دماؤهم وأموالهم قال بلى ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا. وروى أيضا باسناده عن جندب بن عبد الله قال قام عمار بن ياسر بصفين فقال أمضوا عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله إنما قتله الصالحون المنكرون العدوان الآمرون باحسان فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين لم قتلتموه فقلنا لإحداثه فقالوا ما أحدث شيئا وذلك لأنه مكنهم من دار الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدمت عليهم الجبال والله ما أظنهم يطلبون دمه انهم ليعلمون أنه الظالم ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرئوها وعلموا لو أن الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يرعون فيه منها ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام ليستحقوا فيها طاعة الله والولاية فخدعوا اتباعهم أن قالوا قتل إمامنا مظلوما ليكونوا بذاك جبابرة ملوكا وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعه من الناس رجل اللهم ان تنصر يا فطال ما نصرت وان تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم ثم مضى ومضى معه أصحابه فلما دنى من عمرو بن العاص قال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك فطال ما بغيت الإسلام عوجا ثم حمل عمار وهو يقول: صدق الله وهو للصدق أهل * وتعالى ربى وكان جليلا رب عجل شهادة لي بقتل * في الذي قد أحب قتلا جميلا مقبلا غير مدبر ان للقتل * على كل ميتة تفضيلا انهم عند ربهم في جنان * يشربون الرحيق والسلسبيلا من شراب الأبرار خالطه المسك وكأسا مزاجها زنجبيلا ثم نادى عمار عبيد الله بن عمر، وذلك قبل مقتله فقال يا بن عمر صرعك الله بعت دينك بالدنيا من عدو الله وعدو الاسلام قال كلا ولكن أطلب بدم
269 عثمان الشهيد المظلوم قال كلا أشهد على علمي فيك انك أصبحت لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله وانك ان لم تقل اليوم فستموت غدا فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك ثم قال عمار اللهم انك لتعلم ان لو أعلم ان رضاك ان أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت اللهم أنك تعلم لو أعلم أن رضاك أن أضع ضبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت اللهم وإني أعلم مما علمتني أنى لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء القوم الفاسقين ولو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته. وروى نصر أيضا باسناده عن أسماء بن خارجة الفزاري قال كنا بصفين مع علي " ع " تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى وقد استظلينا برداء احمر إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا فقال أيكم عمار بن ياسر فقال عمار انا عمار فقال أبو اليقظان قال نعم قال إن لي إليك حاجة فأنطق بها سرا أم علانية قال أختر لنفسك أيهما شئت قال بل علانية قال فانطق قال أنى خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وأنهم على الباطل فلم أزل على ذلك مستبصرا حتى ليلتي هذه فإني رأيت مناديا فقام فأذن وشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ونادى بالصلاة ونادى مناديهم مثل ذلك ثم أقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة وتلونا كتابا واحدا ودعونا دعوة واحدة فأدركني الشك في ليلتي هذه فبت بليلة لا يعلمها الا الله حتى أصبحت فاتيت أمير المؤمنين " ع " فذكرت ذلك له فقال لقيت عمار بن ياسر قلت لا قال فالقه فانظر ما يقوله لك فاتبعه فجئتك لذلك فقال عمار تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي فإنها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة فما هي بخيرهن ولا أبرهن بل هي شرهن وأفجرهن شهدت بدرا وأحدا ويوم حنين أو شهدها أب لك فيخبرك عنها قال لا قال فان مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين وان مراكز هؤلاء على مراكز
270 رايات المشركين والأحزاب فهل ترى هذا العسكر ومن فيه والله لوددت ان جميع من فيه ممن أقبل مع معاوية يريد قتالا مفارقا فالذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته وذبحته والله لدمائهم جميعا أحل من دم عصفورا فترى دم عصفور حراما قال لا قال فإنهم كذلك حلال دماؤهم أتراني بينت لك قال قد بينت قال فاختر أي ذلك أحببت فانصرف الرجل فدعاه عمار ثم قال اما انهم سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا والله ما هم من الحق على ما يقذى عين ذباب والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا إنا على حق وأنهم على باطل، وقد تضافرت الروايات ان النبي صلى الله عليه وآله قال عمار بن ياسر جلدة بين عيني تقتله الفئة الباغية. وفى صحيح مسلم عن أم سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية. وروى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبى سعيد الخدري في الحديث السادس عشر من افراد البخاري قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار فقتله معاوية. وروى نصر عن حفص بن عمران الأزرق الدحمي قال حدثني نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص لأبيه لولا أن رسول الله أمر بطاعتك ما سرت معك هذا المسير اما سمعت رسول الله يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية. وروى نصر في كتاب صفين بينا على واقفا بين جماعة من همدان وحمير وغيرهم من أبناه قحطان إذ نادى رجل من أهل الشام من يدل على أبى نوح الحميري فقيل له قد وجدته فما تريد قال فحسر عن لثامه فإذا وذو الكلاع الحميري ومعه جماعة من أهله ورهط فقال لأبي نوح سر معي قال إلى ابن قال إلى أن تخرج من الصف قال وما شأنك قال إن لي إليك حاجة قال أبو نوح معاذ الله ان أسير
271 إليك إلا في كتيبة فقال ذو الكلاع بلى فسر فلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فإنما أريد ان أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسار أبو نوح وسار ذو الكلاع فقال له إنما دعوتك أحدثك حديثا حدثناه عمرو بن العاص قديما في خلافة عمر بن الخطاب ثم أذكرناه الآن به فأعاده انه بزعم ان سمع رسول الله صلى الله عليه وآله قال يلتقي أهل الشام وأهل العراق وفى إحدى الكتيبتين الحق وامام الهدى ومعه عمار بن ياسر فقال أبو نوح نعم والله أنه لفينا قال أنشدك بالله أجاد هو على قتالنا قال أبو نوح نعم والله ورب الكعبة لهو أشد على قتالكم منى ولوددت انكم خلق واحد فذبحته وبدأت بك قبلهم وأنت ابن عمى قال ذو الكلاع ويلك على م تمنى ذلك منا فوالله ما قطعتك فيما بيني وبينك قط وان رحمك لقريبة وما يسرني أنى أقتلك قال أبو نوح ان الله قطع بالإسلام أرحاما قريبة ووصل به أرحاما متباعدة وأنى أقاتلك وأصحابك لأنا على الحق وأنتم على الباطل فقال ذو الكلاع فهل تستطيع ان تأتى معي صف أهل الشام فانا لك جار منهم حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره بحال عمار وجده في قتال لعله أن يكون صلح بين هذين الجندين قلت وا عجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار ولا يعتريهم الشك لمكان على " ع " ويستدلون على أن الحق مع أهل العراق يكون عمار بين أظهرهم ولا يعبأون بمكان على " ع " ويحذرون من قول النبي صلى الله عليه وآله تقتلك الفئة الباغية ويرتاعون لذلك ولا يرتاعون لقوله صلى الله عليه وآله في علي اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ولا لقوله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق وهذا يدلك على أن عليا اجتهدت قريش كلها في مبدأ الأمر في اخمال ذكره وستر فضائله وتغطية خصائصه حتى محى فضله ومزيته من صدور الناس كافة إلا قليلا منهم. قال نصر فقال له أبو نوح انك رجل غادر وأنت في قوم غدر وان لم ترد الغدر أغدروك وإني إن أموت أحب إلى من أن أدخل مع معاوية فقال ذو الكلاع انا جار لك من ذلك أن لا تقتل ولا تسلب
272 ولا تكره على بيعة ولا تحبس عن جندك وإنما هي كلمة تبلغها عمرو بن العاص لعل الله ان يصلح بذلك بين هذين الجندين ويضع عنهم الحرب والقتال فقال أبو نوح انى أخاف غدرتك وغدرت أصحابك، قال ذو الكلاع انا لك بما فلت زعيم قال أبو نوح اللهم انك ترى ما أعطاني ذو الكلاع وأنت تعلم ما في نفسي فاعصمني واختر لي وانصرني وأدفع عنى ثم سار مع ذي الكلاع حتى أتى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس وعبيد الله بن عمر يحرض الناس على الحرب فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو يا أبا عبد الله هل لك في رجل ناصح لبيب مشفق يخبرك عن عمار بن ياسر فلا يكذب بك. قال ومن هو؟ قال هو ابن عمى هذا وهو من أهل الكوفة فقال عمرو وأرى عليك سيماء أبى تراب: فقال أبو نوح على سيماء محمد وأصحابه وعليك سيماء أبى جهل وسيماء فرعون فقام أبو الأعور فسل سيفه وقال لا أرى هذا الكذاب اللئيم يسابنا بين أظهرنا وعليه سيماء أبى تراب فقال ذو الكلاع أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لأحطمن أنفك بالسيف ابن عمى وجاري عقدت له ذمتي وجئت به إليكم ليخبركم عما تماريتم فقال عمرو بن العاص أذكرك بالله إلا ما صدقتنا ولم تكذبنا أفيكم عمار بن ياسر؟ قال أبو نوح ما أنا بمخبرك حتى تخبرني لم تسأل عنه ومعنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله عدة غيره كلهم جاد على قتالكم فقال عمرو سمعت رسول الله يقول إن عمار تقتله الفئة الباغية وأنه ليس لعمار أن يفارق الحق ولن تأكل النار من عمار شيئا فقال أبو نوح لا إله إلا الله والله أكبر إنه لفينا جاد على قتالكم فقال عمرو والله الذي لا إله إلا هو إنه لجاد على قتالنا: قال نعم والله الذي لا إله إلا هو ولقد حدثني يوم الجمل انا سنظهر على أهل البصرة، ولقد قال لي أمس إنكم لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعفات هجر لعلمنا إنا على الحق وانكم على الباطل ولكانت قتلانا في الجنة وقتلا كم في النار. قال عمرو فهل تستطيع أن تجمع بيني وبينه؟ قال نعم فركب عمرو بن العاص وابناه وعتبة بن أبي سفيان وذو الكلاع وأبو الأعور السلمي
273 وحوشب والوليد بن عقبة وانطلق وسار أبو نوح ومعه شرحبيل بن ذي الكلاع بحمير حتى انتهى إلى أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمار فوجده قاعدا مع أصحاب له منهم: الأشتر، وهاشم، وابن بديل، وخالد بن عمر، وعبد الله بن حجل، وعبد الله بن عباس. فقال لهم أبو نوح انه دعاني ذو الكلاع وهو ذو رحم فقال أخبرني عن عمار ابن ياسر أفيكم هو؟ فقلت لم تسأل عنه فقال أخبرني عمرو بن العاص في إمرة عمر بن الخطاب انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يلتقي أهل الشام وأهل العراق وعمار مع أهل الحق وتقتله الفئة الباغية نعم ان عمارا فينا فسألني أجاد هو على قتالنا فقلت نعم والله انه لأجد منى في ذلك ولوددت انكم خلق واحد فذبحه وبدأت بك يا ذا الكلاع فضحك عمار. قال أيسرك ذلك؟ قال نعم ثم قال أبو نوح أخبرني الساعة عمرو بن العاص انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تقتل عمار الفئة الباغية قال عمار رحمه الله أقررته بذلك قال نعم لقد أقررته بذلك فأقر فقال عمار صدق وليضرنه ما سمع ولا ينفعه فقال أبو نوح فإنه يريد أن يلقاك فقال عمار لأصحابه اركبوا فركبوا وساروا قال فبعثنا إليهم فارسا من عبد القيس يسمى عوف بن بشر قد بهظني فذهب حتى إذا كان قريبا منهم نادى أين عمرو ابن العاص؟ قالوا هاهنا فأخبره بمكان عمار وخيله قال عمرو قل له فليسر إلينا. قال عوف انه يخاف غدراتك وفجراتك فقال عمرو وما أجرأك على وأنت على هذه الحالة قال عوف جرأني على ذلك بصرى فيك وفى أصحابك وان شئت نابذتك الآن على سواء فقال عمرو انك لسفيه وإني باعث إليك ورجلا من أصحابي يواقفك فقال أبعث من شئت فلست المستوحش وإنك لا تبعث الأشقياء فرجع عمرو وأنفذ إليه أبا الأعور فلما توافقا تعارفا فقال عوف انى الا عرف الوجه وأنكر القلب وإني لا أراك مؤمنا ولا أراك إلا من أهل النار: قال أبو الأعور يا هذا لقد أعطيت لسانا يكبك الله به على وجهك في النار قال عوف كلا والله إني لا أتكلم إلا بالحق ولا تتكلم إلا بالباطل وإني أدعوك إلى الهدى وأقاتلك على الضلال وافر من
274 النار وأنت بنعمة الله ضال تنطق بالكذب وتقاتل على ضلالة وتشترى العقاب بالمغفرة والضلالة بالهدى انظر إلى وجوهنا ووجوهكم وسيمانا وسيماكم واسمع دعوتنا ودعوتكم فليس أحد منا إلا وهو أولى بالحق وبمحمد صلى الله عليه وآله وأقرب إليه منكم فقال أبو الأعور لقد أكثرت الكلام وذهب النهار ويحك ادع أصحابك وأدعوا أصحابي وليأتي أصحابك في قلة ان شاءوا أو كثرة فإني أجئ من أصحابي بعدتهم فسار عمار في اثنى عشر فارسا حتى إذا كانوا بالمنصف سار عمرو بن العاص في اثنى عشر فارسا حتى اختلفت أعناق الخيل خيل عمرو وخيل عمار ونزل القوم واحتبوا بحمائل سيوفهم فتشهد عمرو بن العاص فقال له عمار اسكت فلقد تركتها وأنا الأحق بها منك فان شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك وان شئت كانت خطبة فنحن اعلم بفصل الخطاب منك وان شئت أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك ونكفرك قبل القيام وتشهد بها على نفسك ولا تستطيع ان تكذبني فيها فقال عمرو يا أبا اليقظان ليس لهذا جئت إنما جئت لأني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم أذكرك الله إن لا كففت سلاحهم وحقنت دماءهم وحرصت على ذلك فعلى م تقاتلونا أو لسنا نعبد إلها واحدا ونصلي إلى قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ كتابكم ونؤمن بنبيكم؟ فقال عمار الحمد لله الذي أخرجها من فيك إنها لي ولأصحابي القبلة والدين وعبادة الرحمن والنبي والكتاب من دونك ودون أصحابك الحمد لله الذي قررك لنا بذلك وجعلك ضالا مضلا أعمى وسأخبرك على ما أقاتلك عليه وأصحابك ان رسول الله صلى الله عليه وآله امرني ان أقاتل الناكثين وقد فعلت وأمرني ان أقاتل القاسطين وأنتم هم. واما المارقون فلا أدرى أأدركها أم لا أيها الأبتر تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فإني مولى الله ورسوله وعلى مولاي بعدهما قال عمرو لم تشتمني يا أبا اليقظان ولست أشتمك فقال عمار (ره) وبم تشتمني أتستطيع ان تقول انى عصيت الله ورسوله يوما قط فقال عمرو ان فيك لمساب سوى ذلك فقال عمار
275 ان الكريم من أكرمه الله كنت وضيعا فرفعني الله ومملوكا فاعتقني الله وضعيفا فقواني الله وفقيرا فأغناني الله قال عمرو فما ترى في قتل عثمان فقال فتح لكم باب كل سوء قال عمرو فعلى " ع " قتله قال عمار بل الله رب على قتله وعلى سعه قال عمرو فكنت فيمن قتله قال كنت مع من قتله وانا اليوم أقاتل معهم قال عمرو فلم قتلتموه قال عمار انه أراد ان يغير ديننا فقتلناه فقال عمرو الا تسمعونه قد اعترف بقتل إمامكم فقال عمار قد قالها فرعون قبلك لقومه الا تسمعون فقاموا ولهم زجل فركبوا خيولهم ورجعوا وقام عمار وأصحابه فركبوا خيولهم ورجعوا وبلغ معاوية ما كان بينهم فقال هلكت العرب ان حركتهم خفة العبد الأسود يعنى عمارا. وروى نصر عن زيد بن وهب الجهني ان عمار بن ياسر نادى يومئذ أين من يبغي رضوان ربه ولا يؤب إلى مال ولا ولد قال فأتته عصابة من الناس فقال يا أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذي يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما والله ما كان إلا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله عليه. وعن حبيب بن ثابت قال: لما كان قتال صفين والراوية مع هاشم بن عتبة قال جعل عمار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول أقدم يا أعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع قال فجعل يستحى من عمار وكان عالما بالحرب فيتقدم لمراكز الراية فإذا تناهت إليه الصفوف قال عمار أقدم يا أعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع فجعل عمرو بن العاص يقول انى لا أرى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على هذا لتفانت العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا وجعل عمار يقول صبرا عباد الله الجنة تحت ضلال البيض. وحدثنا عمرو بن شمر قال حمل عمار في ذلك اليوم على صفوف أهل الشام وهو يرتجز ويقول: كلا ورب البيت لا أبرح أجئ * حتى أموت أو أرى ما أشتهي
276 لا أبرحن الدهر أحمي عن علي * صهر الرسول ذي الأمانات الوفي ينصرنا رب السماوات العلى * ونقطع الهام بحد المشرفي يمنحنا النصر على من يبتغى * ظلما علينا جاهدا ما يأتلي قال فضرب صفوف أهل الشام حتى أضطرهم إلى الفرار. وروى نصر عن عبد الخير الهمداني قال: نظرت إلى عمار بن ياسر يوما من أيام صفين قد رمى رمية غمي عليه فلم يصل الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء ولا الفجر ثم أفاق فقضاهن جميعا يبدأ بأول شئ ثم بالتي تليها. قال نصر وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت الشعبي يقول قال الأحنف بن قيس يقول والله إني لألى جانب عمار بن ياسر فتقدمنا حتى دنونا من هاشم بن عتبة فقال له عمار أحمل فداك أبي وأمي فقال له هاشم رحمك الله يا أبا اليقظان انك رجل تأخذك خفة في الحرب وإنما زحفت باللواء زحفا أرجو أن أنال بذلك حاجتي وإني ان خففت لم آمن الهلكة - وقد كان قال معاوية لعمرو ويحك ان اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة وقد كان من قبل يرقل به ارقالا وان زحف اليوم زحفا انه اليوم الأطول على أهل الشام فان زحف في عنق من أصحابه انى لأطمع ان يقتطع - فلم يزل به حتى حمل فنظر إليه معاوية فوجه إليه جماعة أصحابه ومن يزن بالبأس والنجدة منهم في ناحية وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص ومعه يومئذ سيفان قد تقلد بأحدهما وهو يضرب بالآخر فأطافت به خيول على وجعل عمرو يقول يا الله يا رحمن ابني ابني فيقول معاوية اصبر فلا بأس عليه فقال عمرو ولو كان يزيد بن معاوية لصبرت فلم تزل حماة أهل الشام تذب عن عبد الله حتى نجى هاربا على فرسه: قال نصر وحدثنا عمر بن سعد قال وفى هذا اليوم قتل عمار بن ياسر أصيب في المعركة وقد كان حين نظر إلى راية عمرو بن العاص. قال والله انها لراية قاتلتها ثلاث مرات وما هذه بأرشدهن. ثم قال:
277 نحن ضربناكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله * يا رب انى مؤمن بقيله وفى رواية أنه مضى ومعه عصابة وكان لا يمر بواد من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم جاء إلى هاشم بن عتبة وكان صاحب راية على " ع " فقال يا هاشم أعورا وجبنا لا خير في أعور لا يغشى البأس اركب يا هاشم فركب ومضى معه وهو يقول: أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا وعمار يقول تقدم يا هاشم الجنة تحت ظلال السيوف. والموت تحت أطراف الأسل وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه وتقدم حتى دنى من عمرو بن العاص فقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك فقال لا ولكن أطلب بدم عثمان قال أشهد على علمي فيك ان لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله تعالى وإنك ان لم تقتل اليوم تمت غدا فانظر إذا أعطى الله الناس على قدر نياتهم ما نيتك لعد فإنك صاحب الراية التي قاتلتها ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة ما هي بأبر واتقى ثم استسقى وقد أشتد عطشه فاتته امرأة طويلة اليدين معها عسر وإداوة فيها ضياح من لبن فقال حين شرب الجنة تحت الأسنة اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وانهم على الباطل ثم حمل وحمل عليه أبو جويرية السكسكي وأبو العادية الفزاري فاما أبو العادية فطعنه وأما أبو جويرية فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول انا قتلته فقال عمرو بن العاص ان تختصمان إلا في النار فسمعها معاوية فقال لعمرو ما رأيت مثلما صنعت اليوم قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهم إنكما تختصمان في النار فقال عمرو وهو والله ذلك وأنت لتعلمه ولوددت انى مت قبل هذا بعشرين سنة.
278 وروى وكيع عن شعبة عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: لكأني انظر إلى عمار وهو صريع فاستسقى فأتي بشربة من لبن فشرب فقال اليوم ألقى الأحبة ان رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلى أن آخر شربة اشربها في الدنيا شربة من لبن. وعن حبة بن جويرية العرني قال قلت لحذيفة بن اليمان حدثنا فانا نخاف الفتن فقال عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق فان آخر رزقه ضياح من لبن قال حبة فشهدته يوم قتل يقول ائتوني بآخر رزق لي في الدنيا فأتي بضياح من لبن في قدح أروح بحلقة حمراء فما أخطأ حذيفة ثم قال اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه وقال والله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمت أننا على الحق وانهم على الباطل ثم قتل رضي الله عنه. وقد كان ذو الكلاع يسمع عمرو بن العاص يقول إن النبي صلى الله عليه وآله قال لعمار تقتلك الفئة الباغية وآخر شرابك ضياح من لبن فقال ذو الكلاع لعمرو ويحك ما هذا فقال عمرو انه سيرجع إلينا ويفارق أبا تراب وذلك قبل ان يصاب عمار فلما أصيب عمار في هذا اليوم أصيب ذو الكلاع فقال عمرو لمعاوية والله ما أدري بقتل أيهما انا أشد فرحا والله لو بقى ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال بعامة قومه إلى على ولأفسد علينا أمرنا. قال نصر وروى عمر بن سعد قال كان لا يزال رجل يجئ فيقول لمعاوية وعمرو انا قتلت عمار فيقول له عمرو فما سمعته يقول فيخبطون حتى أقبل ابن حوى فقال فسألته قال عمرو فما كان آخر منطقه قال سمعته يقول اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه فقال صدقت أنت صاحبه اما والله ما ظفرت يداك ولقد أسخطت ربك. قال نصر روى عمر بن شمر عن السدى ان رجلين بصفين اختصما في
279 سلب عمار وفى قتله فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص فقال ويحكما أخرجا عنى فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما لقريش ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قاتله وسالبه في النار. قال الخوارزمي في (المناقب) وفرح بقتل عمار أهل الشام وقال معاوية قتلنا عبد الله بن بديل وهاشم بن عتبة وعمار بن ياسر فاسترجع النعمان بن بشير قال والله إنا كنا نعبد اللات والعزى وعمار يعبد الله ولقد عذبه المشركون بالرمضاء وغيرها من ألوان العذاب فكان يوحد الله ويصبر على ذلك وقال رسول الله صبرا يا آل ياسر موعدكم الجنة وقال له ان عمار يدعو الناس إلى الجنة ويدعونه إلى النار. قال نصر: وكان عبد الله بن سويد الحميري من آل ذي الكلاع قال لذي الكلاع ما حديث سمعته من ابن العاص في عمار فأخبره فلما قتل عمار خرج عبد الله ليلا يمشى فأصبح في عسكر على " ع " وكان عبد الله من عباد أهل زمانه وكاد أهل الشام ان يضطربوا لولا أن معاوية قال لهم ان عليا قتل عمارا لأنه أخرجه إلى الفتنة ثم أرسل معاوية إلى عمرو لقد أفسدت على أهل الشام أكل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله تقوله فقال عمرو وقلتها ولست أعلم الغيب ولا أدرى ان صفين تكون قلتها وعمار يومئذ لي ولك رويت أنت فيه مثلما رويت فغضب معاوية وتنمر لعمرو وعزم على منعه خيره فقال عمرو لابنه وأصحابه لا خير في جوار معاوية ان تجلت هذه الحرب عنه لأفارقنه وكان عمرو بن العاص حمى الأنف فقال: تعاتبني ان قلت شيئا سمعته * فقد قلت لو أنصفتني مثله قبلي أنعلك فيما قلت نعل ثبته * وتزلق بي في مثل ما قلته نعلي وما كان لي علم بصفين إنها * تكون وعمار يحث على قتلى ولو كان لي بالغيب علم كتمتها * وكابدت أقواما مراجلهم تغلي
280 أبى الله إلا ان صدرك واغر * على بلا ذنب جنيت ولا ذحل سوى انى والراقصات عشية * بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل فلا وضعت عندي حصان قناعها * ولا حملت وجناء ذعلبة رحلي فلا زلت أرعى في لوى بن غالب * قليلا غنائي لا أمر ولا أحلى من الله أرجو من خناقك مرة * ونلت الذي رجيت ان لم أزر أهلي وأترك لك الشام الذي ضاق رحبها * عليك ولم يهنك بها العيش من أجلى فأجابه معاوية: الان لما ألقت الحرب ركبها * وقام بنا الأمر الجليل على رجل غمزت قناتي بعد ستين حجة * تباعا كأني لا أمر ولا أخلى أتيت بأمر فيه للشام فتنة * وفى دون ما أظهرته زلة النعل فقلت لك القول الذي ليس ضائرا * ولو ضر لم يضررك حملك لي ثقلي فعاتبتني في كل يوم وليلة * كأن الذي أبليك ليس كما أبلى قيا قبح الله العتاب وأهله * ألم تر ما أصبحت فيه من الشغل فدع ذا ولكن هل لك اليوم حيلة * ترد بها قوما مراجلهم تغلي دعاهم على فاستجابوا الدعوة * أحب إليهم من ثرى المال والأهل إذا قلت هابوا حرمة الموت أرقلوا * إلى الموت أرقال الهلوك إلى الفحل قال فلما انى عمر اشعر معاوية اتاه فأعتبه وصار أمرهما واحدا. وروى عن الصادق " ع " انه قال لما قتل عمار بن ياسر ارتعدت فرائص خلق كثير وقالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله عمار تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو على معاوية وقال يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا قال لما ذا؟ قال قتل عمار بن ياسر قال معاوية قتل عمار فماذا قال أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله عمار تقتله الفئة الباغية قال معاوية رخصت في قولك أنحن قتلناه إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا فاتصل ذلك بعلي فقال فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله قتل حمزة
281 لما ألقاه بين رماح المشركين. وروى صاحب (السياسة والإمامة) عن معاوية تأويلا آخر أشنع من هذا قال الباغية التي تبغى دم عثمان أي تطلبه. وروى أنه لما قتل عمار احتمله أمير المؤمنين " ع " وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه ويقول: وما ظبية تسبي القلوب بطرفها * إذا التفتت خلنا بأجفانها سحرا بأحسن منه كلل السيف وجهه * دما في سبيل الله حتى قضى صبرا وفى رواية أخرى: انه لما بلغ قتل عمار أمير المؤمنين " ع " جاء حتى وقف على مصرعه وجلس إليه ووضع رأسه في حجره وأنشد: ألا أيها الموت الذي هو قاصدي * أرحني فقد أفنيت كل خليل أراك بصيرا بالذين أودهم (1) * كأنك تنحو نحوهم بدليل ثم استرجع وقال إن من لا يسؤه قتل عمار فليس له من الإسلام نصيب رحم الله عمارا ما رأيت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثا إلا هو رابعهم ولا أربعة إلا وعمار خامسهم ما وجبت الجنة لعمار مرة ولكن وجبت مرارا هناه الله بما هيأ له من جنة عدن انه قتل والحق معه وهو على الحق كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله يدور الحق مع عمار حيث دار ثم قال قاتل عمار وشاتمه وسالبه سلاحه معذب بنار جهنم، ثم تقدم " ع " وصلى عليه وتولى دفنه بيده. قال أبو عمرو في كتاب (الاستيعاب) دفنه علي عليه السلام بثيابه ولم يغسله. وقال المسعودي في (مروج الذهب) وكان قتله عند العشاء وله ثلاث وسبعون سنة وقبره بصفين وصلى عليه على " ع " ولم يغسله. قال أبو عمرو: كان سن عمار يوم قتل نيفا وتسعين، وقيل إحدى وتسعين
(1) في نسخة: أحبهم 282 وقيل اثنين وتسعين. وقيل ثلاثة وتسعين. قال وكان عمار يقول انا ترب رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن أحد أقرب إليه سنا مني، وكان قتله في شهر ربيع الأول وقيل الآخر سنة سبعة وثلاثين وقيل إن أبا العادية قاتل عمار عاش إلى زمن الحجاج فدخل عليه فأكرمه وقال له أنت قتلت ابن سمية يعنى عمارا؟ قال نعم قال من سره ان ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا ثم سأله أبو العادية حاجة فلم يجبه إليها فقال تعطى لهم الدنيا ولا يعطونا منها ويزعم انى عظيم الباع فقال من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل جبل ورقان ومجلسه مثله المدينة والربذة أنه لعظيم الباع يوم القيامة والله لو أن عمارا قتله أهل الأرض لدخلوا كلهم النار وينسب إلى عمار من الشعر هذه الأبيات: توق من الطرق أوساطها * وعد من الجانب المشتبه وسمعك صن عن سماع القبيح * كصون اللسان عن النطق به فإنك عند سماع القبيح * شريك لقائله فانتبه (حذيفة بن اليمان) واسم اليمان (حسيل) بمهملتين مصغرا ويقال (حسل) بكسر ثم سكون ابن جابر العبسي بموحدة ثم الأشهل حليفهم يكنى أبو عبد الله وكان أبوه اليمان صحابيا أيضا استشهد بأحد قال ابن هشام في سيرته قال ابن إسحاق لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أحد رفع حسل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش في الأطام مع النساء والصبيان وهما شيخان كبيران فقال أحدهما لصاحبه لا أبالك ما تنتظر فوالله ان بقى لواحد منا من عمره الا ظمؤ حمار وانما نحن هامة اليوم أو غد فلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وآله لعل الله يرزقنا مع شهادة ان لا إله إلا الله شهادة مع رسول الله فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما! فاما ثابت بن وقش فقتله المشركون، واما حسل ابن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه فقال حذيفة أبى قالوا
283 والله ما عرفنا وصدقوا فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله ان يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا. قال ابن حجر العسقلاني في التقريب كان حذيفة جليلا من السابقين. صح في مسلم عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة. قال الذهبي في الكاشف كان صاحب السر منعه وأباه شهود بدر استخلاف المشركين لهما. وروى عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وأبصركم بالحلال والحرام وسئل أمير المؤمنين " ع " فقال كان عارفا بالمنافقين، وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المعضلات فان سألتموه وجدتموه بها خبيرا. وكان حذيفة يسمى صاحب السر وكان عمر لا يصلى على جنازة لا يحضرها حذيفة، ويقال ان عمر سأله هل انا منهم. وروى المفضل بن عمر عن جعفر بن محمد " ع " انه قال كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لا يعرفون الا ببغض علي بن أبي طالب " ع " وكان حذيفة يعرفهم لأنه كان ليلة العقبة يقود ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وعمار يسوقها وقد قعد المنافقون على العقبة ليلا لرسول الله عند منصرفه من غزاة تبوك وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله خلف عليا بالمدينة على أهله ونسائه فقال المنافقون بعضهم لبعض ان محمدا بغض نفسه إلى أصحابه بسبب على وعلى هو الذاب عنه والمجاهد دونه لا يعمل فيه الحر والبر والسيف والسنان وفد استخلفه بالمدينة فبادروا هذا الذي لولا على لكان أهون من فقع قرقر ولولا أبو طالب بمكة لم يتبعه أحد فإنه آواه ونصره وذب عنه وجاهد قريشا فيه حتى استفحل أمره وعظم شأنه فلما استقر قراره أعاد الملك والسلطان إلى بنى أبيه من دون قريش، أفقريش لبني هاشم خول واتباع وقد اجتمعت كلمتهم بالإسلام بعد أن كنتم مختلفين
284 فبعدوا واخشوشنوا، واجمعوا امركم وشركائكم ثم اطلبوا بثأركم ممن اختدعكم عن دينكم وأدخلكم في دينه ثم جعلكم أتباعه وأتباع بنى هاشم ومواليهم وعبيدهم إلى أن تقوم الساعة والا فعيشوا أشقياء عباد يد بعد الآلهة أذلة ما بقيتم وكان القائل عمر يحرض أصحابه ليلة العقبة على قتل رسول الله فضرب الله وجوههم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان حذيفة في خلافة أبى بكر وعمر يشكوه إلى أبى بكر وأبو بكر يقول دعه إنا ان حركناه آثرناه على أنفسنا من ليلة العقبة لا حاجة لنا إليه فاضرب عنه فالسكوت خير من الخوض في امره فلما ملك عمر بعث إليه فقال له ما زلت نحدث أصحاب محمد صلى الله عليه وآله في خلافة أبى بكر انى باب من أبواب جهنم ثم رفع عمر عليه بالدرة فقال حذيفة أسكن يا خليفة المسلمين فإنك باب من أبواب جهنم تمنع المنافقين ان يدخلوها فتبسم عمر عند ذلك ثم أقبل على أصحابه فقال لهم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلم أصحابه بالمنافقين فكان حذيفة يقول السكينة تنطق على لسانك بقوله لحذيفة انك أعرف الناس بالمنافقين. وأخرج الكشي باسناده عن أبي جعفر " ع " عن أبيه عن جده عن علي ابن أبي طالب قال ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تمطرون منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة وكان على " ع " يقول وانا امامهم وهم صلوا على فاطمة " ع ". وأخرج الترمذي عن حذيفة قال سألتني أمي متى عهدك برسول الله صلى الله عليه وآله فقلت منه كذا وكذا فنالت منى فقلت لها دعيني آتي رسول الله وأصلي معه المغرب وأسأله ان يستغفر لي ولك فأتيته وصليت معه المغرب ثم قام فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعه فسمع صوتي فقال من هذا حذيفة قلت نعم قال ما حاجتك غفر الله لك ولأمك ان هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه ان يسلم على ويبشرني ان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
285 وأخرج الشيخ الطوسي في أماليه باسناده عن خالد بن خالد اليشكري قال خرجت سنة فتح تستر حتى قدمت الكوفة فدخلت المسجد فإذا انا بحلقة فيها رجل جهم من الرجال فقلت من هذا فقال القوم اما تعرفه قلت لا قالوا هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال فقعدت إليه فحدث القوم فقال إن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة ان أقع فيه فأنكر القوم ذلك عليه فقال سأحدثكم بما أنكرتم انه جاء أمر الإسلام فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية وكنت أعطيت من القرآن فقها وكانوا يجيئون فيسألون النبي فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أيكون بعد هذا الخير شر قال نعم قلت فما العصمة منه قال صلى الله عليه وآله السيف قال قلت وهل بعد السيف بقية قال نعم تكون إمارة على اقذاء أو هدنة على دخن قال قلت ثم ماذا قال ثم تنشأ دعاة الضلالة فان رأيت يومئذ خليفة عدل فالزمه وإلا فمت عاضا على جذل شجرة. وروى ابن شهرآشوب مرفوعا عن حذيفة قال لو أحدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لرجمتموني قالوا سبحان الله نحن نفعل قال لو أحدثكم ان بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد بأسها تقاتلكم ما صدقتم قالوا سبحان الله ومن يصدق بهذا قال تأتيكم أمكم الحميراء في كتيبة يسوق بها أعلاجها من حيث تسوء وجوهكم. وذكر أبو موسى الأشعري عند حذيفة بالدين فقال اما أنتم فتقولون ذلك واما انا فاشهد انه عدو لله ولرسوله وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار وروى إن عمارا سئل عن أبي موسى فقال لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما سمعته يقول صاحب البرنس الأسود ثم كلح كلوحا علمت أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط وكان حذيفة عارفا بهم. وروى ابن المغازلي في كتاب المناقب باسناده إلى حذيفة بن اليمان قال آخى
286 رسول الله صلى الله عليه وآله بين المهاجرين وكان يواخي بين الرجل ونظيره ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب " ع " فقال هذا أحي قال حذيفة فرسول الله صلى الله عليه وآله سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ليس له شبيه ولا نظير وعلى أخوه. وإلى هذا المعنى أشار الصفي الحلي (ره). أنت سر النبي والصنو وابن * العم والصهر والأخ السجاد لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد وروى أن عليا " ع " لما أدرك عمرو بن عبد ود ولم يضربه فوقع الناس في علي فرد عنه حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله يا حذيفة فان عليا سيذكر سبب وقفته ثم أنه ضربه فلما جاء سأله النبي عن ذلك فقال " ع " قد كان شتم أمي وتفل في وجهي فخشيت ان أضربه لحظ نفسي فتركته حتى سكن ما بي ثم قتلته في الله قال المؤلف وإنما ذكرنا هذا الحديث لما يعلم به من إخلاص حذيفة لأمير المؤمنين " ع " من زمن النبي صلى الله عليه وآله. وروى أبو مخنف قال لما بلغ حذيفة بن اليمان ان عليا قد قدم ذا قار واستنفر الناس دعا أصحابه فوعظهم وذكرهم الله وزهدهم ورغبهم في الآخر وقال لهم الحقوا بأمير المؤمنين " ع " وسيد الوصيين فان من الحق ان تنصروه وهذا ابنه الحسن وعمار قد قدما الكوفة يستنفرون الناس فانفروا قال فنفر أصحاب حذيفة إلى أمير المؤمنين " ع " ومكث حذيفة بعد ذلك خمسة عشر ليلة وتوفى (رض) وقال المسعودي في مروج الذهب كان حذيفة عليلا بالمدائن في سنة ست وثلاثين فبلغه قتل عثمان وبيعة على " ع " فقال أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة فوضع على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال أيها الناس ان الناس قد بايعوا عليا " ع " فعليكم بتقوى الله وانصروا عليا وآزروه فوالله أنه لعلى الحق أولا وآخرا وانه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بعد نبيكم ومن بقى إلى يوم القيامة ثم أطبق يمينه على يساره وقال اللهم إني أشهدك انى قد بايعت عليا
287 وقال الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم وقال لأبنيه صفوان وسعد إذا أنا مت احملاني وكونا معه فسيكون له حرب يهلك فيها كثير من الناس فاجهدا ان تشهدا معه فإنه والله على الحق ومن خالفه على الباطل. ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام وقيل بأربعين يوما هذا كلام المسعودي. قال المؤلف وشهد أبناه المذكوران بعد ذلك صفين مع أمير المؤمنين " ع " وقتلا بها شهيدين رحمهما الله. وعن أبي الحسن الرضا " ع " لما حضرته الوفاة قال لابنته أية ساعة هذه قالت آخر الليل قال الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ ولم أوال ظالما على صاحب حق ولم أعاد صاحب حق. وروى الديلمي في ارشاد القلوب مرفوعا قال لما استخلف عثمان بن عفان آوى إليه عمه الحكم بن العاص وولده مروان بن الحكم ووجه عماله في الأمصار وكان فيمن وجه الحرث بن الحكم إلى المدائن فأقام بها مدة يتعسف أهلها ويسئ معاملتهم فوفد منهم إلى عثمان وفد يشكونه وأعلموه بسوء ما يعاملهم به وأغلظوا عليه بالقول فولى حذيفة بن اليمان عليهم وذلك آخر أيامه فلم ينصرف حذيفة عن المدائن إلى أن قتل عثمان واستخلف علي بن أبي طالب فأقام حذيفة عليها وكتب " ع " إليه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى حذيفة بن اليمان سلام عليك اما بعد فإني قد وليتك ما كنت عليه لمن كان قبلي من حرف المدائن وقد جعلت إليك اعمال الخراج والرستاق وجباية أهل الذمة فاجمع إليك ثقاتك ومن أحببت ممن ترضى دينه وأمانته واستعز بهم على أعمالك فان ذلك أعز إليك ولو ليك واكبت لعدوك وإني امرك بتقوى الله وطاعته في السر والعلانية وأحذرك عقابه في الغيب والمشهد وأتقدم إليك بالاحسان إلى المحسن والشدة على المعاند وآمرك بالرفق في أمورك والدين والعدل في رعيتك
288 فإنك مسائل عن ذلك وانصاف المظلوم والعفو عن الناس وحسن السيرة ما استطعت فان الله يجزى المحسنين وآمرك ان تجبى خراج الأرضين على الحق والنصفة ولا تجاوز ما تقدمت به إليك ولا تدع منه شيئا ولا تبدع فيه أمرا ثم أقسم بين أهله بالسوية والعدل واخفض لرعيتك جناحك وواس بينهم في مجلسك وليكن القريب والبعيد عندك في الحق سواء واحكم بين الناس بالحق واقم فيهم بالقسط ولا تتبع الهوى ولا تخف في الله لومة لائم فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وقد وجهت إليك لتقرأه على أهل مملكتك ليعلموا رأينا فيهم وفى جميع المسلمين فاحضرهم وأقرأ عليهم وخذ البيعة لنا على الصغير والكبير منهم إن شاء الله تعالى. فلما وصل عهد أمير المؤمنين إلى حذيقة جمع الناس فصلى بهم ثم أمر بالكتاب فقرأ عليهم وهو بسم الله الرحمن الرحيم من علي بن أبي طالب إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين سلام عليكم فإني احمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو واسأله ان يصلى على محمد وآله اما بعد فان الله تعالى اختار الاسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله إحكاما لصنعه وحسن تدبيره ونظرا منه لعباده وخص به من أحبه من خلقه فبعث إليهم محمدا فعلمهم الكتاب والحكمة إكراما وتفضلا لهذه الأمة وأدبهم لكي يهتدوا وجمعهم لئلا يتفرقوا ووقفهم لئلا يجوروا فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة الله به حميدا محمودا ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا بهديهما وسيرتهما فأقاما ما شاء الله ثم توفاهما الله عز وجل ثم ولوا بعدهما الثالث فأحدث احداثا ووجدت الأمة عليه فعالا فاتفقوا عليه ثم نقموا منه فغيروا ثم جاؤني كتتابع الخيل فبايعوني انى استهدى الله بهداه وأستعينه على التقوى ألا وان لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله والقيام عليكم بحقه وإحياء سنته والنصح لكم بالمغيب والمشهد وبالله نستعين على ذلك وهو حسبنا ونعم الوكيل وقد وليت أموركم حذيفة بن اليمان وهو ممن أرضى بهداه وأرجوا صلاحه وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم
289 والرفق بجميعكم اسأل الله لنا ولكم حسن الخيرة والإسلام ورحمته الواسعة في الدنيا والآخرة ورحمة الله وبركاته، قال ثم إن حذيفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: الحمد لله الذي أحيى الحق وأمات الباطل وجاء بالعدل ودحض الجور وكبت الظالمين أيها الناس إنه ولا كم الله أمير المؤمنين " ع " حقا حقا وخير من نعلمه بعد نبينا وأولى الناس بالناس وأحقهم بالأمر وأقربهم إلى الصدق وأرشدهم إلى العدل وأهداهم سبيلا وأدناهم إلى الله وسبيله وأمسهم برسول الله صلى الله عليه وآله رحما أنيبوا إلى طاعة أول الناس سلما وأكثرهم علما وأقصدهم طريقة وأسبقهم إيمانا وأحسنهم يقينا وأكثرهم معروفا وأقدمهم جهادا وأعزهم مقاما أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وابن عمه وأبى الحسن والحسين وزوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه فان لله في ذلك رضى ولكم مقنع وصلاح والسلام فقام الناس فبايعوا أمير المؤمنين " ع " أحسن بيعة وأجمعها فلما استتمت البيعة قام إليه فتى من أبناء العجم وولاة الأنصار لمحمد بن عمارة بن التيهان يقال له مسلم متقلدا سيفا فناداه من أقصى الناس أيها الأمير إنا سمعناك تقول في أول كلامك قد ولا كم الله أمير المؤمنين حقا حقا تعرض بمن كان قبله من الخلفاء انهم لم يكونوا أمراء المؤمنين حقا حقا فعرفنا ذلك أيها الأمير رحمك الله ولا تكتمنا فإنك ممن شهد وعاين ونحن مقلدون ذلك أعناقكم والله شاهد عليكم فيما تأتون به من النصيحة لأمتكم وصدق الخبر عن نبيكم فقال حذيفة أيها الرجل أما إذا سألت وفحصت هكذا فاسمع وافهم ما أخبرك به اما من تقدم من الخلفاء قبل علي بن أبي طالب من تسمى بأمير المؤمنين فإنهم تسموا بذلك وسماهم الناس واما علي بن أبي طالب " ع " فان جبرئيل سماه بذلك الاسم عن الله تعالى شهد له، ورسول الله عن سلام جبرئيل بإمرة المؤمنين وكان أصحاب رسول الله يدعونه في حياة رسول الله بإمرة المؤمنين قال الفتى كيف كان ذلك يرحمك الله؟ قال حذيفة ان الناس كانوا يدخلون على رسول الله
290 قبل الحجاب فنهاهم رسول الله ان يدخل أحد إليه وعنده دحية بن خليفة الكلبي وكان رسول الله يراسل قيصر ملك الروم وبنى حنيفة وبنى غسان على يده وكان جبرئيل " ع " يهبط عليه في صورته ولذلك نهى رسول الله ان يدخل المسلمون عليه إذا كان عنده دحية قال حذيفة وإني أقبلت يوما لبعض أموري إلى رسول الله مهجرا رجاء ان ألقاه خاليا فلما صرت بالباب فإذا انا بشملة قد سدلت على الباب فرفعتها وهممت بالدخول وكذلك كنا نصنع فإذا انا بدحية قاعد عند رسول الله والنبي صلى الله عليه وآله نائم ورأسه في حجر دحية الكلبي فلما رأيته انصرفت فلقيني علي بن أبي طالب " ع " في بعض الطريق فقال يا بن اليمان من أين أقبلت قلت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله قال وماذا صنعت عنده قال قلت أردت الدخول عليه في كذا وكذا وذكرت الأمر الذي جئت له فلم يتهيأ لي ذلك قال ولم قلت كان عنده دحية الكلبي وسألت عليا معونتي على رسول في ذلك الأمر قال فارجع معي فرجعت معه فلما صرنا إلى باب الدار جلست بالباب ورفع على " ع " الشملة ودخل فسلم فسمعت دحية يقول وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم قال له أجلس فخذ رأس أخيك وابن عمك من حجري فأنت أولى الناس به فجلس على " ع " واخذ رأس رسول الله فجعله في حجره وخرج دحية من البيت فقال على أدخل يا حذيفة فدخلت وجلست فما كان بأسرع من أن أنتبه رسول الله فضحك في وجه على ثم قال يا أبا الحسن من حجر من أخذت رأسي قال من حجر دحية الكلبي فقال ذلك جبرئيل فما قلت له حين دخلت وما قال لك قال دخلت فسلمت فقال لي وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال رسول الله يا علي سلمت عليك ملائكة الله وسكان سماواته بإمرة المؤمنين من قبل ان يسلم عليك أهل الأرض. يا علي أن جبرئيل فعل ذلك عن أمر الله تعالى وقد أوحى إلى عن ربي عز وجل من قبل دخولك ان أفرض ذلك على الناس وانا فاعل ذلك أن شاء الله تعالى فلما كان من الغد بعثني رسول الله إلى ناحية فدك في
291 حاجة فلبثت أياما ثم قدمت فوجدت الناس يتحدثون ان رسول الله أمر الناس ان يسلموا على على بإمرة المؤمنين وان جبرئيل اتاه بذلك عن الله عز وجل فقلت صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا فقد سمعت جبرئيل يسلم على على بإمرة المؤمنين فحدثتهم الحديث فسمعني عمر بن الخطاب وانا أحدث الناس في المسجد فقال لي أنت رأيت جبرئيل وسمعته اتق القول فقد قلت قولا عظيما وقد خولط بك فقلت نعم انا رأيت ذلك وسمعته فأرغم الله أنف من رغم فقال يا أبا عبد الله لقد رأيت وسمعت عجبا. قال حذيفة فسمعني بريدة بن الخصيب الأسلمي وانا أحدث ببعض ما رأيت وسمعت فقال لي والله يا بن اليمان لقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالسلام على على " ع " بإمرة المؤمنين فاستجابت له طائفة يسيرة من الناس ورد ذلك عليه وأباه كثير من الناس فقلت يا بريدة أكنت شاهدا ذلك اليوم فقال نعم من أوله إلى آخره فقلت له حدثني به يرحمك الله فان كنت عن ذلك اليوم غائبا فقال بريدة كنت انا وعمار أخي مع رسول الله في نخيل بنى النجار فدخل علينا علي بن أبي طالب فسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وآله عليه السلام ورددنا ثم قال له يا علي اجلس هناك فجلس فدخل رجال فأمرهم رسول الله بالسلام على على " ع " بإمرة المؤمنين فقال الأمر عن الله ورسوله فقال نعم ثم دخل طلحة وسعد بن مالك فقال لهما رسول الله سلما على على بإمرة المؤمنين فقالا عن الله ورسوله فقال نعم قالا سمعنا وأطعنا ثم دخل سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري فسلما فرد عليهما السلام ثم قال سلما على على بإمرة المؤمنين فسلما ولم يقولا شيئا ثم دخل عمار والمقداد فسلما فرد عليهما السلام وقال سلما على على " ع " بإمرة المؤمنين ففعلا لم يقولا شيئا ثم دخل عثمان وأبو عبيدة فسلما فرد عليهما السلام وقال سلما على على بإمرة المؤمنين قالا عن الله ورسوله؟ قال نعم: ثم دخل فلان وفلان وعد جماعة من المهاجرين والأنصار كل ذلك يقول رسول الله سلموا على على بإمرة المؤمنين
292 فبعض سلم ولم يقل شيئا وبعض يقول للنبي عن الله ورسوله فيقول نعم حتى غص المجلس باهله وامتلأت الحجرة وجلس بعض على الباب وفى الطريق وكانوا يدخلون فيسلمون ويخرجون ثم قال لي ولأخي قم يا بريدة أنت وأخوك فسلما على على " ع " بإمرة المؤمنين فقمنا وسلمنا ثم عدنا إلى مواضعنا فجلسنا ثم أقبل رسول الله عليهم جميعا فقال اسمعوا وعوا انى أمرتكم ان تسلموا على على بإمرة المؤمنين وان رجالا سألوني إذا لك عن أمر الله وامر رسوله ما كان لمحمد ان يأتي أمرا من تلقاء نفسه بل بوحي ربه وأمره أفرأيتم والذي نفسي بيده لأن أبيتم ونقضتموه لتكفرون ولتفارقون ما بعثني به ربى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال بريدة فلما خرجنا سمعت بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على على " ع " بإمرة المؤمنين من قريش يقول لصحابه وقد التقت بهما طائفة من الجفاة البغاة عن الإسلام من قريش اما رأيت ما صنع محمد ص بابن عمه من علو المنزلة والمكان لو يستطيع والله لجعله نبيا من بعده فقال له صاحبه أمسك ولا يكبرن عليك هذا فانا لو فقدنا محمدا لكان فعله هذا تحت أقدامنا قال حذيفة ومضى بريدة إلى بعض طريق الشام ورجع وقد قبض رسول الله وبايع الناس أبا بكر فاقبل بريدة ودخل المسجد وأبو بكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة فناداهما من ناحية المسجد يا أبا بكر ويا عمر فقال أبو بكر مالك يا بريدة أجننت قال لهما والله ما جننت ولكن أين سلامكما بالأمس على على بإمرة المؤمنين فقال له أبو بكر يا بريدة الأمر يحدث بعده الأمر وانك غبت وشهدنا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال لهما رأيتما ما لم ير الله ورسول الله ولكن وفى لك صاحبك بقوله لو فقدنا محمدا صلى الله عليه وآله لكان قوله هذا تحت أقدامنا الا ان المدينة حرام على أن أسكنها ابدا حتى أموت فخرج بريدة باهله وولده فنزل بين قومه بنى أسلم فكان يطلع في الوقت دون الوقت فما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين سار إليه وكان معه حتى قدم العراق فلما أصيب أمير المؤمنين سار إلى خراسان فنزلها ولبث هناك إلى
293 أن مات رحمه الله، قال حذيفة فهذا أنباء ما سألتني عنده فقال الفتى لا جزى الله الذين شهدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعوه يقول هذا القول لعلى " ع " خيرا فقد خانوا الله ورسوله وأزالوا الامر عمن رضيه الله ورسوله وأقروه فيمن لم يره الله ولا رسوله لذلك أهلا لا جرم والله لن يفلحوا بعدها فنزل حذيفة عن منبره فقال يا أخا الأنصار ان الامر كان أعظم مما تظن انه غرب والله البصير وذهب اليقين وكثر المخالف وقل الناصر لأهل الحق فقال له الفتى فهلا انتضيتم أسيافكم ووضعتموها على رقابكم وضربتم بها الزائلين عن الحق قدما قدما حتى تموتوا أو تدركوا الامر الذي تحبونه من طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله فقال له أيها الفتى أنه أخذوا والله بأسماعنا وأبصارنا وكرهنا الموت وتزينت لنا الحياة وسبق علم الله بإمرة الظالمين ونحن نسأل الله التغمد لذنوبنا والعصمة فيما بقى من آجالنا فإنه مالك رحيم ثم أنصرف حذيفة إلى منزله وتفرق الناس، قال عبد الله فبينا أنا ذات يوم عند حذيفة أعوده في مرضه الذي مات فيه وقد كان يوم قدمت فيه من الكوفة وذلك من قبل قدوم علي عليه السلام إلى العراق فبينما انا عنده إذ جاء الفتى الأنصاري فدخل على حذيفة فرحب به وأدناه وقرب مجلسه وخرج من كان عند حذيفة من عواده وأقبل عليه الفتى فقال يا أبا عبد الله سمعتك يوما تحدث عن بريدة بن الخصيب الأسلمي أنه سمع بعض القوم الذين أمرهم رسول الله أن يسلموا على على بإمرة المؤمنين يقول لصاحبه اما رأيت اليوم ما صنع محمد بابن عمه من التشريف وعلو المنزلة حتى لو قدر ان يجعله نبيا لفعل فأجابه صاحبه وقال لا يكبرن عليك فلو فقدنا محمدا لكان قوله تحت أقدامنا وقد ظننت نداء بريدة لهما وهما على المنبر انهما صاحبا القوم قال حذيفة أجل القائل عمر والمجيب أبو بكر فقال الفتى إنا لله وإنا إليه راجعون هلك والله القوم وضلت أعمالهم قال حذيفة ولم يزل القوم على ذلك من الارتداد وما يعلم الله منهم أكثر فقال الفتى قد كنت أحب ان أتعرف هذا الأمر من فعله ولكني أجدك مريضا
294 وانا أكره ان أملك بحديثي ومسألتي وقام لينصرف فقال حذيفة لا بل أجلس يا بن أخي وتلق منى حديثهم وان كربني ذلك فلا أحسبني إلا مفارقكم إني لا أحب ان لا تغتر منزلتهما في الناس فهذا ما أقدر عليه من النصيحة لك ولأمير المؤمنين من الطاعة له ولرسوله وذكر منزلته فقال يا أبا عبد الله حدثني بما عندك من أمورهم لأكون على بصيرة من ذلك فقال حذيفة إذا والله لأخبرنك بخبر سمعته ورأيته ولقد والله دلنا ذلك من فعلهم على أنهم والله ما آمنوا بالله ولا برسوله طرفة عين وأخبرك ان الله تعالى أمر رسوله في سنة عشر من مهاجرته من مكة إلى المدينة ان يحج هو ويحج الناس معه فأوحى الله بذلك (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) فامر رسول الله صلى الله عليه وآله المؤذنين فأذنوا في أهل السافلة والعالية ألا ان رسول الله قد عزم على الحج في عامه هذا ليفهم الناس حجهم ويعلمهم مناسكهم فيكون سنة لهم إلى آخر الدهر قال فلم يبق أحد ممن دخل في الإسلام الا حج مع رسول الله سنة عشر ليشهدوا منافع لهم ويعلمهم حجهم ويعرفهم مناسكهم وخرج رسول الله بالناس وبنسائه معه وهي حجة الوداع فلما أستتم حجهم وقضوا مناسكهم وعرف الناس جميع ما احتاجوا إليه وأعلمهم أنه قد أقام لهم ملة إبراهيم " ع " وقد أزال عنهم جميع ما أحدثه المشركون بعده ورد الحج إلى حالته الأولى ودخل مكة فأقام بها يوما واحدا فهبط الأمين جبرئيل بأول سورة العنكبوت فقال أقرأ يا محمد: بسم الله الرحمن الرحيم: ألم أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون) فقال رسول الله يا جبرئيل وما هذه الفتنة فقال يا محمد ان الله يقرئك السلام ويقول لك إني ما أرسلت نبيا قبلك إلا أمرته عند انقضاء أجله أن يستخلف على أمته من بعده من يقوم مقامه ويحيى لهم سنته وأحكامه فالمطيعون لله فيما يأمرهم به رسول الله هم الصادقون
295 والمخالفون على أمره هم الكاذبون وقد دنا يا محمد مصيرك إلى ربك وجنته وهو يأمرك أن تنصب لامتك من بعدك علي بن أبي طالب وتعهد إليه فهو الخليفة القائم برعيتك وأمتك ان أطاعوه وإن عصوه وسيفعلون ذلك وهي الفتنة التي تلوت عليك الآية فيها وان الله عز وجل يأمرك ان تعلمه جميع ما علمك وتستحفظه جميع ما حفظك واستودعك فهو الأمين المؤتمن. يا محمد اخترتك من عبادي نبيا وأخترته وصيا. قال فدعا رسول الله عليا فخلا به يومه ذلك وليلته واستودعه العلم والحكمة التي آتاه الله إياها وعرفه ما قال جبرئيل وكان ذلك في يوم عائشة أبنة أبى بكر، فقالت يا رسول الله لقد طال استخلاؤك بعلي منذ اليوم، قال فاعرض عنها رسول الله فقالت لم تعرض عنى يا رسول الله بأمر لعله يكون لي صلاحا فقال صدقت وأيم الله أنه لأمر صلاح لمن أسعده الله بقوله والايمان به وقد أمرت بدعاء الناس جميعا إليه وستعلمين ذلك إذا أنا قمت به في الناس. قالت يا رسول الله ولم لا تخبرني به الآن لا تقدم بالعمل به والأخذ بما فيه الصلاح قال سأخبرك فاحتفظيه إلى أن أؤمر بالقيام به في الناس جميعا فإنك ان حفظتيه حفظك في العاجلة والآجلة جميعا وكانت لك الفضيلة بسبقه والمسارعة إلى الأيمان بالله ورسوله وان أضعتيه وتركت رعاية ما ألقى إليك منه كفرت نربك وحبط أجرك وبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله وكنت من الخاسرين ولم يضر الله ذلك ولا رسوله فضمنت له حفظه والايمان به ورعايته فقال إن الله تعالى أخبرني ان عمري قد انقضى وأمرني ان أنصب عليا للناس علما وأجعله فيهم إماما وأستخلفه كما أستخلف الأنبياء من قبلي أوصياءها وأنا صائر إلى أمر ربى وآخذ فيه بأمره فليكن هذا الامر منك نحت سويداء قلبك إلى أن يأذن الله بالقيام به فضمنت له ذلك وقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله على ما يكون منها فيه ومن صاحبتها حفصة وأبويهما فلم تلبث أن أخبرت حفصة وأخبرت كل واحدة منهما أباها فاجتمعا فأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالامر فاقبل
296 بعضهم على بعض وقالوا ان محمدا يريد أن يجعل هذا الامر في بيته كسنة كسرى وقيصر إلى آخر الدهر ولا والله مالكم في الحياة من حظ إن أفضى هذا الامر إلى علي بن أبي طالب وأن محمدا عاملكم على ظاهركم وان عليا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم فاحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك وقدموا آراءكم فيه ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأحالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وآله ناقته على عقبة الهرشا وقد كانوا صنعوا مثل ذلك في غزاة تبوك فصرف الله السوء عن نبيه صلى الله عليه وآله واجتمعوا في أمر رسول الله من القتل والاغتيال واسقاء السم على غير وجه وقد كان اجتمع أعداء رسول الله من الطلقاء من قريش والمنافقين من الأنصار ومن كان في قلبه الارتداد من العرب في المدينة وما حولها فتعاقدوا وتحالفوا على أن ينفروا به ناقته وكانوا (أربعة عشر رجلا) وكان من عزم رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقيم عليا وينصبه للناس بالمدينة إذا قدم فسار رسول الله صلى الله عليه وآله يومين وليلتين فلما كان في اليوم الثالث أتاه جبرئيل " ع " بآخر سورة الحجر فقال أقرأ (ليسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين) قال ورحل رسول الله صلى الله عليه وآله يعدوا السير مسرعا على دخول المدينة لينصب عليا " ع " علما للناس فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرئيل " ع " في آخر الليل فقرأ عليه (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدى القوم الكافرين) وهم الذين هموا برسول الله صلى الله عليه وآله فقال أما تراني يا جبرئيل أعدو السير مجدا فيه لا دخل المدينة فأفرض ولاية على " ع " على الشاهد والغائب فقال له جبرئيل إن الله يأمرك ان تفرض ولاية على غدا إذ نزلت منزلك فقال رسول الله نعم يا جبرئيل غدا أفعل ذلك أن شاء الله تعالى. وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بالرحيل من وقته وسار الناس معه حتى نزل (بغدير خم) فصلى بالناس وأمرهم ان يجتمعوا إليه ودعا عليا " ع " فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يد على " ع " اليسرى بيده
297 اليمنى ورفع صوته بالولاية لعلى " ع " على الناس أجمعين وفرض طاعته عليهم وأمرهم ان لا يختلفوا عليه بعده وخبرهم ان ذلك من أمر الله تعالى وقال لهم: الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: فمن كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله، ثم أمر الناس ان يبايعوه فبايعه الناس جميعا ولم يتكلم منهم أحد وقد كان أبو بكر وعمر تقدما إلى الجحفة فبعث وردهما ثم قال لهما النبي صلى الله عليه وآله متجهما لهما يا بن أبي قحافة ويا عمر بايعا عليا بالولاية من بعدي فقالا: أمر من الله ومن رسوله فقال؟ وهل يكون مثل هذا من غير أمر من الله ومن رسوله نعم أمر من الله ومن رسوله فبايعا. ثم انصرفا وسار رسول الله صلى الله عليه وآله باقي يومه وليلته حتى إذا دنو من عقبة (هرشا) فقدمه القوم فتواروا في ثنية العقبة وقد حملوا معهم دبابا وطرحوا فيها الحصى فقال حذيفة فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا عمار بن ياسر وأمره ان يسوق ناقته وأنا أقودها حتى إذا سرنا في رأس العقبة ثار القوم من ورائنا ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة فذعرت وكادت ان تنفر برسول الله فصاح بها النبي ان أسكني فليس عليك بأس فأنطقها الله بقول عربي فصيح فقالت والله يا رسول الله لا أزلت بدا عن مستقرا يد ولا رجلا عن موضع رجل وأنت ظهري. فتقدم القوم إلى الناقة ليدفعوها فأقبلت انا وعمار لنضرب وجوههم بأسيافنا وكانت ليلة مظلمة فزالوا عنا وآيسوا مما ظنوا وأدبروا، فقلت يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى؟ فقال يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة فقلت ألا تبعث إليهم يا رسول الله رهطا فيأتوا برؤوسهم؟ فقال إن الله أمرني أن أعرض عنهم وأكره ان يقول الناس انه دعا أناسا من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوه ثم أقبل عليهم فقتلهم ولكن دعهم يا حذيفة فان الله لهم بالمرصاد وسيمهلهم قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ. فقلت من هؤلاء المنافقون يا رسول الله أمن
298 المهاجرين أم من الأنصار؟ فسماهم إلى رجلا رجلا حتى فرغ منهم ولقد كان فيهم أناس كنت كارها ان يكون فيهم فأمسكت عند ذلك فقال رسول الله يا حذيفة كأنك شاك في بعض من سميت لك أرفع رأسك إليهم فرفعت طرفي إلى القوم وهم وقوف على الثنية فبرقت برقة أضاءت ما حولنا وثبتت البرقة حتى خلتها شمسا طالعة فنظرت والله إلى القوم فعرفتهم رجلا رجلا فإذا هم كما قال رسول الله وعدد القوم (أربعة عشر رجلا) تسعة من قريش وخمسة من سائر الناس فقال له الفتى سمهم لنا يرحمك الله؟ فقال حذيفة هم والله أبو بكر. وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص هؤلاء من قريش: وأما الخمسة الأخر: فأبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس بن الحدثان البصري، وأبو هريرة، وأبو طلحة الأنصاري. قال حذيفة ثم انحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله فتوضأ وأنتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا فرأيت هؤلاء بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أنصرف رسول الله من صلاته التفت فنظر إلى أبى بكر وعمر وأبى عبيدة يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر وأرتحل رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس من منزل العقبة فلما نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبى حذيفة أبا بكر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم وقال أليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ان لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر والله لتخبروني فيما أنتم وإلا أتيت رسول الله فأخبره بذلك منكم فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله وميثاقه فان نحن خبرناك بالذي نحن فيه وبما اجتمعنا فان أحببت ان تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منا وان كرهته كتمته علينا: فقال سالم لكم ذلك وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه وكان سالم شديد البغض والعداوة لعلي بن أبي طالب عليه السلام: وعرفوا ذلك منه فقالوا إنا قد اجتمعنا
299 على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما فرض علينا من ولاية على ابن أبي طالب بعده فقال لهم سالم عليكم عهد الله وميثاقه ان في هذا الأمر كنتم تخوضون وتناجون؟ قالوا أجل علينا عهد الله وميثاقه إنما كنا في هذا الأمر بعينه لا في شئ سواه قال سالم وانا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ولا أخالفكم عليه انه والله ما طلعت شمس على أهل بيت أبغض إلى من بنى هاشم ولا في بنى هاشم أبغض إلى ولا أمقت من علي بن أبي طالب فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم فإني واحد منكم فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا. فلما أراد رسول الله المسير أتوه فقال لهم فيما كنتم تتناجون في يومكم هذا وقد نهيتكم عن النجوى فقالوا يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وآله مليا ثم قال لهم أنتم أعلم أم الله (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) ثم سار صلى الله عليه وآله حتى دخل المدينة وأجتمع القوم جميعا وكتبوا صحيفة بينهم على ذكر ما تعاقدوا عليه في هذا الأمر وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب " ع " وان الأمر لأبي بكر وعمر وأبى عبيدة وسالم معهم ليس بخارج منهم وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا أصحاب العقبة وعشرون رجلا أخر واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح وجعلوه أمينهم عليها قال فقال الفتى يا أبا عبد الله يرحمك الله هبنا ان نقول هؤلاء القوم رضوا أبا بكر وعمر وأبا عبيدة لأنهم من مشيخة قريش ومن المهاجرين الأولين فما بالهم رضوا بسالم وليس هو من قريش ولا من المهاجرين والأنصار وانما هو لامرؤ من الأنصار قال حذيفة ان القوم أجمع تعاقدوا على إزالة هذا الأمر عن علي بن أبي طالب حسدا منهم له وكراهة لأمرته وأجتمع لهم مع ذلك ما كان في قلوب قريش عليه في سفك الدماء وكان خاصة رسول الله وكانوا يطلبون الثار الذي أوقعه رسول الله بهم عند على من بنى هاشم فإنما العقد على إزالة الأمر عن علي ابن أبي طالب " ع " هؤلاء الأربعة عشر وكانوا يرون ان سالم رجل منهم فقال
300 الفتى فخبرني يرحمك الله عما كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه فقال حذيفة حدثتني بذلك أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة أبى بكر ان القوم اجتمعوا في منزل أبى بكر فتآمروا في ذلك وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يديرونه في ذلك حتى أجتمع رأيهم على ذلك فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب لهم الصحيفة باتفاق منهم وكانت نسخة الصحيفة بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملا من أصحاب محمد رسول الله من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله تعالى في كتابه على لسان نبيه اتفقوا جميعا بعد أن اجتهدوا في آرائهم وتشاوروا في أمورهم وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله على غابر الأيام وباقي الدهور وليقتدى بهم من يأتي من بعدهم من المسلمين اما بعد فان الله بمنه وكرمه بعث محمدا رسولا إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده فأدى من ذلك وبلغ ما امره الله به وأوجب علينا القيام بجميعه حتى إذا أكمل الدين وفرض الفرائض وأحكم السنن اختار الله له ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا من غير أن يستخلف أحدا من بعده وجعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم ما وثقوا برأيه ونصحه وان للمسلمين في رسول الله أسوة حسنة قال الله تعالى (ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) ان رسول الله لم يستخلف أحدا لئلا يجرى ذلك في بيت واحد فيكون إرثا دون سائر المسلمين ولئلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ولئلا يقول المستخلف ان هذا الامر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيامة والذي يجب على المسلمين عند مضى خليفة من الخلفاء ان يجتمع ذووا الرأي والصلاح منهم فيتشاوروا في أمورهم فمن رأوه مستحقا له ولوه أمورهم وجعلوه القيم عليهم فإنه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم للخلافة فان ادعى مدع من الناس جميعا ان رسول الله أستخلف رجلا بعينه نصبه للناس ونص عليه باسمه ونسبه فقد أبطل في قوله وأتى بخلاف ما تعرفه أصحاب رسول الله وخالف جماعة المسلمين ان ادعى مدع ان خلافة رسول الله
301 ارث وان رسول الله صلى الله عليه وآله يورث فقد أحال في قوله لأن رسول الله قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وان أدعى مدع ان الخلافة لا تصلح إلا لرجل واحد من بين الناس جميعا وانها مقصورة فيه لا ينبغي لغيره لأنها تتلوا النبوة فقد كذب لان النبي قال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وإذا أدعى مدع أنه يستحق الخلافة والإمامة بقربه من رسول الله ثم هي مقصورة عليه وعلى عقبه يرثها الولد منهم عن والده ثم هي كذلك في كل عصر وزمان لا تصلح لغيرهم ولا ينبغي ان تكون لأحد سواهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فليس له ولا لولده وان دنا من النبي نسبه لأن الله يقول وقوله القاضي على كل أحد ان أكرمكم عند الله أتقاكم وقال رسول الله ان ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وكلهم يد واحده على من سواهم فمن آمن بكتاب الله وأقر بسنة رسول الله فقد استقام وأناب واخذ بالصواب ومن كره ذلك من فعلهم فقد خالف الحق والكتاب وفارق جماعة المسلمين فاقتلوه فان قتله صلاح الأمة وقد قال رسول الله من جاء إلى أمتي وهم جميع ففرق بينهم فاقتلوه واقتلوا الفرد كائنا ما كان فان الاجتماع رحمة والفرقة عذاب ولا يجتمع أمتي على ضلال ابدا وان المسلمين يد واحدة على من سواهم فإنه لا يخرج من جماعة إلا مفارق معاند لهم مظاهر عليهم أعداءهم فقد أباح الله ورسوله دمه وأحل قتله. وكتبها سعيد بن العاص باتفاق ممن أثبت أسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم سنة عشر من الهجرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا النبي وآله. ثم دفعت الصحيفة إلى أبى عبيده بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم نزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أن ولى الامر عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها وهي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين " ع " عليه لما توفى عمر فوقف عليه وهو مسجى بثوبه فقال ما أحب ان ألقى الله الا بصحيفة هذا المسجى ثم انصرفوا وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس صلاة الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله عز وجل حتى طلعت الشمس فالتفت إلى أبى عبيدة بن الجراح
302 فقال بخ بخ من مثلك لقد أصبحت أمين هذه الأمة ثم تلا (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيدهم وويل لهم مما يكسبون) لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمة يستخفون من الناس ولا يستحقون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ثم قال صلى الله عليه وآله لقد أصبح في هذه الأمة في يومى هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا وعلقوها في الكعبة وان الله تعالى يعذبهم عذابا ليبتليهم ويبتلي من يأتي من بعدهم تفرقة بين الخبيث والطيب ولولا أنه تعالى أمرني بالاعراض عنهم للامر الذي هو بالغه لقدمتهم فضربت أعناقهم قال حذيفة فوالله لقد رأينا هؤلاء النفر عند ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله هذه المقالة ولقد أخذتهم الرعدة فما يملك أحد من نفسه شيئا ولم يخف على أحد ممن حضر مجلس رسول الله ذلك اليوم ان رسول الله إياهم عنى بقول ولهم ضرب تلك الأمثال بما تلا من القرآن قال ولما قدم رسول الله من سفره ذلك نزل منزل أم سلمة زوجته فأقام بها شهرا لا ينزل منزلا سواه من منازل أزواجه كما كان يفعل قبل ذلك قال فشكت عائشة وحفصة ذلك إلى أبويهما فقالا لهما انا لا نعلم لم صنع ذلك ولأي شئ هو أمضيا إليه فلاطفاه في الكلام وخادعاه عن نفسه فإنكما تجد أنه حييا كريما فلعلكما تسلان ما في قلبه وتستخرجان سخيمته قال فمضت عائشة وحدها إليه فأصابته في منزل أم سلمة وعنده علي بن أبي طالب " ع " فقال لها النبي ما جاء بك يا حميراء قالت يا رسول الله أنكرت نخلفك عن منزلك هذه المدة وانا أعوذ بالله من سخطك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله لو كان الامر كما تقولين لما أظهرت سرا أوصيتك بكتمانه لقد هلكت وأهلكت أمة من الناس قال ثم أمر خادمة أم سلمة فقال اجمعي لي هؤلاء يعنى نساءه فجمعتهن له في منزل أم سلمة فقال لهن أسمعن ما أقول لكن وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب " ع " فقال لهن هذا أخي ووصى ووارثي والقائم فيكن وفى الأمة من بعدي فاطعنه فيما
303 يأمركن ولا تعصينه فتهلكن بمعصيته ثم قال يا علي أوصيك بهن فامسكهن ما أطعن الله وأطعنك وأنفق عليهن من مالك وأمرهن بأمرك وانههن عما يريبك وخل سبيلهن ان عصينك فقال على " ع " يا رسول الله إنهن نساء وفيهن الوهن وضعف الرأي فقال ارفق بهن ما كان الرفق بهن أمثل فمن عصاك منهن فطلقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها قال وكان نساء النبي قد صمتن فلم يقلن شيئا وتكلمت عائشة فقالت يا رسول الله ما كنا لتأمرنا بالشئ فنخالفه إلى ما سواه فقال لها بلى يا حميراء قد خالفت أمري أشد الخلاف وأيم الله لتخالفين قولي هذا ولتعصينه بعدي ولتخرجن من البيت الذي أخلفك فيه متبرجة قد حف بك فئام من الناس فتخالفيه ظالمة عاصية لربك ولينبحنك في طريقك كلاب الحوأب ألا ان ذلك كائن ثم قال قمن فانصرفن إلى منازلكن فقمن وانصرفن قال ثم إن رسول الله جمع أولئك النفر ومن مالاهم على على " ع " وطابقهم على عداوته ومن كان من الطلقاء والمنافقين وكانوا زها. أربعة آلاف رجل فجعلهم تحت يد أسامة بن زيد مولاه وأمره عليهم وأمرهم بالخروج إلى ناحية من الشام فقالوا يا رسول الله انا قدمنا من سفرنا الذي كنا فيه معك ونحن نسألك ان تأذن لنا في المقام لنصلح من شأننا يصلحنا في سفرنا قال فأمرهم ان يكونوا في المدينة ربث اصلاح ما يحتاجون إليه وامر أسامة بن زيد فعسكر بهم على أميال من المدينة فأقام بهم بمكانه الذي حده له رسول الله صلى الله عليه وآله منتظرا القوم ان يوافوه إذا فرغوا من أمورهم وقضاء حوائجهم وإنما أراد رسول الله بما صنع من ذلك أن تخلوا المدينة منهم ولا يبقى بها أحد من المنافقين قال فهم على ذلك من شأنهم ورسول الله يحثهم ويأمرهم بالخروج والتعجيل إلى الوجه الذي نديهم إليه إذ مرض رسول الله مرضه الذي توفى فيه فلما رأوا ذلك تباطؤا عما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله من الخروج فامر قيس بن عبادة وكان سياف رسول الله والحباب بن المنذر في جماعة من الأنصار ان يرحلوا بهم إلى عسكرهم فأخرجهم قيس بن سعد والحباب بن
304 المنذر حتى ألقاهم بعسكرهم وقالا لأسامة ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرخص لك في التخلف فسر من وقتك هذا ليعلم رسول الله ذلك فارتحل بهم أسامة وأنصرف قيس والحباب بن المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبراه برحلة القوم فقال صلى الله عليه وآله لهما ان القوم غير سائرين من مكانهم قال وخلا أبو بكر وعمرو أبو عبيدة بأسامة وجماعة من أصحابه فقالوا إلى أين تنطلق وتخلى المدينة أحوج ما كنا إليها والى المقام بها فقال لهم وما ذلك قالوا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد نزل به الموت والله لئن خلينا المدينة ليحدثن بها أمور لا يمكن اصلاحها فننظر ما يكون من أمر رسول الله ثم المسير بين أيدينا قال فرجع القوم إلى المعسكر الأول فأقاموا به وبعثوا رسولا يتعرف لهم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى الرسول عائشة فسألها عن ذلك سرا فقالت أمض إلى أبى بكر وعمر ومن معهما فقل لهما ان رسول الله قد ثقل فلا يبرحن أحد منكم وانا أعلمكم بالخبر وقتا بعد وقت واشتدت علة رسول الله فدعت عائشة صهيبا فقالت أمض إلى أبى بكر وأعلمه ان محمدا في حال لا يرجى فهلم إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتم ان يدخل معكم وليكن دخولكم المدينة في الليل قال فأتاهم الخبر فاخذوا بيد صهيب فأدخلوه على أسامة بن زيد فأخبره الخبر وقالوا له كيف ينبغي لنا ان نتخلف عن مشاهدة رسول الله صلى الله عليه وآله واستأذنوه في الدخول فأذن لهم في الدخول وأمرهم ان لا يعلم بدخولهم أحد فان عوفي رسول الله صلى الله عليه وآله رجعتم إلى عسكركم وان حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل فأفاق بعض الإفاقة فقال صلى الله عليه وآله لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم فقيل له وما هو يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر مخالفون لأمري ألا انى إلى الله منهم برئ ويحكم نفذوا جيش أسامة فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة قال وكان بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذنه بالصلاة في كل وقت صلاة فان قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس وان هو لم
305 يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالب " ع " يصلى بالناس وكان علي بن أبي طالب والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله من ليلته التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد أسامة اذن بلال ثم اتاه يخبره كعادته فوجده قد ثقل فمنع من الدخول عليه فأمرت عائشة صيهبا ان يمضى إلى أبيها فيعلمه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلى ابن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس فإنها حيلة تهنيك وحجة لك بعد اليوم قال فلم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وآله أو عليا يصلى بهم كعادته التي عرفوها في مرضه إذ دخل أبو بكر المسجد وقال إن رسول الله قد ثقل وقد امرني ان أصلى بالناس فقال له رجل من أصحاب رسول الله وأنى لك ذلك وأنت في جيش أسامة ولا والله ما أعلم أحدا بعث إليك ولا أمرك بالصلاة ثم نادى الناس بلالا فقال على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقا شديدا فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ما هذا الدق العنيف فانظروا ما هو قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال فقال ما وراءك فقال إن أبا بكر دخل المسجد وتقدم حتى وقف في مقام رسول الله وزعم أن رسول الله أمره بذلك فقال أو ليس أبو بكر مع أسامة في الجيش هذا والله هو الشر العظيم الذي طرق البارحة المدينة لقد أخبرنا رسول الله بذلك ودخل الفضل وادخل بلال معه فقال صلى الله عليه وآله ما وراءك يا بلال فأخبر رسول الله الخبر فقال صلى الله عليه وآله أقيموني أقيموني أخرجوني إلى المسجد والذي نفسي بيده قد نزلت بالاسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين على " ع " والفضل بن العباس ورجلاه تجران في الأرض حتى دخل المسجد وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا معه وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال فلما رأى الناس
306 رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك وتقدم رسول الله فجذب أبا بكر من ورائه فنحاه عن المحراب وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته ثم التفت فلم ير أبا بكر فقال أيها الناس الا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يد أسامة وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة ألا وان الله قد أركسهم فيها عرجوا بي إلى المنبر فقام وهو مربوط حتى قعد على أدبي مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس انني قد جاءني من أمر ربى ما الناس صائرون إليه وإن قد تركتكم على المحجة الواضحة ليلها كنهارها فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل أيها الناس لأحل لكم إلا ما أحله القرآن ولا أحرم عليكم إلا ما حرمه القرآن وإني مخلف فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ولن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي هما الخليفتان وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فأسألكم ماذا خلفتموني فيهما وليذادن يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل فيقول انا فلان وانا فلان فنقول اما الأسماء ففد عرفت ولكنكم ارتددتم من بعدي فسحقا لكم سحقا ثم نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته ولم يظهر أبو بكر وأصحابه حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من أمر الأنصار وسعيد في السقيفة ما كان فمنعوا أهل بيت نبيهم حقوقهم التي جعلها الله عز وجل واما كتاب الله فمزقوه كل ممزق وفيما أخبرتك يا أخا الأنصار من خطب معتبر لمن أحب الله هدايته فقال الفتى صم لي القوم الآخرين الذين حضروا الصحيفة فقال حذيفة هم أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية بن خلف وسعيد بن العاص وعياش بن أبي ربيعة وبشر بن سعيد وسهيل بن عمر وحكيم بن حزام وصهيب بن سنان وأبو الأعور السلمي ومطيع بن الأسود المدوي وجماعة
307 من هؤلاء ممن سقط عنى إحصاء عددهم فقال الفتى يا أبا عبد الله ما هؤلاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أنقلب الناس أجمعون بسببهم فقال حذيفة إن في هؤلاء رؤس القبائل وأشرافها وما من رجل من هؤلاء إلا ومعه خلق عظيم يسمعون له ويطيعونه واشربوا في قلوبهم من أبى بكر كما اشرب في قلوب بني إسرائيل من حب العجل والسامري حتى تركوا هارون واستضعفوه قال الفتى فإني أقسم بالله حقا حقا إني لا أزال لهم مبغضا وإلى الله منهم ومن أفعالهم متبرئا ولازلت لأمير المؤمنين " ع " مواليا ولأعدائه معاديا ولألحقن به وإني لأؤمل ان ارزق الشهادة معه وشيكا إن شاء الله ثم ودع حذيفة وقال هذا وجهي إلى أمير المؤمنين " ع " فخرج إلى المدينة واستقبله أمير المؤمنين وقد شخص من المدينة يريد العراق فصار معه إلى البصرة فلما التقى أمير المؤمنين " ع " مع أصحاب الجمل كان ذلك الفتى أول من قتل من أصحاب أمير المؤمنين وذلك لما صف القوم واجتمعوا على الحرب أحب أمير المؤمنين " ع " ان يستظهر عليهم بدعائهم إلى القرآن وحكمه فدعا بمصحف وقال من يأخذ هذا المصحف يعرضه عليهم ويدعوهم إلى ما فيه فيحيى ما أحياه ويميت ما أماته قال وقد شرعت الرماح بين العسكرين حتى لو أراد أمرؤ ان يمشى عليها لمشى قال فقام الفتى فقال يا أمير المؤمنين انا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه قال فاعرض عنه أمير المؤمنين ثم نادى الثانية من يأخذ هذا المصحف فيعرضه عليهم ويدعوهم إلى ما فيه فلم يقم إليه أحد فقام الفتى فقال يا أمير المؤمنين أنا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه قال فاعرض عنه أمير المؤمنين " ع " ثم نادى الثالثة فلم يقم إليه أحد من الناس إلا الفتى فقال انا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه فقال أمير المؤمنين انك أن فعلت فأنت مقتول فقال والله يا أمير المؤمنين ما شئ أحب إلى من أن ارزق الشهادة بين يديك وان اقتل في طاعتك فأعطاه أمير المؤمنين " ع " المصحف فتوجه به نحو عسكرهم فنظر إليه أمير المؤمنين " ع " وقال إن الفتى ممن حشا الله
308 قلبه نورا وإيمانا وهو مقتول ولقد أشفقت عليه ولن يفلح القوم بعد قتلهم إياه فمضى الفتى بالمصحف حتى وقف بإزاء عسكر عائشة وطلحة والزبير حينئذ عن يمين الهودج وشماله وكان له صوت فنادى بأعلى صوته معاشر الناس هذا كتاب الله وان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " يدعوكم إلى كتاب الله والحكم بما انزل الله فيه فأنيبوا إلى طاعة الله والعمل بكتابه قال وكانت عائشة وطلحة والزبير يسمعون قوله فأمسكوا فلما رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا إلى الفتى والمصحف في يمينه فقطعوا يده اليمنى فتناول المصحف بيده اليسرى وناداهم بأعلى صوته مثل ندائه أول مرة فبادروا إليه فقطعوا يده اليسرى فتناول المصحف واحتضنه ودماؤه تجرى عليه فناداهم مثل ذلك فشدوا عليه فقتلوه ووقع ميتا فقطعوه إربا إربا ولقد رأينا شحم بطنه اصفر، قال وأمير المؤمنين واقف يراهم فاقبل على أصحابه وقال إني والله ما كنت في شك ولا لبس من ضلالة القوم وباطلهم ولكن أحببت ان يتبين لكم جميعا ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدي في رجال صالحين معه ووثوبهم بهذا الفتى وهو يدعوهم إلى كتاب الله والحكم والعمل بموجبه فثاروا عليه فقتلوه لا يرتاب بقتلهم إياه مسلم ووقعت الحرب واشتدت فقال أمير المؤمنين " ع " احملوا عليهم بسم الله حم لا ينصرون وحمل عليه السلام هو بنفسه والحسنان " ع " وأصحاب رسول الله معه فغاص في القوم بنفسه فوالله ما كانت ألا ساعة من نهار حتى رأينا القوم شلايا يمينا وشمالا صرعى تحت سنابك الخيل ورجع أمير المؤمنين مؤيدا منصورا فتح الله عليه ومنحه أكتافهم فامر بذلك الفتى وجميع من قتل معه فلفوا في ثيابهم بدمائهم لم تنزع عنهم ثيابهم وصلى عليهم ودفنهم وأمرهم ان لا يجهزوا على جريح ولا يتبعوا لهم مدبرا وامر بما حوى العسكر فجمع له فقسمه بين أصحابه وامر محمدا ابن أبي بكر ان يدخل أخته إلى البصرة فتقيم بها أياما ثم يرحلها إلى منزلها بالمدينة. قال عبد الله بن مسلمة كنت ممن شهد حرب الجمل فلما وضعت الحرب أوزارها
309 رأيت أم ذلك الفتى واقفة عليه فجعلت تبكي وتقبله ثم أنشأت تقول: يا رب ان مسلما أتاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم يأمرهم بالامر من مولاهم * فخضبوا من دمه قناهم وأمهم قائمة تراهم * تأمرهم بالبغي لا تنهاهم (حزيمة بن ثابت) ابن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري ذو الشهادتين يكنى أبا عمارة وإنما قيل له ذو الشهادتين لأن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل شهادته كشهادة رجلين. قال الزمخشري في ربيع الأبرار روى أن رسول الله استقضاه يهودي دينارا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أولم أقضك فطلب البينة فقال لأصحابه أيكم يشهد لي فقال حزيمة انا يا رسول الله فقال وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه قال يا رسول الله نحن نصدقك على الوحي من السماء فكيف لا نصدقك على إنك قضيته فانفذ شهادته وسماه بذلك لأنه صير شهادته شهادة رجلين. وروى ابن الجوزي في كتاب الأذكياء قال أخبرنا ابن الحسين قال أخبرنا ابن المذهب قال أخبرنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال أخبرنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثنا عمارة بن خزيمة الأنصاري ان عمه حدثه ان النبي صلى الله عليه وآله ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وآله المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يتعرضون للأعرابي فيساومون في الفرس الذي ابتاعه النبي حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي صلى الله عليه وآله فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وآله؟ فقال انى كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي قد ابتعته منك قال لا فطفق الناس يلوذون بالنبي والأعرابي وهما يتراجعان فطفق الأعرابي يقول هلم شاهدا يشهد انى قد بعتك من جاء من المسلمين قال للأعرابي ويلك ان النبي لم يكن ليقول إلا حقا حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي ومراجعة الأعرابي
310 فطفق الأعرابي يقول هلم شاهدا يشهد إني قد بايعتك فقال خزيمة انا اشهد انك قد بايعته فاقبل النبي صلى الله عليه وآله على خزيمة فقال بم تشهد فقال بتصديقك يا رسول الله فجعل النبي صلى الله عليه وآله شهادة خزيمة بشهادة رجلين وكان خزيمة من كبار الصحابة شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وكانت راية بنى حطمة بيده يوم الفتح. قال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " وكان خزيمة ممن أنكر على أبى بكر تقدمه على على " ع ". وروى عن الصادق " ع " انه قام ذلك اليوم فقال أيها الناس ألستم تعلمون ان رسول الله قبل شهادتي ولم يرد معي غيري قالوا بلى قال فاشهدوا انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين يقتدى بهم وقد قلت ما علمت وما على الرسول إلا البلاغ. وعن الأسود بن زيد النخعي قال لما بويع علي بن أبي طالب " ع " على منبر رسول الله قال خزيمة بن ثابت الأنصاري وهو واقف بين يدي المنبر هذه الأبيات: إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن وجدناه أولى الناس بالناس انه * أطب قريشا بالكتاب وبالسنن فان قريشا ما تشق غباره * إذا ما جرى يوما على الضمر البدن وفيه الذي فيهم من الخير كله * وما فيهم مثل الذي فيه من حسن وصى رسول الله من دون أهله * وفارسه قد كان في سالف الزمن وأول من صلى من الناس كلهم * سوى خيرة النسوان والله ذو منن وصاحب كبش القوم في كل وقعة * يكون له نفس الشجاع لذي الذقن فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه * امامهم حتى أغيب في الكفن ومن شعر خزيمة قوله في يوم الجمل لعائشة: أعائش خلى عن علي وعيبه * بما ليس فيه إنما أنت والده
311 وصى رسول الله من دون أهله * وأنت على ما كان من ذاك شاهده وحسبك منه بعض ما تعلمينه * ويكفيك لو لم تعلمي غير واحده إذا قيل ماذا عبت منه رميته * بخذل ابن عفان وما تلك آيده وليس سماء الله قاطرة دما * لذاك وما ارض الفضاء بمائدة وقوله أيضا في ذلك اليوم: ليس بين الأنصار في حرمة الحر * ب وبين العداة إلا الطعان وقراع الكماة بالقضب البيض * إذا ما تحطم المران فادعها يستجب فليس من الخزرج والأوس يا علي جبان يا وصي النبي قد أجلت الحرب * الأعادي وسارت الأضعان واستقامت لك الأمور سوى الشام * وفى الشام تظهر الأضغان حسبهم ما رأوا وحسبك منا * هكذا نحن حيث كان وكانوا وقتل خزيمة بصفين مع أمير المؤمنين " ع " في الواقعة المعروفة بوقعة الخميس في الوقائع. قال نصر بن مزاحم، بسنده عن إبراهيم النخعي قال: حدثني القعقاع بن الأبرد الطهوي، قال والله إني لواقف قريبا من على بصفين يوم وقعة الخميس وقد التقت مذحج وكانوا على ميمنة على " ع " بعك ولخمم وخذام والأشعريين وكانوا مستبصرين بقتال على فلقد والله رأيت ذلك اليوم من قتالهم وسمعت من وقع السيوف على الرؤس وخبط الخيول بحوافرها في الأرض وفى القتلى ما الجبال تهد ولا الصواعق تصعق بأعظم هؤلاء في الصدور من تلك الأصوات ونظرت إلى على " ع " وهو قائم فدنوت منه فسمعته يقول لا حول ولا قوة ألا بالله اللهم إليك أشكو وأنت المستعان ثم نهض " ع " حين قام فأتم الظهيرة وهو يقول (ربنا) افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) وحمل على الناس بنفسه وسيفه مجرد بيده فلا والله ما حجز بين الناس ذلك اليوم الا رب العالمين في قريب من ثلث
312 الليل الأول وقتلت يومئذ أعلام العرب وقتل في هذا اليوم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين. وروى عن الفضل بن دكين قال حدثنا عبد الجبار بن العباس الشامي عن أبي إسحاق قال لما قتل عمار (ره) دخل خزيمة بن ثابت فسطاطه وطرح عنه سلاحه ثم شن عليه الماء فاغتسل ثم قاتل حتى قتل. وروى أبو معشر عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال ما زال جدي كافا سلاحه يوم الجمل ويوم صفين حتى قتل عمار فلما قتل عمار سل سيفه وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول تقتله الفئة الباغية فقاتل حتى قتل (ره). قال نصر ابن مزاحم، وقالت منيعة بنت خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ترثى أباها (ره) وهي تقول: عين جودي على خزيمة بالدمع * قتيل الأحزاب يوم الفرات قتلوا ذا الشهادتين عتوا * أدرك الله منهم بالترات قتلوه في فتية غير عزل * يسرعون الركوب في الدعوات نصروا السيد الموفق ذا العد * ل ودانوا بذاك حتى الممات لعن الله معشرا قتلوه * ورماهم بالخزي والآفات قال عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني ومن غريب ما وقفت عليه من العصبية القبيحة ان أبا حيان التوحيدي قال في كتاب البصائر ان خزيمة بن ثابت المقتول مع علي " ع " بصفين ليس هو ذو الشهادتين بل آخر من الأنصار صحابي أسمه خزيمة بن ثابت وهذا خطأ لأن كتب الحديث والنسب تنطق بأنه لم يكن في الصحابة من الأنصار ولا من غير الأنصار من أسمه خزيمة بن ثابت إلا ذو الشهادتين وإنما الهوى لا دواء له على أن الطبري صاحب التاريخ قد سبق أبا حيان بهذا القول ومن كتابه نقل أبو حيان، والكتب الموضوعة لأسماء الصحابة تشهد بخلاف ما ذكراه ثم أي حاجة لناصري أمير المؤمنين " ع " ان يتكثروا بخزيمة
313 وأبى الهيثم وعمار وغيرهم لو أنصف الناس هذا ورأوه بالعين الصحيحة لعلموا أنه لو كان وحده وحاربه الناس كلهم أجمعون لكان على الحق وكانوا على الباطل انتهى كلامه. وكانت وقعة صفين في سنة سبع وثلاثين للهجرة. والخطمي بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة وفى آخرها ميم نسبة إلى بطن من الأنصار وهم بنو خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس بن حارثة ينسب إليهم جماعة من الصحابة. (أبو أيوب الأنصاري) أبو أيوب خالد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار وهو تيم ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأنصاري الخزرجي من بنى النجار كان من كبار الصحابة شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد وكان سيدا معظما من سادات الأنصار وهو صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله نزل عنده لما خرج من بنى عمرو ابن عوف حين قدم المدينة مهاجرا من مكة فلم يزل عنده حتى بنى مسجده ومساكنه ثم أنتقل إليها. وروى ابن شهرآشوب في المناقب مرفوعا عن سلمان (رض) قال لما قدم النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة تعلق الناس بزمام الناقة فقال النبي صلى الله عليه وآله يا قوم دعوا الناقة فهي مأمورة فعلى باب من بركت فانا عنده فأطلقوا زمامها وهي تهف في السير حتى دخلت المدينة فبركت على باب أبى أيوب الأنصاري ولم يكن في المدينة أفقر منه فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي صلى الله عليه وآله فنادى أبو أيوب يا أماه افتحي الباب فقد قدم سيد البشر وأكرم ربيعة ومضر محمد المصطفى والرسول المجتبى فخرجت وفتحت الباب وكانت عمياء فقالت وا حسرتاه ليت كان لي عين أبصر بها إلى وجه سيدي رسول الله فكان أول معجزة النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة انه وضع كفه على وجه أم أبى أيوب فانفتحت عيناها. قال الذهبي وفد أبو أيوب على ابن عباس بالبصرة فقال انى أخرج عن
314 مسكني لك كما خرجت عن مسكنك لرسول الله صلى الله عليه وآله فأعطاه ذلك وعشرين الف درهما وأربعين عبدا. وكان أبو أيوب من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " وأنكر على أبى بكر تقدمه على على " ع " وروى عن الصادق " ع " انه قام في ذلك اليوم فقال اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم وأوردوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم فقد سمعتم مثل سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى الله عليه وآله ومجلس بعد مجلس يقول أهل بيتي أئمتكم بعدي ويومئ إلى على " ع " ويقول هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله منصور من نصره فتوبوا إلى الله من ظلمكم ان الله تواب رحيم ولا تتولوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب ان أبا أيوب شهد مع علي " ع " مشاهده كلها. وروى عن الكلبي وابن اسحق قالا شهد معه يوم الجمل وصفين وكان على مقدمته يوم النهروان. وقال إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين قال حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثنا ابن فضيل قال حدثنا الحسن بن الحكم النخعي عن رباح بن الحرث النخعي قال كنت جالسا عند على إذ قدم قوم متلثمون فقالوا السلام عليك يا مولانا فقال أو لستم قوما عربا قالوا بلى ولكنا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله قال فلقد رأيت عليا ضحك حتى بدت نواجده ثم قال اشهدوا ثم إن القوم مضوا إلى رحالهم فتبعتهم فقلت لرجل منهم من القوم قال نحن رهط من الأنصار وذاك يعنون رجلا منهم أبو أيوب الأنصاري صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله قال فأتيته فصافحته. وروى هذا الخبر بعبارة أخرى عن رياح بن الحرث المذكور قال كنت في الرحبة مع أمير المؤمنين " ع " إذ أقبل ركب يسيرون حتى أناخوا بالرحبة ثم أقبلوا يمشون حتى أتوا عليا " ع " فقالوا السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله
315 وبركاته قال من القوم قالوا مواليك يا أمير المؤمنين قال فنظرت إليه وهو يضحك ويقول من أين وأنتم قوم عرب قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم وهو آخذ بعضدك يقول أيها الناس الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلنا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن الله مولاي وانا مولى المؤمنين وعلى مولى من كنت مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقال " ع " أنتم تقولون ذلك قالوا نعم قال " ع " وتشهدون عليه قالوا نعم قال " ع " صدقتم فانطلق القوم وتبعتهم فقلت لرجل منهم من أنتم يا عبد الله قال نحن رهط من الأنصار وهذا أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذت بيده فسلمت عليه وصافحته. وروى ابن ديزيل في كتاب صفين أيضا عن يحيى بن سليمان عن إبراهيم الهجري عن أبي صادق قال قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق فأهدت له الا رد جزورا فبعثوها معي فدخلت إليه وسلمت عليه وقلت له يا أبا أيوب قد كرمك الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وآله ونزوله عليك فمالي أراك تستقبل الناس بسيفك تقاتل هؤلاء مرة وهؤلاء مرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلينا ان نقاتل مع علي " ع " الناكثين فقد قاتلناهم وعهد إلينا ان نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم يعنى معاوية وأصحابه وعهد إلينا ان نقاتل معه المارقين ولم أرهم بعد. وروى أبو بكر محمد بن الحسن الآجري تلميذ أبى بكر بن داود السجستاني في الجزء الثاني من كتاب الشريعة باسناده ان علقمة بن قيس والأسود بن يزيد قالا أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا ان الله تعالى أكرمك بمحمد صلى الله عليه وآله إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ضيفك فضيلة فضلك الله بها ثم خرجت تقاتل مع علي بن أبي طالب فقال مرحبا بكما وأهلا وإنني أقسم لكما بالله لقد كان رسول الله في هذا البيت الذي أنتما فيه وما في البيت غير رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى " ع " جالس عن يمينه وانا قائم بين يديه وأنس إذ حرك الباب فقال رسول الله يا أنس أنظر من بالباب فخرج فنظر ورجع فقال هذا عمار بن
316 ياسر قال أبو أيوب فسمعت رسول الله يقول يا أنس افتح لعمار الطيب ابن الطيب ففتح الباب فدخل عمار فسلم على رسول الله فرد عليه السلام ورحب به وقال يا عمار سيكون في أمتي بعدي هناة واختلاف حتى يختلف السيف بينهم حتى يقتل بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض فان رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني يعنى عليا " ع " وان سلك الناس كلهم واديا فاسلك وادى على وخل الناس طرا، يا عمار ان عليا لا يزل عن هدى يا عمار ان طاعة على من طاعتي وطاعتي من طاعة الله تعالى. وروى الخطيب في تاريخه ان علقمة والأسود أتيا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقالا له يا أبا أيوب ان الله أكرمك بنزول محمد صلى الله عليه وآله وبمجئ ناقته تفضلا من الله تعالى واكراما لك حتى أناخت ببابك دون الناس جميعا ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب أهل لا إله إلا الله فقال يا هذا ان الرائد لا يكذب أهله ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمرنا بقتال ثلاثة مع علي " ع " بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فاما الناكثون فقد قاتلناهم وهم أهل الجمل طلحة والزبير واما القاسطون فهذا منصرفنا عنهم يعنى معاوية وعمرو بن العاص واما المارقون فهم أهل الطرفاوات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروان والله ما أدرى أين هم ولكن لابد من قتالهم انشاء الله تعالى ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية وأنت إذ ذاك على الحق والحق معك يا عمار ان رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس كلهم واديا فاسلك مع علي فإنه لن يرديك في ردئ ولن يخرجك من هدى يا عمار من تقلد سيفا أعان به عليا قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ومن تقلد سيفا أعان به عدو على " ع " قلده الله وشاحين من النار قلنا يا هذا حسبك رحمك الله. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال حدثنا عمرو بن سعد عن الأعمش قال كتب معاوية إلى أبى أيوب الأنصاري وكان من شيعة على " ع " كتابا
317 وكتب إلى زياد بن سمية وكان عاملا لعلى " ع " على بعض فارس كتابا ثانيا فاما كتابه إلى أبى أيوب الأنصاري فكان سطرا واحدا حاجيتك لا تنسى الشيباء أبا عذرها ولا قاتل بكرها فلم يدر أبو أيوب ما هو قال فأتى به عليا فقال يا أمير المؤمنين ان معاوية كهف المنافقين كتب إلى بكتاب لا أدرى ما هو قال علي عليه السلام فأين الكتاب فدفعه إليه فقرأه قال نعم هذا مثل ضربه لك يقول ما أنسى الذي لا تنسى الشيباء لا تنسى أبا عذرها والشيباء المرأة البكر ليلة افتضاضها لا تنسى بعلها الذي افترعها ابدا ولا تنسى قاتل بكرها وهو أول ولدها كذلك لا أنسى انا قتل عثمان وأما الكتاب الذي كتبه إلى زياد فإنه كان وعيدا وتهديدا فقال زياد وبلى على معاوية كهف المنافقين وبقية الأحزاب يهددني ويتوعدني وبيني وبينه ابن عم محمد صلى الله عليه وآله معه سبعون ألفا سيوفهم على عواتقهم يطيعونه في جميع ما يأمرهم به لا يلتفت رجل منهم وراءه حتى يموت اما والله لأن ظفر ثم خلص إلى ليجدني احمر ضرابا بالسيف، قال نصر بن مزاحم احمر أي مولى فلما ادعاه معاوية عاد عربيا منافيا. قال نصر وروى عمر بن شمران معاوية كتب في أسفل كتابه إلى أبى أيوب الأنصاري. أبلغ لديك أبا أيوب مألكة * انا وقومك مثل الذئب والنقد اما قتلتم أمير المؤمنين فلا * ترجوا الهوادة منا آخر الأبد ان الذي نلتموه ظالمين له * أبقت حزازته صدعا على كبدي انى حلفت يمينا غير كاذبة * لقد قتلتم إماما غير ذوي أود لا تحسبوا انني أنسى مصائبه * وفى البلاد من الأنصار من أحد في أبيات اخر فلما قرأ الكتاب على " ع " قال لشد ما شحذكم معاوية يا معشر الأنصار أجيبوا الرجل فقال أبو أيوب يا أمير المؤمنين انى ما شاء ان أقول شيئا من الشعر تعبي به الرجال إلا قلته قال عليه السلام فأنت إذا أنت فكتب
318 أبو أيوب إلى معاوية اما بعد فإنك كتبت لا تنسى الشيباء أبا عذرها ولا قاتل بكرها فضربتها مثلا لقتل عثمان وما نحن وما قتل عثمان ان الذي تربص بعثمان وثبط يزيد بن أسد وأهل الشام عن نصرته لأنت وان الذي قتلوه لغير الأنصار وكتب في آخر كتابه: لا توعدنا ابن حرب إننا نفر * لا نبتغي ود ذي البغضاء من أحد فاسعوا جميعا بنوا الأحزاب كلكم * لسنا نريد رخاكم آخر الأبد نحن الذين ضربنا الناس كلهم * حتى استقاموا وكانوا بيني الأود فالعام قصرك منا ان ثبت لنا * ضرب يزايل بين الرأس والجسد اما على فانا لا نفارقه * ما رقرق الأل في الداوية الجرد اما تبدلت منا بعد نصرتنا * دين الرسول أناسا ساكني الجند لا يعرفون أضل الله سعيهم * الا اتباعكم يا راعى النقد لقد بغى الحق هضما شر ذي كلع * واليحصبيون طرا بيضة البلد قال فلما أتى معاوية كتاب أبى أيوب كرهه. وأخرج الكشي باسناده عن محمد بن سليمان قال قدم علينا أبو أيوب الأنصاري فنزل ضيعتنا يعلف خيلا له فأتيناه فأهدينا له قال فقعدنا عنده فقلنا يا أبا أيوب قاتلت المشركين بسيفك هذا مع رسول الله ثم جئت تقاتل المسلمين فقال إن النبي أمرني بقتال القاسطين والمارقين والناكثين وقاتلت القاسطين وإنا نقاتل إن شاء الله بالسعفات بالطرافات بالنهروانات وما أدري أنى هي. قال المؤلف ثم شهد أبو أيوب (ره) وقعة النهروان مع أمير المؤمنين وهو على مقدمته فقاتل المارقين أيضا كما أمره النبي صلى الله عليه وآله بذلك. ولما أخرج معاوية يزيد على الصائفة وهي غزوة الروم - وإنما سميت الصائفة لأنهم يغزون صيفا لمكان البرد والثلج - خرج معه أبو أيوب الأنصاري رغبة في جهاد المشركين فمرض في أثناء الطريق ولما صاروا على الخليج ثقل أبو أيوب
319 فاتاه يزيد عائدا وقال له ما حاجتك يا أبا أيوب فقال اما دنياكم فلا حاجة لي فيها ولكن إذا مت فقدموني ما استطعتم في بلاد العدو فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يدفن عند سور القسطنطينة رجل صالح من أصحابي وقد رجوت أن أكونه ثم مات فجهزوه وحملوه على سرير فكانوا يجاهدون والسرير يحمل ويقدم فجعل قيصر يرى سرير يحمل والناس يقتتلون فأرسل إليهم ما هذا الذي أرى قالوا صاحب نبينا وقد سألنا ان ندفنه في بلادك ونحن منفذون وصيته فأرسل إليهم العجب كل العجب من عقولكم تعمدون إلى صاحب نبيكم فتدفنونه في بلادنا فإذا وليتم أخرجناه إلى الكلاب فقالوا إنا والله ما أردنا ان نودعه بلادكم حتى نودع كلامنا آذانكم فانا كافرون بالذي أكرمناه هذا له لأن بلغنا انه نبش من قبره أو عبث به ان تركنا بأرض العرب نصرانيا إلا قتلناه ولا كنيسة إلا هدمناها فكتب إليهم قيصر أنتم كنتم أعلم منا فوحق المسيح لأحفظنه بيدي سنة ثم دفنوه عند سور القسطنطينة فبنى عليه قبة يسرج فيها إلى اليوم وأختلف المؤرخون في السنة التي كانت بها هذه الغزاة ومات فيها أبو أيوب فقال المسعودي في مروج الذهب كانت سنة خمس وأربعين وقال غيره كانت سنة خمسين وقيل إحدى وخمسين وقيل اثنين وخمسين والله أعلم. وسئل الفضل بن شاذان عن أبي أيوب وقتاله مع معاوية المشركين فقال كان ذلك منه قلة فقه وغفلة ظن أنه إنما يعمل عملا لنفسه يقوى به الاسلام ويوهي (1) به الشرك وليس عليه من معاوية متى كان معه أولم يكن والله أعلم (أبو الهيثم مالك بن التيهان) بفتح التاء المثناة من فوق وبعدها ياء مكسورة مشددة مثناة من تحت ثم هاء وبعد الألف نون ابن أبي عبيد بن عمر عبد الأعلم بن عامر البلوى ثم الأنصاري حليف بنى عبد الأشهل وقالت طائفة من أهل العلم انه من الأنصار
(1) في نسخة - ويوهن 320 من أنفسهم من الأوس هو مشهور بكنيته كان أحد النقباء ليلة العقبة شهد بيعة العقبة الأولى والثانية وكان أحد التسعة الذين لقوا قبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله بالعقبة وهو أول من بايع رسول الله ليلة العقبة فيما يزعم بنو عبد الأشهل واما بنو النجار فيزعمون أن أول من بايع ليلة العقبة أسعد بن زرارة، وزعم بنو سلمة انه كعب بن مالك وزعم غيرهم ان أول من بايع رسول الله البراء والله أعلم. وشهد أبو الهيثم بدرا واحدا والمشاهد كلها. وروى الطوسي في أماليه عن زيد بن أرقم في خبر طويل ان النبي صلى الله عليه وآله أصبح طاويا فأتى فاطمة " ع " فرأى الحسن والحسين " ع " يبكيان من الجوع فجعل يزقهما بريقه حتى شبعا وناما فذهب مع علي إلى دار أبى الهيثم فقال مرحبا برسول الله ما كنت ان تأتيني وأصحابك إلا وعندي شئ وكأن لي شئ ففرقته في الجيران فقال صلى الله عليه وآله أوصاني جبرائيل " ع " بالجار حتى حسبت انه سيورثه قال فنظر النبي إلى نخلة في جانب الدار فقال أبو الهيثم تأذن في هذه النخلة فقال يا رسول الله انه لفحل وما حمل شيئا قط شأنك به فقال يا علي إيتني بقدح ماء فشرب منه ثم مج فيه ثم رش على النخلة فتملت أعذاقا من بسر ورطب ما شئنا فقال صلى الله عليه وآله ابدؤا بالجيران فأكلنا وشربنا ماءا باردا حتى شبعنا وروينا فقال يا علي هذا من النعيم الذي يسألون عنه يوم القيامة يا علي تزود لمن ورائك لفاطمة والحسن والحسين قال فما زالت تلك النخلة نسميها نخلة الجيران حتى قطعها يزيد عام الحرة قال الفضل بن شاذان ان أبا الهيثم من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " وأنكر تقدم أبى بكر عليه. وروى عن الصادق " ع " انه قام ذلك اليوم فقال انا اشهد على نبينا صلى الله عليه وآله انه أقام عليا - يعنى في يوم غدير خم - فقال الأنصار ما أقامه للخلافة، وقال بعضهم ما أقامه إلا ليعلم الناس انه مولى من كان رسول الله مولاه فسألوه عن ذلك فقال
321 قولوا لهم على ولى المؤمنين بعدي وانصح الناس لامتي وقد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ان يوم الفصل كان ميقاتا، وشهد أبو الهيثم مع أمير المؤمنين " ع " وقعة الجمل وصفين فمن شعره يوم الجمل: قل للزبير وقل لطلحة إننا * نحن الذين شعارنا الأنصار نحن الذين رأت قريش فعلنا * يوم القليب أولئك الكفار كنا شعار نبينا ودثاره * تفديه منا الروح والابصار ان الوصي إمامنا وولينا * برح الخفاء وباحث الاسرار وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال أقبل أبو الهيثم بن التيهان وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بدر يا تقيا عفيفا يسوى صفوف أهل العراق ويقول يا معشر أهل العراق انه ليس بينكم وبين الفتح في العاجل والجنة في الآجل إلا ساعة من النهار فارسوا أقدامكم وسووا صفوفكم وأعيروا ربكم جماجمكم واستعينوا بالله إلهكم وجاهدوا عدو الله وعدوكم واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم واصبروا فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. قال أبو عمر ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب اختلف في وقت وفاة أبى الهيثم ابن التيهان فذكر خليفة عن الأصمعي قال سألت قومه فقالوا في حياة رسول الله قال أبو عمر وهذا القول لم يتابع عليه قائله وقيل إنه توفى في خلافة عمر سنة عشرين أو إحدى وعشرين وقيل بل قتل مع علي " ع " ابن أبي طالب بصفين سنة سبع وثلاثين وهو الأكثر وقيل إنه شهد صفين مع علي " ع " ومات بعده بيسير ثم قال أبو عمر حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا الدولابي قال حدثنا أبو بكر الوجيهي عن أبيه عن صالح بن الوجيه قال وممن قتل بصفين عمار وأبو الهيثم ابن التيهان وعبد الله بن بديل وجماعة من البدريين ثم روى أبو عمر رواية أخرى فقال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق بن علي قال
322 قال أبو نعيم: أبو الهيثم بن التيهان اسمه مالك واسم التيهان عمرو بن الحارث أصيب أبو الهيثم مع علي " ع " يوم صفين قال أبو عمر هذا قول أبى نعيم وغيره قال ابن أبي الحديد في شرح النهج وهذه الرواية أصح من قول ابن قتيبة في كتاب المعارف وذكر قوم ان أبا الهيثم شهد صفين مع علي " ع " ولا يعرف ذلك أهل العلم ولا يثبتونه فان تعصب ابن قتيبة معلوم وكيف يقول لا يعرف أهل العلم وقد قاله أبو نعيم وقاله صالح بن الوجيه ورواه ابن عبد البر وهؤلاء شيوخ المحدثين. قال المؤلف وممن قال بشهوده صفين نصر بن مزاحم في كتاب صفين وهو من الأصول القديمة المعتمدة ويشهد بذلك ما رواه أهل الأخبار من خطبة أمير المؤمنين " ع " بعد وقعة صفين وقوله فيها: ما ضر إخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفين ان لا يكونوا اليوم احياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق قد والله لقوا الله فوفاهم أجورهم وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق أين عمار بن ياسر وابن التيهان وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وأبرد برؤوسهم إلى الفجار قال ثم ضرب يده إلى لحيته فأطال البكاء ثم قال أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فاحكموه وتدبروا الفرض فأقاموه أحيوا السنة وأماتوا البدعة دعوا للجهاد فأجابوه ووثقوا بالقائد فاتبعوه: وهذه الخطبة مذكورة في نهج البلاغة أخذنا غرضنا منها. والبلوى بفتح الياء الموحدة وبفتح اللام وفى آخرها الواو نسبة إلى بلى بفتح الباء الموحدة وكسر اللام وتشديد الياء على فعيل وهو يلي ابن عمر بن الحاف ابن قضاعة وهو أبو حي من اليمن وهو قضاعة بن مالك بن حميراء بن سباء والله أعلم. (أبى ابن كعب) قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري
323 الخزرجي يكنى أبا المنذر وأبا الطفيل وأبا يعقوب من فضلاء الصحابة شهد العقبة مع التسعين وكان يكتب الوحي آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينه وبين سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل وشهد بدرا والعقبة الثانية وبايع لرسول الله صلى الله عليه وآله كان يسمى سيد القراء. وروى أن النبي صلى الله عليه وآله قال له ان الله أمرني أن اقرأ عليك فقال يا رسول الله بابى وأمي أنت وقد ذكرت هناك قال صلى الله عليه وآله نعم باسمك ونسبك فأرعد أبى فالتزمه رسول الله حتى سكن وقال قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون: ذكره ابن شهرآشوب في المناقب. وروى البخاري ومسلم والترمذي عن انس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وآله لأبي ان الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا قال وسماني قال نعم فبكى. قيل فعل ذلك لتعلم آداب القراء (1) وإن تكون القراءة سنة. وروى البخاري ان النبي صلى الله عليه وآله قال لأبي بن كعب ان الله أقرءك القرآن قال الله سماني لك قال نعم قال وقد ذكرت عند رب العالمين قال نعم فذرفت عيناه وروى الشيخ الجليل محمد بن يعقوب الكليني قدس الله روحه في الكافي عن الصادق " ع " أنه قال أما نحن فنقرأ على قراءة أبى. وكان أبى من الاثني عشر نفر الذين أنكروا على أبى بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله. وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج مرفوعا عن أبان بن تغلب عن الصادق جعفر بن محمد ان أبي بن كعب قام فقال يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك ولا تكن أول من عصى رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيه وصفيه وصد عن أمره أردد الحق إلى أهله تسلم ولا تتماد في غيك فتندم وبادر الإنابة يخف وزرك ولا نخصص هذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك فعن قليل تفارق ما أنت
(1) في نسخة: القرآن 324 فيه وتصير إلى ربك بما جنيت وما ربك بظلام للعبيد. وروى عن أبي بن كعب أنه قال مررت عشية يوم السقيفة بحلقة الأنصار فسألوني من أين مجيئك قلت من عند أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا كيف تركتهم وما حالهم قلت وكيف تكون حال قوم كان بينهم إلى اليوم موطئ جبرئيل ومنزل رسول رب العالمين وقد زال اليوم ذلك وذهب حكمهم عنهم ثم بكى أبى وبكى الحاضرون. وأخرج النسائي عن قيس بن عبادة قال بينا انا في المسجد في الصف المقدم فجذبني رجل جذبة فنحاني وقام مقامي فوالله ما عقلت صلاتي فلما أنصرف إذا هو أبي بن كعب فقال يا فتى لا يسوؤك الله ان هذا عهد من النبي صلى الله عليه وآله إلينا أن نليه ثم استقبل القبلة فقال هلك أهل العقد ورب الكعبة ثم قال والله ما آسى عليهم ولكن آسى على من أضلوا قلت يا أبا يعقوب من تعنى بأهل العقد قال الامراء قال ابن حجر في التقريب أختلف في سنة موته اختلافا كثيرا قيل سنة تسع عشر وقيل سنة اثنين وثلاثين وقيل غير ذلك قال بعض المؤرخين الأصح أنه مات في زمن عمر فقال عمر اليوم مات سيد المسلمين والله أعلم. (سعد بن عبادة بن دلهم) ابن حارثة بن أبي حزينة بن تغلبه بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري كان سيد الخزرج وكبيرهم يكنى أبا ثابت وأبا قيس من أعاظم الصحابة وهو أحد النقباء شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلهما ما خلا بدرا فإنه تهيأ للخروج فلدغ فأقام وكان جوادا وكان له جفنة تدور مع رسول الله في بيوت أزواجه، عن يحيى بن كثير قال كان لرسول الله من سعد بن عبادة جفنة ثريد في كل يوم تدور معه أينما دار من نسائه وكان يكتب في الجاهلية بالعربية ويحسن القول والرمي والعرب تسمى من اجتمعت فيه هذه الأشياء الكامل ولم يزل سعد سيدا في الجاهلية والإسلام وأبوه وجده وجد جده لم يزل فيهم الشرف
325 وكان سعد يجير فيجار وذلك لسؤدده ولم يزل هو وأصحابه أصحاب اطعام في الجاهلية والإسلام. وعن النبي صلى الله عليه وآله الجود شيمة ذلك البيت يعنى بيتهم وهو الذي اجتمعت عليه الأنصار ليولوه الخلافة وقد اختلف أصحابنا (رض) في شأنه فعده بعضهم من المقبولين واعتذر عن دعواه الخلافة بما روى عنه انه قال لو بايعوا عليا " ع " لكنت أول من بايع. وبما رواه محمد بن جرير الطبري عن أبي علقمة قال قلت لسعد بن عبادة وقد مال الناس لبيعة أبى بكر تدخل فيما دخل فيه المسلمون قال إليك عنى فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا أنا مت تضل الأهواء ويرجع الناس على أعقابهم فالحق يومئذ مع علي (عليه السلام) وكتاب الله بيده لا نبايع لأحد غيره فقلت له هل سمع هذا الخبر غيرك من رسول الله فقال معه ناس في قلوبهم أحقاد وضغائن قلت بل نازعتك نفسك ان يكون هذا الأمر لك دون الناس كلهم فحلف انه لم يهم بها ولم يردها وانهم لو بايعوا عليا " ع " كان أول من بايع سعد. وزعم بعضهم ان سعدا لم يدع الخلافة ولكن لما اجتمعت قريش على أبى بكر يبايعونه قالت لهم الأنصار أما إذا خالفتم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيه وخليفته وابن عمه فلستم أولى منا بهذا الأمر فبايعوا من شئتم ونحن معاشر الأنصار نبايع سعد بن عبادة فلما سمع سعد ذلك قال لا والله لا أبيع ديني بدنياي ولا أبدل الكفر بالايمان ولا أكون خصما لله ورسوله ولم يقبل ما اجتمعت عليه الأنصار فلما سمعت الأنصار قول سعد سكتت وقوى أمر أبى بكر. وقال آخرون دعوى سعد الخلافة أمر كاد ان يبلغ أو بلغ حد التواتر وكتب السير ناطقة بان الأنصار هم الذين سبقوا المهاجرين إلى دعوى الخلافة فلم يتم لهم الامر وما زعمه بعضهم خلاف المشهور. فقد روى أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري في التاريخ ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما قبض اجتمعت الأنصار
326 في سقيفة بنى ساعدة وأخرجوا سعد بن عبادة ليولوه الخلافة وكان مريضا فخطبهم ودعاهم إلى اعطاء الرياسة والخلافة فأجابوه ثم ترادد الكلام فقالوا فان أبى المهاجرون وقالوا نحن أولياؤه وعترته فقال قوم من الأنصار نقول منا أمير ومنكم أمير فقال سعد فهذا أول الوهن وسمع عمر الخبر فأتى منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وفيه أبو بكر فأرسل إليه ان أخرج إلى فأرسل أنى مشغول فأرسل إليه عمر أخرج فقد حدث أمر لابد من أن تحضره فخرج فأعلمه الخبر فمضيا مسرعين نحوهم ومعهما أبو عبيدة فتكلم أبو بكر فذكر قرب المهاجرين من رسول الله وإنهم أولياؤه وعترته ثم قال نحن الأمراء وأنتم الوزراء لا نفتات عنكم بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور فقام الحباب بن المنذر الجموح فقال يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فان الناس في ظلكم ولن يجترى مجتر على خلافكم ولن يصدر أحد إلا عن رأيكم أنتم أهل العزة والمنعة وأولوا العدد والكثرة وذووا البأس والنجدة وإنما ينظر الناس ما تصنعون فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم فان أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد لا ترضى العرب بان تؤمركم ونبيها من غيركم ولا تمنع العرب ان تولى أمرها لمن كانت النبوة فيهم من ينازعنا سلطان محمد صلى الله عليه وآله ونحن أولياؤه وعشيرته فقال الحباب بن المنذر يا معشر الأنصار أملكوا أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر فان أبوا عليكم فاجلوهم من هذه البلاد فأنتم أحق بهذا الامر منهم فإنه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب انا أبو شبل في عرينة الأسد والله ان شئتم لنعيدها جذعة فقال عمر إذا يقتلك الله قال بل إياك فقال أبو عبيدة يا معشر الأنصار انكم أول من نصر فلا تكونوا أول من بدل وغير فقام بشير بن سعد والد النعمان بن بشير فقال يا معاشر الأنصار ألا ان محمدا من قريش وقومه أولى به وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الامر فقال أبو بكر هذا عمر وأبو
327 عبيدة بايعوا أيهما شئتم فقال لا والله لا نتولى هذا الامر عليك وأنت أفضل المهاجرين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة وهي أفضل الدين أبسط يدك فلما بسط يده ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير عقتك عقاق أنفست على ابن عمك الامارة فقال أسيد بن خضير رئيس الأوس لأصحابه والله لئن لم تبايعوه ليكون للخزرج عليكم الفضيلة فقاموا فبايعوا أبا بكر فأنكر على سعد بن عبادة والخزرج ما اجتمعوا عليه وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب ثم حمل سعد بن عبادة إلى داره فبقى أياما وأرسل إليه أبو بكر ليبايع فقال لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي وأخضب سنان رمحي واضرب بسيفي ما أطاعني وأقاتلكم باهل بيتي ومن تبعني ولو اجتمع معكم الجن والإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربى فقال عمر لا ندعه حتى يبايع فقال بشير ابن سعد انه قد لج وليس بمبايع لكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه أهل بيته وطائفة من عشيرته ولا يضركم تركه إنما هو رجل واحد فاتركوه وجاءت أسلم فبايعت فقوى بهم جانب أبى بكر وبايعه الناس. وروى أبو جعفر الطبري في التاريخ أيضا عن ابن عباس قال: قال عمر ابن الخطاب يوما على المنبر انه بلغني ان قائلا منكم يقول لو مات أمير المؤمنين بايعت فلانا فلا يغرني امرؤ ان يقول إن بيعة أبى بكر كانت له فلتة فلقد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق كأبي بكر وانه كان من خيرنا حين توفى رسول الله ان عليا والزبير تخلفا عنا في بيت فاطمة ومن معهما وتخلف عنا الأنصار واجتمع المهاجرون إلى أبى بكر فقلت له انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نحوهم فلقينا رجلان صالحان من الأنصار قد شهدا بدرا أحدهما عويم بن ساعدة والثاني معن بن عدي فقالا لنا ارجعوا فاقضوا امركم بينكم فأتينا الأنصار وهم مجتمعون في سقيفة بنى ساعدة وبين أظهرهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة وجمع فقام رجل منهم فحمد الله وأثنى
328 عليه فقال اما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا صلى الله عليه وآله قد دفنت إلينا دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يغصبونا الامر فلما سكت وكنت قد زودت في نفسي مقالة أقولها بين يدي أبى بكر فلما ذهبت أتكلم قال أبو بكر على رسلك فقام فحمد الله وأثنى عليه فما ترك شيئا كنت زودت في نفسي الا جاء به أو بأحسن منه وقال يا معشر الأنصار انكم لا تذكرون فضلا إلا وأنتم له أهل وان العرب لا تعرف هذا الأمر الا لقريش أوسط العرب دارا ونسبا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين واخذ بيدي وبيد أبى عبيدة ابن الجراح والله ما كرهت من كلامه غيرها ان كنت لأقدم فتضرب عنقي لا يغلبني إلى اثم أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر فلما قضى أبو بكر كلامه قام من الأنصار رجل فقال انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير وارتفعت الأصوات واللغط فلما خفت الاختلاف قلت لأبي بكر ابسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه الناس ثم نزونا على سعد بن عبادة فقال قائلهم قتلتم سعدا فقلت اقتلوه قتله الله. وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة قال أخبرني أحمد بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن سيار قال حدثنا سعيد بن كثير زعفير الأنصاري ان النبي صلى الله عليه وآله لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بنى ساعدة فقالوا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبض فقال سعد بن عبادة لابنه قيس أو لبعض بنيه إني لا أستطيع ان أسمع الناس كلامي لمرضى ولكن تلق منى قولي فأسمعهم فكان سعد يتكلم ويستمع ابنه فيرفع به صوته ليسمع قومه فكان من قوله بعد حمد الله والثناء عليه ان قال إن لكم سابقة إلى الدين وفضيلة إلى الإسلام ليست لقبيلة من العرب ان رسول الله صلى الله عليه وآله لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمان وخلع الأوثان فما آمن به الا قليل والله ما كانوا ان يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يعزوا دينه ولا يدفعوا ضيما عراه حتى أراد الله بكم خيرا لفضيلة وساق إليكم
329 الكرامة وخصكم بدينه ورزقكم الايمان به وبرسوله والإعزاز لدينه والجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه منكم وأثقله على عدوه من غيركم حتى استقاموا لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أنجز الله لنبيكم الوعد ودانت بأسيافكم العرب توفاه الله تعالى وهو عنكم راض وبكم قرير عين فشدوا أيديكم بهذا الامر فإنكم أحق الناس وأولاهم به فأجابوه جميعا ان وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدو ما أمرت نوليك هذا الامر فأبت لنا مقنع ولصالح المؤمنين رضى ثم انهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا ان أبت مهاجرة قريش فقالوا نحن المهاجرون وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الأولون ونحن عشيرته وأولياؤه فعلى م تنازعونا هذا الامر من بعده فقالت طائفة منهم إذا نقول منا أمير ومنكم أمير لن نرضى بدون هذا منهم ابدا لنا في الايواء والنصرة مالهم في الهجرة ولنا في كتاب الله مالهم فليسوا يعدون شيئا إلا ونعد مثله وليس من رأينا الاستيثار عليهم فمنا أمير ومنهم أمير فقال سعد بن عبادة هذا أول الوهن. وأتى الخبر عمر فأتى منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وكان الذي أتاه بالخبر معن ابن عدي فاخذ بيد عمر وقال قم فقال عمر إني عنك مشغول فقال إنه لابد من قيام معه فقال له ان هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بنى ساعدة معهم سعد بن عبادة يدورون حوله ويقولون أنت المرجى ونجلك المرجى وثم أناس من أشرافهم وخشبت الفتنة فانظر يا عمر ماذا ترى واذكر لإخوتك من المهاجرين واختاروا لأنفسكم فإني أنظر إلى باب فتنة قد فتح الساعة إلا أن يغلقه الله ففزع عمر أشد الفزع حتى أتى أبا بكر وقال قم فقال أبو بكر أين نبرح حتى نواري رسول الله فقال عمر لابد من قيام وسنرجع انشاء الله تعالى فقام أبو بكر مع عمر فحدثه الحديث ففزع أبو بكر وخرجا مسرعين إلى سقيفة بنى ساعدة وفيها رجال من أشراف الأنصار ومعهم سعد بن عبادة وهو مريض بين أظهرهم فأراد عمر
330 ان يتكلم ويمهد لأبي بكر وقال خشيت ان يقصر أبو بكر عن بعض الكلام فلما يئس عمر كفه أبو بكر فقال على رسلك فستكفى الكلام ثم تكلم بعد كلامي بما بدا لك فتشهد أبو بكر ثم قال جل ثناؤه بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالهدى ودين الحق فدعا إلى الإسلام فاخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعانا إليه وكنا معاشر المهاجرين أول الناس إسلاما والناس لنا في ذلك تبع ونحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وأوسط العرب أنسابا ليس من قبيلة من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة وأنتم أنصار الله الذين آويتم ونصرتم رسول الله ثم أنتم وزراء رسول الله وإخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في الدين وفيما كنا فيه من خير فأنتم أحب الناس إلينا وأكرمهم علينا وأحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم إلى ما ساق الله إلى إخوانكم من المهاجرين وأحق الناس ان لا تحسدوهم فأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة وأحق الناس ان لا يكون انتقاض هذا الدين واختلاطه على أيديكم وأنا أدعوكم إلى أبى عبيدة وعمر فكلاهما قد رضيت لهذا الامر وكلاهما نراه له أهلا فقال عمر وأبو عبيدة ما ينبغي لأحد من الناس ان يكون فوقك أنت صاحب الغار وثاني اثنين وأمرك رسول الله صلى الله عليه وآله بالصلاة فأنت أحق الناس بهذا الأمر فقال الأنصار والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم ولا أحد أحب إلينا ولا أرضى عندنا منكم نشفق فيما بعد هذا ليوم ونحذر ان يغلب على هذا الامر من ليس منا ولا منكم فلو جعلتم اليوم رجلا منكم بايعنا ورضينا على أنه إذا هلك اخترنا واحدا من الأنصار فإذا هلك كان آخر من المهاجرين ابدا ما بقيت هذه الأمة كان ذلك أجدر أيعدل في الله محمد صلى الله عليه وآله فيشفق الأنصاري ان يزيغ فيقبض عليه القرشي ويشفق القرشي ان يزيغ فيقبض عليه الأنصاري فقام أبو بكر فقال إن رسول الله لما بعث عظم على العرب ان يتركوا دين آبائهم فخالفوه وشاقوه وخص الله المهاجرين الأولين بتصديقه والايمان به والمواساة والصبر معه على شدة أذى قومه فلم يستوحش الكثرة عدوهم فهم أول من عبد الله في
331 الأرض وهم أول من آمن برسول الله وهم أولياؤه وعترته وأحق الناس بالأمر بعده لا ينازعهم فيه إلا ظالم وليس أحد بعد المهاجرين فضلا وقدما في الإسلام مثلكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء لا نمتاز دونكم بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال يا معاشر الأنصار املكوا عليكم أيديكم إنما الناس في فيئكم وظلكم ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولا يصدر الناس إلا عن أمركم أنتم أهل الايواء والنصرة وكانت إليكم الهجرة وأنتم أصحاب الدار والايمان والله ما عبد الله علانية إلا عندكم وفى بلادكم ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم ولا عرف الايمان إلا من أسيافكم فاملكوا عليكم أمركم فان أبى هؤلاء فمنا أمير ومنهم أمير فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد ان العرب لا ترضى ان تؤمركم ونبيها من غيركم وليس نمتنع العرب ان تولى أمرها من كانت النبوة فيهم وأولي الامر لنا بذلك الحجة الظاهرة على من حالفنا والسلطان المبين على من نازعنا من ذا يخاصمنا في سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة فقام الحباب بن المنذر فقال يا معاشر الأنصار لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا نصيبكم من الامر فان أبوا عليكم ما أعطيتموهم فاجلوهم من بلادكم وتولوا هذا الامر عليهم فأنتم أولى بهذا الامر انه دان لهذا الامر بأسيافكم من لم يكن بدين انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ان شئتم لنعيدنها جذعة والله لا يرد أحد على ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف قال فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي ما اجتمعت عليه الأنصار من تأمير سعد بن عبادة وكان حاسدا له وكان من سادة الخزرج قام فقال أيها الأنصار إنا وإن كنا ذو سابقة فإنا ما نريد بجهادنا وإسلامنا إلا رضى ربنا وطاعة نبينا صلى الله عليه وآله ولا ينبغي لنا ان نستطيل على الناس بذلك ولا نبغي به عوضا من الدنيا ان محمدا رجل من قريش وقومه أحق بميراث أمره وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الامر فاتقوا الله ولا تنازعوهم ولا تخالفوهم فقام أبو بكر وقال هذا عمر
332 وأبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم فقالا والله لا نتولى هذا الامر عليك وأنت أفضل المهاجرين وثاني اثنين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله على الصلاة والصلاة أفضل الدين أبسط يدك نبايعك فلما بسط يده وذهبا يبايعانه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير عقك عقاق والله ما اضطرك لهذا الأمر إلا الحسد لابن عمك فلما رأت الأوس ان رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع قام أسيد بن خضير وهو رئيس الأوس فبايع حسدا لسعد أيضا ومنافسة له ان بلى الأمر فبايعت الأوس كلها لما بايع أسيد وحمل سعد بن عبادة وهو مريض فادخل إلى منزله فامتنع من البيعة في ذلك اليوم وفيما بعده وأراد عمر أن يكرهه عليها فأشير عليه ان لا يفعل وانه لا يبايع حتى يقتل ولا يقتل حتى يقتل أهله ولا يقتل أهله حتى تقتل الخزرج كلها وان حوربت الخزرج كانت الأوس معها وفسد الامر فتركوه وكان لا يصلى بصلاتهم ولا يجتمع بجماعتهم ولا يقضى بقضائهم ولو وجد أعوانا لضاربهم وفلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر ثم لقى عمر في خلافته وهو على فرس وعمر على بعير فقال عمر هيهات يا سعد فقال سعد هيهات يا عمر فقال أنت صاحب من أنت صاحبه قال نعم انا ذاك ثم قال لعمر والله ما جاورني أحد هو أبغض إلى جوارا منك فقال عمر فإنه من كره جوار رجل انتقل عنه فقال سعد إني لأرجو ان أخليها لك عاجلا إلى جوار من هو أحب إلى جوارا منك ومن أصحابك فلم يلبث سعد بعد ذلك إلا أياما قليلة حتى خرج إلى الشام فمات بحوارن ولم يبايع لأحد لا لأبي بكر ولا لعمر ولا لغيرهما. ومما يدل دلالة صريحة على أن سعدا طلب الخلافة لنفسه: ما رواه أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة، قال حدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي قال سمعت أبي يقول ذكر سعد بن عبادة عليا " ع " بعد يوم السقيفة فذكر أمرا من أمره نسيه أبو الحسن يوجب ولايته فقال له ابنه قيس بن سعد أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة ويقول
333 أصحابك منا أمير ومنكم أمير لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة ابدا. نعم قال محمد بن جرير ان الأنصار لما فاتها ما طلبت من الخلافة قالت - أو قال بعضها - لا نبايع إلا عليا " ع " وذكر نحو هذا علي بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه ومات سعد بن عبادة بحوران وهي كورة بدمشق سنة أربع عشرة وقيل خمس عشرة. قيل قتله الجن لأنه بال قائما في الصحراء ليلا ورووا بيتين من شعر قيل إنهما سمعا ليلة قتله ولم ير قائلها وهما قد قتلنا سيد الخزرج * سعد بن عبادة فرميناه بسهمين * فلم نخط فؤاده ويقول قوم ان أمير الشام يومئذ أكمن له من رماه ليلا وهو خارج إلى الصحراء بسهمين فقتله لخروجه عن طاعة الامام وقد قال بعض المتأخرين في ذلك: يقولون سعد شكت الجن قلبه * الا ربما صححت ذنبك بالعذر وما ذنب سعد انه بال قائما * ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر وقد صبرت عن لذة العيش أنفس * وما صبرت عن لذة النهى والامر (قيس بن سعد بن عبادة) يكنى أبا عبد الملك وقيل أبا الفضل وقيل أبا عبد الله وأبا القاسم وهو من كبار الصحابة أيضا كان من النبي صلى الله عليه وآله بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير شهد مع النبي صلى الله عليه وآله المشاهد كلها وكان حامل راية الأنصار مع رسول الله أخذ النبي الراية من أبيه ودفعها إليه فكان حامل رايته صلى الله عليه وآله وكان شيخا كريما شجاعا أصلع طويلا جدا أمد الناس قامة يركب الفرس المشرف ورجلاه تخطان الأرض وما في وجهه طاقة شعر وكان يسمى خصى الأنصار وكانت الأنصار تقول وددنا لو إنا نشتري لقيس بأموالنا لحية وكان مع ذلك جميلا. وذكر يونس بن عبد الرحمن في بعض كتبه انه كان لسعد بن عبادة ستة أولاد وكلهم قد نصر رسول الله وفيهم قيس بن سعد بن عبادة وكان قيس أحد العشرة الذين لحقهم النبي صلى الله عليه وآله من العصر
334 الأول ممن كان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم وكان شبر الرجل منهم يقال انه مثل ذراع أحدنا وكان قيس وسعد أبوه طولهما عشرة أشبار بأشبار أنفسهم ويقال ان من العشرة خمسة من الأنصار وأربعة من الخزرج ورجلا من الأوس وكان من دهات العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحرب مع النجدة والشجاعة والسخاء وكان شريف قومه غير مدافع وكان أبوه وجده كذلك وكان يقول لولا الإسلام لمكرت مكرا لا تطيقه العرب. وعنه انه قال لولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول المكر والخديعة في النار لكنت من أمكر هذه الأمة قال إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات حدثني أبو غسان قال أخبرني علي بن أبي سيف قال كان قيس بن سعد مع أبي بكر وعمر في حياة رسول الله فكان ينفق عليهما وعلى غيرهما ويفضل فقال له أبو بكر ان هذا لا يقوم به مال أبيك فامسك يدك فلما قدموا من سفرهم قال سعد بن عبادة لأبي بكر أردت ان تبخل ابني انا لقوم لا نستطيع البخل. قال وكان قيس بن سعد يقول في دعائه اللهم أرزقني حمدا وجحدا فإنه لا حمدا بفعال ولا جحد إلا بمال اللهم وسع على فان القليل لا يسعني ولا أسعه. وعن جابر في قصة جيش العسرة ان قيسا كان في ذلك الجيش وأنه كان ينحر ويطعم حتى استدان بسبب ذلك فنهاه أمير الجيش وهو أبو عبيدة فبلغ النبي صلى الله عليه وآله فقال الجود من شيمة أهل هذا البيت. واستقرض رجل منه ثلاثين ألفا فلما ردها أبى ان يقبلها. وجاءته عجوز كانت تألفه فقال لها كيف حالك قالت ما في بيتي جرذ قال ما أحسن ما سألت لأكثرن جرذان بيتك، وملأوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا وهو ممن لم يبايع أبا بكر. قال الفضل بن شاذان أنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع ". وقال ابن أبي الحديد كان قيس بن سعد من كبار شيعة أمير المؤمنين " ع "
335 وقائل بمحبته وولائه وشهد معه حروبه كلها وكان مع الحسن " ع " ونقم عليه صلحه لمعاوية وكان طالبي الرأي مخلصا في اعتقاده ووده. وقال إبراهيم بن سعد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات كان قيس بن سعد من شيعة على " ع " مناصحا له ولولده ولم يزل على ذلك إلى أن مات وقد ذكرنا في ترجمة أبيه أنه بلغ من إخلاصه أنه حلف ان لا يكلم أباه ابدا لدعوته الخلافة. وقال إبراهيم لما ولى أمير المؤمنين " ع " الخلافة قال لقيس سر إلى مصر فقد وليتكها واخرج إلى ظاهر المدينة واجمع أثقالك ومن أحببت ان يصحبك حتى تأتى مصر ومعك جند فان ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك فإذا أنت قدمتها إن شاء الله تعالى فاحسن إلى المحسن واشتد على المريب وارفق على العامة والخاصة فالرفق يمن فقال قيس رحمك الله يا أمير المؤمنين قد فهمت ما ذكرت فاما الجند فإني أدعه لك فإذا احتجت إليهم كانوا قريبا منك وان أردت بعثتهم إلى وجه من وجوهك كانوا لك عدة ولكي أسير إلى مصر بنفسي وأهل بيتي واما ما أوصيتني به من الرفق والاحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك، فخرج قيس في سبعة نفر من أهل بيته حتى دخل مصر فصعد المنبر وأمر بكتاب معه فقرأ على الناس فيه من عبد الله أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو اما بعد فان الله بحسن صنعه وقدره وتدبيره أختار الإسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله وبعث به أنبيائه إلى عباده فكان مما أكرم الله عز وجل به هذه الأمة وخصهم به من الفضل ان بعث محمدا إليهم فعلمهم الكتاب والحكم والسنة والفرائض وأدبهم لكيما يهتدوا وجمعهم لكيما لا يتفرقوا وزكاهم لكيما يتطهروا فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله إليه فعليه صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم أحسنا السيرة ثم توفيا فولى من بعدهما وال أحدث احداثا فوجدت الأمة عليه مقالا فقالوا ثم نقموا فتغيروا ثم جاؤني فبايعوني وانا استهدى الله
336 الهدى وأستعينه على التقوى الا وان لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسوله والقيام بحقه والنصح لكم بالغيب والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل، وقد بعثت إليكم قيس بن سعد الأنصاري أميرا فوازروه وأعينوه على الحق وقد أمرته بالاحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بعوامكم وخواصكم وهو ممن أرضى هديه وأرجو صلاحه ونصحه اسأل الله لنا ولكم عملا زاكيا وثوابا جميلا ورحمة واسعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب عبد الله ابن أبي رافع في صفر سنة ست وثلاثين. قال إبراهيم فلما فرغ من قراءة الكتاب قام قيس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبت الظالمين أيها الناس إنا بايعنا خير من نعلم من بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله فان نحن لم نعمل بكتاب الله وسنة رسوله فلا بيعة لنا عليكم فقام الناس فبايعوا واستقامت مصر وأعمالها لقيس وبعث عليها عماله إلا ان قرية منها قد أعظم أهلها قتل عثمان وبها رجل من بنى كنانة يقال له يزيد بن الحارث فبعث إلى قيس انا لا نأتيك فابعث عمالك فالأرض أرضك ولكن اقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس. ووثب مسلمة بن مخلد بن صامت الأنصاري فنعى عثمان ودعا إلى الطلب بدمه فأرسل إليه قيس ويحك أعلي تثب والله ما أحب ان لي ملك الشام ومصر وإني قتلتك فاحقن دمك فأرسل إليه مسلمة إني كاف عنك ما دمت أنت والى مصر وكان قيس بن سعد (ره) ذا رأى وحزم فبعث إلى الذين اعتزلوا انى لا أكرهكم على البيعة ولكني أدعكم واكف عنكم فهادنهم وهادن مسلمة بن مخلد وجبى الخراج فليس أحد ينازعه. قال إبراهيم وخرج على " ع " إلى الجمل وقيس على مصر ورجع إلى الكوفة من البصرة وهو بمكانه فكان أثقل خلق الله على معاوية لقرب مصر وأعمالها إلى الشام ومخافة ان يقبل على " ع " بأهل العراق ويقبل إليه قيس بأهل مصر فيقع
337 بينهما فكتب معاوية إلى قيس وعلى " ع " بالكوفة قبل ان يسير إلى صفين من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد سلام عليك فإني احمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد، ان كنتم نقمتم على عثمان في إثرة رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو في شتمة رجل أو بسيرة أحد أو في استعماله الفتيان من أهله فإنكم قد علمتم ان كنتم تعلمون ان دمه لم يكن ليحل لكم بذلك فقد ركبتم عظيما من الأمر وجئتم شيئا إدا فتب يا قيس إلى ربك من المجلبين على عثمان ان كانت التوبة قبل الموت تغنى شيئا واما صاحبك فقد استيقنا أنه أغرى الناس تقبله وحملهم على قتله حتى قتلوه وإنه لم يسلم من دمه عظيم قومك فان استطعت يا قيس ان لا يكون ممن لا يطلب بدم عثمان فافعل وبايعنا على على في أمرنا هذا ولك سلطان العراقين ان انا ظفرت ما بقيت ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان واسألني من غير هذا ما نحب فإنك لا تسألني شيئا الا أتيته واكتب إلى رأيك فيما كتبت إليك، فلما جاء إليه كتاب معاوية أحب ان يدافعه ولا يبدي له أمره ولا يعجل له حربه فكتب إليه، اما بعد فقد وصل إلى كتابك وفهمت الذي ذكر من أمر عثمان وذلك أمر لم أقاربه وذكرت ان صاحبي هو الذي أغرى الناس بعثمان ودسهم إليه حتى قتلوه وهذا أمر لم اطلع عليه وذكرت لي ان عظيم عشيرتي لم يسلم من دم عثمان فليسرني أن أول الناس كان في أمره عشيرتي واما ما سألتني من مبايعتك على الطلب بدمه وما عرضته على فقد فهمته وهذا أمر لي فيه نظر وفكر وليس هذا مما يعجل إلى مثله وانا كاف عنك وليس يأتيك من قبلي شئ تكرهه حتى نرى وترى إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. قال إبراهيم فلما قرأ معاوية كتابه لم يره الا مقاربا مباعدا ولم يأمن ان يكون له في ذلك مخادعا مكايدا فكتب إليه، اما بعد فقد قرأت كتابك فلم ارك تدنو فأعدك سلما ولم ارك تباعد فأعدك حربا أراك كحبل الجرود وليس مثلي.
338 يصانع بالخدايع ولا يخدع بالمكايد ومعه عدد الرجال وأعنة الخيل فان قبلت الذي عرضت عليك فلك ما أعطيتك وان أنت لم تفعل ملأت مصر عليك خيلا ورجالا والسلام. فلما قرأ قيس كتابه وعلم أنه لا يقبل منه المدافعة والمطاولة أظهر له ما في نفسه فكتب إليه من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبي سفيان. اما بعد فالعجب من استسقاطك رأى والطمع في أتسومني لا أبا لغيرك الخروج من طاعة أولى الناس بالأمر وأقولهم بالحق وأهداهم وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسيلة وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر وأقولهم بالزور وأضلهم سبيلا وأنآهم (1) من رسول الله وسيلة ولديك قوم ضالون مضلون من طواغيت إبليس واما قولك انك تملأ على مصر خيلا ورجلا فلئن لم أشغلك عن ذلك حتى يكون منك انك لذو جد والسلام. فلما أتى معاوية كتاب قيس أيس منه وثقل مكانه عليه وكاد ان يكون مكانه غيره أحب إليه لما يعلم من قوته وتأبيه ونجدته واشتد أمره على معاوية فأظهر للناس ان قيسا قد بايعكم فادعوا الله له وقرأ عليهم كتابه الذي لأن فيه وقاربه واختلق كتابا نسبه إلى قيس فقرأه على أهل الشام: للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد. أما بعد: فان قتل عثمان كان حدثا في الإسلام عظيما وقد نظرت لنفسي وديني فلم يسعني مظاهرة قوم قتلوا امامهم مسلما محرما برا تقيا فنستغفر الله سبحانه لذنوبنا ونسأله العصمة لديننا الا وإني قد القيت إليكم بالسلام وأجبتك إلى قتال قتلة الإمام الهادي المظلوم فاطلب منى ما أحببت من الأموال والرجال أعجله إليك إن شاء الله والسلام على الأمير ورحمة الله وبركاته. قال فشاع بالشام كلها ان قيسا صالح معاوية وأتت عيون علي بن أبي طالب " ع " إليه بذلك فأعظمه وأكبره وتعجب له ودعا ابنيه حسنا وحسينا " ع " وابنه محمد وعبد الله بن جعفر فأعلمهم بذلك وقال ما رأيكم فقال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل
(1) في نسخة: أبعدهم 339 قيسا من مصر قال على " ع " والله انى غير مصدق بهذا على قيس فقال عبد الله اعزله يا أمير المؤمنين فان كان ما قد قيل حقا فلا يعتزل لك ان عزلته قال وانهم لكذلك إذ جاءهم كتاب من قيس بن سعد فيه: اما بعد فإني أخبرك يا أمير المؤمنين أكرمك الله وأعزك ان قبلي رجالا معتزلين سألوني ان اكف عنهم وادعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس فترى ويرون وقد رأيت أن اكف عنهم ولا أعجل بحربهم وان أتألفهم فيما بين ذلك لعل الله ان يقبل بقلوبهم ويفرقهم عن ضلالتهم إن شاء الله والسلام. فقال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين إنك ان أطمعته في تركهم واعتزالهم استشرى الامر وتفاقمت وقعد عن بيعتك كثير ممن تريده على الدخول فيها ولكن مره بقتالهم فكتب إليه: اما بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فان دخلوا فيما دخل فيه المسلمون وإلا فناجزهم والسلام قال فلما أتى هذا الكتاب قيسا فقرأه لم يتمالك ان كتب إلى على " ع " اما بعد يا أمير المؤمنين فالعجب لك تأمرني بقتال قوم كافين عنك لم يهدوا يدا للفتنة ولا أرصدوا لها فأطعني يا أمير المؤمنين وكف عنهم فان الرأي تركهم والسلام فلما اتاه هذا الكتاب قال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين أبعث محمدا بن أبي بكر يكفيك أمرها وأعزل قيسا فوالله لبلغني ان قيسا يقول إن سلطانا لا يتم الا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء والله ما أحب ان لي سلطان الشام مع سلطان مصر وإني قتلت بن مخلد وكان عبد الله بن جعفر أخا محمد بن أبي بكر لأمه وكان يحب ان يكون له إمرة وسلطان فاستعمل على " ع " محمد بن أبي بكر على مصر لمحبته له ولهوى عبد الله بن جعفر أخيه فيه وكتب معه كتابا إلى أهل مصر فسار حتى قدمها فقال له قيس ما بال أمير المؤمنين ما غيره أدخل أحد بيني وبينه قال لا وهذا السلطان سلطانك وكان بينهما نسب كان تحت قيس فرسة بنت أبي قحافة أخت أبى بكر الصديق فكان قيس زوج عمة محمد فقال قيس لا والله لا أقيم معك ساعة واحدة وغضب حين عزله على عنها وخرج منها مقبلا إلى المدينة ولم يمض
340 إلى على " ع " بالكوفة قال إبراهيم وكان مع شجاعته ونجدته جوادا مفضلا. فحدثني علي بن محمد بن أبي السيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال خرج قيس ابن سعد من مصر فمر بأهل بيت من القين فنزل بمائهم فنحر له صاحب المنزل جزورا واتاه بها فلما كان الغد نحر له أخرى ثم حبستهم السماء إلى اليوم الثالث فنحر لهم ثالثة ثم إن السماء اقلعت فلما أراد قيس ان يرتحل وضع عشرين ثوبا من ثياب مصر وأربعة آلاف درهم عند امرأة الرجل وقال لها إذا جاء صاحبك فادفعي هذه إليه ثم رحل فما أتت عليه ساعة حتى لحقه الرجل صاحب المنزل على فرس ومعه رمح والثياب والدراهم بين يديه فقال يا هؤلاء خذوا ثيابكم ودراهمكم فقال قيس انصرف أيها الرجل فإنها لم تكن لنا خذها قال والله لتأخذنها فقال قيس لله أبوك ألم تكرمنا وتحسن ضيافتنا فكافيناك فليس هذا بأس فقال الرجل إنا لم نأخذ لقرى الأضياف ثمنا والله لا اخذها ابدا فقال قيس أما إذا أبى ان لا يأخذ فوالله ما فضلني رجل من العرب غيره. قال إبراهيم وقال أبو المنذر مر قيس في طريقه برجل من بلى يقال له الأسود ابن فلان فأكرمه فلما أراد قيس ان يرتحل وضع عند امرأته ثيابا ودراهم فلما جاء الرجل دفعته إليه فلحقه فقال ما انا بايع ضيافتي والله لتأخذن هذا أو لأنفذن الرمح بين جنبيك فقال قيس ويحكم خذوه. وقال إبراهيم ثم أقبل قيس حتى قدم المدينة فجاءه حسان بن ثابت شامتا به وكان عثمانيا فقال له نزعك علي بن أبي طالب وقد قتلت عثمان فبقى عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر فزجره قيس وقال له يا أعمى القلب يا أعمى البصر والله لولا أن ألقى بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك ثم أخرجه من عنده. قال إبراهيم ثم إن قيسا وسهل بن حنيف خرجا حتى قدما على على " ع " الكوفة فخبره قيس الخبر وما كان بمصر فصدقه وشهد مع علي بصفين هو وسهل ابن حنيف (ره).
341 وقال بعض المؤرخين لما أمر على " ع " قيسا على مصر أحتال معاوية بكل حيلة فلم ينخدع له فاحتال على أصحاب على حتى حسنوا له عزله وتولية محمد ابن أبي بكر مكانه وشنعوا عليه بأنه قد كاتب معاوية فلما عزل بمحمد عرف على " ع " ان قد خدع فكان على " ع " بعد ذلك يطيع قيسا في الامر كله وحضر معه صفين وكان في مقدمته ومعه خمسة آلاف. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال حدثني عمر بن سعد عن إسماعيل بن خالد عن عبد الرحمن بن عبيد قال لما أراد على " ع " المسير إلى الشام دعا من كان معه من المهاجرين والأنصار فجمعهم فحمد الله وأثنى عليه وقال اما بعد فإنكم ميامين الرأي ومراجيح العلم مباركوا الامر مقاويل بالحق ولقد عزمنا على المسير إلى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم فقام جماعة فتكلموا ثم قام قيس بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين إنكلمش بنا على عدونا فوالله ان جهادهم أحب إلى من جهاد الترك والروم لادهانهم في دين الله واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار والتابعين باحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه وضربوه وحرموه وسيروه وفينا لهم في أنفسهم حال ونحن لهم فيما يزعمون قطين - قال يعنى رقيق -. فقال أشياخ الأنصار منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب وغير هما لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم بالكلام يا قيس فقال اما انى عارف بفضلكم معظم لشأنكم ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي في صدوركم جاش حين ذكرت الأحزاب. وروى نصر في الكتاب المذكور أيضا باسناده ان معاوية دعا النعمان بن بشير بن سعد الأنصار ومسلمة بن مخلد الأنصاري ولم يكن معه من الأنصار غيرهما فقال يا هذان لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى جبنوا أصحابي الشجاع منهم والجبان وحتى والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قيل قتله الأنصاري اما والله لألقينهم
342 بحدي وحديدي ولأعبين لكل فارس منهم فارس ينشب في حلقه ولأرمينهم بأعدادهم من قريش رجال لم يغذهم التمر والطفيشل يقولون نحن الأنصار قد والله آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم فغضب النعمان وقال يا معاوية لا تلومن الأنصار في حب الحرب والسرعة نحوها فإنهم كانوا كذلك في الجاهلية، واما دعاؤهم إلى النزال فقد رأيتهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرا واما لقاؤك إياهم بأعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم قديما فان أحببت ان ترى فيهم مثل ذلك آنفافا فعل وأما التمر والطفيشل، فاما التمر فكان لنا فلما ذقتموه شاركتمونا فيه، واما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناه غلبناهم عليه كما غلبت قريش على السخينة ثم تكلم مسلمة بن مخلد فقال يا معاوية ان الأنصار لا تعاب أحسابها ولا نجداتها واما غمهم إياك فقد والله غمونا ولو رضينا ما فارقونا ولا فارقنا جماعتهم وان ذلك ما فيه من مباينة العشيرة ولكن حملنا ذلك لك ورجونا منك عوضه واما التمر والطفيشل فإنهما يجران عليك السخينة والخرنوب، قال وانتهى هذا الكلام إلى الأنصار فجمع قيس بن سعد الأنصار ثم قام فيهم خطيبا فقال إن معاوية قال ما بلغكم، وأجابه عنكم صاحبكم ولعمري ان غضتم معاوية اليوم لقد غضتموه أمس وان وترتموه في الاسلام لقد وترتموه في الشرك وما لكم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الدين فجدوا اليوم جدا تنسونه به ما كان أمس وجدوا غدا جدا تنسونه ما كان اليوم فأنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل والقوم مع لواء أبى جهل والأحزاب فاما التمر فانا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه من غرسه واما الطفيشل فلو كان لطعامنا لسمينا به كما سميت قريش سخينة ثم قال قيس في ذلك شعرا. يا بن هند دع التوثب في الحرب * إذا نحن بالجياد سرينا نحن من قد علمت فادن إذا * شئت بمن شئت في العجاج إلينا ان تشأ فارسا له فارس منا * وان شئت باللفيف التقينا
343 أي هذين ما أردت فخذه * ليس منا وليس منك الهوينا ثم لا نسلخ العجاجة حتى * تنجلي حربنا لنا أو علينا ليت ما تطلب الغداة أتانا * أنعم الله بالشهادة عينا فلما أتى شعره وكلامه معاوية دعا عمرو بن العاص فقال ما ترى في شئتم الأنصار قال أرى ان توعدهم ولا تشتمهم ما عسى ان تقول لهم إذا أردت ذمهم فذم أبدانهم ولا تذم أحسابهم، فقال إن قيس بن سعد يقوم على كل يوم خطيبا وأظنه والله يفنينا غدا ان يحبسه عنا حابس الفيل فما الرأي، قال الصبر والتوكل وأرسل إلى رؤس الأنصار مع علي " ع " فعاتبهم وأمرهم ان يعاتبوه فأرسل معاوية إلى ابن مسعود والبراء بن عازب وخزيمة بن ثابت والحجاج بن عرية وأبى أيوب فعاتبهم فمشوا إلى قيس بن سعد فقال له ان معاوية لا يحب الشتم فكف عن شتمه فقال إن مثلي لا يشتم ولكن لا اكف عن حربه حتى ألقى الله قال وتحركت الخيل غدوة فظن قيس ان فيها معاوية فحمل على رجل يشبهه فضربه بالسيف فإذا ليس به ثم حمل على آخر يشبهه أيضا فقنعه بالسيف فلما تحاجز الفريقان شتمه معاوية شتما قبيحا وشتم الأنصار فغضب النعمان بن بشير مع مسلمة فأرضاهما بعد أن هما ان ينصرفا إلى قومهما ثم إن معاوية سأل النعمان ان يخرج إلى قيس يعاتبه ويسأله السلم فخرج النعمان فوقف بين الصفين ونادى يا قيس بن سعد انا النعمان بن بشير فخرج إليه وقال هيه يا نعمان ما حاجتك قال يا قيس انه قد أنصفكم من دعاكم إلى ما رضى لنفسه يا معشر الأنصار انكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار وقتلتم أنصاره يوم الجمل وأقحمتم بصولكم على أهل الشام بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة ولكنكم لم ترضوا ان تكونوا كالناس حتى أعلمتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ثم لم ينزل بعلي خطب قط إلا هونتم عليه المصيبة ووعدتموه الظفر وقد اخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم فاتقوا الله في البقية فضحك قيس وقال ما كنت أظنك يا نعمان محتويا على هذه
344 المقالة انه لا ينصح أخاه من غش نفسه وأنت الغاش الضال المضل أما ذكرك عثمان فان كانت الأخبار تكفيك فخذ مني واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه وخذله من هو خير منك واما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث واما معاوية فوالله لو اجتمعت عليه العرب قاطبة لقاتله الأنصار واما قولك إنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ولكن أنظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور أنظر أين المهاجرين والأنصار والتابعون لهم باحسان الذين رضى عنهم ورضوا عنه ثم أنظر هل ترى مع معاوية أنصاريا غيرك وغير صويحبك ولستم والله بدريين ولا عقبين ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن ولعمري لان شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك. وروى نصر قال كان معاوية في صفين جعل بسر بن أرطاة يوما بإزاء قيس بن سعد فعدا بسر في حماة الخيل فلقى قيسا كأنه فنيق وهو يقول: انا ابن سعد زانه عبادة * والخزرجيون رجال سادة ليس فراري في الوغا بعادة * ان الفرار للفتى قلادة يا رب أنت لقني الشهادة * والقتل خير من عناق غادة فطعن في خيل بسر وطعن بسر قيسا فضربه قيس بالسيف فرده على عقبيه ورجع القوم جميعا ولقيس الفضل، ومن شعره في أيام صفين قوله: قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل حسبنا ربنا الذي فتح البصر * ة بالأمس والحديث طويل وعلى إمامنا وامام * لسوانا أتى به التنزيل يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل ولما بويع الحسن " ع " بالخلافة بعد أبيه كان قيس من المبادرين إلى بيعته والناهضين بها، ووجه الحسن " ع " عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد مقدمة له
345 في اثنى عشر ألفا إلى الشام وقال لعبيد الله أمض حتى تستقبل معاوية فإذا لقيته فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتله وان أصبت فقيس بن سعد على الناس فسار عبيد الله حتى نزل بإزاء معاوية فلما كان من الغد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد الله فيمن معه فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العباس إن الحسن قد أرسل لي في الصلح وهو مسلم الأمر إلى فان دخلت في طاعتي الان كنت متبوعا والا دخلت وأنت تابع ولك ان جئتني الآن أعطيك الف ألف درهم أعجل لك في هذا الوقت نصفها وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر فاقبل عبيد الله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده وأصبح الناس ينتظرون عبيد الله ان يخرج فيصلى بهم فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثم خطبهم فثبتهم وذكر عبيد الله فنال منه ثم أمرهم بالصبر والنهوض إلى العدو فأجابوه بالطاعة وقالوا له انهض بنا إلى عدونا على اسم الله فنزل فنهض بهم وخرج إليه بسر بن أرطاة فصاحوا إلى أهل العراق ويحكم هذا أميركم عندنا قد بايع وإمامكم الحسن قد صالح فعلى م تقتلون أنفسكم فقال لهم قيس بن سعد اختاروا إحدى اثنتين اما القتال مع غير امام واما ان تبايعوا بيعة ضلال فقالوا بل نقاتل بغير امام فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم وكتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه ويمنيه فكتب إليه قيس لا والله لا تلقاني ابدا الا وبيني وبينك الرمح فكتب معاوية حينئذ لما يئس منه، أما بعد فإنك يهودي ابن يهودي لا تشقى نفسك وتقتلها فيما ليس لك فان ظهر أحب الفريقين إليك نبذك وغولك وان ظهرا بغضهما إليك نكل بك وقتلك وقد كان أبوك أوتر غير قوسه ورمى غير غرضه فأكثر الحز وأخطأ المفصل فخذله قومه وأدركه يومه فمات بحوران طريدا غريبا والسلام فكتب إليه قيس ابن سعد، أما بعد: فإنما أنت وثن ابن وثن دخلت في الإسلام كرها وأقمت فيه فرقا وخرجت منه طوعا ولم يجعل الله لك فيه نصيبا لم يقدم إسلامك ولم يحدث
346 نفاقك ولم تزل حربا لله ولرسوله وحزبا من أحزاب المشركين وعدو الله ونبيه والمؤمنين من عباده وذكرت أبى فلعمري ما أوتر الا قوسه ولا رمى إلى غرضه فشغب عليه من لا يشق غباره ولا يبلغ كعبه وزعمت انى يهودي وقد علمت وعلم الناس انى وأبى أنصار الدين الذي خرجت منه وأعداء الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه والسلام فلما قرأ كتابه غاظه وأراد جوابه قال له عمرو مهلا فإنك ان كاتبته أجابك باشد من هذا وان تركته دخل فيما دخل فيه الناس فامسك عنه قال وبعث معاوية عبد الله بن عامر وعبد الله بن سمرة إلى الحسن " ع " إلى الصلح فدعواه إليه وزهداه في الامر وأعطياه ما شرط له معاوية وان لا يتبع أحدا بما مضى ولا ينال أحدا من شيعة على " ع " بمكروه ولا يذكر عليا " ع " إلا بخير وأشياء أخر اشترطها الحسن فأجاب إلى ذلك وانصرف قيس بن سعد فيمن معه إلى الكوفة وانصرف الحسن أيضا إليها واقبل معاوية قاصدا نحو الكوفة واجتمع إلى الحسن وجوه الشيعة وأكابر أصحاب أمير المؤمنين " ع " يلومونه ويبكون إليه جزعا مما فعل. وروى أن معاوية استثنى قيس بن سعد من الشيعة في الأمان فقال الحسن لا أصالح حيت لا تستثنى أحدا. وروى أن الحسن لما اشترط على معاوية في الصلح ان لا يطلب أحدا من أهل الحجاز والمدينة والعراق بشئ مما كافي أيام أبيه أجاب معاوية إلى ذلك وقال لا اطلب أحدا الا عشرة أنفس لا أؤمنهم فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه معاوية انى قد آليت انى متى ظفرت بقيس بن سعد بن عبادة ان اقطع لسانه ويده فراجعه الحسن وقال لا أرى ان يطلب قيس وغيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث إليه معاوية حينئذ برق أبيض وقال اكتب ما شئت فيه فإني ملتزمه فاصطلحا. قال أبو الفرج الأصبهاني لما تم الصلح بين الحسن ومعاوية أرسل إلى قيس ابن سعد يدعوه إلى البيعة وكان رجلا طويلا يركب الفرس المشرف ورجلاه
347 تخطان في الأرض وما في وجهه طاقة شعر وكان يسمى خصى الأنصار فلما أرادوا ادخاله إليه قال انى حلفت ان لا القاء إلا وبيني وبينه الرمح والسيف فامر معاوية برمح وسيف بينه وبينه ليبر بيمينه. قال أبو الفرج وقد روى أن الحسن " ع " لما صالح معاوية اعتزل قيس ابن سعد في أربعة آلاف وأبى ان يبايع فلما بايع الحسن ادخل قيس ليبايع فاقبل على الحسن فقال في حل انا من بيعتك فقال نعم فألقى له كرسي وجلس معاوية على سرير والحسن معه فقال له معاوية أتبايع يا قيس قال نعم ووضع يده على فخذه ولم يمدها إلى معاوية فجاءا معاوية على سريره وأكب على قيس حتى مسح يده على يده وما دفع قيس إليه يده. وروى أن قيسا نقم على الحسن " ع " خلعه لنفسه من الخلافة وواجهه بكلام شديد تأسفا لذلك ثم خرج من معسكر الحسن ولما دعاه معاوية إلى البيعة امتنع وقال ما زلت انا وأبى نفتخر بانا لم نبايع ظالما قط فنصحه الحسن وأمره بمبايعته فاعتذر بأعذار كثيرة فألح عليه الحسن فذهب إلى معاوية مكرها فقال له معاوية يا قيس ما كنت أود ان تصل إلى هذا الامر وأنت حي فقال له قيس وما كنت أحب ان تحكم أنت وانا حي فقام الحاضرون بينهما حتى سكن النزاع. وروى الكشي باسناده عن فضيل غلام محمد بن راشد قال سمعت أبا عبد الله " ع " يقول إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي ان أقدم أنت والحسين وأصحاب على فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة فقدموا الشام فأذن لهم معاوية واعد لهم الخطباء فقال للحسن " ع " قم فبايع فقام ثم قال للحسين " ع " قم فقام فبايع ثم قال قم يا قيس فبايع فالتفت إلى الحسين " ع " ينتظر ما يأمره فقال يا قيس انه إمامي يعنى الحسن عليه السلام. وروى باسناده أيضا عن جعفر بن بشير عن ذريح قال سمعت أبا عبد الله يقول دخل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري صاحب شرطة الخميس على معاوية
348 فقال له معاوية يا قيس بايع فنظر إلى الحسن فقال يا أبا محمد بايعت فقال معاوية اما تنتهى أما والله انى شئت فقال له قيس اما والله لئن قلت انى شئت لتناقض فقال وكان مثل البعير جسيما وكان خفيف اللحية قال فقام إليه الحسن فقال بايع يا قيس فبايع. وسار قيس إلى المدينة ولم يزل بها مشتغلا بالعبادة حتى توفى إلى رحمة الله تعالى في آخر خلافة معاوية. وعن سليم بن قيس قال قدم معاوية بن أبي سفيان حاجا في أيام خلافته فاستقبله أهل المدينة فنظر فإذا الذين استقبلوه ما منهم إلا قرشي فلما نزل قال ما فعلت الأنصار وما بالها لم تستقبلني فقيل له انهم محتاجون ليس لهم دواب فقال معاوية فأين نواضحهم فقال قيس بن سعد بن عبادة - وكان سيد الأنصار وابن سيدها - أفنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله حتى ضربوك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون فسكت معاوية فقال قيس اما ان رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلينا أنا سنلقي بعده إثرة فقال معاوية فما امركم قال أمرنا ان نصبر حتى نلقاه قال فاصبروا حتى تلقوه. قال المؤلف: وهذا الخبر مما كفر به المعتزلة معاوية وروى من طريق آخر ان النعمان بن بشير الأنصاري جاء في جماعة من الأنصار فشكوا إليه فقرهم وقالوا لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله ستلقون بعدي إثرة فقد لقيناها قال معاوية فماذا قال لكم قالوا قال لنا فاصبروا حتى تردوا على الحوض قال فافعلوا ما امركم به عساكم تلاقونه غدا عند الحوض كما أخبركم بقوله مستهزئا بهم وحرمهم ولم يعطهم شيئا. وروى أن عظيم الروم بعث إلى معاوية بن أبي سفيان بهدية مع رسولين أحدهما جسيم والآخر أيد ففطن لهما معاوية فقال لعمرو بن العاص، اما الطويل فإني أجد مثله فمن الأيد فقال أجد القوة والأيد في شخصين أحدهما محمد ابن
349 الحنفية والآخر قيس بن سعد فقال بردت قلبي فأرسل إلى قيس بن سعد وعرفه الحال فحضر فلما مثل بين يدي معاوية وعرف ما يراد منه نزع سراويله ورمى بها إلى العلج فلبسها فنالت ثندوته فأطرق مغلوبا وليم قيس على ذلك وقيل له هلا بعثت بها فقال: أردت لكيما يعلم الناس انها * سراويل قيس والوفود شهود وان لا يقولوا غاب قيس وهذه * سراويل عادى نمته ثمود وإني من القوم اليمانين سيد * وما الناس الا سيد ومسود وبده جميع الخلق أصلي ومنصبي * وجسم به أعلى الرجال مديد وحضر محمد بن الحنفية فعرف ما يراد منه فخير العلج بين ان يقعد ويقوم العلج فيعطيه يده فيقيمه أو يقعد العلج ويقوم محمد. ويعطيه يده ويقعد فاختار العلج. الحالتين فغلبه فيهما محمد فأقام العلج وأقعده أخرجه ابن عساكر في تاريخه بطرق مختلفة وفى رواية ان ملك الروم يزعم أن أحدهما أقوى والآخر أطولهم وقال لمعاوية إن كان في جيشك من يغلبهما أرسلت لك كذا وكذا فلما جاء محمد بن الحنفية فوضع يده في الأرض بين يدي القوى وجهد كل الجهد فلم يقدر ان يحركها ووضع الرومي يده فاخذها ابن الحنفية ورفعها بأدنى شئ وجاؤا للطويل بلباس قيس بن سعد فبلغ ثدييه. وفى تاريخ الإسلام للذهبي عن أبي عثمان قال بعث قيصر إلى معاوية ابعث إلى سراويل أطول رجل من العرب فقال لقيس بن سعد ما أظننا الا قد احتجنا إلى سراويلك فقام فتنحى وجاء بها فألقاها فقال ألا ذهبت إلى منزلك ثم بعثت بها فقال الأبيات السابقة والبيت الآخر منها يروى هكذا: فكدهم بمثلي ان مثلي عليهم * شديد وخلقي في الرجال مديد ولقيس عدة أحاديث روى عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أبيه وروى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وعروة بن الزبير والشعبي وميمون بن أبي شبيب وغريب
350 ابن حميد الهمداني وجماعة ومات (ره) سنة ستين وهي السنة التي مات فيها معاوية وقيل مات بعد ذلك. قال ابن حيان كان قد هرب من معاوية فمات سنة خمس وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان، قال ابن حجر، والأول هو الصواب (سعد بن سعد بن عبادة) الأنصاري أخو المذكور قال العسقلاني صحابي صغير وقد ولى بعض اليمن لعلى " ع " وقال الذهبي قيل له صحبة، روى عن أبيه وعنه ابنه شرحبيل وأبو امامة ابن سهيل، ولى اليمن لعلى عليه السلام. (أبو قتادة الأنصاري) اسمه الحرث وقيل عمرو وقيل النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة ابن بلدمة بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة السلمي بفتحتين المدني فارس رسول الله صلى الله عليه وآله شهد أحدا ولم يصح شهوده وبدرا قاله ابن حجر في التقريب. وأخرج أبو داود عن أبي قتادة ان النبي كان في سفر له فتعطشوا فانطلق سرعان الناس فلزمت رسول الله تلك الليلة، فقال حفظك الله بما حفظت به نبيه وهو طرف من حديث طويل قد أخرجه مسلم. وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال لما قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة ونكح امرأته كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري فركب فرسه. والتحق بابى بكر وحلف ان لا يسير في جيش تحت لواء خالد ابدا فقص على أبى بكر القصة فقال أبو بكر لقد فتنت الغنائم العرب وترك خالد ما أمرته. قال أبو عمر في الاستيعاب شهد أبو قتادة مع علي " ع " مشاهده كلها في خلافته قال ابن الأثير شهد أبو قتادة مع علي " ع " حروبه كلها وهو بدري وتوفى
351 سنة أربع وخمسين وقيل مات سنة أربعين وصلى عليه على " ع " والله أعلم. (عدى بن حاتم بن عبد الله) ابن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم ابن أبي خزم واسمه هزومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طئ بن أدد بن مالك بن زيد بن كهلان الطائي أبوه حاتم هو الجواد المشهود الذي يضرب بجوده المثل وأدرك عدى الإسلام فأسلم سنة تسع وقيل سنة عشر ولإسلامه خبر ذكره ابن هشام في سيرته قال كان عدى يقول ما كان رجل من العرب أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وآله حين سمع به منى أما انى كنت امرءا شريفا وكنت نصرانيا وكنت أسير في قومي بالمرياع فكنت في نفسي على دين وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وآله كرهته فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي لا أبا لك أعدد لي من إبلي جمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا منى فإذا سمعت بجيش لمحمد وقد وطأ هذه البلاد فادن منى فافعل ثم انه أتاني ذات غداة فقال يا عدى ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقيل له هذه جيوش محمد قال فقلت قرب لي أجمالي فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت الحق باهل ديني من النصارى بالشام فسلكت الجوشية وخلفت بنتا لحاتم في الحاضرة فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل رسول الله فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وآله في سبايا من طي وقد بلغ رسول الله هربي إلى الشام قال فجعلت ابنة حاتم في حظيرة (1) بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها فمر بها رسول الله فقامت إليه وكانت امرأة جزلة فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الرافد فامنن على من الله عليك قال ومن رافدك قالت عدى بن حاتم قال الفار من الله ورسوله ثم مضى رسول الله وتركي حتى إذا كان من الغد مربى فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس
(1) وفى نسخة: في حجرة 352 قالت حتى إذا كان بعد الغد مربى وقد يئست منه فأشار إلى رجل من خلفه ان قومي وكلميه قالت فقمت إليه فقلت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الرافد فامنن على من الله عليك قال صلى الله عليه وآله قد فعلت فلا تعجل حتى تجدي من قومك من يكون لك به ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني، فسألت عن الرجل الذي أشار على أن كلميه فقيل لي علي بن أبي طالب " ع " فأقمت حتى قدم ركب من بلى أو من قضاعة قالت وإنما أريد ان أتى أخي بالشام قال فجئت رسول الله فقلت يا رسول الله قد قدم من قومي رهط لي فيهم ثقة وبلاغ قالت فكساني رسول الله وحملني وأعطاني نفقة وخرجت معهم حتى قدمت الشام. قال عدى فوالله انى لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ضعينة تصوب إلى منا قال فقلت أبنة حاتم فإذا هي هي فلما وقفت على انسحلت (1) تقول القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك وعورتك قال قلت أي أخية لا تقولي الا خيرا فوالله مالي من عذر لقد صنعت ما ذكرت قال ثم نزلت فأقامت عندي فقلت لها وكانت امرأة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله ان تلحق به سريعا فان يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وان يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت قال فقلت والله ان هذا للرأي قال فخرجت أقدم على رسول الله المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال من الرجل قلت عدى بن حاتم فقام رسول الله فانطلق بي إلى بيته فوالله انه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال فقلت في نفسي ما هذا بملك ثم مضى رسول الله حتى دخل بي بيته تناول وسادة من ادم محشوة ليفا فقدمها إلى فقال اجلس على هذه قال فقلت بل أنت اجلس عليها فقال صلى الله عليه وآله بل أنت فجلست عليها وجلس رسول الله بالأرض قال فقلت في نفسي والله ما هذا بامرئ ملك
(1) انسحلت: لامت وسخطت 353 ثم قال صلى الله عليه وآله إيه يا عدى بن حاتم ألم تكن ركوسيا (1) قال فقلت بلى قال أولم تكن تسير في قومك بالمرباع (2) قال فقلت بلى قال فان ذلك لم يكن يحل لك في دينك قال قلت اجل والله وعرفت انه نبي يعلم ما يجهل قال ثم قال لي لعلك يا عدى إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن ان المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم فوالله ليوشكن ان تسمع بالمرأة تخرج على بعيرها من القادسية حتى تزور هذا البيت لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى ان الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن ان تسمع بالقصور البيض من أرض بابل ان يفتح (3) عليهم قال فأسلمت فكان عدى يقول مضت اثنتان وبقيت الثالثة ووالله ليكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه. وروى ابن عبد ربه في كتاب العقد قال وفد عدى بن حاتم على النبي صلى الله عليه وآله فألقى له وسادة وجلس هو على الأرض قال عدى فما رمت حتى هداني الله للإسلام وسرني ما رأيت من كرم رسول الله في بنت حاتم التي أسرتها خيل النبي اسمها سفانة وبها كان يكنى أبوها حاتم. وروى أنه لما أتى بها النبي قالت له يا محمد هلك الوالد وغاب الرافد فان رأيت أن تخلى عنى ولا تشمت بي احياء العرب فان أبى سيد قومه كان يفك العاني ويحمى الذمار ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يطلب إليه طالب حاجة قط فرده (4) انا أبنة حاتم طي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هذه صفة المؤمن
(1) الركوسية: قوم لهم دين بين دين النصارى والصابئين (2) المرباع: ربع الغنيمة (3) وفى السيرة: فتحت عليهم (4) وفى نسخة إلا قضاها 354 لو كان أبوك إسلاميا لترحمنا عليه خلوا عنها فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق. وروى عن أمير المؤمنين " ع " انه قالوا كنا لا نرجو ولا نخشى نارا ولا ثوابا ولا عقابا لكان ينبغي لنا ان نطلب مكارم الأخلاق فإنها مما يدل على سبيل النجاح فقال رجل فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين سمعته من رسول الله قال " ع " نعم وما هو خير منه لما أتانا سبايا طي فإذا فيها جارية حماء، لعساء، لمياء، خواء. عطباء، صلت الجبين لطيفة العرنين مسنونة الخدين لمساء الكعبين خدلجة الساقين لغاء الخدين خميصة الخصرين مكورة الكشحين مصقولة المتنين فأعجبتني وقلت لأطلبن من رسول الله أن يجعلها في فيئي فلما تكلمت نسيت ما راعني من جمالها لما رأيت من فصاحتها وعذوبة كلامها فقالت يا محمد (صلى الله عليه وآله) ان رأيت أن تخلى عنى ولا تشمت بي أحياء العرب فإني أبنة سيد قومي كان أبى يفك العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويكسى المعدوم ويفرج عن المكروب انا أبنة حاتم طي فقال (ص) خلوا عنها فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق فقام أبو بردة فقال يا رسول الله تحب مكارم الأخلاق فقال صلى الله عليه وآله يا أبا بردة لا يدخل الجنة أحد لا يحسن الخلق وأخرج أحمد عن عدى قال قلت لرسول الله ان أبى كان يصل الرحم ويفعل كذا وكذا قال صلى الله عليه وآله ان أباك أراد أمرا فأدركه يعنى الذكر. وروى أن عديا قدم على عمر وكان رأى منه جفاء فقال اما تعرفني قال بلى أعرفك قد أسلمت إذ كفروا وعرفت إذ نكروا ووفيت إذ غدروا وأقبلت إذ أدبروا وكان عدى يشابه أباه في الكرم حتى أنه كان يفت الخبز للنمل ويقول إنهن جارات وفيه يقول الشاعر: باب اقتدى عدى في الكرم * ومن يشابه أبه فما ظلم قال الفضل ابن شاذان كان عدى من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
355 قال ابن قتيبة ذكروا ان عديا قام إلى على " ع " عند خروجه إلى حرب أهل الجمل فقال يا أمير المؤمنين لو تقدمت إلى قومي أخبرهم بمسيرك واستفزهم فان لك على من طي ما معك فقال على " ع " نعم فافعل فتقدم عدى إلى قومه فاجتمعت إليه رؤساء طي فقال يا معشر طي انكم أمسكتم عن حرب رسول الله في الشرك ونصرتم الله ورسوله في الإسلام على الردة وعلى " ع " قادم عليكم وقد ضمنت له مثل عدة من معه منكم فانفروا معه وقد كنتم تقاتلون في الجاهلية على الدنيا فقاتلوا في الإسلام على الآخرة فان أردتم الدنيا فعند الله مغانم كثيرة وانا أدعوكم إلى الدنيا والآخرة وقد ضمنت عنكم الوفاء وباهيت الناس بكم فأجيبوا قولي فإنكم أعز العرب دارا ولكم فضول من معاشكم وخيلكم فاجعلوا فضل المعاش للقتال وفضول الخيل للجهاد وقد أظلكم على " ع " والناس معه من المهاجرين والبدريين والأنصار فكونوا أكثرهم عددا فان هذا سبيل للحي فيه الغنى والسرور وللقتيل فيه الحياة والرزق الكريم فصاحت طي نعم حتى كاد يصم من صياحهم فلما قدم على " ع " على طي أقبل شيخ من طي قد هرم من الكبر فرفع له من حاجبيه فنظر إلى على " ع " فقال أنت ابن أبي طالب قال نعم فقال مرحبا بك وأهلا قد جعلناك بيننا وبين النار وعدينا بيننا وبينك ونحن بينه وبين الناس والله لو أتيتنا غير مبايع لك لنصرناك لقرابتك من رسول الله وأيامك الصالحة ولئن كان ما يقال فيك حقا من الخير ان في أمرك وأمر قريش لعجبا إذ أخروك وقدموا غيرك سر فوالله لا يتخلف عنك من طي إلا عبد أو دعي إلا باذن منك فشخص من طي ثلاثة عشر الف راكبا (قال) بعض المؤرخين شهد عدى مع أمير المؤمنين " ع " الجمل وصفين وفقئت عينه في يوم الجمل وقتل ابنه طريف وبقى بلا عقب. وروى نصر بن مزاحم قال حدثنا عمر بن سعد عن معد بن طريف عن أبي المجاهد عن المحل بن خليفة قال لما أراد أمير المؤمنين " ع " المسير إلى
356 قتال أهل الشام قام عدى بن حاتم الطائي بين يديه فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أمير المؤمنين ما قلت إلا بعلم ولا دعوت إلا إلى الحق ولا أمرت إلا برشد ولكن ان رأيت أن تستأني هؤلاء القوم وتستدعيهم حتى تأتيهم كتبك وتقدم عليهم رسلك فان يقبلوا يصيبوا رشدهم والعافية أوسع لنا ولهم وان يتمادوا في الشقاق ولا ينزعوا من الغي نسير إليهم وقدمنا إليهم بالعذر ودعوناهم إلى في أيدينا من الحق فوالله لهم من الحق أبعد وعلى الله أهون من قوم قاتلناهم بالأمس بناحية البصرة لما دعوناهم إلى الحق فتركوه ناوحناهم برا كالقتال حتى بلغنا منهم ما نحب وبلغ الله منهم رضاه فقام زيد بن حصين الطائي وكان من أصحاب البرانس المجتهدين فقال الحمد لله حتى يرضى ولا إله إلا الله ربنا، أما بعد فوالله ان كنا في شك من قتال من خالفنا ولا تصلح لنا النية في قتالهم حتى نستدعيهم ونستأنيهم ما الأعمال الا في تباب ولا السعي الا في ضلال والله تعالى يقول (واما بنعمة ربك فحدث) إننا والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يتبعونه فكيف باتباع القاسية قلوبهم القليل من الإسلام حظهم أعوان الظلمة وأصحاب الجور والعدوان ليسوا من المهاجرين والأنصار ولا التابعين باحسان، فقام رجل من طي فقال يا زيد ابن حصين كلام سيدنا عدى بن حاتم تهجن فقال زيد ما أنتم أعرف بحق عدى منى ولكن لا ادع القول بالحق وان سخط الناس. ولعدي في صفين مقامات مشهورة: وروى نصر بن مزاحم قال جاء عدى بن حاتم في يوم من أيام صفين يلتمس عليا " ع " ما يطأ إلا على انسان ميت أو قدم أو ساعد فوجده تحت رايات بكر بن وائل فقال يا أمير المؤمنين " ع " الا تقوم حتى نموت فقال على " ع " ادن منى فدنا منه حتى وضع اذنه عند أنفه فقال ويحك ان عامة من معي يعصيني وان معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه فقال عدى بن حاتم: أقول لما ان رأيت المعمعه * واجتمع الجندان وسط البلقعه
357 هذا على والهدى حقا معه * يا رب فاحفظه ولا تضيعه فإنه يخشاك رب فادفعه * ومن أراد غيه فضعضعه وروى نصر أيضا قال انتدب لعلى " ع " همام بن قبيصة وكان من أشتم الناس لعلى " ع " وكان معه لواء هوازن فقصد لمذحج وهو يقول: قد علم الخرد كالتمثال * انى إذا دعيت للنزال أقدم اقدام الهزبر العالي * أهل العراق انكم من بالي كل تلادي وطريف مالي * حتى أنال فيكم المعالي أو أطعم الموت وتلكم حالي * في نصر عثمان ولا أبالي فقال عدى بن حاتم لصاحب الراية ادن منى فاخذه وحمله وهو يقول: يا صاحب الصوت الرفيع العالي * ان كنت تبغى في الوغى نزالي فأذن فإني كاشف عن حالي * تفدي عليا مهجتي ومالي وأسرتي تتبعها عيالي فضربه وسلبه لواءه فقال ابن حطان وهو شامت به: أهمام لا تذكر مدى الدهر فارسا * وعض على ما جئته بالأباهم سما لك يوما في العجاجة فارس * شديد القصير ذو شجا وغمائم فوليته لما سمعت نداءه * تقول له خذ يا عدى بن حاتم فأصبحت مسلوب اللواء مذبذبا * وأعظم بهذا منك شتمة شاتم وروى نصر أيضا قال روى أن عمر بن الخطاب دعا عابس بن سعد الطائي وكان عدى بن حاتم تزوج أخته وأولد منها ابنه زيدا فقال عمر إني أريد ان أوليك قضاء حمص فكيف أنت صانع قال اجتهد رأيي وأستشير جلسائي فانطلق فلم يمض إلا يسيرا حتى رجع فقال يا أمير المؤمنين إني رأيت رؤيا أحب أن أقصها عليك قال هاتها قال رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق ومعها جمع عظيم وكان القمر أقبل من المغرب ومعه جمع عظيم فقال عمر مع أيهما كنت
358 قال مع القمر قال عمر كنت مع الآية الممحوة لا والله لا تعمل على عمل فرده فشهد مع معاوية صفين وكانت راية طي معه فقتل يومئذ فمر به عدى بن حاتم ومعه زيد بن عدي فرآه قتيلا فقال يا أبة هذا والله خالي قال نعم يلعن الله خالك فبئس والله المصرع مصرعه فوقف زيد فقال من قتل هذا الرجل مرارا فخرج إليه رجل من بكر بن وائل - طوال وائل - فقال انا والله قتلته قال كيف صنعت به فجعل يخبره فطعن زيد بالرمح فقتله فحمل عليه عدى يسبه ويسب أمه ويقول يا بن المايقة لست على دين محمد ان لم أرفعك إليهم فضرب فرسه فلحق بمعاوية فأكرمه وحمله وأدنى مجلسه فرفع عدى يده فدعا عليه فقال: اللهم ان زيدا قد فارق ولحق بالمحلين اللهم فارمه بسهم من سهامك لا يشوى يقول لا يخطى فان رميتك لا تنمى لا والله لا أكلمه من رأسي كلمة ابدا ولا يظلني وإياه سقف بيت ابدا، قال وقال زيد في قتل البكري شعرا: ألا من مبلغ طيا باني * ثأرت بخالي ثم لم أتأثم تركت أخا تيم يبق بصدره * بصفين مخضوب الجيوب من الدم وذكرني خالي غداة رأيته * فأوخزته رمحي فخر على الفم لقد غادرت أرماح بكر بن وائل * قتيلا عن الأهوال ليس بمحجم قتيل يظل الحي يثنون بعده * عليه بأيد من نداه وانعم لقد فجعت طي بحلم ونائل * وصاحب غارات ونهب مقسم لقد كان خالي ليس خال كمثله * دعانا لضيم واحتمالا لمغرم قال ولما لحق زيد بن عدي بمعاوية تكلم رجال من أهل العراق في عدى ابن حاتم وطعنوا في أمره وكان عدى سيد الناس مع علي " ع " في نصيحته وعنائه فقام إلى على " ع " فقال يا أمير المؤمنين اما عصم الله رسوله صلى الله عليه وآله من حديث النفس والوسواس وأتاني الشيطان بالوحي وليس هذا لأحد بعد رسول الله في عائشة وأهل الإفك والنبي صلى الله عليه وآله خير منك وعائشة يومئذ خير منى وقد
359 قربني زيد للظن غير انى إذا ذكرت مكانك من الله ومكاني منك اتسع خناقي وطال نفسي والله ان لو وحدت زيدا لقتلته ولو هلك ما حزنت عليه فأثنى عليه على " ع " خيرا وقال في ذلك شعرا: أيا زيد قد عصبتني بعصابة * وما كنت للثوب المدلس لابسا فليتك لم تخلق وكنت كمن مضى * وليتك إذ لم تمض لم تر حابسا الا زال أعداء وعن ابن حاتم * أباه وأمسى بالفريقين ناكسا وحامت عليه مذحج دون مذحج * وأصبحت للأعداء ساقا ممارسا نكصت على العقبين يا زيد برده * وأصبحت فقد جدعت منا المعاطسا قتلت امرأ من آل بكر بن وائل * فأصبحت مما كنت آمل آيسا وروى الشريف المرتضى (ره) في كتاب الغرر والدرر ان عديا دخل على معاوية فقال له ما فعل الطرفان يعنى طريفا وطرافا وطرفه بنيه قال قتلوا مع علي ابن أبي طالب " ع " فقال ما أنصفك ابن أبي طالب قدم بينك وأخر بنيه فقال عدى بل ما أنصفته انا ان قتل وبقيت بعده. وقال له معاوية يوما ما أبقى لك الدهر من حب على فقال إن حبه ليتجدد في القلب وان ذكره يتردد في اللسان. وروى أنه حضر جماعة من قريش عند معاوية وعنده عدى بن حاتم وكان فيهم عبد الله بن الزبير فقالوا يا أمير المؤمنين ذرنا نكلم عديا فقد زعموا ان عنده جوابا فقال إني أحذركموه فقالوا لا عليك دعنا وإياه فقال له ابن الزبير يا أبا طريف متى فقئت عينك قال يوم فر أبوك وقتل شر قتلة وضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف وأنشد شعرا: اما وأبى يا ابن الزبير لو انني * لقيتك يوم الزحف ما رمت لي سخطا وكان أبى في طئ وأبوابي * صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا ولو رمت شتمي عند عدل قضاؤه * لرمت به يا ابن الزبير مدى شحطا
360 فقال معاوية قد كنت حذرتكموه فأبيتم. قال المؤلف: عرض عدى بقوله صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا بما ذكره النسابون من أن العوام أبا الزبير كان رجلا من القبط حدث إسحاق بن جرير قال حدثني رجل من بنى هاشم وكان نسابة لقريش قال كان العوام أبا الزبير رجلا من القبط من أهل مصر وكان مملوكا لخويلد اشتراه من مصر وإنما سمى العوام لأنه يعوم في نيل مصر ويخرج ما يغرق فيه من متاع الدنيا واشتراه خويلد فنزل بمكة ثم إن خويلدا تبناه وشرط عليه إن هو جنى عليه جناية رده في الرق وقال وكان يقال له العوام بن خويلد وقد قال حسان بن ثابت يهجو آل الزبير بن العوام ويقال ان عثمان بن الحويرث قالها: بنى أسد ما بال آل خويلد * يحنون شوقا كل يوم إلى القبط إذا ذكرت هيفاء حنوا لذكرها * وللرمث المقرون والسمك الرقط احمري بنى العوام ان خويلدا * غداة تبناه ليوثق في الشرط بأنك ان تجنى على جناية * أردك عبدا للنهايا وللقبط قال فسألت الهاشمي كيف تزوج العوام صفية بنت عبد المطلب قال نحن لم نزوجها قلت فمن زوجها قال كان ظهر بصفية داء لا يراه منها إلا بعلها فخرجت إلى الطائف إلى الحرث بن كلدة الثقفي وكان طبيبا فوصفت له ما تجد فقال لها إني لا أستطيع أن أداويك فان هذا موضع لا يراه إلا بعل وكان العوام يومئذ بالطائف قد خرج إلى الحرث بن كلدة من داء كان به فعالجه حتى برأ فقال لها الحرث زوجي نفسك من العوام ولم تجد بدا من ذلك لما كان بها فكان الحرث يصف للعوام فيعالجها حتى تماثلت ففي ذلك يقول الحرث للعوام حين تزوج صفية بنت عبد المطلب. تزوجتها لا بين زمزم والصفا * ولا في ديار الشعب شعب الأكارم تزوجتها لم يشهد القوم بضعها * بنو عمها من عبد شمس وهاشم
361 قال فكان ذلك سبب تزويج صفية بنت عبد المطلب من العوام. مات عدى (ره) سنة ثمان وستين وهو ابن مائة وعشرين سنة وذلك زمن المختار (عبادة بن الصامت بن قيس) ابن أصرم بن فهر بن تغلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج الأنصاري الخزرجي يكنى أبا الوليد أحد النقباء ليلة العقبة والذي بايع النبي صلى الله عليه وآله ان لا تأخذه في الله لومة لائم وهو من القوافل ومعنى القوافل ان الرجل من العرب كان إذا دخل يثرب يجئ إلى شريف من الخزرج ويقول له أجرني ما دمت بها من أن أظلم فيقول قوفل حيث شئت فلا يعرض له أحد وممن جمع القرآن وكان طويلا جسيما جميلا. قال سعيد بن عقير كان طوله عشرة أشبار قال العلامة (ره) في الخلاصة هو ممن أقام بالبصرة وكان شيعيا. وقال الكشي عن الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وله اثنتان وسبعون سنة وأخطأ من قال إنه عاش إلى خلافة معاوية. (بلال بن رياح) بفتح الراء المهملة والباء الموحدة وبعد الألف حاء مهملة الحبشي بن حمامة وهي أمه كانت مولاة لبني جمح يكنى أبا عبد الله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله أسلم قديما فعذبه قومه وجعلوا يقولون له ربك اللات والعزى وهو يقول أحد أحد. قال محمد بن إسحاق كان أمية بن خلف يخرج بلال إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالشجرة العظيمة ثم توضع على ظهره فيقول لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فيقول بلال وهو على ذلك أحد أحد فمر أبو بكر يوما على أمية بن خلف وهو يعذب بلالا فقال لأمية اما تتقى الله تعالى في هذا المسكين حتى متى قال أنت أفسدته فأنقذه مما ترى فقال أبو بكر افعل عندي غلام أسود أجلد وأقوى على دينك
362 أعطيكه به قال أمية قد قبلت قال هو لك فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك واخذ بلالا. وفى معالم التنزيل أسم الغلام الذي اشترى به أبو بكر بلالا من أمية بن خلف قسطاط. وفى مناقب ابن شهرآشوب كان لأبي بكر غلام مشرك فرأى بلالا يعذب فقايض به، وقيل إن أبا بكر اشترى بلالا بسبع آواق، وقيل بخمس فاعتقه وشهد بدرا واحدا والمشاهد كلها مع رسول الله وفيه يقول الشاعر يوم بدر: هنيئا زادك الرحمن خيرا * فقد أدركت خيرك يا بلال فلا نكسا وجدت ولا جبانا * غداة تنوشك الأسل الطوال وهو أول من اذن لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان يؤذن له سفرا وحضرا وكان خازنا على بيت ماله وعامله على صدقات الثمار وشهد له رسول الله بالجنة وكان ادم شديد الأدمة نحيفا طويلا أحنى له شعر كثير خفيف العارضين به شمط كثير لا يغيره وكان يلحن في كلامه ويجعل الشين سينا فقال رسول الله سين بلال عند الله شين وجاء رجل إلى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين ان بلالا كان يناظر اليوم فلانا فجعل يلحن في كلامه وفلان يعرب ويضحك من بلال فقال أمير المؤمنين " ع " يا أبا عبد الله إنما يراد اعراب الكلام وتقويمه لتقويم الأعمال وتهذيبها ما ينفع فلانا اعرابه وتقويمه لكلامه إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن وماذا يضر بلالا لحنه في كلامه إذا كانت أفعاله مقومة أحسن تقويم ومهذبة أحسن تهذيب ومع ذلك فقد روى له شعر عنه فصيح بالعربية روى النسائي في سننه وابن هشام في سيرته انه لما قدم المدينة كان فيمن اخذته الحمى فكان إذا أفلت عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي أذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل ثم يقول اللهم العن عتبة بن أبي ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى أرض الوباء والمراد بالواد مكة وجليل نبت ضعيف وقيل هو التمام ومجنة بفتح
363 الميم وقد تكسر وفتح الجيم أيضا وبعدها نون مشددة سوق بأسفل مكة وفى القاموس انه موضع قرب مكة وشامة وطفيل بكسر الفاء جبلان مشرفان على مجنة وفى المواهب اللدنية شامة وطفيل عينان بقرب مكة. وروى أن بلال مدح النبي (ص) بلسان الحبشة فقال: أره بره كنكره * كراكري مندره فقال صلى الله عليه وآله لحسان بن ثابت اجعله عربيا فقال حسان بالعربية: إذ المكارم في آفاقنا ذكرت * فإنما بك فينا يضرب المثل وروى أن النبي صلى الله عليه وآله بينما هو والناس في المسجد ينتظرون بلال أن يأتي فيؤذن إذ أتى بعد الأذان فقال النبي ما حبسك يا بلال فقال إني اجتزت بفاطمة وهي تطحن واضعة ابنها الحسن عند الرحى وهي تبكي فقلت لها أيما أحب إليك ان شئت كفيتك ابنك وإن شئت كفيتك الرحى فقالت أنا أرفق بابني وأخذت الرحى فطحنت فذاك الذي حبسني فقال النبي صلى الله عليه وآله رحمتها رحمك الله. وفى مناقب ابن شهرآشوب روى إنه أخذ بلال جمانة بنت الزحاف الأشجعي فلما كان في وادى النعام هجمت عليه وضربته ضربة بعد ضربة ثم جمعت ما كان يعز عليها من ذهب وفضة في سفرة وركبت حجرة من خيل أبيها وخرجت من العسكر عل وجهها إلى شهاب بن مازن الملقب بالكوكب الدري وكان قد خطبها من أبيها ثم انه انفذ النبي صلى الله عليه وآله سلمان وصهيبا إليه لإبطائه فرأوه ملقي على وجه الأرض والدم يجرى من تحته على وجه الأرض فأتيا النبي صلى الله عليه وآله فأخبراه بذلك فقال النبي كفوا عن البكاء ثم صلى ركعتين ودعا بدعوات ثم أخذ كفا من الماء فرشه على بلال فوثب قائما وجعل يقبل قدم النبي صلى الله عليه وآله فقال له النبي من هذا الذي فعل بك هذا الفعال يا بلال فقال جمانة بنت الزحاف وإني لها عاشق فقال صلى الله عليه وآله أبشر يا بلال فسوف انفذ إليها وأتى بها فقال النبي صلى الله عليه وآله يا أبا الحسن هذا أخي جبرئيل يخبرني من رب العالمين ان جمانة لما قتلت بلال
364 مضت إلى رجل يقال له شهاب بن مازن وكان قد خطبها من أبيها ولم ينعم له بزواجها وقد شكت حالها إليه وقد سار بجموعه يروم حربنا فقم وأقصده بالمسلمين فالله تعالى ينصرك عليه وها انا راجع إلى المدينة فقال فعند ذلك سار الإمام " ع " بالمسلمين وجعل يجد في السير حتى وصل إلى شهاب وجاهده ونصر المسلمون فأسلم شهاب وأسلمت جمانة والعسكر وأتى بهم الإمام إلى المدينة وجددوا الإسلام على يد النبي فقال النبي يا بلال ما تقول فقال يا رسول الله قد كنت محبا لها وشهاب ابن مازن أحق بها منى فعند ذلك وهب شهاب لبلال جاريتين وفرسين وناقتين. وروى أنه صلى الله عليه وآله قال لعجوز أشجعية يا أشجعية لا تدخل العجوز الجنة فرآها بلال باكية فرفعها للنبي فقال والأسود كذلك فجلسا يبكيان فرآهما العباس فذكرهما له فقال صلى الله عليه وآله والشيخ كذلك فجلسوا يبكون فدعاهم وطيب قلوبهم وقال ينشئهم الله كأحسن ما كانوا وذكر انهم يدخلون الجنة شبابا منورين. ولما كان يوم الفتح أمر النبي بلالا ان يصعد البيت ويؤذن فوقه فصعد وأذن على البيت فقال خالد بن سعيد بن العاص الحمد لله الذي أكرم أبى فلم يدرك هذا اليوم وقال الحارث بن هشام وا ثكلاه ليتني مت قبل هذا اليوم قبل أن أسمع بلالا ينهق فوق الكعبة وقال الحكم بن أبي العاص هذا والله الحدث العظيم ان عبد بنى جمع يصيح بما يصيح به على بيته فأتى جبرئيل " ع " رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بمقالة القوم. ولم يؤذن بلال لأحد بعد رسول الله وقال لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وان فاطمة " ع " قالت ذات يوم انى اشتهى ان اسمع صوت مؤذن أبى صلى الله عليه وآله بالأذان فبلغ ذلك بلالا فاخذ في الآذان فلما قال الله أكبر ذكرت أباها وأيامه فلم تتمالك من البكاء فلما بلغ إلى قوله اشهد ان محمدا رسول الله شهقت فاطمة " ع " وسقطت لوجهها وغشي عليها فقال الناس لبلال أمسك فقد فارقت ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله الدنيا فظنوا أنها قد ماتت فقطعوا أذانه ولم يتمه فأقامت
365 فاطمة " ع " وسألته ان يتم الأذان فلم يفعل وقال لها يا سيدة النسوان انى أخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان فأعفته عن ذلك. وفى المواهب اللدنية ان عمر لما قدم الشام حين فتحها اذن بلال فتذكر الناس النبي صلى الله عليه وآله قال أسلم مولى عمر فلم أر باكيا أكثر من يومئذ. وعن إبراهيم التميمي لما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله اذن بلال ورسول الله لم يدفن فكان إذا قال اشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله انتحب الناس في المسجد فلما دفن قال له أبو بكر أذن قال إن كنت انما أعتقتني لأن أكون معك فلا سبيل إلى ذلك وان كنت أعتقتني لله فخلني ومن أعتقتني له قال ما أعتقتك إلا لله قال فإني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله قال فذلك إليك قال فأقام حتى خرجت بعوث الشام فخرج معهم حتى انتهى إليها. وعن سعيد بن المسيب قال لما كانت خلافة أبى بكر تجهز بلال ليخرج إلى الشام فقال له أبو بكر ما كنت أراك تدعني على هذه الحالة فلو أقمت معنا فأعنتنا قال إن كنت انما أعتقتني لله تعالى فدعني اذهب وان كنت انما أعتقتني لنفسك فاحبسني عندك فأذن له فخرج إلى الشام فمات بها. وفى المنتفى قال أبو بكر لبلال أعتقك وقد كنت مؤذنا لرسول الله وبيدك ارزق رسوله ووفوده فكن مؤذنا لي كما كنت لرسول الله وخازنا لي كما كنت خازنا لرسول الله فقال يا أبا بكر صدقت كنت كذلك فان كنت أعتقتني لتأخذ منفعتي في الدنيا أقمت حتى أخدمك وان كنت أعتقتني لتأخذ الثواب من الرب فخلني والرب فبكى أبو بكر وقال أعتقك لآخذ الثواب من المولى فلا أعجلها في الدنيا فخرج بلال إلى الشام فمكث زمانا فرأى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا بلال جفوتنا وخرجت من جوارنا وبلادنا فاقصد إلى زيارتنا فانتبه بلال وقصد إلى المدينة وذلك قريب موت فاطمة " ع " فلما انتهى إلى المدينة تلقاه الناس فأخبر بموت فاطمة فصاح وقال بضعة النبي ما أسرع ما لحقت بالنبي فقالوا له اصعد فأذن فقال لا افعل
366 بعد ما أذنت لمحمد فلم يزالوا به حتى صعد فاجتمع أهل المدينة رجالهم ونساؤهم وصغارهم وكبارهم وقالوا هذا بلال مؤذن رسول الله يريد ان يؤذن استمعوا إلى أذانه فلما قال الله أكبر الله أكبر صاحوا وبكوا جميعا فلما قال اشهد ان لا إله إلا الله ضجوا جميعا ولما قال اشهد ان محمدا رسول الله لم يبق في المدينة ذو روح إلا بكى وصاح وخرجت العذارى من خدورهن وهن يبكين وصار كموت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى فرغ من أذانه فقال أبشركم انه لا تمس النار عين بكت على رسول الله ثم انصرف إلى الشام وكان يرجع كل سنة مرة فينادى بالأذان إلى أن مات. وأخرج الشيخ الصدوق في الفقيه عن أبي بصير عن أحدهما " ع " انه قال إن بلالا كان عبدا صالحا قال لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فترك يومئذ حي على خير العمل. وفى كتاب أصفياء أمير المؤمنين " ع " وعن ابن أبي البختري قال حدثنا عبد الله بن الحسن ان بلال أبى ان يبايع أبا بكر وان عمر جاء واخذ بتلابيبه فقال يا بلال ان هذا جزاء أبى بكر منك انه أعتقك فلا تجئ تبايعه: فقال إن كان أبو بكر أعتقني لله فليدعني له وان كان أعتقني لغير ذلك فها انا ذا واما بيعته فما كنت أبايع أحدا لم يستخلفه رسول الله وان بيعة ابن عمه يوم الغدير في أعناقنا إلى يوم القيامة فأينا يستطيع أن يبايع على مولاه فقال له عمر لا أم لك لا تقيم معنا فارتحل إلى الشام وتوفى بدمشق في الطاعون ودفن بباب الصغير وله شعر في هذا المعنى: بالله لا بأبي بكر نجوت ولولا * الله قامت على أوصالي الضبع الله بوأني خيرا وأكرمني * وانما الخير عند الله متبع لا تلقيني تبوعا كل مبتدع * فلست مبتدعا مثل الذي ابتدعوا وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله " ع " قال كان بلال عبدا صالحا
367 وكان صهيب عبدا أسود يبكى على عمر. وأخرج ابن بابويه في أماليه باسناده عن هشام بن الحكم عن ثابت بن هرمز عن الحسن بن أبي الحسن عن أحمد بن أبي الحميدي عن عبد الله بن علي قال حملت متاعا من البصرة إلى مصر فقدمتها فبينا انا في بعض الطريق إذ انا بشيخ طويل شديد الأدمة أصلع أبيض الرأس واللحية عليه طمران أحدهما أسود والآخر أبيض فقلت من هذا قالوا هذا بلال مؤذن رسول الله فأخذت ألواحي وأتيته فسلمت عليه ثم قلت السلام عليك أيها الشيخ فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قلت يرحمك الله حدثني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله قال وما يدر بك من انا فقلت أنت بلال مؤذن رسول الله قال فبكى وبكيت حتى اجتمع الناس علينا ونحن نبكي قال لي يا غلام من أي البلاد أنت قلت من أهل العراق قال بخ بخ فمكث ساعة ثم قال اكتب يا أخا أهل العراق: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول المؤذنون امناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله شيئا إلا أعطاهم ولا يشفعون في شئ إلا شفعوا قلت زدني قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من اذن أربعين عاما محتسبا بعثه الله يوم القيامة وله عمل أربعين صديقا مبرورا متقبلا قلت زدني يرحمك الله قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله يقول من اذن عشرين عاما بعثه الله يوم القيامة وله نور مثل نور سماء الدنيا قلت زدني يرحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله يقول من اذن عشر سنين أسكنه الله مع إبراهيم في قبته أو في درجته قلت زدني يرحمك الله قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من اذن سنة واحدة بعثه الله يوم القيامة وقد غفرت ذنوبه كلها بالغة ما بلغت ولو كانت مثل زنة جبل أحد قلت زدني يرحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله يقول: من اذن في سبيل الله صلاة واحدة
368 إيمانا واحتسابا وتقربا إلى الله غفر الله له ما سلف من ذنوبه ومن الله عليه بالعصمة فيما بقى من عمره وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة قلت يرحمك الله حدثني بأحسن ما سمعت قال ويحك يا غلام قطعت نياط قلبي وبكى وبكيت حتى إني والله لرحمته ثم قال أكتب بسم الله الرحمن الرحيم: سمعت رسول الله يقول إذا كان يوم القيامة وجمع الله الناس في صعيد واحد بعث الله إلى المؤذنين بملائكة من نور معهم ألوية وأعلام من نور يقودون نجائب من زبرجد أخضر وحقائبها المسك الأذفر يركبها المؤذنون فيقومون عليها قياما يقودهم الملائكة ينادون بأعلى أصواتهم بالأذان ثم بكى بكاء شديدا حتى انتحبت وبكيت فلما سكت قلت مم بكاؤك قال ويحك ذكرتني أشياء سمعت حبيبي وصفيي صلى الله عليه وآله يقول والذي بعثني بالحق نبيا انهم ليمرون على الخلق قياما على النجائب فيقولون الله أكبر الله أكبر فإذا قالوا كذلك سمعت لأمتي ضجيجا فسأله أسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو قال الضجيج التسبيح والتحميد والتهليل فإذا قالوا أشهد ان لا إله إلا الله قالت أمتي إياه كنا نعبد في الدنيا فيقال صدقتم فإذا قالوا اشهد ان محمدا رسول الله قالت أمتي هذا الذي أتانا برسالة ربنا فآمنا به ولم نره فيقال لهم صدقتم هو الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين فحقيق على الله ان يجمع بينكم وبين نبيكم فينتهي بهم إلى منازلهم وفيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم نظر إلى فقال لي ان استطعت ولا قوة إلا بالله ان لا تموت إلا مؤذنا فافعل فقلت يرحمك الله تفضل على وأخبرني فإني فقير محتاج وأد ألي ما سمعت من رسول الله فإنك قد رأيته ولم أره وصف لي كيف وصف لك رسول الله بناء الجنة قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إن سور الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من ياقوت وملاطها المسك الأذفر شرفها الياقوت الأحمر والأخضر والأصفر قلت فما أبوابها قال أبوابها مختلفة باب الرحمة من ياقوتة حمراء قلت فما حلقته قال ويحك كف عنى فقد كلفتني شططا قلت ما انا
369 بكاف عنك حتى تؤدى إلى ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم اما باب الصبر فباب صغير مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلقة لها وأما باب الشكر فإنه من ياقوتة بيضاء له مصراعان مسيرة ما بينهما خمسمائة عام له ضجيج وحنين يقو اللهم جئني بأهلي قلت هل يتكلم الباب قال نعم ينطقه ذو الجلال والاكرام وأما باب البلاء قلت أليس باب البلاء هو باب الصبر قال لا قلت فما البلاء قال المصائب والأسقام والأمراض والجذام وهو باب من ياقوتة صفراء مصراع واحد ما أقل من يدخل منه قلت رحمك الله زدني وتفضل على فإني فقير فقال يا غلام لقد كلفتني شططا أما الباب الأعظم فيدخل منه العباد الصالحون وهم أهل الزهد والورع والراغبون إلى الله عز وجل المستأنسون به قلت رحمك الله فإذا دخلوا الجنة ماذا يصنعون قال يسيرون على نهرين في مصاف في سفن الياقوت مجاديفها اللؤلؤ فيها ملائكة من نور عليهم ثياب خضر شديدة خضرتها قلت رحمك الله هل يكون من النور الأخضر قال إن الثياب هي خضر ولكن فيها نور من نور رب العالمين يسيرون على حافة ذلك النهر قلت فما أسم ذلك النهر قال جنة المأوى قلت هل وسطها غير هذا قال نعم جنة عدن فسورها ياقوت أحمر هي في وسط الجنان فاما جنة عدن فسورها ياقوت أحمر وحصيها اللؤلؤ قلت فيها غيرها قال نعم جنة الفردوس قلت وكيف سورها قال ويحك كف عنى قد حيرت على قلبي قلت بل أنت الفاعل بي ذلك ما انا بكاف عنك حتى تنم لي الصفة وتخبرني عن سورها قال سورها نور قلت والغرف التي هي فيها قال هي من نور رب العالمين قلت زدني رحمك الله قال ويحك إلى هذا انتهى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله طوبى لك ان أنت وصلت إلى بعض هذه الصفة وطوبى لمن يؤمن بهذا قلت يرحمك الله انا والله من المؤمنين بهذا قال ويحك انه من يؤمن أو يصدق بهذا الحق والمنهاج لم يرغب في الدنيا ولا في زهرتها وحاسب نفسه قلت انا مؤمن بهذا قال صدقت ولكن قارب وسدد ولا
370 تيأس وأعمل ولا تفرط وارجع وخف واحذر ثم بكى وشهق ثلاث شهقات فظننا انه مات ثم قال فداكم أبى وأمي لو رآكم محمد صلى الله عليه وآله لقرت عينه حين تسألون عن هذه الصفة ثم قال النجا النجا الوحا الوحا الرحيل الرحيل العمل العمل وإياكم والتفريط وإياكم والتفريط ثم قال ويحكم اجعلوني في حل مما فرطت فقلت له أنت في حل مما فرطت جزاك الله الجنة كما أديت وفعلت الذي عليك يجب ثم ودعى وقال لي اتق الله واد إلى أمة محمد ما أديت إليك فقلت افعل انشاء الله تعالى قال استودع الله دينك وأمانتك وزودك التقوى وأعانك على طاعته بمشيئته. وذكر الزمخشري في ربيع الأبرار قال خطب بلال لأخيه خالد بن رياح امرأة قرشية فقال لأهلها نحن من قد عرفتم كنا عبدين فأعتقنا الله وكنا ضالين فهدانا الله وكنا فقيرين فأغنانا الله وانا أخطب لكم على أخي فلانة فان تنكحونا فالحمد لله وان تردونا فالله أكبر فاقبل بعضهم على بعض وقالوا بلال من قد عرفتم سابقته ومشاهده ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله فزوجوا أخاه فلما انصرفا قال له أخوه يغفر الله لك أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله فقال يا أخي صدقت فأنكحك الصدق ومات بلال (ره) سنة سبع عشرة أو عشرين أو إحدى وعشرين وله أربع وستون سنة وأختلف في موضع موته فقيل بدمشق ودفن بباب الصغير وقيل بحلب ودفن على باب الأربعين، قال القسطلاني في المواهب اللدنية ولا عقب له، والله أعلم. (أبو الحمراء مولى النبي صلى الله عليه وآله) وخادمه اسمه هلال بن الحرث وقيل ابن ظفر وأصله فارسي وعده بعضهم في الأحرار من خدامه. قال أبو عمرو بن عبد البر في الاستيعاب حديثه عن النبي انه كان يمر ببيت فاطمة وعلى " ع " فيقول السلام عليكم أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
371 وأخرج ابن بابويه في أماليه باسناده عن أبي الجارود عن زياد بن المنذر عن القاسم بن الوليد عن شيخ من ثمالة. قال دخلت على امرأة من تميم عجوز كبيرة وهي تحدث الناس فقلت لها يرحمك الله حدثيني في بعض فضائل أمير المؤمنين " ع " فقالت أحدثك فهذا شيخ كما ترى بين يدي نائم فقلت لها ومن هذا قالت أبو الحمراء خادم رسول الله فجلست إليه فلما سمع حسي استوى جالسا فقال مه فقلت رحمك الله حدثني بما سمعت ورأيت من رسول الله صلى الله عليه وآله يصنعه بعلي " ع " فان الله يسألك عنه فقال على الخبير وقعت أما ما رأيت النبي يصنعه بعلي فإنه قال لي ذات يوم يا أبا الحمراء إنطلق فادع لي مائة من العرب وخمسين رجلا من العجم وثلاثين رجلا من القبط وعشرين رجلا من الحبشة فاتيت بهم فقام رسول الله فصف العرب ثم صف العجم خلف العرب وصف القبط خلف العجم وصف الحبشة خلف القبط ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ومجد الله بتمجيد لم يسمع الخلايق بمثله ثم قال يا معشر العرب والعجم والقبط والحبشة أقررتم بشهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله؟ فقالوا نعم فقال اللهم اشهد حتى قالها ثلاثا فقال في الثالثة أقررتم بشهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وان علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وولى أمرهم من بعدي؟ فقالوا اللهم نعم فقال اللهم اشهد حتى قالها ثلاثا ثم قال لعلي " ع " يا أبا الحسن انطلق فاتني بصحيفة ودواة فانطلق واتاه بصحيفة ودواة فدفعها إلى على ابن أبي طالب وقال اكتب فقال وما اكتب قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أقرت به العرب والعجم والقبط والحبشة أقروا بشهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وان علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وولى أمرهم من بعدي ثم ختم الصحيفة ودفعها إلى علي بن أبي طالب فما رأيتها إلى الساعة فقلت رحمك الله زدني قال نعم، خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عرفة وهو آخذ بيد على " ع " فقال يا معشر الخلائق ان الله عز وجل باهى بكم
372 في هذا اليوم ليغفر لكم عامة ثم التفت إلى على فقال له وغفر الله لك يا علي خاصة ثم قال يا علي أدن منى فدنا منه فقال إن السعيد حق السعيد من أحبك وأطاعك وان الشقي كل الشقي من عاداك ونصب لك وأبغضك يا علي كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك يا علي من حاربك فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله يا علي من أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله وأتعس الله جده وادخله نار جهنم. قال غير واحد من أصحاب السيران أبا الحمراء نزل بحمص وتوفى بها رحمه الله (أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله) اسمه إبراهيم وقيل أسلم وقيل ثابت وقيل هرمز وقيل بندويه وقيل القبطي وقيل العجمي كان للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي فلما بشر النبي باسلام العباس أعتقه وكان على فعله وزوجه سلمى فولدت له عبيد الله كاتب أمير المؤمنين " ع " في خلافته كلها. قال النجاشي أخبرنا محمد بن جعفر الأديب قال أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد في تاريخه ان أبا رافع أسلم قديما بمكة وهاجر إلى المدينة وشهد مع النبي مشاهده ولزم أمير المؤمنين من بعده وكان من خيار الشيعة شهد معه حروبه وكان صاحب بيت ماله بالكوفة وابناه عبيد الله وعلى كاتبا أمير المؤمنين عليه السلام. وأخرج أيضا باسناده عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن أبي رافع قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو نائم أو يوحي إليه وإذا حية في جانب البيت فكرهت ان أقتلها فأوقظه فاضطجعت بينه وبين الحية حتى أن كان منها سوء يكون إلى دونه فاستيقظ صلى الله عليه وآله وهو يتلو هذه الآية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ثم قال الحمد لله الذي أكمل لعلى منيته وهنيئا لعلى بتفضيل الله إياه ثم التفت فرآني إلى جانبه فقال ما أضجعك هنا يا أبا رافع فأخبرته خبر الحية فقال قم إليها فاقتلها
373 فقتلتها ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدي فقال يا أبا رافع كيف أنت وقوم يقاتلون عليا وهو على الحق وهم على الباطل يكون حقا في الله حق جهادهم فمن لم يستطع جهادهم في قلبه فمن لم يستطع فليس وراء ذلك شئ فقلت ادع لي ان أدركتهم ان يعينني الله ويقويني على قتالهم فقال صلى الله عليه وآله اللهم ان أدركهم فقوه واعنه ثم خرج إلى الناس فقال يا أيها الناس من أراد ان ينظر إلى أميني على نفسي وأهلي فهذا أبو رافع أميني على نفسي. قال عون بن عبيد الله بن أبي رافع فلما بويع على " ع " وخالفه معاوية بالشام وسار طلحة والزبير إلى البصرة قال أبو رافع هذا قول رسول الله سيقاتل عليا قوم يكون حقا في الله جهادهم فباع أرضه بخيبر وداره ثم خرج مع علي " ع " وهو شيخ كبير له خمس وثمانون سنة وقال الحمد لله لقد أصبحت لا أحد بمنزلتي لقد بايعت البيعتين بيعة العقبة وبيعة الرضوان وصليت القبلتين وهاجرت الهجر الثلاث قلت وما الهجر الثلاث قال هاجرت مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة وهاجرت مع رسول الله إلى المدينة وهذه الهجرة مع علي بن أبي طالب إلى الكوفة فلم يزل مع علي حتى استشهد " ع " فرجع أبو رافع إلى المدينة مع الحسن " ع " ولا دار له بها ولا أرض فقسم الحسن دار على بنصفين وأعطاه سنخ أرض أقطعه إياها فباعها عبيد الله بن أبي رافع من معاوية بمائة الف وسبعين ألفا. ومن حديث أبي رافع ما رواه أبو محمد عبد الملك بن هشام في غزاة خيبر من كتاب السيرة باسناده عن أبي رافع قال خرجنا مع علي " ع " حين بعثه رسول الله برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده فتناول على " ع " بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله على يديه ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة انا منهم نجهد على أن نقلب الباب فلم نقلبه. وروى هذا الحديث أحمد بن حنبل في مسنده أيضا قال أكثر أصحاب السير
374 من العامة توفى أبو رافع بعد قتل عثمان في أول خلافة أمير المؤمنين " ع " وما ذكرناه عن النجاشي صريح في أنه عاش إلى أن استشهد أمير المؤمنين " ع " والله أعلم. (هاشم بن عتبة بن أبي وقاص) واسم أبى وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لوى بن غالب يكنى أبا عمرو وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص وأبوه عتبة بن أبي وقاص وهو الذي كسر رباعية رسول الله يوم أحد وكلم شفتيه وشج وجهه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فأنهم ظالمون. وقال حسان بن ثابت في ذلك اليوم هذه الأبيات: إذا الله حيا معشرا بفعالهم * ونصرهم الرحمان رب المشارق فهدك ربى يا عتيب بن مالك * ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق بسطت يمينا للنبي محمد * فدميت فاه قطعت بالبوارق فهلا ذكرت الله والمنزل الذي * تصير إليه عند إحدى الصقائق فمن عاذري من عبد عذرة بعد ما * هوى في دجوجي شديد المضائق وأورث عارا في الحياة لأهله * وفى النار يوم البعث أم البوائق وإنما قال عبد عذره لأن عتبة بن أبي وقاص وأخوته وأقاربه في نسبهم كلام ذكر أهل النسب انهم من عذرة وانهم أدعياء في قريش ولهم خبر معروف وقصة مذكورة في كتب النسب وتنازع عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص في أيام عثمان في أمر فاختصما فقال سعد لعبد الله اسكت يا عبد هذيل فقال له عبد الله اسكت يا عبد عذرة، وهاشم بن عتبة هو المرقال لأنه كان يرقل في الحرب ارقالا. قال أبو عمر وفى كتاب الاستيعاب أسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح وكان
375 من الفضلاء الأخيار ومن الأبطال المشار إليهم فقئت عينه يوم اليرموك ثم أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد كتب إليه بذلك فشهد القادسية وأبلى فيها بلاء حسنا أقام منه في ذلك مقاما ما لم يقم به أحد وكان سبب الفتح على المسلمين وكان بهمة من البهم خيرا فاضلا ثم شهد هاشم مع علي " ع " الجمل وشهد صفين وأبلى فيها بلاء حسنا وبيده كانت راية على " ع " على الرجالة يوم صفين ويومئذ قتل (ره) قال نصر بن مزاحم وروى أنه لما شاع خبر عثمان وبيعة الناس لأمير المؤمنين وبلغ الخبر الكوفة اجتمعوا إلى أبى موسى الأشعري وهو يومئذ أمير عليها وقالوا له مالك لا تبايع لعلى " ع " تتربص ولا تدعو إلى بيعته فان المهاجرين والأنصار قد بايعوا فقال أبو موسى في هذا الأمر لنرى ما يحدث بعده وما يأتينا من خبر فقال له هاشم بن عتبة أي خبر يأتيك بعد هذا قد قتل عثمان وبايع المهاجرون والأنصار والخاص والعام عليا أتخاف ان بايعت لعلى ان يبعث عثمان فيلومك ثم قبض هاشم بيده اليمنى على يده اليسرى وقال يدي اليسرى لي ويدي اليمنى لعلى " ع " وقد بايعته ورضيت بخلافته وأنشأ يقول: أبايع غير مكترث عليا * ولا أخشى أميرا أشعريا أبايعه وأعلم ان سأمضي * هداك الله حقا والنبيا فلما رأى أبو موسى ذلك من هاشم لم يسعه إلا البيعة فقام وبايع وقام بعده أكابر أهل الكوفة وساداتهم ومشايخهم فبايعوا لعلى عليه السلام قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين لما عزم أمير المؤمنين " ع " على التوجه إلى صفين لقتال معاوية قال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء ابن يومنا ويومهم ليوم عصبصب ما يصبر عليه الاكل مشبع القلب صادق النية رابط الجاش وأيم الله ما أظن ذلك اليوم يبقى منا ومنهم الأرذال قال عبد الله ابن بديل وانا والله أظن ذلك فقال على ليكن هذا الكلام جوابنا في صدوركم
376 لا تظهروه ولا يسمعه منكم سامع ان الله تعالى كتب القتل على قوم والموت على آخرين وكل آتيه منيته كما كتب الله له فطوبى للمجاهدين في سبيل الله والمقتولين في طاعته فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله وأثنى عليه ثم قال سر بنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وعملوا في عباد الله بغير رضى الله فأحلوا حرامه وحرموا حلاله واستولاهم الشيطان وأوعدهم الأباطيل ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى وقصد بهم فصل الردى وحبب إليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة أنجزنا موعد ربنا وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله رحما وأفضل سابقة وقدما وهم يا أمير المؤمنين يعلمون منك مثل الذي علمنا ولكن كتب عليهم الشقاء ومالت بهم الأهواء فكانوا ظالمين فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة وأنفسنا بنورك جذلة على من خالفك وتولى الأمر دونك والله ما أحب ان لي ما على الأرض مما أقلت وما تحت السماء مما أظلت وأبى واليت عدوا لك أو عاديت وليا لك فقال " ع " اللهم أرزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة لنبيك. وروى نصر: أيضا في كتابه المذكور قال دفع على الراية يوما من أيام صفين إلى هاشم بن عتبة وكانت عليه درعان فقال له على " ع " كهيئة المازح يا هاشم اما تختشي ان تكون أعورا جبانا قال ستعلم يا أمير المؤمنين لألقن بين جماجم القوم لف رجل ينوى الآخرة فأخذ رمحا فهزه فانكسر ثم أخذ رمحا آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح لين فشد به لواءه. ولما دفع على " ع " الراية إلى هاشم قال رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم أقدم مالك يا هاشم قد انتفخ سحرك أعورا وجبنا قال من هذا قالوا فلان قال أهلها وخير منها إذا رأيتني قد صرعت فخذها ثم قال لأصحابه شدوا شسوع نعالكم وشدوا إزركم فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا فاعلموا ان أحدا منكم لا يسبقني إليها ثم نظر هاشم إلى
377 عسكر معاوية فرأى جمعا عظيما فقال من أولئك قالوا أصحاب ذي الكلاع ثم نظر فرأى جندا آخر فقال من هؤلاء قالوا جند أهل المدينة قال قومي لا حاجة لي في قتالهم قال من عند هذه القبة البيضاء قيل معاوية وجنده قال فإني أرى دونهم أسورة قالوا ذاك عمرو بن العاص وابناه فاخذ هاشم الراية فهزها فقال له رجل من أصحابه امكث قليلا ولا تعجل فقال هاشم (ره) قد أكثروا لومي وما أقلا * انى شريت النفس لما اعتلا أعور يبغي أهله محلا * لا بد ان يفل أو يفلا قد عالج الحياة حتى ملا * أشلهم بذي الكعوب شلا مع ابن عم أحمد المعلا * فيه الرسول بالهدى استهلا أول من صدقه وصلى * نجاهد الكفار حتى نبلى وكان على " ع " قال له ما تخاف ان تكون أعورا جبانا يا هاشم المرقال: قال يا أمير المؤمنين " ع " أما والله لتعلمن إن شاء الله تعالى سألف بين جماجم القوم فحمل يومئذ يرقل ارقالا قال نصر: وحدثنا عبد العزيز بن سباه عن حبيب ابن أبي ثابت قال لما تناول هاشم الراية جعل عمار بن ياسر (ره) يحرضه على الحرب ويقرعه بالرمح ويقول أقدم يا أعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع فيستحي من عمار ويتقدم ويركز الراية فإذا ركزها عاوده بالقول فيقدم أيضا فقال عمرو بن العاص إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا لأن دام على هذا لتفنين العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا وعمار ينادى صبرا عباد الله ان الجنة تحت ظلال البيض وكان بإزاء هاشم وعمار أبو الأعور السلمي ولم يزل عمار بهاشم ينحنى وهو يزحف بالراية حتى اشتد الفتال وعظم والتقى الزحفان فاقتتلا قتالا لم يسمع السامعون بمثله وكثرت القتلى في الفريقين جميعا. قال نصر وحدثنا عمر بن سعد عن الشعبي عن أبي سلمة ان هشام بن عتبة استصرخ الناس عند السلمة الا من كان له إلى الله حاجة ومن كان يريد الآخرة
378 فليقبل فاقبل إليه ناس كثير فشد بهم على أهل الشام مرارا ليس من وجه يحمل عليه إلا صبروا له فقاتل قتالا شديدا ثم قال لأصحابه لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فوالله ما ترون منهم الا حمية العرب وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها وإنهم لعلى ضلال وإنكم لعلى الحق يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا واذكروا الله ولا يسلمن رجل أخاه ولا تكثر والالتفات واصمدوا صمدهم وجالدوهم محتسبين حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين قال أبو سلمة فبينا هو وعصابة من القراء يجالدون أهل الشام إذ طلع عليهم فتى شاب وهو يقول: انا ابن أرباب ملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان أنبأنا قراؤنا بما كان * ان عليا قتل ابن عفان ثم شد لا ينثني حتى يضرب بسيفه ثم جعل يلعن عليا ويشتمه ويسهب في ذمه فقال له هاشم بن عتبة يا هذا ان الكلام بعده الخصام وان لعنك سيد الأبرار بعده عقاب النار فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فيسألك عن هذا الموقف وهذا المقام قال الفتى إذا سألني ربى قلت قاتلت أهل العراق لأن صاحبهم لا يصلى كما ذكر لي وانهم لا يصلون وان صاحبهم قتل خليفتنا وهم آزروه على قتله فقال له هاشم يا بنى وما أنت وعثمان إنما قتله أصحاب محمد الذين هم أولى بالنظر في أمور المسلمين وان صاحبنا كان أبعد القوم عن دمه واما قولك انه لا يصلى فهو أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأول من آمن به واما قولك ان أصحابه لا يصلون فكل من ترى معه قاري الكتاب لا ينامون الليل تهجدا فاتق الله واخش عقابه ولا يغررك من نفسك الأشقياء المضلون فقال الفتى يا عبد الله لقد دخل قلبي من كلامك وإني لأظنك صادقا صالحا وأظنني مخطئا اثما فهل من توبة قال نعم أرجع إلى ربك وتب إليه فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويحب التوابين ويحب المتطهرين فرجع الفتى إلى صفه منكسرا نادما فقال له قوم من أهل الشام خدعك
379 العراقي قال لا ولكن نصح لي العراق، قال نصر ثم إن عليا " ع " دعا في هذا اليوم هاشم بن عتبة وكان معه لوائه فقال له يا هاشم حتى متى فقال هاشم لأجهدن ان لا ارجع إليك ابدا فقال على " ع " ان بإزائك ذو الكلاع وعنده الموت الأحمر فتقدم هاشم فلما أقبل قال معاوية من هذا المقبل فقيل هاشم المرقال فقال أعور بنى زهرة قاتله الله فاقبل هاشم وهو يقول: أعور يبغي نفسه خلاصا * مثل الفتيق لابسا دلاصا لا دية يخشى ولا قصاصا * كل امرئ وان نبا وحاصا ليس يرى من يومه مناصا فحمل صاحب لواء ذي الكلاع وهو رجل من عذرة وقال: يا أعور العين وما بي من عور * أثبت فإني لست من فرعى مضر نحن اليمانيون ما فينا حور * كيف ترى وقع غلام من عذر ينعى ابن عفان ويلحى من عذر * سيان عندي من سعى ومن أمر فاختلفا طعنتين فطعنه هاشم فقتله وكثرت القتلى حول هاشم وحمل ذو الكلاع واختلط الناس فاجتلدوا فقتل هاشم وذو الكلاع جميعا. قال نصر: وحدثنا عمر بن شمر عن السدى عن عبد خير الهمداني قال قال هاشم بن عتبة يوم مقتله أيها الناس إني رجل ضخم فلا يهولنكم مسقط إذا سقطت فإنه لا يفرغ منى في أقل من نحر جزور حتى يفرغ الجزار من جزرها ثم حمل فصرع فمر عليه رجل وهو صريع بين القتلى وناداه اقرأ على أمير المؤمنين " ع " السلام وقل بركات الله عليك ورحمته يا أمير المؤمنين أنشدك الا أصبحت وقد ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى فان الدبرة تصبح غدا لمن غلب على القتلى فأخبر الرجل عليا " ع " بما قال فسار في الليل بكتائبه حتى جعل القتلى خلف ظهوره فأصبح والدبرة له على الشام. قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر عن السدى عن عبد خير قال قاتل هاشم
380 الحرث بن المنذر التنوخي حمل عليه بعد أن أعي وكل وقتل عشرة بيده فطعنه بالرمح فشق بطنه فسقط وبعث إليه على " ع " وهو لا يعلم أقدم بلوائك فقال للرسول انظر إلى بطني فإذا هو قد انشق فاخذ الراية رجل من بكر بن وائل ورفع هاشم رأسه فإذا هو بعبيد الله بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه فحبا حتى دنى منه فعض على ثديه حتى ثبتت فيه أنيابه ثم مات وهو على صدر عبيد الله بن عمرو ضرب البكري فرفع رأسه فأبصر عبيد الله بن عمر قريبا منه فحبا إليه حتى عض على ثديه حتى ثبتت أنيابه فيه ومات أيضا فوجدا جميعا على صدر عبيد الله بن عمر هاشم والبكري قد ماتا جميعا ولما قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا وأصيب معه عصابة من أسلم من أهل القرى فمر عليهم على " ع " وهم قتلى حوله أصحابه الذين قتلوا معه فقال: جزى الله خيرا عصبة أسلمية * صباح وجوه صرعوا حول هاشم يزيد وعبد الله وبشر ومعبد * وسفيان وابنا هاشم ذي المكارم وعروة لا يبعد ثناه وذكره * إذا اخترط البيض الخفاف الصوارم (عثمان بن حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون والفاء بعد الياء المثناة من تحت ابن واهب ابن الحكم بن تغلبة بن مخدعة بن الحارث بن عمر الأنصاري ثم الأوسي يكنى أبو عمرو وقيل أبا عبد الله كان أحد الأشراف عمل لعمر ثم لأمير المؤمنين " ع " وولاه عمر مساحة الأرضين وجبايتها بالعراق وضرب الخراج والجزية على أهلها وولاه أمير المؤمنين " ع " على البصرة. قال الفضل بن شاذان: هو من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين. قال أبو مخنف: وحدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ان الزبير وطلحة أجد السير بعائشة حتى انتهوا إلى حفر أبى موسى الأشعري وهو قريب من البصرة وكتبا إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامل على " ع " على البصرة
381 ان خل لنا دار الأمان فلما وصل كتابهما إليه بعث إلى الأحنف بن قيس ان هؤلاء القوم قدموا علينا ومعهم زوجة رسول الله والناس إليها سراع كما ترى فقال الأحنف بن قيس انهم جاؤوك بها للطلب بدم عثمان وهم الذين ألبوا على عثمان الناس وسفكوا دمه واراهم والله لا يزايلونا حتى يلقوا العداوة بيننا ويسفكوا دماءنا وأظنهم والله سيركبون منك خاصة ما لا قبل لك به ان تتأهب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة فإنك اليوم الوالي عليهم وأنت فيهم مطاع فسر إليهم بالناس وبادرهم قبل ان يكونوا معك في دار واحدة فتكون الناس لهم أطوع منهم لك فقال عثمان بن حنيف الرأي ما رأيت لكني أكره الشر وأن أبدأهم به وأرجو العافية والسلامة إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين " ع " ورأيه فاعمل به ثم اتاه بعد الأحنف حكيم بن جبلة العبدي من بنى عمرو بن وديعة فاقرأه كتاب طلحة والزبير فقال له مثل قول الأحنف وأجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف فقال له حكيم فأذن لي حتى أسير إليهم بالناس فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين " ع " وإلا نابذتهم على سواء فقال عثمان لو كان ذلك رأى لسرت إليهم بنفسي قال حكيم اما والله ان دخلوا عليك هذا المصر لينقلن قلوب كثير من الناس إليهم ولينزلك عن مجلسك هذا وأنت أعلم فأبى عليه عثمان قال وكتب على " ع " إلى عثمان ما بلغه مشارفة القوم البصرة من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف اما بعد فان البغاة عاهدوا الله ثم نكثوا وتوجهوا إلى مصرك وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى الله والله أشد بأسا وأشد تنكيلا فإذا قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقونا عليه فان أجابوا فأحسن جوارهم ما داموا عندك وان أبوالا لتمسك بحبل النكث والخلاف فناجزهم القتال حتى يحكم الله بينك وبينهم وهو خير الحاكمين وكتبت كتابي هذا من الربذة وانا معجل المسير إليك إن شاء الله وكتب عبيد الله بن أبي رافع في سنة ست وثلاثين قال فلما وصل كتاب على " ع " إلى عثمان أرسل إلى أبى الأسود الدئلي وعمران بن
382 الحصين الخزاعي فأمرهما ان يسيرا حتى يأتياه بعلم القوم وما الذي أقدمهم فانطلقا حتى أتيا حفر أبى موسى وبه معسكر القوم فدخلا على عائشة وسألاها ووعظاها وأذكراها وناشدها الله فقلت لهما ألقيا طلحة والزبير فقاما من عندها ولقيا الزبير فكلماه فقال لهما انا جئنا للطلب بدم عثمان وندعوا الناس إلى أن يؤدوا أمر الخلافة شورى ليختار الناس لأنفسهم فقالا له ان عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب دمه فيها وأنت تعلم قتلة عثمان من هم وأين هم وأنت صاحبك وعائشة كنتم أشد الناس عليه وأعظمهم اغراء بدمه فأقيدوا من أنفسكم واما إعادة أمر الخلافة شورى فكيف وقد بايعتم عليا طائعين غير مكرهين وأنت يا أبا عبد الله لن يبعد العهد بقيامك دون الرجل يوم مات رسول الله وأنت آخذ قائم سيفك تقول ما أحد أحق بالخلافة منه ولا أولى بها منه وامتنعت من بيعة أبى بكر فأين ذلك الفعل من هذا القول فقال لهما اذهبا فالقيا طلحة فقاما إلى طلحة فوجداه خشن الملمس شديد العريكة قوى العزم في إثارة الفتنة واضرام نار الحرب فانصرفا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه وقال له أبو الأسود: يا بن حنيف قد اتيت فانفر * وطاعن القوم وجالد واصبر وابرز لها مستلثما وشمر فقال ابن حنيف أي والحرمين لأفعلن وامر مناديه فنادى بالناس السلاح السلاح فاجتموا إليه وقال أبو الأسود شعرا: وأحسن قوليهما فادح * يضيق به الخطب مستنكد وقد أو عدونا بجهد الوعيد * فأهون علينا بما أو عدوا فقلنا ركضتم ولم ترملوا * وأصدرتم قبل ان توردوا فان تلقحوا الحرب بين الرجال * فملقحها جده، الأنكد وان عليا لكم مصحر * ألا انه الأسد الأسود اما انه ثالث العابدين * بمكة والله لا يعبد
383 فرخوا الخناق ولا تعجلوا * فان غدا لكم وعد قال: وأقبل القوم فلما انتهوا إلى المربد قام رجل من بنى جشم فقال أيها الناس انا فلان الجشمي وقد اتاكم هؤلاء القوم فان كانوا أتوكم خائفين لقد أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير والوحش والسباع وان كانوا إنما أتوكم بطلب دم عثمان فغير ناولي قتله فأطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث أقبلوا فإنكم ان تفعلوا تسلموا من الحرب الضروس والفتنة الصماء التي لا تبقى ولا تذر قال فحضر ناس من أهل البصرة إلى المربد حتى ملأوه مشاة وركبانا فقام طلحة فأشار إلى الناس بالسكوت ليخطب فسكتوا بعد جهد. قال اما بعد فان عثمان بن عفان كان من أهل السابقة والفضيلة ومن المهاجرين الأولين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه فنزل القرآن ناطقا بفضلهم وأحد أئمة المسلمين الوالين عليكم بعد أبي بكر وعمر صاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كان أحدث احداثا نقمناها عليه فأعتبنا فعدا عليه من ابتز هذه الأمة أمرها غصبا بغير رضى منها ولا مشورة فقتله وساعده على ذلك قوم غير أتقياء ولا أبرار فقتل محرما بريئا تائبا وقد جئناكم أيها الناس تطلب بدم عثمان وندعوكم إلى الطلب بدمه فان نحن أمكننا الله من قتلته قتلناهم به وجعلنا هذا الامر مشورة بين المسلمين وكانت خلافته رحمة للأمة جميعا فان كل من اخذ الامر عن غير رضى من العامة ولا مشورة منها ابتزازا كان ملكه ملكا عضوضا وحدثا كبيرا ثم قام الزبير فتكلم بمثل كلام طلحة فقام إليهما ناس من أهل البصرة فقالوا لهما لم تبايعا عليا " ع " فيمن بايعه ففيم بايعا ثم نكثتما؟ فقالا بايعناه وما لأحد في أعناقنا بيعة وإنما استكرهنا على بيعته فقال ناس قد صدقا وأحسنا القول وقطعا بالصواب وقال ناس ما صدقا ولا أصابا بالقول حتى ارتفعت الأصوات قال ثم أقبلت عائشة على جملها فنادت بصوت مرتفع أيها الناس أقلوا واسكتوا فأسكت الناس لها فقالت إن أمير المؤمنين عثمان قد غير وبدل ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا وإنما نقموا عليه ضربه
384 بالسوط وتأمير الشبان وحماية موضع الغمامة فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل ألا وان قريشا رمت غرضها بنبالها وأدمت أفواهها بأيديها وما نالت بقتلها إياه شيئا وسلكت به سبيلا قاصدا اما والله ليرونها بلايا عقيمة تنبه النائم وتقيم الجالس وليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب انه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه مصتموه كما يماص الثوب الرخيص ثم عدوتم عليه فقتلتموه بعد توبته وخروجه من ذنبه وبايعتم ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازا وغصبا أتروني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه ولا أغضب لعثمان من سيوفكم إلا ان عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الامر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان، قال فماج الناس واختلطوا فمن فائل القول ما قالت ومن قائل يقول وما هي وهذا الامر إنما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها وارتفعت الأصوات وكثر اللغط حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى ثم إن الناس تمايزوا فصاروا فريقين فريق مع عثمان بن حنيف وفريق مع عائشة وأصحابها. قال أبو مخنف: فلما أقبل طلحة والزبير من المربد يريد ان عثمان بن حنيف فوجداه وأصحابه قد أخذوا بأفواه السكك فمضوا حتى انتهوا إلى موضع الدباغين فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف فشجرهم طلحة والزبير وأصحابهما بالرماح فحمل عليهم حكيم بن جبلة فلم يزل هو وأصحابه يقاتلونهم حتى أخرجوه من جميع السكك ورماهم النساء من فوق البيوت بالحجارة فاخذوا إلى مقبرة بنى مازن فوقفوا بها مليا حتى ثابت إليهم خيلهم ثم أخذوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى الرابوقة ثم أتوا السبخة دار الرزق فنزلولها وأتاهما عبد الله بن حكيم التميمي لما نزلا السبخة بكتب كانا كتباها إليه فقال لطلحة يا أبا محمد ما هذه كتبك إلينا قال بلى، قال فكتبت بالأمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه فلعمري
385 ما هذا رأيك ولا تريد إلا هذه الدنيا مهلا إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من على ما عرض عليك من البيعة فبايعته طائعا راضيا ثم نكثت بيعتك ثم جئت لتدخلنا في فتنتك فقال إن عليا دعاني إلى بيعته بعدما بايعه الناس فعلمت إني لو لم اقبل ما عرض على لم يتم لي ثم بغري بي من معه. ثم أصبحا من غد فصفا للحرب وخرج عثمان بن حنيف إليهما في أصحابه فناشدهما الله والإسلام وأذكرهما بيعتهما عليا " ع " فقالا نحن نطلب بدم عثمان فقال لهما وما أنتما وذاك أين بنوه وابن عمه الذين هم أحق به منكم كلا والله ولكنكما حسدتماه حيث اجتمع الناس عليه وكنتما ترجو ان هذا الأمر وتعملان له وهل كان أحد أشد الناس على عثمان منكما فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه فقال للزبير اما والله لولا صفية ومكانها من رسول الله فإنها أدنتك إلى الظل وان الامر بيني وبينك يا بن الصعبة يعنى طلحة أعظم من القول لأعلمتكما من أمركما ما يسوءكما اللهم إني قد أعذرت إلى هذين الرجلين ثم حمل عليهم واقتتل الناس قتالا شديدا ثم تحاجزوا واصطلحوا على أن يكتب بينهما كتاب صلح فكتب هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الأنصاري ومن معه من المؤمنين من شيعة علي بن أبي طالب وطلحة والزبير ومن معهما من المسلمين من شيعتهما ان لعثمان بن حنيف دار الامارة والرحبة والمسجد وبيت المال والمنبر وان لطلحة والزبير ومن معهما ان ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة ولا يضار بعضهم بعضا في طريق ولا فرضة ولا سوق ولا شريعة ولا مرفق حتى يقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فان أحبوا دخلوا فيما دخلت فيه الأمة وان أحبوا ألحق كل قوم بهواهم وما أحبوا من قتال أو سلم أو خروج أو إقامة وعلى الفريقين بما كتبوا عهد الله وميثاقه وأشد ما اخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة وختم الكتاب ورجع عثمان حنيف حتى دخل دار الامارة وقال لأصحابه الحقوا رحمكم الله بأهلكم وضعوا سلاحكم وداووا جرحاكم فمكثوا كذلك أياما ثم إن طلحة والزبير قال إن قدم على " ع " ونحن على هذه الحالة من الضعف والقلة
386 ليأخذن بأعناقنا فأجمعا على مراسلة القبائل واستمالة العرب فأرسلا إلى وجوه الناس وأهل الرياسة والشرف يدعونهم إلى الطلب بدم عثمان وخلع على " ع " واخراج ابن حنيف من البصرة فبايعهم على ذلك الأزد وضبة وقيس بن عيلان كلها الا الرجل والرجلين من القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم وأرسلوا إلى هلال ابن وكيع التميمي فلم يأتهم فجائه طلحة والزبير إلى داره فتوارى عنهما فقالت له أمه ما رأيت مثلك اتاك شيخا قريش فتواريت عنهما فلم تزل به حتى ظهر لهما وبايعهما ومعه بنو عمرو بن تميم كلهم وبنو حنظلة إلا بنى يربوع فان عامتهم كانوا شيعه لعلى " ع " وبايعهم بنو دارم كلهم إلا نفرا من بنى مجاشع ذوي دين وفضل فلما استوسق لطلحة والزبير أمرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما قد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه وأقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي بهم فأخره أصحاب طلحة والزبير فقدموا الزبير فجاءت السبابحة وهم الشرط حرس بيت المال فاخروا الزبير وقدموا عثمان فغلبهم أصحاب الزبير فقدموه وأخروا عثمان فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس ان تطلع وصاح بهم أهل المسجد ألا تتقون أصحاب محمد وقد طلعت الشمس فغلب الزبير فصلى بالناس فلما فرغ من صلاته صاح بأصحابه المتسلحين أن خذوا عثمان فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحكم بسيفيهما فلما أسر ضرب ضرب الموت ونتف حاجباه وأشفار عينيه وكل شعرة من رأسه ووجهه وأخذوا السبابجة وهم سبعون رجلا فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقال لأبان بن عثمان أخرج إليه فاضرب عنقه فان الأنصار قتلت أباك وأعانت على قتله فنادى عثمان يا عائشة ويا طلحة ويا زبير ان أخي سهل بن حنيف خليفة علي بن أبي طالب على المدينة وأقسم بالله ان قتلتموني ليضعن السيف في بنى أبيكم ورهطكم وأهلكم فلا يبقى أحدا منكم فكفوا عنه وخافوا ان يوقع سهل بن حنيف بعيالاتهم وأهم بالمدينة فتركوه وأرسلت
387 عائشة إلى الزبير ان أقتل السبابحة فإنه بلغني الذي صنعوا بك فذبحهم والله الزبير كما تذبح الغنم وولى ذلك منهم عبد الله ابنه وهم سبعون رجلا وبقيت طائفة مستمسكين ببيت المال قالوا لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين " ع " فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم واخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا. قال أبو مخنف وحدثنا الصقعب بن زهير قال كانت السبابحة القتلى يومئذ أربعمائة رجل وقال كان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف أول غدر كان في الإسلام وكانت السبابجة أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا، قال وخيروا عثمان بن حنيف بين أن يقيم أو يلحق بعلي " ع " فاختار الرحيل فخلوا سبيله فلحق بعلي " ع " فلما رآه بكى وقال له فارقتك شيخا وجئتك أمردا فقال على " ع " إنا لله وإنا إليه راجعون. قالها ثلاثا قلت السبابجة بالسين المهملة والباء المثناة من تحت وبعد الألف باء موحدة وبعدها جيم ثم هاء لفظة معربة قد ذكرها الجوهري في كتاب الصحاح قال هم قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن والهاء المعجمة والنسب قال يزيد بن مفرغ الحميري: وطماطيم من سبابج خزر * يلبسوني مع الصباح القيودا وسكن عثمان بن حنيف الكوفة بعد وفاة على " ع " ومات بها في زمن معاوية. (سهل بن حنيف بن واهب) يكنى أبا محمد أخو المذكور قبله كان بدريا جليلا من خيار الصحابة وأبلى في أحد بلاء حسنا. قال الواقدي يروى ان سهل بن حنيف جعل ينضح بالنبل عن رسول الله ذلك اليوم فقال صلى الله عليه وآله نبلوا سهلا فإنه سهل يقال نبلت الرجل بالتشديد وأنبلته بالهمزة إذا ناولته النبل ليرمى به. وذكر أبن هشام في سيرته قال كان علي بن أبي طالب " ع " يقول كانت
388 بقبا امرأة لا زوج لها مسلمة قال فرأيت انسانا يأتيها في جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه فاستربت لشأنه فقلت لها يا أمة الله من يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجي إليه فيعطيك شيئا لا أدرى ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك قالت هذا سهل بن حنيف بن واهب قد رآني امرأة لا أحد لي فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها فجائني بها فقال احتطبي بها فكان على " ع " يأثر ذلك من أمر سهيل بن حنيف حتى هلك عنده بالعراق. قال الفضل بن شاذان: ان سهل بن حنيف من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين وعده البرقي مع أخيه عثمان في شرطة الخميس وولاه أمير المؤمنين واستخلفه عليها لما خرج لقتال الناكثين ثم شهد معه صفين وكان من أحب الناس إليه عليه السلام. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: ان أمير المؤمنين " ع " لما أراد المسير إلى أهل الشام استشار من معه من المهاجرين والأنصار في ذلك فأجابه جماعة من الصحابة وكان ممن تكلم في ذلك اليوم سهل بن حنيف فإنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت ورأينا رأيك ونحن كف يمينك وقد رأينا رأيك ان تقوم في هذا الامر بأهل الكوفة وتأمرهم بالشخوص وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل فإنهم هم أهل البلد وأهل الناس فان استقاموا لك استقام لك ما تريد وتطلب. واما نحن فليس عليك منا خلاف متى دعوتنا أجبناك ومتى أمرتنا أطعناك. وروى أبو مخنف: قال لمال نزل على " ع " ذا قار كتبت عائشة من البصرة إلى حفصة بنت عمر وهي بالمدينة اما بعد فإني أخبرك ان عليا " ع " قد نزل ذا قار وأقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا وجماعتنا فهو بمنزلة الأشتر إن تقدم عقر وان تأخر نحر فدعت حفصة جواري لها يغنين ويضربن بالدفوف فأمرتهن ان يقلن في غنائهن:
389 ما الخبر ما الخبر على في سفر * كالفرس الأشتر إن تقدم عقر وان تأخر نحر وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء فبلغ أم كلثوم بنت على " ع " فلبست جلابيبها ودخلت عليهن في نسوة متنكرات ثم أسفرت عن وجهها فلما عرفتها حفصة خجلت واسترجعت فقالت أم كلثوم لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل فأنزل الله تعالى فيكما ما انزل، فقالت حفصة كفى رحمك الله وأمرت بالكتاب فمزق واستغفرت الله. قال أبو مخنف: روى هذا الخبر جرء بن بديل عن الحكم ورواه الحسن بن دينار عن الحسن البصري وذكر الواقدي مثل ذلك وذكر المدائني أيضا مثله فقال سهل بن حنيف في ذلك شعرا: عذرنا الرجال بحرب الرجال * فما للنساء وما للسباب اما حسبنا ما أتتنا به * - لك الخير - من هتك ذاك الحجاب ومخرجها اليوم من بيتها * يعرفها الذئب نبح الكلاب إلى أن أتانا كتاب لها * مشوم فيا قبح ذاك الكتاب وتوفى سهل بالكوفة بعد مرجعه من صفين مع أمير المؤمنين " ع " سنة ثمان وثلاثين فوجد عليه أمير المؤمنين وجدا كثيرا قال لو أحبني جبل لتهافت. قال السيد الرضى (ره): ومعنى ذلك أن المحبة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه ولا يفعل ذلك الا بالأتقياء الأبرار المصطفين الأخيار. روى الكشي باسناده عن الحسن بن زيد قال كبر على على سهل بن حنيف سبع تكبيرات وقال " ع " لو كبرت عليه سبعين تكبيرة لكان أهلا. قال الصادق " ع " قال كبر أمير المؤمنين على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمس تكبيرات أخرى يصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة. وفى خبر عقبة: ان الصادق " ع " قال اما بلغكم ان رجلا صلى عليه على " ع "
390 فكبر عليه خمسا حتى صلى عليه خمس صلوات وقال إنه بدري عقبى إحدى من النقباء الاثني عشر وله خمس مناقب وصلى عليه لكل منقبة صلاة. وخبر أبي بصير عن جعفر " ع " قال كبر رسول الله صلى الله عليه وآله على حمزة (ره) سبعين تكبيرة وكبر على " ع " عندكم على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة كلما أدركه الناس قالوا يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه ويكبر حتى انتهى إلى قبره خمس مرات (حكيم بفتح الحاء المهملة بن جبلة العبدي) من بنى غنم بن وديعة بن لكيز عده أبو عمرو بن عبد البر والفيروز آبادي وغيرهما من العلماء في الصحابة كان رجلا صالحا شجاعا مذكورا مطاعا في قومه أرسله عثمان بن عفان حاكما على السند في أيام خلافته فلم يلبث ان انقلب راجعا عنها كارها لولايتها وجاء إلى عثمان فسأله عنها فقال ماؤها وشل ولصها بطل وثمرها دقل وسهلها جبل ان كثر الجند بها جاعوا وان قلوا ضاعوا. ويروى ان هذا الكلام قال عبد الله بن عامر لعثمان لما سأله عن السند. وفى ربيع الأبرار للزمخشري ان الحجاج سأل ابن القعبان عن كرمان فأجابه بهذا الجواب والله أعلم. وكان حكيم المذكور أحد من شنع على عثمان لسوء أعماله وهو من خيار أصحاب أمير المؤمنين " ع " مشهور بولائه والنصح له. وفيه يقول أمير المؤمنين على ما ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد: دعا حكيم دعوة سميعة * نال بها المنزلة الرفيعة وقد ذكرنا طرفا من قتاله للزبير وطلحة في ترجمة عثمان بن حنيف. قال أبو مخنف: لما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم يعنى الزبير وطلحة وأصحابهما بعثمان بن حنيف خرج في ثلاثمائة من عبد القيس مخالفا لهم ومنابذا فخرجوا إليه وحملوا عائشة على جمل فسمى ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر ويوم
391 على " ع " يوم الجمل الأكبر وتجالد الفريقان بالسيوف فشد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم بن جبلة فضرب رجله فقطعها ووقع الأزدي عن فرسه فجئنا حكيم فاخذ رجله فرمى بها الأزدي فصرعه ثم دب إليه فقتله متكئا عليه خانقا له حتى زهقت نفسه فمر بحكيم انسان وهو يجود بنفسه فقال من ضربك قال وسادتي فنظر فإذا الأزدي تحته وكان حكيم شجاعا مذكورا قال وقتل مع حكيم أخوة له ثلاثة وقتل أصحابه كلهم وهم ثلاثمائة من عبد القيس والقليل من بكر بن وائل. والعبدي: منسوب إلى عبد القيس بن أقصى بن زعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة (خالد بن سعيد بن العاص) ابن أمية بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوى من السابقين الأولين إلى الإسلام وأسلم هو وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد الخزاعية لرؤيا رآها وروى عنه أنه قال رأيت كأني واقف على شفا حفرة من النار فجاء أبى يريد ان يلقيني فيها فإذا انا برسول الله صلى الله عليه وآله قد اخذ بمجامع ثوبي وجذبني إليه وهو يقول إلى إلى لا تلقى في النار فانتبهت فزعا من منامي وقلت والله ان رؤياي هذه لحق فخرجت أريد رسول الله صلى الله عليه وآله فوافقت أبا بكر في الطريق فسألني عن شأني فأخبرته بما رأيت فوافقني فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأسلمت انا وأبو بكر في يوم واحد ولما بلغ خبر اسلامه أباه سعيد أرسل بقية أولاده في طلبه فجاؤوا به فتلقاه بكل مكروه ثم أخرجه من داره وقال لإخوانه امنعوه القوت ولا تكلموه ولا تجالسوه فتبرأ خالد أيضا من أبيه وقال إن الله الذي هداني للإسلام ساق لي رزقي وذهب إلى رسول الله وأخبره بما جرى عليه من أبيه ولم يزل عند رسول الله يتغدى ويتعشى عنده حتى هاجر المسلمين إلى الحبشة فهاجر معهم بامرأته وولدت له بأرض الحبشة ولده سعيد بن خالد وآمنة بنت خالد وهاجر أيضا أخوه عمرو بن سعيد بن العاص ولما قدم جعفر بن أبي طالب " ع " على
392 رسول الله يوم فتح خيبر قدما معه وشهدا مع رسول الله فتح مكة وحنين والطائف وتبوك ثم استعمل رسول الله خالدا على صدقات اليمن وأخاه أيضا أبانا على البحرين وعمرا على تيماء وخيبر ولم يزالوا على ذلك حتى قبض رسول الله فلما بلغهم استخلاف أبى بكر بعد رسول الله تركوا أعمالهم وعادوا إلى المدينة فقال لهم أبو بكر كيف تركتم أعمالكم فقال خالد رأينا ان لا نعمل لأحد بعد رسول الله ولم يبايعوا أبا بكر حتى بايع بنو هاشم. وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة باسناده عن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي قال كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله على اليمن فلما قبض رسول الله جاء إلى المدينة وقد بايع الناس أبا بكر فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياما وقد بايع الناس وأتى بنى هاشم فقال أنتم الظهر والبطن والشعار دون الدثار والعصي دون اللحاء وإذا رضيتم رضينا وإذا سخطتم سخطنا حدثوني ان كنتم قد بايعتم هذا الرجل قالوا نعم قال على برد ورضى من جماعتكم قالوا نعم قال فانا أرضى وأبايع إذا بايعتم اما والله يا بنى هاشم انكم الطوال الشجر الطيبو الثمر ثم انه بايع أبا بكر وبلغت أبا بكر فلم يحفل بها واضطغنها عمر عليه فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفره إلى الشام قال له عمر أتولى خالدا وقد حبس عنك بيعته وقال لبني هاشم ما قال وقد جاء بورق من اليمن وعبيد وحبشان ودروع ورماح ما أرى ان توليه وما آمن خلافه فانصرف عنه أبو بكر وولى أبا عبيدة بن الجراح. وروى أبو بكر أيضا قال حدثنا يعقوب عن أبي النضر عن محمد بن راشد عن مكحول ان رسول الله صلى الله عليه وآله استعمل خالد بن سعيد بن العاص على عمل فقدم بعد ما قبض النبي وقد بايع الناس أبا بكر فدعاه إلى البيعة فقال عمر دعني وإياه فمنعه أبو بكر حتى مضت عليه سنة ثم مر به أبو بكر وهو جالس على بابه فناداه خالد يا أبا بكر هل لك في البيعة؟ قال نعم فادن فدنى منه فبايعه خالد وهو قاعد على بابه.
393 وروى أبان بن تغلب عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق " ع " ان خالد بن سعيد أول من تكلم على أبى بكر وأنكر عليه وقال له اتق الله يا أبا بكر فقد علمنا أن رسول الله قال ونحن محتوشوه يوم بنى قريضة حين فتح الله له وقد قتل على " ع " يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم يا معاشر المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها وموعدكم أمرا فاحفظوه الا ان عليا أميركم وخليفتي فيكم بذلك أوصاني ربى الا وانكم ان لا تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكم أشراركم الا ان أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعاملون بأمر أمتي من بعدي اللهم من أطاعني فيهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيبا من مرافقتي يدركون به نور الآخرة اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فأحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض فقال له عمر بن الخطاب اسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ولا ممن يقتدى برأيه بل اسكت أنت يا بن الخطاب فإنك تنطق على لسان غيرك وأيم الله لقد علمت قريش إنك من ألأمها حسبا وأدناها منصبا وأخسها قدرا وأخملها ذكرا وأقلهم غناء عن الله ورسوله وإنك لجبان في الحروب بخيل في المال لتيم العنصر مالك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك انى أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين فأبلس عمر وحبس خالد بن سعيد. ولما بعث أبو بكر البعوث إلى الشام خرج معهم خالد هو وأخوته وغلمانه ومن معه فقتل بمرج الصفر بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء موضع بغوطة دمشق كان به وقعة المسلمين على الروم كان واقفا في جماعة من المسلمين في ميمنة الناس فحملت طائفة من الروم عليه فقاتلهم حتى قتل. وقيل خرج في يوم مطير يستمطر فيه فعدا عليه أعلاج الروم فقتلوه مع
394 جماعة من المسلمين. وكانت وقعة (مرج الصفر) سنة أربع عشرة وقيل ثلاث عشرة. قال أبو أمامة فيما روى عنه كان بين أجنادين وبين مرج الصفر عشرون يوما قال فحسبت ذلك فوجدته يوم الخميس لأثنى عشر ليلة بقيت من جماد الآخرة قبل وفاة أبى بكر بأربعة أيام والله أعلم بالصواب. (الوليد بن جابر بن ظليم الطائي) قال أبو عبيدة محمد بن موسى بن عمران المرزباني كان الوليد ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلم ثم صحب عليا " ع " وشهد معه صفين وكان من رجاله المشهورين ثم وفد على معاوية في الاستقامة وكان معاوية لا ينسبه معرفة بعينه فدخل عليه في جملة الناس فلما استنسبه فانتسب له فقال له أنت صاحب ليلة الهرير قال نعم قال والله ما تخلوا مسامعي من رجزك وقد علا صوتك صوت الناس وأنت تقول. شدوا فداء لكم اما وأب * فإنما الامر غدا لمن غلب هذا ابن عم والمصطفى المنتجب * تنميه للعلياء سادات العرب ليس بموصوم إذا نص النسب * أول من صام وصلى واقترب قال نعم انا قائلها قال فلما ذا قلتها قال لأنا كنا مع رجل لا نعلم خصلة توجب الخلافة ولا فضيلة تصير إلى التقدمة الا وهي مجموعة له كان أول الناس سلما وأكثرهم علما وأرجحهم حلما فات الجياد فلا يشق غباره واستولى على الأمد فلا يخاف عثاره وأوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره وسلك القصد فلا تدرك آثاره فلما ابتلانا الله بافتقاده وحول الامر إلى من يشاء من عباده دخلنا في جملة المسلمين فلا تنزع يدا من طاعة ولم نصدع صفاة جماعة على أن لك منا ما ظهر وقلوبنا بيد الله وهو أملك بها منك فاقبل صفونا وأعرض عن كدرنا ولا تستكثروا من الأحقاد فان النار تقدح بالزناد قال معاوية وإنك لتهددني يا أخا طي بأوباش العراق
395 وأهل النفاق ومعدن الشقاق فقال يا معاوية هم الذين أشرقوك بالريق وحبسوك في المضيق وذادوك عن سنن الطريق حتى لذت منهم بالمصاحف ودعوت إليها من صدق بها وكذبت وأمن بمنزلها وكفرت وعرف من تأويلها وأنكرت فغضب معاوية وأدار طرفه فيمن حوله فإذا جلهم من مضر ونفر قليل من اليمن فقال أيها الشقي الخائن إني لأخال هذا اخر كلام تفوه به وكان عفيرة بن سيف بن ذي يزن بباب معاوية حينئذ فعرف موقف الطائي ومراد معاوية فخافه عليه فهجم الدار وأقبل على اليمامة وقال شاهت الوجوه ذلا وقلا وجدعا وفلا كنتم الله هذا الانف كشما موعبا ثم التفت إلى معاوية فقال والله يا معاوية ما أقول هذا حبا لأهل العراق ولا جنوحا إليهم ولكن الحفيظة تذهب الغضب لقد رأيتك بالأمس خاطبت أبا ربيعة يعنى صعصعة بن صوحان وهو أعظم جرما عندك من هذا وأنكى لقلبك وأقدح في صفاتك وأجد في عداوتك وأشد استبصارا في حربك ثم أتيته وسرحته وأنت الآن مجمع على قتل هذا زعمت استصعارا لجماعتنا كانا لا نمر ولا نحلي ولعمري لو وكلتك أبناء قحطان إلى قومك لكان جدك العاثر وذكرك الداثر وحدك المفلول وعرشك المثلول فاربع على ظلعك واطونا على بلالتنا ليسهل لك حزننا ويتطامن لك شاذنا فإنا لا نرام بواقع الضيم ولا نتلمظ جزع الخسف ولا نغمر بغمار الفتنة ولا ندر على الغضب فقال معاوية الغضب شيطان فاربع عليك أيها الإنسان فإنا لم نأت إلى صاحبك مكروها ولم يرتكب منه مغمضا ولم ننتهك منه محرما فدونك فإنه لم يضق عنه حلمنا ويسع غيره فاخذ عفيرة بيد الوليد وخرج به إلى منزله وقال والله لتؤبن بأكثر مما آب به معدى من معاوية وجمع من بدمشق من اليمانية ففرض على كل رجل دينارا في عطائه فبلغت أربعين ألفا فتعجلها من بيت المال ودفعها إلى الوليد ورده إلى العراق. (أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان) ابن عبيد بن تغلبة بن عبيد بن الأبجر الخدري صحابي وابن صحابي.
396 قال ابن عبد البر كان أبو سعيد من الحفاظ المكثرين العلماء الفضلاء العقلاء وأخباره تشهد بصحة هذه الجملة. روينا عن أبي سعيد انه قال عرضت يوم أحد على النبي صلى الله عليه وآله وانا ابن ثلاث عشرة سنة فجعل أبى يأخذ بيدي ويقول يا رسول الله إنه عبل العظام والنبي يصعد في بصره ثم قال صلى الله عليه وآله رده قال وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة بنى المصطلق. قال الواقدي وهو ابن خمس عشرة سنة وشهد الخندق وبيعة الرضوان وغير ذلك. قلت وأستشهد أبوه مالك بن سنان بأحد. روى ابن شبه عن أبي سعيد الخدري قال أمير النبي صلى الله عليه وآله من نقل من شهداء أحد إلى المدينة ان يدفنوا حيث أدركوا فأدرك أبى مالك بن سنان عند أصحاب العباء أي الذين يبتغون العباء فدفن. روى ابن شهرآشوب في المناقب ان النبي صلى الله عليه وآله احتجم مرة فدفع الدم الخارج منه إلى أبى سعيد الخدري فقال غيبه فذهب فشربه فقال ماذا صنعت به قال شربته قال صلى الله عليه وآله أو لم أقل لك غيبه فقال قد غيبته في وعاء حريز فقال إياك وان تعود لمثل هذا، ثم أعلم ان الله قد حرم على النار لحمك ودمك لما اختلط بدمي ولحمي. وعن البرقي ان أبا سعيد الخدري من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. قال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين. وروى الشيخ الطوسي في أماليه باسناده عن عبد الله بن شريك عن سهم ابن حصين الأسدي قال قدمت إلى مكة انا وعبد الله بن علقمة وكان عبد الله بن علقمة سبابا لعلى دهرا قال قلت له هل لك في هذا يعنى أبا سعيد الخدري نحدث
397 به عهدا؟ قال نعم فأتيناه فقال هل سمعت لعلى " ع " منقبة قال نعم إذا حدثتك فاسأل عنها المهاجرين قريشا: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قام يوم غدير خم فأبلغ ثم قال يا أيها الناس الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قالها ثلاث مرات ثم قال ادن يا علي فرفع رسول الله يديه حتى نظرت إلى بياض إبطيهما وقال من كنت مولاه فعلى مولاه ثلاث مرات قال فقال عبد الله بن علقمة أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله قال نعم وأشار إلى اذنيه وصدره قال سمعته أذناي ووعاه قلبي قال عبد الله بن شريك فقدم علينا عبد الله بن علقمة وسهم بن حصين فلما صلينا الهجير قام عبد الله بن علقمة فقال إني أتوب إلى الله واستغفره من سب علي عليه السلام ثلاث مرات. وروى إبراهيم بن ديزيل الهمداني في كتاب صفين باسناده عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبي سعيد الخدري قال كنا مع رسول الله فانقطع شسع نعله فألقاها إلى على " ع " بصلحها ثم قال إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال أبو بكر انا هو يا رسول الله؟ قال لا فقال عمر بن الخطاب انا هو يا رسول الله؟ قال لا ولكنه ذاكم خاصف النعل ويد على " ع " على نعل رسول الله يصلحه قال أبو سعيد فاتيت عليا " ع " فبشرته بذلك فلم يحفل به كأنه شئ كان قد علمه من قبل. وعن أبي هارون العبدي قال كنت أرى رأى الخوارج لا رأى لي غيره حتى جلست إلى أبى سعيد الخدري فسمعته يقول أمر الناس بخمس فعملوا بأربعة وتركوا واحدة فقال له رجل يا أبا سعيد ما هذه الأربعة التي عملوا بها قال الصلاة والزكاة والحج والصوم فقال وما الواحدة التي تركوها قال ولاية علي بن أبي طالب قال وإنها مفترضة معهن قال نعم قال فقد كفر الناس قال إذا كفر الناس فما ذنبي. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمرو بن ثابت عن إسماعيل عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على منبري
398 فاقتلوه قال حدثني بعضهم قال قال أبو سعيد الخدري ولم نفعل فلم نفلح. وروى عن أبي سعيد انه قال قلت للحسن بن علي " ع " يا بن رسول الله هادنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وان معاوية ضال وباغ فقال يا أبا سعيد الست حجة الله على خلقه وإماما عليهم بعد أبي عليه السلام قلت بلى قال الست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا قلت بلى قال فانا امام ان قعدت يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبنى أشجع ولأهل مكة حين أنصرف من الحديبية وأولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله لم يجز ان أسفه فيما أتيته من مهادتني أو محاربتي وان كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا الا ترى الخضر " ع " في خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار أسخط موسى " ع " فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضى فهكذا سخطتم على يجهلكم بوجه الحكمة ولولا ما أتيت ما ترك من شيعتنا على وجه الأرض من أحد إلا وقتل. وروى الكشي باسناده عن أبي عبد الله " ع " قال ذكر أبو سعيد فقال كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان مستقيما قال فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه إلى مصلاه فمات فيه وعن أبي عبد الله " ع " أيضا قال إن أبا سعيد الخدري كان قد رزق هذا الأمر وانه اشتد نزعه فأمر أهله ان يحملوه إلى مصلاه الذي كان يصلى فيه ففعلوا فما لبث ان هلك. وعن ذريح قال سمعت أبا عبد الله " ع " يقول إني لأكره للرجل ان يعافى في الدنيا ولا يصيبه شئ من المصائب ثم ذكر ان أبا سعيد الخدري وكان مستقيما نزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه إلى مصلاه فمات. وتوفى بالمدينة سنة إحدى أو أربع أو خمس وستين.
399 وقيل سنة أربع وسبعين ودفن بالبقيع، والخدري بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة منسوب إلى خدره واسمه الأبجر بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الجيم وبعدها راء مهملة وهو ابن عوف بن الحارث بن الخزرج وقيل خدره أم الأبجر والأول أشهر وهم بطن من الأنصار والله أعلم. (البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الأنصاري) الخزرجي أخو أنس بن مالك شهد أحدا والخندق. قال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " وقتل (رض) يوم تستر وكان عمر بن الخطاب بعث إليها أبا موسى الأشعري فافتتحها عام ثمان عشرة للهجرة والبراء بن مالك بها، وهي بضم التاء المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وبعدها راء مهملة، وتسميها العامة (ششتر). قال صاحب (اللباب): وهي مدينة من كورة الأهواز من خوزستان. قال وبها قبر البراء بن مالك (رض) وقيل إن (تستر) مدينة لبس على وجه الأرض أقدم منها والله أعلم. (بريدة) بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الدال المهملة وفى آخرها هاء. (ابن الحصيب) بالمهملتين مصغر الأسلمي. صحابي مشهور أسلم قبل بدر وشهد أحدا. قال ابن شهرآشوب غزى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ست غزوات. وقال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين هو والبراء بن مالك. روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال بعث رسول الله بعثين على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الاخر خالد بن الوليد فقال إذا التقيتم فعلى على الناس وإذا افترقتم فكل واحد منكما على جنده فلقينا بنى
400 زيد من اليمن فاقتتلنا وظهر المسلمون فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى على " ع " من السى امرأة لنفسه قال بريدة وكتب خالد بن الوليد معي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره بذلك فلما أتيت النبي دفعت الكتاب إليه فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ بك بعثتني مع رجل وأمرتني ان أطيعه فقد بلغت ما أرسلت به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقع في علي " ع " فإنه منى وانا منه وهو وليكم بعدي. وفى كتاب (المناقب) تأليف أبى بكر بن موسى بن مردويه وهو من رؤساء المخالفين لأهل البيت هذا الحديث من عدة طرق. وفى رواية بريدة له زيادة وهي ان النبي صلى الله عليه وآله قال لبريدة أيه عنك يا بريدة فقد أكثرت الوقوع في علي " ع " فوالله انك لتقع برجل انه أولى الناس بكم بعدي. وزيادة أخرى ان بريدة قال يا رسول الله استغفر لي فقال النبي صلى الله عليه وآله حتى يأتي على " ع " فلما جاء على طلب بريدة ان يستغفر له فقال النبي ان تستغفر له أستغفر له فاستغفر له عليه السلام. وفى الحديث زيادة أخرى ان بريدة أمتنع من بيعة أبى بكر بعد وفاة النبي وتبع عليا لأجل ما كأن سمعه من نص النبي صلى الله عليه وآله بالولاية بعده. وفى حديث حذيفة بن اليمان عن بريدة انه قال كنت انا وعمار أخي مع رسول الله صلى الله عليه وآله في نخيل بنى النجار فدخل علينا علي بن أبي طالب " ع " فرد عليه رسول الله السلام ورددنا ثم قال له يا علي اجلس هناك فجلس فدخل رجال فأمرهم رسول الله بالسلام على على " ع " بإمرة المؤمنين فسلموا وما كادوا ثم دخل أبو بكر وعمر فسلما فقال لهما رسول الله سلما على على بأمرة المؤمنين فقال الأمر من الله ورسوله فقال نعم ثم دخل طلحة وسعد بن مالك فسلما فقال لهما رسول الله سلما على على بأمرة المؤمنين فقالا عن الله ورسوله فقال نعم فقالا سمعنا وأطعنا
401 ثم دخل سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري (رض) فسلما فرد عليهما السلام فقال سلما على على بأمرة المؤمنين فسلما ولم يقولا شيئا ثم دخل خزيمة بن ثابت وأبو الهيثم بن التيهان فسلما فرد عليهما السلام ثم قال سلما على على بأمرة المؤمنين فسلما ولم يقولا شيئا ثم دخل عمار والمقداد فسلما فرد عليهما السلام وقال سلما على على بإمرة المؤمنين ففعلا ولم يقولا شيئا ثم دخل عثمان وأبو عبيدة فسلما فرد عليهما السلام وقال سلما على على بإمرة المؤمنين قالا عن الله ورسوله قال نعم ثم دخل فلان وفلان وعد جماعة من المهاجرين والأنصار كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله سلموا على على بإمرة المؤمنين فبعض سلم ولم يقل شيئا وبعض يقول عن الله ورسوله فيقول نعم حتى غص المجلس باهله وامتلأت الحجرة وجلس بعض على الباب وفى الطريق وكانوا يدخلون فيسلمون ويخرجون ثم قال لي ولأخي قم يا بريدة أنت وأخوك فسلما على على " ع " بإمرة المؤمنين فقمنا فسلمنا ثم عدنا إلى مواضعنا فجلسنا قال ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم جميعا فقال اسمعوا وعوا إني أمرتكم ان تسلموا على على " ع " بإمرة المؤمنين وان رجالا سألوني ان ذلك عن أمر الله تعالى وأمر رسوله ما كان محمد ان يأتي أمرا من تلقاء نفسه بل يوحى ربه وأمره أفرأيتم والذي نفسي بيده لأن أبيتم ونقضتموه لتكفرن ولتفارقون ما بعثني به ربى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال بريدة فلما خرجنا سمعنا بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على على " ع " بإمرة المؤمنين من قريش يقول لصاحبه وقد التقت بهما طائفة من الجفاة البطاء عن الإسلام من قريش اما رأيت ما صنع محمد بابن عمه من علو المنزلة والمكان لو يستطيع والله لجعله نبيا من بعده فقال له صاحبه أمسك ولا يكبرن عليك هذا فانا لو فقدنا محمدا لكان فعله هذا تحت أقدامنا قال حذيفة ومضى بريدة ودخل المسجد وأبو بكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة فناداهما من ناحية المسجد يا أبا بكر ويا عمر فقالا مالك يا بريدة أجننت فقال لهما والله ما جننت ولكن أين سلامكما
402 بالأمس على على " ع " بإمرة المؤمنين فقال له أبو بكر يا بريدة الامر يحدث بعده الامر وانك غبت وشهدنا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال لهما رأيتما ما لم يره الله ورسوله ولكن وفى لك صاحبك بقوله لو فقدنا محمدا لكان قوله هذا تحت أقدامنا الا ان المدينة حرام على أن أسكنها ابدا حتى أموت فخرج بريدة باهله وولده فنزل بين قومه بين أسلم فكان يطلع في الوقت دون الوقت فلما أفضى الامر إلى أمير المؤمنين " ع " سار إليه وكان معه حتى قدم العراق فلما أصيب أمير المؤمنين سار إلى خراسان فنزلها ولبث هناك إلى أن مات رحمه الله. وعن أبان بن تغلب عن الصادق " ع " ان بريدة قال لأبي بكر إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا لقى الحق من الباطل يا أبا بكر أنسيت أم خدعت أم خدعت نفسك وسولت لك الأباطيل أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله (ص) من تسمية على " ع " بإمرة المؤمنين والنبي بين أظهرنا وقوله له في عدة أوقات هذا أمير المؤمنين وقاتل القاسطين اتق الله وتدارك نفسك قبل ان لا تدركها وانقذها مما يهلكها واردد الامر إلى من هو أحق به منك ولا ننماد في اغتصابه وارجع وأنت تستطيع ان تراجع فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة فلا تكونن ظهيرا للمجرمين. وفى مناقب ابن شهرآشوب جاء بريدة حتى ركز رايته في وسط أسلم حتى قال لا أبايع حتى يبايع على " ع " فقال على يا بريدة ادخل فيما دخل فيه الناس فان اجتماعهم أحب إلى من اختلافهم اليوم. وتوفى بريدة سنة اثنتين وستين وقيل ثلاث وستين. وقال صاحب معجم البلدان روى عن بريدة بن الحصيب أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إنه قال: قال لي رسول الله يا بريدة ان سيبعث من بعدي بعوث فإذا بعثت فكن في بعث الشرق ثم كن في بعث خراسان ثم كن في بعثت ارض يقال لها مرو فإذا أتيتها فأنزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين وصلى فيها عزين أنهارها تجرى بالبركة على كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة فقدمها
403 بريدة غازيا وأقام بها إلى أن مات وقبره إلى الآن بها معروف عليه راية رأيتها. والأسلمي بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح اللام وكسر الميم نسبة إلى أسلم بن قصي بن حارثة بن عمرو بن عمر القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وهي قبيلة ينسب إليها جماعة من الصحابة والله أعلم. (خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة وبعده الألف موحدة أيضا. ابن الأرت بفتح الهمزة والراء المهملة وتشديد المثناة من فوق، ابن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم يكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد وقيل أبا يحيى أصابه سبى فبيع بمكة وكانت أمه ختانة وحاب من فقراء المسلمين وخيارهم كان فاضلا من المهاجرين الأولين وكان في الجاهلية غنيا يعمل السيوف. وروى أن الزبير وعثمان تكالما فقال الزبير ان شئت تقاذفنا فقال عثمان أبا البعير يا أبا عبد الله فقال له الزبير بل بضرب خباب وريش المقعد يعنى بالسيوف والسهام والمقعد بفتح العين المهملة رجل كان يريش السهام وكان خباب قديم الإسلام قيل إنه كان سادس ستة شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أخي بينه وبين تميم مولى خراس بن الصمة وكان مبتلى في جسمه به مرض لا يزايله وهو معدود في المعذبين في الله سأله عمر بن الخطاب في أيام خلافته ما لقيت من أهل مكة فقال أنظر إلى ظهري فنظر فقال ما رأيت كاليوم ظهر رجل فقال خباب أو قدوا لي نارا وسحبت عليها فما أطفالها إلا ودك ظهري وجاء خباب إلى عمر فجعل يقول ادن ثم قال له ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا أن يكون عمار بن ياسر. ونزل خباب الكوفة ومات بها بعد أن شهد مع أمير المؤمنين " ع " صفين والنهروان. وكانت وفاته سنة سبع وثلاثين وقيل تسع وثلاثين وصلى عليه أمير المؤمنين
404 وكان سنة يوم مات ثلاثا وسبعين سنة ودفن بظهر الكوفة وهو أول من دفن بظهر الكوفة. قال أبو نعيم في حلية الأولياء وقف أمير المؤمنين " ع " على قبره فقال رحم الله خبابا أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا وابتلى في جسمه أحوالا ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا. وفى نهج البلاغة قال " ع " في ذكر خباب أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا طوبى لمن ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف ورضى عن الله وعبد الله بن خباب هو الذي قتله الخوارج فاحتج أمير المؤمنين به وطالبهم بدمه وستأتي ترجمته في الطبقة الثانية إن شاء الله تعالى. (كعب بن عمرو بن سواد بن غنم) ابن كعب بن سلمه الأنصاري السلمي يكنى أبا اليسر بفتح المثناة من تحت والسين المهملة وبعدها راء مهملة صحابي جليل شهد العقبة وبدرا وهو الذي أسر العباس قال يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته من قبل من هيئته كذا فقال رسول الله لقد أعانك عليه ملك كريم وعن زيد بن وهب قال سمعت عليا " ع " وقد ذكر حديث بدر فقال قتلنا من المشركين سبعين وأسرنا سبعين وكان الذي أسر العباس رجل من الأنصار أدركته فألقى العباس على عمامته لئلا يأخذها الأنصاري فأحب ان يكون انا الذي أسرته وجئ به إلى الرسول فقال الأنصاري يا رسول الله قد جئتك بعمك العباس أسيرا فقال العباس كذبت ما أسرني إلا ابن أخي علي بن أبي طالب فقال الأنصاري يا هذا انا أسرتك فقال والله ما أسرني إلا ابن أخي ولكأني بحجلته في النقع تبين لي فقال رسول الله صدق عمى ذاك ملك كريم فقال العباس لقد عرفته بحجلته وحسن وجهه فقال له ان الملائكة الذين أبدني الله بهم على صورة علي بن أبي طالب ليكون ذلك أهيب لهم في صدور الأعداء فقال هذه عمامتي على
405 رأس علي بن أبي طالب فمره ليردها على فقال ويحك ان يعلم الله فيك خيرا يعوضك أحسن العوض. قال الشيخ المفيد (رض) دل هذا الحديث على أن أمير المؤمنين كان أشجع البرية وانه بلغ من بأسه وخوف الأعداء منه ان الله تعالى جعل الملائكة على صورته ليكون ذلك أرهب لقلوبهم وان هذا المعنى لم يحصل البشر قبله ولا بعده. اختطف أبو اليسر في يوم بدر راية المشركين وأبلى بلاء حسنا وشهد صفين مع أمير المؤمنين " ع " وكان من أصحابه. (رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الأنصاري) يكنى أبا معاذ شهد بدرا وكان أبوه رافع من أصحاب العقبة وكان رفاعة من أصحاب أمير المؤمنين " ع " شهد معه حرب صفين ومات في خلافة معاوية. (مالك بن ربيعة بن الوليد) بفتح الموحدة والمهملة ثم نون ابن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة أبو أسيد بالضم الساعدي مشهور بكنيته شهد بدرا وغيرها وكان من أصحاب أمير المؤمنين شهد معه صفين وهو أحد البدريين الذين شهدوها معه عليه السلام قال الواقدي مات سنة ثلاثين. وقال المدائني توفى سنة ستين قال وهو آخر من مات من البدريين والله أعلم. (عقبة بن عمرو بن تغلبة الأنصاري) يكنى أبا مسعود من بنى حارث بن الخزرج وهو مشهور بكنيته يعرف بابى مسعود البدري لأنه كان يسكن بدرا. قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب انه لم يشهد بدرا وهو قول ابن إسحاق وقال ابن إسحاق كان أبو مسعود أحد من شهد العقبة ولم يشهد بدرا وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد.
406 وقالت طائفة قد شهد أبو مسعود بدرا وبذلك قال النجاري فذكره في البدريين قال أبو عمرو ولا يصح شهوده بدرا. قال بعضهم وشهد مع أمير المؤمنين " ع " صفين وقال أبو عمرو كان قد نزل الكوفة وسكنها واستخلفه على في خروجه إلى صفين. ومات سنة إحدى أو اثنتين أو أربعين والله أعلم. (هند بن أبي هالة التميمي) واختلف في اسم أبى هالة فقيل نماش بن زرارة وقيل نباش بنون ثم موحدة ثم معجمة وهو الذي رجحه كثير من أهل العلم. وقال الفيروز آبادي النباش بن زرارة أو مالك بن زرارة بن النباش أو أبو هالة بن النباش بن زرارة أو زرارة بن النباش بن زرارة زوج خديجة والد هند ابن أبي هالة الصحابي انتهى. وكان هند ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله أمه خديجة بنت خويلد خلف عليها رسول الله بعد أبي هالة وهو أخو فاطمة الزهرا " ع " لأمها وخال الحسنين " ع " وكان فصيحا بليغا وصافا وصف رسول الله فأحسن وأتقن. روى عن الحسن بن علي " ع " انه قال سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي وكان وصافا عن حلية النبي وانا اشتهى ان يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال كان رسول الله فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر إذا انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية سهل الخدين أدعج ضليع أشنب الفم مفلج الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد ريمة في صفاء الفضة معتدل الخلق بادنا متماسكا سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول
407 ما بين اللبة والسرة بشعر يجرى كالخط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك اشعر الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر طويل الزندين رحب الراحة سبط القصب شئن الكفين والقدمين سائل الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا يخطو تكفيا ويمشي هونا سريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الرض أطول من نظره إلى أ السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه ويبدر من لقيه بالسلام. قال قلت له صف لي منطقه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة طويل السكت يفتتح الكلام ويختمه بابتداء ويتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول ولا تقصير فيه دمثا ليس بالجافى ولا المهين يعظم النعمة وان دقت لا يذم منها شيئا ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعاطى الحق ولم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها فإذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدت أشار لها فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض من طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام قال الحسن " ع " فكتمتها الحسين " ع " زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسألته عما سألته عنه. وقد شرح أبو عبيدة وابن قتيبة وصفه هذا ومعنى ما فيه من الفصاحة وفوائد اللغة. قال أبو عبيدة حدثني سنان بن أبي سنان هند بن أبي هند بن أبي هالة الأسدي حدثه عن أبيه هند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو عبيدة كان هند بن أبي هالة وأبو رافع مولى رسول الله وعمار بن ياسر يحدثون عن هجره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى رسول الله بالمدينة ومبيته من قبل ذلك على فراشه قال وصدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة واقتصاصه
408 عن الثلاثة وقد دخل حديث بعضهم في بعض قالوا كان الله عز وجل يمنع نبيه بعمه أبى طالب فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته فلما مات أبو طالب " ع " قالت قريش من رسول الله بغيتها وأصابته بعظيم من أذى حتى تركته لقى فقال صلى الله عليه وآله ما أسرع ما وجدنا فقدك يا عم وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر واجتمع بذلك على رسول الله حزنان حتى عرف ذلك فيه. قلت وسمى تلك السنة عام الحزن قال هند ثم أنطلق ذو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة ليرتأوا ويأتمروا في رسول الله صلى الله عليه وآله وأسروا ذلك بينهم وقالوا نبني له برجا نستودعه فيه فلا يخلص إليه من الصباة إليه أحد ثم لا يزال في رنق من العيش حتى تأتيه المنون وأشار بذلك العاص بن وائل وأمية وأبى ابنا خلف فقال قائل كلاما هذا لكم برأي ولئن صنعتم ذلك ليتنمرن له الحدب الحميم والمولى والحليف ثم لتأتين المواسم في الأشهر الحرم بالأمن فليستنزعن من أنشوطتكم قولوا قولكم فقال عتبة وشيبة وشركهما أبو سفيان قالوا فإنا نرى ان نرحل له بعيرا صعبا ونوثق محمدا عليه كتافا وشدا ثم نخز البعير بأطراف الرماح فيوشك ان يقطعه إربا إربا فقال صاحب رأيهم انكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا أرأيتم ان خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاويق فاخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاقة لسانه فصبا القوم إليه واستجابت له القبائل فسار إليكم فأهلككم قولوا قولكم فقال أبو جهل لكن أرى ان تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتندبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا وتبيتوا ابن أبي كبشة فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطيع قومه محاربة الناس فيرضون حينئذ بالعقل فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم. قلت وقد ورد ان هذا الرأي أشار به إبليس وجاءهم في زي رجل من نجد قال فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله بما كان من كيدهم وتلا عليه جبرئيل " ع " (وإذ
409 يمكر بك الذين كفروا) الآية وأمره بالهجرة فدعا عليا " ع " لوقته فأخبره بما أوحى إليه وما أمره به وانه أمرني ان آمرك بالمبيت على فراشي أو على مضجعي لتخفى بمبيتك عليهم أمرى فما أنت قائل وصانع فقال على " ع " أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله قال نعم فتبسم على ضاحكا وأهوى إلى الأرض ساجدا شكرا لما أنبأه به رسول الله صلى الله عليه وآله من سلامته فكان " ع " أول من سجد لله شكرا وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ورفع رأسه وقال أمض لما أمرت به فداك سمعي وبصرى وسويداء قلبي ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك واقع به بحيث مرادك وما توفيقي إلا بالله قال أخبرك يا علي أن الله يختبر أوليائه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وقد امتحنك الله يا بن أم في وامتحنني فيك بمثل ما امتحن الله خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل (" ع ") فصبرا صبرا فان رحمة الله قريب من المحسنين ثم ضمه النبي إلى صدره وبكى وجدا به وبكى على جزعا لفراق رسول الله واستتبع رسول الله أبا بكر بن أبي قحافة وهند بن أبي هالة وأمرهما ان ينتظراه بمكان عينه لهما من طريقه إلى الغار ولبث رسول الله صلى الله عليه وآله بمكانه يوصى عليا " ع " ويأمره بالصبر وخرج في فحمة العشاء والرصد من قريش قد طافوا بالدار ينتظرون ان ينتصف الليل وتنام الأعين فخرج صلى الله عليه وآله من بينهم وهو يقرأ (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم) الآية ورماهم بقبضة من تراب فما شعروا به ومضى حتى انتهى أي صاحبيه فنهضا معه ووصلوا إلى الغار ورجع هند إلى مكة بما أمره النبي ودخل هو وأبو بكر إلى الغار فلما نامت الأعين أقبل القوم إلى على " ع " قذفا بالحجارة ولا يشكون انه رسول الله حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح هجموا على على " ع " وكانت دور مكة يومئذ بغير أبواب فلما رآهم على قد انتضوا السيوف وأقبلوا يقدمهم خالد بن الوليد وثب إليه على فختله فهمز يده واخذ سيفه وشد عليهم فأجفلوا فعرفوه
410 وقالوا إنا لم نردك فما فعل صاحبك فقال لا علم لي فأرسلت قريش العيون وركبت في طلبه الصعب والذلول ولما اعتم على " ع " انطلق هو وهند إلى الغار وامر رسول الله هند ان يبتاع له ولصاحبه بعيران فقال أبو بكر قد كنت أعددت لي ولك يا رسول الله راحلتين ترتحلهما إلى يثرب فقال صلى الله عليه وآله لا أخذهما إلا بالثمن قال هي لك يا رسول الله بذلك فامر عليا فاقبضه الثمن وأوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته وكانت قريش تدعوا النبي الأمين وتودعه أموالها وبعث صلى الله عليه وآله والحال ذلك فامر عليا ان يقيم صارخا بالأبطح يهتف غدوة وعشيا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلنؤد إليه أمانته وقال له النبي لن يصلوا إليك من الآن بأمر تكرهه حتى تقدم على فاد أمانتي على أعين الناس ظاهرا ثم إني استخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربى عليكما وأمره ان يبتاع رواحل له وللفواطم ومن يهاجر معه من بنى هاشم وقال صلى الله عليه وآله لعلى " ع " إذا أبرمت ما أمرتك به فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله وسر إلى القدوم كتابي عليك وانطلق رسول الله إلى المدينة وأقام في الغار ثلاثا ومبيت على " ع " على فراشه أول ليلة وقال علي عليه السلام في ذلك. وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر محمد لما خاف أن يمكروا به * فوقاه ربى ذو الجلال من المكر وبت أراعيهم متى يأسرونني * وقد وطنت نفسي على القتل والأسر وبات رسول الله في الغار آمنا * هناك وفى حفظ الاله وفى ستر أقام ثلاثا ثم زمت قلائص * قلائص يفرين الحصى أينما يفر ولما ورد رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة نزل في بنى عمر بن عوف بقبا وأرادوه على الدخول إلى المدينة فقال ما انا بداخلها حتى يقدم ابن عمى وابنتي يعنى عليا وفاطمة " ع ". قال الزبير بن بكار استشهد هند بن أبي هالة مع علي " ع " يوم الجمل وقيل
411 عاش بعد ذلك والله أعلم. (جعدة بن هبيرة بن أبي وهب) ابن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لوى ابن غالب هو ابن أخت أمير المؤمنين " ع " أمه أم هاني بنت أبي طالب وسيأتي ترجمتها في الطبقة العاشرة إن شاء الله وأختلف في صحبته فقيل أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وليست له صحبة وقال العجلي انه تابعي وقيل بل هو من الصحابة قال العسقلاني هو صحابي صغير له رؤية وقال ابن أبي الحديد في شرح انتهج أدرك رسول الله وأسلم يوم الفتح مع أمه أم هاني بنت أبي طالب وهرب أبوه هبيرة ابن أبي وهب ذلك اليوم هو وعبد الله بن الزبعرى إلى نجران فأقام بها حتى مات كافرا. قال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب ولدت أم هاني لهبيرة أربعة بنين جعدة وعمرا وهانيا ويوسف وكان جعدة فارسا شجاعا فقيها ولى خراسان لأمير المؤمنين " ع " وهو الذي يقول: أبى من بنى مخزوم ان كنت سائلا * ومن هاشم أمي لخير قبيل فمن ذا الذي ينأى على بحاله * كخالي على ذي الندى وعقيل وشهد جعدة مع أمير المؤمنين " ع " حرب صفين وأبلى بها بلاء حسنا. وروى نصر في كتاب صفين قال حدثنا عمر بن سعد عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبيه جحيفة قال جمع معاوية كل قرشي بالشام وقال لهم العجب يا معشر قريش انه ليس لأحد منكم في هذا الحرب فعال يطول به لسانه ما عدا عمرا فما بالكم أين حمية قريش فغضب الوليد بن عقبة وقال أي فعال تريد والله ما نعرف في أكفائنا من قريش العراق من يغنى غنانا باللسان ولا باليد فقال معاوية بلى ان أولئك وقوا عليا بأنفسهم قال الوليد كلا بل وقاهم على بنفسه قال ويحكم اما فيكم من يقوم لقرنه منهم مبارزة ومفاخرة فقال مروان أما البراز
412 فان عليا لا يأذن لحسن ولا لحسين ولا لمحمد بنيه فيه ولا لابن عباس وأخوته ويصلى بالحرب دونهم فلا يهم نبارز وأما المفاخرة فبما ذا نفاخر بالإسلام أم بالجاهلية فإن كان بالاسلام فالفخر لهم بالنبوة وان كان بالجاهلية فالملك فيه لليمن فان قلنا قريش قالوا لنا عبد المطلب فقال عتبة بن أبي سفيان إلهوا عن هذا فإني لاق بالغداة جعدة بن هبيرة فقال معاوية بخ بخ قومه بنو مخزوم وأمه أم هاني بنت أبي طالب " ع " كفو كريم وكثر العتاب والخصام بين القوم حتى أغلظوا لمروان وأغلظ لهم فقال مروان أما والله ولولا ما كان منى لعلى في أيام عثمان ومشهدي بالبصرة لكان لي في علي رأى يكفي أمرأ ذا حسب ودين ولكن ولعل، ونابذ معاوية الوليد بن عقبة فأغلظ له الوليد فقال له معاوية إنك إنما تجترئ على بنسبك من عثمان ولقد ضربك الحد وعزلك عن الكوفة ثم انهم ما أمسوا حتى اصطلحوا وأرضاهم معاوية عن نفسه ووصلهم بأموال جليلة جزيلة وبعث معاوية إلى عتبة فقال ما أنت صانع في جعدة فقال ألقاه اليوم وأقاتله غدا وكان لجعدة في قريش شرف عظيم وكان له لسان وكان من أحب الناس إلى على فغدا عليه عتبة فنادى أيا جعدة أيا جعدة فاستأذن عليا في الخروج إليه فأذن له وأجتمع الناس فقال عتبة يا جعدة والله ما أخرجك علينا الا حب خالك وعمك عامل البحرين وإنا والله ما نزعم ان معاوية أحق بالخلافة من على لولا أمره في عثمان ولكن معاوية أحق بالشام لرضا أهلها به فاعفوا لنا عنها فوالله ما بالشام رجل به طرق إلا وهو أحد من معاوية في القتال وليس بالعراق رجل له مثل جد على في الحرب ونحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم وما أقبح بعلي ان يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس حتى إذا صاب سلطانا أفنى العرب فقال جعدة أما حبى لخالي فلو كان لك خال مثله لنسيت أباك وأما ابن أبي سلمة فلم يصب أعظم من قدره والجهاد أحب من العمل وأما فضل على " ع " على معاوية فهذا ما لا يختلف فيه اثنان وأما رضاكم اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس فلم يقبل وأما
413 قولك ليس بالشام أحد إلا وهو أحد من معاوية وليس بالعراق لرجل مثل جد على " ع " فهكذا ينبغي أن يكون مضى بعلي يقينه وقصر بمعاوية شكه وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل وأما قولك نحن أطوع لمعاوية منكم لعلى " ع " فوالله ما نسأله ان سكت ولا نرد عليه ان قال وأما قتل العرب فان الله كتب القتل والقتال فمن قتله الحق فإلى الله فغضب عتبة وفحش على جعدة فلم يجبه وأعرض عنه فلما أنصرف عتبة جمع خيله فلم يستبق شيئا وجل أصحابه السكون والأزد والصدف وتهيأ جعدة بما استطاع والتقوا فصبر القوم جميعا وباشر جعدة يومئذ القتال بنفسه وجزع عتبة فأسلم خيله وأسرع هاربا إلى معاوية فقال له فضحك جعدة وهزمك لا تغسل رأسك منها أبدا قال والله لقد أعذرت ولكن أبى الله ان يديلنا منهم فما أصنع وحظي جعدة بعدها عند على " ع " وقال النجاشي فيما كان من فحش عتبة على جعدة: ان شتم الكريم يا عتب خطب * فاعلمنه من الخطوب عظيم أمه أم هانئ وأبوه * من معد ومن لوى صميم ذاك منها هبيرة بن أبي وهب * أقرت بفضله مخزوم كان في حربكم يعد بألف * حين يلقى بها القروم القروم وأبنه جعدة الخليفة منه * هكذا تنبت الفروع الأروم كل شئ تريده فهو فيه * حسب ثاقب ودين قويم وخطيب إذا تمغرت الأوجه * يشجى به الألد الخصيم وحليم الرجال إذ حلها ال * جهل وخفت من الرجال الحلوم وشكيم الحروب قد علم الناس * إذا حل في الحروب الشكيم وصحيح الأديم من تفل العيب * إذا كان لا يصح الأديم حامل للعظيم في طلب الحمد * إذا عظم الصغير اللئيم ما عسى ان أقول للذهب الأحمر * عيبا هيهات منك النجوم
414 كل هذا بحمد ربك فيه * وسوى ذاك كان وهو فطيم وقال الأعور الشني في ذلك يخاطب عتبة بن أبي سفيان: ما زلت تظهر في عطفيك أبهة * لا يرفع الطرف منك التيه والصلف لا تحسب القوم الا فقع قرقرة * وشحمة بزها شأولها نطف حتى لقيت ابن مخزوم وأي فتى * أحيى مآثر آباء له سلفوا ان كان رهط أبى وهب جحاجحة * في الأولين فهذا منهم خلف أشجاك جعدة إذ نادى فوارسه * حاموا عن الدين والدنيا فما وقفوا هلا عطفت على قوم بمصرعه * فيها السكون وفيها الأزد والصدف وقد توفى جعدة بن هبيرة رحمه الله تعالى في خلافة معاوية. (أبو عمرة الأنصاري النجاري) اختلف في أسمه فقيل رشيد وقيل أسامة وقيل عمرو بن محصن وقيل تغلبة بن عمرو بن محصن وقيل اسمه عامر بن مالك بن النجاري. قال ابن عبد البر وهو الصواب، قلت والصواب عندي انه عمرو بن محصن لما أشير في مرثية النجاشي له وهو صحابي ذكره بعضهم في البدريين يروى عنه ابنه عبد الرحمن بن أبي عمر. روى الكشي باسناده عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله " ع " ارتد الناس إلا ثلاثة أبو ذر والمقداد وسلمان فقال أبو عبد الله فأين أبو ساسان وأبو عمرة الأنصاري. وكان أبو عمرة من أصفياء أمير المؤمنين " ع " شهد معه الجمل وصفين وأستشهد بها. روى ابن مزاحم باسناده عن سليمان الحضرمي قال لما خرج على " ع " من المدينة خرج معه أبو عمرة بن عمرو بن محصن قال فشهدنا مع علي الجمل ثم انصرفنا إلى الكوفة ثم سرنا إلى أهل الشام حتى إذا كان بيننا وبين صفين ليلة دخلني الشك
415 فقلت والله ما أدرى على م أقاتل؟ وما أدرى ما أنا فيه؟ قال واشتكى رجل منا بطنه من حوت اكله فظن أصحابه انه طعين فقالوا من يتخلف على هذا الرجل فقلت انا أتحلف عليه والله ما أقول ذلك الا مما دخلني من الشك فأصبح الرجل ليس به بأس وأصبحت قد ذهب عنى ما كنت أجد ونفذت بصيرتي حتى إذا أدركنا أصحابنا ومضينا مع علي " ع " وإذا أهل الشام قد سبقونا إلى الماء فلما أردناه منعونا فصلتناهم بالسيف فخلونا وإياه وأرسل أبو عمرة إلى أصحابه قد والله حزناه فهم يقاتلونا وهم في أيدينا ونحن دونه إليهم كما كان في أيديهم قبل ان نقاتلهم فأرسل معاوية إلى أصحابه لا تقاتلوهم وخلوا بينهم وبينه فيشربوا فقلنا لهم وقد عرضنا عليكم أول مرة فأبيتم حتى أعطانا الله وأنتم غير محمودين قال فانصرفوا عنا وانصرفنا عنهم ولقد رويت روايانا ورواياهم بعد وخيلنا خيلهم نرد ذلك الماء جميعا حتى ارتووا وارتوينا جميعا. وروى أيضا ان أمير المؤمنين " ع " بعث أبا عمره في رجال من أصحابه إلى معاوية يدعونه إلى الله تعالى والى الطاعة والجماعة فلما دخلوا عليه تكلم أبو عمرة فحمد الله وأثنى عليه وقال يا معاوية ان الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة وان الله تعالى جازيك بعملك ومحاسبك بما قدمت يداك وإني أنشدك بالله ان تفرق جماعة هذه الأمة ان تسفك دماءها بينها فقطع معاوية الكلام فقال هلا أوصيت صاحبك قال قلت سبحان الله ان صاحبي ليس مثلك ان صاحبي أحق البرية بهذا الامر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من الرسول قال فتقول ماذا قال أدعوك إلى تقوى ربك وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك في دينك وخير لك في عاقبة أمرك قال وأبطل دم عثمان لا والرحمان لا افعل ذلك ابدا. قال وكان ابن محصن من أعلام أصحاب على " ع " قتل في المعركة بصفين وجزع علي عليه السلام لقتله فقال النجاشي يرثيه.
416 لنعم فتى الحيين عمرو بن محصن * إذا صارخ الحي المصبح ثوبا إذ الخيل جالت بينها قصد القنا * يثرن عجاجا ساطعا متنصبا لقد فجع الأنصار طرا بسيد * أخي ثقة في الصالحات مجربا فيارب خير قد أفدت وجفنة * ملأت وقرن قد تركت مسلبا ويا رب خصم قد رددت بغيظه * فآب ذليلا بعد أن كان مغضبا وراية مجد قد حملت وغزوة * شهدت إذ النكس الجبان تهيبا حويطا على جل العشيرة ماجدا * وما كنت في الأنصار نكسا مؤنبا طويل عماد المجد رحبا فناؤه * خصيبا إذا ما رائد الحي أجدبا عظيم رماد النار لم تك فاحشا ولا فشلا يوم النزال مغلبا وكنت ربيعا ينفع الناس سيبه * وسيفا جرازا باتر الحد مقضبا فمن يك مسرورا بقتل ابن محصن * فعاش شقيا ثم مات معذبا وغودر منكبا لفيه ووجهه * يعالج رمحا ذا سنان وتغلبا فان تقتلوا الحر الكريم ابن محصن * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا وإن تقتلوا ابني بديل وهاشما * فنحن تركنا منكم القرن أعضبا ونحن تركنا حميرا في صفوفكم * لدى الحرب صرعى كالنخيل مشذبا وأفلتنا تحت الأسنة مرشد * وكان قديما في الغرار مدربا ونحن تركنا عند مختلف القنا * أخاكم عبيد الله لحما ملحبا بصفين لما ارفض عنه رجالكم * ووجه ابن عتاب تركنا ملغبا وطلحة من بعد الزبير ولم ندع * لضبة في الهيجا عريفا منكبا ونحن أحطنا بالبعير وأهله * ونحن سقيناكم سماما مقشبا (مسعود بن أوس بن زيد بن أحزم بن زيد) هو أبو محمد غلبت عليه كنيته وهو الذي زعم أن الوتر واجب فقال
417 عبادة بن الصامت كذب أبو محمد وشهد بدرا وكان من أصحاب أمير المؤمنين " ع " وشهد معه صفين. (نضلة بن عبيد بن الحرث) أبو برزة الأسلمي صحابي مشهور بكنيته وأختلف في أسمه فقيل نضلة بن عبيد الله بن الحرث وقيل عبد الله بن نضلة وقيل سلمة بن عبيد والصحيح الأول أسلم أبو برزة قبل الفتح وشهد الفتح وغزا سبع غزوات ثم نزل البصرة وغزا خراسان ومات بها سنة خمس وستين على الصحيح وكان من أصحاب أمير المؤمنين وأصفيائه وهو القائل في أمير المؤمنين عليه السلام. كفى بعلي قائدا لذوي النهى * وحرزا من المكروه والحدثان نروح إليه ان المت ملمة * علينا ونرضى قوله ببيان يبين إخفاء النفوس التي لها * من الهلك والوسواس هاجستان (مرداس) بكسر الميم وسكون الراء المهملة بن مالك الأسلمي صحابي كان ممن بايع تحت الشجرة وسكن الكوفة وهو في عداد أهلها. قيل روى عنه حديث واحد ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال يقبض الصالحون الأول فالأول إلى أن تبقى حثالة كحثالة النمر وكان من أصحاب أمير المؤمنين " ع ". وروى عنه قيس بن أبي حازم وزياد بن علامة. قال ابن حجر وهو قليل الحديث. (المسور) ابن شداد بن عمير القرشي الفهري صحابي حجازي نزل الكوفة ثم مصر. وروى عنه أهل البلدين وكان من أصحاب أمير المؤمنين " ع " مات سنة خمس وأربعين. (عبد الله بن بديل) بضم الموحدة وفتح الدال المهملة وسكون المثناة التحتانية وبعدها لام، ابن ورقاء
418 الخزاعي، أسلم مع أبيه يوم الفتح أو قبله وكانا سيدي خزاعة وعيبة النبي صلى الله عليه وآله وشهد عبد الله حنينا والطائف وتبوك وكان رفيع القدر ورفيع الشأن أرسله النبي صلى الله عليه وآله مع أخويه عبد الرحمن ومحمد إلى اليمن ليفقهوا أهلها ويعلموهم الدين وكان عبد الله من أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام وخلص أصحابه شهد معه الجمل وصفين وأبلى فيها بلاء حسنا إلى أن استشهد بصفين كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى. روى نصر بن مزاحم قال قام عبد الله بن بديل بين يدي أمير المؤمنين بصفين قبل القتال فقال يا أمير المؤمنين ان القوم لو كانوا لله يريدون ولله يعملون ما خالفونا ولكن القوم إنما يقاتلونا فرارا من الأسرة وحب الأثرة ضنا بسلطانهم وكراهة لفرقة دنياهم التي في أيديهم وعلى أخر في أنفسهم وعداوة يجدونها في أنفسهم لوقايع أوقعتها بهم هلك فيها آباؤهم وإخوانهم فكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه وخاله وجده والله ما أظن أن يفعلوا ولن يستقيموا لكم دون ان يقصد فيها المران وتقطع على هامهم السيوف وتنشر حواجبهم بعمد الحديد وتكون أمور جمة بين الفريقين. وروى عن الشعبي ان عليا بعث على ميمنته عبد الله بن بديل وعلى ميسرته عبد الله بن العباس. وروى عن زيد بن وهب أن عبد الله بن بديل قام في أصحابه فقال إن معاوية ادعى ما ليس له ونازع الأمر أهله من ليس له مثله جائكم بالباطل ليدحض به الحق فصال عليكم بالأعراب والأحزاب وزين لهم الضلال وزرع في قلوبهم حب الفتنة ولبس عليهم الأمر وزادهم رجسا إلى رجسهم وأنتم والله على بينة من ربكم نور ظاهر مبرور أتخشونهم فالله أحق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين وقد قاتلتهم مع النبي صلى الله عليه وآله ما هم في هذه بأزكى ولا اتقى ولا أبر قوموا إلى عدو الله وعدوكم. وروى عن عمرو بن شمس عن جابر قال سمعت الشعبي يقول كان عبد الله
419 ابن بديل مع علي " ع " يومئذ عليه سيفان ودرعان فجعل يضرب بسيفه فقدما وهو يقول: لم يبق غير الصبر والتوكل * والترس والرمح وسيف مصقل ثم التمشي في الرعيل الأول * مشى الجمال في حياض المنهل فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه وجعل ينادى يا لثارات عثمان يعنى أخا كان له وظن معاوية وأصحابه إنما يعنى عثمان بن عفان حتى أزال معاوية عن موقفه فأمر معاوية أصحابه الذين بايعوه على الموت ان يصمدوا لعبد الله بن بديل وبعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري وهو في الميسرة ان يحمل عليه بجميع من معه فاختلط الناس واصطدم الفيلقان ميمنة أهل العراق وميسرة أهل الشام وأقبل عبد الله بن بديل يضرب بسيفه قدما حتى أزال معاوية عن موقفه وجعل ينادى يا لثارات عثمان وإنما يعنى أخا له قتل وظن معاوية وأصحابه انه بعني عثمان بن عفان وتراجع معاوية عن مكانه القهقهرى كثيرا وأشفق على نفسه وأرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه وحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة أهل العراق فكشفها حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة انسان من القراء فاشتد بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم وحج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتى انتهى إلى معاوية ومعه عبد الله بن عامر واقفا فنادى معاوية في الناس عليكم بالصخر والحجارة ان عجزتم عن السلاح فرضخه الناس بالصخر والحجارة حتى أثخنوه فسقط فاقبلوا عليه بسيوفهم فقتلوه وجاء معاوية وعبد الله بن عامر حتى وقفا عليه فاما عبد الله بن عامر فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه وكان له أخا وصديقا من قبل فقال معاوية اكشف عن وجهه فقال لا والله ولا يمثل به وفى روح فقال معاوية اكشف عن وجهه فإنا لا نمثل به قد وهبناه لك فكشف ابن عامر عن وجهه فقال معاوية هذا كبش القوم ورب
420 الكعبة اللهم أظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر: أخو الحرب ان عضت به الحرب عضها * وان شمرت عن ساقها الحرب شمرا ويحمى إذا ما الموت كان لقاؤه * فذا السيف يحمى الأنف ان يتأخرا كليث هزبر كان يحمى ذماره * رمته المنايا قصده فتقطرا ثم قال إن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت قال نصر فحدثنا عمرو عن أبي روق قال استعلى أهل الشام عند قتل ابن بديل على أهل العراق يومئذ وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة وأجفلوا اجفالا شديدا فامر على " ع " سهل بن حنيف فاستقدم بمن كان معه فغدا الميمنة يعضدها فاستقبلهم جموع أهل الشام في حيل عظيمة فحملت عليه فألحقهم بالميمنة كانت ميمنة أهل العراق متصلة بموقف على " ع " في القلب في أهل اليمن فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى على فانصرف يمشى نحو الميسرة فانكشفت مضر عن الميسرة أيضا فلم يبق مع علي من أهل العراق إلا ربيعة وحدها في الميسرة. قال نصر فحدثنا عمرو قال حدثنا مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال لقد مر على " ع " يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة ومعه ربيعة وحدها وإني لأرى النبل من بين عاتقيه ومنكبه وما من بنية إلا يقيه بنفسه فيكره على " ع " ذلك فيقدم عليه ويحول بينه وبين أهل الشام ويأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه من ورائه وبصر به أحمر مولى بنى أمية وكان شجاعا فقال على " ع " ورب الكعبة قتلني الله ان لم أقتلك فاقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى على فاختلفا ضربتين فقتله أحمر وخالط عليا ليضربه بالسيف وينتهزه على فتقع يده في جيب درعه فجذبه عن فرسه فحمله على عاتقه فوالله لكأني انظر إلى رجلي أحمر يختلفان على عنق على ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضديه وشد ابنا على حسين ومحمد فضرباه بأسيافهما حتى برد فكأني انظر إلى على " ع " قائما وشبلاه يضربان الرجل حتى
421 أتيا عليه ثم أقبلا على أبيهما والحسن " ع " قائم معه فقال له على يا بنى ما منعك ان تفعل كما فعل أخواك فقال " ع " كفياني يا أمير المؤمنين. وروى نصر عن عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن كعب قال لما قتل عبد الله بن بديل يوم صفين مر به الأسود بن طهمان الخزاعي وهو بآخر رمق فقال له عز على والله مصرعك اما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك ولو رأيت الذي أشعرك لأحببت ان لا أزايله ولا يزايلني حتى أقتله أو يلحقني بك ثم نزل إليه فقال رحمك الله يا عبد الله إن كان جارك ليأمن بوايقك وإن كنت لمن الذاكرين لله كثيرا أوصني رحمك الله قال أوصيك بتقوى الله وان تناصح أمير المؤمنين وتقاتل معه حتى يظهر الحق أو تلحق بالله وأبلغ أمير المؤمنين " ع " عنى السلام وقل له قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فإنه من أصبح والمعركة خلف ظهره كان الغالب ثم لم يلبث ان مات فاقبل أبو الأسود إلى على " ع " فأخبره فقال رحمه الله جاهد معنا عدونا في الحياة ونصح لنا في الوفاة ومن شعر عبد الله بن بديل ما أنشده أبو مخنف في كتاب (وقعة الجمل) قوله: يا قوم للحطة العظمى التي حدثت * حرب الوصي وما للحرب من آس الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت * تلك القبائل أخماسا لأسداس قال نصر وفرح أهل الشام بقتل هاشم بن عتبة وعبد الله وعبد الرحمن ابني بديل فقال حريش الكوني وهو مع علي عليه السلام: معاوية ما أفلت إلا بجرعة * من الموت رعبا تحسب الشمس كوكبا نجوت وقد أدميت بالسوط بطنه * لزوما على فأس اللجام مشذبا فان تفخروا بابني بديل وهاشم * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا وأنهما ممن قتلتم على الهدى * فوافوا فكفوا القول ننسى التحوبا قال المؤيد الخوارزمي كان عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة وعبد الله بن بديل فرسان العراق ومردة الحرب ورجال المعارك وسيوف الأقران وأمراء
422 الأخيار وأمراء أمير المؤمنين " ع " وقد أوقعوا باهل الشام ما بقى ذكره على مر الأحقاب حتى احتالوا لقتلهم. وفيهم يقول الأشتر ذاكرا لهم متأسفا عليهم: أبعد عمار وبعد هاشم * وابن بديل فارس الملاحم أرجو البقاء ضل حلم الحالم (حجر بن عدي) ابن معاوية بن جبلة بن الأدبر الكندي يكنى أبا عبد الرحمن، قال أبو عمرو بن عبد البر في كتاب الاستيعاب كان حجر من فضلاء الصحابة وصغر سنه عن كبارهم وقال غيره كان من الأبدال وكان صاحب راية النبي صلى الله عليه وآله وهو يعد من الرؤساء والزهاد ومحبته وإخلاصه لأمير المؤمنين أشهر من أن تذكر وكان على كندة يوم صفين وعلى الميسرة يوم النهروان ومن كلامه لأمير المؤمنين لما أمر بالمسير إلى الشام يا أمير المؤمنين نحن بنوا الحرب وأهلها الذين نلقحها وننتجها، قد ضارستنا وضارسناها ولنا أعوان وعشيرة ذات عدد ورأى محرب وبأس محمود وأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة فإن شرفت شرقنا وإن غربت غربنا وما أمرتنا من أمر فعلنا فقال له على " ع " اكل قومك يؤدى مثل رأيك قال ما رأيت منهم إلا حسنا وهذى يدي عنهم بالسمع والطاعة وحسن الإجابة فقال له على " ع " خيرا. ومن كلام له أيضا حين أستنفر أهل الكوفة للقتال بعد وقعة أهل النهروان فلم يجيبوا بما يرضاه وأكثروا اللغط في حضرته " ع " فساءه ذلك منهم فقام حجر فقال لا يسؤك الله يا أمير المؤمنين مرنا بأمرك نتبعه فوالله ما نعظم جزعا على أموالنا ان نفدت ولا على عشائرنا ان قتلت في طاعتك ومن شعره قوله في علي عليه السلام يوم الجمل: يا ربنا سلم لنا عليا * سلم لنا المبارك الرضيا المؤمن الموحد التقيا * لا خطل الرأي ولا غويا
423 بل هاديا موفقا مهديا * واحفظه ربى واحفظ النبيا فيه فقد كان له وليا * ثم ارتضاه بعده وصيا وأبلى في صفين بلاء حسنا. روى نصر باسناده عن عبد الله بن شريك قال خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهر ان البراءة واللعن لأهل الشام فأرسل إليهما على " ع " ان كفا عما يبلغني عنكما فأتياه فقالا يا أمير المؤمنين السنا محقين قال بلى قالوا أو ليسوا مبطلين قال بلى قالا فلم تمنعنا من شتمهم قال كرهت لكم ان تكونوا لعانين شتامين تشهدون وتبرون ولكن لو وصفتم مساوي أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم اللهم أحقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق منهم من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به كان هذا أحب إلى وخيرا لكم فقالا يا أمير المؤمنين " ع " نقبل عظتك ونتأدب بأدبك وروى أيضا عن الشعبي ان أول فارسين التقيا في اليوم السابع من صفين وكان من الأيام العظيمة حجر الخير وحجر الشر أما حجر الخير فهو ابن عدي صاحب على " ع " وأما حجر الشر فابن عمه كلاهما من كندة وكان من أصحاب معاوية فأطعنا برمحيهما وخرج رجل من بنى أسد يقال له خزيمة من عسكر معاوية فضرب حجر بن عدي ضربة برمحه فحمل أصحاب على فقتلوا خزيمة الأسدي ونجا حجر الشر هاربا فالتحق بعسكر معاوية. وروى ابن شهرآشوب في (المناقب) ان أدهم بن لام القضاعي من أصحاب معاوية خرج يوما من أيام صفين يقول: أثبت لوقع الصارم الصقيل * فأنت لا شك أخو قتيل فبرز حجر بن عدي فقتله فخرج إليه الحكم بن الأزهر قائلا: يا حجر حجر بن عدي الكندي * أثبت فإني ليس مثلي بعدي
424 فقتله حجر فبرز إليه مالك بن مسهر القضاعي وهو يقول: إني انا مالك بن مسهر * انا ابن عم الحكم بن الأزهر فأجابه رحمه الله تعالى: إني حجر وانا ابن مسعر * أقدم إذا شئت ولا تأخر فقتله حجر. وذكر الشيخ المفيد (رض) وغيره ان ابن ملجم وصاحبيه ورد ان التميمي وشبيب بن بحرة الأشجعي لما عزموا على ما عزموا عليه من قتل أمير المؤمنين ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم فواطأهم عليه وحضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه وكان حجر بن عدي رض في تلك الليلة بائتا في المسجد فسمع الأشعث يقول لابن ملجم النجا النجا بحاجتك فقد فضحك الصبح فأحس حجر بما أراد الأشعث وقال له قتلته يا أعور وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين " ع " ليخبره بالخبر ويحذره من القوم فخالفه أمير المؤمنين " ع " فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف فاقبل حجر بن عدي والناس يقولون قتل أمير المؤمنين ولما بلغ الحسن بن علي ان معاوية قد عبر جسر منبج وجه حجر بن عدي يأمر العمال بالاحتراس وندب الناس فسارعوا حتى إذا كان من صلح الحسن لمعاوية ما كان دخل عبيدة بن عمرو الكندي وهو من قوم حجر بن عدي على الحسن بن علي " ع " وكان على وجهه ضربة وهو مع قيس ابن سعد بن عبادة قال ما الذي أرى في وجهك قال جرح أصابني مع قيس فالتفت حجر إلى الحسن فقال لوددت إنك مت قبل هذا ومتنا معك ولم نر هذا اليوم انا رجعنا راغمين بما كرهنا ورجعوا مسرورين بما أحبوا فتغير وجه الحسن وغمز الحسين حجرا فسكت فقال الحسن يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب ولا رأيه رأيك وما فعلت إلا ابقاءا عليكم والله تعالى كل يوم هو في شأن وروى الكشي (باسناده) عن طاوس عن أبيه قال أنبأنا حجر بن عدي
425 قال: قال لي على " ع " كيف تصنع أنت إذا ضربت وأمرت بلغني قلت كيف اصنع قال العني ولا تبرأ منى فإني على دين الله قال ولقد ضربه محمد بن يوسف وأمره ان يلعن عليا وأقامه على باب مسجد صنعاء قال فقال الأمير امرني أن العن عليا فالعنوه لعنه الله فرأيت محوارا من الناس إلا رجلا فهمها قال المؤلف (رض) عندي في هذا الخبر نظر فان محمد بن يوسف إنما ولى اليمن في زمن عبد الملك بن مروان وهو أخو الحجاج بن يوسف استعمله أخوه الحجاج على صنعاء اليمن وحجر بن عدي قتله معاوية بن أبي سفيان فكيف يصح ان يكون محمد بن يوسف ضرب حجرا ليلعن عليا أمير المؤمنين " ع " وليس في عمال معاوية على اليمن من أسمه محمد بن يوسف كما تنطق به التواريخ فان معاوية لما استعمل الخلافة عثمان بن عثمان الثقفي فأقام به مدة ثم عزله بأخيه عتبة بن أبي سفيان فأقام سنتين ثم لحق بأخيه معاوية واستخلف على اليمن فيروز الديلمي فأقام ثمان سنين ولما توفى عتبة بن أبي سفيان استعمل معاوية مكانه داذويه الفارسي فأقام تسعة أشهر ثم مات فاستعمل معاوية مكانه على اليمن الضحاك بن فيروز الديلمي فلم يزل على اليمن حتى هلك معاوية في رجب سنة ستين للهجرة هؤلاء جميع عمال معاوية على اليمن ولبس فيهم مسمى بمحمد بن يوسف والله أعلم. واما سبب قتل حجر بن عدي فكان من حديثه ان المغيرة بن شعبة كان لا ينام عن شتم على " ع " وأصحابه واللعنة بهم والترحم على عثمان وأصحابه وكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك يقول إن من تذمون أحق بالفضل والتقدم ومن تمدحون أولى بالدم فلما كان في آخر زمان المغيرة بن شعبة نال من على وقال في عثمان ما كان يقول فقام حجر بن عدي وصاح به وقال إنك لا تدرى بمن تولع أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " ومدح المجرمين فقام معه نحو ثلاثين ألفا يقولون صدق حجر فدحل المغيرة بيته فجائه قومه قائلين له على م تترك هذا الرجل يجترى في سلطانك ثم إن بلغ معاوية سخط عليك فقال
426 إني قد قتلته انه سيأتي أمير بعدي فيلعنه مثلي فيصنع به مثل ما صنع بي فيقتله وانا قد أقترب أجلى فلا أقتل خير أهل هذا المصر فلما ولى معاوية زياد بن أبيه الكوفة خطب زياد فقال اما بعد فان مرتع البغي وخيم وأيم الله ان لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم ولست بشئ ان لم أحم ناحية الكوفة من حجر بن عدي وادعه نكالا لما بعده. قال الطبري في (رسالته) ان زيادا خطب يوم جمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة فقال له حجر بن عدي الصلاة فمضى في خطبته فاخذ حجر كفا من حصى وحصبه به وثار إلى الصلاة وثار الناس معه فنزل زياد وصلى بالناس ثم كتب إلى معاوية فكتب معاوية إليه ان اشدده في الحديد واحمله إلى فأراد قوم حجر منعه فقال لهم لا ولكن نطيع ونسمع فلما دخل على معاوية قال السلام عليك فقال له معاوية والله لأقتلنك ولا استقبلك أخرجوه فاضربوا عنقه فأخرجوه فقال لهم دعوني أصلى ركعتين فصلاهما وخفف وقال لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما ثم قال من حضر من أهل بيته لا تطلقوا منى حديدا ولا تغسلوا عنى دما فإني لاق معاوية غدا على الجادة ثم ضربت عنقه سادس ستة أو سابع سبعة أحدهم ولده. ذكر المسعودي في (مروج الذهب) ان زيادا وفد إلى معاوية من الكوفة ومعه حجر بن عدي وتسعة من أهل الكوفة وأربعة من غيرهم فلما بقى على أميال من الكوفة أنشأت ابنة لحجر بن عدي وهي تقول: ترفع أيها القمر المنير * لعلك ان ترى حجرا يسير يسير إلى معاوية بن حرب * ليقتله كذا زعم الأمير تنبرت المنابر بعد حجر * وطاب لها الخورنق والسدير أخاف عليك ما أدري عديا * وشيخا في دمشق له زئير لعمري ان كل عميد قوم * إلى هلك من الدنيا يصير
427 فلما وصلوا إلى عذراء على اثنى عشر ميلا من دمشق تقدم البريد باخبارهم إلى معاوية فبعث إليهم رجلا أعور فلما أشرف على حجر وأصحابه قال رجل من أصحاب حجر ان صدق الزجر فإنه سيقتل منا نصفا ويسلم الباقون قيل وكيف ذاك قال ما ترون الرجل المقبل مصابا بإحدى عينيه فلما وصل إليهم قال لحجر ان أمير المؤمنين أمرني بقتلك وقتل أصحابك إلا ان توالوا أمير المؤمنين وترجعوا إلى طاعته فلما قدم حجر ليقتل قال دعوني أصلي ركعتين فتركوه فطول في صلاته فقيل أتجزع من الموت فقال لا ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت ولا صليت قط أخف من هذه الصلاة وكيف لا أجزع وإني أرى قبرا محفورا وسيفا مشهورا وكفنا منشورا ثم قدم وأصحابه فقتلوا إلا من بايع. وقال شيخنا محمد بن مكي المعروف (بالشهيد الأول) قدس الله روحه الشهداء الذين بعذراء دمشق الذين قتلهم معاوية بعد أن بايعوه وأعطاهم العهود والمواثيق حجر بن عدي الكندي حامل راية النبي صلى الله عليه وآله وولده همام وقبيصة بن ضبيع العبسي وصيفي بن قيل وشريك بن شداد الحضرمي ومحرز بن شهاب السعدي وكرام بن حيان العبدي كلهم في ضريح واحد في جامع عذراء. قال الشيخ محمد بن مكي (ره) أنشدني خادمهم هذه الأبيات: جماعة بثرى عذاره قد دفنوا * وهم صحاب لهم فضل وإعظام حجر قبيصة صيفي شريكهم * ومحرز ثم همام وكرام عليهم الف رضوان مكرمة * تترى تدوم عليهم كلما داموا قال محمد بن مكي (رض) فزدت بيتا ومثلها لعنات للذي سفكوا * دمائهم وعذاب بالذي استاموا وفى رواية ان معاوية كتب إلى زياد ان اعرض على حجرا وأصحابه وكانوا ثمانية ليتبرؤا من على ويطلقوا فقالوا بل نتولاه ونتبرى ممن برئ منه فحفرت لهم قبور ونشرت أكفانهم فقال حجر يكفنوننا كأنا
428 مسلمون ويقتلوننا كأنا كافرون وعرض عليهم البراءة عدة دفعات فلم يفعلوا فقتلوا. وعن أمير المؤمنين " ع " مثلهم كمثل أصحاب الأخدود. قال الأعمش أول من قتل في الإسلام صبرا حجر بن عدي وأول رأس أهدى من بلد إلى بلد رأس عمرو بن الحمق. وسئل ابن إسحاق متى ذل الناس قال حيث مات الحسن بن علي " ع " وادعى معاوية زيادا وقتل حجر بن عدي. وروى أنه لما قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه لقى في ذلك العام الحسين " ع " فقال يا أبا عبد الله هل بلغك ما صنعت بحجر وأصحابه من شيعة أبيك قال لا قال إنا قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم فضحك الحسين " ع " ثم قال خصمك القوم يوم القيامة يا معاوية اما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم وقد بلغني وقوعك في أبى حسن " ع " وقيامك به واعتراضك بنى هاشم بالعيوب وأيم الله لقد أوترت غير قوسك ورميت غير غرضك وتناولتها بالعداوة من مكان قريب ولقد أطعت امرؤا اما قدم ايمانه ولا حدث نفاقه وما نظر لك فانظر لنفسك أو دع. يريد عمرو بن العاص وروى أن معاوية لما قدم المدينة دخل على عائشة فقالت ما حملك على قتل أهل عدن حجر وأصحابه فقال إني رأيت قتلهم صلاحا للأمة وبقائهم فسادا للأمة فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء فقال يا أم المؤمنين دعيني وحجرا نلتقي عند ربنا وفى رواية انها قالت له أين كان حلمك عن حجر بن عدي فقال يا أم المؤمنين لم يكن بحضرتي رشيد وذكر كثير من أهل الأخبار ان معاوية لما حضرته الوفاة جعل يغرغر بالموت ويقول إن يومى منك يا حجر بن عدي لطويل. وروى أن ربيع بن زياد الحارثي كان عاملا لمعاوية على خراسان وكان
429 فاضلا جليلا وكان الحسن بن أبي الحسن البصري كاتبه فلما بلغه قتل حجر بن عدي دعا الله عز وجل فقال اللهم ان كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجل فلم يبرح من مجلسه حتى مات. وروى الشيخ الطوس (ره) في (أماليه) باسناده عن عطاء بن مسلم عن الحسن بن البصري قال كنت غازيا من معاوية بخراسان وكان علينا رجل من التابعين فصلى بنا يوما الظهر ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس قد حدث في الإسلام حدث عظيم لم يكن منذ قبض الله نبيه مثله بلغني ان معاوية قتل حجر بن عدي وأصحابه فان يك عند المسلمين خير فسبيل ذلك وان لم يكن عندهم خير فاسأل الله ان يقبضني إليه وان يعجل ذلك. قال الحسن بن أبي الحسن فلا والله ما صلى بنا صلاة غيرها حتى سمعنا عليه الصياح. وروى الزبير بن بكار عن رجاله عن الحسن البصري انه قال أربع خصال في معاوية لو لم يكن منهن الا واحدة لكانت موبقة انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذووا الفضيلة واستخلافه ابنه يزيد من بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعائه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجر بن عدي وأصحابه فيا ويله من حجر وأصحاب حجر. وروى الكشي ان الحسين " ع " كتب إلى معاوية في كتاب كتبه إليه الست القاتل لحجر بن عدي أخا كندة والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله لومة لائم ثم قتلتهم ظلما وعدوانا وبعد ما كنت أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة. قال أبو عمرو بن عبد البر في كتاب (الاستيعاب) لما ولى معاوية زياد العراق وما ورائها وأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما أظهر خلعه حجر رحمه الله
430 ولم يخلعه معاوية وبايعه جماعة من أصحاب على " ع " وشيعته وحصبه يوما في تأخير الصلاة هو وأصحابه فكتب فيه زياد إلى معاوية فأمره ان يبعث إليه به مع وائل بن حجر الحضرمي في اثنى عشر رجلا كلهم في الحديث فقتل معاوية منهم ستة واستحيى ستة وكان حجر ممن قتل. قال وكان قتل معاوية لحجر بن عدي في سنة إحدى وخمسين. وحجر بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبعدها راء مهملة. والأدبر بفتح الهمزة وسكون الدال وفتح الباء ثم راء مهملة سمى به لأنه ضرب بالسيف على أليته مدبرا والله أعلم. (عمرو بن الحمق الخزاعي) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وبعدها قاف. ابن كاهل ويقال الكاهن بالنون. ابن حبيب الخزاعي صحابي جليل القدر من خواص أمير المؤمنين " ع " شهد معه مشاهده كلها وكان ممن خرج على عثمان. قال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين. وعن ميمون بن مهران ان عمرو بن الحمق سقى رسول الله صلى الله عليه وآله لبنا فقال اللهم متعه بشبابه فمرت عليه ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء. وروى نصر بن مزاحم ان عمرو بن الحمق قال لأمير المؤمنين " ع " في يوم من أيام صفين والله يا أمير المؤمنين انى ما أحببتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ولا إرادة مال تؤتينيه ولا الماس سلطان ترفع ذكرى به ولكن أحببتك بخصال خمس إنك ابن عم رسول الله ووصيه وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله وأسبق الناس إلى الإسلام وأعظم المهاجرين سهما في الجهاد فلو إني كلفت نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي حتى يأتي على يومى في أمر أقوى به وليك وأهين بن عدوك ما رأيت إني قد أديت فيه كل الذي يحق على من حقك فقال على " ع " اللهم نور قلبه بالتقى واهده إلى صراطك المستقيم ليت إن
431 في جندي مائة مثلك فقال حجر إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك وقل فيهم من يغشك. وروى الكشي باسناده عن علي بن أسباط بن سالم قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر " ع " إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري علي بن أبي طالب وصى محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر ثم ينادى مناد أين حواري علي بن أبي طالب وصى محمد بن عبد الله فيقوم عمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بنى أسد وأويس القرني إلى آخر الحديث. قال أبو عمرو بن عبد البر في كتاب (الاستيعاب) أسلم عمرو بن الحمق بعد الحديبية وصحب رسول الله مدة وكان يحفظ الأحاديث وسكن الشام ثم نزل الكوفة واتخذها وطنا وهو أحد الأربعة الذين اقتحموا على عثمان بن عفان الدار وكان من شيعة علي بن أبي طالب " ع " وشهد معه جميع حروبه من الجمل وصفين والنهروان ولما توفى على " ع " قال مع حجر بن عدي في منع بنى أمية من سب على ولما أمر زياد بالقبض على حجر هرب عمرو إلى الموصل واختفى في غار فلدغته حية به فمات ولما وصل إليه الجماعة الذين بعث بهم زياد لعنه الله وجدوه ميتا في الغار فقطعوا رأسه وذهبوا به إلى زياد فبعث به إلى معاوية وهو أول رأس حمل من بلد إلى بلد قال نصر وقال عمرو بن الحمق بصفين: تقول عرسي لما ان رأت أرقي * ماذا يهيجك من أصحاب صفينا الست في عصبة يهدى الاله بهم * أهل الكتاب ولا بغيا يريدونا فقلت إني على ما كان من سدد * أخشى عواقب أمر سوف يأتينا إزالة القوم في أمر يراد بهم * فاقني حياءا وكفى ما تقولينا وروى محمد بن علي الصواف عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن شمير بن ابن سدير الأزدي قال: قال على " ع " لعمرو بن الحمق الخزاعي أين نزلت يا عمرو
432 قال في قومي قال لا تنزلن فيهم قال أفأنزل في كنانة جيراننا قال لا قال أفأنزل في ثقيف قال فما تصنع بالمعرة والمحرة قال وما هما قال عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة يأتي أحدهما على تميم وبكر بن وائل فقل ما يفلت منه أحد ويأتي العنق الآخر فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة فقل من يصيب منهم إنما تدخل الدار فتحرق البيت والبيتين قال فأين أنزل قال أنزل في بنى عمرو بن عامر من الأزد قال فقال قوم حضروا هذا الكلام ما نراه إلا كاهنا يتحدث بحديث الكهنة فقال يا عمرو وإنك لمقتول بعدي وان رأسك لمنقول وهو أول رأس ينقل في الإسلام والويل لقاتلك أما انك لا تنزل لقوم إلا أسلموك برمتك الا هذا الحي من بنى عمرو بن عامر من الأزد فإنهم لن يسلموك ولن يخذلوك قال فوالله ما مضت الأيام حتى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في أحياء العرب خائفا مذعورا حتى نزل في قومه من بنى خزاعة فأسلموه فقتل وحمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد. وروى الكشي عن الحسن بن محبوب عن أبي القاسم وهو معاوية بن عمار رحمه الله رفعه قال أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله سرية فقال لهم انكم تضلون ساعة كذا من الليل فخذوا ذات اليسار فإنكم تمرون برجل في شأنه فتسترشدونه فيأبى ان يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه فيذبح لكم كبشا فيطعمكم ثم يقوم فيرشدكم فاقرؤه منى السلام واعلموه إني قد ظهرت بالمدينة فمضوا فضلوا الطريق فقال قائل منهم ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله تياسروا ففعلوا فمروا بالرجل الذي قال لهم رسول الله قال فقال لهم الرجل وهو عمرو بن الحمق (رض) أظهر النبي بالمدينة فقالوا نعم فلحق به ولبث ما شاء الله ثم قال رسول الله أرجع إلى الموضع الذي منه هاجرت فإذا تولى أمير المؤمنين " ع " بالكوفة فاته فانصرف الرجل حتى إذا تولى أمير المؤمنين الكوفة اتاه وأقام معه بالكوفة ثم إن أمير المؤمنين " ع " قال له ألك دار قال نعم قال بعها واجعلها في الأزد فإني غدا لو غبت لطلبت
433 فمنعك الأزد حتى تخرج من الكوفة متوجها إلى جسر الموصل فتمر برجل مقعد فتقعد عنده ثم تستسقيه فيسقيك ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه إلى الإسلام فإنه يسلم وامسح بيدك على وركيه فان الله يمسح ما به وينهض قائما فيتبعك وتمر برجل أعمى على ظهر الطريق فتستسقيه فيسقيك ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه إلى الإسلام فإنه يسلم وامسح بيدك على عينيه فإن الله تعالى يعيده بصيرا فيتبعك وهما يواريان بدنك في التراب ثم تتبعك الخيل فإذا صرت قريبا من الحصن في موضع كذا وكذا رهقتك الخيل فأنزل عن فرسك ومر إلى الغار فإنه يشترك في دمك فسقة من الجن والأنس ففعل ما قال أمير المؤمنين " ع " قال فلما انتهى إلى الحصن قال للرجلين اصعدا فانظر أهل تريان شيئا قالا نرى خيلا مقبلة فنزل عن فرسه ودخل الغار وغار فرسه فلما دخلوا الغار ضربه أسود سالخ فيه وجاءت الخيل فلما رأوا فرسه غائرا قالوا هذا فرسه وهو قريب فطلبه الرجال فأصابوه في الغار فكلما ضربوا أيديهم إلى شئ من جسمه تبعهم اللحم فاخذوا رأسه فاتوا به فنصبه على رمح وهو أول رأس نصب في الإسلام وروى الكشي ان مروان بن الحكم كتب إلى معاوية وهو عامله على المدينة، اما بعد فإن عمرو بن عثمان ذكر ان رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي وذكر انه لا يؤمن وثوبه وقد بحثت عن ذلك فبلغني انه لا يريد الخلاف يومه هذا ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده فاكتب إلى برأيك في هذا والسلام فكتب معاوية اما بعد فقد بلغني وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين فإياك ان تعرض للحسين في شئ واترك حسينا ما تركك فإنا لا نريد ان نعرض له في شئ ما وفى ببيعتنا ولم ينازعنا سلطاننا فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته والسلام. وكتب معاوية إلى الحسين بن علي " ع ": اما بعد فقد انتهت إلى أمور عنك إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ولعمر الله ان من أعطى الله
434 عهده وميثاقه لجدير بالوفاء وان كان الذي بلغني باطلا فإنك أنت أعدل الناس لذلك وعظ نفسك فاذكر، وبعهد الله أوف فإنك متى تنكرني أنكرك ومتى تكدني أكدك فاتق شق عصا هذه الأمة وأن يردهم الله على يدك في فتنة فقد عرفت الناس وبلوتهم فأنظر لنفسك ولدينك ولامة محمد ولا يستخفنك السفهاء الذين لا يعلمون فلما وصل الكتاب إلى الحسين " ع " كتب إليه: أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر انه قد بلغك عنى أمور أنت عنها راغب وانا بغيرها عندك جدير فإن الحسنات لا يهتدى لها ولا يسدر إليها إلا الله وأما ما ذكرت انه انتهى إليك عنى فإنه إنما رقاه إليك الملاقون المشاؤن بالنميمة وما أريد لك حربا ولا عليك خلافا وأيم الله إني لخائف الله في ترك ذلك وما أظن الله راضيا بترك ذلك ولا عاذرا بدون الاعذار فيه إليك وفى أولئك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين القاتلي حجرا أخا كندة والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله لومة لائم ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة ولا تأخذهم بحديث كان بينك وبينهم ولا بأحنة تجدها في نفسك أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه وأصفر لونه بعد ما آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس جبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافا بذلك العهد أو لست المدعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله تعالى ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك ولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية انهم كانوا على دين على " ع " فكتبت إليه ان اقتل كل من كان على دين على فقتلهم ومثل بهم بأمرك ودين على والله الذي
435 كان يضرب عليه أباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذي جلست ولولا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين وقلت فيما قلت أنظر لنفسك ولدينك ولامة محمد واتق شق عصا هذه الأمة وان تردهم إلى فتنة وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ولا أعلم نظرا لنفسي ولديني ولامة محمد وعلينا أفضل من أن أجاهدك فإن فعلت فإنه قربة إلى الله وان تركته فإني استغفر الله لديني واسأله توفيقه لارشاد أمرى وقلت فيما قلت إن أنكرتك تنكرني وان أكدك تكدني ما بدا لك فإني أرجو ان لا يضرني كيدك في وان لا يكون على أحد أضر منك على نفسك لأنك قد ركبت جهلك وتحرضت على نقض عهدك ولعمري ما وفيت بشرط ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والإيمان والعهود والمواثيق فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل ان يفعلوه وماتوا قبل ان يدركوه فابشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب وأعلم ان لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أوليائه على التهم ونفيك أوليائه من دورهم إلى دار الغربة وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب لا أعلمك إلا وقد خسرت نفسك وبترت دينك غششت وأخربت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقى لاجلهم والسلام. فلما قرأ معاوية الكتاب قال لقد كان في نفسه خب ما أشعر به فقال يزيد يا أمير المؤمنين أجبه بجواب تصغر به نفسه وتذكر فيه أباه بشر فعله قال ودخل عبد الله بن عمرو ابن العاص فقال له معاوية اما رأيت ما كتب به الحسين قال ما هو قال فاقرأ الكتاب فقال وما يمنعك ان تجيبه بما تصغر إليه نفسه وانما قال ذلك في هوى معاوية فقال يزيد كيف رأيت يا أمير المؤمنين فضحك معاوية فقال أما يزيد فقد أشار على بمثل رأيك قال عبد الله فقد أصاب يزيد فقال معاوية أخطأتما أرأيتما
436 لو انى ذهبت لعيب على محقا ما عسيت ان أقول فيه ومثلي لا يحسن ان يعيب بالباطل وما لا يعرف ومتى ما عبت به رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل بصاحبه ولا يراه الناس شيئا وكذبوه وما عسيت ان أعيب حسينا ووالله ما أرى للعيب فيه موضعا وقد رأيت أن اكتب إليه أتوعده وأتهدده ثم رأيت أن أفعل ولا أخجله. وكان قتل عمرو بن الحمق بالموصل سنة إحدى وخمسين وهي السنة التي قتل فيها حجر بن عدي وكان معاوية قد فعل فيها الأفاعيل من قتل الشيعة وإخافتهم وتغريبهم وتعذيبهم. وقال بعضهم ان القاتل لعمرو بن الحمق هو عبد الرحمن بن عثمان الثقفي وهو ابن عبد الرحمن بن أم الحكم وقيل عبد الرحمن بن أم الحكم هو القاتل له قتله سنة خمسين بأمر معاوية والله أعلم. (أسامة بن زيد حارثة بن شراحبيل بن عبد العزى بن امرئ القيس) الكلبي كان أبوه زيد يقال له حب رسول ا لله ويكنى أبا أسامة وأمه سعدى بنت تغلبة بن عبد عمرو كان في ابتداء حاله مع أمه وقد خرجت به تزور قومها فأغارت خيل البنى القين في الجاهلية فمروا على أبيات بنى معن فاحتملوه وهو يومئذ غلام فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم فلما تزوجها النبي وهبته له فاعتقه وكان أبوه جزع عليه جزعا شديدا وبكى عليه حين فقده فقال: بكيت على زيد ولم أدر ما فعل * أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل فوالله ما أدري وإني لسائل * أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل فحج ناس من كعب فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه فقال لهم أبلغوا عنى قومي: ألكني إلى قومي وإن كنت نائيا * بأني قطين البيت عند المشاعر فكفوا عن الوجه الذي قد شجاكم * ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
437 فإني بحمد الله في خير أسرة * كرام معد كابرا بعد كابر فانطلقوا وأعلموا أباه ووصفوا له مكانه وعند من هو فخرج حارثة وكعب ابنا شراحبيل بفدائه فقدما مكة فسألا عن النبي صلى الله عليه وآله فقيل هو في المسجد فدخلا عليه فقالا يا بن هاشم يا بن سعيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير وقد جئنا في أين لنا عندك فامنن علينا وأحسن في فدائه فإنا سنرفع لك الفداء قال صلى الله عليه وآله من هو قالا زيد بن حارثة فقال رسول الله فهنا غير ذلك قالا ما هو قال أدعوه فخيروه فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء وإن اختارني فوالله ما انا بالذي اختار على من اختارني أحدا قالا زدتنا على النصف وأحسنت فدعاه صلى الله عليه وآله فقال هل تعرف هؤلاء قال نعم هذا أبى وهذا عمى قال فانا من قد علمت وقد رأيت صحبتي لك فأخرتني أو اخترهما فقال زيد ما انا بالذي اختار عليك أحدا أنت منى بمكان العم والأب فقالا ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك قال نعم إني قد رأيت من هذا الرجل ما انا بالذي اختار عليه أحدا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك أخرجه إلى الحجر فقال يا من حضر اشهدوا ان زيدا ابني أرثه ويرثني فلما رأى أبوه وعمه ذلك طابت أنفسهما فانصرفا فدعى زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام فزوجه النبي زينب بنت جحش فلما طلقها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله فتكلم المنافقون في ذلك فقالوا تزوج امرأة ابنه فنزل ما كان محمد أبا أحد من رجالكم الآية وقال تعالى ادعوهم لآبائهم فدعى يومئذ زيد بن حارثة. وكان بين رسول الله وبين زيد عشر سنين ورسول الله أكبر منه. قال ابن إسحاق كان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب عليه السلام زيد بن حارثة. قال أهل السير شهد زيد بدرا واحدا والخندق والحديبية وخيبر وخرج أميرا في سبع سرايا ولم يسم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في القرآن باسمه
438 غيره وكان له من الولد زيد هلك صغيرا ورقية أمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأسامة أمه أم أيمن حاضنة رسول الله واسمها بركة الحبشية ورثها النبي من أبيه كانت وصيفة لعبد المطلب وقيل كانت لآمنة أم رسول الله وكانت تحضنه صلى الله عليه وآله حتى كبر فأعتقها حين تزوج خديجة وتزوجها عبيدة بن زيد بن الحرث الحبشي فولدت له أيمن وكنيت به واستشهد أيمن يوم حنين وهي التي شربت بول النبي فقال لها لن تشتكي وجع بطنك ابدا وقال لن تلج النار بطنك على خلاف في الرواية. وقتل زيد في غزوة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة وهو ابن خمس وخمسين سنة. وعن خالد بن سمير قال لما أصيب زيد بن حارثة أتاهم النبي صلى الله عليه وآله فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى انتحب فقال سعد بن عبادة يا رسول الله ما هذا؟ قال هذا شوق الحبيب إلى حبيبه. وقال علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى وما جعل أدعياءكم أبناءكم حدثني أبي عن ابن عمير عن جميل عن أبي عبد الله " ع " قال سبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ورأى زيدا غلاما كيسا حصيفا فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه إلى الإسلام فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمد فلما بلغ حارثة بن شراحبيل الكلبي خبر زيد قدم مكة وكان رجلا جليلا فأتى أبا طالب " ع " وقال يا أبا طالب ان ابني وقع عليه السبي وبلغني انه صار لابن أخيك فاسأله اما ان يبيعه واما ان يفاديه واما ان يعتقه فكلم أبو طالب رسول الله فقال رسول الله هو حر فليذهب حيث شاء فقام حارثة فاخذ بيد زيد فقال له يا بنى الحق شرفك وحسبك فقال زيد لست أفارق رسول الله ابدا فقال له أبوه أفتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا لقريش قال زيد لست أفارق رسول الله ما دمت حيا فغضب أبوه فقال يا معشر
439 قريش اشهدوا إني قد برئت منه وليس هو ولدى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أشهدوا ان زيدا ابني أرثه ويرثني وكان يدعى زيد بن محمد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه وسماه زيد الحب فلما هاجر رسول الله إلى المدينة زوجه زينب أبنة جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول الله منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر لها فدفع رسول الله الباب فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال صلى الله عليه وآله سبحان الله خالق النور تبارك الله أحسن الخالقين ثم رجع إلى منزله ووقعت زينب في قلبه وقوعا عجيبا وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله فقال لها زيد هل لك ان أطلقك حتى يتزوجك رسول الله فلعلك قد وقعت في قلبه فقالت أخشى ان تطلقني ولا يتزوجني رسول الله فجاء زيد إلى رسول الله فقال بابى أنت وأمي أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك ان أطلقها حتى تتزوجها فقال له رسول الله لا اذهب واتق الله وامسك عليك زوجك ثم حكى الله تعالى فقال أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها إلى قوله وكان أمر الله مفعولا فزوجه الله من فوق عرشه فقال المنافقون يحرم علينا نساءنا ويتزوج امرأة ابنه زيد فأنزل الله تعالى في هذا وما جعل أدعياءكم أبناءكم إلى قوله تعالى يهدى السبيل ثم قال ادعوهم لآبائهم إلى قوله تعالى ومواليكم في الدين فاعلم الله تعالى ان زيدا أليس هو ابن محمد وإنما ادعاه للسبب الذي ذكرنا. واما أسامة بن زيد فيكنى أبا محمد ويقال أبا زيد كان يقال له حب رسول الله صلى الله عليه وآله وابن حبه. روى أنه صلى الله عليه وآله قال أسامة أحب الناس إلى ومر به صلى الله عليه وآله بين الصبيان في قفوله من بدر فنزل إليه وقبله واحتمله ثم قال مرحبا بحبي وابن حبى. وكان عمره يوم مات رسول الله عشرين سنة وقيل ثماني عشرة وقيل تسع عشرة سنة.
440 روى أنه لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرض الموت دعا أسامة بن زيد ابن حارثة فقال سر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش فان أظفرك الله بالعدو فأقل اللبث وبث العيون وقدم الطلايع فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار الا كان في ذلك الجيش منهم أبو بكر وعمر فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين والأنصار فغضب رسول الله لما سمع وخرج عاصبا رأسه فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة لئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله وأيم الله ان كان لخليقا بالأمرة وان ابنه من بعده لخليق بها وإنهما لمن أحب الناس إلى فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم ثم نزل ودخل بيته وجاء المسلمون يودعون رسول الله صلى الله عليه وآله ويمضون إلى عسكر أسامة بالجرف وثقل رسول الله واشتد ما يجده فأرسل بعض نسائه إلى أسامة وبعض من كان معه يعلمونهم ذلك فدخل أسامة من معسكره والنبي صلى الله عليه وآله مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه وتطأطأ أسامة عليه فقبله ورسول الله قد اسكت فهو لا يتكلم فجعل برفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة كالداعي له ثم أشار إليه بالرجوع إلى عسكره والتوجه لما بعثه فيه فرجع أسامة إلى عسكره ثم أرسل نساء رسول الله إلى أسامة يأمرنه بالدخول ويقلن ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أصبح بارئا فدخل أسامة من معسكره يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول فوجد رسول الله مفيقا فأمره بالخروج وتعجيل النفوذ وقال اغد على بركة الله تعالى وجعل صلى الله عليه وآله يقول انفذ وابعث أسامة ويكرر ذلك فودع رسول الله وخرج ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فلما ركب جاء رسول أم أيمن فقال إن رسول الله يموت فاقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله حين زالت الشمس من هذا اليوم وهو يوم الاثنين وقد مات صلى الله عليه وآله واللواء مع بريدة بن الحصيب فدخل باللواء فركزه عند
441 باب رسول الله وهو مغلق وعلى " ع " وبعض بنى هاشم مشتغلون باعداد جهازه وغسله وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب (السقيفة) قال حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح عن أحمد بن سيار عن سعد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر في مرض موته أسامة ابن زيد بن حارثة على جيش فيه جل المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وأمره ان يغير على موته حيث قتل أبوه زيد وان يغزو وادى فلسطين فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله وجعل رسول الله في مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث حتى قال له أسامة بابى أنت وأمي أتأذن لي ان أمكث أياما حتى يشفيك الله تعالى فقال سر على بركة الله فقال يا رسول الله ان أنا خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفى قلبي حرقة منك، فقال سر على النصر والعافية، فقال يا رسول الله إني أكره ان أسأل عنك الركبان فقال صلى الله عليه وآله انفذ لما أمرتك به. ثم أغمي على رسول الله وقام أسامة فتجهز للخروج فلما أفاق رسول الله سأل عن أسامة والبعث فأخبر انهم يتجهزون فجعل يقول أنفذوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه ويكرر ذلك، فخرج واللواء على رأسه والصحابة بين يديه حتى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين والأنصار وأسيد بن خضير وبشير بن سعد وغيرهم من الوجوه فجاءه رسول أم أيمن يقول له أدخل فان رسول الله يموت فقام من فوره ودخل المدينة واللواء معه فجاء حتى ركزه بباب رسول الله ورسول الله صلى الله عليه وآله قد مات في تلك الساعة قال فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن مات إلا بالأمير. قال المؤلف عفى الله عنه الذي يرويه أصحابنا ان أسامة بن زيد لم يرجع إلى المدينة إلا بعد أن تغلب أبو بكر على الخلافة وكتب إليه في الرجوع.
442 وروى الشيخ الطبرسي في كتاب (الاحتجاج): مرفوعا عن الباقر " ع " ان عمر بن الخطاب قال لأبي بكر اكتب إلى أسامة يقدم عليك فان في قدومه قطع الشنعة عنا فكتب إليه أبو بكر من أبى بكر خليفة رسول الله إلى أسامة ابن زيد اما بعد: إذا أتاك كتابي فاقبل إلى أنت ومن معك فإن المسلمين قد اجتمعوا على وولوني أمرهم فلا تخالفن فتعصى ويأتيك ما تكره والسلام. قال فكتب إليه أسامة جواب كتابه، من أسامة بن زيد عامل رسول الله على غزوة الشام أما بعد: فقد أتاني لك كتاب ينقض أوله آخره ذكرت في أوله إنك خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وذكرت في آخره إن المسلمين اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوا بك وأعلم انى ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فوالله ما رضينا بك ولا وليناك أمرنا وانظر إن تدفع الحق إلى أهله وتخليهم وإياه فإنهم أحق به منك فقد علمت ما كان من قول (1) رسول الله وانك وصاحبك رجعتما وعصيتما فأقمتما في المدينة بغير إذني قال فهم أبو بكر ان يخلعها من عنقه قال فقال له عمر لا تفعل قميص قمصك الله لا تخلعه فتندم ولكن ألح على أسامة بالكتب ومر فلانا وفلانا يكتبوا إلى أسامة ان لا يفرق جماعة المسلمين وان يدخل معهم فيما صنعوا قال فكتب إليه أبو بكر وكتب إليه أناس من المنافقين ان ارض بما اجتمعنا عليه وإياك ان تشمل المسلمين فتنة من قبلك فإنهم حديثوا عهد بالكفر: فلما وردت الكتب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما رأى اجتماع الناس على أبى بكر انطلق إلى علي بن أبي طالب " ع " فقال ما هذا؟ قال على " ع " هذا ما ترى قال له أسامة فهل بايعته؟ فقال نعم، فقال له أسامة طائعا قال لا بل كارها. قال فدخل أسامة على أبى بكر وقال:
(1) وفى نسخة بعد كلمة قول رسول الله: في علي يوم الغدير فما طال فينسى أنظر لمركزك ولا تخالف فتعصي الله ورسوله وتعصى من استخلفه رسول الله عليك وعلى صاحبك ولم يعزلني حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله. 443 السلام عليك يا خليفة المسلمين، قال فرد عليه السلام وقال وعليك السلام أيها الأمير. قال أهل السير: ثم إن أبا بكر بعث أسامة على مقتضى أمر رسول الله إلى حرب الشام فخرج وسار إلى أهل أبنى - بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح النون على وزن فعلى فأغار عليهم وقتل - من أشرف له وسبى من قدر عليه وقتل من قاتل أباه ورجع إلى المدينة بالغلبة والظفر وكانت مدة غيبته في تلك السفرة أربعين يوما فخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا لقدومهم وسلامتهم. قال صاحب الصفوة: وسكن أسامة وادى القرى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نزل المدينة. (انتهى) وكان أسامة أبيض اللون شديد البياض وأبوه زيد أسود شديد السواد بالعكس على خلاف في الرواية فمر بهما مخور المدلجي وهما في قطيفة قد غطيا وجوههما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الاقدام بعضها من بعض. ولم يشهد أسامة شيئا من مشاهد أمير المؤمنين " ع " واعتذر عن ذلك باليمين التي كانت عليه إنه لا يقتل رجل يقول لا إله إلا الله وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية فيها أسامة فقتل رجلا يقال له مرداس بن نهيك من بنى مرة بن عوف وكان من أهل فدك وكان مسلما لم يسلم من قومه غيره فسمعوا بسرية رسول الله تريدهم وكان على السرية رجل يقال له غالب بن فضالة الليثي فهربوا وأقام الرجل لأنه كان مسلما فلما رأى الخيل خاف أن يكون من غير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد هو إلى الجبل فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون فلما سمع التكبير عرف انهم المسلمون فكبر ونزل وهو يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فتغشاه أسامة بن زيد فقتله واستاق غنمه ثم رجعوا إلى رسول الله فأخبروه فوجد رسول الله من ذلك وجدا شديدا وقد كان سبقهم قبل ذلك فقال رسول الله قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ صلى الله عليه وآله (يا أيها
444 الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا) (الآية) فقال أسامة يا رسول الله استغفر لي فقال كيف بلا إله إلا الله فقالها رسول الله ثلاث مرات قال أسامة فما زال رسول الله يعيدها حتى وددت انى لم أكن أسلمت الا يومئذ، ثم إن رسول الله أستغفر لي بعد ثلاث مرات وقال صلى الله عليه وآله أعتق رقبة ثم حلف أسامة ان لا يقتل بعد ذلك رجلا يقول لا إله إلا الله. وروى ابن إسحاق ان أسامة قال أدركت هذا الرجل أنا ورجل من الأنصار فلما شهرنا عليه السلام قال أشهد أن لا إله الا الله فلم تنزع عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على رسول الله أخبرناه خبره فقال يا أسامة من لك بلا إله إلا الله قال فقلت يا رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل قال فمن لك بها يا أسامة قال فوالذي بعثه بالحق نبيا ما زال يرددها على حتى لوددت ان ما مضى من إسلامي لم يكن وإني كنت أسلمت يومئذ وإني لم اقتله قال فقلت أنظرني يا رسول الله إني أعاهد الله أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله ابدا قال تقول بعدي يا أسامة قال قلت بعدك. وروى الكشي: باسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله " ع " عن آبائه عليهم السلام قال كتب على " ع " إلى والى المدينة لا تعطين سعدا ولا ابن عمر من الفئ شيئا فاما أسامة بن زيد فإني قد عذرته في اليمين التي كانت عليه. ونقل الزمخشري في (ربيع الأبرار) ان أسامة بن زيد بعث إلى على " ع " ان ابعث إلى بعطائي فوالله انك لتعلم انك وكنت في فم أسد لدخلت معك، فكتب إليه ان هذا المال لمن جاهد عليه ولكن لي مالا بالمدينة فأصب منه ما شئت. وروى الكشي باسناده عن سلمة بن مخور عن أبي جعفر " ع " قال الا أخبركم باهل الوقوف لنا قلت بلى قال أسامة بن زيد وقد رجع فلا تقولوا الا خيرا. قال العلامة الحلي: طريقه ضعيف والأولى عندي التوقف في روايته.
445 وروى أن عمر فرض لأسامة أكثر مما فرض لابنه عبد الله فقال له أتفضل على أسامة وهو مولى فقال كان أحب إلى رسول الله من أبيك وكان هو أحب إلى رسول الله منك. وحكى المسعودي في (مروج الذهب) قال تنازع أسامة بن زيد وعمرو ابن عثمان إلى معاوية في أرض فقام مروان بن الحكم فجلس إلى جانب عمرو وقام الحسن بن علي فجلس إلى جانب أسامة وقام سعيد بن العاص فجلس إلى جانب مروان فقام الحسين بن علي فجلس إلى جانب أخيه الحسن وقام عبد الله بن عامر فجلس إلى جانب سعيد بن العاص فقام عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وجلس إلى جانب الحسين فقام عبد الرحمن بن الحكم فجلس إلى جانب عبد الله بن عامر فقام عبد الله بن العباس فجلس إلى جانب عبد الله بن جعفر فلما رأى ذلك معاوية قال لا تعجلوا انا كنت شاهدا إذا أقطعها رسول الله لأسامة فقام الهاشميون فخرجوا واقبل الأمويون فقيل الا أصلحت بينهما فقال دعوني فوالله ما ذكرت عيونهم تحت المغافر بصفين الا لبس على عقلي. وعن عمرو بن دينار قال دخل الحسين بن علي " ع " على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول وا غماه فقال له الحسين " ع " وما غمك يا أخي قال ديني وهو ستون ألف درهم فقال الحسين " ع " هو على قال انى أخشى ان أموت فقال الحسين لن تموت حتى أقضيها عنك قال فقضاها قبل موته. وروى الكشي باسناده عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر " ع " قال إن الحسن بن علي " ع " كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبره (وصوابه) الحسين بن علي، لان الحسين بن علي " ع " توفى سنة تسع وأربعين أو خمسين. ومات أسامة بن زيد سنة أربع وخمسين خلاف في ذلك فتعين ان يكون المكفن له الحسين عليه السلام والله أعلم.
446 (أبو ليلى الأنصاري) اختلف في أسمه فقيل بلال وقيل بليل بالتصغير وقيل داود وقيل يسار بالمثناة من تحت والسين والراء المهملتين وقيل أوس بن داود بن بلال بن أحيحة ابن الجلاح أحد الصحابة المشهورين شهدا حدا وما بعدها. قال البرقي كان من أصحاب أمير المؤمنين " ع " من الأصفياء. قال القاضي ابن خلكان شهد وقعة الجمل وكانت راية على " ع " معه. وقال الذهبي قتل بصفين له دار بالكوفة، روى عنه ابنه عبد الرحمن وسيأتي ذكره في الطبقة الثاني إن شاء الله وأحيحة بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح الحاء الثانية وبعدها هاء والجلاح بضم الجيم وبعد اللام الف وحاء والله أعلم. (زيد بن أرقم بن زيد بن قيس الأنصاري) الخزرجي صحابي مشهور أول مشاهده والخندق ثم شهد ما بعده وهو الذي رفع إلى رسول الله عن عبد الله بن أبي سلول قوله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فكذبه عبد الله بن أبي وحلف فأنزل الله تعالى تصديق زيد بن أرقم. وكان من خبر ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره من أهل السير ان رسول الله صلى الله عليه وآله بلغه ان بنى المصطلق مجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية زوج النبي فلما سمع رسول الله بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله تعالى بنى المصطلق وقتل من قتل منهم ونقل رسول الله صلى الله عليه وآله أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءها عليه فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بنى غفار يقال لها جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبرة الجهني حليف بنى عوف
447 ابن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين وأعان جهجاه الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال وكان فقيرا وغضب عبد الله بن أبي سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث السن فقال ابن أبي أفعلوها قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك اما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله ثم أقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتموه بأنفسكم أحللتموا بلادكم وقاسمتموهم أموالكم اما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولتحولوا إلى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فقال زيد بن أرقم أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد في عز من الرحمن ومودة من المسلمين فقال عبد الله بن أبي اسكت فإنما كنت ألعب فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله وذلك بعد فراغه من الغزو فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال دعني اضرب عنقه يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال كيف يا عمر إذا يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه ولكن اذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يرتحل فيها فارتحل الناس وأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عبد الله بن أبي فاتاه فقال أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني فقال عبد الله والذي انزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وان زيدا لكاذب وكان عبد الله في قومه شريفا عظيما فقال من حضر من الأنصار من أصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وآله عسى ان يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبي وفشت الملامة في الأنصار لزيد وكذبوه وقال له عمه وكان زيد معه ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وآله والناس ومقتوك وكان يساير النبي فاستحى بعد ذلك أن يدنوا من النبي فلما استقبل رسول الله وسار لقيه أسيد بن خضير فحياه بتحية النبوة ثم قال يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت لتروح فيها
448 فقال له رسول الله أو ما بلغكم ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي قال وما قال؟ فقال صلى الله عليه وآله زعم أنه ان رجع إلى المدينة اخرج الأعز منها الأذل، فقال أسيد فأنت والله تخرجه ان شئت هو والله الذليل وأنت العزيز قال يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاء الله بك وان قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى إنك استلبته ملكا وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله انه بلغني انك تريد قتل عبد الله بن أبي لما بلغك عنه فان كنت فاعلا فمرني به وانا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه منى وإني أخشى ان تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي ان أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشى في الناس فاقتله مؤمنا بكافر فادخل النار فقال رسول الله بل ترفق به وتحسن صحبته ما بقى معنا قالوا وسار رسول الله يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يكن ان وجد وأمس الأرض وقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز فويق البقيع يقال له نقعاء فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوفوها وضلت ناقة النبي وذلك ليلا فقال رسول الله لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفى بالمدينة قيل من هو؟ قال رفاعة بن زيد بن التابوت فقال رجل من المنافقين كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته الا يخبره الذي يأتيه بالوحي فاتاه جبرئيل " ع " فأخبره يقول المنافق وبمكان الناقة فأخبر بذلك رسول الله أصحابه وقال ما أزعم انى أعلم الغيب وما أعلمه ولكن الله أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فإذا هي كما قال صلى الله عليه وآله فجاءوا بها وآمن ذلك المنافق فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة ابن زيد بن التابوت قد مات ذلك اليوم وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين فلما وافى رسول الله المدينة قال زيد بن أرقم جلست في البيت لما بي من الهم والحياء
449 فأنزل الله تعالى سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله بن أبي فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله باذن زيد وقال يا زيد ان الله تعالى قد صدقك وأوفى باذنك وكان عبد الله بن أبي بقرب المدينة فلما أراد ان يدخلها جاء ابنه عبد الله ابن عبد الله حتى أناخ على مجامع طرق المدينة فلما جائه عبد الله بن أبي قال وراءك قال مالك ويلك قال لا والله لا تدخلها ابدا الا ان يأذن رسول الله ولتعلمن اليوم من الأعز ومن الأذل فشكى عبد الله إلى رسول الله ما صنع ابنه فأرسل إليه رسول الله ان خل عنه حتى يدخل فقال أما إذا جاء أمر رسول الله فنعم فدخل فلم يلبث الا أياما قلائل حتى اشتكى ومات قالوا فلما نزلت الآية (وبان كذب عبد الله بن أبي) قيل له يا أبا حباب قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمرتموني ان أؤمن فآمنت وأمرتموني ان أعطي زكاة مالي فأعطيت فما بقى الا ان سجد لمحمد فأنزل الله تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤسهم) الآية. قال أبو عمرو بن عبد البر في كتاب (الاستيعاب) سكن زيد بن أرقم الكوفة وبنى دارا في بنى كندة وشهد مع علي " ع " صفين وهو معدود في خاصته. وروى الكشي عن الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام. وروى أن النبي صلى الله عليه وآله عاد زيد بن أرقم من مرض كان به فقال له ليس عليك بأس ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت فقال احتسب واصبر قال تدخل الجنة بغير حساب. وعن أبي إسرائيل عن الحكم عن سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم قال نشد علي بن أبي طالب الناس في المسجد فقال أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقام اثنا عشر بدريا ستة من الجانب الأيسر وستة من الجانب الأيمن فشهدوا بذلك قال
450 زيد بن أرقم وكنت فيمن سمع ذلك فكتمته فذهب الله ببصري وكان يتندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر. وروى مسلم في صحيحه باسناده إلى يزيد بن حبان قال انطلقت انا وحسين ابن شبره وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال حسين لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت معه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله قال يا بن أخي والله لقد كبرت سنى وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله فما حدثتكم فاقبلوه وما لا أحدثكم فلا تكلفونيه ثم قال قام فينا رسول الله يوما خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال اما بعد: أيها الناس إنما انا بشير يوشك ان يأتيني رسول ربى فأجيب وانا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال حسين ومن أهل بيته يا زيد أليس نسائه من أهل بيته فقال نسائه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. وفى رواية أخرى فقلنا من أهل بيته نسائه فقال لا أيم الله ان المرأة تكون مع الرجل العصر ثم الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أهلها وقومها، أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. وروى ابن ديزيل في كتاب (صفين) قال حدثنا يحيى بن زكريا قال حدثنا علي بن القاسم عن سعد بن طارق عن عثمان بن القاسم عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الا أدلكم على ما ان تسالمتم عليه لم تهلكوا إن وليكم الله وإمامكم علي بن أبي طالب " ع " فناصحوه وصدقوه فإن جبرئيل " ع " أخبرني بذلك. وذكر الشيخ المفيد (ره) في كتاب (الإرشاد) انه لما وصل رأس الحسين ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله ومعه بنات الحسين " ع " وأهله جلس ابن
451 زياد في قصر الامارة وأذن للناس إذنا عاما وأمر باحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسم وبيده قضيب يضرب به ثناياه " ع " وكان إلى جانبه زيد ابن أرقم صاحب رسول الله وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال أرفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (ص) عليهما ما لا أحصيه كثرة يقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك أتبكي لفتح الله لولا إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله. وعن زيد بن أرقم إنه قال مر برأس الحسين " ع " وهو على رمح وانا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ أم حسبت ان أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا فقف والله شعري وناديت رأسك والله يا بن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب. وتوفى زيد بن أرقم سنة ست أو ثمان وستين والله أعلم. (البراء بن عازب بن الحرث بن عدي الأنصاري الأوسي) يكنى أبا عامر صحابي ابن صحابي استصغر يوم بدر وشهد أحدا وكان من أصحاب أمير المؤمنين " ع ". قال أبو عمرو بن عبد البر في كتاب الاستيعاب شهد مع علي " ع " الجمل وصفين والنهروان ثم نزل الكوفة ومات بها أيام مصعب بن الزبير. وقال العلامة الحلي (ره) البراء بن عازب مشكور بعد إذ اصابته دعوة أمير المؤمنين " ع " في كتمان حديث غدير خم وروى الكشي باسناده عن أبي جعفر وأبى عبد الله " ع " ان أمير المؤمنين قال للبراء بن عازب كيف وجدت هذا الدين قال كنا بمنزلة اليهود قبل ان نتبعك تخف علينا العبادة فلما اتبعناك ووقع حقائق الايمان في قلوبنا وجدنا العبادة قد تناقلت في أجسادنا قال أمير المؤمنين فمن ثم يحشر الناس يوم القيامة في صور الحمير
452 وتحشرون فرادى يؤخذ بكم إلى الجنة ثم قال أبو عبد الله ما بدا لكم ما من أحد يوم القيامة إلا وهو يعوي عوي البهائم ثم إن استشهدوا لنا واستغفروا فنعرض عنهم فما هم بمفلحين. قال أبو عمرو الكشي هذا بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنين " ع " فيما روى من جهة العامة. روى عبد الله بن إبراهيم قال حدثنا أبو مريم الأنصاري عن المنهال ابن عمر عن ابن حبيش قال خرج علي بن أبي طالب " ع " من القصر فاستقبلإ ركبان متقلدون بالسيوف عليهم العمائم فقالوا السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته السلام عليك يا مولانا فقال على " ع " من هيهنا من أصحاب رسول الله فقام خالد بن زيد أبو أيوب وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وقيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل بن ورقاء فشهدوا جميعا انهم سمعوا رسول الله يوم غدير خم قال من كنت مولاه فعلى مولاه فقال على " ع " لأنس بن مالك والبراء من عازب ما منعكما ان تقوما فتشهدا فقد سمعتما كما سمع القوم قال " ع " اللهم ان كانا كتماها معاندة فابتلهما فعمي البراء بن عازب وبرص قدما أنس بن مالك فحلف أنس بن مالك ان لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب " ع " ولا فضلا ابدا واما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله فيقال هو في موضع كذا وكذا فيقول كيف يرشد من أصابته الدعوة وروى الشيخ المفيدة (ره) في كتاب (الإرشاد) عن إسماعيل بن صبيح عن يحيى بن المساور العايد عن إسماعيل بن زياد قال إن عليا " ع " قال للبراء بن عازب ذات يوم يا براء يقتل ابني الحسين " ع " وأنت حي لا تنصره فلما قتل الحسين كان البراء يقول صدق والله علي بن أبي طالب قتل الحسين ولم أنصره ثم يظهر الحسرة على ذلك والندم. وروى بعض الأصحاب عن إسحاق بن جعفر عن سليمان بن مهران الأعمش
453 قال شهد عندي عشرة نفر من خيار التابعين ان البراء بن عازب قال انى لأتبرء ممن تقدم على علي بن أبي طالب وانا برئ منهم في الدنيا والآخرة. وروى أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة قال حدثني المغيرة بن محمد المهدى من حفظه وعمر بن شبة من كتابه باسناده رفعه إلى أبى سعيد الخدري قال سمعت البراء بن عازب يقول لم أزل لبني هاشم محبا فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله تخوفت ان تتمالأ قريش على إخراج هذا الامر من بنى هاشم فأخذني ما يأخذ الواله العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله وانا في الحجرة أتفقد وجوه قريش فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر وإذا قائل يقول في سقيفة بنى ساعدة وإذا قائل آخر يقول قد بويع أبو بكر فلم البث وإذا انا بابى بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وغيرهم وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبى بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى فأنكرت عقلي وخرجت اشتد حتى انتهيت إلى بنى هاشم والباب مغلق فضربت عليهم الباب ضربا شديدا عنيفا وقلت قد بويع لأبي بكر بن أبي قحافة فقال العباس تربت أيديكم إلى آخر الدهر اما انى قد أمرتكم فعصيتموني فمكثت أكابد ما بنفسي فلما كان بليل خرجت إلى المسجد فلما صرت فيه تذكرت إني كنت اسمع همهمة رسول الله بالقرآن فامتنعت من مكاني فخرجت إلى الفضاء فضاء بنى بياضة واجد نفرا يتناجون فلما دنوت منهم سكتوا فلما رأيتهم سكتوا انصرفت عنهم فعرفوني وما عرفتهم فدعوني إليهم فأتيتهم فأجد المقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسي وأبا ذر الغفاري وحذيفة وأبا الهيثم بن التيهان وإذا حذيفة يقول لهم والله ليكونن ما أخبرتكم به والله ما كذبت ولا كذبت وإذا القوم يريدون ان يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين ثم قال ائتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت قال فانطلقنا إلى أبى فضربنا عليه بابه حتى صار خلف الباب قال من أنتم فكلمه المقداد فقال ما حاجتكم فقال له
454 افتح عليك بابك فان الأمر أعظم من أن يجرى من وراء حجاب قال ما انا بفاتح بابى وقد عرفت ما جئتم له كأنكم أردتم النظر في هذا العقد فقلنا نعم قال أفيكم حذيفة قلنا نعم قال فالقول ما قال والله ما افتح عنى بابى حتى يجرى ما هي عليه جارية ولما يكون بعدها شر منها والى الله المشتكى قال وبلغ الخبر أبا بكر وعمر فأرسلا إلى أبى عبيدة والمغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي فقال المغيرة ان تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيبا فيكون له ولعقبه فتقطعوا به من ناحية على ويكون لكم حجة عند الناس على على إذ مال معكم العباس فانطلقوا حتى دخلوا على العباس في الليلة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ذكر خطبة أبى بكر وكلام عمر وما أجابهما العباس به وقد ذكرناه فيما تقدم من هذا الكتاب في ترجمة العباس ابن عبد المطلب " ع " قال ابن حجر في التقريب مات البراء بن عازب سنة اثنين وسبعين.
455 تنبيه إلى هنا تنتهى الطبقة الأولى في الصحابة الكرام، وقد كان المؤلف رتب كتابه هذا على اثنتي عشرة طبقة. كما أشار إليه في أوله 1 - الصحابة 2 - التابعين 3 - المحدثين الذين رووا عن الأئمة الطاهرين 4 - علماء الدين 5 - الحكماء والمتكلمين 6 - علماء العربية 7 - السادة الصوفية 8 - الملوك والسلاطين 9 - الأمراء 10 - النوادر 11 - الشعراء 12 - النساء. وقد أنجز من الكتاب الطبقة الأولى في الصحابة وهو ما كمل طبعه، وقسما من الطبقة الرابعة، وقيلا من الطبقة الحادية عشرة، وهو ما سنثبته هنا بالتوالي المصحح
456 الطبقة الرابعة. (في بيان أحوال السيد أبى محمد الحسن الطبري) بسم الله الرحمن الرحيم الطبقة الرابعة من (الدرجات الرفيعة في طبقات الإمامية من الشيعة) في سائر العلماء من المحدثين والمفسرين والفقهاء وهي تشتمل على بابين: الباب الأول في بنى هاشم وساداتهم، من أكابر العلماء وأفاضل الفقهاء السيد أبو محمد الحسن بن حمزة بن علي بن عبيد الله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب " ع " الطبري يعرف بالمرعشي كان من أجلاء هذه الطائفة وفقهائها فاضلا دينا فقيها زاهدا ورعا عارفا أديبا. كثير المحاسن جم الفضائل روى عنه التلعكبري وكان سماعه منه أولا سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وله منه اجازة بجميع كتبه ورواياته. قال الشيخ الطوسي (ره): أخبرنا عنه جماعة منهم الحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدويه ومحمد بن محمد بن النعمان وكان سماعهم منه سنة أربع وخمسين
مما يوسف له إنا لم نظفر بالطبقة الثانية والثالثة من الكتاب رغم التتبع التام، وكل النسخ الموجودة في المكتبات وغيرها يعوزها هاتان الطبقتان وبقية الطبقات ما عدا هذا المقدار من الطبقة الرابعة والحادية عشر الذي نمثله للطبع ولعل التوفيق يساعدنا على الظفر ببقية الطبقات وطبعها في المستقبل. (الناشر) 457 وثلاثمائة. وقال النجاشي قدم بغداد ولقيه شيوخنا في سنة ست وخمسين وثلاثمائة وله تصانيف كثيرة. منها كتاب (المبسوط) وكتاب (المفتخر) وكتاب (الغنية) وكتاب (جامع) وكتاب (المرشد) وكتاب (الدر) وكتاب (تباشير الشيعة) وغير ذلك مات سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. (الشريف المرتضى) أبو القاسم علي بن أبي احمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب " ع " الملقب ذا المجدين علم الهدى (رض) كان أبوه النقيب أبو أحمد جليل القدر عظيم المنزلة في دولة بنى العباس ودولة بنى بويه ولقب بالطاهر ذي المناقب وخاطبه بهاء الدولة أبو نصر بالطاهر الأوحد وولى نقابة الطالبيين خمس دفعات ومات وهو يتقلدها بعد أن حالفته الأمراض وذهب بصبره وهو الذي كان السفير بين الخلفاء وبين الملوك من بنى بويه والامراء من بنى حمدان وغيرهم وكان مبارك الغرة ميمون النقيبة مهيبا نبيلا ما شرع في صلاح أمر فاسد الا وصلح على يديه وانتظم بحسن سفارته وبركة همته وصواب تدبيره ولاستعظام عضد الدولة أمره وامتلاء صدره وعينه به ما حمله على القبض عليه وحمله إلى القلعة بفارس فلم يزل بها إلى أن مات عضد الدولة فأطلقه شرف الدولة أبو الفوارس بن عضد الدولة واستصحبه في حملته حين قدم إلى بغداد وملك الحضرة. كان مولده في سنة أربع وثلاثمائة. وتوفى ليلة السبت لخمس بقين من جمادى الأولى في سنة أربعمائة وله سبع وتسعون سنة رحمه الله. واما والدة الشريف المرتضى فهي فاطمة بنت الحسين بن أحمد بن الحسن الناصر الأصم صاحب الديلم وهو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي
458 ابن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب " ع " وسيأتي ذكره في ترجمة ابنه أبى الحسن علي بن أبي محمد الناصر وهي أم أخيه أبى الحسن الرضى رحمه الله. وكان الشريف المرتضى (ره) أوحد زمانه فضلا وعلما وفقها وكلاما وحديثا وشعرا وخطابة وكرما وجاها إلى غير ذلك. قال ابن بسام الأندلسي في أواخر كتاب (الذخيرة) في وصفه كان هذا الشريف امام أئمة العراق بين الاختلاف والاتفاق إليه فزع علماؤها وعنه اخذ عظماؤها صاحب مدارسها وجماع شاردها وآنسها ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وحمدت في دين الله مأثوره وآثاره إلى تواليفه في الدين وتصانيفه في أحكام المسلمين ما يشهد انه فرع ذلك الأصل الأصيل ومن أهل ذلك البيت الجليل. ولد رحمه الله في رجب سنة (خمس وخمسين وثلاثمائة) وقرأ هو وأخوه الرضى على ابن نباتة صاحب الخطب الآتي ذكره وهما طفلان ثم قرا كلاهما على الشيخ المفيد أبى عبد الله محمد بن محمد بن النعمان. وكان المفيد (ره) رأى في منامه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين " ع " صغيرين فسلمتهما إليه وقالت له علمهما الفقه فانتبه متعجبا من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها على المرتضى ومحمد الرضى صغيرين فقام إليها وسلم عليها فقالت له أيها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقص عليها المنام وتولى تعليمهما وانعم الله عليهما وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقى الدهر. وذكر الشيخ الشهيد في أربعينه قال نقلت من خط الفاضل السيد العالم صفي الدين محمد بن محمد الموسوي (ره) في المشهد المقدس الكاظمي في سبب تسمية
459 الشريف المرتضى بعلم الهدى انه مرض الوزير أبو سعيد محمد بن آشين بن عبد الصمد سنة عشرين وأربعمائة فرأى في منامه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " وهو يقول له قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ فقال يا أمير المؤمنين ومن علم الهدى؟ فقال علي بن الحسين الموسوي فكتب الوزير إليه بذلك فقال المرتضى الله الله في أمرى فإن قبولي لهذا اللقب شناعة على فقال الوزير ما كتبت إليك إلا بما لقبك به جدك أمير المؤمنين " ع " فعلم القادر الخليفة بذلك فكتب إلى المرتضى تقبل يا علي بن الحسين ما لقبك به جدك أمير المؤمنين قال فقبل واسمع الناس. وكان رحمه الله نحيف الجسم حسن الصورة. وكان يدرس في علوم كثيرة ويجرى على تلامذته رزقا فكان للشيخ أبى جعفر الطوسي (ره) أيام قرائته عليه كل شهر أثنى عشر دينارا وللقاضي ابن البراج كل شهر ثمانية دنانير وأصاب الناس في بعض السنين قحط شديد فاحتال رجل يهودي على تحصيل قوت يحفظ به نفسه فحضر يوما مجلس المرتضى وسأله ان يأذن له في أن يقرأ عليه شيئا من علم النجوم فأذن له وأمره له بجراية تجرى عليه كل يوم فقرأ عليه برهة ثم أسلم على يديه. وكان قد وقف قرية على كاغذ الفقهاء. وكان يلقب بالثمانيني لأنه أحرز من كل شئ ثمانين حتى أن مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر وتولى نقابة النقباء وأمارة الحاج والمظالم بعد وفاة أخيه الرضى أبى الحسن (ره) وهو منصب والدهما. قال أبو الحسن العمرى اجتمعت بالشريف المرتضى سنة خمس وعشرين وأربعمائة ببغداد فرأيته فصيح اللسان يتوقد ذكاء. وحضر مجلسه أبو العلاء المعرى ذات يوم فجرى ذكر أبى الطيب المتنبي فنقصه الشريف المرتضى وعاب بعض أشعاره فقال أبو العلاء المعرى لو لم يكن لأبي الطيب قوله:
460 (لك يا منازل في القلوب منازل) لكفاه. فغضب الشريف وأمر بالمعري فنحب وأخرج فتعجب الحاضرون من ذلك فقال لهم الشريف أعلمتم ما أراد الأعمى إنما أراد قوله: وإذا أتتك مذمتي من ناقص * فهي الشهادة لي بأني كامل وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي ان أبا الحسن على ابن محمد بن علي بن سلك الغالي الأديب كانت له نسخة من كتاب (الجمهرة) لابن دريد في غاية الجودة فدعته الحاجة إلى بيعها فاشتراها الشريف المرتضى بستين دينار فتصفحها فوجد فيها أبياتا بخط بايعها أبى الحسن الغالي وهي أنست بها عشرين حولا وبعتها * لقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظني انني سأبيعا * ولو خلدتني في السجون ديوني ولكن بضعف وافتقار وصبية * صغار عليهم تستهل عيوني فقلت ولم أملك سوابق عبرة * مقالة مكوي الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أم مالك * كرائم من رب بهن ضنين فرد عليه النسخة وسمح له بالثمن. وحكى عن الشريف المرتضى (ره) انه كان جالسا في مجلية له تشرف على الطريق فمر به ابن المطرز الشاعر يجر نعلا له بالية وهي تثير الغبار فامر باحضاره وقال له أنشدني أبياتك التي تقول منها: إذا لم تبلغي إليكم ركائبي * فلا وردت ماء ولا رعت العشبا فأنشده إياها فلما انتهى إلى هذا البيت أشار الشريف إلى نعله البالية وقال هذه كانت من ركائبك فأطرق ابن المطرز ساعة ثم قال لما عادت هبات سيدنا الشريف إلى مثل قوله: وخذا النوم من جفوني فإني * قد خلعت الكرى على العشاق عادت ركائني إلى مثل ما يرى فإنه خلع ما لا يملك على من لا يقبل
461 فاستحى الشريف ووصله. قال المؤلف عفا الله عنه: ابن مطرز المذكور هو أبو القاسم عبد الواحد ابن محمد الشاعر ذكره الثعالبي في ذيل اليتيمة وأنشد له وهو من جيد الشعر: سرى مغرما بالعيس ينتجع الركبا * يسائل عن بدر الدجى الشرق والغربا إذا لم تبلغني إليكم ركائني * فلا وردت ماء ولا رعت العشبا على عذبات الجزع من ماء تغلب * غزال يرى ماء العيون له شربا إذا ملأ البدر العيون فإنه * لعينك بدر يملأ العين والقلبا وأورد له شعرا كثيرا أغلبه جيد حسن وأما بيت الشريف المرتضى الذي أشار إليه ابن المطرز فهو من أبيات مشهورة له رضي الله عنه وهي: يا خليلي من ذؤابة قيس * في التصابي رياضة الأخلاق عللاني بذكرها تطرباني * واسقياني دمعي بكأس دهاق وخذا النوم من جفوني فإني * قد خلعت الكرى على العشاق وملح سيدنا الشريف المرتضى (ره) محاسنه كثيرة جدا. وذكر أبو القاسم بن فهد الهاشمي في تاريخه إتحاف الورى باخبار أم القرى في حوادث سنة تسع وثمانين وثلاثمائة. قال فيها حج الشريف المرتضى والرضى فاعتقلهما في أثناء الطريق ابن الجراح الطائي فأعطياه تسعة آلاف دينار من أموالهما. وللشريف المرتضى مصنفات كثيرة منها: كتاب (الشافي) في الإمامة وهو كتاب لم يصنف مثله في الأصول. وكتاب (الذخيرة) وكتاب (جمل العلم والعمل) وكتاب (تنزيه الأنبياء) وكتاب (الصرفة) وكتاب (الذريعة في الأصول) وكتاب (الغرر والدرر) وكتاب (المقنع في الغيبة) وكتاب (الخلاف في أصول الفقه) وكتاب (الملخص في أصول الدين) وكتاب (الانتصار) وكتاب (الشيب والشباب) وكتاب
462 (الطيف والخيال) وكتب أخرى في المسائل وغير ذلك: وديوان شعره يزيد على عشرين الف بيت. وذكر أبو القاسم التنوخي صاحب الشريف قال حصرنا كتبه فوجدناها ثمانين الف مجلد من مصنفاته ومحفوظاته ومفرداته. وقال الثعالبي في كتاب (اليتيمة) انها قومت بثلاثين ألف دينار بعد أن أهدى إلى الرؤساء والوزراء منها شطرا عظيما. وكانت وفاته لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة وصلى عليه ابنه أبو جعفر محمد وتولى غسله أبو الحسين أحمد بن الحسين النجاشي ومعه الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري وسلار بن عبد العزيز الديلمي ودفن أولا في داره ثم نقل منها إلى جوار جده الحسين " ع " فدفن في مشهده مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة قدس الله أرواحهم الطاهرة، ولنورد الآن من منظوم كلامه الرفيع الشأن ما يهزله السامع عطف الاستحسان فمن ذلك قوله من قصيدة قال الثعالبي وهو مما يسكر بلا شرب ويطرب بلا سماع. أحب ثرى نجد ونجد بعيدة * الا حبذا بحد وان لم تفد قربا يقولون نجد لست من شعب أهلها * وقد صدقوا لكنني منهم حبا كأني وقد فارقت بحدا شقاوة * فتى ضل عنه قلبه ينشد القلبا وقوله في أخرى: ولقد زادني عشية جمع * منكم زائر على الآكام بات أشهى إلى الجفون وأحلى * في منامي غب السرى من منامي كدت لما حللت بين تراقيه * حراما أحل من إحرامي وسقاني من ريقه فسقاني * من زلال مصفق بمدام صد عنى بالنزر أذانا يقظان * وأعطى كثيره في المنام والتقينا كما اشتهينا ولا عيب * سوى ان ذاك في الأحلام
463 وإذا كانت الملاقاة ليلا * فالليالي خير من الأيام وقوله من قصيدة طويلة: أترى يؤب لنا الأبيرق * والمنى للمرء شغل طلل لعزة لا يزال * على ثراه دم يطل قتلوا وما قتلوا وعند * هم لنا قود وعقل قل للذين على مواعدهم * لنا خلف ومطل كم ضامني من لا أضيم * وملني من لا أمل يا عاذلا لملامه * كل على سمعي وثقل ان كنت تأمر بالسلو * فقل لقلبي كيف يسلو قلبي رهين في الهوى * ان كان قلبك منه يخلو ولقد علمت على الهوى * ان الهوى سقم وذل وتعجبت جمل لشيب * مفارقي وتشيب جمل ورأت بياضا في سواد * ما رأته هناك قبل كذبالة رفعت على * الهضبات للسارين ضلوا لا تنكريه سويب غيرك * فهو للجهلات غل وله قدس الله سره: مولاي يا بدر كل داجية * خذ بيدي قد وقعت في اللجج حسنك ما تنقضي عجائبه * كالبحر حدث عنه بلا حرج بحق من خط عارضيك ومن * سلط سلطانها على المهج مد يديك الكريمتين معا * ثم ادع لي من هواك بالفرج وقوله: ولما تفرقنا كما شاءت النوى * تبين ود خالص وتودد كأني وقد سار الخليط عشية * أخو جنة مما أقوم واقعد
464 وله من قصيدة: ألا يا نسيم الريح من أرض بابل * تحمل إلى أهل الخيام سلامي وقل لحبيب فيك بعض نسيمة * اما آن ان تسطيع رجع كلامي رضيت ولولا ما علمتم من الجوى * لما كنت أرضى منكم بلمام وإني لأرضى ان كون بأرضكم * على انني منها استفدت سقامي وقوله: بيني وبين عواذلي * في الحب أطراز الرماح انا خارجي في الهوى * لا حكم إلا للملاح وقوله: قل لمن خده من اللحظ دام * رق لي من جوانح فيك تدمى يا سقيم الجفون من غير سقم * لا تلمني ان مت منهن سقما انا خاطرت في هواك بقلب * ركب البحر فيك اما واما وقوله من قصيدة: قل لمعز بالصبر وهو خلى * وجميل العذول ليس جميلا ما جهلنا ان السلو مريح * لو وجدنا إلى السلو سبيلا وقوله من مقطوع في الشيب: يقولون لا تجزع من الشيب ضلة * وأسهمه إياي دونهم تهمي وقالوا اتاه الشيب بالحلم والحجى * فقلت بما يبري ويعرف من لحمي وما سرني حلم يفئ إلى الردى * كفاتي ما قبل المشيب من الحلم إذا كان يعطيني من الحزم سالبا * حياتي فقل لي كيف ينفعني حزمي وقد جربت نفسي الغداة وقاره * فما شد من وهني ولا سد من ثلمي وإني مذ أضحى عذارى قراره * أعاد بلا سقم وأجفى بلا جرم وسيان بعد الشيب عند جنائي * وقفن عليه أم وقفن على رسمي
465 وفى هذا المقدار من محاسن شعره كفاية إذ كان جميعا ليس له نهاية. (الشريف الرضى) أبو الحسن محمد بن أبي احمد الحسين بن موسى الموسوي أخو الشريف المرتضى المذكور قبله. كان يلقب بالرضى ذي الحسبين لقبه بذلك الملك بهاء الدولة وكان يخاطبه بالشريف الأجل. مولده سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ببغداد. كان فاضلا عالما شاعرا مبرزا. ذكره الثعالبي في اليتيمة فقال: أبتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز العشر سنين بقليل وهو اليوم أبرع أبناء الزمان وانجب سادات العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق وسيشهد بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذي يجمع إلى السلامة متانة والى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها، كان أبوه يتولى نقابة الطالبين والحكم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحج بالناس ثم ردت هذه الأعمال كلها إليه في سنة ثمانين وثلاثمائة وأبوه حي. وذكره أبو الحسن الباخرزي في دمية القصر فقال: له صدر الوسادة بين الأئمة والسادة وانا إذا مدحته كنت كمن قال لذكاء ما أنورك ولخضاره ما أغزرك وله شعر إذا أفتخر به أدرك به من المجد أقاصيه وعقد بالنجم نواصيه وإذا نسب انتسبت الرقة إلى نسيبه وفاز بالقدح المعلى من نصيبه حتى إذا أنشده الراوي بين يدي الغرهات قال له من الغرهات وإذا وصف فكلامه في الأوصاف أحسن من الوصائف الوصاف وان مدح تحيرت الأوهام بين مادح وممدوح له بين
466 المتراهنين في الحلبة سبق سابح مروح وان نثر حمدت منه الأثر ورأيت هناك خرزات من العقد نفض وقطرات من المزن ترفض ولعمري ان بغداد قد أنجبت به فبوأته ظلالها وأرضعته زلالها وأنشقته شمالها وورد شعره دجلتها فشرب منها حتى شرق وانغمس فيها حتى كاد ان يقال غرق وهو وأخوه في دوحة السيادة ثمران وفى فلك الرياسة قمران وأدب الرضى إذا قرن بعلم المرتضى كان فر ندا في متن الصارم المنتضى. قال الخطيب في تاريخ بغداد: سمعت أبا عبد الله الكاتب بحضرة أبى الحسن ابن محفوظ وكان أوحد الرؤساء قال سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون الرضى أشعر قريش فقال ابن محفوظ هذا صحيح وقد كان في قريش من يجيد القول الا ان شعره قليل فاما مجيد ومكثر فليس إلا الرضى. وكان الرضى قد حفظ القرآن بعد أن جاوز الثلاثين سنة في مدة يسيرة وكان عارفا بالفقه والفرائض معرفة قوية، وأما اللغة والعربية فكان فيهما إماما وله من التصانيف كتاب (المتشابه في القرآن) وكتاب (حقائق التنزيل) وكتاب (تفسير القرآن) وكتاب (مجازات الآثار النبوية) وكتاب (تعليق خلاف الفقهاء) وكتاب (تعليقة الايضاح لأبي على) وكتاب (خصائص الأئمة) وكتاب (نهج البلاغة) وكتاب (تلخيص البيان في مجازات القرآن) وكتاب (الزيادات في شعر أبى تمام) وكتاب (سيرة والده الطاهر) وكتاب (انتخاب شعر ابن الحجاج) وكتاب (مختار شعر أبى إسحاق الصابي) وكتاب (ما دار بينه وبين أبى إسحاق من الرسائل ثلاث مجلدات) وكتاب (ديوان شعره) يدخل في أربع مجلدات. قال أبو الحسن العمرى رأيت تفسيره للقرآن فرأيته من أحسن التفاسير يكون في كبر تفسير أبى جعفر الطوسي أو أكبر وكانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة وهو أول طالبي جعل عليه السواد.
467 وكان عالي الهمة شريف النفس لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة حتى أنه رد صلات أبيه. وناهيك بذلك شرف نفس وشدة صلف واما الملوك من بنى بويه فإنهم اجتهدوا على قبوله صلاتهم فلم يقبل وكان يرضى بالاكرام وصيانة الجانب واعزاز الاتباع والأصحاب. وذكر الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في التاريخ في وفاة الشيخ أبى إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطير بي الفقيه المالكي قال كان شيخ الشهود المعدولين ببغداد ومتقدمهم وكان كريما مفضلا على أهل العلم وقرأ عليه الشريف الرضى القرآن وهو شاب حدث فقال يوما من الأيام للشريف أين مقامك؟ قال في دار أبى بباب محول فقال مثلك لا يقيم بدار أبيه قد نحلتك داري بالكرخ المعروفة بدار البركة فامتنع الرضى من قبولها وقال له لم أقبل من أبى قط شيئا فقال إن حقي عليك أعظم من حق أبيك عليك لأني حفظتك كتاب الله فقبلها وكان يلتهب ذكاء وحدة ذهن من صغره. ذكر أبو الفتح ابن جنى في بعض مجاميعه قال أحضر الرضى إلى ابن السيرافي النحوي وهو طفل جدا لم يبلغ عمره عشر سنين فلقنه النحو وقعد عنده يوما في الحلقة فذاكره شيئا من الاعراب على عادة التعليم فقال له إذا قلنا رأيت عمرا فما علامة النصب في عمر فقال له الرضى بغض على " ع " فتعجب السيرافي والحاضرون من حدة خاطره وحكى أبو الحسن العمرى قال دخلت على الشريف المرتضى فأراني الأبيات قد عملها وهي: سرى طيف سعدى طارقا فاستفزني * هبوبا وصحبي في الفلاة هجود فلما انتهينا للخيال الذي سرى * إذ الدار قفرى والمزار بعيد فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي * لعل خيالا طارقا سيعود فخرجت من عنده ودخلت على أخيه الرضى (رض) فعرضت عليه
468 الأبيات فقال بديها: فردت جوابا والدموع بوادر * وقد آن للشمل المشتت ورود فهيهات من لقيا حبيب تعرضت * لنا دون لقياه مهامه بيد فعدت إلى المرتضى بالخبر فقال يعز علي أخي قتله الذكاء فما كان إلا يسيرا حتى مضى لسبيله. وذكر أبو الحسين بن الصابي وابنه غرس النعمة في تاريخهما ان القادر بالله عقد مجلسا أحضر فيه الطاهر أبا احمد الموسوي وابنه أبا القاسم المرتضى وجماعة من القضاة والشهود وابرز لهم أبيات الرضى أبى الحسن رضي الله عنه التي أولها. ما مقامي على الهوان وعندي * مقول صارم وأنف حمى وإباء محلق بي عن الضيم * كما راع طائرا وحى أي عذر له إلى المجد إذ * ذل غلام في غمده المشرفي أحمل الضيم في بلاد الأعادي * وبمصر الخليفة العلوي من أبوه أبى ومولاه مولاي * إذا ضامني البعيد القصي لف عرقي بعرقه سيدا الناس * جميعا محمد وعلى ان ذلي بذلك الجو عز * وأوامي بذلك الصقع ري قد يذل العزيز ما لم يشمر * لانطلاق وقد يضام الأبي ان شرا على اسراع عزمي * في طلاب العلى وحظي بطي أرضى بالأذى ولم يقف * العزم قصورا ولم تعز المطي تاركا أسرتي رجوعا إلى * حيث غديري قذى رعى وبي كالذي يخبط الظلام وقد * أقمر من خلفه النهار المضي وقال الحاجب عن لسان الخليفة للنقيب أبى احمد قل لولدك محمد أي هوان قد أقام عليه عندنا وأي ذل أصابه في ملكنا وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضى إليه أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا، ألم نوله النقابة؟ ألم نوله المظالم؟ ألم
469 نستخلفه على الحرمين والحجاز وجعلناه أمير الحجيج؟ فهل يحصل له من صاحب مصر أكثر من هذا؟ ما نظنه يكون لو حصل عنده إلا واحدا من أفناء الطالبيين بمصر فقال النقيب أبو أحمد اما هذا الشعر فمما لم نسمعه منه ولا رأيناه بخطه ولا يبعد ان يكون بعض أعدائه نحله إياه وعزاه إليه فقال القادر ان كان كذلك فليكتب محضر يتضمن القدح في أنساب ولاة مصر ويكتب محمد خطه فيه فكتب محضر بذلك وشهد فيه جميع من حضر المجلس منهم النقيب أبو أحمد وابنه المرتضى وحمل المحضر إلى الرضى ليكتب خطه فيه حمله إليه أبوه وأخوه فامتنع من سطر خطه وقال لا اكتب وأخاف من دعاة مصر وأنكر الشعر وأقسم انه ليس بشعره وانه لا يعرفه فأجبره أبوه على أن يسطر خطه في المحضر فلم يفعل وقال أخاف دعاة المصر بين وغيلتهم لي فإنهم معروفون بذلك فقال له أبوه يا عجباه أتخاف من بينك وبينه ستمائة فرسخ ولا نخاف من بينك وبينه مائة ذراع وحلف ان لا يكلمه وكذلك المرتضى فعل ذلك تقية وخوفا من القادر وتسكينا له، ولما انتهى الأمر إلى القادر سكت على سوء أضمر له وبعد ذلك بأيام صرفه عن النقابة وكان الطائع لله أكثر ميلا إلى الرضي من القادر وكان هو أشد حبا وأكثر ولاء للطائع منه للقادر وهو القائل للقادر في قصيدته التي مدحه بها: عطفا أمير المؤمنين فإنا * في دوحة العلياء لا نتفرق ما بيننا يوم الفخار تفاوت * ابدا كلانا في المعالي معرق إلا الخلافة ميزتك فإنني * أنا عاطل منها وأنت مطوق فيقال ان القادر قال له على رغم أنف الشريف. وحضر يوما مجلس القادر فجعل يشم لحيته فقال القادر أظنك تشم منها رائحة الخلافة فقال لا بل رائحة النبوة فاهتز القادر لهذا الجواب. وكان الرضى لعلو همته وشرف نفسه تنازعه نفسه إلى الخلافة وكان ربما يحبس بذلك خاطره وينظمه في شعره ولا يجد من الدهر عليها مساعدة فيذوب
470 كمدا ويفنى وجدا حتى توفى رحمه الله ولم يبلغ غرضا فمن ذلك قوله: ما انا للعليا ان لم يكن * من ولدى ما كان من والدي وما مشت بي الخيل إن لم أطأ * سرير هذا الأغلب المساجد فإن أنلها فكما رمته * أولا فقد يكذبني رائدي والغاية الموت فما فكرتي * أسايقي أصبح أم قائدي وقوله يعنى نفسه. فيا عجبا مما يظن محمد * وللظن في بعض المواطن غرار يقدر ان الملك طوع يمينه * ومن دون ما يرجوا لمقدر أقدار له كل يوم منية وطماعة * ونبذ قريض بالأماني سيار لئن هو أعفي للخلافة لمة * لها طرر فوق الجبين واطرار وأبدى لنا وجها نقيا كأنه * وقد نقشت فيه العوارض دينار ورام العلى بالشعر والشعر دائبا * ففي الناس شعر خاملون وشعار وإني أرى زندا تواتر قدحه * ويوشك يوما ان تشب له نار وقوله مثل ذلك: هذا أمير المؤمنين محمد * كرمت مغارسه وطاب المولد أوما كفاك بان أمك فاطم * وأباك حيدرة وجدك احمد يمسي ومنزل ضيفه لا محتوى * كرما وبيت نضاره لا يقلد وفى شعره الكثير الواسع من هذا النمط. وكان إسحاق بن إبراهيم بن هلال الصابي صديقا له وكان يطمعه في الخلافة ويزعم أن طالعه يدل على ذلك وكتب إليه في هذا النمط: أبا حسن لي في الرجال فراسة * تعودت منها ان تقول فتصدقا وقد خبرتني عنك انك ماجد * سترقى من العلياء أبعد مرتقى فوفيتك التعظيم قبل أوانه * وقلت أطال الله للسيد البقا
471 وأضمرت منه لفظة لم أبح بها * إلى أن أرى اظهارها لي مطلقا فإن عشت أو ان مت فاذكر بشارتي * وأوجب بها حقا عليك محققا وكن لي في الأولاد والأهل حافظا * إذا ما اطمأن الجنب في مضجع البقا فأجابه الرضى بقصيدة طويلة يعده فيها بابلاغه أماله ان ساعده الدهر وتم المراد وأولها: سننت لهذا الرمح غربا مذلقا * وأجريت في ذا الهندواني رونقا وسومت ذا الطرف الجواد وانما * شرعت له نهجا فخب وأعنقا لئن برقت منى مخائل عارض * لعينيك تقضى ان يجود ويغدقا فليس بساق قبل ربعك مربعا * وليس براق قبل جوك مرتقى وحكى انه لما شاعت أبيات الصابي المذكورة أنكرها وقال إنما عملتها في أبى الحسن علي بن عبد العزيز كاتب الطائع بالله وما كان الامر كما ادعاه ولكنه خاف على نفسه. وحكى أبو إسحاق الصابي قال كنت عند الوزير أبو محمد المهدى ذات يوم فدخل الحاجب واستأذن للشريف المرتضى (رض) فأذن له فلما دخل قام إليه وأكرمه وأجلسه معه في دسته وأقبل عليه يحدثه حتى فرغ من حكايته ومهماته ثم قال فقام وودعه وخرج، فلم تكن ساعة حتى دخل الحاجب واستأذن للشريف الرضى وكان الوزير قد أبتدأ بكتابة رقعة فألقاها ثم قام كالمندهش حتى استقبله من دهليز الدار واخذ بيده وأعظمه وأجلسه في دسته ثم جلس بين يديه متواضعا وأقبل عليه بجميعه فلما خرج الرضى خرج معه وشيعه إلى الباب ثم رجع، فلما خف المجلس قلت أيأذن الوزير لي أعزه الله تعالى ان أسأله عن شئ قال نعم وكأنك تسأل عن زيادتي في أعظام الرضى على أخيه المرتضى والمرتضى أسن وأعلم؟ فقلت نعم أيد الله الوزير فقال إعلم انا أمرنا بحفر النهر الفلاني وللشريف المرتضى على ذلك النهر ضيعة فتوجه عليه من ذلك مقدار ستة عشر درهما أو
472 نحو ذلك فكاتبني بعدة رقاع يسأل في تخفيف ذلك المقدار عنه وأما أخوه الرضى فبلغني ذات يوم انه ولد له غلام فأرسلت إليه بطبق فيه ألف دينار فرده وقال قد علم الوزير إني لا أقبل من أحد شيئا فرددته وقلت انى إنما أرسلته للقوابل فرده ثانية وقال قد علم الوزير انا أهل بيت لا يطلع على أحوالنا قابلة غريبة وانما عجايزنا يتولين هذا الأمر من نسائنا ولسن ممن يأخذن أجرة ولا يقبلن صلة فرددته إليه وقلت يفرقه الشريف على ملازميه من طلبة العلم فلما جاءه الطبق وحوله الطلبة قال ها هم حضور فليأخذ كل أحد ما يريد فقام رجل واخذ دينارا فقرض من جانبه قطعة وأمسكها ورد الدينار إلى الطبق فسأله الشريف عن ذلك فقال إني احتجت إلى دهن السراج ليلة ولم يكن الخازن حاضرا فاقترضت من فلان البقال دهنا فأخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهنه وكان طلبة العلم الملازمون للشريف الرضى في دار قد اتخذها لهم سماها دار العلم وعين لهم فيها جميع ما يحتاجون إليه فلما سمع الرضى أمر في الحال ان يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد الطلبة ويدفع إلى كل منهم مفتاحا ليأخذ ما يحتاج إليه ولا ينتظر خازنا يعطيه ورد الطبق على هذه الصورة فكيف لا أعظم من هذه حاله ولذلك كان الرضى يقدم على المرتضى لمحله في نفوس العامة والخاصة وكان الرضى ينسب إلى الافراط في عقاب الجاني من أهله وله في ذلك حكايات. منها ان امرأة علوية شكت إليه زوجها وإنه يقامر بما يحصله من حرفة يعانيها وان له أطفالا وهو ذو عيلة وحاجة وشهد لها من حضر بالصدق فيما ذكرت فاستحضره الشريف وأمر به فبطح وأمر بضربه فضرب والمرأة تنتظر أن يكف والامر يزيد حتى جاوز ضربه مائة خشبة فصاحت المرأة وأيتم أولادي كيف تكون حالنا إذا مات هذا فقال لها الشريف ظننت انك تشكيه إلى المعلم. ورأيت في ديوانه انه بلغه عن قوم من أعدائه قالوا لبهاء الدولة قد جرت عاده الرضى بانشاده الخلفاء شعره وانه إنما يتكبر عليك في ترك الانشاد وكذبوا في
473 ذلك لأنه لم ينشد قط ممدوحا وهذه فضيلة تفرد فيها عن الشعراء فكتب بهذه الأبيات إليه مع قصيدة في كتاب: جناني شجاع ان مدحت وأنما * لساني إذا سيم النشيد جبان وما ضر قوالا أطاع جنانه * إذا خانه عند الملوك لسان ورب حيي في السلام وقلبه * وقاح إذا لف الجياد طعان ورب وقاح الوجه تحمل كفه * أنامل لم يقرع بهن عنان وفخر الفتى بالقول لا بنشيده * ويروى فلان مرة وفلان وحكى بعضهم قال أجتاز بعض الأدباء بدار الشريف الرضى ببغداد وهو لا يعرفها وقد أخنى عليها الزمان وذهبت بهجتها وخلقت ديباجتها وبقايا رسومها تشهد لها بالنظارة وحسن الشارة فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وطوارق الحدثان وتمثل بقول الشريف الرضى المذكور: ولقد وقفت على ربوعهم * وطلولها بيد البلا نهب فوقفت حتى ضج من لغب * نضوى ولج بعذلي الركب وتلفتت عيني فمذ خفيت * عنى الطلول تلفت القلب فمر به شخص وهو ينشد الأبيات فقال له هل تعرف هذه الدار لمن؟ فقال لا فقال هذه الدار لصاحب الأبيات الشريف الرضى فتعجب من حسن الاتفاق. ومثل هذه الحكاية ما ذكره الحريري في كتاب (درة الغواص في أوهام الخواص) وهو ما رواه ان عبيد بن شرية الجرهمي عاش ثلاثمائة سنة وأدرك الاسلام فأسلم فدخل على معاوية بن أبي سفيان بالشام وهو خليفة فقال حدثني بأعجب ما رأيت فقال مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتا لهم فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع فتمثلت بقول الشاعر: يا قلب إنك من أسماء مغرور * فاذكر وهل ينفعك اليوم تذكير قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد * حتى جرت لك اطلاقا محاضير
474 فلست تدرى وما تدرى أعاجلها * أدنى لرشدك أم ما فيه تأخير فاستقدر الله خيرا وارضين به * فبينما العسر إذ دارت مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبط * إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير يبكى الغريب عليه ليس يعرفه * وذو قرابته في الحي مسرور قال فقال لي رجل أتعرف من يقول هذا الشعر فقلت لا فقال إن قائله هو الذي دفناه الساعة وأنت الغريب تبكي عليه وهذا الذي خرج من قبره أمس الناس رحما به وأسرهم بموته فقال له معاوية لقد رأيت عجبا فمن الميت قال عشير ابن لبيد العذري. قال المؤلف عفا الله عنه ومع كثرة وجود ديوان الشريف الرضى (رض) فلا حاجة إلى الاكثار من شعره. ولنذكر نبذة من انشائه ومراسيله فإنه قليل الوجود فمن ذلك قوله فصل وأما فلان فما عندي إنك تقرب عرضه الا شاما صادقا وذائقا باصقا فاما ان تجعله لوكة لفيك وعرضة لقوافيك فتلك حال أرفعك عن الإسعاف إليها والرضا بها وأجل سهمك أن يصيب غير غرضه وحدك أن يطيق غير مفصله فما كل رمية يطرد فيها النبال ولا كل فريسة ينشب فيها الأظفار. (فصل) قد كاد الرسول يا أخي وسيدي أطال الله بقاك من كثرة الترداد تتظلم قدماه وكاد المرسل من امتداد الطرف لانتظاره تزور عيناه فلا تجعل للوم طريقا إليك ولا للعتاب متسلقا عليك وكن مع مواصلتك البا على مقاطعتك وأحمل لمفارقتك كثيرا على مباعدتك فأن ذلك أخصف لمعاقد العهود واعطف لتزلف القلوب. (فصل): ان رأى السيد الشريف أطال الله بقاه ان يلقى إلى طرفا من حال سلامته وما جدده الله تعالى من حسم شكايته فحرام على جبيني الهد وإذا بنا جنبه، ومحصن على عيني الرقاد إذا سهر طرفه لان النفس واحدة وان اقتسمها
475 جسمان واستهم فيها جسدان ولست أشك في هزيمة الداء ونقيصة الألم لما أجده من سكون النفس وطمأنينة القلب ولو كان غير ذلك لعلقت نفسي لعلق قسيمتها وتألمت مهجتي لألم مساهمتها والله يقيه ويقيني فيه الأسواء بمنه وقدرته إنشاء الله (فصل): وراودت نفسي في إنفاذ رسول إليه يسأله الحضور ثم أضربت عزيمة الرأي خوفا من إزعاجه في مثل هذا الوقت ولئلا ينسبني إلى نقض الشرائط وفسخ العهود اللوازم لأنه يشارطني في ليلة يومنا هذا في داره ولهذا كان عزمي في الانفاذ إليه بين رأيين جاذب إلى أمام وممسك لي وراء الجاذب يحضه الشوق ويحرضه النزاع إلى رؤيته فينجذب والممسك ينتبه الوفاء بعهده والمحافظة على وده فيقف هائبا والذي أمكنني عند غيبته إني حرمت القراءة على نظري وصرفت مستأذن الحديث عن دخول سمعي وفزعت إلى المضجع وإن كان نابيا لنبوة النوم وإن كان نائبا لنابه فإن رأى أدام الله عزه أن يجعل شخصه الكريم جوابا عن هذه الأحرف لينشر من نسائمي ما انطوى لفراقه ويطفي من جناني ما اضطرم من نار أشواقه فعل إن شاء الله. (فصل): وإن اتسق الأمر الذي إلى الله أرغب في تمامه وأسأل العون على لم شمله وتأليف نظامه كان فلان عندي في المنزلة التي ان أسرف منها وجد الناس جميعا تحته والمكان الذي إذا طمح فيه بطرفه لم ير أحدا من الرجال فوقه والله يعين على مشاطرته كرائم النعماء ويجعل الرشد مقرونا بصحبته في الدين والدنيا انه ولى ذلك والقادر عليه. (فصل): قرأت ما كتب به مولاي الأستاذ أطال الله بقاه وملكني الابتهاج مما وقفت عليه ممن علم خبره واقتسمتني أيد الارتياح لما أنسته به من دوام سلامته والله يقيه الهم ويكفيه الغم بمنه وقدرته. واما خبري فانا الآن في منزلة من العافية بعد أن كنت في نازلة من المنزلة وتحت ظل من السلامة بعد حصولي في هجير من عارض العلة ولله الحمد
476 على الابتلاء بالأول والأنعام بالآخر ولولا شغلي بما ذكرت وانغاسمي فيما وصفت لم أقنع نفسي بالتأخر عنه طول هذه المدة مع السرور الذي يهفوني إليه والجواذب التي تسرع بي نحوه والله يحرسه ويحرسني فيه بمنه إنه ولى ذلك والقادر عليه. (فصل): فأن رأى أطال الله مدته ان يجيبني إلى النسمة ويحتمل ما اقترحته فإنه أهل لنزول الحوائج به وموضع لتكاثر المسائل عليه فيما يسأل الا باذل ولا يحمل الا حامل فعل إنشاء الله. (فصل): أختلف ميعاد أو صدق بعاد أعيذك أطال الله بقاك من ذلك وعدتي إنك بصيرا لتصف فيه عن قولك أحشفا وسوء كيله والمعنى بجميع هذا وذا لي وأخلفت وأوعدتني إنك تجازيني على ما فعلته بالقطيعة وعادة الكريم انجاز الوعد وأخلاف الوعيد فإن لابد فالصدق ليتوارث الفعلان ويعتدل الامر ان ولا يكون الشر أغلب الطبيعتين عليك والخير أنقص الحظين عندك والذي أسألك أدام الله عزك أن تسرع النهضة إلى ولا تعجل الطلوع على إن شاء الله تعالى (فصل): لو شئت أطال الله بقال لا تشمت الخجل من قبيح ما ترتكبه وقعة بعد أخرى وانا دائب أتلاقاك بالصعب والذلول والدقيق والجليل وأستميلك استمالة النافر وأستعطفك استعطاف الشارد وأداريك مداراة الولد والوالد بل مداراة الناظر الرامد وأنت ماض على غلوائك في البعد وجار على شننك في القطيعة والهجر ولو رمت شرح جميع ما جرى منك لطال الكلام وكثر الخصام والآن فإن الذي أسألك أدام الله عزك ان تخرج من لباس الخلق الجافي وتشرع في غدير الود الصافي فإنه أولى بك وأشبه بمثلك. (فصل): إذا كان إنعام سيدنا الوزير أطال الله بقاه عريض الأكتاف بعيد الأقطار والأطراف ينال المحروم المرزوق سجله ويسع القاصي والداني فضله كان أحق من ضرب فيه بسهم وأخذ منه بنصيب وقسيم من سبقت منه
477 خدمة وتوكدت له حرمة وقد شمل أفضال سيدنا الوزير أدام الله عزه أشكالي وأمثالي من أهل هذا البيت وانا أعوذ بعامر فضله ان يعريني الزمان من ملابس طوله فإن رأى حرس الله مدته ان ينعم على بالتوقيع في معنى كيت وكيت فعل أن شاء الله. وكانت وفاته قدس الله روحه بكرة يوم الأحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والاشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ودفن في داره بمسجد الأنباريين بالكرخ ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد مولانا الكاظم موسى بن جعفر " ع " لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه وصلى عليه فخر الملك أبو غالب ومضى بنفسه آخر النهار إلى أخيه المرتضى إلى المشهد الشريف الكاظمي فالزمه بالعود إلى داره ثم نقل الرضى إلى مشهد الحسين بكربلاء فدفن عند أبيه. ورثاه أخوه المرتضى بقصيدة أولها: يا للرجال لفجعة جذمت يدي * ووددت لو ذهبت على برأسي ما زلت أحذر وردها حتى أتت * فحسوتها في بعض ما انا حاسي ومطلتها زمنا فلما صممت * لم يثنها مطلي وطول مكاسي لله عمرك من قصير طاهر * ولرب عمر طال بالأدناس ورثاه أيضا تلميذه مهيار بن مرزويه الكاتب بقصيدة لم أسمع في باب المراثي أبلغ منها وأولها: من جب غارب هاشم وسنامها * ولوى لويا واستزل مقامها وغزى قريشا بالبطاح فلفها * بيد وقوض عزها وخيامها وأناخ في مضر بكلكل خسفه * يستام فاحتملت له ما سامها من حل مكة فاستباح حريمها * والبيت يشهد واستحل حرامها ومضى بيثرب مزعجا ما شاء من * تلك القبور الطاهرات عظامها
478 يبكى النبي وليت هيج لفاطم * بالطف في أنبائها أيامها الدين ممنوع الحمى من راعه * والدار عالية البنا من رامها أتناكرت أيدي الرجال سيوفها * فاستسلمت أم أنكرت إسلامها أم غال ذا الحسبين حامى دورها * قدر أراح على العدو سهامها ومنها: بكر النعي من الرضى بمالك * غاياتها متعود اقدامها كلح الصباح بموته عن ليلة * فضحت على وجه الصباح ظلامها صدع الحمام صفات آل محمد * صدع الرداء به وحل نظامها بالفارس العلوي شق غبارها * والناطق العربي شق كلامها سلب العشيرة يومه مصباحها * مصلاحها عمالها علامها برهان حجتها التي بهرت به * أعدائها وتقدمت أعمامها النص مروي وكنت دلالة * مشهورة لما نصبت أمامها قدمت فضليها وجئت فبرزت * سبقا خطى لك أحمدت أقدامها دبرتها طفلا وسدت كهولها * برضى النفوس وكنت بعد غلامها ومنها: أبكيك للدنيا التي طلقتها * وقد اصطفتك شبابها وغرامها ورميت غاربها بفتلة حبلها * زهدا وقد ألقت إليك زمامها وهي قصيدة طويلة طنانة. وكان المهيار أنشد هذه القصيدة المرثية بحضور جماعة ممن كان يحسد الرضى فشق عليه ونسبوه إلى المبالغة والافراط في اطرائه فرثاه بقصيدة أخرى أجاد فيها كل الإجادة وعرض بهم ليزدادوا غيظا مطلعها: أقريش لا لفم أراك ولا يد * فتوكلي غاض الندى وخلا الندى
479 وما أحسن قوله من جملتها: يا ناشد الحسنات طوف قاليا * عنها وعاد كأنه لم ينشد أهبط إلى مضر فسل حمرائها * من صاح بالبطحاء يا نار اخمدي بكر النعي فقال أردى خيرها * ان كان يصدق فالرضي هو الردى فجعت بمعجز آية مشهودة * ولرب آيات له لم تشهد كانت إذا هي في الإمامة وزعت * ثم ادعت بك حقها لم تجحد تبعتك عاقدة عليك أمورها * وعرى تميعك بعد لما تعقد ورآك طفلا شيبها وكهولها * فتزحزحوا لك عن مكان السيد (أبو أحمد عدنان بن الشريف الرضى) أبى الحسن محمد المذكور قبله كان يلقب الطاهر ذا المناقب جده أبى الحسن ابن موسى وتولى نقابة الطالبيين ببغداد بعد وفاة عمه المرتضى على قاعدة جده وأبيه. قال أبو الحسن العمرى هو الشريف العفيف المتميز بصلاحه وإصابة رأيه يعرف علم العروض وأظنه يأخذ ديوان أبيه وجده بحسن الاستماع ويتصور ما يسنده إليه. وقال غيره كانت الملوك من بنى بويه تعظمه كثيرا وتراه بالعين التي كانت ترى أباه بها وعمه وجده. قال صاحب عمدة الطالب وانقرض بانقراضه عقب الرضى رض. قال المؤلف ورأيت في مشجرة معتمد عليها ان أبا احمد عدنان المذكور أولد ولدا أسمه على لكنه درج ولم يعقب فانقرض بانقراضه عقب الشريف الرضى رضي الله عنه. (أبو الحسن محمد بن أبي جعفر) محمد بن أبي الحسن علي بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن عبد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب " ع " يلقب
480 بشيخ الشرف النسابة كان عالما فاضلا كبيرا إليه انتهى علم النسب في عصره وله فيه مصنفات كثيرة ما بين مختصر ومعلول وهو شيخ الشريفين المرتضى والرضى ابني أبى احمد الموسوي وشيخ أبى الحسن العمرى النسابة وكان قد بلغ من السن عمرا طويلا واحرز من الفخر قدرا جليلا بلغ تسعا وتسعين سنة وهو صحيح الأعضاء مات سنة خمس وثلاث وأربعين وخلف عدة من الولد درجوا وانقرض بانقراضهم عقبه. (السيد أبو الحسن) محمد بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب " ع " كان فاضلا أديبا شاعرا حسن الشعر موصوفا بالديانة والعفة متوقد الذهن ذكى الفطنة مولده بأصبهان وله تصانيف منها كتاب (نقد الشعر) وكتاب (تهذيب الطبع) وكتاب (العروض) وكتاب (في المدخل إلى معرفة المعمى من الشعر) وكتاب (تقريظ الدفاتر وديوان شعره). ومن شعره في العفة قوله: الله يعلم ما أتيت خنا * ان أكثروا العذال أو سفهوا ماذا يعيب الناس من رجل * خلص العفاف من الأنام له يقظاته ومنامه شرع * كل بكل منه مشتبه ان هم في حلم بفاحشة * زجرته عفته فينتبه ومن جيد شعره قوله: باتوا وأبقوا في حشاي لبينهم * وجدا إذا ظعن الخليط أقاما لله أيام السرور كأنما * كانت لسرعة مرها أحلاما لو دام عيش رحمة لأخي هوى * لأقام لي ذاك السرور وداما يا عيشنا المفقود خذ من عمرنا * عاما ورد من الصبا أياما
481 وقوله في طول الليل: كأن نجوم الليل سارت نهارها * فوافت عشاء وهي أنضاد أسفار وقد خيمت كي تستريح ركابها * فلا فلك جار ولا كوكب سار وكانت وفاته (ره) سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وطباطبا لقب جده إبراهيم. قال أبو الحسن العمرى وغيره وإنما لقب بذلك لأن أباه أراد أن يقطع له ثوبا وهو طفل فخيره بين ان يجعل له قميصا أو قبا فقال طباطبا يعنى قباقبا. وقيل بل أهل السواد لقبوه بذلك وطبا طبا بلسان النبطية سيد السادات نقل ذلك أبو نصر البخاري عن الناصر بالحق والله أعلم. (السيد أبو الحسين بن علي بن الحسين) ابن الحسن بن القاسم بن علي بن أبي طالب عليهم السلام كان من علية العلوية ومحاسن الحسينية وأهل الفضل والعلم والأدب. وكان الصاحب إسماعيل بن عباد صاهره بابنته التي هي واحدته ويفتخر بهذه الوصلة ويباهي بها وكان الحسين بن علي يقول لولده أبى الحسن على المذكور لا أعلم في بنى عيبا الا اتصالك بابنة الصاحب وذلك لجلالة قدره وعظم بيته. ولما ولدت ابنة الصاحب من أبى الحسين ابنه أبا الحسن عبادا ووصلت البشارة إلى الصاحب أنشأ يقول: احمد الله لبشرى أقبلت عند العشى * إذ حباني الله سبطا هو سبط للنبي مرحبا ثمة أهلا بغلام هاشمي * نبوي علوي حسني صاحبي ثم قال: الحمد لله حمدا دائما ابدا * إذ صار سبط رسول الله لي ولدا فقال أبو محمد الخازن قصيدة على وزنه ورويه مطلعها: بشرى فقد أنجز الأقبال ما وعدا * وكوكب المجد في أفق العلى صعدا وقد تفرع في أرض الوزارة عن * روح الرسالة غصن مورق رشدا
482 لله آية شمس للعلى ولدت * نجما وغاية عز اطلعت أسدا وعنصر من رسول الله واشجة * كريم عنصر إسماعيل فاتحدا وبضعة من أمير المؤمنين زكت * أصلا وفرعا وصحت لحمة وسدا وما أحسن قوله فيها: وكادت الغادة الهيفاء من طرب * تعطى مبشرها الأرهاف والغيدا ولقد أبدع وأغرب في قوله لم يتخذ ولدا إلا مبالغة * في صدق توحيد من لم يتخذ ولدا وكان الصاحب إذا ذكر عبادا أنشد: يا رب لا تخلني من صنعك الحسن * يا رب حطني في عبادة الحسن ولما فطم قال فيه: فطمت أيا عباد يا بن الفواطم * فقال لك السادات من آل هاشم لئن فطموه عن رضاع لبانه * لما فطموه عن رضاع المكارم وكان الصاحب رحمه الله قال قصيدة معراة من الألف التي هي أكثر الحروف دخولا في المنثور والمنظوم وأولها: قد ضل يجرح صدري * من ليس يعدوه فكري وهي في مدح أهل البيت " ع " تقع في سبعين بيتا فتعجب الناس منها وتداولتها الرواة، فسارت مسير الشمس في كل بلدة وهبت هبوب الريح بالبر والبحر. فاستمر الصاحب على تلك الطريقة وعمل قصائد كل واحدة منها خالية من حرف من حروف الهجاء وبقيت عليه واحدة تكون معراة من الواو فانبرى صهره أبو الحسين المذكور لعملها وقال قصيدة فريدة ليس فيها واو مدح الصاحب في عرضها وأولها: برق ذكرت به الحبائب * لما بدا فالدمع ساكب ابدا معي منهلة * هاتيك أم غرز السحائب
483 نثرت لئالي أدمع * لم تفترعها كف ثاقب لما سرت ليلى تحث * لنأيها عنا الركائب ظلت تجيل لحاظها * كالسيف لم يخط المضارب للسحر في أرجائها * مهما أدارتها ملاعب جعلت قسي سهامها * ان ناضلته عقد حاجب لم يخط سهم أرسلته * ان سهم اللحظ صائب تسقيك ريقا نشره * ان قسته للخمر غالب كم قد تشكي خصرها * من ضعفه ثقل الحقائب كم أخجلت بظفائر * أبدت لنا ظلم الغياهب إخجال كف الصاحب * القرم المرجى للسحائب ملك تلألأ من معاقد * عزه شرف المناصب نشأت سحائب رفده * في الخلق تمطر بالرغائب وهي طويلة تنيف على الستين، ولما مات الصاحب (ره) رثاه صهره أبو الحسين المذكور بمراث منها قصيدة أولها: الا انها أيدي المكارم شلت * ونفس المعالي إثر فقدك سلت حرام على العلياء ان هي قوضت * وحجر على شمس الضحى ان تجلت ومن محاسن شعره يصف جارية بيدها شمعة. خطرت لنا بعد العشاء بشمعة * تحكى لنا شكل القنا الخطار فكأنها طعنت بها عشاقها * فتكللت عوض النجيع بنار وأشعاره كثيرة غالبها يتصف بالجودة والحسن وفيما أوردناه كفاية (أبو الحسن بن أبي الغنائم) محمد بن علي بن أبي الطيب محمد بن أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين احمد الأصغر الضرير بن علي بن محمد الصوفي بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن عمر الأطرف بن
484 أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المعروف بالعمرى علامة النسب المشهور وفهامة الأدب المذكور انتهى إليه علم النسب في زمانه وتميز به على أمثاله وأقرانه وصار قوله حجة من بعده ومحجة يسلكها المهتدي لقصده والمتأخرون من النسابين كلهم عيال عليه وما منهم إلا من يروى عنه ويسند إليه سخر الله له هذا العلم تسخيرا ولقى فيه من أجلاء المشايخ خلقا كثيرا وصنف فيه كتاب (المبسوط، والمجدي والشافي، والمشجر) وكان يسكن البصرة ثم أنتقل منها سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وسكن الموصل وتزوج بامرأة هاشمية من بيت قديم بالموصل له رياسة وفيه ستر يعرف ببيت آل عيسى الهاشمي فولدت له ولديه أبا على محمدا وأبا طالب هاشما وغيرهما ودخل بغداد مرارا آخرها سنة خمس وعشرين وأربعمائة واجتمع بالشريفين الأجلين المرتضى والرضى وحضر مجالسهما، وروى عنهما وكان أبوه أبو الغنائم نسابة أيضا اما ما في فن النسب وكان يكاتب من الأمصار البعيدة في تحرير الأنساب المشكوك فيها فيجيب بما يعول عليه من اثبات أو نفى فلا يتجاوز قوله وبالجملة فقد رزق هو وولده أبو الحسن العمرى المذكور من هذا العلم حظا وافرا ولم يتيسر لأحد من علماء النسب ما تيسر لهما وكان أبو الحسن حيا إلى بعد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة (ره) (أبو الحسن محمد بن علي) ابن الحسين بن الحسن بن أحمد بن القاسم بن الحسن بن علي بن أبن طالب المعروف بالوصي الهمداني ذكره الثعالي في يتيمة الدهر فقال هو من علية العلوية وأركان الدولة الهاشمية السامانية وكان مستوطنا بخارى ووصى الأمير السديد علي بن طاهر بن الحسين الساماني فاشتهر بالوصي. وكان الأمير الرضى أبو القاسم نوح بن منصور وجهه رسولا إلى فخر الدولة فقول بالاجلال والترحيب والتأهيل والتقريب وخرج كافي الكفاة الصاحب بن عباد في موكبه لاستقباله وبالغ في اكرامه واجلاله.
485 حكى أبو الحسن الرضى المذكور عن نفسه قال لما توجهت تلقاء الري في سفارتي هذه فكرت في كلام ألقى به الصاحب فلم يحضرني ما أرضاه وحين استقبلني وأفضى عنانه إلى عناني جرى على لساني (ما هذا بشر ان هذا إلا ملك كريم) فقال الصاحب (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) ثم قال مرحبا الف مرحب بالرسول ابن الرسول والوصي ابن الوصي وله شعر كثير الملح والظرف لا يكاد يخلو من لفظ رشيق ومعنى أنيق فمن ذلك قوله: يا رب أنت على الأمور قدير * وبامرئ جم الذنوب خبير يسر لعبدك من نوالك توبة * فعليك تيسير الأمور يسير وقوله: وشادن مقرطق * نادمته في المجلس تحكى لنا غرته * بدرا بدا في الحندس جعلت وردى خده * ومقلتيه نرجسي وقوله في الصاحب بن عباد: مات الموالى والمحب * لأهل بيت أبى تراب قد كان كالجبل المنيع * لهم فصار مع التراب (أبو هاشم محمد بن داود) ابن أحمد بن داود بن أبي تراب علي بن عيسى بن محمد البطحائي بن القاسم ابن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب " ع " المعروف بالعلوي الطبري أحد أعيان السادة المشهورين بالسيادة جم الفضائل حميد الصفات والشمائل يأخذ من الأدب بأوفر نصيب ويحل من الفضل بواد خصيب وكان بينه وبين الصاحب بن عباد مزيد محبة واخلاص وأكيد صحبة واختصاص ومراسلات من النظم والنثر صادرة عن ولاء لا يشوبه رياء وفيه يقول الصاحب ابن عباد رحمه الله تعالى:
486 ان أبا هاشم يد الشرف * مادحه آمن من السرف حل من المجد في وسائطه * وخلف العالمين في طرف وهذه شهادة في السيادة ما عليها زيادة، وكتب إليه الصاحب أيضا وقد أعتل: أبو هاشم مالي أراك عليلا * ترفق بنفس المكرمات قليلا لترفع عن قلب النبي حرارة * وتدفع عن صدر الوصي غليلا فلو كان من بعد النبيين معجز * لكنت على صدق النبي دليلا وكتب أبو هاشم إلى الصاحب كتابا بحبر وكان الصاحب يكره الحبر فأنكره وكتب إليه: كتبت يا سيدي كتابا * يحسده الروض والغدير لكن تحبيره بحبر * أنكره رقه الحبير فعد عنه إلى دواة * قليل تأثيرها كثير وخذ دواتي بلا امتنان * فربما يغرم المشير وبعث إليه دواة وكانت من ألف مثقال ذهب أحمر وكتب أبو هاشم إلى الصاحب: دعوت اله الناس حولا محولا * ليصرف سقم الصاحب المتفضل إلى بدني أو مهجتي فاستجاب لي * فها انا مولانا من السقم ممتل فشكرا لربي حين حول سقمه * إلى وعافاه ببرء معجل واسأل ربى ان يديم علاءه * فليس سواء مفزع لبني على فأجابه الصاحب: أبا هاشم لم أرض هاتيك دعوة * وأن صدرت عن مخلص متطول فلا عيش لي حتى تدوم مسلما * وصرف الليالي عن ذراك بمعزل فان نزلت يوما بجسمك علة * وحاشاك منها يا علاء بنى على فناد بها بالحال غير مؤخر * إلى جسم إسماعيل دون تحول
487 والله أطال بقاء: الشريف مولاي ما علمت ولو علمت لعدت اغناء الله بحسن العادة عن العيادة وهو حسبي. ولأبي هاشم فخر الدولة: يا فلك الأرض وبحر الورى * وشمس ملك مالها من مغيب دعوت مولاك بنيل المنى * وقد أجاب الله وهو المجيب فقال قل ما شئت مستوليا * ودبر الدنيا برأي مصيب يا من كتبنا فوق اعلامه (نصر من الله وفتح قريب) (السيد الرئيس أبو القاسم علي بن موسى) ابن إسحاق بن الحسن بن الحسين بن إسحاق بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم أجمعين الموسوي الملقب ذي المجدين نقيب النقباء بمرو، ذكره أبو الحسن الباخرزي في دمية القصر فقال هذا جمال العترة الموسوية الممعن منها في الطريقة السوية أذن علوي لم يكن مثله في كرم المناسب وشرف المناصب فما هو إلا حجة للنواصب وقد سعدت بضيافته في شهر رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمائة فرأيت من دسته المطروح وزنده المقدوح نعيما وملكا كبيرا وخبرا وخيرا وفضلا كثيرا كما قلت فيه من قصيدة: اتاك الصيام فعاشرنه * بقلب تقى وعرض نقى وأوجبت للقوم هشم الثريد * على شرط منصبك الهاشمي ولو ذهبت أصف ما تلقاني به من تشريف وتقريب وأهلني له من تأهيل وترحيب وحكمي في من أنزال وأنوال وخلع على من جاه ومال لخرجت من شرط الكتاب واستهدفت من السنة النقاد لهم العتاب، اما الأدب فمنه واليه ومعول أرباب الصناعة عليه، واما الخلق فكما يقتضيه الإسلام وكأنه منتسخ من أخلاق جده عليه السلام واما الجاه فمسلم له غير منازع فيه واما المحل فسلم لا يسلم من الزلل مرتقيه واما الرياسة فقد ألقت إليه الأرسان واما النقابة فقد فرشت له
488 رفرفها الخضر وعبقريها الحسان وهذا مكان غرر من كلماته ودرر من حصياته يلوح عليها سيماء النبوة ويحيط بجوانبها سماء المروة أنشدني لنفسه بمرو سنة سبع وأربعين وأربعمائة: رجوتك حينا والرجاء وسيلة * وحسبك لوما ان تخيب راجيا ووالله لا تبقى على الحر نعمة * فجد واغتنم شكرا على الدهر باقيا وله أيضا: إذا انا لم اهتز للجود والندى * فمن ذا الذي يهتز يا أم مالك ذريني وإنفاقي لمالي على العلى * ورأيك فيما اخترت من حفظ مالك فجود يميني عادة عرفت بها * وكل يمين لم تجد كشمالك وما انا ممن ينتهى عن سماحة * بنهيك إذ تنهينني بجمالك ولا عذل ربات الخدور بما تعي * مكارمي اللاتي سرت في الممالك وله أيضا: وليس عجيبا ان مثلي خاضع * لمثلك والأملاك حولي خضع وإنك تقصيني وتملك طاعتي * وأملاك هذا الدهر لي منك أطوع ولولا الهوى ما قادني لك قائد * ولكنه بالحر ما شاء يصنع وله أيضا: يا أضعف العالمين وصلا * وأسعف الناس بالفراق ومن غرامي به شديد * ليس يداوى بألف راق ان كان لابد من فراق * فعن وداع وعن عناق وزورة ترغم الأعادي * وخلوة حلوة المذاق وله أيضا: مالي وللعلة لازمتها * ولازمتني كلزوم الغريم كأنها عافت لئام الورى * ثم اصطفت كل صفي كريم
489 قال الأديب يعقوب بن أحمد النيشابوري ما أحسن ما اعتذر من جنايتها عليه وإساءتها إليه بلفظ يتضمن امتداح أصله وشرف عرقه والمعنى الذي أشار إليه المتنبي في قصيدة له: ومنازل الحي الحسوم فقل لنا * ما عذرها في تركها خيراتها وزائرة المتنبي في قوله: وزائرتي كان بها حياء * فليس تزور الا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا * فعافتها وباتت في عظامي لاعظامه وفيه يقول الأديب المذكور: يقول صديقي ألا دلني * على برمك الجود والهاشمي فقلت وأقسمت رب العلى * علي بن موسى أبو القاسم وكانت وفاته سنة ثلاث وخمسمائة (ره). (السيد أبو الحسن محمد بن عبيد الله) ابن علي بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبيد الله بن أبي الحسين الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام الملقب شرف السادات البلخي كان أول من دخل من آبائه إلى بلخ جعفر بن عبيد الله وكان يلقب بالحجة لفضله وزهده وبيانه وكان أبو البحتري وهب بن وهب قد حبسه بالمدينة ثمانية عشر شهرا فما أفطر إلا بالعيدين ولما دخل بلخ ألقت إليه الرياسة زمامها وقدمته أمامها وكان هو وأولاده نقباءها ورؤساءها وسفراءها الذين أرجو لشرفهم أرجاءها، واما شرف السادة المذكور فذكره الباخرزي في دمية القصر فقال هو سيد السادات وشرفهم وبحر العلماء ومغترفهم وتاج الأشراف العلوية المتفرعين من الجرثومة النبوية الشارحين غرر الآداب في أخبية الأنساب وهو ولا مثنوية من المشرفين في الذروة العليا ومن المجدين من اسنمة الدنيا شوس على عالم العلم ذوائبه وتقرطس أهداف الآداب صوائبه ولم يزل له امام سرير الملك قدم صدق يطلع في سماء
490 الفخار بدره ويوطئ أعناق النجوم قدره وأقل ما يعد من محصوله جمعه بين ثمار الأدب وأصوله ووصفه بأنه ينثر فينفث في عقد السحر ويحلق إلى الشعرى إذا أسف إلى الشعر واما الذي ورائه من العلوم الآلهية التي أجال فيها الأفكار وافتض منها الأبكار فما لا يحصر ولا يحزر ولا يحد ولا يعد وقد صحبته عشرين سنة ارتدى في ضلال نعمه العيش الناعم حي عادت فراخ وسائلي قشاعم فكم زممت إليه المطية وركزت على مكارمه الخطية ما دحا لما اشتهر على الألسنة من حسبه ونسبه وآخذا بحظي من أدبه ونشبه ولم يرتع ناظري وفى الروض الناضر الا بتأملي في أقلامه ولا صار سمعي صدف اللآلي الا بتقريضي روائع كلامه وليس أسير واجئ إلى التنويه باسمه والإشادة بذكره الا نوع تعليل وما احتاج النهار إلى دليل. قال المؤلف عفا الله تعالى عنه ولسلسلة السيد المذكور حديث متسلسل بأربعة عشر أبا وهو ما رواه أبو سعد بن السمعاني في (الذيل) قال أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسين البسطامي الأمامي يقرأني قال حدثني السيد أبو محمد الحسين ابن علي بن أبي طالب من لفظه ببلخ حدثني سيدي ووالدي أبو الحسن علي بن أبي طالب سنة ست وأربعمائة حدثني أبو طالب الحسن بن عبيد الله سنة أربع وثلاثين وأربعمائة حدثني والدي أبو على عبيد الله بن محمد حدثني أبي محمد بن عبيد الله حدثني أبي عبيد الله بن علي حدثني أبي علي بن الحسن حدثني أبي الحسن ابن الحسين حدثني أبي الحسن بن جعفر وهو أول من دخل بلخ من هذه الطائفة حدثني أبي جعفر الملقب بالحجة حدثني أبي عبد الله حدثني أبي الحسن الأصغر حدثني أبي علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب " ع " قال رسول الله ليس الخبر كالمعاينة قال شيخنا الشيخ زين الدين الشهيد رحمه الله في شرح الدراية هذا أكثر ما اتفق لنا روايته من الأحاديث المسلسلة بالآباء. قال المؤلف: واتفق لي أنا رواية أربعة أحاديث مسلسلة بسبعة وعشرين أبا
491 وسيأتي ذكرها إن شاء الله في ترجمة الوالد رضى (ره) في الطبقة العاشرة من هذا الكتاب ولشرف السادة المذكور من المنثور والمنظوم ما يفوق الدرر في أسلاكها والدراري في أفلاكها وله في النثر كلمات قصار كل واحدة منها تقصار وهي محذوة على مثال الأمثال كقوله من استغنى عن الدنيا فكأنه دعاها إلى الامتاع ومن حرص عليها فكأنه أغراها بالامتناع اللئيم من قصر عن الواجب من غير قصر في يديه ولا قصور فيما لديه الغنى معان ومن عادى معانا فقد عاد مهانا من دق نجارك عن نجاره فلا تجاره ومن قصر حسامك عن حسامه فلا تسامه ومن شعره قوله يمدح الوزير أبا نصر أحمد بن عبد الصمد سنة خمس وعشرين وأربعمائة. أشبه العصى إذا تأود قدا * وحكى الورد إذ تفتح خدا وثنى للوداع في حرمة البين * بنانا يكاد يعقد عقدا ولقد حاول الكلام فحاشا * واشييه فأسبل الدمع سردا لست أنسى وان تقادم عهدا * عهد أحبابنا بنجد ونجدا حين غصن الشباب غض ونجم * الوصل سعد بحسن اسعاد سعدى وغزال قد أورث البدر غيظا * وجهه الطلق والغزالة حقدا الف الصد والتجنب حتى * علم الطيف في الكرى ان يصدا فسقى عهده العهاد وان لم * يقض حقا لنا ولم يرع عهدا بل سقاه ندى الوزير فجدوى * راحتيه أجدى وأهنى وأندى وقوله من أخرى: أراعك ان تجرى الدموع كما تجرى * وقد جد من يجرى إلى الوصل والهجر أتعجب أن أرعى المصابيح في الدجى * وقد زالت الشمس المنيرة عن حجري أيجمل تأتيني وجمل سرت بها * جمالتها نشوى الحمائل إذ تسرى لك الله من قال له لفظ وامق * يرى أنه يسلى ولكنه يغرى يكلفني الصبر الجميل وانما * يجر عنى كأسا أمر من الصبر
492 وساحرة الألحاظ لم أر قبلها * بان تناهى الحسن ينفث بالسحر ترد الغصون المائسات بحسرة * وتثنى البدور الطالعات على وزر وقوله أيضا: قالوا رأيت كإسماعيل من رشا * فقلت شرواه في دار الخلو ديرى من ذا رأى الحور في الدنيا معاينة * أم من يشاهد ما بين الورى قمرا أعجب به بانة فرعاء ناضرة * ترى عنا قد من مسك لها ثمرا إذا بدى وجهه أو لاح مبسمه * أو جاد بالقول إما قل أو كثرا رأيت في عارضيه الدر منسبكا * والدر منتظما والدر منتثرا سبحان خالقه ما كان أقدره * ان يفضح العقل أو أن يفتن البشرا لو شاء أوسع أهل الأرض قاطبة * من ثغره سكرا من طرفه سكرا وقوله أيضا: شد النطاق بخصره فغدا فريدا في جماله * يجنى اللجين من الجبال فكيف عيد إلى جباله وله أيضا: أفدي بروحي من قلبي كوجنته * في الوصف لا الحكم فالاحكام تفترق أعجب بحرقة قلب ماله لهب * ومن تلهب خد ليس يحترق وله أيضا: وإني لمن قوم إذا تميزت * ليال تلقوا صرفها بالتنمر قدام الورى في كل يوم تقدم * صدورهم في كل يوم تصدر بقرباهم قد سار كل خليفة * وبالأمر منهم ساس كل مؤمر بنى الله فوق الساريات بيوتنا * بأحمده المحمود ثم بحيدر مقلبنا كف الوصي وحجره * ومرضعنا دار النبي المطهر ونحن تنقذنا الأنام من العمى * ووشك الردى في الجاحم المتسعر ونحن كسرنا الوثن والصلب كلها * ونحن نجوم الأرض في كل مشعر
493 فيدعو لنا في الفرض كل موحد * ويدعو لنا في الأرض كل مكبر ويسمو إلى تفضيلنا كل موقن * ويفضي إلى تنقيصنا كل ممترى وقد ذقت من حلو الزمان ومره * وجربت طوري عرفه وتنكر فلم أر أزرى للعلى من تسوف * ولم أر أحرى للمنى من تشمر قضيت لأقلامي ديونا كثيرة * وقد حل دين المشرفي المشهر واشعاره كثيرة في هذا المقدار كفاية. (السيد الأجل أبو الحسن) علي بن أبي طالب بن عبيد الله البلخي بن أخي المذكور قبله ذكره الباخرزي في كتاب دمية القصر فقال شرف السادة عمه وله أخص الفضل وأعمه وهو من أغصان تلك الدولة العلياء ومن أزهار تلك الدوحة الغناء ورأيت الشيخ أبا عمرو يروى بين يدي عمه شعره وأسارير وجهه من سرور تشرق ولسانه بالحمد والشكر ينطق لما يرشح به إناؤه ومن فضل مختزن في إهابه وبخاته سار ذكره لها وشرف قدرها به ورأيت في كتاب قلايد الشرف قافية منسوبة إليه فلم أتمالك ان قلت عين الله عليه وحواليه، مطلعها: أرقت وحجري بالمدافع يشرق * وقلبي إلى شرقي رامة شيق وما زلت أحمى بالتصبر مهجة * يكر عليها للصبابة فيلق خليلي هل لي بالعذيبة رجعة * وان لم يعاودني الصبا المتأنق وهل لي بأطراف الوصال تماسك * وهل انا من داء التفرق مقرق بحيث الصبا فينان أخضر مورق * يغازلني والعيش صاف مورق وكم قد مضى ليل على أبرق الحمى * يضئ ويوم بالمشرق يشرق تسرقت فيه اللهو أملس ناعما * وأطيب انس المرء ما يتسرق ويا حسن طيف قد تعرض موهنا * وقلب الدجى من صولة الصبح يخفق تنسمت رياه قبيل وروده * وما خلته يحنو على ويشفق
494 (السيد أبو المحاسن) إسماعيل بن حيدر العلوي العباسي ذكره الشيخ أبو الحسن علي بن عبيد الله ابن بابويه في (رجاله) فقال جليل ثقة صالح محدث، وروى عنه الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيشابوري شيخ الأصحاب بالري وذكر الباخرزي في دمية القصر فقال كان خبر هذا الفتى يترائى لي واسمع انه قد نبغ وان قميص فضله قد سبغ وهو في ريعان صباه سبق القاضي حيدر أباه وكنت اقترح على الأيام ان تكحلني بطلعته فأقف على صفته كما وقفت على صنعته فاتفق حصولي في الري في ديوان الرسائل بها وقد أظن أنه إذا سمع بي قصدني اما مفيدا أو مستفيدا فلما تراخى عنى وتنفست على استبطائي أباه مدة مديدة قلت في نفسي لعل له عذرا وتعرفت خبره فزعموا أنه صاحب فراش منذ أسبوع يكاد ينفجر عليه من عين الفضل ينبوع فكتبت إليه أعوده: عجل الله برأ إسماعيلا * وجلاه الشفاء عضبا صقيلا لا يرو عنه الذبول فقدما * قد حمدنا من القناة الذبولا ونسيم الرياض لا يكتسي الصحة * الا بأن يهب عليلا فحمل إليه أبوه القاضي حيدر هذه الأبيات وهو لما به مستعد لما به فكتب إلى ببنان مرتعش وقلم لا يكاد ينتعش ببيتين تمثل بهما وهما: رمتني وستر الله بيني وبينها * ونحن بأكناف الحجاز رميم فلو انها لما رمتني رميتها * ولكن عهدي بالنضال قديم وانطفأ بعد ذلك بساعة وفى منه حسرة أتجرعها ولا أكاد أسيغها وفى العين عبرة أجلبها من الشؤون ثم أسلبها وكانت وفاته سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ومن شعره قوله: العرب والعجم عالمان بنا * انا على الحادثات فتيان من معشر ما اطل هامهم * في المجد الا ظبى وتيجان
495 أولئك السادة الأولى شرفت * مغارس منهم وأغصان يا ليت شعري متى يجلل من * هامة قرني أغر عريان يضئ ما أظلم البهيم كما * يضحك والدمع منه هتان كم قلت إذ شامه الكفاح لنا * انك يا مشرفي فتان إلا ويبدي فتور حقك لي * انك بين القراب يقظان سقيا لأيامنا التي سلفت * والدهر مغضي الجفون وسنان حتى إذا قرت العيون بكم * علمت أن الزمان غيران فلج حتى تقاذفت بكم * عنا مطايا الفراق غيطان لما تصرمت تصارمت لكم * منا بوصل السهاد أجفان وقوله أيضا: أفى الصبا أشتاق وصل الصبا * كلا ولكن معالى شيب لو أن ما حملته همتي * حمل سلى لعزاء المشيب (السيد الا جبل أبو الحسن المطهر) ابن أبي القاسم علي بن أبي الفضل محمد بن علي بن محمد بن حمزة بن أحمد ابن محمد بن إسماعيل الديباج بن محمد بن عبد الله الباهر علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب الملقب بالمرتضى بن ذي الفخرين ذكره الشيخ أبو الحسين بن بابويه في رجاله فقال هو من كبار سادات العراق وصدور الاشراف وانتهى منصب النقابة والرياسة في عصره إليه وكان عالما في فنون العلوم وله خطب ورسائل لطيفة قرأ على الشيخ الموفق أبو جعفر الطوسي في سفر الحج وذكره أبو الحسن الباخرزي في دمية القصر فقال هو من الاشراف السادة اتفق اكتحالي بغرته الزهراء واستضائتي بزهرته الغراء سنة أربع وثلاثين وأربعمائة بالري ألا ان الالتقاء كان خلسة والاجتماع لحظة وما زالت أخباره تترامى إلى باثنية الجميل على فيزداد غرس ولائه في قلبي أثمارا وهلال وفائه بين جوانحي أقمارا ولم أظفر مما ألقاه
496 بحر علمه على لسان فضله إلا بهذين البيتين: جانب جناب البغي دهرك كله * وأسلك سبيل الرشد تسعد والزم ومن وسخته عذرة أو فجرة * لم ينقه بالرحض بحر القلزم قال المؤلف السيد المذكور من أكابر السادة العظماء ومشاهير الفضلاء والعلماء وكان نقيبا على الري وقم وآمل ذا ثروة ونعمة عظيمة مع كمال الفضل وعلو النسب والحسب له مدرسة عظيمة بقم ولما توفى كان من جملة متروكاته أربعمائة من لؤلؤ وناهيك بها ثروة وكانت ملوك آل سلجوق يلتمسون مصاهرته ويفتخرون بذلك لعلو قدره وارتفاع شأنه وكان الخواجة نظام الملك صاهر ابنه السيد الأجل محمد بابنته التي هي واحدة بعد أن تشفع إليه بمن يعز عليه ولم نزل النقابة والرياسة في ولده حتى تغلب خوارزم شاه تكش على العراق فقتل السيد يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن المطهر المذكور وهرب ابنه إلى بغداد. كما سيأتي في ترجمته إن شاء الله، فزالت أيامهم وانقضى زمانهم وخلد في صدور الدفاتر محاسنهم وإحسانهم رحمهم الله. (السيد الأجل أبو القاسم) يحيى بن أبي المفضل محمد بن علي بن محمد بن النقيب المطهر المذكور قبله ملقب عز الدين المرتضى علم الهدى ذا الشرفين قال الشيخ أبو الحسن على ابن عبيد الله بن بابويه في وصفه هو الصدر الكبير الإمام السيد الأجل الرئيس الأنور الأطهر الأشرف المرتضى المعظم عز الدولة والدين شرف الإسلام نصير الملك رضى الملك والسلاطين ملك النقباء في العالمين اختيار الأيام افتخار الأنام قطب الدولة ركن الملة عماد الأمة سلطان العترة الطاهرة عمدة الشريعة رئيس رؤساء الشيعة صدر علماء العراق قدوة الأكابر معين الحق حجة الله على الخلق ذي الشرفين كريم الطرفين نظام الحضرتين جلال الاشراف سيد أمراء السادة شرقا وغربا قوام آل الرسول ملك السادة ومنبع السعادة وكهف الأمة وسراج
497 الملة وطود الحلم والرزانة وقس اللسن والإبانة وعلم الفضل والافضال ومقتدى العترة والآل انتهى. كان رحمه الله خاتمة أهل بيته في الرياسة بالعراق وعظيمهم الذي لا يزاحمه عظيم من دون اغراق عظم في الرياسة قدره وأشرق في سماء الايالة بدره وفوضت إليه نقابة الطالبيين بالري وقم وآمل وكان فاضلا عالما كبيرا عليه تدور رحى الشيعة واليه ترد أحكام الشريعة وخوطب بسلطان العلماء ورئيس العظماء وكان راوية للأحاديث يروى عن والده المرتضى السعيد شرف الدين محمد وعن مشايخه الكرام قدست أرواحهم وكانت مدته قبلة الآمال ومحط الرحال وباسمه الشريف نظم السيد عز الدين علي بن السيد الأمام ضياء الدين فضل الله الحسيني الراوندي حبيب النسيب للحسيب النسيب ولم يزل راقيا لأوج السعد والاقبال ممتطيا صهوة العز والجلال حتى اصابته عين الكمال وجرى الدهر على عادته في تبديل الأحوال فختم له بالشهادة ونال من خيري الدنيا والآخرة الحسنى وزيادة وكان سبب شهادته ان الملك خوارزم شاه تكش لما استولى على الري وتلك الأطراف وقتل من بها من الأعيان والاشراف كان الشريف المذكور ممن عرض على السيف وجرى عليه ذلك الظلم والحيف وذلك في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وانتقل محمد ولده إلى بغداد ومعه السيد ناصر بن مهدي الحسيني وكان وروده إليها في شعبان سنة اثنين وتسعين وخمسمائة وتلقيا من قبل حضرة الخليفة الناصر لدين الله بالقبول ففوضت نقابة الطالبين في بغداد إلى السيد ناصر المذكور ثم فوضت إليه الوزارة فترك أمر النقابة إلى محمد بن السيد عز الدين فصار نقيب الطالبيين على رسم آبائه الطاهرين ثم حج ورجع إلى بلده رحمهم الله أجمعين. (تكش) بفتح المثناة من فوق والكاف والسين المعجمة على وزن حبش والله أعلم. (السيد أبو عبد الله) جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسين بن
498 علي بن أبي طالب عليه السلام. قال النجاشي كان وجها في الطالبين متقدما روى الحديث وكان ثقة في أصحابنا سمع وأكثر وعمر وعلا اسناده له كتاب (التاريخ العلوي) وكتاب (الصخرة والبئر). مات في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثمائة وله نيف وتسعون سنة وذكر عنه انه قال ولدت بسر من رأى سنة أربع وعشرين ومائتين وعلى هذا فيكون وفاته عن أربع وثمانين سنة رحمه الله تعالى. (السيد أبو إبراهيم) حسن بن علي بن عبد الرحمن الشجري بن قاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن ابن علي بن أبي طالب " ع " كان من أعاظم الأشراف بقزوين عظيم الشأن وافر الجاه مقدما رئيسا ذا فضائل وكمالات عديدة إليه انتهت الرياسة في تلك الديار وبه اقتدت السادة الأخيار وكان قد عمر عمرا طويلا فأضر في آخر عمره عند كبر سنه فأسف على ذهاب بصره وتألم لذلك كثيرا فجمع مائة نفر من السادات والفضلاء والصالحين من أهل قزوين وانهر وأعطى كل منهم راحلة وزادا وحج بهم معه ولما وصل إلى المدينة المنورة رأى في منامه قائلا يقول ما هذا الأسف كله على ذهاب بصرك ولم يبق من عمرك ما تأسف على ذهاب الصبر فاختر أما رجوع بصرك كما كان أو ان يكون في أحد أولادك دعوة مستجابة دائمة فاختار في منامه الاستجابة ورجع من الحج بجميع من ذهب معه ولما وصل إلى قزوين أنتقل إلى جوار الله تعالى وتوفى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ولم تزل الرياسة في أعقابه إلى اليوم. (أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري) صهر الشيخ المفيد (ره) وخليفته والجالس بعد وفاته مجلسه متكلم فقيه قيم بالامرين جميعا صنف كتبا كثيرة مفيدة.
499 منها كتاب (التكملة في التوحيد) كتاب جواب المسألة في ايمان آباء النبي جواب المسألة في ولد صاحب الزمان جواب المسألة في الرد على الغلاة جواب المسألة في أوقات الصلاة جواب المسألة الواردة من صيداء جواب مسألة أهل الموصل جواب المسألة في أن الفعال غير هذه الجملة مسألة في المسح على الرجلين جواب المسائل الواردة من طرابلس أجوبة مسائل شتى في فنون من العلم مات يوم السبت سادس عشر شهر رمضان سنة ثلاث وستين وأربعمائة ودفن في داره. (السيد تاج الدين) علي بن عماد الدين جعفر بن علي بن عبد الله بن أحمد الجعفري كان سيدا فاضلا بدهستان قرأ على علماء خوارزم أنواع العلوم وقرأ طرفا من تصانيف الفخر الرازي عليه وفوض إليه منصب الفتوى بدهستان كما كان مفوضا إلى والده السيد عماد الدين وكان يفتى على مذهب الحنفية تقية وذكر ذلك الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن بابويه في رجاله ودهستان بكسر الدال المهملة والهاء وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة من فوقها وبعد الألف نون مدينة مشهورة عند مازندران بناها عبد الله بن طاهر خرج منها جماعة من العلماء قاله السمعاني في الأنساب والله العالم بالصواب. (السيد أبو البركات) علي بن الحسين بن علي بن جعفر بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد الملقب بالديباج بن الأمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين ابن علي بن أبي طالب " ع " ذكره الثعالبي في (يتيمة الدهر) فقال هو بقية الشرف وبحر الأدب وربيع الكرم وغرة نيسابور وشيخ العلوية وحسنة الحسينة وامام الشيعة بها ومن له صدر تضيق عنه الدهناء وتفزع إليه الدهماء: وكلام كدمع صب غريب * رق حتى الهواء يكشف عنده رق لفظا ورق معنى فأضحى * كل شئ من البلاغة عبده
500 يزين تالد أصله بطارف فضله، ويحكى طهارة نسبه وبراعة أدبه ويرجع من حسن المروة وكرم الشيمة إلى ما تتواتر به أخباره وتشهد عليه آثاره ويقول شعرا صادرا عن طبع شريف وفكر لطيف وذكره أبو نصر العتبى في تاريخ اليميني فقال قد جمع الله له بين ديباجتي النظم والنثر فنثره منثور الرياض جادتها السحائب ومنظومه منظوم العقود زانتها النحور والترائب فمن نثره ما كتبه إلى بعض أصحابه في شكاية لحقته وكان هو أيضا شاكيا برقتي هذه وانا عائد معود وقاصد بالزيارة مقصودا خاطب أصدقائي بما أخاطب وأكاتب إخواني بما أكاتب سمائي وقدة وأرضى رعدة تنتابني الحمى وتفارقني الشكوى نفسي نفسان ونفسي نفسان كأن الحول شاطرني فصوله فنلت غرته وحجوله فالربيع بين عيني وخيشومي والصيف كان بين صدري وحلقومي وما عرفت لعلتي هذه سببا إلا إني رأيت نفس الكرم شاكية فشاركتها في شكواها ووجدت عين الكمال متأذية فاحتملت عيني أذاها وقلت متمثلا لا ممتثلا: ونعود سيدنا وسيد غيرنا * ليث التشكي كان بالعواد ثم ذكرت ما أعد الله للعباد من ثواب العلة في المعاد فاستصغرت من ذلك ما استعظمته وسهل مسلكي وان استوعرته وقلت نصح الله تلك النسمة من العلة وأعطى الشيخ بها أمانا من القلة وأعمى عنه ناظر الزمان ولا طرق إلى فنائه طوارق الحدثان وتمنيت إني واصلت غدوي برواحي في زيارة الشيخ مشاهدا للحال وإقباله نحو البرء والأقبال لكن حيل بين العير والنزوان ومنه قوله: ان تكن كتابتي للأمير أنفا لم ترتع وبكر لم تفترع فلا أشوبها بأرب ولا أتسبب إليها بسبب فعل من لا يشين ولائه طمع ولا يشوب دعواه عيب ولا طبع غير أن الاضطرار بغير وجه الاختيار والعذر فيه مقبول عند ذوي الأخطار والأحرار وفلان يمسي بحق الجوار ولقد نشر جرائد شكره وأظهر بحسن البشر خبايا بره فملأ الأرض ثناء والسماء دعاء وعادة الأمير أن يحيى الآمال ويسترق الأحرار فليجعل متكرما هذا الأمل محظوظا ولا يجعله محطوطا
501 إن شاء الله. ومنه قوله: بعض الوقت مقت وبعض الحين حين والطالب عجول والمطلوب منه ملول وكل اناء يرشح بما فيه وكل جان يده إلى فيه ومن كلامه: انا من الناس لم يعدو الخط حظا ولا الشعر شعارا ومن نظمه قوله: وأغيد سحار بألحاظ عينه * حكى لي تثنيه من البان املودا سلخت بذكراه عن الصبح ليلة * أنادمه والكأس والناي والعودا ترى أنجم الجوزاء والنجم فوقها * كباسط كفيه ليقطف عنقودا وقوله: أسرب القطا هل من يعير جناحه * فيوسعني برا وأوسعه شكرا لعلى ألقى من أحب لقائه * فقد فرق الأيام ما بيننا دهرا وكان هذا السيد في زمن السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين ينزل نيشابور وأبنه الحسين بن علي بن الحسين ورد بغداد في خلافة المهتدي وأدرك خلافة المعتمد وتوفى ببغداد في خلافته وقبره ببغداد ظاهر وأبنه جعفر بن الحسين ابن علي أقام ببغداد بعد موت أبيه مدة ثم انتقل إلى الجبل ووقع اختياره على همدان فاتخذها دار مقام وأولد بها وأبنه الحسين بن جعفر بن الحسين بن علي أقام بهمدان بعد موت أبيه ثم أنتقل إلى قزوين واتخذها دار مقام وكان من المعمرين مات وله مائة وخمس سنين رحمه الله. (السيد أبو طالب) محمد بن عمر بن يحيى بن الحسين النسابة بن أحمد المحدث بن عمر بن يحيى ابن الحسين ذي العبرة بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب " ع " كان جده احمد المحدث سيدا جليلا عالما نسابة نقيبا رئيسا وهو أول نقيب ولى على ساير الطالبيين كافة ورد العراق من الحجاز سنة إحدى وخمسين ومائتين. وكان السيد أبو طالب المذكور أحد السادة المذكورين وأوحد الفضلاء
502 المشهورين يجمع بين شرفي الحسب والنسب ويأخذ بطرفي المجد الارثي والمكتسب ويقيم من أدبه وفضله أعدل شاهد على طهارة أصله وإذا طابقت الفروع الأصول فذاك هو الشرف الموصول ولله در ابن الرومي حيث يقول بعدم التعويل على مجرد النسب: وما النسب الموروث لا در دره * بمحتسب الا بآخر مكتسب وكان السيد لما سمع هذا البيت صدق قائله فاجتهد في اكتساب الفضل حتى لحق أوائله وهكذا فلتكن الهمم العلية والشيم العلوية وكانت وفاته رحمه الله في سنة سبع وأربعمائة وقد جعل الله من نسله سادة أجلاء وقادة نبلاء منهم سبط النقيب شمس الدين أبو عبد الله أحمد بن النقيب أبى الحسن علي بن أبي طالب محمد المذكور وكان سيدا جليلا وفاضلا نبيلا توفى في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة عن أربع وخمسين سنة وقام مقامه ولده السيد النقيب نجم الدين أسامة بن أبي عبد الله شمس الدين احمد ولى النقابة سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فأقام فيها أربع سنين ثم قلت رغبته فيها فاستعفي منها وتوفى في رجب سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة عن خمس وأربعين سنة وقام مقامه ولده أبو طالب عبد الله المعروف بالتقى النسابة بن أسامة وكان عالما فاضلا مبجلا وهو صاحب الحكاية مع السيد الفاضل النسابة امام الحرم جعفر بن أبي البشر الضحاك بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد المعروف بتغلب بن عبد الله الأكبر بن محمد السائري بن موسى الثاني بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله بن الحسن بن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب " ع " والحكاية هي ما رواه السيد الجليل شهاب الدين أحمد بن علي بن عنبة في كتاب (عمدة الطالب) قال حدثني الشيخ الملقب تاج الدين أبو عبد الله محمد بن معيه الحسيني باسناده إلى السيد العالم عبد الحميد بن التقى بن أسامة النسابة، قال: حدثني أبو طالب عبد الله بن أسامة قال حججت انا وعبد الله بن المختار فبينما نحن ذات ليلة في المسجد الحرام وإذا
503 بجماعة مجتمعة على شخص ورأيت الناس يعظمون ذلك الشخص ويجتمعون عليه فسألنا عنه من هو فقيل جعفر بن أبي البشر امام الحرم فقال لي السيد عدنان وكان منا ضعف أنى لأضعف من الذهاب إليه والسلام عليه فقم أنت وسلم عليه فقمت فأتيته وسلمت عليه وقبلت رأسه وقبل صدري لأنه كان رجلا قصيرا ثم قال لي من أنت قلت بعض بنى عمك فقال أعلوي أنت قلت نعم قال أحسيني أم حسني أم محمدي أم عباسي أم عمري فقلت بل حسيني فقال إن الحسين الشهيد أعقب من زين العابدين وحده وأعقب زين العابدين من ستة، محمد الباقر وعبد الله الباهر وزيد الشهيد وعمر الأشرف والحسين الأصغر وعلى الأصغر فمن أبهم أنت فقلت انا من ولد زيد الشهيد فقال إن زيدا أعقب من ثلاث رجال الحسين ذي الدمعة وعيسى ومحمد فمن أيهم أنت فقلت انا من واد الحسين ذي الدمعة قال فإن الحسين ذي الدمعة أعقب من ثلاثة يحيى والحسين القعدد وعلى فمن أيهم أنت فقلت انا من ولد يحيى قال فإن يحيى بن ذي الدمعة أعقب من سبعة رجال القاسم والحسن الزاهد وحمزة ومحمد الأصغر وعيسى ويحيى وعمر فمن أيهم أنت فقلت انا ولد عمر بن يحيى قال فإن عمر بن يحيى أعقب من رجلين احمد المحدث وأبى منصور محمد فلأيهما أنت قلت لأحمد المحدث قال فإن احمد المحدث أعقب من الحسين النسابة النقيب وأعقب الحسين النسابة من رجلين زيد ويحيى فمن أيهما أنت قلت من يحيى بن الحسين قال فإن يحيى أعقب من رجلين أبى على عمر وأبى محمد الحسن فمن أيهما أنت قلت من ولد أبى على عمر بن يحيى قال فإن أبا على عمر بن يحيى أعقب من ثلاثة أبى الحسن وأبى طالب وأبى الغنائم محمد فمن أيهم أنت قلت من ولد أبى طالب محمد بن أبي على عمر بن يحيى قال: قال فكن ابن أسامة قال فقلت انا ابن أسامة وهذه الحكاية تدل على حسن معرفة هذا الشريف بأنساب قومه واستحضاره لأعقابهم وكان للسيد أبى طالب أبى عبد الله التقى المذكور ولدان جليلان أحدهما أبو الفتح نجم الدين والثاني أبو على عبد الحميد بن التقى النسابة
504 ويلقب جلال الدين انتهى علم النسب مولده ليلة الثلاثاء تاسع عشر شوال سنة اثنين وعشرين وخمسمائة اما أبو الفتح فقد انقرض نسبه وأما عبد الحميد فأعقب من ولدين وكلاهما عالم فاضل أبو طالب محمد شمس الدين وأبو الفتح على نجم الدين وكان أبو طالب محمد بن عبد الحميد نقيب المشهد والكوفة وكان عالما فاضلا نسابة وفى بيته العقب توفى سنة ست وستين وستمائة. (السيد أبو محمد) الحسن بن علي بن حمزة بن كمال الشرف أبى القاسم محمد بن الحسن بن محمد ابن علي الزاهد بن محمد الأصغر بن يحيى بن الحسين ذي العبرة بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب " ع " الملقب علم الدين الطاهر النقيب الأقاسي كان جده كمال الشرف أبو القاسم محمد نقيبا ولاه الشريف المرتضى نقابة الكوفة وإمارة الحج حج بالناس مرارا وأولاده أجلاء رؤساء وآباءه سادة معظمون وأما السيد أبو محمد علم الدين المذكور فذكره ابن كثير الشامي في تاريخه وقال مولده ومنشأه الكوفة وكان شاعرا ماهرا فاضلا من بيت أدب ورياسة ومروة دخل بغداد ومدح المقتفى والمستنجد وولده المستضئ وأبنه الناصر فوض إليه الناصر نقابة العراق وكان شيخا مهيبا تجاوز عمره الثمانين وتوفى في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة رحمه الله وولده السيد أبو عبد الله الملقب قطب الدين كان سيدا جليلا عالما شاعرا تولى نقابة النقباء ببغداد إلا أنه لم يعقب فانقرض عقبه، والأقاسي بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح السين المهملة وبعد الإلف سين مهملة أيضا نسبة إلى أقاسى وهي قرية من قرى الكوفة وأول من نسب إليها جده محمد الأصغر بن يحيى بن الحسين ذي العبرة ثم جرت النسبة على من بعده من أولاده.
505 (السيد أبو الرضا) فضل الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن محمد بن الحسن بن جعفر بن إبراهيم ابن جعفر بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب ضياء الدين الأمام الراوندي علامة زمانه وعميد أقرانه جمع إلى علو النسب كمال الفضل والحسب وكان أستاذ أئمة عصره ورئيس علماء دهره له تصانيف تشهد بفضله وأدبه وجمعه بين موروث المجد ومكتسبه. روى عن الشيخ العلامة أبي على الفضل بن الحسن الطبرسي وأبى على الحداد والشيخ أبى جعفر النيسابوري وأبى الفتح بن أبي الفضل الأخشيدي وخلق آخرين من الشيعة والسنة وروى عنه أكثر أهل عصره ومن تصانيفه كتاب (الكافي) في التفسير وضوء الشهاب ومقاربة الطيبة إلى مقارنة النية والأربعين في الأحاديث (والكافي) في علم العروض والقوافي ونظم العروض والطب الرضوي وغير ذلك له مدرسة عظيمة بكاشان ليس لها نظير على وجه الأرض سكنها من العلماء والفضلاء والزهاد والحجاج خلق كثير وفيها يقول ارتجالا: ومدرسة أرضها كالسماء * تجلت علينا بآفاقها كواكبها أغر أصحابها * وأبراجها عز أطباقها وصاحبها الشمس ما بينهم * تضئ الظلام باشراقها فلو ان بلقيس مرت بها * لأهوت لتكشف عن ساقها وظفته صرح سليمان إذ * يمرد بالجن حذاقها قال أبو سعيد السمعاني في كتاب الأنساب لما وصلت إلى كاشان قصدت زيارة السيد أبى الرضا المذكور فلما انتهيت إلى داره وقفت على الباب هنيئة أنتظر خروجه فرأيت مكتوبا على طراز الباب هذه الآية المشعرة بطهارته وتقواه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فلما اجتمعت
506 به رأيت منه فوق ما كنت أسمع عنه وسمعت منه جملة من الأحاديث وكتبت عنه مقاطيع من شعره ومن جملة أشعاره التي كتبها إلى بخطه الشريف هذه الأبيات: هل لك يا مغرور من ذاجر * أو حاجز عن جهلك الغامر أمس تقضى وغدا لم يجئ * واليوم يمضى لمحبة الباصر فذلك العمر كذا ينقضي * ما أشبه الماضي بالغابر قال المؤلف عفا الله عنه تعالى ولقد وقفت على ديوان هذا السيد الشريف فرأيت ما هو أبهى من زهرات الربيع وثمرات الخريف فاخترت منه ما يروق سماعه لأولى الألباب ويدخل إلى المحاسن من كل باب فمن ذلك قوله في أول قصيدة يمدح بها الصاحب بهاء الدين: سفرت لنا عن طلعة البدر * إحدى الخرائد من بنى البدر فأجل قدر الليل مطلعها * حتى تراءت ليلة القدر لو أنها كشفت لآلئها * من فوقها والعقد والثغر لأضاءت الدنيا لساكنها * والليل في باكورة العمر حتى يظن الناس انهم * هجم العشاء بهم على الفجر وحديثها سحر إذا اتسقت * لو كان طعم الشهد للسحر وجبينها بدر التمام إذا * حاذاك لولا كلفة البدر ومنها: يا لائمي كف الملام فقد * غلب الغرام بها على الصبر فوحق فاحمها الأثيث وهل * في ذلكم قسم لذي حجر إني إلى معسول ريقتها * أظما من البادي إلى القطر عهدي بها والوصل يجمعنا * كاللوز توأمتين في قشر ما شئته شائت وما كرهت * فهو الكريه يحل في صدري نغدوا كلانا وفق صاحبه * ومطيع حكم النهى والامر
507 كالدهر ممتثلا لسيده * أعلمت من هو سيد الدهر وقوله في أول قصيدة يمدح بها ربيب الملوك ابن أمين الملوك الحسين المستوفى: عودوا ببعض عشيات الحمى عودوا * عودوا فإن لم يكن نقد فموعود وعدتمونا إذا ما العود فيه جرى * ماء الربيع فهذا الماء والعود السمع يصغى إلى مكذوب وعدكم * والقلب يصغى إليه وهو معمود بل للكواعب عذر في الصدود إذا * أنصفتهن وما الانصاف محمود شيبت نفسك لما رحت مكتهلا * فكيف تصبو إليك الخرد الغيد واسود يومك لما ابيض رأسك من * بيض وسود جناها البيض والسود غصن الشباب ذوي فينانه نضرا * فعاد وهو جنى المتن مخضود عهد الشباب جزاك الله صالحة * فليس مثلك في الأشياء موجود ان الشباب إذا ولى بطيبة * فليس يرجعه نوح وتعديد وقوله في أول قصيدة يمدح بها الصاحب مجد الدين: آها لبرق أو مضا * هاج غرامي ومضى كأنه لما بدى * لمع سيوف تنتضي أو التواء حية * قتلته فنضنضا وبالريح نسمة * من ساكني ذات الاضا مريضة لم تستطع * من ضعفها ان تنهضا فاحتبست على الربى * وكل خبت روضا حتى غدت لطيمة * مفضوضة على الفضا يا برق يا ريح معا * تركتماني حرضا ما لكما أوقدتما * على الحشا جمر الغضا وا أسفا على الصبا * أكان دينا يقتضى عاد برغم معطي * ذاك الغداف أبيضا
508 وعاد حقي باطلا * وعاد جسمي غرضا لهفي على عهد الصبا * أفلت عنى وانقضى جار عليه الشيب لما * ان قضا فلا قضا أظلمت الدنيا على * عيني لما ان أضا من الذي أشكوا إذا * صار الطبيب ممرضا آه على شبية * بنيانها تقوضا لأقصرن خاطري * إذا شدا أو قرضا على مراثيها فقد * أبقت بقلبي مرضا وقوله في أول قصيدة يمدح بها الصاحب بها الدين: مقل الظباء إذا رمين قواصد * وقلوبنا أبدالهن مقاصد حور تسلحت الحلي وطاردت * شوس الرجال فهم لهن طرائد قامت دمالجها مقام سيوفها (1) * ومن السلاح دمالج ومعاضد بل حسنهن هو السلاح وغالب * قرن بها ذاك السلاح يجالد من كل واضحة الجبين كأنها * بدر تكنفه ظلام راكد يشفى غليل ضجيعها من ريقها * عذب يرقرقه شنيب يارد سقيا لأيام مضين حميدة * والدهر عز والزمان مساعد ما انس لا أنسى العشيات التي * سلفت لنا يا ليتهن عوائد بجنيننا ثمرات كل لبانة * إذ نحن ولدان وهن ولائد سقيا لهن معالما ومعاهدا * ما مثلهن معالم ومعاهد وكأنها أيام مولانا التي * هي في نحور المكرمات قلائد أعنى بهاء الدين والصدر الذي * بعلاجه صلح الزمان الفاسد الأريحي المستجاد المرتجى * واللوذعي المستماح الماجد
(1) وفى نسخة: سلاحها 509 نام الخلائق في ذراه وطرفه * مما يحافظهم رقيب شاهد هو في سماء الفخر بدر زاهر * والآخرون أهلة وفراقد وأصيبت في الكواكب كثرة * والبدر ما بين الكواكب واحد أغنى نداه العالمين فأصبحوا * ما فيهم إلا غنى واجد المجد للعافي عليه حاكم * والبشر في تلك الحكومة شاهد وأنامل أم أبحر زخارة * وشمائل أم أنعم وعوائد يبقى على العافين ماء وجوههم * بمواهب لم يبلهن مواعد سهل على الأحباب عفو كلامه * وعلى العداة بوارق ورواعد صب ولكن العلى صبواته * لا تصبينه عقائل وخرائد لا بل خرائده نهى وصرامة * ومآثر تحتاطها ومحامد ولقد تفرع في المكارم ذروة * ذل العدو لها وخاب الحاسد وعياله طوعا وكرها كل من * تحت السماء فمادح أو حامد وقوله: أسمع هديت وخير القول أنصحه * ولا تكن في استماع النصح ذا شطط ان في الذرى ملكا أو في الثرى سقطا * ولا تكن وسطا لا خير في الوسط وقوله: ان سليمى أقسمت لا تجود * الا ضحى السبت إذا ما يعود فنحن لاستنجاز موعودها * نعظم السبت كأنا يهود وقوله: بليت من الهوى بجوى عتيد * وقلب لا يطاوعني عنيد وحزن لا أقاومه قوى * يحاكمني إلى صبر شديد وحب يبتغى منى مزيدا * وما عندي وحقك من مزيد وخل لا أطيق له خلافا * ولو أمر الغداة بضرب جيدي
510 جفاني إذ نوى سفرا بعيدا * فيالله للسفر البعيد وكنت ألفته ألفا جديدا * ففاجأني بهجران جديد وقوله من قصيدة: يا سقى الله عشيات الحمى * بين أكناف النقي فالمنحني وليالي بجمع انها * فرص العمر وتارات المنى بينما نحن معا نرتع إذ * نفضوا الخيف وأموا اليمنا خرست بيضهم بيض القبا * ورعت سمرهم سمر القنا وأتت عاذلتي باكرة * ان رأتني وصبا حلف ضنا ثم لما أعجبتها نفسها * وأذابت قلبي الممتحنا حلفت لو أنني كنت انا * أنت لم أختر لروحي المحنا قلت خليني وخلى عذلي * ما انا أنت ولا أنت أنا لو رأتني حين بانوا والنوى * تجعل الأعين منا أعينا لرأت أنملنا السننا * ورأت السننا أنملنا وقوله ملغزا في أحمد: أقبل كالبدر في مدارعه * تشرق في السعد من مطالعه أوله ربع عشر ثالثه * وربع ثانيه جذر رابعه وكان السيد المذكور موجودا إلى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة والراوندي بفتح الراء المهملة والواو وبينهما الف وسكون النون آخرها دال مهملة نسبة إلى راوند وهي قرية من قرى كاشان بنواحي أصبهان قاله السمعاني في الأنساب ابنه السيد الإمام أبو الحسن على عز الدين بن السيد الإمام أبى الرضا فضل الله ضياء الدين الحسيني الراوندي هو شبل ذلك الأسد وسالك بهجة الأسد والعلم ابن العلم ومن يشابه أبه فما ظلم كان سيدا عالما فاضلا فقيها ثقة أديبا شاعرا الف وصنف وقرط بفوائده الاسماع وشنف ونظم ونثر وحمد منه العين والأثر فوائده
511 في فنون العلم صنوف وفرائده في آثار الدهر شنوف ومن تصانيفه تفسير كلام الله المجيد لم يتمه والطراز المذهب في ابراز المذهب ومجمع اللطائف ومنبع الطرائف وكتاب (غمام الغموم) وكتب (مزن الخزن) وكتاب (نثر اللئالي لفخر المعالي) وكتاب (حسيب النسيب للحسيب النسيب وهو الف بيت في الغزل والنسيب) وكتاب (غنية المتغني ومنية المتمني ومن نظمه الباهر المزري بعقود الجواهر. قوله في حسيب النسيب: يقولون ان الركب بعد غد غادى * فهل لفؤادي ان غدا الركب من فادى يقولون لا قالوا ويحكون لا حكوا * بان غدا يحدوا بظعنهم الحادي فيا نفس غيضي لات حين تبلد * ويا عين فيضي ليس ذا وقت أبلادي فهذا ولما يخل منهم نديهم * فكيف بأحوالي إذا ما خلا النادي فديتك هل بعد الفراق تواصل * وهل يرتجى التقريب من بعد ابعاد هداني إليك الحب ثم أضلني * فكيف احتيالي والمضل هو الهادي دعاني الهوى سرا فلبيت جهرة * وان كان اضلالي إليه وارشادي فقال الححي مهلا فقلت له مه * فإني في واد وانك في واد الا ليت شعري هل أرى قلة الحمى * وهل يروين سكانها غلة الصادي وهل تسهلن للعاشقين بذي الغضى * موارد طلاب مطالب وراد وقوله أيضا: ذكرتكم والشهب رزحى من السرى * وكف الثريا للغروب تشير وقد نشرت صدغ الظلام يد الدجى * فلم يبق من صدغ الظلام ضفير فقلت لندماني قوما فعالجا * فزادا يسير الوجد حيث يسير فقاما إلى صب له من جوى النوى * قرين ومن فرط الغرام عشير له رنة من بعدها الف رنة * إليكم ومن بعد الزفير زفير فقالا معا في السر نادى فؤاده * وان لم يعد لا عاد فهو أسير
512 فهل من فؤاد سالم نستعيره * فإن فؤاد الهاشمي كسير وقوله أيضا: سلا عذبات رامة بل رباها * سلاها لأعدمتكما سلاها أنازحة فراجعة سليمى * إليك أم أستقر بها نواها أما ومنى وزمزم والمصلى * وأركان العتيق ومن بناها لقد الف الفؤاد هوى سليمى * ولم يخلص إليه هوى سواها ورب ليلة زهراء بتنا * نروي من جوانحنا صداها فلف الصبح أردية الدياجي * ورق على مطارفنا نداها فقامت تعقد الأزرار عجلى * وقد حلت مدامعنا حباها فتبكي تارة وتنوح أخرى * أسى فلها بكاي ولى بكاها وقوله: وقالوا سقيم أي ورب محمد * ورب على انني لسقيم سقيم جفاه الأقربون فقلبه * به من ندوب الحادثات كلوم وقالوا لها هلا وأنت كريمة * وصلت الفتى العذري وهو كريم ومالك قد أصبحت لا ترحمينه * وقلبك فيما يزعمون رحيم فقالت لهم حي سليم من الهوى * بلى انني من حبها لسليم وقوله: سرى طيفها والشهب صاح ونشوان * وجنح الدجى في عرصة الجوجيران وكف الثريا بالدعاء ملحة * وصحن الثرى من عسكر الزنج ملآن فأرقني والوجد والركب جنح * وأكثرهم من قهوة النوم سكران الا أيها الوجد الذي هو قائلي * ترفق قليلا إنما انا انسان فلو انه ما بي بثهلان بعضه * لأصبح رجراج الثرى منه بثهلان وشعره كله على هذا الأسلوب الذي يملك السامع ويسترق القلوب.
513 (السيد أبو طالب) محمد بن أحمد بن محمد العلوي الحسيني صاحب كتاب (الرضا) ذكره الشيخ أبو الحسن علي بن عبيد الله بن بابويه في فهرس أسماء علماء الإمامية وقال في شأنه فاضل ثقة. وذكره أبو الحسن علي بن الحسن الباخرزي في كتاب (دمية القصر). فقال رأيت هذا السيد العالم الزاهد رضي الله عنه عند اجتيازي بالطبس وأقررت بطلعته الناظر وارتديت بصحبته العيش الناضر وطال ما كنت أسمع به فلما التقينا صغر الخبر الخبر فالخلق جددوا العلم ماله في طريقته المثلى من ندد وكان ملحا على أصحاب الملح يستفيدهم ويفيدهم حتى أمليت عليه شيئا من محفوظاتي واستكتبته بعض فوائده فجشم قلمه واستعمل في إجابتي كرمه الا إني فجعت بما أفأدنيه ونفذ الدهر حكمه فيه وآفات التعليقات كثيرة كما قال ابن درست: عليك بالحفظ دون الجمع للكتب * فأن للكتب آفات تفرقها الماء يغرقها والنار تحرقها * والفار يخرقها واللص يسرقها فما أنشده لنفسه: ان المكارم أصبحت لهفانة * حرى وأنت بلالها وبليلها وإذا المكارم ذللت أو ضللت * يوما فأنت دلالها ودليلها وله: لا تلحقنك ضجرة من سائل * قد رام عزك ان نرى مقتولا وأعلم بأنك عن قريب صائر * خبرا فكن خبرا يروق جميلا (فصل) من نثر له رشحه بنظم وكتب بهما إلى الرئيس أبى القاسم عبد الحميد بن يحيى طلع على خطاب حضرة سيدنا مقصورا على عقود حلاها تقاصيرها، وحليها كالرياض جلا أزاهيرها، وحليها هذه نظمها خاطر المولى وهذه وسمها ماطر الولي حارت أحداق البشر في حدائقه، وغارت حقائق الدر من حقائقه،
514 فخدمته وتلقيته باليمين وقلت (أزلفت الجنة للمتقين): ولو أطاقت من الأعظام تنشره * نواظر العين ما مكنت فيه يدا وان من أعطته المعالي زمامها وأمطته المكارم سنامها وأولته البلاغة صمصامها وجعلته البراعة عصامها ثم اعتام صفاياها اعتياما واحتكم في مزاياها احتكاما فاحر به ان يكون كتابه (المعالي) مقصورا على (حور مقصورات في الخيام) وتبسم ألفاظه عن اللؤلؤ الفرادى والتوائم فهنيئا له منزلته السماء في المجد العميم (فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) وكم كررت ناظري في فصوله عند وصوله فكانت أحسن من ملك أو شباب معاد وأشقى من ملك محاسد ومعاد ووقفت على سلامة نفسه النفيسة نفس الله مددها ووفر من الخير مددها ولا زالت عيون البلاء عنها غافلة وفنون العلماء إليها رافلة وأفنان العواف عليها مائدة وأنواع العوائد إليها عائدة فإنها نفس من عاتق المكارم وألفها كما عانقت لام الكتاب ألفها أما المخطوبة والكريمة المطلوبة فقد وصلت ومثله وان كان لا مثل له مثلها إلى مثلي من المنتمين إلى خدمته والمربوبين بنعمته يهدى فيزف وعن غيره يكف: فرائد جاوز الشعرى تراقيها * نظم المحاسن عقدا في تراقيها فلو تجسم ما فيهن من حكم * زهر كزهر جلاها صوب ساريها تناهبتها العذراى الحور ناظمة * على النحور عقودا من لأليها لها محاسن ما ان سويت بدلا * إلا وأبدى مساويه مساويها إذ لا مروة إلا وهو ناظما * ولا فتوة إلا وهو بانيها متى نظمت مديحا في مفاخره * تضوعت عنبرا وردا قواليها هذى المهارى حداهن الولاء إلى * دار تعطرت الدنيا أهاليها ولما انصرفت من البصرة في خدمة الركاب العميدي اتفق لي الاستعاد برؤيته ثانية وتدالت أسباب الوصول دانية يكاد يأخذها من قام بالراح فتزودت
515 من انبساط تلقائه والاغتباط ببقائه ما اعتقدت معه لله تعالى حمدا دائبا وشكرا واصبا ولم تظل به الأيام حتى بسط القضاء جناحه عليه وقضبه الله تعالى وله الكبرياء إليه رحمه الله. (السيد الشريف) أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة بن أحمد بن عبيد الله بن محمد ابن عبد الرحمن الشجري بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب " ع " المعروف بابن الشجري البغدادي ذكره الشيخ أبو الحسن على ابن عبيد الله بن بابويه القمي في رجاله وعده من مشايخ الامامية قال كان فاضلا صالحا صنف الأمالي شاهدت غير واحد يقرأها عليه. وذكره القاضي ابن خلكان في (وفيات الأعيان) وقال: كان إماما في النحو واللغة وأشعار العرب وأيامها وأحوالها كامل الفضائل متضلعا من الأدب أصنف فيها عدة تصانيف فمن ذلك كتاب (الأمالي) وهو أكبر تآليفه وأكثرها إفادة أملاه في أربعة وثمانين مجلسا وهو يشتمل على فوائد جمة وفنون الأدب وختمه بمجلس قصره على أبيات من شعر أبى الطيب تكلم عليها وذكر ما قاله السراج فيها وزاد من عنده ما سنح له وهو من الكتب الممتعة ولما فرغ من إملائه حضر إليه أبو عبد الله بن الخشاب والتمس سماعه منه فلم يجبه إلى ذلك وعاداه ورد عليه في مواضع من الكتاب ونسبه في مواضع منه إلى الخطأ فوقف أبو السعادات على ذلك الرد فرد عليه وبين غلطه وجمعه كتابا سماه (الأمصار) وهو على صغر حجمه مفيد جدا وسمعه عليه الناس وجمع أيضا كتابا سماه (الحماسة) ضاهى بن حماسة أبى تمام الطائي وهو كتاب غريب مليح أحسن فيه وله في النحو عدة تصانيف وكان حلو الكلام فصيحا جيد البيان والتفهيم وقرأ الحديث على جماعة من الشيوخ المتأخرين مثل أبى الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي وأبى على محمد بن سعيد
516 الكاتب وغيرهما وذكره الحافظ السمعاني في كتاب (الذيل) وقال اجتمعت معه في دار الوزير أبى القاسم علي بن طرد الزينبي وقت قرائتي عليه الحديث وعلقت عليه شيئا من الشعر في المدرسة ثم مضيت وقرأت عليه جزء من (امالي) أبى العباس ثعلب النحوي وحكى أن أبا القاسم محمود الزمخشري لما قدم بغداد قاصدا للحج في بعض أسفاره مضى إلى زيارة أبى السعادات المذكور فلما اجتمع به ذكر قول المتنبي: وأستكثر الأخبار قبل لقائه * فلما التقينا صغر الخبر الخبر ثم أنشده بعد ذلك قول محمد بن هاني الأندلسي: كانت مسائلة الركبان تخبرني * عن جعفر بن فلاح أحسن الخبر حتى التقينا فوالله ما سمعت * أذني بأحسن مما قد رأى بصرى فقال الزمخشري روى عن النبي صلى الله عليه وآله لما قدم عليه زيد الخيل قال يا زيد ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون ما وصف لي غيرك فخرج الحاضرون وهم يعجبون كيف يستشهد الشريف بالشعر والزمخشري بالحديث وهو رجل أعجمي وكان أبو السعادات المذكور نقيب الطالبين بالكرخ وله شعر حسن فمن ذلك قصيدة يمدح بها بعض الوزراء وصدرها: هذى السديرة والغدير الطافح * فاحفظ فؤادك انني لك ناصح يا سدرة الوادي الذي إن ضله * الساري هداه انشره المتفاوح هل عائد قبل الممات لمغرم * عيش تقضى في ظلالك صالح ما أنصف الرشأ الضنين بنظرة * لما دعى مضى الصبابة طامح شط المزار به وبوئ منزلا * بصميم قلبك فهو دان نازح غصن تعطفه النسيم وفوقه * قمر يحف به ظلام جانح وإذا العيون تساهمته لحاظها * لم يرو منه الناظر المتراوح ولقد مررنا بالعقيق فشاقنا * فيه مراتع للمها ومسارح
517 ظلنا به نبكي فكم من مضمر * وجدا أذاع هواه دمع سافح محت السنون رسومها فكأنما * تلك العراص المقفرات نواضح يا صاحبي تأملا حييتما * وسقى دياركما الملث الرائح أدمى بدت لعيوننا أم ربربا * أم خردا أكفالهن رواجح أم هذه مقل الصوار رنت لنا * خلل البراقع أم قنا وصفايح لم يبق جارحة وقد واجهننا * إلا وهن لها بهن جوارح كيف ارتجاع القلب من أسر الهوى * ومن الشقاوة ان يراض القارح لو بلة من ماء ضارج شربة * ما أثرت للوجد فيه لواقح ومن هاهنا يحرج إلى المديح، ومن شعره أيضا: هل الوجد خاف والدموع شهود * وهل مكذب قول الوشاة جحود وحتى متى تفي شؤونك بالبكا * وقد حد حدا للبكاء لبيد وإني وان حفت قناتي كبرة * لذو مرة في النائبات جليد فيه إشارة إلى قول لبيد يخاطب ابنتيه: إلى الحول ثم أسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر وكان بين الشريف أبى السعادات المذكور وبين أبى محمد الحسن الحريمي الشاعر تنافس جرت العادة بمثله بين أهل الفضل فلما وقف على شعره قال فيه: يا سيدي والذي يعيذك من * نظم قريض يصدى به الفكر ما فيك من جدك النبي سوى * إنك لا ينبغي لك الشعر ولعمري ما أنصفه ولكن العد ويقول في عدوه ما شاء. وكانت ولادة الشريف المذكور في سنة خمس وأربعمائة. وتوفى يوم الخميس لعشر بقين من شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. والشجري بفتح الشين المعجمة وفتح الجيم وبعدها راء نسبة إلى شجرة وهي قرية من أعمال المدينة على ساكنها الصلاة والسلام وليس من أجداده من أسمه
518 شجرة فينسب إليه كما تردد في ذلك ابن خلكان والله أعلم. (السيد أبو الصمصام) عماد الدين ذو الفقار بن محمد بن سعيد بن الحسن بن أحمد الملقب حميدان ابن إسماعيل قتيل القرامطة بن يوسف بن محمد بن يوسف الأصغر بن إبراهيم ابن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب " ع " الحسنى المروزي حسام المجد القاطع وقمر الفضل الساطع والامام الذي عرف فضله الإسلام وأوجبت حقه العلماء الاعلام ونطقت بمدحه أفواه المحابر والسن الأقلام وسعى جهده في بث أحاديث أجداده الكرام عليهم الصلاة والسلام وقل ما خلت إجازة من روايته لسعة علمه وروايته والثقة بورعه وديانته كان فقيها عالما متكلما وكان ضريرا يروى عن السيد الأجل المرتضى علم الهدى أبى القاسم علي بن الحسين الموسوي والشيخ الموفق أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسي والشيخ الجليل الصدوق أبى العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي وروى عنه السيد أبو الرضا فضل الله الراوندي ومن في طبقته قال الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن بابويه في (رجاله) صادفته وهو ابن مائة وخمسة عشر سنة (ره). والمروزي بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو بعدها زاي هذه النسبة إلى مرو الشاهجان وهي إحدى كراسي خراسان وهي أربع مدن هذه ونيسابور وهرات وبلخ هذه مرو بناها الإسكندر ذو القرنين وزاد في النسبة إليها زاي كما قالوا بالنسبة إلى الري رازي وهذا من باب تغيير النسب وأكثر أهل العلم يخص زيادة الزاي في النسب ببني آدم وما عدا ذلك لا يزاد فيه فيقال فلان المرزوي والثوب وغيره من المتاع مروي بسكون الراء وقيل بل يقال في الجميع بزيادة الزاي ولا فرق بين بني آدم وغيرهم والله أعلم
519 (السيد احمد) ابن علي العلوي الحسيني المرعشي أحد السادات الفضلاء والقادة النبلاء ولد بدهستان في صفر سنة اثنتين وستين وأربعمائة ونشأ بجرجان واستوطن في آخر عمره ساري مازندران وكان سيدا فاضلا نسابة سافر إلى الحجاز والعراق وخراسان وما وراء النهر والبصرة وخوزستان ولقى كثيرا من أئمة الحديث وسمع ببغداد من أبى يوسف عبد السلام بن محمد بن يوسف القزويني وبالكوفة من أبى الحسين أحمد بن محمد بن جعفر الثقفي وسمع بجرجان من أبى القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي وبأصبهان من أبى عمرو محمد بن أحمد بن عمر النهاوندي قال السمعاني كان السيد المذكور صاحب فضل كبير لكنه كان غاليا في التشيع معروفا بذلك وكنت رأيته أولا بمرو وانا صغير ثم رأيته بساري وسمعت منه بعض الأحاديث وكتبتها عنه. وتوفى في شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة رحمه الله. والمرعشي بضم الميم وسكون الراء المهملة وفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة نسبة إلى مرعش وهو لقب لجده معلى بن عبيد الله بن محمد بن الحسين ابن الحسين الأصغر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب " ع " لقب به لأنه كانت به رعشة وتشبيها له بمرعش وهو جنس من الحمام يحلق في الهواء والله أعلم. (السيد أبو طاهر) محمد بن يحيى بن ظفر بن الداعي بن مهدي بن جعفر بن محمد بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب " ع " كان من أهل أسترآباد شيخ الامامية بها ومقدم طائفته وعشيرته وأهل بيته كلهم علماء فضلاء محدثون اما جده الداعي ابن مهدي فكان من علماء الحديث المشهورين وأما ظفر بن الداعي فكان فقيها ثقة صالحا قرأ على الشيخ أبى الفتح محمد بن علي الكراجكي تلميذ الشريف المرتضى. وأما أبو طاهر المذكور فكان جليل القدر رفيع الشأن فقيها محدثا رئيسا
520 مدرسا سمع منه المخالف والمؤالف وممن سمع منه أبو سعد السمعاني وكانت ولادته سنة ست وستين وأربعمائة ولم تؤرخ وفاته رحمه الله (السيد أبو المحاسن) أحمد بن السيد الإمام فضل الله بن علي الحسيني الراوندي الملقب كمال الدين تقدم ذكر أبيه وأخيه كان عالما فاضلا ولى القضاء فحمدت سيرته وذكره الشيخ أبو الحسن علي بن بابويه في فهرس أسماء علماء الإمامية ووصفه بالعلم والفضل ولأبيه أشعار كثيرة يخاطبه بها فمن ذلك قوله يخاطبه: أقرة عيني انني لك ناصح * وان سبيل الرشد دونك واضح أقرة عيني لا تغرنك المنى * فما هن الا قانصات جوامح وليس المنى الا سرابا بقيعة * ترقرقه بادي النهار الصحاصح وإياك والدنيا الدنية انها * بوارح سوء ليس فيهن سانح إذا ما استشفتها الحقيقة أفصحت * بان المنايا غاديات روائح وان ليس نفس المرء الا منيحة * ولابد يوما ان ترد المنايح كفى حزنا ان الذنوب كثيرة * وما هن إلا المخزيات الفواضح كفى حزنا انا نسينا عديدنا * وقد عدها مستأمن لا يسامح ويا صدق ما قد قال من قبل شاعر * يعبر عما أضمرته الجوانح كفى حزنا ألا حياة شهية * ولا عمل يرضى به الله صالح وقوله في أول قصيدة كتبها إليه وهو بأصبهان: البين فرق بين جسمي والكرى * والبين أبكاني نجيعا أحمرا دمعي دم مذ صعدته حرقتي * سلبته حمرته فسال مقطرا كالورد أحمر ثم إن قطرته * خلع الرداء وعاد أبيض أزهرا قالوا تصبر قلت لا تستعجلوا * أو تصبر الأيام ان أتصبرا هذا حديث والنزاع يكاد ان * يقوى فينزع قلبي المتجبرا
521 قسما لو انى كنت أعلم أنني * أبقى كذا متلددا متحيرا لعلقت ذيل أبى المحاسن عنوة * أما تهيأ للفراق وشمرا وكتب إليه في جواب كتابه: وصل الكتاب فكان أكرم واصل * وقبلته في الحال أفرح قابل وحمدت ربى إذ قرأت كتابه * غررا حوالي لم تكن بعواطل وسألته التوفيق وهو موفق * لمصالح الولد الأعز الفاضل وقضاء ما قد كان من تقصيره * بالجد فيما بعد غير مماطل فليجتهد همان في تحصيله * لا شئ أحسن من قضاء عاجل (السيد أبو الحسن) علي بن رضى الدين مانكديم بن إسماعيل بن عقيل بن عبد الله بن الحسن ابن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين ابن أبي طالب " ع " كان أبوه السيد رضى الدين إماما فاضلا فقيها ثقة ذكره الشيخ أبو الحسن علي بن عبيد الله بن بابويه في فهرس أسماء علماء الإمامية وأثنى عليه. وأما ابنه السيد أبو الحسن المذكور فذكره أبو الحسن الباخرزي في (دمية) القصر. فقال ما عسى أن أقول في هذا السيد والوجه وضئ والشعر مرضى واللسان عربي والجد نبي والجلة شرف وهو من أسلاف الاشراف خلف رأيته عارضي الوجه من الشعر متناصف حسن الوجه والشعر غض الأدب والسن يضرب جماله وهو من الانس بعرق من الجن واستكتبته نبذا من أشعاره فكتب لي يخطه الديباجي الجلي وضمنها ما لم يضمن صدور الغانيات من الحلي: لعمرك ما نجدية الدار اتهمت * وحنت إلى نجد وأنت من الوجد يا جزع منى لا وأسكب عبرة * وأدنى الذي أخفى كأقصى الذي نبدي أقول إذا ما الليل أرخى سدوله * وطال مطال الصبح والقول لا يجدي
522 ألا ليت شعري هل أرى الصبح طالعا * بوجهك لي أفديه من طالع سعد وان جل ذاك الوجد عن قدر مهجتي * فليس على العبد الضعيف سوى الجهد ولو كنت أعطى ما أشاء من المنى * لما كنت تمشى قط إلا على خدي قلت ليت شعري من المنتعل لهذا الخد فأشهد له بعلو الجد: وما زهرات الروض باكرها الندى * ولا البدر فيما بين أنجمه الزهر بأحسن من سعدى إذا ما تبسمت * بياقوت فيها عن نظام من الدر وقوله: بنفسي معسول الرضاب مهفهف * حثيث الخطى في المشي سود غدائره أراق دمى وجدا وأرق ناظري * إذا ما دجى جنح الحنادس ناظره وكنت سجيس الدر أخشى فراقه * فكان الذي كنا قديما نحاذره وبت كما شاء الفراق ولم أزل * أكفكف دمعا تستهل بوادره بكى عند توديعي أسى فتهتكت * على ملاء من حاسديه ستايره فدمعته أشفت إلى الرقباء ما * أسرته من برح الغرام ضمائر ومانكديم لفظة فارسية معناها خد القمر أو قمري الخد وهي مركبة من مانك وديم فمانك بفتح الميم وسكون النون بعد الألف وكاف فارسية وهو القمر وقيل الشمس والأول أصح والديم بكسر الدال وسكون الياء المثناة من تحت على وزن جيم وهو الخد فاعلمه فقل ما أعرف أحد تأمل معنى ذلك ولقد سألت عن هذه اللفظة جماعة من الفرس فلم يعلموه حتى وقفت عليه في كتاب من كتب اللغة الفارسية: (الشريف) أبو محمد الحسن بن أبي الضوء العلوي الحسيني نقيب مشهد باب التين ببغداد وكان سيدا جليلا عالما فاضلا أديبا حسن الشعر والرواية عظيم الشأن جليل القدر وذكره العماد الكاتب في (الخريدة) وأنشد له من قصيدة يرثى بها النقيب الطاهر أبا عبد الله:
523 احملاني ان لم يكن لكما * عقر إلى جنب قبره فاعقراني وانضحا من دمى عليه فقد * كان دمى من نداه لو تعلمان قال العماد وتوفى الشريف أبو محمد المذكور سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. قال المؤلف عفا الله عنه ذكرت بهذين البيتين حكاية حكاها ذكره الشيخ أبو الفرح عبد الرحمن بن الجوزي في كتاب (الأذكياء) وهي تنافى كون هذين البيتين للسيد أبى محمد المذكور. وصورة الحكاية قال بلغني من بعض أصحاب المبرد إنه قال انصرفت من مجلس المبرد فعبرت على خربة فإذا انا بشيخ قد حرج منها وفى يده حجر فهم ان يرميني فتترست بالدفتر فقال لي مرحبا بالشيخ فقلت وبك فقال لي من أين أقبلت قلت من مجلس المبرد فقال البارد ثم قال ما الذي أنشدكم وكان عادته أن يختم مجلسه ببيت أو بيتين ومن الشعر فقلت أنشدنا: أعار الغيث نائله * إذا ما مائه نفدا وان أسد شكى جبنا * أعار فؤاده الأسدا فقال أخطأ قائل هذا الشعر قلت كيف قال الا تعلم إذا أعار الغيث نائله بقى بلا نائل وإذا أعار الأسد فؤاده بقى بلا فؤاد قال هلا قال مثل هذا وأنشد: علم الغيث نداه فإذا * ما وعاه علم البأس الأسد فله الغيث مقربا لندى * وله الليث مقر بالجلد فكتبتها عنه وانصرفت ثم مررت به بعد أيام وإذا به قد خرج وبيده حجر فكاد يرميني ثم ضحك وقال مرحبا بالشيخ اتيت من مجلس المبرد فقلت نعم فقال ما الذي أنشدكم فقلت أنشدنا: ان السماحة والمروة ضمنا * قبرا بمرو على الطريق الواضح فإذا مررت بقبره فاعقر به * كرم الجياد وكل طرف سابح فقال لي أخطأ قائل هذا الشعر قلت كيف قال ويحك لو نحر نجب خراسان
524 ما أثر في حقه هلا قال مثل هذا وأنشد: احملاني ان لم يكن لكما * عقر إلى جنب قبره فاعقراني وانضحا من دمي عليه فقد * كان دمى من نداه لو تعلمان فلما عدت إلى المبرد قصصت عليه القصة فقال لي أتعرفه قلت لا فقال ذاك خالد الكاتب تأخذه السوداء في أيام الباذنجان انتهى فأن صحت هذه الحكاية بطلت نسبة البيتين المذكورين إلى السيد أبى محمد المذكور لأن المبرد توفى سنة ست وثمانين وقيل سنة خمس وثمانين ومائتين وقد علمت أن وفاة السيد أبى محمد المذكور سنة سبع وثلاثين وخمسمائة فتعين نظم البيتين المذكورين قبل وجوده بمدة مديدة فيتحمل ان يكون ضمنها قصيدة فنسبها إليه والله أعلم. (الشريف أبو إبراهيم) محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق المؤتمن بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب " ع " المعروف بالحراني كان عالما فاضلا أديبا لبيبا عاقلا شجاعا مقدما تقدم بحران ونبغ بها واشتهر ذكره وعلا صيته قال العمرى النسابة لم تكن حال أبى إبراهيم في أول أمره واسعة فزوجه أبو عبد الله الحسين الحراني بن الحسين بن علي بن عبد الله بن علي الطيب العلوي العمرى أبنته خديجة المعروفة بأم سلمة وكان أبو عبد الله الحسين العمرى متقدما بحران مستوليا عليها وقوى أمر أولاده حتى استولوا على حران وملكوها على آل وثاب وساروا سيرة ردية وأسلم بعضهم بعضا حتى تفرقوا وقهروا وأخرجوا عن حران قال فأمد أبو عبد الله الحسين أبا إبراهيم بماله وجاهد ونبغ أبو إبراهيم وتقدم وخلف أولاد سادة فضلاء هذا كلامه ومن شعر أبى إبراهيم القصيدة التي كتبها إلى أبى العلاء المعرى وأجاب عنها المعرى بالقصيدة المشهورة المثبتة في ديوانه وأول قصيدة الشريف أبى إبراهيم قوله:
525 غير مستجس وصال الغواني * بعد ستين حجة وثمان فصن النفس عن طلاب التصابي * وازجر القلب عن سؤال المغاني ان شرخ الشباب بدله شيبا * وضعفا مقلب الأعيان فانفض الكف عن صبا الحميا * وامعن الفكر في اطراح المعاني وبيمن بساعة البين فأجعل * خير فال تناعب الغربان أترجى ما لا رحيبا فاسعاد * سعاد وقد مضى الأطيبان فالأديب الأريب يعرف ما * ضمن طي الكتاب بالعنوان علق الدهر عارضيك بشيب * أنكرت عرفه أنوف الغواني وتحامت حماك نافرة عنك * نفار المهى من السرحان ورد الغائب البغيض إليهن * وولى حبيبهن المداني وأخو الحزم مغرم بحميد * الذكر يوم الندى ويوم الطعان همه المجد واكتساب المعالي * ونوال العافي وفك العاني لا يعير الزمان طرفا ولا يجمل * صبرا بطارق الحدثان وقصيدة طويلة غراء جيدة جدا وفى هذا القدر منها كفاية وقصيدة المعرى أولها: عللاني فإن بيض الغواني * فنيت والظلام ليس بفاني ان تناسيتما وداد أناس * فاجعلاني من بعض من تذكراني رب ليل كأنه الصبح في الحسن * وان كان أسود الطيلسان قد ركضنا فيه إلى اللهو لما * وقف النجم وقفة الحيران كم أردنا ذاك الزمان بمدح * فشظنا بذم هذا الزمان ومع شهرة ديوانه فلا حاجة إلى اثبات أكثر من هذا وما أحسن قوله فيها: وعلى الدهر من دماء الشهيدين * على ونجله شاهدان فهما في أواخر الليل فجران * وفى أولياته شفقان
526 قال بعض الشراح إنما قال هذا لأن الممدوح كان رجلا علويا شيعيا وفرقة من الشيعة يزعمون أن الحمرة التي في أوائل الليل وأواخره لم تكن إلا منذ قتل الحسين " ع " ومنهم من يرى أن ادعاء هذا محال لأن تلك الحمرة لم تزل موجودة قبل قتله " ع " بل يحسن القول على مذهبه بان يقول إنما كانت أعلاما من الله تعالى بما سيكون من قتلهما " ع " قبل ان يكون انتهى. قال المؤلف لم ينفرد الشيعة بهذا القول بل قال به أيضا جماعة من أهل السنة منهم العلامة جلال الدين السيوطي فقد قال في تاريخ الخلفاء كان قتله يوم عاشوراء وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ثم لا زالت ترى الحمرة بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله هذا نصه فنسبة القول به إلى فرقة من الشيعة لا وجه له. وتوفى السيد أبو إبراهيم بحلب فرثاه المعرى بقصيدته التي خاطب بها أولاده: بنى الحسب الوضاح والشرف الجم * لساني ان لم ارث والدكم خصمي وهي قصيدة طويلة أحسن فيها كل الاحسان. والحراني بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين وبعد الألف نون نسبة إلى حران وهي مدينة عظيمة مشهورة بين الموصل والشام قيل سميت بهاران أخي إسماعيل " ع " لأنه أول من بناها فعربت فقيل حران والله أعلم. (الشريف أبو القاسم) طاهر بن الحسين بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر الحجة بن عبد الله الأعرج ابن الحسين الأصغر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كان شريفا جليلا عالما فاضلا كريما ممدحا شهما شجاعا مقاما مهيبا مع الصلاح والورع والتقوى وهو الذي مدحه أبو الطيب المتنبي بالقصيدة البائية التي يقول فيها: إذا علوي لم يكن مثل طاهر * فما هو إلا حجة للنواصب يقولون تأثير الكواكب في الورى * فما باله تأثيره في الكواكب
527 علا كتد الدنيا إلى كل غاية * تسير به سير الذلول براكب وحق له ان يسبق الناس جالسا * وبدرك ما لم يدركوا غير طالب ويحدى عرانين الملوك وإنها * لمن قدميه في أجل المراتب يد للزمان الجمع بيني وبينه * لتفريقه بيني وبين النوائب هو ابن رسول الله وابن وصيه * شبههما شبهت بعد التجارب وكان يسكن الرملة من بلاد الشام وكانت له المنزلة العظيمة والجاه الرفيع عند صاحبها الأمير أبى محمد الحسين بن عبيد الله بن طغج حتى قيل إنه الذي أمر المتنبي بمدحه وكان المتنبي وعد الأمير أبا محمد بقصيدة فقال له اجعلها عوضا عنى في الشريف فسار إليه وأنشده القصيدة المذكورة والله أعلم.
528 بسم الله الرحمن الرحيم الطبقة الحادية عشرة (من الدرجات الرفيعة في طبقات الامامية من الشيعة) رحمهم الله تعالى برحمته الواسعة (النابغة الجعدي) هو أبو ليلى حيان بن قيس بن عبد الله بن وحوح بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن قصعة بن قيس بن عيلان بن مضر. قال أبو الفرج الأصبهاني هذا النسب الذي عليه الناس اليوم مجتمعين وقد روى فيه روايات تخالف هذا. وعن محمد بن سلام أنه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن صعصعة. وقال ابن الأعرابي هو قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة ابن جعدة بن كعب بن ربيعة. قال أبو الفرج وهذا وهم ممن قال إنه اسمه قيس إذ ليس يشك في أنه كان له أخ يقال له وحوح بن قيس وهو الذي قتله بنو أسد. وإنما سمى النابغة لأنه أقام مدة لا يقول الشعر ثم نبغ فقيل له النابغة. وقيل إنه قال الشعر في الجاهلية ثم أجبل دهرا ثم نبغ بعد بالشعر في الإسلام. قال المؤلف يقال أجبل الشاعر إذا صعب عليه قول الشعر فانقطع كأنه وصل إلى جبل من قولهم أجبل الحافر إذا أقضى إلى الجبل والصخر الذي لا يحك فيه المعول.
529 وعن ابن الاعرابي قال أقام النابغة الجعدي ثلاثين سنة لا يتكلم ثم تكلم بالشعر فقيل له النابغة. وكان شاعرا قديما مفلقا طويل البقاء في الجاهلية والإسلام وهو أسن من نابغة بنى ذبيان ويدل على ذلك قوله: ومن يك سائلا عنى فإني * من الفتيان أيام الخنان أتت مائة لعام ولدت فيه * وعشر بعد ذاك وحجتان فقد أبدت خطوب للدهر منى * كما أبقت من السيف اليماني وعمر بعد ذلك عمرا طويلا والخنان بضم الخاء وبعدها نونين بينهما الف على وزن سراب، سئل محمد بن حبيب عن أيام الخنان ما هي فقال وقعة كانت لهم فقال قائل منهم خنوهم بالرماح فسمى ذلك العام عام الخنان انتهى. يقال خنى الجذع إذا قطعه والقوم وطئ تحتهم أي حريمهم. وقال الفيروز آبادي في القاموس الخنان كقراب زمام للإبل وزمن الخنان كان في عهد المنذر بن ماء السماء ماتت الإبل منه ومن شعر النابغة في طول عمره: قالت امامة كم عمرت زمانة * وذبحت من عنز على الأوثان ولقد شهدت عكاظ قبل محلها * فيها وكنت أعد ملفتيان والمنذر بن محرق في ملكه * وشهدت يوم هجائن النعمان وعمرت حتى جاء احمد بالهدى * وقوارع تتلى من القرآن ولبست في السلام ثوبا واسعا * من سيب لا حرم ولا منان والمنذر بن محرق المذكور هو ابن النعمان ملك الحيرة وكان من ندمائه كما يدل عليه قوله: تذكرت والذكرى تهيج على الفتى * وما حاجة المحزون ان يتذكرا نداماي عند المنذر بن محرق * أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا كهول وفتيان كأن وجوههم * دنانير مما شيف في أرض قيصرا
530 وهذا مما يدل على أنه أسن من النابغة الذبياني لأن الذبياني أدرك النعمان ابن المنذر وهو أدرك إياه المنذر ونادمه ومات الذبياني قبله ولم يدرك الإسلام وهو أدرك الإسلام وأسلم وعاش إلى أيام عبد الملك بن مروان. وقال أبو حاتم السجستاني في كتاب (المعمرين) عاش مأتي سنة، وقال عمر بن شبه مائة وثمانون سنة وأنشد عمر بن الخطاب أبياته التي يقول فيها: لبست أناسا فأفنيتهم * وأفنيت بعد أناس أناسا ثلاثة أهلين أفنيتهم * وكان الاله هو المستأمما فقال عمر كم لبثت مع كل أهل قال ستين سنة. وقال ابن قتيبة انه عمر مائتين وعشرين سنة. قال أبو الفرج وما ذاك بمنكر لأنه قال لعمر انه أفنى ثلاثة قرون كل قرن ستون سنة فهذه مائة وثمانون سنة ثم عمر بعدهم فمكث بعد قتل عمر خلافة عثمان وعلى " ع " ومعاوية ويزيد وقدم على عبد الله بن الزبير فمكث بمكة وقد دعا إلى نفسه وبين هؤلاء وعمر نحو ما ذكر ابن قتيبة بل لا أشك انه بلغ هذا السن وعن الأصمعي انه عاش مائتين وثلاثين سنة. قال أبو عبيدة كان النابغة ممن فكر في الجاهلية وأنكر الخمر والسكر وهجر الأزلام واجتنب الأوثان وقال في الجاهلية كلمته التي أولها: الحمد لله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما وكان يذكر دين إبراهيم " ع " والحنيفية ويصوم ويستغفر، ولما بعث للنبي صلى الله عليه وآله وفد عليه، وأنشده قصيدته التي أولها: خليلي غضا ساعة وتهجرا * ولو ما على ما أحدث الدهر أوزرا فلما وصل إلى قوله: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا * وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا غضب النبي صلى الله عليه وآله وقال له أين يا أبا ليلى؟ قال إلى الجنة: قال: أجل
531 إن شاء الله تعالى فلما فرغها قال له النبي صلى الله عليه وآله لا يفض الله فاك مرتين. قال يعلى بن الأسد والعقيلي فلقد رأيته وقد أتت عليه مائة سنة أو نحوها وما انفض من فيه سن ولا أنفلت وان أسنانه لكالبرد المنهل. وفى رواية نصر بن عاصم الليثي انه أنشد النبي صلى الله عليه من القصيدة قوله: ولا خير في حلم إذا لم تكن له * بوادر تحمى صفوه ان يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال له صلى الله عليه وآله صدقت لا يفضض الله فاك فمكث بعد كلما سقطت له سن عادت أخرى. وهذه القصة رويت مسلسلة بالشعراء من رواية دعبل بن علي الشاعر عن أبي نواس عن والبة بن الحباب عن الفرزدق عن الطرماح عن النابغة وهي في كتاب الشعر لأبي زرعة الرازي وعن مسلمة بن أبي محارب قال دخل النابغة الجعدي على عثمان بن عفان فقال أستودعك الله قال وأين تريد يا أبا ليلى قال الحق بإبلي فاشرب من البانها فإني منكر لنفسي فأذن له فدخل على الحسن والحسين ابني على " ع " فقالا له أنشدنا من شعرك يا أبا ليلى فأنشدهما: الحمد لله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما المولج الليل في النهار وفى * النهار ليلا يفرج الظلما الخافض الرافع السماء على * الأرض ولم يبن تحتها دعما ثم عظاما أقامها عصب * ثمة لحما كساه فالتحما من نطفة قدرها مقدرها * يخلق منها الانسان والنسما واللون والصوت والمعايش * والأرزاق شتى وفرق الكلما ثمة لا أبدان سيجمعكم * والله جهدا شهادة قسما فائتمروا الان ما بدا لكم * واعتصموا ما وجدتم عصما في هذه الأرض والسماء ولا * عصمة منه الا لمن عصما
532 وهي قصيدة طويلة يذكر ضروب التوحيد والاقرار بالبعث والجزاء والجنة والنار. قال فقال الحسن والحسين يا أبا ليلى كنا نروي هذا الشعر لأمية بن أبي الصلت فقال يا ابني رسول الله انى لصاحب هذا الشعر وأول من قاله وان السروق من سرق شعر أمية. قال أبو الفرج وغيره وشهد النابغة مع علي " ع " بصفين. وروى أحمد بن عبد العزيز الجوهري باسناده إلى ابن داب. قال لما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " إلى صفين خرج معه نابغة بنى جعدة فساق به يوما فقال: قد علم المصران والعراق * ان عليا فحلها العتاق أبيض جحجاح له رواق * وأمه غالى بها الصداق أكرم من شد به نطاق * ان الأولى جاروك لا أفاقوا لهم سباق ولكم سباق * قد علمت ذالكم الرفاق سقتم إلى نهج الهدى وساقوا * إلى التي ليس لها عراق في أهله عادتها النفاق ولما تغلب معاوية كتب إلى مروان فاخذ أهل النابغة وماله فلما قدم معاوية الكوفة دخل عليه النابغة وعنده مروان فقال: من راكب يأتي ابن هند بحاجتي * على النأي والأنباء تنمى وتجلب ويخبر عنى ما يقول ابن عامر * ونعم الفتى يأوي إليه المعصب فان تأخذوا أهلي ومالي بظنة * فأنى لحراب الرجال محرب صبور على ما يكره المرء كله * سوى الظلم إني ان ظلمت لا غضب فالتفت معاوية إلى مروان فقال ما ترى قال أرى ان لا ترد عليه شيئا فقال ما أهون عليك ان ينحجر هذا في غار ثم يقطع عرضي على ثم تأخذه العرب
533 فترويه اما والله ان كنت لمن يرويه أردد عليه كل شئ اخذته منه. وذكر أبو نعيم في تاريخ أصبهان ان معاوية كان أخرج النابغة إلى أصبهان وكانت وفاته بها. وعن ابن قتيبة انه مات بأصبهان أيضا. وفى تاريخ الإسلام للذهبي ان النابغة قال هذه الأبيات: المرء يهوى أن يعيش * وطول عمر قد يضره وتتابع الأيام حتى * ما يرى شيئا يسره تفنى بشاشته ويبقى * بعد حلوا العيش مره ثم دخل بيته فلم يخرج حتى مات. وكان موته في أيام عبد الملك بن مروان ومن شعره: وكم من أخي عيلة مقتر * تأنى له المال حتى انجبر وآخر قد كان جم الغنى * أتته الحوادث حتى افتقر وكم غائب كان يحشى الردى * ناب وأودى الذي في الحضر وللصمت أفضل في حينه * من القول في خطل أو هذر عليك من أمرك ما تستطيع * وليس يعنيك منه قدر وما البغي إلا على أهله * وما الناس إلا كهذا الشجر ترى الغصن في عنفوان الشباب * يهتز في بهجة قد نضر زمانا من الدهر ثم التوى * فعاد إلى صفرة فانكسر وبينا الفتى يعجب الناظرين * مال على عطفه فانعقر فاحمد ربى باحسانه * إلى واشكر فيمن شكر هداني بنعمته للهدى * وشق المسامع لي والبصر وأحسن ربى فيما مضى * وأرجو المعافاة فيما غبر (قائدة) النوابغ العشراء جماعة: الجعدي المذكور والنابغة الذبياني وعبد الله ابن المخارق الشيباني ويزيد بن أبان الحارثي ونابغة بنى رمد والنابغة بن لأي الغنوي
534 والحرث بن بكر اليربوعي والحارث بن عدوان التغلبي والنابغة العدواني ولم يسم قاله في القاموس. (كعب بن زهير بن أبي سلمى) بضم السين قال في (الصحاح) وليس في العرب سلمى بضم السين غيره واسمه ربيعة بن رياح بكسر الراء ثم تحتية مثناة بن مرة بن الحرث بن مازن بن تغلب بن ثور بن هرمة بن الأطم بن عثمان بن عمرو بن طابخة بن الياس بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان وأمه امرأة من بنى عبد الله بن غطفان يقال لها كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم وهي أم سائر أولاد زهير، كان أبوه زهير أحد الشعراء الثلاثة الفحول المقدمين على سائر الشعراء بالاتفاق وانما الخلاف في تقديم أحدهم على الآخر وهم أمرؤ القيس وزهير والنابغة الذبياني. روى المدائني عن عيسى بن يزيد قال سأل معاوية الأحنف بن قيس عن أشعر الشعراء قال زهير قال وكيف ذلك قال كف عن المادحين فضول الكلام قال مثل ماذا قال مثل قوله: فما يك من خير أتوه فإنما * توارثه آباء آبائهم قبل قال محمد بن سلام احتج من فضل زهيرا بأنه كان أمتنهم شعرا وأبعدهم من سخف وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل في اللفظ وأشدهم مبالغة في المدح وأكثرهم أمثالا فمن ذلك قوله في معلقته: سأمت تكاليف الحياة ومن يعش * ثمانين عاما لا أبا لك يسأم رأيت المنايا خبط عشواء من تصب * تصبه ومن تخطى يعمر ويهرم ومن لم يصانع في أمور كثيرة * يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم ومن يك ذا فضل فيخبل بفضله * على قومه يستغن عنه ويذمم ومن يجعل المعروف من دون عرضه * يفره ومن لا يتقى الشتم يشتم ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه * يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
535 ومن هاب أسباب المنايا ينلنه * ولو نال أسباب السماء بسلم ومن يغترب يحسب عدوا صديقه * ومن لم يكرم نفسه لم يكرم ومهما تكن عند أمرء من خليقة * وان خالها تخفى على الناس تعلم وعن عكرمة بن جرير قال قلت لأبي يا أبه من أشعر الناس قال أعن الجاهلية سألتني أم عن الإسلام قال ما سألتك الا عن الإسلام فإذا قد ذكرت الجاهلية فأخبرني عن أهلها قال زهير أشعر أهلها قلت فالإسلام قال الفرزدق نبعة الشعر قلت فالأخطل قال يجيد مدح الملوك ويصيب وصف الخمرة قلت فما تركت لنفسك قال نحرت الشعر نحرا. ويروى ان رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى زهير بن أبي سلمى وله مائة سنة فقال صلى الله عليه وآله: اللهم أعذني من الشيطان فمات. وكان موته قبل البعثة بسنة. وروى عن ابن عباس انه قال كنت مع عمر بن الخطاب سنة ست عشرة إذ خرج إلى الشام وهي أول خرجة خرجها حتى إذا أتيته فشكا إلى تخلف على صلوات الله عليه عن الخروج معه فصلى صلاة المغرب ثم ثبت حتى صلى العشاء وأوتر فركب وأخذ كل انسان زميله وكنت زميلا له فصار لا يرى شيئا إلا رفع سوطه وقرع به وسط رحله ثم رفع صوته يتغنى بشعر الأسود بن زنيم الدئلي بمدح النبي صلى الله عليه وآله: ما حملت من ناقة فوق رحلها * أبروا وفى ذمة من محمد حتى أنى على الشعر ثم قال أستغفر الله وسكت هنيئة ثم قرع وسط رحله واندفع يتغنى بشعر أبى طالب " ع ". وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل حتى أتى على الأبيات ثم قال أستغفر الله هيه يا بن عباس ما منع عليا ان يخرج في هذه الغزاة قلت أولم تبعث إليه فجاءك وذكر عذرة لك قال بلى قلت هو ما اعتذر به ثم قال أبوك يا بن عباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله قلت نعم قال بخ بخ
536 ما منع قومك منكم قلت لا أدرى قال إنهم يكرهون ولايتكم قلت فلم يكرهون ذلك فوالله ما زلنا لهم بخير قال اللهم اغفر، يكرهون ان تكون النبوة والخلافة فيكم فتكونون حجفا حجفا ان أول من رابكم عن هذا الامر أبو بكر ولو جعل لكم من الامر نصيبا لما هناكم قومكم. يا بن عباس أنشدني لشاعر الشعراء قلت من هو؟ قال أولا تعرفه قلت لا قال هو ابن أبي سلمى قلت فكيف صار شاعر الشعراء قال أنه لا يتبع حواشي الكلام ولا يعاظل بين المنطق ولا يقول إلا ما يعرف ولا يمدح الرجل إلا بما يكون في الرجال فأنشدته حتى برق الفجر قال حسبك الآن أقرأ القرآن قلت ما أقرأ قال الواقعة فقرأتها ونزل فأذن وصلى الصبح وكان زهير نظارا متوقيا فرأى في منامه آتيا اتاه فحمله إلى السماء حتى كاد يمسها بيده ثم تركه فهوى إلى الأرض فلما أحتضر قص رؤياه على أولاده وقال إني لا أشك ان يكون بعدي من خبر السماء شئ فإن كان فتمسكوا به وسارعوا إليه ثم توفى قبل المبعث الشريف بسنة فلما بعث صلى الله عليه وآله خرج إليه بجير ابنه فأسلم ثم رجع إلى بلاده فلما جاهر صلى الله عليه وآله أتى بجير المدينة فكان من خيار المسلمين وشهد الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حنين أو خيبر. وأما كعب بن زهير فكان من فحول الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام وكان يقال أشعر الشعراء في الجاهلية زهير وأشعرهم في الإسلام ابنه كعب وعن هشام بن إسحاق قال: قال زهير بيتا ونصفا ثم أكدى فمر به النابغة فقال: يا أبا امامة أجز قال وما قلت قال قلت: تزيد الأرض أما مت خفا * وتحيى ان حييت بها ثقيلا نزلت بمستقر العز منها فأكدى والله النابغة وأقبل كعب وانه لغلام فقال له أبوه أجز وأنشده فقال كعب: (وتمنع جانبيها ان تزولا) فضمه إليه وقال أشهد انك ابني حقا. وروى أصحاب السير ان كعبا وبحيرا ابني زهير خرجا إلى أبرق العراق فقال بجير
537 لكعب أثبت في غنمنا هنا حتى آتي هذا الرجل يعنى النبي صلى الله عليه وآله فاسمع كلامه وأعلم ما عنده فأقام كعب ومضى بجير إلى النبي صلى الله عليه وآله فسمع وآمن به فبلغ ذلك كعب فغضب وقال: ألا بلغا عنى بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا سقاك بها المأمون كأسا روية * وأنهلك المأمون منها وعلكا ففارقت أسباب الهدى وتبعته * على أي شئ ويب غيرك دلكا على مذهب لم تلف أما ولا أبا * عليه ولم تعرف عليه أخا لكا فان أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل اما عثرت لعا لكا وأرسل بها إلى بجير فلما وقف عليها أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله فلما سمع قوله سقاك المأمون قال صلى الله عليه وآله مأمون والله وذلك انهم كانوا يسمون رسول الله المأمون ولما سمع صلى الله عليه وآله قوله على مذهب ويروى على خلق لم تلف اما البيت قال صلى الله عليه وآله أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه ثم إن رسول الله قال من لقى منكم كعب بن زهير فليقتله وذلك عند انصرافه صلى الله عليه وآله عن الطائف فكتب إليه أخوه بجير بهذه الأبيات: أمن مبلغ كعبا فهل لك في التي * تلوم عليها باطلا وهي أحرم إلى الله لا العزى ولا اللات وحده * فتنجو إذا كان النجاء وتسلم لدى يوم لا تنجو وليس بمفلت * من الناس الا طاهر القلب مسلم فدين زهير وهو لا شئ دينه * ودين أبى سلمى على محرم وكتب بعد هذه الأبيات ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أهدر دمك وانه قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه ومن بقى من شعراء قريش كابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه وما أحسبك ناجيا فإن كان لك في نفسك حاجة فصر إليه فإنه يقبل من أتاه تائبا ولا يطالبه بما تقدم قبل الإسلام فلما بلغ كعبا الكتاب أتى إلى مزينة لتجيره من رسول الله صلى الله عليه وآله فأبت ذلك
538 عليه فحينئذ ضاقت عليه الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان عدوه فقالوا هو مقتول فقال قصيدته المشهورة يمتدح فيها النبي صلى الله عليه وآله ويذكر خوفه وأرجاف الوشاة به ومطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول يجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت * كأنها منهل بالراح معلول ومنها: تسعى الوشاة بجنبيها وقولهم * إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول وقال كل خليل كنت آمله * لا ألهينك إني عنك مشغول فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم * فكلما قدر الرحمن مفعول كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول أنبئت ان سول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة * القرآن فيه مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب وان كثرت في الأقاويل إني أقوم مقاما لا يقوم به * أرى وأسمع ما لو يسمع الغيل لظل يرعد الا أن يكون له * من النبي بإذن الله تنويل حتى وضعت يميني لا أنازعه * في كف ذي نقمات قيله القيل ومنها: ان الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا زالوا فما زال انكاس ولا كشف * عند اللقاء ولا ميل معاذيل شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل ثم خرج حتى أتى المدينة فنزل على رجل من جهينة كانت بينه وبينه
539 معرفة فأتى به إلى المسجد ثم أشار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال هذا رسول الله فقم إليه وأستأمنه على نفسك وعرف كعب رسول الله صلى الله عليه وآله بالصفة التي وصفه له الناس وكان مجلس رسول الله بين أصحابه مثل موضع المائدة يتحلقون حوله حلقة حلقة فيقبل على هؤلاء فيحدثهم ثم يقبل على هؤلاء فيحدثهم فقام إليه حتى جلس بين يديه فوضع يده في يده ثم قال يا رسول الله ان كعب بن زهر جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن انا جئتك به قال نعم ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يعرف كعبا ولا رآه قبل ذلك قال يا رسول الله انا كعب بن زهير فقال صلى الله عليه وآله الذي يقول ما يقول ثم أقبل على أبى بكر فاستنشده الشعر فأنشد: سقاك بها المأمون كأسا روية * وأنهلك المأمون منها وعلكا فقال كعب ما هكذا قلت يا رسول الله قال رسول الله وكيف؟ قلت قال قلت: سقاك أبو بكر بكأس روية * وأنهلك المأمون منها وعلكا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله مأمون والله ووثب رجل من الأنصار فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وآله دعه عنك فأنه قد جاءنا تائبا نازعا ثم أنشد النبي قصيدته المذكورة فلما بلغ إلى قوله: ان الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول أشار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى من حوله ان أسمعوا. ويروى ان كعبا أنشد من سيوف الهند فقال رسول الله: قل من سيوف الله فلما أتى على آخرها رمى عليه بردة كانت عليه ولذلك سميت هذه القصيدة بالبردة وقال أبو بكر ابن الأنباري ان معاوية بذل لكعب في البردة عشرة آلاف فقال ما كنت لأوثر بثوب رسول الله (ص) أحدا فلما مات كعب بعث معاوية إلى ورثته بعشرين الف فأخذها منهم وهي التي كانت تلبسها الخلفاء في الأعياد. وعن علي بن زيد ان كعب بن زهير أنشد رسول الله قصيدته في المسجد
540 الحرام لا في مسجد المدينة ذكره أبو الفرج الأصبهاني في الجامع الكبير والأول هو المشهور. وكان إسلام كعب بعد رجوع النبي صلى الله عليه وآله من الطائف وغزوة تبوك وذلك في السنة التاسعة من الهجرة. ومن شعره الذي يشهد بحسن عقيدته ويدل على خلوص سريرته ما أنشده الشيخ المفيد (ره) في كتاب العيون والمحاسن والشريف المرتضى في كتاب الفصول والشيخ أبو جعفر ابن شهرآشوب في موضعين من كتاب المناقب وهي قوله يمدح أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام. صهر النبي وخير الناس كلهم * فكل من رامه بالفخر مفخور صلى الصلاة مع الأمي أولهم * قبل العباد ورب الناس مكفور (أبو فراس) همام وقيل هميم بالتصغير ابن غالب بن صعصعة بن ناجية عقال بن محمد ابن سفيان بن مجاشع بن دارم واسمه بحر وسمى دارما لأن قوما أتوا أباه في حمالة فأمره أن يأتيه بخريطة فيها دراهم فجاءه يحملها وهو يدرم تحتها ثقلا أي يقارب خطاه فقال جاءكم دارم بن مالك واسمه عرف سمى مالكا لجوده ابن حنظلة ابن مالك بن زيد بن مناة بن تميم بن مرة التميمي البصري الشاعر المعروف بالفرزدق وهو لقب لقب به لأنه كان جهم الوجه والفرزدق في الأصل قطع العجين وأحدها فرزدقة وقيل لقب به لغلظه وقصره تشبيها بالقنينة التي يشرب بها الماء وهي الفرزدقة والأول أصح لأنه كان أصابه جدري في جهة ثم برئ منه فيقي وجهه جهما متغضنا. وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس. وكان أبوه غالب من أجلة قومه وسراتهم سيد بادية تميم وله مناقب مشهورة ومحامد مأثورة. فمن ذلك أنه أصاب أهل الكوفة مجاعة وهو بها فخرج أكثر الناس إلى
541 البوادي فكان هو رئيس قومه وكان سحيم بن وثيل رئيس قومه فاجتمعوا بمكان يقال له صوار في طرف السماوة من بلاد كلب على مسيرة يوم من الكوفة فعقر غالب لأهله ناقة وصنع منها طعاما وأهدى إلى قوم من بنى تميم جفانا من ثريد ووجه إلى سحيم جفنة فكفأها وضرب الذي أتى بها وقال: انا مفتقر إلى طعام غالب إذا نحر ناقة نحرت أخرى فوقعت المنافرة ونحر سحيم لأهله ناقة فلما كان من الغد عقر غالب لأهله ناقتين فعقر سحيم لأهله ناقتين فلما كان اليوم الثالث عقر غالب ثلاثا فنحر سحيم ثلاثا فلما كان اليوم الرابع عقر غالب مائة فلم يكن عند سحيم هذا القدر فلم يعقر شيئا وأسرها في نفسه فلما انقضت المجاعة دخلت الناس الكوفة قال بنو رياح لسحيم جررت علينا عار الدهر هلا نحرت مثل ما نحر وكانا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين فاعتذر ان إبله كانت متفرقة وعقر ثلاثمائة ناقة وقال للناس شأنكم والا كل وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين " ع " فاستفتى في الاكل منها فقضى " ع " بتحريمها وقال هذه لم يرد بها إلا المفاخرة والمباهاة فألقيت لحومها على كناسة الكوفة فأكلتها الكلاب والعقبان والرخم ويروى ان غالب بن صعصعة المذكور دخل على أمير المؤمنين " ع " بعد الجمل بالبصرة وغالب شيخ كبير ومعه ابنه الفرزدق وهو غلام فقال له أمير المؤمنين " ع " من الشيخ قال أنا غالب بن صعصعة قال ذو الإبل الكثيرة قال نعم قال ما فعلت با بلك قال ذعذعتها الحقوق وأذهبتها الحمالات والنوائب قال ذاك أحسن سبلها. من هذا الغلام معك؟ قال هذا ابني همام وقد رويته الشعر يا أمير المؤمنين وكلام العرب ويوشك ان يكون شاعرا مجيدا فقال " ع " اقرئه القرآن فهو خير له فكان الفرزدق بعد ذلك يروى هذا الحديث ويقول ما زالت كلمته في نفسي حتى قيد نفسه بقيد وآلى أن لا يفكه حتى يحفظ القرآن فما فكه حتى حفظه. قوله ذعذعتها بذالين معجمتين بعد كل منهما عين مهملة أي فرقتها.
542 وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبيلة أبيه فما جاءه أحد واستجار به إلا نهض معه وساعده على بلوغ غرضه. فمن ذلك ما حكاه المبرد في كتاب (الكامل) ان الحجاج بن يوسف الثقفي لما ولى تميم بن زيد القيني بلاد السند دخل البصرة فجعل يخرج من أهلها ما شاء فجاءت عجوز إلى الفرزدق فقالت إني استجرت بقبر أبيك وأتت منه بحصيات فقال ما شأنك قالت إن زيد بن تميم خرج بابن لي معه ولا قرة لعيني ولا كاسب على غيره فقال وما اسم ابنك فقالت خنيس فكتب إلى تميم مع بعض من شخص: تميم بن قيس لا تكون حاجتي * بظهر فلا يبقى على جوابها وهبني خنيسا وأحتسب فيه منة * لعبرة أم ما يسوغ شرابها أتتني فعاذت يا تميم بغالب * وبالحفرة السافي عليها ترابها وقد علم الأقوام انك ماجد * وليث إذا ما الحرب شب شهابها فلما ورد الكتاب على تميم تشكك في الاسم أخنيس أم حبيش فقال انظروا من له مثل هذا الاسم في عسكرنا فأصيب ستة ما بين خنيس وحبيش فوجه بهم إليه. وحضر الفرزدق ونصيب الشاعر عند سليمان بن عبد الملك فقال سليمان للفرزدق يا أبا فراس أنشدني شيئا وإنما أراد ان ينشده مدحا له فأنشده قوله في مدح أبيه وهو من جيد الشعر: وركب كأن الريح تطلب عندهم * لها ترة من جذبها بالعصائب سعوا يخبطون الريح وهي تلفهم * إلى شعب الأكوار ذات الحقائب إذا أنسوا نارا يقولون ليتها * وقد حضرت أيديهم نار غالب فاعرض عنه سليمان كالمغضب فقال له نصيب يا أمير المؤمنين الا أنشدك في رويها فقال هات فأنشده أبياتا منها: فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله * ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
543 فقال سليمان للفرزدق كيف تراه قال أراه شر أهل جلدته ثم قام وهو يقول: (وخير الشعر أشرفه رجالا وشر الشعر ما قال العبيد) وكان نصيب عبدا أسود لرجل من أهل القرى فكاتب على نفسه، ومدح عبد العزيز بن مروان فاشترى ولاءه، وللفرزدق في مفاخر أبيه أشياء كثيرة، وأما جده صعصعة بن ناجية فأنه كان عظيم القدر في الجاهلية واشترى ثلاثين موؤدة وفى ذلك يقول الفرزدق مفتخرا: وجدي الذي منع الوائدات * وأحيى الوئيد فلم يوئد ويقال انه أحيى الف موؤدة وحمل الف فرس وهو أول من أسلم من أجداد الفرزدق وقد ذكره ابن عبد البر في كتاب (الاستيعاب) في جملة الصحابة وكان الفرزدق في الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين. قال ابن شرحة الفرزدق أشعر الناس. وعن يونس لولا الفرزدق لذهب شعر العرب. وقيل لابن هبيرة ين سيد أهل العراق قال الفرزدق هجاني ملكا ومدحني سوقة. وقال أبو عمر ولم أر بدويا أقام في الحضر إلا فسد لسانه غير رؤبة والفرزدق. وكان بينه وبين جرير من المهاجاة والمعاداة ما هو مشهور. قال جرير أدركت الفرزدق ولم يبق من أسنانه الأسن واحدة ولو كان له سنان لأكلني. ومن أخبار الفرزدق ان النوار بنت أعين المجاشعية خطبها رجل من بنى أمية فرضيته وجعلت أمرها إلى الفرزدق فقال لها أشهدي بذلك على نفسك ففعلت واجتمع الناس لذلك فتكلم الفرزدق وقال اشهدوا إني قد تزوجتها وأصدقتها كذا كذا فانا ابن عمها وأحق الناس بها فبلغ ذلك النوار فأبته وجزعت واستترت منه ونافرته إلى عبد الله بن الزبير فلما قدمت نزلت على خولة بنت
544 ابن زبان واستشفعت بها عند عبد الله وانضم الفرزدق إلى حمزة بن عبد الله الزبير وتوسل فجعل أمر الفرزدق يضعف وأمر النوار يقوى فقال الفرزدق: أما بنوه فلم تقبل شفاعتهم * وشفعت بنت منظور بن زبانا ليس الشفيع الذي يأتيك متزرا * مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا فبلغ ابن الزبير هذا فدعا النوار فقال إن شئت فرقت بينكما وقتلته فلا يهجوها ابدا وان شئت سيرته إلى بلاد العدو فقالت ما أريد واحدة منهما قال فإنه ابن عمك وراغب فيك فأزوجه إياك قالت نعم فزوجه إياها فكان الفرزدق يقول خرجنا متباغضين ورجعنا متحابين. ثم إن الفرزدق طلق النوار فندم على ذلك وله فيها أشعار منها قوله: ندمت ندامة الكسعي لما * غدت منى مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت عنها * كآدم حين أخرجه الضرار ولو أنى ملكت يدي وقلبي * لكان على للقدر الخيار والكسعي الذي أشار إليه هو غامد بن الحرث من بنى كسع كصرحي من اليمن وكان قد أتخذ قوسا وخمسة أسهم وكمن في قنطرة قطيع فرمى عيرا فانحطه السهم وصدم الجبل فأورى نارا فظن أنه قد أخطى فرمى ثانيا وثالثا إلى آخرها وهو يظن خطأه فعمد إلى قوسه فكسرها فلما أصبح نظر فإذا الحمر مطروحة مصرعة وأسهمه. فندم وقطع إبهامه وأنشد: ندمت ندامة لو أن نفسي * تطاوعني إذا لقطعت خمسي تبين لي سفاه الرأي منى * لعمر أبيك حين كسرت قوسي ومن شعر الفرزدق: هما دلياني من ثمانين قامة * كما انقض باز أقتم الريش كاسره فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا * أحي يرجى أم قتيل تحاذره فقلت أرفعا الأستار لا يشعروا بنا * وأقبلت في أعجاز ليل أبادره
545 أحاذر بوابين قد وكلا بنا * واسود من ساج تصر مسامره وكان الفرزدق قال هذه الأبيات بالمدينة فلما سمع أهل المدينة بها جاؤوا إلى مروان بن الحكم وهو والى المدينة من قبل معاوية فقالوا لا يصلح هذا الشعر بين أزواج النبي صلى الله عليه وآله وقد أوجب على نفسه الحد فقال مروان لست أحده ولكن اكتب إلى من يحده ثم أمره أن يخرج من المدينة وأجله ثلاثة أيام وفى ذلك يقول: توعدني وأجلني ثلاثا * كما وعدت بمهلكها ثمود ثم كتب مروان إلى عامله ان يحده ويسجنه وأوهمه انه كتب له بجائزة ثم ندم مروان على ما فعله فوجه رسولا إلى الفرزدق يقول له إني قلت شعرا فاسمعه ثم أنشد: قل للفرزدق والسفاهة كاسمها * ان كنت تارك ما أمرتك فاجلس ودع المدينة إنها محبوبة * وأقصد لمكة أو لبيت المقدس وإذا اجتنبت من الأمور عظيمة * فخذن لنفسك بالرماع الأكيس قوله فاجلس أي أقصد الجلساء وهي نجد سميت بذلك لارتفاعها لأن الجلوس في اللغة الارتفاع فلما وقف الفرزدق على الأبيات فطن لما أراده ورمى بالصحيفة وخرج هاربا إلى أن أتى سعيد بن العاص الأموي وعنده الحسن والحسين " ع " وعبد الله بن جعفر فأخبرهم الخبر فامر له كل واحد بمائة دينار وراحلة وتوجه إلى البصرة وقيل لمروان أخطأت فيما فعلت فإنك عرضت عرضك لشاعر مضر فوجه وراءه بمائتي دينار وراحلة خوفا من لسانه. وأنشد الفرزدق سليمان بن عبد الملك قصيدة ميمية انتهى منها إلى قوله. ثلاث واثنتان فهن خمس * وسادسة تميل إلى سمام فبتن بجانبي مصرعات * وبت أفض أغلاق الختام فقال له سليمان قد أقررت عندي بالزنا ولابد من إقامة الحد عليك فقال الفرزدق ومن أين أوجبت على الحد فقال من كتاب الله تعالى والزانية والزاني
546 فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فقال الفرزدق ان كتاب الله تعالى يدرءه عنى بقوله تعالى (الشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون) فانا قلت ما لم أفعل فتبسم سليمان وقال أولى لك، وكان حلو النادرة سريع الجواب. جاء عنبسة بن معدان إلى باب بلال قال له بلغت النار يا أبا الفارس قال أجل ورأيت أباك ينتظرك وقال وجهك أحراح مجموعة فقال تأمل هل ترى فيها حرامك والأحراح بحائين مهملتين جمع حرح وهو فرج الامرأة يخفف للفرد بحذف آخره فيقال حرومتي جمع عادت الحاء لأن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها، وكان يقول ما عييت بجواب أحد قط الا بجواب امرأة وصبي ونبطي أما الامرأة فإني ذهبت ببغلتي أسقيها بالنهر وإذا بالنسوة يغسلن ثيابهن فلما حاذيتهن ضرطت فضكحن منها فالتفت إليهن وقلت لهن لا تضحكن فوالله ما حملتني أنثى قط إلا وفعلت ما فعلت البغلة فقالت إحداهن فكيف كان حال من حملتك تسعة أشهر فأراها قد قاست منك ضراطا عظيما فما وجدت لها جوابا واما الصبى فإني كنت أنشد في مربد البصرة وفى حلقتي الكميت بن زيد وهو إذ ذاك صبي فأعجبني حسن استماعه فقلت له كيف ما سمعت يا غلام قال حسن قلت أيسرك إني أبوك قال اما أبى فلا أبغي به بدلا ولكن وددت إنك أمي ليأكل أبى من أطايبك فأخجلني ولم أجد له جوابا واما النبطي فإنه لقيته بيثرب فقال لي أنت الفرزدق قلت نعم قال أنت الذي يخاف الناس من لسانك قلت نعم قال إذا هجوتني تموت فرسي قلت لا قال أفيموت ولدى قلت لا قال أفأموت انا قلت لا قال فادخلني في حر أم الفرزدق من رجلي إلى عنقي قلت فلم تركت رأسك قال حتى أرى الزانية ما تصنع. وكان الفرزدق يروى عن أمير المؤمنين وعن ابنه الحسين " ع " وأبى سعيد الخدري وغيره وعنه الكميت الشاعر ومروان الأصغر وخالد الحذاء وأشعث ابن عبد الملك والصعق بن ثابت وابنه لبطة بن الفرزدق وآخرون.
547 قال الشريف المرتضى رضي الله عنه في الغرر والدرر وكان الفرزدق شيعيا مائلا إلى بنى هاشم. ولما خرج الحسين من مكة قاصدا الكوفة سنة إحدى وستين من الهجرة ووصل الشقوق إذا هو بالفرزدق قد وافاه هناك فسلم عليه ثم دنا منه وقبل يده فقال له الحسين " ع " من أين أقبلت يا أبا فراس قال من الكوفة قال كيف تركت أهل الكوفة قال خلفت قلوب الناس معك وسيوفهم مع بنى أمية عليك وقد قل الديانون والقضاء ينزل من السماء والله يفعل في خلقه ما يشاء. وفى رواية عن الفرزدق انه قال لقيني الحسين " ع " في منصرفي من الكوفة فقال ما وراءك يا أبا فراس قلت أصدقك قال الصدق أريد قلت أما القلوب فمعك وأما السيوف فمع بنى أمية والنصر من الله قال " ع " ما أراك إلا صدقت الناس عبيد المال والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون. وفى رواية عنه أيضا انه قال حججت بأمي في سنة ستين فبينا انا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين " ع " خارجا من مكة معه أسيافه وأتراسه فقلت لمن هذا القطار فقيل للحسين بن علي " ع " فأتيته وسلمت عليه وقلت له بلغك الله سؤلك وأملك فيما تحب بابى أنت وأمي يا بن رسول الله ما أعجلك فقال لو لم أعجل لأخذت ثم قال لي من أنت قلت انا أمرؤ من العرب فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك ثم قال أخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سألت قلوب الناس معك وسيوفهم عليك والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء قال صدقت لله الأمر وكل يوم ربنا في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وان حال القضاء دون الرجاء فلا يبعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته فقلت له أجل بلغك ما تحب وكفاك ما تحذر وسألته عن أشياء من نذر ومناسك فأخبرني بها وحرك راحلته وقال السلام عيك ثم افترقنا.
548 وفى رواية ان الفرزذق قال له يا بن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلما فترحم عليه وقال اما انه قد صار إلى رحمة الله ورضوانه وقضى ما عليه وبقى ما علينا وأنشد عليه السلام: فان تكن الدنيا تعد نفيسة * فان ثواب الله أعلى وأنيل وان تكن الأبدان للموت أنشأت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل وان تكن الأرزاق قسما مقدرا * فقلة جهد المرء في الكسب أجمل وان تكن الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرئ يبخل ثم ودعه الفرزدق في نفر من أصحابه ومضى يريد مكة فقال له ابن عم له من بنى مجاشع يا أبا فراس هذا الحسين بن علي " ع " فقال له الفرزدق نعم هذا الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى هذا والله ابن خيرة الله وأفضل من مشى على الأرض وقد كنت قلت فيه قبل اليوم أبياتا غير متعرض لمعروفه بل أردت بذلك وجه الله والدار الآخرة فلا عليك ان تسمعها فقال ابن عمه ان رأيت أن تسمعنيها يا أبا فراس فقال قلت فيه وفى أمه وأبيه وجده عليهم الصلاة والسلام: هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقى النقي الطاهر العلم هذا حسين رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم هذا ابن فاطمة الزهراء غرتها * في جنة الخلد مجريا بها القلم إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهى الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم بكفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضي من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم ينشق نور الهدى عن نور غرته * كالشمس تنشق عن أشرافها الظلم مشتقة من رسول الله نبعته * طابت أرومته والخيم والشيم
549 من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويستقيم به الإحسان والنعم ان عد أهل الندى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع مجار بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وان كرموا بيوتهم من قريش يستضاء بها * في النائبات وعند الحكم ان حكموا فجده من قريش في أرومتها * محمد وعلى بعده علم بدر له شاهد والشعب من أحد * والخندقان ويوم الفتح مذ علموا وخبير وحنين يشهدان له * وفى قريظة يوم صيلم قتم مواطن قد علت أقدارها ونمت * آثارها لم تلها العرب والعجم هكذا نسب هذه القصيدة للفرزدق في الحسين " ع " الشيخ كمال الدين بن طلحة في (مناقبه) قال الشيخ علي بن عيسى القمي ره وأظنه نقل هذا الكلام والقصيدة من كتاب (الفتوح) لابن أعثم فإنه نسب القصيدة إلى الفرزدق في الحسين أيضا والذي عليه الرواة مع اختلاف كثير في أبياتها انها للحزين الليثي قالها في فثم بن العباس وان الفرزدق أنشدها في علي بن الحسين قال المؤلف عفا الله عنه، اما كون القصيدة بتمامها في قثم بن العباس فأمر يشهد بعض أبيات القصيدة باستحالته كما تراه وأما انشاد الفرزدق لها في علي بن الحسين فقد ذكره كثير من رواة الأحبار والمؤرخين. ونحن نذكر الخبر في ذلك من رواية الشيخ الحافظ أبى طاهر أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي الأصبهاني قال قال أخبر الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقرائتي عليه في جمادى الآخرة من سنة خمسة وتسعين وأربعمائة ببغداد قال أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن علي الوراق قرأت عليه قال أخبرني أبو أحمد عبد السلام بن الحسين بن محمد بن عبد الله طيفور البصري اللغوي قال قرأت على أبى عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب
550 المتوفى بالبصرة سنة أربعة وخمسين وثلاثمائة على باب داره وكتبته من كتاب أملاه إملاء من أصله ثم قرأته بعد ذلك بعشر سنين عشية الجمعة لست ليال بقين من شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة على أبى الحسين محمد بن محمد بن جعفر ابن لنكك اللغوي على باب داره ولم يكن أصل يرجع إليه وذكر انه قد سمعه: قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار قال حدثنا عبد الله بن محمد يعنى بن عايشة قال حدثني أبي وغيره قال حج هشام بن عبد الملك في زمن عبد الملك أو الوليد فطاف بالبيت فجهد ان يصل إلى الحجر فيستلمه فلم يقدر عليه فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه أهل الشام إذ أقبل علي بن الحسين بن علي " ع " وكان من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا فطاف بالبيت فكلما بلغ إلى الحجر تنحى له الناس حتى يستلمه فقال رجل من أهل الشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فقال هشام لا أعرفه مخافة ان يرغب فيه أهل الشام وكان الفرزدق حاضرا فقال الفرزدق لكني أعرفه قال الشامي من هو يا أبا فراس فقال الفرزدق: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقى النقي الطاهر العلم روى ابن لنكك الظاهر بظاء معجمة وروى المتوثي بطاء غير معجمة: إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهى الكرم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم يغضي حياء ويغضي من مهابته * ولا يكلم إلا حين يبتسم من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت له الأمم ينشق نور الهدى عن نور غرته * كالشمس ينجاب عن اشراقها القتم مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصرها والخيم والشيم
551 هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا الله شرفه قدما وفضله * جرى بذاك له في لوحه القلم فليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم ليس هذا البيت في رواية المتوثي وعرفه ابن لنكك: كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما العدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه اثنان حسن الخلق والكرم حمال أثقال أقوام إذا فدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده نعم لا يخلف الوعد ميمون نقيبته * رحب الفناء أريب حين يعتزم عم البرية بالاحسان فانقشعت * عنه الغيابة والاملاق والعدم من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم ان عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وان كرموا هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والباس محتدم لا ينقص العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن أثروا وان عدموا روى لنكك لا يقبض العسر: يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويسترب به الإحسان والنعم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل بدء ومختوم به الكلم يأتي لهم ان يحل الذي ساحتهم * خيم كريم وأيد بالندى هضم أي الخلايق ليست في رقابهم * لأولية هذا أوله نعم من يعرف الله يعرف أوليه ذا * والدين من بيت هذا ناله الأمم كان ابن لنكك يروى الدين بلا واو. قال فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة وبلغ ذلك علي بن الحسين " ع " فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم وقال اعذرنا
552 يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به فردها الفرزدق وقال يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كانت لأرزء عليه شيئا فقال شكر الله لك ذلك غير إنا أهل بيت إذا أنفذنا أمرا لم نعد فيه فقبلها وجعل يهجو هشاما وهو في الحبس فكان مما هجاه به: أيحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوى منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد عيوبها فبعث إليه فأخرجه. قلت جزى الله الفرزدق عن هذا المقام أحسن جزائه فلقد أدى ما وجب عليه من إخلاصه وولائه لا جرم ان الله شكر له هذه الحسنة واعد له ذخائر ثوابها وقد رأى ما أقر عينه في الدار التي ثوى بها. ومن أخبار الفرزدق ما حكاه محمد بن حبيب قال صعد الوليد بن عبد الملك المنبر فسمع صوت ناقوس فقال ما هذا فقيل البيعة فأمر بهدمها وتولى ذلك بيده فتتابع الناس يهدمون فكتب إليه ملك الروم ان هذه البيعة قد أقرها من كان قبلك فان يكونوا أصابوا فقد أخطأت وان تكن أصبت فقد أخطأوا فقال من يجيبه فقال الفرزدق يكتب إليه (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا أتينا حكما وعلما) الآية فاستحسن ذلك. وروى معاوية بن عبد الكريم عن أبيه قال دخلت على الفرزدق فتحرك فإذا في رجليه قيد قلت ما هذا يا أبا فراس قال حلفت أن لا أخرج هذا من رجلي حتى أحفظ القرآن. وروى أنه لما ماتت النوار امرأة الفرزدق خرج الحسن البصري في جنازتها ووقف على قبرها والفرزدق واقف معه والناس ينظرون فقال الحسن ما للناس فقال الفرزدق خير الناس وشر الناس فقال الحسن لست بخير الناس
553 ولست بشرهم ما أعددت لهذا المضجع قال شهادة ان لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة قال الحسن نعم العدة ثم أنشأ الفرزدق يقول: أخاف وراء القبران لم يعافني * أشد من القبر التهابا وأضيقا إذا جاء في يوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا فقد خاب من أولاد آدم من مشى * إلى النار مشدود القلادة أزرقا يساق إلى نار الجحيم مسربلا * سرابيل قطران لباسا محرقا إذا شربوا فيها * مر الصديد تمزقا فأبكى الناس. وروى أنه مات للفرزدق ابن صغير فصلى عليه ثم التفت إلى الناس وقال: وما نحن إلا مثلهم غير إننا * أقمنا قليلا بعدهم ثم نرحل فمات بعد ذلك بأيام رحمه الله. قال الشريف المرتضى في (الغرر والدرر) كان الفرزدق قد نزع في آخر عمره عما كان من القذف والفسق وراجع طريقة الدين على أنه لم يكن في خلال فسقه منسلخا عن الدين جملة ولا مهملا أمره أصلا. قال ومما يشهد بذلك ما أخبرنا به أبو عبد الله المرزباني قال أخبرنا أبو ذر القراطيبي قال أخبرنا ابن أبي الدنيا قال أخبرنا الرياشي عن الأصمعي عن سلام ابن مسكين قال قيل للفرزدق علام تقذف المحصنات فقال والله لله أحب إلى من عيني هاتين أفتراه يعذبني بعدها. ورؤى انه تعلق بأستار الكعبة فعاهد الله على ترك الهجاء والقذف الذين كان ارتكبهما قال: ألم ترني عاهدت ربى انني * لبين رتاج قائما ومقام على حلفة لا اشتم الدهر مسلما * ولا خارجا من في زور كلام أطعتك يا إبليس تسعين حجة * فلما انقضى عمري وتم تمامي فزعت إلى ربى وأيقنت انني * ملاق لأيام الحتوف حمامي
554 وروى الصولي عن الحسن بن فياض عن إدريس بن عمران قال جاءني الفرزدق فتذاكرنا رحمة الله وسعتها فكان أوثقنا بالله تعالى فقال له رجل ألك هذا الرجاء بالله والمذهب وأنت تقذف المحصنات وتفعل ما تفعل فقال أترونني لو أذنبت إلى أبوى ذنبا كانا يقذفاني في تنور وتطيب أنفسهما بذلك قلنا لا بل يرحمانك قال فانا والله أوثق برحمة ربى منى برحمتهما. قال أبو عمرو بن العلا حضرت الفرزدق وهو يجود بنفسه فما رأيت أحسن ثقة منه بالله تعالى. وكان وفاته في أول سنة مائة وعشرة. وقيل اثنى عشرة وقيل أربع عشرة وكان قد قارب المائة. وروى أنه لما نعى الفرزدق إلى جرير بكى بكاءا شديدا فقيل له أتبكي رجلا يهجوك وتهجوه من أربعين سنة. قال إليكم عنى ما تساب رجلان ولا تناطح كبشان ومات أحدهما إلا تبعه الآخر من قريب ثم عاش بعده أربعين يوم فمات، وفى رواية انه نعى الفرزدق إلى المهاجر بن عبد الله وجرير عنده فقال: مات الفرزدق بعد ما جدعته * ليت الفرزدق كان عاش قليلا فقال لهما المهاجر بئس لعمرك والله ما قلت في ابن عمك أتهجو ميتا والله لو رثيته لكنت أكرم العرب فقال إن رأى الأمير ان بكتمها عليه فإنها سوءة ثم قال يرثيه من وقنه: فلا ولدت بعد الفرزدق حامل * ولا ذات بعل من نفاس تعلت هو الواقد الميمون والراتق النائي * إذ النعل يوما بالعشيرة زلت وقال يرثيه أيضا: فجعنا بحمال الديات ابن غالب * وحامى تميم عرضها والمزاحم بكيناك حدثان الفراق وإنما * بكيناك إذ نابت صروف العظائم
555 فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة * ولا شك أنطاع المطي الرواسم ومما يستجاد من شعر الفرزدق: قالت وكيف يميل مثلك في الصبى * وعليك من سمة الحليم وقار والشيب ينهض في الشباب كأنه * ليل يصيح بجانبيه نهار وقوله في الهجاء: فلو يرمى بلؤم بنى كليب * نجوم الليل ما وضحت لسار ولو لبس النهار بنو كليب * لدنس لؤمهم وضح النهار وما يغدو عزيز بنى كليب * ليطلب حاجة إلا بجار وقوله في الفخر: ان الذي سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول بيتا بناه لنا المليك وما بنى * ملك السماء فإنه لا ينقل بيتا زرارة محتب بفنائه * ومجاشع وأبو الفوارس نهشل الأكثرون إذا يعد ذو الحجى * والأولون إذا يعد الأول حلل الملوك ثيابنا في أهلنا * والسابغات الرعى ما نتسربل أحلامنا تزن الجبال رزانة * وتخالنا أسد إذا ما نجهل (الفضل) ابن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وقد تقدم ذكر أبيه العباس في الأول من الطبقة الأولى وكان الفضل هذا أحد شعراء بنى هاشم المذكورين وفصحائهم المشهورين هاشمي الأبوين أمه أمينة بنت العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وكان شديد الأدمة وفى ذلك يقول: وانا الأخضر من يعرفني * أخضر الجلدة في بيت العرب قال عبيد الله بن حبيب وإنما أتاه السواد من قبل جدته وكانت حبشية وحدث أبو عبيدة النحوي قال أخبرني من سمع الفرزدق يقول أتيت الفضل
556 ابن العباس اللهبي وهو يمتح بدلو من زمزم ويقول: وانا الأخضر من يعرفني * أخضر الجلدة في بيت العرب من يساجلني يساجل ماجدا * يملأ الدلو إلى عقد الكرب ورسول الله جدي جده * وعلينا كان تنزيل الكتب قال فقلت من يساجلك فرجلي من كذا أمه قال أتعرفني لا أم لك قال قلت كيف لا أعرفك وقد نزل في أبويك سورة من كتاب الله فقال عز من قاتل (تبت يدا أبى لهب) قال فضحك وقال أنت الفرزدق قلت نعم قال قد علمت أن أحدا لا يحسن هذا غيرك. قال أبو الفرج المعافى بعد نقل هذه الحكاية وقد الطف الفرزدق فيما خاطب به الفضل لأنه لما لم يمكنه مساجلته وقد فخر بنفسه من هاشم وقرباه من رسول الله صلى الله عليه وآله أتى يمضه ويفل من غربه. وحدث علي بن محمد النوفلي قال كان أبى عند الحسن بن عيسى بن علي وهو والى البصرة وعنده وجوه أهل البصرة وقد كانت فيهم بقية حسنة في ذلك الدهر فأفاضوا في ذكر بنى هاشم وما أعطاهم الله من الفضل بنبيه صلى الله عليه وآله فمن منشد شعرا ومحدث حديثا وذاكر فضيلة من فضائل بنى هاشم فقال أبى قد جمع هذا الكلام اللهبي في بيت قاله ثم أنشد قوله: ما مات قوم كرام يدعون يدا * إلا لقومي عليهم منة ويدا فمن صلى صلاتنا وذبح ذبيحتنا عرف ان لرسول الله صلى الله عليه وآله يدا بما هداه الله تعالى إلى الإسلام به ونحن قومه فتلك منة لنا على الناس وحكى أبو السكن مولى بنى هاشم قال كان الفضل بن العباس بخيلا فقدم على عبد الله بن العباس حاجا فاتاه إلى منزله مسلما عليه فقال له كيف أنت وكيف حالك قال بخير نحن في عافية قال فهل لك من حاجة قال لا والله وإني لأشتهي هذا العنب وقد أغلاه علينا هؤلاء العلوج فغمز غلاما له فذهب فاتاه بسلة عظيمة
557 من عنب فجعل يغسل عنقودا عنقودا ويناوله فكلما فعل ذلك قال له برتك رحم. وحكى علي بن محمد النوفلي عن عمه ان سليمان بن عبد الملك حج في خلافة الوليد فجاء إلى زمزم فجلس عندها ودخل الفضل بن العباس اللهبي يستقى فجعل يرتجز ويقول: يا أيها السائل عن علي * سألت عن بدر لنا بدري مقدم في الخير أبطحي * ولين الشيمة هاشمي زمزمنا بوركت من ركى * بوركت للساقي وللمسقي فغضب سليمان وهم بالفضل فكفه عنه علي بن عبد الله ثم أتاه بقدح فيه نبيذ من نبيذ السقاية فأعطاه إياه فسأله ان يشربه فأخذه من يده كالمتعجب ثم قال نعم انه يستحب ووضعه في يده فلم يشربه فلما ولى الخلافة وحج لقيه الفضل فلم يعطه شيئا. وحكى ابن الأعرابي قال كان رجل من كنانة يقال له عقرب حناط قد داين الفضل فمطله ثم مر به الفضل وهو يبيع الحنطة وهو يقول: جاءت بها ضابطة التجار * ضافية كقطع الأوتار فقال الفضل: قد تجرت عقرب في سوقنا * واعجبا للعقرب التاجرة قد ذاقت العقرب واستيقنت * ان مالها دنيا ولا آخرة فان تعد عادت لما قد ساءها * وكانت النعل لها حاضرة وحدث ابن عائشة عن أبيه ان عمر بن أبي ربيعة وقد على عبد الملك ابن مروان فادخل عليه فسأله عن نسبه فانتسب له فقال: لا أنعم الله بعين عينا * تحية السخط إذا التقينا أأنت القائل: نظرت إليها بالمحصب من منى * ولى نظر لولا التحرج عازم
558 فقلت أشمس أم مصابيح بيعة * بدت لك خلف السجف أم أنت حالم بعيدة مهوى القرط إما لنوفل * أبوها وإما عبد شمس وهاشم قال قاتلك الله ما ألأمك اما كانت لك في بنات العرب مندوحة عن بنات عمك فقال عمر بئست والله يا أمير المؤمنين هذه التحية لابن العم على شط الدار وبعد المزار فقال له عبد الملك أفتراك مرتدعا عن ذلك فقال إني إلى الله تائب فقال عبد الملك اذن يتوب الله عليك وستحسن جائزتك ولكن أخبرني عن منازعتك اللهبي في المسجد الجامع فقد أتاني نبأ ذلك وكنت أحب ان أسمعه منك فقال عمر نعم يا أمير المؤمنين بينا انا جالس في المسجد الحرام في جماعة من قريش إذ دخل علينا الفضل بن العباس بن عتبة فسلم وجلس ووافقني وانا أتمثل بهذا البيت: وأصبح بطن مكة مقشعرا * كأن الأرض ليس لها هشام فاقبل على وقال يا أخا بنى مخزوم والله ان بلدة تبجح فيها عبد المطلب وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله واستقر بها بيت الله لحقيقة ان لا تقشعر لموت هشام وأشعر من هذا الذي يقول: إنما عبد مناف جوهر * زين الجوهر عبد المطلب فأقبلت عليه وقلت يا أخا بنى عبد المطلب أشعر من صاحبك الذي يقول: ان الدليل على الخيرات أجمعها * أبناء مخزوم للخيرات مخزوم فقال لي أشعر من صاحبك الذي يقول: جبريل أهدى لنا الخيرات أجمعها * أولاد هاشم لا أبناء مخزوم فقلت في نفسي غلبني والله ثم حملني الطمع في انقطاعه ان قلت بل أشعر منه الذي يقول: أبناء مخزوم الحريق إذا * حركته تارة ترى ضرما يخرج منه الشرار مع لهب * من حاد عن حده فقد سلما
559 فقال يا أخا بنى مخزوم أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول: هاشم بحر إذا سما وطما * أخمد حر الحريق واضطرما فاعلم وخير المقال أصدقه * بان من رام هاشما هشما فتمنيت ان الأرض يا أمير المؤمنين ساخت بي ثم تجلدت عليه وقلت يا أخا بنى هاشم أشعر من صاحبك الذي يقول: أبناء مخزوم أنجم طلعت * للناس تجلو بنورها الظلما تجود بالليل قبل مسألة * جودا هنيئا ويضرب إليهما فاقبل على كأسرع من اللحظ ثم قال أشعر من صاحبك الذي يقول: هاشم شمس بالسعد مطلعها * إذا بدت أخفت النجوم معا إختارنا الله بالنبي فمن * قارعنا بعد احمد قرعا فاسودت الدنيا في عيني وانقطعت فلم أجد له جوابا ثم قلت يا أخا بنى هاشم ان كنت تفخر علينا بالنبي صلى الله عليه وآله فما تسعنا مفاخرتك فقال كيف لا أم لك والله لو كان منك لفخرت به على فقلت صدقت واستغفر الله انه لموضع الفخار وداخلني السرور لقطعه الكلام لئلا ينالني خور عن أجابته فافتضح ثم انه فكر هنيئة ثم قال قد قلت شيئا فلم أجد بدا من الاستماع فقلت هات فقال: نحن الذين إذا سما الفخار بهم * ذا الفخر أقعده هناك القعدد أفخر بنا ان كنت يوما فاخرا * تلفي الأولى فخروا لفخرك أفردوا قل يا بن مخزوم لكل مفاخر * منا المبارك ذو الرسالة أحمد ماذا يقول ذووا الفخار هنا لكم * هيهات ذلك هل ينال الفرقد فحصرت وتبلدت وقلت إن لك عندي حوابا فانظرني افتكرت مليا ثم قلت: لا فخر إلا قد علاه محمد * فإذا فخرت به فإني أشهد ان قد فخرت وفقت كل مفاخر * واليك في الشرف الرفيع المقصد ولنا دعائم قد تناهى أول * في المكرمات جرى عليها المولد
560 ما ذاقها حاشى النبي وأهله * في البحر غطغطة الخليج المزيد دع ذا ورح بفناء خود بضة * مما نطقت به وغنى معبد مع فتية تندى بطون أكفهم * جودا إذا هز الزمان الأنكد يتناولون سلافة عامية * طابت لشاربها وطاب المقعد فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجابني بجواب كان أشد على من الشعر قال يا أخا مخزوم أريك السهى وتربني القمر أي أريك الامر الغامض وتريني الأمر الواضح وتخرج من المفاخرة إلى شرب الراح وهي الخمر المحرمة فقلت اما علمت أصلحك الله ان الله تعالى يقول في الشعراء وانهم يقولون ما لا يفعلون قال صدقت ولكن الله تعالى استثنى منهم قوما فقال إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فان كنت منهم فقد دخلت في الاستثناء واستحققت العقوبة بدعائك إليها وإن لم تكن منهم فالشرك بالله أعظم من شرب الخمر فقلت أصلحك الله لا أرى للمتحدي شيئا أصلح من السكوت فضحك وقال أستغفر الله وقام عنى فضحك عبد الملك وقال يا بن أبي ربيعة اما علمت أن لبني عبد مناف السنة لا تطاق ارفع حوائجك فرفعتها فقضاها وأحسن جائزتي، ونسب إليه صاحب الإصابة هذه الأبيات: ما كنت أحسب ان الأمر منصرف * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن من فيه ما فيهم من كل صالحة * وليس في كلهم ما فيه من حسن أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعرف الناس بالقرآن والسنن وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن ماذا يردكم عنه فنعرفه * ها ان بيعتكم من أول الفتن وقد تقدم ذكر هذه الأبيات في ترجمة والده العباس وذكرنا اختلاف العلماء في ناظمها وعن عبد الله بن يحيى قال حدثنا عمر الشيباني قال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب يرثى من قتل مع الحسين من أهله وكان قد قتل الحسين والعباس
561 وعمر ومحمد وعبد الله وجعفر بنو علي بن أبي طالب وأبو بكر والقاسم وعبد الله بنو الحسن بن علي " ع " وعلى وعبد الله أبناء الحسين ومحمد وعون أبناء عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب ومسلم بن عقيل بن أبي طالب وعبد الله وعبد الرحمن وجعفر بنو عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين: أعيني الا تبكيا لمصيبتي * وكل عيون الناس عنى أصبر أعيني جودا من دموع عزيزة * فقد حق اشفاقي وما كنت أحذر أعيني هذا الأكرمون تتابعوا * وصلوا المنايا دار عون وحسر من الأكرمين البيض من آل هاشم * لهم سلف من واضح المجد يذكر مصابيح أمثال الأهلة إذ هم * لدى الحرب أو دفع الكريهة أبصر بهم فجعتنا والفواجع كلها * تميم وبكر والسكون وحمير وهمدان قد جاشت علينا وأجلبت * هوازن... واعصر وفى كل حي نضحة من دمائنا * بنو هاشم يعلو سناها ويشهر فلله محيانا وكان مماتنا * ولله قتلانا تدان وتنشر لكل دم مولى ومولى دمائنا * بمرتقب يعلو عليكم ويظهر فسوف ترى أعدائنا حيث تلتقي * لأي الفريقين النبي المطهر ومن شعر الفضل بن العباس في الحماسة: مهلا بنى عمنا مهلا موالينا * لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا لا تطمعوا ان تهينونا فنكرمكم * وان نكف الأذى عنكم وتؤذونا مهلا بنى عمنا من تحت أثلتنا (1) * سيروا رويدا كما كنتم تسيرونا الله يعلم انا لا نحبكم * ولا نلومكم ان لا تحبونا كل له نعمة في بغض صاحبه * بنعمة الله نقليكم وتقلونا ومن شعره:
(1) الأثل: شجر، وهو نوع من الطرفاء، الواحدة: أثلة. 562 سبقنا ولم نسبق وضمنا ولم نضم * لما ذاك محتوما على الناس محكما فما عد إنسان بأمثل هاشم * إذا عددوا الآباء أسنى وأكرما وما افتخر الأقوام إلا بفضلنا * وما وجدوا إلا لنا متجشما ونحن خصصنا بالنبوة منهم * وكان لهذا الناس عزا مقدما ونحن ولينا الحجر والبيت دونهم * ونحن حفرنا جانب الحجر زمزما تخيرنا رب العباد بعلمه * هداة وكان الله بالناس أعلما وما مثلنا في الناس أو في بذمة * وأقول ان قالوا لحق وأحكما فمن ذا الذي يعتد أن عد مثلنا * أعز وأنكى للعدو وأرغما وأصدق عند الناس في كل موطن * إذا شمرت حرب واحمد مقدما ومن شعره: إنا أناس من سجيتنا * صدق الحديث ووعدنا حتم والحزم تقوى الله فاتقين * ترشد وليس لفاجر حزم والمرء أكثر ما يعاب به * خطل اللسان وصمته حكم (أبو المنهل) الكميت بن زيد بن جيش بن مجالد بن وهب بن عمرو بن سبيع بن مالك ابن سعد بن ثعلبة بن ذوران بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر الأسدي الكوفي الشاعر مقدم عالم بلغات العرب خبير بأيامها فصيح زمانه من شعراء مضر وألسنتها المتعصبين على القحطانية المقارعين لشعرائهم العالمين بالمثالب والأيام المفاخرين بها. وكان يقال ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت، فمن صحح الكميت نسبه صح ومن طعن فيه طعن. وسئل معاد الهراء عن أشعر الناس فقال: من الجاهليين امرئ القيس وزهير وعبيد بن الأبرص ومن الإسلاميين الفرزدق وجرير والأخطل فقيل
563 له يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت قال ذاك أشعر الأولين والآخرين. وقال ابن عكرمة الضبي لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان ولا للبيان لسان ويقال ان شعره بلغ أكثر من خمسة آلاف بيت. وقال أبو عبيدة لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم حبهم إلى الناس وأبقى لهم ذكرا. وقال بعضهم كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر كان خطيب أسد وفقيه الشيعة حافظ القرآن العظيم ثبت الجنان وكان كاتبا حسن الخط وكان نسابة وكان جدلا وهو أول من ناظر في التشيع وكان راميا لم يكن في أسد أرمى منه وكان فارسا شجاعا دينا وكان مشهورا في التشيع مجاهدا في ذلك وقصائد الهاشميات من جيد شعره. وحدث محمد النوفلي قال لما قال الكميت الشعر كان أول ما قال الهاشميات فسرها ثم أتى الفرزدق فقال له يا أبا فراس إنك شيخ مضر وشاعرها وقد نفث على لساني فقلت شعرا فأحببت ان أعرضه عليك فان كان حسنا أمرتني بإذاعته وان كان قبيحا أمرتني بستره وكنت أول من ستره على. قال اما عقلك فحسن وإني لأرجو ان يكون شعرك على قدر عقلك فأنشده: طربت وما شوقا إلى البيض أطرب قال ففيم تطرب يا بن أخي فقلت: ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب قال بلى يا بن أخي فالعب فإنك في أوان اللعب فقلت: ولم تلهني دار ولا رسم منزل * ولم يتطربني بنان مخضب قال وما يطربك يا بن أخي فقلت: ولا انا ممن يزجر الطير همه * أصاح غراب أم تعرض ثعلب فقال أجل لا تتطير فقلت:
564 ولا السارحات البارحات عشية * أمر سليم القرن أم مر أعضب فقال أجل فماذا قلت فقلت وفى نسخة فقال إلى من طربت لا أم لك فقلت: ولكن إلى أهل الفضائل والنهى * وخير بنى حواء والخير يطلب قال هؤلاء بنو دارم فقلت: إلى النفر البيض الذين بحبهم * إلى الله فيما نابني أتقرب قال هؤلاء بنو هاشم فقلت: بنى هاشم رهط النبي فإني * بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب فقال والله لو جزتهم إلى سواهم لكان قولك باطلا. ثم قال يا بن أخي أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقى: خفضت لهم منى جناحي مودة * إلى كنف عطفاه أهل ومرحب وكنت لهم من هؤلاء وهؤلاء * مجنا على انى أذم وانصب وأرمى وأومى بالعداوة أهلها * وإني لأوذي فيهم وأؤنب فما سائني قول امرئ ذي عداوة * بعوراء فيهم يجتذبني فأجذب فقل للذي في ظل عمياء جونة * ترى الجور عدلا أين لا أين تذهب بأي كتاب أم بأية سنة * ترى حبهم عارا على وتحسب فمالي إلا آل احمد شيعة * ومالي الا مذهب الحق مذهب ومن غيرهم أرضى لنفسي شيعة * ومن بعدهم لا من اجل وأرحب يعيرني جهال قومي بحبهم * وبغضائهم أدنى لعار وأعطب أريب رجالا منهم ويريبني * خلائق مما أحدثوهن أريب إليكم ذوي آل النبي تطلعت * نوازع من قلبي ظما وألبب فإني عن الأمر الذي تكرهونه * بقولي وفعلي ما استطعت لأجنب وإني لمن شايعتم لمشايع * وإني فيمن سبكم لمسبب يشيرون بالأيدي إلى وقولهم * ألا خاب هذا والمشيرون أخيب
565 فطائفة قد كفرتني بحبكم * وطائفة قالوا مسئ ومذنب فما سائني تكفير هاتيك منهم * ولا عيب هاتيك التي هي أعيب يعيبونني من خبهم (1) وضلالهم * على حبكم بل يسخرون وأعجب وقالوا ترابى هواه ورأيه * بذلك أدعى فيهم وألقب فلا زلت منهم حيث يتهمونني * ولا زلت في أشياعكم أتقلب وأحمل أحقاد الأقارب فيكم * وينصب لي في الأبعدين فأنصب بخاتمكم غصبا (2) تجوز أمورهم * فلم أر غصبا مثله حين يغصب (3) وبدلت الأشرار بعد خيارها * وجد بها في أمة وهي تلعب وجدنا لكم في آل حم آية * تأولها منا تقى ومعرب وقالوا ورثناها أبانا وأمنا * وما ورثتهم ذاك أم ولا أب ولكن مواريث بن آمنة الذي * به دان شرقي له ومغرب فدى لك موروثا أبى وأبو أبي * ونفسي فنفسي بعد بالناس أطيب حياتك كانت مجدنا وسنائنا * وموتك جدع للعرانين موعب بك اجتمعت أحسابنا بعد فرقة * فنحن بنو الإسلام ندعى وننسب فبوركت مولودا وبوركت ناشئا * وبوركت عند الشيب إذ أنت أشيب وبورك قبر أنت فيه وبوركت * به وله أهل لذلك يثرب لقد غيبوا برا وصدقا ونائلا * عشية واراك الصفيح المنصب يقولون لم يورث ولولا تراثه * لقد شاركت فيها بكيل وأرحب وعقك ولخم والسكون وحمير * وكندة والحيان بكر وتغلب لعل عزيزا آمنا سوف يبتلى * وذو سلب منهم أنيق سيسلب
(1) الخب الرجل الخداع. (2) وفى نسخة كرها. (3) وفى نسخة فلم أر غصبا مثله يتغصب 566 فيا لك أمرا قد أشتت أموره * ودنيا أرى أسبابها تتقضب يروضون دين الله صعبا محرما * بأفواههم والرائض الدين أصعب إذا شرعوا يوما على الغي فتنة * طريقهم فيها عن الحق انكب رضوا بخلاف المهتدين وفيهم * مخبأة أخرى تصان وتحجب حنانيك رب الناس من أن يغر لي * كما غرهم شرب الحياة المنضب يرون لهم حقا على الناس واجبا * سفاها وحق الهاشميين أوجب إذا قيل هذا الحق لا ميل دونه * فأنقاضهم في الغي حسرى ولغب فيا موقدا نارا لغيرك ضوئها * ويا حاطبا في غير حبلك تحطب ألم ترني من حب آل محمد * أروح وأغدو خائفا أترقب كأني جان محدث وكأنما * بهم أتقى من خشية العار أجرب على أي جرم أم بأية سيرة * أعنف في تقريظهم وأكذب أناس بهم عزت قريش فأصبحت * وفيها حباء المكرمات المطنب مصفون في الأحساب محضون نجرهم * هم أمحض منا والصريح المهذب خضمون اشراف لها ميم سادة * مطاعيم أيسار إذ الناس أجدبوا عن عكرمة الضبي عن أبيه قال أدركت الناس بالكوفة من لم ير وطربت وما شوقا إلى البيض أطرب فليس بشيعي. حدث إبراهيم بن سعد الأسعدي عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله في المنام فقال لي من أي الناس أنت قلت من العرب قال من أي العرب قلت من بنى أسد قال من أسد بن خزيمة قلت نعم قال أهلا لي أنت قلت نعم قال أتعرف الكميت بن زيد قال قلت يا رسول الله من أهلي وقبيلتي قال صلى الله عليه وآله أتعرف من شعره شيئا قلت نعم قال فأنشدني: طربت وما شوقا * إلى البيض أطرب فأنشدته إلى أن بلغت إلى قوله:
567 فمالي إلا آل احمد شيعة * وما لي الا مذهب الحق مذهب فقال صلى الله عليه وآله إذا أصبحت فاقرءه منى السلام وقل له قد غفر الله لك بهذه القصيدة. وقال محمد بن عقبة كانت بنو أسد تقول فينا فضيلة ليست في العالم ليس من امرئ فينا إلا وفيه بركة وذلك أن الكميت عليه الرحمة رأى النبي صلى الله عليه وآله في النوم فقال له أنشدني: طربت وما شوقا إلى البيض أطرب فأنشدته فقال له بوركت وبورك قومك. وعن محمد بن سهيل قال قال الكميت رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم وانا خائف فقال لي مم خوفك فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله من بنى أمية ثم أنشدته: ألم ترني من حب آل محمد * أروح وأغدو خائفا أترقب فقال لي أظهر فقد آمنك الله في الدنيا والآخرة. وعن نصر بن مزاحم المنقري انه رأى النبي صلى الله عليه وآله في النوم وبين يديه رجل ينشد: من لقلب متيم مستهام فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول جزاك الله خيرا وأثنى عليه، وسألت عنه فقيل هو الكميت بن زيد. وحكى صاعد مولى الكميت قال دخلت مع الكميت على علي بن الحسين عليه السلام فقال إني مدحتك بما أرجو ان يكون لي وسيلة عند رسول الله ثم أنشده قصيدته التي أولها: من لقب متيم مستهام * غير ما صبوة ولا أحلام طارقات ولا ادكار غوان * واضحات الخدود كالآرام بل هواي الذي أجن وأبدى * لبني هاشم فروع الأنام
568 للقريبين من ندى والبعيدين من الجور في عرى الاحكام والمصيبين باب ما أخطأ الناس ومرسي قواعد الإسلام والحماة الكماة في الحرب ان * لف ضرام وقودها بضرام والولاة الكفاة للأمران * طرق بيتا بمجهض أو تمام والأساة الشفاة للداء ذي * الريبة والمدركين بالأوغام وأضحى أوجه كريم جدود * واسطى نسبة لهام فهام للذري فالذري من الحسب * الثاقب بين القمقام فالقمقام فضلوا الناس في الحديث حديثا * وقديما في أول القدام أسد حرب غيوث جدب بها * ليل مقاويل غير ما اقدام لا مهاذير في الندى مكاثير * ولا مصمتين بالافحام سادة ذادة عن الخرد البيض * إذا اليوم كان كالأيام ساسة لا كمن يرى رعية الناس * سواء ورعية الأنعام لا كعبد المليك أو كوليد * أو سليمان بعد أو كهشام من يمت لا يمت فقيدا ومن * يحيى فلا ذال ولا ذو ذمام فهم الأقربون في كل خير * وهم الأبعدون من كل ذام وهم الأرأفون بالناس في * الرأفة والأحلمون في الأحلام أسرة الصادق الحديث أبى * القاسم فرع القد أمس القدام خير حي وميت من بني آدم * طرا مأمومهم والامام فهم شيعتي وقسمي من الأمة * حسبي من سائر الأقسام ان أمت لا أمت ونفسي نفسان * من الشك في عمى أو تعامى عادلا غيرهم من الناس طرا * بهم لا همام بي لا همام لم أبع ديني المساوم بالوكس * ولا مغليا من السوام أخلص الله لي هواي فما * أغرق نزعا ولا تطيش سهامي
569 فلما أتى على آخرها قال له (" ع ") ثوابك يعجز عنه ولكن ما عجزنا عنه فإن الله لا يعجز عن مكافأتك اللهم أغفر للكميت اللهم أغفر للكميت ثم قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمائة ألف درهم وقال له خذ يا أبا المستهل فقال له لو وصلتني بدانق لكان شرفا لي ولكن إن أحببت ان تحسن إلى فادفع إلى بعض ثيابك التي على جسدك أتبرك بها فقام (" ع ") فنزع ثيابه ودفعها إليه كلها ثم قال اللهم ان الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك بنفسه حين ضن الناس وأظهر ما كتمه غيره من الحق فأمته شهيدا وأحيه سعيدا وأحسن له الجزاء عاجلا وأجزل له جزيل المثوبة آجلا فإنا قد عجزنا عن مكافاته قال الكميت فما زلت أعرف بركة دعائه عليه وعلى آبائه عليهم السلام. وحدث محمد بن سهل قال دخلت مع الكميت على أبى عبد الله جعفر بن محمد الصادق " ع " في أيام التشريق فقال جعلت فداك الا أنشدك قال إنها أيام عظام قال إنه فيكم قال " ع " هات فأنشده قصيدته التي أولها: الا هل عم في رأيه متأمل * وهل مدبر بعد الإساءة مقبل وهل أمة مستيقظون لدينهم * فيكشف عنه النعسة المتزمل فقد طال هذا النوم واستخرج الكرى * مساويهم لو أن ذا الميل يعدل وعطلت الأحكام حتى كأننا * على ملة غير التي نتنحل كلام النبيين الهداة كلامنا * وأفعال أهل الجاهلية نفعل رضينا بدنيا لا نريد فراقها * على إننا فيها نموت ونقتل ونحن بها المستمسكون كأنها * لنا جنة مما نخاف ومعقل فكثر البكاء وارتفعت الأصوات فلما مر على قوله في الحسين عليه السلام: كأن حسينا والبهاليل حوله * لأسيافهم ما يختلى المتبقل يخضن بهم من آل أحمد في الوغى * دما ظل منهم كالبهيم المحجل فلم أر مخذولا أجل مصيبة * وأوجب منه نصرة حين يخذل
570 يصيب به الرامون عن قوس غيرهم * فيا آخرا أسدي له الغي أول رفع أبو عبد الله يديه وقال اللهم أغفر للكميت ما قدم وأخر وما أسر وأعلن واعطه حتى يرضى، ومن غرر أبيات هذه القصيدة قوله في آل البيت (" ع ") الا يفزع الأقوام مما أضلهم * ولما تجئهم ذات ودقين ضئبل إلى مفزع لن ينجي الناس من عمى * ولا فتنة الا إليه التحول إلى الهاشميين البهاليل انهم * لخائفنا الراجي ملاذ وموئل إلى أي عدل أم لأية سيرة * سواهم يؤم الظاعن المترحل وفيهم نجوم الناس والمهتدى بهم * إذا الليل أمسى وهو بالناس أليل لهم من هواي أنصفوا ما عشت خالصا * ومن شعري المخزون والمتنخل فلا رغبتي فيهم تغيض لرهبة * ولا عقدني في حبهم تتحلل وأخرج الكشي عن يونس بن يعقوب قال أنشد الكميت أبا عبد الله " ع " أخلصن الله لي هواي فما * أغرق نزعا ولا تطيش سهامي فقال أبو عبد الله عليه السلام لا تقل هكذا ولكن قل: فقد أغرق نزعا وما تطيش سهامي وعن عقبة بن مشير الأسدي عن الكميت بن زيد الأسدي قال دخلت على أبى جعفر " ع " فقال والله يا كميت لو كان عندنا مال لأعطيناك منه ولكن لك ما قال رسول الله لحسان لا يزال معك روح القدس ما ذببت عنا. وعن عبيدة بن زرارة عن أبيه قال دخل الكميت بن زيد على أبى جعفر عليه السلام وانا عنده فأنشده شعره: من لقلب متيم مستهام فلما فرغ منها قال " ع " للكميت لا تزال مؤيدا بروح القدس ما دمت تقول فينا. وروى أنه دخل يوما على جعفر بن محمد " ع " فأنشده فأعطاه ألف دينار
571 وكسوة فقال الكميت والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه ولكنني أحببتكم للآخرة فأما الثياب التي أصابت أجسامكم فانا أقبلها لبركتها وأما المال فلا أقبله. وروى أنه دخل يوما على فاطمة بنت الحسين " ع " فقال هذا شاعرنا أهل البيت وجاءت بقدح فيه سويق فحركته بيدها وسقت الكميت فشربه ثم أمرت له بثلاثين دينارا ومركب فهملت عيناه وقال لا والله لا أقبلها إني لم أحبكم للدنيا. وعن عبد الله بن مروان الحراني قال كان عندنا رجل من عباد الله الصالحين وكان راوية لشعر الكميت يعنى الهاشميات وكان سمع ذلك منه وكان عالما بها فتركه خمسا وعشرين سنة لا يستحل روايته واشعاره ثم عاد فيه فقيل له ألم تكن زهدت فيه وتركتها فقال نعم ولكن رأيت رؤيا دعتني إلى العود فيه فقيل له وما رأيت قال رأيت كأن القيامة قد قامت وكأنما انا في المحشر فدفعت إلى مجلة قال أبو محمد قلت لأبي الشيخ وما المجلة قال الصحيفة قال فنشرتها فإذا فيها (بسم الله الرحمن الرحيم) أسماء من يدخل الجنة من محبي علي بن أبي طالب " ع " قال فنظرت في السطر الأول فإذا أسماء قوم لم أعرفهم ونظرت في السطر الثاني فإذا هو كذلك ونظرت في السطر الثالث والرابع فإذا فيه الكميت بن زيد الأسدي قال فذاك الذي دعاني إلى العود فيه. وعن الورد بن زيد قال قلت لأبي جعفر " ع " جعلني الله فداك قدم الكميت فقال " ع " دخل فسأله الكميت عن الشيخين فقال له أبو جعفر " ع " ما أهريق دم ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله تعالى وحكم النبي صلى الله عليه وآله وأنكر حكم على الا هما وهو في أعناقهما فقال الكميت الله أكبر الله أكبر حسبي حسبي وعن داود بن النعمان قال دخل الكميت على أبى عبد الله " ع " فأنشده ثم قال الكميت يا سيدي أسألك عن مسألة وكان " ع " متكئا فاستوى جالسا وكسر في صدره
572 وسادة ثم قال سل فقال أسألك عن الرجلين فقال " ع " يا كميت بن زيد ما أهريق في الإسلام محجمة دم ولا اكتسب مال من غير حله ولا نكح فرج حرام إلا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ونحن بنو هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما ومن شعره: نفى عن عينك الأرق الهجوعا * وهم يمتري منها الدموعا دخيل في الفواد يهيج سقما * وحزنا كان من جذل منوعا وتوكاف الدموع على اكتئاب * أحل الدهر موجعه الضلوعا ترقرق أسجما دررا وسكبا * يشبه سحها غربا هموعا لفقدان الخضارم من قريش * وخير الشافعين مما شفيعا لدى الرحمن يصدع بالمثاني * وكان له أبو حسن مطيعا حطوطا في مسرته ومولا * إلى مرضاة خالقه سريعا فأصفاه النبي على اختيار * بما أعيى الرفوض له المذيعا ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطر مبيعا فلم أبلغ بهم لعنا ولكن * أساء بذاك أو لهم صنيعا فصار بذاك أقربهم لعدل * إلى جور واحفظهم مضيعا أضاعوا أمر قائدهم فضلوا * وأقومهم لدى الحدثان ريعا تناسوا حقه وبغوا عليه * بلا ترة وكان لهم قريعا فقل لبني أمية حيث حلوا * وان حفت المهند والقطيعا أجاع الله من أشبعتموه * وأشبع من بحوركم أجيعا بمرضى السياسة هاشمي * يكون حيا لامته ربيعا وليثا في المواطن غير نكس * لتقويم البرية مستطيعا يقيم أمورها ويذب عنها * ويترك جدبها ابدا مريعا
573 ويلعن فذ أمته جهارا * إذا ساس البرية والخليعا الا أف لدهر كنت فيه * هدانا سامعا لكم معليعا وكان خالد بن عبد الله القسري قد أنشد قصيدة الكميت التي يهجو فيها اليمن وهي التي أولها: إلا حييت عنا يا مدينا فقال أو فعلها والله لا قتلته ثم اشترى ثلاثين جارية وتخيرهن نهاية في الحسن والكمال والأدب فراواهن الهاشميات ودسهن مع نخاس إلى هشام بن عبد الملك فاشتراهن جميعا فلما أنس بهن استنطقهن فرأى منهن فصاحة وأدبا واستقرأهن القرآن فقرأنه واستنشدهن الشعر فأنشدته قصائد الكميت الهاشميات فقال ويلكن من قائل هذا الشعر قلن الكميت بن زيد الأسدي قال وفى أي بلد هو قلن في العراق ثم بالكوفة فكتب إلى خالد وهو عامله على العراق أبعث إلى برأس الكميت بن زيد الأسدي فلم يشعر الكميت إلا والخيل محدقة بداره فاخذ وحبس في الحبس وكان أبان بن الوليد عاملا على واسط وكان الكميت صديقه فبعث إليه بغلام على بغل وقال له أنت حر إن لحقته والبغلة لك وكتب إليه أما بعد فلقد بلغني ما صرت إليه وهو القتل إلا ان يدفع الله عز وجل وأرى لك ان تبعث إلى حبى وهي زوجة الكميت وكانت ممن تتشيع أيضا فإذا دخلت إليك تنقبت نقابها ولبست ثيابها وخرجت فإني أرجوا الأمن لك فركب الغلام وسار بقية يومه وليلته من واسط إلى الكوفة فصبحها فدخل الحبس متنكرا وأخبر الكميت بالقصة فبعث إلى امرأته فقص عليها القصة وقال أي بنية عم اعلمي ان الوالي لا يقدم عليك ولا يسلمك قومك ولو خفته عليك لما عرضتك له فألبسته ثيابها وإزارها وخمرته وقالت أقبل وأدبر ففعل فقالت ما أنكرت منك شيئا إلا يبسا في كفيك أخرج على أسم الله وأخرجت معه جاريتين لها فخرج وعلى باب السجن أبو الوضاح حبيب بن بديل ومعه فتيان من أسد فلم يؤبه
574 له ومشى الفتيان بين يديه إلى سكة شبيب بناحية الكناس فمر بمجلس من مجالس بنى تميم فقال بعضهم رجل ورب الكعبة وأمر غلامه فاتبعه فصاح به أبو الوضاح يا كذا وكذا أراك تتبع هذه المرأة منذ اليوم وأومى إليه بنعله فولى العبد مدبرا وادخله أبو الوضاح منزله ولما طال على السجان الأمر نادى الكميت فلم يجبه فدخل ليعرف خبره فصاحت به المرأة ورائك لا أم لك فشق ثوبه ومضى صارخا إلى باب خالد فأخبره فاحضر حبى فقال لها يا عدوة الله احتلت على أمير المؤمنين وأخرجت عدو أمير المؤمنين لأنكلن بك ولأصنعن ولأفعلن فاجتمعت بنو أسد وقالوا ما سبيلك على امرأة منا خدعت فخافهم فخلى سبيلها وسقط غراب على الحائط فنعب فقال الكميت لأبي وضاح إني لمأخوذ وان حائطك لساقط فقال سبحان الله هذا ما لا يكون إن شاء الله وكان الكميت خبيرا بالزجر فقال لا بد ان تحولني فخرج به إلى بنى علقمة وكان يتشيعون فأقام فيهم ولم يصبح حتى سقط الحائط الذي سقط عليه الغراب قال المستهل وأقام الكميت مدة متواريا حتى إذا أيقن ان الطلب خف عنه خرج ليلا في جماعة من بنى أسد على خوف ووجل فيمن معه قال واخذ الطريق على القطقطانية وكان عالما بالنجوم مهتديا بها فلما سار سحرا صاح بنا هوموا يا فتيان فهو منا وقام فصلى قال المستهل فرأيت شخصا فتضعضعت له فقال مالك قلت أرى شخصا مقبلا فنظر إليه فقال هذا ذئب قد جاء يستطعمكم فجاء الذئب فربض ناحية فأطعمناه يد خروف فتعرقها ثم أهرقنا له باناء فيه ماء فشربه فارتحلنا فجعل الذئب يعوي فقال الكميت ويله ويله ألم نطعمه ونسقه وما أعرفني بما يريد وهو يعلمنا انا لسنا على الطريق فتيامنوا يا فتيان فتيامنا فسكن عواؤه فلم نزل نسير حتى جئنا الشام فتوارى في بنى أسد وبنى تميم وأرسل إلى أشراف قريش وكان سيدهم يومئذ عنبسة بن سعيد بن العاص فمشت رجال قريش وأتوا عنبسة وقالوا يا أبا خالد هذه مكرمة اتاك الله بها هذا الكميت بن زيد لسان مضر كان أمير المؤمنين كتب
575 في قتله فجاء وقد تخلص إليك والينا قال مروه ان يعوذ بقبر معاوية بن هشام فمضى الكميت وضرب فسطاطه عند قبره وأتى مسلمة بن هشام فقال يا أبا شاكر مكرمة أتيتك بها تبلغ الثريا ان اعتنيت بها فان علمت إنك تفي وإلا كتمتها قال وما هي فأخبره الخبر فقال على خلاصه فدخل على هشام وهو عند أمه في غير وقت دخول فقال له هشام أجئت لحاجة قال نعم قال هي مقضية الا ان تكون الكميت قال ما أحب ان تستثنى على في حاجتي وما انا والكميت قالت أمه لتقضين حاجته كائنة ما كانت قال قد قضيتها ولو أحاطت بما بين قطريها قال هي الكميت يا أمير المؤمنين وهو آمن بأمان الله وأمانك وهو شاعر مضر وقد قال فينا قولا لم يقل مثله قال قد آمنته وأجزت أمنك له قال فاجلس له مجلسا ينشدك فيه ما قال فقعد له وعنده الأبرش الكلبي فتكلم بخطبة ارتجلها ما سمع بمثلها قط ومدحه بقصيدته الرائية ويقال انه ارتجلها وهو قوله: قف بالديار وقوف زائر ومضى فيها إلى أن وصل إلى قوله: والآن صرت إلى أمية * والأمور إلى مصائر وجعل هشام يغمز مسلمة بقضيب في يده ويقول له اسمع ثم جاء الكميت إلى منزله آمنا فحشدت له المضرية بالهدايا وأمر له مسلمة بعشرين ألف درهم وأمر له هشام بأربعين ألف درهم وكتب إلى خالد بأمانه وأمان أهل بيته وان لا سلطان له عليهم وفى رواية انه لما أجاره مسلمة بن هشام وبلغ هشاما دعا به وقال له أتجير على أمير المؤمنين بغير أمره فقال لا ولكني انتظرت سكون غضبه قال احضره الساعة فإنه لا جوار لك فقال مسلمة للكميت يا أبا المستهل ان أمير المؤمنين قد أمرني بإحضارك قال أو تسلمني يا أبا شاكر قال كلا ولكني أحتال لك ثم قال إن معاوية بن هشام قد مات قريبا وقد جزع عليه جزعا شديدا فإذا كان من الليل فاضرب رواقك على قبره وانا أبعث إليك ببنيه يكونون معك في الرواق
576 فإذا ادعا بك تقدمت إليهم ان يربطوا ثيابهم بثيابك ويقولون هذا استجار بقبر أبينا ونحن أحق من أجاره فأصبح هشام على عادته متطلعا من قصره إلى القبر فرأى فسطاطا فقال ما هذا فقالوا لعله مستجير بالقبر فقال يجار من كان إلا الكميت فإنه لا جوار له فقيل فإنه الكميت قال يحضر أعنف احضار فلما دعى به ربط الصبيان ثيابهم بثيابه فلما نظر هشام إليهم أغر ورقت عيناه واستعبروهم يقولون يا أمير المؤمنين استجار بقبر أبينا وقد مات ومات حظه في الدنيا فاجعله هبة لنا وله ولا تفضحنا فيمن استجار به فبكى هشام حتى انتحب ثم أقبل على الكميت فقال يا كميت أنت القائل: والا تقولوا غيرنا تتعرفوا * نواصيها تردى بنا وهي تشرب قال كلا ولا أتان من أتن الحجاز ثم انه حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ثم قال: اما بعد فإني كنت أتدهدى في غمرة جهالة وأعوم في بحر غواية، أخي على خطلها، واستنفرني وهلها، فتحيرت في الضلالة، وتسكعت في الجهالة. مهرعا عن الحق، جائرا عن القصد، أقول الباطل ضلالا، وأفوه بالبهتان وبالا، وهذا مقام عائذ أبصر الهدى، ورفض العمى، فاغسل يا أمير المؤمنين الحوبة بالتوبة. واصفح عن الزلة واعف عن الجرم، ثم قال شعرا: كم قال قائلكم لعا * لك عند عثرته لعاثر وغفرتم لذوي الذنوب * من الأكابر والأصاغر ابني أمية انكم * أهل الوسائل والأوامر ثقتي لكل ملمة * وعشيرتي دون العشائر أنتم معادن للخلافة * كابرا من بعد كابر بالتسعة المتتابعين خلائفا * وبخير عاشر ثم انه قطع الانشاد وعاد إلى خطبته فقال: إغضاء أمير المؤمنين وسماحته وصباحته مناط المنتجعين من لا يحل حبوته لإساءة المذنبين فضلا عن استشاطة
577 غضبه لجهل الجاهلين فقال له ويلك يا كميت من زين لك الغواية ودلاك في العماية قال الذي أخرج أبانا من الجنة وأنساه العهد فلم يجد له عزما فقال له إيه يا كميت أنت القائل. فيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها * ويا حاطبا في غير حبلك تحطب فقال بل انا القائل: إلى آل بيت أبى مالك * مناخ هو الأرحب الأسهل فقال له وأنت القائل: وكعبد المليك أو كوليد * أو سليمان بعد أو كهشام من يمت لا يمت فقيدا ومن * يحيى فلا ذوال ولا ذو ذمام فقال له ويلك يا كميت جعلتنا ممن لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة فقال بل انا القائل يا أمير المؤمنين: والآن صرت إلى أمية * والأمور إلى مصائر والآن صرت بها المصيب * كمهتدي بالأمس حائر يا بن العقائل والأماثل * والجحاجحة الأخابر من عبد شمس والأكابر * من أمية فالأكابر ان الخلافة والآلاف * برغم ذي حسد وواغر دلفا من الشرف التليد * إليك بالرفد الموافر فحللت معتلج البطاح * وحل غيرك بالظواهر فقال له إيه وأنت القائل: فقل لبني أمية حيث كانوا * وان خفت المهند والقطيعا أجاع الله من أشبعتموه * وأشبع من بجوركم أجيعا بمرضي السياسة هاشمي * يكون حيا لامته ربيعا فقال لا تثريب يا أمير المؤمنين أن رأيت أن تمحو عنى قولي الكاذب
578 بقول الصادق فقال وما هو؟ فقال: أورثته الحصان أم هشام * نسبا ثاقبا ووجها نضيرا وتعاطى به ابن عايشة البدر * فأمسى له رقيبا نظيرا وكساه أبو الخلائف مروان * سناء المكارم المأثورا لم تجهم له البطاح ولكن * وجدتها له مغان ودورا وكان هشام متكئا فاستوى جالسا وقال هكذا فليكن الشعر يقولها لسالم ابن عبد الله بن عمر وكان إلى جانبه ثم قال قد رضيت عنك يا كميت فقبل يده ثم قال يا أمير المؤمنين ان رأيت أن تزيد في تشريفي فلا تجعل لخالد على أمارة قال قد فعلت وكتب له بذلك وأمر له بأربعين ألف درهم وثلاثين ثوبا شامية وكتب إلى خالد ان يخلى سبيل امرأته ويعطيها عشرين ألف درهم وثلاثين ثوبا ففعل ذلك. وعن ابن محمد الهمداني قال حدثني درست بن أبي منصور قال كنت عند أبي الحسن موسى " ع " وعنده الكميت بن زيد فقال للكميت أنت الذي تقول: فالآن صرت إلى أمية * والأمور إلى مصائر فقال قلت ذاك والله ما رجعت عن إيماني وإني لكم لموال ولعدوكم لمعاد ولكنني قلته على التقية قال " ع " أما لئن قلت ذلك أن التقية تجوز في شرب الخمر. وروى أنه دخل على أبى جعفر محمد بن علي الباقر " ع " وأبو جعفر ينشد. ذهب الذين يعاش في أكنافهم * لم يبق إلا شامت أو حاسد فأنشده الكميت بديهة فقال: وبقى على وجه البسيطة واحد * وهو المراد وأنت ذاك الواحد وروى عن الكميت انه قال رأيت أمير المؤمنين " ع " في المنام فقال أنشدني قصيدتك العينية فأنشدته حتى انتهيت إلى قولي: ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطر مبيعا
579 فقال عليه السلام صدقت ثم أنشد عليه السلام: ولم أر مثل ذاك اليوم يوما * ولم أر مثله حقا أضيعا قال محمد بن مسلمة كان مبلغ شعر الكميت حين مات خمسة آلاف ومائتين وتسعا وثمانين بيتا وكانت ولادته أيام مقتل الحسين بن علي " ع " سنة ستين وتوفى شهيدا سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد. وكان سبب موته ما حكاه حجر بن عبد الجبار قال خرجت الجعفرية على خالد القسري وهو يحطب على المنبر ولا يعلم بهم فخرجوا ينادون لبيك جعفر لبيك وعرف خالد خبرهم وهو يخطب فدهش ولم يعلم ما يقول فزعا فقال أطعموني ماء ثم خرج الناس فأخذوا وقتلوا وحرقوا فلم عزل خالد عن العراق وولى يوسف بن عمر دخل عليه الكميت فأنشده: خرجت لهم تمشى البراح ولم تكن * كمن حصنه فيه الرتاج المضبب وما خالد يستطعم الماء فاغرا * بعدلك والداعي إلى الموت ينعب قال والجند قيام على رأس يوسف بن عمر وهم يمانية فتعصبوا لخالد فوضعوا نعال سيوفهم في بطن الكميت فوجؤه بها وقالوا تنشد الأمير ولم تستأمره فلم يزل ينزف الدم حتى مات. قال المؤلف عفا الله عنه هذه الشهادة التي دعا له بها علي بن الحسين " ع " وقد تقدم خبر ذلك. وحدث المستهل بن الكميت قال حضرت أبى عند الموت وهو يجود بنفسه فأغمي عليه ثم أفاق ففتح عينيه ثم قال اللهم آل محمد اللهم آل محمد اللهم آل محمد ثلاث ثم قال يا بنى انه بلغني في الروايات انه يحفر بظهر الكوفة خندق يخرج فيه الموتى من قبورهم وينبشون منها فيحولون إلى قبور غيرهم فلا تدفني في الظهر ولكن إذا مت فامض بي إلى موضع يقال له مكر ان فادفني فيه فدفن في
580 ذلك الموضع وكان أول من دفن فيه وهو مقبرة بنى أسد إلى الساعة. (أبو صخر) كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة الأسود بن عامر بن عويمر بن خالد بن سعيد بن خثيمة بن سعد بن مليح بضم الميم ابن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن أزد ابن قمعة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الخزاعي الحجازي الشاعر المشهور أحد عشاق العرب المشهورين به صاحب عزة بنت جميل الآتي ذكرها له معها حكايات ونوادر وأمور مشهورة وأكثر شعره فيها. وكان ابن أسحق يقول كثير أشعر أهل الإسلام وكانت له منزلة عند قريش وقدر وكان عبد الملك معجبا بشعره فقال يوما كيف ترى شعري يا أمير المؤمنين فقال أراه يسبق السحر ويغلب الشعر فقال من أشعر الناس يا أبا صخر فقال من يروى أمير المؤمنين شعره فقال له عبد الملك إنك لمنهم. ويحكى ان الفرزدق لقى كثيرا فقال له أنت يا أبا صخر أنسب العرب حيث نقول: أريد لأنسى ذكرها فكأنما * تمثل لي ليلى بكل سبيل فقال له كثير وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول: ترى الناس ما سرنا يسيرون حولنا * وأن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا وقال الجمحي كان لكثير في النسيب نصيب وافر وكانت له من فنون الشعر ما كانت لجميل وكان راوية جميل وأنما صغر اسمه لقصره وحقارته. وقال الوقاصي رأيت كثيرا يطوف بالبيت فمن حدثك انه يزيد على ثلاثة أشبار فلا تصدقه وكان إذا دخل على عبد الملك أو أخيه عبد العزيز يقول له طأطئ رأسك لا يصيبه السقف وكان عبد الملك يحب النظر إلى كثير فلما ورد عليه فإذا هو قصير حقير تزدريه العين فقال تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فيقول مهلا يا أمير المؤمنين فإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ان نطق نطق
581 ببيان وان قاتل قاتل بجنان وانا الذي أقول. ترى الرجل النحيف فتزدريه * وفى أثوابه أسد هصور ويعجبك الطرير فتبتليه * فيخلف ظنك الرجل الطرير وما عظم الرجال لها بزين * ولكن زينها كرم وخير بغاث الطير أطولها جسوما * ولم تطل البزاة ولا الصقور وقد عظم البعير بغير لب * فلا يستغن بالعظم البعير فيركب ثم يضرب بالهراوي * فلا عرف لديه ولا نكير يجرره الصبى بكل سهب * ويحبسه على الخسف الجرير فاعتذر إليه عبد الملك ورفع مجلسه ونسب في الحماسة هذه الأبيات إلى العباس بن مرداس ويحتمل ان يكون كثير تمثل بها. وكان أول أمره مع عزة انه مر بنسوة من بنى خمرة ومعه جلب غنم فأرسلن إليه عزة وهي صغيرة فقالت يقبل لك النسوة بعنا كبشا من هذه الغنم وانسئنا بثمنه إلى أن ترجع فأعطاها كبنا فأعجبته فلما رجع جائته امرأة منهن بدراهمه فقال وأين الصبية التي أخذت منى الكبش قالت وما تصنع بها هذه دراهمك قال لا آخذ دراهمي إلا ممن دفعت إليها الكبش وهو يقول: قضى كل ذي دين فوفى غريمه * وعزة ممطول معنى غريمها فقلن له أبيت إلا هذه وأبرزنها له وهي كارهة ثم إنها أحبته بعد ذلك حبا شديدا أشد من حبه لها. وحكى ان عزة دخلت يوما على أم البنين بنت عبد العزيز فقالت أرأيت قول كثير: (قضى كل ذي دين) البيت ما كان ذلك الدين قالت وعدته قبل وخرجت منها قالت انجزيه وعلى اثمها. وكان لكثير غلام عطار بالمدينة وربما باع نساء العرب بالنسيئة فأعسر على عزة بعطر فمطلته أياما وحضرت إلى حانوته في نسوة فطالبها فقالت حبا
582 وكرامة ما أقرب الوفاء وأسرع فأنشد متمثلا: (قضى كل ذي دين فوفى غريمه) فقالت النسوة أتدري من غريمتك قال لا والله قلن هي عزة قال أشهدكم إنها في حل مما لي عندها ثم مضى إلى سيده فأخبره بذلك فقال كثير وانا اشهد الله إنك حر لوجهه ووهبه جميع ما في الحانوت من العطر وله في مطالها بالوعد شعر كثير منه: أقول لها عزيز مطلت ديني * وشر الغانيات ذوا المطالي فقالت ويح غيرك كيف أقضى * غريما ما ذهبت له بمالي وعن الهيثم بن عدي ان عبد الملك سأل كثيرا عن أعجب خبر له مع عزة فقال حججت سنة من السنين وحج زوج عزة بها ولا يعلم أحد بصاحبه فلما كنا في بعض الطريق أمرها زوجها بابتياع سمن يصلح به طعاما لأهل رفقته فجعلت تدور الخيام خيمة خيمة حتى دخلت إلى وهي لم تعلم أنها خيمتي وكنت أبرى أسهما لي فلما رأيتها جعلت أبرى وانا أنظر إليها ولا أعلم حتى بريت ذراعي مرات وأنا لا أشعر والدم يجرى فلما تبينت ذلك دخلت إلى وأمسكت يدي وجعلت تمسح الدم عنها بثوبها وكان عندي نحى من سمن فحلفت لتأخذنه فاخذته وجاءت إلى زوجها بالسمن فلما رأى ثوبها سألها عن خبره فكاتمته حتى حلف عليها لتصدقنه فصدقته فضربها وحلف ليشتمني في وجهي فوقفت على وهو معها فقالت لي يا بن الزانية وهي تبكي ثم انصرفا فذلك حين أقول: يكلفها الخنزير شتمي وما بها * هواني ولكن للمليك استذلت وهذا البيت من قصيدة له هي من محاسن شعره أولها: خليلي هذا ربع عزة فاعقلا * قلوصيكما ثم أبكيا حيث حلت وما كنت أدرى قبل عزة ما البكا * ولا موجعات القلب حتى تولت فلا يحسب الواشون ان صبابتي * بعزة كانت غمرة فتجلت فوالله ثم الله ما حل قبلها * ولا بعدها من خلة حيث حلت وما مر من يوم على كيومها * وان عظمت أيام أخرى وجلت
583 وكانت لقطع الحبل بيني وبينهما * كناذرة نذرا فأوفت وبرت فقلت لها يا عز كل مصيبة * إذا وطنت يوما لها النفس ذلت ولم يلق إنسان من الحب منعة * تعم ولا عمياء الا تجلت أباحت حمى لم ترعها النفس قبلها * وحلت تلاعا لم تكن قبل حلت أريد ثواء عندها وأظنها * إذا ما أطلنا عندها المكث ملت فوالله ما قاربت إلا تباعدت * بهجر ولا أكثرت إلا أقلت يكلفها الخنزير شتمي وما بها * هواني ولكن للمليك استذلت هنيئا مريئا غير داء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت فان تكن العتبى فأهلا ومرحبا * وحقت لها العتبى علينا وقلت وان تكن الأخرى فان ورائنا * مناويح لو سارت بها العيس كلمت أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية ان تقلت فما انا بالداعي لعزة بالردى * ولا شامت ان نعل عزة زلت وأبى وتهيامي بعزة بعدما * تخليت عما بيننا وتخلت لكا المبتغى ظل الغمامة كلما * تبوأ منها للمقيل اضمحلت كأني وإياها غمامة ممحل * رجاها فلما جاوزته استهلت كأني أنادي صخرة حين أعرضت * من الصم لو تمشى بها العصم زلت صفوحا فما نلقاك إلا نجيلة فمن حل منها ذلك الميل ملت فما أنصفت أما النساء فبغضت * إلى وأما بالنوال فضنت فواعجبا للقلب كيف اعتزازه * وللنفس لما وطنت كيف ذلت وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا * فلما توافقنا شددت وحلت وكنا سلكنا في صعود من الهوى * فلما توافينا ثبت وزلت فان سأل الواشون فيم سلوتها * فقل نفس حر سليت فتسلت وللعين تذراف إذا ما ذكرتها * وللقلب وسواس إذ العين ملت
584 فكنت كذا رجلين رجل صحيحة * وأخرى رمها الزمان فشلت ولى عبرات لويد من قتلنني * توالى التي ما بالتي قد تولت فليت قلوصي عند عزة قيدت * بحبل ضعيف بان منها فضلت وأصبح في القوم المقيمين رحلها * وكان لها باع سواي فشلت تمنيتها حتى إذا ما وليتها * رأيت المنايا شرعا قد أطلت أصاب الردى من كان يبغي لها الردى * وجن اللواتي قلن عزة جنتي عليها تحيات السلام هدية * لها كل حين مقبل حيث حلت وعن يعقوب بن عبد الله الأسدي ومحمد بن صالح الأسلمي قال دخلت عزة على عبد الملك بن مروان وقد عجزت فقال لها أنت عزة كثير فقالت انا عزة بنت جميل قال أنت الذي يقول لك كثير: لعزة نار ما تبوح كأنها * إذا ما رمقناها من البعد كوكب فما الذي أعجبه منك قالت يا أمير المؤمنين إني كنت في عهدي أحسن من النار في الليلة القرة. وفى حديث محمد بن صالح الأسلمي فقالت ما أعجب المسلمين منك حين صيروك خليفة قال وكانت له سن سوداء فضحك حتى بدت فقالت له هذا الذي أردت ان أبديه فقال لها هل تروين قول كثير: وقد زعمت إني تغيرت بعدها * ومن ذا الذي يا عز لا يتغير تغير جسمي والخليقة كالتي * عهدت ولم يخبر بسرك مخبر فقالت لا بل أروى له وهو من قصيدته المتقدمة: كأني أنادي صخرة حين أعرضت * من العصم لو تمشى بها العصم زلت صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة * فمن مل منها ذلك الوصل ملت وعن إبراهيم ابن أبي عمرو الجهني قال سارت إلينا عزة في جماعة من قومها فنزلت حيا لنا فجاءني كثير ذات يوم فقال لي أريد أن أكون عندك اليوم
585 حتى أمسى فاذهب إلى عزة فصرت به إلى منزلي فأقام عندي حتى كان العشاء ثم أرسلني إليها وأعطاني خاتمه وقال إذا سلمت فستخرج إليك جارية فادفع إليها خاتمي وأعلمها مكاني فجئت بيتها فسلمت فخرجت إلى الجارية فأعطيتها الخاتم فقالت أين الموعد قلت صخيرات أبى عبيدة الليلة فوعدته هناك فخرجت إليه فأعلمته فلما أمسى قال لي انهض بنا فنهضنا فجلسنا هناك نتحدث حتى جانب من الليل فجاءت فجلست فتحدثا فأطالا فذهبت لأقوم فقال لي إلى أين تذهب قلت أخليكما ساعة لعلكما تتحدثان ببعض ما تكتمان فقال لي اجلس فوالله ما كان بيننا شئ قط فجلست وهما يتحدثان حتى أسحرنا ثم قامت وانصرفت وقمت انا وهو فظل عندي حتى أمسى ثم انطلق. وكان كثير بمصر وعزة بالمدينة فاشتاق إليها فسافر ليلقاها فصادفها في الطريق وهي متوجهة إلى مصر فجرى بينهما كلام طويل الشرح ثم انها انفصلت عنه وقدمت مصر ثم عاد كثير إلى مصر فوافاها والناس منصرفون عن جنازتها فأتى قبرها وأناخ راحلته ومكث ساعة ثم رحل وهو يقول أبياتا منها: أقول ونضوى واقف عند قبرها * عليك سلام الله والعين تسفح وقد كنت أبكي من فراقك حيه * وأنت لعمري اليوم أنأى وأنزح ولكثير مع عزة أخبار كثيرة اقتصرنا منها على هذا المقدار خشية من الإطالة. وكان كثير شيعيا شديد التشيع وكان آل مروان يعلمون بمذهبه فلا يغيرهم ذلك له لجلالته في عيونهم ولطف محله في أنفسهم. وحدث ابن قتيبة قال بلغني ان كثيرا دخل على عبد الملك بن مروان فسأله عن شئ فأخبره به فقال أو حق علي بن أبي طالب انه كما ذكرت فقال يا أمير المؤمنين لو سألتني بحقك لصدقتك قال لا أسألك إلا بحق أبى تراب فحلف له به فرضى ولما عزم عبد الملك على الخروج إلى حرب الزبير أنشدته زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية ان لا يخرج بنفسه ويبعث غيره فأبى فلم تزل تلح عليه
586 في المسألة وهو يمتنع من الإجابة فلما يئست منه بكت وبكى من حولها من جواريها وحواشيها فقال عبد الملك قاتل الله كثيرا كأنه رأى موقفنا هذا حين قال: إذا ما أراد الغزو لم يثن همه * فتاة عليها نظم در يزينها نهته فلما لم تر النهى عاقه * بكت فبكى مما شجاها قطينها ثم عزم عليها ان تقصر فأقصرت وخرج لقصده فنظر إلى كثير في ناحية عسكره يسير مطرقا فدعا به وقال أنى لأعرف ما أسكتك وألقى عليك ثبك فإن أخبرتك عنه أتصدقني قال نعم قال وحق أبى تراب إنك تصدقي قال والله لأصدقنك قال لا أو تحلف به فحلف به فقال تقول رجلان من قريش يلقى أحدهما صاحبه فيحاربه القاتل والمقتول في النار فما معنى سيرى مع أحدهما ولا آمن سهما عاثرا لعله ان يصيبني فيقتلني فأكون معهما قال والله يا أمير المؤمنين ما أخطأت قال فارجع من قريب وأمر له بجائزة. وفى رواية انه دعا به فقال ذكرت الساعة بيتين من شعرك فإن أصبت ما هما فلك حكمك فقال نعم أردت الخروج فبكت عاتكة وبكى حشمها فذكرت قولي: (إذا ما أراد العزم) وذكر البيتين فقال أصبب فاحتكم فأعطاه ما أراد ثم نظر إليه عبد الملك يسير في عرض الموكب متفكرا فقال على يا بن أبي جمعة فقال إن عرفتك في أي شئ كنت تفكر فلي حكمي فقال نعم قال كنت تقول انا في شر حال خرجت في جيش من أهل النار ليس على ملتي ولا مذهبي يسير إلى رجل من أهل النار ليس على ملتي ولا على مذهبي يلتقي الخيلان فتصيبني سهم غرب فأتلف فما هذا فقال والله يا أمير المؤمنين ما أخطأت ما كان في نفسي فاحتكم قال حكمي ان أصلك في عشرة آلاف درهم وأدرك إلى منزلك فأمر له بذلك. وحدث حفص الآمدي قال: كنت أختلف إلى كثير أتروي شعره قال فوالله إني لعنده يوما إذ وقف عليه واقف فقال قتل آل المهلب بالعقر فقال ما اجل الخطب ضحى آل أبي سفيان بالدين يوم الطف وضحى بنو مروان بالكرم
587 يوم العقر فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك فدعا به فلما دخل عليه قال عليك بهلة الله أتر أبيه وعصبية وجعل يضحك منه. وعن أبي بكر الهذلي قال كان عبد الله بن الزبير قد أغرى ببني هاشم يتبعهم بكل مكروه ويغري بهم ويحطب بهم على المنابر ويصرح ويعرض بذكرهم فربما عارضه ابن عباس وغيره منهم ثم بدا له فيهم فجلس ابن الحنفية في سجن عارم ثم جمعه وسائر من كان بحضرته من بنى هشام فجعلهم في مجالس وملأه حطبا وأضرم فيه النار وكان قد بلغه ان أبا عبد الله الجدلي وسائر شيعة ابن الحنفية قد وافوا لنصرته ومحاربة ابن الزبير فكان سبب ايقاعه بهم وبلغ أبا عبد الله الخبر فوافى ساعة أضرمت النار عليهم فأطفأها واستنقذهم وأخرج ابن الحنفية عن جوار ابن الزبير يومئذ فأنشد محمد بن العباس اليزيدي قال أنشد محمد بن حبيب لكثير في ابن الحنفية وقد حبسهم ابن الزبير في سجن يقال له سجن عارم: ومن ير هذا الشيخ بالخيف من منى * من الناس يعلم أنه غير ظالم سمى النبي المصطفى وابن عمه * وفكاك أغلال ونفاع غارم أبى فهو لا يشرى هدى بضلالة * ولا يتقى في الله لومة لائم ونحن بحمد الله نتلو كتابه * حلو لا بهذا الخيف خيف المحارم فما فرح الدنيا بباق لأهله * ولا شدة البلوى بضربة لازم تخبر من تلقى بأنك عائذ * بل العائذ المظلوم في سجن عارم وقال بعضهم ان كثيرا كان يرى رأى الكيسانية ويقول بامامة محمد بن الحنفية ويروون شعرا في ذلك وهو: ألا ان الأئمة من قريش * ولاة الحق أربعة سواء على والثلاثة من بينه * هم الأسباط ليس بهم خفاء فسبط سبط أيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء وسبط لا تراه العين حتى * يقود الخيل يقدمها اللواء
588 تغيب لا يرى عنهم زمانا * برضوى عنده عسل وماء قال المؤلف عفا الله عنه انه ان صح انه كان كيسانيا فالظن انه رجع عن ذلك كالسيد الحميري فقد اتفق النقل عن المخالف والمؤالف ان الباقر " ع " حضر جنازته ورفعها كما سنذكر وذكر ابن شهرآشوب في (معالم العلماء) انه كان من أصحاب الباقر عليه السلام. وروى أن الباقر " ع " قال له تزعم انك من شيعتنا وتمدح آل مروان قال إنما أسخر منهم واجعلهم حيات وعقارب وآخذا أموالهم. وذكر الشريف المرتضى (ره) في كتاب (الغرر والدرر) ان أبا جعفر محمد بن علي الباقر " ع " قال لكثير أمدحت عبد الملك بن مروان فقال لم أقل له يا أمام الهدى إنما قلت له يا شجاع والشجاع حية ويا أسد والأسد كلب فتبسم أبو جعفر. وهذا يدل على أنه كان نوى على بنى مروان في مدائحه. وذكر أيضا في الكتاب المذكور ان رجل نظر إلى كثير وهو راكب وأبو جعفر محمد بن علي الباقر " ع " يمشى فقيل له أتركب وأبو جعفر يمشى فقال هو أمرني بذلك وانا بطاعته في الركوب أفضل من عصياني إياه بالمشي: وهذا كله مما يدل عن حسن عقيدته والعامة لعلمهم بتشيعه رموه تارة باعتقاده مذهب الكيسانية وتارة بالقول بالتناسخ وتارة بعدم الدين والحمق وأخرى بالزندقة والالحاد وغير ذلك وكانت وفاته في خلافة يزيد بن عبد الملك بالمدينة المنورة ويقال انه لما حضرته الوفاة قال شعرا: برأت إلى الاله من ابن أروى * ومن دين الخوارج أجمعينا ومن (فعل) برئت ومن (فعيل) * غداة دعى أمر المؤمنينا ثم إن روحه خرجت كأنها فص في ماء. وعن جويرية بن أسماء قال مات كثير وعكرمة مولى ابن عباس في يوم واحد فاجتمع الناس في جنازة كثير ولم يوجد لعكرمة من يحمله.
589 وقال ابن شهرآشوب في (معالم العلماء) انه لما مات كثير رفع جنازته الباقر عليه السلام وعرقه يجرى. وعن يزيد بن عروة قال غلب النساء على جنازة كثير يبكينه ويذكرن عزة في ندبهن قال فقال أبو جعفر محمد بن علي " ع " أفرجوا لي عن جنازة كثير لأرفعها قال فجعلنا ندفع عنها النساء وجعل يضربهن محمد " ع " بكمه ويقول تنحين يا صويحبات يوسف فانتدبت له امرأة منهن فقالت يا بن رسول الله لقد صدقت إنا لصويحبات يوسف وقد كنا خيرا منكم له فقال أبو جعفر " ع " لبعض مواليه احتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفنا قال فلما انصرف " ع " أتى بتلك المرأة كأنها شرارة النار فقال لها محمد بن علي " ع " إيه أنت القائلة إنكن خير منا قالت نعم تؤمنني غضبك يا بن رسول الله قال أنت آمنة من غضبي فأبيني قالت نحن يا بن رسول الله دعوناه إلى اللذات من المطعم والمشرب والتمتع والتنعم وأنتم معاشر الرجال ألقيتموه في الجب وبعتموه بأبخس الأثمان وحبستموه في السجن فأينا كان به أحنى وعليه أرأف فقال محمد بن علي " ع " لله درك لن تغالب امرأة إلا غلبت ثم قال لها ألك بعل قالت لي من الرجال من أنا بعله قال فقال أبو جعفر " ع " صدقت مثلك من تملك زوجها ولا يملكها قال فلما انصرفت قال رجل من القوم هذه زينب بنت معيقب الأنصارية. ولله الحمد أولا وآخرا والصلاة والسلام على خير خلقه المبعوث محمد صلى الله عليه وعلى ابن عمه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وعلى ابني ابنته وسبطيه الحسن والحسين وعلى ذريته المعصومين الطيبين من ذرية الحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام