توضيح المقال في علم الرجال نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

توضيح المقال في علم الرجال - نسخه متنی

ملا علی کنی؛ محققین: محمد باقری، محمد حسین مولوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: توضيح المقال في علم الرجال
المؤلف: الملا على كني
الجزء:
الوفاة: 1306
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند الشيعة
تحقيق: تحقيق : محمد حسين مولوي ، قسم الأبحاث التراثية بدار الحديث / مراجعة : محمد الباقري
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1421 - 1379 ش
المطبعة: سرور
الناشر: دار الحديث
ردمك: 964-5985-11-0
ملاحظات:
توضيح المقال
في علم الرجال
الملا علي كني
(1220 - 1306 ه‍ ق)
تحقيق
محمد حسين مولوي
مركز بحوث دار الحديث

1
كني، الملا علي، 1220. ق - 1306. ق.
توضيح المقال في علم الرجال / الملا علي كند، تحقيق: محمد حسين مولوي. - قم: دار الحديث، 1379. ش /
1421. ق.
344 ص.
المصادر بالهامش وص 325 - 331.
1. الحديث - علم الرجال
2. الحديث - علم الدراية.
الف. العنوان. ب. مولوي، محمد حسين،
1339. ش -، المحقق.
شابك: 0 - 11 - 7489 - 964
مؤسسة دار الحديث الثقافية
توضيح المقال
في علم الرجال
المؤلف: الملا علي كني
التحقيق: محمد حسين مولوي
قسم الأبحاث التراثية بدار الحديث
المراجعة: محمد الباقري
الناشر: دار الحديث
صف الحروف: فخر الدين جليلوند، سيد علي موسوي كيا
تقويم النص: محمد هادي خالفي
الطبعة: الأولى، 1379 ش / 1421 ق
المطبعة: سرور
النسخ: 1500
الثمن: 1400 تومان
دار الحديث للطباعة والنشر - قم - شارع آية الله المرعشي النجفي - قرب ساحة الشهداء
الهاتف: 741650 - 0251، 740523 - 0251
ص. ب 4468 / 37185

2
بسم الله الرحمن الرحيم

3
دليل الكتاب
تصدير 7 - 8
مقدمة التحقيق 9 - 15
مقدمة حول الكتاب 17 - 21
توضيح المقال في علم الرجال
المقدمة: فيها أمور ثلاثة
الأمر الأول: في تعريف علم الرجال 29 - 32
الأمر الثاني: في موضوع علم الرجال 32 - 34
الأمر الثالث: في فائدة علم الرجال 34 - 82
الأبواب المقررة في الكتاب ثلاثة:
الباب الأول: فيما يتعلق بمعرفة ذوات رجال السند وفيه فصول 85
الفصل الأول: في كيفية
الرجوع إلى علم الرجال 87 - 94
الفصل الثاني: في أسباب التميز عند الاشتراك 95 - 100
الفصل الثالث: في جملة من التميزات الصادرة عن بعض، وفيه أبحاث 101

5
البحث الأول: في تميز أبي بصير 101 - 109
البحث الثاني: في الاشتراك الخطى والكتبي دون اللفظي 109 - 112
البحث الثالث: في عدة الكليني 112 - 127
البحث الرابع: في بيان مصطلحات صاحب الوافي 127 - 136
تذنيب في رموز صاحب البحار 136 - 140
الباب الثاني: تحقيق الحال في عدة من الرجال وفيه أبحاث 141
البحث الأول: في محمد بن إسماعيل 141 - 151
البحث الثاني: في أبي بصير 151 - 172
البحث الثالث: في عمر بن يزيد 173 - 177
الباب الثالث: فيما يتعلق بمعرفة صفات وأحوال رجال السند وفيه فصول 179
الفصل الأول: ألفاظ مستعملة عندهم في المدح المطلق 181 - 208
الفصل الثاني: في ألفاظ مستعملة عندهم في الذم 209 - 225
الفصل الثالث: في ألفاظ لا تفيد مدحا ولا قدحا 226 - 238
الفصل الرابع: في الجرح والتعديل 239 - 240
الخاتمة: في بيان أقسام الحديث وأحوال المشايخ وفيها مباحث 241
المبحث الأول: أقسام الحديث باعتبار الراوي 243 - 252
المبحث الثاني: أنحاء تحمل الحديث 253 - 266
المبحث الثالث: في أقسام الحديث باعتبار الراوي والمروي 267 - 285
المبحث الرابع في أحوال المشايخ 287 - 303
الفهارس

6
تصدير
الحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه محمد وآله أجمعين
لما كان الحديث والسنة يشكلان ثاني سند لفهم الدين بعد القرآن الكريم، فقد
كان له السهم الأوفر في التوصل إلى الينبوع الصافي للحقائق والمعارف الدينية،
واستنباط الأحكام الشرعية. وقد حث الأئمة المعصومين عليهم السلام المسلمين على تعلمه
وتعليمه وتدوينه. وهذا ما ضاعف من أهميته وزاد في ازدهاره يوما بعد آخر وكانت
الجهود التي بذلها العلماء والمحدثين وكتاب الحديث وحفاظه في مجال حفظ
وتدوين، وضبط وجمع وتصحيح وشرح وتبويب هذا الميراث القيم رغبة منهم
في صيانته والحفاظ عليه سببا لنشر وازدهار العلوم المرتبطة به كعلم الرجال
والدراية ومصطلحات الحديث وفقه الحديث وغريب الحديث غايتها التوصل
إلى معرفة يقينية لهذا المصدر الفريد من نوعه.
وتشهد الآثار الكثيرة التي خلفها السلف الصالح في مختلف ميادين علوم
الحديث على مدى الجهود والمساعي التي بذلها العلماء والمحدثون المسلمون في
القرون الماضية للحفاظ على هذا التراث النفيس.

7
ولكن من المؤسف أن الكثير من هذه الآثار قد ضاعت بسبب عدم الاهتمام
الكافي بها أو فقدت في خضم الأحداث التي مرت بالعالم الإسلامي ولم تصلى إلينا.
وظل المتبقي منها بعيدا عن أيدي الباحثين والمهتمين ولم تعرف حق معرفتها بسبب
بقائها كمخطوطات تراكم عليها غبار الزمن.
وانطلاقا من الأهداف التي يسعى إليها مركز بحوث دار الحديث ومن الرسالة
العلمية - التحقيقية التي ينهض بها فإنه يعتبر تحقيق وإحياء هذه الآثار والتعريف بها
من جملة واجباته إلى جانب ما يضطلع به من أبحاث علمية حديثية ونأمل أن يخطو
في المستقبل خطوات واسعة إلى الأمام في هذا المضمار ويستخرج هذه الآثار من
رفوف المكتبات ويزيل عنها غبار الزمن ويقدمها إلى الأوساط العلمية لكي ينتفع من
نعمها.
الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ (توضيح المقال في علم الرجال) من تأليف
العالم والفقيه الأصولي والرجالي المتبحر الملا على كمي (1306 ق) يعتبر من الآثار
القيمة والنادرة في علم الرجال والدراية ولم يعرف ويحقق وينشر حتى الآن كما
يجب
ولقد تكفل حجة الإسلام محمد حسين مولوي بمشقة تنقيح وتحقيق هذا
الكتاب وها هو يوضع بين أيدي الأوساط والحوزات العلمية من بعد إكمال
بعض نواقصه.
نسأل الله أن يتقبله منا بأحسن القبول ويجعله ذخرا لنا ليوم لا ينفع فيه مال ولا
بنون وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قسم الأبحاث التراثية بدار الحديث

8
مقدمة التحقيق
نبذة مختصرة عن حياة المصنف
هو الشيخ المولى علي بن قربان بن قاسم بن المولى
محمد علي الآملي الكني، أصله من " آمل " في مازندران وقد نزل
أجداده " كن " من قرى شمال طهران، وتعاقب فيها أولاده وأجداده
و " الكني " نسبة إلى " كن " بفتح الكاف وسكون النون ناحية غربي
طهران وكانت في عصر المصنف في سفح جبل هناك، وسميت
" كن " لتسترها بانخفاض محلها كما ذكر المصنف ذلك في
ترجمته لنفسه آخر الكتاب.
ولد المصنف سنة 1220 بقرية " كن " المذكورة ونشأ ميالا
لطلب العلم ولم يكن قد سبقه أحد من عائلته لذلك، ولذلك
عورض ومنع عن تحقيق رغبته منذ النشأة الأولى، لكنه التمس
أهله في أن يتركوه وشأنه، فلم يستجيبوا له وسعى في الذهاب
إلى معلم، فتعلم القراءة والكتابة ولاح عليه علامات النبوغ

9
المبكر وتميز بحدة الذكاء ويقظة الذهن وسرعة الحفظ
ولذلك استغنى عن معلمه بسرعة وأقبل على دراسة علوم اللغة
العربية وظل أهله مستمرين في منعه وهو يتوسل إليهم
بمختلف الوسائل ويشفع الوسطاء حتى تمكن من إكمال
المقدمات ودورة السطوح
ثم هاجر إلى النجف الأشرف في العراق وأكمل دراسته على
أفاضل علماء النجف الأشرف ثم حضر درس الشيخ
محمد حسن صاحب " جواهر الكلام " وأكثر من ملازمته
والانتهال من بحر علمه.
وقد وفق العلامة المصنف إلى أن يحتل مكانة سامية بين رجال
الفضل على عهد أستاذه وبرع في الفقه والأصول براعة تامة ونبغ
في العلوم الإسلامية الأخرى نبوغا باهرا وعرف بسداد الفكر
ونفاذ الرأي وخصوبة الذهن والتحقيق وبعد الغور وسعة الاطلاع
والإحاطة بالآراء والأقوال، حتى شهد أستاذه بفضله ومكانته.
رجع - بعد حصوله على درجة الاجتهاد - إلى طهران، فرأس
ونال ثروة عظيمة وجاها عند ناصر الدين شاه بعد أن كان فقيرا
معدما أيام تحصيله في النجف الأشرف.
يعتبر أحد الأعلام العظام الأربعة الذين شهد صاحب الجواهر
باجتهادهم وصرح بذلك على منبر درسه فقد نقل السيد الصدر في التكملة:
حدثني السيد العالم الثقة العدل الضابط السيد محمد الهندي قال: كنت جالسا
تحت منبر شيخنا صاحب الجواهر مرة فقال قبل الشروع في الدرس ما نصه:
كتب إلي بعض إخواني من طهران يقول: إن السلطان محمد شاه القاجاري
قال بأن عند الشيخ محمد حسن مصبغة اجتهاد يصبغ فيها الطلبة ويرسلهم

10
إلى إيران، مع أنه يعلم أني لم أشهد باجتهاد هؤلاء الذين كتبت لهم بالرجوع
إليهم في المسائل والقضاء فإن مذهبي في المسألة معروف فإني أجوز القضاء
بالتقليد، نعم ما شهدت في كل عمري باجتهاد أحد إلا أربعة: الشيخ عبد الله
نعمة العاملي، والشيخ عبد الحسين الطهراني، والشيخ عبد الرحيم البروجردي
والمولى علي كني...
وبعد رجوعه إلى طهران أقبلت النفوس عليه وحاز ثقة الخاصة
والعامة ورجع إليه الناس في التقليد وطبعت رسالته العملية
الفارسية " إرشاد الأمة " سنة 1271 قبل وفاة الشيخ الأنصاري
بإحدى عشر سنة.
ورأس رئاسة مطلقة وحاز مرجعية كبيرة وزعامة شملت كل أنحاء
إيران بشكل لم يحصل عليه من سبقه أو عاصره أو تأخر عنه.
وكان السلطان ناصر الدين شاه منقادا ومطيعا لأمره ونهيه، وقد
نال - بفضل الله - نعمة وافرة بعد أن قاسى الفقر المدقع سنينا
طويلة وكان سر ثرائه أنه اشترى قرية خربة متروكة بثمن
بخس وشق لها قناة ونجحت ونمت بمائها الغزير وأحيت
موات الأرض وصارت غلتها ألوف التومانات يومذاك وظلت
تنمو وتزدهر وتفيض بالخيرات وأثرى ثراءا كبيرا، وأدى حق
النعمة كاملا فقد انفجرت من أياديه ينابيع الإحسان، وتوافرت
العطايا والمنن على كافة طبقات المحتاجين من أهل العلم
والشرف والدين والإباء وتوافدوا إليه من أرجاء البلاد
ولم يخب أمل راجيه ومؤمليه في حال من الأحوال.
وكان يوزع ما يهدى إليه وينفق ما بين يديه وأهل الخير والبر
والإحسان والعطف يمدونه بسيل الأموال من حقوق الله لإنفاقها
على عيال الله الفقراء لما قيل: " الفقراء عيال الله والأغنياء وكلاؤه

11
وخير وكلائه أبرهم بعياله ".
مصنفاته: " تحقيق الدلائل في شرح تلخيص المسائل " في
القضاء والشهادات وكتاب البيع والخيارات طبعا معا في
طهران سند 1304.
ومنها هذا الكتاب الماثل بين يديك الذي طبع مع " منتهى المقال "
الذي يعد من الكتب الرجالية المهمة لأبي على الحائري.
وقد ذكر العلامة الطهراني صاحب الذريعة:
أن توضيح المقال قد طبع مرتين أخيرهما سنة 1302 وزيد عليه في هذه
الطبعة ما استدركه عليه شيخنا العلامة النوري وقد وصفه في آخر الكتاب
ببعض أفاضل العصر وهو تراجم 59 شيخا من مشايخ علم الرجال وقد تمم
المصنف الستين بنفسه وألحق الجميع بالستين الذين ذكرهم في خاتمة كتابه في
طبعته الأولى فصار الجميع 120 رجلا على نحو الاختصار فقد وفقني الله
لإنهاء عدتهم إلى ما تجاوز 600 مع شئ من البسط في الجملة في كتابي مصفى
المقال في مصنفي علم الرجال، وقد طبع سنة 1378.
وممن تأثر بالمصنف وأخذ عنه العلامة المامقاني في كتاب
مقباس الهداية حيث وصفه تارة ب‍ " بعض أجلة العصر " وأخرى
ب‍ " بعض أعاظم العصر ".
ففي مبحث ألفاظ المدح وقولهم: صحيح الحديث وهل يفيد
كونه عدلا؟ فقد ذكر المامقاني وجهين، واستظهر أحدهما ثم
ذكر الرأي الآخر بقوله:
واستظهر بعض من عاصرناه من الأجلة عدم إفادته العدالة في عبائر
القدماء وأنه أضعف من قولهم: ثقة في الحديث واستدل بما حكاه غير
واحد منهم الوحيد (قدس سره) في الفوائد من أن المراد بالصحيح عند القدماء هو
ما وثقوا بكونه من المعصوم عليه السلام أعم من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي

12
من الثقات أو أمارات أخر (1).
ومقصوده من " بعض أجلة المعاصرين " هو المولى علي كني
الطهراني.
وذكر المامقاني أن " بعض الأجلة ممن عاصرناه قال: إن
الاختلاف من جهة المعنى العرفي مع ملاحظة القرائن " إلى أن
قال: " من حصل له الظن مما ذكر بإفادته الوثاقة (فيها) وإلا
فإفادته غاية المدح ما لا ينبغي التأمل فيه " (2)
وفاته ومدفنه
توفي المصنف رحمه الله يوم الخميس 27 محرم سنة 1306 في طهران
ودفن في مشهد السيد عبد العظيم الحسني في الري.
وقد رثاه السد جعفر الحلي بقصيدة أولها:
واحر قلبي لخطب هائل هجما * * أحال مذ حل أمجاد الورى عدما
رزء أناخ بأقصى الأرض كلكه * * فثل ركنا من الإسلام فانهدما
قد حلت اليوم بالإسلام حادثة * * فهونت كلما يأتي وما قدما
قضى علي فما عذر العيون إذا * * لم تمزج الدمع من فرط البكا دما
مشخصات النسخ
اعتمدنا في تحقيق الكتاب على نسختين: إحداهما النسخة
المطبوعة على الحجر في خاتمة رجال أبى على " منتهى المقال "
المطبوعة في طهران سنة 1299.
والثانية المخطوطة المخزونة في مكتبة مسجد أعظم برقم
(1825) وقد استنسخها السيد علي بن أحمد بن عبد الباقي



(1) " مقباس الهداية " ج 2 ص 168.
(2) المصدر السابق ص 228.
13
الحسنى الحسيني الكاشاني.
كما أن هناك نسخ أخرى لم يتسن لنا الوصول إليها وهي
مخطوطة مكتبة الزنجاني التي تحمل الرقم 2 / 25.
ومخطوطة " مكتبة إلهيات طهران " التي تحمل الرقم 2 ضمن
مجموعة 126، كما ورد في فهرست المكتبة المذكورة ج 1
ص 501.
عملنا في الكتاب
قمنا أولا بمقابلة النسختين المذكورتين وضبط الاختلافات ثم
خرجنا الأقوال التي ذكرها المصنف وأشرنا إلى مصادرها
الأصلية وفي حالة عدم توفر تلك المصادر أحلنا على المصادر
الثانوية.
وقد نضيف أحيانا كلمة أو جملة من المصدر لاقتضاء السياق
ذلك فنضعها بين معقوفين مع الإشارة لذلك في الهامش
وهناك بعض الكتب لم تعنون بعنوان خاص بل طبعت ملحقة
بكتب أخرى فقد اصطلحنا على الفوائد الرجالية للوحيد
البهبهاني ب‍ " فوائد الوحيد البهبهاني " وهي مطبوعة في ذيل كتاب
" رجال الخاقاني " وكذا " تعليقات الوحيد البهبهاني " المطبوعة
في حواشي " منهج المقال "
كما حاولنا - مع بذل غاية الجهد - أن نتعرف على الأقوال التي
نسبها المصنف إلى القيل ولم يذكر القائل لننتقل بعد ذلك إلى
المرحلة الأهم وهي ضبط النص وتقويمه والحفاظ على سلامة
العبارة حيث إن بعض العبارات مغلقة ومشوشة في كلتا
النسختين وفى هذه الحالة راجعنا المصادر الرجالية المهمة
لفهم العبارة وإدراكها.

14
شكر وثناء
ولا يفوتني أن أسجل كلمة شكر وثناء لكل الإخوة الذين ساهموا
في مساعدتي على تحقيق هذا الكتاب وطي مراحله
ومنهم الأخ الشيخ كريم الخفاجي حيث قام باستنساخ الكتاب
على الورقة ومقابلته مع الأخ الشيخ علي مهدي الحسيناوي.
كما أشكر الإخوة الأفاضل في مؤسسة دار الحديث سيما فضيلة
الشيخ علي أوسط ناطقي المشرف على إحياء التراث في هذه
المؤسسة وأخي فضيلة الشيخ على صدرائي خوئي والأخ
الفاضل حسين گودرزي الذين قدموا لي المساعدات الفنية
اللازمة في جميع مراحل العمل.
نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولهم الأجر في ذلك وأن يتقبله منا
بأحسن القبول إنه ولي التوفيق.
محمد حسين مولوي
8 جمادى الأولى 1420

15
بسم الله الرحمن الرحيم *
الحمد لله الملك المهيمن المعبود المتعال، والقدوس العزيز المتقدس
بصفات الجلال وسمات الجمال الذي أحكم دعائم العلم بتوضيح المقال وقوم
قوائمه بتنقيح الرجال وله الحمد على محامده والحمد من محامده وهو المحمود
بجميع الفعال وله الشكر على آلائه ونعمه والشكر من مننه وهو المشكور بكل
لسان بل مقال.
فها نحن قاصرون حاسرون وبالعجز والعلول مقرون وبالإذعان والاعتراف
معتذرون وهو المحمود المشكور على تلك الحال.
وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تكون عدة معدة في الحال والمآل تكون جنة باقية
وجنة واقية عن النقمة والنكال
والصلاة والسلام على من اصطفاه من بريته واختاره من خيرته، وهو الرسول
المختار في الأعقاب والأنسال وعلى أوصيائه المخصوصين بما خصهم الله به من
الصفا والأنفال.



* - هذه المقدمة وردت في الطبعة الحجرية! " توضيح المقال " المطبوع مع كتاب " منتهى المقال " ولم يذكر اسم كاتبها. وهي
ليست من متن الكتاب، لذا اقتضى التنويه.
17
أما بعد فمن المعلوم أن علم الدراية في معرفة ما يتعلق بسند الرواية ومتنها من
مهمات العلوم الدينية وأهمها وضروريات المعارف النظرية وأعمها وكذا علم
الرجال وجملة من المسائل المندرجة في علم الأصول مما يستحق أن يتسلسل في
هذا السلسال فإن الاستدلال منحصر في العقل والنقل بالضرورة وليس للعقل
مسرح في الشرع بالبديهة فلا يكاد ينتظم حكم من الأحكام الفرعية وكذا الأصول
النظرية إلا بالمراجعة إلى النقل من الكتاب والسنة.
ولها مقدمات وقواعد وأحكام وضوابط جرت العادة بذكر طرف منها في الأصول
وآخر في علم الدراية وآخر في علم الرجال وبقيت جملة منها في جانب الإجمال
وقالب الإهمال
ومشايخ هذا الفن أيضا شكر الله مساعيهم - مع بذل جهدهم واستفراغ وسعهم -
أتوا بما تأتى شططا فذكروا في كل باب نمطا وثبطوا عن الاستقصاء فيها ثبطا
فإن ما أفادوه خلاصة مما يليق بالمقام من منهج المقال وما أجادوه فهو نقد مما انتقدوه
في نقد الرجال وما بسطوه ونشطوه فهرست هذه التفاصيل من منتهى المقال
إلا أن كتاب منتهى المقال في علم الرجال مما ألفه الشيخ العالم والفاضل الكامل
والبارع الورع والحبر المطلع مهبط عناية الله الأزلي محمد بن إسماعيل المدعو
ب‍ " أبى على " في هذه الأعصار المتأخرة من حدود المائة الثانية عشر من الهجرة - جزاه
الله عن العلماء أفضل جزاء من أتى بالحسنة - كتاب شاف في علم الرجال وجامع واف
عن الرجوع إلى ما يحتاج إليه في هذا المجال لم يعمل مثله في الزبر وإنما هو
مصداق للمثل السائر " كم ترك الأول للآخر " قد احتوى على فوائد لم تذكر في الدفاتر
وخرائد (1) لم تنظر في النظائر.
ولما أردت أنا أن أجمع في هذا الباب كتابا جامعا ومجموعا نافعا كان مغنيا عن
المراجعة إلى غيره من الكتب والدفاتر عمدت إليه واشتبهت إليه.



(1) مفردها خريدة، وهي اللؤلؤة قبل ثقبها.
انظر لسان العرب ج 4 ص 56، (خرد).
18
ولما كان من خصائصه إسقاط المجاهيل بناء على عدم تعقل فائدة في ذكرهم، إلا
أنه عسى أن يوجب جهلا في الجهالة ويزيد في الحيرة فذكرتهم - لا جرم - في
الحواشي كلا في موضعه صونا للكتاب على وضعه فيكون الناظر إليه على بصيرة
في أمره وتعين من ذلك في بدو نظره.
وكان من خصائصه أيضا الاشتمال على ما ذكره المولى المقدس الأمين الكاظمي -
أسكنه الله بحبوحة جنته - في تميز المشتركات وكان مع استقلاله من عمدة الكتب
فيه إلا أن كثيرا من نسخ ذلك الكتاب مما رأيناها ليس في كثير من أواخرها ما ذكره
السيد في المشتركات وإن رأينا بعضا منها مشتملا عليها بتمامها.
فكأن الشيخ " أبو على " في أول أمره لم يظفر على نسخة المشتركات بتمامها أو لم
ير الاستقصاء بها ثم ظفر عليها بتمامها أو رأى الاستقصاء بها فألحق بالآخر ما لم
يذكره منها في أول الأمر وظفرت أيضا على نسخة كاملة في المشتركات معتبرة
مصححة وانتهيت في التصحيح والنقل أيضا بما تيسر وأثبتها بتمامها كما ذكر.
ثم سنح بخاطري وخطر بخلدي أن ألحق بالكتاب كتابا كتبه ومجموعا جمعه
الشيخ العالم العادل والفاضل الباذل البارع البديل والزاهد النبيل والنحرير المرضى
والحبر الرضى المولى على الرازي ولله دره سلمه الله فقد صنف كتابا ذكر فيه أكثر
المسائل المحتاج إليها في علم الرجال وأكثر ما يحتاج إليه في علم الدراية مما لم
يفض بختامها الفحول من الرجال ولم يسفر عن وجوهها أعاظم أولئك الأبدال.
ولعمري إنه وفقه الله لقد فاز في هذا الفن بالحظ الأوفى واستقسم من بين الأزلام
بالقدح المعلى فأفاد في كتابه ما أفادوه وزاد عليه وأثبت فيه ما أثبتوه وأضاف إليه
فيما يتعلق بمعرفة ذوات الرجال وفى تشخيص جملة من أجلاء الرواة التي اختلف
الآراء في تميزهم وفيما جرى الاصطلاح عند علماء الرجال في مقام المدح أو الذم
وغير ذلك من المطالب والمقاصد يظهر حقيقة الحال وصدق المقال بالمراجعة إلى
ذلك وأشار سلمه الله تعالى - إلى ما اشتمل عليها من المقاصد والمطالب في فهرس
لتسهيل الأمر على الطالب وقال:

19
فهرس ما في هذا الكتاب المسمى بتوضيح المقال في علم الرجال
وفيه مقدمة ذات أمور وأبواب ذات فصول وخاتمة ذات مباحث
المقدمة فيها أمور ثلاثة: تعريف العلم وبيان موضوعه وفائدته
باحثنا في الفائدة كل من يرى الاستغناء عن علم الرجال إما بحجية أخبار الآحاد أو
نفيها على الإطلاق أو بالاكتفاء بتصحيح الغير مطلقا أو في خصوص المشايخ الثلاثة،
أو بقطعية الأخبار سندا.
وعمدة البحث مع الأخبارية تعرضنا لجميع شبهاتهم مع الجواب عنها في مقامات
ثلاثة وأنها تزيد على الثلاثة المشهورة وفى بعضها بلفظ جماعة وأن ذلك للشيخ
الطوسي رحمه الله أيضا.
وفي أخيرها تتمة مشتملة على تحقيق أن إخبار علماء الرجال واعتماد الغير عليهم
هل هما من باب الشهادة أو الرواية أو غيرهما.
الباب الأول: فيما يتعلق بمعرفة ذوات رجال السند وفيه فصول
الأول: في كيفية الرجوع إلى كتب الرجال
الثاني: في أسباب التميز عند الاشتراك
الثالث: في جملة من تميزاتهم في حق جماعة من الرواة
وفى هذا الفصل أبحاث:
البحث الأول: في جملة حكايات منهم نافعة جدا.
البحث الثاني: في خصوص الاشتراك الخطى
البحث الثالث: في بيان عدة الكليني.
البحث الرابع: في بيان اصطلاحات صاحب الوافي رحمه الله وفيه تذنيب مشتمل على
رموز صاحب البحار لكثير من الكتب.
الباب الثاني في ذكر عدة من رجال اختلف آراء الفحول في تميزهم وتحقيق الحال في
ذلك وفيه أبحاث:

20
الأول: في محمد بن إسماعيل الذي أكثر الكليني الرواية عنه وأنه النيسابوري.
الثاني في أبي بصير المشترك بين جماعة وفيه مقدمات أربع في بيان أحوالهم و
في رابعها بيان التميز بينهم.
الثالث: في عمر بن يزيد المشترك كذلك وفيه مطلبان في أخيرهما بيان أحوالهم
مع التميز.
الباب الثالث: فيما يتعلق بمعرفة طبقات وأحوال رجال السند وفيه فصول:
الأول: في الإشارة إلى جملة ألفاظ مستعملة عندهم في المدح.
الثاني: في ألفاظ مستعملة عندهم في الذم وفيه مقامان:
أحدهما: الذم بالجوارح.
وثانيهما: الذم بالعقيدة وفيه بيان المذاهب الفاسدة ورؤسائها من فرق الشيعة.
الثالث: في سائر الألفاظ المتداولة في كتب الرجال كلفظ المولى والغلام والأصل
والكتاب والنوادر.
الرابع: الجرح والتعديل عند الإطلاق والترجيح بينهما عند التعارض
الخاتمة: في بيان انقسام الحديث مع الإشارة إلى مشايخ هذا الفن وفيها مباحث:
الأول: في تقسيمه باعتبار الاعتبار وعدمه إلى الصحيح وغيره عند القدماء
والمتأخرين.
الثاني في تقسيمه باعتبار أنحاء التحمل.
الثالث: في أقسامه على اصطلاح علماء الدراية.
الرابع: في أحوال مشايخ الفن ذكرنا ستين شيخا منهم وأحلنا التفصيل إلى الكتب
المفصلة والله العالم.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على محمد وآله الميامين وسلم
تسليما كثيرا كثيرا.

21
توضيح المقال
في علم الرجال
الملا على كنى
(1220 - 1306 ه‍ ق)
تحقيق
محمد حسين مولوي
مركز بحوث دار الحديث

25
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد
وعترته المعصومين
أما بعد: فالكلام في علم الرجال على وجه
الاستعجال يقتضى رسم مقدمة وأبواب وخاتمة.

27
أما المقدمة
ففي تعريفه وبيان موضوعه وفائدته المحتاج إليها
على ما هو المتعارف في كل علم
(تعريف علم الرجال)
ونقول في الأول: " إنه ما وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتا ووصفا مدحا وقدحا " (1)
فبقيد الوضع خرج ما كان من علم الحديث والتأريخ وغيرهما مشتملا على بيان جملة
من الرواة على الوجه المزبور فإن شيئا من ذلك لم يوضع لذلك وكذا علم الكلام إن



(1) والأحسن في تعريف " علم الرجال " أن يقال: إنه ما يبحث فيه عن أحوال الراوي من حيث اتصافه بشرائط قبول الخبر
وعدمه وهذا الحد مانع وجامع لجميع مسائل هذا العلم مما كان له تعلق بذات المخبر أولا وبالذات وبالخبر ثانيا
وبالعرض كقولهم بان فلانا عدم أو فاسق لاقى فلانا أو لم يلاقه أو بالعكس كقولهم أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عن فلان لإفادة ذلك المدح اتفاقا لمن يقال في حقه.
والفرق بينه وبين علم الدراية أن هذا العلم في بيان أحوال الجزئيات الشخصية من الرواة ولذا قد يقال إن تعداده في
عداد العلوم ليس كما ينبغي إذ العلوم الحقيقية ما يستفاد منها قواعد كلية يقتدر بها على معرفة الجزئيات غير المحصورة،
ويحتاج إلى النظر وإعمال القوة وليس هذا العلم بهذه المثابة لعدم استناد حصوله إلا إلى الحواس الظاهرة الخارجة
إدراكاتها من زمرة العلوم.
وعلم الدراية علم يبحث عن أحوال سند الخبر ومتنه وكيفية تحمله وآداب نقله. والجملة البحث في علم الدراية يتعلق
بالمفاهيم كقولهم إن الخبر الصحيح ما كان سلسلة سنده إماميا عادلا ضابطا بالمصاديق فتأمل. (الأحقر الشيخ جعفر).
29
لم يحض الرواة بغير الأئمة عليهم السلام ولذا رووا عن آبائهم عليهم السلام.
وفى كثير من الأخبار إطلاق المحدث عليهم وهو بمعنى الراوي كما هو ظاهر
هذه الأخبار وغيرها وإن خصصنا الحديث كالخبر بنفس قول المعصوم عليه السلام كما في
دراية الشهيد الثاني (1) دون ما يحكيه كما هو صريح غيره.
والقيود الأخيرة للتعميم والإشارة إلى أنواع البحث فيه فإن من الرجال من
يتشخص بهذا العلم ذاته خاصة ومنهم ذاته مع مدحه أو قدحه المراد بهما مطلقيهما
لا خصوص العدالة والفسق ففاقد أحدهما قليل جدا لأن كونه من أصحابنا أو من
أصحاب أحد المعصومين عليهم السلام داخل في وصف المدح وقل من لم يذكر هذا في حقه
والتصريح بكونه مجهولا أو مهملا في كتب المتقدمين داخل في وصف القدح ولو
بحسب الثمر
ومع الغض عن كل ذلك فالجواب عن خروج غير الممدوح والضعيف الاجتهادي
- أعنى المجهول والمهمل في تعبيراتهم - أنهما لندرتهما أو قلة الاعتناء بشأنهما
كالمعدوم وأن الوضع لغرض لا يلازم ترتب الغرض في جميع المصاديق خصوصا
إذا كان لمانع سابق أو لاحق.
ومنه يظهر أن الافتقار إلى زيادة قيد " ما في حكمهما " عطفا على الوصفين لإدخال
ما ذكر من القسمين فإنما هو ما لم يؤخذ قيد الوضع كما زاده غير آخذه بل قد عرفت
منع الافتقار مطلقا.
كما أن منه يظهر الجواب عن خروج المشترك بين الممدوحين أو المقدوحين أو
المختلفين حيث لم يفد شئ من المميزات الآتية تميز بعضهم عن بعض
ومن زعم - بعد ملاحظة التعريف المنتفى عنه قيد التشخيص - أن علم تميز
المشتركات مغاير لعلم الرجال وأنه خارج بإضافة الأحوال إلى الرواة كما في
التعريف الآخر إذ التميز ليس من أحوالهم فقد أخطأ كيف! وكل أسباب التميز أو



(1) الرعاية ص 50.
30
جلها موجودة في كلماتهم.
مضافا إلى تعرضهم لتميز جملة من الرجال المختلف فيهم كمحمد بن إسماعيل
المتكرر في طريق الكليني رحمه الله وأبى بصير ومحمد بن سنان وأضرابهم حتى صنف
فيهم ما صنف.
وأيضا فتميز المشتركات للكاظمي وغيره معدود من أهم كتب الرجال كتعليقة
المولى البهبهاني وقد أدخلهما صاحب منتهى المقال في كتابه على أن التميز
كالاشتراك من الأحوال إلا أن يراد بها خصوص وصفي المدح والقدح. هذا
وخرج بقيد " التشخيص " علم الدراية الباحث عن سند الحديث ومتنه وكيفية
تحمله وآدابه إذ البحث عن السند ليس بعنوان تشخيص الرواة بل بالإشارة إلى بيان
انقسام الحديث من جهة السند إلى الأقسام المعروفة الآتية فالمذكور فيه أن ما كان
جميع رواته عدولا إماميين ضابطين فهو الصحيح عند المتأخرين وهكذا وليس فيه
تشخيص حال راو أصلا.
بل التحقيق أنه خارج من التعريف الآتي أيضا وإن لم يكن بهذا الوضوح إذ
لا يعرف منه أحوال الرواة إلا على الإجمال الذي لا يفيد إلا أن فيهم العدل الضابط
وغيره ولو بملاحظة أن تقسيمهم لما هو الموجود لا بطريق الفرض والاحتراز عنه
في الحقيقة بإضافة التشخيص إلى الرواة لا بنفسه وإلا فهو أيضا موضوع لتشخيص
أقسام الخبر من حيث السند والمتن وغيرهما بل الأظهر أنه بالمضاف إليه إلا أن
الاختصاص الحاصل به غير منفك عنه.
وإضافة الرواة إلى الحديث إما للجنس وهو الأظهر بالنظر إلى كلية العلوم وكلية
موضوعاتها وتسمع أن موضوع الرجال هو الرواة أو للعهد الخارجي بالإشارة إلى
المذكورين في أسانيد الأخبار وهو الأقرب بالنظر إلى قصر البحث فيه عن الجزئيات
الخاصة ولا ضير فيه فإن اللغة كذلك.
والمراد بهم ما يشمل الأنثى وإن لم تدخل فيهم بالوضع للتغليب أو البحث عنها
استطرادا ولقلتها ملحقة بالعدم وبه يندفع ما في التسمية بعلم الرجال.

31
والصبي هنا كالأنثى فيهما مع أن البحث من جهة الرواية التي هي الأداء لا التحمل
ووجود الصبى فيهم في هذا الحين غير معلوم مضافا إلى احتمال الوضع الثانوي
الكافي فيه المناسبة في الجملة فلا إشكال أصلا.
والمراد ب‍ " الحديث " ما ينتهى سلسلة سنده إلى النبي (ص) أو أحد المعصومين عليهم السلام، (1)
وعند العامة إلى النبي أو الصحابة أو التابعين (2) وهذا هو الظاهر من إطلاقه أيضا فهو
أولى من لفظ الخبر لفقد الظهور في إطلاقه وإن تساويا مع قطع النظر في أظهر الأقوال
التي منها أعمية الخبر مما ذكر وبالعكس.
ولا افتقار إلى تقييده بالواحد لإخراج المتواتر ونحوه بل هو مخلى إذ البحث
عن رواتهما أيضا وإن لم يحتج إليه بعد التواتر والاحتفاف بالعلمي من جهة روايتهم
لذلك لا مطلقا.
هذا مع كفاية المعرفة في الجملة من نحو هذه التعاريف لأنها الواجبة في مقدمة
كل علم كما فصل في محاله.
ومما بيناه ظهر حال التعريف الآخر له وهو أنه " العلم بأحوال رواة الخبر الواحد
ذاتا ووصفا ومدحا وقدحا وما في حكمهما " مضافا إلى أن في جعل الذات من
الأحوال ما ترى.
فالأولى معها إسقاط الأحوال كما أن الأولى التعريف بأنه " ما وضع لمعرفة
الحديث المعتبر عن غيره ".
(موضوع علم الرجال)
ونقول في الثاني: إنه رواة الحديث فمع إرادة الجنس البحث عما يعرض
لجزئياته ومصاديقه من الأوصاف المميزة لبعضها عن بعض والموجبة لاعتبار قول
بعض وعدمه في آخر فلا يتوهم أن البحث عن ذوات الجميع أو الأكثرين ليس بحثا



(1) الرعاية ص 52 مقباس الهداية ج 1، ص 56.
(2) تدريب الراوي ج 1 ص 42.
32
عن عوارض الموضوع ولا جزئياته إذ الغرض منه تميزها لا أعيانها كما هو واضح
ويمكن على هذا جعل البحث عن عوارض نفس الموضوع بناء على جعل
الجزئية والشخصية من عوارض الجنس فلا إشكال في البحث عن الذوات ولو من
حيث الأعيان.
وأما مع إرادة العهد فالبحث عن عوارض الموضوع، ولا بد حينئذ من حمل البحث
عن الذوات على ما ذكرناه وإلا لم يكن بحثا عن العوارض.
ومع ذلك يستشكل البحث عن أوصاف المدح والقدح بأنها من العوارض الغريبة،
فإن لحوق العدالة والفسق - مثلا - للرواة إنما هو لأمر خارج يعمهم وغيرهم من أفراد
الإنسان أو المكلفين منهم وهو خوف العقاب أو مطلق الذم واللوم وخلافه لا
لذواتهم أو لأجزائهم أو أمر يساويهم حتى يكونا من الأعراض الذاتية وقد تقرر في
محله أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية إلا أن يمنع ذلك عليهم
بالبناء على أن الموضوع ما يبحث عن العوارض المقصودة مطلقا كيف! والبحث في
كثير من العلوم عن العوارض الغريبة فيبحث في الأصول عن الدلالة وعدمها
والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد إلى غير ذلك وموضوعه من الأدلة
ما يعرض ما ذكر له ولغيره لأمر خارج هو الوضع ونحوه وفى الفقه عن الأحكام
التكليفية وغيرها وعروضها لموضوعه - الذي هو فعل المكلف بواسطة أمر خارج
أعم هو جعل الشارع وفى الطب عن كثير من أمراض تعم غير الإنسان والتزام
الاستطراد بعيد.
أو يقال: ليس البحث في الرجال عن مطلق الأوصاف المزبورة بل الخاصة منها
بالرواة وكذا في غيره مما ذكر وغيره.
ولا يخفى أنه لابد معه من التزام اختصاص واسطة ثبوتها أيضا بهم إذ المدار
عليها والأول لا يغني عنه فإن عروض الخاص بواسطة العام واضح والالتزام الأخير
مغن عن الأول هذا على طريقة القوم.

33
فأما على طريقة شيخنا في الفصول (1) من تفسيره العرض الذاتي بما يعرض للشئ
لذاته أي لا بواسطة في العروض سواء احتاج إلى واسطة في الثبوت ولو إلى مباين
أعم أم لا - فلا إشكال لوضوح أن خوف الذم ونحوه من الواسطة في الثبوت لعدم
عروض المدح والقدح له بل إنما يعرضان للرواة بواسطته فهو واسطة في الثبوت.
وجميع ما يذكر في الرجال من العوارض التي تثبت للرجال وكذا الأصول فإن ما يذكر
فيه من عوارض الأدلة وإن عرض بعضه لغيرها واختص به بعضه كالحجية العارضة
لذوات الأدلة فإنها الموضوع لا بوصف الدليلية مع المنع عن اختصاصها به،
لعروضها للبينة ونحوها إلا أن يراد بها في استنباط الأحكام الكلية في الفروع.
وهكذا الكلام في الفقه والطب وغيرهما وتفصيل البحث في ذلك في محله فإن
ما اختاره رحمه الله خلاف مقالة المشهور كما اعترف به (2) وقد وقع في نقله عنهم خلل من
جهة أخرى فراجع وتأمل.
(فائدة علم الرجال)
الأمر الثالث مما يذكر في المقدمة هو بيان فائدته المحتاج إليها الفقيه وإن كان
مطلقها غير موجب للاحتياج إلا بتكلف في الحاجة ولذا عبر كثير (3) في نحو المقام
ببيان الحاجة لكن من المعلوم إرادة الفائدة الخاصة من مطلقها في المقام مع احتمال
الإطلاق لمجرد الإشارة إلى عدم لغوية البحث والاشتغال.
وعلى كل حال فوجه الحاجة إلى هذا العلم أن استنباط الأحكام الواجب عينا أو
كفاية موقوف - في أزماننا أو مطلقا - على النظر في الأحاديث لوضوح عدم كفاية
غيرها وغناه عنها فلا بد من معرفة المعتبر منها الذي يجوز الاستنباط منه والعمل عليه
حيث تعرف أن جميعها ليست كذلك، ولا ريب في حصول هذه المعرفة بالمراجعة



(1 و 2) الفصول الغروية ص 10، 11.
(3) منهم شريعتمدار الاسترآبادي في " لب اللباب " (ص 5) وهذه الرسالة قمنا بتحقيقها ونشرها في العدد الثاني من مجموعة
" ميراث حديث شيعه " التابع لدار الحديث. فراجع.
34
إلى علم الرجال وهذا مما لا نزاع فيه لأنه حده وسمعت أنه موضوع لذلك وما
يأتي في بعض شبهات الأخبارية فمع كونها على خلاف الإنصاف - كما تعرف - ليس
مفادها إلا نفى حصول العلم منه ونحن لا ندعيه فلا توجب الخلاف وإنما الخلاف
في حصر هذه المعرفة في الرجوع إليه.
وبه تظهر الحاجة والافتقار إليه وإلا فغيره مغن عنه إلا أن يقال: إنه لا ينافي
الحاجة إليه فإنه أيضا مغن عن غيره فكل منهما من أفراد ما يحتاج إليه كما في
التخيير إلا أن يقال غيره حاصل سابق في الوجود عليه وهو القطع بالصدور أو
الشهادة كما تسمع فهو نظير التخيير بين الأقل والأكثر بل وأعظم لإمكان الانفكاك
من الطرفين هناك بخلاف المقام فالمهم إثبات الحصر المزبور فنقول فيه:
إن المعروف المشهور بل الظاهر أنه مما لا خلاف فيه يعتد به بين المجتهدين فقد
تسالموا على عده بخصوصه مما يتوقف عليه الاجتهاد في كتبهم الأصولية وبنوا عليه
في كتبهم الفقهية وإجماعهم قوليا أو عمليا حجة للكشف المعتبر فيه.
وأما من نص على اختيار خلاف ذلك أو لزمه ذلك على اختلاف مشاربهم فهم
جماعة:
منهم الحشوية (1) القائلون بحجية كل حديث إذ الجميع حينئذ معتبر.
نعم إن كان من مذهبهم التزام الترجيح عند التعارض بالعدالة والأعدلية ونحوهما
دون التخيير أو الطرح أو الترجيح بغير ما ذكر مما يعرف بغير الرجال لزمهم القول
بالافتقار حينئذ إن لم يبنوا على ما يأتي من غيرهم لكنه مع ذلك لا يخرجهم عن
مخالفة المشهور القائلين بالافتقار في غير صورة التعارض أيضا.
ومنهم: المنكرون لحجية أخبار الآحاد بدعوى قطعية الأحكام بالكتاب والإجماع



(1) الحشوية: طائفة من أصحاب الحديث تمسكوا بالظواهر لقبوا بهذا اللقب لاحتمالهم كل حشو روي من الأحاديث
المختلفة المتناقضة أو لأنهم قالوا بحشو الكلام. كذا في " معجم الفرق الإسلامية " ص 97. وقال المحقق الحلي في
" المعتبر " (ج 10، ص 29): " أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر وما فطنوا لما تحته من
التناقض ".
35
والأخبار المفيدة للعلم بتواتر أو استفاضة أو غير ذلك مما لا مدخل لعلم الرجال في
حصوله كالسيد وابن إدريس وأضرابهما. (1)
ومنهم: المدعون لقطعية الصدور في كتب الأخبار المتداولة بين أصحابنا أو
خصوص الأربعة المعروفة منها بزعم استفادته من أمور تأتى إلى بعضها الإشارة،
ومحصلها القطع بأخذ ما فيها عن الأصول الأربعمائة المعروفة في عصرهم عليهم السلام وعليه
أكثر الأخبارية.
ومن هؤلاء من راعى بعض الإنصاف وتحرز عن هذا الجزاف لكن بنى على
اعتبار جميع ما في الكتب الأربعة لشهادة مصنفيها الثقات بذلك فأخبارها وإن لم
تكن قطعية الصدور إلا أنها قطعية الاعتبار فتوافقهم في الأخير.
ومن خلط بين الطريقتين فجمع في الحكاية بين الطائفتين فقد خبط واضحا إلا
بالنسبة إلى من قال من الأولين بمقالة الآخرين بطريق التنزل.
ومنهم: المكلفون بتصحيح الغير مطلقا والمعلوم حصوله من أكثر العلماء في كتبهم
الفقهية وغيرها وأما الاكتفاء به في حال الاضطرار لفقد كتب هذا الفن في سفر
ونحوه - فليس على خلاف مذهب المشهور.
ومنهم - من الأخبارية في حكاية ومطلقا في أخرى (2) من فصل بين صورة
التعارض وغيرها فاقتصر في نفى الافتقار على الأخير.
ويمكن تسبيع الأقوال المخالفة بالتفصيل بين صورة وجود الشهرة محققة أو
محكية في خصوص بعض الأخبار المفيدة لبعض الأقوال أو اختصاص الراجحة
منها بجانب وبين غيرها فيقتصر في الافتقار على الأخير.
ولعل عليه عمل بعض أو جماعة وإن لم أقف على من اختاره أو حكاه عن واحد.
فالواجب أو الأولى التكلم هنا في مقامين:



(1) أنظر الفوائد الحائرية، ص 229.
(2) أي من الأخبارية وغيرهم في حكاية أخرى.
36
أحدهما: في إثبات الافتقار في الجملة الذي به تتم أمور المقدمة سواء أوجبناها
فيها أم لا وهذا في قبال منكري الحاجة على الإطلاق لوضوح ارتفاع السالبة الكلية
بالموجبة الجزئية.
وثانيهما: في إثباته مطلقا بجعل الجزئية كلية في محل النزاع أعني في مقابل القول
بالتفصيل لا مطلقا لوضوح أنه لا افتقار في الأخبار العلمية صدورا أو مفادا وهذا
لا خلاف فيه.
ولنا على المقام الأول وجوه:
أحدها: الأصل وتقريره أن العمل بأخبار الآحاد لازم ولو لكونها من أسباب الظن
بل أقواها للأدلة التي أقيمت عليه في الأصول فبطل قول السيد ومن تبعه.
ثم العمل بها والاستنباط منها بعد الرجوع إلى علم الرجال وتعيين المعتبر من
الاخبار به في الجملة مما لا خلاف فيه بل الإجماع من الجميع واقع عليه.
وأما العمل بها والاستنباط منها بعد الرجوع إلى علم الرجال وتعيين المعتبر من
الأخبار به في الجملة مما لا خلاف فيه بل الإجماع من الجميع واقع عليه.
وأما العمل بها قبل ذلك فهو محل الإشكال والخلاف.
ومقتضى الأصل عدم الجواز بمعنى عدم الاعتبار لوضوح أنه على خلاف الأصل،
ويأتي ما في المخرج عنه فلا بد من الوقوف عليه.
وثانيها: أن العمل بالآحاد لا يفيد مطلقا أو غالبا إلا الظن وقد وقع النهى عنه في
الكتاب والسنة بل عليه بناء العقلاء وسيرة العلماء والثابت في الخروج عن عموم
النهى بالنسبة إلى الآحاد إنما هو بعد الرجوع إلى الرجال في الجملة وأما قبله فلا.
ويأتي في تضعيف طريقة الأخباريين والمفصلين إن لم يفد القطع بذلك فلا أقل من
حصول الظن ولا أقل من الشك والترديد فالإقدام على العمل في هذه الحالة من غير
مراجعة قبيح مذموم عقلا ونقلا.
ورابعها: أن من المعلوم الوارد على طبقه أخبار مستفيضة أن في رواياتنا كانت
جملة من الأخبار الموضوعة.

37
ففي النبوي المعروف: " ستكثر بعدي القالة علي " (1).
وفى المروى عن الصادق عليه السلام: " أن لكل رجل منا رجلا يكذب عليه " (2)
وفى الآخر عنه عليه السلام: " إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط
صدقنا بكذبه " (3)
وفى الآخر: " أن المغيرة بن سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها
أبى فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا ".
وعن يونس أنه قال " وافيت العراق فوجدت قطعة من أصحاب أبي جعفر
وأصحاب أبي عبد الله عليهما السلام متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم وعرضتها من بعد
على أبى الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبى
عبد الله عليه السلام وقال: إن أبا الخطاب كذب على أبى عبد الله عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب وكذلك
أصحاب أبي الخطاب، يدسون من هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي
عبد الله عليه السلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ". (4)
وفى جملة من الأخبار العلاجية: " أن ما خالف القرآن " وفى بعضها: " ما خالفه
وخالف السنة أني ما قلته " وفى آخر: الأمر بضرب مخالفه وجه الدار. (5) إلى غير ذلك
من الأخبار الواردة في هذا المضمار.
فنقول: إن إخراج الموضوعة عما في أيدينا من الأخبار غير معلوم، وادعاؤه - كما
يأتي - غير مسموع فالعمل بالجميع من غير تميز الموضوع عن غيره بالمقدور قبيح
بل منهي عنه بهذه الأخبار.
ومن هنا قال المحقق في المحكى عن المعتبر - بعد حكاية مذهب الحشوية -: " إنهم



(1) نقله المحقق في: المعتبر ج 1 ص 30 ولم نعثر عليه في المجامع الروائية.
(2) نقله أيضا في: المعتبر ج 1 ص 29.
(3) رجال الكشي ص 305 الرقم 549.
(4) رجال الكشي ص 224 الرقم 401.
(5) وسائل الشيعة ج 27 ص 106 وما بعدها (باب الجمع بين الأحاديث المختلفة).
38
غفلوا عما تحته من التناقض " (1) يعنى أن العمل بما مر من الأخبار مع غيرها مطلقا
موجب للتناقض لوضوح أن العمل بغيرها إنما يتم مع الإعراض عن هذه وإلا فهي
تنهى عن العمل.
ثم إنك قد عرفت أنه لا خلاف في حصول التميز بالرجال وحصوله بغيره كليا غير
ثابت بعد ما يأتي في تضعيف دعواه فلا بد من الرجوع إليه في امتثال النواهي
المزبورة (مع أوامره العلم بها) (2).
خامسها: الأخبار العلاجية المشتملة على الرجوع عند التعارض إلى الأعدل
والأورع والأفقه. (3) وهذه الصفات لا يعلم ثبوتها في الرواة إلا بملاحظة الرجال لفقد
المعاشرة معهم وانتفاء الشهادة اللفظية عليها فيهم، فانحصر في الكتبية الموجودة في
الرجال وإن لم نقل بكونها من باب الشهادة الشرعية.
والترجيح بالشهرة وموافقة القرآن ونحوهما مما لا مدخل للرجال فيه لا يغنى عن
الأول وإلا لما أمر (4) بالجميع كيف! وهي أحد أسباب الترجيح ولا ترجيح لها على
غيرها فتحمل الأخبار على تعيين كل في طائفة أو عند تعذر الآخر أو التخيير.
وليس الأمر هنا كما سبق في تخيير سبب معرفة المعتبر لعدم سبق أحد الأمرين
على الآخر فالافتقار إلى الرجال في عرض الافتقار إلى الخارج فثبت الافتقار في
الجملة إلا أنا بصدد الحصر ولو في الجملة.
فنقول: من المعلوم عدم جريان الترجيح الأخير في جميع الأخبار المتعارضة
وحينئذ يتعين غيره كما يتعين كل مخبر عند تعذر غيره.
ولنكتف في هذا المقام بهذا المقدار لأن ما في المقام الثاني يدل على هذا المرام
وزيادة وإن كان بعض الوجوه المزبورة بل جميعها - ولو بضم الإجماع المركب ممن



(1) المعتبر ج 1 ص 29.
(2) كذا في الأصل والعبارة لا تخلو من تشويش وإبهام ولعل الصحيح: " مع أوامره بالعمل بها ".
(3) عوالي اللآلي ج 3 ص 129 بحار الأنوار ج 2 ص 245 ح 57.
(4) أي الإمام عليه السلام.
39
يعتد بشأنه أو عدم القول بالفصل أو مقدمة أخرى مما يكتفى به في المقام الثاني.
فلنا على هذا المقام - أن الثاني - أيضا وجوه:
منها: ما مر بضم أحد الأخيرين إلى الأخير وغيرهما في غيره وهو أنه لا مخرج عن
الأصل والعموم المتقدمين إلا مع الرجوع على الإطلاق لما يأتي في تضعيف ما ادعي
الإخراج به وأن الحق بقاء التشكيك والترديد إلا مع الرجوع كذلك لما ذكر وأن
احتمال الوضع قائم في أكثر الأخبار أو جميعها وإن ضعف في بعض لقرائن خارجية،
فلا بد من الرجوع في الجميع.
ومنها: أن قول الفاسق مع العراء عن قرائن الصدق والجابر غير معتبر شرعا،
والعمل به منهي عنه ومذموم كذلك بدليل الإجماع حتى من الأخبارية فإنهم يدعون
عدم العراء عما ذكر ولازمه بل صريحه الموافقة مع العراء.
نعم هو من الحشوية ولا اعتناء بخلافهم خصوصا وفى اتفاق غيرهم كفاية
ولبناء العقلاء وطريقة العلماء كما يعلم يتتبع أقوالهم وأحوالهم ومن اعتذار العامل به
في مقام بدعوى ترجيح خارجي وللأصل والعموم السابقين والأخبار المفيدة
بالمنطوق أو المفهوم على اعتبار الوثاقة فيمن يعتبر قوله شرعا ولمنطوق آية النبأ
خصوصا بعد ملاحظة عموم التعليل فيها وحيث إن الفسق كالعدالة من الأمور النفس
الأمرية الموضوع لها اللفظ من غير اعتبار أمر آخر من علم ونحوه مما هو من الطرق
لا جزء موضوع اللفظ ولا ما يراد منه فالمنهي عنه هو قول المتصف بذلك في نفس
الأمر لا في علمنا فمجهول الحال قبل الفحص أو بعده لا يعتبر قوله لاحتمال كونه
فاسقا فلا بد في كل مقام يعمل من سد هذا الاحتمال ولو بطريق شرعي لا اطراد
العمل إلا فيما ثبت فسقه كما قد تخيل.
ولا ريب في قيام هذا الاحتمال في أكثر الرواة قبل الرجوع إلى الرجال وفى توقف
سده وكشف الحال بثبوت عدالتهم أو فسقهم على التأمل في أحوالهم المزبورة في
علم الرجال.
ولا يتوهم أن مصير الأكثر إلى اعتبار الموثق بل الحسن بل الضعيف إذا اعتضد

40
بقرائن الصدق مناف للحاجة إلى علم الرجال لعدم الحاجة حينئذ إلى التعديل وذلك
لأن منشأ الحاجة ليس خصوص إثبات العدالة بل مطلق الوثاقة والمدح المعتبر
وهما لا يعلمان إلا بالرجال نعم هو مناف لعموم أدلة المنع عن قبول قول الفاسق
ومخصص له.
وإليه ينظر جوابهم بعد اشتراط العدالة في اعتبار الرواية - عن ايراد بمنافاته
لاعتبار الموثق وغيره بأن المراد اعتباره بغير تبين وتثبيت لدلالة آية النبأ على عدم
الاشتراط حينئذ، فهي المخصصة لما ذكر وأن الرجوع إلى ما قيل في حق الراوي
الفاسق أو بالنسبة إلى روايته من التوثيق والمدح وغيرهما من المعاضدات نوع تثبت،
لأنه أعم من القطع والظن والأخير حاصل بالرجوع.
وما يتوهم وروده على هذا - بأن لازمه توقف اعتبار قول العدل أيضا عليه إذ لا
اعتبار به قبل معرفة عدالته والرجوع إلى تعديله تثبت كما ذكر والحاصل أن مع فقد
هذا التثبت لا يعتبر قولهما معا ومعه يعتبر كل منهما معا فأين موضع الاشتراط؟ -
فمندفع بأن الرجوع في التعديل لإحراز الشرط وفى غيره للتثبت وإن كان هذا لازم
الحصول للأول أيضا ومع ذلك لا يخلو من نظر.
والأولى التزام التخصيص بأدلة اعتبار ما ذكر من عمل الطائفة كما ذكره الشيخ
والمحقق وغيرهما وغير ذلك أو حمل الفسق على المخالفة في الفروع كما لعله
الظاهر منه عند الإطلاق وكا مورد الآية وإن لم يوجب تخصيص العموم وهذا مقابل
العدالة في المذهب وإن كان الظاهر من إطلاقها الإطلاق كما صرحوا بذلك فيها
وفى التوثيق.
ولا يلزم هذا فساد من جهة التقابل بينهما لأنه بين المعنيين الأصليين دون ما
ينصرف إليه الإطلاق فالتقابل بين مطلق أحدهما ومقيد الآخر كما لا يخفى.
ومنها: أن سيرة العلماء قديما وحديثا على تدوين كتب الرجال وتنقيحها
وتحصيلها بالاشتراء والاستكتاب وعلى مطالعتها والرجوع إليها في معرفة أحوال
الرواة والعمل بها في الاعتداد برجال والطعن في آخرين والتوقف في طائفة ثالثة،

41
حتى أن كثيرا منهم كانت له مهارة في هذا العلم كالصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم
من مشايخ الحديث بل ربما أمكن أن يقال: اهتمام المتقدمين فيه كان أزيد من
المتأخرين وأي عاقل يرضى بكون ذلك كله لغوا مكروها أو حراما " فليس إلا للافتقار
إليه بل ربما يظهر من عدم ارتكابهم مثل ما ذكر بالنسبة إلى سائر ما يتوقف عليه الفقه
أن الافتقار إليه أشد وأعظم ولعله كذلك بعد سهولة أكثر ذلك في حقهم وفى زمانهم
دون الرجال كيف! وبه يعرف ما بها لحجة في حقهم عن غيرها ومنه يحصل
الاطمئنان أو الظن المستقر بما استفيد من الأحكام عن الأخبار.
وحيث إن المفصل في الافتقار النافي له على الإطلاق شاذ نادر بل غير معلوم القائل
ظهر أن الافتقار على الإطلاق.
وبتقرير آخر أن ما سمعت منهم خصوصا بعد ملاحظة ما في كتب الأصول من
الاتفاق على اشتراطه في الاجتهاد يكشف قطعيا عن بنائهم على الافتقار إليه واشتراطه
في الاستنباط وعن رضا المعصوم عليه السلام بذلك وهل ينقص هذا من الإجماعات
المتكررة في كلماتهم؟ فأما مخالفة من مر فلا تقدح فيه لوضوح فساد شبهاتهم كما
يأتي ولسبقهم بالإجماع والسيرة ولحوقهم عنه.
ومنها: أن سيرة الرواة والمحدثين إلى زمن تأليف الكتب الأربعة بل إلى تأليف
الثلاثة المتأخرة - الوافي والوسائل والبحار - على الالتزام بذكر جميع رجال الأسانيد،
حتى أن أحدا لو أسقطهم أو بعضهم في مقام أشار إليهم في مقام آخر كما في الفقيه
والتهذيبين مع التصريح بأنه للتحرز عن لزوم الإرسال والقطع والرفع المنافية
للاعتبار ومن المعلوم أن ذلك كله لأن يعرفهم الراجع إلى كتبهم ويجتهد في أحوالهم
على حسب مقدوره فيميز الموثوق به الجائز أخذ الرواية منه عن غيره وإلا لزم
اللغوية فيعلم الافتقار والكشف عن الاشتراط كما في ثاني تقريري الوجه السابق فلو
كان بناؤهم على اعتبار ما فيها من غير ملاحظة أحوال الرواة للأخذ من الأصول الأربعمائة
أو غيره من قرائن الاعتبار أو القطع بالصدور لكان تطويل الكتب بذكر الجميع لغوا
مكروها أو محرما وقد مر بطلان نفي الافتقار في الجملة فثبت الافتقار المطلق.

42
ويؤيد هذا التزام من تأخر بالرجوع إلى الرجال وتوصيف بعض الأخبار بالصحة
والوثوق والاعتبار وتضعيف بعض آخر وعدم اكتفاء بعضهم بتوصيف غيره وإن كان
أعرف منه بالرجال بل الخلاف بينهم في كثير من التصحيحات والتضعيفات واضح
معلوم للمراجع إلى كتبهم.
وكون الصحة عند القدماء أعم مطلقا أو من وجه من الصحة عند المتأخرين لا ينافي
ما سمعت وإنما ينافيه لو ثبت أن أسباب الصحة عندهم مأخوذة من غير الرجال ولم
يثبت بل الثابت بملاحظة ما أشرنا إليه خلافه.
نعم أخذ البعض من غيره هو الظاهر منهم ولا يقدح في إطلاق الافتقار إذ الظاهر
أن مرادهم بالصحيح هو المعمول به وهو أعم من الصحيح عند المتأخرين أيضا
فكما أن عموم العمل عندهم غير قادح في إطلاق الافتقار إلى الرجال فكذا عموم
الصحة عند القدماء والاختلاف في التسمية.
وفى الوجوه المزبورة كفاية عن غيرها خصوصا في هذا المختصر وأن المسألة
مفصلة في الأصول.
ولكن لا بأس بالإشارة إلى بعض شبهات الخصم التي أخذوها أدلة وبراهين مع
الإشارة إلى بعض ما فيها وإنما نتعرض لشبهات الأخبارية والمفصل بين صورة
التعارض وغيرها وبين وجود الشهرة الراجحة المعتبرة في المسألة وعدمه
والمكتفي بتصحيح الغير لأنها في مقام ولا نتعرض لشبهات الحشوية
ومنكري اعتبار أخبار الآحاد لأنها في مقام حجية الآحاد وهي مسألة طويلة الذيل
من مسائل الأصول لا من مسائل المقام مع أن الظاهر انقطاع القولين في أزماننا إذ لم
نظفر على قائل بأحدهما.
مضافا إلى أن نفي الطائفة الأولى لإطلاق الافتقار غير معلوم كما أشرنا إليه وكذا
أصل نفيه من الثانية لاحتمال جعلهم الرجال من أسباب العلم الواجبة بوجوبها
ولعله الظاهر لتعرضهم لأحوال كثير من الرواة بالمدح والقدح عند الاستدلال
بأخبارهم في كتبهم الفقهية وغيرها، مع أن رئيسهم - وهو المرتضى - صرح في

43
الفهرست بأنه جامع للعلوم كلها ومنها الرجال والحديث والدراية (1) ومن بعيد عدم اعتنائه بما ذكروه فيها.
ويظهر مما ذكر أن نفيه من الأخبارية أيضا غير معلوم إلا من بعضهم المصرح
بذلك وإلا فمجرد دعوى قطعية أخبار الكتب الأربعة أو مع إضافة بعض آخر أو
مطلقا لا تنافى الافتقار إلى الرجال لاحتمال أو ظهور استفادتهم القطع من الرجال أو
من أسباب هو من جملتها كيف! ويأتي منهم ما يفيد ذلك كقولهم إن الراوي إذا كان
ثقة لم يرض بالافتراء ولا بخبر لم يكن بينا واضحا عنده وإن كان فاسد المذهب يفيد
نقله القطع بالصحة والصدور وقولهم: " إن بعض الرواة ممن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه فصحة رواياته إجماعية " إلى على ذلك.
ولعل هذه الدعوى إنما صدرت لدفع ما أورده المجتهدون على إيرادهم عليهم في
استعمالهم الظن كما نطق به حد الاجتهاد المذموم في بعض الأخبار بأنكم لا تسلمون
عن استعمال الظن لأن أخبار الآحاد كلها ظنية السند والدلالة فالتزموا بقطعية السند
بل الدلالة.
(شبهات الأخباريين في الاستغناء عن علم الرجال)
وكيف كان فلهم شبهات عديدة مذكورة في كتب الأصول واحتمال ذكر بعضها من
قبلهم وإن لم يذكروه أو بإرادة فرض ذكرهم له ليس بذلك البعيد.
فمنها أن علم الرجال علم منكر يجب التحرز عنه لأن فيه تفضيح الناس وقد
نهينا عن التجسس عن معايبهم وأمرنا بالغض والتستر.
ومنها: أن بعض أهل هذا العلم - الذي قد بنوا على أقوالهم في الجرح والتعديل -



(1) هو: السيد علي بن الحسين بن موسى المعروف ب‍ " الشريف الرضى " وقد عده صاحب " جامع الأصول " - ج 11 ص
323) من مجددي مذهب الإمامية في رأس المائة الرابعة حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه له في الرجال
كتاب " الفهرست " وقد ذكره الشيخ الطوسي في " الفهرست " (ص 98، الرقم 421) عند ترجمته للسيد المرتضى قدس الله
نفسه الزكية.
44
كانوا فاسدين العقيدة وإن لم يكونوا فساقا بالجوارح.
مثل: ابن عقدة وكان زيديا جاروديا مات عليه بنص النجاشي (1) والشيخ (2) وفى
الخلاصة: " كان زيديا " (3)
ومثل: علي بن الحسن بن علي بن فضال وكان فطحيا بتصريح الشيخ والنجاشي (4)
وصرح في الخلاصة بفساد مذهبه (5).
ومع ذلك قال في التعليقة - في بيان حاله أن الطائفة عملت بما رواه بنو فضال -:
" وكثيرا ما يعتمدون على قوله في الرجال، ويستندون إليه في معرفة حالهم من الجرح
والتعديل " (6).
بل غير خفى أنه أعرف بهم من غيره بل من جميع علماء الرجال فإنك إذا تتبعت
وجدت المشايخ في الأكثر بل كاد أن يكون الكل يستندون إلى قوله ويسألونه
ويعتمدون عليه.
ومنها: أن الاختلاف في معنى العدالة والفسق معلوم وكذا في قبول الشهادة على
أحدهما من غير ذكر السبب فلا يعلم من إطلاقهم ما هو المختار عندنا حتى نعول
عليه لو لم يعلم خلافه فإن مختار الشيخ أن العدالة ظهور الإسلام مع عدم ظهور
الفسق (7) وكثير من التعديلات منه بل على ظاهر دعوى الشيخ أنه المشهور فيكون
مذهب من عداه أيضا والمتأخرون لا يكتفون بذلك فكيف يعتمدون على تعديله بل
تعديل غيره!؟
ومنها: أن الصحة عند المتأخرين لابد فيها من ثبوت العدالة والضبط والإمامية في



(1) رجال الطوسي ص 94 الرقم 233.
(2) رجال الطوسي ص 441 الرقم 30 في من لم يرو عن الأئمة.
3) خلاصة الأقوال ص 203 الرقم 13.
(4) رجال النجاشي ص 207 - 258 الرقم 676.
(5) خلاصة الأقوال ص 9 الرقم 15.
(6) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 229.
(7) نقله عنه المحقق الحلي في معارج الأصول ص 149.
45
جميع سلسلة السند وقلما يتعرض في الرجال لجميع ما ذكر وهم يكتفون فيها
بقولهم: " إن فلانا ثقة " أو: " من وجوه أصحابنا " أو: " كبارهم " ونحو ذلك.
ولا دلالة في شئ مما ذكر على ما ذكروه حتى لفظ " الثقة " فإن غاية مفادها العدالة
وأما " الضبط " لا سيما " الإمامية " فلا، لا سيما إذا كان في كلام غير الإمامي كمن مر،
خصوصا حيث كان في كلام الإمامي جرحه مع أن كثيرا ما يقال في حقه أيضا من
الموثق أو غيره إنه واقفي أو فطحي ونحو ذلك وهذا ينافي كون مفادها ما ذكر.
وبالجملة فهم يكتفون في الصحة بأمور لا دلالة لها عليها بشئ من الدلالات على
ما يأتي الكلام فيه في بعض ألفاظهم.
ودعوى النقل في جميع ذلك إلى ما استفادوه منها مجازفة أو لا شاهد عليه أصلا
ومنها أن أكثر أسامي الرجال مشتركة بين عدل أو ممدوح وغيره وأكثر أسباب
التميز لا تفيد إلا أقل مراتب الظن المنهي عن العمل به عقلا ونقلا كتابا وسنة وإجماعا
وكيف يجوز القول باعتبار مثل هذا الظن دون ما يحصل من الشواهد الآتية في اعتبار
أخبار الكتب المعتبرة من القطع أو الظن القوي القريب إليه!؟.
ومنها: أن كثيرا من تعديلاتهم وتضعيفاتهم مبني على ترجيحهم واجتهادهم
ولا يجوز لمجتهد البناء على اجتهاد غيره وما ليس من ذلك فهو شهادة كتبية لم يعلم
إيقاعها منهم باللفظ ومما أجمع أصحابنا عليه وورد به بعض الروايات أنه لا عبرة
بالكتاب.
وأيضا فالأغلب أنها من شهادة الفرع بل فرع الفرع وهكذا.
ولا خلاف في عدم اعتبار غير الأولى مطلقا ومورد اعتبار الأولى الأموال وحقوق
المخلوق دون غيرها وفى كونها على مدح الرواة وقدحها منها تأمل بل منع مضافا
إلى أن المعتبر حينئذ اثنان والمعروف الاكتفاء بالواحد.
ومنها أن من تأمل المنتفى وغيره - من كتب الماهرين في معرفة الطبقات - يعرف
أن جملة من الروايات - لا سيما (ما) في كتب الشيخ رحمه الله - مرسلة بالمعنى الأعم،
لسقوط راو أو اثنين وغير العارف بالطبقة يظن الاتصال ويصحح السند مع وثاقة

46
الموجودين وليس كذلك.
وكذا يعلم أن في كثير من الأسانيد وقع غلط واشتباه في أسامي الرجال أو آبائهم
أو كناهم أو ألقابهم وكذا وقع في كثير كلمة المجاورة بين شخصين، وحقه العطف،
فمع ضعف أحدهما يضعف الخبر أو العكس فبالعكس، وكلاهما من الخطأ، وقد
تكون مصحفة من كلمة " ابن " فيشتبه الراوي ويضعف بالوالد، ولا دخل له بالسند
إلى غير ذلك.
وأيضا قيل: إن كثيرا مما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم العجلي أخذه من كتابه،
وهو أيضا أخذه من كتب جماعة فينقل عنهم من غير ذكر الوسائط اتكالا على ذكرها
في أول كتابه فينقل الشيخ عن موسى من أحد الجماعة من غير إشارة إلى الواسطة
فيظن الاتصال مع أن الواقع الإرسال وجميع ذلك محتمل في جميع الموارد من
الشيخ ومن غيره ومما يخص روايته عن الكافي أنه قد يترك أول السند اعتمادا على
ذكره قبله وربما غفل عنه الشيخ فروى بإسقاط أول السند بزعم الاتصال
ولا يخفى بأن مفاد هذه الوجوه إنما هو عدم العبرة بالرجال ولازمه نفى الافتقار
المحوج للبحث عنه لتوقفه على اعتبار المفتقر إليه فأما أن المرجع والمعول عليه
حينئذ ماذا؟ فلا يعلم منها وإنما يعلم من وجوه اخر حكاها كلام أو بعضا المحدث
البحراني على ما قيل عن أمينهم الاسترآبادي أنه قال: إن أحاديثنا كلها قطعية الصدور
عن الأئمة عليهم السلام فلا حاجة إلى ملاحظة أسانيدها (1).
أما الكبرى فظاهرة.
وأما الصغرى فلأن أحاديثنا محفوفة بقرائن مفيدة لذلك:
منها: القرائن الحالية والمقالية في متونها واعتضاد بعضها ببعض وكون الراوي
ثقة في نفسه أو في الرواية غير راض بالافتراء ولا متسامح في أمر الدين فيأخذ الرواية
من غير الثقة أو مع فقد قرينة الاعتبار.



(1) الفوائد المدنية ص 40، 53، 56، الدرة النجفية ص 168.
47
ومنها: نقل العالم الثقة الورع في كتابه المؤلف للإرشاد ورجوع الشيعة إليه.
ومنها: كون راويها ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه على المعنى
الظاهر الذي عليه الأكثر كما يأتي.
ومنها كونه ممن نص في الروايات على توثيقه وأمر بالأخذ منه ومن كتابه أو أنه
المأمون في أمر الدين والدنيا (1).
ومنها: وجودها في أحد الكتب الأربعة: الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار،
لشهادة مؤلفيها بصحة ما فيها من الأخبار وأنهم أخذوها من الكتب المعتمدة
والأصول المعتبرة التي إليها المرجع وعليها المعول.
ومن ذلك ما ذكره الشيخ الفاضل الكامل الحر العاملي في الوسائل قال:
" الفائدة التاسعة في ذكر الاستدلال على صحة أحاديث الكتب التي نقلنا منها هذا الكتاب
وأمثالها ووجوب العمل بها فقد عرفت الدليل على ذلك إجمالا ويظهر من ذلك ضعف
الاصطلاح الجديد (2) على تقسيم الأحاديث إلى صحيح وموثق وحسن وضعيف الذي
تجدد في زمان العلامة وشيخه أحمد بن طاوس والذي يدلى على ذلك وجوه " (3)
قلت: المناسب لهذا المختصر الاقتصار على نقل عمدتها ولو بالمعنى وجمع ما
هو من باب واحد أن بعضه متفرع على بعض في أمر واحد فنقول:
أحدها:
" أن المعلوم بالتواتر والأخبار المحفوفة بقرائن القطع أنه كان دأب القدماء في مدة تزيد على
ثلاثمائة سنة ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمة عليهم السلام وغيرها وكانت هممهم على
تأليف ما تعمل به الطائفة المحقة وعرضه على الأئمة عليهم السلام وقد استمر ذلك إلى زمن تأليف
الكتب الأربعة حتى بقيت جملة منها بعد ذلك.
وهذه الكتب الأربعة منقولة من تلك الأصول المعتمدة بشهادة أربابها الثقات ولغاية بعد تأليفهم



(1) أنظر خاتمة الوسائل ص 220 وما بعدها (الفائدة السابعة. التوثيقات العامة).
(2) في النسخ: " الاستدلال " بدل " الاصطلاح الجديد " وما أثبتناه من المصدر.
(3) خاتمة الوسائل ص 251 و 252.
48
من غيرها مع تمكنهم منها ومن تميز ما هو المعتبر عن غيره غاية التمكن مع علمهم بعدم
اعتبار الظن في الأحكام الشرعية مع التمكن من العلم والتبين.
والمعلوم من وثاقتهم وجلالتهم عدم التقصير في ذلك كيف وأهل التواريخ لا يأخذون
القصص من كتاب أو شخص غير معتمد مع التمكن من الأخذ عن المعتمد فما الظن بهؤلاء
المشايخ العظام!؟ وعلى فرض أخذه من غير الكتب المعتبرة كيف يدلسون! بل يشهدون
بصحة جميع ما نقلوه وكونه حجة بينهم وبين ربهم ". (1)
وثانيها:
" أن مقتضى الحكمة الربانية وشفقة الرسول والأئمة عليهم السلام أن لا يضيع في أصلاب الرجال
من الأمة ويتركوا حيارى يلتجئون إلى التشبث بظنون واهية وغيرها بل يمهد لهم أصول
معتبرة يعملون بها في الغيبة كما هو الواقع والمعلوم بالتتبع في أحوالهم والتأمل في
الأحاديث الكثيرة الدالة على أنهم أمروا أصحابهم بكتابة ما يسمعونه منهم وتأليفه
والعمل به في الحضور والغيبة بالنص عليها بقولهم: " سيأتي زمان لا يستأنسون فيه إلا
بكتبهم " وفى الأحاديث الكثيرة الدالة على اعتبار تلك الكتب والأمر بالعمل بها وعلى
أنها عرضت على الأئمة عليهم السلام فمدحوها ومدحوا صاحبها.
وقد نص المحقق بأن كتاب يونس بن عبد الرحمن وكتاب الفضل بن شاذان كانا عنده (2) وذكر علماء الرجال أنهما عرضا عليهم عليهم السلام فما الظن بأرباب الأربعة.
وقد صرح الصدوق في مواضع بأن كتاب محمد بن الحسن الصفار المشتمل على مسائل
وجوابات العسكري عليه السلام كان عنده بخطه الشريف وكذا كتاب عبد الله بن علي الحلبي
المعروض على الصادق عليه السلام (3)
ثم رأيناهم يرجحون كثيرا ما حديثا مرويا في غير الكتاب المعروض على الحديث الذي
فيه. وهذا لا يتجه إلا بأنهم جازمون بكونه في الاعتبار وصحة الصدور كالكتاب المعروض



(1) خاتمة الوسائل ج 3 ص 252 - 253.
(2) أنظر المعتبر ج 1 ص 7.
(3) الفقيه ج 4 ص 151 ح 523 وقال الصادق عليه السلام في ذيل الحديث: " وهذا التوقيع عندي بخطه عليه السلام " أي: بخط الإمام
أبى محمد الحسن بن علي عليهما السلام.
49
ويقرب من ذلكم ما ترى من الشيخ وغيره إلى زمان الاصطلاح والعمل بكثير مما هو ضعيف
عليه وكثيرا ما يعتمدون على طرق ضعيفة مع تمكنهم من طرق صحيحة كما صرح به
صاحب المنتقى وغيره.
وهذا ظاهر في صحة تلك الأخبار بوجوه اخر، ودال على عدم العبرة بالاصطلاح الجديد
وحصوله العلم بقول الثقة ليس ببدع ولا منكر فقد نص صاحب المدارك (1) وغيره على أنه
يتفق كثيرا حصول العلم بالوقت في أذان الثقة الضابط العارف حيث لم يكن مانع من العلم.
وبمثله صرح كثير من علمائنا في مواضع كثيرة " (2).
وثالثها: الوجه الأخير من الوجوه المتقدمة للاسترآبادي (3) وفيه التصريح بحصول
القطع العادي من شهاداتهم كالعلم بأن الجبل لم ينقلب ذهبا وقال:
" إنه لاتفاق الشهادات وغير ذلك أولى من نقل ثقة واحد - كالمحقق والشهيدين - لفتوى من
فتاوى أبي حنيفة في كتابه. مع أنا نرى حصول العلم لنا بذلك من النقل المذكور فكيف
لا يحصل بشهادة الجماعة؟ ".
وذكر أيضا أنه لو لم يجز لنا قبول شهادتهم في صحة أحاديث كتبهم لما جاز لنا
قبولها في مدح الرواة وتوثيقهم فلا يبقى حديث صحيح ولا حسن ولا موثق بل
تبقى جميع أخبارنا ضعيفة واللازم باطل فكذا الملزوم والملازمة ظاهرة بل
الإخبار بالعدالة أشكل وأعظم وأولى بالاهتمام من الإخبار بنقل الحديث من الكتب
المعتمدة فإن ذلك أمر محسوس والعدالة أمر خفى عقلي يعسر الاطلاع عليه ولا
مفر لهم عن هذا الالتزام عند الإنصاف (4)
وذكر أيضا أن علمائنا الأجلاء الثقات إذا جمعوا أحاديث وشهدوا بثبوتها
وصحتها لم يكن أدون من إخبارهم بأنهم سمعوها من المعصوم عليه السلام لظهور علمهم



(1) مدارك الأحكام ج 3 ص 98 بحث الإعتماد على أذان الثقة.
(2) خاتمة الوسائل ص 257.
(3) هو صاحب " الفوائد المدنية " الشيخ المحدث محمد أمين الاسترآبادي.
(4) خاتمة الوسائل ص 257 - 262.
50
وصلاحهم وصدقهم وعدالتهم في أنه مع إمكان العمل بالعلم لم يعلموا بغيره ففي
الحقيقة هم ينقلونها عن المعصوم عليه السلام وقد وردت روايات (1) كثيرة جدا في الأمر
بالرجوع إلى الرواة الثقات مطلقا إذا قالوا: إن الخبر من المعصوم وليس هذا من
القياس بل عمل بالعموم و
وقال أيضا:
" إنهم إن كانوا ثقات حين شهادتهم وجب قبولها لكونها عن محسوس وهو النقل من
الكتب المعتمدة وإلا كانت أحاديث كتبهم ضعيفة باصطلاحهم فكيف يعملون بها!؟ " (2)
ورابعها: " أن هذه الاصطلاح مستحدث من زمن العلامة وشيخه محمد بن أحمد بن طاوس، كما هو
معلوم لا ينكرونه، وهو اجتهاد منهم وظن (3) فيرد عليه ما مر في أحاديث الاستنباط
والاجتهاد والظن في كتاب القضاء وغيره وفى مسألة أصولية فلا يجوز فيها التقليد ولا
العمل بالظن اتفاقا من الجميع، وليس لهم دليل قطعي فلا يجوز العمل به وما يتخيل من
الاستدلال لهم ظني السند أو الدلالة أو كلاهما فكيف يجوز الاستدلال بظن على ظن فإنه
دور مع قولهم عليهم السلام: " شر الأمور محدثاتها " (4) (5).
وذكر أيضا: " أنه مستلزم لضعف أكثر الأحاديث التي قد علم نقلها من الأصول المجمع عليها لأجل ضعف بعض رواتها أو جهالاتهم أو عدم توثيقهم فيكون تدوينها عبثا بل محرما
وشهادتهم بصحتها زورا وكذبا ويلزم بطلان الإجماع الذي علم دخول المعصوم عليه السلام فيه.
واللوازم باطلة فكذا الملزوم بل مستلزم لضعف الأحاديث كلها لأن الصحيح عندهم هو
ما رواه العدل الضابط الإمامي في جميع الطبقات ولم ينصوا على عدالة واحد



(1) انظر المصدر السابق ص 220، (الفائدة التوثيقات العامة).
(2) خاتمة الوسائل ص 263 - 265.
(3) انظر الفوائد المدنية ص 55 وما بعدها.
(4) بحار الأنوار ج 2 ص 263 ح 12 ج 10 ص 110 ح 1 ج 77 ص 122، ح / 23. (5) خاتمة الوسائل ص 262.
51
من الرواة إلا نادرا وإنما نصوا على التوثيق وهو لا يستلزم العدالة قطعا بل بينهما عموم
من وجه كما صرح به الشهيد الثاني وغيره.
ودعوى بعض المتأخرين (1) أن الثقة بمعنى العدل الضابط ممنوعة وهو مطالب بدليلها وإنما
المراد بها من يوثق ضعيفا في الحديث لا يستلزم الفسق بل يجامع العدالة إذ العدل الكثير
السهو ضعيف في الحديث.
ومن هنا يظهر فساد ما قيل من أن آية النبأ مشعرة بصحة هذا الاصطلاح مضافا إلى كون
دلالتها بالمفهوم الضعيف المختلف في حجيته
فإن أجابوا بأصالة العدالة
أجبنا بأنه خلاف مذهبهم ولا يذهب منهم إليه إلا قليل ومع ذلك يلزم الحكم بعدالة
المجهولين والمهملين وهم لا يقولون به ". (2)
وذكر أيضا:
" أن هذا الاصطلاح يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحقة في زمن الحضور والغيبة كما ذكره
المحقق في أصوله حيث قال: " أفرط قوم في العمل بخبر الواحد ".
إلى أن قال " واقتصر قوم عن هذا الإفراط فقالوا: كل سليم السند يعمل به وما علم أن
الكاذب قد يصدق ولم يتفطن أن ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب إذ لا
مصنف إلا وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل. (3)
ونحوه كلام الشيخ وغيره في عدة مواضع (4)
وذكر أيضا:
" أن طريقة المتقدمين موافقة الخاصة والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة
واصطلاحهم بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر للمتتبع وكما يفهم من كلام الشيخ
حسن " (5)



(1) منتقى الجمان ج 1 ص 5.
(2) خاتمة الوسائل ص 260 و 261.
(3) المعتبر ج 1 ص 29.
(4 و 5) خاتمة الوسائل ج 30 ص 259.
52
وقال أيضا:
" إن طريقة القدماء موجبة للعلم مأخوذة عن أهل العصمة عليهم السلام لأنهم قد أمروا باتباعها
وقرروا العمل بها فلم ينكروه وعمل بها الإمامية في مدة تقارب سبعمائة سنة،
والاصطلاح الجديد ليس كذلك قطعا فتعين العمل بطريقة القدماء " (1)
وذكر:
" أن إجماع الطائفة المحقة الذي نقله الشيخ والمحقق وغيرهما على (نقيض) (2) اصطلاح
القدماء فالاصطلاح الجديد استمروا على خلافه من زمن الأئمة إلى زمان العلامة وقد
علم دخول المعصوم في ذلك الإجماع كما عرفت " (3)
وخامسها:
" أنهم اتفقوا على أن مورد التقسيم الخبر الواحد العاري عن القرينة وقد عرفت أن أخبار
الكتب المشهورة محفوفة بالقرينة وقد اعترف بذلك بعض أصحاب الاصطلاح الجديد في
عدة مواضع نقلنا بعضها فلا موضوع له فيها.
وقد ذكر صاحب المنتقى أنه من متخرجاتهم أي العامة بعد وقوع معاني تلك الأنواع في
أحاديثهم ولا وجود لأكثرها في أخبارنا " (4)
قلت: محصل كلماته ما سمعت وإن رفع الوجوه إلى اثنين وعشرين لكن لارتباط
بعضها ببعض جعلنا جملة منها وجها واحدا وأشرنا إلى أكثرها بقولنا: ذكر أو:
قال أيضا: وأكثر ما نقلناه من ألفاظه.
(في الجواب عن الشبهات المذكورة)
إذا عرفت هذا نقول إن هذه الشبهات وإن لم تكن حاجة إلى دفعها لوضوح
فسادها إلا أنا نشير إليه لمن لم يتضح له ذلك وحيث إنها أنواع ثلاثة بالنسبة إلى
أربابها فلنتكلم في دفعها في مقامات ثلاثة.



(1) خاتمة الوسائل ج 30، ص 258.
(2) الزيادة أثبتناها من المصدر.
(3) خاتمة الوسائل ص 263.
(4) المصدر السابق ص 262 و 263.
53
فنقول في (المقام) الأول:
نجيب عن الأول نقضا بمقام المرافعات في الجرح والتزكية حتى قدر بأيام
واستثناء الغيبة عند المشاورة.
وحلا أولا: بأولوية كلية الأحكام والحقوق عن جزئياتها المجوز فيها ذلك
كالمقامين.
وثانيا: بالمنع عن شمول دليل المنع للمقام ولو للانصراف إلى غيره أو غيره.
وثالثا بانعقاد الطريقة والسيرة والإجماع حتى من الأخبارية على الجواز في
المقام إذ البحث كما عرفت - إنما هو في الوجوب للافتقار والعدم للعدم.
ورابعا: بورود نحوه في كثير من الأخبار بالنسبة إلى كثير من الرواة المجروحين
بالاعتقاد والجوارح.
وخامسا بما قرر في الأصول من سقوط حرمة المقدمة المنحصرة إذا توقف عليها
واجب أهم كإنقاذ الغريق عند كونها أجنبية أو توقف على غصب في الطريق أو الألة
أو غيرهما وقد عرفت التوقف والأهمية واضحة.
وعن الثاني أولا: بالنقض بالعمل - حتى منهم - برواية المتحرزين عن الكذب مع
الوثوق والاعتضاد بقرائن الثبوت ودعوى الشيخ والمحقق وغيرهما بعمل الطائفة
بنحو هذه الرواية معلومة مذكورة في هذا الإيراد من غيرهما.
وثانيا: بما يأتي في التتمة من كون الرجوع إلى علماء الرجال من باب تحصيل الظن
القائم مقام العلم الواجب عند التعذر.
وعن الثالث نقضا: بالمرافعات وغيرها.
وحلا: بأن مجرد الاختلاف في مسألة غير مانع عن العمل بعد البناء على قول وإلا
لامتنع في أكثر المسائل أو جميعها عدا قليلها.
واختيار الشيخ للقول المزبور مطلقا أو حين تأليفه الرجال غير معلوم لما في
نهايته من روايته رواية ابن أبي يعفور المعروفة والمعروف أن عمله فيها على طبق

54
رواياتها حيث لم يتعرض لدفعها
وعلى فرضه فإرادته مختارة فيها من التعديل في رجاله الموضوع لعمل غيره غير
معلوم إن لم يعلم أو يظن خلافه فإن التأليف إذا كان لغيره خصوصا للعمل به مدى
الدهر لا سيما في هذا الأمر العظيم إنما يكون على وجه ينتفع به الكل أو الجل فلا يبنى
على مذهب خاص إلا بالتنبيه عليه وهنا مفقود.
ولو أراده كان الأجمع أن يفصل في الأشخاص فمن كان عدلا عند الجميع أو
فاسقا عندهم أو عنده أطلق وصفه ويقيد في غيره.
ويشهد على ما استظهرناه أنه لم يتعرض في كتابيه لجماعة كثيرة لولا الأكثر
خصوصا في كتاب رجاله بمدح فيهم أو قدح مع التصريح بكونهم من الإمامية في
بيان أحوالهم وفى مفتتح الكتابين لوضعهما لذكر رواة الشيعة فظهر إسلامهم مع
ظهوره قطعا ولو للغلبة والدار وغيرهما أو بما يلزمه الإيمان أو الإسلام ككونه
من أصحاب أحد المعصومين عليهم السلام ولازم البناء على مذهبه في العدالة الجرح إن ظهر،
وإلا فالعدالة.
وما ذكر جار في تأليف غيره أيضا خصوصا النجاشي لوضع كتابه أيضا للشيعة
فلا يضر كون الشهرة على مختار الشيخ مع المنع عن ثبوتها فإن دعواها من بعض
على الملكة وآخر على حسن الظاهر مطلقة بل في الأخيرة التصريح بكونها من
القدماء، فراجع
وعن الرابع ما يأتي عن قريب وفى الخاتمة في اصطلاحاتهم.
وعن الثلاثة المذكورة بعده أنها إنما تدفع كون الرجوع إلى الرجال من جهة استفادة
القطع أو كون توصيفهم بالمدح أو القدح شهادة شرعية وتسمع في التتمة أنه من جهة
استفادة الظن القائم مقام العلم الواجب المتعذر كما قرر في قاعدة الانسداد فإنا وإن
خالفناها في الأصول لا في بعض مقدماتها هناك إلا أنه لا مناص عنها في المقام.
فأما وجه عدم اعتبار الظن الحاصل من غير هذا العلم كالأمارات الآتية التي استفادوا
منها العلم وكتصحيح الغير ونحو ذلك - فهو أن المعتبر بهذه القاعدة إنما هو الظن

55
المستقر الحاصل بالفحص والبحث عن أسبابه ولذا أوجب القائلون بها في الأصول
البحث في الأخبار وغيره من الأدلة ولم يكتفوا بالظن الحاصل لغيره ولو شهد
بالحكم من شهد كيف! وإلا لزم جواز اكتفاء المجتهد بفتاوى أمثاله وحل له التقليد
الممنوع في حقه بالإجماع ومجرد تسميته اجتهادا لا ينفع وأي فرق حينئذ بينه وبين
التقليد بناء على اعتباره للظن كما يقول به كل أو جل البانين على هذه القاعدة؟
ولا يرد مثله علينا في الرجوع إلى علماء الرجال في الجرح والتوثيق لمنع كونهما
باجتهادهم بل الظاهر أن ذلك بنقل اللاحق عن السابق كما في اللغة أما سمعت ما مر
من التعليقة في حق ابن فضال أو بشياع الحال المكتفى به في العدالة والجرح كما في
كثير من متقاربي العصر أو متحديه مع فقد الملاقاة والمعاشرة أو بقرائن أخر مفيدة
للظن المعتبر؟ ومع التسليم فمثله نادر.
على أن الرجوع إلى اجتهاد لا نتمكن نحن من مثله لا بأس به بعد البناء على الظن
لأن الحاصل من مثله مستقر معتبر بالقاعدة المزبورة بخلاف ما نتمكن من مثله.
فأما كون شهادتهم كتبية في غير موضع اجتهادهم وفرعا أو فرع فرع فهو كذلك
لكن أشرنا إلى أن الرجوع لاستفادة الظن لا الشهادة ويجئ التفصيل - ولا ريب في
حصول الظن بأي قسم كانت الشهادة.
مضافا إلى ما يأتي في التتمة من إمكان الاكتفاء بنحو هذه الشهادة في خصوص
المقام للعمل والإجماع.
فأما الإرسال والخطأ الخفيان من الشيخ أو غيره فمع ما مر - من كون البناء على الظن
وعدم اقتضائهما الغنى عن الرجال لو لم يثبتانه لوضوح حصول معرفتهما به أن
البحث في الفحص الموجب لتميز المتوقف على معرفة الطبقات بالمميزات وليس
المدار على ظن الجاهل مع أنهما محتملان في الحكم مصحة ما في الكتب بالنسبة إلى
ما صحح بالسند.
وتخيل نفى وجوده فيها رأسا مع كونه رجما بالغيب مناف لخبرة الصدوق
والشيخ بالرجال غاية الخبرة لوضوح أن اقتصارها على الأخذ من الأصول المعروفة

56
المعلومة من مصنفيها يوجب عدم إعمالهما للرجال أصلا أو في غير أرباب الأصول
وهو بعيد جدا. ولو كان ثبوتها لديهما بالوسائط المتوقف معرفتهم على الرجال فقد
قام هنا الاحتمال.
ونقول في المقام الثاني إجمالا،
إن ما ذكر في هذا الوجه بأجمعه غير مفيد للقطع بالصدور إذ لا أقل من قيام
احتمال السهو والغفلة لوضوح عدم عصمة الرواة والمؤلفين للأصول والكتب
المأخوذة منها ومع التسليم فلا يوجب الغنى عن الرجال على الإطلاق لوضوح
وجود الأخبار المعارضة في جملة هذه الأخبار كأخبار التقية ومن المعلوم المدلول
عليه بالأخبار العلاجية منها وغيرها توقف تميز الراجح المعتبر منها على مراجعة
الرجال فأين الغنى المدعى على كل حال؟
إلا أن يقال: نختار حينئذ التخيير الموجود في بعض هذه الأخبار كما هو مختار
ثقة الإسلام (1) ومعه لا افتقار إلى علم الرجال لا في نفس الأخبار المتعارضة في
الأحكام ولا في المتعارضة منها في العلاج إلا إذا اخترنا التخيير في القسم الأخير
لأخبار الترجيح فيقع الافتقار في الجميع أو في القسم الأول إلا أنه بالفرض.
ويدفع أولا: أن المختار حتى لأكثر الأخبارية الترجيح دون التخيير.
وثانيا بأن اختيار التخيير إنما هو بعد ترجيح أخباره على أخبار الترجيح
والترجيح يلتمس الرجحان الذي عمدته في الرواة المتوقف معرفتها على الرجال.
وثالثا: بأن المستفاد من الأخبار ترتب التخيير على تعذر الترجيح لفقد سببه أو
وجوده في الجانبين فهو في الحقيقة في مقابل التوقف والرجوع إلى الأصول
والقواعد لا الترجيح.
مضافا إلى أن الظاهر - كما قيل - أن كل من قال بالافتقار إلى علم الرجال قال به
عينا فإذا ثبت الافتقار تخييرا بينه وبين التخيير بأخباره ثبت مطلقا بالإجماع



(1) الكافي ج 1، ص 8 خطبة الكتاب.
57
المركب من غير الخصم المنازع.
وبما ذكرناه من إيجاب تعارض أخبار الأحكام كما هو الغالب الافتقار ولو لم
يلاحظ معها أخبار العلاج اندفع ما أمكن أن يقال بل قيل - من اختصاص أخبار العلاج
بزمن الحضور لتصريح بعضها بالإجازة إلى ملاقاة الإمام عليه السلام، ولظهورها في صورة
ظنية الأخبار دون قطعيتها كما هو المفروض عند الخصم وللإجماع المركب فإن
كل من قال بالقطعية نفى الرجوع إلى أخبار العلاج والأول ثابت بما مر فكذا الثاني
مضافا إلى ما في دعوى الاختصاص المزبور بوجوهه على التقرير الآخر الملحوظ
فيه أخبار العلاج أيضا أو خصوصها.
ونقول تفصيلا وإن كان أيضا جمليا إنا نمنع الصغرى والكبرى كما أشرنا إلى
منعهما في الإجمال.
ففي الوجه الأول في الصغرى أن حصول القطع من المتن في غاية الندرة وكذا من
الاعتضاد وعلى فرضه - على ندرته - لا يلازم حصوله في غيره والافتقار في الغالب
كاف بل هو المدعى.
وكذا من كون الراوي ثقة لمنع حصول القطع للراوي الثقة لعدم لزومه لا في
الرواية ولا في العمل فلعله أخذها ممن يثق به تعبدا أو ظنا خاصا أو مطلقا وعلى
تسليمه فحصوله لا يستلزمه لنا لاحتمال السهو والنسيان والذهول عن القرينة أو
خفائها كما وقع في كثير من الرواة فردعهم بقوله عليه السلام " ليس كما ظننت " (1) أو " ليس كما
تذهب " (2) أو " ما أراك بعد إلا ها هنا " وفى باب الأوقات: " قلت لهم: مسوا بالمغرب
قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم "
وفيه أيضا بعد ذكر أبى الخطاب ولعنه قال: إنه لم يكن يحفظ شيئا حدثته أن
رسول الله (ص) غابت له الشمس في مكان كذا وكذا وصلى المغرب بالشجرة وبينهما



(1) بحار الأنوار ج 71، ص 15 ج 26.
(2) بحار الأنوار ج 22، ص 331، ج 42.
58
ستة أميال فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر.
مضافا إلى أن معرفة وثاقة الراوي وضبطه وغير ذلك من الأمور الموجبة للقطع
أو الظن إنما هي بالرجوع إلى الرجال وإن حصل لنا القطع بعده فإنما لم نجعل منشأ
الافتقار حصول خصوص الظن.
ومن هنا يظهر قوة ما أشرنا إليه من أن مجرد دعوى قطعية الصدور لا يلازم الغنى
عن الرجال فلاحظ
ومن هنا يظهر أن حصول العلم لنا بل مطلقا باتصاف الرواة بهذه الأوصاف في غاية
الندرة على أن بقاء الراوي على الوثاقة وغيرها من الصفات الموجبة للقطع بما يخبر
به إلى حين إخباره غير معلوم في أكثر الرواة أو جميعهم وثبوتها في الجملة غير كاف
في مقام حصول العلم وإن اكتفي به للاستصحاب أو غيره في مقام الظاهر.
كما أن ثبوتها علما حين بعض رواياته (1) لا تكفى إلا في هذا البعض مع أن ذلك كله
على فرض تسليمه إنما ينفع في حال الاختيار وعدم خوف تقية ونحوها وإلا فلا
لجواز بل لزوم التحرز عن الضرر بإظهار غير المعتقد لو بتورية ونحوها لا سيما إن
أريد بالقطع قطعية المفاد.
وفى الثاني من وجوهها بعد جملة مما سمعت سواء أريد بالناقل الثقة المشافه
للمعصوم عليه السلام أو غيره أو مطلقا أن احتمال الدس في كتابه من المخالفين أو المعاندين
له أو لمالك كتابه أو من الهازل أو الفاسق كيف ينسد خصوصا مع ما ورد نحوه في
أخبار كثيرة مر بعضها وكيف العلم مع عدم انسداده!؟
وأيضا فالغلط من الكتاب بما يخفى ويتغير به المعنى مما لا يخفى إلى غير ذلك
مما لا يجامع العلم احتماله خصوصا إن أريد الثقة غير المشافه كالمشايخ الثلاثة
وأضرابهم لأن حصول العلم لهم بصدور جميع ما جمعوه عن المعصوم عليه السلام مع كثرة
الوسائط وتضعيفهم لكثير من ذلك كما في الفقيه وزيادة في التهذيب والاستبصار -



(1) كذا في الأصل.
59
كما ترى مع أنهم لم يدعوا ذلك بل ادعوا الصحة وهي لا تلازم علم الصدور ويأتي
الكلام في هذا بوجه أبسط وأوفى
وأما إن أريد به خصوص المشافه ففيه - بعد تسليم حصول العلم لنا باتصافه
بالصفات المزبورة من غير مراجعة إلى الرجال أن كتب أمثاله لم تصل إلينا.
مضافا إلى اختلاف النقلة في نقل جملة منها فذكر النجاشي في ابن عمير: " أن
نوادره كثيرة لأن الرواة لها كثيرة " (1) وفى محمد بن عذافر: " له كتاب تختلف الرواة
عنه " (2) وغير ذلك.
وفى الثالث أنه إجماع منقول غايته إفادة الظن والأخبارية لا يرون الاعتماد عليه
مع أن المحتمل بل الظاهر إرادة مطلق الاتفاق منه دون الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام
فلا حجية فيه فكيف بالقطع بمفاده!؟ على أن الظاهر إرادة الوثوق من الصحة فإن
المراد منها في اصطلاح القدماء باعتراف الجماعة فيكون المعنى أن ما يصدر منه واثقا
به موثوق به عند المجمعين وأين هذا من العلم؟
وعلى فرضه فقد مر أن علم الغير - واحدا أو متعددا لا يوجب علمنا مضافا إلى ما
يأتي في بيان معنى العبارة وتعيين أشخاص المجمع عليهم فإن فيهما اختلافا مخلا
بالعلم جدا مع أن معرفة ذلك كله بالرجال فكيف يستغنى به عنه!؟
وفي الرابع - بعد كثير مما مر - أن توثيق المعصوم عليه السلام لم يثبت انه مبنى على غير
الظاهر سلمنا لكنه منقول إلينا بأخبار الآحاد غير المفيدة للعلم مع وقوع التعارض
في كثير منها على ما يظهر من ملاحظة جمع الكشي رحمه الله وغيره بل منها يظهر أن وقوع
التوثيق بسند صحيح من غير معارضة مثله لم يقع إلا في حق نادر من الرجال وهذا
على تسليمه لا ينافي الافتقار في غيره.
وفى الخامس - بعد ما مر أيضا - انه ليس في كلماتهم ما يدل على علمية جميع ما



(1) رجال النجاشي ص 326 و 327 الرقم 887.
(2) رجال النجاشي ص 360 الرقم 966.
60
جمعوه في كتبهم من الأخبار وإنما فيه ما يفيد أنها معمول بها عندهم أو عند غيرهم
لوضوح أعمية العمل من العلم وكذا أخذ ما فيها من الأصول المعتبرة
وقد أشرنا إلى عدم كونها قطعية بجميع ما فيها عند أربابها أيضا فكيف بغيرهم
ممن عاصرهم!؟ وكيف بمن تأخر عنهم!؟ فإن المرجعية والتعويل على شئ لا
تقتضي إلا الحجية والاعتبار وغايتها إفادة الوثوق والاعتماد فأين ذلك من
العلم؟ وقد أشرنا في وجوه المختار إلى التزامهم بذكر أسانيد الأخبار تفصيلا أو
إجمالا مع التعليل بالتحرز عن خروج أخبارهم عن الإرسال فلو كانت علمية لم
يفتقر إلى ذلك أصلا ولبطل التعليل المزبور.
وأيضا تراهم غير متفقين في الجمع لما جمعوه فالكليني ترك كثيرا مما نقله
المتأخر عنه وكذا المتأخر عنه وزاد على ما جمعه السابق عليه حتى بالنسبة إلى
الكليني والصدوق مع تقارب العصر والمنقول عن أحوالهم أنهم كانوا يتعبون في
جمع الأخبار ونقدها وتصحيحها ومن هذا شأنه كيف يترك جملة من الأخبار العلمية
التي وافقه غيره عليها ويأتي بغيرها!؟
وأيضا فالصدوق نرى اعتمد كثيرا على تصحيح وتضعيف شيخه ابن الوليد حتى
قال: " إن كل ما صححه شيخي فهو عندي صحيح " وذكر بعد استضعافه لرواية محمد
بن موسى الهمداني: " أن كل ما لم يصححه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته فهو عندنا متروك " (1) انتهى.
وأي مدخل لذلك في الأخبار العلمية؟ وكيف يستفاد من تصحيح الغير العلم
بالصدور خصوصا!؟ ومن الظاهر بل المعلوم أن تصحيح شيخه وتضعيفه كان
بالاجتهاد في الرجال كما وقع التعليل في بعض ذلك وقد نصوا في أحوال شيخه
" أنه كان عارفا بالرجال " (2) وكيف يرد الأخبار العلمية بدعواه أخذها من الكتب المعول
عليها بمجرد تضعيف شيخه؟.



(1) الفقيه ج 2، ص 55 باب صوم التطوع خبر صلاة يوم الغدير.
(2) خلاصة الأقوال ص 147 الرقم 43.
61
ومن لاحظ أول الاستبصار المتأخر عن جميع هذه الكتب مصنفا وتصنيفا وهو في
الحقيقة لسان غيره علم علما قطعيا أن هذا الإسناد إليهم توهم صرف أو صرف افتراء
لأنه بعد أن ذكر المتواتر وما أوجب العلم وجعل القسم الآخر كل خبر لا يكون
متواترا ويتعرى من واحدة من القرائن التي ذكرها - قال:
" إن ذلك خبر واحد ويجوز العلم به على شروط فإذا كان الخبر لا يعارضه خير آخر
فإن ذلك يجب العمل به لأنه من الباب الذي عليه الإجماع في النقل إلا أن يعرف فتاواهم
بخلافه فيترك لأجلها العمل به وإن كان هناك ما يعارضه فينبغي أن ينظر في المتعارضين
فيعمل على أعدل الرواة " (1)
إلى أن قال:
" وأنت إذا فكرت في هذه الجملة وجدت الأخبار كلها لا تخلو من قسم من هذه الأقسام
ووجدت أيضا ما عملنا عليه في هذا الكتاب وفى غيره من كتبنا في الفتاوى في الحلال
والحرام لا يخلو من واحد من هذه الأقسام ولم نشر في أول كل باب إلى ذكر ما رجحنا به
الأخبار التي عملنا عليها وإن كنا قد أشرنا في أكثرها إلى ذكر ذلك طلبا للإيجاز
والاختصار " (2) انتهى.
وهل يقدر العاقل أن يقول: الآحاد التي عمل بها الشيخ وادعى عليه الإجماع
المفيد لكون عمل من سبقه أيضا عليه ونظر فيه مع التعارض إلى ما لا يعلم أو يظن إلا
بالرجال؟ وكان بناؤه في كتبه جميعا على الترجيح بالأسباب التي يعلم مما ذكر منها أنها
مما يعرف بالرجال وغايتها إفادة الظن أنى مع كل ذلك عالم بصدور هذه الأخبار عن
المعصوم عليه السلام أو بمفادها من غير رجوع إلى الرجال بل التحقيق عدم حصول الظن
بذلك أيضا إلا في جملة منها معينة أو مجملة كما لا يخفى على المتأمل فيما مر.
ومنه يظهر أن تنزيل بعضهم لدعوى القطعية على إرادة العلم العادي كالعلم بأن الجبل
لم ينقلب ذهبا أو على ما يسمى به في العرف العام أو الخاص بالمبتدئين في العلم
وهو الظن القوى كما عن آخر أيضا واضح الفساد خصوصا والأخير لا يغنى عن



(1) الاستبصار ج 1 ص 4
(2) الاستبصار ج 1 ص 5.
62
الاجتهاد والرجوع إلى الرجال وغيره من أسباب الظن بالاعتبار أو الدلالة.
نعم إن أرادوا بذلك قطعية الحجية في كثير مما فيها لا في الجميع فهو حق لا شك
فيه حتى عند العاملين بالظن المطلق إلا أن ذلك - كما مر - من مقدمات الافتقار إلى
الرجال لا من الأدلة على خلافه.
وأما من استدل بأقوالهم في أوائلها على الصحة بأنها شهادة منهم عليها والبينة
معتبرة مطلقا خصوصا وهي منهم متضمنة لتعديل رواة ما في كتبهم من الأخبار
وأنها لا تقصر إن لم تكن أولى من شهادة واحد أو أكثر من علماء الرجال على وثاقة
راو فيدفعه:
أولا: ما عرفت من منع كونها شهادة كيف ويعتبر فيها العلم بلا خلاف!؟ وعرفت
أن عملهم من باب الترجيح والرجوع إلى أحوال الرجال وغير ذلك مما غايته الظن
غالبا
وثانيا: منع اعتبار الشهادة في أمثال هذه الموارد التي هي بالفتوى أقرب بل
هي منها لكونها إخبارا عما اجتهد فيه في المسألة الأصولية وهي مسألة حجية أخبار
الآحاد.
وثالثا منعه لكونها شهادة علمية على تسليمها وتسليم أخبارهم بطريق الجزم
وفى اعتبارها خلاف وإشكال.
ورابعا لعدم تعيين المشهود به من الروايات والرواة.
وخامسا: لكونها كتبية.
وسادسا: لإعراض المشهور عن الاكتفاء بها كما يشهد له بناؤهم على
الاصطلاح الجديد وتعليله بتميز المعتبر عن غيره بعد دعوى إخفاء القرائن
المفيدة لذلك.
ويشهد له أيضا مخالفة بعض المشايخ لبعض وعدم اكتفائه بشهادة من سبقه
وسابعا: بأن مرادهم بالصحيح كما يجئ في الباب الثاني بل الثالث هو ما
اعتمدوا بكونه من المعصوم سواء قطعوا أو ظنوا لجملة من الأمارات التي كانت

63
عندهم وواضح انه من باب اجتهادهم وفحصهم عن الأمارات ولا يجوز لنا
تقليدهم.
وعلى فرض تسليم الجميع فإنما هي في الأخبار الموجودة في الجميع أو في اثنين
منها لوضوح اعتبار العدد في الشهادة بالإجماع والأخبار وقد فصلنا ذلك في كتاب
القضاء والأحكام والاكتفاء بتوثيق واحد في الرجال لكونه من نبأ العدل أو مطلق
الظن كما يأتي ويأتي أن الحق هو الأخير وإلزامنا بالعمل بها من هذه الجهة مر دفعه
في الجواب عن رابع وجوه المقام الأول.
(في الجواب عما أورده صاحب الوسائل)
ونقول في المقام الثالث إجمالا بمثل إجمال المقام الثاني وتفصيلا بالإضافة إلى
إجماله وإلا فهو أجمل من تفصيل المقام الثاني.
ففي الوجه الأول بعد ما مر فيما يقرب منه خصوصا ما سبق من أخبار دس
المعاندين واختلاف جملة من الأصول في أنفسها وبسبب اختلاف رواتها.
والعرض عليهم عليهم السلام إنما هو في قليل من تلك الأصول وكون جميع الكتب الأربعة
منها غير معلوم بل المعلوم خلافه مع أنه منقول بأخبار الآحاد وإثبات اعتبار غيرها
له لا يخلو من دور كيف! وقد سمعت ما عن الصدوق وما في الاستبصار
ومنه ظهر أن التميز الممكن في حقهم إنما هو بالظن والترجيح
ودعوى عدم العلم بالظن حينئذ أو مع التمكن حق إن أريد مطلقه وإلا فكما ترى
خصوصا بعد ما ورد في أخبار العلاج بل في حجية الأخبار وعرفت أن الأخذ من
الكتب المعتمدة لا يوجب العلم بالصدور ولا الاعتبار في الجميع كما عرفت أن
الصحة المشهود بها ليست إلا ما يوجب العمل والاعتماد قطعا كان أو ظنا معتبرا
بالنص أو الاجتهاد في الأدلة.
وفى الثاني أن الضياع إنما هو مع عدم نصب طريق ولو ظنيا بل مطلقا لا مطلقا
وقد قال معدن الأحكام عليه وآله الصلاة والسلام ": إنا نحكم بالظاهر والله يتولى

64
السرائر " (1) فأين هذه الحكمة في الحكومات مع أن فيها تضييع الأموال وتحريم الحلال
وتحليل الحرام كما في أصل الأحكام.
ومر الجواب عما دل على اعتبار الكتب والعرض وأن شيئا من ذلك ونحوه
لا يوجب الجزم بالصدور.
وأما طرح ما هو الصحيح بالاصطلاح المتأخر والعمل بضعيفه فغير دال على عدم
العبرة بهذا الاصطلاح كيف! وديدنهم على الطرح والعمل المذكورين بل غايته أن
اعتبار الصحيح في مصطلحهم كعدم اعتبار ضعيفه أصل ربما يخرج عنه لأمر
خارج أو كل منهما مشروط بفقد ما يورث الظن بالخلاف ونحو ذلك أو لأن عمدة
الوجه تحصيل الظن بالصدور وهذا قد يكون في الضعيف وقد لا يكون في الصحيح
وأنه الظاهر من القدماء وليس ببعيد بل أقرب من غيره.
وأما حصول العلم بقول الثقة مع ضم القرائن فشئ لا ينكره منكر فلا حاجة إلى
الاستشهاد فيه بكلمات العلماء إلا أن الكلام في حصوله في المقام.
وفى الثالث ما مر في الجواب عن أخير وجوه المقام الثاني فأما دعوى أولوية
شهاداتهم عن نقل مذهب مخالف أو موافق فكما ترى فإن هذا بالمشاهدة والعيان
وتلك بمراعاة الظن والترجيح والاجتهاد كما عرفته فيما مر من البيان مضافا إلى منع
حصول العلم في الأخير أيضا.
نعم إن أريد به مجرد ثبوت أخذ ما في الأربعة عن الكتب المعتمدة باعتقاد الآخذ
فللتنظير وجه إلا أنه لا يفيد المستدل شيئا لما سمعت من منع العلم في المقامين
وعدم إيجاب اعتمادهم لاعتمادنا لما مر في وجهه مضافا إلى ما قيل أو احتمل من
أنهم وإن ذكروا ذلك في أوائل الكتب إلا أنهم غفلوا عنه أو رجعوا منه في الأثناء.
وأما مقايسة اعتبار شهاداتهم باعتبار توثيقهم في الرجال بل أنه أولى وأنه لا مفر
لهم عن هذا الإلزام فدفعه أوهن شئ مر إليه الإشارة في الجملة لأن الأول



(1) إيضاح الفوائد ج 3 ص 4866 وفيه " نحن " بدل " إنا ".
65
بالاجتهاد بخلاف الثاني غالبا والاكتفاء في الأخير بقاعدة الانسداد المجوزة
للعمل بالظن المستقر دون غيره وأنه غير حاصل في الأول بل هو تقليد مع
تمكن الاجتهاد. (1)
ومنه يظهر الفرق بين ما حددوه بالسماع والقراءة ونحوهما وبين ما اجتهدوا في
اعتباره وصحته ثم أخبروا عن مختارهم.
وبه يتجه منع صدق الرواة عليهم بالاعتبار الأخير إذا انفك عن الرواية على الوجه
المتعارف.
وفى الرابع أن إحداث الاصطلاح ليس من البدعة أو المحرمة منها، وإلا فإحداث
الوضع في الحقيقة عند المتشرعة وغيرها منها وأما كونه من الاجتهاد أو الظن الوارد
في ذمهما الأخبار فكلا لوضوح المغايرة مع أن الاجتهاد الممنوع هو العمل بالظنون
التي لم يثبت اعتبارها أو ثبت عدمه كالقياس والاستحسان والكلام فيه خارج عن
وظيفة المقام.



1 - قال في وافية الأصول (ص 294 و 295) واعلم أن الاجتهاد كما يطلق على استعلام الأحكام من الأدلة الشرعية كذلك
يطلق على العمل بالرأي والقياس وهذا الإطلاق كان شائعا في القديم.
قال الشيخ الطوسي رحمه الله في بحث شرائط المفتى من كتاب العدة: " إن جمعا من المخالفين عدوا منها العلم بالقياس
والاجتهاد وبأخبار الآحاد وبوجوه العلل والمقاييس وبما يوجب غلبة الظن ". ثم قال: " إنا بينا فساد ذلك وذكرنا انها
ليست من أدلة الشرع ".
وظاهرا أن الاجتهاد الذي ذكره أنه ليس من أدلة الشرع ليس بالمعنى المتعارف، إذ لا يحتمل كونه من جنس الأدلة.
والسيد المرتضى في كتاب الذريعة ذكر أن الاجتهاد: " عبارة عن إثبات الأحكام الشرعية بغير النصوص والأدلة أو إثبات
الأحكام الشرعية بما طريقه الأمارات أو الظنون ".
وقال في موضع آخر منه: " وفى الفقهاء من فرق بين القياس والاجتهاد وجعل القياس ما له أصل يقاس عليه وجعل
الاجتهاد ما لم يتعين له أصل كالاجتهاد في طلب القبلة وفى قيمة المتلفات بالجنابات ومنهم من عد القياس من
الاجتهاد وجعل الاجتهاد أعم منه.
وقال: " وأما الرأي فالصحيح عندنا أنه عبارة عن المذهب والاعتقاد الحاصل من الأدلة غير الحاصلة من الأمارات
والظنون " هذا حاصل كلامه.
وظاهر أيضا أن الاجتهاد في كلامه ليس بمعناه المعروف وقد ورد ذم الاجتهاد في بعض الأخبار وهو بهذا المعنى الثاني،
وكأن هذا هو الباعث لإنكار الاجتهاد للقائل المذكور، وهو غلط ناشئ من الاشتراك اللفظي ". انتهى. (منه).
66
وأما أنه مسألة أصولية فإن أريد أصل الاصطلاح فواضح البطلان وإن أريد
الحكم باعتبار محل اصطلاح دون آخر فهو كذلك إلا أن دليله الكتاب والسنة
ففي الاعتبار آيات حجية الأخبار كآية النبأ والسؤال والإنذار والأخبار الدالة على
اعتبار قول الثقة خصوصا وعموما بالتصريح أو التعليل وغير ذلك وقد جمع أكثرها
في الوسائل مضافا إلى الإجماع والسيرة.
وفى العدم الآيات والأخبار الناهية عن العمل بالظن وتقليد الآباء مضافا إلى
الإجماع أيضا مع عدم الاعتضاد بأمر خارج وليس المقام مقام التفصيل.
وأما استلزامه لضعف أكثر الأحاديث المعلوم نقلها من الأصول المجمع عليها
فممنوع بعد ثبوت كونها من الأصل المجمع على اعتبار تمام ما فيه كيف! والعمل
بالضعيف المجبور بالشهرة مشهور عندهم إن لم يكن مجمعا عليه فكيف بالمجبور
بالإجماع على العمل به!؟
نعم هو كذلك مع عدم ثبوت ما ذكر إما ثبوت كونها من الأصول أو عدم كون
الأصل مجمعا عليه أو مجمعا على جميع ما فيه مع فقد سائر أسباب الاعتضاد وظاهر
أنه لا يرد في ذلك شئ من اللوازم المزبورة في هذا الوجه.
ومع التسليم فإنما هو في بعض الأحاديث لا أكثرها.
ثم إن في دعوى الإجماع على الأصول القديمة مع فرض وجودها أن محققه غير
ثابت خصوصا إن أريد بغير فقد وانتخاب أو قطعية الصدور ومحكية غير نافع في
إثبات هذا المرام مع وهنه برد أكثر الأصحاب أو جميعهم لكثير مما فيها وقد اعترف
في الوجه الثاني من وجوهه بترجيحهم كثيرا ما للحديث المروى في غير الكتاب
المعروض على المعصوم عليه السلام على المروى فيه كيف! ولازمه كون أرباب الأصول ممن
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه لا خصوص المذكورين في الرجال.
مضافا إلى ما قيل من أن وجه الإجماع والعمل غير معلوم أنه من جهة مطلق الظن أو
كونه بناء العدل أو غير ذلك ومثله غير حجة لا لاختلاف مستند الفتوى بل
لاختلاف المفتى به ومن هنا سمى إجماعا تقييديا.

67
وأغرب من ذلك دعوى استلزامه قطعية جميع الأحاديث كما هو واضح على
المطلع بطريقة الأصحاب ويأتي في باب ألفاظ المدح والقدح ما يتضح به فساد ما
توهمه في ذلك وفى حكمهم بالفسق إذا قيل في حق الرجل إنه ضعيف في الحديث
وأولى ما يعتذر له أنه غير خبير بطريقة الأصحاب
وأغرب من ذلك كله دعوى استلزامه لتخطئة جميع الطائفة كيف! وهم كثير من
الطائفة إن لم يكونوا أكثرهم؟
وليس المراد من القوم الذين أشار إليهم المحقق أهل هذا الاصطلاح لوضوح
طرحهم كثيرا من سليم السند وعملهم بكثر من ضعيفه وإن كانوا هم المراد للمحقق
فالخطأ منه فلاحظ كتب رئيس هذه الطائفة وهو العلامة ثم اعرف.
وأما ما ذكره من مخالفة الاصطلاحين وأنه من المتقدمين موافق لطريقة الخاصة
وموجب للعلم ومأخوذ عن أهل العصمة عليهم السلام ومجمع عليه بخلافه من المتأخرين فإن
أراد نفس التسميتين فمع أنه لا مشاحة فيها فيه: أن شيئا منهما غير مأخوذ عنهم عليهم السلام
ولا إجماع على أحدهما ولا ضير في مخالفة مثله.
وإن أراد حجية المصطلح عليه عند الطائفة كما ذكر - بخلاف حجية الآخر ففيه: أن
مصطلح المتأخرين ليس على خلاف ما ذكره لما أشرنا إليه من ثبوت الدليل عليه من
الكتاب والسنة بل الإجماع بل أشرنا فيما سبق إلى أن لا مخالفة بينهم من هذه الجهة
وإنما الخلاف في تسمية الأحاديث المعتبرة بهذا الاسم أو باسم المعمول عليه عند
المتأخرين وباسم الصحيح عند القدماء كتسمية خلافها بخلاف هذه الأسامي.
نعم لا ننكر وجود من اقتصر في الحجية على الصحيح عند المتأخرين إلا أنه إما
نادر أو مخالف لما اقتضته الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع القولي والعملي محققا
ومحكيا.
وفى الخامس أن اعتراف البعض على فرض ثبوته إنما يقدح في حقه لوضوح عدم
مضي الإقرار في حق غيره ومع ذلك فله تعيين موضع التقسيم في أخبار غير الكتب
المشهورة.

68
ونفى المنتفى وجود أكثر أنواعه في أخبارنا مناف لما طفحت به عباراته وقد وضع
الكتاب المزبور في الأحاديث الصحاح والحسان إلا أن يريد على مذهبه من اعتبار
التعدد في المزكى والجارح نفى صحيح أو موثق وهكذا على وجود التعدد في كل
واسطة ومع ذلك فهو كما ترى.
وأما ما استند إليه المفصل في الافتقار إلى الرجال بين صورة تعارض الأخبار
فالافتقار وغيرها فالعدم فعلى الأخير بعض ما مر في الشبهات النافي له على
الإطلاق والذي وقفت على حكاية استناده إليه أن أخبار الكتب الأربعة لأخذها من
الأصول المعتمدة بشهادة مؤلفيها معتضدة بقرائن الوثوق والصحة.
وعلى الأول ما مر أيضا في سند المشهور وفى المناقشة مع النافي من دلالة
الأخبار على الترجيح بالأعدلية وغيرها ومما يعلم بالرجال بل بشهادة الاعتبار
القاضي بأخذ الراجح دون المرجوح ودون التسوية بينهما لقبحهما وقد مر ما في
الوجه الأول مفصلا ومتفرقا.
وأما وجه التفصيل بين وجود شهرة معتبرة على وفق بعض الأخبار وغيره وقد
مر أنا لم نجد به قائلا وإنما هو لازم عمل جماعة - فهو أن الشهرة من أقوى
المرجحات المنصوصة والاعتبارية لوضوح قوة الظن بتراكم الظنون من شخص
واحد فكثير ما ينتهى إلى القطع بل لعل أغلب العلوم من هذا الباب.
وكذا إذا كانت من أشخاص فإن موافقة الآراء خصوصا مع شدة اختلاف الأفهام
من أقوى أسباب الاعتضاد والقوة.
وأيضا فغالب أحكام هذا المذهب كغيره من المذاهب مما لم يذهب بذهاب
الموجودين من أهله في كل طبقة بل وصل من التقدم إلى المتأخرين يدا بيد.
قال في بعض مقدمات كشف الغطاء ما مفاده: " إنه لا حاجة في كل مسألة إلى
مراجعة الكتاب والسنة بل هما مما ينبغي بأخذهما ذخيرة ليوم الفاقة وهو حيث
تعارض مقتضى القواعد وفقد الإجماع ولم يعلم ما كان في أيدي الطائفة المحقة
وإلا فلا افتقار إليهما لأن مذهبنا ليس أقل من المذاهب الأربعة عن أربابها وكل أو

69
جل ما صدر عنهم في أيدي تبعته.
ولو سلم المنع عما ذكر فلا ريب أن انعقاد الشهرة على خلاف ما هو من المذهب
في غاية البعد.
مضافا إلى وجود النص على الترجيح بها وتعليله بأن المجمع عليه لا ريب فيه
والتعليل في نفسه من أسباب القوة والترجيح ولذا يقدم المعلل على غيره خصوصا
بمثل التعليل المذكور المعتضد بالاعتبار كما عرفت.
هذا وأما وجه الافتقار في غير ذلك فظاهر مما مر " (1)
والجواب عنه أولا: أنه مناف لما مر من إجماع الأصوليين قولا وعملا بل سيرة
جميع الرواة والمحدثين فإن عمل الجميع على ملاحظة أحوال رجال السند بطرقنا
التي منها الرجال المتعين في حقنا لفقد غيره من غير فرق بين وجود الشهرة وعدمه.
وثانيا: أن مقتضى تقرير الوجه المزبور الأخذ بمقالة المشهور وذلك لتعارض
أخبار الترجيح في عدد أسبابه وفى تقديم بعضها على بعض ولا ريب في انعقاد
الشهرة على الترجيح بالسند بملاحظة أحوال الرجال حتى مع وجود الشهرة في أحد
الطرفين فمقتضى اعتبارها بل نصا الترجيح بالسند ويأتي تقرير لزوم
ملاحظة الرجال مطلقا.
وهذا نظير ما قيل على حجية الشهرة من أن المشهور عدم حجيتها إلا أن المقام
أسلم منه من الإشكال وذلك لأن ما دل على الترجيح بالشهرة لم يفد المنع عن
الترجيح بغيرها كما أن ما دل على الترجيح بالسند أو بالمتن باعتبار موافقة القرآن أو
مخالفة العامة كذلك.
نعم لا يخلو ظواهرها من تعارض ما من حيث إطلاق كل منها ويجمع بإرادة بيان
أن كلا منها سبب للترجيح من قطع النظر عن الآخر.
ومع الاجتماع في جانب لا إشكال ومع الاختلاف يؤخذ بما الظن معه أقوى



(1) كشف الغطاء ص 39، الطبعة الحجرية.
70
لاستفادة البناء عليه من مجموع أخبار التراجيح ومن إلحاق المشهور غير المنصوصة
بالمنصوصة وغير ذلك أو بإرادة بيان أن كلا منها معتبر في مقام أو غير ذلك.
وحاصل الجميع: أن الشهرة في الفروع مرجحة وكذا الشهرة في الأصول أي في
أخبار العلاج وليست هي على تعين الترجيح بغير الشهرة في الفروع من ملاحظة
المتن والسند ولذا سمعت عملهم بالضعيف المنجبر بالشهرة بل المدار على ما
أشرنا إليه من قوة الظن فإن كانت في الترجيح بالسند أخذنا به وإن كانت في
الترجيح بالمتن فكذلك.
وكذا لو كانت في الترجيح بالشهرة فملاحظة السند لازمة - على كل حال -
لملاحظة أن قوة الظن في الترجيح به أو بغيره وحيث إن احتمال كونها في الترجيح به
قائم في جميع الموارد أو أكثرها فلا بد من الملاحظة كذلك.
ومن هنا ظهر أن الترجيح بالشهرة سواء كان مشهورا أم لا - لا ينافيه الإجماع
والسيرة على ملاحظة أحوال رجال السند.
نعم ينافيه الإجماع على الترجيح بهذه الملاحظة على الترجيح بالشهرة كما أن
ترجيح الترجيح بها على الترجيح بالملاحظة المزبورة مناف للإجماع والسيرة
المذكورين.
وبالجملة يحصل الغنى عن الرجال على الالتزام بالترجيح والشهرة مطلقا فيما
وجدت الشهرة المعتبرة إلا أن هذا القول بمكان من الضعف.
وثالثا: أن قضية الوجه المزبور حجة الشهرة كحجية الإجماع وسمعت ان
المشهور خلافه.
ورابعا: أن قضاء الاعتبار بل النص في الترجيح بالشهرة إنما هو إذا كان الخبر
مشهور النقل بين الرواة على وجه الاعتماد أو مشهور العمل به بين الفقهاء على وجه
الاستناد إليه لا على مجرد مطابقة الفتوى المشهورة في نفسها للرواية ومثل هذا ليس
كثير الوقوع إن لم يكن قليله فعدم الافتقار إلى الرجال في مثله على فرضه غير مناف
لإطلاق اعتباره وإلا فواضح أنه قد يستغنى عن الرجال لأمور خارجية مثل كون

71
المسألة إجماعية ونحوها.
وأما وجه الاكتفاء بتصحيح الغير فهو أن اعتبار قول أهل الرجال سواء كان من جهة
كونه شهادة أو رواية لإفادة الظن أو غيرها مثله تصحيح بعض العلماء خصوصا إذا
كان من أهل الرجال أو كثير البصيرة بذلك العلم كصاحبي المنتقى والتعليقة وغيرهما
وفيه وضوح الفرق بينهما على الوجوه أو الأقوال المزبورة،
أما على الأول فلاعتبار تعين المشهود به في الشهادة وكونها بطريق المطابقة
وصدورها عن علم لا باجتهاد ظني والجميع منتف في تصحيح الغير
أما الأول فواضح فمع انتفاء التعيين قد يكون خلاف هذه الشهادة معلوما عند
المشهود عنده بعلمه، وواضح أن الشهادة غير معتبرة مع العلم بالخلاف فلا بد أن
يعين حتى يلاحظ أنه المعلوم الخلاف أم لا.
فإن قلت: السند مضبوط في كتب الحديث فليرجع إليها ويعرفهم والمحذور إنما
هو لو لم يكن للمشهود عنده طريق إلى التعيين.
قلت: نعم ولكن ربما لا يعلم كونه المعلوم الخلاف بذلك للاشتراك فلا يعلم إلا
بالرجوع إلى الرجال.
فإن قلت: نعم فليرجع إليه لكن يكتفى بمجرد معرفته أنه ليس من معلوم الخلاف
عنده بتصحيح الغير.
قلت: أولا أنه خلاف مقصود المخالف لوضوح أن غرضه الاكتفاء به عن الرجال
مطلقا.
وثانيا: أن غاية الأمر حينئذ ارتفاع خصوص هذا المانع دون غيره المانع عن الاكتفاء
حينئذ.
أيضا لا يقال: مورد الشهادة نفس الخبر فإنه الذي يشهد بصحته وهو معلوم
معين.
لأنا نقول: معنى صحته وثاقة رواته كما هو واضح فهي في الحقيقة من الأوصاف

72
المتعلقة بالغير كقولك: زيد قائم الأب فاللازم تعيين ذلك الغير الذي هو محل
الوصف المشهود بثبوته فيه
وأما الثاني فواضح كوضوح اعتباره الذي فرقوا به بين الشهادة والإقرار غير
المعتبر فيه ذلك وبه لم يجعلوا الشهادة على قئ الخمر شهادة على شربها وجعلوا
الإقرار بالشراء إقرارا بالملك السابق للغير.
وأما الثالث فواضح أيضا لأن أغلب التصحيحات من باب الاجتهاد الظني.
ولو فرض تصحيح بالعلم لم نقبله أيضا لما مر من المانعين انتفاء ثانيهما
مع أن البحث في الإطلاق مضافا إلى ذلك كله أن رجوع المجتهد إلى اجتهاد الغير غير
جائز إجماعا أو بغير خلاف معتد به.
ولا يورد علينا بأن كثيرا من توثيقات أهل الرجال أيضا من باب الاجتهاد لما أشرنا
إليه من الفرق بين ما إذا تعذر أو استلزم محرما اجتهادا بعد اجتهاده وبين غيره.
والمنع عن التقليد أو الاكتفاء بالظن الحاصل عن غيره إنما هو في الأخير دون
الأول واجتهادنا في الرجال فيما اجتهد فيه المتقدمون منهم بل المتأخرون متعذر أو
متعسر شديد أو مستلزم لتعطيل الأحكام وترك كثير من الاجتهادات الواجبة كفاية أو
عينا علينا.
مضافا إلى أن الإجتماع القولي والعملي على الرجوع إليهم مطلقا هو المجوز
للاكتفاء بالظن الحاصل من أقوالهم ولو كانت بالاجتهاد وعلى فرض منع الإجماع فلا
إجماع قطعا على المنع عن الاكتفاء في المقام.
ومن ذلك كله يظهر وجه المنع عن الاكتفاء ولو على كون الاعتبار من باب الرواية
لأن الاكتفاء بالرواية إنما هو إذا لم تكن عن اجتهاد وإلا فنقل جميع الفتاوى رواية فلا
وجه للتمسك بعموم اعتبارها من العدل على المقام وقد عرفت الجواب عن إيراد
مثله علينا بالنسبة إلى بعض أقوال بعض أهل الرجال.
وعلى تسليم شمول عمومات الرواية للمقام نقول المخرج عنها في الاكتفاء

73
بصحيح الغير ما عرفت ولا أقل من الشهرة القوية الموهنة للتمسك بالعمومات
وأما على الثالث فلأن المعتبر بقاعدة الانسداد كما قرر في محله إنما هو الظن
المستقر لوضوح أنه من باب الإلجاء والضرورة والعقل إنما يحكم بخصوص ذلك
لا مطلقا وحصول الاستقرار من تصحيح الغير ممنوع جدا كيف! واحتمال خطئه في
كل واحد من رجال السند على زعم غيره قائم وهو احتمال يمكن دفعه بالرجال
بخلافه في حق نفسه بعد الرجوع فلا نقض مضافا إلى ما يرى من كثرة اختلافاتهم في
التصحيح.
ومنه يظهر مانع آخر وهو لزوم الترجيح عند التعارض كما في الجرح والتعديل
فلا بد من الفحص في جميع الكتب المشتملة على التصحيح والتضعيف كما نفحص
في الرجال عن المعارض ولا يلتزم به المخالف
وأيضا فأي فرق بين الظن الحاصل من اجتهاد الغير في التصحيح والتضعيف
واجتهاده في الأحكام فكيف يكتفى المخالف بأحدهما دون الآخر!؟
ومن هنا أمكن تقرير دليل آخر على المنع على هذا الفرض وهو أن الظن الحاصل
من اجتهاد الغير ولو كان مستقرا فهو مثل الظن القياسي ونحوه الممنوع عن العمل به
مع فرض الانسداد من باب التخصيص أو التخصص وذلك لمصيرهم - كما عرفت -
إلى عدم اعتبار الظن الحاصل من اجتهاد الغير في حق غيره.
ثم إن هذا البحث إنما هو مع التمكن من مراجعة الرجال مع عدم مانع آخر عنها،
وإلا بأن تعذرت لحبس أو سفر مع وجوب الاستنباط عينا أو كفاية من مثله أو مطلقا أو
تعسرت شديدا أو استلزمت لمحرم آخر من فوات واجب الاستنباط أو الوجوب
المستنبط من الأحكام التكليفية الواجبة فلا أجد خلافا في عدم وجوب المراجعة
وقيام تصحيح الغير مقامها.
وليس فيه سقوط وجوب المقدمة مع بقاء وجوب زيها أو سقوط وجوب ذيها
المفروض خلافه بل هو من باب قيام مقدمة مقام أخرى عند تعذرها كتحصيل
الصعيد واستعماله عند تعذر الماء لو فقده إلى غير ذلك من موارد ترتيب المقدمات

74
تتمة:
إخبار علماء الرجال بما يفيد تشخيص ذوات الرواة ببيان الأسامي والكنى
والألقاب والأنساب وغيرها وصفاتهم ببيان أوصاف المدح والقدح وغيرهما هل هو
من باب مطلق النبأ والرواية أو من باب الشهادة أو غير ذلك؟
الذي يظهر بالتتبع في كلماتهم أن فيه قولين وأن المشهور على الأول وصاحب
المعالم وبعض من تبعه على الثاني.
فأما القول بكونه من باب الظنون المعتبرة بقاعدة الانسداد فموضعه مقام الرجوع
إليهم لا هنا إلا أن يراد بها الظنون الاجتهادية يعنى أنه من باب الفتوى المبتنية على
الظنون الاجتهادية فيكون من الوجه الأخير حيث إن الظاهر من النبأ والرواية غير
الفتوى مع احتمال كونه من الأول فيخص الأخير بما لم أقف على قائله وإن حكى
عن بعضهم وهو أنه من باب قول أهل الخبرة وإن كانت حكاية على ما هو ببالي في
مقام الرجوع أيضا إلا أنه فيه مستلزم لما ذكرناه بالنسبة إلى المقام الأول كما أن الوجه
عدم خروجه بذلك عن القول الأول كما لا يخفى كما أنه لا يخفى على المتتبع في
كلماتهم أن كثيرا منهم لم يفرق بين المقامين ولعله لملازمة أكثر الأقوال في أحدهما
لها في الآخر فتدبر.
وكيف كان فالحق في المقام الأول أن جملة مما صدر منهم من باب الشهادة وهو
أكثرهما في كلمات المتقدمين كعلى بن الحسن بن فضال والفضل بن شاذان
ونحوهما - وإن كان الأقل في كلمات المتأخرين إلا بطريق النقل وإن لم يصرحوا به
أحيانا وجملة منه من باب الفتوى والإخبار عن المختار بالاجتهاد في فحاوى كلمات
المتقدمين والقرائن الخارجية وهذا عكس الأول بالنسبة إلى الطائفتين ولعل إليه
نظر المشهور في إطلاق كونه من مطلق النبأ أي الشامل للخبر الخارجي والفتوى وإن
كان في مقابل الشهادة فلم يكن إطلاقه مطلقا.
وتوجيهه: أن من الواضح عدم كون الفتوى شهادة وكذا الإخبار اعتمادا على قول

75
المتقدمين من غير قطع، وليس من شهادة الفرع لعدم إخبار المتأخر بشهادة
المتقدم وهذا واضح وعلى هذا لم يكن المشهور مخالفا للمختار وإلا ففيه ما
تسمعه.
وكيف كان فالظاهر أن مرجع ما في فوائد التعليقة للمولى البهبهاني رحمه الله إلى ما اخترناه
حيث قال - بعد احتمالات كون المدح من باب الرواية أو الظنون الاجتهادية أو
الشهادة ما هذا لفظه: " والبناء هنا على ملاحظة خصوص الموضع وما يظهر منه
أولى ". (1) انتهى.
(الفرق بين الشهادة والفتوى ومطلق النبأ)
ولنشر أولا وإجمالا إلى الفرق بين الشهادة والفتوى ومطلق النبأ بعد كون الأولين من
أقسام الأخير وقد بينا ذلك تفصيلا في كتاب القضاء فنقول:
نعتمد غالبا على الاجتهاد والفحص في معرفة الأحكام الكلية الواقعية أو الظاهرية
أو الموضوعات الشرعية المستنبطة عن أدلتها كاستحباب الصلاة في الحائر الشريف
وغيره من الأماكن الشريفة والسكنى والبيتوتة في الغري وقم ونحوهما ووجوب أو
استحباب استلام الحجر ونحو ذلك وكعدم جواز أخذ الأجرة على دور مكة المعظمة
من الحاج النازلين فيها إلى غير ذلك.
ويمكن التزام الكلية في جميع ذلك بجعل أجزاء ما ذكر جزئيا وما يصدق على كل
منها كليا هو الموضوع.
وفيه تعسف وإلا كان الموضوع في قولك: " اضرب زيدا " أيضا كليا بل الصدق
بالنسبة إلى الأجزاء مع كون الموضوع اسما لمجموع ذلك من باب التسامح المستقر أو
التجوز أو تجدد الوضع في نفس الموضوع أو الأمر المتعلق به من صلاة وسكنى
واستلام وطواف ونحو ذلك والتفصيل في محله.



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 25.
76
وقد علم مما ذكر أن المراد بالموضوع ليس خصوص ما تعلق به الحكم بلا واسطة
حتى يكون كليا في الأمثلة المزبورة وإن كان أخص من غيره.
وقد يكتفى في صدق الفتوى بنفس الاجتهاد وإن لم يكن في حكم كلى أو
جزئي كالاجتهاد في أصول عقائد الدين والمذهب وفى مقدمات معرفة لغة العرب
وغير ذلك ولذا يوجبون فيها الاجتهاد ولا يكتفون فيها بالتقليد الذي هو أخذ
الفتوى للعمل.
والظاهر أنه على وجه الحقيقة مع احتمال التجويز بالمشابهة والاستعارة.
ومن هذا القسم الاجتهاد والفتوى في علم الرجال لوضوح أنه أولى بالصدق من
الاجتهاد والفتوى في النحو والصرف مع أنه لا يهمنا البحث في الصدق على وجه
الحقيقة إذ البحث في المعنى وإن سمى باسم آخر ولذا أردفنا الفتوى في بيان
المختار بالإخبار عن المختار بالاجتهاد.
وأما الشهادة فمدارها غالبا أو دائما على عدم البناء على وحى أو إلهام وغيرهما من
العلوم المختصة بالمعصومين عليهم السلام من حيث كونهم حجج الله وكذا على عدم الاجتهاد
مطلقا لا في الحكم ولا في الموضوع إلا في بعض أسباب ثبوت المشهود به لتحصيل
الصلح به والظاهر سلب معنى الاجتهاد عنه وكذا على كون المخبر به فيها جزئيا
حقيقيا أو إضافيا للموضوعات العرفية الخارجية أو الشرعية أو للأحكام العرفية أو
الشرعية لترتيب أمر شرعي عليه كل ذلك للتبادر عند الفقهاء والمتشرعة وصحة
سلبها عن غير ذلك فالجزء الحقيقي للموضوعات العرفية كالشهادة بأن هذا زيد بن
فلان وأن هذا ماء وذاك تراب وهكذا، وللموضوعات الشرعية كالشهادة بأن هذه صلاة
وهذه زيارة كذا وهذا قرآن أو منه، وأن هذه تزكية وهذا بيع وذلك خلع ومباراة ونحو
ذلك أو بصدور هذه الأفعال من شخص فإنه في الحقيقة عينها.
كل ذلك بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية في الجميع أو إرادة مطلق ما في الشرع
عن الشرعية وهو الأظهر.
والإضافي للأول كقوله: الكافور أو كافور الهند مركب أو مأخوذ من كذا وكذا

77
والماهوت مثلا - من صوف الغنم والصدف حيوان والمرجان نبات والخز كذا
وهكذا إذ التحقيق الاكتفاء بالعدلين في ذلك كله.
وتخيل أن القبول من باب الرجوع إلى أهل الخبرة يأتي دفعه
والإضافي للثاني كقوله بيع الخيار كذا وتزكية الساكن في هذه القرية كذا ونكاح
الطائفة الفلانية كذا وأن الموضوع الفلاني عند العامة كذا.
ولا يخلو اعتبار هذا القسم من الشهادة عن إشكال ما
والجزئي الحقيقي للأحكام العرفية أن هذا الولد لا يأكل كذا أو لا يشرب كذا عند
والده أو لا يجلس عنده أو يقوم قيام العبيد في مقابله وهكذا والإضافي لها أن ديدن
أولاد أهل المصر مع آبائهم كذا.
وإدخال هذا القسم في الشهادة المقيدة بكونها لترتيب أمر شرعي لا يخلو من
إشكال إلا في النذور والأيمان ونحو ذلك.
والحقيقي للأحكام الشرعية قوله أن هذا طاهر وذاك نجس وهذا ملك فلان
وذاك زوج فلانة وهكذا والإضافي لها قول الطبيب مثلا إن المعجون الفلاني نجس
أو حرام لتركبه من خمر أو لحم حية.
وخرج بالقيد الأخير جميع ما ذكر لا في مقام الترتيب المزبور فإنه حينئذ من النبأ
بالمعنى الأخص المقابل للفتوى والشهادة
فقد ظهر أن تغاير الفتوى والشهادة بالتباين وكذا تغايرهما مع الخبر بالمعنى
الأخص وإن تغاير أحدهما مع مطلق النبأ بالعموم والخصوص.
إذا تمهد هذا نقول: من تتبع كتب الرجال لا سيما التعليقة ومنتهى المقال يعلم أن
الأمر كما ذكرنا فإن فيهما توثيق كثير ومدح آخرين كتضعيف جماعة بالاجتهاد
والاستدلال واستظهر في منتهى المقال في الفائدة الأخيرة مما التقطها من
فوائد التعليقة كون تعديلهم من اجتهادهم أو من باب الرواية (1) وتوصيف الأكثر



(1) منتهى المقال ج 1 ص 125.
78
بالأوصاف المزبورة بالنقل عن النجاشي والشيخ والكشي والغضائري وغيرهم وهو
الغالب في الخلاصة والإيضاح والنقد ونحوها وفى جماعة كثيرة أيضا من معاصريهم
أو قريبي العصر إليهم بالشهادة.
ومنه يظهر أن إطلاق كون الجميع من باب الشهادة كما ترى كإطلاق كونه من النبأ
والرواية في مقابل الشهادة وإن أسند إلى الشهرة مع التأمل في صحة الإسناد بهذا
المعنى المقابل لما اخترناه إذ الموجود في كلمات الأكثر كفاية تعديل وتضعيف
الواحد ولا دلالة في ذلك على ما ذكر فإنا أيضا نكتفي بالواحد فلعل - بل هو الظاهر
من كلمات جمع وصريح آخرين كون وجهه الاكتفاء بحصول الظن لانسداد باب
العلم والعلمي لوضوح عدم حصوله من أقوالهم وعدم الغنى بما هو من شهاداتهم
مع ما مر في المنع عن كفاية الكتب عنها.
قال في الفصول - بعد إسناد الاكتفاء بالواحد إلى المشهور واعتبار التعدد إلى قائل
مجهول -: " ومرجع النزاع إلى أن تزكية الراوي هل هي من باب الشهادة أو من باب
الرواية أو مبناها على الظنون الاجتهادية؟ فمن اعتبر فيها التعدد جعلها من القسم
الأول ومن لم يعتبر فيها التعدد جعلها من أحد القسمين الأخيرين " (1) انتهى.
ويؤيد ذلك ما مر عن التعليقة من ركون الأصحاب إلى توثيق وتضعيف ابن فضال
بل أخذ الجميع منه وكذا عن ابن عقدة وهما على خلاف المذهب لا تقبل شهادتهما
بالإجماع وظهور الكتاب المفيد لكون الشاهد ممن نرضى به ولا نرضى بمخالف
المذهب إلا في مقام الإلجاء والضرورة بحكم العقل وكونه على وصف العدل الظاهر
ولو بالإطلاق إلى العدل بالمعنى الأخص المعتبر فيه الإيمان وكذلك السنة وكذا
روايتهما لاشتراط الإيمان والعدالة بالمعنى الأخص كما هو الظاهر منها في أدلة
اعتبارها حتى محكى الإجماع عن الشيخ وتوجيه قبولهم بأن الشرط العدالة بالمعنى
الأعم ليس هنا بأولى مما ذكرناه.



(1) الفصول الغروية ص 297.
79
مضافا إلى أن مقتضى كونه من النبأ عدم قبول المرسل منه وقد عرفت أن أكثر ما في
الخلاصة ونظائرها من هذا القبيل كما أن مقتضاه عدم قبول ما كان بالاجتهاد في حق
المجتهدين بل الاكتفاء بالواحد في مطلق الجرح والتعديل لصدق النبأ في مطلقهما
ودفع هذا الإلزام بقيام الدليل في غير المقام على اعتبار التعدد مدفوع بشموله
للمقام حيث كان التوثيق ونحوه بالشهادة كما ذكرناه.
وأما تخيل توجيه مقالة المشهور بكون الاكتفاء من جهة الشهادة وأنه يكفي فيها
الواحد في المقام أو مطلقا إلا فيما نص فيه على التعد فيدفعه ما فرغنا عنه في القضاء
من ثبوت العموم على اعتبار العدد في الشهادة مطلقا وقلنا إن ظاهرهم كونه من
المسلمات فليس أولا يصح إلا ما ذكرناه لأنه الذي يجامع الاكتفاء بالواحد عدلا كان
أو غيره بقول كان توصيفه أو بكتب يقطع أخير أو بظن إلى غير ذلك مما ينافي
الطريقتين دون المختار
نعم يشكل عليه حيث كان التوصيف بطريق الشهادة القولية إذ مقتضى عموم
اعتبار التعدد فيها اعتباره في المقام فيلزم التفصيل
ويمكن دفعه أولا: بأنه خارج عن مفروض البحث الذي هو المراجعة إلى كتب
الرجال.
وثانيا: بالتزام تخصيص العموم المزبور لظهور الإجماع المركب في كفاية
الواحد وحصول الظن المكتفى به للانسداد في الغالب ولذا لا يجب تحصيل العلم
مع إمكانه فمثله العلمي.
وثالثا بالتزام التفصيل بعد ما اقتضاه الدليل والأمر سهل بعد ندور الفرض
هذا كله هو الكلام في المقام الأول.
ونقول في الثاني إن الذي يظهر اختلافهم فيه على أقوال:
أحدها: أنه من باب العمل بالشهادة حكاه الشهيد الثاني في درايته (1) عن بعضهم،



(1) الرعاية ص 193.
80
واختاره صاحب المعالم (1) وبعض من تبعه.
ثانيها: أنه من باب قبول النبأ والرواية صرح به جماعة (2).
ثالثها: أنه من جهة الظنون الاجتهادية المعتبرة بعد انسداد باب العلم وما هو في
درجته اختاره أيضا جماعة منهم: شيخنا رحمه الله في الفصول (3).
وهذا إن لم يكن أشهر من سابقه فليس الأمر بالعكس لأمور أشرنا إلى بعضها وقد
عرفت أن حكاية الشهرة إنما هي على الاكتفاء بالواحد المجامع للقولين وهي
الموجودة في دراية ثاني الشهيدين وما في فوائد التعليقة من دعواه الشهرة فليست
صريحة بل ظاهرة ظهورا معتدا به في كونها على القول الثاني بل عليه وعلى الثالث
في مقابل القول الأول فإنه قال وما ذكرت من أن تعديلهم من باب الشهادة فغير
مسلم بل الظاهر أنه من اجتهادهم أو من باب الرواية كما هو المشهور.
رابعها: أنه من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ولم أقف على قائله بل على حكايته في
الكتب وإنما حكى نقله عن بعض الفضلاء.
وأظهر الأقوال ثالثها للوجوه التي أشرنا إليها مرارا فلا نطيل الكلام بإعادتها كما
لا نعيد ما فيه دفع القولين الأولين.
ونزيد الكلام على الأول مع ما قدمناه في دفع شبهات الأخبارية أن قاعدة
الانسداد تجرى في غير الأخبار المصححة بتزكية العدلين لوضوح بقاء التكليف
وغيره من المقدمات فيما عدا ذلك
وأيضا ستعرف أن كثيرا من الرجال لو لم يكن الأكثر أساميهم مشتركة وأن أكثر
أسباب التميز ظنية لم يقم عليها بينة فاعتبار أصل وثاقة أحد المشتركين بالبينة لا يفيد
كون جميع رواة الخبر موثقين بشهادة البينة إذ لم يعلم أنهم هم المشهود بوثاقتهم
إلى غير ذلك مما في هذا القول.



(1) انظر الفصول الغروية ص 299.
(2) المصدر السابق ص 297.
(3) المصدر السابق ص 298.
81
وفى الرابع أنه وإن عاضده الرجوع إليهم في كثير من المقامات منها معرفة العيب
واختلاف قيمة المعيب والصحيح والغبن وعدمه وفى معالجة الأمراض في الإنسان
بل مطلق الحيوان وفى معرفة الساعات والأوقات الصالحة عن غيرها إلى غير ذلك
حتى أنه يمكن دعوى السيرة بل الإجماع عليه وفيهما الحجة كما حكى دعواهما عن
قائله أيضا إلا أنه ليس بذلك للتصريح من الجميع أو جماعة باعتبار التعدد في
الأولين لكونهما من الشهادة وكون الرجوع في الأخيرين ونظائرهما بل في الأولين
مع تعذر إقامة الشهادة الشرعية كتقويم الخنزير مثلا من جهة قاعدة الانسداد ودفع
الخوف على الترك الموجب لحرمته أو لتحقق الصدق العرفي الذي هو المناط
والمعيار في كثير من موارد الرجوع إليهم كما في المسافة بل القيمة بل العيب وغير
ذلك فتدبر.

82
وأما الأبواب المقررة في هذا الكتاب فثلاثة
(الباب الأول: فيما يتعلق بمعرفة ذوات رجال السند)
(الباب الثاني: في ذكر عدة رجال اختلف في تميزهم)
(الباب الثالث: فيما يتعلق بمعرفة صفات وأحوال رجال السند)

83
الباب الأول
فيما يتعلق بمعرفة ذوات رجال السند
فإنها كما عرفت في التعريف من جملة الغرض الموضوع لأجله علم
الرجال وفى هذا الباب فصول:

85
الفصل الأول
في كيفية الرجوع إلى علم الرجال
وإخراج أسامي من في السند المقصود معرفة كونه معتبرا أم لا
فاعلم أن أكثر كتب هذا العلم مبوبة على أبواب ثلاثة وبعضها بزيادة مقدمة
وخاتمة يذكر فيها فوائد:
فالباب الأول في الأسامي والثاني في الكنى والثالث في الألقاب
فأما فائدة استقلال كل من الأخيرين بباب - مع ذكرهم جملة ممن لم يعرف له إلا
لقب أو كنية أو لم يكن معروفا إلا بأحدهما في عداد الأسامي على حد ذكرها ومن لم
يكن كذلك يذكرون ما له من كنية أو لقب عند ذكر اسمه خصوصا الكنية المصدرة
ب‍ " ابن " لالتزامهم بذكرها مع الأسامي كما يقولون محمد بن أحمد بن عبد الله بن
قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال مولى بنى أسد أبو عبد الله وقلما يترك اللقب أو
الكنية عند ذكر أسامي أربابهما - فهي أن في كثير من الأخبار التعبير عن كثير من رجال
السند بالكنية أو اللقب بل ربما لا يعبر عنهم إلا بأحدهما كابن أبى عمير وابن بكير
وابن أبي جيد وأبى بصير وأبى حذيفة وأبى الخطاب والبزنطي والزهري والحلبي
والتلعكبري والسكوني والنوفلي إلى غير ذلك فذكروهما على الاستقلال ليرجع

87
الراجع إلى بابيهما فيعلم بهما أحوال الرجل إن ذكرت فيهما أو اسمه فيقف عليه عند
ترجمته ويعرف أحواله فلو لم يذكروا كذلك بل عند أسامي أربابهما خاصة لم
يتمكن الراجع من معرفة من عبر في السند بأحدهما ذاتا أو وصفا إلا بملاحظة جميع
الأسامي وفيه من الصعوبة أو التعسر أو التعذر ما لا يخفى.
وحيث إن ذلك محتمل في كثير من الكنى والألقاب التزموا بذكر الجميع في موضع
مستقل مع استطرادية البعض ومع ذلك فليس هذا من جميعهم فبعضهم اكتفى في
موضع الاستقلال ببعض الكنى والألقاب حتى أن في منتهى المقال حكى عن أستاذه
والميرزا أنهما أدرجا كثيرا من الألقاب في الأسماء وكذا بعض النساء وذكر بعض
ذلك في آخر الكتاب (1).
وكيف كان فيذكرون في باب الأسماء أبوابا أو فصولا على عدد الحروف الهجائية
وترتيبها فيكتبون باب الألف وباب التاء وهكذا ويتعرضون في كل باب لجميع من
صدر اسمه بحرف ذلك الباب على ترتيب حروف الهجاء أيضا بالنسبة إلى الحرف
الثاني والثالث والرابع وهكذا نظير ما صنعه أهل اللغة وإن اختلف الصنفان بوضع
الباب على أوائل الحروف أو أواخرها
مثلا يقدم في الرجال في باب الألف اسم آدم على اسم أبان لتقدم الألف على
الباء وأبان على إبراهيم لأنهما وإن استويا في الحرفين (2) الأول والثاني إلا أنهما
اختلفا في الثالث والألف في الاسم الأول مقدم على الراء في الاسم الثاني وإبراهيم
مقدم على أحمد لاختلافهما في الحرف الثاني مع تقدم الباء على الحاء وهكذا أحمد
على إدريس
وأيضا فالمكبر مقدم على المصغر كالحسن والحسين وعمرو وعمير بل كل ما



(1) وذكر فيه أيضا في ترجمة ابن داود صاحب كتاب " الرجال " المعروف أنه رتبه على حروف المعجم في الأسماء وأسماء
الآباء.
قلت: يظهر منه - مع ملاحظة ما حكاه فيها عن الشهيد الثاني - أن أصل الترتيب الموجود في كتب المتأخرين (منه رحمه الله).
(2) في الأصل: " الحروف " والصحيح ما أثبتناه.
88
فيه زيادة حرف أو حركة مؤخر عما ليس فيه كحارثة وعمارة وعبيدة وسلمة
وسلامة وعمر عن حارث وعمار وعبيد وسلم وسلام وعمرو.
وعلل بأن الزيادة فرع ما زيد عليه فحقه التأخير ولأنه على خلاف الأصل
العدمي وهو مقدم على الوجود إلا أنه مع اطراده في كل ما كانت الزيادة ألفا إذ يقدم
زيادة على زيد وسلام على سلم والحارث على الحرث وعمر على عمرو وعمر وغير
ذلك لا حاجة إليه في تقديم المكبر على المصغر لأنه على القاعدة المتقدمة فإن
الياء متأخر عن كل حرف.
نعم يفتقر إليه فيه أيضا حيث كان بعد حرف التصغير أي آخر الكلمة ياء أيضا
كما في حيي مصغر حي.
وعلى كل حال فهذا هو الذي عليه بناؤهم
ثم إن هذا إذا اختلفت الأسماء المصدرة بحرف الباب ولو في حرف واحد إما في
الثاني أو الثالث وهكذا وأما إذا اتفقت في الجميع كما في المشتركات المتفق فيها
عدة أشخاص في اسم واحد كأحمد وإسماعيل ومحمد وعلى وغير ذلك بل الأكثر
ذلك لندرة من خص به اسم مما يذكر في الرجال فالمدار بإعمال نحو ما سمعت
على أسماء الآباء فمن أول حروف اسم أبيه مقدم على أول اسم أبى غيره يقدم
على الأخير وإن تأخر ثاني حروف اسم أبيه عن ثاني بل ثالث بل رابع وهكذا من اسم
أبى غيره.
مثلا يقدم آدم بن إسحاق على آدم بن عبد الله وهو على آدم بن المتوكل لأن أول
إسحاق مقدم على أول عبد الله وإن تأخر ثاني إسحاق عن ثاني عبد الله وهكذا في ابن
عبد الله وابن المتوكل وهكذا.
ومع اتفاق أوائل أسماء آباء الجميع يراعى ما ذكر في ثانيها ومع الاتفاق فيه في
ثالثها وهكذا على حد ما عرفت في أصل الأسماء وهذا إذا لم يشترك أسماء الآباء
فلو اشتركت كما في أحمد بن محمد وجعفر بن محمد وعلي بن احمد وعلي بن
إسماعيل ونحو ذلك مما توافق فيه أسماء الأولاد والآباء روعي ما ذكر في أسماء

89
الأجداد فيقدم أحمد بن محمد بن أحمد على أحمد بن محمد بن إسحاق وهو على
أحمد بن محمد بن جعفر وهو على أحمد بن محمد بن الحسن وهكذا.
وكذا يتصاعد إلى أسامي آباء الأجداد على النحو المزبور إذا كان الاشتراك في
أسماء الأجداد أيضا
ولو كان الاشتراك في الجميع أو لم يكن أسامي أجداد الجميع أو البعض مذكورة
فيراعى ما ذكر فيما ذكر لهم من الألقاب والكنى سواء كان في مقابل اللقب أو الكنية
في أحدهما أحدهما في الآخر - كما في أحمد بن علي العلوي وأحمد بن علي
الفائدي بالفاء وفى أحمد بن محمد أبى عبد الله وأحمد بن محمد أبي الغريب وفى
إسماعيل بن أبي فديك وإسماعيل الأزرق أو كان في مقابله الاسم كما في محمد بن
خالد الطيالسي ومحمد بن خالد بن عبد الرحمن إذ الابن غير ملحوظ في الترتيب
فالمقابلة بين الطيالسي وعبد الرحمن إلى غير ذلك.
وقد يكون نظر الترتيب في الكنى بينها وبين مثلها أو بين الألقاب أو الأسامي إلى ما
أضيف إليه الأب بإسقاطه عن الملاحظة كما هو الغالب بل على الإطلاق في المصدرة
ب‍ " ابن " فيقدم أحمد بن عبد الله الإصفهاني على أحمد بن عبد الله بن أمية مع أن الباء
مقدم على الصاد وكذا يقدم محمد بن قيس الأسدي على محمد بن قيس أبى عبد الله
مع تقدم الباء على السين فيظهر أنه لم يلاحظ المضاف في الترتيب بل لوحظ
الأسدي مع عبد الله وواضح ان الألف مقدم على العين إلا أن مثل ذلك نادر لا يوجب
تشويش الراجع واضطرابه وإن كان اطراد الأمر على ما مر من القاعدة أولى.
فأما ذكر الكنى والألقاب عند ذكر الأسامي فلم أقف على كتاب رتب ذلك على
القاعدة أو التزم بتقديم الكنى مطلقا أو الألقاب كذلك فكثيرا ما يقدم اللقب وكثيرا
يعكس فيقال محمد بن مروان الذهلي البصري أصله كوفي أبو عبد الله ومحمد بن
مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي أبو النضر ويقال أيضا محمد بن
يحيى أبو جعفر العطار القمي لكن الغالب تقديم الكنية.
وقد تتوسط الكنية بين عدة ألقاب أو لقبين كما في محمد بن جعفر بن محمد بن

90
عبد الله النحوي أبو بكر المؤدب.
ولا ريب أنه لو لوحظ الترتيب على القاعدة المتقدمة أو التزم بأحد التقديمين كان أولى
ولعل الباعث على إهمال الأمرين اختلاف الكنى والألقاب في الاشتهار فيؤخر
الأشهر لقبا كان أو كنية لحصول المعرفة به إن لم يحصل بغيره كما هو القاعدة في
التعاريف والرسوم
هذا كله إذا كان الموجود في السند أسماء الرواة خاصة أو مع اللقب أو الكنية أو
معهما وأما إن كان الموجود فيه خصوص اللقب أو الكنية أو هما فعلى المراجع إلى
الكتب الرجوع إلى باب الكنى والألقاب.
ونقول فيهما: إن الأمر فيهما من حيث الترتيب كما مر في الأسماء فيقدم أبو
إبراهيم على أبى أحمد وهو على أبى إسحاق وهو على أبى إسماعيل وهكذا
وكذا يقدم الآدمي على الأبرازي وهو على الأبلي وهو على الأجلح وهو على
الأحمر، وهكذا.
وباب الكنى مقدم على باب الألقاب لتصدر الألف في الأول مطلقا سواء كانت
الكنية مصدرة بالأب أو الأم أو الابن أو الأخ أو الأخت فهذا على وفق القاعدة إلا في
خصوص الألقاب المشار إليها وعدة أخرى مصدرة بالألف وثوانيها مما هو مقدم على
الميم بالنسبة إلى المصدرة بالأم لكن التزموا هذه المخالفة لتحقق إفراد أحد البابين
على الآخر فإنه أولى وأهم من مراعاة القاعدة المذكورة في خصوص الألفاظ
المزبورة كما التزموا بها بالنسبة إلى ما فيهما وما في باب الأسماء لوضوح أن مقتضى
القاعدة تقديم غير ما صدر بالأم وما ذكر من الألقاب نحو إسماعيل وإسحاق إلى آخر
أبواب الأسماء فخالفوها للغرض المزبور.
لكن بقى أن مقتضى القاعدة تقديم ما صدر بالابن على ما صدر بالأب لتقدم النون
على الواو أو الياء وكذا تقديم ما صدر بالأخت على ما صدر بالأخ لتقدم التاء على
الحرفين والموجود فيها العكس.
ولعل وجهه مراعاة جانب الأبوة مع أن التصدير بها هو الأصل والغالب في الكنى،

91
ومع ذلك لم يكن الحرفان من لوازم المصدر بالأبوة لقلبهما في حالة النصب إلى
الألف المقدم على الجميع وإن ندر أو لم يتحقق ذكره بهذه الحالة مضافا إلى الحرفين،
بل الحروف أقيمت عندهم مقام الإعراب فكأنما خرجت بذلك عن جوهر الكلمة
وببعض ما ذكر الاعتذار عن تقديم الأخ على الأخت.
هذا فيما لم يفرد للنساء باب على حد وإلا كما صنعه في منتهى المقال فما صدر
بالأم أو الأخت موضعه في الباب المنفرد لهن وبنحو ما ذكر أو بعضه الاعتذار عن
تأخير باب النساء عن جميع الأبواب مع اقتضاء قاعدة الترتيب خلافه.
إذا تمهد لك هذا نقول إن المراجع إلى الكتب إن وجد ما أراده من الاسم أو الكنية
أو اللقب منحصرا به في أحد الأبواب أو مميزا بما مر من التميز بالأب أو
الجد أو اللقب أو الكنية فيضبطه وينظر في حاله ووصفه من المدح والقدح بالألفاظ
التي نشير إلى بعضها في الباب الثاني ويحكم على السند بما استفاده منها حتى أنه
لو وجده من غير تعرض لأحواله وأوصافه وهو المصطلح عليه ب‍ " المجهول " -
لم يفتقر إلى ملاحظة ما يأتي في الباب الثاني بل يحكم بجهالة السند وضعفه من باب
الفقاهة وإن لم نقل بأصالة الفسق إذ المراد بالضعيف حينئذ أنه غير حجة في الظاهر
لأصالة عدمها.
لكن لا ينبغي الاقتصار في المراجعة على خصوص موضع الاسم أو أخويه
لاحتمال ذكر وصف مدح له أو قدح في باب ابنه أو أبيه أو أخيه فإنهم كثيرا ما
يتعرضون لبيان أحواله في عنوان أحد المذكورين بذكر وصف للجميع أوله خاصة
كما أن مع عدم وجدان اسمه في موضعه لا ينبغي التسارع إلى الحكم بالإهمال
والضعف على ما مر بل يلاحظ العناوين المزبورة لاحتمال ذكر فيها.
ومع ذلك لا يكتفى البتة بكتاب لم يجمع جميع الأسامي أو الأوصاف أو الأقوال
بل يلاحظ الجامع لجميع ذلك وأحسن جمعا من الجميع كتاب منتهى المقال للشيخ
أبى على الحائري رحمه الله إلا أنه أسقط فيه المجاهيل كما اعترف به في أوله (1) بزعم عدم



(1) منتهى المقال ج 1 ص 5 قال: " ولم أذكر المجاهيل لعدم تعقل فائدة في ذكرهم ".
92
الحاجة إلى ذكرهم ولم يلتفت إلى أنه ربما تشترك أسامي الثقات مع المجاهيل بحيث
لا تميز أو يتوقف على ملاحظتهما معا.
فالناظر في كتابه كثيرا ما يظن انحصار الاسم الذي يريده أو تميزه بزعم أنه
الموجود في الكتاب وفى الواقع هو من المجاهيل الساقطين ولا يخفى ان هذا نقص
شديد في كتابه وإن كان كاملا من وجوه أخر ومن هنا وجب للمراجع إليه أن يضم إليه
في الملاحظة كتابا آخر مشتملا على المجاهيل كالنقد (1) والوسيط (2) وغيرهما.
وإن وجده - بعد ملاحظة أسباب التميز المتقدمة مشتركا بين أشخاص فلا يخلو
إما أن يكون الاشتراك بين الموثقين أو بين الممدوحين بالمدح الموجب لاعتبار
السند فلا حاجة له إلى ملاحظة ما في الفصل الثاني من أسباب التميز لصحة السند أو
اعتباره على كل حال وتعيينه أن هذا الرجل هو الثقة الفلاني دون الثقة الآخر غير
محتاج إليه.
وكذا لو كان الاشتراك بين ضعفاء بالنص أو بالجهالة أو الإهمال في كتب المتقدمين
مع فقد ما يقويه في كتب المتأخرين المتعرضين له لعدم اعتبار السند حينئذ
على كل حال.
نعم قد يفتقر إلى التميز في القسم الأول في مقام التعارض لوضوح اختلاف
مراتب التوثيق والمدح.
والواجب علينا بمقتضى أخبار العلاج وغيرها الأخذ بقول الأعدل وبالجملة
الأقوى في حصول الاطمئنان وهذا متوقف على التميز حينئذ.
وأيضا قد يتوقف عليه معرفة الطبقة الموجبة لاتصال السند فقد يكون الواقع في
السند في الواقع من لا يلائم الطبقة فيكون في الواقع مرسلا وقد حكمنا - لولا التميز -
باتصاله بل وكذا في القسم الثاني في مقام جاز أو وجب علينا الأخذ بالخبر الضعيف



(1) هو كتاب " نقد الرجال " للسيد مصطفى بن الحسين الحسيني من تلامذة المولى عبد الله التستري الأصفهاني ألفه سنة
1015.
(2) للمولى الميرزا محمد الاسترآبادي صاحب " الرجال الكبير " و " الوسيط " و " الصغير ".
93
للتسامح في دليل الكراهة والاستحباب أو الاعتضاد بشهرة أو غيرها إذا وجدت في
الجانبين بل ربما يكتفى في الضعيف الأقوى ببعض اعتضادات لا يكتفى به في
الضعيف الأضعف.
وإما أن يكون بين الممدوحين والمقدوحين، فلا بد حينئذ من ملاحظة المميزات
الآتية وغيرها، فنقول:

94
الفصل الثاني
في أسباب التميز عند الاشتراك
والضابط فيها ما يختص قطعا أو ظنا ببعض المشتركين في الاسم ونحوه اختصاصا
إضافيا أي بالنسبة إلى سائر المشتركين معه في الاسم وإن كان موجودا بل على الوجه
الأتم في غيرهم فإنه لا ينافي الغرض الذي هو التميز عن المشاركين.
ومرجع هذا في الحقيقة بعد ملاحظة الاختصاص المستفاد من الاسم مع
الاختصاص المستفاد من المميزات إلى الاختصاص الحقيقي لخروج الغير بالاسم
والمشاركين فيه بالمميز المفروض اختصاصه فيما بينهم به.
وحيث عرفت أن المدار على الضابط المزبور علمت أن الاقتصار في عدها على
خمسة أو اثنى عشر بل إفادة حصرها فيها كما في كلام بعضهم - مما لا وجه له إلا أن
يريد ما وجده واستنبطه وإلا فهي أزيد مما ذكر إذ منها التميز بالنسب واللقب والكنية
والصنعة ومطلق الوصف والمكان والزمان.
والثلاثة الأول علمت في الفصل الأول فإن عمدة التميز فيه ببعضها أو جميعها
والأربعة الأخيرة قد تجامع الثلاثة فتقدمت إذ من الألقاب ما يكون صنعة كالخياط
والحناط والعطار والصيرفي والحداد والحذاء والزراد والسراد فإنهما بمعنى
صانع الدرع.

95
ومنها ما يكون صفة كالأحول والأرقط والأشل والأفرق والأصم والضرير
ونحو ذلك.
ومنها ما يدل على المكان كالبرقي والبزوفري والجاموراني والحلبي والحلواني
والرواندي والرازي وغير ذلك
وأما الزمان فمستفاد من النسب بالتوالد لغلبة الملاقاة والاجتماع حتى في حال
الرواية بل يستفاد اتحاد العشيرة أو القبيلة من جملة من الألقاب كالكاهلي والكناني
والمازني والمخزومي والنجاشي والنخعي والنوبختي إلى غير ذلك وأكثر هذه
المميزات كما تميز من ذكرت في حقه عمن لم تذكر فيه كذا تميز بعض من لم تذكر
في حقه عن مثله.
مثلا إذا روى بعض المشاركين في الاسم عن بعض أهل الصنائع وعرفنا في
أحوالهم أن خصوص أحدهم كان له صنعة التي للمروي عنه وإن لم يطلق المشتق منها
عليه وكان المفروض اتحاد المكان والزمان يحصل لنا ظن بأن هذا هو الراوي عنه
ويتقوى هذا الظن بكون الرواية فيم يتعلق بالصنعة المزبورة.
(و) يظهر هذا بملاحظة نقل الفتيا وآداب الصنعة وما يتعلق بها من بعض الناس
لبعض.
وأما إفادة اتحاد المكان والزمان والعشيرة لظن التميز فمن الواضحات من غير
حاجة إلى مقايسة الرواة بنقلة الفتيا والأحكام العرفية والقصص والأخبار.
وكيف كان فمن المميزات اتحاد العشيرة أو القبيلة وقد مر
ومنها التلمذ بل مطلق كثرة المصاحبة بل ربما يكون ظن التميز فيهما أقوى مما
مر لاشتمالهما على اتحاد المكان والزمان وزيادة
ومنها كون الراوي أو مع المروى عنه من أهل علم كالكلام مثلا والرواية فيه أو
في مشكلاته.
ومنها كونه أو مع المروى عنه من خواصهم وكثيري المعرفة بحقهم عليهم السلام والرواية

96
فيما لا يتحملها غير أمثالهم.
ومنها: أن يقال في حق بعضهم إنه كثير الرواية خصوصا إذا انضم إليه القول في حق
الآخرين بقلتها وفرض الاشتراك في كثير من الروايات.
ومنها: أن يقال في حقه إنه روى خطب الأمير عليه السلام أو قضاياه أو خطب النكاح مثلا
وكانت الرواية فيها.
ومنها: كون الرواية موصولة إلى الأمير عليه السلام أو النبي صلى الله عليه وآله وكان بعضهم من العامة،
كالسكوني والنوفلي.
ومنها كون الراوي المشترك مرجعا لأهل بلد أو قرية والراوي عنه أو جميع
السلسلة منهم.
ومنها كونه من جباة الصدقات والزكوات والرواية في كيفيتها.
ومنها: كون بعضهم جمالا أو مكاريا أو ملاحا وبالجملة كثير السفر والرواية في
آدابه وأحكامه بالنسبة إلى الصلاة والصوم وغيرهما خصوصا إذا فرض كون أكثر
روايات الاشتراك من هذا القبيل.
ولا يتوهم دخول هذا في التميز بالصنعة لان الملحوظ فيه اتحاد الراوي والمروي
عنه فيها وإنما ذكرنا كون الرواية في أحكامها لتقوية الظن بالتميز بها والملحوظ
مجرد كون الرواية فيما يختص به بعض أهل الاشتراك.
ومنها: اختصاص بعضهم برواية كتاب خاص من أصل أو نوادر وكانت الرواية منه.
ومنها التميز بالراوي المعلوم عن المشترك كما إذا وجدنا روايته عنه في مقامات
أو قيل في حق المعلوم إنه يروى عن هذا المشترك أو في حق المشترك إنه يروى
عنه هذا المعلوم.
وقد صنف الأمين الكاظمي رحمه الله في هذا الباب كتابا سماه ب‍ هداية المحدثين إلى طريقة
المحمدين وهو الذي نقل عنه بالمعنى في كتاب منتهى المقال بعنوان المشتركات

97
المرموزة ب‍ " مشكا "، وهو كتاب جيد جدا لم يصنف مثله في هذا المعنى لم يدع فيه
مشتركا إلا بين أنه ممن يروى عنه.
ومنها: التميز بالمروي عنه عكس ما ذكر.
ومنها لو علمنا من الخارج أو من تصريح أهل الرجال أو بعضهم أن بعض
المشتركين كان يميل إلى معلوم ويمدحه بل كان ممن يعتقد بعلمه أو بورعه
ولم يكن شئ من ذلك بين هذا المعلوم وغير هذا البعض من المشتركين والموجود
في السند المشترك رواية المشترك عنه.
ومنها لو علمنا بما ذكر أن جميع المشتركين عدا واحد منهم كانوا لا يرون فلانا شيئا
ولا يعتقدون به بل كانوا يرمونه بنحو الفسق وفساد العقيدة وكان هو المروى عنه في
السند المشترك فيظن أن الراوي عنه المشترك هو المستثنى من الجماعة كما يظن في
سابقه أن الراوي هو البعض المعتقد به ويقوى الظن باجتماع الأمرين بأن يقال في
حق المستثنى في الأخير ما ذكر في سابقه.
ومنها كون معلوم حاضرا في بلد المعصوم عليه السلام أو في بلد العلماء والرواة وبينه
وبين أحد المشتركين مراسلات ومكاتبات في حوائجهم من أمر دنياهم ودينهم،
وكان يتفق الملاقاة بينهما بنزول أحدهما في منزل الآخر أو غيره في مدة مرة أو مرات،
ولم يكن هذا بينه وبين غيره من المشتركين وكان المروري عنه في السند المشترك هو
المعلوم المذكور.
ومنها: كون أحد المشتركين أشهر وأظهر في انصراف إطلاق اللفظ المشترك إليه
سواء كان اسما - كانصراف أحمد بن محمد إلى الأشعري القمي دون أحمد
بن محمد بن خالد البرقي وغيره أو كنية - كانصراف أبي بصير إلى ليث البختري
المرادي دون يحيى بن القاسم الأسدي وغيره - أو لقبا كانصراف البزنطي إلى أحمد بن
محمد بن أبي نصر دون القاسم بن الحسين وانصراف الصفار إلى محمد بن الحسن
ابن فروخ دون غيره إلى غير ذلك.

98
والانصراف المذكور إنما ينفع حيث كان الموجود في السند اللفظ المنصرف دون
غيره والوجه واضح.
ثم إن هذا الانصراف قد يكون بالنسبة إلى جميع المشتركين وقد يكون بالنسبة
إلى بعضهم والأخير لا ينفع إلا في التميز في الجملة عن البعض المزبور خصوصا
حيث كان في ثالث أشهر منهما معا فإنه ينصرف إليه.
وهذا كما ذكر في النقد (1) في الحلبي المشترك بين محمد بن علي بن أبي شعبة
وإخوته عبيد الله وعمران وعبد الأعلى وأبيهم وأحمد بن عرم بن أبي شعبة وأبيه عمر
وأحمد بن عمران انه في الأول ثم الثاني أشهر وإن تأمل في الترتيب في التعليقة.
فعلى فرضه لو كانت قرينة على عدم إرادة الأول عينا الثاني بالانصراف المزبور
وبالجملة فأسباب التميز كثيرة يقوى المتأمل على إخراجها والتميز بها وإنما
أشرنا إلى هذه الجملة ليتقوى ذهن الناظر على تخريجهما بالتفطن إلى شعبها والضابط
ما عرفت.
ثم إنه قد يوجد في بعض الموارد واحد من أسباب التميز دون غيره وقد تتعدد
ترجيح على البعض؟ وهل يرجح بالكثرة في جانب أم لا؟
الأظهر انه لا ضابط لأحد الوجهين ولا دليل عليه بل الوجه أن المدار على قوة
الظن فقد تكون في واحد أقوى منها في متعدد بل قد تكون في واحد في خصوص
مورد ولا تكون فيه في غيره.



(1) نقد الرجال ص 322 الرقم 526 وص 27، الرقم 150.
99
وهذا مع ضبطه بما عرفت هو المستفاد من دليل الاكتفاء بما في الكتب الرجالية
وهو اقتضاء قاعدة الانسداد لاعتبار الظن الحاصل منها وعليه فلو لم يحصل ظن منها
أصلا أو في مقام اختلاف المميزات فالوجه التوقف عن التميز حينئذ والبناء على
الضعف بالاشتراك إذا كان بين ممدوح ومقدوح كما هو مفروض البحث
نعم من اختار بقاعدة الانسداد اعتبار الظن النوعي أي ما هو من أسبابه مطلقا أو
عند فقد الظن الشخصي - فله التميز حينئذ بأحد الأسباب عند التعارض بما هو أقواها
في نظره.

100
الفصل الثالث
في جملة من التميز (ات)
الصادرة من بعض علماء الرجال في الاشتراك اللفظي أو الخطى أو الكتبي وبيان
عدة الكليني رحمه الله واصطلاحات صاحبي البحار والوافي رحمه الله فهنا أبحاث:
البحث الأول: (في الاشتراك اللفظي)
حكى في منتهى المقال (1) تميز أبي بصير عن المولى عناية الله (2) بجملة
من الرواة يأتي في مقامه وحكى عنه أنه قال:
" كل رواية يرويها ابن مسكان عن محمد الحلبي فالظاهر أنه عبد الله كما يظهر من
ترجمته عن النجاشي (3) وكل ما يرويه محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى
فالأول ابن أبي الخطاب والثاني الخراز كما يفهم من ترجمته غياث بن إبراهيم عن
الفهرست " (4).
قال: " ثم قال ناقلا عن أستاذه مولانا عبد الله التستري طاب ثراه إذا ورد عليك
موسى بن القاسم عن علي عنهما عن ابن مسكان فالظاهر أن عليا هذا هو علي بن



(1) منتهى المقال ج 1، ص 29.
(2) مجمع الرجال ج 7 ص 203.
(3) رجال النجاشي ص 214، الرقم 559.
(4) الفهرست ص 123، الرقم 559.
101
الحسن الطاطري الجرمي والمراد من ضمير " عنهما " محمد بن أبي حمزة ودرست
وربما ذكر عوض على الجرمي وقد صرح بما يفهم منه ما ذكره الشيخ رحمه الله في عدة
أخبار في مسائل كفارات الصيد من التهذيب " (1) (2).
قال صاحب منتهى المقال: " أقول: كذا قال في النقد أيضا في ترجمة علي بن الحسن
الطاطري (3) ونقله أيضا الأستاذ العلامة عن جده (4) أعلى الله مقامه.
وقال الفاضل المذكور نقالا عن أستاذه المزبور: " في بعض الأخبار (5) أحمد بن محمد
عن العباس بن موسى الوراق وبعضها عنه عن العباس بن معروف فالمطلق مشترك
وإذا روى محمد بن علي بن محبوب عن العباس وكذا أحمد بن محمد بن يحيى
عنه فهو عباس بن معروف صرح به في بعض (6) الأخبار.
وإذا روى فضالة عن أبان فأبان هذا هو ابن عثمان صرح به الشيخ في زيادات
الجزء الأول من التهذيب (7).
وإذا روى عن ابن سنان فهو عبد الله وهو مصرح به في بعض (8) الأحاديث.
وإذا روى عن حسين فهو حسين بن عثمان صرح به في بعض (9) الأخبار " (10).
انتهى ما نقله الفاضل المزبور عن أستاذه المذكور.
وقال العلامة رحمه الله في فوائد الخلاصة: " ذكر الشيخ وغيره في كثير من الأخبار سعد بن
عبد الله بن أبي جعفر والمراد بأبي جعفر هذا هو أحمد بن محمد بن عيسى " (11)



(1) تهذيب الأحكام ج 5 ص 308 ح 153.
(2) منتهى المقال ج 1 ص 30 و 31.
(3) نقد الرجال ص 231.
(4) روضة المتقين ج 14، ص 395.
(5) كما في الكافي ج 6 ص 480 وتهذيب الأحكام ج 2، ص 68، ح 248.
(6 و 7) تهذيب الأحكام ج ص 460، ح 1599.
(8) تهذيب الأحكام ج 5 ص 453، ح 1585.
(9) تهذيب الأحكام ج 1 ص 848، ح 421.
(10) مجمع الرجال ج 7، ص 202.
(11) خلاصة الأقوال ص 271، الفائدة 2.
102
قال: " أقول: وقال نحو ذلك ابن داود في خاتمة كتابه (1) واستشكل ذلك المحقق
الداماد لأن في الكافي (2) في باب مولد الصادق عليه السلام سعد بن عبد الله عن أبي جعفر محمد
بن عمرو بن سعيد " (3)
قال في دفع الإشكال: " ولا يخفى أن المراد بكون أبى جعفر أحمد عند الإطلاق
لا مطلقا والرواية أيضا تشهد بذلك ويفهم من كلام الفاضل عبد النبي تسليم ذلك في
كلام الشيخ دون الكافي استنادا إلى الرواية المذكورة فتأمل.
وقال الفاضل عبد النبي أيضا: إذا وردت رواية عن ابن سنان فإن كان المروى عنه
الصادق عليه السلام فالمراد به عبد الله لا محمد وإن كانا أخوين على ما في رجال الشيخ لما
يشهد به التتبع لأسانيد الأحاديث أن كل موضع صرح به بمحمد فهو إنما يروى عن
الصادق عليه السلام بواسطة.
وذكر الشيخ في الرجال جماعة لم يرووا عن الصادق عليه السلام إلا بواسطة وعد منهم
محمد بن سنان.
ويؤيد هذا أن محمدا مات سنة مائتين وعشرين على ما ذكره النجاشي (4) وكانت
وفاة الصادق عليه السلام على ما ذكره الشيخ (5) رحمه الله - سنة ثمان وأربعين ومائة ومن
المعلوم أن لا بد من زمان قبل وفاة الإمام عليه السلام يسع نقل هذه الأحاديث المتفرقة وأن
يكون صالحا للتحمل كالبلوغ وما قاربه وحينئذ يكون من المعمرين في السن وقد
نقلوا كمية عمر من هو أقل منه سنا.
ويشكل الحال فيما إذا وقع في أثناء السند لاشتراكه بينهما. (6)
ولا يبعد ترجيح كونه عبد الله إذا كان الراوي عنه فضالة بن أيوب أو النضر بن سويد



(1) رجال ابن داود ص 307، الرقم 7.
(2) الكافي ج 1 ص 396، ح 8.
(3) منتهى المقال ج 1 ص 32.
(4) رجال النجاشي ص 328 الرقم 888.
(5) تهذيب الأحكام ج 6، ص 25 باب نسبة أبى عبد الله عليه السلام.
(6) أي بين الثقة والضعيف.
103
وكونه محمدا إذا كان الراوي عنه الحسين بن سعيد أو أحمد بن محمد بن عيسى ولذا
ضعف المحقق (1) رحمه الله سندا فيه الحسين بن سعيد عن ابن سنان معللا بأنه محمد.
واحتمال الشهيد كونه عبد الله (2) بعيد وربما كان منشؤه ما يوجد في كتاب الصلاة
من رواية الشيخ عن الحسين بن سعيد عن عبد الله بن سنان. (3)
والتتبع والاعتبار يحكمان بأنه من الأغلاط التي وقعت في كتابي الشيخ.
نعم يقع الاشكال في الرجال الذين رووا عنهما كيونس بن عبد الرحمن. انتهى (4)
ملخصا " (5).
قال: " أقول: ما ذكره رحمه الله لا غبار عليه مضافا إلى أنه يلزم من درك محمد الصادق عليه السلام
دركه أربعة من الأئمة عليهم السلام فإنه أدرك الجواد عليه السلام كما يأتي وقد نبهوا على من أدرك ثلاثة
منهم كابن أبى عمير فمن أدرك أربعة كان أولى بالتنبيه عليه بل يظهر من خبر الكافي (6)
في باب مولد الجواد عليه السلام دركه الهادي عليه السلام فيكون حينئذ قد أدرك خمسة منهم عليهم السلام فتدبر.
إلا أن ما مر من كون عبد الله ومحمد أخوين لم أعثر عليه في غير هذا الموضع،
وربما يوهمه كلام بعض (7) أجلاء العصر أيضا ولا أعرف له وجها أصلا سوى تسمية
أبويهما بسنان وهو مع أنه لا يقتضيه سيأتي في محمد - إن شاء الله تعالى - أن اسم
أبيه الحسن وسنان جده مات أبوه فكفله جده فنسب إليه.
وربما يوهمه قول الشيخ رحمه الله في رجاله: محمد بن سنان بن ظريف الهاشمي وأخوه
عبد الله. (8)



(1) المعتبر ج 1 ص 101 في الأسئار.
(2) انظر منتقى الجمان ج 1 ص 26، الفائدة 6.
(3) تهذيب الأحكام ج 2 ص 131، ح 272.
(4) أي كلام صاحب " الحاوي " انظر: " حاوي الأقوال " ج 4 ص 443 و 444.
(5) منتهى المقال ج 1 ص 32 - 34.
(6) الكافي ج 1، ص 415، ح 9. (7) هو السيد البهى والمولى الصفي السيد محسن البغدادي الساكن في الغري (منه رحمه الله).
(8) رجال الطوسي ص 288 الرقم 129.
104
ولا يخفى أن هذا رجل مجهول لا ذكر له أصلا ولا يعرف مطلقا.
نعم هو أخو عبد الله وليس بمحمد بن سنان المشهور وذلك ليس من أصحاب
الصادق عليه السلام ولم يرو عنه إلا بواسطة كما اعترف رحمه الله به ونقله عن الشيخ رحمه الله.
ولذا جعل الميرزا (1) ومولانا عناية الله رحمه الله لمحمد بن سنان بن ظريف أخي عبد الله
عنوانا على حده وذكراه اسما برأسه ولم يزيدا في ترجمته على ما ذكره الشيخ رحمه الله في
رجاله.
وأيضا عبد الله مولى بنى هاشم كما يأتي - ومحمد مولى عمرو بن الحمق الخزاعي
وبين النسبتين بون بعيد فتأمل جدا.
وقال الفاضل (2) المذكور: إذا وردت رواية سعد بن عبد الله عن جميل أو عن حماد
بن عيسى (3) فالظاهر الإرسال لأن المعهود رواية سعد عن حماد بواسطة وقد تتعدد
وجميل من طبقة حماد.
وإذا روى سعد بن عبد الله عن العباس فالظاهر أن المراد به ابن معروف كما يظهر
من بعض (4) الأخبار وكذا إذا روى محمد بن علي بن محبوب عن العباس.
وإذا وردت رواية عن ابن مسكان فالمراد به عبد الله بلا شك إذ لم يوجد ذكره
لغيره في طريق الأحاديث وكلام ابن إدريس (6) وهم.
أقول صرح بذلك أيضا الأستاذ العلامة في بعض فوائده (7) وقبله شيخنا الشيخ



(1) منهج المقال ص 300.
(2) أي العلامة الجزائري صاحب " حاوي الأقوال "
(3) كما في تهذيب الأحكام ج 1 ص 123 ح 21.
(4) تهذيب الأحكام ج 1 ص 46 ح 71.
(5) قوله: وإذا روى العلاء " قلت: ذكره البهائي رحمه الله فيما حكاه عنه في " المجمع " وحكى عنه أيضا أنه قال: إذا وقع الحسين
بن سعيد عن حماد مطلقا فإنه ابن عيسى الثقة. (منه رحمه الله).
(7) خلاصة الأقوال ص 278 (الفائدة 8).
105
سليمان الماحوزي (1) وأما كلام ابن إدريس فهو ما ذكره في آخر السرائر (2) من أن اسم
ابن مسكان حسن وهو ابن أخي جابر الجعفي غريق في ولايته لأهل البيت عليهم السلام
انتهى.
وما ذكره غريب وحسن بن مسكان غير معروف ولا مذكور نعم حسين بن
مسكان موجود لكن لا بهذا الوصف والثناء وكيف كان لا ينبغي الارتياب في
انصراف الإطلاق إلى عبد الله مطلقا.
وقال الفاضل المذكور: إذا وردت رواية عن محمد بن قيس فهو مشترك بين
أربعة ثقتين وممدوح وضعيف. (3)
وقال الشهيد الثاني رحمه الله: الأمر في الاحتجاج بالخبر حيث يطلق فيه هذا الاسم
مشكل والمشهور بين أصحابنا رد روايته حيث يطلق مطلقا نظرا إلى احتمال كونه
الضعيف. (4)
والتحقيق في ذلك: أن الرواية إذا كانت عن الباقر عليه السلام فهي مردودة لاشتراكه حينئذ
بين الثلاثة الذين أحدهم الضعيف واحتمال كونه الرابع حيث لم يذكروا طبقته.
وإن كانت الرواية عن الصادق عليه السلام فالضعف منتف هنا لأن الضعيف لم يرو عنه.
لكن يحتمل كونها من الصحيح ومن الحسن فتنبه لذلك فإنه مما غفل
عنه الجميع.
هذا حاصل كلامه (5) رحمه الله.
وهو غير واضح بل الذي ينبغي تحقيقه أنه إن روى عن الباقر عليه السلام فالظاهر أنه ثقة
إن كان الراوي عنه عاصم بن حميد أو يوسف بن عقيل أو عبيد ابنه لأن النجاشي (6) ذكر



(1) بلغه المحدثين ص 444 (قسم القاف) قال " ابن مسكان في الغالب يقال لعبد الله ".
(2) السرائر ج 3 ص 604.
(3) حاوي الأقوال ج 4 ص 444.
(4) الرعاية ص 372.
(5) ضمير كلامه راجع إلى الشهيد فلا يختلط عليك (منه عفي عنه).
(6) رجال النجاشي ص 323، الرقم 881.
106
أن هؤلاء يروون عنه كتابا بل لا يبعد كونه الثقة إذا روى عن الباقر عن علي عليهما السلام لأن كلا
من البجلي والأسدي ضعف كتاب القضايا لأمير المؤمنين عليه السلام كما ذكره النجاشي (1) ومع
انتفاء هذه القرائن فإذا روى عن الباقر عليه السلام فهو مردود لما ذكره.
وأما المروى عن الصادق عليه السلام فيحتمل كونه من الصحيح ومن الحسن. انتهى
أقول: ما ذكره رحمه الله لا يخلو عن قوة إلا أن كون المروى عن الصادق عليه السلام محتملا
للصحيح والحسن فقط لعله غير حسن لأن فيمن روى عنه عليه السلام من الموصوفين بهذا
الوصف من هو مجهول فتأمل
وقال الفاضل المذكور: إذا وردت رواية عن أحمد بن محمد فإن كان في كلام
الشيخ رحمه الله في أول السند أو ما قاربه فهو ابن الوليد وإن كان في آخره عن الرضا عليه السلام فهو
البزنطي وإن كان في الوسط فيحتمل كونه ابن محمد بن عيسى وغيره ويعرف
بالممارسة في أحوال الطبقات.
وإذا وردت عن محمد بن يحيى فإن كان في كلام الكليني بغير واسطة فهو
العطار وإن روى عن الصادق عليه السلام فيحتمل كونه محمد بن يحيى الخزاز الثقة أو
الخثعمي وهو أيضا ثقة إلا أن الشيخ قال إنه عامي (2)
وإذا روى أبو بصير عن الصادق أو الباقر عليه السلام في السند فإن كان الراوي عنه
علي بن أبي حمزة أو شعيب العقرقوفي فهو الأعمى الضعيف وإلا فمشترك بينه
وبين ليث المرادي واحتمال غيرهما بعيد لعدم وروده في الأخبار. (3) انتهى.
وقال ابن داود في أواخر رجاله (4) إذا وردت رواية عن محمد بن يعقوب عن محمد
ابن إسماعيل بلا واسطة ففي صحتهما قول لان في لقائه له إشكالا فتقف الرواية
بجهالة الواسطة بينهما وإن كانا مرضيين معظمين.



(1) رجال النجاشي ص 322 الرقم 880 و 881.
(2) الاستبصار ج 2 ص 305 ح 1091.
(3) حاوي الأقوال ج 4، ص 446.
(4) رجال ابن داود ص 306، الرقم 1.
107
وكذا ما يأتي عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة.
أقول (1) أما توقفه في صحة الرواية التي يرويها محمد بن يعقوب عن محمد بن
إسماعيل فلزعمه أن محمد بن إسماعيل هذا هو ابن بزيع وتبعه في ذلك غير واحد
ممن تأخر عنه وهو فاسد بل هو بندفر كما يأتي (2) في ترجمته.
وأما في رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة فالأصل فيه نصر بن الصباح.
وأما أحمد بن محمد بن عيسى فإن كان قد سبقه في ذلك إلا أنه تاب ورجع عنه (3)
وكيف كان فالظاهر أن منشأ التوقف عدم درك الحسن عليا كما يظهر من تاريخ
ولادة الأول ووفاة الثاني لكن بعد الإقرار بوثاقة الرجل وعده من الأركان الأربعة في
زمانه لا ينبغي الإسراع إلى اتهامه بل يجب أن نحمل ذلك على أحسن محمل وهو
أخذ الحسن الرواية من كتاب على ومثله غير عزيز بل هو أكثر كثير.
ولا ينبغي الحمل على الإرسال إذ لا يخلو من نوع تدليس وتغرير.
وحقق الأستاذ العلامة (4) دام علاه - في غير موضع وتأتي الإشارة إليه في
ترجمته " (5). انتهى ما في منتهى المقال.
وذكر الشهيد الثاني رحمه الله في الدراية في القسم المسمى بالمتفق والمفترق من أقسام
الحديث - جملة ممن اشترك في الاسم.
ففي أحمد بن محمد ما مر في كلام الفاضل عبد النبي إلا أنه قال: " وإن كان في
الوسط فالأغلب أن يريد أحمد بن محمد بن عيسى وقد يراد غيره، ويحتاج في ذلك
إلى فضل قوة وتميز واطلاع على الرجال ومراتبهم ولكنه مع الجهل لا يضر لأن
جميعهم ثقات " (6).



(1) الكلام لا زال لصاحب " منتهى المقال ".
(2) منتهى المقال ج 5، ص 358.
(3) رجال الكشي، ص 512، الرقم 989.
(4) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 108.
(5) منتهى المقال ج 1 ص 34 - 42.
(6) الرعاية ص 370 و 371.
108
وذكر في محمد بن يحيى (1) نحو ما مر عن الفاضل المذكور.
وفى محمد بن قيس ما حكاه عنه وفيها قبل التحقيق: " لكن الشيخ أبا جعفر
الطوسي كثيرا ما يعمل بالرواية من غير الثقات إلى ذلك وهو سهل على ما علم من
حاله وقد يوافقه على بعض الروايات بعض الأصحاب بزعم الشهرة " (2).
قلت: واختلاف آخر هو أنه جعل أحد الاحتمالين الأخيرين وهو كونها من
الصحيح ظاهرا والاحتمال الآخر بعيدا.
وذكر من ذلك - زائدا على ما مر - محمد بن سليمان قائلا: " فإنه أيضا مشترك بين
محمد بن سليمان بن الحسن الجهم الثقة، ومحمد بن سليمان الأصفهاني وهو ثقة
أيضا ومحمد بن سليمان الديلمي وهو ضعيف جدا.
لكن الأول متأخر عن عهد الأئمة عليهم السلام والثاني روى عن الصادق عليه السلام فيتميزان
بذلك والثالث لم أقف على تقرير طبقته فترد الرواية عند الإطلاق لذلك " (3) انتهى
البحث الثاني: في الاشتراك الخطى والكتبي دون اللفظي أعنى مع قطع النظر عن
العجمة والإعراب.
قال الشهيد الثاني رحمه الله في الدراية في القسم المؤتلف والمختلف من أقسام الحديث:
" إن معرفته من مهمات هذا الفن حتى أن أشد التصحيف ما يقع في الأسماء لأنه شئ
لا يدخله القياس ولا قبله يدل عليه ولا بعده بخلاف التصحيف الواقع في
المتن " (4)
قال: " وهذا النوع منتشر جدا لا يضبط تفصيلا إلا بالحفظ مثاله: جرير (5) وحريز،



(1) الرعاية ص 371.
(2) الرعاية ص 372.
(3) الرعاية ص 373 و 374.
(4) الرعاية ص 375 و 376.
(5) كتابة الراء المهملة بالهمزة والزاي المعجمة بالياء طريقة الأدباء فلاحظ وقد نص عليه آخر " عوائد العوائد " للفاضل
النراقي. (منه وفقه الله) انظر عوائد الأيام، ص 851.
109
الأول بالجيم والراء والثاني بالحاء والزاي فالأول جرير بن عبد الله البجلي صحابي
والثاني: حريز بن عبد الله السجستاني يروى عن الصادق (ع) فاسم أبيهما واحد
واسمهما مؤتلف والمائز بينهما الطبقة كما ذكرناه.
ومثل بريد ويزيد الأول: بالباء والراء والثاني بالياء المثناة من تحت والزاي.
وكل منهما يطلق على جماعة والمائز قد يكون من جهة الآباء فإن بريد - بالباء
الموحدة - ابن معاوية العجلي وهو يروي عن الباقر والصادق عليهما السلام وأكثر الإطلاقات
محمولة عليه.
وبريد - أيضا بالباء - الأسلمي صحابي فيتميز عن الأول بالطبقة.
وأما يزيد بالمثناة من تحت: فمنه يزيد بن إسحاق (شعر) (1) وما رأيته مطلقا بالأب
واللقب مميزان.
ويزيد أبو خالد القماط يتميز بالكنية وإن شارك الأول في الرواية عن الصادق عليه السلام
وهؤلاء كلهم ثقات وليس لنا بريد بالموحدة في باب الضعفاء.
ولنا يزيد متعدد ولكن يتميز بالطبقة والأب وغيرهما مثل يزيد بن خليفة ويزيد
بن سليط وكلاهما من أصحاب الكاظم عليه السلام.
ومثل بنان وبيان الأول بالنون بعد الباء والثاني بالياء المثناة بعدها فالأول غير
منسوب ولكنه بضم الباء ضعيف لعنه الصادق عليه السلام والثاني بفتحها - الجزري كان
خيرا فاضلا فمع الاشتباه نوقف الرواية.
ومثل حنان وحيان الأول بالنون والثاني بالياء فالأول حنان بن سدير من
أصحاب الكاظم عليه السلام واقفي والثاني: حيان السراج كيساني غير منسوب إلى أب.
وحيان العنزي روى عن أبي عبد الله عليه السلام ثقة.
ومثل بشار ويسار بالباء الموحدة والشين المعجمة المشددة أو بالباء المثناة
من تحت والسين المهملة المخففة الأول بشار بن يسار الضبيعي أخو سعيد بن



(1) ساقطة من الأصل أثبتناها من المصدر.
110
يسار والثاني أبوهما.
ومثل خثيم وخيثم كلاهما بالخاء المعجمة إلا أن أحدهما بضمها وتقديم
الثاء المثلثة ثم الياء المثناة من تحت والآخر بفتحها ثم المثناة ثم المثلثة فالأول
أبو الربيع بن خثيم أحد الزهاد الثمانية والثاني أبو سعيد بن خثيم الهلالي التابعي
وهو ضعيف.
ومثل أحمد بن ميثم بالياء المثناة ثم الثاء المثلثة أو التاء المثناء، الأول: ابن الفضل
ابن دكين والثاني مطلق ذكره العلامة في الإيضاح (1) وأمثال ذلك كثيرة.
وقد يحصل الائتلاف والاختلاف في النسبة والصنعة وغيرهما كالهمداني
والهمذاني الأول بسكون الميم والدال المهملة نسبة إلى همدان قبيلة والثاني بفتح
الميم والذال المعجمة اسم بلد.
فمن الأول محمد بن الحسين بن أبى الخطاب ومحمد بن الأصبغ وسندي بن
عيسى ومحفوظ بن نصر وخلق كثير بل هم أكثر المنسوبين من الرواة إلى هذا
الاسم لأنها قبيلة صالحة مختصة بنا من عهد أمير المؤمنين عليه السلام ومنها (2) الحارث
الهمداني صاحبه.
ومن الثاني محمد بن علي الهمذاني ومحمد بن موسى ومحمد بن علي بن إبراهيم
وكيل الناحية وابنه القاسم وأبوه على وجده إبراهيم وإبراهيم بن محمد وعلي بن
مسيب وعلي بن الحسين الهمذاني كلهم بالذال المعجمة.
ومثل الخراز والخزاز الأول براء مهملة وزاي. والثاني بزاءين معجمتين.
فالأول لجماعة منهم إبراهيم بن عيسى أبو أيوب وإبراهيم بن زياد على ما ذكره
ابن داود. (3)
ومن الثاني محمد بن يحيى ومحمد بن الوليد وعلي بن فضيل وإبراهيم بن سليمان



(1) ايضاح الاشتباه ص 105 الرقم 70.
(2) أي: من تلك القبيلة.
(3) رجال ابن داود ص 31، الرقم 19.
111
وأحمد بن النضر وعمرو بن عثمان وعبد الكريم بن هلال الجعفي.
ومثل الحناط والخياط الأول بالحاء المهملة والنون والثاني بالمعجمة والياء
المثناة من تحت.
والأول يطلق على جماعة منهم: أبو ولاد الثقة الجليل ومحمد بن مروان والحسن
ابن عطية وعمرو بن خالد.
ومن الثاني علي بن أبي صالح بزرج بالباء الموحدة المضمومة والزاي المضمومة
والراء الساكنة والجيم على ما ذكره بعضهم والأصح انه بالحاء والنون كالأول " (1) انتهى.
قلت: وإنما نقلناه بطوله لاشتماله على كثير من أنواع الاشتراك الخطى
وأمثلتها ومع ذلك فهو أنموذج هذا الباب والغرض الإشارة إلى طريق الخلل حتى
يتحفظ بمعرفته عن الخطأ والزلل والله العالم.
البحث الثالث (في عدة الكليني)
حكى العلامة في الخلاصة أن الكليني رحمه الله قال: " كلما أقول في كتابي الكافي: عدة من
أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى فالمراد بهم محمد بن يحيى العطار وعلي بن
موسى الكمنداني وداود بن كورة وأحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم بن هاشم ". (2)
قال: " وكلما قلت في كتابي المشار إليه: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محد بن
خالد فهم علي بن إبراهيم بن هاشم وعلي بن محمد بن عبد الله بن أذينة وأحمد بن
عبد الله بن أمية وعلي بن الحسن وكلما ذكرت في كتابي: عدة من أصحابنا عن سهل
ابن زياد فهم علي بن محمد بن علان ومحمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن
ومحمد بن عقيل الكليني " (3). انتهى.
قلت: هذا هو الذي تعرضوا لحكايته، ويستفاد منه انحصار من يروى عنه بواسطة



(1) الرعاية ص 376 - 383.
(2) خلاصة الأقوال ص 271. " الفائدة الثالثة ".
(3) المصدر ص 272.
112
العدة في الثلاثة المذكورين كانحصار أشخاصها فيمن ذكر.
والذي يظهر خلاف ذلك إذ الموجود في الكافي روايته بواسطة العدة عن غير
الثلاثة المذكورين فمن ذلك جعفر بن محمد إذ في باب النهى عن الاسم من أصوله
" عدة من أصحابنا عن جعفر بن محمد عن ابن فضال " (1)
ومنه سعد بن عبد الله ففي باب الغيبة - وهو بعد الباب السابق -: " عدة من أصحابنا
عن سعد بن عبد الله عن أحمد " (2) وروى بعده بحديث: " عدة من أصحابنا عن سعد بن
عبد الله عن أيوب بن نوح ". (3)
ومنه الحسين بن الحسن بن يزيد ففي باب أنه ليس شئ من الحق في أيدي الناس
إلا ما خرج من عند الأئمة عليهم السلام: " عدة من أصحابنا عن الحسين بن الحسن بن يزيد " (4)
ومنه علي بن إبراهيم على ما حكى من ثلاث نسخ من الكافي في باب البطيخ من
كتاب الصيد والذبائح والأطعمة ففيه: " عدة من أصحابنا عن علي بن إبراهيم " (5) وليس
في بعض النسخ ذلك بل روايته عنه بلا واسطة كما هو المعهود المتكرر فيمكن أن
يكون من زيادات النساخ وإن كان بعيدا.
وقد وقفت على ذكر العدة في أواسط السند في باب من اضطر إلى الخمر للدواء من
كتاب الأشربة حيث قال: " علي بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد الله عن عدة
من أصحابنا " (6)
ولم أقف على تصريح من الكليني ولا من غيره على أشخاص ما ذكر من العدة
فيحتمل كونهم ما مر في إحدى الثلاث السابقة وأن يكونوا غيرهم أو مجتمعين منهم
ومن غيرهم فتقف الرواية مع عدم التعيين.



(1) الكافي ج 1 ص 333 ح 3.
(2) الكافي ج 1 ص 341، ح 23.
(3) الكافي ج 1، ص 341، ح 25.
(4) الكافي، ج 1، ص 400، ح 6.
(5) الكافي ج 6، ص 361، ح 1 و 3.
(6) الكافي، ج 1، ص 413 و 414، ح 9.
113
ولعله أمكن التعيين بتتبع أسانيد ما في الكافي أو أحوال الرجال خصوصا ما في
المشتركات ولعل الله تعالى يوفقنا عليه بعد ذلك.
وربما يستفاد مما ذكره الميرزا رحمه الله غيره في الاعتذار عن ضعف العدة عن سهل
بأن اتفاق الجماعة على الكذب بعيد جدا قبول الرواية في جميع ما توسط فيه العدة
مضافا إلى اعتماد الكليني رحمه الله عليهم خصوصا مع ما قدمنا الإشارة إليه من أن عدم
تعيين الراوي مع معلوميته للراوي عنه لا سيما إذا كان من أصحاب الكتب المعتبرة
خصوصا ما ذكر في أوله: " أنه يجمع ما هو الحجة بينه وبين ربه " (1) قرينة قوية على عدم
الافتقار في الاعتبار إلى معرفته ومعرفة أحواله بقرينة التزامهم لذكر الرواة مع حفظ
النسب واللقب ونحوهما.
ثم إن الكليني رحمه الله ربما يعبر في أول السند بلفظ جماعة وقد أكثر منه في كتاب
الصلاة عن أحمد بن محمد مطلقا أو مقيدا بابن عيسى بل قيل: إنه أكثر من أن يحصى
والظاهر أن المراد بها هو المراد من العدة فأشخاصها أشخاص العدة على ما مر
سواء كانت عن ابن عيسى أو البرقي أو سهل وإن كان الأكثر عن الأول ولو لحمل
الإطلاق عليه كما ذكر في محله ولعله لذا لم يبينهم لا هو ولا غيره فيما وصل إلينا.
وإنما اختلاف التعبير للتفنن فيه أو غير ذلك.
ثم إن في كل قسم من أقسام العدة المزبورة بعض كلام لبعضهم لا بأس بالتعرض
له ويتبعه التعرض لغير مورد الكلام مع حصول غرض اعتبار الروايات الكثيرة به
فنقول:
قد سمعت أن العدة عن أحمد بن محمد بن عيسى خمسة أشخاص: ثلاثة منهم
ثقات: وهم: محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس، وعلي بن إبراهيم واثنان
منهم لم نقف لهما على مدح ولا ذم وهما: علي بن موسى الكمنداني، وداود بن
كورة إلا أن الظاهر من إكثار الكليني الرواية عنهما في ضمن العدة وغيره يوجب



1 - الكافي، ج 1، ص 8 (خطبة الكتاب).
114
مدحهما، خصوصا وقد ذكر الشيخ في الفهرست 1 والرجال 2 في حق الثاني 3 أنه بوب
كتاب النوادر لأحمد بن محبوب ". وقال: " له كتاب الرحمة في الوضوء والصلاة والزكاة
والصوم والحج " 4 وصرح بعض بإفادة كونه ذا كتاب حسن وقد اعترف المولى
البهبهاني بإشارته إلى حسن ما بعد حكمه بأنه لا يخرجه عن الجهالة إلا عند بعض من
لا يعتد به. ولعلنا نفصل ذلك فيما يأتي.
وأما الكمنداني فالمستفاد مما حكى عن المجمع أنه لقب موسى.
وعن الخلاصة ضبطه بضم الكاف والميم وإسكان النون وفتح الذال المعجمة
منسوب إلى كمنذان، قرية من قرى قم على ما ذكره أيضا.
وأما العدة عن البرقي فأشخاصها أربعة كما سمعت:
أحدهم ثقة، وهو علي بن إبراهيم، وفيه الكفاية في صحة الرواية.
والثاني علي بن الحسن على ما وجد في نسخ الخلاصة، وهو بهذا العنوان مشترك
بين ثقات ومجاهيل، ولا شاهد على كون المعدود من العدة أحد ثقات أو المجاهيل،
بل الظاهر إباء طبقة الجميع عن طبقة العدة.
ومن هنا قال بعض أجلاء العصر: " لا يبعد أن يكون ذلك من تصرف النساخ، وأنه
علي بن الحسين مصغرا، يعنى علي بن الحسين السعد آبادي بالذال المعجمة على
ضبط العلامة، وهو الموافق لضابطة التزامهم بالتصرف في المعرب وخصوص قلب
الدال ذالا ".



1. الفهرست، ص 68، الرقم 272.
2. رجال الطوسي، ص 359، الرقم 9.
3. في الأصل: " الأول " بدل " الثاني " والصحيح ما أثبتناه.
4. رجال النجاشي، ص 158، الرقم 416.
5. مجمع الرجال، ج 6، ص 152.
115
قال: " لأن شيخ الطائفة ذكر في رجاله أن الكليني روى عنه، ولأنه روى عن أحمد
ابن محمد بن خالد، على ما يظهر مما ذكره شيخ الطائفة في الفهرست حيث قال - بعد
أن ذكر أسامي كتب البرقي -: أخبرنا بهذه الكتب كلها وبجميع رواياته عدة من أصحابنا
منهم: الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله
وأحمد بن عبدون وغيرهم عن أحمد بن محمد بن سليمان الزراري، قال: حدثني
مؤدبي علي بن الحسين السعدآباذي أبو الحسن القمي قال: حدثنا أحمد بن أبي
عبد الله، إلى آخر ما ذكره ".
قال: " ويظهر ذلك من طريق الصدوق إلى أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وكذا
من طريقه إلى إسحاق بن يزيد وإلى بزيع المؤذن وإلى الحسن بن زياد الصيقل وإلى
سليمان بن جعفر الجعفري والى سيف التمار والى سعيد النقاش والى عبد العظيم بن
عبد الله وعبد الله بن فضالة وفضيل بن يسار والفضل بن أبي قرة وعمرو بن شمر
ومحمد بن عبد الله بن مهران، وفى جميع ذلك روى عن علي بن الحسين
السعدآباذي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ".
فأما حال ابن الحسين فعن المجلسيين أنه من مشايخ الإجازة. عن أولهما في
شرحه على مشيخة الفقيه في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد، 1 وفى ترجمة فضيل
ابن يسار. 2 وعن ثانيهما في الوجيزة. 3
وفى المحكى عن رسالة أبى غالب في ذكر طريقه إلى كتاب الشعر من المحاسن:
" حدثني مؤدبي أبو الحسن علي بن الحسين " السعدآباذي به وبكتب المحاسن إجازة
عن أحمد بن أبي عبد الله عن رجاله. 4
ونص الشيخ في الرجال والفهرست على أنه كان معلم الزراري الذي ذكر في حاله:



1. روضة المتقين، ج 14، ص 43، قال: " لم يذكر فيه مدح ولا ذم، وكان من مشايخ الإجازة فلا تضر جهالته ".
2. روضة المتقين، ج 14، ص 226.
3. الوجيزة، ص 122، الرقم 1251. قال: " وابن الحسين السعدآبادي من مشايخ الإجازة ".
4. رسالة أبى غالب الزراري، ص 162، الرقم 14.
116
" أنه شيخ أصحابنا في عصره وأستاذهم وفقيههم، وصنف كتبا. ". 1 وفى رجاله: " انه
جليل القدر كثير الرواية ثقة ". 2
وذكر النجاشي: " أنه كان شيخ العصابة في زمنه ووجههم. ". 3
وبالجملة، فمن هذا شأنه يبعد جدا أن يكون معلمه ضعيفا خصوصا مع قوله:
" حدثني مؤدبي " فلو لم يفد ما ذكر وثاقة الرجل فلا أقل من حسنه.
مضافا إلى ما قيل من أنه كثير الرواية، كما يؤيده وجوده في كثير من طرق الصدوق.
بقى شخصان آخران من عدة البرقي: أحدهما: أحمد بن عبد الله بن أمية
وثانيهما: علي بن محمد بن عبد الله بن أذينة، ولم نجدهما في كتب الرجال.
نعم، حكى في منتهى المقال عن التعليقة ما هذا لفظه: " أحمد بن عبد الله بن أمية مر
في ترجمة أحمد بن عبد الله بن أحمد ما ينبغي أن يلاحظ ويأتي عند ذكر العدة.
والظاهر منه 4 كونه من مشايخه، والظاهر كونه من المعتمدين بل والثقات ". 5
قلت: ذكر في الترجمة المشار إليها - بعد استظهار وثاقته من تصحيح طريق هو فيه
وحكاية استظهارها عند الصدوق عن جده - ما هذا لفظه: " ويحتمل كونه ابن بنت
البرقي الذي يروى عنه بأن يكون عبد الله ابن بنته فنسب إلى جده، أو يكون والد عبد الله
هو محمد بن أبي القاسم، فلاحظ ترجمته.
ويؤيده تكنية محمد بأبي عبد الله، لكن كون محمد ابن بنته ربما يبعد روايته
عنه، فتأمل، أو يكون ابن بنت البرقي لقب أحمد، أو يكون عبد الله صهر البرقي، كما
نذكره في علي بن أبي القاسم، فلاحظ.
وفى المعراج: " وقد يعد من مشايخ الإجازات وغير بعيد، بل لا يبعد أن يكون



1. الفهرست، ص 40، الرقم 75.
2. رجال الطوسي، ص 443 (في من لم يرو عن الأئمة).
3. رجال النجاشي، ج 1، ص 220 الرقم 119.
4. الزيادة أثبتناها من المصدر.
5. منتهى المقال، ج 1، ص 276
117
عبد الله بن أمية الذي يروى عنه الكليني - وهو أحد العدة التي يروى عن أحمد بن
محمد بن خالد بواسطتها - هو هذا الرجل، وأمية تصحيف ابنته ليوافق ما في
ترجمة البرقي وغيرها أن الراوي عنه أحمد ابن بنته، والى هذا مال المحقق الشيخ
محمد 1. انتهى.
قلت: المستفاد من النجاشي في ترجمة محمد بن أبى القاسم وترجمة ابنه بعنوان على
ابن أبى القاسم: أن صهر البرقي محمد بن أبى القاسم وان علي بن محمد المذكور ابن بنته.
قال في المحكى عنه في الولد: " علي بن أبي القاسم عبد الله بن عمران البرقي،
المعروف أبوه بماجيلويه، يكنى أبا الحسن، ثقة فاضل فقيه أديب، رأى أحمد بن
محمد بن البرقي وتأدب عليه، وهو ابن بنته، صنف كتبا " 2 وفى الوالد: " محمد بن أبي
القاسم عبيد الله بالياء بن عمران الحبابي 3 البرقي أبو عبد الله الملقب ماجيلويه.
وأبو القاسم يلقب " بندار " سيد من أصحابنا القميين، ثقة عالم فقيه عارف بالأدب
والشعر والغريب وهو صهر أحمد بن أبي عبد الله البرقي على ابنته وابنه علي بن
محمد منها، وكان أخذ عنه العلم والأدب ". 4 انتهى.
وقريب منه ما عن الخلاصة، وفيها بعد عبيد الله: " وقيل: عبد الله ". 5
قلت: هو الموافق لما في ترجمة الولد بناء على كون عبد الله فيها وفى ترجمة
الوالد أو عبيد الله فيها لقب أبى القاسم، فيكون أبو القاسم ابن عمران، ويكون أبو عبد الله
كنية ابن عمران، لكون ابنه أبى القاسم ملقبا بعبد الله.
وعلى هذا فعلي بن محمد - الذي يروى عنه الكليني كثيرا بواسطته عن سهل وعن
البرقي وعن غيرهما تارة مطلقا، وأخرى مقيدا بابن عبد الله، وثالثة بابن بندار - يكون



1. نقله عنه في منتهى المقال (ج 1، ص 273) ولم أعثر عليه في معراج أهل الكمال.
2. رجال النجاشي، ص 261، الرقم 683.
3. في المصدر الجنابي.
4. رجال النجاشي، ص 353، الرقم 947.
5. خلاصة الأقوال، ص 157، الرقم 111.
118
واحدا وهو ابن بنت البرقي وعليه يكون أحمد الذي هو أيضا ابن بنته كما صرح به في
ترجمة البرقي ابن محمد المذكور الذي استظهرنا كون أبيه عبد الله، فما في ترجمة البرقي
من التعبير بأحمد بن عبد الله إسناد له إلى جده إذ الصهر محمد بن عبد الله لا عبد الله.
وعلى هذا أمكن أن يقال: إن علي بن محمد بن عبد الله بن أذينة - الذي هو أحد العدة
عن البرقي - هو هذا الذي ابن بنته، وإن أذينة تصحيف ابنته.
وأيد بعض أجلاء العصر الاتحاد السابق بأن علي بن محمد بن عبد الله يروى في
الغالب عن البرقي أو عن إبراهيم بن إسحاق وعلي بن محمد بن بندار كذلك.
ويحتمل أن يكون عبد الله في ترجمة الولد لقبا له، وعمران اسما لجده أبى القاسم،
فكما أسند في الاسم إلى الجد أسند إليه في اللقب أيضا. والمراد بأبيه - الملقب
بماجيلويه - هو محمد.
وعلى هذا فعبيد الله في ترجمة الوالد يكون لقبا للوالد وانه ابن عمران بلا واسطة،
وهو الملقب بماجيلويه المكنى بأبي عبد الله لكون ابنه على ملقبا بعبد الله. وعليه
يكون علي بن محمد بن بندار معلوما هو ابن بنت البرقي.
وعليه يحمل علي بن محمد المطلق في روايات الكليني بينه وبين البرقي وغيره.
وكذا علي بن محمد بن عبد الله إن ثبت كون عبد الله لقبا لأبي القاسم أو أبيه وإن علا.
وعلى هذا يتقوى القول المحكى عن قائل في كون عبد الله لقبا لمحمد الصهر بما
في ترجمة البرقي من كون أحمد بن عبد الله ابن بنته.
ويستفاد مما حكى عن المنتقى أن اشخاص العدة عن البرقي خمسة، خامسهم:
محمد بن يحيى فإنه قال: " المستفاد من كلامه في الكافي أن محمد بن يحيى أحد
العدة، وهو كاف في المطلوب، وقد اتفق هذا البيان في أول حديث ذكره في
الكتاب، وظاهره أنه أحال الباقي عليه.
ومقتضى ذلك عدم الفرق بين كون رواية العدة عن أحمد بن محمد بن عيسى
وأحمد بن محمد بن خالد وان كان البيان إنما وقع في محل الرواية عن ابن عيسى، فإنه
روى عن العدة عن ابن خالد بعد البيان بجملة يسيرة من الأخبار.

119
ويبعد مع ذلك كونها مختلفة بحيث لا يكون محمد بن يحيى في العدة عن
ابن خالد ولا يتعرض مع ذلك للبيان في أول روايته عنه كما بين في أول روايته عن
ابن عيسى " (1) انتهى.
ثم اعلم أن الكليني رحمه الله قد روى في باب الحركة والانتقال من أصول الكافي عن هذه
العدة بواسطة حيث قال: " عنه عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد " (2)
ومرجع المجرور - على ما هو مقتضى القاعدة - علي بن محمد وهو الراوي قبل ذلك
عن سهل بن زياد وهو علي بن محمد بن إبراهيم المعروف ب‍ " علان " أحد العدة عن
سهل فذكر بعض أجلاء العصر أنه لا يبعد أن يقال: إن لفظة " عنه " و " عن " بعدها زائدة
من النساخ.
قلت: لا داعي إلى ذلك إذ لا دليل على عدم رواية علي بن محمد عن العدة
المزبورة فأما رواية الكليني عن علي بن محمد المذكور فهي فوق الكثرة كيف! وهو
أحد العدة عن سهل مع أن من المحتمل أن يكون مرجع المجرور محمد بن أبي
عبد الله وهو محمد بن جعفر الأسدي أحد العدة عن البرقي والراوي عن محمد بن
إسماعيل البرمكي وهما المذكوران في صدر الباب المزبور حيث قال: " محمد بن أبي
عبد الله عن محمد بن إسماعيل البرمكي " (3) إلى آخره.
وعلى هذا يراد بالعدة في الخبر من عدا محمد بن أبي عبد الله بقرينة روايته عنهم
ورواية أحد العدة عن الباقين غير منكرة مع احتمال سقوط العاطف على الضمير
المجرور فكأنه قال: عنه وعن عدة ولا حاجة حينئذ إلى خروج محمد بن أبي عبد الله
عن العدة فيكون كذكر العام عقيب الخاص وهنا احتمال آخر بعيد فتأمل
وأما العدة عن سهل فقد مر أن أشخاصها أربعة أحدهم محمد بن عقيل الكليني
لم أقف عليه في كتب الرجال والباقون عينهم الميرزا رحمه الله حيث قال - بعد حكاية ما مر



(1) منتقى الجمان ج 1 ص 23
(2) الكافي ج 1 ص 126 و 127، ح 5.
(3) الكافي ج 1 ص 125 باب الحركة والانتقال ح 1.
120
عن الخلاصة: " اتفقت النسخ على علي بن محمد بن علان وفى الرجال علي بن
محمد المعروف بعلان، وكأنه علي بن محمد بن علان والظاهر أن محمد بن أبي
عبد الله هو محمد بن جعفر الأسدي الثقة وأن محمد بن الحسن هو الصفار " قال: " فلا
يضر إذن ضعف سهل مع وجود ثقة مع سهل في مرتبته وأيضا اتفاق الجماعة
المذكورة على الكذب بعيد جدا " (1).
قلت: صدر كلامه وإن أشعر عن الإيراد على الخلاصة إلا أنه يدفعه قوله: " وكأنه "
الذي بدله في حكاية منتهى المقال (2) " فالظاهر " بل ربما يظهر منه اعتراضه على ما في
الرجال يعنى أن المعروف عندهم ب‍ " علان " هو ابن ابن علان كما في نسخ الخلاصة
وكيف كان فالظاهر ما سمعت منه من التعيين لكثرة رواية الكليني عن علي بن
محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف ب‍ " علان " وكثرة روايته عن سهل
حتى قيل: إنهما أكثر من أن تحصى.
فأما كون " علان " لقبا له أو لأبيه أو لجده أو اسما لأحدهما فكل محتمل
فعن النجاشي (3) والخلاصة (4) في ترجمة على المذكور أنه المعروف بعلان.
وعن رجال الشيخ في باب من لم يرو (5) والخلاصة (6): أن محمد بن إبراهيم المعروف
بعلان الكليني خير.
وأما كونه لقبا لجده فهو الظاهر مما مر من الخلاصة كما اعترف به في التعليقة بعد
قوله: " الظاهر أنه لقب إبراهيم نفسه ".
قال: " وتقدم في محمد بن يعقوب أن خاله علان ". (7)



(1) منهج المقال ص 401 الخاتمة الفائدة الأولى.
(2) منتهى المقال ج 7، ص 472 الخاتمة الفائدة الأولى.
(3) رجال النجاشي ص 260، الرقم 682.
(4) خلاصة الأقوال ص 100 الرقم 47.
(5) رجال الشيخ ص 496 الرقم 29.
(6) خلاصة الأقوال ص 148، الرقم 49.
(7) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 329.
121
قلت: لا دلالة للأخير على كون " علان " لقبا لإبراهيم أو غيره بل الظاهر من الطبقة
أن المراد به غيره بل خصوص علي بن محمد.
وذكر الكاظمي فيمن روى عن سهل ما هذا لفظه: " عنه علي بن محمد بن إبراهيم
الرازي علان أبو الحسن الثقة خال الكليني " (1) وكون " أبو الحسن " بالواو شاهد على أن
الخال هو على وكذا علان.
ولا يخفى أنه لولا التصريح بعلان في كلام الخلاصة أمكن أن يقال علي بن محمد
في عدة سهل هو علي بن محمد بن بندار أو علي بن محمد بن عبد الله في عدة البرقي
ومع ذلك فالأول أقرب لكونه رازيا كسهل ولغير ذلك وحيث إنهما معا ثقتان -
كما عرفت مما فصل - لم يكن أحد الاحتمالين - كالبناء على الاشتراك وعدم التميز
مضرا بل المستفاد من بعض أجلاء العصر أن علي بن محمد في أول سند الكافي لا
يخرج عن هذين الثقتين فلا افتقار إلى التميز في أصل حجية الخبر مطلقا.
هذا وأما استظهاره كون محمد بن أبي عبد الله محمد بن جعفر الأسدي فهو في
محله لشهادة الطبقة ورواية الكليني عنه تارة بعنوان أبى عبد الله وأخرى بعنوان ابن
جعفر الأسدي.
ويؤيده جزم التعليقة 2 بكون محمد بن أبي عبد الله الراوي عن البرمكي هو ابن
جعفر الأسدي وحكاه في منتهى المقال عن خاله في الوجيزة وعن جده في حواشي
النقد وكذا عن الفاضل عبد النبي رحمه الله. (3).
وقد نص النجاشي (4) والعلامة (5) في ترجمة ابن جعفر المذكور أنه يقال له: محمد بن أبي
عبد الله.



(1) هداية المحدثين ص 78.
(2) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 275.
(3) منتهى المقال ج 5 ص 301 الرقم 2420 وراجع الوجيزة في الرجال ص 147 الرقم 1557.
(4) رجال النجاشي ص 341، الرقم 915.
(5) خلاصة الأقوال ص 160، الرقم 145.
122
وقد صرح في غير موضع من الكافي - كما في باب الاستطاعة والذي قبله (1) بروايته
عن سهل بواسطة محمد بن أبي عبد الله.
واحتمال كونه محمد بن أبي عبد الله الذي ذكره الشيخ في الفهرست وقال:
" له كتاب " (2) ثم ذكر آخرين ثم قال: " روينا كلها بهذا الاسناد عن حميد عن أبي
إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن حيان الخزاز عنه 3 " 4 لا يخلو من بعد إذ
الظاهر تقدم طبقته على طبقة الكليني إذ المستفاد من تاريخ وفاة الكليني ووفاة حميد
الراوي عمن روى عن محمد بن أبي عبد الله تقدم وفاة الأخير على وفاة الأول بتسع
عشرة سنة فكيف بمن يروي عنه حميد!؟ وكيف بمن يروى عن محمد بن أبي عبد الله
المذكور!؟.
وأما استبعاد كونه الأسدي المذكور - أيضا بما ذكره النجاشي في ترجمته من رواية
أحمد بن عيسى عنه وقد علم أن الكليني يروى عن أحمد بن عيسى بواسطة العدة
فكيف يروي بلا واسطة عمن يروي عنه أحمد!؟ فيدفعه أنه توهم في عبارة
النجاشي بل المراد رواية أحمد عن والد الأسدي المزبور لقوله: " وكان أبوه وجها
روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى " (5).
ويشهد له أن في الخلاصة حكاية رواية أحمد في ترجمة الوالد. (6)
هذا كله على فرض تغاير محمد بن أبي عبد الله الذي ذكره في الفهرست مع الأسدي
المذكور وأما على اتحادهما كما استظهره الميرزا (7) رحمه الله - فلا إشكال.
لكن حكى في منتهى المقال عن مشتركات الكاظمي - في الذي ذكر في الفهرست



(1) الكافي ج 4، ص 268، ح 5.
(2) الفهرست ص 153، الرقم 670.
(3) في المصدر: " عنهم " بدل " عنه ".
(4) الفهرست ص 153، الرقم 674.
(5) رجال النجاشي ص 273 الرقم 1020.
(6) خلاصة الأقوال ص 160، الرقم 145.
(7) منهج المقال، ص 288.
123
أنه روى عنه الكليني وهو عن محمد بن جعفر بن عون الأسدي. 1
وهو موهن للاستظهار المتقدم إلا أنه موهون بعدم وقوفنا على رواية الكليني عنه
عن محمد بن جعفر المذكور.
والظاهر زيادة لفظة " عن " بعد كلمة " هو " فيوافق استظهار الميرزا.
وأما حال الأسدي المزبور فقد وثقه النجاشي وقال: " إنه صحيح الحديث إلا أنه
روى عن الضعفاء وكان يقول بالجبر والتشبيه ". 2
لكن رده أكثر من تأخر عنه بما ينبغي أن يلاحظ في ترجمته وفى الأبواب والسفراء
فإنه منهم.
وأما استظهاره كون محمد بن الحسن هو الصفار فلعله أيضا في محله لشهادة
الطبقة فإن وفاته كانت بعد وفاة الكليني رحمه الله، وقد صرح بالوصف في بعض روايات
الكليني عنه بواسطة العطار.
وأيضا قد أكثر الرواية عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن
إسحاق وإبراهيم بن إسحاق هو الأحمري للتصريح به في كثير من المواضع كما قيل
وقد ذكر في الفهرست 3 في ترجمة إبراهيم المزبور أن محمد بن الحسن الصفار
روى عنه. ونص عليه الكاظمي 4 أيضا.
وأيضا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد كان معاصرا للكليني لموته بعده
بأربع عشرة سنة وصرح الشيخ في باب من لم يرو، 5 والعلامة في الخلاصة بروايته عن
الصفار، 6 ونص عليه الكاظمي 7 أيضا، ومن البعيد أن يترك الكليني الرواية عنه مع كونه



(1) منتهى المقال، ج 5، ص 300 - 301، الرقم 2419.
(2) رجال النجاشي، ص 373، الرقم 1020.
(3) الفهرست ص 7، الرقم 9.
(4) هداية المحدثين ص 166.
(5) رجال الشيخ ص 451، الرقم 75.
(6) خلاصة الأقوال ص 198، الرقم 4.
(7) هداية المحدثين، ص 166.
124
من أعاظم العلماء والمحدثين ومعروفية كتبه كالبصائر ويروى عن غيره ممن هو في
طبقته كابن الحسن البرناني مع ضعف بعض ومجهولية آخر فتدبر وقد علم حاله مما
سمعت.
بقي أمران:
أحدهما أن الكليني قد يروى عن محمد بن أبي عبد الله - الذي مر استظهار كونه
الأسدي - بواسطة ففي باب الحركة والانتقال من كتاب التوحيد - " عنه عن محمد بن أبي
عبد الله ". 1
وفيه أيضا: " عنه عن محمد بن جعفر الكوفي " 2 وهو الأسدي
لكن الظاهر زيادة لفظة " عنه " و " عن " إذ مرجع الأول محمد بن أبي عبد الله فكيف
يروى عن نفسه!؟ ومرجع الأخير وإن كان علي بن محمد الراوي عن سهل إلا أنه لم
يعهد روايته عن الأسدي بل الأسدي يروى مثله عن سهل وعن البرمكي على ما ذكره
الكاظمي وعلى فرضه فلا يضر بالمقصود.
ثانيهما: في توضيح قول الميرزا: " فلا يضر إذن ضعف سهل مع وجود ثقة مع سهل
في مرتبته " 3 فإنه لا يخلو عن إجمال بل خلل خصوصا مع ذكر قوله: " وأيضا اتفاق
الجماعة المذكورة على الكذب بعيد جدا " وذلك لأن توثيق بعض الجماعة عن سهل
لا ينفع في دفع قدح ضعف سهل لأنه ليس في مرتبتهم كما أنه لا ينفع فيه بعد اتفاق
الجماعة على الكذب لكن الظاهر إرادته من قوله: " مع وجود ثقة مع سهل " مع فرض
وجوده معه في مرتبته بأن تكون رواية العدة عنه وعن ذلك الثقة.
وقوله: " وأيضا " متعلق بالسابق عن التفريع فمراده تصحيح العدة مرة بتوثيق
بعضهم وأخرى بالبعد المزبور فتكون الرواية معتبرة وإن لم تكن صحيحة



(1) الكافي ج 1، ص 125، ح 2 و 3.
(2) الكافي ج 1 ص 126 ذيل ح 4.
(3) منهج المقال ص 401 الخاتمة الفائدة الأولى.
125
على الاصطلاح المتأخر.
وقد حكى عن حاشية ممن سمعها منه تفسيره بقوله: " إن وجد معه ثقة "
قلت: ومن الفرض المزبور ما في باب مدمن الخمر من كتاب الأشربة من الفروع
ففيه: " عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ويعقوب بن يزيد " 1 إلى غير ذلك.
ويحتمل تعلق قوله: " وأيضا " بنفس التفريع أي يبعد اتفاق الجماعة على الرواية
من الكاذب.
وهذا نظير ما يوجه استفادة التوثيق من قولهم: " إن فلانا وجه من وجوه أصحابنا " أو
" عين " أو " شيخهم " ونحو ذلك.
بقى عنه أمر ثالث وهو: أن الشيخ رحمه الله قد يروى عن الحسين بن عبيد الله عن عدة من
أصحابنا عن محمد بن يعقوب كما في باب سؤر ما لا يؤكل لحمه من الاستبصار. 2
قال بعض أجلاء العصر: " الظاهر أن المراد من العدة هنا - على ما يظهر من شيخ
الطائفة في الفهرست في ترجمة محمد بن يعقوب أبو غالب أحمد بن محمد الزراري وأبو القاسم جعفر بن
محمد بن قولويه وغيرهما - ما ذكره فيه حيث قال في جملة
طرقه إلى ثقة الإسلام ما هذا لفظه: أخبرنا الحسين بن عبيد الله قراءة عليه أكثر كتاب
الكافي عن جماعة منهم: أبو غالب أحمد بن محمد الزراري وأبو القاسم جعفر بن
محمد بن قولويه وأبو عبد الله أحمد بن إبراهيم الصيمري المعروف بابن أبى رافع
وأبو محمد هارون بن موسى التلعكبري وأبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب
الشيباني كلهم عن محمد بن يعقوب وقد صرح به في باب وجوب الترتيب في
الأعضاء الأربعة في الوضوء من الاستبصار " إلى أن قال - بعد ذكرهم مكررا وبيان
أحوالهم وأن ضعف بعضهم غير مضر فيما نحن فيه -: " نعم قد اتفق رواية شيخ
الطائفة في أواسط السند تقريبا عن عدة من أصحابنا ولم يظهر لي إلى الآن من هم



(1) الكافي ج 1 ص 405 (كتاب الأشربة، ج 4 من باب مدمن الخمر)
(2) الاستبصار ج 1 ص 25، ح 64.
126
رواه في باب صلاة الكسوف من زيادات التهذيب عن محمد بن علي بن محبوب عن
عدة من أصحابنا عن محمد بن عبد الحميد عن علي بن الفضيل الواسطي قال: كتبت
إلى الرضا عليه السلام إلى آخر الحديث " 1.
البحث الرابع في بيان مصطلحات صاحب الوافي
حيث أنه رحمه الله اصطلح للرجال المتكررة في الأسانيد اصطلاحا خاصا له في
خصوص الوافي أو مطلقا وهو وإن بينها في التمهيد الثاني من المقدمة الثالثة 2 التي
قدمها في الديباجة وجعل ولده جدولا لطيفا لذلك يكتب كثيرا في ظهور مجلدات
الوافي - لكن لما كان الغالب عدم تيسرهما معا رأيت أن أشير إلى ذلك مع مراعاة
التطابق بين البيانين تسهيلا على نفسي وسائر المصنفين بل المستنبطين بل مطلق
الراجعين إليه المستفيدين منه وأكتب على وفق الجدول لمتانته وسهولة الانتفاع
منه مشيرا إلى بعض ما لا ينبغي إسقاطه مضيفا عليه بعض مصطلحاته الأخر
فنقول: هنا مقامات ثمانية:
المقام الأول: في المكتفى عن تعدادهم بالأعداد.
فإذا عبر بالاثنين فإن كان في أوائل السند فالمراد الحسين بن محمد عن معلى ابن
محمد وإن كان في أواخره فهارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة.
وإذا عبر بالثلاثة فإن كان في أوائله فالمراد علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي
عمير.
وإن كان في أواخره فهو على أقسام فمرة يقول: " الحسين عن الثلاثة " فالمراد
الحسين بن سعيد عن ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي وأخرى: " سهل عنهم "
فالمراد سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن
الأصم عن مسمع بن عبد الملك وثالثة: " الصفار عنهم " فالمراد هو عن الحسن بن



(1) تهذيب الأحكام، ج 3 ص 291، ح 878
(2) الوافي ح 1، ص 33.
127
موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار.
وإذا عبر الأربعة فهو أيضا على أقسام:
منها أن يطلقها فالمراد علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني. 1
ومنها: أن يقيدها بقوله: عن محمد بن عبد الجبار بعطفهما على الأولين. 2
ومنها: تقييدها بقوله: عن محمد فالمراد علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن
حريز عن محمد بن مسلم. قال: " وربما يكون مكان محمد غيره فأقول: الأربعة عن
فلان ". 2
ومنها: أن يقول: محمد عن الأربعة فالمراد محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد
عن علي بن الحكم عن العلاء عن محمد بن مسلم 4 وإذا عبر بالخمسة فالمراد صنفان:
أحدهما: علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال:
" وحماد هذا هو حماد بن عثمان والحلبي عبد الله بن محمد ". 5
وثانيهما علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا
عن ابن أبي عمير. 6
ولم اقف على مميز بينهما ولابد منه لاختلاف الطريقين في الوصف المعتبر في
اعتبار السند لصحة الأخير دون الأول لعدم توثيق الحلبي المذكور.
وما في الجدول المزبور - من توصيف الخمسة الأولى بالتامة والأخيرة بالناقصة
غير مجد وإنما ينفع لو كان التوصيف في كلام المصطلح المستعمل.
ومن هنا يظهر أن توصيفه الأربعة الأولى بالتامة والثالثة بالناقصة كذلك، 7 بل مخل،



(1) الوافي ج 1 ص 34 - 36.
2 - 4 الوافي ج 1 ص 35.
5 و 6 الوافي ج 1 ص 34.
(7) أي: غير مجد.
128
إذ التميز هناك كان موجودا في تعبير المصطلح فهو قد أسقطه وأتى بما لا ينفع فلاحظ
(المقام) الثاني: في المكتفى عن ذكر أسمائهم بكلمات النسبة ولا ترتيب في
التمهيد ولا في الجدول والأولى اعتباره على ما على أهل الرجال:
فالأزدي: بكر بن محمد
والأشعري: جعفر بن محمد
والبجلي: عبد الرحمن بن الحجاج
والبرقي: أحمد بن محمد بن خالد
والبزنطي: أحمد بن محمد بن أبي نصر.
والبصري: عبد الرحمن بن أبي عبد الله.
والتلعكبري: أبو محمد هارون بن موسى.
والتميمي: عبد الرحمن بن أبي نجران.
والتيملي: علي بن الحسن بن علي بن فضال.
والثمالي: أبو حمزة.
والجاموراني أبو عبد الله محمد بن أحمد.
والجعفري: سليمان بن جعفر.
والجوهري: القاسم بن محمد.
والحضرمي: أبو بكر.
والخراساني: إبراهيم ابن أبي محمود.
والديلمي: محمد بن سليمان.
والرازي أبو عبد الله محمد بن أحمد.
ومقتضى الجدول أنه يكتفى به أو بالجاموري في التعبير عنه وظاهر الأصل ان
يأتي بهما عنه ولعل الأول أخذه من عمله في الكتاب فلاحظ.
والسياري: أحمد بن محمد
والصهباني: محمد بن عبد الجبار.

129
والطاطري: علي بن الحسين.
والطيالسي: محمد بن خالد
العاصمي أبو عبد الله أحمد بن محمد.
والعبيدي محمد بن عيسى بن عبيد.
والعجلي: يزيد بن معاوية.
والعرزمي: بتوسيط الراء بين العين المهملة والزاي وقد تبع به الفهرست 1 وكتب
الأخبار وإلا فالمنقول عن الخلاصة 2 والإيضاح 3 بل النجاشي 4 إسقاط العين وعلى
كل حال هو: عبد الرحمن بن محمد.
والعقرقوفي شعيب بن يعقوب.
والعلوي محمد بن أحمد.
والعياشي محمد بن مسعود.
والغنوي هارون بن حمزة
والفطحية أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار
ابن موسى.
والقاساني: علي بن محمد.
والقمي أبو على الأشعري.
والقميان: هو مع محمد بن عبد الجبار.
والكاهلي: عبد الله بن يحيى.
والكرخي: إبراهيم بن أبي زياد وفى الأصل: إبراهيم بن زياد ومنشؤ الاختلاف
اختلاف كتب الرجال في الضبط فلاحظ.



(1) الفهرست، ص 108، الرقم 461.
(2) خلاصة الأقوال ص 114 الرقم 11.
(3) إيضاح الاشتباه ص 240.
(4) رجال النجاشي ص 237 الرقم 627.
130
والكناني أبو صباح
والكوفي: الحسن بن علي
واللؤلؤي: الحسين بن الحسين.
والمروزي: سليمان بن حفص.
والمنقري: سليمان بن داود.
والميثمي: أحمد بن داود.
والنخعي: أيوب بن نوح.
والنميري: موسى بن أكيل.
والنهدي: الهيثم بن أبى مسروق.
والنيسابوريان: محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان.
والهاشمي: إسماعيل بن الفضل.
واليماني إبراهيم بن عمر.
(المقام) الثالث: في المعبر عن أسمائهم بالأوصاف:
فالأصم: عبد الله بن عبد الرحمن.
وبزرج: منصور بن يونس.
والبقباق: أبو العباس الفضل بن عبد الملك.
والحجال: عبد الله بن محمد.
والحذاء: أبو عبيدة.
والخزاز: أبو أيوب.
والخشاب: الحسن بن موسى
والدهقان: عبد الله بن عبد الله.
والرزاز: أبو العباس محمد بن جعفر.
والزيات: محمد بن الحسين بن أبي الخطاب.
والسراد: الحسن بن محبوب.

131
والشحام أبو أسامة زيد.
وشعر: يزيد بن إسحاق.
والصحاف الحسين بن نعيم.
والصفار: محمد بن الحسن.
والصيقل: الحسن بن زياد.
والقداح عبد الله بن ميمون.
ومؤمن الطاق: أبو جعفر محمد بن النعمان الأحول.
والمفيد: أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان.
والمشايخ: محمد بن النعمان عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه محمد بن
الحسن بن الوليد.
والوشاء: الحسين بن علي.
(المقام) الرابع: في المحذوف أسماء آبائهم:
فأبان: ابن عثمان.
وأحمد: ابن محمد سواء كان في أوائل أسانيد الكافي والتهذيب أو أواسطها
ولا تميز وتقيد الأصل والجدول ببعض ما ذكر غير نافع بعد الاشتراك في الاسم
واسم الجد.
وبنان: ابن محمد بن عيسى أخو أحمد بن محمد بن عيسى ويقال له: عبد الله بن
محمد.
وحسين ابن عثمان والحسين بن سعيد والتميز هنا بأمرين:
أحدهما وقوع الأول فيما قبل آخر السند أو آخره ووقوع الثاني في أوائل أسانيد
التهذيب أو أواسطها.
وثانيهما كتابة الأول في الوافي بلا لام التحلية والثاني معها.
وحماد: ابن عثمان وحميد عن ابن سماعة حميد بن زياد ودرست ابن أبي
منصور الواسطي وذبيان ابن حكيم الأودي.

132
وذريح: ابن محمد بن يزيد المحاربي أبو الوليد ويقال له ذريح بن يزيد.
ورفاعة ابن موسى النحاس الأسدي وسعد ابن عبد الله وسماعة ابن مهران
الحضرمي وسهل ابن زياد وصفوان ابن يحيى وعاصم عن محمد بن قيس ابن
حميد وعثمان ابن عيسى والعلاء ابن رزين.
وعلى في أوائل السند: ابن إبراهيم بن هاشم وعلى عن أبي بصير علي بن أبي
حمزة.
وعلى الميثمي: علي بن إسماعيل وفضالة ابن أيوب
ومحمد في أوائل السند: ابن يحيى العطار وفى أواخره ابن مسلم.
والمحمدين: محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضل ومسمع ابن عبد الملك
أبو سيار الملقب بكردين.
وموسى في أوائل حج التهذيب ابن القاسم البجلي.
والنضر: ابن سويد وهو متكرر غالبا كفضالة بعد الحسين.
وقد حذف اسم الجد مع ذكر اسم أبيه وهذا في واحد خاصة وهو محمد بن
أحمد بن يحيى وغفل عنه في الجدول، ولاتحاده لم نجعل له عنوانا ولعله الباعث
على تركه في الجدول وهو كما ترى
(المقام) الخامس: في المعبر عنهم بالابن المضاف إلى أسماء آبائهم عليهم السلام:
فابن أبى يعفور: عبد الله
وابن أسباط: على
وابن بكير: عبد الله.
وابن رئاب: على
وابن عمار: معاوية
وابن كلوب: غياث.
وابن مزار: إسماعيل
وابن مسكان: عبد الله.

133
وابن المغيرة عبد الله.
وابن وهب معاوية
(المقام) السادس: في المعبر عنهم بالابن المضاف إلى أسماء أجدادهم:
فابن أبان الحسين بن الحسن بن أبان.
وابن أبي حمزة الحسن بن علي بن أبي حمزة
وابن أبي أشيم علي بن أحمد بن أشيم
وابن بزيع محمد بن إسماعيل بن بزيع.
وابن بقاح: الحسن بن علي بن يوسف بن بقاح.
وابن بندار علي بن محمد بن بندار
وابن رباط علي بن الحسن بن رباط.
وابن الزبير علي بن محمد بن الزبير.
وابن زرارة محمد بن عبد الله بن زرارة.
وابن سماعة الحسن بن محمد بن سماعة.
وابن شمون: محمد بن الحسن بن شمون.
وابن عقدة: أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة
وابن عيسى: أحمد بن محمد بن عيسى.
وابن فضال: الحسن بن علي بن فضال.
وابن قولويه: جعفر بن محمد بن قولويه.
وابن محبوب: محمد بن علي بن محبوب.
وابن هلال: محمد بن عبد الله بن هلال.
وابن يقطين: الحسن بن علي بن يقطين.
(المقام) السابع: في المكتفى عن اسم أبيه وجده بروايته عن أخيه أو عمه أو جده:
فابن أسباط عن عمه: ابن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم الأحمر.
والحسن عن أخيه: الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين.

134
والحسن عن أخيه عن أبيه هما عن أبيهما علي بن يقطين
وعلى عن عمه: علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي.
والقاسم عن جده: القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد.
(المقام) الثامن: في ذكر ما اصطلحه للكتب التي ينقل عنها وكيفية النقل عنها مع
الاشتراك أو الاختلاف في السند أو المتن.
فجعل " كا " هو الكاف بعده ألف علامة لكتاب الكافي
" ويه " بالياء المثناة من تحت مع الهاء علامة ل‍ " من لا يحضره الفقيه "
و " يب " بالياء المثناة من تحت والباء الموحدة علامة للتهذيب و " صا " بالصاد
المهملة بعدها ألف علامة للاستبصار.
ولعنوان ما يتعلق بشرح الحديث " بيان ".
وأما كيفية النقل فقد ذكر في التمهيد الأول من المقدمة الثالثة - بعد الإشارة إلى كيفية
سلوك أرباب الكتب المذكورة -: " وأنا أسلك في كل حديث أنقله في هذا الكتاب من
أحد كتب هؤلاء المشايخ ما سلكه صاحب ذلك الكتاب فأذكر جميع السند إن ذكره،
وأقتصر على البعض إن اقتصر عليه.
ولا أنقل الحديث الذي نقل بعض هؤلاء عن بعض إلا عن الأعلى ولا المتكرر
في الكتب المتعددة أو الكتاب الواحد بسند واحد بعينه إلا مرة إلا نادرا، فأرقم
علامات لتلك الكتب في أول السند إلا الاستبصار فأكتفي بالتهذيب عنه لأنهما في
حكم واحد
ومن أراد أن يكتب علامة الاستبصار أيضا فليكتبها في الحاشية وكذلك فليفعل
فيما نقل في الكتابين عن صاحب الكافي فليكتب علامتهما في الحاشية إذ ثبت
العلامة في هذه الصورة ليس بمهم.
وإن تعدد سند حديث واحد في كتاب واحد أو أكثر أذكر تلك الأسناد أولا مع
علامة ذلك الكتاب أو تلك الكتب ثم أذكر الحديث إن اتحد الراوي عن المعصوم
والمعصوم عليه السلام جميعا، وإلا فإن اختلف تمام السند أنقل الحديث من الكافي أولا

135
بإسناده ثم أذكر الإسناد الآخر مشيرا إلى الحديث من غير تكرر.
وإن اختص الاختلاف ببعض السند أرقم علامة المنفرد في أول ما انفرد به، وعلامة شريكه فقط في أول المشترك إن كان في موضع لم يشتبه فيه بالمنفرد كوقوعه
بعد لفظة " عن " وإلا فأكرر ذكر رجل لرفع الاشتباه كما هو مصطلحهم في مثله.
وفى بعض المواضع أرقم علامة " ش " إن اشترك فيه جميع ما سبق علامته ثلاثة
كان أو اثنين وإلا فعلامة الشريكين.
وكذلك أفعل في متن الحديث إذا اختلفت ألفاظه في كتابين أو أكثر بزيادة أو
نقصان.
وإن اختلف اللفظ بتبديل قليل فإن لم يختلف به المعنى أقتصر على ذكر الأوضح
لفظا أو الأقدم مصنفا.
وإن اختلف المعنى أو كان التفاوت كثيرا أذكر الأسناد مرة أخرى مفصلا مع التعدد
ومجملا مع الاتحاد ثم أذكر الحديث تارة أخرى مفصلا إن اختلف المعنى ومجملا
مع الإشارة إلى التفاوت إن لم يختلف وربما أشير إلى اختلاف النسخ إذا كان مما يعتنى
به في مقام البيان والله المستعان. 1
تذنيب: (في رموز صاحب البحار)
وحيث كان القصد إلى تسهيل الأمر على من عرفت فالمناسب أن نشير إلى رموز
صاحب البحار رحمه الله لما حكى عنه من الكتب الكثيرة وقد نقلها في العوائد. 2
فللكتب الأربعة: ما مر
ولعيون أخبار الرضا: " ن "
ولعلل الشرائع: " ع "
ولإكمال الدين: " ك " لا اللام.



(1) الوافي ج 1 ص 32 و 33
(2) عوائد الأيام ص 611 وما بعدها (عائدة 60).
136
ولتوحيد الصدوق: " يد " بالمثناة من تحت والدال المهملة.
وللخصال: " ل " لا الكاف.
ولأمالي الصدوق " لي " باللام ثم المثناة من تحت.
ولثواب الأعمال: " ثو " بالثاء المثلثة ثم الواو
ولمعاني الأخبار: " مع " بالميم والعين المهملة.
وللهداية: " هد " بالهاء والدال المهملتين.
ولقرب الإسناد: " ب " الباء الموحدة
ولبصائر الدرجات: " ئر " بالهمزة ثم الراء المهملة.
ولأمالي الشيخ: " ما " بالميم بعدها ألف.
ولغيبة الشيخ الطوسي: " غط " بالغين المعجمة والطاء المهملة.
وللمصباحين: " مصبا " الجزء الأول منه.
ولإرشاد الديلمي: " شا " بالشين المعجمة بعدها ألف.
ولمجالس المفيد: " جا " بالجيم بعدها ألف.
ولكتاب الاختصاص: " ختص " بالخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق والصاد
المهملة.
ولكامل الزيارة: " مل " بالميم واللام.
ولمحاسن: " سن " الجزء الأخير منه.
ولتفسير علي بن إبراهيم: " فس " بالفاء ثم السين المهملة.
ولتفسير العياشي: " شئ " الجزء الأخير منه.
ولتفسير الإمام: " م " الميم.
ولروضة الواعظين: " ضة " الجزء الأخير.
ولأعلام الورى " عم " بالعين المهملة والميم.
ولمكارم الأخلاق: " مكا " الجزء الأول.

137
وللاحتجاج: " ج " الجيم.
ولمناقب ابن شهرآشوب: " قب " الجزء الأخير.
ولكشف الغمة: " كشف " الجزء الأول.
ولتحف العقول: " ف " الفاء.
وللعمدة: " مد " الجزء الأخير.
ولكفاية النصوص: " فص " بالفاء والصاد المهملة.
ولتنبيه الخاطر: " نبه " بالنون ثم الباء الموحدة ثم الهاء.
ولنهج البلاغة: " نهج " الجزء الأول.
ولطب الأئمة: " طب " الجزء الأول.
ولصحيفة الرضا: " صح " بالصاد والحاء المهملتين.
ولجرايح: " يح " الجزء الأخير.
ولقصص الأنبياء: " ص " الصاد المهملة.
ولضوء الشهاب: " ضو " الجزء الأول.
ولأمان الأخطار: " طا " الطاء المهملة بعدها ألف.
ولكشف اليقين: " شف " الشين المعجمة والفاء.
وللطرايف: " يف " الجزء الأخير.
وللدروع الواقية: " قيه " نصف الجزء الأخير.
ولفتح الأبواب: " فتح " الجزء الأول.
ولكتاب النجوم: " نجم " مفرد الجمع.
ولجمال الأسبوع: " جم " الجيم مع الميم.
ولإقبال العمل: " قل " بالقاف ثم اللام.
ولفلاح السائل: " تم " بالتاء المثناة من فوق والميم لكونه من متممات المصباح.
ولمهج الدعوات: " مهج " الجزء الأول.
ولمصباح الزائر: " صبا " بالصاد المهملة والباء الموحدة بعدهما ألف.

138
ولفرحة الغري: " حة " الجزء الأخير.
ولكنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: " كنز " المضاف الأول.
ولغوالي اللآلي: " غو " الجزء الأول.
ولجامع الأخبار: " جع " بالجيم والعين المهملة.
ولغيبة النعماني: " مى " 1 بالميم ثم الياء المثناة من تحت.
ولكتاب الروضة: " فض " بالفاء والضاد المعجمة لكونه في الفضائل.
ولمصباح الشريعة: " مص " نصف الجزء الأول.
ولقبس المصباح: " قبس " الجزء الأول. وللصراط المستقيم: " ط " بالطاء المهملة.
ولمنتخب البصائر: " خص " بالخاء المعجمة والصاد المهملة.
وللسرائر: " س " الجزء الأول.
ولكتاب العتيق الغروي: " ق " القاف.
ولرجال الكشي: " كش " الكاف والشين المعجمة.
ولفهرست النجاشي: " جش " بالجيم والشين المعجمة.
ولبشارة المصطفى: " بشا " بالباء الموحدة والشين المعجمة بعدهما ألف.
ولكتابي حسين بن سعيد أو لكتابه والنوادر: " ين " بالياء المثناة من تحت والنون.
وللعيون والمحاسن: " عين " مفرد الجمع الأول.
وللغرر والدرر: " غر " كذلك. 2
ولمصباح الكفعمي: " كف " بالكاف ثم الفاء.
وللبلد الأمين: " لد " باللام والدال المهملة
ولقضاء الحقوق: " قضاء " الجزء الأول.



(1) كذا في الأصل وفى " البحار ": " نى " بالنون والياء.
(2) أي مفرد الجمع الأول.
139
وللتمحيص: " محص " بالميم ثم الحاء مع الصاد المهملتين.
وللعدة: " عدة " هي بغير لام التعريف.
وللجنة: " جنة " كذلك. 1
وللمنهاج: " منها " بإسقاط حرفه الأخير.
وللعدد: " د " حرفه الأخير.
وللفضائل: " يل " جزؤه الأخير.
ولتفسير فرات بن إبراهيم: " فر " بالفاء والراء المهملة.
ولدعائم الإسلام: " دعا " بالعين المهملة بعدها ألف.
وإنما أوضحنا الرموز للضبط عن تصرفات النساخ وغيرهم والله الهادي.



(1) أي بغير لام التعريف.
140
الباب الثاني
في ذكر عدة رجال اختلفت في تميزهم بتعيين الأسامي
أو الألقاب أو الكنى
وهم كثيرون إلا أنا نتعرض لبعضهم ونتكلم في تميزهم من جهة إعمال قواعد
التميز لحصول التدرب فيها فإنه من مهمات هذا الفن، وهو الباعث على الاختلاف
المزبور فهنا أبحاث: البحث الأول: في محمد بن إسماعيل
الذي يروى عنه الكليني كثيرا عن الفضل ابن شاذان حتى قيل: إنه روى عنه عن
الفضل ما يزيد على خمسمائة حديث وقد اختلفوا فيه على أقوال.
(القول) الأول: أنه النيسابوري المكنى بأبي الحسن كما هو المعروف أو بأبي
الحسين كما قيل.
وعن رجال الشيخ إسناده إلى بعض النسخ قال: " يدعى بندفر ". 1
وعن الرواشح: " يقال له: بندفر ". قال: " ويقال له: بندويه أيضا - إلى أن قال -: وربما



(1) رجال الشيخ، ص 496، الرقم 30.
141
يبلغني عن بعض أهل العصر أنه يذكر أبا الحسن، 1 فيقول: محمد بن إسماعيل البندفي
النيسابوري وآخرون أيضا يحتذون مثاله.
وإني لست أراه مأخوذا عن دليل معول عليه ولا أرى له وجها إلى سبيل مركون
إليه فإن بندفة - بالنون الساكنة بين الباء الموحدة والدال المهملة المضمومتين قبل
الفاء - أبو قبيلة من اليمن ولم يقع إلى في كلام أحد من الصدر السالف من أصحاب
الفن أن محمد بن إسماعيل النيسابوري كان من تلك القبيلة غير أنى وجدت في
نسخة وقعت إلى من كتاب الكشي من ترجمة الفضل بن شاذان البندفي.
وظني أن في الكتاب البندفر بالفاء والراء كما في رجال الشيخ والقاف والياء
تصحيف وتحريف ".
إلى أن قال: " البند - بفتح الموحدة وتسكين النون والدال المهملة أخيرا - العلم
الكثير جمعه: بنود، وهو فر القوم بفتح الفاء وتشديد الراء وفرتهم بضم الفاء وعلى
قول صاحب القاموس كلاهما بالضم والحق الأول أي من خيارهم ووجوههم ". 2
قلت: على كل حال هذا هو الذي عليه الأكثر.
وفى منتهى المقال: " أنه الذي استقر عليه رأى الكل في أمثال زماننا " 3.
(القول) الثاني: أنه ابن بزيع المعروف الذي كان في عداد الوزراء أسنده في
منتهى المقال - في طي عبارة الكاظمي 4 - إلى الفاضل عبد النبي الجزائري رحمه الله، وحكاه
عن غيره أيضا.
وفى رسالة معمولة لتحقيق هذا الخلاف من بعض أفاضل سادات عصرنا أنه
المحكى عن جماعة من الأعلام.
(القول) الثالث: انه البرمكي صاحب الصومعة.



(1) في " الرواشح السماوية ": " الحسين " بدل " الحسن ".
(2) الرواشح السماوية، ص 71 و 72.
(3) منتهى المقال ج 5، ص 356، الرقم 2492.
(4) هداية المحدثين، ص 228.
142
وفى أكثر العبائر نقله - كالثاني - عن قائل مجهول. 1 وفى جملة أخرى إسنادهما إلى
توهم المتوهم لكن في الرسالة المزبورة حكايته عن شيخنا البهائي رحمه الله.
(القول) الرابع: انه أحد المجهولين غير المذكورين أسنده الكاظمي 2 إلى ميل
بعضهم وفى الأكثر إسناده إلى التوهم والاحتمال.
و (القول) الخامس: الوقف في تعيينه هو المحكى عن ظاهر صاحب المدارك، 3.
ولعله المستفاد من ابن داود وفى المحكى عن أول تنبيهات آخر رجاله حيث قال: " إذا
وردت رواية عن محمد بن يعقوب عن محمد بن إسماعيل بلا واسطة ففي صحتها
قول لأن في لقائه له إشكالا فتقف الرواية لجهالة الواسطة بينهما وإن كانا مرضيين
معظمين " 4 انتهى.
والأظهر ما عليه المشهور لوجوه ملفقة مما يفيد كونه إياه وما ينفى كونه غيره ممن
شاركه في الاسم.
فمن الأول أمور:
أحدها: ذهاب المشهور فإنه يفيد الظن المعتبر في المقام.
(و) ثانيها: أن الكشي الذي هو معاصر الكليني رحمه الله كثيرا ما يروى عن محمد بن
إسماعيل هذا مصرحا بنيسابوريته، فيظن أنه الذي يروى عنه الكليني.
(و) ثالثها: أن المستفاد مما في ترجمة الفضل أن النيسابوري المذكور هو الذي
يذكر بعض أحوال الفضل وما جرى عليه فيظن أنه الراوي عنه.
ورابعها: أنه - على ما في محكى الرواشح 5 والوافي 6 - كان تلميذ الفضل الخصيص



(1) منتهى المقال ج 1 ص 367، الرقم 2492.
(2) هداية المحدثين، ص 228.
(3) مدارك الأحكام ج 3 ص 380، قال: " وفى الطريق محمد بن إسماعيل الذي يروى عن الفضل بن شاذان وهو مشترك
بين جماعة منهم الضعيف ولا قرينة على تعيينه ".
(4) رجال ابن داود، ص 555.
(5) الرواشح السماوية ص 71.
(6) الوافي ج 1 ص 19 (المقدمة الثانية).
143
به فيظن أنه الراوي عنه.
ويؤيده كونه من الفضلاء المتكلمين على ما صرحا به كالفضل، فتدبر.
وخامسها: ما عن الرواشح 1 أيضا من أنه أحد أشياخ الكليني رحمه الله.
وسادسها: أنه نيسابوري كالفضل بخلاف غيره.
فهذه الوجوه مما تفيد أنه النيسابوري.
وأما ما ينفى كونه غيره فكثيرة:
منها: أن ابن بزيع هو الذي يروى عنه الفضل كثيرا كما هو المصرح به بهذه الكنية
في أكثرها وقد نص عليه الكشي وغيره من أهل الرجال فكيف يروى عن الفضل
بالكثرة التي عرفتها!؟.
ومنها: أن المستفاد مما ذكره الكشي 2 في ترجمة ابن بزيع أنه مات في حياة مولانا
الجواد عليه السلام لقوله: إنه من رجال أبى الحسن موسى عليه السلام وأدرك أبا جعفر الثاني عليه السلام بل
ظاهره أنه أدرك قليلا من زمانه عليه السلام، ووفاته عليه السلام - على ما عن الإرشاد 3 وغيره - كانت في
سنة عشرين ومائتين، ووفاة الكليني رحمه الله كانت من بعد ثلاثمائة بتسع وعشرين كما عن
النجاشي، 4 أو بثمان وعشرين كما عن الشيخ، 5 والتفاوت بين التأريخين ثمان أو تسع
سنين ومائة وذكروا في أحوال الكليني أنه صنف الكافي في مدة عشرين سنة ومن
المعلوم عادة أنه لم يشرع في التأليف في أوائل عمره خصوصا واشتكى إليه من جهال
العصر وسئل تأليف كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفى به المتعلم
ويرجع إليه المسترشد 6، فلا أقل يكون عمره إذ شرع في التأليف قريبا من عشرين سنة
فتكون مع زمن التأليف قريبا من أربعين سنة والمعلوم بتتبع الكافي أن روايته عن



(1) الرواشح السماوية ص 72.
(2) رجال الكشي ص 565 الرقم 1066.
(3) بالإرشاد ج 2، ص 295
(4) رجال النجاشي ص 377 الرقم 1026.
(5) الفهرست ص 135، الرقم 591.
(6) الكافي ج 1 ص 7 (خطبة الكتاب)
144
محمد بن إسماعيل موجودة في أوائلها وأواخرها بل متفرقة على جميع أبوابها ولازم
جميع ذلك أن يكون عمر الكليني تقريبا مائة وستين بل سبعين سنة على تقدير كون
الرجل ابن بزيع وهو بعيد في الغاية ولو كان لنبهوا عليه في الرجال أو في مقام ضبط
المعمرين كما صنعه المرتضى رحمه الله في مقام دفع استبعاد القوم لطول عمر الصاحب عليه السلام
وقد ذكر فيه من هو أقل عمرا مما ذكر.
وأيضا كان اللازم درك الكليني زمن الأئمة عليهم السلام بل من زمن الرضا عليه السلام إلى آخرهم
فيكون مدركا لخمسة منهم عليهم السلام.
وهو أيضا بعيد خصوصا مع عدم التنبيه والإشارة لا منه ولا من غيره وقد نبهوا
على من أدرك أقل من ذلك.
ويبعده أيضا أنه لو كان لكان مقتضى حرص الكليني على الجمع ونقد الأخبار مع
وروده العراق أن يتشرف بلقاء بعضهم ويأخذ روايات أو رواية منه بلا واسطة أو
بواسطة واحدة فإن علو السند أمر مرغوب جدا.
كيف! وهو لم ينقل - فيما وقفنا عليه - من الفضل ولا من غيره من المشهورين
أرباب التصنيفات والتأليفات.
والمستفاد من خطبة كتابه من جهة شكاية البعض إليه وسؤاله تأليف كتبا وغير
ذلك إشعار تام بكون الشروع فيه في الغيبة.
وفى كتاب النص من واحد منهم عليهم السلام على آخر ما ينفى احتمال وقوع التأليف في
زمن الحضور وقد روى قبله عن أبي محمد عليه السلام كما في باب إبطال الرؤية 1 وباب النهى
عن الصفة 2 وغيرهما.
وبالجملة فكون التأليف في زمن الغيبة من الواضحات.
وأما احتمال كون رواياته عن محمد بن إسماعيل المذكور بأخذها من كتاب معلوم



(1) الكافي ج 1 ص 95 ح 1.
(2) الكافي ج 1 ص 103، ح 10.
145
عنده فهو أيضا بعيد:
أما أولا فلأن اللازم - كما هو دأبه ودأب غيره من الجامعين للأخبار - أن يكون له
مشايخ إجازة رواية الكتاب المذكور وأن ينبه عليهم هو أو غيره.
وأما ثانيا فلأن اقتصار صاحب هذا الكتاب على الرواية عن الفضل خاصة مع ما
عرفت من أن الفضل هو الراوي عنه في غاية الاستبعاد.
ولو لم يكن الاقتصار لنقل عن محمد بن إسماعيل المزبور عن غير الفضل أيضا
كثيرا ولم نقف عليه.
مضافا إلى اقتضاء العادة اشتهار كتاب جمعه مؤلفه بتمامه عن الراوي عنه.
وأما المناقشة فيما استفدناه من عبارة الكشي من منع الظهور المزبور لأنه ذكر في
موضع آخر من كتابه 1 أنه أدرك موسى بن جعفر عليه السلام ولازمه على ما ذكر ظهور هذا في
موته في زمان أبى الحسن عليه السلام مع أنه واضح البطلان فيدفعها أن المراد من الكلام الأخير
دركه من أول عمره أو أول دخوله في الرواة ونحو ذلك فإن الإدراك يطلق على ذلك
أيضا غاية الأمر ظهوره فيما تقدم ويصرف عنه هنا بما مر.
وكيف كان فاحتمال درك ابن بزيع للأئمة المتأخرين عن أبي جعفر بل بقاؤه إلى
برهة من عصر الكليني قد أخذ منه فيها تلك الأخبار الكثيرة أيضا بعيد موجب لطول
عمره ودركه لستة من الأئمة عليهم السلام وهما بعيدان خصوصا مع عدم تنبيه أحد عليه
ومنها: أن الكشي 2 وغيره من أهل الرجال حتى الكاظمي 3 ذكروا من يروى الفضل
عنهم فذكروا منهم محمد بن إسماعيل بن بزيع وذكروا من يروى عنه ولم يذكروا
هنا منهم ابن بزيع فلو كان يروى عن الفضل كما أن الفضل يروى عنه لأشاروا إليه
لغرابته في الجملة واشتهار ابن بزيع لكونه في عداد الوزراء.
ومنها: أن الغالب رواية الكليني عن ابن بزيع بواسطتين وربما يروى عنه بثلاث



(1) رجال الكشي ص 565 الرقم 1066.
(2) رجال الكشي ص 564 و 565 الرقم 1065 و 1066.
(3) هداية المحدثين، ص 227.
146
وسائط كما في باب نص الله عز وجل ورسوله (ص) على الأئمة (ع) من كتاب التوحيد
حيث قال: " الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن محمد
ابن إسماعيل بن بزيع " 1 وكذا في باب الركوع، 2 فمن البعيد أن يكون مع ذلك من طبقته
ومنها أن الغالب تصريح الكليني عند روايته عنه بالوسائط بكونه ابن بزيع فيظهر
منه أن الإطلاق عنده غير منصرف إليه وإلا لأغنى عن التزام التقييد والموجود بينه
وبين الفضل مطلق غالبا أو دائما.
وأيضا علم من الوجه السابق أن روايته عنه بالوسائط لا غرابة فيها وإنما هي في
روايته عنه بلا واسطة فكان الأخير أولى بالتقييد لإزالة الغرابة المنافية للحمل عليه.
وقد ظهر من ذلك كله أن لا يقاومه ما استند إليه لكونه ابن بزيع من أنه أشهر وأظهر
في انصراف الإطلاق إليه ومن التصريح به في بعض أسانيد التهذيب ومن رواية
الكليني عنه بواسطة كما في بعض نسخ باب الصروف من كتاب المعيشة حيث قال:
" علي بن إبراهيم عن أبيه وعن 3 محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ". 4
ومنه يظهر أن نظر ابن داود في لقاء الكليني له جيد لكن طريق الرواية لا ينحصر
في الملاقاة حتى يلزم الإرسال وعدم الصحة فلا يعدل عن ظاهر الكليني خصوصا مع
الإكثار عنه.
وأيضا في كتاب الروضة التصريح بابن بزيع حيث قال: " محمد بن يعقوب، عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن فضال عن حفص المؤذن عن أبي عبد الله عليه السلام
وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمد بن سنان " الحديث 5.
قلت: لعل الموجود في التهذيب أيضا هذا السند.



(1) الكافي ج 1 ص 288 ذيل ح 6.
(2) الكافي ج 3 ص 320 ح 5.
(3) لفظة " عن " ساقطة في " الكافي ".
(4) الكافي، ج 5، ص 248، ح 15.
(5) الكافي ج 8، ص 2، ح 1.
147
والجواب عن الجميع - بعد ما عرفت من عدم المقاومة لما مر - أن 1 الاشتهار
المدعى ينافي التزام التقييد بابن بزيع في غالب رواياته.
وما في التهذيب إن كان - فهو من خطأ النساخ كما في الخبر الثاني إذ الصواب
- بشهادة بعض أهل المعرفة - زيادة " عن " وتسمع ما في نظر ابن داود.
وتصحيح ظاهر الكليني مع فرض عدم الملاقاة لا يمكن إلا بالأخذ من كتابه،
والمتعارف حينئذ بيان الطريق إليه والعطف في الخبر الأخير على ابن فضال ونحوه.
محتمل أو ظاهر.
وبالجملة فعدم كون الواسطة بين الكليني والفضل ابن بزيع كاد أن يكون من
الواضحات الغنية عن الاستدلال خصوصا عن التطويل فيه وإنما خرجنا فيه عن
مقتضى وضع الرسالة لما عرفت من مصير قوم أو جماعة من الأعلام إلى
المخالفة فخفنا مصير غير بصير أو متأمل إلى الموافقة معهم لحسن الظن بهم أو غيره،
ولا أقل من أن يشك في الأمر وقد عرفت خروجه بالوضوح عن البيان إلى العيان.
فأما نفى كونه البرمكي وإن كان رازيا كالكليني ولم تأب عنه الطبقة لرواية
الصدوق عن الكليني بواسطة وعن البرمكي بواسطتين، ورواية الكشي المعاصر
للكليني عن البرمكي تارة بواسطة وأخرى بدونها، ولموت محمد بن جعفر الأسدي
الذي كان معاصر البرمكي قبل وفاة الكليني بقريب من ستة عشر سنة فيقرب زمانه
زمان البرمكي وقد استدل بذلك كله القائل بكونه البرمكي فأولا أن غاية ما ذكر كله
إمكان كونه إياه ونحن لا ندعى الامتناع.
وثانيا: أن جميعه لا يقاوم شيئا مما مر إلا ما قدمناه من كونه نيسابوريا كالفضل
وعند التأمل لا يقاومه أيضا إذ مجرد كونه رازيا المفيد لاتحاد المكان إنما ينفع لو لم
ينتقل أحدهما منه إلى غيره وقد ذكر أبو العباس بن نوح أن البرمكي سكن بقم، 2 وقد



(1) في الأصل: " من أن " وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(2) حكاه عنه النجاشي في رجاله ص 341، الرقم 915.
148
صرحوا في ترجمته بأنه يروى عنه محمد بن جعفر الأسدي فلو كان الكليني يروى
عنه بالكثرة التي عرفتها كان أولى بالتصريح على روايته عنه.
مضافا إلى أن الكليني يروى عنه - فيما وقفنا عليه - بواسطة محمد بن أبي عبد الله
وهو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي مع التقييد بالبرمكي منه ما في
باب الحركة والانتقال (1) من كتاب التوحيد أو مع الرازي ومنه ما في باب حدوث
العالم (2) منه.
وبالجملة الأكثر هو التقييد وإن أطلقه نادرا، كما في باب النوادر منه ولم نقف
على روايته منه بلا واسطة مع بعض التتبع في الكافي ولو كان فلا ريب أنه القليل
الغريب المحتاج إلى التنبيه عليه والتقييد بما مر دون نقله عنه مع الواسطة خصوصا مع
كونه الأسدي.
وأما نفى كونه أحد المجهولين فمع عدم وقوفنا على قائله - فيضعف به جدا
خصوصا من جهة تخصيصه بأحدهم دون الترديد بينهم وبين المعلومين - أن
المشهور - كما تسمعه - صحة الطريق المزبور لا لخصوص كون الواسطة من مشايخ
الإجازة وهذا ينافي ما ذكر.
ولا ريب أن ذهابهم يفيد الظن المعتبر في المقام مضافا إلى إباء الطبقة عن أكثرهم،
فإن ابن رجاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام كما ذكره الشيخ (3) والزعفراني لقى أصحابه عليه السلام
كما ذكره النجاشي (4) مع أنه ثقة عين بتصريح النجاشي (5) والسراج يروى عنه الكليني
بعدة وسائط كما في باب الهداية من كتاب التوحيد فروى عن عدة من أصحابنا عن
أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل السراج (6) فلاحظ وتتبع.



(1) الكافي ج 1 ص 125 ح 1.
(2) الكافي ج 1 ص 78، ح 3
(3) رجال الشيخ ص 208، الرقم 97
(4) رجال النجاشي ص 345، الرقم 933.
(5) انظر: المصدر السابق.
(6) الكافي ج 1 ص 165، ح 1.
149
وحيث أثبتنا بهذه الظنون المعتبرة تشخيص ذات الواسطة المزبورة وقد عرفت
أن وضع هذا العلم لتشخيص الصفات أيضا (فلنتكلم بعض الكلام في أحوال الرجل
فنقول: الذي يظهر اعتبار السند من جهته بل صحته على اصطلاح القدماء إن لم
يكن على اصطلاح المتأخرين وذلك لوجوه:
أحدها: ما أشرنا إليه من كونه أحد أشياخ الكليني ومثله لا يرضى بشيخية الفاسق
ثانيها: أنه الخصيص بالفضل ومثله لا يجعل الفاسق من خواصه.
ثالثها: إكثار الكليني الرواية عنه مع ما قال في أول كتابه.
رابعها: عدم تصريحه فيه مع الإكثار المزبور بما يتميز به الرجل عن غيره كما هو
ديدنهم في الرواة ليلاحظ المعتمد عن غيره فظاهره أنه لا حاجة إليه لوضوح وجه
الاعتماد عليه أو لعدم الحاجة إليه لكونه من مشايخ الإجازة.
خامسها: ما قيل في وصفه إنه بندفر على ما عرفت معناه.
سادسها: ما ذكره المحقق الداماد من كونه شيخا كبيرا فاضلا جليل القدر معروف
الأمر دائر الذكر بين أصحابنا. (1) ويقرب منه ما عن القاساني.
سابعها: تصحيح جمع من الأفاضل للسند الذي هو فيه من جهته من غير تخصيص
بما روى عنه الكليني كما هو ظاهر محكى الرواشح.
وعن المنتقى: " عليه جماعة من الأصحاب أولهم العلامة " (2)
ثامنها: إطباق العلماء - على ما حكى عن بعض الأجلة - على تصحيح ما يروى عنه
الكليني.
وقد استظهر صحة هذه الدعوى بعض أجلاء العصر من تتبع كتب الأصحاب وأنه
اطلع على ذلك في المختلف والمنتهى والتذكرة والتنقيح والذكرى وجامع المقاصد
والروض والروضة ومجمع الفائدة والمسالك والمدارك والبحار وأشار إلى موضع
واحد من غير الثلاثة الأخيرة وهو مسألة جواز الاجتزاء بالتسبيحات الأربع مرة
واحدة وعن أخير الثلاثة في شرح الوقف على أولاده الأصاغر وعن أولها في باب



(1) الرواشح السماوية، ص 70.
(2) منتقى الجمان ج 1، ص 45.
150
الركوع في الدعاء بعد الانتصاب منه.
وحكى أن ابن داود صحح طريق الشيخ إلى الفضل وهو فيه ثم قال: " وهو ينافي ما
تقدم منه من أن في صحة رواية الكليني عن محمد بن إسماعيل قولين ".
قلت: الظاهر أن التصحيح من جهة غيره كيف! وظاهر تعبير الشيخ أن جميع ما
رواه عن الفضل لم يكن بالطريق الذي فيه محمد بن إسماعيل بل بطرقه الأخرى فإنه
قال في غيره: " وما ذكرته عن الفضل " وقال فيه: " ومن جملة ما ذكرته عن الفضل بن
شاذان ما روايته بهذه الأسانيد ".
وفرق واضح بين التعبيرين كوضوحه بينهما وبين قوله: " ما رويته عن كتاب فلان
أو عن نوادره " فلعل ابن داود بناؤه على وثاقة إبراهيم بن هاشم.
وقد حكى في التعليقة عن المحقق البحراني أنه نقل عن بعض معاصريه توثيقه من جماعة. (1)
قال صاحب التعليقة: " والظاهر من طريقته أنه خالي ".
وقال أيضا: " قال جدي: جماعة من أصحابنا يعدون أخباره من الصحاح ".
قلت: ومن جميع ذلك يحصل الظن القوى على حسن حال الرجل إن لم يحصل
على وثاقته فلا ينبغي التأمل في السند من جهته.
البحث الثاني في أبي بصير
فإنه أيضا مشترك بين عدة أشخاص والبحث فيه في مقامات:
المقام الأول في بيان الأشخاص المشترك فيهم هذه الكنية
فنقول: إنهم اختلفوا في ذلك بالصراحة أو باللزوم على أقوال:
أحدها: أنهم خمسة: ليث بن البختري المرادي المكنى بأبي محمد أيضا ويحيى
ابن أبي القاسم الأسدي المكنى بأبي محمد أيضا كالأول ويحيى بن القاسم الحذاء



(1) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 284.
151
الأزدي وعبد الله بن محمد الأسدي ويوسف بن الحارث.
وثانيها: أنهم أربعة يجعل الثاني والثالث واحدا كما يظهر من العلامة في الخلاصة (1)
وحكي عن جماعة.
وثالثها: أنهم ثلاثة والذي يظهر أن قائله المولى عناية الله رحمه الله فقد حكى عنه أنه لم
يذكر في الكنى إلا ثلاثة، (2) وقال: " قد يكون المطلق مشتركا بينهم إذا روى عن
الباقرين (3) أو أحدهما عليهما السلام، وأما إذا روى عن الكاظم عليه السلام فإنه مخصوص بيحيى بن أبي
القاسم " (4) وأنه بالغ في نفى كونه كنية ليوسف بن الحارث بل قال: " هو أبو نصر كما
في رجال الشيخ، (5) واشتبه على الشيخ وتبعه غيره مثل العلامة في الخلاصة (6) فصار
على اشتباههم أبو بصير أربعة فإذا وقع في رواية حكموا بضعف الحديث وهذا
خلاف الواقع فإنهم ثلاثة والثلاثة أجلاء ثقات والحديث صحيح وقد خفى هذا
على جميع الأعلام والحمد لله على شبه الإلهام " (7)
واستجوده في منتهى المقال قال: " وعلى تقدير وجود رابع فلا يكاد ينصرف إليه
الإطلاق مطلقا، فلا تغفل " (8)
قلت: غاية ما أفاده إخراج يوسف عن المشتركين وقد عرفت أن من عداه أربعة
فما أدرى نظره إلى اتحاد الثاني والثالث كالعلامة ومن تبعه أو إلى إخراج
عبد الله أيضا عن المشتركين لخلو كلام من وقفنا عليه من المتقدمين عن بيان كون
كنيته أبا بصير؟



(1) خلاصة الأقوال: ص 264 الرقم 3.
(2) مجمع الرجال ج 6، ص 263.
(3) في المصدر: " الصادقين ".
(4) مجمع الرجال ج 7 ص 11
(5) رجال الشيخ ص 129 الرقم 26.
(6) خلاصة الأقوال ص 265، الرقم 1.
(7) مجمع الرجال ج 5، ص 149 (التعليقة) 1، و ج 6، ص 279، (التعليقة 1).
(8) منتهى المقال ج 7 ص 121، الرقم 3371.
152
نعم يستفاد من ذكر الكشي (1) في عنوانه رواية فيها بعض أحوال أبي بصير ولا
دلالة فيها على أن عبد الله يكنى بأبي بصير ولا على أن المراد بأبي بصير فيها هو
عبد الله كيف والراوي فيها عن أبي بصير هو عبد الله بن وضاح!؟ ونص العلامة (2)
والمولى عناية الله (3) وغيرهما على أنه يروي عن يحيى بن أبي القاسم.
فيظهر أن أبا بصير في هذه الرواية هو يحيى لا عبد الله وأن نقل الكشي لها في
عنوانه في غير محله.
وبالجملة فلم يحضرني كتابه حتى ألاحظ أن الواقع أي الاحتمالين.
والأول وإن كان يؤيده ما ذكره من صيرورة أبي بصير أربعة على اشتباه العلامة
ونحوه لما مر من استفادة الاتحاد من خلاصته فالثاني المرادي والثالث عبد الله
والرابع يوسف وإخراج عبد الله بعد إخراج يوسف مع فرض الاتحاد يوجب كون
المشترك اثنين لا ثلاثة إلا أنه ينافيه استجواد منتهى المقال فإنه ممن لا يرى الاتحاد
المزبور بل يرى التعدد فيكون الاشتراك حينئذ بين أربعة لفرض عدم إخراج عبد الله. وينافيه أيضا حكمه بأن الثلاثة أجلاء ثقات فإن عبد الله إن لم يكن مذموما كما هو
مقتضى ما رواه الكشي في ترجمته فليس بممدوح فكيف بالتوثيق!؟
اللهم إلا أن يكون بناؤه على أن عبد الله المكنى بأبي بصير هو الحجال المزخرف
الثقة فإنه أيضا ابن محمد الأسدي بل لعله أولى لأن كنيته أبو محمد، إلا أنه مناف
لكلام الكشي وجمع من المتأخرين من جعلهم الكنية لغيره.
وكيف كان فالأظهر أنهم مع إخراج عبد الله - كما لعله الظاهر - ثلاثة: المرادي
والأسدي والأزدي إذ الظاهر أن يوسف أبو نصر لا أبو بصير لما ذكره المولى عناية
الله فقد أخبر بحضور جميع نسخ الكشي المصححة وغيرها عنده وفيها أبو نصر لا
أبو بصير ومع كون عبد الله منهم أربعة.



(1) رجال الكشي ص 174، الرقم 299.
(2) خلاصة الأقوال ص 110، الرقم 37.
(3) مجمع الرجال ج 4، ص 59.
153
المقام الثاني: في الإشارة إلى بعض أحوال الجماعة.
وفيه بيان تعدد يحيى المكنى بابى بصير.
فنقول: أما عبد الله فقد أشرنا إلى أنه ان لم يكن مذموما فليس بممدوح.
وأما ليث بن البختري فهو وان ذكر الكشي 1 أن أصحاب الصادق عليه السلام يختلفون في
شأنه وروى عدة أخبار في ذمه وقال: " عندي أن الطعن إنما وقع على دينه لا على
حديثه وهو عندي ثقة " 2 إلا أن أكثر أصحابنا لا سيما المتأخرين بل جميعهم رجحوا
وثاقته. قال الكاظمي: " أجمع على تصديقه " 3 وهو من المخبتين الأربعة المبشرين
بالجنة، الذين هم نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، ولولاهم لانقطعت آثار النبوة
واندرست. وعده بعضهم ممن أجمع على تصحيح ما يصح عنه.
وبالجملة، لا ينبغي التأمل في وثاقته وجلالته.
وأما يحيى فالأظهر أن المسمى به المكنى بأبي بصير رجلان:
أحدهما: يحيى بن أبي القاسم الأسدي، وهو المكفوف.
وثانيهما: يحيى بن القاسم الحذاء الأزدي، وهو الواقفي، وذلك لشهادة عبائر جملة
من أهل الرجال على تعددهما.
منها: ما عن رجلا الشيخ، قال في أصحاب الباقر عليه السلام: " يحيى بن أبي القاسم
يكنى أبا بصير مكفوف، واسم أبى القاسم إسحاق " 4 ثم قال بلا فصل: " يحيى
بن أبي القاسم الحذاء واقفي، يوسف واقفي، ويحيى بن أبي القاسم يكنى أبا بصير ". 5
ومنها: عنوان الكشي قال - في المحكى عنه في يحيى بن أبي القاسم أبي بصير و



1. رجال الكشي ص 170، الرقم 286 وص 238 الرقم 431.
2. خلاصة الأقوال، ص 136 و 137، الرقم 2، نقل هذا القول عن ابن الغضائري.
3. هداية المحدثين، ص 136.
4. رجال الطوسي، ص 140، الرقم 2.
5. رجال الطوسي، ص 140، الرقم 3 و 17، قال: " يحيى بن القاسم الحذاء " دون أن يصفه بالواقفي، ثم ذكر بعد فاصلة:
" يوسف بن الحارث " وأنه بتري يكنى أبا بصير.
154
يحيى بن القاسم الحذاء -: " حمدويه ذكر عن بعض أشياخه يحيى بن القاسم الحذاء
الأزدي واقفي ". 1
ومنها: أن الحذاء واقفي كما سمعت في عبارتي الشيخ والكشي.
ويشهد له خبر الالتواء على الرضا عليه السلام، والأسدي مات في حياة الكاظم عليه السلام، فقد
صرح الشيخ بأنه مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبد الله عليه السلام، 2 ووفاة مولانا الكاظم عليه السلام
كانت في سنة ثلاث وثمانين ومائة، والتفاوت بثلاث وثلاثين سنة، والوقف إنما
حدث بعد ذلك، ولذا قال البهائي رحمه الله في فوائده - على ما حكى عنه -: " إن ما في الكشي
من نسبة الوقف إلى أبي بصير ينبغي أن يعد من جملة الأغلاط لموته في حياة
الكاظم عليه السلام والوقف تجدد بعده.
فإن قلت: لعله وقف على الصادق عليه السلام.
قلت: أولئك ناووسية، ولم يعهد إطلاق الوقف عليهم، والروايات التي استند إليها
تدل على الوقف على الكاظم عليه السلام حيث نقل عن الصادق عليه السلام: إن جاءكم من يخبركم أن
ابني هذا مات... " 3 إلى آخره.
قلت: لا يخلو ما أفاده من نظر.
أما أولا: فلان الإسناد إلى الوقف ليس من الكشي، بل عن بعض أشياخ حمدويه.
وأما ثانيا: فلأنه إنما أسنده إلى الأزدي، والمتوفى في حياة الكاظم عليه السلام هو الأسدي،
وهما غيران، وكأنه تبعا للعلامة توهم الاتحاد مع ظهور العبارة في التعدد من
وجوه، 4 فوقع فيما وقع وإن كان أصل منافاة الوقف للموت في حياة الكاظم عليه السلام حقا
لا يندفع بثبوت الوقف على الصادق، بل على أمير المؤمنين عليهما السلام على ما ذكره الصدوق



1. رجال الكشي، ص 474، الرقم 901.
2. رجال الطوسي، ص 333، الرقم 9.
3. نقله عنه في: منتهى المقال، ج 7، ص 37.
4. أحدها: تكرر الذكر. ثانيها: ظهور العطف. ثالثها: ذكر " أبى " في أحدهما دون الآخر. رابعها: ذكر أبي بصير في الأول
دون الثاني. خامسها: العدول عن الإتيان بالضمير الراجع إلى المذكور بعد قوله: حمدويه. (منه عفى عنه)
155
في إكمال الدين 1 على ما حكى عنه في التعليقة 2 إذ مع تسليم إطلاق الواقفي على
الواقف على أحدهما عليهما السلام فلا ريب في انصراف إطلاقه عنه إلى الواقف على الكاظم عليه السلام،
فالوجه الثالث الذي ذكرناه للتعدد تام في محله، مضافا إلى أنه لا حاجة لنا في هذا
المطلب إلى إثبات منافاة الوقف للموت في حياة الكاظم عليه السلام بل نستدل على التعدد بأن
المستفاد من خبر الالتواء على الرضا عليه السلام والرجوع عنه كما ذكرته رواية: أن الحذاء كان
باقيا إلى زمان الرضا عليه السلام، وهذا كيف يجتمع في الواحد مع الموت في حياة الكاظم عليه السلام!؟
مع أن تولد الرضا عليه السلام - على ما عن الإرشاد 3 والتهذيب 4 - كان في ثمان وأربعين ومائة،
ومر أن الأسدي مات في سنة خمسين ومائة، ومن البعيد جدا التواؤه ورجوعه في
سنتين لو وجهها (5) بكونهما في حياة الكاظم عليه السلام بإخباره بإمامته مع أنه لم يكن داعي
الوقف حينئذ موجودا.
مع أن المحكى عن الصدوق في العيون أنه سمع جماعة من أهل المدينة ذكروا أن
مولده عليه السلام كان في سنة ثلاث وخمسين ومائة، والالتواء والرجوع قبل الوجود أبعد.
وأما توهم الاتحاد فالظاهر أن أصل منشئه في حق المتأخر عن العلامة كلامه في
الخلاصة وإن كان منشؤه في حقه أو السبب في زيادة الوهم في غيره اقتصار النجاشي
والشيخ في الفهرست بل في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام على عنوان واحد، وأنت
خبير بعدم مقاومة مجرد الاقتصار لما مر.
وأما كلام الخلاصة فالظاهر وقوع خلل في نقله عن الكشي منشؤه زعمه الاتحاد.
ولا بأس بالإشارة إلى نقل كلاميهما ليتضح المراد.
قال الكشي في المحكى عنه - بعد ما مر عنه وبعد ذكر خبر الالتواء عن راويه



1. كمال الدين وتمام النعمة، ص 101.
2. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 371.
3. الإرشاد، ج 2، ص 247.
4 تهذيب الأحكام، ج 6، ص 83 (باب نسب أبى الحسن الرضا) عليه السلام.
5. كذا في الأصل.
156
الذي هو علي بن محمد بن القاسم - ما هذا لفظه: " واسم عمه القاسم الحذاء، و
أبو بصير هذا يحيى بن القاسم، يكنى أبا محمد، قال محمد بن مسعود: سألت علي بن
الحسن بن فضال عن أبي بصير هذا هل كان متهما بالغلو؟ فقال: أما بالغلو فلا، ولكن
كان مخلطا " 1 انتهى.
وقال في محكى الخلاصة: " يحيى بن القاسم الحذاء - بالحاء المهملة - من أصحاب
الكاظم عليه السلام، كان يكنى أبا بصير، بالباء الموحدة والياء بعد الصاد.
وقيل: إنه أبو محمد، واختلف قول علمائنا فيه.
قال الشيخ الطوسي رحمه الله: إنه واقفي. 2 وروى الكشي 3 ما يتضمن ذلك، قال: " وأبو
بصير يحيى بن القاسم الحذاء الأسدي هذا يكنى أبا محمد، قال محمد بن مسعود " 4
إلى آخر ما مر عن الكشي.
قلت: وجه الخلل أن الكشي إنما قال: " وأبو بصير هذا يحيى بن القاسم، يكنى أبا
محمد " وذكر فيه السؤال المتقدم ولم يذكر أنه الحذاء أو الأسدي، فذكرهما خصوصا
بطريق الجمع في ضمن كلامه كما ترى.
ولعله من هنا أخذ كون الحذاء الذي جعله عنوانا مكنى بأبي بصير، وعلى قول
مكنى بأبي محمد.
والموجود في الكشي ذكر الأول في يحيى بن أبي القاسم وهو الأسدي، وهو الذي
عنونه الكشي.
والظاهر أنه المراد باسم الإشارة في أخير كلامه لأنه لم يطلق أبا بصير على
الحذاء، وإنما أطلقه على يحيى بن أبي القاسم، المعنون في كلامه، وإنما ذكر يحيى بن
القاسم الحذاء في عنوان الأول لمجرد الموافقة في الاسم أو في اسم الجد أيضا، وذكر



1. رجال الكشي، ص 476، الرقم 903.
2. رجال الطوسي، ص 364، الرقم 16.
3. رجال الكشي، ص 476، الرقم 904
4. خلاصة الأقوال، ص 264، الرقم 3.
157
في حقه حديث الالتواء ثم أعرض عنه إلى أصل عنوانه فقال: " وأبو بصير هذا " وكرر
اسمه للإشارة إلى أنه كما يكنى بأبي بصير يكنى بأبي محمد أيضا، وذكر اسم الإشارة
بعد أبي بصير مكررا للاحتراز عن ليث البختري.
وربما يؤيد ما ذكرناه أنه ذكر في مقام آخر ما هذا لفظه: " قال محمد بن مسعود: قال:
سألت علي بن الحسن بن فضال عن أبي بصير فقال: كان اسمه يحيى بن أبي القاسم،
فقال: أبو بصير كان يكنى أبا محمد، وكان مولى لبني أسد، وكان مكفوفا، فسألته: هل
يتهم بالغلو؟ فقال: أما الغلو فلم يتهم به، ولكن كان مخلطا ". 1
ومن هنا يظهر أن إسقاط كلمة " أبى " في أخير كلام الكشي في غير محله. ولعله
منشأ توهم العلامة أو الجماعة.
وفى عبارته مناقشة أخرى، وهو: أن القاسم الحذاء لم يكن عم علي بن محمد
الراوي بل جده، ومقتضى حكاية الرواية في شأن يحيى بن القاسم أن يقول: واسم عمه
يحيى بن القاسم الحذاء.
وأخرى 2: أن مقتضى ذكر السند أن اسم الراوي علي بن محمد مع أن الموجود في
الرواية تعبيره عن اسمه بمحمد بن علي
وأعجب من ذلك أن ابن داود صار تارة إلى الاتحاد، وأورده في باب المجروحين
مع حكاية التوثيق من النجاشي، قال فيما حكى عنه: " يحيى بن القاسم أبو بصير
الأسدي، وقيل: أبو محمد الحذاء، جخ ق م جش قرق كش، واقفي، جش، ثقة وجيه،
غض " 3 أما الغلو فلا ولكن كان مخلطا، واسم أبى القاسم إسحاق.
وأخرى إلى التعدد وأورده في باب الممدوحين، قال: " يحيى بن أبي القاسم يكنى
أبا بصير مكفوف، واسم أبى القاسم إسحاق، قر جخ ". 4



1. رجال الكشي، ص 476، الرقم 903.
2. أي مناقشة أخرى.
3. رجال ابن داود، ص 441، الرقم 1187.
4. رجال ابن داود، ص 526، الرقم 537.
158
ثم قال: " يحيى بن القاسم لم، كش كوفي ثقة قليل الحديث ". 1
قلت: فيه - زائدا على تناقض الاتحاد والتعدد - خلل من وجوه:
أحدها: أنه ليس في كتب الجماعة - عند حكاية كون كنيته أبا محمد - من قائل تقييده
بالحذاء.
ثانيها: أن المحكى عن الشيخ عده من أصحاب الباقر عليه السلام 2 أيضا.
ثالثها: أن الحكم بالواقفية لم يكن من الكشي، بل عن بعض أشياخ حمدويه. 3
رابعها: أن حكاية التخليط ونفى الغلو إنما هي عن علي بن الحسن بن فضال لا عن
الغضائري، فالصواب " عل " في موضع " غض ".
ولعل الغلط في نسخة الحكاية أو بعض نسخ ما حكى عنه.
وفيه خلل من وجوه أخر أيضا، ولا يهمنا التطويل فيه.
وبالجملة، توهم الاتحاد ضعيف جدا، ومن هنا صار كثير من متأخري المتأخرين
إلى التعدد، منهم: الفاضل الخراساني 4 وصاحب منهج المقال وصاحب نقد الرجال
وصاحب التعليقة، بل صاحب منتهى المقال وغيرهم.
وإذا عرفت التعدد، فنقول: أما الحذاء الأزدي فهو ضعيف فقاهة بل
اجتهادا للحكم بوقفه من شيخ الطائفة وبعض أشياخ حمدويه الذي هو شيخ الكشي،
مع عدم وجود معارض لهذا الحكم إذ التوثيق لغيره. ورجوعه عن الوقف - كما في
خبر الالتواء - لم يثبت، كما يشعر به قول أبى جعفر الثاني عليه السلام فيه إن كان رجع، مع أنه
بمجرده غير نافع، ونفى البأس فيه لا يفيد وثاقته، بل الظاهر أنه من حيث مذهبه.
وأما ما مر من المولى عناية الله من كون الثلاثة ثقات أجلاء 5 فلم يعلم دخول الأزدي
فيهم، وإلا كان كما ترى.



1. رجال ابن داود، ص 376، الرقم 1680.
2. رجال الشيخ، ص 129، الرقم 26.
3. رجال الكشي، ص 474، الرقم 901.
4. هو المولى المحقق محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري، المتوفى سنة 1090 صاحب ذخيرة المعاد في شرح الارشاد.
5. مجمع الرجال، ج 5، ص 149.
159
واما الأسدي فالظاهر وثاقته بل جلالة قدره لقول النجاشي: " إنه ثقة وجيه " 1
ووثقه غيره أيضا، ولعده ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. 2
وللصحيح المروى في الكشي عن ابن أبي عمير عن شعيب العقرقوفي قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: ربما احتجنا أن نسأل عن الشئ فمن نسأل؟ قال: " عليك بالأسدي " 3
يعنى أبا بصير.
ولما ورد في ضمان الجنة له، 4 والمسح على عينيه ورضاه بالعود إلى عماه لأن
تكون له الجنة الخالص، أي بغير حساب كما هو ظاهر الخبر، 5 إلى غير ذلك من
الأخبار، وفى بعضها بطريق التعجب والاستفهام الإنكاري خطابا لأبي بصير: " هذا
وأنت ممن يريد الدنيا!؟ ". 6
نعم، قد ورد في مقابل ما أشرنا إليه أخبار 7 في ذمه، في بعضها غايته، كالمشتمل
على قوله: " إن صاحبنا لم يتكامل حلمه ". 8 والمشتمل على تكذيب أبى عبد الله عليه السلام له
في روايته الموجبة للوقف على الكاظم عليه السلام، والمشتمل على قوله: " لو كان معنان طبق لأذن لنا " (9) أي: في الدخول على أبى عبد الله عليه السلام وفيه: " فجاء كلب فشغر في وجهه "
والمشتمل على غضبه على الكاظم عليه السلام واعترافه بسوء ظنه به عند موته بزبالة الكوفة،
إلى غير ذلك.
لكن الظاهر عدم مقاومته لما مر ولو للاعتضاد بقول الطائفة وعملهم.



1. رجال النجاشي، ص 441، الرقم 1187.
2. رجال الكشي، ص 238، الرقم 431.
3. رجال الكشي، ص 171، الرقم 291.
4. رجال الكشي، ص 171، الرقم 289.
5. رجال الكشي، ص 174، الرقم 298.
6. لم نعثر عليه.
7. منها ما ورد في: تهذيب الأحكام، ج 10، ص 25.
8. رجال الكشي، ص 172، الرقم 292.
9. رجال الكشي، ص 173، الرقم 297.
160
مع أن أخبار الذم مع عدم صراحتها فيه وفى كونه في حق الأسدي أكثرها ضعيفة
الأسانيد محتملة أو ظاهرة في كون الوجه فيه ما ورد في وجه ذم زرارة، كيف! وخبر
شغر الكلب ورد في حق المرادي أيضا، وفيه بعد تذكرهم الدنيا قوله: " أما ان صاحبكم
إن ظفر بها لاستأثر بها " 1 بل ورد في حقه امتناعه عن الحج وقوله لابن أبي يعفور:
" اسكت فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتمل عليها بكسائه ". 2
وبالجملة، فمقتضى الأخذ - في الروايات المتعارضة - بما اشتهر بين أصحابنا أو
بقول الأعدل: الأخذ بما ورد في مدحه، بل قضية إسقاط الجميع أيضا الرجوع إلى
أقوال الموثقين له، خصوصا حيث لم نقف على من جرحه أو ذكر ما يسقط اعتبار
روايته، عدا ما مر من إسناد ابن فضال إليه التخليط، 3 وهل يعدل عما ذكره غيره في
حقه إلى الإسناد المزبور ويرد به روايات مثل هذا الجليل ويخالف به ما هو المشهور
قولا وعملا؟
المقام الثالث: (في أن الاشتراك المفروض مضر قبل التميز أم لا؟)
أنك بعد ما عرفت اشتراك أبي بصير بين الممدوح والمقدوح - سواء قلنا بأنه بين
خمسة أو أربعة أو ثلاثة - فلا ريب أن مقتضاه مع عدم التعيين والتميز بل مقتضى أصل
عدم الترجيح والاعتبار وغيرهما الوقف عن التصحيح والتضعيف اجتهادا، والبناء
على التضعيف فقاهة، فهل هنا أصل وارد على ذلك يحكم معه بالصحة وإن كان لازمه
تعيين أحد الثقتين عن الباقين أو تعيينهما في الجملة عن غيرهما والخروج عن
الفرض الأول؟ فيكون البحث في أن الواقع هل هو الفرض الذي جرى فيه الأصل
الأول أم لا؟ مع إمكان التعبير بما يكون البحث معه في الحكم.
ولا يخفى أن بحث المقام على غير مختار المولى عناية الله القائل بالاشتراك بين
ثلاثة ثقات أجلاء عنده.



1. رجال الكشي، ص 172، الرقم 294.
2. رجال الكشي، ص 169، الرقم 285.
3. رجال الكشي، ص 173، الرقم 296.
161
فنقول مقتضى تضعيف جماعة من الأصحاب للروايات التي فيها أبو بصير بسبب
الاشتراك بين الثقة والضعيف هو الثاني.
فمن هؤلاء من يظهر منه القول باتحاد يحيى المتقدم وهو الأردبيلي والشهيد
الثاني وصاحب المدارك.
فذكر الأول في بيع الصرف في سند فيه أبو بصير: " أن الطريق إلى أبي بصير
صحيح ولكنه يحيى بن أبي القاسم المكفوف الواقفي بقرينة نقل شعيب بن يعقوب
العقرقوفي عنه لأنه قائده وابن أخته والراوي عنه " (1) وفى مسألة أولوية الزوج في وجه
ضعف السند أن فيه علي بن أبي حمزة وهو مشترك وكذا أبو بصير.
وذكر الثاني في المسالك في كتاب النكاح بعد إيراد رواية فيها أبو بصير: " وفى
صحتها عندي نظر من وجهين: أحدهما: أن أبا بصير الذي يروى عن الصادق عليه السلام
مشترك بين اثنين: ليث بن البختري، المرادي وهو المشهور بالثقة ويحيى بن القاسم
الأسدي وهو واقفي ضعيف مخلط وكلاهما يطلق عليهما هذه الكنية ويكنيان بأبي
محمد.
وربما قيل: إن الأول أسدى أيضا وكلاهما يروى عن أبي عبد الله عليه السلام فعند الإطلاق
يحتمل كونه كلا منهما " (2)
وفى كتاب الفرائض: " أن محمد بن قيس وأبا بصير مشتركان بين الثقة والضعيف
كما بيناه مرارا ". (3)
ونحو ذلك في المدارك (4) في مباحث الأذان وصلاة الميت وغيرها
ومنهم من لا يظهر منه ذلك بل يبنى على التعدد ولكن يضعف للاشتراك بين
الجميع.



(1) مجمع الفائدة والبرهان ج 11، ص 311.
(2) مسالك الأفهام ج 8 ص 50.
(3) مسالك الأفهام ج 13، ص 71.
(4) مدارك الأحكام ج 3، ص 259.
162
وذهب في التعليقة إلى ما يقتضى الأول لتصريحه بانصراف الإطلاق إلى الثقة
قائلا: " كما هو المعروف في أمثاله ". (1)
وادعى بعض أجلاء فقهاء العصر في رسالة صنفها في اشتراك أبي بصير أن هذه
الكنية بين الأولين أي المرادي والأسدي - أشهر قال: " كما اعترف به جماعة من
المحققين فالإطلاق ينصرف إليهما ".
قلت: لعل من الجماعة صاحب الوجيزة فإنه قال في المحكى عنه: " أبو بصير يطلق
غالبا على يحيى بن القاسم أو ليث بن البختري " (2) فإن مراده من يحيى إما الأسدي إذ لم
ينص أحد ولم يشهد شاهد على غلبة إطلاقه على الأزدي أو هو ممن يرى الاتحاد
مع ترجيح التوثيق على التضعيف
ولعله الظاهر كما حكاه بعضهم لقوله: " أبو بصير يحيى بن القاسم ثقة على
الأظهر " وفيه كلام.
قيل: والظاهر أنه الكلام المحكى عن البهائي رحمه الله.
قلت: مر نقله في المقام الثاني.
وفى منتهى المقام: " والأصحاب ربما يحكمون بصحة رواية أبي بصير عن
الصادق عليه السلام مع عدم ظهور قرينة كونه المرادي فتأمل ". (3)
قلت: الذي يظهر بالتتبع في الأخبار إكثار إطلاقه على المرادي والأسدي بل
لا يحضرني الآن إطلاقه على غيرهما فإذن ينبغي التأمل في صحة الرواية من هذه
الجهة وإن لم يكن ما يميز أحدهما عن غيرهما، وأكثر من ضعفها عند الإطلاق لم يعلم
أنه لإنكاره انصراف الإطلاق إلى أحدهما بل لزعم الاتحاد وترجيح التضعيف على
التوثيق أو التوقف وعلى هذا لا حاجة إلى التميز في أصل اعتبار الرواية بل صحتها،
نعم الظاهر أنه يفتقر إليه في مقام التعارض مطلقا أو مع غيرها من الصحاح إذ



(1) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 384.
(2) الوجيزة في الرجال ص 202، الرقم 2157.
(3) منتهى المقال ج 7، ص 43.
163
الظاهر وفاقا لبعض أجلاء العصر - كون المرادي أوثق وأعدل من الأسدي بل كونه
أفقه منه أيضا لما مر من خبر انقطاع آثار النبوة واندراسها لولا الأربعة الذين أحدهم
المرادي ولكونه من أحد حواري أبى جعفر عليه السلام كما ورد في بعض (1) الأخبار إلى غير
ذلك، بل الظاهر أنه أحد الستة الذين ذكر الكشي أنهم أفقه الأولين كما حكاه عن
قائل وإن ذكر هو مكانه الأسدي ولا أقل من كون المرادي متفقا على وثاقته بخلاف
الأسدي كما عرفت.
المقام الرابع: فيما يميز أحد الثقتين عن الآخر بل عن غيرهما عدا وجه انصراف
الإطلاق
فنقول: أسباب هذا التميز كثيرة:
منها كون المروى عنه مولانا الكاظم عليه السلام فإنه يفيد أنه غير الأسدي لما مر من عدم
إدراكه إلا قليلا من زمانه عليه السلام يقرب سنتين بخلاف المرادي كما يظهر من إكثاره
الرواية عنه عليه السلام والظن يوجب الإلحاق بالأغلب بل مقتضى نقل ابن مسكان الذي
هو الراوي عن المرادي عن أبي بصير - تاريخ وفاة مولانا الكاظم عليه السلام أنه أدرك لتمام
زمانه عليه السلام إلا أنه ربما ينافيه تصريح النجاشي بموت عبد الله بن مسكان في أيام أبى
الحسن عليه السلام قبل الحادثة إلا أن يكون المرادي بأبي الحسن الرضا عليه السلام وبالحادثة
خروجه عليه السلام إلى خراسان أو وقوع ولاية العهد له عليه السلام.
فإن أول بكونه غير الراوي عن أبي بصير أو وقوعه في غير موقعه كان منافيا لما
قصدناه من الاستدلال إذ لا معين لكون أبي بصير المرادي حينئذ مع ضعف الخبر
على الأخير أيضا إلا أن يقال - بعد انتفاء احتمال كونه الأسدي لما مر -: إن الانصراف
السابق يعين كونه المرادي
ومنه يظهر أنه لا حاجة في هذا التميز إلى هذا الخبر أصلا لكن المحكى عن المولى
عناية الله أنه قال: " قد يكون المطلق مشتركا بينهم إذا روى عن الباقرين أو أحدهما عليهما السلام،



(1) رجال الكشي ص 238 الرقم 431.
164
وأما إذ روى عن الكاظم عليه السلام فإنه مخصوص بيحيى بن أبي القاسم ". (1)
قلت: هذا كتوهمه السابق مخالف لما عليه الأصحاب ويستفاد من الروايات.
نعم هو حق إن أريد به الاختصاص الإضافي بالنسبة إلى الأسدي لا المرادي لكن
كان اللازم إسقاط " أبى " حينئذ وقد تقدم.
ومنها: رواية عبد الله بن مسكان عنه وهي في كتاب الأخبار - كما قيل - أكثر من أن
تحصى.
وقد صرح في عدة مواضع بليث المرادي ونص على هذا التميز له جماعة منهم:
صاحب نقد الرجال (2) والمولى عناية الله، (3) وحكى عن خط المولى البهبهاني وصرح به
الكاظمي. (4)
لكن حكى عن صاحب المعالم وابنه أنهما ادعيا الاطلاع على روايته عن يحيى بن
القاسم (5) أيضا إلا أنه - على فرضه - لا ينافي حصول الظن الناظر إلى الغالب وتصريح
الأكثر.
ومنها: رواية المفضل بن صالح عنه للتصريح به في نصوص كثيرة، فذكر النجاشي
أن له - أي المرادي - كتابا يرويه جماعة منهم أبو جميلة المفضل بن صالح (6)، وصرح به
الكاظمي (7) وحكى عن عناية الله (8) أيضا.
ومنها: رواية عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عنه كما في تصريح الأخيرين (9) قالا:



(1) مجمع الرجال ج 7 ص 11.
(2) نقد الرجال، ص 278.
(3) مجمع الرجال، ج 7، ص 11.
(4) هداية المحدثين، ص 136.
(5) انظر منتهى المقال ج 7 ص 120، (الهامش 8)
(6) رجال النجاشي ص 321 الرقم 876.
(7) هداية المحدثين ص 272.
(8) مجمع الرجال ج 5، ص 87
(9) هداية المحدثين ص 136، مجمع الرجال ج 5، ص 87.
165
للتصريح به في طريق الصدوق إلى عبد الكريم بن عتبة الهاشمي وهو كذلك فإنه
قال: " وما كان فيه عن عبد الكريم بن عتبة فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن مجمد بن أبي نصر البزنطي عن
عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن ليث المرادي عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي "
قلت: ومن هنا يظهر أن من مميزات المرادي روايته عن عبد الكريم بن عتبة
الهاشمي فمتى أطلق أبو بصير حمل عنه وقد نص الكاظمي في ترجمة الهاشمي على
رواية المرادي عنه.
ومنها: رواية الحسين بن مختار عنه ذكره المولى عناية الله. (1)
ويؤيده روايته عنه خبر تعليمه القرآن للمارة وفيه إخباره بأنه عليه السلام غطى وجهه
ويبعد ذلك من المكفوف ومر انصراف الإطلاق عن غيرهما.
ومنها رواية أبان بن عثمان عنه فذكر عناية الله في المحكى عنه أنه: إذا روى أبان
بن عثمان عن أبي بصير فالظاهر أنه ليث بن البختري المرادي وصرح به في طريق
سعد بن مالك الخزرجي أبى سعيد الخدري عن الكشي " (2) (3).
قلت: يمكن تأييده بما ذكره الكاظمي في أبان بن عثمان بأنه يعرف بروايته عن أبي
بصير وفى أبان بن تغلب أنه يمكن استعلامه بروايته عن أبي بصير أيضا كأبان ابن
عثمان (4) فإذا ضم إلى ذلك ما مر من ظهور الإطلاق خصوصا في كلمات المتأخرين
في المرادي تم التغريب.
ومنها: رواية جماعة أخرى عنه على ما نقل عن الفاضل المذكور وهم: ابن أبي
يعفور وبكير بن أعين وحماد الناب وسليمان بن خالد والفضل البقباق وفضيل الرسان
والمثنى الحناط وعمر بن طرحان.



(1) مجمع الرجال ج 5 ص 85.
(2) رجال الكشي ص 40 الرقم 84.
(3) مجمع الرجال ج 7 ص 203
(4) هداية المحدثين ص 6.
166
قلت: ربما يؤيد ما ذكره كله اتحاد الطبقة فلاحظ
هذا كله فيما يعين المرادي وأما ما يعين الأسدي فأمور أيضا:
منها: الوصف بالمكفوفية فإن المستفاد من الأخبار وكلمات الأخيار اختصاصه
به ولا أقل من أصالة عدمه في غيره بعد ثبوته في حقه بلا شبهة وريب ولا ريب في
حصول الظن من ذلك بتعيينه بالوصف المذكور سواء كان في لسان الراوي أو في
الخبر ولو ببيان ما يتعلق به من المسح على العين وإراءة الدنيا وفى لسانه بأني الضرير
ونحو ذلك
ويجئ أن ابن أخته - وهو العقرقوفي - إنما يروى عنه وهو الراوي لأحاديث
المشتملة على ذلك فلاحظ مع ما ذكروه في الرجال في أحوال الأسدي وغيره.
وأما ما حكى عن المولى التقى المجلسي مما يفيد مكفوفية المرادي أيضا لقوله
بعد نقل خبر ضمان الجنة لأبي بصير: " إن هذا الخبر يحتملهما " أي المرادي
والأسدي ولقوله بعد نقل ما حكاه العلامة في الخلاصة عن العقيقي من كون الأسدي
مكفوفا: " إنه يمكن أن يكون المرادي أيضا أبصر (1) وقوله - بعد صحيحة شعيب،
المشتملة على حكم المتزوج بامرأة لها زوج وقول أبي بصير: " ما أظن صاحبنا تكامل
علمه " -: " إن الظاهر أن هذا الأعمى لم يفهم كلام الصادق عليه السلام واشتبه عليه " (2) وذكر أيضا
في المحكى من شرحه على المشيخة بعد التصريح بأن الأسدي والمرادي سواء في
المدح والذم ما هذا لفظه: " وقد عرفت حال الوقف، ولو قيل به فللمرادي أيضا
كالوقف بقوله: لم يتكامل علمه " (3) انتهى ففاسد (4) يظهر وجهه بالتأمل في الأخبار
والرجال خصوصا ما دل من الأخبار على عدم عمى بعض ينصرف إليه إطلاق أبي بصير
فإنه ينافي عمى الجميع ولعل منشأ توهمه كما قيل - ملاحظة نقل الكشي



(1) روضة المتقين ج 14، ص 310
(2) المصدر السابق ص 309
(3) المصدر السابق ص 311.
(4) قوله: " ففاسد " جواب لقوله: " وأما ما حكى... " و
167
لبعض الاخبار المشتملة على مكفوفية أبي بصير في ترجمة المرادي مع استفادته من
بعض الأخبار مثل ما حكى عن منهج المقال إيراده له في ترجمة زرارة وفيه: " كيف
أصنع بهم وهذا المرادي بين يديه وقد أريته - وهو أعمى - بين السماء والأرض
فشك وأضمر أنى ساحر ". (1)
ويؤيده أو يدل عليه أن في باب المواقيت من التهذيبين روى حديث أول وقت
الإمساك بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر عن عاصم بن حميد عن أبي
بصير المكفوف مصرحا بالوصف (2) وفى كتاب الصوم من الفقيه رواه عن عاصم بن
حميد عن ليث المرادي. (3)
والجواب عن الأول: منع حصول الظن مما صنعه الكشي لما عرفت من طريقته
في كتابه.
مضافا إلى أنه لا يصلح لمقاومة ما مر فضلا عن وروده عليه.
وعن الخبر: بضعف السند
وعن الأخير: بأن الذي يظهر أن تصريح الصدوق بليث المرادي لزعمه أنه المراد
من أبي بصير الراوي للخبر إما لانصراف الإطلاق إلى خصوصه كما مر، أو لغير ذلك
فصرح باسمه لدفع تخيل إرادة غيره.
والشيخ لما رأى أنه أخطأ لأن المراد به الأسدي المكفوف بقرينة رواية عاصم عنه
صرح بالوصف دفعا لما صدر منه وتحفظا عن صدوره من غيره وإلا فالموجود في
السند على ما يظهر من نقل الفقهاء مجرد أبي بصير.
هذا مع احتمال رواية عاصم تارة عن المكفوف وأخرى عن المرادي وإن كان بعيدا
هذا وقد حكى بعض أجلاء العصر عن الفاضل المذكور كلاما آخر يشهد بأن مراده
من قوله السابق وهو: " أن الظاهر أن هذا الأعمى " - هو الأسدي وأن إسناد عدم الفهم



(1) منهج المقال ص 146.
(2) تهذيب الأحكام ج 1 ص 404 ح 1267.
(3) الفقيه ج 2 ص 81 ح 361.
168
المتقدم إلى المرادي في كلام آخر له مبنى على الغفلة فلاحظ شرحه على الفقيه.
ومنها رواية شعيب العقرقوفي عنه فقد صرح المولى عناية الله (1) وغيره بأن
الأسدي هو الذي يروى عنه شعيب المذكور.
ومر على الكثرة عن الأردبيلي زيادة على ذلك " أنه قائده وابن أخته ".
وقال المحقق البهبهاني رحمه الله " إن العقرقوفي ابن أخت يحيى الأسدي فهو قرينة كون
أبي بصير في الروايتين يحيى أي رواية ضمان الصادق عليه السلام له ولآبائه بالجنة
وقوله: " عليك بالأسدي " (2).
قال: " والمحققون حكموا بكونه قرينة عليه حيثما وجد ". (3)
قلت في منتهى المقال بعد النقل عن الكشي في أصحاب الصادق عليه السلام قوله: " شعيب
ابن يعقوب العقرقوفي " ومثله عن الفهرست ما هذا لفظه: " وهذا ظاهره كما هو
المشهور - أنه ابن يعقوب وكونه مكنى بأبي يعقوب اختص به النجاشي (4)
والخلاصة (5) وأثبت الكل ابن داود (6) واشتباه " ابن " ب‍ " أبو " محتمل " (7) انتهى.
وكيف كان فقد حكى بعض أجلاء العصر عن بعض العلماء أنه ذكر - بعد ايراد
الحديث الصحيح المشتمل على السؤال عن الأسدي ما هذا لفظه: " شعيب
العقرقوفي يروى عن أبي بصير عبد الله بن محمد الأسدي لا يحيى بن أبي القاسم
كما يفهم من إطلاق الرواية المتقدمة فإنه يظهر من أمر الإمام عليه السلام إياه فيها بأن يأخذ
من أبي بصير الأسدي أنه لا يروى إلا عمن أمره الإمام عليه السلام بالأخذ عنه وهو عبد الله بن
محمد الأسدي كما لا يخفى.
وهذا قرينة جلية على أن كل موضع وقع فيه شعيب عن أبي بصير مطلقا فهو عبد الله



(1) مجمع الرجال ج 5 ص 84.
(2 و 3) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 271. (4) رجال النجاشي ص 195، الرقم 520.
(5) خلاصة الأقوال ص 86، الرقم 1 من الفصل 13.
(6) رجال ابن داود ص 109 الرقم 758.
(7) منتهى المقال ج 3 ص 443، الرقم 1429.
169
ابن محمد لا غير وإن كان شعيب هذا ابن أخت يحيى بن أبي القاسم فإن شعيب هذا
أمتن من أن يروى عن يحيى هذا وأوثق منه وأجل كما لا يخفى
مع أن الظاهر مع التتبع الصادق أن شعيبا في مرتبة يحيى وطبقته يروى عمن يروى
عنه ويروى عنه من يروى عنه، فإن علي بن أبي حمزة البطائني قائد يحيى هذا يروى
عن شعيب هذا فيحيى ليس في مرتبة يروى عنه شعيب العقرقوفي ". انتهى
ولا يخفى ما فيه:
فأولا: أنه خلاف ما فهمه الجل أو الكل كما عرفت ولذا لم يورد أحد حديث
الأخذ من الأسدي في ترجمة عبد الله المزبور ولم يوثقه أحد بذلك أو غيره.
وثانيا: أن الموجود في الرواية تفسير الأسدي بأبي بصير وقد سبق خلو كلام
المتقدمين عن بيان كون أبي بصير كنية لعبد الله المذكور وأنه إنما أوهمه إيراد حديث
سائله أبو بصير في ترجمته وقد سبق دفعه.
ومع التسليم فلا ريب أنه لم يكن مشتهرا بهذه الكنية بحيث يراد بها عند الإطلاق
ومن المعلوم كثرة روايات شعيب عن أبي بصير على الإطلاق
وثالثا: أن كون شعيب أمتن إنما هو على ما مر من توهم اتحاد يحيى وترجيح
التضعيف معه على التوثيق وإلا فقد عرفت وثاقة يحيى الذي هو خال شعيب وكونه
من أهل الإجماع وورود جملة من الأخبار في مدحه ولو باشتمالها على ضمان الجنة
له ولآبائه وغير ذلك بل هذا في الحقيقة مما يدفع ما ذكره لما عرفت سابقا من
جهالة عبد الله أو ذمه فشعيب الثقة كيف يروى عنه!؟ فهو دليل المختار.
اللهم إلا أن يريد بعبد الله الحجال المزخرف كما أشرنا إليه.
ويدفعه أيضا ما أشرنا إليه من أنه لم يذكر له هذه الكنية أحد فيما وقفنا عليه.
ورابعا: منع كون شعيب في مرتبة يحيى لأنه يروى عن أبي عبد الله وأبى
الحسن عليهما السلام ويحيى يروى عن أبي جعفر وأبى عبد الله وقليلا من أبى الحسن عليهما السلام لموته
في أوائل أمره.
ومجرد رواية شخص عن شخص يروى عن رجل لا ينافي رواية الأول عن الأخير.

170
وأيضا حكى عن الشيخ (1) أنه أورد عبد الله بن محمد الأسدي في أصحاب مولانا
الباقر عليه السلام ولم يذكره في أصحاب الصادق عليه السلام ورواية شعيب عن أبي بصير عن
الصادق عليه السلام أكثر من أن تحصى فكيف يكون أبي بصير الذي يروى عنه شعيب دائما
عبد الله المذكور!؟ ولو كان عبد الله راويا عن الصادق عليه السلام بهذه الكثرة كان خفاؤه على
الشيخ بعيدا جدا.
وخامسا: أن عبد الله بن محمد الأسدي يروى عن شعيب بواسطة كما في سند
الحديث المشتمل على ضمان الجنة لأبي بصير على النقل المحكى عن الكشي قال:
" محمد بن مسعود قال: حدثني أحمد بن منصور عن أحمد بن الفضل عن عبد الله بن
محمد الأسدي عن ابن أبى عمير عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير " (2) فكيف
يروى عنه شعيب بلا واسطة!؟
وبالجملة فهذا التوهم لوضوح فساده لم نكن نحتمل صدوره عن جاهل فضلا
عن عالم.
ومنها: رواية عبد الله بن وضاح عنه كما نص عليه المولى عناية الله. (3)
وعن الخلاصة: " أنه صاحب أبي بصير يحيى بن القاسم كثيرا وعرف به " (4).
قلت: إسقاطه لفظة " أبى " بعد الابن منشؤه زعمه الاتحاد كما مر فلا دلالة فيه على
كون المروى عنه الأزدي وبضم انصراف إطلاق أبي بصير عنه إلى الأسدي يكون هو
المتعين ولو منع ذلك فالتميز عن المرادي حاصل
ومنها: رواية علي بن أبي حمزة عنه للتصريح به في بعض الأخبار كما في الباب
السادس من العيون (5) ولأنه قائده لتصريح عناية الله به.



(1) رجال الشيخ ص 129، الرقم 26.
(2) رجال الكشي ص 171 الرقم 289.
(3) مجمع الرجال ج 4، ص 59.
(4) خلاصة الأقوال ص 110، الرقم 37.
(5) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 59 ح 28.
171
ولا يخفى أن التميز بسببه لا يزيد على عدمه إلا كون ضعف السند اجتهاديا لضعف
علي بن أبي حمزة كذلك.
ومنها: رواية الحسن بن علي المزبور عنه لحكاية تصريح النجاشي بروايته عنه. (1)
ومنها رواية عاصم بن حميد عنه كما مر.
ومنها: رواية الحسين بن أبي العلاء عنه لما حكى من تصريح الفهرست بأنه يروى
عنه.
ومنها رواية منصور بن حازم عنه لرواية الكليني في باب من طلق ثلاثا من طلاق
الكافي هكذا: " عن منصور بن حازم عن أبي بصير الأسدي " (2).
ومنها: رواية المعلى بن عثمان عنه لروايته في باب إصابة الدم الثوب هكذا: " عن
المعلى بن عثمان عن أبي بصير قال: دخلت على أبى جعفر عليه السلام وهو يصلى فقال لي
قائدي إن في ثوبه دما ". (3)
ومنها: رواية مثنى الحناط عنه لما حكى عن الكشي من أنه روى عن مثنى الحناط
عن أبي بصير قال: " دخلت على أبى جعفر عليه السلام قلت: تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرئوا
الأكمه والأبرص؟ فقال لي: بإذن الله ثم قال: ادن منى فمسح على وجهي وعلى
عيني فأبصرت السماء والأرض والبيوت... " الخبر. (4)
قلت: مر عن المولى عناية الله أن روايته تعين المرادي ففي التميز به تأمل
ومنها: رواية يعقوب بن شعيب السابقة كما نص عليه المولى عناية الله.
ومنها: رواية شهاب بن عبد ربه ومحمد بن حمران (عمران خ) على نقل المولى
المذكور وفى التميز ببعض من ذكر هنا وفى المروى ما مر في التميز بعلي بن أبي
حمزة للاشتراك في الضعف فلاحظ وتأمل.



(1) رجال النجاشي ص 36 الرقم 73.
(2) الكافي ج 6 ص 71.
(3) الكافي ج 3، ص 58، ح 1.
(4) رجال الكشي ص 174، الرقم 298.
172
البحث الثالث في عمر بن يزيد
وإجمال الكلام فيه في مطلبين:
(المطلب) الأول: المتحصل من ملاحظة جميع ما في كتب الرجال - على ما ذكره
بعض أجلاء العصر أن لهذا الاسم عناوين خمسة:
عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل ذكره النجاشي. (1)
وعمر بن يزيد الصيقل الكوفي ذكره الشيخ في رجاله (2).
وعمر بن يزيد الثقفي ذكره الشيخ في رجاله. (3)
وعمر بن يزيد بيان السابري ذكره الكشي (4) والشيخ في رجاله. (5)
وعمر بن محمد بن يزيد ذكره النجاشي (6) والخلاصة. (7)
وهل المسمى متعدد على عدد الأسماء أم لا؟ الظاهر لا.
فالأولان واحد ذكر جده مرة وترك أخرى وقيد بالكوفي في عبارة وترك في
أخرى وذلك لأن النجاشي ذكر ذلك في عنوان واحد وكذا الشيخ في رجاله إلا أن
الأول ذكر اسم جده والأخير قيده بالكوفي ولو كانا رجلين لذكراهما في عنوانين،
ولذا جمعهما في منتهى المقال في عنوان واحد فظاهره التسالم على الاتحاد وهو
الذي يظهر من غيره أيضا.
وأما الثلاثة الأخيرة فهي أيضا لواحد مغاير للأول.
أما الاتحاد فلأن النجاشي والعلامة في الخلاصة لم يذكرا إلا عمر بن محمد بن
يزيد وذكرا أنه بياع السابري كوفي والشيخ لم يذكر في رجاله هذا بل ذكر عمر بن



(1) رجال النجاشي ص 268، الرقم 763.
(2) رجال الشيخ ص 251، الرقم 458.
(3) رجال الشيخ ص 749، الرقم 125.
(4) رجال الكشي ص 331، الرقم 605.
(5) رجال الشيخ ص 251، الرقم 450.
(6) رجال النجاشي ص 749، الرقم 125.
(7) خلاصة الأقوال، ص 119، الرقم 1.
173
يزيد وقال: " إنه بياع السابري كوفي " وكذا الحال في الكشي ولو كانا مغايرين
لذكروهما في عنوانين كما هو ديدنهم ولأن في الخلاصة في ترجمة عمر بن محمد بن
يزيد " أنه أثنى عليه الصادق عليه السلام " (1).
والظاهر أنه إشارة إلى ما أورده الكشي في ترجمة عمر بن يزيد وهو الخبر
المشتمل على قوله عليه السلام: " يا بن يزيد أنت والله منا أهل البيت " (2)
وبالجملة ليس ما يوهم التعدد إلا إسقاط الأب في رجال الشيخ ونسبته إلى جده
وهذا غير عزيز فلا ينبغي التأمل في الاتحاد.
وأما عمر بن يزيد الثقفي فهو أيضا متحد مع من ذكر وليس ما يوهم التعدد إلا
التصريح بالثقفي في موضع وتركه في آخر وهو أيضا غير عزيز مع أن في الكشي
ذكر قوله: " مولى ثقيف " بعد قوله: عمر بن يزيد بياع السابري " وفى النجاشي
والخلاصة ذكر ذلك بعد عمر بن محمد بن يزيد.
فظاهر الجماعة الاتحاد خصوصا وهم لم يجعلوا له عنوانا آخر مغايرا لعنوان بياع
السابري.
وهذا الاتحاد استظهره الميرزا رحمه الله. (3)
وفى التعليقة: " هو في غاية الظهور " (4)
ومما يوهم التعدد أيضا ذكرهما في رجال الشيخ في عنوان، إلا أن مثله مع الاتحاد
في كتابه غير عزيز.
ومن ذلك كله ظهر بطلان توهم التعدد كما يظهر من الوجيزة حيث قال: عمر بن
يزيد بياع السابري ثقة وهو عمر بن محمد بن يزيد والباقون مجاهيل ". (5)
كما أن منه يظهر بطلان توهم اتحاد الخمسة كما يظهر من اقتصار الكشي



(1) خلاصة الأقوال ص 119 الرقم 1.
(2) رجال الكشي ص 331، الرقم 605.
(3) منهج المقال ص 252 قال " والظاهر عندي الاتحاد "
(4) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 252
(5) الوجيزة في الرجال ص 134 الرقم 1374.
174
والفهرست والخلاصة على عنوان واحد ومما ذكره النجاشي (1) والعلامة (2) في ترجمة
أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل فقد ذكرا بعد ذلك أن جده عمر ابن يزيد
بياع السابري.
ويدفع الأخير باحتمال بل ظهور كون الصيقل فيها لقبا لأحمد ولعله لهذا صرح
بأن جده بياع السابري لئلا يتوهم أنه لقب لجده عمر وإلا كان مقتضى السياق ان
يقول بعد الصيقل بياع السابري.
وقد حكى الاستظهار المزبور عن الفاضل عبد النبي (3) وغيره.
ويدفع الأول بل الأخير ذكر النجاشي (4) لهما عنوانين مع اختلاف ما بينهما ففي
بياع السابري توثيقه دون الصيقل وأن الأول من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام.
والأخير من أصحاب الصادق عليه السلام ومثله الشيخ في رجاله (5) وفيهما اختلاف آخر في
الكتابين وهو بيان أن الراوي عن الأول محمد بن عذافر ومحمد بن عبد الحميد
وعن الأخير محمد بن زياد.
ومثل ذلك صنع الكاظمي (6) بل أكثر المتأخرين كالنقد (7) ومنتهى المقال (8) وغيرهما
فلا ينبغي التأمل في التعدد.
وحاصل البحث أن المسمى بهذا الاسم اثنان.
والمطلب الثاني في الإشارة إلى حالهما مع ما يميز أحدهما عن الآخر.
فنقول إن بياع السابري وثقه النجاشي والشيخ في رجاله وكذا العلامة والكاظمي



(1) رجال النجاشي ص 83، الرقم 200.
(2) خلاصة الأقوال ص 19، الرقم 41.
(3) حاوي الأقوال ج 1 ص 172 الرقم 60
(4) رجال النجاشي ص 83 الرقم 200 وص 286، الرقم 763.
(5) رجال الشيخ ص 351، الرقم 450، وص 253 الرقم 486، وص 351 الرقم 457.
(6) هداية المحدثين ص 221.
(7) نقد الرجال ص 21 و 256.
(8) منتهى المقال ج 5، ص 144 و 145. الرقم 2217 و 2218.
175
وغيرهم وهو الذي يظهر من إيراد الكشي رواية الثناء في حقه.
ويمكن استظهاره مما في كتاب الشهادات من الكافي (1) والتهذيب (2) وهو الصحيح
المروى عن حماد بن عثمان عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل
يشهدني على الشهادة فأعرف خطى وخاتمي ولا أذكر عن (3) الباقي قليلا ولا كثيرا
قال: فقال لي: " إذا ان صاحبك ثقة ومعك (4) رجل ثقة فاشهد له " وذلك لوضوح اعتبار
العدالة في الشهادة في كل زمان.
ويستفاد من الخبر أنه كان رجلا معروفا بعدالة يجعل شاهدا في الأمور العظيمة
وأيضا أمره الإمام عليه السلام بالشهادة مع ثقة آخر فتدبر.
وأما الصيقل فلم يوثقه أحد وإنما حكاه ابن داود عن النجاشي وقد عرفت أنه غير
مطابق للواقع ولذا لم ينقله غيره عنه.
ولا يبعد أن يكون الوجه فيه توهمه الاتحاد كغيره وقد عرفت خلافه.
نعم ربما يستفاد التوثيق من كون الراوي عنه محمد بن زياد بناء على كونه ابن أبي
عمير كما استظهره في التعليقة (5)، وسهل الخطب بسببه وهذا بناء على ما قيل في حق
ابن أبي عمير من أنه لا يروى إلا عن ثقة.
ولعل إليه نظر المدارك وجماعة - على ما حكاه بعض الأجلاء من حكمهم بصحة
الحديث الذي في سنده عمر بن يزيد مع عدم المميزات وذكر منه المروى في باب
العمل في ليلة الجمعة ويومها من زيادات التهذيب عن ربعي عن عمر بن يزيد عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة " (6)
لكن الجميع كما ترى والمميز لبياع السابري موجود في الرواية وهو رواية



(1) الكافي ج 7 ص 382 (باب الرجل ينسى الشهادة.. ح 1)
(2) تهذيب الأحكام ج 6 ص 258 ح 681 من باب البينات.
(3) في المصدر، " من "
(4) في المصدر: ومعه "
(5) تعليقة الوحيد البهباني ص 252.
(6) تهذيب الأحكام ج 3 ص 245 ح 664.
176
ربعي عنه فقد نص الكاظمي على أنه يروى عنه قال: " يعرف أنه ابن يزيد بياع
السابري الثقة برواية الحسين بن عمرو بن يزيد عنه ورواية محمد بن عذافر عنه.
وعلى الصيرفي ومحمد بن يونس والحسن بن عطية والحسن بن السري وربعي
ابن عبد الله وعمر بن أذينة (ومحمد بن خالد البرقي) (1) وحريز وهشام بن الحكم
ودرست بن أبي منصور، وحماد بن عثمان، ومحمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى
(وجعفر بن بشير) (2) وأبان بن عثمان ومعاوية بن عمار والحسن بن محبوب،
ومعاوية بن وهب " (3).
وقلت: ولك أن تقول: إن تصحيح الجماعة لانصراف الإطلاق إلى الثقة لكونه
أشهر كما يشعر به كثرة الرواة عنه كما سمعت دون الصيقل فإن الراوي عنه - كما
ظهر من النجاشي وصرح به الكاظمي (4) وأشار إليه في التعليقة (5) وغير ذلك هو
محمد بن زياد ولم يذكروا غيره.
ومنه يظهر أنه لا افتقار إلى التميز مع الإطلاق، لكنه كما ترى، فإن كثرة الرواة لا
تلازم الاشتهار، وكذا لم يشر إليه أحد فيما أعلم.
ثم إنه قد ظهر مما ذكر تميز أحدهما عن الاخر بالراوي عنهما، كما أنه ظهر مما مر
التميز بالمروي عنه أيضا حيث كانت الرواية عن مولانا الكاظم عليه السلام لاختصاص الثقة
بالرواية عنه، وإنما الاشتراك الموجب للضعف فيما إذا كانت الرواية عن مولانا
الصادق عليه السلام مع فقد التميز بالراوي ونحوه.
ويظهر من مشيخة الصدوق أن من الرواة عن الثقة محمد بن عباس، فلاحظ
وتأمل.



1 و 2. ما بين المعقوفين ساقط في الأصل، وأثبتناه من المصدر.
3 و 4. هداية المحدثين، ص 221.
5. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 252.
177
الباب الثالث
فيما يتعلق بمعرفة صفات وأحوال رجال السند
وهي أيضا - كما مر - من جملة ما وضع لأجله هذا العلم.
ولا يخفى أن البحث في ذلك من جهة استفادة تشخيص صفات الرواة من هذا
العلم، فيكون من مسائله. وبحث الأصولي عنه استطراد مع إمكان جعله من مسائله
بتكلف.
وأما البحث عن الافتقار وعدمه فله جهتان بإحداهما من مقدمة هذا العلم،
وبالأخرى من مسائل الأصول، فتدبر.
وفى هذا الباب أيضا فصول:

179
الفصل الأول
في الإشارة إلى جملة ألفاظ مستعملة عندهم في المدح المطلق
سواء بلغ حد التوثيق بالمعنى الأخص أو الأعم، ولنقتصر في هذا المختصر على
ما ينبغي التعرض له ولو لاختلافهم في مفادها.
فاعلم أن ألفاظ المدح على أقسام:
منها: ما يستفاد منه مدح الراوي وحسن حاله مطابقة، وحسن روايته بالالتزام،
ك‍ " عدل " و " ثقة " و " خير " و " دين " ونحو ذلك.
ومنها: ما بالعكس، ك " صحيح الحديث " و " ثقة في الحديث عند بعض " و " صدوق "
و " شيخ الإجازة " و " أجمع على تصديقه أو على تصحيح ما يصح عنه " وهكذا.
وكل منهما إما يبلغ المدح المستفاد منه حد التوثيق أم لا. ثم كل منها إما يكون فيه ما
يدل على الاعتقاد الحق أو خلافه أم لا. فهذه اثنا عشرة قسما، ويزيد بضم بعض الأمور
إليه بأن يكون مع ما ذكر له دخل في قوة المتن ك‍ " فقيه " و " رئيس العلماء " و " فهيم " و
" حافظ " و " له ذهن وقاد وطبع نقاد " وهكذا، أو لا يكون كذلك.
وكذا بتعميم المدح إلى ما ليس له دخل لا في السند ولا في المتن، ك‍ " قارئ "
و " منشئ " و " شاعر ".
ونحن نذكر من الجميع بعضها:
فمنها: قولهم: " فلان عدل، ضابط، إمامي " وهذا لا خلاف في إفادته التوثيق

181
المترتب عليه التصحيح بالاصطلاح المتأخر وإن أمكن استشكاله إذا كان القائل من
غيرنا، كابن عقدة وابن فضال، إلا أنه ضعيف لظهور الإمامي في الاثني عشري،
كضعف الاستشكال باختلاف المذاهب حتى من أصحابنا في معنى العدالة، بل
والكاشف عنها، وقد بيناه في المقدمة.
وإذا اقتصر على الألفاظ المزبورة أو اثنين منها، فإن كان أحد الأخيرين أو هما، فلا
ريب في عدم إفادته المدح البالغ حد التوثيق، بل ولا مطلقه.
وإن كان الأول أو مع أحد الأخيرين، فيحتمل الاقتصار على مؤدى الموجود.
ويحتمل استفادة مفاد غير الموجود أيضا منه أو من الخارج الصرف.
فالأول إما من جهة ظهوره عند الإطلاق في ذلك، لانصرافه إلى الفرد الكامل، أو
لأن القائل إذا شهد به، فظاهره بيان أنه ممن يترتب على قوله ما يترتب على قول البينة
إذا انضم إلى مثله، وعلى الشاهد مع عدمه، بل إنه ممن يثبت له جميع آثار العدالة،
خصوصا في علم الرجال الموضوع لتشخيص من يؤخذ بقوله ولو مع فقد قرائن اخر
للاعتبار.
ولعله لذا يكتفى بخصوص الأول في التزكية في مقام المرافعات، بل التقليد مع
اعتبار مفاد الأخيرين فيهما أيضا.
والثاني إما للبناء على الغلبة خصوصا في الرواة لا سيما في العدول منهم لوضوح
أن الغالب فيهم الضبط والإمامية، ولا ريب في إفادتها الظن بهما في مجهول الأمرين،
ومر أنه المعتبر في المقام، مضافا إلى إفادة اعتباره بالنسبة إلى ذلك في غير المقام إفادته
فيه بالأولوية. وإما للبناء في الضبط على أصالة بقاء التذكر والعلم بالمعنى المنافي
للنسيان، لا بمعنى التذكر الفعلي حتى يكون متعذرا أو متعسرا. ومثلها أصالة عدم
الكثرة المنافية للقبول، ولا ريب أن الظن مع الأصل الأخير إن لم يكن مع الأول، فلا
ينافي اعتباره في المقام عدم البناء على التعبدية في الأصول في مثل هذه
الموضوعات، ولأن المعتبر فيه الظن دون ما فيه في مرتبة العلم من أصل أو غيره من
دعوى انسداد العلم والعلمي، مع اندفاع الأخير بأن ما مر دعوى انسداد ما يكتفى به

182
عن الظن لا مطلقا، فلا يضر الانفتاح في الجملة، وفى الإمامية على الأصالة المستفادة
من ولادة كل شخص على الفطرة، الظاهرة في التامة في الحق ولو لانصرافها إليها، أو
على ما ذكر في أوائل كثير من الكتب الرجالية، ككتاب النجاشي والفهرست ورجال
ابن شهرآشوب، فإنها وضعت لذكر رجال الشيعة.
وقد حكى عن الحاوي أنه قال: " اعلم أن إطلاق الأصحاب لذكر الرجل يقتضى كونه
إماميا فلا يحتاج إلى التقييد بكونه من أصحابنا، ولو صرح (به) 1 كان تصريحا بما علم
من العادة ". 2
وعن رواشح السيد الداماد رحمه الله: " أن عدم ذكر النجاشي كون الرجل عاميا في ترجمته
يدل على عدم كونه عاميا عنده ". 3
وفى منتهى المقال في ترجمة عبد السلام الهروي: " أن الشيخ محمد رحمه الله قال في جملة
كلام له: ذكرنا في بعض ما كتبنا على التهذيب أن عدم نقل النجاشي كونه عاميا يدل
على نفيه ". 4
قلت: لا ينبغي التأمل في ذلك إذا كان النظر إلى كتاب رجاله لما مر، بل ولا يختص
به لما سمعت.
وهل يستفاد ذلك من قولهم: " من أصحابنا "؟ الظاهر ذلك عند الإطلاق.
وربما يظهر من عباراتهم خلافه، كما في ترجمة عبد الله بن جبلة ومعاوية بن حكيم.
وقد صرح الشيخ رحمه الله في أول الفهرست: " كثير من مصنفي أصحابنا ينتحلون
المذاهب الفاسدة ". 5 وقد نص على ذلك المولى البهبهاني في فوائده الرجالية. 6
وقد ظهر من ذلك كله أن الاحتمال الأخير هو الأقوى، ويقويه ما يأتي في الاكتفاء



1. لفظة " به " ساقطة في الأصل، وأثبتناها من المصدر.
2. حاوي الأقوال، ج 1، ص 107.
3. الرواشح السماوية، ص 176.
4. منتهى المقال، ج 4، ص 128، الرقم 1618
5. الفهرست، ص 2.
6. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 35.
183
بقولهم: " ثقة في ثبوت العدالة والإمامية أو مع الضبط أيضا لأن قولهم: " عدل " إما
مثله أو أقوى.
وفى فوائد منتهى المقال: " فكما أن (عادل) ظاهر فيهم فكذا ثقة: ". 1
ويؤيده أيضا أنهم يصفون الخبر بالحسن إذا مدح رواته بما لا يبلغ الوثاقة، مع
اعتبار الضبط والإمامية في العمل به، بل في مفهومه أيضا، وكذا في الموثق بالنسبة إلى
الضبط، وأقوى تأييدا لاستفادة الضبط - بعد البناء على اعتباره - أنهم قلما يذكرونه
(في) حق الرجال على ما وقفنا عليه، فتدبر.
ومنها: قولهم: " ثقة " فقد حكى عن جماعة من المحققين أنه " إذا قال النجاشي: ثقة،
ولم يتعرض لفساد المذهب، فظاهره أنه عدل إمامي لأن ديدنه التعرض للفساد
فعدمه ظاهر في عدم ظفره، وهو ظاهر في عدمه لبعد وجوده مع عدم ظفره، لشدة
بذل جهده وزيادة معرفته ". 2
وفى الفوائد المشار إليها - بعد حكاية ما ذكر -: " لا يخفى أن الرواية المتعارفة
المسلمة أنه إذا قال: عدل - النجاشي كان أو غيره: ثقة، الحكم بمجرده بكونه عدلا
إماميا - كما هو ظاهر - إما لما ذكر، أو لأن الظاهر التشيع، والظاهر من الشيعة حسن
العقيدة، أو لأنهم وجدوا أنهم اصطلحوا ذلك في الإمامية وإن أطلقوا على غيرهم مع
القرينة، فإن معنى " ثقة " عادل ثبت، فكما أن " عادل " ظاهر فيهم فكذا ثقة، أو لأن
المطلق ينصرف إلى الكامل أو لغير ذلك ". 3 انتهى.
قلت: المستفاد من أخير كلامه استفادة الضبط الذي يرادف الثبت وضعا أو
استعمالا أو إرادة أو يقرب منه من اللفظ المزبور، وهو الظاهر من الفصول، 4 بل من
جملة ممن عاصرناهم من المشايخ.



1. منتهى المقال، ج 1، ص 44، (المقدمة الخامسة).
2. منتهى المقال، ج 1، ص 43.
3. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 18.
4. الفصول الغروية، ص 302 (فصل تعارض الجرح والتعديل).
184
ويؤيده جريان ما استندوا إليه في استفادة الإمامية في استفادة الضبط وزيادة عرفتها
في اللفظة السابقة، ولذا تراهم يصححون السند إذا كان رجاله ممن قيل في حقه: ثقة،
بل الغالب في الرجال إطلاق هذه اللفظة دون " عدل " أو " عادل "
وقد عرفت أن المعروف المدعى عليه الإجماع اعتبار الضبط، فعملهم مع بنائهم
على اشتراط الضبط أقوى شاهد على استفادة الضبط من هذه اللفظة، إلا أن يقال:
استفادته من الخارج صرفا كالأصل والغلبة على ما مر.
لكن لا يبعد أن يقال: إن هذا الاحتمال وإن لم يكن بعيدا في اللفظة السابقة إلا أنه
بعيد في المقام لظهور الوثوق بشخص لغة وعرفا في الائتمان والاعتماد عليه.
ففي المصباح المنير: " وثق الشئ - بالضم وثاقة: قوى وثبت، فهو وثيق ثابت
محكم، وأوثقته: جعلته وثيقا، ووثقت به أثق بكسرهما ثقة ووثوقا: ائتمنته، وهو
وهي وهم ثقة لأنه مصدر. وقد يجمع في الذكور والإناث، فيقال: ثقات، كما قيل:
عدات ". 1
وفى القاموس: " وثق به - كورث - ثقة وموثقا: ائتمنه ". 2
قلت: وفى العرف كذلك، مع أن الأصل عدم النقل، وعلى فرضه إلى ما يقرب من
المعنى اللغوي للغلبة في النقل، وللتنافر في قولهم: " فلان ثقة كثير النسيان " ما ليس
في قولهم: " فلان ثقة فطحي أو واقفي " ويقال كثيرا: " فلان نصراني ثقة " ولا يقال: " ثقة
كثير النسيان ".
وبالجملة، فالظاهر الاكتفاء باللفظ المزبور في تصحيح الخبر بالاصطلاح المتأخر
إذا لم يثبت كون الرجل من غير الإمامية
ولكن هنا أمور:
أحدها: أنه هل يعتبر كون القائل لهذا اللفظ إماميا كما يعتبر كونه عادلا أم لا؟



1. المصباح المنير، ص 364، " وثق ".
2. القاموس المحيط، ج 3، ص 416، " وثق ".
185
والظاهر جريان هذا البحث في اللفظ السابق أيضا على ما قررناه من استفادة
الإمامية منه أو معه بل على عدمها أيضا إذ منشؤ الإشكال وجهان:
أحدهما: أن غير الإمامي إذا أطلق الثقة على شخص فهل يستفاد منه كونه إماميا
بالمعنى الأخص وهو الاثني عشري، أو بالمعنى الموافق لمذهب القائل، أو بالمعنى
الأعم؟
وثانيهما: أنه هل يستفاد منه العدالة الخاصة بمذهبنا أو بمذهبه أو بالمعنى الأعم؟
فبالنسبة إلى الأخير لا فرق بين اللفظين ولو على عدم استفادة الإمامية من أولهما.
وكيف كان فالوجه عدم الاختصاص، فلا يعتبر في القائل الإمامية الخاصة.
أما بالنسبة إلى الإشكال الأول، فلعموم أكثر الوجوه المذكورة في استفادة الإمامية
من اللفظين المزبورين ولو مع قرينة خارجية، أو من الخارج الصرف.
وأما بالنسبة إلى الثاني فلأن أصل المعنى المعبر عنه بالعدالة والوثوق - الموجب
للركون إلى قول صاحبه والاعتماد عليه - هو معنى عام لا يختص بدين دون دين، ولا
بمذهب دون مذهب، فإنه عبارة عن التزام العبد بمهمات ما في دينه ومعظمات ما في
مذهبه، أو عن حالة ذلك فيه، وإنما الاختلاف فيما في الدين والمذهب.
وتقييد العدالة بكونها في المذهب في كلام من أثبتها لمن يخالفه فيه - كما نذكر
ذلك بالنسبة إلى من خالفنا، ولعلهم يذكرونه أيضا بالنسبة إلينا، بخلاف إثباتنا للموافق
لنا فيه - إنما هو من باب الإتيان بما يصرف الظهور الناشئ من الإطلاق، الموجب
للاختصاص ببعض أفراد المطلق، كقولك: ائتني بإنسان أي إنسان كان
وقد نترك القيد إما لإنكار الظهور المزبور أو لعدم قوته أو للاتكال على أمر خارج.
ومن هنا أطلق النجاشي بل غيره عدالة كثير ممن خالفنا.
ولا يخفى أنه قد يكون أحد المذاهب أظهر وأجلى ولو لكثرة أهله وانتشارهم،
فالإطلاق يوجب الصرف إلى العدالة في ذلك المذهب وإن كان المطلق من غير أهله،
خصوصا إذا كان كثير الاختلاط والصحبة معهم، لا سيما إذا كان مرجعا لهم يأخذون
منه التعديل والتضعيف، وخاصة حيث كان السائل منه عن حال شخص منهم، فإنه

186
لا ينبغي الريب حينئذ في ظهور إطلاقه في العدالة على مذهب السائل.
وقد مر عن التعليقة حكاية ركون الأصحاب إلى توثيق وتضعيف ابن فضال وابن
عقدة، بل أخذ الجميع منه، مع ظهور أنهم لا يحملونهما على مذهبيهما، فظهر أنهم
حملوهما على ما في مذهبنا أو على الإطلاق، ولعله الأظهر.
ولا ينافيه إثبات العدالة في مذهبنا بذلك لتحمل الإطلاق لذلك، بل قد عرفت أن
التغاير بأمر خارج لا توجب خصوصياته تعدد الأفراد، فتأمل جيدا، فإنه متين نافع في
دفع جملة من الشبهات من غير حاجة إلى ما في الفوائد المشار إليها في دفع الإشكال
الآتي من دعوى ظهور اتحاد سبب الجرح والتعديل في المذهبين سوى الاعتقاد
بإمامة إمام، فإنه - كما ترى - غير ما أشرنا إليه، كما لا يخفى.
والأمر الثاني: أنهم كثيرا ما يطلقون اللفظين في حق شخص، ثم يصرحون متصلا به
أو منفصلا - وكذا يصرح غيرهم - بأنه فطحي أو واقفي أو ناووسي، فلو كان فيهما
الدلالة على الإمامية، كان بين التصريحين تناف وتناقض، وليس البناء عليه، بل على
الجمع بينهما، إلا أن يرجح الأول بمرجح خارجي.
وبالجملة، كان مقتضى التناقض التزام الترجيح مطلقا، لا تقديم الأخير على الأول،
فهذا كاشف آخر عن عدم دلالة اللفظين على الإمامية.
ويدفع: بأنا على فرض البناء على استفادة الإمامية من نفس اللفظين أو مع القرينة
لم ندع صراحتهما في ذلك حتى يلزم ما ذكر، بل المدعى ظهورهما فيه، ولا ريب أنه
يخرج عن الظهور بالتصريح بالخلاف إذا لم يكن موهونا في نفسه أو بأمر خارج،
ولم يكن الظهور معتضدا بما لا يقاومه التصريح المذكور، فإن الجمع بين إطلاق
توثيق شخص ورمى الآخر للموثق بالفطحية ونحوها ليس من الجمع بين المطلق
والمقيد تعبدا أو ما يقرب منه، بل للظهور النوعي الذي يقدم عليه الظهور الشخصي
على البناء على اعتبار الظن، كما هنا وفى باب الألفاظ، والموثق لعله لم يقف على
ما ذكره المضعف أو اكتفى بظهور حال المضعف أو بقرينة أخرى خارجية، فلا
نقول بمسامحته ولا تقصيره ولا خطئه مع أنه لا يوجب خطأه في أصل مدلول اللفظ،

187
وهو العدالة المطلقة.
وما في الفوائد المشار إليها في الإيراد على الجمع المزبور من أن المعدل ادعى كونه
عادلا في مذهبنا، فإذا ظهر كذبه، فالعدالة في مذهبه من أين؟. 1 يظهر دفعه بملاحظة ما
قدمناه في معنى العدالة، ويأتي إن شاء الله تعالى في الفصل الثالث الإشارة إلى بعض
أسباب الظن الشخصي.
والأمر الثالث: أنه إذا كان الجرح في حق من قيل في حقه: عدل، أو ثقة، من غير
أصحابنا، كجرح ابن فضال لأبان برميه بالناووسية، سواء كان في الاعتقاد، كما مر، أو
في الجوارح، فهل يقبل مطلقا، أو لا كذلك، أو يبنى على حصول الظن الشخصي إن
كان في أحد الجانبين، وإلا فالنوعي؟ الأظهر: الأخير، لأنه إذا كان عدلا أخبر عن أمر،
فالقاعدة قبول قوله، سواء أخبر عن مثل ما فيه في غيره أو غيره، يلاحظ بعد ذلك ما
هو المقرر في تعارض الجرح والتعديل بالإطلاق والتقييد إذا جرح بالاعتقاد خاصة،
وبالتباين إذا جرح بغيره، فدفعهم رمى ابن فضال عن أبان إن كان لحصول الظن
بالخلاف أو وهنه بأمر آخر، فذاك، وإلا فهو كما ترى.
(و) الأمر الرابع: أنه 2 بعد ما مر من ظهور " ثقة " في العدالة والإمامية أو مع الضبط
أيضا، فلو أتى قائلها أو غيره - ممن يقدم قوله على قول القائل المزبور، أو يعارض
بقوله قوله - بما فيه نفى أحد الأمرين أو الأمور المستظهرة من اللفظ المزبور، فهل
يبقى على ظهوره في غير المنفى بحيث يستند إليه في الباقي خاصة جمعا بين القولين،
أم لا، أو يفصل بين ما ينفى الأول فالأخير، أو غيره فالأول؟ كل محتمل وإن كان
الأظهر الأول.
أما على استفادة الضبط والإمامية من الخارج: فواضح إذ ليس في نفى أحدهما ما
يلازم نفى الآخر أو العدالة.



1. منتهى المقال، ج 1، ص 44.
2. في الأصل: " أن "، والأنسب ما أثبتناه.
188
وأما على الوجه الآخر: فلأن نفي مفاد أحد مداليل لفظ لا يلازم نفى غيره، إن هو إلا
كعام خص أو مطلق قيد، ولذا لو نفى ناف فقاهة شخص أو كلاميته، لم يخرج به عن
ظهور قولهم: " علامة " في حقه في كونه عالما بعلم آخر مما اصطلح لفظ " العلامة " فيه.
ومن هنا لو ثبت أن من أخبرنا بكونه صباغا أو نجارا أو بناء أو غير ذلك لا يعلم
بعض ما هو من صنعته من عمل خاص، لم يكذب المخبر المذكور أصلا ورأسا، بل
الأمر في المقام أظهر لعدم ارتباط بعض الأمور المزبورة ببعض، كارتباط الأعمال
الخاصة المعتبرة في كل صنعة من الصنائع المشار إليها.
ومن هنا لو نفى ناف في المثال كونه صائغا أو نجارا، لم نحكم بأن المنفى هو
مجموع معرفته بالأعمال الخاصة المتداولة في صنعته من حيث المجموع لا جميعها،
بل نحكم بنفي الجميع وأن ليس له هذه الصنعة أصلا، بخلاف المقام.
فلو صرح غيره أو هو بنفسه بأنه ليس بثقة لم نحكم بنفي كل من الأمور المزبورة
في حقه، بل إما نحكم بانتفاء أحدها لا على التعيين، وتبقى الثمرة بينه وبين نفى
الجميع فيما لو صرح ثالث بوجود أحد الأمور المذكورة، فيتعارض على الأخير،
بخلاف الأول، أو نحكم بانتفاء العدالة خاصة، وهو الأظهر، إما لأنها لما كانت أظهر
استفادة من إثباتها فكذلك في نفيها، كما هو المقرر في غير ذلك من الألفاظ، أو
لخصوصية في تسليط النفي عليها، فإنه المتبادر من إطلاق ذلك.
ولا ينافي الأول ما نقلناه عن أهل اللغة من ظهورها في الثبت والضبط، ولازمه نفيه
في النفي إذ العرف بخلافها في هذا الظهور.
(و) الأمر الخامس: أن قولهم: " ثقة في الحديث " أو " في الرواية " هل هو مثل قولهم:
" ثقة " فيما مر أم لا؟ الظاهر أنه كذلك في استفادة الضبط والإمامية، بل لعله بالنسبة إلى
الأول أظهر.
وأما في استفادة العدالة بالمعنى الأخص أو الأعم فلا يخلو من نوع خفاء لظهور
التقييد في اختصاص وثاقته بالرواية، ولعل المستفاد منه كونه متحرزا عن الكذب،
وهو الذي نقل عن الشيخ رحمه الله كفايته في حجية الخبر، بل وزيادة اهتمامه في الرواية

189
بأخذها عمن يوثق به وغير ذلك مما مرجعه الوثوق بالرواية.
لكن ذكر المولى البهبهاني رحمه الله في فوائده الرجالية: " أن المتعارف المشهور أنه تعديل
وتوثيق للراوي نفسه ". 1
قال: " ولعل منشأه الاتفاق على ثبوت العدالة، وإنه يذكر لأجل الاعتماد على قياس
ما ذكرنا في التوثيق، وأن الشيخ الواحد ربما يحكم في واحد بأنه ثقة، وفى موضع آخر
بأنه ثقة في الحديث، مضافا إلى أنه في الموضع الأول كان ملحوظ نظره الموضع
الآخر، كما سيجئ في أحمد بن إبراهيم بن أحمد، فتأمل.
وربما قيل بالفرق بين الثقة في الحديث والثقة، وليس ببالي القائل.
ويمكن أن يقال - بعد ملاحظة اشتراطهم العدالة -: إن العدالة المستفادة من الأول
هي بالمعنى الأعم، وقد أشرنا وسنشير أيضا أن التي وقع الاتفاق على اشتراطها هي
بالمعنى الأعم.
ووجه الاستفادة إشعار العبارة وكثير من التراجم، مثل أحمد ابن بشير 2 وأحمد ابن
الحسن وأبيه الحسن بن علي بن فضال والحسين بن أبي سعيد والحسين بن أحمد بن
المغيرة وعلي بن الحسن الطاطري وعمار بن موسى وغير ذلك.
إلا أن المحقق رحمه الله نقل عن الشيخ أنه قال: يكفي في الراوي أن يكون ثقة متحرزا عن
الكذب في الرواية وإن كان فاسقا في جوارحه، فتأمل ". 3
قلت: قد عرفت أن إشعار العبارة إنما هو في اختصاص الوثوق بالرواية، لا أعمية
العدالة بحيث تجامع فساد العقيدة، وما وجدنا في شئ من التراجم المزبورة إشعار
بما ذكره، فلا ينبغي التأمل في استفادة الإمامية منه على حد استفادتها من إطلاق الثقة ما
لم يصرح بالخلاف، مضافا إلى ما مر من استفادتها من أمور أخر مشتركة بينهما.
وأما الوثاقة والعدالة فلا يبعد ما أسند إلى المشهور لما مر، ولوجود العبارتين معا



1. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 68.
2. في المصدر: أحمد بن أبي بشير.
3. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 26 و 27.
190
في أحوال كثير منهم ولو من أشخاص.
و منها: قولهم: " أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه " والكلام فيه في أمور:
أحدها: أن الاحتمالات الظاهرة فيه - التي لكل منها قائل على ما تسمعه من
الحكايات - أربعة:
أحدها: ما حكاه في منتهى المقال 1 عن أستاذه صاحب الرياض، وعن بعض
أفاضل عصره، مصرحا بأن ليس لهما ثالث، وهو: أن يكون المراد منه كون من قيل
هذا في حقه صحيح الحديث لا غير، بحيث إذا كان في سند فوثق من عداه أو
صحح السند ولو بغير التوثيق بالنسبة إلى غيره، عد السند حينئذ صحيحا، ولا يتوقف
من جهته.
وثانيها: أن المراد منه توثيق خصوص من قيل في حقه، أسنده في الفوائد الرجالية
إلى قائل غير معلوم. 2 وفى الفصول حكاية إسناده إلى الأكثر عن قائل، 3 واختاره بعض
أفاضل عصرنا في رسالته المسماة ب‍ " لب اللباب " وادعى إجماع العصابة عليه. 4
وثالثها: أن المراد توثيق من روى عنه من قيل ذلك في حقه، أسنده في الفوائد 5 إلى
توهم بعض.
ولا ريب أن مراد القائل توثيق المقول في حقه أيضا، ولذا قال في الفصول - بعد
الحكاية المزبورة - مشيرا إلى هذا القول: " وربما قيل بأنها تدل على وثاقة الرجال
الذين بعده أيضا ". 6
رابعها: أن المراد تصحيح روايته بحيث لو صحت من أول السند إليه عدت
صحيحة من غير اعتبار ملاحظة أحواله وأحوال من يروى عنه إلى المعصوم عليه السلام عزاه



1. منتهى المقال، ج 1، ص 56.
2. أنظر: " ميراث حديث شيعه "، دفتر أول (الفوائد الرجالية)، ص 298.
3. الفصول الغروية، ص 303.
4. انظر: مجموعة " ميراث حديث شيعه "، دفتر دوم ص 473 (لب اللباب في علم الرجال).
5. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 30.
6. الفصول الغروية، ص 303.
191
إلى الشهرة في الفوائد الرجالية، 1 واستظهره من العبارة.
وحكى في منتهى المقال - بعد استظهاره أيضا من العبارة -: " أن بعض أجلاء عصره
ذكر أن عليه الشهرة ".
وحكى عن المحقق الداماد أنه عزاه إلى الأصحاب بقوله: " هؤلاء على اعتبار
الأقوال المختلفة في تعيينهم واحد وعشرون أو اثنان وعشرون رجلا، مراسيلهم
ومرافيعهم ومقاطيعهم ومسانيدهم إلى من يسمون من غير المعروفين معدودة عند
الأصحاب رحمهم الله من الصحاح من غير اكتراث منهم لعدم صدق (حد) 2 الصحيح
- على ما قد علمته - عليها ". 3
قال: " ومثل ذلك قال في أوائل الوافي إلا أنه لم ينسب ذلك إلى الأصحاب، بل إلى
المتأخرين ". 4
قال: " وقال نحو ذلك في مشرق الشمسين ". 5
ثم حكى عن الشهيدين والبهائي والأمين الكاظمي والسيد محمد والمجلسي ما
يستظهر منهم ذلك.
وحكى عن الأخير أنه نسبه إلى جماعة من المحققين منهم والده المقدس التقي،
واستظهره أيضا من الفوائد النجفية، وأنه حكاه عن العلامة في المختلف
وحكى عن البهائي أيضا: " أن من الأمور الموجبة لعد الحديث من الصحيح - عند
فقهائنا - وجوده في الأصل المعروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على
تصحيح ما يصح عنهم " 6. 7



1. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 29.
2. ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3. الرواشح السماوية، ص 47.
4. الوافي، ج 1، ص 27.
5. مشرق الشمسين (ضمن " الحبل المتين ")، ص 269. 270.
6. المصدر السابق، ص 269.
7. منتهى المقال، ج 1، ص 53 - 55، و 58.
192
الأمر الثاني: في بيان الحق وإبطال غيره.
فنقول: حيث إن البناء على الركون إلى الإجماع المزبور إما تعبدا أو للبناء على
اعتبار الظن في الطريق، أو على اعتباره في نفس الاحكام، بناء على قاعدة الانسداد،
المقررة في أحدهما، أو في خصوص الرجال المسلمة فيه كما عرفت، ولا شك في
إفادته الظن، وجب 1 علينا البناء على ما يظهر من اللفظ المزبور لكونه حينئذ كغيره
من الألفاظ التي هي حجة أو من أجزائها.
والذي يظهر لنا من اللفظ المزبور ما فهمه المشهور، ومنه يظهر أنه لو كان في
الظهور المزبور في نفسه قصور، فهو بفهم المشهور مجبور.
فأما الوجه الثاني المعزى إلى الأكثر، المدعى عليه إجماع العصابة: فإن كان المراد
به ما ينفى المختار، فلا ريب في ضعفه فإن الظهور بمرأى منا كمصير المشهور إليه،
بل لم نقف على مصرح به غير من ذكر، فأين الكثرة؟ وأين الإجماع؟ وإلا بأن أريد به
زيادة على المختار إثبات وثاقة الرجل المقول في حقه اللفظ المزبور - نظرا إلى
استبعاد إجماعهم على روايات غير الثقة، مع اختلاف مشاربهم بل رميهم كثيرا من
الثقات بالضعف وفساد العقيدة، لا سيما القميين منهم، خصوصا بعد استثناء مثل
الصدوق وشيخه روايات جماعة عن أخرى، كرواية محمد بن عيسى من كتب يونس،
ورواية محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن يحيى المعاذي، أو عن أبي عبد الله
الرازي وغير ذلك، خصوصا حيث أجمعوا على صحة جميع ما رواه، بل جميع ما
يرويه، كما هو مفاد هيئة المضارع - ففيه أن ما ذكر - على فرض تسليم إفادته بنفسه أو
بانضمام اللفظ المزبور شرطا أو شطرا للظن المعتبر - معارض بظهور عبائر المشهور،
بل صراحتها في نفى ذلك، مع أن الظاهر خلافه، بل هو استدلال بالأعم لإمكان أن
يكون منشؤ الإجماع وقوفهم على نهاية دقته في نقل الرواية بحيث لا يروى إلا ما علم
أو ظن بصحته مع معرفته بعيوب الرواية والرواة، وهذا لا يستلزم وثاقته في نفسه،



1. جواب لقوله آنفا: " حيث إن البناء... " إلى آخره.
193
غاية الأمر كونه ثقة في نقل الحديث خاصة، كما مر في اللفظ المزبور، إلا أن هناك
استظهرنا وثاقته في نفسه من قرائن أخر، فلو وجد مثلها في المقام، لم نكن نأبى عنه،
وإلا فالمسلم وثاقته في الحديث.
وأما الوجه الثالث: فلعل منشأه اختصاص صحة السند بوثاقة من فيه، كما عليه
الاصطلاح المتأخر، مع ملاحظة ما مر في وجه المشهور، فقد أخذ بظاهر الإجماع
المفيد لصحة الرواية ممن قيل في حقه ما ذكر إلى آخر السند، وبظاهر الاصطلاح
المتأخر المقتضى لحمل الصحة على عدالة الرواة.
ووجه فساده وتوهمه: أن اللفظ المزبور منقول عن الكشي أو من سبقه، وهو من
القدماء، والواجب حمل ألفاظهم على مصطلحهم، واصطلاحهم في الصحة إنما هو
على كون الرواية معتبرة موثوقا بصدورها عن المعصوم عليه السلام ولو لقرائن خارجية،
فالمجمع عليه هو الصحة بهذا المعنى وهو الذي عليه المشهور، وصرح به الكاظمي،
ويظهر من عبائرهم التي منها عبارة المحقق الداماد، وقد تقدمت.
فلا تغتر ببعض عبائر الفوائد الرجالية، المفيدة لاستفادة الوثاقة من ذلك، لكن في
خصوص أهل الإجماع دون من بعده إلى آخر السند.
كيف! ولو كان ذلك لحمل الصحة على الاصطلاح المتأخر ووجب أن يقول بوثاقة
من يروى عنه أهل الإجماع فإنه - كما مر - أخذ بظاهر العبارة كالمشهور ولا يقول بها،
وكان ما في لب اللباب (1) من دعواه إجماع العصابة على ما سمعت ناظرا إلى هذه العبارة،
وهو كما ترى لأنه في آخر الفائدة ذكر ما ينافي ذلك حيث قال: " عندي أن رواية
هؤلاء إذا صحت إليهم لا تقصر عن أكثر الصحاح ". (2)
والعبارة المزبورة هذه: " نعم يرد عليهم أن تصحيح القدماء حديث شخص
لا يستلزم التوثيق إلا أنه يمكن أن يقال: يبعد أن لا يكون رجل ثقة ومع ذلك تتفق



(1) انظر: مجموعة " ميراث حديث شيعه " دفتر دوم ص 473 (لب اللباب في علم الرجال).
(2) فوائد الوحيد البهبهاني ص 31.
194
العصابة على تصحيح جميع ما رواه سيما بعد ملاحظة دعوى الشيخ (1) رحمه الله الاتفاق على
اعتبار العدالة لقبول الخبر ".
إلى أن قال: " نعم لا يحصل الظن بكونه ثقة إماميا بل الأعم كما لا يخفى ". (2)
قلت: وعلى ما استظهرناه من العبارة واستظهرناه من المشهور لا يرد كثير من
الاعتراضات المذكورة في المقام فلاحظ الفوائد ومنتهى المقال وغيرهما وتأمل.
وأما الوجه الأول فمنشؤه ما نقل عن السيد رحمه الله من " أنه لم يعثر في الكتب الفقهية من
أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف
محتجا بأن في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح " (3).
قلت: قد عثرنا على ذلك في عدة مواضع خصوصا في كلمات متأخري
المتأخرين منها: بحث جماعة (4) المختلف (5) فيما لو تبين فسق الإمام وبيع نكت
الإرشاد (6) وبحث الارتداد من المسالك (7) إلى غير ذلك.
وأما تضعيف المعتبر (8) لابن بكير ومناقشة الشيخ (9) في مرسلات الجماعة والجماعة
في مراسيل ابن أبي عمير فمع أن ذلك كله مشترك الورود على الجميع لعله لعدم
ثبوت الإجماع عندهم أو عدم وقوفهم عليه أو عدم اعتنائهم به أو بيان أن رواياتهم
ليست كسائر الصحاح وغير ذلك.
وبالجملة ما ذكر لا يدفع الشهرة والمعروف الاعتماد على مراسيل ابن أبي عمير.



(1) عدة الأصول ج 1 ص 376 و 377.
(2) فوائد الوحيد البهبهاني ص 29 و 30.
(3) حكاه عنه الحائري في منتهى المقال ج 1 ص 56
(4) أي صلاة الجماعة.
(5) مختلف الشيعة ج 2 ص 497 المسألة 357.
(6) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ج 2 ص 41.
(7) مسالك الأفهام ج 2 ص 58.
(8) المعتبر ج 1 ص 210 (مبحث الحيض).
(9) الاستبصار ج 3 ص 276 الرقم 982.
195
الأمر الثالث: في تعداد الجماعة المزبورة.
وهم - على ما في منتهى المقال - زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد بن معاوية
العجلي وأبو بصير الأسدي وقال بعضهم مكانه: أبو بصير المرادي وهو ليث بن
البختري (1) والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وجميل بن دراج، وعبد الله بن
مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عثمان، وحماد بن عيسى، وأبان بن عثمان
ويونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى وابن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة
والحسن بن محبوب وأحمد بن محمد بن أبي نصر وفضالة بن أيوب.
وقال بعضهم مكان ابن محبوب الحسن بن علي بن فضال وبعضهم مكانه:
عثمان بن عيسى.
هذا وأما ناقل الإجماع المزبور فهو الكشي على ما هو المعروف وربما ينقل عن
غيره كما في فضالة بن أيوب، حيث قال: " قال بعض أصحابنا: إنه ممن أجمع أصحابنا
على تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم ". (2).
وربما يشاركه في النقل المزبور غيره كالنجاشي والعلامة لا بطريق النقل عنه
وكالشيخ في العدة وغيرها مرة بالتعبير المزبور وآخر بقوله: " إن الطائفة عملت بما
رواه فلان " كما ذكر ذلك في عبد الله بن بكير. (3)
وقد يشاركه فيما ذكر في خصوص طائفة من روايات أحد الجماعة المذكورة
كبعض كتبه وكمراسيله كما في ابن أبي عمير فقد شاركه الشيخ.
وفى أوائل الذكرى: " إن الأصحاب أجمعوا على قبول مراسيله ". (4)
وعن النجاشي: " أن أصحابنا يسكنون إلى مراسيله " (5) إلى غير ذلك.
فمع المشاركة يتقوى الاعتماد على الإجماع المزبور حيث لم يكن التخصيص



(1 و 2) رجال الكشي ص 238 الرقم 431.
(3) عدة الأصول ج 1 ص 381.
(4) ذكرى الشيعة ص 4.
(5) رجال النجاشي ص 326 الرقم 887.
196
مشعرا بنفيه في غيره وإلا فيضعف الاعتماد لمكان التعارض فيلتمس الترجيح أو
يتوقف وليس منه التخصيص بالمراسيل بل هو موجب لقوته في غيره.
هذا ولا يخفى أن الموجود عن الكشي في حق بعض المذكورين غير العبارة
المذكورة مثلا في الفضل أنه ممن أجمعت العصابة على تصديقه والإقرار له بالفقه
والمغايرة والثمرة ظاهرة إذ هنا لا تستفاد الوثاقة أو الصحة فيمن روى عنه هؤلاء
كظهور المغايرة والثمرة بين عبارة الكشي المتقدمة وبين قولهم: " عملت الطائفة
بما رواه فلان ".
تذنيب:
حكى عن الشيخ في العدة وفى غيرها أيضا: أنه أسند العمل بروايات بعض إلى
الطائفة وادعى إجماع الإمامية على العمل بروايات آخرين مثل السكوني وحفص
بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج ومن ماثلهم من العامة مثل: طلحة بن
زيد وغيره.
وكذا مثل عبد الله بن بكير وسماعة بن مهران وبنى فضال والطاطريين وعمار
الساباطي وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى من غير العامة (1)
قال في الفوائد - بعد عدهم -: " فإن جميع هؤلاء نقل الشيخ عمل الطائفة بما رووه ".
ثم حكى عن المحقق الشيخ محمد رحمه الله أنه قال: " قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله في مواضع
من كتبه إن الإمامية مجمعة على العمل برواية السكوني وعمار ومن ماثلهما من
الثقات ".
وحكى عن المحقق المزبور أيضا أنه قال: " الإجماع على العمل بروايتهم لا يقتضى
التوثيق كما هو واضح ".
قال: " أقول يبعد أن لا يكون ثقة على قياس ما ذكر في قولهم: أجمعت العصابة " (2).



(1) عدة الأصول ج 1 ص 380 و 381.
(2) فوائد الوحيد البهبهاني ص 55.
197
قلت الاحتمالات السابقة في " أجمعت العصابة.. " جارية في المقام بل بعض ما
فيه من الأقوال كاستفادة وثاقة من قيل في حقه على ما سمعت من بعد نفيه في الفوائد،
لكن المتيقن منه بل لعله الظاهر من العبارة منهم مجرد البناء على قبول روايتهم من
جهتهم لا مطلقا وعلى ما في الفوائد مجرد وثاقتهم لا وثاقة غيرهم ممن يروون عنه،
مع احتمال البناء على قبول رواياتهم مطلقا فلا يلاحظ من بعدهم في السند كما أنه
المراد من قولهم: " يسكنون إلى مراسيله " أو: " أجمعوا على قبولها ".
ولعل من الأول دعوى الشهيد الثاني رحمه الله إطباق أصحابنا - عدا ابن داود - على الحكم
بصحة حديث محمد بن إسماعيل النيسابوري.
هذا كله في دعوى الإجماع والاتفاق على التصحيح أو العمل وأما دعوى الشهرة
على أحدهما فهل تعتبر كالأولى أم لا؟ الأظهر: الأول.
أما على حجية الشهرة للنص أو لقاعدة الانسداد فظاهره وكذا على اعتبارها في
تعيين الطريق.
وأما على عدم البناء عليها في الأحكام وفى التعيين المزبور فالظاهر الاعتبار هنا
أيضا لما بيناه في تتمة المقدمة.
إذا عرفت هذا فالشهرة إما محققة أو محكية والأولى تعلم بمراجعة الكتب
الاستدلالية مع زيادة التتبع والثانية بها أو بملاحظة كتب الرجال أو الدراية أو الحديث
أو غير ذلك.
ومن ذلك ما في فوائد المولى البهبهاني رحمه الله حيث قال: " واعلم أن المشهور يحكمون
بصحة حديث أحمد بن محمد المذكور - يعنى أحمد بن محمد بن يحيى وكذا أحمد
ابن محمد بن الحسن بن الوليد والحسين بن الحسن بن أبان إذا لم يكن في سنده من
يتأمل في شأنه ". (1)
قلت: ومنه يظهر أن الحكم بصحة حديث هؤلاء ليس إلا لبيان توثيقهم أو مجرد



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 57.
198
الاعتماد عليهم لا صحة رواياتهم بحيث يستغنى عن ملاحظة أحوال من يروون عنه
كما فيما مر.
وهذه الشهرة حكاها غيره أيضا وإن كان في نقله رحمه الله كفاية.
وقد نقل أيضا أقوالا في بيان مستند المشهور فعن قائل أنه حكم العلامة بالصحة
وعن جماعة أنهم مشايخ الإجازة وهم ثقات لا يحتاجون إلى التوثيق نصا، وعن
أخرى أن مشايخ الإجازة لا تضر مجهوليتهم لأن حديثهم مأخوذ من الأصول
المعلومة وذكرهم لمجرد اتصال السند أو للتبرك. (1)
قلت: لا يخفى ضعف الجميع وحيث لا يعتبر في اعتبار الشهرة متأصلة أو
مرجحة ثبوت مدركها لم يكن لنا حاجة إلى تطويل الكلام في إثبات مدرك صحيح لها،
كما لم نحتج إلى إثبات مدرك الإجماع على ما مر.
ومنها: قولهم: " صحيح الحديث " ولا ريب في إفادته مدح الراوي في روايته مدحا
كاملا بل في نفسه أيضا كما مر فيما سبقه.
وهل يفيد وثاقته وعدالته أيضا أم لا؟ أسند الأول في الفوائد إلى توهم بعض. (2)
والذي يظهر أنه في عبائر القدماء أضعف من قولهم: " ثقة في الحديث " وذلك لما
حكاه غير واحد منهم في الفوائد: " أن المراد به عند القدماء هو ما وثقوا بكونه من
المعصوم عليه السلام أعم من أن يكون منشؤ وثوقهم كون الراوي من الثقات وأمارات أخر
ومن أن يقطعوا بصدوره عنه عليه السلام أو يظنوا به ".
ثم قال: " ولعل اشتراطهم العدالة - على ما أشرنا - إليه لأجل أخذ الرواية عن الراوي
من دون حاجة إلى التثبت وتحصيل أمارات تورث لهم الوثوق المعتد به كما أنه عند
المتأخرين أيضا كذلك " (3)
قلت: قد صرح بذلك كثير منهم خصوصا من تأخر عنه وظاهر أنهم أرادوا به



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 57.
(2 و 3) فوائد الوحيد البهبهاني ص 27.
199
الجمع بين اشتراطهم العدالة في الراوي سواء اعتبرت بالمعنى الأخص أو الأعم -
وبين كونهم إلى كثير من روايات غير العدول
والإنصاف أن الجمع المزبور مع إمكان غيره أيضا فمرة بأن المراد بالعدالة مجرد
ظهور تحرزه عن الكذب ولو في خصوص رواية فيختص العمل بها وأخرى بأن من
اشتراطها ما خالف مقتضاه وإن ظهر لنا ذلك وذلك لإمكان وقوفه على وثاقته وعدالته
ولو في حال روايته الرواية الخاصة دون غيرها بخلافنا أو لم يكن الراوي عنده
مختصا بالفاسق عنده فلعله وقف على رواية عدل عنده ذلك مع احتمال غفلته عما
اشترطه في بعض الأحيان إلى غير ذلك لا يخلو من إشكال كغيره مما ذكر أو لم يذكر،
إذ المناسب بل اللازم حينئذ أن يجعلوا الشرط أحد الأمرين من العدالة أو التثبت
المفيد للوثوق به أو مجرد الوثوق به ويجعل العدالة كغيرها من أسباب الوثوق
والاعتماد المنضم بعضها إلى بعض أو مع الانفراد حيث كان قويا كما صنعه بعض من
تأخر إلى غير ذلك.
وكيف كان فتفصيل البحث في ذلك خارج عن مقتضى المقام والمقصود هنا بيان
أن العبارة المذكور لا تفيد الوثاقة لا فيمن وردت في حقه كما سمعت حكاية توهمه
ولا فيمن روى هو عنه أيضا بتوهم إرادة أن ما يضاف أو يسند إليه من الأحاديث فهو
صحيح إذ الصحة عند القدماء لا تلازم الوثاقة أصلا.
نعم لو كانت العبارة في كلام المتأخرين أفادته على تفصيل يأتي في الخاتمة
ثم أعلم ان تركيب العبارة هنا غيره فيما مر في قولهم: " ثقة في الحديث " فإن
الوصف هنا للمتعلق الذي هو الحديث ولذا تعرضنا لبيان المراد من الحديث
الصحيح. ويجئ تمام الكلام فيه والفرق بينه وبين المعمول به عند القدماء وكذا عند
المتأخرين وكذا بينهما بالاصطلاحين في الخاتمة.
ومنها: قولهم: " من مشايخ الإجازة ".
قال في الفوائد: " والمتعارف عده من أسباب الحسن وربما يظهر من جدي رحمه الله

200
دلالته على الوثاقة وكذا المصنف رحمه الله في ترجمة الحسن بن علي ابن زياد.
وقال المحقق البحراني مشايخ الإجازة في أعلى درجات الوثاقة والجلالة (1).
وما ذكره رحمه الله لا يخلو من قرب إلا أن قوله: " في أعلى درجاتها " غير ظاهر.
قال المحقق الشيخ محمد رحمه الله: عادة المصنفين عدم توثيق الشيوخ،
وسيجئ في ترجمة محمد بن إسماعيل النيسابوري عن الشهيد الثاني رحمه الله: أن
مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم. (2)
وعن المعراج: أن التعديل بهذه الجهة طريقة كثير من المتأخرين، (3) إلى غير ذلك،
فلاحظ هذا وإذا كان المستجيز ممن يطعن (على الرجال) (4) في روايتهم عن
المجاهيل والضعفاء وغير الموثقين فدلالة استجازته على الوثاقة في غاية الظهور،
سيما إذا كان المجيز من المشاهير.
وربما يفرق بينهم وبين غير المشاهير بكون الأول من الثقات ولعله ليس
بشئ " (5) انتهى
قلت: مراده من جده أول المجلسيين، ومن المحقق البحراني نادر العصر والزمان
الشيخ سليمان رحمهم الله كما صرح به في الفوائد، (6) ومن المصنف مصنف كتابي:
الرجال الكبير والوسيط، المولى الأمجد الآميرزا محمد الاسترآبادي رحمه الله.
ومنها: قولهم: " عين ووجه " وربما يضم إلى الأول: " من عيون أصحابنا " وإلى
الثاني: " من وجوه أصحابنا " وقد يضاف الجمع إلى الطائفة.
قال في الفوائد: " قيل: هما يفيدان التعديل ويظهر من المصنف رحمه الله في ترجمة الحسن
ابن زياد وسنذكر عن جدي في تلك الترجمة معناهما واستدلاله على كونهما توثيقا.



(1) معراج أهل الكمال ص 88.
(2) الرعاية ص 192.
(3) معراج أهل الكمال ص 192.
(4) الزيادة أثبتناها من المصدر.
(5) فوائد الوحيد البهبهاني ص 44 و 45 (الفائدة الثالثة).
(6) المصدر السابق ص 64 (آخر الفائدة الرابعة).
201
وربما يظهر ذلك من المحقق الداماد أيضا في الحسين بن أبي العلاء.
وعندي أنهما يفيدان مدحا معتدا به.
وأقوى من هذين: وجه من وجوه أصحابنا فتأمل " (1) انتهى.
قلت: ذكر المصنف في الترجمة المزبورة ربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد ابن
محمد بن عيسى ولا ريب أن كونه عينا من عيون هذه الطائفة ووجها من وجوهها أولى.
وحكى في التعليقة في الترجمة المزبورة عن جده أنه قال: " عين " توثيق لأن
الظاهر استعارته بمعنى الميزان باعتبار صدقه كما كان الصادق عليه السلام يسمى أبا الصباح
بالميزان لصدقه بل الظاهر أن قولهم: " وجه " توثيق لأن دأب علمائنا السابقين في
نقل الأخبار كان عدم النقل إلا عمن كان في غاية الثقة ولم يكن يومئذ (لهم) مال ولا
جاه حتى يتوجهوا إليهم بهما بخلاف اليوم وكذا يحكمون بصحة خبره " (2) انتهى
قلت: " إذا عرفت كفاية ما ذكر في التوثيق فاللازم البناء على أن قولهم: " أوجه من
فلان " أو: " أصدق " أو: " أوثق " أو " أورع " أو: " أعدل " ونحو ذلك يفيد الوثاقة إذا كان
المفضل عليه وجها أو صدوقا وغير ذلك بل يستفاد من الثلاثة الأخيرة الوثاقة والورع
والعدالة مطلقا لاعتبارها في الصيغة المذكورة بإضافة كونها أشد أو أظهر.
وظهر مما ذكر أيضا أن قولهم: " شيخ الطائفة " أو: " من أجلائها " أو " معتمدها "
(كذلك). (3)
قال في الفوائد: " وإشارتها إلى الوثاقة ظاهرة مضافا إلى الجلالة بل أولى من
الوكالة وشيخية الإجازة وغيرهما مما حكموا بشهادته على الوثاقة سيما بعد ملاحظة
أن كثيرا من الطائفة ثقات فقهاء فحول أجلة، وبالجملة، كيف يرضى منصف بأن يكون
شيخ الطائفة في أمثال المقامات فاسقا!؟ " (4) انتهى.



(1) فوائد الوحيد البهبهاني.
(2) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 97.
(3) أضفناها لاقتضاء السياق.
(4) فوائد الوحيد البهبهاني ص 51.
202
ومنها قولهم: " لا بأس به ".
واختلف في إفادته التوثيق أو مطلق المدح أو لا هذا ولا ذاك.
وهذا الاختلاف من جهة المعنى العرفي مع ملاحظة القرائن وإلا فظاهر معناه
اللغوي التوثيق فإن من لا عذاب له - أي لا استحقاق (له) لا يكون في الغالب إلا
عدلا فتدبر حيث إن النظر إلى العرف.
فالذي يظهر لنا منه أنه لا يقدح في السند من جهته أي يعمل به وهذا لا يلازم كونه
ممدوحا مدحا معتدا به بل ثقة في الرواية بل مطلقا وإن لم يكن كسائر الثقات.
ويؤيدها ما في ترجمة إبراهيم بن محمد بن فارس أنه لا بأس به في نفسه ولكن
ببعض من يروى هو عنه وما في ترجمة حفص بن سالم أنه ثقة لا بأس به.
وفى الفوائد: " والأوفق بالعبارة والأظهر أنه لا بأس به بوجه من الوجوه.
ولعله لذا قيل بإفادته التوثيق واستقر به المصنف في متوسطه ويومئ إليه ما في
تلك الترجمة أي ترجمة إبراهيم المذكور - وترجمة بشار بن يسار.
ويؤيده قولهم: ثقة لا بأس به، منه ما سيجئ في حفص بن سالم.
والمشهور أنه يفيد المدح وقيل: يمنع إفادته المدح أيضا وفى الخلاصة غده من
القسم الأول فعنده أنه يفيد مدحا معتدا به فتأمل " (1) انتهى.
ومنها: قولهم: " أسند عنه ". (2)
ولنقتصر هنا على حكاية ما في الفوائد وما في منتهى المقال إذ لم يبقيا بعد لقائل
قولا.
ففي الأول: " قيل معناه سمع عنه الحديث ولعل المراد على سبيل الاستناد
والاعتماد وإلا فكثير ممن سمع عنه ليس ممن أسند عنه وقال جدي رحمه الله: المراد روى
عنه الشيوخ واعتمدوا عليه وهو كالتوثيق ولا شك أن هذا المدح أحسن من: لا بأس
به انتهى.



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 31 و 32.
(2) بمعنى أنه روى عنه الشيوخ واعتمدوا عليه.. وهو كالتوثيق كما في: روضة المتقين ج 14، ص 47.
203
قوله رحمه الله: وهو كالتوثيق لا يخلو من تأمل نعم إن أراد منه التوثيق بما هو أعم من
العدل الإمامي فلعله لا بأس به فتأمل لكنه لعله توثيق من غير معلوم الوثاقة.
أما أنه روى عنه الشيوخ كذلك حتى يظهر وثاقته لبعد اتفاقهم على الاعتماد على
من ليس بثقة أو بعد اتفاق كونهم بأجمعهم غير ثقات فليس بظاهر.
نعم ربما يستفاد منه مدح وقوة لكن ليس بمثابة قولهم لا بأس به بل أضعف منه
لو لم نقل بإفادته التوثيق.
وربما يقال بإيمائه إلى عدم الوثوق ولعله ليس كذلك فتأمل " (1) انتهى ما في الأول
وفى الثاني بعد نقل ما في الأول -: " لم أعثر على هذه الكلمة إلا في كلام الشيخ رحمه الله
وما ربما يوجد في الخلاصة فإنما أخذه من رجال الشيخ والشيخ رحمه الله إنما ذكرها في
رجاله دون فهرسته وفى أصحاب الصادق عليه السلام دون غيره إلا في أصحاب الباقر عليه السلام ندرة
غاية الندرة.
واختلفت الأفهام في قراءتها.
فمنهم من قرأها بالمجهول كما سبق ولعل عليه الأكثر وقالوا بدلالتها على
المدح لأنه لا يسند إلا عمن يستند إليه ويعتمد عليه لكن في ترجمة محمد بن
عبد الملك الأنصاري أسند عنه ضعيف فتأمل.
وقيل في وجه اختصاصها ببعض دون بعض إنها لا تقال إلا فيمن لا يعرف بالتناول
منه والأخذ عنه.
وقرأ المحقق الشيخ محمد أسند بالمعلوم ورد الضمير إلى الإمام الذي هو من
أصحابه وكذا الفاضل عبد النبي رحمه الله في الحاوي كما يأتي عنهما في يحيى بن سعيد
الأنصاري وعن الثاني في عبد النور أيضا
وينافيه قول الشيخ في جابر بن يزيد أسند عنه روى عنهما (2) وقوله في محمد بن



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 31.
(2) رجال الشيخ ص 163 الرقم 30.
204
إسحاق بن يسار: " أسند عنه يكنى أبا بكر صاحب المغازي من سبى عين التمر وهو
أول سبى دخل المدينة وقيل كنيته أبو عبد الله روى عنهما " (1)
وقال المحقق الداماد في الرواشح ما ملخصه: إن الصحابي على مصطلح الشيخ في
رجاله - على معان:
أصحاب الرواية (عن) (2) الإمام بالسماع منه.
ومنها: بإسناد عنه بمعنى أنه روى الخبر عن أصحابه الموثوق بهم وأخذ عن
أصولهم المعتمد عليها فمعنى أسند عنه أنه لم يسمع منه بل سمع من أصحابه
الموثقين وأخذ عنهم من أصولهم المعتمد عليها.
وبالجملة قد أورد الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام جماعة جمة إنما روايتهم عنه
بالسماع من أصحابه الموثوق بهم والأخذ من أصولهم المعول عليها ذكر كلا منهم
وقال أسند عنه. (3) انتهى.
ورد بأن جماعة ممن قيلت فيهم رووا عنه عليه السلام مشافهة.
وقرأ ولد الأستاذ العلامة - دام علاهما - أيضا بالمعلوم ولكن لا أدرى إلى من رد الضمير.
وقرأ بعض السادة الأزكياء من أهل العصر أيضا (كذلك) (4) قال: والأشبه كون المراد
أنهم أسندوا عنه عليه السلام ولم يسندوا عن غيره من الرواة، كما تتبعت ولم أجد رواية أحد
من هؤلاء عن غيره عليه السلام إلا أحمد بن عائذ فإنه صحب أبا خديجة وأخذ عنه كما نص
عليه النجاشي والأمر فيه سهل فكأنه مستثنى لظهوره. انتهى.
وفيه أيضا تأمل فإن غير واحد ممن قيل فيه: أسند (عنه) (5) سوى أحمد بن عائذ



(1) رجال الشيخ ص 281، الرقم 22.
(2) في الأصل: " من " بدل " عن " وما أثبتناه من المصدر.
(3) الرواشح السماوية ص 64 و 65.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(5) في الأصل: " فيه " بدل " عنه " والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
205
رووا عن غيره عليه السلام أيضا منهم: محمد بن مسلم والحارث بن المغيرة وبسام بن عبد الله
الصيرفي.
وربما يقال: إن الكلمة أسند بالمعلوم والضمير للراوي إلا أن فاعل " أسند " ابن
عقدة لأن الشيخ رحمه الله ذكر في أول رجاله أن ابن عقدة ذكر أصحاب الصادق عليه السلام وبلغ في
ذلك الغاية قال رحمه الله وإني ذاكر ما ذكره وأورد من بعد ذلك ما لم يذكره (1) فيكون
المراد أخبر عنه ابن عقدة وليس بذلك البعيد.
وربما يظهر منه وجه عدم وجوده إلا في كلام الشيخ رحمه الله وسبب ذكر الشيخ رحمه الله ذلك
في رجاله دون فهرسته وفى أصحاب الصادق عليه السلام دون غيره بل وثمرة قوله رحمه الله: إني
ذاكر ما ذكره ابن عقدة ثم أورد ما لم يذكره فتأمل جدا ". (2) انتهى
قلت: ولا يخفى بعد ذلك أيضا
أما أولا: فلتنافر " أسند عنه " مع " أخبر عنه " بل القريب إليه " أسند به " إذ مفاد " أخبر
عنه " انه نقل عنه أمر آخر وهو غير مقصود في توجيهه.
وأما ثانيا: فلأن مقتضى كلام الشيخ حيث ذكر أنه يذكر ما ذكره مع اعترافه بأنه بلغ
في ذلك الغاية أن يكون أكثر رجال الصادق عليه السلام ممن أسند عنه والواقع خلافه.
ومنها: أن يروى عنه أو كتابه جماعة من الأصحاب أو بعضهم ممن علم من حاله أو
قيل في حقه إنه لا يروى إلا عن ثقة.
وكذا إذا اعتمد عليه جماعة لا سيما القميين أو اعتمد بعض من لا يعتمد إلا عن ثقة
ومعتمد.
قال في الفوائد في الأول: " لا يخفى كونه من أمارات الاعتماد ويظهر مما سيذكر
في عبد الله بن سنان ومحمد بن سنان وغيرهما بل ملاحظة اشتراطهم العدالة في
الراوي على ما مر يقوى كونه من أمارات العدالة سيما أن يكون الراوي عنه كلا أو



(1) رجال الشيخ ص 2.
(2) منتهى المقال ج 1 ص 72 - 76.
206
بعضا من يطعن على الرجال في روايتهم عن المجاهيل وأمثالها ونظائرها فربما
تشير روايته عنه إلى الوثاقة ". (1)
وقال - فيما إذا روى الأجلاء عنه -: " وفيه - مضافا إلى ما سبق أنه من أمارات الوثاقة
أيضا كما لا يخفى على المطلع برويتهم وأشرنا إلى وجهه أيضا سيما وأن يكونوا كلا
أو بعضا ممن يطعن بالرواية عن المجاهيل وأمثالها كما ذكر.
وإذا كان رواية جماعة من الأصحاب تشير إلى الوثاقة كما مر فرواية أجلائهم
بطريق أولى " (2)
وذكر: " أن رواية صفوان وابن أبي عمير من أمارات الوثاقة لقول الشيخ في العدة
إنهما لا يرويان إلا عن ثقة. (3)
وسيجئ عن المصنف في ترجمة إبراهيم بن عمر أنه يؤيد التوثيق رواية ابن أبي
عمير عنه ولو بواسطة حماد وفى ترجمة ابن أبي الأغر النخاس أن رواية ابن أبي
عمير وصفوان عنه ينبهان على نوع اعتبار واعتداد.
وعن المحقق الشيخ محمد رحمه الله: قيل في مدحهما ما يشعر بالقبول في الجملة
والفاضل الخراساني في ذخيرته جرى مسلكه على القبول من هذه العلة.
ونظير صفوان وابن أبي عمير أحمد بن محمد بن أبي نصر لما ستعرف في
ترجمته وقريب منهم علي بن الحسن الطاطري لما سيظهر من ترجمته أيضا.
ومسلك الفاضل جرى على هذا أيضا " (4)
ثم ذكر رواية محمد بن إسماعيل بن ميمون أو جعفر بن بشير عنه أو روايته عنهما.
قال: " فإن كلا منهما أمارة التوثيق لما ذكر في ترجمتهما " (5)
وقال في الثاني: " إن اعتماد شيخ على شخص من أمارات الاعتماد عليه كما هو



(1 و 2) فوائد الوحيد البهبهاني ص 47.
(3) عدة الأصول ج 1 ص 386.
(4) فوائد الوحيد البهبهاني ص 47 و 48.
(5) المصدر السابق ص 48.
207
ظاهر ويظهر من النجاشي والخلاصة في علي بن محمد بن قتيبة فإذا كان جمع منهم
اعتمدوا عليه فهو في مرتبة معتد بها من الاعتماد وربما يشير إلى الوثاقة سيما إذا
كثر منهم الاعتماد وخصوصا بعد ملاحظة اشتراطهم العدالة وخصوصا إذا كان ممن
يطعن في الرواية عن المجاهيل ونظائرها " (1)
قال: " ومنها: اعتماد القميين عليه أو روايتهم عنه فإنه أمارة الاعتماد بل الوثاقة
أيضا كما سيجئ في إبراهيم بن هاشم سيما أحمد بن محمد بن عيسى لما سيجئ
في إبراهيم بن إسحاق وابن الوليد لما سيجئ في ترجمته.
ويقرب من ذلك اعتماد ابن الغضائري عليه وروايته عنه " (2) انتهى.
هذا جملة مما استعمل عندهم في المدح وجلمة من أسبابه وأسباب اعتمادهم.
وهنا جملة أخرى ككونه من وكلائهم عليهم السلام لواحد منهم أو أكثر، أو كونه من آل أبي
جهم وآل نعيم وآل شعبة أو كونه كثير الرواية أو روايته عن الثقات أو
أخذه معرفا للجليل بقولهم: " إنه أخوه " مثلا أو وقوعه في سند صحيحة الكل
أو الجل أو بعض من يعتمد عليه أو: اتفق الكل أو الأكثر على قبوله أو في سند
قدح فيه بغيره دونه وذكر الجليل إياه مترحما عليه أو مترضيا وغير ذلك مما يعلم
بمراجعة كتب الرجال.



(1 و 2) فوائد البهبهاني ص 49.
208
الفصل الثاني
في الإشارة إلى بعض ما يستعمل عندهم في الذم
سواء بلغ حد الجرح أم لا، بحيث يسقط به الخبر في نفسه عن الاعتبار والاعتداد
أم لا بل كان بحيث يسقطه عن المقاومة مع غيره من الأخبار المعتبرة.
والأقسام المتقدمة في المدح جارية في المقام بعكس ما هناك فلاحظ وحيث إن
منشأ القدح قد يكون فساد العقيدة وقد يكون غيره وإن اجتمعا أيضا فلنتكلم هنا في
مقامين ولنقدم القدح بغير العقيدة لأنه العمدة في رد الرواية.
فالمقام الأول: في ذكر أسباب الذم بالجوارح وبيان ألفاظها
ولنقتصر هنا أيضا على جملة من ذلك
فمنها: " فاسق - أو - بجوارحه أو " كان يشرب الخمر " ونحو ذلك، أو " كذاب "
و " وضاع " أو " خبيث " و " متعصب " أو " متهم " و " متروك " و " ساقط " أو " ليس بشئ "
ونحو ذلك فإن ما ذكر ونحوه يفيد عدم الاعتبار بل الجرح.
وفى بعضها تعلق الذم بخبره أيضا كما في " كذاب " و " وضاع ".
ولا يخفى اختلافها في القوة والضعف فليلاحظ عند التعارض.
ومنها: " ضعيف " ولا ريب في إفادته سقوط الرواية وضعفها وإن لم يكن في الشدة

209
مثل أكثر ما سبق فيتميز عند التعارض.
وأما إفادته القدح في نفس الرجل فلعله كذلك حيث أطلق ولم يكن قرينة
كتصريح أو غيره على الخلاف.
والظاهر أن إليه نظر الأكثر في استفادة قدح الرجل منه.
فما في الفوائد - بعد حكاية ذلك عنهم: " ولا يخلو من ضعف لما سنذكر في داود
بن كثير وسهل بن زياد وأحمد بن محمد بن خالد وغيرهم " (1) لا يخلو من بحث إذ
غاية الأمر وجود قرينة وتصريح بالخلاف حتى من المضعف.
وهذا لا ينافي إفادته عند الإطلاق لما ذكرنا مع أنا لاحظنا ما أشار إليه من التراجم
فلم نقف فيها على ما ينافي مفاد الإطلاق المزبور فلاحظ وتأمل
ثم إن الذي يظهر منهم أو ينبغي إرادتهم مطلق القدح في نفس الرجل لا خصوص
الفسق فيشمل ما لو كان التضعيف لسوء الضبط وقلة الحافظة أو عدم المبالاة في
الرواية في أخذها ونقلها.
فلا بأس بما في الفوائد أيضا من قوله: " كما أن تصحيحهم غير مقصور على العدالة
فكذا تضعيفهم غير مقصور على الفسق وهذا غير خفى على من تتبع وتأمل " (2)
ثم قال: " وقال جدي رحمه الله: تراهم يطلقون الضعيف على من يروى عن الضعفاء
ويرسل الأخبار " (3)
قلت: قد عرفت أنه ليس كذلك عند الإطلاق وأما مع نصب القرينة بتصريح أو
غيره فهو خارج عن كلام الأكثر ألا ترى أنهم كثيرا ما يقولون: فلان ثقة في نفسه إلا أنه
يروى عن الضعفاء والمجاهيل وكثيرا ما يقولون ضعيف في الرواية فليس بنقي
الحديث أو غمز في حديث ونحو ذلك.
فما فيها أيضا تأييدا لما سمعته - من قوله: " لعل من أسباب الضعف عندهم قلة
الحافظة وسوء الضبط والرواية من غير إجازة والرواية عمن لم يلقه واضطراب



1 - 3 فوائد الوحيد البهبهاني ص 37.
210
ألفاظ الرواية، وإيراد الرواية التي ظاهرها الغلو أو التفويض أو الجبر أو التشبيه كما هي
في كتبنا المعتبرة بل هي مشحونة منها كالقرآن مع أن عادة المصنفين إيرادهم جميع
ما رووه كما يظهر من طريقتهم مضافا إلى ما ذكره في الفقيه وغيره وكذا من أسبابه
رواية فاسدي العقيدة عنه وعكسه بل وربما كان مثل الرواية بالمعنى ونظائره سببا.
وبالجملة أسباب قدح كثيرة " (1) إلى آخر ما ذكره - لا يخلو من نظر لأنا لا ننكر
كثرة أسباب القدح عندهم (إنما) (2) نمنع التعبير عن أمثال ذلك بمطلق ضعف الرجل.
ومنها: " ضعيف في الحديث " و " مضطرب الحديث " و " مختلط الحديث " و " ليس
بنقي الحديث " و " يعرف حديثه وينكر " و " غمز عليه في حديثه " و " منكر الحديث "
وأمثال ذلك.
ولا دلالة فيها على القدح في العدالة بل الظاهر من التقييد عدمه ولعله لذا - أو
غيره - لم يذهب ذاهب هنا إلى إفادتها القدح في العدالة وإن كان مقتضى مصيرهم إلى
استفادة وثاقة الرجل من قولهم " ثقة في الحديث " القدح فيها بما ذكر فكما أنه يبعد
الوثوق بأحاديث رجل ما لم يكن ثقة في نفسه فكذا يبعد الحكم بأمثال ما ذكر ما لم
يكن ضعيفا في نفسه.
لكن الظاهر وضوح الفرق لظهور كون الوثاقة منشأ الوثوق بالرواية ولا ملازمة
في الغالب بين ما ذكر وفسق الرجل أو ضعفه في نفسه.
وفى الفوائد: " أنها ليست من أسباب الجرح وضعف الحديث على رواية
المتأخرين نعم هي من أسباب المرجوحية معتبرة في مقامها ". (3)
وذكر أيضا: " أنه فرق بين " ضعيف " وقولهم: " ضعيف في الحديث " فالحكم
بالقدح فيه أضعف وسيجئ في سهل بن زياد.
وقال جدي رحمه الله: الغالب في إطلاقاتهم أنه ضعيف في الحديث أي: يروى عن



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 37.
(2) في الأصل " إنا " بدل " إنما " والظاهر ما أثبتناه.
(3) فوائد الوحيد البهبهاني ص 43.
211
كل أحد فتأمل " (1)
قلت: وفى هذا نوع اعتراف بما مر من ظهور إطلاق الضعيف في قدح الرجل حيث
إنه لم يدع الغلبة هناك.
ومنها: " مخلط " و " مختلط ".
ففي منتهى المقال عن بعض (2) أجلاء عصره: أنه ظاهر في القدح لظهوره في فساد
العقيدة " (3) ثم تنظر فيه ب‍ " أن المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمن يروى وممن
يأخذ يجمع بين الغث و (السمين والعاطل و) (4) الثمين ". (5)
ثم استشهد على مختاره بما لا يشهد له إذ غايته إطلاق ذلك على غير فاسد العقيدة
ولا مجال لإنكاره وأين هذا من ظهور الإطلاق؟ كما أن كون المبدأ الخلط الذي هو
المزج لا يقتضى ما ذكره فإن استعمال التخليط في فساد العقيدة أمر عرفي لا ينكر.
ولا ينافيه كون أصل وضع اللغة على خلافه مع أنه لا مخالفة إذ فساد العقيدة ربما
يكون بتخليط صحيحها بسقيمها بل الغالب في المرتدين عن الدين أو المذهب
كذلك لبعد الرجوع عن جميع العقائد.
وبالجملة فالمرجع ظهور اللفظ في نفسه ثم ملاحظة الخارج.
ومنها: " ليس بذاك ".
ففي الفوائد: " قد أخذه خالي ذما ولا يخلو من تأمل لاحتمال أن يراد أنه ليس
بحيث يوثق به وثوقا تاما وإن كان فيه نوع وثوق من قبيل قولهم: ليس بذلك الثقة،
ولعل هذا هو الظاهر فيشعر على (6) نوع مدح فتأمل ". (7)



(1) فوائد الوحيد البهبهاني.
(2) هو المقدس السيد محسن بن الحسن الحسيني الأعرجي الكاظمي صاحب كتاب " عدة الرجال " المتوفى سنة 1227.
(3) عدة الرجال ج 1 ص 243.
(4) ما بين المعقوفين من المصدر.
(5) منتهى المقال ج 1 ص 120
(6) كذا والظاهر: " إلى " بدل " على ".
(7) فوائد الوحيد البهبهاني ص 43.
212
قلت: هذا منه قدس سره كما سبق فأي منافاة لاحتمال خلاف الظاهر في الظهور ثم ترجى
ظهور الخلاف فإن كان مجرد الترجي فلا كلام وإلا فالظاهر خلافه لظهور النفي
المزبور في نفى المعتبر من الوثوق والاعتماد.
نعم لو قيده بالثقة بقوله: " ليس بذاك الثقة " كان كما ذكره وهو واضح
ومنه قولهم: " ليس حديثه بذلك النقي " لأنه أضعف في ذم الحديث من " ليس بنقي
الحديث " وأما القدح بهما في العدالة فلا فيهما، كما مر.
ومنها: " كاتب الخليفة " أو " الوالي " أو " من عماله " أو " كان عاملا من قبل فلان " ونحو
ذلك فإن ظاهرها القدح كما اعترف به العلامة في ترجمة حذيفة حيث إنه قيل في
حقه: " إنه كان واليا من قبل بنى أمية " فقال العلامة: " يبعد انفكاكه عن القبيح " (1)
ويؤيد ذلك ما رووه في أحمد بن عبد الله الكرخي أنه كان كاتب إسحاق بن إبراهيم
فتاب وأقبل على تصنيف الكتب إلا أن المروى عنه غير معلوم أو طاهر بن محمد بن
علي بن بلال.
قال في الفوائد: " لم نر من المشهور التأمل من هذه الجهة كما في يعقوب بن يزيد
وحذيفة بن منصور وغيرهما ".
قال: " ولعله لعدم مقاومتهما التوثيق المنصوص أو المدح المنافي باحتمال كونهما
بإذنهم أو تقية حفظا لأنفسهم أو غيرهم أو باعتقادهم الإباحة أو غير ذلك من الوجوه
الصحيحة " (2)
قلت: نعم ولكنه لا ينافي ظهور الإطلاق فيما مر وهو رحمه الله أيضا ليس في مقام دفعه
ومنها: أن يروى الراوي عن الأئمة عليهم السلام على وجه يظهر منه أخذهم عليهم السلام رواة
لا حججا كأن يقول: " عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام " أو " عن الرسول (ص) فإنه
مظنة عدم كونه من الشيعة إلا أن يظهر من القرائن كونه منهم مثل أن يكون ما رواه



(1) خلاصة الأقوال ص 60 الرقم 2.
(2) فوائد الوحيد البهبهاني ص 62.
213
موافقا لمذهب الشيعة ومخالفا لمذهب العامة أو غيرهم أو أن يكثر الرواية عنهم عليهم السلام
غاية الإكثار أو أن يكون غالب رواياته مفتى بها عند الأصحاب بل يرجحونها على ما
رواه الشيعة أو غير ذلك فيحمل كيفية روايته على التقية أو تصحيح مضمونها عند
المخالفين أو ترويجه فيهم سيما المستضعفين وغير الناصبين منهم أو، تأليفا لقلوبهم
واستعطافا لهم إلى التشيع أو غير ذلك وقد نص على ذلك في الفوائد (1).
وهنا جملة أمور يستفاد منها القدح مذكورة في محالها ككون الراوي في الرأي أو
الرواية موافقا في الغالب للعامة وكإكثار المذمومين - خصوصا أرباب المذاهب
الفاسدة - الرواية عنه على وجه يظهر كونه منهم ونحو ذلك.
المقام الثاني: في الإشارة إلى أسباب فساد العقيدة
وهي كثيرة ولنقتصر في هذا المختصر على إشارة إجمالية إلى بعضها بذكر أرباب
المذاهب الفاسدة فنقول:
منهم: الإسماعيلية وهم المنتهون بالإمامة إلى مولانا الصادق عليه السلام ثم إلى ابنه
إسماعيل.
وفى التعليقة: " ببالي أنهم فرق " (2).
ومنهم البترية
ففي التعليقة: " البترية - بضم الباء وقيل بكسرها - منسوبون إلى كثير النوى لأنه
كان أبتر اليد.
وقيل: إلى المغيرة بن سعيد.
والبترية والسليمانية والصالحية من الزيدية يقولون بإمامة الشيخين واختلفوا في
غيرهما.
وأما الجارودية فلا يعتقدون إمامتهم.



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 60 و 61.
(2) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 410.
214
وفى بعض الكتب: أنهم لا يعتقدون إمامتهما لكن حيث رضى علي عليه السلام بهما ولم
ينازعهما أجريا مجرى الأئمة في وجوب الطاعة " (1).
وعن الاختيار: " هم أصحاب كثير النوى والحسن بن صالح بن حي وسالم بن أبي
حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وأبى المقدام ثابت الحداد وهم الذين دعوا
إلى ولاية علي عليه السلام ثم خلطوها بولاية أبى بكر وعمر ويثبتون لهما إمامتهما ويبغضون
عثمان وطلحة والزبير وعائشة ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب عليه السلام،
ويثبتون لكل من خرج منهم عند خروجه الإمامة " (2)
ومنهم: البزيعية.
فعن تأريخ أبى زيد البلخي أنهم أصحاب بزيع الحائك أقروا بنبوته وزعموا أن
الأئمة عليهم السلام كلهم أنبياء وأنهم لا يموتون ولكنهم يرفعون
وزعم بزيع أنه صعد إلى السماء وأن الله مسح على رأسه ومج في فيه فإن الحكمة
تثبت في صدره.
وفى التعليقة: " أنهم فرقة من الخطابية يقولون الإمام بعد أبي الخطاب بزيع وإن
كل مؤمن يوحى إليه وإن الإنسان إذا بلغ الكمال لا يقال له: مات بل رفع إلى
الملكوت وادعوا معاينة أمواتهم بكرة وعشية.
وكان أبو الخطاب يزعم أن الأئمة أنبياء ثم آلهة، والآلهة نور من النبوة ونور من
الإمامة ولا يخلو العالم من هذه الأنوار وأن الصادق عليه السلام هو الله وليس المحسوس
الذي يرونه بل إنه لما نزل إلى العالم لبس هذه الصورة الإنسانية لئلا ينفر منه
ثم تمادى الكفر به إلى أن قال: إن الله تعالى انفصل من الصادق عليه السلام وحل فيه وأنه
أكمل من الله تعالى " (3)



(1) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 410
(2) رجال الكشي ص 233 الرقم 422.
(3) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 404.
215
ومنهم: البيانية.
فعن التأريخ المزبور: أنهم أقروا بنبوة بيان وهو رجل من سواد الكوفة تأول قول
الله عز وجل: * (هذا بيان للناس) * (1) أنه هو وكان يقول بالتناسخ والرجعة فقتله خالد بن عبد الله القسري "
ومنهم الجارودية، ويقال لهم: السرحوبية أيضا لنسبتهم إلى أبى الجارود زياد بن
المنذر السرحوب وهم القائلون بالنص على علي عليه السلام وكفر الثلاثة وكل من أنكره
وتقدم ذكرهم في البترية نص على ذلك في التعليقة. (2)
وفى مجمع البحرين: " هم فرقة من الشيعة ينسبون إلى الزيدية وليسوا منهم نسبوا
إلى رئيس لهم من أهل خراسان يقال له: أبو الجارود زياد بن المنذر.
وعن بعض الأفاضل أنهم فرقتان زيدية وهم شيعة وفرقة بترية وهم لا
يجعلون الإمامة لعلى عليه السلام بالنص بل عندهم هي شورى ويجوزون تقديم المفضول
على الفاضل " (3).
ومنهم الحرورية: " هم الذين تبرؤوا من علي عليه السلام وشهدوا عليه بالكفر لعنهم الله
نسبة إلى حروراء موضع بقرب الكوفة كان أول مجمعهم فيه " كذا في منتهى المقال (4)
وأما الخطابية فقد قدمناهم في البزيعية والسرحوبية في الجارودية والسليمانية
في البترية.
ومنهم السمطية.
في التعليقة: " هم القائلون بإمامة محمد بن جعفر الملقب بديباجة دون أخيه
موسى عليه السلام وعبد الله نسبوا إلى رئيس لهم يقال له: يحيى بن أبي السمط " (5)



(1) آل عمران (3) الآية 138.
(2) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 410
(3) مجمع البحرين ج 3 ص 24.
(4) منتهى المقال ج 7 ص 361 الرقم 4151.
(5) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 410.
216
ومنهم العلياوية
عن الاختبار: " أنهم يقولون: إن عليا عليه السلام رب وظهر بالعلوية الهاشمية وأظهر أنه
عبده وأظهر وليه من عنده ورسوله بالمحمدية ووافق أصحاب أبي الخطاب في
أربعة أشخاص: على وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وإن معنى الأشخاص الثلاثة
فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام تلبيس والحقيقة شخص علي عليه السلام لأنه أول هذه
الأشخاص في الإمامة وأنكروا شخص محمد وزعموا أن محمدا (ص) عبد على،
وعليا عليه السلام هو رب وأقاموا محمدا (ص) مقام ما أقامت المخمسة سلمان وجعلوه رسولا
لمحمد (ص) فوافقوهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ والعلياوية تسميها المخمسة
عليائية وزعموا أن بشارا الشعيري لما أنكر ربوبية محمد (ص) وجعلها في علي عليه السلام
وجعل محمدا (ص) عبد علي (ع) وأنكر رسالة سلمان مسخ على صورة طير يقال له: عليا،
يكون في البحر فلذلك سموهم العليائية.
وفى ترجمة محمد بن بشير: وزعمت هذه الفرقة والمخمسة والعلياوية
وأصحاب أبي الخطاب أن كل من انتسب إلى أنه من آل محمد (ص) فهو مبطل في نفسه
مفتر على الله كاذب وأنهم الذين قال الله تعالى فيهم: إنهم يهود ونصارى في قوله:
* (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر
ممن خلق) * (1) محمد في مذهب الخطابية وعلى في مذهب العلياوية فهم ممن خلق
هذان كاذبون فيما ادعوا من النسب إذ كان محمد (ص) عندهم وعلي عليه السلام هو رب لا يلد
ولا يولد ولم يستولد، الله جل وتعالى عما يصفون وعما يقولون علوا كبيرا " (2) ومنهم الفطحية
في منتهى المقال:: " أنهم يعتقدون إمامة الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم مع
عبد الله الأفطح ويدخلونه بين الصادق والكاظم عليهما السلام قال: وعن الشهيد رحمه الله في



(1) المائدة (5) الآية 18.
(2) رجال الكشي ص 279 الرقم 907.
217
(المسالك) (1) بين الكاظم والرضا عليهما السلام (2) فتأمل ". (3) انتهى.
وعن الاختيار: " أنهم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد عليهم السلام وسموا بذلك
لأنه قيل: إنه كان أفطح الرأس وقال بعضهم: إنه كان أفطح الرجلين.
وقال بعضهم: إنهم نسبوا إلى رئيس لهم يقال له: عبد الله بن فطيح من أهل الكوفة
والذين قالوا (إمامته) (4) عامة مشايخ العصابة وفقهاؤنا قالوا بهذه المقالة فدخلت
عليهم الشبهة لما روى عنهم عليهم السلام أنهم قالوا: الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى
إمام ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام لم
يكن عنده جواب ولما ظهر منه من الأشياء التي لا ينبغي أن تظهر من الإمام.
ثم إن عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما، فرجع الباقون - إلا شذاذا منهم - عن القول
بإمامته إلى القول لإمامة أبى بالحسن موسى عليه السلام، ورجعوا إلى منتهى الخبر الذي روى أن
الإمامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام، وبقى شذاذ منهم على القول
بإمامته، وبعد أن مات قالوا بإمامة أبى الحسن موسى عليه السلام ". 5 انتهى.
ومقتضى ما سمعت صدرا وذيلا ما سمعته من المنتهى، لا ما ذكره الشهيد رحمه الله.
ومنهم: القدرية. وهم كما في التعليقة: " منسوبون إلى القدر، قائلون: إن كل أفعالهم
مخلوقة لهم، وليس لله فيها قضاء ولا قدر. وفى الحديث: لا يدخل الجنة قدري. 6
وهم الذين يقولون: لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء إبليس. وربما فسر القدري
بالمعتزلي ". 7 انتهى.
وروى الكشي في ترجمة عبد الله بن عباس حديثا طويلا فيه: " أن القدرية هم الذين



1. في الأصل: " ذلك " بدل " المسالك "، والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
2. مسالك الأفهام، ج 7، ص 60 (من كتاب النكاح).
3. منتهى المقال، ج 7، ص 423.
4. في الأصل: " بإمامة " بدل " بإمامته "، والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
5. رجال الكشي، ص 254، الرقم 472.
6. الفقيه، ج 4، ص 257، ح 821 الخصال، ص 435، ح 22 و 23.
7. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 411.
218
ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا: لا قدر " الخبر. 1
قلت: حيث إن التفسير المزبور مأخوذ من الخبر ومن حكاية الناقل المعتبر فاللازم
التزام السكوت، وإلا فتسمية منكر شئ بما أنكره كما ترى، بل كان المناسب حينئذ
تسميتنا بالقدري، لكن كيف مع الذم.
ومنهم: الكيسانية. وهم القائلون بالإمامة إلى الحسن عليه السلام، ثم محمد بن الحنفية، وأنه
حي غاب في جبل رضوى.
وربما يجتمعون في ليالي الجمعة في الجبل ويشتغلون بالعبادة على ما سمعت،
وهم أصحاب المختار بن أبي عبيدة
ويقال: إن لقبه كان كيسان، وببالي أن منشأه كان في حجر علي عليه السلام وهو طفل فقال له:
" يا كيس يا كيس " كذا في التعليقة. 2
وذكر الكشي في ترجمة المختار أن الكيسانية هم المختارية، وكان لقبه كيسان،
ولقب كيسان لصاحب شرطته (الكنى) 3 أبا عمرة وكان اسمه (كيسان) 4. 5
وقيل: إنه سمى كيسان بكيسان مولى علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو الذي حمله على
الطلب بدم الحسين عليه السلام ودله على قتله، وكان صاحب سره والغالب على أمره.
ومنهم: المخمسة.
في التعليقة: " أنهم فرقة من الغلاة يقولون: إن الخمسة: سلمان وأبا ذر والمقداد
وعمارا وعمرو بن أمية الضمري هم الموكلون بمصالح العالم من قبل الرب ". 6
قال في منتهى المقال: " إن الرب عندهم علي ". 7
قلت يلاحظ ما مر في العلياوية.



1. رجال الكشي، ص 56، الرقم 106.
2. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 410.
3 و 4 ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
5. رجال الكشي، ص 127 - 128، الرقم 204.
6. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 411.
7. منتهى المقال، ج 7، ص 438، الرقم 4409.
219
ومنهم: المرجئة.
في التعليقة: " هم المعتقدون بأن مع الإيمان لا تضر المعصية كما لا ينفع مع الكفر
طاعة، سموا بذلك لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم، أي أخره عنهم.
وعن أبي قتيبة، هم الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل.
وفى الأخبار: المرجئ يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم
الكعبة، ونكح أمه، فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل.
وقيل: هم الذين يقولون: كل الأفعال من الله.
وربما فسر المرجئ بالأشعري.
وربما يطلق على أهل السنة لتأخيرهم عليا عليه السلام عن الثلاثة ". 1
ومنهم: المغيرية
وهم كما في التعليقة: " أتباع المغيرة بن سعيد، قالوا: إن الله تعالى جسم على صورة
رجل من نور، على رأسه تاج من نور، وقلبه منبع الحكمة.
وربما يظهر من التراجم كونهم من الغلاة، وبعضهم نسبوهم إليهم ". 2
ومنهم: المفوضة.
في التعليقة: " هم القائلون بأن الله تعالى خلق محمدا صلى الله عليه وآله وفوض إليه أمر العالم، فهو
الخلاق للدنيا وما فيها.
وقيل: فوض ذلك إلى علي عليه السلام. وربما يقولون بالتفويض إلى سائر الأئمة عليهم السلام كما
يظهر من بعض التراجم ". 3
قلت: ذكر في الفوائد معاني للتفويض: أحدها: ما سمعت.
والثاني: تفويض الخلق والرزق إليهم، قال: " ولعله رجع إلى الأول، وورد فساده
عن الصادق والرضا عليهما السلام.



1. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 411.
2 و 3 تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 410.
220
والثالث: تفويض تقسيم الأرزاق. ولعله مما يطلق عليه.
ولرابع: تفويض الأحكام والأفعال بأن يثبت ما رآه حسنا ويرد ما رآه قبيحا، فيجيز
الله تعالى إثباته ورده، مثل إطعام الجد السدس، وإضافة الركعتين في الرباعيات،
والواحدة في المغرب، والنوافل أربعا وثلاثين، وتحريم كل مسكر عند تحريم
الخمر، إلى غير ذلك ". 1
قال: " وهذا محل إشكال عندهم لمنافاته ظاهر * (وما ينطق عن الهوى) * 2 وغير
ذلك، لكن الكليني رحمه الله قائل به، والأخبار الكثيرة واردة فيه.
ووجه بأنها ثبتت من الوحي إلا أن الوحي تابع ومجيز، فتأمل.
والخامس: تفويض الإرادة بأن يريد شيئا لحسنه ولا يريد شيئا لقبحه، كإرادته تغيير
القبلة، فأوحى الله تعالى (إليه) 3 بما راد.
(و) السادس: تفويض القول بما هو أصلح له وللخلق وإن كان الحكم الأصلي خلافه كما في صورة التقية.
والسابع: تفويض أمر الخلق بمعنى أنه أوجب عليهم طاعته في كل ما يأمر وينهى،
سواء علموا وجه الصحة أم لا ولو كان بحسب ظاهر نظرهم عدم الصحة، بل الواجب
عليهم القبول على وجه التسليم ". 4
قال: " وبعد الإحاطة بما ذكرنا هنا وما ذكر سابقا عليه يظهر أن القدح بمجرد رميهم
إلى التفويض أيضا لا يخلو عن إشكال ". 5
قلت: نعم، ولكن الذي يظهر في إطلاق المفوضة أن المراد منه من قال بأحد
الوجهين الأولين، خصوصا والغالب أنهم يذكرون ذلك في مقام الذم واختصاص
الرجل باعتقاد مخصوص، ولا اختصاص للاعتقاد بأكثر المعاني المزبورة ببعض



1. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 39 و 40.
2. النجم (53)، الآية 3.
3. أضفناها من المصدر.
4 و 5 فوائد الوحيد البهبهاني، ص 40.
221
طوائف الشيعة.
ثم الظاهر من جملة إطلاقات التفويض والمفوضة أفعال العباد إليهم
بحيث لا يكون لله تعالى مدخل فيه، في مقابل الجبر الذي عليه الأشاعرة، كما أن
المعتزلة على الأول، وأصحابنا على أمر ثالث، وهو ما بين الأمرين لما وصل إليهم
عن الأئمة عليهم السلام بطريق التواتر والاستفاضة انه " لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين "
فإذا كان بعض الأصحاب من الرواة وغيرهم على طريقة المعتزلة في هذه المسألة
الكلامية، فهو حينئذ من المفوضة ويكون مذموما.
ومنهم: الناووسية. " وهم القائلون بالإمامة إلى الصادق عليه السلام الواقفون عليه، وقالوا: إنه
حي لن يموت حتى يظهر ويظهر أمره، وهو القائم المهدى.
وفى الملل والنحل 1: أن عليا مات وستشق الأرض عنه قبل يوم القيامة، فيملأ
الأرض عدلا.
قيل نسبوا إلى رجل يقال له: ناووس. وقيل: إلى قرية تسمى بذلك " كذا في
التعليقة. 2
وذكر الكشي في ترجمة عنبسة: " إنما سميت الناووسية برئيس لهم يقال له: فلان
ابن فلان الناووس ". 3
قلت: وهذا ربما يؤيد ما حكى عن قائل.
ومنهم: النصيرية.
في التعليقة: " أنهم من الغلاة أصحاب محمد بن نصير الفهري لعنه الله، كان يقول:
الرب هو علي بن محمد العسكري عليهما السلام، وهو نبي من قبله، وأباح المحارم، وأحل
نكاح الرجال ". 4



1. الملل والنحل، ج 1، ص 148.
2. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 410.
3. رجال الكشي، ص 365، الرقم 676.
4. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 410.
222
قلت: عن الكشي: " أن فرقة قالوا بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري ". 1
وعن الغضائري: " إليه تنسب النصيرية ". 2
وعن الخلاصة: " منه بدء النصيرية واليه ينسبون ". 3
ثم لا يخفى أن المعروف الآن عند الشيعة - عوامهم وأكثر خواصهم لا سيما
شعرائهم - إطلاق النصيري على من قال بربوبية علي عليه السلام.
وفى بعض الكتب حكاية قتله عليه السلام لرئيسهم أو جمع منهم، ثم إحياؤهم ليرتدعوا عن
ذلك، فما نفعهم حتى فعل بهم ذلك مرارا، بل أحرقهم، ثم أحياهم فأصروا وزادوا في
العقيدة المزبورة قائلين: إنا اعتقدنا بربوبيتك قبل أن نرى منك إحياء، فكيف وقد
رأيناه.
إلا أن الكتاب المزبور لم يثبت اعتباره وإن كان مسندا إلى ثاني المجلسيين رحمهم الله، وهو
كتاب تذكرة الأئمة، فلاحظ.
وقد اعترف بمعروفية الإطلاق الثاني في منتهى المقال. 4
ومنهم: الواقفية.
فعن الاختيار: " أنه حدثه محمد بن الحسن البرائي، قال: حدثني أبو على الفارسي،
قال: حدثني أبو القاسم الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد عن عمه، قال: كان بدء
الواقفة أنه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار الأشاعثة زكاة أموالهم وما كان يجب
عليهم فيها، فحملوها إلى وكيلين موسى عليه السلام بالكوفة، أحدهما حيان السراج وآخر كان
معه، وكان موسى عليه السلام في الحبس، فاتخذوا بذلك دورا وعقدوا العقود واشتروا
الغلات، فلما مات موسى عليه السلام وانتهى الخبر إليهما أنكرا موته، وأذاعا في الشيعة أنه



1. رجال الكشي، ص 520، الرقم 1000.
2. عنه في: مجمع الرجال، ج 6، ص 62.
3. خلاصة الأقوال، ص 257، الرقم 61.
4. منتهى المقال، ج 7، ص 450، الرقم 4446.
223
لا يموت لأنه القائم فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة، وانتشر قولهما في الناس
حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى عليه السلام، واستبان للشيعة إنما قالا
ذلك حرصا على المال ". 1
وفى الفوائد: " ربما يطلق الواقفي على من وقف على غير الكاظم من الأئمة عليهم السلام،
وسنشير إليه في يحيى بن القاسم.
لكن الإطلاق ينصرف إلى من وقف على الكاظم عليه السلام، ولا ينصرف إلى غيرهم الا
بالقرينة، ولعل من جملتها عدم دركه للكاظم عليه السلام، وموته قبله أو في زمانه عليه السلام مثل
سماعة بن مهران وعلي بن حنان ويحيى بن القاسم.
لكن سيجئ عن المصنف رحمه الله في يحيى بن القاسم جواز الوقف قبله وحصوله في
زمانه ".
ثم حكى عن جده رحمه الله: " أنهم صنفان: صنف منهم وقفوا عليه في زمانه لشبهة
حصلت لهم مما ورد عنه وعن أبيه أنه صاحب الأمر، ولم يفهموا أن كل واحد منهم
صاحب الأمر يعنى أمر الإمامة، ومنهم: سماعة بن مهران، لما نقل أنه مات في
زمانه عليه السلام ".
قال: " وغير معلوم كفر هذا الشخص، لأنه عرف إمام زمانه، و (لم) 2 يجب عليه
معرفة الإمام الذي بعده.
نعم، لو سمع أن الإمام بعده فلان ولم يعتقد، صار كافرا ".
ثم أيد كلام جده ب‍ " أن الشيعة من فرط حبهم دولة الأئمة عليهما السلام وشدة تمنيهم إياها
ونحو ذلك مما ذكره كانوا دائما مشتاقين إلى دولة قائم آل محمد عليهم السلام وهم عليهم السلام يسلون
خاطرهم حتى قيل: إن الشيعة تربى بالأماني ". 3



1. رجال الكشي، ص 459، الرقم 871.
2. ما بين المعقوفين من المصدر.
3. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 40 - 41.
224
قلت: فقد ظهر من ذلك أن منشأ الوقف ليس خصوص ما مر عن الاختيار، كما أنه
ظهر منه أنه لا يبادر إلى قدح الرجل بمجرد إسناد الوقف إليه خصوصا، فقد ذكر في
الفوائد أيضا أن جمعا منهم رووا أن الأئمة اثنا عشر، قال: " ويمكن أن يكون نسبة
الوقف إلى أمثالهم، من أن الواقفة تدعى كونه منهم، إذ أكثروا من حيث الرواية عنه أو
من روايتهم ما يتضمن الوقف لعدم فهمهم روايته ". 1



1. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 42.
225
الفصل الثالث
في الإشارة إلى جملة ألفاظ عندهم لا تفيد مدحا ولا قدحا
ولو أفادت أحدهما، فمما لا يعتنى به إما لضعف الإفادة أو المفاد.
فمنها: لفظ " المولى " فكثيرا ما يقولون في الرجل: " إنه مولى فلان " ومرة " إنه مولى
بنى فلان " وأخرى " مولى آل فلان " وقد يقطعونه على الإضافة فيقولون: " مولى " وربما
يقولون: " إنه مولى فلان ثم مولى فلان ".
فمن الأول: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أبو إسحاق مولى أسلم بن قصي،
وأحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن فضال عمر بن أيمن مولى عكرمة بن ربعي.
ومن الثاني: أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار أبو عبد الله
مولى بنى أسد، و إبراهيم عبد الحميد الأسدي مولاهم، وإبراهيم بن عربي الأسدي
مولاهم.
ومن الثالث: إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة المزني مولى آل طلحة ابن عبيد الله،
وإبراهيم بن محمد مولى قريش.
ومن الرابع: أحمد بن رياح بن أبي نصر السكوني مولى، وأيوب بن الحر الجعفي
مولى، وإبراهيم بن أبي محمود الخراساني مولى، وأحمد بن أبي بشر السراج
كوفي مولى.

226
ومن الخامس: تغلبة بن ميمون مولى بني أسد ثم مولى سلامة وصفوان بن مهران
بن المغيرة الأسدي مولاهم ثم مولى بنى كاهل والحسن بن موسى سالم مولى بنى
أسد ثم بنى والبة إلى غير ذلك.
ومجمل الكلام فيه: أن له في اللغة معاني كثيرة أشار إليها في القاموس (1) وغيره (2) قال
في الأول: " المولى المالك والعبد والمعتق والمعتق والصاحب والقريب كابن العم
ونحوه والجار والحليف والابن والعم والنزيل والشريك وابن الأخت والولي
والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر ".
وأما في اصطلاح أهل الرجال ففي الفوائد: " يجئ في إبراهيم بن أبي محمود وعن
الشهيد الثاني رحمه الله أنه يطلق على غير العربي الخالص وعلى المعتق وعلى الحليف،
والأكثر في هذا الباب إرادة المعنى الأول " (3) (4). انتهى
قال: " والظاهر أنه كذلك إلا أنه يمكن أن يكون المراد منه النزيل أيضا كما قاله
جدي في مولى الجعفي فعلى هذا لا يحمل على معنى إلا بالقرينة ومع انتفائها
فالراجح لعله الأول لما ذكر ". (5)
قلت: في عوائد الفاضل النراقي ذكر من جملة معانيه باصطلاحهم: الملازم
للشخص قال: " فإنه يقال لمن يلازم غيره إنه مولاه بالملازمة كما قيل في مقسم
مولى ابن عباس للزومه إياه ومنها: المولى بالإسلام فمن أسلم على يد آخر كان
مولاه يعنى بالإسلام ".
ثم قال: " ذكر هذه المعاني الثلاثة مشيرا بها إليهما مع غير العربي الخالص شيخنا
الشهيد الثاني (ره) في شرح الدراية وقال فيه: والغالب مولى العتاقة وقال أيضا إن



(1) القاموس المحيط ج 4، ص 401.
(2) لسان العرب ج 15، ص 408.
(3) الرعاية ص 392.
(4 و 5) فوائد الوحيد البهبهاني ص 44.
227
المولى لغير العربي الخالص أيضا كثيرا ". (1) انتهى
ولا يخفى ما في النقلين من الاختلاف إن كان المنقول عنه محلا واحدا وإلا ففي
كلام المنقول عنه.
ثم الظاهر أنه بمعنى الملازم المراد بالصاحب الذي هو أحد معانيه في اللغة (2) مع
احتمال التابع الذي هو أيضا أحدها في قولهم عبد الله بن سنان بن ظريف مولى بنى
هاشم ويقال مولى بنى أبى طالب ويقال: مولى بنى العباس بقرينة قولهم فيه: كان
خازنا للمنصور والمهدى بعده والهادي والرشيد.
واحتمال إرادة غير ذلك منه هنا بعيد فإن الرجل " كوفي ثقة من أصحابنا جليل
لا يطعن عليه في شئ كما ذكره النجاشي، (3) فتدبر
ثم إنه لا ينافي حمل إطلاق المولى على بعض ما ذكر من المعاني الاصطلاحية أو
اللغوية التعبير عن ذلك المعنى في مقام آخر بلفظ آخر صريح فيه أو ظاهر كما قيل
في أبان بن عمر الأسدي إنه ختن آل ميثم وفى إبراهيم أبى رافع إنه عتيق
رسول الله (ص) وفى أحمد بن إسحاق الأشعري إنه كان وافد القميين وفى الصدوق إنه
كان نزيل الري وفى إبراهيم بن أحمد بن محمد الحسيني الموسوي الرومي إنه نزيل
دار النقابة بالري إلى غير ذلك وذلك لإرادة التنصيص والظهور في مقام دون آخر.
هذا، وقد ظهر مما سمعت من معانيه وإطلاقاته أنه لا يفيد مدحا يعتنى به نعم لو
أضيف إلى واحد من المعصومين عليهم السلام أفاده في الجملة ولعله الباعث على ذكره فيهم،
لكن " في ترجمة معتب ما يشير إلى ذم موالى مولانا الصادق عليه السلام إلا أن في ترجمة
مسلم مولاه ورد مدحه " نص على ذلك في الفوائد. (4)
ومنه يظهر أنه لو أضيف إلى أعدائهم أفاد الذم في الجملة كما في الحسين بن راشد



(1) عوائد الأيام ص 807 و 808.
(2) القاموس المحيط ج 4 ص 401 لسان العرب ج 15 ص 408
(3) رجال النجاشي ص 214 الرقم 558.
(4) فوائد الوحيد البهباني ص 50.
228
أو الحسن أنه مولى بنى العباس.
هذا وأما لفظ الغلام فكثيرا ما يقع استعماله في الرجال فيقال إن فلان من غلمان
فلان وقد يستعمل في حق بعض الأعاظم فقد يتوهم أن المراد به العبد وهو من
خلط اللغتين العربية والعجمية وإلا فلم نقف فيما عندنا من كتب اللغة على هذا
المعنى له حتى في مثل القاموس.
والظاهر أن المراد به التلميذ.
فعن مجمع البيان: " الغلام للذكر أول ما يبلغ إلى أن قال - ثم يستعمل في التلميذ
فيقال غلام فغلب هذا " (1)
وفى منتهى المقال في ترجمة بكر بن محمد بن حبيب: " يجئ الغلام بمعنى
المتأدب أي التلميذ في عبائر القوم أكثر كثيرا " (2) ثم أمر بملاحظة جملة من التراجم
فلاحظها وتأمل
ومنها: قولهم: " له أصل " ولنذكر هنا قولهم: " له كتاب " و " له مصنف " و " له نوادر "
مضافة إلى باب من العلم كالمناقب والمثالب أو تهذيب الأخلاق وعمل يوم وليلة أو
بجعل ما ذكر ظرفا لها كقولهم: " له أصل - أو - كتاب في كذا " وهكذا أو إلى شخص
كابن عيسى وغيره وهو الغالب في استعمال الكتاب أو موصوفة بوصف الحسن أو
الاعتبار أو غير ذلك.
ولنذكر أولا ما وقفنا على معاني مفرداتها مع النسبة بين بعضها مع بعض ثم إفادتها
المدح أو العدم.
فنقول في الأول المعروف في ألسنة العلماء بل كتبهم أن الأصول أربعمائة جمعت
في عهد مولانا الصادق أو في عهد الصادقين عليهما السلام.
لكن حكى في فوائد التعليقة عن ابن شهرآشوب: " أنه في معالمه نقل عن المفيد (ره)



(1) مجمع البيان ج 3 ص 504
(2) منتهى المقال ج 2 ص 172 الرقم 482.
229
أن الإمامية صنفوا من عند أمير المؤمنين إلى زمان العسكري عليهم السلام أربعمائة كتاب تسمى
الأصول " (1)
ثم قال - بعد الحكاية -: " لا يخفى أن مصنفاتهم أزيد من الأصول فلا بد من وجه
تسمية بعضها أصولا دون البواقي.
فقيل: " إن الأصل ما كان مجرد كلام المعصوم عليه السلام والكتاب ما فيه كلام مصنفه أيضا
وأيد ذلك بما ذكره الشيخ رحمه الله في زكريا بن يحيى الواسطي له كتاب الفضائل وله أصل ".
قال: " وفى التأييد نظر إلا أن ما ذكره لا يخلو من قرب وظهور " (2)
قلت: إنما يستفاد من ذلك أنهما مختلفان عند القائل وأما وجه الاختلاف فلا
يستفاد منه أصلا فكيف بأنه ما ذكره!؟
ويستفاد هذا أيضا مما في الفهرست في ترجمة الحسين بن أبي العلاء: " له كتاب
يعد في الأصول " (3) وإن كان في التعليقة الاستشهاد بذلك على إطلاق الكتاب على
الأصل كاستشهاده عليه بما في ترجمة الحسن بن رباط وجمع آخر. (4)
وفيه تأمل لأن إطلاق الكتاب في أمثال ذلك من النجاشي والأصل من الشيخ
ولعل وجهه اختلافهما في الاصطلاح أو في استحقاق ما اختلفا فيه لإطلاق أحد
اللفظين.
ومن ذلك أيضا ما في ترجمة هشام بن سالم فذكر النجاشي أن له كتابا (5) والشيخ أن
له أصلا. (6)
وكذا ما في ترجمة هشام بن الحكم وترجمة سعد بن أبي خلف وذريح بن محمد
ابن يزيد وحميد بن المثنى العجلي الكوفي وحفص بن سالم وحفص بن



(1) معالم العلماء ص 3.
(2) فوائد الوحيد البهبهاني ص 33.
(3) الفهرست ص 54 الرقم 204
(4) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 99.
(5) رجال النجاشي ص 434 الرقم 1165.
(6) الفهرست ص 174 الرقم 780
230
البختري والحسين بن غندر والحسن بن موسى بن سالم والحارث بن محمد بن
النعمان وجميل بن دراج إلى غير ذلك مما يظهر أن المستعمل فيه " كتاب " واحد.
بل الذي يظهر بالتتبع اختصاص إطلاق الأصل في الغالب بالشيخ حتى أن غيره
ممن تأخر عنه إذا أطلقه فهو مما أخذه منه (ره) وإن ندر أخذه عن غيره مع احتمال وقوعه
على إطلاق الشيخ في موضع آخر فإنه قد يطلق الأصل على ما يطلق عليه الكتاب،
كما يظهر من ترجمة زيد الزراد وزيد النرسي. (1)
وإنما قلت: في الغالب إذ قد وقفت على إطلاق النجاشي (2) في الحسن بن أيوب -
على حكاية نقد الرجال - أنه قال: " له كتاب أصل " وكذا عن الوجيزة (3) والبلغة 4: " له أصل "
وفى نقل آخر عن الوجيزة (5) كذلك.
وعن الشيخ رحمه الله: " له كتاب " وأخرى " له كتاب النوادر " (6)
وبالجملة فالذي يظهر اختصاص هذا الاصطلاح بالشيخ (ره) وهو في الغالب يوافق
النجاشي في إطلاق الكتاب ومخالفته معه في إطلاقه فيطلق الشيخ في مقامه
الكتاب أقل قليل.
والذي يظهر اختلاف معنى الأصل مع الكتاب عند الشيخ
ويؤيده بعد ما سمعت - ما ذكره في حميد بن زياد من أهل نينوى: " أنه كثير
التصانيف روى الأصول أكثرها له كتب كثيرة على عدد كتب الأصول " (7)
ويختلفان في إطلاق الكتاب والنوادر أيضا كما في منصور بن العباس والحسن بن



(1) الفهرست ص 71 الرقم 700.
(2) رجال النجاشي ص 51 الرقم 113.
(3) الوجيزة للمجلسي (مخطوط) الورقة 30.
(4) بلغة المحدثين ص 344 الرقم 14 (الهامش 1)
(5) الوجيزة في الرجال ص 54 الرقم 471.
(6) الفهرست ص 70 الرقم 170.
(7) الفهرست ص 60 الرقم 238.
231
راشد فقال النجاشي: " لهما كتاب النوادر " (1) والشيخ: " كتاب " (2) وفى الحسن بن ظريف
النجاشي: " له نوادر " (3) والشيخ: " له كتاب " (4).
ثم إنه (ره) بعد حكاية الفرق المزبور مع تأييده المذكور ونقل عليه اعتراضين
وردهما فقال: واعترض بأن الكتاب أعم " قال: " وهذا الاعتراض سخيف إذ الغرض
بيان الفرق بين الكتاب الذي هو ليس بأصل ومذكور في مقابله وبين الكتاب الذي هو
أصل وبيان سبب قصر تسميتهم الأصل في الأربعمائة "
قال: " واعترض أيضا بأن كثيرا من الأصول فيه كلام مصنفه وكثيرا من الكتب ليس
فيه ككتاب سليم بن قيس
قال: " وهذا الاعتراض كما تراه ليس إلا مجرد دعوى مع أنه لا يخفى بعده على
المطلع بأحوال الأصول المعروفة
نعم لو ادعى ندرة وجود كلام المصنف فيها فليس ببعيد ويمكن أن لا يضر
القائل أيضا وكون كتاب سليم بن قيس ليس من الأصول من أين؟ إذ بملاحظة كثير من
التراجم يظهر ان الأصول ما كانت بجميعها مشخصة عند القدماء ".
ثم قال: " ويظهر من كلام الشيخ (ره) في أحمد بن محمد بن نوح أن الأصول رتبت
ترتيبا خاصا.
وقيل في وجه الفرق إن الكتاب ما كان مبوبا ومفصلا والأصل مجمع أخبار
وآثار.
ورد بأن كثيرا من الأصول مبوبة ".
قال: أقول ويقرب في نظري أن الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه
الأحاديث التي رواها عن المعصوم عليه السلام أو عن الراوي والكتاب والمصنف لو كان فيهما



(1) رجال النجاشي ص 38 الرقم 76.
(2) رجال الطوسي ص 88 الرقم 174 - 175.
(3) رجال النجاشي ص 61 الرقم 140
(4) الفهرست ص 48 الرقم 167.
232
حديث معتمد لكان مأخوذا من الأصل غالبا وإنما قيدنا بالغالب لأنه ربما كان بعض
الروايات وقليلها يصل معنعنا ولا يؤخذ من أصل وبوجود مثل هذا فيه لا يصير
أصلا فتدبر " (1)
قلت:: فهذه في الظاهر أقوال ثلاثة في المراد بالأصل والفرق بينه وبين الكتاب.
والذي يظهر أن مرجعها إلى أمر واحد خصوصا في تفسير الأصل ومنشؤ ظهور
الاختلاف قصور العبارة وقد زعم وفاؤها بانضام بعض ما عند صاحبها من قرائن
والتفاتات خفيت على غيره ومن هنا وجب على المعبر فرض نفسه مستفيدا من
العبارة نفسها مع قطع النظر عما عنده مما يفارق العبارة ولا يصاحبها.
والمتحصل: أن الأصل مجمع أخبار وآثار جمعت لأجل الضبط والحفظ عن
الضياع لنسيان ونحوه ليرجع الجامع وغيره في مقام الحاجة إليه وحيث إن الغرض
منه ذلك لم ينقل فيه في الغالب ما كتب في أصل أو كتاب آخر لحفظه هناك، ولم يكن
فيه من كلام الجامع أو غيره إلا قليل مما يتعلق بأصل المقصود وهذا بخلاف الكتاب
إذ الغرض منه أمور منها: تحقيق الحال في مسألة ومنها سهولة الأمر على الراجع إليه
في مقام العمل فيأخذ منه ما يحتاج إليه ولذا ينقل فيه من كتاب أو أصل آخر ما يتعلق
بذلك ويبوب ويفصل ويذكر فيه من كلام الجامع ما يتعلق برد وإثبات وتقييد
وتخصيص وتوضيح وبيان وغير ذلك مما يتعلق بالغرض المزبور.
ونظير القسمين عندنا موجود أيضا فمرة نكتب في أوراق أو مجموعة ما نسمعه
من صريح كلام فاضل أو غيره أو نستنبطه من فحواه أو إشاراته أو نلتفت إليه بأفكارنا
وسيرنا في المطالب سواء كان ذلك مطلبا أو دليلا على مطلب أو إيراد ونقضا
على خيال أو نكتة ودقيقة أو سرا أو علة لمقصود إلى غير ذلك فنسرع إلى جمعه في
مقام ليكون محفوظا إلى وقت الحاجة وربما ننقل فيه من كتاب وقفنا عليه مع زعم
صعوبة وصولنا إليه بعد ذلك وأخرى نكتب تصنيفا لتحقيق مطالب ومقاصد



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 33 و 34.
233
بالاستدلال الكامل أو غيره أو لجمع مهمات المطالب لرجوع الغير إليه كما في
الرسائل العملية ونحوها أو تأليفا لجمع ما شتت من أخبار أو لغة أو رجال أو حكايات
لغرض سهولة الأمر على الراجع وكفايته بمقصوده كان من المستنبطين أو الوعاظ أو
الزهاد أو نحو ذلك فالقسم الأول كالأصل والثاني كغيره من الكتب.
ومما يؤيد ما ذكرناه - بعد ما سمعت من تصريح الجماعة أنه لم نقف في التراجم
على أن يقال: لفلان أصلان أو أصول أو مع الوصف بالكثرة وكذا إن له أصلا في كذا.
وهذا كله بخلاف الكتاب والمصنف لمكان الدواعي إلى تكثرهما وجعل كل
قسم في مطلب أو باب من العلم بخلاف الأصل فكل ما وصل إليه من الأخبار
وعنده أنه ليس في مكتوب محفوظ أو أنه فيما لا تصل الأيادي إليه يكتبه في مجموعة
واحدة ولعدم اتحاد ما فيه مقصدا لا يقال له إنه في كذا.
وهذا بخلاف النوادر فإنه وإن شارك الأصل فيما ذكرناه إلا أن المجتمع فيه قليل
من الأحاديث غير المشتبه في كتاب فمرة هي من سنخ واحد فيقال إنه نوادر الصلاة
أو الزكاة مثلا وأخرى من أصناف مختلفة فيقتصر على أنه نوادر أو كتاب نوادر.
فعن روضة المتقين: " النوادر هي أخبار متفرقة لا يجمعها باب ولا يمكن لكل منها
ذكر باب فتجمع وتسمى بالنوادر " (1)
وفى الوافي " هي الأحاديث المتفرقة التي لا يكاد يجمعها معنى واحد حتى تدخل
معا تحت عنوان " (2)
قلت: قيد القلة محتاج إليه للتميز عن الأصل ولعل في الأول إشارة إليه في
أخير كلامه.
ولقد نص عليها في فوائد التعليقة قال: " وأما النوادر فالظاهر أنه ما اجتمع فيه
أحاديث لا تنضبط في باب لقلته بأن يكون واحدا أو متعددا لكن يكون قليلا جدا



(1) مرآة العقول ج 1، ص 154.
(2) الوافي ج 1 ص 42 (خاتمة مقدمة المؤلف).
234
ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة: نوادر الصلاة ونوادر الزكاة وأمثال ذلك ".
قال: " وربما يطلق النادر على الشاذ ومن هذا قول المفيد (ره) في رسالته في الرد على
الصدوق في أن شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقص: إن النوار هي التي
لا عمل عليها (1) مشيرا إلى رواية حذيفة.
والشيخ (ره) في التهذيب قال: لا يصلح العمل بحديث حذيفة لأن متنه لا يوجد في
شئ من الأصول المصنفة بل هو موجود في الشواذ من الأخبار. (2)
والمراد من الشاذ عند أهل الدراية ما رواه الراوي الثقة مخالفا لما رواه الأكثر وهو
مقابل المشهور (3)
قلت: هو المستفاد من رواية الأخذ بالشهرة دون الشاذ النادر.
وحيث عرفت المفردات عرفت النسبة بينها فالكتاب أعم من الجميع مطلقا
بحسب اللغة بل العرف إلا عرف من اصطلح الأصل في نحو ما ذكر والكتاب في
مقابله كما عرفت فمتباينان كظهور تباين الأصل مع النوادر بل الجميع حتى
التصنيف والتأليف في العرف المتأخر وإن كان أحيانا يطلق بعضها على بعض إما
للمناسبة أو بناء على خلاف الاصطلاح المتجدد فلاحظ الموارد وتدبر.
ونقول في الثاني إن المحكى عن البلغة (4) استفادة الحسن من قولهم له أصل.
وفى التعليقة في ترجمة علي بن أبي حمزة البطائني بعد نقل تضعيفه عن
المشهور: " قيل بكونه موثقا لقول الشيخ في العدة عملت الطائفة بأخباره ولقوله في
الرجال: له أصل ولقول ابن الغضائري في ابنه الحسن أبوه أوثق منه " (5)
وذكر في فوائدها: " أن الظاهر أن كون الرجل صاحب أصل يفيد حسنا لا الحسن
الاصطلاحي وكذا كونه كثير التصنيف وكذا جيد التصنيف وأمثال ذلك بل كونه ذا



(1) الرسالة العددية (ضمن مصنفات الشيخ المفيد) ج 9 ص 19.
(2) تهذيب الأحكام ج 4 بص 169.
(3) فوائد الوحيد البهبهاني ص 34 و 35.
(4) بلغة المحدثين ص 344 هامش 3.
(5) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 223.
235
كتاب أيضا يشير إلى حسن ما، ولعل ذلك مرادهم مما ذكروا " (1)
قلت: يحتمل أن يريد به أن هذا المقدار من الحسن مراد من ذكر استفادته مما ذكر
وقد قدم حكاية ذلك عن خاله بل وجده قائلا: " على ما هو ببالي " (2)
وعن المفيد أنه قال في مدح جماعة في رسالته في الرد على الصدوق: " هم
أصحاب الأصول المدونة " (3)
ويحتمل أن يريد به أن هذا المقدار مراد من ذكر هذه الألفاظ في الرجال.
وعلى كل حال يظهر من تأمله فيما حكاه عن جده وخاله بعد ملاحظة ما سمعته
منه مع تعليله بأن كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب
الفاسدة وبعضهم متروك العمل بما يختص بروايته أنه فهم منهما إرادة الحسن
المصطلح وعليه كانت الأقوال ممن أثبت الإفادة ثلاثة:
أحدها: إفادة التوثيق وهو ظاهر القول المحكى في ترجمة البطائني مع احتمال
إرادته التوثيق من مجموع ما ذكره وليس ببعيد
والثاني: الحسن المطلق
والثالث الحسن المصطلح.
والمستفاد من منتهى المقال نفى الإفادة رأسا ففي فوائدها: " لا يكاد يفهم حسن من
قولهم له كتاب أو أصل أصلا " (4)
وفى الرد على القول المحكى في ترجمة البطائني: " لا يخفى أن له أصل لا يفيد
مدحا أصلا ".
قال: " وصرحوا (5) بأن كون الرجل ذا أصل لا يخرجه عن الجهالة مطلقا " (6)



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 35 و 36.
(2) فوائد الوحيد البهبهاني ص 35.
(3) حكاه عنه الوحيد البهبهاني في فوائده ص 35.
(4) منتهى المقال ج 1 ص 66.
(5) قال في معراج أهل الكمال: " كون الرجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة إلا عند بعض من لا يعتد به ".
(6) منتهى المقال ج 4 ص 330.
236
قلت: من هذا يظهر أن النفي مذهب الأكثر ولعله الأظهر إن أريد بالحسن ما هو
أعلى من مطلق المدح، وإلا بأن أريد منه مطلق المدح فالظاهر نعم لوضوح انه ليس
مما يفيد الذم كوضوح أن الإكثار منه ومن إثبات كتاب أو كتب أو أصل ونحوه
لشخص في مقام المدح والقدح ليس عبثا فالظاهر إرادتهم منه الإشارة إلى مدح فيه،
بل هو أولى من المولى فيستفاد منه نوع مدح متفاوت المراتب بتفاوت القرائن
والتعبيرات مثل أن يقال له كتاب، أو أصل جيد، أو: رواه جماعة، أو: فلان، وهو
لا يروى الضعاف.
وكالشهادة بأنه صحيح كما ذكر النجاشي في الحسن بن علي بن النعمان: " له
كتاب نوادر صحيح كثير الفوائد " (1) وفى الحسن بن راشد: " له كتاب نوادر حسن
كثير العلم " (2)
وذكر الشيخ أن حفص بن غياث عامي المذهب له كتاب معتمد (3) فعن
منهج المقال أنه " ربما يجعل مقام التوثيق من أصحابنا " (4).
وذكر أيضا أن طلحة بن زياد عامي المذهب إلا أن كتابه معتمد. (5)
وفى التعليقة: " حكم خالي بكونه كالموثق ولعله لقول الشيخ كتابه معتمد (6)
ومن ذلك إذا قالوا: إن كتابه في أمور تدل على حسن حاله كفضائل الأئمة أو
أحدهم عليهم السلام أو الأعمال المستحبة والزيارات أو الرد والنقض على المخالفين
والمبطلين من فرق الشيعة ونحو ذلك.
ومنها: قولهم: " قريب الأمر " أو " مضطلع بالرواية " أو " سليم الجنبة ".



(1) رجال النجاشي ص 40 الرقم 81.
(2) رجال النجاشي ص 38 الرقم 76.
(3) الفهرست ص 61، الرقم 242.
(4) منهج المقال ص 410
(5) الفهرست، ص 86 الرقم 372
(6) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 185.
237
والمراد بالأول (1) إما أنه قريب العهد إلى التشيع أو يقرب أمر قبول روايته أو قريب
المذهب إلينا أو غير ذلك.
ولا يخفى أن شيئا مما ذكر لا يوجب مدحا معتبرا وإن أخذه أهل الدراية مدحا
فلعلهم أرادوا مطلقه.
وبالتالي (2) أنه قوى - أو عال، أو (مالك) (3) منها والمدح المستفاد منه أقوى من
غيره مما ذكر.
وبالثالث (4) أنه سليم الأحاديث أو سليم الطريقة.
ولا يخفى أنه أقوى من غيره لكن حيث لم يثبت أحد التفاسير فلا يمكن البناء على
حسن حال الرجل.
نعم استفادة مطلق المدح من ذلك معلوم.



(1) أي قوله: " قريب الأمر " واستغرب في " عدة الرجال " (ج 1، ص 125) في عدهم " قريب الأمر " من ألفاظ المدح
وقال: " وهو غريب، فإن ظاهره - كما يظهر من ترجمة علي بن الحسن بن فضال في فهرست الشيخ وترجمة الربيع بن
سليمان بن عمر في رجال النجاشي - أنه على خلاف المذهب والطريقة ".
ثم قال: " لكنه ليس بذلك البعد والمباينة بل هو قريب وأقصاه أن يكون إماميا غير ممدوح ولا مقدوح.. " إلى آخر
كلامه (ره).
وفى " شرح البداية " للشهيد الثاني (ص 208): " وأما قريب الأمر فليس بواصل إلى حد المطلوب "، وقال الميرزا
الاسترآبادي في " منهج المقال ": " وقد أخذه أهل الدراية مدحا ويحتاج إلى التأمل "
(2) أي قوله: مضطلع بالرواية ".
(3) في الأصل: " مال " بدل " مالك " والظاهر ما أثبتناه عما في فوائد الوحيد البهبهاني ص 36.
(4) أي قوله: " سليم الجنبة " بالجيم والنون والباء الموحدة أي سليم الطريقة أو سليم الأحاديث كما بينه المصنف (ره).
وقد تأمل العلامة المامقاني في إفادته المدح وأما من جهة إفادته التوثيق فقد قطع في عدم دلالته عليه انظر مقباس؟؟
الهداية ج 2 ص 238.
238
الفصل الرابع
(القدح والمدح هل يقبلان مطلقا أو مع ذكر السبب)
في أن الجرح والتعديل - والمناسب للمقام التعبير بالقدح والمدح هل يقبلان مع
الإطلاق أو لا بد من ذكر السبب فيهما أو في أحدهما مطلقا أو في مقام دون مقام؟ وفى
أنه مع تعارضهما هل يقدم المقدم أو المؤخر مطلقا أو على تفصيل أو يتوقف؟
وتمام البحث في المقامين موجب لتطويل خارج عن وضع هذا المختصر مع
حصول الاستغناء عنه بما كتب فيهما في الفقه والأصول وقد بسطنا الكلام فيهما في
الجزء الثاني من أجزاء كتاب القضاء بما لا ينبغي المزيد عليه حيث استوفيناه حق
الاستيفاء والزيادة فليرجع إليه بل يعول عليه.
ومع ذلك فللمقام خصوصية لا توجد في كتب الفقه حيث إن عمدة البحث فيه
يخص البينة ولذا عبر الأكثر فيه بتعارض البينات وبقبول بينة الجرح والتعديل مع
الإطلاق بخلاف الرجال والأصول ومن هنا عبر الأكثر فيهما بما يعم البينة وغيرهما
فقد نبهوا لعموم موضوع بحثهم ومع ذلك لم أقف على من تفطن لعدم شمول الجرح
والتعديل لمطلق القدح والمدح وبحثهم فيهما.
ومقتضى الخصوصية المشار إليها أن يقال لا يقتصر في الترجيح هنا على نحو
الأعدلية والأكثرية وغيرهما مما ورد في تعارض البينات في المرافعات ولا على ما

239
يخصها في الجرح والتعديل بل المدار هنا على مطلق الظن لما مر في تتمة المقدمة
من أن إخبار أهل الرجال والرجوع إليهم من باب الظنون الاجتهادية لوضوح انسداد
باب العلم والعلمي في ذلك.
ويختلف الظن قوة وضعفا باختلاف الموارد الجزئية في إحراز أسبابها وحيث
إن الجزئيات لا تنضبط بضابط فترك البحث فيها على التفصيل والاقتصار على ما هو
الضابط الثابت بالدليل من الرجوع إلى مطلق الظن أولى وما لعله المعروف من تقديم
كلام النجاشي (ره) في ذلك على كلام الشيخ (ره) لأضبطية الأول فالظاهر إرداتهم الغلبة
ومع قطع النظر عن المرجحات الخارجية بل الإشارة إلى أنه من باب المثالية لا
الضابطة الكلية.

240
الخاتمة:
في بيان أقسام الحديث
والإشارة إلى جملة من مشايخ هذا الفن في أحوالهم
وفيها مباحث:
(المبحث الأول: في أقسام الحديث باعتبار الراوي)
(المبحث الثاني: في أقسام الحديث باعتبار أنحاء تحمله
(المبحث الثالث: في أقسام الحديث باعتبار الراوي والمروي)
(المبحث الرابع: في أحوال المشايخ)

241
المبحث الأول
في تقسيمه باعتبار ما يرجع إلى ذات الرواة وأوصافهم
من حيث مدخلية ذلك في اعتبار الحديث وعدمه وهذا البحث بالرجال والأصول
أنسب لما مر مفصلا في المقدمة بخلاف علم الدراية الباحث عن أحوال الحديث
الظاهرة فيما يعرضه بملاحظة نفسه وإن عممت إلى ما يعرضه مطلقا
وكذا البحث الثاني إذ في كيفية التحمل مدخل تام في اعتبار الحديث وعدمه
وقوته وضعفه فيراعى مطلقا ولا أقل في مقام التعارض والترجيح.
نعم البحث الثالث أنسب بالدراية وإن كان لبعض أقسامه مدخل فيما ذكر.
وبالجملة هذا هو الباعث على تعرضنا وتعرض كثير من الأصوليين لهذه المباحث
في مثل المقام والأصول.
فنقول: قسمه المتأخرون بهذا الاعتبار إلى أقسام الصحيح والموثق والحسن
والقوى والضعيف وهذه أصول الأقسام عندهم فقد يزاد في التقسيم بتقسيم كل إلى
أعلى وغيره وقد يزاد على الأدنى بأنه كالأعلى فيقال مثلا الحسن كالصحيح أو
كالموثق والقوى كالحسن ونحو ذلك
ويظهر من المتقدمين أيضا تقسيمه إلى أقسام منها: الصحيح ولذا مر قولهم:
" لفلان كتاب صحيح " وقولهم: " أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن فلان "

243
وقول الصدوق: " وكل ما صححه شيخي فهو عندي صحيح " (1)
ومنها المعمول به وقد مر أن الطائفة عملت بما رواه فلان وسكنوا إلى روايات
فلان ولفلان كتاب يعمل به.
ومنها الشاذ والنادر (2)
ومنها: الضعيف وفى عبائرهم فلان ضعيف أو ضعيف الحديث أو مختلطة أو
غير نقية ونحو ذلك.
ومن هنا يظهر اندفاع ما أورده كثير من الأخباريين القاصرين على تقسيم
المتأخرين بأنه اجتهاد منهم وبدعة والأول طريقة العامة والثاني في الضلالة وقد مر
بجوابه في المقدمة.
ونزيد عليه هنا: أن أصل الاصطلاح كان موجودا عند القدماء والصادر من
المتأخرين تغييره إلى ما هو أضبط وأنفع فإن كان مجرد التغيير بدعة فالأخباريون
أيضا من أهلها لتغييرهم كيفية البحث والاستدلال والتصنيف والتأليف وغير ذلك
مع أن أصل عروضه عند القدماء أيضا بدعة مضافا إلى منع كلية الكبرى لما ورد في
تقسيم البدعة واختصاص بعض أقسامها بالضلالة.
ولتطويل الكلام معهم محل آخر إنما الكلام هنا في معرفة الأقسام المزبورة
فنقول أما الصحيح فالمراد به عند المتأخرين ما كان جميع سلسلة سنده إماميين
ممدوحين بالتوثيق مع اتصال السند إلى المعصوم عليه السلام (3)
ومع التعدد في مرتبة أو أزيد كفى اتصاف واحد منهم بما ذكر
وعن جمهور العامة اعتبار أن لا يكون شاذا ولا معللا فيه.
وفيه أن اعتبار ذلك إنما هو في اعتباره دون التسمية والأخير إذا كان في السند وإن
نافى التسمية إذ المراد به الإرسال فيما ظاهره الاتصال إلا أن اعتبار عدمه مستفاد مما



(1) الفقيه ج 2 ص 55 (باب صلاة التطوع خبر صلاة الغدير)
(2) وهو الذي يرويه الثقة ويخالف فيه الأكثر وقد يطلق على ما تندر الفتوى بمضمونه.
(3) انظر ضياء الدراية ص 21 وما بعدها.
244
ذكر لفرض اتصال جميع السند بما ذكر فالساقط إن كان متصفا بذلك فلا إشكال
وإلا لم يصدق اتصاف الجميع به.
وأما إذا كان في المتن فبأحد الاصطلاحين وهو ما اشتمل على علة الحكم - غير
مضر قطعا وبالآخر - وهو ما كان في متنه عيب قادح - فإن ما يقدح في الاعتبار لا في
التسمية.
ثم إن هذا القسم ينقسم عند جماعة إلى أقسام ثلاثة: أعلى وأوسط وأدنى.
فالأعلى ما كان اتصاف الجميع بما ذكر بالعلم أو بشهادة عدلين أو في البعض
بالأول وفى الآخر بالثاني. (1)
والأوسط ما كان اتصاف الجميع بما ذكر يقول عدل يفيد الظن المعتمد أو كان
اتصاف البعض به بأحد الطرق المذكورة في الأعلى
والأدنى ما كان اتصاف الجميع أو بعضهم مع كون الباقين من أحد القسمين
الأولين بالوصف المعتبر في الصحة بالظن الاجتهادي.
وهل يجرى هنا ما يجئ في البواقي من زيادة الأقسام بتشبيه الأدنى من نوع بنوع
أعلى منه فيشبه الأدنى هنا بأعلى منه مع اتحاد النوع بل في البواقي أيضا فيقال:
الصحيح الأوسط كالصحيح الأعلى، والأدنى كالصحيح الأوسط أو الأعلى والموثق
الأوسط كالموثق الأعلى وهكذا بل بتشبيه الأعلى في نوع بالأدنى فيه بل الأعلى من
نوع بنوع أدنى إشارة إلى كونه من أدنى مراتبه فيقال الصحيح الأعلى كالصحيح
الأوسط أو الأدنى أو الصحيح كالموثق أو كالحسن وهكذا أم لا؟ (لم) 2 أقف على من
نص عليه ولا على من استعمله ولا ريب في إمكانه فلا بأس به لو فعل وعليه فتكثر
الأقسام إلى ما ترى
ولا يخفى اختلاف القوة والضعف باختلاف المراتب المزبورة وغيرها
مثلا: في الصحيح الأدنى باختلاف الظنون الاجتهادية قوة وضعفا خصوصا حيث



(1) أي بشهادة العدلين
(2) ما بين المعقوفين ساقط في الأصل.
245
اختص التوثيق بالظن المزبور بواحد من سلسلة السند وكان من أقوى الظنون فربما
يقوى هذا الأدنى على الأوسط حيث كان توثيق غير الموثق بالظن المزبور بما في
الصحيح الأعلى إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتأمل خصوصا إذا انضم إلى ذلك
بعض القرائن الخارجية الموجبة للقوة أو الضعف.
وهذا يثمر عند التعارض وكذا في مراتب الاطمئنان فربما يجترأ في القوي على
مخالفة جمع بل الأكثرين ولا يجترأ في غيره.
وبالجملة هذا باب واسع لا ينبغي للفقيه المستفرغ بل الفارغ أن يغفل عنه.
وأما الموثق فالمراد به عندهم ما كان جميع سلسلة سنده ممدوحين بالتوثيق
الأعم الشامل للمقيد بالجوارح مع كون الجميع أو البعض من غير الإمامية مع
اشتراط الاتصال السابق فإنه معتبر في الجميع عدا الضعيف.
وله أيضا أقسام ثلاثة: أعلى وأوسط وأدنى وأقسام أخر باعتبار التشبيه تعرف -
كتعدد المراتب واختلافها قوة وضعفا بمقايسة ما مر وهذا قد يسمى بالقوى أيضا
وأما الحسن فالمراد به عندهم ما كان جميع سلسلة سنده إماميين ممدوحين بما
لم يبلغ حد الوثاقة مطلقا فإن بلغ حدها ففي البعض خاصة وله أيضا أقسام ومراتب
تعرف بملاحظة ما مر.
ثم إنك قد عرفت من التعميم في هذين القسمين أن كلا منهما على قسمين
أحدهما في الأول كون الجميع من غير الإمامية.
والثاني منه: كون البعض خاصة منهم
والأول من الأخير عدم بلوغ مدح واحد من السلسلة إلى حد التوثيق.
والثاني منه: اختصاص ذلك ببعضهم.
وأما القوي (1) فالمراد به عندهم بمعناه الأعم ما يدخل فيه جميع ما خرج عن



(1) قال في " لب اللباب " (ص 461) - في معرض تقسيمه للقوي -: " ومنها القوي كالصحيح وهو ما يكون كل واحد من
رواته إماميا ويكون البعض مسكوتا عن المدح والذم أو ممدوحا بمدح غير بالغ إلى حد الحسن وكان واقعا في الذكر
246
الأقسام الثلاثة المزبورة ولم يدخل في الضعيف.
وله أيضا ما مر من الأقسام بالاعتبارين وكذا المراتب المختلفة ويعرف الجميع
بملاحظة ما مر.
وله زيادة على ذلك أقسام:
منها: ما كان جميع سلسلة سنده إماميين لم ينص في أحدهم على مدح ولا ذم
هكذا قيل.
وينبغي تقييده بعدم استفادة أحد الأمرين فيهم من أمور أخر كالظنون الاجتهادية
وإلا كان مرة من أقسام الصحيح وأخرى من الحسن وثالثة من الضعيف ولا يحسن
جعله في مقابل الجميع وكأنه مرا الجميع.
ومنها: ما اتصف بعض رجال سنده بما في الموثق مع كونه من غير الإمامية ومن
عداه بما في الحسن وهذا الذي اختلف في إلحاقه بأحدهما.
ومنشؤ الاختلاف الاختلاف في كون الموثق أقوى من الحسن أو بالعكس
فكل يلحقه بالأضعف لتركب السند منهما والنتيجة تتبع لأخس مقدمتيها وحيث إن
عمدة أسباب الاعتبار تدور مدار الظن بالصدور فالموثق من هذه الجهة أقوى
فالإلحاق بالحسن وإن كان من أعلى مراتبه.
ومنها: ما كان جميع سنده من غير الإمامي لكن مدح الجميع بما لم يبلغ حد
الوثاقة.
ومنها: ما تركب سنده من إمامي موثق وغير إمامي ممدوح.
ومنها ما تركب منهما لكن مع مدح الجميع بما دون الوثاقة.



بعد الثقات وبعد من يقال في حقه أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه على قول.
ومنها: القوي الحسن وهو ما يكون كل واحد من رواة سلسلته إماميا وكان الكل أو البعض مع وثاقة الباقي أو نحوها
ممدوحا بمدح يكون تاليا لمرتبة الحسن أو ما ادعي العلم العادي بكونه من المعصوم عليه السلام.
ومنها القوي كالموثق وهو ما كان بعض رواته مسكوتا عن مدحه وذمه وواقعا بعد من يقال في حقه: " أجمعت
العصابة... " وكان الباقي ثقة وكان بعض الثقات غير إمامي وكان بعض من غير الإمامي ممدوحا بمدح يكون تاليا
للوثاقة وكان الباقي ثقة " انتهى كلام الشيخ شريعتمداري الاسترآبادي وسيأتي مزيد تفصيل عن المصنف رحمه الله حول ذلك.
247
ومنها: ما كان الجميع من غير الإمامي لكن مع توثيق بعض ومدح آخرين
فهذا أحد عشر قسما.
وهنا عشرة أخرى بتركيب أول أقسام القوى مع بواقيها ومع الخمسة السابقة عليه
بأن يكون بعض السند من إماميين مسكوت عن أحوالهم وبعضه من سائر الأقسام
وإذا لوحظ مع ذلك انقسام كل منها إلى الثلاثة الجارية في كل وإن لم يذكروه - وهي
كون كل أعلى وأوسط وأدنى بلغت الأقسام إلى ثلاثة وستين قسما.
ولو لوحظ مع ذلك الانقسام إلى اعتبار تشبيه بعض ببعض في جهة القوة بل
الضعف وإن لم يذكروا إلا بعضه زادت إلى ما لا يخلو ضبطه من تعسر.
كما أنه مع ملاحظة اختلاف المراتب قوة وضعفا بما أشرنا إليه تبلغ ما يقرب إلى
التعذر كما لا يخفى.
وأما الضعيف (1) فالمراد به ما لم يدخل في أحد الأقسام السابقة بجرح جميع
سلسلة سنده بالجوارح أو بالعقيدة مع عدم مدحه بالجوارح أو بهما معا أو جرح
البعض بأحدهما أو بهما أو جرح البعض بأحد الأمرين وجرح البعض الآخر بالأمر
الآخر أو بهما أو مع جرح بعض بالأمر الآخر وبعض آخر بهما معا وهكذا سواء
كان الجرح من جهة التنصيص عليه أو الاجتهاد أو من جهة أصالة عدم أسباب المدح
والاعتبار سواء جعلنا الأصل هو الفسق والجرح أو قلنا لا أصل في البين
ولا فرق في صور اختصاص الجرح بالبعض بين كون الباقي أو بعض الباقي من
أحد أقسام القوى أو الحسن أو الموثق بل الصحيح بل أعلاه لما مر من تبعية النتيجة
لأخس مقدمتيها
ومن أقسام الضعيف ما انتفى فيه شرط الاتصال المعتبر في جميع ما مر كما أشرنا
إليه وذلك بعروض مطلق سقوط بعض الرجال من السند الشامل للقطع والرفع والإرسال



(1) هو ما حكم بكون بعض رواتها أو كلها مجروحا بغير فساد المذهب وقد يطلق على ما هو الأعم من المعلوم فسقه و
المجهول حاله أو ذاته وحاله بل من القوي أيضا انظر: مجموعة " ميراث حديث شيعه " دفتر دوم ص 462 (رسالة
" لب اللباب ").
248
وربما يدخل بعض أقسام القوي بل جميعها في الضعف كما إذا بنينا على
اختصاص الحجية والاعتبار بالصحيح والموثق خاصة أو بالصحيح وحصوص
الحسن.
ومن هنا يظهر أن أقسامه أيضا كثيرة كما تتكثر أيضا باختلاف مراتب الضعف
حسب ما مر وتثمر في مقام التعارض حيث كان مؤيدا أو حجة كما في موارد
التسامح.
وينبغي أن يدخل أيضا في أقسام الضعيف ما انتفى في جميع السند أو بعضه شرط
الضبط بغلبة السهو والنسيان عليه بل بتساوي الأمرين لأن شرط الضبط معتبر في
جميع الأقسام السابقة.
واقتصارهم على ذكره في الصحيح لا يوجب الاختصاص كما أن اقتصارهم على
ذكر شرط الاتصال لم يوجبه.
وبملاحظة عموم بعض أدلة ثبوته - كما مر - يندفع توهم الاختصاص بالصحيح
باختصاص بعض أدلته بما يفيد الوثاقة مضافا إلى أن مع هذا يعم الموثق أيضا.
وبالجملة فالوجه عموم اعتباره ففاقده من الضعيف.
بقى شئ وهو أن ما مر من التفاسير في الأقسام الثلاثة المتقدمة بل الرابع إنما هو
مع إطلاق الألفاظ المزبورة كقولهم: " في الصحيح " " في الموثق " وهكذا.
وكذا إذا كان مع التقييد بكلمة المجاوزة المتعلقة بالمعصوم عليه السلام كقولهم: " في
الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام ونحو ذلك أو مع الإضافة إلى الراوي الناقل عنه عليه السلام
كقولهم: " في صحيح زرارة " مثلا.
وأما إذا كانت كلمة المجاوزة متعلقة ببعض السند أو كانت بالإضافة إلى غير أخير
السند كقولهم: " في الصحيح عن صفوان " أو " في صحيحه " فالمراد المستفاد حينئذ
اتصاف السند إلى الرجل المذكور بالوصف المزبور فمرة بخروج الغاية وهو الرجل
المذكور كما في المثال الأول وأخرى بدخوله أيضا في الصنف المتصف كما في
المثال الثاني.

249
فإن كان الوصف المزبور أخس مراتب أوصاف السند في الاعتبار كالقوى، كان بقية
السند من أقسام الضعيف.
وإن كان مما هو فوق الأخس، احتمل كون البقية مما هو أخس منه ومن الضعيف.
ومن هنا يتكثر الاحتمال إن كان الوصف المزبور من أعلى المراتب في الاعتبار،
كالصحيح أو الأعلى من أقسامه، وحيث يقوم في الجميع احتمال الضعيف ما لم تكن
قرينة على نفيه ألحق الجميع بالضعيف لما مر مرارا من تبعية النتيجة لأخس
المقدمات.
وربما تقع الغفلة عن ذلك فيظن من كلماتهم تصحيح السند أو توثيقه بنحو ما
سمعت، ومنشؤها عدم الاطلاع على ما ذكرنا من الاصطلاح أو قلة التأمل، فاجعل
ذلك نصب عينيك، ولا تغفل ولا تتوهم أن من أقسام الضعيف جملة من أقسام ما أطلق
عليه الصحة، كما كثر في كلام العلامة حيث إن رواته كلا أو بعضا غير موثقين في كتب
الرجال، وذلك لما أشرنا إليه في أقسام الصحيح من أن منها ما يكون التوثيق لجميع
سنده أو بعضه بطريق الظنون الاجتهادية.
وأمثال هذا الإطلاق ناظر إلى ذلك إن أمكن، وإلا فمبني على الغفلة والاشتباه، وهو
على فرض تحققه أقل قليل.
ثم إن الظاهر المصرح به في كلمات جمع أن الباعث للمتأخرين على التقسيم
المزبور والاصطلاح المذكور ضبط طريق اعتبار الرواية وعدمه من جهة رجال السند،
مع قطع النظر عن النظائر الخارجة بضابط حيث اندرست الأمارات بتطاول العهد،
وسقطت أكثر قرائن الاعتبار، لا حصر اعتبار الرواية وعدمه فيما ذكروه على الإطلاق.
ومن هنا تراهم كثيرا ما يطرحون الموثق بل الصحيح، ويعملون بالقوي، بل
بالضعيف، فقد يكون ذلك لقرائن خارجة، منها: الانجبار بالشهرة رواية أو عملا. وقد
يكون لخصوص ما قيل في حق بعض رجال السند، كالإجماع على تصحيح ما يصح
عنه، أو على العمل بما يرويه على أحد الاحتمالين فيه، أو قولهم: " إنه لا يروي - أو - لا
يرسل إلا عن ثقة "، ونحو ذلك، فالنسبة بين الصحيح عندهم والمعمول به عموم من وجه.

250
وقد يسمى المعمول به من غير الصحيح والموثق بل الحسن بما وصفناه.
وقد يسمى بالمقبول، ومنه مقبولة عمر بن حنظلة عند الأكثر، وإن كان هو عند ثاني
الشهيدين رحمه الله من الثقات 1، وليس ببعيد.
وهذا أمر لا يخص بنوعه بالمتأخرين، فإن المتقدمين أيضا اصطلحوا الصحيح -
على ما صرح به جماعة منهم: الفاضل بالبهبهاني رحمه الله في فوائد التعليقة 2 - فيما وثقوا بكونه
من المعصوم عليه السلام أعم من أن يكون منشؤ وثوقهم كون الراوي من الثقات أو أمارات
أخر، ويكونوا يقطعون أو يظنون بصدوره عنه عليه السلام.
ومنه يظهر أن اشتراطهم العدالة أيضا لما قدمناه في... 3 والمعمول به عندهم
لا يخص بذلك، بل النسبة بينهما باصطلاحهم أيضا عموم من وجه على تأمل ما من
الفوائد حيث قال: " إن بين صحيحهم والمعمول به عندهم لعله عموم من وجه لأن ما
وثقوا بكونه من المعصوم عليه السلام الموافق للتقية صحيح غير معمول به عندهم ". 4
قال: " وببالي التصريح بذلك في أواخر فروع الكافي. وما رواه العامة عن
أمير المؤمنين عليه السلام - مثلا - لعله غير صحيح عندهم ويكون معمولا به كذلك لما نقل عن
الشيخ رحمه الله أنه قال في عدته 5 ما مضمونه هذا: رواية المخالفين في المذهب عن الأئمة عليهم السلام
إن عارضها رواية الموثوق به، وجب طرحها، وإن وافقتها، وجب العمل بها، وإن لم
يكن ما يوافقها ولا ما يخالفها ولا يعرف لها قول فيها، وجب أيضا العمل لها لما روى
عن الصادق عليه السلام: " إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روى عنا، فانظروا إلى ما
رووه عن علي عليه السلام فاعملوا به ". 6
ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث بن كلوب ونوح



1. الرعاية، ص 131.
2. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 27.
3. مكان النقاط ساقطة في الأصل، وقد وضعت عليه علامة السقط.
4. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 27.
5. عدة الأصول، ج 1، ص 379.
6. وسائل الشيعة، ج 27، ص 91، ح 33292.
251
ابن دراج والسكوني من العامة عن أئمتنا عليهم السلام، ولم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه.
انتهى، فتأمل. وما ذكر غير ظاهر عن كل القدماء ". 1 انتهى.
وأما النسبة بين صحيح القدماء وصحيح المتأخرين فعموم مطلق بأعمية الأول
كذلك، كذا في الفوائد. 2
قلت: لا يبعد أن يكون بينهما عموم من وجه إذ وثاقة الرواة لا تلازم الوثوق بالصدور عن المعصوم عليه السلام وإن كان كذلك في الغالب، فغير الموثوق بصدوره عنه عليه السلام مع
صحة سنده غير صحيح عندهم.
وأما المعمول به عند الفريقين فالظاهر أنه لا مغايرة بحسب المفهوم وإن تغايرت
أسباب جواز العمل عندهم، وكان مؤديا إلى التغاير في المصداق بل المفهوم، كما لا
يخفى.
وأما النسبة بين الضعيف بالاصطلاحين فالظاهر العموم المطلق لأن كثيرا من
ضعاف المتأخرين معمول به عند القدماء، وهم يخصون الضعيف - على ما يظهر منهم -
بما يغاير الصحيح والمعمول به عندهم.
ويحتمل العموم من وجه بناء على طرحهم لبعض الصحاح عند المتأخرين
بضعف الأصل المأخوذ منه عندهم ونحو ذلك.
وحيث إنه لا ثمرة معتدا بها في اختلاف الاصطلاحين ومعرفة كيفيته فالاقتصار
على هذا المقدار خصوصا في هذا المختصر أولى، وإنما المهم معرفة اصطلاح
المتأخرين وأقسام ما عندهم، وقد بيناه بما يناسب هذا المختصر وزيادة.



1. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 27 و 28.
2. فوائد الوحيد البهبهاني، ص 28.
252
المبحث الثاني
في أقسام الحديث باعتبار أنحاء تحمله
وله بهذا الاعتبار أقسام يعم أكثرها عندي بل جميعها المتحمل عن المعصوم عليه السلام
وغيره.
وعند الأكثر اختصاص أكثرها بالأخير.
فلنذكرها أولا في غيره، 1 ونشير بعده إلى جريانها في الأخذ عنه عليه السلام أيضا، فنقول:
منها: السماع عن المروى عنه. وهو أعلاها، وله وجوه:
أحدها: أن يقرأها الشيخ من كتاب مصحح على خصوص الراوي عنه بأن يكون هو
المخاطب الملقى إليه الكلام.
وثانيها: قراءته منه مع كون الراوي أحد المخاطبين.
وثالثها: كذلك مع كون الخطاب إلى غيره، فيكون هو مستمعا أو سامعا صرفا.
والرابع والخامس والسادس: ما ذكر مع كون قراءته من حفظه.
وأعلى هذه الوجوه أولا ثم ثانيها، مع احتمال ترتيب الاعتبار على ترتيب الذكر.
ووجهه قلة احتمال الخطأ في الأول بالنسبة إلى غيره، لمكانه من الحافظة بالذهول
والنسيان بالقراءة من الحفظ، بخلافه في القراءة من الكتاب وعروضه من البصر



1. أي، غير المعصوم عليه السلام.
253
المختص بالقراءة من الكتاب وإن كان ممكنا، إلا أنه أبعد من نحو النسيان المختص
بالقراءة من الحفظ، وكذا قلة اعتناء السامع، بل المستمع الخارج عن الخطاب، بل
الداخل فيه ممن اختص به.
وعلى كل حال فعبارة السامع بل المستمع: " سمعت فلانا يقول " أو " روى " أو
" حدث " أو " أخبر " ونحو ذلك، أو " سمعته يروى " أو " يحدث " ونحوه.
ولا يقول السامع غير المخاطب: " حدثني " ولا " حدثنا " ونحو ذلك. والوجه
واضح.
ويجوز الجميع لمن عداه وإن كان بعضه أولى من بعض لبيان المرتبة.
ففي الأول يقول: " أقرأني - أو - علي من كتابه " أو " من كتاب كذا " أو " فلان " أو
" أخبرني " أو " حدثني منه ".
وعلل الشهيد الثاني رحمه الله في درايته كون مطلق السماع أعلى مما يجئ " بأن الشيخ
أعرف بوجوه ضبط الحديث وتأديته. ولأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسفيره إلى أمته،
والأخذ منه كالأخذ منه. ولأن النبي صلى الله عليه وآله أخبر الناس أولا وأسمعهم ما جاء به، والتقرير
على ما جرى بحضرته أولى. ولأن السامع أربط جأشا وأوعى قلبا، وشغل القلب
وتوزع الفكر إلى القارئ أسرع ". 1
قلت: وهذا كله لا بأس به، إلا أنه استند في ذلك أيضا إلى رواية عليها تأمل.
ومنها: القراءة على الشيخ.
في الدراية: " يسمى عند أكثر قدماء المحدثين العرض ". 2
قلت: هذا إذا أطلق، وأما مع التقييد فالقراءة تسمى عرض القراءة، والمناولة كذلك،
بل الظاهر جواز ذلك في الجميع.
وله أيضا وجوه:



1. الرعاية، ص 232.
2. الرعاية، ص 237.
254
أحدها: قراءة الراوي عليه من كتاب في يده، وبيد الشيخ أيضا مثله مع الصحة، ثم
يعترف بالموافقة وبكونه روايته.
ولا خفاء في أنه أعلاها لما مر كلا أو بعضا. ويتفاوت ما عداه من الوجوه أيضا،
كقراءة الراوي من حفظه حيث تحمله وحفظه بما دون ذلك من المراتب، بل بما لا
اعتبار به أصلا، كحفظه من لسان كذاب وضاع، فأراد الاعتبار أو كماله وتمامه،
فيعرضه على المروى عنه الثقة أو غيره ليعترف به، وكقراءة غيره مع سماعه وسماع
الشيخ، كانت القراءة من كتاب أو الحفظ أو مع مقابلة الشيخ بما في حفظه من غير كتاب
بيده أو مع ظهور الاعتراف منه لا صريحه.
وفى القوانين: " والظاهر أن يكون السكوت مع توجهه إليه وعدم مانع عن المنع
والرد من غفلة أو إكراه أو خوف وانضمام القرائن بالرضا كافيا ". 1 انتهى.
ووجه التفاوت بزيادة طريق الغفلة والنسيان في بعض دون آخر، وبانضمام
المتعدد منه وغير ذلك ظاهر بالتأمل.
والعبارة حينئذ " قرأت عليه " أو " عرضت عليه " أو " قرأ " أو " عرض عليه فأقر به " أو
" أظهره " وأمثال ذلك مما لا خفاء في إفادته المدعى من غير لزوم كذب أو تدليس، أو
التكلم بظاهر وضعا أو غيره وإرادة خلافه.
والظاهر أن مثله لو عبر بما هو مجاز في المعنى الواقع من القراءة أو ظاهر في غيره
أو غير دال عليه، فحينئذ ينصب قرينة عليه، كقوله: " أخبرنا " أو " حدثنا قراءة منى " أو
" من فلان عليه، مع سماعه واعترافه ".
بل عن جماعة كفاية إطلاق الإخبار والتحديث مع عدم التقيد بالقراءة عليه
ولعل وجهه: أن إعلام الشيخ على الخبر والحديث بالنحو المزبور يدخل في مطلق
إخباره وتحديث خصوصا في الاصطلاح إذ لا ريب في صدق المحدث - مثلا - على
الشيخ المقروء عليه.



1. القوانين المحكمة، ج 1، ص 488 و 489.
255
قلت: هو وإن كان كذلك إلا أن الإطلاق ظاهر في غيره بحيث لا يصرف إلى غيره
إلا بقرينة.
وهذا الظهور لم يكن بهذا النحو في غير المقام، كمحاورات أهل العرف، ولذا لو
قيل لبريد: " هل مات فلان " ونحوه، أو " أنك أخبرت بموته؟ " فقال: نعم يقال على
الإطلاق: " أخبر بريد بموت فلان " لكنه في خصوص المقام كذلك.
وربما يشهد له ما حكي عن السيد المرتضى بالمنع عنه مقيدا أيضا، محتجا بأنه
مناقضة، قائلا: لأن معنى الإخبار والتحديث هو السماع منه، وقوله: " قراءة عليه "
يكذبه، وإن كان هو كما ترى لأن جميع المجازات وكثيرا من المشتركات المعنوية بل
اللفظية كذلك، حيث إن معانيها مع فقد القرينة تغايرها معها.
في الدراية: " اختلفوا في أن القراءة على الشيخ مثل السماع من لفظه في المرتبة أو
فوقه أو دونه. فالأشهر ما تقدم " 1. أي الأخير. ونقل الأول عن علماء الحجاز
والكوفة ". 2
ومنها: الإجازة. ولها أيضا وجوه مترتبة في القوة والاعتبار لأنها مرة بالقول
الصريح منه لرواية معينة أو روايات كذلك لشخص حاضر أو أشخاص كذلك،
وأخرى به لعدة روايات أو كتب، ككتب فلان أو كتبه في كذا.
وقد يزاد على هذا الإجمال، كقوله: " لجميع رواياتي " أو " مسموعاتي عن فلان " أو
" عن كل أحد ".
وثالثة به لعدة أشخاص يدخلون في عنوان، كقوله: " أجزت لعلماء كذا " صنفا
كعلماء العرب، أو قيدا في العلم، كعلماء الفقه، أو مكانا، كبلد كذا، وهكذا لو قال:
" أجزت للرواة ".
وقد يزاد على هذا، كقوله: " أجزت لجميع علماء - أو - رواة العصر " ونحو ذلك.



1. الرعاية، ص 239.
2. الرعاية، ص 240.
256
وقد استجاز الشهيد رحمه الله عن شيخه السيد تاج الدين بن معية لأولاده ولجميع
المسلمين ممن أدرك جزءا من حياته جميع مروياته، فأجازهم ذلك بخطه، حكاه في
الدراية. 1
ورابعة بالمركب من مواقع الإجمال أو منها ومن الزائد فيه أو من محض الزيادات
فيه. هذا كله في قوله الصريح.
وقد يكون بقوله الظاهر أو بقوله المقدر حيث أجاب بقوله: " نعم " عند السؤال عنه
بقول: " أجزتني " أو " أجزت فلانا " أو " أجزني " أو " أجزه " وهكذا، وكذا بالإشارة، وفى
ثالث بالكتابة.
ثم إن هذا كله في الإجازة لموجود، وقد تكون لمعدوم معين عند الوجود، كأول ما
يولد له أو لفلان، أو أكبر ما يولد له، أو معين بعنوان، كأولاد فلان، أو العلماء
المتجددين من نسل فلان أو في بلد فلان أو في سنين كذا. أو غير معين ك‍ " أجزت لكل
أحد " وقد يضم الموجود إلى المعدوم.
ويظهر بالتأمل فيما ذكرناه أن صور هذا القسم كثيرة جدا، فيعبر عن كل صورة بما
يفيدها ولا يكون ظاهرا في غيرها، حذرا عن الكذب أو التدليس أو الخروج عن قواعد
الاستعمال، فيقول: " أجازني " أو " أجاز لي " أو " عنه إجازة " أو " حدثني - ونحوه -
إجازة ".
وفى القوانين: " وعبارته الشائعة: أنبأنا ونبأنا، ويجوز: حدثنا وأخبرنا أيضا،
والأظهر عدم الجواز على الإطلاق إلا مع القرينة ". 2
قلت: أسند الإطلاق في الدراية إلى بعضهم، بل حكى عن قوم أنهم خصصوها
بعبارات لم يسلموا فيها من التدليس، كقولهم في الإجازة: أخبرنا أو حدثنا مشافهة، إذا
كان قد شافهه بالإجازة لفظا. 3



1. الرعاية، ص 267.
2. القوانين المحكمة، ج 1، ص 489.
3. الرعاية، ص 285.
257
وكيف كان فالمشهور المنع، فمراده من جعل عبارته الشائعة ما مر أنها شائعة في
الجملة مع قطع النظر عن الاقتصار على إطلاقها أو تقييدها بقرينة.
وفى الدراية أيضا: أنه " لا يزول المنع من إطلاق أخبرنا وحدثنا في الإجازة، بإباحة
المجيز لذلك، كما اعتاده قوم من المشايخ من قولهم في إجازاتهم لمن يجيزون له: إن
شاء قال: حدثنا، وإن شاء قال: أخبرنا ". 1
وعلل المنع بأن الإذن لا يفيد الجواز بعد فرض عدم الدلالة. 2
ثم إن أكثر ما ذكر إنما يتجه على كون الإجازة إذنا ورخصة لا محادثة، كما هو أحد
القولين.
وفى أصل جوازها والرواية بها خلاف، فعن الشافعي في أحد قوليه وجماعة من
أصحابه المنع، والمشهور بل في الدراية " ادعى جماعة الإجماع عليه " 3 (أي) 4 الجواز.
وعلى الجواز اختلفوا في ترجيح السماع عليها وبالعكس، والتفصيل بين عصر
السلف والمتأخرين، فالأول في الأول والثاني في الثاني. 5
والحق الأول.
ومنها: المناولة. وهي أن يدفع الشيخ مكتوبا فيه خبر أو أخبار - أصلا كان أو كتابا،
له أو لغيره - إلى راو معين أو إلى جماعة، أو يبعثه إليه أو إليهم برسول، بل يمكن في
المعدوم بأن يوصى بالدفع إليه كل ذلك، مع تصريح أو غيره بما يفيد أنه روايته
وسماعه.
كل ذلك مع تجويزه للمدفوع إليه أو لغيره أيضا في أن يرويه عنه بطريق الإجازة له
أو بغيره، فمرة يقول: " أجزتك في روايته " وأخرى يقول: " اروه عني " وإن كانا عند
التحقيق من باب واحد لو لم يكن الأخير أولى، أو مع الاقتصار عليه، فيقول: " هذا



1 و 2. الرعاية، ص 286.
3. الرعاية، ص 260.
4. ما بين المعقوفين ساقط في الأصل، ويقتضيه السياق.
5. في الأصل: " فالثاني "، والصحيح ما أثبتناه.
258
سماعي - أو - روايتي ".
وفى القوانين: " والأكثر على عدم جواز الرواية عنه بذلك حينئذ ". 1
قلت: لا نعقل للمنع وجها، وأي مدخل لإذن الشيخ بعد إذن الإمام عليه السلام بل أمره وأمر
الله تعالى برواية الأحاديث، بل ضبطها ونشرها بين الشيعة وفى المجالس؟.
ومنه يظهر أنه لا يلتفت إلى منعه لو منع أيضا ما لم يكن منشؤه خللا في نقله أو
ضبطه، كما أن منه يظهر أن المنع في إجازة المعدوم في القسم السابق أو هنا إذا فرض
الوصول بوصايته لا وجه له أصلا.
والعجب من الدراية 2 أنه مع مصيره إلى المنع من غير ذكر وجهه روى عن الكافي
بإسناده إلى أحمد بن عمر بن الحلال قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: الرجل من
أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول: اروه عني، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال: " إذا
علمت أن الكتاب له فاروه عنه ". 3
قلت: من أخيره ظهر وجه ما اعتبرناه من ثبوت كونه روايته وقانون التعبير عن هذا
القسم على ما عرفته في غيره، فيقول: " ناولني " مع بيان أنه سماعه، و " أمرني " أو
" رخصني " أو " أجازني روايته " ويجوز " حدثني " أو " أخبرني " مع القيد.
ومنها: الكتابة، بأن يكتب 4 - بنفسه أو بأمره لثقة، أو مع ملاحظته المكتوب - روايته
أو سماعه إلى غائب أو حاضر.
ولا يخفى أن هذا قد يجامع ما قبله، كما إذا ناوله بنفسه أو أمر أو أوصى به فوصل مع
إبلاغ قوله: " إنه روايتي " أو " سماعي إليه " بغير هذا المكتوب.
وقد يفارقه كما إذا وجده المكتوب إليه من غير مناولة أو من غير ضم " هذا سماعي " وإن كان مكتوبا فيه ذلك.



1. القوانين المحكمة، ج 1، ص 489.
2. الرعاية، ص 283.
3. الكافي، ج 1، ص 52 (ح 6 من كتاب العلم).
4. أي الشيخ.
259
ومفارقة السابق عنه واضحة، فالنسبة بينهما عموم من وجه ولو بحسب المورد.
وأما اعتبار مورد الجمع أو قوته فيتبع الأقوى، لفرض ثبوت أكمل الوجودين الذي
لا ينافيه إلا نقص، وهو في الحقيقة مجمع أسباب الاعتضاد والاعتبار فيكون أكمل،
وهذا غير موارد التبعية للأضعف، فإنها حيث انتفت القوة في بعض المراتب
والمقدمات، والفرق واضح.
وأما في موارد الافتراق فالظاهر - خصوصا بملاحظة تعبيراتهم من جهة الترتيب
الذكري وغيره - أن المناولة أقوى لوضوح استفادة كونه روايته وإذنه لغيره في الرواية
عنه بما هو منتف في الكتابة، فإن الخط غايته إفادة المظنة في الغالب، ولهذا أجمعنا
على عدم إجازة الأحكام للقضاة وغيرهم بالكتابة دون المناولة مع قوله: إنه حكمه.
نعم، قد يقوى الأخير بملاحظة حصول الاهتمام حيث كان بخطه - وهو قليل -
رواية واحدة أو روايات، وكأن المناولة لكتاب غيره لا سيما مع الكبر والتعدد.
وفى القوانين: " فإن انضم ذلك بالإجازة وكتب: فاروه عني، أو أجزت لك روايته،
فلم ينقل خلاف في جواز الرواية بشرط معرفة الخط والأمن من التزوير، وإن خلا عن
ذكر الإجازة، ففيه خلاف "، والأكثر على الصحة، وهو الأظهر ". 1
في الدراية: " الأشهر بينهم جواز الرواية بها لتضمنها الإجازة معنى " (3)
قلت: لا وجه للمنع وإن لم نقل بتضمنها الإجازة لما عرفت من عدم دوران الجواز
مدارها فالمتجه جوازها بعد فرض معرفة الخط وأمن التزوير خصوصا وبناء
المسلمين بل مطلق الناس عليه وعلى الاعتبار ومكاتبات الأئمة عليهم السلام إلى مواليه في
الأحكام الشرعية فوق الكثرة وهم عليهم السلام كانوا عالمين بعملهم عليها بل كانوا يكتبون
لذلك ولم ينقل عن أحد التأمل من هذه الجهة. فإذا كان هذا طريقا لإثبات المكتوب
فالرواية عنه بأدلة نقل الأحاديث والأخبار فلا يتصور للمنع سوى عدم إذن الشيخ
ومقتضاه أن يمنع هنا كل من منع في المناولة لذلك بل وزيادة لفرض ضعف الكتابة،



(1) القوانين المحكمة ج 1 ص 489 - 490.
(2) الرعاية ص 288.
260
لا أن يعكس كما هو قضية نقل القوانين فلاحظ وتأمل.
والعبارة على وفق ما مر فيقول: " كاتبني " أو " كتب إلي " أو " عنه مكاتبة إلي " أو " إلى
فلان " أو " أخبرني مكاتبة ".
وفى الدراية (1) حكاية جواز ذلك على الإطلاق عن قائل:
ومنها: الإعلام بأن يعلم شخصا أو أشخاصا بقوله الصريح أو الظاهر أو المقدر أو
الإشارة أو الكتابة أن ما كتب في كتاب كذا من مروياته أو مسموعاته وهذا يتفق عند
المسافرة أو الموت أو زعم أحدهما ولا يأذن في الرواية بإجازة أو مناولة أو غير ذلك.
والعبارة على وفق ما مر إلا أن ذكر الإخبار والتحديث ولو مع قيد الإعلام لا يخلو
عن شئ لكونه أبعد عما تقدم في صدق التحديث ولو مجازا.
ثم إن الحاجة إلى هذا القسم بل إلى أكثر ما مر إنما فيما لم يعلم كونه رواية الشيخ إلا
بقوله والمدار مع ذلك على قوله: إنه روايته أو سماعه ولا مدخل لإجازته ومناولته
وإذنه في الرواية عنه على ما أشرنا إليه.
نعم عند من يعتبر فيها إذنه - كما هو ظاهر أكثر القدماء على ما عرفت - فالحاجة
إليهما معا.
وعليه فالإعلام المجرد غير نافع كالمناولة المجردة ونحوها، كما لا ينفع مجرد
الإذن في نقل جميع رواياته ومسموعاته مع عدم ثبوت أن هذا منها بغير خلاف.
وقس على هذا حال الوجادة فعلى هذا عدم الاعتبار بها مطلقا وعلى التحقيق ما
لم يعلم كونه من الشيخ المراد روايته عنه.
وفى الدراية - بعد أن حكى قولين في جواز الرواية مع إطلاق الإعلام ووجه المنع
مع اختياره له - بعدم الإذن والجواز باستفادته منه - قال: " وفي قول ثالث: له أن يرويه
عنه بالإعلام المذكور وإن نهاه " (2)



(1) الرعاية ص 291.
(2) الرعاية ص 294.
261
قلت قد عرفت أن المتجه جواز ذلك مطلقا.
ومنها: الوجادة (1) بأن يجد المروى مكتوبا بخط الشيخ الذي هو راويه أو في تصنيفه
بخطه أو بخط غيره معاصرا كان الشيخ للواحد أم لا.
في القوانين: " لم يجوزوا الرواية بمجرد ذلك بل يقول: وجدت أو قرأت بخط
فلان وفى جواز العمل به قولان " (2).
قلت: ظاهره بل صريحه المنع عن التعبير بالإخبار أو التحديث أو الرواية عنه ولو
بقوله: " عنه " سواء أطلق ذلك أو قيده بقيد الوجادة ونحوه وأنه الذي لم يجوزوه
والظاهر أنه كذلك لبعد المتجوز عنهما هنا جدا.
وأما جواز الرواية بها: ففي الدراية: " لا خلاف بينهم في منعها " (3) بعد أن حكى قولين
في العمل بها وهو كما ترى وإن كان مراده العلم بنفس ما يجده العامل
والحق الجواز حيث علم أنه من الشيخ المزبور بتواتر وغيره من أسباب العلم.
وعلى هذا عمل الأكثر بل الجميع في زماننا هذا من غير حاجة إلى ضم غيره مما مر.
إلا أن المتعارف كما في كثير من الأزمنة السالفة ضم الإجازة إلى هذا القسم ولا
أعرف في أصحابنا مصنفا بل ولا مؤلفا يخلو عن ذلك فقد كثرت في أزماننا وإن كانت
قبل ذلك أكثر إلا أنها لما اشتبهت عند العوام بل وكثير من الخواص لقصور الأفهام أو
لتدليس كثير من أولى الأغراض والأمراض بتصديق الفقاهة والاجتهاد أو الحكم
بذلك فجعلوها على الإطلاق من الأخير فأثبتوا بها اجتهاد جم غفير ممن لم يشم منه
رائحة ولم يقف منه إلا في ناحية، فالأولى سد هذا الباب إلا في حق من هو أهل الفقاهة



(1) بكسر الواو مصدر وجد يجد قال في " ضياء الدراية " (ص 62) وإنما وقع الخلاف في جواز العمل بالوجادة على
قولين:
الف. جواز لعموم أدلة حجية الخبر وانسداد باب العمل بالمنقول لو توقف عن العمل بالوجادة والسيرة والطريقة
الجارية وأمر أصحابهم بكتابة ما يسمعون منهم عليهم السلام.
ب - المنع لأنه لم يحدث لفظا ولا معنى (لا) تفصيلا ولا إجمالا فلا يجوز العمل به ". انتهى
(2) القوانين المحكمة ج 1 ص 490.
(3) الرعاية ص 302.
262
والاجتهاد بلا شك وارتياب.
بقى شئ هو: أنه لو وجدنا كتابا من كتب الأخبار سواء ذكر فيه أنه تأليف فلان أو
رواية فلان أو لم يذكر ولم يكن لنا علم بأنه لفلان، لكن شهد عندنا عدلان بذلك فهل
يثبت ذلك بشهادتهما فيجوز لنا العمل به والرواية عنه ولو بقولنا: " روى فلان " أو
بإضافة " في كتابه " أو " في كتاب كذا " وإن لم نقل: " أخبرنا " أو " عنه " وغير ذلك؟ وكذا لو
شهدا بأنه من الإمام عليه السلام بخطه الشريف أو بغيره أو لا؟ الظاهر ذلك ما لم نعلم أو نظن بأن
شهادتهما أو شهادة أحدهما من باب الاجتهاد أو العلم بالأمارات.
أما في الأول فلما حققناه في غير موضع من عموم العمل بالبينة.
وأما في الثاني فبعد خروجه عن عنوان الشهادة ودخوله في الفتوى أو مطلق البناء -
أن الأصل عدم الثبوت والاعتبار وأن لازمه جواز التقليد للمجتهد ورجوعه إلى مثله
في الفتيا والأحكام للمقلدين له ولغيرهم بأن يجعله كسائر أدلة الأحكام إذ لا فرق
بين ما ذكر وبين شهادة عدلين منهم على أن حكم الله في هذه المسألة كذا أو أن الصلاة
أو الصوم أو البيع وغير ذلك من الموضوعات المستنبطة وغيرها ذلك وبطلان اللازم
- كالملازمة - من الواضحات والأول مجمع عليه.
وأيضا فالشهادة الاجتهادية إما بطريق الظن وهو الغالب في الاجتهاد أو بطريق
العلم غير المستند إلى الحسن إذ لو استند إليه لم تكن من باب الاجتهاد.
والأولى غير مسموعة لاعتبار العلم فيها.
والثانية فيها كلام إن لم يكن الأظهر عدم السماع خصوصا في أمثال هذه الأمور
العظيمة العامة.
ومن هنا يظهر عدم سماع شهادة الواحد حيث كانت بطريق الاجتهاد والأخذ
بالأمارات بطريق أولى (والمشتهر في هذه الأزمان بالفقه الرضوي) (1) وقد صار جمع
إلى اعتباره من هذا الباب.



(1) كذا في الأصل ويحتمل وجود سقط في المخطوط.
263
مضافا إلى أمارات أخر لنا مما وجدنا في نفس الكتاب المزبور - بعد تتبعه من أوله
إلى آخره - وغيره على نفي كونه منه عليه السلام، وليس هنا محل تفصيل الكلام فيه.
ولا يلزم ما ذكرناه نفي حجية الواحد إذا كان بطريق النقل والرواية المعتبر فيه
شرائطه التي منها صدق الأخذ من المروى عنه والرواية عنه ولو من كتابه مع اعترافه بأنه
روايته أو كتابه أو ثبوته بطريق يجرى في حق الجميع، فتدبر ولا يختلط عليك الأمر.
فلو قال الواحد: فلان أو روي عن فلان بطريق وقوفه على ذلك، قبلناه
ولو قال: ظننت أو علمت عاديا أو غيره أن فلانا الذي لم يلاقه ذكر ذلك أو روى
كذا - كل ذا بطريق اجتهاده - ما قبلناه منه.
وعندي أن الفرق بينهما واضح، فتأمل تعرف.
إذا عرفت أقسام التحمل والرواية من غير الإمام عليه السلام، فاعلم أن التحقيق جريانها في
التحمل عنه عليه السلام أيضا، بل أكثرها واقع.
أما السماع: فواضح، بل هو الأغلب فيه، كما هو واضح.
وأما القراءة: فإمكانها 1 فيه أيضا معلوم. وأما وقوعها: فالظاهر أنه كذلك في بعض
الروايات، مثل ما ورد أنه سأله عليه السلام عن صدق بعض الروايات، فقال عليه السلام: " نعم، هو كذلك
في كتاب علي عليه السلام " فالمقابلة بينه وبين محفوظه عليه السلام (واقعة) 2 وإن لم يكن ذلك بقصد
المقابلة.
وكذلك قراءته عليه السلام أشياء كثيرة على الرواة، مثل ما نقله لهم من خط علي عليه السلام وإملاء
الرسول صلى الله عليه وآله أو من خط وإملاء غيره كالصحيفة السجادية، فذكر راويها أنه أملى علي
أبو عبد الله عليه السلام الأدعية.
وكذا ما قرأه عليه السلام عليهم بطريق الرواية عن أبيه عن آبائه عليهم السلام، كما في أكثر روايات
السكوني وأضرابه.



1. في الأصل: " فكأنها ". وما أثبتناه من " مقباس الهداية " (ج 3، ص 183)، حيث نقل العلامة المامقاني بعض النصوص
عن " توضيح المقال ".
2. ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
264
وأما الإجازة: فقد أذنوا عليهم السلام لشيعتهم، بل أمروهم بنقل ما ورد منهم وما يصدر
لأمثالهم بقوله: " الرواية لحديثنا تثبت به قلوب شيعتنا ". 1
وفى الكافي باسناده إلى أبى خالد قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك إن
مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم فلم
ترو عنه، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقالوا 2: " حدثوا بها فإنها أحق ". 3
وقد تقدم خبر آخر في المناولة، والأخبار في هذا الباب تبلغ إلى حد يعسر
الإحصاء.
ومن هنا يظهر أن إجازة الرواية لنا ولأمثالنا حاصلة من أئمتنا عليه السلام، فأية حاجة بعد إلى
إجازة الغير وإن كانت حاصلة لنا أيضا؟
اللهم إلا على المنع من الإجازة للمعدوم، وهو - مع ضعفه - مندفع لإجازة إمام
عصرنا عجل الله فرجه، التي أجازها قبل وجودنا واستمر عليها ان لم يحدوها بعد
تأهلنا لذلك، ونعوذ بالله من رجوعه عليه السلام عن ذلك.
وبالجملة، نحن نأخذ بالظاهر مما ورد منهم عليهم السلام في حق أمثالنا، والله يتولى السرائر.
وأما الكتابة: فوقوعها منهم عليهم السلام بلغ إلى حيث جعل المكاتبة من أقسام الأخبار،
فيقولون: في مكاتبة فلان ونص عليها علماء الدراية والرجال والأصول وغيرهم.
وأما الإعلام: فقد وقع بالنسبة إلى كثير من الكتب، ككتاب يونس في عمل يوم
وليلة، وكتاب عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي، فإنه عرض على الصادق عليه السلام
فصححه واستحسنه، وهو أول كتاب صنفه الشيعة إلى غير ذلك.
وأما الوجادة: فالظاهر وقوعها أيضا، كما في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام،
حيث وجده القاضي أمير حسين 4 عند جماعة من شيعة قم، الواردين إلى مكة



1. بحار الأنوار، ج 2، ص 145، ح 8، نقله باختصار بعض ألفاظه.
2. كذا، والظاهر: " فقال ".
3. الكافي، ج 1، ص 42، ح 15.
4. قد ادعى هذا السيد الفاضل حصول العلم العادي له بأن كتاب " الفقه الرضوي " هو من تأليف مولانا الرضا عليه السلام على ما
حكى عنه في: بحار الأنوار، ج 1، ص 11.
265
المباركة، وهو كجمع من المتأخرين بنوا على اعتباره لثبوت النسبة عندهم بقطع
عادى أو بقطع الاعتبار وإن كنا - كالمشهور - خالفناهم لأمور مر الإشارة إلى بعضها.
وهذا لا ينافي كونه من قسم الوجادة، لما عرفت في بيانها من اختصاص الاعتبار
ببعض أقسامها.
وصرح الصدوق رحمه الله في مواضع من كتبه وكذا بعض من قاربه في الزمان أو سبقه
بوجود جملة من مكاتبات الأئمة عليهم السلام وتوقيعاتهم عندهم، ومن المستبعد أن لا يكون
وقوفهم على بعض ذلك بطريق الوجادة ولو في كتب من قاربهم أو سبقهم.
وكيف كان فلا ينبغي التأمل فيما ذكرناه من عدم اختصاص الأقسام المزبورة
بالتحمل عن غير الإمام عليه السلام وإن كان بعضها أدون من بعض في معلومية الثبوت أو
ظهوره، فلاحظ وتأمل.

266
المبحث الثالث
في أقسام الحديث باعتبارات أخر
غير ما مر وإن دخل بعض ما مر في ذلك كما يظهر.
واعلم أن ما يجئ من الأقسام ليس جميعها بالنظر إلى اعتبار واحد، بل جمع منها
باعتبار وطائفة منها باعتبار آخر، على ما سبق.
والغرض أنها ليست أقساما متغايرة متقابلة، بل في الغالب أو دائما يكون أمر واحد
مصداقا ومجمعا لعدة أقسام، يسمى بكل ما فيه من الاعتبارات باسم.
مثلا: باعتبار إفادته القطع بسبب كثرة رواته ونحوها - مما ذكر في محله - يسمى
متواترا وآحادا، وباعتبار اتصال سنده وعدمه يسمى منصلا ومنقطعا.
وقد يختص بسبب اعتبار باسم ولم يسم بمقابلة من الاعتبار باسم، كالمستفيض على
ما تكثرت سلسلة رواته، وليس لمقابله اسم خاص. وكالغريب والمعلل إلى غير ذلك.
وحيث إن وضع الرسالة على الاختصار - مع أن هذه المطالب في الحقيقة ليست من
مسائل علم الرجال، بل ولا الأصول، وإنما أردنا الأتمية والأنفعية بعدم إخلائها عنها -
فالمناسب الاقتصار في ذلك، وجمع جميع الأقسام في مقام واحد، فإنه أسهل لمن إليه
رجع، وأضبط له وأنفع، فيقول: من أقسامها:
المتواتر. وهو ما بلغت رواته في الكثرة في كل طبقة مبلغا أحالت العادة بها كونه
كذبا، وليس المراد هنا الكشف التام حتى يورد علينا بطرد أو عكس، بل المعرفة في

267
الجملة، لحصول غرض معرفة الأقسام على نحو الإجمال بها
ثم إن التواتر قد يكون في معنى من المعاني فقط، كما إذا تعددت الألفاظ مع اتحاد
المعنى مطلقا أو في الجملة، ويسمى بالتواتر المعنوي.
وقد يكون فيه وفى اللفظ أيضا حيث اتحد لفظ الرواية في جميع الطرق، وهذان
واقعان متداولان، بل مشهوران.
وأما اختصاصه باللفظ فقط فلم نقف عليه وإن أمكن حيث كان اللفظ مجملا ولو
بعارض من اشتراك لفظي مع فقد قرينة معينة لبعض المعاني، ونحو ذلك، فإن المعنى
حيث جهل لم يصدق التواتر على نقله.
ومنها: الآحاد. وهو ما لم يجمع ما في المتواتر.
ومنها: المستفيض، من فاض الماء يفيض فيضا وفيضوضة وفيضانا: كثر حتى سال
كالوادي.
وفى القاموس: النهى عن بنائه للمفعول إلا مع ذكر صلته، وجعله مع عدمها لغية. 1
والمراد: الخبر المتكثر رواته في كل مرتبة، فعند الأكثر اعتبار زيادتهم عن ثلاثة،
وعند بعضهم عن اثنين. 2
ثم الظاهر من أكثر العبائر اختصاص ذلك باتحاد لفظ الجميع، والمستفاد من
إطلاق آخرين وصنيع جماعة منهم صاحب الرياض: عدم الاختصاص، فيتحقق مع
تعدد الألفاظ لكن مع اتحاد المعنى، وعليه فهو كالمتواتر ينقسم إلى: مستفيض اللفظ
والمعنى، ومستفيض المعنى فقط، بل مستفيض اللفظ كذلك على ما عرفت.
وهل هو من أقسام الآحاد خاصة أو يجرى في المتواتر أيضا؟ ظاهر إطلاق
التعاريف: الأخير، واستظهره في القوانين عن الحاجبي والعضدي. 3



1. القاموس المحيط، ج 2، ص 501 و 502، " فاض ".
2. قارن في معنى المستفيض ما ذكره شريعتمدار الاسترآبادي في " لب اللباب " (مجموعة " ميراث حديث شيعه "، دفتر
دوم، 452.
3. القوانين المحكمة، ج 1، ص 429.
268
والأظهر - كما عليه الشهيد الثاني رحمه الله في درايته 1 - الأول.
ولا نمنع حصول العلم منه كما لا نمنعه في مطلق الواحد، فلا بد من تغاير سببه فيه
وفى المتواتر.
وفى الدراية: " يقال له: المشهور أيضا... وقد يغاير بينهما بتعميم الأخير إلى متعدد
الراوي ولو في مرتبة من المراتب، بل ربما يطلق على ما اشتهر في الألسن وإن اختص
بإسناد واحد، بل مالا يوجد له إسناد أصلا ". 2
وهذا القسم من الشهرة هو الذي يختص به غير علماء الحديث بل مطلقا، والأولان
يجرى فيهما الاختصاص والتعميم.
وهل يدخل الجميع في قوله عليه السلام " خذ بما اشتهر بين أصحابك " 3 أم الأول أو مع الثاني
خاصة؟ لا ريب أن الوسط أوسط بل أحوط في الجملة، إلا أن الأظهر الأخير. وأما
الأول فمشكل جدا حتى على شمول الخبر للشهرة في الفتوى أيضا.
ومنها: الغريب. والغرابة قد تكون في السند، وقد تكون في المتن، وتارة فيهما معا.
والأول: ما تفرد بروايته واحد عن مثله، وهكذا إلى آخر السند، مع كون المتن
معروفا عن جماعة من الصحابة أو غيرهم، و ظاهرهم اعتبار أن لا ينتهى إسناد الواحد
المنفرد إلى أحد الجماعة المعروف عنهم الحديث.
والثاني: ما تفرد واحد برواية متنه، ثم يرويه عنه أو عن واحد آخر يرويه عنه
جماعة كثيرة، فيشتهر نقله عن المتفرد.
وقد يعبر عنه - للتميز - بالغريب المشهور وبالغريب في خصوص المتن، كما يعبر
عن الأول بالغريب في السند.
وأما الثالث: فهو ما كان راويه في جميع المراتب واحدا مع عدم اشتهار متنه عن
جماعة. وهذا هو المراد من إطلاق الغريب.



1. الرعاية، ص 69 - 70.
2. الرعاية، ص 70.
3. عوالي اللآلي، ج 4، ص 133، ح 229، بحار الأنوار، ج 2، ص 245، ح 57.
269
وقد يطلق الغريب على غير المتداول في الألسنة والكتب المعروفة، بل قد يطلق
في عرف العلماء وغيرهم على ما اشتمل متنه على بيان أمر أو حكم أو طرز (أو) 1
وتفصيل غريب.
وربما يطلق حتى في عرف العلماء وغيرهم على ما اشتمل متنه على لفظ غامض
بعيد عن الفهم لقلة استعماله في الشائع من اللغة.
قال في الدراية: " وهو فن مهم من علوم الحديث يجب أن يتثبت فيه أشد تثبت
لانتشار اللغة وكثرة معاني الألفاظ الغريبة، فربما ظهر معنى مناسب للمراد،
والمقصود غيره مما لم يصل إليه، وقد صنف فيه جماعة من العلماء.
قيل: أول من صنف فيه النضر بن شميل. وقيل: أبو عبيدة معمر بن المثنى.
وبعدهما أبو عبيد 2 القاسم بن سلام، ثم ابن قتيبة ثم الخطابي، فهذه أمهاته. ثم تبعهم
غيرهم بزوائد وفوائد، كابن الأثير، فإنه بلغ بنهايته النهاية، ثم الزمخشري ففاق في
الفائق كل غاية، والهروي فزاد في غريبيه غريب القرآن مع الحديث، وغير من ذكر من
العلماء شكر الله تعالى سعيهم ". 3
قلت: قد زاد عليهم بجمع ما أهملوه شيخنا الشيخ الطريحي النخعي في
مجمع البحرين.
وربما يطلق على الغريب اسم المفرد لتفرد راويه ووحدته، فإنه كان جميع السند
كذلك فهو المفرد المطلق، وإلا فالمفرد النسبي، أي بالنسبة إلى تفرد البعض.
وقد يطلق عليه أيضا اسم الشاذ والمشهور المغايرة بينهما.
فنقول: منها الشاذ. وهو ما يرويه الثقة مخالفا لما رواه الأكثر، وظاهرهم - إن لم
يختص باختلافهم في نقل لفظ الرواية، فيشمله مع ما كان اختلافهم في المستفاد منها
والأكثر، كما يعلم بالتتبع - الاختصاص بالأخير.



1. في الأصل: " و " بدل " أو "، والظاهر ما أثبتناه.
2. في الأصل: " أبو عبيدة "، والصحيح ما أثبتناه.
3. الرعاية، ص 126.
270
وكيف كان فيقال لمقابله الذي هو المشهور: المحفوظ، فإن كان راوي المحفوظ
في كل مرتبة أحفظ أو أضبط أو أعدل من راوي الشاذ، فذاك شاذ مردود، وإلا فلا يرد
بل يرجح.
ومنهم من رده مطلقا، ومنهم من قبله كذلك.
وإن لم يكن راوي الشاذ ثقة، فهو حينئذ منكر ومردود، ولعل الغرض اختصاص
اجتماع اللفظين بذلك كاختصاص لفظي " الشاذ " و " المردود " بما مر، وإلا فالمردود
أعم، فافهم.
وقد يطلق " المردود " على مطلق ما لم يترجح صدق المخبر به ولو لبعض الموانع،
فيشمل المشتبه حاله، وهذان أيضا من مصطلحاتهم فلا تغفل.
ثم إن المشهور كما قد يطلق على ما اشتهر الفتوى به وإن لم يشتهر نقله، كذا الشاذ
قد يطلق على ما يندر الفتوى به وإن اشتهر نقله.
ومن هنا يظهر أنه لو شمل قوله عليه السلام: " خذ بما اشتهر بين أصحابك " 1 ما اشتهر في
النقل والفتوى أيضا، كذا الشاذ يشمل ما شذ نقله والفتوى به.
والظاهر - كما يظهر من الرواية أيضا اتحاد - الشاذ والنادر.
ومنه يظهر أن للشاذ معنى آخر سبق إليه الإشارة في الفرق بين الأصل والكتاب
والنوادر. 2
ومنها: العزيز. وهو مالا يرويه أقل من اثنين، سمى عزيزا لقلة وجوده، أو لكونه
عز، أي قوى، لمجيئه من طريق آخر، كذا في الدراية. 3
والظاهر إرادة ذلك في جميع المراتب حتى يقرب إلى عزة الوجود في الجملة بل
إلى القوة.



1. عوالي اللآلي، ج 4، ص 133، ح 229.
2. في ص 295 عند قوله: " والمراد من الشاذ عند أهل الدراية ما رواه الراوي الثقة مخالفا لما رواه الأكثر، وهو مقابل
المشهور ".
3. الرعاية، ص 70.
271
ومنها: المقبول. وهو ما تلقوه بالقبول والعمل به من غير التفات إلى الصحة
وعدمها، فيكون منشؤ القبول شيئا آخر، فلا يدخل فيه الصحيح، خلافا لدراية
الشهيد. 1
نعم، على تفسيره له في موضع آخر " يجب العمل به عند الجمهور " 2 يدخل فيه
ذلك، إلا أنه خلاف ما هو المشهور بينهم الآن.
والوجه ما هو سار في جميع الموارد، وهو أن التسمية تتبع للوصف الأخص في
الخبر لا الأعم، فإذا كان الخبر صحيحا مستفيضا يعبر عنه بالمستفيض وكذا مع
التواتر، ولذا لا يكتفى بالتعبير بمطلق الخبر والحديث حيث كان فيه وصف موجب
للاعتبار.
ومنها: المعتبر. وهو ما عمل الجميع أو الأكثر به، أو أقيم الدليل على اعتباره لصحة
اجتهادية أو وثاقة أو حسن.
ومنها: المسند. وهو ما اتصل سنده، بأن يذكر جميع رجال سنده في كل مرتبة إلى
أن ينتهى إلى المعصوم عليه السلام أو غيره إذا كان هو صاحب الخبر المنقول، كالإخبار عن قول
أو فعل بعض الصحابة أو الرواة أو غيرهم، بناء على إدخال ذلك كله في الخبر
و الحديث و الرواية في الاصطلاح.
قال في الدراية: " وأكثر ما يستعمل فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله ". 3
قال: " وربما أطلقه بعضهم على المتصل مطلقا، وآخرون على ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وآله
وإن كان السند منقطعا ". 4
ومنها: المتصل. ويقال له: الموصول أيضا، وهو ما اتصل سنده على نحو ما مر، إلا
أنه لا يخص بالانتهاء إلى المعصوم عليه السلام ومن هو صاحب الخبر والحديث، بل يعمه
والمرفوع والموقوف.



1. الرعاية، ص 30.
2. الرعاية، ص 70.
3 و 4 الرعاية، ص 96.
272
قال في الدراية: " وقد يختص بما اتصل إسناده إلى المعصوم عليه السلام أو الصحابي دون
غيرهم هذا مع الإطلاق أما مع التقييد فجائز مطلقا وواقع كقولهم هذا متصل
الإسناد بفلان ونحو ذلك ". (1)
ومنها: المرسل وهو بمعناه العام يشمل المرفوع والموقوف والمعلق والمقطوع
والمعضل وبمعناه الخاص ما سقطت رواتها أجمع أو من آخرهم واحد أو أكثر وإن
ذكر الساقط بلفظ مبهم ك‍ " بعض " و " بعض أصحابنا " دون ما إذا ذكر بلفظ مشترك وإن لم
يميز.
وفى الدراية: " وقد يختص المرسل بإسناد التابعي إلى النبي (ص) من غير ذكر
الواسطة كقول سعيد بن المسيب قال رسول الله (ص) كذا، وهذا هو المعنى الأشهر له
عند الجمهور.
وقيده بعضهم بما إذا كان التابعي المرسل كبيرا كابن المسيب وإلا فهو منقطع
واختار جماعة منهم معناه العام الذي ذكرناه " (2)
ومنها: المعلق. وهو ما سقط من مبدأ إسناده واحد أو أكثر.
وفى الدراية: " لم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده أو آخره لتسميتها بالمنقطع
والمرسل " (3).
قلت: ظاهره عدم اختصاص المنقطع - كالمرسل - بما إذا كان الساقط واحدا
فيشمل المعضل إلا أن ظاهره اختصاصه بساقط الوسط لكن صرح في موضع آخر
باختصاصه - كالمقطوع - بسقوط واحد وظاهره هنا اختصاصه بسقوط الوسط
وفى لب اللباب (4) اختصاصه بالأمرين وحده الساقط وكونه في الوسط.



(1) الرعاية ص 97.
(2) الرعاية ص 136 و 137.
(3) الرعاية ص 101.
(4) لب اللباب ص 451 قال - في معرض تعريفه للمرسل -: " وإن سقط من أولها واحد فصاعدا فمعلق وإن سقط من
وسطها واحد فمقطوع ومنقطع ".
273
والظاهر إرادة مطلق غير الطرفين منه، لا الحقيقي بل ولا العرفي.
وأما المعضل فصريحه (1) كالدراية في الموضع الأخير اختصاصه بسقوط أكثر من
واحد من السند (2)، إلا أن صريحه كونه في الوسط مع اعتبار عدم اشتماله على لفظ الرفع
بخلاف الدراية.
وفى القوانين اختصاص المعضل بما تعدد الساقط منه من غير اختصاصه بكونه في
الوسط وتفسير المقطوع والمنقطع بالموقوف على التابعي ومن في حكمه.
ثم قال: " وقد يطلق على الأعم من ذلك فيشمل المعلق والمرسل والمنقطع
الوسط وغير ذلك " (3)
قلت: المعروف من إطلاق المقطوع والمنقطع ما مر وما ذكره رحمه الله إنما هو في إطلاقه
الآخر كما أن إطلاقه على الأعم كما ذكره إطلاق ثالث فلاحظ الدراية (4) وحينئذ
فالاقتصار على بعض إطلاقاته موهما أنه معناه مما لا ينبغي.
وهذا وارد على الكتاب المتقدم حيث إن ظاهره الاختصاص بالمعنى السابق.
والمراد ب‍ " من في حكم التابع " تابع مصاحب الإمام عليه السلام.
وفى الدراية (5) حكاية إكثار الفقهاء إطلاق المقطوع على ما مر من المعنى العام
ومنها: المقطوع والمنقطع والمعضل. وقد علم تفسير الجميع.
ومنها: المرفوع وله إطلاقان:
أحدهما: ما سقط من وسط سنده أو آخره واحد أو أكثر مع التصريح بلفظ الرفع.
كأن يقال: روى محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه عن أبي
عبد الله عليه السلام وهذا داخل في أقسام المرسل بالمعنى الأعم.
والثاني ما أضيف إلى المعصوم عليه السلام من قول أو فعل أو تقرير أي وصل آخر السند



(1) أي صريح " لب اللباب ".
(2) لب اللباب ص 451.
(3) القوانين المحكمة ج 1 ص 487.
4 و 5 الرعاية ص 135.
274
إليه عليه السلام في مقابل الموقوف سواء اعتراه قطع أو إرسال في سنده أم لا وهذا يغاير
المرسل تباينا جزئيا.
ومنها: الموقوف.
في الدراية: " هو قسمان: مطلق ومقيد.
فإن أخذ مطلقا فهو ما روى عن مصاحب المعصوم من نبي أو إمام من قول أو
فعل أو غيرهما متصلا كان مع ذلك سنده أو منقطعا.
وقد يطلق في غير المصاحب للمعصوم عليه السلام مقيدا وهذا هو القسم الثاني منه مثل
" وقفة فلان على فلان " إذا كان الموقوف عليه غير صاحب.
وقد يطلق على الموقوف الأثر إذا كان الموقوف عليه صحابيا للنبي (ص) ويطلق
على المرفوع الخبر والمفصل كذلك بعض (1) الفقهاء
وأما أهل الحديث فيطلقون الأثر عليهما ويجعلون الأثر أعم منه مطلقا " (2)
وهذه الأقسام بأجمعها أو أكثرها من المرسل فإن علم الساقط بشخصه فهو في
معنى المسند وإلا ففي اعتباره خلاف معروف بين الأصوليين والمحدثين من
الخاصة والعامة.
والأقرب - كما عند أكثر متأخري المتأخرين - التفصيل بين كون المرسل ممن لا يرسل أو لا يروي إلا عن ثقة وبين غيره والفرق بينه وبين تصحيح الغير الذي في
الغالب بطريق اجتهاده واضح وتفصيل الكلام في محله.
ومنها: المضمر وهو ما يطوى فيه ذكر المعصوم عليه السلام عند انتهاء السند إليه كأن يقول
صاحبه أو غيره سألته أو دخلت عليه فقال لي أو عنه.
وبالجملة يعبر عنه عليه السلام في المقام المزبور بالضمير الغائب إما للتقية أو سبق ذكر في
اللفظ أو الكتابة ثم عرض القطع لما اقتضاه.



(1) انظر ذكرى الشيعة ص 4.
(2) الرعاية ص 132.
275
ومنها: المكاتب وهو ما حكى كتابة المعصوم عليه السلام سواء كتبه عليه السلام ابتداء لبيان حكم أو
غيره أو في مقام الجواب.
وهل يخص بكون الكتابة بخطه الشريف؟ ظاهر بعض العبائر وصريح آخر:
الاختصاص (1) والتعميم غير بعيد.
ومنها: المعنعن: مأخوذ من العنعنة مصدر جعلي مأخوذ من تكرار حرف
المجاوزة وله نظائر كثيرة ولتحقيق محتملاته محل آخر.
والمراد به ما ذكر في سنده عن فلان عن فلان إلى آخر السند ومثله إذا قال في
غير الأول وهو عن فلان وهو عن فلان وهكذا.
كل ذا حيث لم يذكر متعلق الجار من رواية أو تحديث أو إخبار أو سماع أو نحو
ذلك.
واختلفوا في أنه متصل حيث أمكن ولم يكن ما يصرف عنه أو منقطع ومرسل ما
لم يكن ما يعين الاتصال؟ والصحيح الأول.
وقد أسنده في الدراية إلى جمهور المحدثين قال: " بل كاد أن يكون إجماعا " (2)
ومنها: المسمى برواية الأقران وذلك حيث توافق الراوي والمروي عنه أو تقاربا
في السن أو في الأخذ عن (الشيخ). (3)
وحينئذ إن روى كل منهما عن الآخر فهو النوع المسمى بالمدبج (4) مأخوذ من
التدبيج المراد به بذل كل منهما ديباجة وجهه عند الأخذ للآخر.
وفى الدراية هو أخص من الأول (5)



(1) الظاهر من " لب اللباب " (ص 455) اعتبار كون الكتابة بخط المعصوم عليه السلام قال " وهو ما كان حاكيا عن كتابة
المعصوم عليه السلام وخطه وقال العلامة المامقاني في " مقباس الهداية " (ج 1 ص 283): " والحق أن المكاتبة حجة غاية ما
هناك كون احتمال التقية فيها أزيد من غيرها ".
(2) الرعاية ص 99
(3) ما بين المعقوفين ساقط في الأصل وأثبتناه لاقتضاء السياق.
(4) بضم الميم والفتح الدال المهملة وتشديد الباء.
(5) الرعاية ص 99.
276
قلت: لولا اختصاص الاصطلاح كان مقتضى التسمية شموله لغير الأول أيضا
حيثما روى المروى عنه عن الراوي من غير اعتبار الاقتران المتقدم وأما إذا كان
الراوي دون المروى عنه في السن أو الأخذ أو المقدار من علم أو إكثار رواية ونحو
ذلك فهذا - لكثرته وشيوعه لأنه الغالب في الروايات لم يخص باسم خاص
نعم عكسه - لقلته - هو المسمى برواية الأكابر عن الأصاغر.
في الدراية " وقع منه رواية العبادلة وغيرهم عن كعب الأحبار " (1)
وكتب في الحاشية: " أنهم أربعة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن
زبير وعبد الله بن عمرو بن العاص ".
قال: " ومنه - أي من هذا القسم، وهو أخص من مطلقه - رواية الآباء عن الأبناء
ومنه - من الصحابة - رواية العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل أن النبي (ص) جمع بين
الصلاتين بالمزدلفة " (2)
قلت: وأما العكس - وهو رواية الأبناء عن الآباء فكثرته وشيوعه وخلوه عن
الغرابة مطلقا عير مسمى باسم وله أقسام كثيرة باعتبار تعدد الأب المروى عنه فمرة
يروى ابن عن أبيه وهو عن أبيه وأخرى يزيد العدد والممكن منه ومن صور وجود
ذلك في الصدر أو الذيل أو الوسط أو المركب من اثنين أو ثلاثة وكذا من صور تخلل
المختلف لرواية الابن عن الأب كرواية ابن عن أبيه وهو عن أجنبي وهو عن أبيه - إلى
غير ذلك يقرب إلى تعسر الضبط.
وأما الواقع من الأول في الذيل - أي المسلسل في ذيله بالآباء - فأغرب مما وقع منه -
لكثرة الآباء الراوي بعضهم عن بعض - ما بلغوا إلى أربعة عشر وخمسة عشر بانضمام
الابن الراوي عنهم.
قال في الدراية: " هو ما رواه الحافظ أبو سعيد بن السمعاني قال: أخبرنا أبو شجاع



(1) الرعاية ص 353.
(2) الرعاية ص 355.
277
عمر بن أبي الحسن البسطامي الإمام بقراءتي قال: حدثنا السيد أبو محمد الحسن بن
علي بن أبي طالب من لفظه ببلخ حدثني سيدي ووالدي أبو الحسن علي بن أبي
طالب سنة ست وستين وأربعمائة حدثني أبى أبو طالب الحسن بن عبيد الله سنة أربع
وثلاثين وأربعمائة حدثني والدي أبو على عبيد الله بن محمد حدثني أبى محمد بن
عبيد الله حدثني أبى عبيد الله بن علي حدثني أبى علي بن الحسن حدثني أبى
الحسن أبن الحسين حدثني أبى الحسين بن جعفر وهو أول من دخل بلخ من هذه
الطائفة حدثني أبى جعفر الملقب بالحجة حدثني أبى عبيد الله حدثني أبى الحسين
الأصغر حدثني أبى علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده علي عليه السلام قال: قال
رسول الله (ص) ليس الخبر كالمعاينة " (1).
وهنا نوع آخر مسمى باسم السابق واللاحق وهو ما اشترك اثنان في الأخذ عن
شيخ ويتقدم موت أحدهما على الآخر.
وأما المتفق والمفترق: فهو ما اشترك بعض من في السند واحدا كان أو أكثر مع غيره
في الاسم اختص الاشتراك بالأبناء أو مع الآباء أو مع الأجداد أيضا.
وما ربما يظهر من الدارية من إخراج الاشتراك في أسماء الأبناء فقط من ذلك ليس
على ما ينبغي.
ووجه التسمية أن من في السند مع غيره متفق في الاسم مختلف في الشخص.
واما المؤتلف والمختلف فهو ما اتفقت الأسماء خطا واختلفت نطقا.
ولا يخفى أن العجمة والتشديد خارجان عن أصل الخط فالمختلف بأحدهما
دون جوهر الكلمة - في الكتابة كجرير بالجيم والراء المهملة وحريز بالحاء والزاي
المعجمة وحنان وحيان داخل في المذكور.
والمتشابه: ما اتفقت الأسماء خطا ونطقا واختلف الآباء نطقا مع الائتلاف خطا، أو
بالعكس باختصاص الاتفاق المزبور بالآباء والاختلاف المذكور بالأبناء كمحمد بن



(1) الرعاية ص 365.
278
عقيل بفتح العين لشخص وضمها لآخر في الأول وشريح بن النعمان وسريج بن
النعمان بإعجام الأول وإهمال الأخير في الأول وفى الثاني بالعكس.
واللازم في الجميع الرجوع إلى المميزات الرجالية وقد قدمناها بما لا مزيد عليه.
ومنها: المسلسل وهو ما توافق رجال الإسناد فيه في صفة أو حالة قولية أو فعلية أو
فيهما معا كان ذلك في حال تحمل الرواية في الراوي أو المروى عنه فالقول
كالحلف والأمر بالحفظ عن غير الأهل والفعل كالتشبيك بالأصابع والقيام أو الاتكاء
حال الرواية وغير ذلك. (1)
وقد يكون التسلسل بغير ذلك كتوافق الرواة في الاسم كمحمد عن محمد أو في
الكنى أو في الألقاب أو في البلدان أو في اسم الآباء كأحمد بن عيسى عن محمد بن
عيسى أو كناهم أو ألقابهم أو بلادهم ونحو ذلك.
ثم التسلسل قد يعم جميع السند وهو المسمى به على الإطلاق وقد يختص
ببعضه في المبدأ أو في المنتهى أو فيهما أو في الوسط وهذا إنما يفيد مزية التحفظ
والضبط حتى ضبط الحالة الواحدة فيما قبلهم.
ومنها: المصحف وهو ما غير بعض سنده أو متنه بغيره.
والأول كتصحيف بريد - بالياء الموحدة المضمومة والراء المهملة والياء المثناة من
تحت والدال المهملة - بيزيد - بالياء المثناة من تحت والزاء المعجمة ثم المثناة من
تحت والدال المهملة وتصحيف حريز بجرير بإهمال أول الأول وإعجام أخيره
بعكس الأخير.
والثاني كتصحيف " شيئا " بإعجام أوله ثم المثناة التحتانية ثم الهمزة - ب‍ " ستا " -
بإهمال أوله ثم المثناة من فوق - في حديث " من صام رمضان وأتبعه شيئا من شوال " أو
" ستا منه " (2) وتصحيف خزف - بالفاء وإعجام الوسط - بخرق - بالقاف وإهمال الوسط.



(1) كالتلقيم كقول كل واحد لقمني فلان بيده لقمة وروى لي.
(2) صحيح مسلم ج 2 ص 822 (باب استحباب صوم ستة أيام من شوال.. ح 204).
279
وفى القوانين: " أنه كثير " (1) وفى الدراية " صحف العلامة في كتب الرجال كثيرا من
الأسماء من أراد الوقوف عليها فليطالع الخلاصة وإيضاح الاشتباه في أسماء الرواة،
وينظر ما بينهما من الاختلاف " (2)
قال: " وقد نبه الشيخ تقي الدين بن داود على كثير من ذلك " (3)
ثم التصحيف في الأغلب في اللفظ والمعتبر فيه تغيير المعنى والمراد وبه يمتاز
عن النقل بالمعنى إذا كان في المتن.
وقد يكون في المعنى فقط كما حكى في الدراية (4) عن أبي موسى محمد بن المثنى
العنزي أنه قال: نحن من قوم لنا شرف نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله (ص) يريد
بذلك ما روى أنه صلى إلى عنزة وهي حربة تنصب بين يديه سترة فتوهم أنه صلى
إلى قبيلتهم بنى عنزة وهو تصحيف معنوي عجيب.
وقد يطلق على المصحف المحرف. (5)
وفى لب اللباب اعتبر في الأول أن يكون التصحيف بما يناسب الأصل خطا
وصورة وعمم الثاني إلا أنه خص الغرض فيه بأن يكون مطلبا فاسدا وخص الثالث
بالسند والظاهر خلافه فراجع.
ومنها: المقلوب وهو - على ما يظهر من أمثلتهم له وهو المناسب للتسمية ما
قلب بعض ما في سنده أو متنه إلى بعض آخر مما فيه لا إلى الخارج عنهما وحاصله ما
وقع فيه القلب المكاني.
ففي السند أن يقال: محمد بن أحمد بن عيسى والواقع أحمد بن محمد بن عيسى،



(1) القوانين المحكمة ج 1 ص 487.
(2) الرعاية ص 109.
(3) الرعاية ص 110.
(4) الرعاية ص 111.
(5) قال الشيخ محمد جعفر الاسترآبادي في " لب اللباب " (ص 23) " المصحف " هو ما غير سنده أو متنه بما يناسبه خطا
وصورة كتصحيف بريد - بالياء الموحدة والراء المهملة - بيزيد بالياء المثناة التحتانية والزاي المعجمة وحريز بجرير
ونحو ذلك.. "
280
أو يقال: محمد بن أحمد بن يحيى عن أبيه محمد بن يحيى، والواقع أحمد بن محمد
ابن يحيى عن أبيه محمد بن يحيى، إلى غير ذلك.
وفى المتن كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في عرشه: " فقيه، ورجل تصدق
بصدقة فأخفاها حتى لا يعلم يمينه ما ينفق شماله... ". 1
قال في الدراية: " وإنما هو: حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، كما ورد في
الأصول " 2 انتهى.
لكن أطلق في الدراية 3 والقوانين 4 تفسيره بأن يروى بطريق فيغير الطريق أو بعضه
ليرغب فيه.
وعلى هذا لم يبق فرق معتد به بينه وبين المصحف، وأما على ما ذكرناه فالفرق واضح.
ويمكن إرجاع إطلاق الأخير إلى ما ذكرناه، بخلاف الأول، فإنه قال: " هو حديث
ورد بطريق فيروى بغيره " 5 وظاهره أن الآخر مغاير للأول مطلقا، لا في خصوص
الترتيب، وإن منع الظهور المزبور، كان كالأخير.
ومنها: المزيد. وهو ما يروى بزيادة على ما رواه غيره في السند أو المتن.
ففي الأول ما إذا أسنده وأرسلوه، أو وصله وقطعوه، أو رفعه إلى المعصوم عليه السلام
ووقفوه على غيره، أو كان سندهم مشتملا على رجلين أو ثلاثة، وسنده على ما زاد
على ذلك بواحد أو أكثر.
وفى الأخير كما في حديث: " جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ". 6
وفى الدراية: " هذه الزيادة تفرد بها بعض الرواة، ورواية الأكثر لفظها: جعلت لي 7



1. أنظر: صحيح مسلم، ج 2، ص 715.
2. الرعاية، ص 151.
3. الرعاية، ص 150.
4. القوانين المحكمة، ج 1، ص 486.
5. الرعاية، ص 150.
6. دعائم الإسلام، ص 146، صحيح مسلم، ج 1، ص 371 (كتاب المساجد، ح 522).
7. في المصدر: " لنا " بدل " لي ".
281
الأرض مسجدا وطهورا ". 1
ومنها: المضطرب. وهو ما اختلف في متنه أو سنده، وقع الاختلاف من رواة
متعددين أو واحد، أو من المؤلفين أو الكتاب كذلك بحيث يشتبه الواقع منه فلا يعلم به.
ثم إن الاختلاف المذكور قد يوجب اختلاف الحكم في المتن والاعتبار في السند،
وقد لا يوجب، وعلى الأول بل مطلقا قد يترجح أحد الحديثين أو السندين على الآخر
بمرجح معتبر، وقد لا يترجح، فهل الاتصاف بالاضطراب المزبور مختص بما أوجب
اختلاف الحكم أو الاعتبار ولا ترجيح أو يعم غيره؟ صريح الدراية: 2 الأول، ويؤيده
ظاهر التسمية، وظاهر القوانين 3 ولب اللباب 4: الأخير، فالمراد مطلق الاضطراب
بدويا كان أو استمراريا، أو أنه اصطلاح، فعندهم ينقسم الاضطراب إلى قادح وغيره،
ولا مشاحة في الاصطلاح، إلا أن الظاهر الأخير.
ويؤيده وصفهم بالاضطراب مع عملهم. مما هو من هذا الباب.
ثم موارد الاختلاف في السند كثيرة، ومن الاختلاف في المتن رواية اعتبار الدم
عند اشتباه الحيض بالقرحة بخروجه من الجانب الأيمن والأيسر، فالثاني كما في
الكافي 5 وكذا في جملة من نسخ التهذيب، وفى أخرى منها بالعكس.
هذا، وأما تسمية صاحب البشرى مثل ذلك تدليسا، ففي الدراية: " هو سهو أو
اصطلاح غير ما يعرفه المحدثون ". 6
ومنها: المدرج. 7 وهو على أقسام ثلاثة يجمعها درج الراوي أمرا في أمر:



1. الرعاية، ص 122.
2. الرعاية، ص 146.
3. القوانين المحكمة، ج 1، ص 486.
4. لب اللباب، ص 456.
5. الكافي، ج 3، ص 94 و 95، ح (باب معرفة دم الحيض، ح 3).
6. الرعاية، ص 149.
7. هو ما روى بإسناد واحد أو متن واحد مع كونه مختلف الإسناد أو المتن، أو أدرج فيه كلام الراوي فتوهم أنه منه. ومثل
هذا يتطرق كثيرا في إجازات الكتب.
282
أولها: ما أدرج فيه كلام بعض الرواة فيظن أنه من الأصل، والغالب بل هو الظاهر
منهم كون هذا في المتن، وقع منه في من لا يحضره الفقيه كثيرا.
وقد يكون في السند كأن يعتقد بعض الرواة أن فلان الواقع في السند لقبه أو كنيته أو
قبيلته أو بلده أو صنعته أو غير ذلك كذا، فيصفه بعد ذكر اسمه بذلك، أو يعتقد معرفة
من عبر عنه في السند ب‍ " ببعض أصحابنا " ونحوه، فيعبر مكانه بما عرفه من اسمه.
وثانيها: ما إذا كان متنان بإسنادين، فيندرج أحدهما في الآخر، فينتقل أحد المتنين
خاصة بالسندين والمتنين بسند واحد.
وثالثها: ما إذا كان حديث واحد مروي عن جماعة مختلفين في سنده، بأن رواه
كل بسند أو اختلفوا أو خصوص راو في وجوده في السند وعدمه، أو في تعيينه بأن
اختلفوا أن ثالثا في السند مثلا فلان أو فلان، أو في متنه بأن اختلفوا في وجود لفظ فيه
وعدمه، أو في أن الموجود هذا أو غيره، كما مر في رواية اعتبار الدم.
وإدراجه بأن يسقط موضع الاختلاف مع مجيئه بالسندين، أو يذكره مع السندين
بما كان أحدهما يختص به.
ومنها: المعلل. وله إطلاقان:
فعند متأخري المتأخرين يطلق على حديث اشتمل على ذكر علة الحكم وسببه
تامة كانت العلة - كما في موارد يتعدى بها إلى غير المنصوص لوجودها فيه كإسكار
الخمر - أو ناقصة، وهي المسماة بالوجه والمصلحة، كرفع أرياح الآباط في غسل
الجمعة، ونحوه مما يقرب إلى حد تعذر الضبط.
وعند غيرهم بل عند الجميع على 1 حديث اشتمل على أمر خفى في متنه أو سنده
قادح في اعتباره.
والظاهر المصرح به في الدراية 2 والقوانين 3 كفاية ظن ذلك، بل التردد فيه من غير



1. أي يطلق على...
2. الرعاية، ص 141.
3. القوانين المحكمة، ج 1، ص 483.
283
ترجيح في التسمية، بل في السقوط عن الحجية، كما مر في تفسير الصحيح عند
المتأخرين عن جمهور العامة اعتبارهم في التسمية بالصحيح انتفاء كونه معللا،
فظاهرهم اعتبار انتفاء الاحتمال المساوي أيضا لفرض كفايته في تسميته بالمعلل
المعتبر انتفاؤه في التسمية بالصحيح
والحق عدم كفاية التردد في وجوده في المتن في السقوط عن الحجية لعموم أدلة
حجية خبر الواحد وخصوص الصحيح من أقسامه.
في الدراية: " واعلم أن هذه العلة توجد في كتاب التهذيب متنا وإسنادا بكثرة ". 1
قلت: فعليه لا يجوز التعويل على ما فيه إلا بعد فحص موجب للظن بانتفاء ذلك،
ولعلهم لا يلتزمون به.
ومنها: المدلس. وهو ما أخفى عيبه الذي في السند، كعدم سماعه من المروى عنه،
فيرويه على وجه يوهم سماعه منه، أو وجود رجل ضعيف أو صغير السن في السند،
فيسقطه، ليحسن الحديث بذلك.
وعلى التقديرين يحافظ في التعبير على ما لا يدخل معه في الكذب وإن كان نفس
التدليس أخ الكذب، كما قيل.
وقد يكون التدليس بإيجاد عيب في السند، كتجهيل شيخه أو غيره من الرواة، بأن
يعبر عنه باسم أو كنية أو لقب هو غير معروف بذلك، وكما إذا نسبه إلى قرية أو بلد أو
قبيلة غير معروف بها.
في الدراية: " أنه أخف ضررا من الأول " وعلله ب‍ " أن ذلك الشيخ مع الإغراب به إما أن
يعرف فيترتب عليه ما يلزمه من ثقة وضعف، أو لا يعرف، فيصير الحديث مجهول
السند فيرد ". 2
قلت: محصله: أنه لا يترتب عليه أحكام غير صحيحة بخلاف الأول.



1. الرعاية، ص 142.
2. الرعاية، ص 144.
284
وفيه: أن كثيرا ما يكون لمثل الخبر الأخير مدخل في الحكم، بحيث لولاه لم يحكم
بالحق الذي فيه إما لانحصاره أو لاعتباره في الترجيح، فمع رده يقع الحكم بغير الحق.
ثم إن في قبول خبر من عرف بذلك في غير ما علم فيه ذلك منه أقوالا، ثالثها:
التفصيل بين ما إذا صرح بما يقتضى الاتصال - ك‍ " حدثنا " و " أخبرنا " - فالقبول حيث
(أضرت) شرائطه، والتدليس ليس كذبا بل تمويها غير قادح في العدالة، وبين غيره،
فلا لحصول الريبة في إسناده، فلا يظن الاتصال، فيكون من التعليل القادح في
الحجية وإن لم يقدح في التسمية بالصحيح، كما مر آنفا.
ولا ريب في تحقق التدليس بإخباره عن نفسه، وبجزم عالم ثقة مطلع عليه.
وهل يكتفى فيه بوقوع زيادة راو في بعض الطرق؟ في الدراية: " لا لاحتمال أن
يكون من المزيد " 1 معارضة بأصالة في الآخر، فلا أصل في البين، ولازم ذلك
وإن كان سقوط الخبر عن الاعتبار حيث انتفى شرطه في الزائد إلا أن الغرض عدم
ثبوت التدليس بذلك.



1. الرعاية، ص 145، وفيه: " ولا... لاحتمال أن يكون منه المزيد.... ولا يحكم في هذه الصورة بحكم كلى لتعارض
الاتصال والانقطاع ".
285
المبحث الرابع
في أحوال المشايخ شكر الله مساعيهم الجميلة
إن ساعدني التوفيق جمعنا أسامي وأحوال جميع المشايخ في كل فن وعلم في
رسالة مستقلة، لزيادة البصيرة وشدة الاعتناء بهم وبما حققوه، ورغبة المتمكن في
التصنيف والتأليف فيما كتبوه وفيما تركوه، وصونا لهم عن النسيان والخمول حيث إن
أسبابه كثيرة، والهمم مع الأعمار قصيرة، وقد كتب سيدنا ومولانا عبد الكريم بن أحمد
ابن موسى بن جعفر العلوي الحسنى الطاوسي كتاب " الشمل المنظوم في مصنفي
العلوم " ما لأصحابنا مثله، وحيثما سمعت من قصور العمر والهمة فلنكتف في هذا
المختصر بالإشارة إلى خصوص مشايخ هذا الفن، فقد قربوا كفتهم إلى الضياع والبعد
عن الأذهان بل السماع، ولا حول ولا قوة إلا بالله
(1) فمنهم: عباد بن يعقوب الرواحبي، ذكر الشيخ في الفهرست أن: " له كتاب أخبار
المهدي عليه السلام وكتاب المعرفة في معرفة الصحابة، أخبرنا بهما ابن عبدون " 1 إلى آخره، إلا
أن فيه وفى الخلاصة أنه عامي المذهب، 2 لكن في التعليقة استظهار كونه من الشيعة بل



1. الفهرست، ص 120، الرقم 529، وفيه: " الرواجني " بدل " الرواحبي ".
2. خلاصة الأقوال، ص 243.
286
من مشايخهم المعتمدين المعروفين. 1
وعن جماعة من العامة التصريح بكونه شيعيا بل رافضيا 2 فلاحظ ترجمته في
منتهى المقال. 3
(2) ومنهم: يحيى بن زكريا الترماشيري بالتاء والنون، والمعروف الأول.
فعن النجاشي أنه قال: " ذكر بعض أصحابنا أنه رأى منه كتاب منازل الصحابة في
الطاعة والمعصية " إلا أنه قال: " كان مضطربا ". 4 وزاد فيما عن الخلاصة: " في مذهبه
ارتفاع " 5 لكن في فارس بن سليمان " أنه صحبه وأخذ عنه ". 6
(3) ومنهم: أحمد بن محمد بن نوح المكنى بأبي العباس، الملقب بالسيرافي.
ففي الفهرست: " له تصانيف، منها: كتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله عليه السلام،
وزاد على ما ذكره ابن عقدة كثيرا " 7 وثقه في باب من لم يرو، 8 مع اعترافه بأنه لم يلقه.
والظاهر - كما في منتهى المقال 9 - أنه الذي ذكره النجاشي بعنوان أحمد بن علي بن
عباس بن نوح السيرافي نزيل البصرة.
قال في حقه: " كان ثقة في حديثه، متقنا لما يرويه، فقيها بصيرا بالحديث والرواة،
وهو أستاذنا وشيخنا ومن استفدنا منه، وله كتب كثيرة، أعرف منها كتاب المصابيح في
ذكر من روى عن الأئمة عليهم السلام، كتاب الزيادات عن أبي العباس بن سعيد في رجال جعفر
ابن محمد عليهما السلام مستوفى ". 10 انتهى.



1. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 187 قال: " ربما يظهر منه كونه من الشيعة ".
2. انظر: تقريب التهذيب، ج 1، ص 394، الرقم 118.
3. منتهى المقال، ج 4، ص 61، الرقم 1528.
4. رجال النجاشي، ص 442، الرقم 1193.
5. خلاصة الأقوال، ص 264، الرقم 5.
6. رجال النجاشي، ص 310، الرقم 849.
7. الفهرست، ص 37، الرقم 107.
8. رجال الطوسي، ص 449، الرقم 62.
9. منتهى المقال، ج ص، ص 345، الرقم 249.
10. رجال النجاشي، ص 86، الرقم 209.
287
فحكاية حكاية المذاهب الفاسدة عنه - كما في الخلاصة 1 - كما ترى، فراجع.
وإنما قدمنا هؤلاء الثلاثة لتقدم من تعرضوا له من الرجال على من تعرض لهم
غيرهم، ولاختصاص كتبهم ببعض الرجال، ولم نراع فيهم الترتيب المراعى في
الرجال لقلتهم مع التقدم المذكور، فلنلاحظ الترتيب في غيرهم مع تقديم من له
كتاب في الرجال على غيرهم، مع إشارة إجمالية إلى أحوالهم وإحالة التفصيل إلى
تراجمهم في المفصلات من كتب الرجال، فنقول:
(4) منهم: أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري، فعن الفهرست: " لم يتعرض منهم
أحد لاستيفاء جميعه - أي من روى من الرجال - إلا ما كان قصده أبو الحسن أحمد بن
الحسين بن عبيد الله، فإنه عمل كتابين ". 2
وفى حاشية مجمع الرجال لمولانا عناية الله بن شرف الدين على القهپائي - من كور
أصفهان - أنهما في ذكر الرجال الممدوحين والرجال المذمومين المجروحين، وأن
الأخير مذكور بتمامه في كتاب السيد ابن طاوس.
وعن المجمع: " أنه شيخ الشيخ والنجاشي، وعالم عارف جليل كبير في الطائفة ". 3
وفى التعليقة: " هو من المشايخ الأجلة الثقات الذين لا يحتاجون إلى التنصيص
بالوثاقة، ويذكر المشايخ قوله في الرجال، ويعدونه في جملة الأقوال، ويأتون به في
مقابلة أقوال أعاظم علماء الرجال، ويعبرون عنه بالشيخ ويذكرونه مترحما عليه، وهو
المراد بابن الغضائري على الإطلاق ". 4
(5) ومنهم: أحمد بن علي بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام العلوي العقيقي، وهو غير علي بن أحمد العلوي
العقيقي، الآتي عن النجاشي والفهرست أنه صنف كتبا، وفى الأخير: كثيرة، عدا منها



1. خلاصة الأقوال، ص 18، الرقم 27.
2. الفهرست، ص 1.
3. مجمع الرجال، ج 1، ص 108.
4. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 398.
288
كتاب تأريخ الرجال، ولم أقف على توثيقه. نعم، مدحه جمع.
(6) ومنهم: أحمد بن علي بن أحمد بن العباس المشتهر - على تصريح جمع منهم
التعليقة، 1 في الألقاب - بأحمد بن العباس، والمغاير له عند بعض، المشتهر في الأزمنة
المتأخرة بالنجاشي على الإطلاق، الذي اختلف في ترجيح قوله في الرجال على
الشيخ، بل صار إليه جمع.
وبالجملة، حاله أشهر من أن يذكر، له كتاب الرجال المتداول الآن المسمى
بالنجاشي.
(7) ومنهم: أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة، وكان - على ما عن
الفهرست 2 والنجاشي 3: زيديا جاروديا على ذلك مات.
وفى الأول: " أمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يذكر ".
قال: " وإنما ذكرناه في جملة أصحابنا لكثرة روايته عنهم وخلطته بهم وتصنيفه
لهم، وله كتب كثيرة منها: كتاب التاريخ، وهو ذكر من روى الحديث من الناس
كلهم العامة والشيعة وأخبارهم، خرج منه شئ ولم يتمه، كتاب من روى عن
أمير المؤمنين عليه السلام ومسنده، كتاب من روى عن الحسن والحسين عليهما السلام، كتاب من روى
عن علي بن الحسين عليهما السلام وأخباره، كتاب من روى عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام
وأخباره، كتاب من روى عن زيد بن علي ومسنده، كتاب الرجال من روى عن جعفر
ابن محمد عليهما السلام ". 4 انتهى.
وعنه عليه السلام أيضا قال: " سمعت جماعة يحكون عنه أنه قال: أحفظ مائة وعشرين
ألف حديث بأسانيدها، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث " 5 وذكر من جملة كتبه:



1. تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 39.
2. الفهرست، ص 28، الرقم 76.
3. رجال النجاشي، ص 94، الرقم 233.
4. الفهرست، ص 28، الرقم 76.
5. رجال الطوسي، ص 441، الرقم 30.
289
كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق عليه السلام أربعة آلاف رجل، وأخرج فيه لكل
رجل الحديث الذي رواه.
وعن الثاني: " ذكره أصحابنا، لاختلاطه بهم ومداخلته إياهم وعظم محله وثقته
وأمانته ". 1
(8) ومنهم: أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش، فمن كتبه كتاب
الاشتمال على معرفة الرجال، عن النجاشي: رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي،
وسمعت منه شيئا كثيرا، ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه وتجنبته.
قلت: ظاهره - كصريح الفهرست 2 والخلاصة 3 - أنه لاختلاله واضطرابه في آخر
عمره.
(9) ومنهم: أحمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن طاوس
العلوي الحسيني المشتهر بابن طاوس، كان في أعلى مراتب الوثاقة والزهادة.
فعن ابن داود - بعد بيان أحواله وجملة من كتبه -: وله غير ذلك تمام اثنين وثمانين
مجلد من أحسن التصانيف وأحقها، حقق الرجال والرواية تحقيقا لا مزيد عليه.
قلت: في منتهى المقال 4 في ترجمته وترجمة صاحب المعالم: " أن اسم كتابه في
الرجال حل الإشكال في معرفة الرجال وهو الذي حرره صاحب المعالم وسماه
ب‍ " التحرير الطاوسي ".
(10) ومنهم: الحسن بن زين الدين بن علي بن أحمد العاملي، هو صاحب المعالم
ولد الشهيد الثاني رحمه الله، لا كلام في وثاقته وعلو مرتبته وغاية فضيلته، وله كتب منها:
منتقى الجمان، ومعالم الدين مقدمته أصول، برز من فروعه مجلد، ومنها:
التحرير الطاوسي كما أشرنا إليه.



1. رجال النجاشي، ص 94، الرقم 233.
2. الفهرست، ص 204، الرقم 13.
3. خلاصة الأقوال، ص 204، الرقم 15، قال: " كان سمع الحديث وأكثر واختل واضطرب في آخر عمره ".
4. منتهى المقال، ج 2، ص 387، الرقم 729.
290
(11) ومنهم: الحسن بن علي بن داود المشتهر الآن بابن داود، هو - كما عن إجازة
الشهيد الثاني لوالد البهائي رحمه الله - صاحب التصانيف العزيزة والتصنيفات الكثيرة التي من
جملتها كتاب الرجال، سلك فيه مسلكا لم يسبقه أحد من الأصحاب.
قلت: وذلك لأنه رتبه على حروف المعجم في الأسماء وأسماء الآباء، كما هو
المتعارف فيما رأيناه.
(12) ومنهم: الحسن بن علي بن فضال، وهو - كما عن الفهرست 1 والخلاصة 2 - روى
عن الرضا عليه السلام وكان خصيصا به، وكان جليل القدر عظيم المنزلة، زاهدا ورعا ثقة في
رواياته.
وعن النجاشي: " له كتب، عبد الله بن محمد بن بنان عنه بكتابه الزهد، وأحمد بن
محمد بن عيسى عنه بكتابه المتعة وكتاب الرجال ". 3
وعن الكشي: " أنه كان فطحيا فرجع ". 4
(13) ومنهم: الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي المشتهر بأقل أوصافه
العلامة على الإطلاق.
ونعم ما في النقد: " يخطر ببالي أن لا أصفه إذ لا يسع كتابي هذا ذكر علومه
وتصانيفه وفضائله ومحامده، وأن كل ما يوصف به الناس من جميل وفضل فهو
فوقه ". 5
ومن جملة كتبه - التي أنهيت إلى ألف، كما حكاه الطريحي في مجمعه عن روضة
العارفين - كتاب الخلاصة، وإيضاح الاشتباه، وكشف المقال، كل الثلاثة في الرجال.
(14) ومنهم: زين الدين بن علي بن أحمد المشتهر بالشهيد الثاني، وهو لوضوح



1. الفهرست، ص 47 و 48، الرقم 153.
2. خلاصة الأقوال، ص 37، الرقم 2.
3. رجال النجاشي، ص 36، الرقم 72.
4. رجال الكشي، ص 345، الرقم 639.
5. نقد الرجال، ص 99، الرقم 175.
291
حاله في وفور فضله وكماله ومزيد زهده وإجلاله غير محتاج إلى تفصيل لا يمكن إلا
بتطويل، وإن تعرض له هو رحمه الله في رسالته وكملها بعض، وأكملهما نافلته (1) المحقق
الشيخ علي رحمه الله وفصله في الدر المنثور وإني رأيت نسخة منه.
وفى منتهى المقال: " أفرد تلميذه الشيخ محمد بن العودي أيضا رسالة في أحواله " (2)
ومن جملة كتبه في الرجال حواشيه على الخلاصة وفى الحديث كتاب غنية
القاصدين في معرفة اصطلاحات المحدثين والبداية وشرحها وإني نقلت كثيرا عنها في
هذا الكتاب بعبارة الدراية.
(15) ومنهم: الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني الماحوزي وهو - كما في رابعة
فوائد التعليقة: " المحقق المدقق الفقيه النبيه نادرة العصر والزمان " (3).
وعلى ما حكي عن بعض تلامذته " كان أعجوبة في الحفظ والدقة وسرعة
الانتقال... إلى أن قال: كان جامعا لجميع العلوم علامة في جميع الفنون حسن
التقرير عجيب التحرير خطيبا شاعرا مفوها وكان أيضا في غاية الإنصاف وكان
أعظم علومه الحديث والرجال والتواريخ ". (4)
وفى اللؤلؤة عد من كتبه كتاب المعراج في شرح فهرست الشيخ إلا أنه لم يتم وإنما
خرج منه باب الهمزة وباب الباء والتاء المثناة ورسالة البلغة على حذو رسالة
الوجيزة. (5)
(16) ومنهم: عبد العزيز بن إسحاق وكان زيديا له كتاب في طبقات الشيعة
(17) ومنهم: عبد الكريم بن أحمد بن موسى العلوي الحسني، أبوه المشتهر بابن
طاوس كما مر وقد يطلق على ابنه هذا أيضا، لا تحصى فضائله كما عن ابن داود (6) له



(1) أي ولد ولده.
(2) منتهى المقال ج 3 ص 297.
(3) فوائد الوحيد البهبهاني ص 64.
(4) لؤلؤة البحرين ص 8 الرقم 2 نقلا عن تلميذه الشيخ عبد الله بن صالح.
(5) لؤلؤة البحرين ص 9.
(6) رجال ابن داود ص 130 الرقم 966.
292
كتاب الشمل المنظوم في مصنفي العلوم وقد أشرنا إليه في أول المبحث
(18) ومنهم: الميرزا عبد الله ولم نقف على أحواله إلا أن في منتهى المقال (1) في
ترجمة علي بن الحسين بن علي المسعودي حكى عن كتابه المسمى برياض العلماء
وكتب في حاشيته أنه من تلامذة العلامة المجلسي رحمه الله، وعن ولد أستاذه العلامة أنه ذكر
في هذا الكتاب أحوال علمائنا من زمن الغيبة الصغرى إلى زمانه وهو سنة تسعة عشر
بعد الألف ومائة.
(19) ومنهم: عبد الله بن جبلة بن حيان بن الجر (2) الكناني.
عن النجاشي: " أنه كان واقفيا وكان فقيها ثقة مشهورا له كتب منها كتاب الرجال (3)
(20) ومنهم: الشيخ عبد النبي الجزائري صاحب كتاب حاوي الأقوال في معرفة
الرجال.
في منتهى المقال: " قسم كتابه هذا إلى أربعة أقسام الثقات والموثقين والحسان
والضعاف ولم يذكر (غالب) (4) المجاهيل، وهو كتاب جليل يشتمل على فوائد جمة
إلا أنه أدرج كثيرا من الحسان في قسم الضعاف " (5)
(21) ومنهم: علي بن أحمد العلوي المشتهر بالعقيقي.
في منتهى المقال: " هو من أجلة العلماء الإمامية وأعاظم الفقهاء الاثني عشرية،
وأن في الخلاصة أكثر من النقل عن كتابه الرجال وعد قوله في جملة أقوال العلماء
الأبدال وكثيرا ما يدرج الرجال في المقبولين بمجرد مدحه وقبوله " (6)



(1) منتهى المقال ج 4 ص 393 وما بعدها.
(2) كذا في الأصل وفى " نقد الرجال (ص 195) " الحر " وفى " خلاصة الأقوال " (237): " أبحر " بالباء بعد الألف والجيم
والراء.
(3) رجال النجاشي ص 216 الرقم 563.
(4) الزيادة أثبتناها من المصدر.
(5) منتهى المقال ج 1 ص 9 (ديباجة الكتاب)
(6) المصدر السابق ج 4 ص 340.
293
وعن الفهرست أنه عد من كتبه كتاب الرجال (1)
(22) ومنهم علي بن الحسن بن علي بن فضال.
في التعليقة: " كثيرا ما يعتمدون على قوله في الرجال ويستندون إليه في معرفة
حالهم من الجرح والتعديل بل غير خفي أنه أعرف بهم من غيره بل من جميع علماء
الرجال فإنك إذا تتبعت وجدت المشايخ في الأكثر بل كاد أن يكون الكل يستندون
إلى قوله ويسألونه ويعتمدون عليه ". (2)
قلت: يظهر من ذلك وغيره أنه صاحب كتاب في الرجال فلذا ذكرته هنا فتدبر.
(23) ومنهم: علي بن عبيد الله بن بابويه بينه وبين بابويه ثمانية.
فعن رسالة الشيخ سليمان المتقدم التي كتبها في تعداد أولاد بابويه - أنه من
مشاهير الثقات وفحول المحدثين له كتاب فهرست من تأخر عن الشيخ أبى جعفر رحمه الله،
عجيب في بابه. (3)
وعن أمل الآمل: " كان عالما ثقة صدوقا محدثا راوية علامة له كتاب الفهرست ذكر
فيه المشايخ المعاصرين للشيخ الطوسي والمتأخرين إلى زمانه ". (4)
(24): المولى عناية الله كتابه مجمع الرجال من أقوى الشواهد على عروجه
(إلى) أقصى مدارج الفضل والكمال وزيادة غوره وتعمقه في علم الرجال ورأيت
أيضا له حواشي على نقد الرجال.
(25) ومنهم: الشيخ الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل هو في الجلالة والفضيلة
بمكان لا يناله البيان كما عن النجاشي أنه بعد أن قال: " كان ثقة أجل (5) أصحابنا الفقهاء
والمتكلمين وله جلالة في هذه الطائفة وهو في قدره أشهر من أن نصفه " (6)



(1) الفهرست ص 97 الرقم 414.
(2) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 229.
(3) منتهى المقال ج 5 ص 31، نقلا عن " فهرست آل بابويه " و " علماء البحرين ".
(4) أمل الآمل ص 207.
(5) في المصدر: " أحد " بدل " أجل ".
(6) رجال النجاشي ص 306 الرقم 840.
294
وعن الكشي: " أنه صنف مائة وثمانين كتابا " (1) وهو الذي ينقل عنه في منتهى المقال
رامزا عنه نعش
فيظهر منه ومن غيره أن بعض كتبه في الرجال وفى ترجمة محمد بن سنان عن
الخلاصة عن الفضل أنه قال في بعض كتبه: " إن من الكذابين المشهورين ابن سنان. (2)
(26) ومنهم: الشيخ محمد الذي نقل عنه في منتهى المقال رامزا عنه بميم ودال
وقبله أستاذه رحمه الله في فوائد التعليقة وقد أشرنا إلى بعض ذلك فيما مر.
ويظهر منهما ومما حكى عنه زيادة على تصنيفه في الرجال قوة تبحره وشدة
خبرته بهذا الفن ولعلي أقف بعد ذلك على كتابه وأحواله كبعض من سبقه.
(27) ومنهم: محمد بن أحمد بن داود بن علي. وهو كما عن النجاشي (3) والخلاصة (4)
شيخ هذه الطائفة وعالمها وشيخ القميين في وقته وفقيههم حكى أبو عبد الله الحسين
ابن عبيد الله أنه لم ير أحد أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحديث.
وعن الفهرست أنه عد من جملة كتبه كتاب الممدوحين والمذمومين (5)
(28) ومنهم: محمد بن إسحاق بن أبى يعقوب النديم يكنى أبا الفرج.
في التعليقة: " مضى - في بندار بن محمد وغيره من التراجم معروفيته ونباهة شأنه
وأنه صاحب فهرست ويأتي أيضا في محمد بن الحسن بن زياد وغيره ". (6)
قلت: في ترجمة ابن مسعود الآتي ذكره - عن الفهرست أنه ذكر فهرست كتبه ابن
إسحاق بن النديم.
(29) ومنهم: محمد بن إسماعيل، هو الشيخ أبو على الحائري صاحب منتهى المقال
وهو شاهد صدق على فضله وسعة باعه خصوصا في الرجال فإنه كتاب جليل لم



(1) رجال الكشي ص 538 الرقم 1024
(2) خلاصة الأقوال ص 251 الرقم 17
(3) رجال النجاشي ص 384 الرقم 1045.
(4) خلاصة الأقوال ص 162 الرقم 161.
(5) الفهرست ص 136 الرقم 592.
(6) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 281.
295
نقف على نظير له في هذا الفن إلا أنه - لإسقاطه المجاهيل بزعم عدم الحاجة - لم
يغن عن غيره.
وهنا جمع من المحامدة محامدهم مشهورة وفى الصدور فضلا عن الكتب
مسطورة فلنقتصر بعد ذكر أسمائهم على ذكر كتبهم في الرجال.
(30) ومنهم: المولى محمد أمين الكاظمي صاحب المشتركات المشهورة المدرجة
في منتهى المقال.
(31) ومنهم: سيدنا ومولانا رئيس حكماء الإسلام وتاج العلماء الأعلام محمد
المدعو بباقر المشهور بالأمير الداماد له في الرجال الرواشح السماوية وحواشي على
الاختيار كما ذكره في منتهى المقال (1) في ترجمة ابن الغضائري.
(32) ومنهم: شيخنا ومولانا محمد المدعو بباقر الشهير بالمجلسي قدس الله روحه
القدوسي وله في الرجال الوجيزة المعروفة.
(33) ومنهم: من هو للإسلام سناد وللإيمان عماد محمد المدعو بباقر الشهير بالآغا
البهبهاني وله في الرجال التعليقة المشهورة المدرجة في منتهى المقال أيضا.
(34) ومنهم: ركن العلماء وزين الفضلاء بل العرفاء محمد المدعو بباقر الشهير
بالمحقق السبزواري.
ولم أقف على كتابه في الرجال ولا على حكاية اسمه منه رحمه الله أو من غيره إلا أن في
رابعة فوائد التعليقة (2) التي في ذكر مصطلحاته اصطلح له: الفاضل الخراساني، وقد
نقل منه كثيرا فالظاهر أنه من كتاب له في الرجال.
(35) ومنهم: أوج فلك الرفعة والإجلال وقطب دائرة الفضل والكمال محمد المدعو
بالتقي المجلسي والد المجلسي المتقدم والمعبر عنه بأول المجلسيين كما يعبر عن ابنه
المزبور بثانيهما ولم أقف على كتابه في الرجال إلا حواشيه على نقد الرجال.



(1) منتهى المقال ج 1 ص 255 الرقم 136.
(2) فوائد الوحيد البهبهاني ص 64.
296
وفى الفائدة المذكورة اصطلح له بقوله: " جدي " (1) فإنه جده أعلى الله مقامهما.
(36) ومنهم: شيخ الإسلام وملاذ الأنام محمد بن الحسن الشهير بالشيخ الطوسي.
له في الرجال: الفهرست وكتاب الرجال وكتاب اختيار الرجال المعروف في هذه
الأزمنة برجال الكشي.
ووجهه ما حكاه في منتهى المقال في ترجمة الكشي في المتن والهامش عن جملة
من مشايخه أن كتاب رجال الكشي كان جامعا لرواة العامة والخاصة خالطا بعضهم
ببعض فعمد إليه شيخ الطائفة طاب مضجعه فلخصه وأسقط منه الفضلات، وسماه
ب‍ " اختيار الرجال ".
(37) ومنهم: محمد بن الحسن الحر العاملي عامله الله تعالى بلطفه الخفي والجلي
صاحب الوسائل له في الرجال كتاب أمل الآمل كان من علمائنا الأخباريين وقد
تقدم البحث معه ومع أمثاله في المقدمة بما لا مزيد عليه.
(38) ومنهم: محمد بن الحسن بن علي أبو عبد الله المحاربي.
عن النجاشي (2) والخلاصة (3): أنه جليل من أصحابنا عظيم القدر خبير بأمور
أصحابنا عالم بمواطن أنسابهم.
وزاد الأول (4): " له كتاب الرجال سمعت جماعة من أصحابنا يصفون هذا الكتاب ".
(39) ومنهم: محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقي.
عن النجاشي: " أنه كان أديبا حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العرب ". (5)
وحكى عنه في منتهى المقال كثيرا ورمز في أول الكتاب " قي " والعجب أنه لم يشر



(1) فوائد الوحيد البهبهاني ص 64
(2) رجال النجاشي ص 350، الرقم 943.
(3) خلاصة الأقوال ص 157 الرقم 109.
(4) أي النجاشي في رجاله.
(5) رجال النجاشي ص 335، الرقم 898.
297
إليه في ترجمته.
(40) ومنهم: محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني
بجله وعظمه في منتهى المقال (1) ووثقه في الرواشح. (2)
وله كتاب معالم العلماء في الرجال.
(41) ومنهم: محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي المعروف بميرزا محمد
صاحب كتب الرجال الكبير والوسيط والصغير المسمى أولها بمنهج المقال وحاله
- كاسمه وكتابه - في غاية الاشتهار.
(42) ومنهم: المولى الزكي الصفي محمد علي بن المولى البهبهاني.
ذكر نبذا من أحواله في منتهى المقال في ترجمة والده قال هنالك: " وقفت على
كراريس له في الرجال وربما نقلت عنها في هذا الكتاب ". (3)
(43) ومنهم: محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي المشهور.
عن الخلاصة: " أنه بصير بالأخبار والرجال حسن الاعتقاد وكان ثقة عينا روى
عن الضعفاء وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه له كتاب الرجال كثير العلم إلا
أن فيه أغلاطا كثيرة ". (4)
قلت: بعد ما نشاهده من تصرفات الكتاب ربما أمكن أن يكونوا هم السبب في
أغلاطه لتقدم زمانه على أكثر المصنفين لأنه معاصر الكليني رحمه الله.
(44) ومنهم: زين الإسلام وركن الإيمان محمد بن محمد بن النعمان.
" من أجل مشايخ الشيعة وأستاذهم ورئيسهم وكل من تأخر عنه استفاد منه،
وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية " كذا عن الخلاصة. (5)



(1) منتهى المقال ج 6 ص 124 الرقم 2768.
(2) الرواشح السماوية ص 98.
(3) منتهى المقال ج 6 ص 178 و 179.
(4) خلاصة الأقوال ص 146 الرقم 39.
(5) المصدر السابق ص 147 الرقم 45.
298
وأهل الرجال كثيرا ما ينقلون عنه والظاهر أنه من إرشاده.
(45) ومنهم: محمد بن مسعود بن عياش السمرقندي المعروف بالعياشي صاحب
التفسير المعروف بذلك ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة وكبيرها كما عن
الفهرست (1) والنجاشي (2)
وزاد الأول: " جليل القدر واسع الأخبار بصير بالرواية مضطلع بها له كتاب
كثيرة تزيد مائتي مصنف " (3)
وهو الذي رمز له في منتهى المقال " معد " (4) وينقل عنه كثيرا كما أنه هو الذي ينقل
عن علي بن فضال كثيرا فالظاهر أنهما معا صاحبا تأليف في الرجال.
(46) ومنهم: سند السادات ومنبع السعادات السيد مصطفى التفرشي صاحب نقد
الرجال.
ولعمري إنه الناقد البصير والمعيار بلا نظير فميز التام عن الناقص وبين
المغشوش من الخالص شكر الله مساعيه وبدل بالحسنات مساويه.
(47) ومنهم: نصر بن الصباح يكنى أبا القاسم من أهل بلخ.
وعن النجاشي: " غالي المذهب، روى عنه العياشي له كتب منها: معرفة الناقلين
(و) كتاب فرق الشيعة عنه محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي " (5).
وفي التعليقة: " ومن تتبع الرجال يظهر عليه أن المشايخ قد أكثروا من النقل عنه على
وجه الاعتماد وقد بلغ إلى حد لا مزيد عليه " (6).



(1) الفهرست ص 136 الرقم 593.
(2) رجال النجاشي ص 350، الرقم 944.
(3) الفهرست طبعة النجف الأشرف ص 136 - 137 الرقم 593.
(4) منتهى المقال ج 1 ص 8.
(5) رجال النجاشي ص 428 الرقم 1149.
(6) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 352.
299
(48) ومنهم: السيد يوسف ولم أقف على أحواله إلا أن في منتهى المقال في ترجمة
مسلم بن أبي سارة: " أن السيد يوسف أحد الجامعين للرجال " (1)
(49) ومنهم: الفاضل الصمداني الذي ليس له في الأخبارية ثاني المحقق البحراني
الشيخ يوسف رحمه الله.
فضائله مشهورة وفى الألسنة مذكورة له اللؤلؤة في كثير من الرواة
هذه وأما من كان من علماء الرجال ومشايخهم لم يصل إلينا كتاب له في الرجال
ولا وقفنا على حكايته منه ولا استظهرناه من قرائن قوية معتبرة فهم أيضا جماعة
نقتصر على الإشارة إلى جمع منهم.
(50) ومنهم أحمد بن محمد بن الربيع الأقرع.
فعن النجاشي بإسناده إلى عبد الله بن العلاء أنه قال: " كان أحمد بن محمد بن الربيع
عالما بالرجال ". (2)
(51) ومنهم: أحمد بن محمد بن عمران بن موسى كان أستاذ النجاشي.
وفى التعليقة: " ان النجاشي ينقل عنه كثيرا معتمدا عليه " (3)
(52) ومنهم: ابن الشيخ الطوسي الحسن بن محمد بن الحسن رحمه الله.
فعن أول المجلسيين: أنه كان ثقة فقيها عارفا بالأخبار والرجال.
(53) ومنهم: المولى عبد الله بن الحسين التستري أستاذ السيد مصطفى المتقدم. (4)
قال في النقد - بعد ذكر شمة من فضائله -: " إن أكثر فوائد هذا الكتاب منه " (5)
(54) ومنهم: علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في



(1) منتهى المقال ج 6، ص 258، الرقم 2974.
(2) رجال النجاشي ص 79 الرقم 189.
(3) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 46.
(4) أي السيد مصطفى التفرشي صاحب " نقد الرجال ".
(5) نقد الرجال ص 197 الرقم 92.
300
كتاب الرجال، وهو تلميذ فضل بن شاذان. (1)
(55) ومنهم: عمر بن محمد بن سليم بن البراء.
فعن الفهرست (2) والخلاصة (3): أنه كان حفظة عارفا بالرجال من العامة والخاصة
(56) ومنهم: فضل بن دكين.
في منتهى المقال حكاية عن مختصر الذهبي: " أنه أعلم بالشيوخ وأنسابهم
وبالرجال " (4)
(57) ومنهم: محمد بن أحمد بن نعيم الشاذاني.
في التعليقة: " أكثر مشايخ الرجال من الرواية عنه على سبيل الاعتماد حتى على ما
وجد بخطه " (5)
(58) ومنهم: الشيخ العميد والفقيه السديد محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد.
فعن الخلاصة: " أنه ثقة ثقة عين مسكون إليه جليل القدر عظيم المنزلة عارف
بالرجال موثوق به " (6).
(59) ومنهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي رحمه الله المشتهر لغاية ورعه
وصدقه بالصدوق.
وعن الفهرست: " أنه جليل القدر حفظه بصير بالفقه والأخبار والرجال ". (7) وعن الخلاصة: " كان جليلا حافظا للأحاديث بصيرا بالرجال ناقدا للأخبار لم ير
في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه له نحو من ثلاثمائة مصنف " انتهى.



(1) انظر منتهى المقال ج 5 ص 68 الرقم 2106.
(2) الفهرست ص 114 الرقم 504.
(3) خلاصة الأقوال ص 119 الرقم 3.
(4) انظر منتهى المقال ج 5 ص 196 الرقم 2280.
(5) تعليقة الوحيد البهبهاني ص 390.
(6) خلاصة الأقوال ص 147 الرقم 43.
(7) الفهرست ص 156 الرقم 705.
301
(ترجمة المصنف نفسه)
(60) وحيث إن العبد الذي أقلهم علما وعملا وأكثرهم خطأ وزللا مصنف هذه
الرسالة وجامع هذه المقالة المسماة ب‍ " توضيح المقال في علم الرجال " نظم نفسه في
جملتهم الجميلة فليدخل اسمه في سلك أساميهم الشريفة الجليلة لتحصيل توافق
العالمين وتكميل العدد المذكور إلى الستين.
فأقول سميت بعلي وولدت في سنة عشرين بعد ألف ومائتين من الهجرة
الشريفة في قرية قرب بلدة طهران بفرسخين في سفح جبل هناك المسماة ب‍ " كن " - بفتح الكاف وتشديد النون - لتسترها بانخفاض محلها قال تعالى: * (وجعل لكم من
الجبال أكنانا) *. (1)
وذهبت إلى المعلم بسعي منى والتماس فاستغنيت عنه في مدة قليلة ثم كنت
مصرا على الدخول في العلوم العربية الأدبية واستمر علي المنع إلى قرب عشرين
سنة فوفقت عند ذلك لذلك بدعوات شافية وشفعاء كافية إلى أن وفقت لمجاورة
الروضات الساميات والعتبات العاليات فببركاتهم وشفاعاتهم عليهم السلام شرعت في
تصنيف الأصول وكتبت فيها جملة وافية وعمدة نافعة، برز منها أكثر مسائل
الأوامر والنواهي والمفاهيم والاستصحاب في رسالة مستقلة بل لم يبق منها إلا نزر
يسير في سنة أربع وأربعين بعد ألف ومائتين إلى أن وقع الطاعون العظيم في أكثر
البلاد خاصة في العراق فعاقني ذلك وغيره - كغيري - عن الاشتغال وصرنا مدة
سنتين أو أزيد في حل وارتحال إلى أن وفقت ثانيا للمجاورة فاشتغلت بتصنيف
الفقه لما رأيت من ذهاب الرجال ودنو الآجال وانقطاع الآمال فحيث لم يكن
عندي ما يحتاج إليه من الكتب والأسباب لعدم مساعدة الدهر مع معاضدة شدة
الفقر كنت أكتب في كل موضع يتيسر لي - بعد كد شديد وشد أكيد ما يحتاج إليه في
ذلك الموضع.



(1) النحل (16) الآية 81.
302
فبرز في الطهارة مجلد وفى الصلاة مجلد وفى البيع مجلد وفى القضاء
مجلدين والآن أنا في ثالثهما في بقيته مع الشهادات دخلها الفصل بكتابة هذه الرسالة
بالتماس جمع من أزكياء الطلبة والأحبة مع السفر إلى زيارة سيدنا ومولانا الرضا عليه
وعلى آبائه الطيبين وأبنائه المعصومين آلاف صلاة وسلام وتحية ثم زيارة الوالد
الماجد مع غيره من الأرحام.
نسأل الله الرحمة والعصمة والتوفيق على الدوام وأن يخصنا بمزيد اللطف
والإنعام بجاه محمد وعترته البررة الكرام.
وذلك في سنة اثنتين وستين بعد ألف ومائتين من الهجرة الشريفة النبوية
(1262 ق) على هاجرها ألف سلام وصلاة وتحية. (1)



(1) ورد في الأصل: " وكان الفراغ من تحريرها في سنة سبع وستين ومائتين بعد الألف بقلم الجاني الفاني محمد بن حسين
الحسيني القمي ".
303
/ 1