بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء المؤلف: ابن أبي أصبيعة الجزء: الوفاة: 668 المجموعة: الأنساب ومعاجم مختلفة تحقيق: الدكتور نزار رضا الطبعة: سنة الطبع: المطبعة: بيروت - دار مكتبة الحياة الناشر: دار مكتبة الحياة ردمك: ملاحظات: عيون الأنباء في طبقات الأطباء
1 الباب الأول كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها أقول أن الكلام في تحقيق هذا المعنى يعسر لوجوه أحدها بعد العهد به فإن كل ما بعد عهده وخصوصا ما كان من هذا القبيل فإن النظر فيه عسر جدا الثاني أننا لم نجد للقدماء والمتميزين وذوي الآراء الصادقة قولا واحدا سادا في هذا متفقا عليه فنتبعه الثالث أن المتكلمين في هذا لما كانوا فرقا وكانوا كثيري الاختلاف جدا بحسب ما وقع إلى كل واحد منهم أشكل التوجيه في أي أقوالهم هو الحق وقد ذكر جالينوس في تفسيره لكتاب الإيمان لا بقراط أن البحث فيما بين القدماء عن أول من وجد صناعة الطب لم يكن بحثا يسيرا ولنبدأ أولا بإثبات ما ذكره مع ما ألحقناه به في جهة الحصر لهذه الآراء المختلفة وذلك أن القول في وجود صناعة الطب ينقسم إلى قسمين أولين فقوم يقولون بقدمه وقوم يقولون بحدوثه فالذين يعتقدون حدوث الأجسام يقولون أن صناعة الطب محدثة لأن الأجسام التي يستعمل فيها الطب محدثة
11 والذين يعتقدون القدم يعتقدون في الطب قدمه ويقولون أن صناعة الطب قديمة لم تزل مذ كانت كأحد الأشياء القديمة لم تزل مثل خلق الإنسان وأما أصحاب الحدوث فينقسم قولهم إلى قسمين فبعضهم يقول أن الطب خلق مع خلق الإنسان إذ كان من أحد الأشياء التي بها صلاح الإنسان وبعضهم يقول وهم الجمهور أن الطب استخرج بعد وهؤلاء أيضا ينقسمون قسمين فمنهم من يقول أن الله تعالى ألهمها الناس وأصحاب هذا الرأي على ما يقوله جالينوس وابقراط وجميع أصحاب القياس وشعراء اليونانيين ومنهم من يقول أن الناس استخرجوها وهؤلاء قوم من أصحاب التجربة وأصحاب الحيل وثاسلس المغالط وفيلن وهم أيضا مختلفون في الوضع الذي به استخرجت وبماذا استخرجت فبعضهم يقول أن أهل مصر استخرجوها ويصححون ذلك من الدواء المسمى باليونانية الأنى وهو الراسن فبعضهم يقول أن هرمس استخرج سائر الصنائع والفلسفة والطب وبعضهم يقول أن أهل فولوس استخرجوها من الأدوية التي ألفتها القابلة لامرأة الملك فكان بها برؤها وبعضهم يقول أن أهل موسيا وأفروجيا استخرجوها وذلك أن هؤلاء أول من استخرج الزمر فكانوا يشفون بتلك الألحان والإيقاعات آلام النفس ويشفي آلام النفس ما يشفى به البدن وبعضهم يقول أن المستخرج لها الحكماء من أهل قو وهي الجزيرة التي كان بها ابقراط وآباؤه وأعني آل أسقليبيوس وقد ذكر كثير من القدماء أن الطب ظهر في ثلاث جزائر في وسط الإقليم الرابع إحداها تسمى رودس والثانية تسمى قنيدس والثالثة تسمى قو ومن هذه كان ابقراط وبعضهم يرى أن المستخرج لها الكلدانيون وبعضهم يقول أن المستخرج لها السحرة من أهل اليمن وبعضهم يقول بل السحرة من بابل أو السحرة من فارس وبعضهم يقول أن المستخرج لها الهند وبعضهم يقول أن المستخرج لها أهل أقريطش الذين ينسب لافتيمون إليهم وبعضهم يقول أهل طور سينا فالذين قالوا أن الطب من الله تعالى قال بعضهم هو إلهام بالرؤيا واحتجوا بأن جماعة رأوا في الأحلام أدوية استعملوها في اليقظة فشفتهم من أمراض صعبة وشفت كل من استعملها
12 وقال قوم ألهمها الله تعالى بالتجربة ثم زاد الأمر في ذلك وقوي واحتجوا أن امرأة كانت بمصر وكانت شديدة الحزن والهم مبتلاة بالغنظ والدرد ومع ذلك فكانت ضعيفة المعدة وصدرها مملوء أخلاطا رديئة وكان حيضها محتبسا فاتفق لها أن أكلت الراسن مرارا كثيرة بشهوة منها له فذهب عنها جميع ما كان بها ورجعت إلى صحتها وجميع من كان به شيء مما كان بها لما استعمله برأ به فاستعمل الناس التجربة على سائر الأشياء والذين قالوا أن الله تعالى خلق صناعة الطب احتجوا في ذلك بأنه لا يمكن في هذا العلم الجليل أن يستخرجه عقل إنسان وهذا الرأي هو رأي جالينوس وهذا نص ما ذكره في تفسيره لكتاب الإيمان لابقراط قال وأما نحن فالأصوب عندنا والأولى أن نقول أن الله تبارك وتعالى خلق صناعة الطب وألهمها الناس وذلك أنه لا يمكن في مثل هذا العلم الجليل أن يدركه عقل الإنسان لكن الله تبارك وتعالى هو الخالق الذي هو بالحقيقة فقط يمكنه خلقه وذلك إنا لا نجد الطب أحسن من الفلسفة التي يرون أن استخراجها كان من عند الله تبارك وتعالى ووجدت في كتاب الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران الذي وسمه ببستان الأطباء وروضة الألباء كلاما نقله عن أبي جابر المغربي وهو هذا قال سبب وجود هذه الصناعة وحي وإلهام والدليل على ذلك أن هذه الصناعة موضوعة للعناية بأشخاص الناس إما لأن تفيدهم الصحة عند المرض وأما لأن تحفظ الصحة عليهم وممتنع أن تعني الصناعة بالأشخاص بذاتها دون أن تكون مقرونة بعلم أمر هذه الأشخاص التي خصت العناية بها ومن البين أن الأشخاص ذوات مبدأ لوقوعها تحت العدد وكل معدود فأوله واحد تكثر ولا يجوز أن تكون أشخاص الناس إلى ما لا نهاية له لأن خروج ما لا نهاية له إلى الفعل محال قال ابن المطران ليس كل ما لا يقدر على حصره فلا نهاية له بل قد تكون له نهاية يضعف عن حصرها قال أبو جابر وإذا كانت الأشخاص التي لا تقوم هذه الصناعة إلا بها ذوات مبدأ ضرورة فالصناعة ذات مبدأ ضرورة ومن البين أن الشخص الذي هو أول الكثرة مفتقر إليها كافتقار سائرهم ومن البين أيضا أنه لا يأتي من أول شخص وجد علم هذه الصناعة استنباطا لقصر عمره وطول الصناعة ولا يجوز أن يجتمعوا في مبدأ الكثرة على استنباطها من أجل أن الصناعة متقنة محكمة وكل أمر متقن لا يستنبط بالاختلاف بل بالاتفاق والأشخاص التي
13 هي أول في الكثرة لا يجوز أن تجتمع على أمر متقن من أجل أن كل شخص لا يساوي كل شخص من جميع الجهات وإذا لم تتساو من جهة آرائها لم يجز أن تجتمع على أمر محكم قال ابن المطران هذا يؤدي أيضا في باقي العلوم والصناعات إلى أنها إلهام لأنها ذوات إتقان أيضا وقوله أيضا أن الأشخاص لا يجوز أن تجتمع على أمر متقن ليس بشيء بل اجتماعها لا يكون إلا على أمر متقن وإنما الاختلاف يقع مع عدم الإتقان قال أبو جابر فقد بان أن الأشخاص في مبدأ الكثرة لا يتأتى منها استنباط هذه الصناعة وكذلك عند نهاية الكثرة لتباينهم وافتراقهم ووقوع الخلف بينهم ونقول أيضا يجوز أن يشك شاك فيقول هل يتأتى عندك أن يعرف إنسان من الناس أو كثير منهم منابت الحشائش والعقاقير ومواضع المعادن وخواصها وقوى أعضاء سائر الحيوان وخواصها ومضارها ومنافعها ويعرف سائر الأمراض والبلدان واختلاف أمزجة أهلها مع تفريق ديارهم ويعرف القوة التي ينتجها تركيب الأدوية وما يضاد قوة قوة من قوى الأدوية وما يلائم مزاجا مزاجا وما يضاده مع ما يتبع ذلك من سائر صناعة الطب فإن سهل ذلك وهونه كذب وإن صعب أمره في علمه من جهة المعرفة قلنا استنباطه ممتنع وإذا لم يكن للصناعة الطبية لابتدائها إلا الاستنباط أو الوحي أو الإلهام وكان لا سبيل إلى استنباط هذه الصناعة بقي أن تكون موجودة بطريق الوحي والإلهام قال ابن المطران هذا كلام مشوش كله مضطرب وإن كان جالينوس قال في تفسير العهد أن هذه الصناعة وحيية إلهامية وقال فلاطن في كتاب السياسة أن أسقليبيوس كان رجلا مؤيدا ملهما لكن تبعيد حصول هذه الصناعة باستنباط العقول خطأ وتضعيف العقول التي استنبطت أجل من صناعة الطب ولننزل أن أول العالم كان واحدا محتاجا إلى صناعة الطب كحاجة هذا العالم الجم الغفير اليوم وأنه ثقل عليه جسمه واحمرت عيناه وأصابه علامات الامتلاء الدموي ولا يدري ما يفعل فأصابه من قوته الرعاف فزال عنه ما كان يجده فعرف ذلك فعاوده في وقت آخر ذلك بعينه فبادر إلى أنفه فخدشه فجرى منه الدم فسكن عنه ما كان يجده فصار ذلك عنده محفوظا يعلمه كل من وجده من ولده ونسله ولطفت حواشي الصناعة حتى فتح العرق بلطافة ذهن ورقة حس ولو نزلنا لفتح العرق أن آخر ممن هذه صفته أنجرح أو انخدش فجرى منه الدم فكان له ما ذكرنا من النفع ولطفت الأذهان في استخراج الفصد جاز فصار هذا بابا من الطب وآخر امتلأ من الطعام امتلاء مفرطا فأصابه من طبيعته أحد الاستفراغين أما القيء وإما الإسهال بعد غثيان
14 وكرب وقلق وتهوع ومغص وقراقر وريح جوالة في البطن فعند ذلك الاستفراغ سكن جميع ما كان يجده وقد كان آخر من الناس عبث ببعض اليتوعات فمغصه فأسهله وقيأه إسهالا وقيئا كثيرا وصارت عنده معرفة أن هذه الحشيشة تفعل هذا الفعل وإن هذا الحادث مخفف لتلك الأعراض مزيل لها فذكره لذلك الشخص وحثه على استعمال القليل منه لما تعوق عليه القيء والإسهال وصعبت عليه الأعراض فأداه إلى غرضه منهما وخفف عنه ما لقي من شر تلك الأعراض ولطفت الصناعة ورقت حواشيها ونظرت في باقي الحشائش الشبيهة بتلك ما منها يفعل ذلك وما منها لا يفعله وما منها يفعله بعنف وما منها يفعله بضعف وجاء صفاء العقول فنظر في الدواء الذي يفعل ذلك أي الطعوم طعمه وأي الكيفيات يسبق إلى اللسان منه وأيها يتبعها فجعل ذلك سباره ويستخرج منه وإعانته التجربة وأخرجت ما وقع له من القول إلى الفعل وكذبت ما غلط فيه وصححت ما حدس عليه حدسا صحيحا حتى اكتفى من ذلك وإذا نزلت أن مسهولا لا يعلم أي الأدوية وأي الأغذية ينفعه أو يضره استعمل بالاتفاق سماقا في غذائه فانتفع به ودام عليه فأبرأه فأحب أن يعلم بماذا أبرأه فتطعمه فوجده حامضا قابضا فعلم أنه لا يخلو من أن يكون حمضه نفعه أو قبضه فذاق غيره مما فيه حموضة محضة فقط واستعمله في غيره ممن به مثل ما كان به فوجده لا يفيده ما أفاده هو فعمد إلى شيء آخر طعمه قابض فقط فاستعمله في ذلك الشخص بعينه فوجد فائدته فيه أكثر من فائدة الحامض المطلق فعلم أن ذلك الطعم مفيد في تلك الحالة وسماه قابضا وسمى ذلك استفراغا وقال أن القابض ينفع من الاستفراغ ولطفت الصناعة ورقت حواشيها في ذلك حتى استخرجت العجائب واستنبطت البدائع وأتى الثاني فوجد الأول وقد استخرج شيئا جربه فوجده حقا فاحتفظ به وقاس عليه وتمم حتى استكملت الصناعة ولو نزلنا مجيء مخالف وجدنا كثيرين موافقين وإذا غلط متقدم سدد متأخر وإذا قصر قديم تمم محدث هكذا في جميع الصناعات كذا الغالب على ظني قال قال حبيش الأعسم أن رجلا اشترى كبدا طرية من جزار ومضى إلى بيته فاحتاج أن ينصرف في حاجة أخرى فوضع تلك الكبد التي كانت معه على أوراق نبات مبسوطة كانت على وجه الأرض ثم قضى حاجته وعاد ليأخذ الكبد فوجدها قد ذابت وسالت دما فأخذ تلك الأوراق وعرف ذلك النبات وصار يبيعه دواء للتلف حتى فطن به وأمر بقتله
15 أقول هذه الحكاية كانت في وقت جالينوس وقال أنه كان السبب في مسك ذلك الرجل وفي توديته إلى الحاكم حتى أمر بقتله قال جالينوس وأمرت أيضا في وقت مروره إلى القتل أن تشد عيناه حتى لا ينظر إلى ذلك النبات أو أن يشير إلى أحد سواه فيتعلمه منه ذكر ذلك في كتابه في الأدوية المسهلة وحدثني جمال الدين النقاش السعودي أن في لحف الجبل الذي باسعرد على الجانب الآخر منه قريبا من الميدان عشبا كثيرا وأن بعض الفقراء من مشايخ أهل المدينة أتى إلى ذلك الموضع ونام على نبات هناك ولم يزل نائما إلى أن عبر عليه جماعة فوجدوه كذلك وتحته دما سائحا من أنفه ومن ناحية المخرج فأنبهوه وبقوا متعجبين من ذلك إلى أن ظهر لهم أنه من النبات الذي نام عليه وأخبرني أنه خرج إلى ذلك الموضع ورأى ذلك النبات وذكر من صفته أنه على شكل الهندبا غير أنه مشرف الجوانب وهو مر المذاق قال وقد شاهدت كثيرا ممن يدنيه إلى أنفه ويستنشقه مرات فإنه يحدث له رعافا في الوقت هذا ما ذكره ولم يتحقق عندي في أمر هذا النبات هل هو الذي أشار إليه جالينوس أو غيره قال ابن المطران فأقول حينئذ أن النفس الفاضلة المفيدة للخير نظرت حينئذ فعلمت وكما أن الدواء فعل ذلك الفعل فلا بد وأن يكون خلق دواء آخر ينفع هذا العضو ويقاوم هذا الدواء ففتش عليه بالتجربة ولم يزل يطلب في كل يوم أو في كل وقت حيوانا فيعطيه الدواء الأول ثم الثاني فإن دفع ضرره فقد حصل مراده وإن لم ينفع فيه طلب غيره حتى وقع على ذلك الدواء وفي استخراج الترياق أعظم دليل على ما قلت إذ لم يكن الترياق سوى حب الغار وعسل ثم صار إلى ما صار إليه من الكثرة والنفع لا بوحي ولا إلهام ولكن بقياس وصفاء عقول وفي مدد طويلة فإن قلت من أين علم أن الدواء لا بد له من ضد قلنا أنهم لما نظروا إلى قاتل البيش وهو نبات يطلع فإذا وقع على البيش جففه وأتلفه علموا أن مثله في غيره فطلبوه والعالم الفطن يقدر على علم كيفية استخراج شيء من المعلومات إذا نظر فيه على قياسنا الذي وضعناه له وقد عمل جالينوس كتابا في كيف كان استخراج جميع الصناعات فما زاد فيه على النحو الذي ذكرنا أقول وإنما نقلنا هذه الآراء التي تقدم ذكرها على اختلافها وتنوعها لكون مقصدنا حينئذ أن نذكر جل ما ذهب إليه كل فريق ولما كان الخلف والتباين في هذا على ما ترى صار طلب أوله
16 عسرا جدا إلا أن الإنسان العاقل إذا فكر في ذلك بحسب معقوله فإنه يجد صناعة الطب لا يبعد أن تكون أوائلها قد تحصلت من هذه الأشياء التي قد تقدمت أو من أكثرها وذلك إنا نقول أن صناعة الطب أمر ضروري للناس منوطة بهم حيث وجدوا ومتى وجدوا إلا أنها قد تختلف عندهم بحسب المواضع وكثرة التغذي وقوة التمييز فتكون الحاجة إليها أمس عند قوم دون قوم وذلك أنه لما كانت بعض النواحي قد يعرض فيها كثيرا أمراض ما لأهل تلك الناحية وخصوصا كلما كانوا أكثر تنوعا في الأغذية وهم أدوم أكلا للفواكه فإن أبدانهم تبقى متهيئة للأمراض وربما لم يفلت منهم أحد في سائر أوقاته من مرض يعتريه فيكون أمثال هؤلاء مضطرين إلى الصناعة الطبية أكثر من غيرهم ممن هم في نواحي أصح هواء وأغذيتهم أقل تنوعا وهم مع ذلك قليلو الاغتذاء بما عندهم ثم أن الناس أيضا لما كانوا متفاضلين في قوة التمييز النطقي كان أتمهم تمييزا وأقواهم حنكة وأفضلهم رأيا أدرك وأحفظ لما يمر بهم من الأمور التجريبية وغيرها لمقابلة الأمراض بما يعالجها به من الأدوية دون غيره فإذا اتفق في بعض النواحي أن يكون أهلها تعرض لهم الأمراض كثيرا وكان فيهم جماعة عدة بمثابة من أشرنا إليه أولا فإنهم يتسلطون بقوة إدراكهم وجودة قرائحهم وبما عندهم من الأمور التجريبية وغيرها على سبيل المداواة فيجتمع عندهم على الطول أشياء كثيرة من صناعة الطب ولنذكر حينئذ أقساما في مبدئية هذه الصناعة بقدر الممكن فنقول القسم الأول أن أحد الأقسام في ذلك أنه قد يكون حصل لهم شيء منها عن الأنبياء والأصفياء عليهم السلام بما خصهم الله تعالى به من التأييد الإلهي روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كان سليمان بن داود عليهما السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بن يديه فيسألها ما اسمك فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت) وقال قوم من اليهود إن الله عز وجل أنزل على موسى عليه السلام سفر الأشفية والصابئة تقول أن الشفاء كان يؤخذ من هياكلهم على يد كهانهم وصلحائهم بعض بالرؤيا
17 وبعض بالإلهام ومنهم من قال أنه كان يوجد مكتوبا في الهياكل لا يعلم من كتبه ومنهم من قال أنها كانت تخرج يد بيضاء مكتوب عليها الطب ونقل عنهم أن شيت أظهر الطب وأنه ورثه عن آدم عليهما الصلاة والسلام فأما المجوس فإنها تقول أن زرادشت الذي تدعي أنه نبيهم جاء بكتب علوم أربعة زعموا أنها جلدت باثني عشر ألف جلد جاموس ألف منها طب وأما نبط العراق والسورانيون والكلدانيون والكسدانيون وغيرهم من أصناف النبط القدم فيدعى لهم أنهم اكتشفوا مبادئ صناعة الطب وأن هرمس الهرامسة المثلث بالحكمة كان بينهم ويعرف علومهم فخرج حينئذ إلى مصر وبث في أهلها العلوم والصنائع وبنى الأهرام والبرابي ثم انتقل العلم منهم إلى اليونانيين وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فإنك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن الإسكندر لما تملك مملكة دارا واحتوى على فارس أحرق كتب دين المجوسية وعمد إلى كتب النجوم والطب والفلسفة فنقلها إلى اللسان اليوناني وأنفذها إلى بلاده وأحرق أصولها وقال الشيخ أبو سليمان المنطقي قال لي ابن عدي أن الهند لهم علوم جليلة من علوم الفلسفة وأنه وقع إليه أن العلم من ثم وصل إلى اليونانيين وقال الشيخ أبو سليمان ولست أدري من أين وقع له ذلك وقال بعض علماء الإسرائيليين أن الذي استخرج صناعة الطب يوقال بن لا مخ بن متوشالخ
18 القسم الثاني أن يكون قد حصل لهم شيء منها بالرؤيا الصادقة مثل ما حكى جالينوس في كتابه في الفصد من فصده للعرق الضارب الذي أمر به وذلك أنه قال إني أمرت في منامي مرتين بفصد العرق الضارب الذي بين السبابة والإبهام من اليد اليمنى فلما أصبحت فصدت هذا العرق وتركت الدم يجري إلى أن انقطع من تلقاء نفسه لأني كذلك أمرت في منامي فكان ما جرى أقل من رطل فسكن عني بذلك على المكان وجع كنت أجده قديما في الموضع الذي يتصل به الكبد بالحجاب وكنت في وقت ما عرض لي هذا غلاما قال وأعرف إنسانا بمدينة فرغامس شفاه الله تعالى من وجع مزمن كان به في جنبه بفصد العرق الضارب من كفه والذي دعا ذلك الرجل إلى أن يفعل ذلك رؤيا رآها وقال في المقالة الرابعة عشرة من كتابه في حيلة البرء قد رأيت لسانا عظم وانتفخ حتى لم يسعه الفم وكان الذي أصابه ذلك رجلا لم يعتد إخراج الدم قط وكان من أبناء ستين سنة وكان الوقت الذي رأيته فيه أول مرة الساعة العاشرة من النهار فرأيت أنه ينبغي لي أن أسهله بهذا الحب الذي قد جرت العادة باستعماله وهو الحب المتخذ بالصبر والسقمونيا وشحم الحنظل فسقيته الدواء نحو العشاء وأشرت عليه أن يضع على العضو العليل بعض الأشياء التي تبرد وقلت له افعل هذا حتى أنظر ما يحدث فأقدر المداواة على حسبه ولم يساعدني على ذلك رجل حضره من الأطباء فبهذا السبب أخذ الرجل ذلك الحب وتأخر النظر في أمر ما يداوي به العضو نفسه إلى الغد وكنا نطمع جميعا أن يكون قد تبين فيه حسن أثر الشيء الذي يداوى به ونجربه عليه إذ كان فيه يكون البدن قد استفرغ كله والشيء المنصب إلى العضو قد انحدر إلى أسفل
19 ففي ليلته رأى في حلمه رؤيا ظاهرة بينة فحمد مشورتي واتخذ مشورتي مادة في ذلك الدواء وذلك أنه رأى النائم آمرا يأمره بأن يمسك في فيه عصارة الخس فاستعمل هذه العصارة كما أمره وبرأ برءا تاما ولم يحتج معها إلى شيء آخر يتداوى به وقال في شرحه لكتاب الإيمان لابقراط وعامة الناس يشهدون على أن الله تبارك وتعالى هو الملهم لهم صناعة الطب من الأحلام والرؤيا التي تنقذهم من الأمراض الصعبة من ذلك إنا نجد خلقا كثيرا ممن لا يحصى عددهم أتاهم الشفاء من عند الله تبارك وتعالى بعضهم على يد سارافس وبعضهم على يد أسقليبيوس بمدينة أفيداروس ومدينة قو ومدينة فرغامس وهي مدينتي وبالجملة فقد يوجد في جميع الهياكل التي لليونانيين وغيرهم من سائر الناس الشفاء من الأمراض الصعبة التي تأتي بالأحلام وبالرؤيا وأريباسيوس يحكي في كناشه الكبير أن رجلا عرض له في المثانة حجر عظيم قال وداويته بكل دواء مستصلح لتفتيت الحجر فلم ينتفع البتة وأشرف على الهلاك فرأى في النوم كأن إنسانا أقبل عليه وفي يده طائر صغير الجثة وقال له إن هذا الطائر اسمه صفراغون ويكون بمواضع السباحات والآجام فخذه وأحرقه وتناول من رماده حتى تسلم من هذه العلة فلما انتبه فعل ذلك فأخرج الحجر من مثانته متفتتا كالرماد وبرأ برءا تاما ومما حصل أيضا من ذلك بالرؤيا الصادقة أن بعض خلفاء المغرب مرض مرضا طويلا وتداوى بمداواة كثيرة فلم ينتفع بها فلما كان في بعض الليالي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وشكى إليه ما يجده فقال له صلى الله عليه وسلم ادهن بلا وكل لا تبرأ فلما انتبه من نومه بقي متعحبا من ذلك ولم يفهم ما معناه فسأل المعبرين عنه فكل منهم عجز عن تأويله ما خلا علي بن أبي طالب القيراوني فإنه قال يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرك أن تدهن بالزيت وتأكل منه فتبرأ فلما سأله من أين له معرفة ذلك قال من قول الله عز وجل * (من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) * فلما استعمل ذلك صلح به وبرا برءا تاما ونقلت من خط علي بن رضوان في شرحه لكتاب جالينوس في فرق الطب ما هذا نصه
20 قال وقد كان عرض لي منذ سنين صداع مبرح عن امتلاء في عروق الرأس ففصدت فلم يسكن وأعدت الفصد مرارا وهو باق على حاله فرأيت جالينوس في النوم وقد أمرني أن أقرأ عليه حيلة البرء فقرأت عليه منها سبع مقالات فلما بلغت إلى آخر السابعة قال نسيت ما بك من الصداع وأمرني أن أحجم القمحدوة من الرأس ثم استيقظت فحجمتها فبرأت من الصداع على المكان وقال عبد الله بن زهر في كتاب التيسير إنني كنت قد اعتل بصري من قيئ بحراني أفرط علي فعرض لي انتشار في الحدقتين دفعة فشغل بذلك بالي فرأيت فيما يرى النائم من كان في حياته يعنى بأعمال الطب فأمرني في النوم بالاكتحال بشراب الورد وكنت في ذلك الزمان طالبا قد حذقت ولم تكن لي حنكة في الصناعة فأخبرت أبي فنظر في الأمر مليا ثم قال لي استعمل ما أمرت به في نومك فانتفعت به ثم لم أزل أستعمله إلى وقت وضعي هذا الكتاب في تقوية الأبصار أقول ومثل هذا أيضا كثير مما يحصل بالرؤيا الصادقة فإنه قد يعرض أحيانا لبعض الناس أن يروا في منامهم صفات أدوية ممن يوجدهم إياها فيكون بها برؤهم ثم تشتهر المداواة بتلك الأدوية فيما بعد القسم الثالث أن يكون قد حصل لهم شيء منها أيضا بالاتفاق والمصادفة مثل المعرفة التي حصلت لاندروماخس الثاني في إلقائه لحوم الأفاعي في الترياق والذي نشطه لذلك وأفرد ذهنه لتأليفه ثلاثة أسباب جرت على غير قصد وهذا كلامه قال أما التجربة الأولى فإنه كان يعمل عندي في بعض ضياعي في الموضع المعروف ببورنوس
21 حراثون يحرثون الأرض للزرع وكان بيني وبين الموضع نحو فرسخين وكنت أبكر إليهم لأنظر ما يعملون وأرجع إذا فرغوا وكنت أحمل لهم معي على الدابة التي تحت الغلام زادا وشرابا لتطيب أنفسهم ويتجلدوا على العمل فما زلت كذلك إلى أن حملت الغداء في بعض الأيام وكنت قد أخرجت إليهم بستوقة خضراء وفيها خمر مطينة الرأس لم تفتح مع زاد فلما أكلوا الزاد قدموا البستوقة وفتحوها فلما أدخل أحدهم يده مع كوز ليغرف منها الشراب وجد فيها أفعى قد تهرأ فأمسكوا عن الشراب وقالوا إن ههنا في هذه القرية رجلا مجذوما يتمنى الموت من شدة ما به فنسقيه من هذا الشراب ليموت ويكون لنا في ذلك أجر إذ نريحه من وصبه فمضوا إليه بزاد وسقوه من ذلك الشراب متيقنين أنه لا يعيش يومه ذلك فلما كان قريب الليل انتفخ جسمه نفخا عظيما وبقي إلى الغداة ثم سقط عنه الجلد الخارج وظهر الجلد الداخل الأحمر ولم يزل حتى صلب جلده وبرأ وعاش دهرا طويلا من غير أن يشكو علة حتى مات الموت الطبيعي الذي هو فناء الحرارة الغريزية فهذا دليل على أن لحوم الأفاعي تنفع من الأوصاب الشديدة والأمراض العتيقة في الأبدان وأما التجربة الثانية فإن أخي أبولونيوس كان ماسحا من قبل الملك على الضياع وكان كثيرا ما يخرج إليها في الأوقات الوعرة الرديئة في الصيف والشتاء فخرج ذات يوم إلى بعض القرى على سبعة فراسخ فنزل يستريح عند أصل شجرة وكان الزمان شديد الحر وأنه نام فاجتازته أفعى فنهشته في يده وكان قد ألقى يده على الأرض من شدة تعبه فانتبه بفزع وعلم أن الآفة قد لحقته ولم يكن به على القيام طاقة ليقتل الأفعى وأخذه الكرب والغشي فكتب وصية وضمنها اسمه ونسبه وموضع منزله وصفته وعلق ذلك على الشجرة كي إذا مات واجتاز به إنسان ورأى الرقعة يأخذها ويقرأها ويعلم أهله ثم استسلم للموت وكان بالقرب منه ماء قد حصل منه فضلة يسيرة في جوفه في أصل تلك الشجرة التي علق عليها الرقعة وكان قد غلبه العطش فشرب من ذلك الماء شربا كثيرا فلم يلبث الماء في جوفه حتى سكن ألمه وما كان يجده من ضربة الأفعى ثم برأ فبقي متعجبا ولم يعلم ما كان في الماء فقطع عودا من الشجرة وأقبل يفتش به الماء لأنه
22 كره أن يفتشه بيده لئلا يكون فيه أيضا شيء يؤذيه فوجد فيه أفعيين قد اقتتلا ووقعا جميعا في الماء وتهرءا فأقبل أخي إلى منزلنا صحيحا سالما أيام حياته وترك ذلك العمل الذي كان فيه واقتصر بملازمتي وكان هذا أيضا دليلا على أن لحوم الأفاعي تنفع من نهش الأفاعي والحيات والسباع الضارية وأما التجربة الثالثة فإنه كان للملك يبولوس غلام وكان شريرا غمازا خمانا فيه كل بلاء وكان كبيرا عند الملك يحبه لذلك وكان قد آذى أكثر الناس فاجتمع الوزراء والقواد والرؤساء على قتله فلم يتهيأ لهم ذلك لمكانته عند الملك فاحتال بعضهم وقال اذهبوا فاسحقوا وزن درهمين أفيونا وأطعموه إياه في طعامه أو اسقوه في شرابه فإن الموت السريع يلحق الناس كثيرا فإذا مات حملتموه إلى الملك وليس به جراحة ولا قلبه فدعوه إلى بعض البساتين فلم يتهيأ لهم أن يفعلوا ذلك في الطعام فسقوه في الشراب فلم يلبث إلا قليلا أن مات فقالوا نتركه في بعض البيوت ونختم عليه ونوكل الفعلة بباب البيت حتى نمضي إلى الملك نعلمه أنه قد مات فجأة ليبعث ثقاته ينظرونه فلما صاروا بأجمعهم إلى الملك نظر الفعلة إلى أفعى قد خرج من بين الحجر ودخل إلى البيت الذي فيه الغلام فلم يتهيأ لهم أن يدخلوا خلفه ويقتلوه لأن الباب كان مختوما فلم يلبثوا إلا ساعة والغلام يصيح بهم لم قفلتم علي الباب أعينوني قد لسعتني أفعى ومد الباب من داخل وأعانه قوام البستان من خارج فكسروه فخرج وليس به قلبه وكان هذا أيضا دليلا على أن لحوم الأفاعي تنفع من شرب الأدوية القتالة المهلكة هذا جملة ما ذكره اندروماخس ومثل هذا أيضا أعني ما حصل بالاتفاق والمصادفة أنه كان بعض المرضى بالبصرة وكان قد استسقى ويئس أهله من حياته وداووه بوصفات كثيرة من أدوية الأطباء فيئسوا منه وقالوا لا حيلة في برئه فسمع ذلك من أهله فقال لهم دعوني الآن أتزود من الدنيا وآكل كل ما عن لي ولا تقتلوني بالحمية فقالوا له كل ما تريد فكان يجلس بباب الدار فمهما جاز اشترى منه وأكل فمر به رجل يبيع جرادا مطبوخا فاشترى منه كثيرا فلما أكله انسهل بطنه من الماء الأصفر في ثلاثة أيام ما كاد به أن يتلف لإفراطه ثم إنه عندما انقطع القيام زال كل ما كان في جوفه من المرض وثابت قوته فبرأ وخرج يتصرف في حوائجه فرآه بعض الأطباء فعجب من أمره وسأله عن الخبر فعرفه فقال أن الجراد ليس من طبعه أن يفعل هذا فدلني على بائع الجراد فدله عليه فقال له من أين تصطاد هذا الجراد فخرج به إلى المكان فوجد الجراد في أرض أكثر نباتها المازريون وهو من دواء الاستسقاء وإذا دفع إلى مريض منه وزن درهم أسهل إسهالا
23 ذريعا لا يكاد أن يضبط والعلاج به خطر ولذلك ما تكاد تصفه الأطباء فلما وقع الجراد على هذه الحشيشة ونضجت في جوفه ثم طبخ الجراد ضعف فعلها وأكل الجراد فعوفي بسببها ومثل هذا أيضا أي مما حصل من طريق المصادفة والاتفاق أنه كان بافلوللن من سليلة أسقليبيوس ورم حار في ذراعه مؤلم ألما شديدا فلما أشفى منه ارتاحت نفسه إلى الخروج إلى شاطئ نهر كان عليه النبات المسمي حي العالم وأنه وضعها عليه تبردا به فخف بذلك ألمه فاستطال وضع يده عليه وأصبح من غد فعمل مثل ذلك فبرأ برءا تاما فلما رأى الناس سرعة برئه علموا إنه إنما كان بهذا الدواء وهو على ما قيل أول ما عرف من الأوية وأشباه هذه الأمثلة التي قد ذكرنا كثيرة القسم الرابع أن يكون قد حصل شيء منها أيضا بما شاهده الناس من الحيوانات واقتدى بأفعالها وتشبه بها وذلك مثل ما ذكره الرازي في كتاب الخواص أن الخطاف إذا وقع بفراخه اليرقان مضى فجاء بحجر اليرقان وهو حجر أبيض صغير يعرفه فجعله في عشه فيبرأوا وأن الإنسان إذا أراد ذلك الحجر طلى فراخه بالزعفران فيظن أنه قد أصابهم اليرقان فيمضي فيجيء به فيؤخذ ذلك الحجر ويعلق على من به اليرقان فينتفع به وكذلك أيضا شأن العقاب الأنثى أنه إذا تعسر عليها بيضها وخروجه وصعب حتى تبلغ الموت ورأى ذكرها ذلك طار وأحضر حجرا يعرف بالقلقل لأنه إذا حرك تقلقل في داخله فإذا كسر لم يوجد فيه شيء وكل قطعة منه إذا حركت تقلقلت مثل صحيحه وأكثر الناس تعرفه بحجر العقاب ويضعه فيسهل على الأنثى بيضها والناس يستعملونه في عسر الولادة على ما استنبطوه من العقاب ومثل ذلك أيضا أن الحيات إذا أظلمت أعينهن لكمونهن في الشتاء في ظلمة بطن الأرض وخرجن من مكامنهن في وقت ما يدفأ الوقت طلبن نبات الرازيانج وأمررن عيونهن عليه فيصلح ما بها
24 فلما رأى الناس ذلك وجربوه وجدوا من خاصيته إذهاب ظلمة البصر إذا اكتحل بمائة وذكر جالينوس في كتابه في الحقن عن أرودوطس أن طائرا يدعي أيبس هو الذي دل على علم الحقن وزعم أن الطير كثير الإغتذاء لا يترك شيئا من اللحوم إلا أكله فيحتبس بطنه لاجتماع الأخلاط الرديئة وكثرتها فيه فإذا اشتد ذلك عليه توجه إلى البحر فأخذ بمنقاره من ماء البحر ثم أدخله في دبره فيخرج بذلك الماء الأخلاط المحتقنة في بطنه ثم يعود إلى طعامه الذي عادته الإغتذاء به القسم الخامس أن يكون حصل شيء منها أيضا بطريق الإلهام كما هو لكثير من الحيوانات فإنه يقال أن البازي إذا اشتكى جوفه عمد إلى طائر معروف يسميه اليونانيون ذريفوس فيصيده ويأكل من كبده فيسكن وجعه على الحال وكما تشاهد عليه أيضا السنانير فإنها في أوقات الربيع تأكل الحشيش فإن عدمت الحشيش عدلت إلى خوص المكانس فتأكله ومعلوم أن ذلك ليس مما كانت تغتذي به أولا وإنما دعاها إلى ذلك الإلهام لفعل ما جعله الله تعالى سببا لصحة أبدانها ولا تزال كذلك إلى أن تحس بالصحة المأنوس إليها بالطبع فتكف عن أكله وكذلك أيضا متى نالها أذى من بعض الحيوانات المؤذية ذات السموم وأكلت شيئا منها فإنها تقصد إلى السيرج وإلى مواضع الزيت فتنال منه ذلك يسكن عنها سورة ما تجده ويحكى أن الدواب إذا أكلت الدفلى في ربيعها أضر ذلك بها فتسارع إلى حشيشة هي بادزهر للدفلى فترتعيها ويكون بها برؤها ومما يحقق ذلك حالة جرت من قريب وهي أن بهاء الدين بن
25 نفادة الكاتب حكى أنه لما كان متوجها إلى الكرك كان في طريقه بالطليل وهي منزلة كثيرة نبات الدفلى فنزل هو وآخر في مكان منها وإلى جانبهم هذا النبات فربط الغلمان دوابهم هنالك وجعلت الدواب ترعى ما يقرب منها وأكلت من الدفلى فأما دوابه فإن غلمانه غفلوا عنها فسابت ورعت من مواضع متفرقة وأما دواب الآخر فإنها بقيت في موضعها لم تقدر على التنقل منه ولما أصبحوا وجدت دوابه في عافية ودواب الآخرين قد ماتت بأسرها في ذلك الموضع وحكى ديسقوريدس في كتابه أن المعزى البرية باقريطش إذا رميت بالنبل وبقيت في أبدانها فإنها ترعى النبات الذي يقال له المشكطرامشير وهو نوع من الفوتنج فيتساقط عنها ما رميت به ولم يضرها شيء منه وحدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكرندي أن اللقلق يعشش في أعلى القباب والمواضع المرتفعة وأن له عدوا من الطيور يتقصده أبدا ويأتي إلى عشه ويكسر البيض الذي فيه قال وإن ثم حشيشة من خاصيتها أن عدو اللقلق إذا شم رائحتها يغمى فيأتي بها اللقلق إلى عشه ويجعلها تحت بيضه فلا يقدر العدو عليها وذكر أوحد الزمان في المعتبر أن القنفذ لبيته أبواب يسدها ويفتحها عند هبوب الرياح التي تؤذيه وتوافقه وحكى أن إنسانا رأى الحباري تقاتل الأفعى وتنهزم عنها إلى بقلة تتناول منها ثم تعود لقتالها وأن هذا الإنسان عاينها فنهض إلى البقلة فقطعها عند اشتغال الحباري بالقتال فعادت الحباري إلى منبتها ففقدتها وطافت عليها فلم تجدها فخرت ميتة فقد كانت تتعالج بها قال وابن عرس يستظهر في قتال الحية بأكل السذاب والكلاب إذا دودت بطونها أكلت السنبل وتقيأت واستطلقت وإذا جرح اللقلق داوى جراحه بالصعتر الجبلي والثور يفرق بين الحشائش المتشابهة في صورها ويعرف ما يوافقه منها فيرعاه وما لا يوافقه فيتركه مع نهمه وكثرة أكله وبلادة ذهنه ومثل هذا كثير
26 فإذا كانت الحيوانات التي لا عقول لها ألهمت مصالحها ومنافعها كان الإنسان العاقل المميز المكلف الذي هو أفضل الحيوان أولى بذلك وهذا أكبر حجة لمن يعتقد أن الطب إنما هو إلهام وهداية من الله سبحانه لخلقه وبالجملة فإنه قد يكون من هذا ومما وقع بالتجربة والاتفاق والمصادفة أكثر ما حصلوه من هذه الصناعة ثم تكاثر ذلك بينهم وعضده القياس بحسب ما شاهدوه وأدتهم إليه فطرتهم فاجتمع لهم من جميع تلك الأجزاء التي حصلت لهم بهذه الطرق المتفننة المختلفة أشياء كثيرة ثم أنهم تأملوا تلك الأشياء واستخرجوا عللها والمناسبات التي بينها فتحصل لهم من ذلك قوانين كلية ومبادئ منها يبتدأ بالتعلم والتعليم وإلى ما أدركوه منها أولا ينتهي فعند الكمال يتدرج في التعليم من الكليات إلى الجزئيات وعند استنباطها يتدرج من الجزئيات إلى الكليات وأقول أيضا وقد أشرنا إلى ذلك من قبل أنه ليس يلزم أن يكون أول هذا مختصا بموضع دون موضع ولا يفرد به قوم دون آخرين إلا بحسب الأكثر والأقل وبحسب تنوع المداواة ولهذا فإن كل قوم هم مصطلحون على أدوية يألفونها ويتداوون بها وأرى أنهم إنما اختلفوا في نسبة صناعة الطب إلى قوم بحسب ما قد كان يتجدد عند قوم فينسب إليهم فإنه قد يمكن أن تكون صناعة الطب في أمة أو في بقعة من الأرض فتدثر وتبيد بأسباب سماوية أو أرضية كالطواعين المفنية والقحوط المجلية والحروب المبيدة و الملوك المتغلبة والسير المخالفة فإذا انقرضت في أمة ونشأت في أمة أخرى وتطاول الزمان عليها نسي ما تقدم وصارت الصناعة تنسب إلى الأمة الثانية دون الأولى ويعتبر أولها بالقياس إليهم فقط فيقال لها مذ ظهرت كذا وكذا وإنما يعنى في الحقيقة مذ ظهرت في هذه الأمة خاصة وهذا مما لا يبعد فإنه على ما تواترت به الآثار وخصوصا ما حكاه جالينوس وغيره أن أبقراط لما رأى صناعة الطب قد كادت أن تبيد وأنه قد درست معالمها عن آل أسقليبيوس الذين أبو أبقراط منهم تداركها بأن أظهرها وبثها في الغرباء وقواها ونشرها وشهرها بأن أثبتها بالكتب فلهذا يقال أيضا على ما ذهب إليه كثير من الناس أن أبقراط أول من وضع صناعة الطب وأول من دونها وليس الحق على ما تواترت به الآثار إلا أنه أول من دونها من آل أسقليبيوس لتعليم كل من يصلح لتعلمها من الناس كافة ومثله سلك الأطباء من بعده واستمر إلى الآن وأسقليبيوس الأول هو أول من تكلم في شيء من الطب على ما سيأتي ذكره
27 الباب الثاني طبقات الأطباء الذين ظهرت لهم أجزاء من صناعة الطب وكانوا المبتدئين بها أسقليبيوس قد اتفق كثير من قدماء الفلاسفة والمتطببين على أن أسقليبيوس كما أشرنا إليه أولا هو أول من ذكر من الأطباء وأول من تكلم في شيء من الطب على طريق التجربة وكان يونانيا واليونان منسوبون إلى يونان وهي جزيرة كانت الحكماء من الروم ينزلونها وقال أبو معشر في المقالة الثانية من كتاب الألوف أن بلدة من المغرب كانت تسمى في قديم الدهر أرغس وكان أهلها يسمون أرغيوا وسميت المدينة بعد ذلك أيونيا وسموا أهلها يونانيين باسم بلدهم وكان ملكها أحد ملوك الطوائف ويقال أن أول من اجتمع له ملك مدينة أيونيا من ملوك اليونانيين كان اسمه أيوليوس وكان لقبه دقطاطر ملكهم ثماني عشرة سنة ووضع لليونانيين سننا كثيرة مستعملة عندهم وقال الشيخ الجليل أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي في تعاليقه أن
29 أسقليبيوس بن زيوس قالوا مولده روحاني وهو إمام الطب وأبو أكثر الفلاسفة قال وأقليدس ينسب إليه وأفلاطون وأرسطوطاليس وبقراط وأكثر اليونانية قال وبقراط كان السادس عشر من أولاده يعني البطن السادس عشر من أولاده وقال سولون أخو أسقليبيوس وهو أبو واضع النواميس أقول وترجمة أسقليبيوس بالعربي منع اليبس وقيل إن أصل هذا الاسم في لسان اليونانيين مشتق من البهاء والنور وكان أسقليبيوس على ما وجد في أخبار الجبابرة بالسريانية ذكي الطبع قوي الفهم حريصا مجتهدا في علم صناعة الطب واتفقت له اتفاقات حميدة معينة على التمهر في هذه الصناعة وانكشفت له أمور عجيبة من أحوال العلاج بإلهام من الله عز وجل وحكي إنه وجد علم الطب في هيكل كان لهم برومية يعرف بهيكل أبلن وهو للشمس ويقال أن أسقليبيوس هو الذي أوضع هذا الهيكل ويعرف بهيكل أسقليبيوس ومما يحقق ذلك أن جالينوس قال في كتابه في فينكس إن الله عز اسمه لما خلصني من دبيلة قتالة كانت عرضت لي حججت إلى بيته المسمى بهيكل أسقليبيوس وقال جالينوس في كتابه حيلة البرء في صدر الكتاب مما يجب أن يحقق الطب عند العامة ما يرونه من الطب الإلهي في هيكل أسقليبيوس على ما حكاه هروسيس صاحب القصص بيت كان بمدينة رومية كانت فيه صورة تكلمهم عندما يسألونها وكان المستنبط لها في القديم أسقليبيوس وزعم مجوس رومية أن تلك الصورة كانت منصوبة على حركات نجومية وإنه كان فيها روحانية كوكب من الكواكب السبعة وكان دين النصرانية في رومية قبل عبادة النجوم كذا حكى هروسيس وذكر جالينوس أيضا في مواضع كثيرة أن طب أسقليبيوس كان طبا إلهيا وقال إن قياس الطب الإلهي إلى طبنا قياس طبنا إلى طب الطرقات وذكر أيضا في حق أسقليبيوس في كتابه الذي ألفه في الحث على تعلم صناعة الطب أن الله تعالى أوحى إلى أسقليبيوس إني إلى أن أسميك ملكا أقرب منك إلى أن أسميك إنسانا وقال أبقراط إن الله تعالى رفعه إليه في الهواء في عمود من نور وقال غيره أن أسقليبيوس كان معظما عند اليونانيين وكانوا يستشفون بقبره ويقال إنه كان يسرج على قبره كل ليلة ألف قنديل وكان الملوك من نسله تدعي له النبوة
30 وذكر أفلاطون في كتابه المعروف بالنواميس عن أسقليبيوس أشياء عدة من أخباره بمغيبات وحكايات عجيبة ظهرت عنه بتأييد إلهي وشاهدها الناس كما قاله وأخبر به وقال في المقالة الثالثة من كتاب السياسة إن أسقليبيوس كان هو وأولاده عالمين بالسياسة وكان أولاده جندا فرهة وكانوا عالمين بالطب وقال إن أسقليبيوس كان يرى أن من كان به مرض يبرأ منه عالجه ومن كان مرضه قاتلا لم يطل حياته التي لا تنفعه ولا تنفع غيره أي يترك علاجه له وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم إن أسقليبيوس هذا كان تلميذ هرمس وكان يسافر معه فلما خرجا من بلاد الهند وجاءا إلى فارس خلفه ببابل ليضبط الشرع فيهم قال وأما هرمس هذا فهو هرمس الأول ولفظه أرمس وهو اسم عطارد ويسمى عند اليونانيين أطرسمين وعند العرب إدريس وعند العبرانيين أخنوخ وهو ابن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهم السلام ومولده بمصر في مدينة منف منها قال وكانت مدته على الأرض اثنتين وثمانين سنة وقال غيره ثلاثمائة وخمسا وستين سنة قال المبشر ابن فاتك وكان عليه السلام رجلا آدم اللون تام القامة أجلح حسن الوجه كث اللحية مليح التخاطيط تام الباع عريض المنكبين ضخم العظام قليل اللحم براق العين أكحل متأنيا في كلامه كثير الصمت ساكن الأعضاء إذا مشى أكثر نظره إلى الأرض كثير الفكرة به حدة وعبسة يحرك إذا تكلم سبابته وقال غيره إن أسقليبيوس كان قبل الطوفان الكبير وهو تلميذ أغاثوذيمون المصري وكان أغاثوذيمون أحد أنبياء اليونانيين والمصرين وتفسير أغاثوذيمون السعيد الجد وكان أسقليبيوس هذا هو البادئ بصناعة الطب في اليونانيين علمها بنيه وحذر عليهم أن يعلموها الغرباء وأما أبو معشر البلخي المنجم فإنه ذكر في كتاب الألوف إن أسقليبيوس هذا لم يكن بالمتأله الأول في صناعة الطب ولا بالمبتدئ بها بل أنه عن غيره أخذ وعلى نهج من سبقه سلك وذكر أنه كان تلميذ هرمس المصري وقال إن الهرامسة كانوا ثلاثة أما هرمس الأول وهو المثلث بالنعم فإنه كان قبل الطوفان ومعنى هرمس لقب كما يقال قيصر وكسرى وتسميه الفرس في سيرها اللهجد وتفسيره ذو عدل وهو الذي تذكر الحرانية
31 نبوته وتذكر الفرس أن جده كيومرث وهو آدم ويذكر العبرانيون أنه أخنوخ وهو بالعربية إدريس قال أبو معشر هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية وأن جده كيومرث وهو آدم علمه ساعات الليل والنهار وهو أول من بنى الهياكل ومجد الله فيها وأول من نظر في الطب وتكلم فيه وأنه ألف لأهل زمانه كتبا كثيرة بأشعار موزونة وقواف معلومة بلغة أهل زمانه في معرفة الأشياء الأرضية والعلوية وهو أول من أنذر بالطوفان ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار وكان مسكنه صعيد مصر تخير ذلك فبنى هناك الأهرام ومدائن التراب وخاف ذهاب العلم بالطوفان فبنى البرابي وهو الجبل المعروف بالبرابر بأخميم وصور فيها جميع الصناعات وصناعها نقشا وصور جميع آلات الصناع وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده برسوم حرصا منه على تخليد العلوم لمن بعده وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم وثبت في الأثر المروي عن السلف أن إدريس أول من درس الكتب ونظر في العلوم وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة وهو أول من خاط الثياب ولبسها ورفعه الله مكانا عليا وأما هرمس الثاني فإنه من أهل بابل سكن مدينة الكلدانيين وهي بابل وكان بعد الطوفان في زمن نزيربال الذي هو أول من بنى مدينة بابل بعد نمرود بن كوش وكان بارعا في علم الطب والفلسفة وعارفا بطبائع الأعداد وكان تلميذه فيثاغورس الأرتماطيقي وهرمس هذا جدد من علم الطب والفلسفة وعلم العدد ما كان قد درس بالطوفان ببابل ومدينة الكلدانيين هذه مدينة الفلاسفة من أهل المشرق وفلاسفتهم أول من حدد الحدود ورتب القوانين وأما هرمس الثالث فإنه سكن مدينة مصر وكان بعد الطوفان وهو صاحب كتاب الحيوانات ذوات السموم وكان طبيبا فيلسوفا وعالما بطبائع الأدوية القتالة والحيوانات المؤذية وكان جوالا في البلاد طوافا بها عالما بنصبة المدائن وطبائعها وطبائع أهلها وله كلام حسن في صناعة الكيمياء نفيس يتعلق منه إلى صناعات كثيرة كالزجاج والخرز والغضار وما أشبه ذلك وكان له
32 تلميذ يعرف بأسقليبيوس وكان مسكنه بأرض الشام رجع الكلام إلى ذكر أسقليبيوس وبلغ من أمر أسقليبيوس أن أبرأ المرضى الذين يئس الناس من برئهم ولما شاهده الناس من أفعاله ظن العامة أنه يحيي الموتى وأنشد فيه شعراء اليونانيين الأشعار العجيبة وضمنوها أنه يحيي الموتى ويرد كل من مات إلى الدنيا وزعموا أن الله تعالى رفعه إليه تكرمة له وإجلالا وصيره في عديد الملائكة ويقال أنه إدريس عليه السلام وقال يحيى النحوي إن أسقليبيوس عاش تسعين سنة منها صبي وقبل أن تفتتح له القوة الإلهية خمسين سنة وعالم معلم أربعين سنة وخلف ابنين ماهرين في صناعة الطب وعهد إليهما أن لا يعلما الطب إلا لأولادهما وأهل بيته وأن لا يدخلا في صناعة الطب غريبا وعهد إلى من يأتي بعده كذلك وأمرهم بأمرين أحدهما أن يسكنوا وسط المعمور من أرض اليونانيين وذلك في ثلاث جزائر منها قو جزيرة أبقراط والثاني أن لا تخرج صناعة الطب إلى الغرباء بل يعلمها الآباء الأبناء وكان ابنا أسقليبيوس مع أغاممنون لما سار لفتح طرياس وكان يكرمهما غاية الكرامة ويشرفهما لعلو محلهما في العلم ومن خط ثابت بن قرة الحراني لما ذكر البقارطة قال ويقال إنه كان في جميع أقاليم الأرض لأسقليبيوس اثنا عشر ألف تلميذ وإنه كان يعلم الطب مشافهة وكان آل أسقليبيوس يتوارثون صناعة الطب إلى أن تضعضع الأمر في صناعة الطب على زمن بقراط ورأى أن أهل بيته وشيعته قد قلوا ولم يأمن أن تنقرض الصناعة فابتدأ في تأليف الكتب على جهة الإيجاز وقد ذكر جالينوس في تفسيره لكتاب إيمان أبقراط وعهده من أمر أسقليبيوس ما هذا نصه قال الذي تناهى إلينا من قصة أسقليبيوس قولان أحدهما لغز والآخر طبيعي أما اللغز فيذهب فيه إلى أنه قوة من قوى الله تبارك وتعالى واشتق لها هذا الاسم من فعلها وهو
33 منع اليبس قال حنين لما كان الموت إنما يعرض عند غلبة اليبس والبرد وكان هذان جميعا يخفقان البدن الميت سميت بهذا السبب المهنة التي تحفظ على الأبدان القائمة حرارتها ورطوبتها كيما تلبث على الحياة باسم يدل على عدمان اليبس وقال جالينوس فيقولون أنه ابن أفوللن وابن فلاغواس وقورونس مهديته وأنه مركب من مائت وغير قابل للموت فيدلون بهذا القول على أن عنايته بالناس لأنه من جنسه وأن له طبيعة لا تموت أفضل من طبيعة الإنسان وإنما اشتق له الشاعر هذا الاسم أعني أسقليبيوس من أعمال الطب وأما قولهم أنه ابن فلاغواس فلأن هذا الاسم مشتق من اسم اللهيب أعني ابن القوة الملهبة الحيوانية قال حنين إنما سمي بهذا الاسم لأن الحياة تكون بحفظ الحرارة الغريزية التي في القلب والكبد اشتق لها اسم من اللهيب لأنها من جنس النار قال جالينوس وأما قولهم أنه ابن قورونس فلأن هذا الاسم مشتق من الشبع واستفادة الصحة قال حنين إنما سمي بهذا الاسم ليدل على أن الشبع من الطعام والشراب إنما يتم للإنسان بصناعة الطب إذا انهضم طعامه لأن حفظ الصحة إنما يكون بهذه المهنة وكذلك أيضا ردها إذا زالت قال جالينوس وأما قولهم أنه ابن أفوللن فلأن الطبيب يحتاج أن يكون معه شيء من التهكن لأنه ليس من الواجب أن يخلو الطبيب الفاضل من معرفة الأشياء الحادثة فيما بعد قال حنين يعني تقدمة المعرفة الطبية قال جالينوس وقد آن لنا أيضا أن نتكلم في صورة أسقليبيوس وثيابه وتمكنه وذلك أن الأقاويل التي نجدها مكتوبة في تألهه إنما تليق بالخرافات لا بالحق ومن المشهور من أمره أنه رفع إلى الملائكة في عمود من نار كما يقال في ديونوسس وأيرقليس وسائر من أشبههما ممن عني بنفع الناس واجتهد في ذلك وبالجملة يقال أن الله تبارك وتعالى فعل بأسقليبيوس وسائر من أشبهه هذا الفعل كيما يفني الجزء الميت الأرضي منه بالنار ثم يجتذب بعد ذلك جزءه الذي لا يقبل الموت ويرفع نفسه إلى السماء قال حنين جالينوس في هذا الموضع يبين كيف يكون تشبه الإنسان بالله تبارك وتعالى وذلك أنه يقول إن الإنسان إذا أباد شهواته الجسمانية بنار الصبر والإمساك عنها وهي التي يريد بها جزءه الميت الأرضي وزين نفسه الناطقة بعد النفي من هذه الشهوات بالفضائل وهي التي يريد بها الارتفاع إلى السماء كان شبيها بالله تبارك وتعالى قال جالينوس وأما صورته فصورة رجل ملتح متزين بجمة ذات ذوائب ومما يبحث من
34 أمر السبب في تصويره ملتحيا وتصير أبيه أمرد فبعض الناس يقول إنه صور وصيغ بهذه الحال لأنه في وقت ما أصعده الله إليه كان كذلك والبعض قال إن السبب في ذلك أن صناعته تحتاج إلى العفة والشيخوخة وبعض الناس قال إن السبب في تجاوزه في الحذق بصناعة الطب أباه وإذا تأملته وجدته قائما متشمرا مجموع الثياب فيدل بهذا الشكل على أنه ينبغي للأطباء أن يتفلسفوا في جميع الأوقات وترى الأعضاء منه التي يستحى من تكشفها مستورة والأعضاء التي يحتاج إلى استعمال الصناعة بها معراة مكشوفة ويصور آخذا بيده عصا معوجة ذات شعب من شجرة الخطمي فيدل بذلك على أنه يمكن في صناعة الطب أن يبلغ بمن استعملها من السن أن يحتاج إلى عصا يتكئ عليها أو لأن من أعطاه الله تبارك وتعالى بعض العطايا يؤهل لإعطاء عصا بمنزلة ما وهب لإيفاسطس وزوس وهرمس وبهذه العصا نجد زوس يقر أعين من يحب من الناس فينبه بها أيضا النيام وأما تصويرهم تلك العصا من شجرة الخطمي فلأنه يطرد وينفي كل مرض قال حنين نبات الخطمي لما كان دواء يسخن إسخانا معتدلا تهيأ فيه أن يكون علاجا كثير المنافع إذا استعمل مفردا وحده وإذا خلط بمواد أخر ما أسخن منه أو ما أبرد كما بين ذلك ديسقوريدس وسائر من تكلم فيه ولهذا السبب نجد اسمه في اللسان اليوناني مشتقا من اسم العلاجات وذلك أنهم يدلون بهذا الاسم على أن الخطمي فيه منافع كثيرة وقال جالينوس وأما إعوجاجها وكثرة شعبها فتدل على كثرة الأصناف والتفنن الموجود في صناعة الطب ولن نجدهم أيضا تركوا تلك العصا بغير زينة ولا تهيئة لكنهم صوروا عليها صورة حيوان طويل العمر ملتف عليها وهو التنين ويقرب هذا الحيوان من أسقليبيوس لأسباب كثيرة أحدها أنه حيوان حاد النظر كثير السهر لا ينام في وقت من الأوقات وقد ينبغي لمن قصد تعلم صناعة الطب أن لا يتشاغل عنها بالنوم ويكون في غاية الذكاء ليمكنه أن يتقدم فينذر بما هو حاضر وبما من شأنه أن يحدث وذلك أنك تجد أبقراط يشير بهذا الفعل في قوله إني أرى أنه من أفضل الأمور أن يستعمل الطبيب سابق النظر وذلك أنه إذا سبق فعلم وتقدم فأنذر المرضى بالشيء الحاضر مما بهم وما مضى وما يستأنف وقد يقال أيضا في تصوير التنين على العصا الماسك لها أسقليبيوس قول آخر وهو هذا قالوا هذا الحيوان أعني التنين طويل العمر جدا حتى إن حياته يقال أنها الدهر كله وقد يمكن في المستعملين لصناعة الطب أن تطول أعمارهم من ذلك أنا نجد ديموقريطس وأيرودوطس عندما استعملوا الوصايا التي تأمر بها صناعة الطب طالت حياتهم جدا فكما أن هذا الحيوان أعني التنين
35 يسلخ عنه لباسه الذي يسميه اليونانيون الشيخوخة كذلك أيضا قد يمكن الناس باستعمال صناعة الطب إذا سلخوا عنهم الشيخوخة التي تفيدهم إياها الأمراض أن يستفيدوا الصحة وإذا صوروا أسقليبيوس جعل على رأسه إكليل متخذ من شجر الغار لأن هذه الشجرة تذهب بالحزن ولهذا نجد هرمس إذ سمي المهيب كلل بمثل هذا الإكليل فإن الأطباء ينبغي لهم أن يصرفوا عنهم الأحزان كذلك كلل اسقليبوس بإكليل يذهب بالحزن أو لأن الإكليل كان يعم صناعة الطب والكهانة رأوا أنه ينبغي أن يكون الإكليل الذي يتكلل به الأطباء والمتكهنون إكليلا واحدا بعينه أو لأن هذه الشجرة أيضا فيها قوة تشفي الأمراض من ذلك إنك تجدها إذا ألقيت في بعض المواضع هربت من ذلك الموضع الهوام ذوات السموم وكذلك أيضا النبت المسمى قونورا وثمرة هذه الشجرة أيضا وهي التي تسمى حب الغار إذا مرخ بها البدن فعلت فيه شبيها بفعل الجند بيدستر وإذا صوروا ذلك التنين جعلوا بيده بيضه يومون بذلك إلى أن هذا العالم كله يحتاج إلى الطب ومثال الكل مثال البيضة وقد ينبغي لنا أن نتكلم أيضا في الذبائح التي تذبح باسم أسقليبيوس تقربا إلى الله تبارك وتعالى فنقول أنه لم يوجد أحد قرب لله قربانا باسم أسقليبيوس في وقت من الأوقات شيئا من الماعز وذلك لأن شعر هذا الحيوان لا يسهل غزله بمنزلة الصوف ومن أكثر من لحمه سهل وقوعه في أمراض الصرع لأن الغذاء المتولد عنه رديء الكيموس مجفف غليظ حريف يميل إلى الدم السوداوي قال جالينوس بل إنما نجد الناس يقربون إلى الله تبارك وتعالى باسم أسقليبيوس ديكة ويروون أيضا أن سقراط قرب له هذه الذبيحة فبهذه الحال علم هذا الرجل الإلهي الناس صناعة الطب قنية ثابتة أفضل كثيرا من الأشياء التي استخرجها ديونوسس وديميطر قال حنين يعني باستخراج ديونوسس الخمر وذلك أن اليونانيين يرون أن أول من استخرج الخمر ديونوسس ويومي الشعراء بهذا الاسم إلى القوة التي إذا غيرت الماء في الكرمة أعدته ليكون الخمرة والسرور المتولد عنها في شرابها وأما استخراج ديميطر فالخبز وسائر الحبوب التي يتخذ منها ولهذا نجدهم يسمون هذه الحبوب بهذا الاسم وقد تسمي الشعراء بهذا الاسم أيضا الأرض المخرجة للحبوب وأما استخراج أسقليبيوس فيعني به الصحة وهي التي لا يمكن دونها أن يفتني شيء من الأشياء التي ينتفع بها أو يلتذ قال جالينوس وذلك أن ما استخرجه هذان لا ينتفع به ما لم يكن استخراج أسقليبيوس موجودا وأما صورة الكرسي الذي يقعد عليه أسقليبيوس فصورة القوة التي تستفاد بها الصحة وهي أشرف
36 القوى كما قال بعض الشعراء وذلك إنا نجد الشعراء بأجمعهم يمدحون هذه القوة ويمجدونها أما أحدهم ففي قوله إنها المتقدمة في الشرف على جميع الأبرار في خيرك أكون باقي حياتي وأما شاعر آخر فقال إنها المتقدمة في الشرف على جميع الأبرار إياك أسأل أن أؤهل قبل جميع الخيرات وبالجملة فقول القائل أي الخيرات من اليسار أو الأبناء أو الملك يتساوى في القوة عند سائر الناس أليس كله شيئا إنما يكون ناصرا ملتذا للخيرات بسبب الصحة إنها البرة المؤهلة لهذا الاسم وإنما ذلك لأن الصحة خير في غاية التمام لا متوسط فيها بين الخير والشر ولا في الدرجة الثانية من الخير كما ظن قوم من الفلاسفة وهم المعروفون بالمشائين وبأصحاب المظلة وذلك أن شرف سائر الفضائل التي يعنى بها الناس عناية بالغة في جميع أيام حياتهم إنما هي بسبب الصحة من ذلك إنا نجد من رام أن يبين شجاعة وشدة ومحاربة للأعداء ودفعهم عن الأولياء جهادا دونهم إنما يفعل ذلك باستعماله قوة البدن واستعمال الإنسان العدل بأن يعطي كل ذي حق حقه ويفعل كل ما يحب أن يفعل ويحفظ النواميس ويصحح في كل ما يراه ويفعله لا يمكن أن يتم خلوا من الصحة وسبب الخلاص أيضا إنما يرى أن تمامه إنما يكون بالصحة وذلك أنه بمنزلة المولود عنها وبالجملة فأي الناس رام أن يقول بسبب اعتقاد رأي من الآراء وإقناع باطل مموه أن قصده ليس هو اقتناء الصحة فإنما ذلك القول منه بلسانه فقط فإذا أقر بالحق قال إن الصحة بالحقيقة هي الخير الذي في غاية التمام فهذه القوة أولها الناس أن تكون كرسيا للإنسان المدبر لصناعة الطب واسم هذه القوة أيضا مشتق على الحقيقة وذلك أن اسمها في اللسان اليوناني مشتق من اسم الرطوبة لأن الصحة إنما تتم لنا بالرطوبة كما دل على ذلك في بعض المواضع أحد الشعراء في قوله الإنسان الرطب وإذا تأملت صورة أسقليبيوس وجدته قاعدا متكئا على رجال مصورين حوله وذلك واجب لأنه ينبغي أن يكون ثابتا لا يزول من بين الناس ويصور عليه تنين ملتف حوله وقد خبرت سبب ذلك فيما تقدم ومن الآداب والحكم التي لأسقليبيوس مما ذكره الأمير أبو الوفاء المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم قال أسقليبيوس من عرف الأيام لم يغفل الاستعداد وقال
37 أن أحدكم بين نعمة من بارئه وبين ذنب عمله وما يصلح هاتين الحالتين إلا الحمد للمنعم والاستغفار من الذنب وقال كم من دهر ذممتموه فلما صرتم إلى غيره حمدتموه وكم من أمر أبغضت أوائله وبكي عند أواخره عليه وقال المتعبد بغير معرفة كحمار الطاحون يدور ولا يبرح ولا يدري ما هو فاعل وقال فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها وقال إعطاء الفاجر تقوية له على فجوره والصنيعة عند الكفور إضاعة للنعمة وتعليم الجاهل ازدياد في الجهل ومسألة اللئيم إهانة للعرض وقال إني لأعجب ممن يحتمي من المآكل الرديئة مخافة الضرر ولا يدع الذنوب مخافة الآخرة وقال أكثروا من الصمت فإنه سلامة من المقت واستعملوا الصدق فإنه زين النطق وقيل له صف لنا الدنيا فقال أمس أجل واليوم عمل وغدا أمل وقال المشفق عليكم يسيء الظن بكم والزاري عليكم كثير العتب لكم وذو البغضاء لكم قليل النصحية لكم وقال سبيل من له دين ومروءة أن يبذل لصديقه نفسه وماله ولمن يعرفه طلاقة وجهه وحسن محضره ولعدوه العدل وأن يتصاون عن كل حال يعيب أيلق ويقال له أيلة قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل إن هذا أول حكيم تكلم في الطب ببلد الروم والفرس وهو أول من استنبط كتاب الإغريقي لهيامس الملك وتكلم في الطب وقاسه وعمل به وكان بعد موسى عليه الصلاة والسلام في زمان بذاق الحاكم وله أثار عظيمة وأخبار شنيعة وهو يعد في كثرة العجائب كأسقليبيوس
38 الباب الثالث طبقات الأطباء اليونانيين الذي هم من نسل أسقليبيوس وذلك أن أسقليبيوس كما ذكرنا أولا لما حصلت له معرفة صناعة الطب بالتجربة وبقيت عنده أمور منها وشرع في تعليمها لأولاده وأقاربه عهد إليهم ألا يعلموا هذه الصناعة لأحد إلا لأولادهم ولمن هو من نسل أسقليبيوس لا غير وكان الذي خلفه أسقليبيوس من التلاميذ من ولد وقرابة ستة وهم ماغينس وسقراطون وخروسيس الطبيب ومهراريس المكذوب عليه المزور نسبه في الكتب الأولى وأنه لحق سليمان بن داود وهذا حديث خرافة لأن بينهما ألوف من السنين وموريدس وميساوس وكان كل واحد من هؤلاء ينتحل رأي أستاذه أسقليبيوس وهو رأي التجربة إذا كان الطب إنما خرج له بالتجربة ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء التلاميذ إلى من علموه من الأهل إلى أن ظهر غورس غورس هو الثاني من الأطباء الحذاق المشهورين الذين أسقليبيوس أولهم على ما ذكره يحيى النحوي وذلك أنه قال الأطباء المشهورون الذين كان يقتدى بهم في صناعة الطب من اليونانيين على ما تناهى إلينا ثمانية
39 وهم أسقليبيوس الأول وغورس وميتس وبرمانيدس وأفلاطن الطبيب وأسقليبيوس الثاني وأبقراط وجالينوس وكانت مدة حياة غورس سبعا وأربعين سنة منها صبي ومتعلم سبع عشرة سنة وعالم معلم ثلاثين سنة وكان منذ وقت وفاة أسقليبيوس الأول إلى وقت ظهور غورس ثمانمائة وخمسين سنة وكان في هذه الفترة بين أسقليبيوس وبين غورس من الأطباء المذكورين سورندوس ومانيوس وساوثاوس ومسيساندس وسقوريدس الأول وسيقلوس وسيمرياس وأنطيماخس وقلغيموس وأغانيس وأيرقلس وأسطورس الطبيب ولما ظهر غورس نظر في رأي التجربة وقواه وخلف من التلاميذ من بين ولد وقريب سبعة وهم مرقس وجورجيس ومالسطس وفولس وماهالس وأراسطواطس الأول وسقيروس وكان كل واحد من هؤلاء ينتحل رأي أستاذه وهو رأي التجربة ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء إلى من علموه من ولد وقريب إلى أن ظهر مينس ومينس هو الثالث من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته أربعا وثمانين سنة منها صبي ومتعلم أربعا وستين سنة وعالم معلم عشرين سنة وكان منذ وقت وفاة غورس إلى ظهور مينس خمسمائة وستين سنة وكان في هذه الفترة التي بين غورس ومينس من الأطباء المذكورين أبيقورس وسقوريدوس الثاني وأخطيفون وأسقوريس وراوس واسفقلس وموطيمس وأفلاطن الأول الطبيب وأبقراط الأول ابن غنوسيديقوس ولما ظهر مينس نظر في مقالات من تقدم فإذا التجربة خطأ عنده فضم إليها القياس وقال لا يجب أن تكون تجربة بلا قياس لأنها تكون خطرا ولما توفي خلف من التلاميذ أربعة وهم قطرطس وأمينس وسورانس ومثيناوس القديم ورأي هؤلاء القياس والتجربة ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء التلاميذ إلى من علموه وخلفوه إلى أن ظهر برمانيدس وبرمانيدس هو الرابع من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته
40 أربعين سنة منها صبي ومتعلم خمسا وعشرين سنة وكامل معلم خمس عشرة سنة وكان منذ وقت وفاة مينس إلى ظهور برمانيدس سبعمائة وخمس عشرة سنة وكان في هذه الفترة التي بين مينس وبرمانيدس من الأطباء المذكورين سمانس وغوانس وأبيقورس وأسطافنس وأنيقولس وساوارس وحوراطيمس وفولوس وسوانيديقوس وساموس ومثينانوس الثاني وأفيطافلون وسوناخس وسويازيوس ومامالس ولما ظهر برمانيدس قال إن التجربة وحدها كانت أو مع القياس خطر فأسقطها وأنتحل القياس وحده ولما توفي خلف من التلاميذ ثلاثة نفر وهم ثاسلس وأفرن وديوفيلس فوقع بينهم المنازعات والخلف وانفصلوا ثلاث فرق فأدعى أفرن التجربة وحدها وأدعى ديوفيلس القياس وحده وأدعى ثاسلس الحيل وذكر أن الطب إنما هو حيلة ولم تزل هذه الحال بينهم إلى أن أظهر أفلاطن الطبيب وأفلاطن الطبيب هو الخامس من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته ستين سنة منها صبي ومتعلم أربعين سنة وعالم معلم عشرين سنة وكان منذ وقت وفاة برمانيدس إلى ظهور أفلاطن سبعمائة وخمس وثلاثون سنة وكان الأطباء المذكورون في هذه الفترة التي بين برمانيدس وأفلاطن الطبيب قد تقسموا ثلاثة أقسام أصحاب التجربة وهم أفرن الأقراغنطي وبنتخلس وأنقلس وفيلنبس وغافرطيمس والحسدروس وملسيس وأصحاب الحيل وهم ماناخس وماساوس وغوريانس وغرغوريس وقونيس وأصحاب القياس وهم أنكساغورس وفولوطيمس وماخاخس وسقولوس وسوفورس ولما ظهر أفلاطن نظر في هذه المقالات وعلم أن التجربة وحدها رديئة وخطرة والقياس وحده لا يصح فانتحل الرأيين جمعيا قال يحيى النحوي وإن أفلاطون أحرق الكتب التي ألفها ثاسلس وأصحابه ومن انتحل رأيا واحدا من التجربة والقياس وترك الكتب القديمة التي فيها الرأيان جميعا وأقول أن يحيى النحوي فيما ذكره من هذه الكتب وإنها قد ألفت فإن كان لها حقيقة
41 فذلك ينافي قول من يرى أن صناعة الطب أول من دونها وأثبتها في الكتب أبقراط إذ كان هؤلاء الذين قد ألفوا هذه الكتب من قبل أبقراط بمدة طويلة ولما توفي أفلاطن خلف من تلاميذه من أولاده وأقربائه ستة وهم ميرونس وأفرده بالحكم على الأمراض وفورونوس وأفرده بالتدبير للأبدان وفوراس وأفرده بالفصد والكي وثافرورس وأفرده بعلاج الجراحات وسرجس وأفرده بعلاج العين وفانيس وأفرده بجبر العظام المكسورة وإصلاح المخلوعة ولم يزل الطب يجري أمره على سداد بين هؤلاء التلاميذ وبين من خلفوه إلى أن ظهر أسقليبيوس الثاني وأسقليبيوس الثاني هو السادس من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته مائة وعشر سنين منها صبي ومتعلم خمس عشرة سنة وعالم ومعلم خمسا وتسعين سنة منها عطل خمس سنين وكان منذ وقت وفاة أفلاطن وإلى ظهور أسقليبيوس الثاني ألف وأربعمائة وعشرون سنة وكان في هذه الفترة التي بين أفلاطن وأسقليبيوس الثاني من الأطباء المذكورين ميلن الأقراغنطي وثامسيطوس الطبيب وأقذتينوس وفرديقلوس وأندروماخس القديم وهو أول من صنع الترياق وعاش أربعين سنة وأيراقليدس الأول وعاش ستين سنة وفلاغورس وعاش خمسا وثلاثين سنة وماخميس ونسطس وسيقورس وغالوس وماباطياس وأيرقلس الطبيب وعاش مائة سنة وماناطيس وفيثاغورس الطبيب وعاش سبعين سنة ومارينوس وعاش مائة سنة ولما ظهر أسقليبيوس الثاني نظر في الآراء القديمة فوجد أن الذي يجب أن يعتقد هو رأي أفلاطن فانتحله ثم توفي وخلف ثلاثة تلاميذ من أهل بيته لا غريب فيهم ولا طبيب سواهم وهم أبقراط ابن أيراقليدس وماغارينس وأرخس ولم تمض عدة أشهر حتى توفي ماغارينس ولحقه أرخس وبقي أبقراط وحيد دهره طبيبا كامل الفضائل تضرب به الأمثال الطبيب الفيلسوف إلى أن بلغ به الأمر إلى أن عبد وهو الذي قوى صناعة القياس والتجربة تقوية عظيمة عجيبة لا يتهيأ لطاعن أن يخلها ولا يهتكها وعلم الغرباء الطب وجعلهم شبيها بأولاده لما خاف على الطب أن يفنى ويبيد من العالم كما يتبين أمره في هذا الباب الذي يأتي
42 الباب الرابع طبقات الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم صناعة الطب أبقراط ولنبتدئ أولا بذكر شيء من أخبار أبقراط على حيالها وما كان عليه من التأييد الإلهي ونذكر بعد ذلك جملا من أمر الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم هذه الصناعة وإن لم يكونوا من نسل أسقليبيوس فنقول أن أبقراط على ما تقدم ذكره وهو السابع من الأطباء الكبار المذكورين الذين أسقليبيوس أولهم وأبقراط هو من أشرف أهل بيته وأعلاهم نسبا وذلك على ما وجدته في بعض المواضع المنقولة من اليوناني أنه أبقراط بن أيراقليدس بن أبقراط بن غنوسيديقوس بن نبروس بن سوسطراطس بن ثاوذروس بن قلاوموطاداس بن قريساميس الملك فهو بالطبع الشريف الفاضل نسبا لأنه التاسع من قرياسميس الملك والثامن عشر من أسقليبيوس والعشرون من زاوس وأمه فركسيثا بنت فيناريطي من بيت أيراقليس فهو من جنسين فاضلين لأن أباه من آل أسقليبيوس وأمه من آل أيراقليس وتعلم صناعة الطب من أبيه أيراقليدس ومن جده أبقراط وهما أسرا إليه أصول صناعة الطب وكانت مدة حياة أبقراط خمسا وتسعين سنة منها صبي ومتعلم ست عشرة سنة وعالم معلم تسعا وسبعين سنة وكان منذ وقت وفاة أسقليبيوس الثاني وإلى ظهور أبقراط سنتين ولما نظر أبقراط في صناعة الطب وخاف عليها أن تنقرض عندما رأى أنها قد بادت من أكثر المواضع التي كان أسقليبيوس الأول أسس فيها التعليم وذلك أن المواضع التي يتعلم فيها صناعة الطب
43 كانت على ما ذكره جالينوس في تفسيره لكتاب الإيمان لأبقراط ثلاثة أحدها بمدينة رودس والثاني بمدينة قنيدس والثالث بمدينة قو فأما التعليم الذي كان بمدينة رودس فإنه باد بسرعة لأنه لم يكن لأربابه وارث وأما الذي كان منه بمدينة قنيدس فطفئ لأن الوارثين له كانوا نفرا يسيرا وأما الذي كان منه بمدينة قو وهي التي كان يسكنها أبقراط فثبت وبقي منه بقايا يسيرة لقلة الوارثين له فلما نظر أبقراط في صناعة الطب ووجدها قد كادت أن تبيد لقلة الأبناء المتوارثين لها من آل اسقليبيوس رأى أن يذيعها في جميع الأرض وينقلها إلى سائر الناس ويعلمها المستحقين لها حتى لا تبيد وقال إن الجود بالخير يجب أن يكون على كل أحد يستحقه قريبا كان أو بعيدا واتخذ الغرباء وعلمهم هذه الصناعة الجليلة وعهد إليهم العهد الذي كتبه وأحلفهم بالأيمان المذكورة فيه أن لا يخالفوا ما شرطه عليهم وأن لا يعلموا هذا العلم أحدا إلا بعد أخذ هذا العهد عليه وقال أبو الحسن علي بن رضوان كانت صناعة الطب قبل أبقراط كنزا وذخيرة يكنزها الآباء ويدخرونها للأبناء وكانت في أهل بيت واحد منسوب إلى أسقليبيوس وهذا الاسم أعني أسقليبيوس إما أن يكون اسما لملك بعثه الله فعلم الناس الطب وإما أن يكون قوة لله عز وجل علمت الناس الطب وكيف صرفت الحال فهو أول من علم صناعة الطب ونسب المتعلم الأول إليه على عادة القدماء في تسمية المعلم أبا للمتعلم وتناسل من المتعلم الأول أهل هذا البيت المنسوبون إلى أسقليبيوس وكان ملوك اليونانيين والعظماء منهم ولم يكونوا يمكنوا غيرهم من تعليم صناعة الطب بل كانت الصناعة فيهم خاصة يعلم الرجل منهم ولده أو ولد ولده فقط وكان تعليمهم بالمخاطبة ولم يكونوا يدونونها في الكتب وما احتاجوا إلى تدوينه في الكتب دونوه بلغز حتى لا يفهمه أحد سواهم فيفسر ذلك اللغز الأب للابن وكان الطب في الملوك والزهاد فقط يقصدون به الإحسان إلى الناس من غير أجرة ولا شرط ولم يزل كذلك إلى أن نشأ أبقراط من أهل قو ودمقراط من أهل أبديرا وكانا متعاصرين فأما دمقراط فتزهد وترك تدبير مدينته وأما أبقراط فرأى أهل بيته قد اختلفوا في صناعة الطب وتخوف أن يكون ذلك سببا لفساد الطب فعمد على أن دونه بإغماض في الكتب وكان له ولدان فاضلان وهما ثاسلس وذراقن وتلميذ فاضل وهو فولوبس فعلمهم هذه الصناعة وشعر أنها قد تخرج عن أهل أسقليبيوس إلى غيرهم فوضع عهدا استحلف فيه المتعلم لها على أن يكون لازما للطهارة
44 والفضيلة ثم وضع ناموسا عرف فيه من الذي ينبغي له أن يثعلم صناعة الطب ثم وضع وصية عرف فيها جميع ما يحتاج إليه الطبيب في نفسه أقول وهذه نسخة العهد الذي وضعه أبقراط قسم أبقراط قال أبقراط إني أقسم بالله رب الحياة والموت وواهب الصحة وخالق الشفاء وكل علاج وأقسم بأسقليبيوس وأقسم بأولياء الله من الرجال والنساء جميعا وأشهدهم جميعا على أني أفي بهذه اليمين وهذا الشرط وأرى أن المعلم لي هذه الصناعة بمنزلة آبائي وأواسيه في معاشي وإذا احتاج إلى مال واسيته وواصلته من مالي وأما الجنس المتناسل منه فأرى أنه مساو لإخوتي وأعلمهم هذه الصناعة ان احتاجوا إلى تعلمها بغير أجرة ولا شرط وأشرك أولادي وأولاد المعلم لي والتلاميذ الذين كتب عليهم الشرط أو حلفوا بالناموس الطبي في الوصايا والعلوم وسائر ما في الصناعة وأما غير هؤلاء فلا أفعل به ذلك وأقصد في جميع التدابير بقدر طاقتي منفعة المرضى وأما الأشياء التي تضر بهم وتدني منهم بالجور عليهم فامنع منها بحسب رأيي ولا أعطي إذا طلب مني دواء قتالا ولا أشير أيضا بمثل هذه المشورة وكذلك أيضا لا أرى أن أدني من النسوة فرزجة تسقط الجنين وأحفظ نفسي في تدبيري وصناعتي على الزكاة والطهارة ولا أشق أيضا عمن في مثانته حجارة ولكن أترك ذلك إلى من كانت حرفته هذا العمل وكل المنازل التي أدخلها إنما أدخل إليها لمنفعة المرضى وأنا بحال خارجة عن كل جور وظلم وفساد إرادي مقصود إليه في سائر الأشياء وفي الجماع للنساء والرجال الأحرار منهم والعبيد وأما الأشياء التي أعاينها في أوقات علاج المرضى أو أسمعها في غير أوقات علاجهم في تصرف الناس من الأشياء التي لا ينطق بها خارجا فأمسك عنها وأرى أن أمثالها لا ينطق به فمن أكمل هذه اليمين ولم يفسد شيئا كان له أن يكمل تدبيره وصناعته على أفضل الأحوال وأجملها وأن يحمده جميع الناس فيما يأتي من الزمان دائما ومن تجاوز ذلك كان بضده
45 ناموس الطب لأبقراط وهذه نسخة ناموس الطب لأبقراط قال أبقراط إن الطب أشرف الصنائع كلها إلا أن نقص فهم من ينتحلها صار سببا لسلب الناس إياها لأنه لم يوجد لها في جميع المدن عيب غير جهل من يدعيها ممن ليس بأهل للتسمي بها إذ كانوا يشبهون الأشباح التي يحضرها أصحاب الحكاية ليلهوا الناس بها فكما أنها صور لا حقيقة لها كذلك هؤلاء الأطباء بالاسم كثير وبالفعل قليل جدا وينبغي لم أراد تعلم صناعة الطب أن يكون ذا طبيعة جيدة مؤاتية وحرص شديد ورغبة تامة وأفضل ذلك كله الطبيعة لأنها إذا كانت مؤاتية فينبغي أن يقبل على التعليم ولا يضجر لينطبع في فكره ويثمر ثمارا حسنة مثل ما يرى في نبات الأرض أما الطبيعة فمثل التربة وأما منفعة التعليم فمثل الزرع وأما تربية التعليم فمثل وقوع البزر في الأرض الجيدة فمتى قدمت العناية في صناعة الطب بما ذكرنا ثم صاروا إلى المدن لم يكونوا أطباء بالاسم بل بالفعل والعلم بالطب كنز جيد وذخيرة فاخرة لمن علمه مملوء سرورا سرا وجهرا والجهل به لمن انتحله صناعة سوء وذخيرة ردية عديم السرور دائم الجزع والتهور والجزع دليل على الضعف والتهور دليل على قلة الخبر بالصناعة وصية أبقراط وهذه نسخة وصية أبقراط المعروفة بترتيب الطب قال أبقراط ينبغي أن يكون المتعلم للطب في جنسه حرا وفي طبعه جيدا حديث السن معتدل القامة متناسب الأعضاء جيد الفهم حسن الحديث صحيح الرأي عند المشورة عفيفا شجاعا غير محب للفضة مالكا لنفسه عند الغضب ولا يكون تاركا له في الغاية ولا يكون بليدا وينبغي أن يكون مشاركا للعليل مشفقا عليه حافظا للأسرار لأن كثيرا من المرضى يوقفونا على أمراض بهم لا يحبون أن يقف عليها غيرهم وينبغي أن يكون محتملا للشتيمة لأن قوما من المبرسمين وأصحاب الوسواس السوداوي
46 يقابلونا بذلك وينبغي لنا أن نحتملهم عليه ونعلم أنه ليس منهم وأن السبب فيه المرض الخارج عن الطبيعة وينبغي أن يكون حلق رأسه معتدلا مستويا لا يحلقه ولا يدعه كالجمة ولا يستقصي قص أظافير يديه ولا يتركها تعلو على أطراف أصابعه وينبغي أن تكون ثيابه بيضاء نقية لينة ولا يكون في مشيه مستعجلا لأن ذلك دليل على الطيش ولا متباطئا لأنه يدل على فتور النفس وإذا دعي إلى المريض فليقعد متربعا ويختبر منه حاله بسكون وتأن لا بقلق واضطراب فإن هذا الشكل والزي والترتيب عندي أفضل من غيره قال جالينوس في المقالة الثالثة من كتابه في أخلاق النفس أن أبقراط كان يعلم مع ما كان يعلم من الطب من أمر النجوم ما لم يكن يدانيه فيه أحد من أهل زمانه وكان يعلم أمر الأركان التي منها تركيب أبدان الحيوان وكون جميع الأجسام التي تقبل الكون والفساد وفسادها وهو أول من برهن ببراهين حقيقة هذه الأشياء التي ذكرنا وبرهن كيف يكون المرض والصحة في جميع الحيوان وفي النبات وهو الذي استنبط أجناس الأمراض وجهات مداواتها أقول فأما معالجة أبقراط ومداواته للأمراض فإنه أبدا كانت له العناية البالغة في نفع المرضى وفي مداواتهم ويقال أنه أول من جدد البيمارستان وأخترعه وأوجده وذلك أنه عمل بالقرب من داره في موضع من بستان كان له موضعا مفردا للمرضى وجعل فيه خدما يقومون بمداواتهم وسماه أخسندوكين أي مجمع المرضى وكذلك أيضا معنى لفظة البيمارستان وهو فارسي وذلك أن البيمار بالفارسي هو المرضى وستان هو الموضع أي موضع المرضى ولم يكن لأبقراط دأب على هذه الوتيرة في مدة حياته وطول بقائه إلا النظر في صناعة الطب وإيجاد قوانينها ومداواة المرضى وإيصال الراحة إليهم وإنقاذهم من عللهم وأمراضهم وقد ذكر كثيرا من قصص مرضى عالجهم في كتابه المعروف بأبيديميا وتفسير أبيديميا الأمراض الوافدة ولم يكن لأبقراط رغبة في خدمة أحد من الملوك لطلب الغنى ولا في زيادة مال يفضل عن احتياجه الضروري وفي ذلك قال جالينوس إن أبقراط لم يجب أحد ملوك الفرس العظيم الشأن المعروف عند اليونانيين بأرطخششت وهو أزدشير الفارسي جد دارا بن دارا فإنه عرض في أيام هذا الملك للفرس وباء فوجه إلى عامله بمدينة فاوان أن يحمل إلى أبقراط مائة قنطار ذهبا ويحمله بكرامة عظيمة وإجلال وأن يكون هذا المال تقدمة له ويضمن له إقطاعا بمثلها
47 وكتب إلى ملك اليونانيين يستعين به على إخراجه إليه وضمن له مهادنة سبع سنين متى أخرج أبقراط إليه فلم يجب أبقراط إلى الخروج عن بلده إلى الفرس فلما ألح عليه ملك اليونانيين في الخروج قال له أبقراط لست أبدل الفضيلة بالمال ولما عالج بردقس الملك من أمراض مرضها لم يقم عنده دهره كله وانصرف إلى علاج المساكين والفقراء الذين كانوا في بلدته وفي مدن أخرى وإن صغرت ودار هو بنفسه جميع مدن اليونانيين حتى وضع لهم كتابا في الأهوية والبلدان قال جالينوس ومن هذه حاله ليس إنما يستخف بالغنى فقط بل بالخفض والدعة ويؤثر التعب والنصب عليها في جنب الفضيلة ومن بعض التواريخ القديمة أن أبقراط كان في زمن بهمن بن أزدشير وكان بهمن قد اعتل فأنفذ إلى أهل بلد أبقراط يستدعيه فامتنعوا من ذلك وقالوا أن أخرج أبقراط من مدينتنا خرجنا جميعا وقتلنا دونه فرق لهم بهمن وأقره عندهم وظهر أبقراط سنة ست وتسعين لبختنصر وهي سنة أربع عشرة للملك بهمن قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل ورأيت حكاية طريفه لأبقراط استحلينا ذكرها لندل بها على فضله وذلك أن أفليمون صاحب الفراسة كان يزعم في فراسته أنه يستدل بتركيب الإنسان على أخلاق نفسه فاجتمع تلاميذ أبقراط وقال بعضهم لبعض هل تعلمون في دهرنا أفضل من هذا المرء الفاضل فقالوا ما نعلم فقال بعضهم تعالوا نمتحن به أفليمون فيما يدعيه من الفراسة فصوروا صورة أبقراط ثم نهضوا بها إلى أفليمون فقالوا له أيها الفاضل انظر هذا الشخص وأحكم على أخلاق نفسه من تركيبه فنظر إليه وقرن أعضاءه بعضها ببعض ثم حكم فقال رجل يحب الزنا فقالوا له كذبت هذه صورة أبقراط الحكيم فقال لهم لابد لعلمي أن يصدق فاسألوه فإن المرء لا يرضى بالكذب فرجعوا إلى أبقراط وأخبروه بالخبر وما صنعوا وما قال لهم أفليمون فقال أبقراط صدق أفليمون أحب الزنا ولكني أملك نفسي فهذا يدل على فضل أبقراط وملكه لنفسه ورياضته لها بالفضيلة أقول وقد تنسب هذه الحكاية إلى سقراط الفيلسوف وتلامذته فأما تفسير اسم أبقراط فإن معناه ضابط الخيل وقيل معناه ماسك الصحة وقيل ماسك
48 الأرواح وأصل اسمه باليونانية أيفوقراطيس ويقال هو بقراطيس وإنما العرب عادتها تخفيف الأسماء واختصار المعاني فخففت هذا الاسم فقالوا أبقراط وبقراط أيضا وقد جرى ذلك كثيرا في الشعر ويقال أيضا بالتاء أبقرات وبقرات وقال المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن أبقراط كان ربعة أبيض حسن الصورة أشهل العينين غليظ العظام ذا عصب معتدل اللحية أبيضها منحني الظهر عظيم الهامة بطيء الحركة إذا التفت التفت بكليته كثير الأطراق مصيب القول متأنيا في كلامه يكرر على السامع منه ونعلاه أبدا بين يديه إذا جلس وإن كلم أجاب وإن سكت عنه سأل وإن جلس كان نظره إلى الأرض معه مداعبة كثير الصوم قليل الأكل بيده أبدا إما مبضع وإما مرود وقال حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء إنه كان منقوشا على فص خاتم أبقراط المريض الذي يشتهي أرجى عندي من الصحيح الذي لا يشتهي شيئا ويقال أن أبقراط مات بالفالج وأوصى أن يدفن معه درج من عاج لا يعلم ما فيه فلما اجتاز قيصر الملك بقبره رآه قبرا ذليلا فأمر بتجديده لأنه كان من عادة الملوك أن يفتقدوا أحوال الحكماء في حياتهم وبعد وفاتهم لأنهم كانوا عندهم أجل الناس وأقربهم إليهم فأمر قيصر الملك بحفره فلما حفره لينظر إليه استخرج الدرج فوجد فيه الخمس والعشرين قضية في الموت التي لا يعلم العلة فيها لأنه حكم فيها بالموت إلى أوقات معينة وأيام معلومة وهي موجودة بالعربي ويقال إن جالينوس فسرها وهذا مما استبعده وإلا فلو كان ذلك حقا ووجد تفسير جالينوس لنقل إلى العربي كما قد فعل ذلك بغيره من كتب أبقراط التي فسرها جالينوس فإنها نقلت بأسرها إلى العربي ومن ألفاظ أبقراط الحكيمة ونوادره المفردة في الطب قال أبقراط الطب قياس وتجربة وقال لو خلق الإنسان من طبيعة واحدة لما مرض أحد لأنه لم يكن هناك شيء يضادها فيمرض وقال العادة إذا قدمت صارت طبيعة ثانية والزجر والفأل حس نفساني وقال أحذق الناس بأحكام النجوم أعرفهم بطبائعها وآخذهم بالتشبيه وقال الإنسان ما دام في عالم الحس فلا بد من أن يأخذ من الحس بنصيب قل أو كثر
49 وقال كل مرض معروف السبب موجود الشفاء وقال إن الناس اغتذوا في حال الصحة بأغذية السباع فأمرضتهم فغذوناهم بأغذية الطير فصحوا وقال إنما نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل وقال لا تأكل حتى تأكل وقال يتداوى كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تفزع إلى عادتها وقال الخمرة صديقة الجسم والتفاحة صديقة النفس وقيل له لم أثور ما يكون البدن إذا شرب الإنسان الدواء قال لأن أشد ما يكون البيت غبارا إذا كنس وقال لا تشرب الدواء إلا وأنت محتاج إليه فإن شربته من غير حاجة ولم يجد داء يعمل فيه وجد صحة يعمل فيها فيحدث مرضا وقال مثل المني في الظهر كمثل الماء في البئر إن نزفته فار وإن تركته غار وقال إن المجامع يقتدح من ماء الحياة وسئل في كم ينبغي للإنسان أن يجامع قال في كل سنة مرة قيل له فإن لم يقدر قال في كل شهر مرة قيل له فإن لم يقدر قال في كل أسبوع مرة قيل له فإن لم يقدر قال هي روحه أي وقت شاء يخرجها وقال أمهات لذات الدنيا أربع لذة الطعام ولذة الشراب ولذة الجماع ولذة السماع فاللذات الثلاث لا يتوصل إليها ولا إلى شيء منها إلا بتعب ومشقة ولها مضار إذا استكثر منها ولذة السماع قلت أو كثرت صافية من التعب خالصة من النصب ومن كلامه قال إذا كان الغدر بالناس طباعا كانت الثقة بكل أحد عجزا وإذا كان الرزق مقسوما كان الحرص باطلا وقال قلة العيال أحد اليسارين وقال العافية ملك خفي لا يعرف قدرها إلا من عدمها وقيل له أي العيش خير فقال الأمن مع الفقر خير من الغنى مع الخوف ورأى قوما يدفنون امرأة فقال نعم الصهر صاهرك وحكي عنه أنه أقبل بالتعليم على حدث من تلامذته فعاتبه الشيوخ على تقديمه إياه عليهم فقال لهم ألا تعلموا ما السبب في تقديمه عليكم قالوا لا فقال لهم ما أعجب ما في الدنيا فقال أحدهم السماء والأفلاك والكواكب وقال آخر الأرض وما فيها من الحيوانات والنبات وقال آخر الإنسان وتركيبه ولم يزل كل واحد منهم يقول شيئا وهو يقول لا فقال للصبي
50 ما أعجب ما في الدنيا فقال أيها الحكيم إذا كان كل ما في الدنيا عجبا فلا عجب فقال الحكيم لأجل هذا قدمته لفطنته ومن كلامه قال محاربة الشهوة أيسر من معالجة العلة وقال التخلص من الأمراض الصعبة صناعة كبيرة ودخل على عليل فقال أنا والعلة وأنت ثلاثة فإن أعنتني عليها بالقبول مني لما تسمع صرنا اثنين وانفردت العلة فقوينا عليها والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه ولما حضرته الوفاة قال خذوا جامع العلم مني من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره ومن كلامه مما ذكره حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة أنه قال منزلة لطافة القلب في الأبدان كمنزلة النواظر في الأجفان وقال للقلب آفتان وهما الغم والهم فالغم يعرض منه النوم والهم يعرض منه السهر وذلك بأن الهم فيه فكر في الخوف بما سيكون فمنه يكون السهر والغم لا فكر فيه لأنه إنما يكون بما قد مضى وانقضى وقال القلب من دم جامد والغم يهيج الحرارة الغريزية فتلك الحرارة تذيب جامد الدم ولذلك كره الغم خوف العوارض المكروهة التي تهيج الحرارة وتحمي المزاج فيحل جامد الدم فينتقض التركيب وقال من صحب السلطان فلا يجزع من قوته كما لا يجزع الغواص من ملوحة البحر وقال من أحب لنفسه الحياة أماتها وقال العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما يبلغك قليله إلى كثير وقال إن المحبة قد تقع بين العاقلين من باب تشاكلهما في العقل ولا تقع بين الأحمقين من باب تشاكلهما في الحمق لأن العقل يجري على ترتيب فيجوز أن يتفق فيه اثنان على طريق واحد والحمق لا يجري على ترتيب فلا يجوز أن يقع به اتفاق بين اثنين ومن كلامه في العشق قال العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحرص فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء ومن طغيان السوداء فساد الفكر ومع فساد يكون الفدامة ونقصان العقل ورجاء ما لم يكن وتمنى ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى
51 الجنون فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه وربما مات غما وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحا أو أسفا وربما شهق شهقة فتختفي منها روحه أربعا وعشرين ساعة فيظن أنه قد مات فيقبر وهو حي وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه ويضم عليها القلب فلا تنفرج حتى يموت وربما ارتاح وتشوق للنظر ورأى من يحب فجأة فتخرج نفسه فجأة دفعة واحدة وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب دمه ويستحيل لونه وزوال ذلك عمن هذه حاله بلطف من رب العالمين لا بتدبير من الآدميين وذلك أن المكروه العارض من سبب قائم منفرد بنفسه يتهيأ التلطف بإزالته بإزالة سببه فإذا وقع السببان وكل واحد منهما علة لصاحبه لم يكن إلى زوال واحد منهما سبيل وإذا كانت السوداء سببا لاتصال الفكر وكان اتصال الفكر سببا لاحتراق الدم والصفراء وميلهما إلى السوداء والسوداء كلما قويت قوت الفكر والفكر كلما قوي قوى السوداء فهذا الداء العياء الذي يعجز عن معالجته الأطباء ومن كلامه قال الجسد يعالج جملة من خمسة أضرب ما في الرأس بالغرغرة وما في المعدة بالقيء وما في البدن بإسهال البطن وما بين الجلدين بالعرق وما في العمق وداخل العروق بإرسال الدم وقال الصفراء بيتها المرارة وسلطانها في الكبد والبلغم بيته المعدة وسلطانه في الصدر والسوداء بيتها الطحال وسلطانها في القلب والدم بيته القلب وسلطانه في الرأس وقال لتلميذ له ليكن أفضل وسيلتك إلى الناس محبتك لهم والتفقد لأمورهم ومعرفة حالهم واصطناع المعروف إليهم ومن كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم للمبشر بن فاتك من كلام أبقراط أيضا وآدابه قال استدامة الصحة تكون بترك التكاسل عن التعب وبترك الامتلاء عن الطعام والشراب وقال إن أنت فعلت ما ينبغي على ما ينبغي أن يفعل فلم يكن ما ينبغي فلا تنتقل عما أنت عليه ما دام ما رأيته أول الأمر ثابتا وقال الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع وقال أما العقلاء فيجب أن يسقوا الخمر وأما الحمقى فيجب أن يسقوا الخربق وقال ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم
52 وقال اقنعوا بالقوت والغوا عنكم اللجاجة لتكون لكم قربى إلى الله عز وجل لأن الله سبحانه وتعالى غير محتاج إلى شيء فكلما احتجتم أكثر كنتم منه أبعد واهربوا من الشرور ذروا المآتم وأطلبوا من الخيرات الغايات وقال المالك للشيء هو المسلط عليه فمن أحب أن يكون حرا فلا يهو ما ليس له وليهرب منه وإلا صار له عبدا وقال ينبغي للمرء أن يكون في دنياه كالمدعو في الوليمة إذا أتته الكأس تناولها وإن جازته لم يرصدها ولم يقصد لطلبها وكذلك يفعل في الأهل والمال والولد وقال لتلميذ له إن أحببت أن لا تفوتك شهوتك فاشته ما يمكنك وسئل عن أشياء قبيحة فسكت عنها فقيل له لم لا تجيب عنها فقال جوابها السكوت عنها وقال الدنيا غير باقية فإذا أمكن الخير فاصطنعوه وإذا عدمتم ذلك فتحمدوا واتخذوا من الذكر أحسنه وقال لولا العمل لم يطلب العلم ولولا العلم لم يطلب العمل ولأن ادع الحق جهلا به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه وقال لا ينبغي أن تكون علة صديقك وأن طالت آلم به من تعاهدك له وكان يقول العلم روح والعمل بدن والعلم أصل والعمل فرع والعلم والد والعمل مولود وكان العمل لمكان العلم ولم يكن العلم لمكان العمل وكان يقول العمل خادم العلم والعلم غاية والعلم رائد والعمل مرسل وقال إعطاء المريض بعض ما يشتهيه أنفع من أخذه بكل ما لا يشتهيه أقول وأبقراط هو أول من دون صناعة الطب وشهرها وأظهرها كما قلنا قبل وجعل أسلوبه في تأليف كتبه على ثلاث طرائق من طرق التعليم إحداها على سبيل اللغز والثانية على غاية الإيجاز والاختصار والثالثة على طريق التساهل والتبيين والذي انتهى إلينا ذكره ووجدناه من كتب أبقراط الصحيحة يكون نحو ثلاثين كتابا والذي يدرس من كتبه لمن يقرأ صناعة الطب إذا كان درسه على أصل صحيح وترتيب جيد اثنا عشر كتابا وهي المشهورة من سائر كتبه
53 الأول كتاب الأجنة وهو ثلاث مقالات المقالة الأولى تتضمن القول في كون المني والمقالة الثانية تتضمن القول في تكون الجنين والمقالة الثالثة تتضمن القول في تكون الأعضاء الثاني كتاب طبيعة الإنسان مقالتان وهو يتضمن القول في طبائع الأبدان ومماذا تركبت الثالث كتاب الأهوية والمياه والبلدان وهو ثلاث مقالات المقالة الأولى يعرف فيها كيف نتعرف أمزجة البلدان وما تولد من الأمراض البلدية والمقالة الثانية يعرف فيها كيف نتعرف أمزجة المياه المشروبة وفصول السنة وما تولد من الأمراض البلدية والمقالة الثالثة يعرف فيها كيفية ما يبقى من الأشياء التي تولد الأمراض البلدية كائنة ما كانت الرابع كتاب الفصول سبع مقالات وضمنه تعريف جمل الطب لتكون قوانين في نفس الطبيب يقف بها على ما يتلقاه من أعمال الطب وهو يحتوي على مجمل ما أودعه في سائر كتبه وهذا ظاهر لمن تأمل فصوله فإنها تنتظم جملا وجوامع من كتابه تقدمة المعرفة وكتاب الأهوية والبلدان وكتاب الأمراض الحادة ونكتا وعيونا من كتابه المعنون بإبيديما وتفسيره الأمراض الوافدة وفصولا من كتابه في أوجاع النساء وغير ذلك من سائر كتبه الأخر الخامس كتاب تقدمة المعرفة ثلاث مقالات وضمنه تعريف العلامات التي يقف بها الطبيب على أحوال مرض في الأزمان الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل وعرف أنه إذا أخبر بالماضي وثق به المريض فاستسلم له فتمكن بذلك من علاجه على ما توجبه الصناعة وإذا عرف الحاضر قابله بما ينبغي من الأدوية وغيرها وإذا عرف المستقبل استعد له بجميع ما يقابله به قبل أن يهجم عليه بما لا يمهله في أن يتلقاه بما ينبغي السادس كتاب الأمراض الحادة وهو ثلاث مقالات المقالة الأولى تتضمن القول في تدبير الغذاء والاستفراغ في الأمراض الحادة والمقالة الثانية تتضمن المداواة بالتكميد والفصد وتركيب الأدوية المسهلة ونحو ذلك والمقالة الثالثة تتضمن القول في التدبير بالخمر وماء العسل والسكنجبين والماء البارد والاستحمام السابع كتاب أوجاع النساء مقالتان ضمنه أولا تعريف ما يعرض للمرأة من العلل بسبب احتباس الطمث ونزيفه ثم ذكر ما يعرض في وقت الحمل وبعده من الأسقام التي تعرض كثيرا الثامن كتاب الأمراض الوافدة ويسمى إبيديما وهو سبع مقالات ضمنه تعريف الأمراض
54 الوافدة وتدبيرها وعلاجها وذكر أنها صنفان أحدهما مرض واحد فقط والآخر مرض قتال يسمى الموتان ليتلقى الطبيب كل واحد منهما بما ينبغي وذكر في هذا الكتاب تذاكير وجالينوس يقول إني وغيري من المفسرين نعلم أن المقالة الرابعة والخامسة والسابعة من هذا الكتاب مدلسة ليست من كلام أبقراط وبين أن المقالة الأولى والثالثة فيهما القول في الأمراض الوافدة وأن المقالة الثانية والسادسة تذاكير أبقراط إما أن يكون أبقراط وضعها وإما أن يكون ولده أثبت لنفسه ما سمعه من أبيه على سبيل التذاكير ومن أجل ما بينه وقال جالينوس اطرح الناس النظر في المقالة الرابعة والخامسة والسابعة من هذا الكتاب فاندرست التاسع كتاب الأخلاط وهو ثلاث مقالات ويتعرف من هذا الكتاب حال الأخلاط أعني كميتها وكيفيتها وتقدمة المعرفة بالأعراض اللاحقة بها والحيلة والتأني في علاج كل واحد منها العاشر كتاب الغذاء وهو أربع مقالات ويستفاد من هذا الكتاب علل وأسباب مواد الأخلاط أعني علل الأغذية وأسبابها التي بها تزيد في البدن وتنميه وتخلف عليه بدل ما انحل منه الحادي عشر كتاب قاطيطريون أي حانوت الطبيب وهو ثلاث مقالات ويستفاد من هذا الكتاب ما يحتاج إليه من أعمال الطب التي تختص بعمل اليدين دون غيرهما من الربط والشد والجبر والخياطة ورد الخلع والتنطيل والتكميد وجميع ما يحتاج إليه وقال جالينوس إن أبقراط بنى أمره على أن هذا الكتاب أول كتاب يقرأ من كتبه وكذلك ظن به جميع المفسرين وأنا واحد منهم وسماه الحانوت الذي يجلس فيه الطبيب لعلاج المرضى والأجود أن تجعل ترجمته كتاب الأشياء التي تعمل في حانوت الطبيب الثاني عشر كتاب الكسر والجبر وهو ثلاث مقالات تتضمن كل ما يحتاج إليه الطبيب من هذا الفن ولأبقراط أيضا من الكتب وبعضها منحول إليه كتاب أوجاع العذارى كتاب في مواضع الجسد كتاب في القلب كتاب في نبات الأسنان كتاب في العين كتاب إلى بسلوس كتاب في سيلان الدم كتاب في النفخ كتاب في الحمى المحرقة كتاب في الغدد رسالة إلى ديمطريوس الملك ويعرف كتابه هذا بالمقال الشافي كتاب منافع الرطوبات كتاب الوصايا كتاب العهد ويعرف أيضا بكتاب الأيمان وضعه أبقراط للمتعلمين ولمن يعلمونه أيضا ليقتدوا به وأن لا يخالفوا ما شرطه عليهم فيه وأن ينفي بما ذكره الشنعة عليه في نقله هذه الصناعة من الوراثة إلى الإذاعة كتاب ناموس الطب كتاب الوصية المعروفة بترتيب الطب ذكر فيها ما يجب أن يكون الطبيب عليه من الشكل والزي والترتيب وغير ذلك كتاب الخلع كتاب جراحات الرأس كتاب
55 اللحوم كتاب في تقدمة معرفة الأمراض الكائنة من تغير الهواء كتاب طبائع الحيوان كتاب علامات القضايا وهو الخمس والعشرون قضية الدالة على الموت كتاب علامات البحران كتاب في حبل على حبل كتاب في المدخل إلى الطب كتاب في المولودين لسبعة أشهر كتاب في الجراح كتاب في الأسابيع كتاب في الجنون كتاب في البثور كتاب المولودين لثمانية أشهر كتاب في الفصد والحجامة كتاب في الإبطى رسالة في مسنونات أفلاطن على أرس كتاب في البول كتاب في الألوان كتاب إلى أنطيقن الملك في حفظ الصحة كتاب في الأمراض كتاب في الأحداث كتاب في المرض الأهلي وذكر جالينوس في المقالة الأولى من شرح تقدمة المعرفة عن هذا الكتاب أن أبقراط يرد فيه على من ظن أن الله تبارك وتعالى يكون سبب مرض من الأمراض كتاب إلى أقطيغيوذس قيصر ملك الروم في قسمة الإنسان على مزاج السنة كتاب طب الوحي وهذا الكتاب ذكروا أنه يتضمن كل ما كان يقع في قلبه فيستعمله فيكون كما وقع له رسالة إلى أرطحششت الكبير ملك فارس لما عرض في أيامه للفرس الموتان رسالة إلى جماعة من أهل أبديرا مدينة ديمقراطيس الحكيم جوابا عن رسالتهم إليه لاستدعائه وحضوره لعلاج ديمقراطيس كتاب اختلاف الأزمنة وإصلاح الأغذية كتاب تركيب الإنسان كتاب في استخراج النصول كتاب تقدمة القول الأول كتاب تقدمة القول الثاني ولما توفي أبقراط خلف من الأولاد والتلاميذ من آل أسقليبيوس وغيرهم أربعة عشر أما أولاده فهم أربعة ثاسلوس ودراقن وابناهما أبقراط بن ثاسلوس بن أبقراط وأبقراط بن دراقن بن أبقراط فكل واحد من ولديه كان له ولد سماه أبقراط باسم جده وأما تلامذته من أهل بيته وغيرهم فهم عشرة لاون وماسرجس وميغانوس وقولويس وهو أجل تلاميذه وخليفته من أهل بيته وأملانيسون وأسطاث وساوري وغورس وسنبلقيوس وثاثالس هذا قول يحيى النحوي وقال غيره أن أبقراط كان له اثنا عشر تلميذا لا يزيد عليهم إلا بعد الموت ولا ينقص منهم وبقوا على تلك السنة حينا في بلاد الروم في الرواق الذي كان يدرس فيه ووجدت ببعض المواضيع أن أبقراط كانت له ابنة تسمى مالانا أرسا وكان لها براعة في صناعة
56 الطب ويقال إنها كانت أبرع من أخويها والأطباء المذكورون في الفترة التي بين أبقراط وجالينوس خلا تلاميذ أبقراط في نفسه وأولاده فهم سنبلقيوس المفسر لكتب أبقراط وأنقيلاوس الأول الطبيب وأرسيسطراطس الثاني القياسي ولوقس وميلن الثاني وغالوس وميرتديطوس صاحب العقاقير وسقالس المفسر لكتب أبقراط ومانطلياس المفسر أيضا لكتاب أبقراط وغولس الطارنطائي ومغنس الحمصي صاحب كتاب البول وعاش تسعين سنة وأندروماخس القريب العهد وعاش تسعين سنة وأبراس الملقب بالبعيد وسوناخس الأثيني صاحب الأدوية والصيدلة وروفس الكبير وكان من مدينة أفسس ولم يكن في زمانه أحد مثله في صناعة الطب وقد ذكره جالينوس في بعض كتبه وفضله ونقل عنه ولروفس من الكتب كتاب الماليخوليا مقالتان وهو من أجل كتبه وكتاب الأربعين مقالة كتاب تسمية أعضاء الإنسان مقالة في العلة التي يعرض معها الفزع من الماء مقالة في اليرقان والمرار مقالة في الأمراض التي تعرض في المفاصل مقالة في تنقيص اللحم كتاب تدبير من لا يحضره طبيب مقالتان مقالة في الذبحة كتاب طب أبقراط مقالة في استعمال الشراب مقالة في علاج اللواتي لا يحبلن مقالة في قضايا حفظ الصحة مقالة في الصرع مقالة في الحمى الربع مقالة في ذات الجنب وذات الرئة كتاب التدبير مقالتان كتاب الباه مقالة كتاب الطب مقالة في الأعمال التي تعمل في البيمارستانات مقالة في اللبن مقالة في الفواق مقالة في الأبكار مقالة في التين مقالة في تدبير المسافر مقالة في البخر مقالة في القيء مقالة في الأدوية القاتلة مقالة في أدوية علل الكلى والمثانة مقالة في هل كثرة شرب الماء في الولائم نافع مقالة في الأورام الصلبة مقالة في الحفظ مقالة في علة ديونوسوس وهو القيح مقالة في الجراحات مقالة في تدبير الشيخوخة مقالة في وصايا الأطباء مقالة في الحقن مقالة في الولادة مقالة في الخلع مقالة في علاج احتباس الطمث مقالة في الأمراض المزمنة على رأي أبقراط مقالة في مراتب الأدوية مقالة فيما ينبغي للطبيب أن يسأل عنه العليل مقالة في تربية الأطفال مقالة في دوران الرأس مقالة في البول مقالة في العقار الذي يدعى سوسا مقالة في النزلة إلى الرئة مقالة في علل الكبد المزمنة مقالة في أن يعرض للرجال انقطاع التنفس مقالة في شرى المماليك مقالة في علاج صبي يصرع مقالة في تدبير الحبالى مقالة في التخمة مقالة في السذاب مقالة في العرق مقالة في أيلاوس مقالة في أبلمسيا
57 وكان من الأطباء المذكورين أيضا في الفترة التي بين أبقراط وجالينوس أبولونيوس وأرشيجانس وله أيضا كتب عدة في صناعة الطب ووجدت له من ذلك مما نقل إلى العربي كتاب أسقام الأرحام وعلاجها كتاب طبيعة الإنسان كتاب في النقرس ومن أولئك الأطباء أيضا دباسقوريدس الأول المفسر لكتب أبقراط وطيماوس الفلسطيني المفسر لكتب أبقراط أيضا ونباديطوس الملقب بموهبة الله في المعجونات وميسياوس المعروف بالمقسم للطب ومارس الحيلي الملقب بثاسلس باسم ذلك الذي ذكرناه في أصحاب الحيل وذلك لأنه وقع إليه كتاب بعد إحراق كتب ثاسلس الأول من كتب الحيليين فانتحله وقال لا صناعة غير صناعة الحيل وهي صناعة الطب الصحيحة وأراد أن يفسد الناس ويخرجهم عن اعتقادهم للقياس والتجربة ووضع في الحيل من ذلك الكتاب كتبا كثيرة فلم تزل مع الأطباء فبعض يقبلها وبعض لا حتى ظهر جالينوس فناقضه عليها وأفسدها وأحرق ما وجد منها وأبطبل هذه الصناعة الحيلية وأقريطن الملقب بالمزين وهو صاحب كتاب الزينة وقد نقل جالينوس عنه أشياء من كتابه في كتاب الميامر وأقاقيوس وجارمكسانس وأرثياثيوس وماريطوس وقاقولونس ومرقس وبرغالس وهرمس الطبيب ويولاس وحاحونا وحلمانس هؤلاء الاثنا عشر من الأطباء الذين أولهم أقريطن يعرفون بمعاضدة بعضهم لبعض وباتصال بعضهم ببعض في تأليف الأدوية لمنفعة الناس بالبروج الاثني عشر لأنها متصلة بعضها ببعض وفيلس الخلقدوني الملقب بالقادر من قبل أنه كان يتجرأ على العلاجات الصعبة ويشفيها ويعلو عليها ويقتدر ولا يخطئ له علاج وديمقراطيس الثاني وأفروسيس وأكسانقراطس وأفروديس وبطلميوس الطبيب وسقراطس الطبيب ومارقس الملقب بعاشق العلوم وسوروس وفوريس قادح العيون ونيادريطوس الملقب بالساهر وفرفوريوس التأليفي صاحب الكتب الكثيرة لأنه كان مع فلسفته مبرزا في الطب بارعا فيه قويا فمن قبل ذلك يسميه بعض الناس الفيلسوف وبعضهم الطبيب ودياسقوريدس العين زربي صاحب النفس الزكية النافع للناس المنفعة الجليلة المتعرب المنصور السائح في البلاد المقتبس لعلوم الأدوية المفردة من البراري والجزائر والبحار المصور لها المجرب المعدد لمنافعها قبل المسألة من أفاعيلها حتى إذا صحت عنده بالتجربة فوجدها قد خرجت بالمسألة غير مختلفة عن التجربة أثبت ذلك وصوره من مثله وهو رأس كل دواء مفرد وعنه أخذ جميع من جاء بعده ومنه ثقفوا على سائر ما يحتاجون إليه من الأدوية المفردة وطوبى لتلك النفس الطيبة التي شقيت بالتعب من محبتها لإيصال الخيرات إلى الناس كلهم وقال حنين ابن إسحاق إن دياسقوريدس كان اسمه عند قومه أزدش نياديش ومعناه بلغتهم
58 الخارج عنا قال حنين وذلك أنه كان معتزلا عن قومه متعلقا بالجبال ومواضع النبات مقيما بها في كل الأزمنة لا يدخل إلى قومه في طاعة ولا مشورة ولا حكم فلما كان ذلك سماه قومه بهذا الاسم ومعنى ديسقوري باليونانية أشجار ودوس باليونانية الله ومعناه أي ملهمه الله للشجر والحشائش أقول ومما يؤيد أن دياسقوريدس كان متنقلا في البلدان لمعرفة الحشائش والنظر إليها وفي منابتها قوله في صدر كتابه يخاطب الذي ألف الكتاب له وأما نحن فإنه كانت لنا كما علمت في الصغر شهوة لا تقدر في معرفة هيولى العلاج وتجولنا في ذلك بلدانا كثيرة وكان دهرنا كما قد علمت دهر من ليس له مقام في موضع واحد وكتاب دياسقوريدس هذا خمس مقالات ويوجد متصلا به أيضا مقالتان في سموم الحيوان تنسب إليه وأنها سادسة وسابعة وهذا ذكر أغراض مقالات كتاب دياسقوريدس المقالة الأولى تشتمل على ذكر أدوية عطرة الرائحة وأفاويه وأدهان وصموغ وأشجار كبار والمقالة الثانية تشتمل على ذكر الحيوانات ورطوبات الحيوان والحبوب والقطاني والبقول المأكولة والبقول الحريفة وأدوية حريفة والمقالة الثالثة تشتمل على ذكر أصول النبات وعلى نبات شوكي وعلى بزور وصموغ وعلى حشائش بازهرية المقالة الرابعة تشتمل على ذكر أدوية أكثرها حشائش باردة وعلى حشائش حارة مسهلة ومقيئة وعلى حشائش نافعة من السموم وهو ختام المقالة المقالة الخامسة تشتمل على ذكر الكرم وعلى أنواع الأشربة وعلى الأدوية المعدنية وجالينوس يقول عن هذا الكتاب إني تصفحت أربعة عشر مصحفا في الأدوية المفردة لأقوام شتى فما رأيت فيها أتم من كتاب ديسقوريدس الذي من أهل عين زربة وكان من الأطباء المذكورين أيضا في الفترة التي بين أبقراط وجالينوس بلاديوس المفسر لكتب أبقراط وكلاوبطرة امرأة طبيبة فارهة أخذ عنها جالينوس أدوية كثيرة وعلاجات شتى وخاصة ما كان من ذلك من أمور النساء وأسقلبيادس وسورانوس الملقب بالذهبي وأيراقليس الطارنطي وأديمس الكحال الملقب بالملك ونساروس الفلسطيني وغالس الحمصي وكسانوقراطس وقوطانس وديوجانس الطبيب الملقب بالفراني وأسقليبيادس الثاني وبقراطيس الجوارشني ولاون الطرسوسي
59 وأريوس الطرسوسي وقيمن الحراني وموسقوس الأثيني وأقليدس المعروف بالمهدي للضالين وأيراقليس المعروف بالهادي وبطروس وفروادس ومانطلياس الفاسد وثافراطس العين زربي وأنطيباطوس المصيصي وخروسبس المعروف بالفتي وأريوس المعروف بالمضاد وفيلون الطرسوسي وفاسيوس المصري وطولس الإسكندراني وأولينس وسقورس الملقب بالمطاع وإنما لقب بذلك لأن الأدوية كانت تطاوعه فيما يستعملها وتامور الحراني وجميع هؤلاء الأطباء أصحاب أدوية مركبة أخذ جالينوس عنهم كتبه في الأدوية المركبة وعن الذين من قبلهم ممن سميناه أولا مثل أيولس وأرشيجانس وغيرهما وكان قبل جالينوس أيضا طرالينوس وهو الإسكندروس الطبيب وله من الكتب كتاب علل العين وعلاجها ثلاث مقالات كتاب البرسام كتاب الضبان والحيات التي تتولد في البطن والديدان وكان في ذلك الزمان أيضا وما قبله جماعة من عظماء الفلاسفة وأكابرهم على ما ذكره إسحق بن حنين مثل فوثاغرس وديوفيلس وثاون وأنبادقلس وأقليدس وساورى وطماتاوس وأنكسيمانس وديمقراطيس وثاليس قال وكان الشعراء أيضا في ذلك الوقت أوميرس وقاقلس ومارقس وتلاهم أيضا من الفلاسفة زينون الكبير وزينون الصغير وأقراطوس الملقب بالموسيقي ورامون المنطقي وأغلوقن البنضيني وسقراط وأفلاطن وديمقراط وأرسطوطالس وثاوفرطس ابن أخته وأذيمس وأفانس و خروسبس وديوجانس وقيلاطس وفيماطوس وسنبلقيوس وأرمينس معلم جالينوس وغلوقن والإسكندر الملك والإسكندر الأفروديسي وفرفوريوس الصوري وأيراقليدس الأفلاطوني وطاليوس
60 الإسكندراني وموسى الإسكندراني ورودس الأفلاطوني وأسطفانس المصري وسنجس ورامن ويتلو هؤلاء أيضا من الفلاسفة ثامسطيوس وفرفوديس المصري ويحيى النحوي الإسكندراني وداريوس وأنقيلاوس المختصر لكتب أرسطوطاليس وأمونيوس وفولوس وافروطوخس وأوديمس الإسكندراني وياغاث العين زربي وثياذوس الأثيني وادي الطرسوسي وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب طبقات الأمم أن الفلاسفة اليونانيين من أرفع الناس طبقة وأجل أهل العلم منزلة لما ظهر منهم من الاعتناء الصحيح بفنون الحكمة من العلوم الرياضية والمنطقية والمعارف الطبيعية والإلهية والسياسات المنزلية والمدنية قال وأعظم هؤلاء الفلاسفة قدرا عند اليونانيين خمسة فأولهم زمانا بندقليس ثم فيثاغورس ثم سقراط ثم أفلاطون ثم أرسطوطاليس ابن نيقوماخس أقول وسنذكر جملا من أحوال هؤلاء الخمسة وغيرهم إن شاء الله تعالى بندقليس قال القاضي صاعد أن بندقليس كان في زمن داود النبي عليه السلام على ما ذكره العلماء بتواريخ الأمم وكان أخذ الحكمة عن لقمان الحكيم بالشام ثم انصرف إلى بلاد اليونانيين فتكلم في خلق العالم بأشياء يقدح ظاهرها في أمر المعاد فهجره لذلك بعضهم وطائفة من الباطنية تنتمي إلى حكمته وتزعم أن له رموزا قلما يوقف عليها قال وكان محمد بن عبد الله بن مرة الجبلي الباطني من أهل قرطبة كلفا بفلسفته دؤوبا على دراستها قال وبندقليس أول من ذهب إلى الجمع بين معاني صفات الله تعالى وإنها كلها تؤدي إلى شيء واحد وإنه وإن وصف بالعلم والجود والقدرة فليس هو ذا معان متميزة تختص بهذه الأسماء المختلفة بل الواحد بالحقيقة الذي لا يتكثر بوجه ما أصلا بخلاف سائر الموجودات فإن الوحدانيات العالمية معرضة للتكثير إما بإجزائها وإما بمعانيها وإما بنظائرها وذات الباري متعالية عن هذا كله قال وإلى هذا المذهب في الصفات ذهب أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاف البصري ولبندقليس من الكتب كتاب فيما بعد الطبيعة كتاب الميامر فيثاغورس ويقال فوثاغوراس وفوثاغوريا وقال القاضي صاعد في كتاب طبقات الأمم إن فيثاغورس كان
61 بعد بندقليس بزمان وأخذ الحكمة عن أصحاب سليمان بن داود عليهما السلام بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام وكان قد أخذ الهندسة قبلهم عن المصريين ثم رجع إلى بلاد اليونان وأدخل عندهم علم الهندسة وعلم الطبيعة وعلم الدين واستخرج بذكائه علم الألحان وتأليف النغم وأوقعها تحت النسب العددية وادعى أنه استفاد ذلك من مشكاة النبوة وله في نضد العالم وترتيبه على خواص العدد ومراتبه رموز عجيبة وأغراض بعيدة وله في شأن المعاد مذاهب قارب فيها بندقليس من أن فوق عالم الطبيعة عالما روحانيا نورانيا لا يدرك العقل حسنه وبهاءه وإن الأنفس الزكية تشتاق إليه وإن كل إنسان أحسن تقويم نفسه بالتبري من العجب والتجبر والرياء والحسد وغيرها من الشهوات الجسدانية فقد صار أهلا أن يلحق بالعالم الروحاني ويطلع على ما يشاء من جواهره من الحكمة الإلهية وإن الأشياء الملذذة للنفس تأتيه حينئذ إرسالا كالألحان الموسيقية الآتية إلى حاسة السمع فلا يحتاج أن يتكلف لها طلبا ولفيثاغورس تآليف شريعة الأرتماطيقي والموسيقي وغير ذلك هذا آخر قوله وذكر غيره عن الحكيم فيثاغورس أنه كان يرى السياحة واجتناب مماسة القاتل والمقتول وأنه أمر بتقديس الحواس وتعلم العمل بالعدل وجميع الفضائل والكف عن الخطايا والبحث عن العطية الإنسية ليعرف طبيعة كل شيء وأمر بالتحابب والتأدب بشرح العلوم العلوية ومجاهدة المعاصي وعصمة النفوس وتعلم الجهاد وإكثار الصيام والقعود على الكراسي والمواظبة على قراءة الكتب وأن يعلم الرجال الرجال وتعلم النساء والنساء وأمر بجودة المنطق ومواعظ الملوك وكان يقول ببقاء النفس وكونها فيما بعد في ثواب أو عقاب على رأي الحكماء الإلهيين ولما رأس الحكيم فيثاغورس على الهياكل وصار رئيس الكهنة جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة وغير المعطشة أما الغذاء غير المجوع فكان يهيئه من بزر ميقونيون وسمسم وقشر أسقال مغسول غسلا مستقصى حتى ينبأ قلبه وأنتاريقون وأسفودالن وألفيطون وحمص وشعير من كل واحد جزء بالتحرير كان يسحقها ويعجنها بجنس من العسل يسمى أميطيو وأما غير المعطش فكان يهيئه من بزر القثاء وزبيب سمين منزوع العجم وزهر قوريون وبزر ملوخيا وبزر أسوفا وأندراخين ونوع من الخبز يدعى فيلطاموس ودقيق أواليس وكان يعجنها بعسل حابوق وذكر الحكيم أن هرقلس تعلم هاتين الصفتين من ديميطر وكان فيثاغورس قد ألزم نفسه عادة موزونة فلم يكن مرة صحيحا ومرة سقيما ولا كان مرة يسمن ومرة يهزل وكانت نفسه لطيفة جدا ولم يكن يفرح بإفراط ولا يحزن بإفراط ولا رآه أحد قط ضاحكا ولا باكيا وكان يقدم إخوانه على نفسه
62 ويحكى أنه أول من قال إن أموال الأخلاء مشاعة غير مقسومة وكان يحافظ على صحة الأصحاء ويبرئ المسقومي الأبدان وكان يبرئ النفوس الآلمة منها بالتكهن ومنها بالألحان الآلهية التي كان يحيي بها آلام البدن وكان يأمر بأداء الأمانة في الوديعة لا المال فقط والكلمة المستودعة المحقة وصدق الوعد وذكر فرفوريوس في المقالة الأولى من كتابه في أخبار الفلاسفة وقصصهم وآرائهم حكايات عجيبة ظهرت عن فيثاغورس مما تكهن به ومن أخباره بمغيبات سمعت منه وشوهدت كما قاله كلمات حكمية وكان يرمز حكمته ويسترها فمن الغازه أنه كان يقول لا تعتد في الميزان أي اجتنب الإفراط ولا تحرك النار بالسكين لأنها قد حميت فيها مرة أي اجتنب الكلام المحرض عند الغضوب المغتاظ ولا تجلس على قفيز أي لا تعش في البطالة ولا تمر بغياض الليوث أي لا تقتد برأي المردة ولا تعمر الخطاطيف البيوت أي لا تقتد بأصحاب الطرمذة والبقبقة من الناس غير المالكين لألسنتهم وأن لا يلقي الحمل عن حامله لكن يعان على حمله أي لا يغفل أحد أعمال نفسه في الفضائل في الطاعات وأن لا تلبس تماثيل الملائكة على فصوص الخواتيم أي لا تجهر بديانتك وتدع أسرار العلوم الإلهية عند الجهال قال الأمير المبشر بن فاتك كان لفيثاغورس أب اسمه منيسارخوس من أهل صور وكان له أخوان اسم الأكبر منهما أونوسطوس والآخر طورينوس وكان اسم أمه بوثايس بنت رجل اسمه أجقايوس من سكان ساموس ولما غلب على صور ثلاثة قبائل ليمنون ويمقرون وسقرون واستوطنوها وجلا أهلها منها جلا والد فيثاغورس فيمن جلا وسكن البحيرة وسافر منها إلى ساموس ملتمسا كسبا وأقام بها وصار فيها مكرما ولما سافر منها إلى أنطاكيا أخذ فيثاغورس معه ليتفرج عليها لأنها كانت نزهة جدا كثيرة الخصب وذكروا أن فيثاغورس إنما عاد إليها فسكنها لما رأى من طيبها أول مرة ولما جلا منيسارخوس عن صور سكن ساموس ومعه أولاده أونوسطوس وطورينوس وفيثاغورس فتبنى أندروقلوس رئيس ساموس فيثاغورس وكفله لأنه كان أحدث الأخوة وأسلمه من صغره في تعليم الآداب واللغة والموسيقى فلما التحى وجه به إلى مدينة ميليطون
63 وأسلمه إلى أناكسيماندروس الحكيم ليعلمه الهندسة والمساحة والنجوم فلما أحكم فيثاغورس هاتين الصناعتين اشتد حبه للعلوم والحكمة فسافر إلى بلدان شتى طالبا لذلك فورد على الكلدانيين والمصريين وغيرهم ورابط الكهنة وتعلم منهم الحكمة وحذق لغة المصريين بثلاثة أصناف من الخط خط العامة وخط الخاصة وهو خط الكهنة المختصر وخط الملوك وعندما كان في أراقليا كان مرابطا لملكها ولما صار إلى بابل رابط رؤساء خلذايون ودرس على زارباطا فبصره بما يجب على الصديقين وأسمعه سماع الكيان وعلمه أوائل الكل أيما هي فمن ذلك فضلت حكمة فيثاغورس وبه وجد السبيل إلى هداية الأمم وردهم عن الخطايا لكثرة ما اقتنى من العلوم من كل أمة ومكان وورد على قاراقوديس الحكيم السرياني في بداية أمره في مدينة اسمها ديلون من سورية وخرج عنها قاراقوديس فسكن ساموس وكان قد عرض له مرض شديد حتى أن القمل كان ينتعش في جسمه فلما عظم به وساء مثواه حمله تلاميذه إلى أفسس ولما تزايد ذلك عليه رغب إلى أهل أفسس وأقسم عليهم أن يحولوه عن مدينتهم فأخرجوه إلى ماغانسيا وعنى تلاميذه بخدمته حتى مات فدفنوه وكتبوا قصته على قبره ورجع فيثاغورس إلى مدينة ساموس ودرس بعده على أرمودامانيطس الحكيم البهي المتأله المكنى بقراوفوليو بمدينة ساموس ولقي أيضا بها أرمودامانيس الحكيم المكنى أفروقوليم فرابطه زمانا وكانت طرانة ساموس قد صارت لفولوقراطيس الأطرون واشتاق فيثاغورس إلى الاجتماع بالكهنة الذين بمصر فابتهل إلى فولوقراطيس أن يكون له على ذلك معينا فكتب له إلى أماسيس ملك مصر كتابا يخبره بما تاق إليه فيثاغورس ويعلمه أنه صديق لأصدقائه ويسأله أن يجود عليه بالذي طلب وأن يتحنن عليه فأحسن أماسيس قبوله وكتب له إلى رؤساء الكهنة بما أراد فورد على أهل مدينة الشمس وهي المعروفة بزماننا بعين شمس بكتب ملكهم فقبلوه قبولا كريها وأخذوا في امتحانه زمانا فلم يجدوا عليه نقصا ولا تقصيرا فوجهوا به إلى كهنة منف كي يبالغوا في امتحانه فقبلوه قبولا على كراهية واستقصوا امتحانه فلم يجدوا عليه معيبا ولا أصابوا له عثرة فبعثوا به إلى أهل دبوسبولس ليمتحنوه فلم يجدوا عليه طريقا ولا إلى إدحاضه سبيلا لعناية ملكهم به فعرضوا عليه فرائض صعبة مخالفة لفرائض اليونانيين كيما يمتنع من قبولها فيدحضوه ويحرموه طلبه فقبل ذلك وقام به فاشتد إعجابهم منه وفشا بمصر ورعه حتى بلغ ذكره إلى أماسيس فأعطاه سلطانا على الضحايا للرب تعالى وعلى سائر قرابينهم ولم يعط ذلك لغريب قط
64 ثم مضى فيثاغورس من مصر راجعا إلى بلاده وبنى له بمدينة أيونية منزلا للتعليم فكان أهل ساموس يأتون إليه ويأخذون من حكمته وأعد له خارجا من تلك المدينة أنطرونا جعله مجمعا خاصا لحكمته فكان يرابط فيه مع قليل من أصحابه أكثر أوقاته ولما أتت عليه أربعون سنة وتمادت طرانة فولوقراطيس وكان قد استخلفه عليهم حينا طويلا واستكفاه ففكر ورأى أنه لا يحسن بالمرء الحكيم المكث على لزوم الطرانة والسلطان فرحل إلى إيطاليا وسار منها إلى قروطونيا ودخلها فرأى أهلها حسن منظره ومنطقه ونبله وسعة علمه وصحة سيرته مع كثرة يساره وتكامله في جميع خصاله واجتماع الفضائل كلها فيه فانقاد له أهل قروطونيا انقياد الطاعة العلمية فألزمهم عصمة القدماء وهدى نفوسهم ووعظهم بالصالحات وأمر الأراكنة أن يضعوا للأحداث كتب الآداب الحكمية وتعليمهم إياها فكان الرجال والنساء يجتمعون إليه ليسمعوا مواعظه وينتفعوا بحكمته فعظم مجده وكبر شأنه وصير كثيرا من أهل تلك المدينة مهرة بالعلوم وانتشر الخبر حتى أن عامة ملوك البربر وردوا عليه ليسمعوا حكمته ويستوعبوا من علمه ثم إن فيثاغورس جال في مدن إيطاليا وسيقليا وكان الجور والتمرد قد غلب عليهم فصاروا سماعيه وصديقيه من أهل طاورومانيون وغير ذلك فاستأصل الفتنة منهم ومن نسلهم إلى أحقاب كثيرة وكان منطقه طاردا لكل منكر ولما سمع حكمته ومواعظه سماخس أطرون قانطوربيا خرج من ملكه وخلف أمواله بعضها لأخيه وبعضها لأهل مدينته وذكر أن باندس الذي كان جنسه من فرمس وكان ملك فوثو وكان من ولد فيثاغورس وكان لفيثاغورس وهو باقروطونيا بنت بتول كانت تعلم عذارى المدينة شرائع الدين وفرائضه وسنته من حلاله وحرامه وكانت أيضا زوجته تعلم سائر النساء ولما توفي فيثاغورس عمد ديميطوديوس المؤمن إلى منزل الحكيم فجعله هيكلا لأهل قروطونيا وذكروا أن فيثاغورس كان على عهد كورس حدثا وكان ملكه ثلاثين سنة وملك بعده ابنه قامبوسيس وفيثاغورس في الحياة وأن فيثاغورس لبث بساموس ستين سنة ثم سافر إلى إيطاليا ثم توجه منها إلى ماطايونطيون فمكث بها خمس سنين وتوفي وكان غذاؤه عسلا وسمنا وعشاؤه خبز قاخجرون وبقول نيئة ومطبوخة ولم يكن يأكل من اللحم إلا ما كان من أضحية كهونته مما كان يقرب لله تعالى
65 فلما أن رأس على الهياكل وصار رئيس الكهنة جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة وغير المعطشة وكان إذا ورد عليه وارد ليسمع كلامه يكلمه على أحد وجهين إما بالاحتجاج والدراس وإما بالموعظة والمشورة فكان لتعليمه شكل ذو فنين وحضره سفر إلى بعض الأماكن فأراد أن يؤنس أصحابه بنفسه قبل فراقهم فاجتمعوا في بيت رجل يقال له ميلن فبينما هم في البيت مجتمعون إذ هجم عليهم رجل من أهل قروطونيا اسمه قولون وكان له شرف وحسب ومال عظيم وكان يستطيل بذلك على الناس ويتمرد عليهم ويغتر بالجور وكان قد دخل على فيثاغورس وجعل يمدح نفسه فزجره بين يدي جلسائه وأشار إليه باكتساب خلاص نفسه فاشتد غيظ قولون عليه فجمع أخلاءه وقذف فيثاغورس عندهم ونسبه إلى الكفر ووافقهم على قتله وأصحابه ولما هجم عليه قتل منهم أربعين إنسانا وهرب باقيهم فمنهم من أدرك وقتل ومنهم من أفلت واختفى ودامت السعاية بهم و الطلب لهم وخافوا على فيثاغورس القتل فأفردوا له قوما منهم واحتالوا له حتى أخرجوه من تلك المدينة بالليل ووجهوا معه بعضهم حتى أوصلوه إلى قاولونيا ومن هناك إلى لوقروس فانتهت الشناعة فيه إلى أهل هذه المدينة فوجهوا إليه مشايخ منهم فقالوا له أما أنت يا فيثاغورس فحكيم فيما نرى وأما الشناعة عنك فسمجة جدا لكنا لا نجد في نواميسنا ما يلزمك القتل ونحن متمسكون بشرائعنا فخذ منا ضيافتك ونفقة لطريقك وارحل عن بلدنا تسلم فرحل عنها إلى طارنطا ففاجأه هناك قوم من أهل قروطونيا فكادوا أن يخنقوه وأصحابه فرحل إلى ميطابونطيون وتكاثرت الهيوج في البلاد بسببه حتى صار يذكر ذلك أهل تلك البلاد سنينا كثيرة ثم انحاز إلى هيكل الأسنان المسمى هيكل الموسن فتحصن فيه وأصحابه ولبث فيه أربعين يوما لم يغتذ فضربوا الهيكل الذي كان فيه بالنار فلما أحس أصحابه بذلك عمدوا إليه فجعلوه في وسطهم وأحدقوا به ليوقوه النار بأجسامهم فعندما امتدت النار في الهيكل واشتد لهبها غشي على الحكيم من ألم حرارتها ومن الخواء فسقط ميتا ثم أن تلك الآفة عمتهم أجمعين فاحترقوا كلهم وكان ذلك سبب موته وذكروا أنه صنف مائتين وثمانين كتابا وخلف من التلاميذ خلقا كثيرا وكان نقش خاتمه شر لا يدوم خير من خير لا يدوم أي شر ينتظر زواله ألذ من خير ينتظر زواله وعلى منطقته الصمت سلامة من الندامة من آداب فيثاغورس ومواعظه نقلت ذلك من كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم للأمير محمود الدولة أبي الوفاء المبشر بن فاتك قال فيثاغورس كما أن بدء وجودنا وخلقنا من الله سبحانه هكذا ينبغي أن تكون نفوسنا منصرفة إلى الله تعالى وقال الفكرة لله خاصة فمحبتها متصلة بمحبة الله تعالى ومن أحب الله سبحانه عمل بمحابه
66 ومن عمل بمحابه قرب منه ومن قرب منه نجا وفاز وقال ليس الضحايا والقرابين كرامات الله تعالى ذكره لكن الاعتقاد الذي يليق به هو الذي يكتفي به في تكرمته وقال الأقوال الكثيرة في الله سبحانه علامة تقصير الإنسان عن معرفته وقال ما انفع للإنسان أن يتكلم بالأشياء الجليلة النفيسة فإن لم يمكنه فليسمع قائلها وقال احذر أن تركب قبيحا من الأمر لا في خلوة ولا مع غيرك وليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من كل أحد وقال ليكن قصدك بالمال في اكتسابه من حلال وإنفاقه في مثله وقال إذا سمعت كذبا فهون على نفسك الصبر عليه وقال لا ينبغي لك أن تهمل أمر صحة بدنك لكن ينبغي القصد في الطعام والشراب والنكاح والرياضة وقال لا تكن متلافا بمنزلة من لا خبرة له بقدر ما في يده ولا تكن شحيحا فتخرج عن الحرية بل الأفضل في الأمور كلها هو القصد فيها وقال كن متيقظا في آرائك أيام حياتك فإن سبات الرأي مشارك للموت في الجنس وقال ما لا ينبغي أن تفعله احذر أن تخطره ببالك وقال لا تدنس لسانك بالقذف ولا تصغ بأذنيك إلى مثل ذلك وقال عسر على الإنسان أن يكون حرا وهو ينصاع للأفعال القبيحة الجارية مجرى العادة وقال ليس ينبغي للإنسان أن يلتمس القنية العالية والأبنية المشيدة لأنها من بعد موته تنتقي على حدود طباعها ويتصرف غيره فيها لكن يطلب من القنية ما ينفعه بعد المفارقة والتصرف فيها وقال الأشكال المزخرفة والأمور المموهة في أقصر الزمان تتبهرج وقال اعتقد أن أس مخافة الله سبحانه الرحمة وقال متى التمست فعلا من الأفعال فابدأ إلى ربك بالابتهال في النجح فيه وقال الإنسان الذي اختبرته بالتجربة فوجدته لا يصلح أن يكون صديقا وخلا احذر من أن تجعله لك عدوا وقال ما أحسن بالإنسان أن لا يخطئ وإن أخطأ فما أكثر انتفاعه بأن يكون عالما بأنه أخطأ ويحرص في أن لا يعاود
67 وقال الأخلق بالإنسان أن يفعل ما ينبغي لا ما يشتهي وقال ينبغي أن يعرف الوقت الذي يحسن فيه الكلام والوقت الذي يحسن فيه السكوت وقال الحر هو الذي لا يضيع حرفا من حروف النفس لشهوة من شهوات الطبيعة وقال بقدر ما تطلب تعلم وبقدر ما تعلم تطلب وقال ليس من شرائط الحكيم أن لا يضجر ولكن يضجر بوزن وقال ليس الحكيم من حمل عليه بقدر ما يطيق فصبر واحتمل ولكن الحكيم من حمل عليه أكثر مما تحتمل الطبيعة فصبر وقال الدنيا دول مرة لك وأخرى عليك فإن توليت فأحسن وإن تولوك فلن وكان يقول أن أكثر الآفات إنما تعرض للحيوانات لعدمها الكلام وتعرض للإنسان من قبل الكلام وكان يقول من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به المكروه كما ينزل بغيره العجلة واللجاجة والعجب والتواني فثمرة العجلة الندامة وثمرة اللجاجة الحيرة وثمرة العجب البغضاء وثمرة التواني الذلة ونظر إلى رجل عليه ثياب فاخرة يتكلم فيلحن في كلامه فقال له إما أن تتكلم بكلام يشبه لباسك أو تلبس لباسا يشبه كلامك وقال لتلاميذه لا تطلبوا من الأشياء ما يكون بحسب محبتكم ولكن أحبوا من الأشياء ما هي محبوبة في أنفسها وقال اصبر على النوائب إذا أتتك من غير أن تتذمر بل اطلب مداواتها بقدر ما تطيق وقال استعملوا الفكر قبل العمل وقال كثرة العدو تقلل الهدوء وكان فيثاغورس إذا جلس على كرسيه أوصى بهذه السبع الوصايا قوموا موازينكم واعترفوا أوزانها عدلوا الخط تصحبكم السلامة لا تشعلوا النار حيث ترون السكين تقطع عدلوا شهواتكم تديموا الصحة استعملوا العدل تحط بكم المحبة عاملوا الزمان كالولاة الذين يستعملون عليكم ويعزلون عنكم لا تترفوا أبدانكم وأنفسكم فتفقدوها في أوقات الشدائد إذا أوردت عليكم
68 وذكر المال عنده ومدح فقال وما حاجتي إلى ما يعطيه الحظ ويحفظه اللؤم ويهلكه السخاء وقال وقد نظر إلى شيخ يحب النظر في العلم ويستحي أن يرى متعلما يا هذا أتستحي أن تكون في آخر عمرك أفضل منك في أوله وقال أنكى شيء لعدوك أن لا تريه أنك تتخذه عدوا وحضر امرأته الوفاة في أرض غربة فجعل أصحابه يتحزنون على موتها في أرض غربة فقال يا معشر الإخوان ليس بين الموت في الغربة والوطن فرق وذلك أن الطريق إلى الآخرة واحد من جميع النواحي وقيل له ما أحلى الأشياء فقال الذي يشتهي الإنسان وقال الرجل المحبوب عند الله تعالى الذي لا يذعن لأفكاره القبيحة ونقلت من كتاب فرفوريوس في أخبار الفلاسفة وقصصهم وآرائهم قال وأما كتب فيثاغورس الحكيم التي انفرد بجمعها أرخوطس الفيلسوف الطارنطيني فتكون ثمانين كتابا فأما التي اجتهد بكلية جهده في التقاطها وتأليفها وجمعها من جميع الكهول الذين كانوا من جنس فيثاغورس الفيلسوف وحزبه وورثة علومه رجل فرجل فتكون مئتي كتاب عددا فمن انفرد بصفوة عقله وعزل منها الكتب الكذيبة المقولة على لسان الحكيم واسمه التي اختلقها أناس فجرة وهي كتاب المناجاة وكتاب وصف المهن السيئة وكتاب علم المخاريق وكتاب أحكام تصوير مجالس الخمور وكتاب تهيئة الطبول والصنوج والمعازف وكتاب الميامر الكهنوتية وكتاب بذر الزروع وكتاب الآلات وكتاب القصائد وكتاب تكوين العالم وكتاب الأيادي وكتاب المروءة وكتب أخرى كثيرة تشاكل هذه الكتب مما اختلق حديثا فيسعد سعادة الأبد وقال وأما الرجال الأئمة الذين اختلقوا هذه الكتب الكاذبة التي ذكرناها فإنهم على ما أدت إلينا الروايات أرسطيبوس المحدث ونقوس الذي كان يكنى عين الناقص ورجل من أهل أقريطية يقال له قونيوس وماغيالوس وفوخجواقا مع آخرين أطغى منهم وكان الذي دعاهم إلى اختلاق هذه الكتب الكاذبة على لسان فيثاغورس الفيلسوف واسمه كي يقبلوا عند الأحداث بسببه فيكرموا أو يؤثروا ويواسوا
69 فأما كتب الحكيم التي لا ريب فيها فهي مائتان وثمانون كتابا وقد كانت منسية حتى جاء للكيان بقوم حكماء ذوي نية وورع فحصلوها وجمعوها وألفوها ولم تكن قبل ذلك مشهورة ببلدة لكنها كانت مخزونة في إيطاليا وقال فلوطرخس أن فيثاغورس أول من سمى الفلسفة بهذا الاسم ومما يوجد لفيثاغورس من الكتب كتاب الأرثماطيقي كتاب الألواح كتاب في النوم واليقظة كتاب في كيفية النفس والجسد رسالة إلى متمرد صقلية الرسالة الذهبية وسميت بهذا الاسم لأن جالينوس كان يكتبها بالذهب إعظاما لها وإجلالا وكان يواظب على دراستها وقراءتها في كل يوم رسالة إلى سقايس في استخراج المعاني رسالة في السياسة العقلية وقد تعاب هذه الرسالة بتفسير أمليخس رسالة إلى فيمدوسيوس سقراط قال القاضي صاعد في طبقات الأمم أن سقراط كان من تلاميذ فيثاغورس اقتصر من الفلسفة على العلوم الإلهية وأعرض عن ملاذ الدنيا ورفضها وأعلن بمخالفة اليونانيين في عبادتهم الأصنام وقابل رؤساءهم بالحجاج والأدلة الإلهية فثوروا العامة عليه واضطروا ملكهم إلى قتله فأودعه الملك الحبس تحمدا إليهم ثم سقاه السم تفاديا من شرهم ومن آثاره مناظرات جرت له مع الملك محفوظة وله وصايا شريفة وآداب فاضلة وحكم مشهورة ومذاهب في الصفات قريبة من مذاهب فيثاغورس وبندقليس إلا أن له في شأن المعاد آراء ضعيفة بعيدة عن محض الفلسفة خارجة عن المذاهب المحققة وقال الأمير المبشر بن قاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم معنى سقراطيس باليونانية المعتصم بالعدل وهو ابن سفرونسقس ومولده ومنشأه ومنبته بأثينية وخلف من الولد ثلاثة ذكور ولما ألزم التزويج على عاداتهم الجارية في إلزام الأفاضل بالتزويج ليبقى نسله بينهم طلب تزويجه المرأة السفيهة التي لم يكن في بلده أسلط منها ليعتاد جهلها والصبر على سوء خلقها ليقدر أن يحتمل جهل العامة والخاصة وبلغ من تعظيمه الحكمة مبلغا أضر بمن بعده من محبي الحكمة لأنه كان من رأيه أن لا تستودع الحكمة الصحف والقراطيس تنزيها لها عن ذلك ويقول أن الحكمة طاهرة مقدسة غير فاسدة ولا دنسة فلا ينبغي لنا أن نستودعها إلا الأنفس الحية وننزهها عن الجلود الميتة ونصونها عن القلوب
70 المتمردة ولم يصنف كتابا ولا أملى على أحد من تلاميذه ما أثبته في قرطاس وإنما كان يلقنهم علمه تلقينا لا غير وتعلم ذلك من أستاذه طيماتاوس فإنه قال له في صباه لم لا تدعني أدون ما أسمع منك من الحكمة فقال له ما أوثقك بجلود البهائم الميتة وأزهدك في الخواطر الحية هب أن إنسان لقيك في طريق فسألك عن شيء من العلم هل كان يحسن أن تحيله على الرجوع إلى منزلك والنظر في كتبك فإن كان لا يحسن فالزم الحفظ فلزمها سقراط وكان سقراط زاهدا في الدنيا قليل المبالاة بها وكان من رسوم ملوك اليونانيين إذا حاربوا أخرجوا حكماءهم معهم في أسفارهم فأخرج الملك سقراط معه في سفرة خرج فيها لبعض مهماته فكان سقراط يأوي في عسكر ذلك الملك إلى زير مكسور يسكن فيه من البرد وإذا طلعت الشمس خرج منه فجلس عليه يستدفئ بالشمس ولأجل ذلك سمي سقراط الحب فمر به الملك يوما وهو على ذلك الزير فوقف عليه وقال ما لنا لا نراك يا سقراط وما يمنعك من المصير إلينا فقال الشغل أيها الملك فقال بماذا قال بما يقيم الحياة قال فصر إلينا فإن هذا لك عندنا معد أبدا قال لو عملت أيها الملك أني أجد ذلك عندك لم أدعه قال بلغني أنك تقول أن عبادة الأصنام ضارة قال لم أقل هكذا قال فكيف قلت قال إنما قلت إن عبادة الأصنام نافعة للملك ضارة لسقراط لأن الملك يصلح بها رعيته ويستخرج بها خراجه وسقراط يعلم أنها لا تضره ولا تنفعه إذ كان مقرا بأن له خالقا يرزقه ويجزيه بما قدم من سئ أو حسن قال فهل لك من حاجة قال نعم تصرف عنان دابتك عني فقد سترتني جيوشك من ضوء الشمس قد دعا الملك بكسوة فاخرة من ديباج وغيره وبجوهر ودنانير كثيرة ليجيزه بذلك فقال له سقراط أيها الملك وعدت بما يقيم الحياة وبذلت ما يقيم الموت ليس لسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود والذي يحتاج إليه سقراط هو معه حيث توجه وكان سقراط يرمز في كلامه مثل ما كان يفعل فيثاغورس فمن كلامه المرموز قوله عندما فتشت عن علة الحياة ألفيت الموت وعندما وجدت الموت عرفت حينئذ كيف ينبغي لي أن أعيش أي أن الذي يريد أن يحيا حياة إلهية ينبغي أن يميت جسمه من جميع الأفعال الحسية على قدر القوة التي منحها فإنه حينئذ يتهيأ له بأن يعيش حياة الحق وقال تكلم بالليل حيث لا يكون أعشاش الخفافيش أي ينبغي أن يكون كلامك عند خلوتك
71 لنفسك وأن تجمع فكرك وامنع نفسك أن تتطلع في شيء من أمور الهيولانيات وقال أسدد الخمس الكوى ليضيء مسكن العلة أي اغمض حواسك الخمس عن الجولان فيما لا يجدي لتضيء نفسك وقال املأ الوعاء طيبا أي أوع عقلك بيانا وفهما وحكمة وقال افرغ الحوض المثلث من القلال الفارغة أي اقص عن قلبك جميع الآلام العارضة في الثلاثة الأجناس من قوى النفس التي هي أصل جميع البشر وقال لا تأكل الأسود الذنب أي احذر الخطيئة وقال لا تتجاوز الميزان أي لا تتجاوز الحق وقال عند الممات لا تكن نملة أي في وقت أمانتك لنفسك لا تقن ذخائر الحس وقال ينبغي أن تعلم أنه ليس زمان من الأزمنة يفقد فيه زمان الربيع أي لا مانع لك في كل زمان من اكتساب الفضائل وقال افحص عن ثلاثة سبل فإذا لم تجدها فأرض أن تنام لها نومة المستغرق أي افحص عن علم الأجسام وعلم ما لا جسم له وعلم الذي وإن كان لا جسم له فهو موجود مع الأجسام وما اعتاص منها عليك فارض بالإمساك عنه وقال ليست التسعة بأكمل من واحد أي العشرة هي عقد من العدد وهي أكثر من تسعة وإنما تكمل التسعة لتكون عشرة بالواحد وكذلك الفضائل التسع تتم وتكمل بخوف الله عز وجل ومحبنه ومراقبته وقال اقتن بالاثني عشر إثنى عشر يعني بالاثني عشر عضوا التي بها يكتسب البر والإثم اكتسب الفضائل وهي العينان والأذنان والمنخران واللسان واليدان والرجلان والفرج وأيضا بالاثني عشر شهرا اكتسب أنواع الأشياء المحمودة المكملة للإنسان في تدبيره ومعرفته في هذا العالم وقال ازرع بالأسود وأحصد بالأبيض أي ازرع بالبكاء واحصد بالسرور وقال لا تشيلن الإكليل وتهتكه أي للسنن الجميلة لا ترفضها لأنها تحوط جميع الأمم كحياطة الإكليل للرأس وكان أهل دهره لما سألوه عن عبادة الأصنام صدهم عنها وأبطلها ونهى الناس عن عبادتها وأمرهم بعبادة الإله الواحد الصمد البارئ الخالق للعالم بما فيه الحكيم القدير لا الحجر المنحوت الذي لا
72 ينطق ولا يسمع ولا يحس بشيء من الآلات وحض الناس على البر وفعل الخيرات وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن الفواحش والمنكرات في ثقته من أهل زمانه ولم يقصد استكمال صواب التدابير لعلمه بأنهم لا يقبلون ذلك منة فلما علم الرؤساء في وقته من الكهنة والأراكنة ما رامه من دعوته وأن رأيه نفي الأصنام ورد الناس عن عبادتها شهدوا عليه بوجوب القتل وكان الموجبون عليه القتل قضاة أثينس الأحد عشر وسقي السم الذي يقال له قونيون لأن الملك لما أوجب القضاة عليه القتل ساءه ذلك ولم يمكنه مخالفتهم فقال له اختر أي قتلة شئت فقال له بالسم فأجابه إلى ذلك والذي أخر قتل سقراط شهورا بعدما أوجبوه عليه منه أن المركب الذي كان يبعث به في كل سنة إلى هيكل أفولون ويحمل إليه ما يحمل عرض له حبس شديد لتعذر الرياح فأبطأ شهورا وكان من عادتهم أن لا يراق دم ولا غيره حتى يرجع المركب من الهيكل إلى أثينس وكان أصحابه يختلفون إليه في الحبس طول تلك المدة فدخلوا إليه يوما فقال له أقريطون منهم أن المركب داخل غدا أو بعد غد وقد اجتهدنا في أن ندفع عنك مالا إلى هؤلاء القوم وتخرج سرا فنصير إلى رومية فتقيم بها حيث لا سبيل لهم عليك فقال له قد تعلم أنه لا يبلغ ملكي أربعمائة درهم فقال له أقريطون لم أقل لك هذا القول على أنك تغرم شيئا لأنا نعلم أنه ليس في وسعك ما سأل القوم ولكن في أموالنا سعة لذلك وأضعافه وأنفسنا طيبة بأدائه لنجاتك وأن لا نفجع بك قال له سقراط يا أقريطون هذا البلد الذي فعل بي ما فعل هو بلدي وبلد جنسي وقد نالني فيه من حبسي ما رأيت وأوجب علي فيه القتل ولم يوجب ذلك علي لأمر استحققته بل لمخالفتي الجور وطعني على الأفعال الجائرة وأهلها من كفرهم بالباري سبحانه وعبادتهم الأوثان من دونه والحال التي أوجب علي بها عندهم القتل هي معي حيث توجهت وإني لا أدع نصرة الحق والطعن على الباطل والمبطلين حيث كنت وأهل رومية أبعد مني رحما من أهل مدينتي فهذا الأمر إذا كان باعثه علي الحق ونصرة الحق حيث توجهت فغير مأمون علي هناك مثل الذي أنا فيه قال له أقريطون فتذكر ولدك وعيالك وما تخلف عليهم من الضيعة فقال له الذي يلحقهم برومية مثل ذلك إلا أنكم ههنا فهم أحرى أن لا يضيعوا معكم ولما كان اليوم الثالث بكر تلاميذه إليه على العادة وجاء قيم السجن ففتح الباب وجاء القضاة الأحد عشر فدخلوا إليه وأقاموا مليا ثم خرجوا من عنده وقد أزالوا الحديد عن رجليه وخرج
73 السجان إلى تلاميذه فأدخل بهم إليه فسلموا عليه وجلسوا عنده فنزل سقراط عن السرير وقعد على الأرض ثم كشف عن ساقيه فمسحهما وحكهما وقال ما أعجب فعل السياسة الإلهية حيث قرنت الأضداد بعضها ببعض فإنه لا يكاد أن تكون لذة إلا يتبعها ألم ولا ألم إلا يتبعه لذة وصار هذا القول سببا لدوران الكلام بينهم فسأله سيمياس وفيدون عن شيء من الأفعال النفسية وكثرت المذاكرة بينهم حتى استوعب الكلام في النفس بالقول المتقن المستقصى وهو على ما كان يعهد عليه في حال سروره وبهجته ومرحه في بعض المواضع والجماعة يتعجبون من صرامته وشدة استهانته بالموت ولم ينكل عن تقصي الحق في موضعه ولم يترك شيئا من أخلاقه وأحوال نفسه التي كان عليها في زمان أمنه من الموت وهم من الكمد والحزن لفراقه على حال عظيمة فقال له سيمياس إن في التقصي في السؤال عليك مع هذه الحال لثقلا علينا شديدا وقبحا في العشرة وأن الإمساك عن التقصي في البحث لحسرة غدا عظيمة مع ما نعدم في الأرض من وجود الفاتح لما نريد قال له سقراط يا سيمياس لا تدعن التقصي لشيء أردته فإن تقصيك لذلك هو الذي أسر به وليس بين هذه الحال عندي وبين الحال الأخرى فرق في الحرص على تقصي الحق فإنا وإن كنا نعدم أصحابا ورفقاء أشرافا محمودين فاضلين فإنا أيضا إذ كنا معتقدين ومتيقنين للأقاويل التي لم تزل تسمع منا فإنا أيضا نصير إلى إخوان أخر فاضلين أشراف محمودين منهم أسلاوس وأيارس وأرقيلس وجميع من سلف من ذوي الفضائل النفسانية ولما تصرم القول في النفس وبلغوا فيها الغرض الذي أراد وسألوه عن هيئة العالم وحركات الأفلاك وتركيب الأسطقسات فأجابهم عن جميعه ثم قص عليهم قصصا كثيرة من العلوم الإلهية والأسرار الربانية ولما فرغ من ذلك قال أما الآن فأظنه قد حضر الوقت الذي ينبغي لنا أن نستحم فيه ونصلي ما أمكننا ولا نكلف أحدا إحمام الموتى فإن الأرماماني قد دعانا ونحن ماضون إلى زواس وأما أنتم فتنصرفون إلى أهاليكم ثم نهض ودخل بيتا واستحم فيه وصلى وأطال اللبث والقوم يتذاكرون عظيم المصيبة بما نزل به وبهم من فقده وأنهم يفقدون فيه حكيما عظيما وأبا شفيقا ويبقون بعده كاليتامى ثم خرج فدعا بولده ونسائه وكان له ابن كبير وابنان صغيران فودعهم ووصاهم وصرفهم فقال له أقريطون فما الذي تأمرنا أن نفعله في أهلك وولدك وغير ذلك من أمرك
74 قال لست آمركم بشيء جديد بل هو الذي لم أزل آمركم به قديما من الاجتهاد في إصلاح أنفسكم فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سررتموني وسررتم كل من هو مني بسبيل ثم سكت مليا وسكتت الجماعة وأقبل خادم الأحد عشر قاضيا فقال له يا سقراط إنك جريء مع ما أراه منك وإنك لتعلم إني لست علة موتك وإن علة موتك القضاة الأحد عشر وأنا مأمور بذلك مضطر إليه وإنك أفضل من جميع من صار إلى هذا الموضع فاشرب الدواء بطيبة نفس واصبر على الاضطرار اللازم ثم ذرفت عيناه وانصرف فقال سقراط نفعل وليس أنت بملوم ثم سكت هنيهة والتفت إلى أقريطون فقال مر الرجل أن يأتيني بشربة موتي فقال للغلام ادع الرجل فدعاه فدخل ومعه الشربة منه فشربها فلما رأوه قد شربها غلبهم من البكاء والأسف ما لم يملكوا معه أنفسهم فعلت أصواتهم بالبكاء فأقبل عليهم سقراط يلومهم ويعظهم وقال إنما صرفنا النساء لئلا يكون منهن مثل هذا فأمسكوا استحياء منه وقصدا للطاعة له على مضض شديد منهم في فقد مثله وأخذ سقراط في المشي والتردد هنيهة ثم قال للخادم قد ثقلت رجلاي علي فقال له استلق فاستلقى وجعل الغلام يجس قدميه ويغمزهما ويقول له هل تحس غمزي لهما قال لا ثم غمز غمزا شديدا فقال له هل تحس فقال لا ثم غمز ساقيه وجعل يسأله ساعة بعد ساعة وهو يقول لا وأخذ يجمد أولا فأولا ويشتد برده حتى انتهى ذلك إلى حقويه فقال الخادم لنا إذا انتهى البرد إلى قلبه مضى فقال له أقريطون يا إمام الحكمة ما أرى عقولنا لا تبعد عن عقلك فاعهد لنا فقال عليكم بما أمرتكم به أولا ثم مد يده إلى يد أقريطون فوضعها على خده فقال له مرني بما تحب فلم يجبه بشيء ثم شخص ببصره وقال أسلمت نفسي إلى قابض أنفس الحكماء ومات فأطبق أقريطون عينيه وشد لحييه ولم يكن أفلاطون حاضرا معهم لأنه كان مريضا وذكر أن سقراط هلك عن اثني عشر ألف تلميذ وتلميذ تلميذ قال المبشر بن فاتك وكان سقراط رجلا أبيض أشقر أزرق جيد العظام قبيح الوجه ضيق ما بين المنكبين بطيء الحركة سريع الجواب شعث اللحية غير طويل إذا سئل أطرق حينا ثم يجيب بألفاظ مقنعة كثير التوحد قليل الأكل والشرب شديد التعبد يكثر ذكر الموت قليل الأسفار مجدا لرياضة بدنه خسيس الملبس مهيبا حسن المنطق لا يوجد فيه خلل مات بالسم وله مائة سنة وبضع سنين
75 أقول ووجدت في كتاب أفلاطن المسمى احتجاج سقراط على أهل أثينية وهو يحكي قول سقراط بهذا اللفظ قال ما تمنيت مجلس الحكم قط قبل هذه المرة على أني قد بلغت من السن سبعين سنة وهذا الاحتجاج الذي كان بينه وبين أهل أثينية إنما كان قبل موته بمدة يسيرة ومن خط إسحاق بن حنين عاش سقراط قريبا مما عاش أفلاطن ومن خط إسحاق عاش أفلاطون ثمانين سنة وقال حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكمة أنه كان منقوشا على فص خاتم سقراط من غلب عقله هواه افتضح ومن آداب سقراط مما ذكره الأمير المبشر بن فاتك في كتابه قال سقراط عجبا لمن عرف فناء الدنيا كيف تلهيه عما ليس له فناء وقال النفوس أشكال فما تشاكل منها اتفق وما تضاد منها اختلف وقال اتفاق النفوس باتفاق هممها واختلافها باختلاف مرادها وقال النفس جامعة لكل شيء فمن عرف نفسه وما عرف كل شيء ومن جهل نفسه جهل كل شيء وقال من بخل على نفسه فهو على غيره أبخل ومن جاد على نفسه فذلك المرجو جوده وقال ما ضاع من عرف نفسه وما أضيع من جهل نفسه وقال النفس الخيرة مجتزئة بالقليل من الأدب والنفس الشريرة لا ينجع فيها كثير من الأدب لسوء مغرسها وقال لو سكت من لا يعلم لسقط الاختلاف وقال ستة لا تفارقهم الكآبة الحقود والحسود وحديث عهد بغنى وغني يخاف الفقر وطالب رتبة يقصر قدره عنها وجليس أهل الأدب وليس منهم وقال من ملك سره خفي على الناس أمره وقال خير من الخير من عمل به وشر من الشر من عمل به وقال العقول مواهب والعلوم مكاسب وقال لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك فكيف
76 بك إذا كنت لا يأمنك صديقك وقال اتقوا من تبغضه قلوبكم وقال الدنيا سجن لمن زهد فيها وجنة لمن أحبها وقال لكل شيء ثمرة وثمرة قلة القنية تعجيل الراحة وطيب النفس الزكية وقال الدنيا كنار مضرمة على محمجة فمن اقتبس منها ما يستضيء به في طريقه سلم من شرها ومن جلس ليحتكر منها أحرقته بحرها وقال من اهتم بالدنيا ضيع نفسه ومن اهتم بنفسه زهد في الدنيا وقال طالب الدنيا إن نال ما أمل تركه لغيره وإن لم ينل ما أمله مات بغصته وقال لا تردن على ذي خطأ خطأه فإنه يستفيد منك علما ويتخذك عدوا وقيل لسقراط ما رأيناك قط مغموما فقال لأنه ليس لي شيء متى ضاع مني وعدمته اغتممت عليه وقال من أحب أن لا تفوته شهرته فليشته ما يمكنه وقال أثن على ذي المودة خيرا عند من لقيت فأن رأس المودة حسن الثناء كما أن رأس العداوة سوء الثناء وقال إذا وليت أمرا فأبعد عنك الأشرار فإن جميع عيوبهم منسوبة إليك وقال له رجل شريف الجنس وضيع الخلائق أما تأنف يا سقراط من خساسة جنسك فأجابه جنسك عندك أنثى وجنسي مني وقال خير الأمور أوسطها وقال إنما أهل الدنيا كصور في صحيفة كلما نشر بعضها طوي بعضها وقال الصبر يعين على كل عمل وقال من أسرع يوشك أن يكثر عثاره وقال إذا لم يكن عقل الرجل أغلب الأشياء عليه كان هلاكه في أغلب الأشياء عليه وقال لا يكون الحكيم حكيما حتى يغلب شهوات الجسم وقال كن مع والديك كما تحب أن يكون بنوك معك وقال ينبغي للعاقل أن يخاطب الجاهل مخاطبة الطبيب للمريض وقال طالب الدنيا قصير العمر كثير الفكر وكان يقول القنية مخدومة ومن خدم غير ذاته فليس بحر وقيل له ما أقرب شيء فقال الأجل وما أبعد شيء فقال الأمل وما آنس شيء فقال الصاحب المؤاتي وما أوحش شيء قال الموت وقال من كان شريرا فالموت سبب راحة العالم من شره وقال إنما جعل للإنسان لسان واحد وأذنان ليكون ما يسمعه أكثر مما يتكلم به وقال الملك الأعظم هو الغالب لشهواته وقيل له أي الأشياء ألذ فقال استفادة الأدب واستماع أخبار لم تكن سمعت وقال أنفس ما لزمه الأحداث الأدب وأول نفعه لهم أنه يقطعهم عن الأفعال الرديئة
77 وقال أنفع ما اقتناه الإنسان الصديق المخلص وقال الصامت ينسب إلى العي ويسلم والمتكلم ينسب إلى الفضول ويندم وقال استهينوا بالموت فإن مرارته في خوفه وقيل له ما القنية المحمودة فقال ما ينمو على الاتفاق وقال المشكور من كتم سرا لمن يتكتمه وأما من استكتم سرا فذلك واجب عليه وقال اكتم سر غيرك كما تحب أن يكتم غيرك سرك وإذا ضاق صدرك بسرك فصدر غيرك به أضيق وقيل له لما صار العاقل يستشير فقال العلة في ذلك تجريد الرأي عن الهوى وإنما استشار تخوفا من شوائب الهوى وقال من حسن خلقه طابت عيشته ودامت سلامته وتأكدت في النفوس محبته ومن ساء خلقه تنكدت عيشته ودامت بغضته ونفرت النفوس منه وقال حسن الخلق يغطي غيره من القبائح وسوء الخلق يقبح غيره من المحاسن وقال رأس الحكمة حسن الخلق وقال النوم موتة خفيفة والموت نوم طويل وقال لتلميذ له لا تركنن إلى الزمان فإنه سريع الخيانة لمن ركن إليه وقال من سره الزمان في حال ساءه في أخرى وقال من ألهم نفسه حب الدنيا امتلأ قلبه من ثلاث خلال فقر لا يدرك غناه وأمل لا يبلغ منتهاه وشغل لا يدرك فناه وقال من احتجت أن تستكتمه سرك فلا تسره إليه وسئل سقراط لم صار ماء البحر مالحا فقال للذي سأله إن أعلمتني المنفعة التي تنالك من علم ذلك أعلمتك السبب فيه وقال لا ضر أضر من الجهل ولا شر أشر من النساء ونظر إلى صبية تتعلم الكتابة فقال لا تزيدوا الشر شرا وقال من أراد النجاة من مكائد الشيطان فلا يطيعن امرأة فإن النساء سلم منصوب ليس للشيطان حيلة إلا بالصعود عليه وقال لتلميذ له يا بني إن كان لا بد لك من النساء فاجعل لقاءك لهن كأكل الميتة لا تأكل منها إلا عند الضرورة فتأخذ منها بقدر ما يقيم الرمق فإن أخذ آخذ منها فوق الحاجة أسقمته وقتلته وقيل له ما تقول في النساء فقال هن كشجر الدفلى له رونق وبهاء فإذا أكله الغر قتله وقيل له كيف يجوز لك أن تذم النساء ولولاهن لم تكن أنت ولا أمثالك من الحكماء فقال إنما المرأة مثل النخلة ذات السلاع إن دخل في بدن إنسان عقره وحملها الرطب الجني
78 وقال له أرشيجانس أن الكلام الذي كلمت به أهل المدينة لا يقبل فقال ليس يكربني أن يكون لا يقبل وأنما يكربني أن لا يكون صوابا وقال من لا يستحي فلا تخطره ببالك وقال لا يصدنك عن الإحسان جحود جاحد للنعمة وقال الجاهل من عثر بحجر مرتين وقال كفى بالتجارب تأديبا وبتقلب الأيام عظة وبأخلاق من عاشرت معرفة وقال اعلم أنك في أثر من مضى سائر وفي محل من فات مقيم وإلى العنصر الذي بدأت منه تعود وقال لأهل الاعتبار في صروف الدهر كفاية وكل يوم يأتي عليه منه علم جديد وقال بعوارض الآفات تكدر النعم على المنتمين وقال من قل همه على ما فاته استراحت نفسه وصفا ذهنه وقال من لم يشكر على ما أنعم به عليه أوشك أن لا تزيد نعمته وقال رب متحرز من الشيء تكون منه آفته وقال داووا الغضب بالصمت وقال الذكر الصالح خير من المال فإن المال ينفذ والذكر يبقى والحكمة غنى لا يعدم ولا يضمحل وقال استحب الفقر مع الحلال عن الغنى مع الحرام وقال أفضل السيرة طيب المكسب وتقدير الإنفاق وقال من يجرب يزدد علما ومن يؤمن يزدد يقينا ومن يستيقن يعمل جاهدا ومن يحرص على العمل يزدد قوة ومن يكسل يزدد فترة ومن يتردد يزدد شكا وإن لسقراط بيتا وزن بالعربية (إنما الدنيا وإن ومقت * خطرة من لحظ ملتفت) وقال ما كان في نفسك فلا تبده لكل أحد فما أقبح أن تخفي الناس أمتعتهم في البيوت ويظهرون ما في قلوبهم قال لولا أن في قولي أنني لا أعلم إخبارا أني أعلم لقلت إني لا أعلم وقال القنية ينبوع الأحزان فلا تقتنوا الأحزان وكان يقول قللوا القنية تقل مصائبكم وينسب إلى سقراط من الكتب رسالة إلى إخوانه في المقايسة بين السنة والفلسفة كتاب معاتبة النفس مقالة في السياسة وقيل إن رسالته في السيرة الجميلة هي صحيح له أفلاطون يقال فلاطن وأفلاطن وأفلاطون قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل في كتابه
79 أفلاطن الحكيم من أهل مدينة أثينيا رومي فيلسوف يوناني طبي عالم بالهندسة وطبائع الأعداد وله في الطب كتاب بعثه إلى طيماوس تلميذه وله في الفلسفة كتب وأشعار وله في التأليف كلام لم يسبقه أحد إليه استنبط به صنعة الديباج وهو الكلام المنسوب إلى الخمس النسب التأليفية التي لا سبيل إلى وجود غيرها في جميع الموجودات المؤتلفات فلما أحاط علما بطبائع الأعداد ومعرفة الخمس النسب التأليفية استشرف إلى علم العالم كله وعرف موانع الأجزاء المؤتلفات الممتزجات باختلاف ألوانها وأصباغها وائتلافها على قدر النسبة فوصل بذلك على علم التصوير فوضع أول حركة جامعة لجميع الحركات ثم صنفها بالنسبة العددية ووضع الأجزاء المؤتلفة على ذلك فصار إلى علم تصوير التصويرات فقامت له صناعة الديباج وصناعة كل مؤتلف به وألف في ذلك كتابا وله في الفلسفة كلام عجيب وهو ممن وضع لأهل زمانه سننا وحدودا وله كتاب السياسة في ذلك وكتاب النواميس وكان في دولة داربطو وهو والد دارا الذي قتله الإسكندر فكان بعد أبقراط في دولة والد الإسكندر فيليبس وكانت الفرس يومئذ تملك الروم واليونانيين وقال المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم معنى أفلاطون وتفسيره في لغتهم العميم الواسع وكان اسم أبيه أرسطن وكان أبواه من أشراف اليونانيين من ولد اسقليبيوس جميعا وكانت أمه خاصة من نسل سولون صاحب الشرائع وكان قد أخذ في أول أمره في تعلم علم الشعر واللغة فبلغ في ذلك مبلغا عظيما إلى أن حضر يوما سقراطيس وهو يثلب صناعة الشعر فأعجبه ما سمع منه وزهد فيما كان عنده منه ولزم سقراط وسمع منه خمس سنين ثم مات سقراط فبلغه أن بمصر قوما من أصحاب فيثاغورس فسار إليهم حتى أخذ عنهم وكان يميل في الحكمة قبل أن يصحب سقراط إلى رأي ايرقليطس ولما صحب سقراط زهد في مذهب ايرقليطس وكان يتبعه في الأشياء المحسوسة وكان يتبع فيثاغورس في الأشياء المعقولة وكان يتبع سقراطيس في أمور التدبير ثم رجع أفلاطن من مصر إلى أثينية ونصب فيها بيتي حكمة وعلم الناس فيها ثم سار إلى سيقليا فجرت له قصة مع ديونوسيوس المتغلب الذي كان بها وبلي منه بأشياء صعبة ثم تخلص منه وعاد إلى أثينية فسار فيهم أحسن سيرة وأرضى الجميع وأعان الضعفاء وراموه أن يتولى تدبير أمورهم فامتنع لأنه
80 وجدهم على تدبير غير التدبير الذي يراه صوابا وقد اعتادوه وتمكن من نفوسهم فعلم أنه لا يمكنه نقلهم عنه وأنه لو رام نقلهم عما هم عليه لكان يهلك كما هلك أستاذه سقراط على أن سقراط لم يكن قد رام استكمال صواب التدبير وبلغ أفلاطون من العمر إحدى وثمانين سنة وكان حسن الأخلاق كريم الأفعال كثير الإحسان إلى كل ذي قرابة منه وإلى الغرباء متئدا حليما صبورا وكان له تلاميذ كثيرة وتولى التدريس بعده رجلان أحدهما بأثينية في الموضع المعروف بأقاديميا وهو كسانوقراطيس والآخر بلوقين من عمل أثينية أيضا وهو أرسطوطاليس وكان يرمز حكمته ويسترها ويتكلم بها ملغوزة حتى لا يظهر مقصده لذوي الحكمة وكان درسه وتعلمه على طيماوس وسقراطيس وعنهما أخذ أكثر آرائه وصنف كتبا كثيرة منها ما بلغنا اسمه ستة وخمسون كتابا وفيها كتب كبار يكون فيها عدة مقالات وكتبه يتصل بعضها ببعض أربعة أربعة يجمعها غرض واحد ويخص كل واحد منها غرض خاص يشتمل عليه ذلك الغرض العام ويسمى كل واحد منها رابوعا وكل رابوع منها يتصل بالرابوع الذي قبله وكان رجلا أسمر اللون معتدل القامة حسن الصورة تام التخاطيط حسن اللحية قليل شعر العارضين ساكتا خافضا أشهل العينين براق بياضهما في ذقنه الأسفل خال أسود تام الباع لطيف الكلمة محبا للفلوات والصحاري والوحدة وكان يستدل في الحال الأكثر على موضعه بصوت بكائه ويسمع منه على نحو ميلين في الفيافي والصحاري ومن خط إسحاق بن حنين عاش أفلاطون ثمانين سنة وقال حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء كان منقوشا على فص خاتم أفلاطون تحريك الساكن أسهل من تسكين المتحرك مواعظ أفلاطون ومن آداب أفلاطون ومواعظه مما ذكره المبشر بن فاتك رحمه الله في كتابه قال أفلاطون للعادة على كل شيء سلطان وقال إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبه وإذا طلبهم فاهرب منه وقال من لا يواس الإخوان عند دولته خذلوه عند فاقته وقيل له لم لا تجتمع الحكمة والمال فقال لعز الكمال وسئل من أحق الناس أن يؤتمن على تدبير المدينة فقال من كان في تدبير نفسه حسن المذهب
81 وقيل له من يسلم من سائر العيوب وقبيح الأفعال فقال من جعل عقله أمينه وحذره وزيره والمواعظ زمامه والصبر قائده والاعتصام بالتوقي ظهيره وخوف الله جليسه وذكر الموت أنيسه وقال الملك هو كالنهر الأعظم تستمد منه الأنهار الصغار فإن كان عذبا عذبت وإن كان مالحا ملحت وقال إذا أردت أن تدوم لك اللذة فلا تستوف الملتذ أبدا بل دع فيه فضله تدوم لك اللذة وقال إياك في وقت الحرب أن تستعمل النجدة وتدع العقل فإن للعقل مواقف قد تتم بلا حاجة إلى النجدة ولا ترى للنجدة غنى عن العقل وقال غاية الأدب أن يستحي المرء من نفسه وقال ما ألمت نفسي إلا من ثلاث من غني افتقر وعزيز ذل وحكيم تلاعبت به الجهال وقال لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة منهم وقال لا تطلب سرعة العمل واطلب تجريده فإن الناس لا يسألون في كم فرغ من هذا العمل وإنما يسألون عن جودة صنعه وقال إحسانك إلى الحر يحركه على المكافأة وإحسانك إلى الخسيس يحركه على معاودة المسألة وقال الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة من الجسد ويترك الصحيح منه وقال لا تستصغر عدوك فيقتحم عليك المكروه من زيادة مقداره على تقديرك فيه وقال ليس تكمل خيرية الرجل حتى يكون صديقا للمتعاديين وقال اطلب في الحياة العلم والمال تحز الرآسة على الناس لأنهم بين خاص وعام فالخاصة تفضلك بما تحسن والعامة تفضلك بما تملك وقال من جمع إلى شرف أصله شرف نفسه فقد قضى الحق عليه واستدعى التفضيل بالحجة ومن أغفل نفسه واعتمد على شرف آبائه فقد عقهم واستحق أن لا يقدم بهم على غيره وقال لا تبتاعن مملوكا قوي الشهزة فإن لك مولى غيرك ولا غضوبا فإنه يقلق في ملكك ولا قوي الرأي فيستعمل الحيلة عليك وقال استعمل مع فرط النصيحة ما تستعمله الخونة من حسن المداراة ولا تدخل عليك العجب لفضلك على أكفائك فيفسد عليك ثمرة ما فضلت به
82 وقال لا تنظر إلى أحد بالموضع الذي رتبه فيه زمانه وانظر إليه بقيمته في الحقيقة فإنها مكانه الطبيعي وقال إذا خبث الزمان كسدت الفضائل وضرت ونفقت الرذائل ونفعت وكان خوف الموسر أشد من خوف المعسر وقال لا يزال الجائر ممهلا حتى يتخطى إلى أركان العمارة ومباني الشريعة وإذا أقصد لها تحرك عليه قيم العالم فأباده وقال إذا طابق الكلام نية المتكلم حرك نية السامع وإن خالفها لم يحسن موقعه ممن أريد به وقال أفضل الملوك من بقي بالعدل ذكره واستملى من أتى بعده بفضائله وقال رجل جاهل لأفلاطون كيف قدرت على كثرة ما تعلمت فقال لأني أفنيت من الزيت بمقدار ما أفنيته أنت من الشراب وقال عين المحب عمياء عن عيوب المحبوب وقال إذا خاطبت من هو أعلم منك فجرد له المعاني ولا تكلف بإطالة اللفظ ولا تحسينه وإذا خاطبت من هو دونك في المعرفة فأبسط كلامك ليلحق في أواخره ما أعجزه في أوائله وقال الحلم لا ينسب إلا إلى من قدر على السطوة والزهد لا ينسب إلا إلى من ترك بعد القدرة وقال العزيز النفس هو الذي يذل للفاقة وقال الحسن الخلق من صبر على السيئ الخلق وقال أشرف الناس من شرفته الفضائل لا من تشرف بالفضائل وذلك أن من كانت الفضائل فيه جوهرية فهي تشرفه ومن كانت فيه عرضية تشرف بها ولم تشرفه وقال الحياء إذا توسط أوقف الإنسان عما عابه وإذا أفرط أوقفه عما يحتاج إليه وإذا قصر خلع عنه ثوب التجمل في كثير من أحواله وقال إذا حصل عدوك في قدرتك خرج من جملة أعدائك ودخل في عدة حشمك وقال ينبغي للمرء أن ينظر وجهه في المرآة فإن كان حسنا استقبح أن يضيف إليه فعلا قبيحا وإن كان قبيحا استقبح أن يجمع بين قبحين وقال لا تصحب الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه شرا وأنت لا تدري وقال إذا قامت حجتك في المناظرة على كريم أكرمك ووقرك وإذا قامت على خسيس عاداك واصطنعها عليك
83 وقال من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك وقال إنما صار التقليد واجبا في العالم لأن الضعف فيه قائم في الناس وقال من تعلم العلم لفضيلته لم يوحشه كساده ومن تعلمه لجدواه انصرف بانصراف الحظ عن أهله إلى ما يكسبه وقال ليكن خوفك من تدبيرك على عدوك أكثر من خوفك من تدبير عدوك عليك وقال رب مغبوط بنعمة هي بلاؤه ورب محسود على حال هي داؤه وقال شهوات الناس تتحرك بحسب شهوات الملك وإرادته وقال ما معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم وقال الأمل خداع الناس وقال احفظ الناموس يحفظك وقال إذا صادقت رجلا وجب أن تكون صديق صديقه وليس يجب عليك أن تكون عدو عدوه وقال المشورة تريك طبع المستشار وقال ينبغي للعاقل أن لا يتكسب إلا بأزيد ما فيه ولا يخدم إلا المقارب له في خلقه وقال أكثر الفضائل مرة المبادي حلوة العواقب وأكثر الرذائل حلوة المبادي مرة العواقب وقلا لا تستكثرن من عشرة حملة عيوب الناس فإنهم يتسقطون ما غفلت عنه وينقلونه إلى غيرك كما ينقلون عنه إليك وقال الظفر شافع المذنبين إلى الكرماء وقال ينبغي للحازم أن يعد للأمر الذي يلتمسه كل ما أوجبه الرأي في طلبه ولا يتكل فيه على الأسباب الخارجة عن سعيه مما يدعو إليه الأمل وما جرت به العادة فإنها ليست له وإنما هي للاتفاق الذي لا تثق به الحزمة وقيل لأفلاطون لم صار الرجل يقتني مالا وهو شيخ فقال لأن يموت الإنسان فيخلف مالا لأعدائه خير له من أن يحتاج في حياته إلى أصدقائه ورأى طبيبا جاهلا فقال هذا محب مزعج للموت وقال الإفراط في النصيحة يهجم بصاحبها على كثير من الظنة وقال ليس ينبغي للرجل أن يشغل قلبه بما ذهب منه ولكن يعتني بحفظ ما بقي عليه
84 وسأله أرسطوطاليس بماذا يعرف الحكيم أنه قد صار حكيما فقال إذا لم يكن بما يصيب من الرأي معجبا ولا لما يأتي من الأمر متكلفا ولم يستفزه عند الذم الغضب ولا يدخله عند المرح النخوة وسئل مم ينبغي أن يحترس فقال من العدو القادر والصديق المكدر والمسلط الغاضب وسئل أي شيء أنفع للإنسان فقال إن يعنى بتقويم نفسه أكثر من عنايته بتقويم غيره وقال الشرير العالم يسره الطعن على من تقدمه من العلماء ويسوؤه بقاء من في عصره منهم لأنه يحب أن لا يعرف بالعلم غيره لأن الأغلب عليه شهوة الرئاسة والخير العالم يسوؤه فقد أحد من طبقته في المعرفة لأن رغبته في الازدياد وإحياء علمه بالذاكرة أكثر من رغبته في الرئاسة والغلبة وقال تبكيت الرجل بالذنب بعد العفو عنه إزراء بالصنيعة وإنما يكون قبل هبة الجرم له وقال اطلب في حياتك العلم والمال والعمل الصالح فإن الخاصة تفضلك بما تحسن والعامة بما تملك والجميع بما تعمل وسئل أفلاطون عند موته عن الدنيا فقال خرجت إليها مضطرا وعشت فيها متحيرا وها أنا اخرج منها كارها ولم أعلم فيها إلا أنني لم أعلم كتب أفلاطون ولفلاطن من الكتب كتاب احتجاج سقراط على أهل أثينية كتاب فأذن في النفس كتاب السياسة المدنية كتاب طيماوس الروحاني في ترتيب العوالم الثلاثة العقلية التي هي عالم الربوبية وعالم العقل وعالم النفس كتاب طيماوس الطبيعي أربع مقالات في تركيب عالم الطبيعة كتب بهذين الكتابين إلى تلميذ له يسمى طيماوس وغرض فلاطن في كتابه هذا أن يصف جميع العلم الطبيعي أقول وذكر جالينوس في المقالة الثامنة من كتابه من آراء أبقراط وفلاطن إن كتاب طيماوس قد شرحه كثير من المفسرين وأطنبوا في ذلك حتى جاوزوا المقدار الذي ينبغي ما خلا الأقاويل الطبية التي فيه فإنه قل من رام شرحها ومن رام شرحها أيضا لم يحسن فيما كتب فيها ولجالينوس كتاب ينقسم إلى أربع مقالات فسر فيه ما في كتاب طيماوس من علم الطب كتاب الأقوال الأفلاطونية كتاب أونفرن كتاب أقريطن كتاب قراطلس كتاب ثاطيطس كتاب سوفسطس كتاب فوليطيقوس كتاب برمينيدس كتاب فلبس كتاب سمبوسين كتاب
85 القيبيادس الأول كتاب القيبيادس الثاني كتاب أبرخس كتاب أرسطا في الفلسفة كتاب ثاجيس في الفلسفة كتاب أوثوديموس كتاب لأخس في الشجاعة كتاب لوسيس كتاب أفروطاغورس كتاب غورجياس كتاب مانون كتابان مسميان أبيا كتاب أين كتاب منكسانس كتاب فليطفون كتاب الفلسفي كتاب أقريطياس كتاب مينس كتاب أفينومس كتاب النواميس إثنا عشر كتابا في الفلسفة كتاب فيما ينبغي كتاب في الأشياء العالية كتاب خرميدس في العفة كتاب فدروس كتاب المناسبات كتاب التوحيد كتاب في النفس والعقل والجوهر والغرض كتاب الحس واللذة مقالة كتاب تأديب الأحداث ووصاياهم كتاب معاتبة النفس كتاب أصول الهندسة أرسطوطاليس هو أرسطوطاليس بن نيقوماخس الجراسني الفيثاغوري وتفسير نيقوماخس قاهر الخصم وتفسير أرسطوطاليس تام الفضيلة حكي ذلك أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي كان نيقوماخس فيثاغوري المذهب وله تأليف مشهور في الأرثماطيقي قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل في كتابه عن أرسطوطاليس إنه كان فيلسوف الروم وعالمها وجهبذها ونحريرها وخطيبها وطبيبها قال وكان أوحد في الطب وغلب عليه علم الفلسفة وقال بطليموس في كتابه إلى غلس في سيرة أرسطوطاليس وخبره ووصيته وفهرست كتبه المشهورة إنه كان أصل أرسطوطاليس من المدينة التي تسمى أسطاغيرا وهي من البلاد التي يقال لها خلقيديق مما يلي بلاد تراقية بالقرب من أولنش وماثوني وكان اسم أمه أفسطيا قال وكان نقوماخس أبو أرسطوطاليس طبيب أمنطس أبي فيلبس وفيلبس هذا هو أبو الإسكندر الملك وكان نيقوماخس يرجع في نسبه إلى أسقليبيوس وكان أسقليبيوس هذا أبا ماخاون وماخاون أبو أسقليبيوس وكان أصل أمه أفسطيا يرجع في النسبة أيضا إلى أسقليبيوس
86 ويقال إنه لما توفي نيقوماخس أبوه أسلمه برقسانس وكيل أبيه وهو حدث لأفلاطن وقال بعض الناس أن إسلام أرسطوطاليس إلى أفلاطن إنما كان بوحي من الله تعالى في هيكل بوثيون وقال بعضهم بل إنما كان ذلك لصداقة كانت بين برقسانس وبين فلاطن ويقال إنه لبث في التعليم عن أفلاطن عشرين سنة وإنه لما عاد أفلاطن إلى سقلية في المرة الثانية كان أرسطوطاليس خليفته على دار التعليم المسماة أقاديميا وإنه لما قدم أفلاطن من سقلية انتقل ارسطوطاليس إلى لوقيون واتخذ هناك دار التعليم المنسوبة إلى الفلاسفة المشائين ثم لما توفي فلاطن سار إلى أرمياس الخادم الوالي على أترنوس ثم لما مات هذا الخادم رجع إلى أثينس وهي التي تعرف بمدينة الحكماء فأرسل إليه فيلبس فسار إلى مقدونيا فلبث بها يعلم إلى أن تجاوز الإسكندر بلاد آسيا ثم استخلف في مقدونيا قلسثانس ورجع إلى أثينا وأقام في لوقيون عشر سنين ثم إن رجلا من الكهنة الذي يسمون الكمريين يقال له أوروماذن أراد السعاية بأرسطوطاليس ونسبه إلى الكفر وإنه لا يعظم الأصنام التي كانت تعبد في ذلك الوقت بسب ضغن كان في نفسه عليه وقد قص أرسطوطاليس هذه القصة في كتابه إلى أنطيطوس فلما أحس أرسطوطاليس بذلك شخص عن أثينا إلى بلاده وهي خلقيديق لأنه كره أن يبتلي أهل أثنية من أمره بمثل الذي ابتلو في أمر سقراطيس معلم أفلاطن حتى قتلوه وكان شخوصه من غير أن يكون أحدا اجترأ به إلى أي شخص على قبول كتاب الكمري وقرفه أو أن يناله بمكروه وليس ما يحكي عن أرسطوطاليس من الاعتذار من قرف الكمري إياه بحق ولكنه شيء موضوع على لسانه ولما صار أرسطوطاليس إلى بلاده أقام بها بقية عمره إلى أن توفي وهو ابن ثمان وستين سنة قال وقد يستدل بما ذكرنا من حالاته على بطلان قول من يزعم أنه إنما نظر في الفلسفة بعد أن أتت عليه ثلاثون سنة وأنه إنما كان إلى هذا الوقت يلي سياسة المدن لعنايته التي كانت بإصلاح أمر المدن ويقال إن أهل أسطاغيرا نقلوا بدنه من الموضع الذي توفي فيه إليهم وصيروه في الموضع المسمى الأرسطوط اليسي وصيروا مجتمعهم للمشاورة في جلائل الأمور وما يحزنهم في ذلك الموضع وكان أرسطوطاليس هو الذي وضع سنن أسطاغيرا لأهلها وكان جليل القدر في الناس ودلائل ذلك بينة من كرامات الملوك الذين كانوا في عصره له فأما ما كان عليه من الرغبة في اصطناع المعروف والعناية بالإحسان إلى الناس فذلك بين من رسائله وكتبه وما يقف عليه الناظر فيها من كثرة توسطه
87 للأمور فيما بين ملوك دهره وبين العوام فيما يصلح به أمورهم ويجتلب به المنافع إليهم ولكثرة ما عقد من المنن والإحسان في هذا الباب صار أهل أثينية إلى أن اجتمعوا وتعاقدوا على أن كتبوا كتابا نقشوه في عمود من الحجارة وصيروه على البرج العالي الذي في المدينة وذكروا فيما كتبوا على ذلك العمود أن أرسطوطاليس بن نيقوخامس الذي من أهل أسطاغيرا قد استحق بما كان عليه من اصطناع المعروف وكثرة الأيادي والمنن وما يخص به أهل أثينية من ذلك ومن قيامه عند فيليبس الملك بما أصلح شأنهم وبلغ به الإحسان إليهم أن يتبين صناعة أهل أثينية عليه بجميل ما أتى من ذلك ويقروا له بالفضل والرئاسة ويوجبوا له الحفظ والحياطة وأهل الرئاسات فيهم هو نفسه وعقبه من بعده والقيام لهم بكل ما التمسوه من حوائجهم وأمورهم وقد كان رجل من أهل أثينية يقال له أيماراوس بعد اجتماع أهل أثينية على ما اجتمعوا عليه من هذا الكتاب شذ عن جماعتهم وقال بخلاف قولهم في أمر أرسطوطاليس ووثب على العمود الذي كان قد اجتمع أهل أثينية على أن كتبوا فيه ما كتبوا من الثناء ونصبوه في الموضع الذي يسمى أعلى المدينة فرمى به عن موضعه فظفر به بعد أن صنع ما صنع أنطينوس فقتله ثم أن رجلا من أهل أثينية يسمي أصطفانوس وجماعة معه عمدوا إلى عمود حجارة فكتبوا فيه من الثناء على أرسطوطاليس شبيها بما كان على العمود الأول وأثبتوا مع ذلك ذكر أيماراوس الذي رمى بالعمود وفعله ما فعل وأوجبوا لعنه والبراءة منه ولما أن مات فيلبس وملك الإسكندر بعده وشخص عن بلاده لمحاربة الأمم وحاز بلاد آسيا صار أرسطوطاليس إلى التبتل والتخلي عما كان فيه من الاتصال بأمور الملوك والملابسة لهم وصار إلى أثينية فهيأ موضع التعليم الذي ذكرناه فيما تقدم وهو المنسوب إلى الفلاسفة المشائين وأقبل على العناية بمصالح الناس ورفد الضعفاء وأهل الفاقة وتزويج الأيامى وعول اليتامى والعناية بتربيتهم ورفد الملتمسين للتعلم والتأدب من كانوا وأي نوع من العلم والأدب طلبوا ومعونتهم على ذلك وإنهاضهم والصدقات على الفقراء وإقامة المصالح في المدن وجدد بناء مدينته وهي مدينة أسطاغيرا ولم ينزل في الغاية من لين الجانب والتواضع وحسن اللقاء للصغير والكبير والقوي والضعيف وأما قيامه بأمور أصدقائه فلا يوصف ويدل على ذلك ما كتبه أصحاب السير واتفاقهم جميعاعلى ما كتبوه من خبر أرسطوطاليس وسيرته وقال الأمير المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن أرسطوطاليس لما بلغ ثماني سنين حمله أبوه إلى بلاد أثينية وهي المعروفة ببلاد الحكماء وأقام في لوقين منها فضمه أبوه إلى الشعراء والبلغاء والنحويين فأقام متعلما منهم تسع سنين وكان اسم
88 هذا العلم عندهم المحيط أعني علم اللسان لحاجة جميع الناس إليه لأنه الأداة والمراقي إلى كل حكمة وفضيلة والبيان الذي يتحصل به كل علم وأن قوما من الحكماء أزروا بعلم البلغاء واللغويين والنحويين وعنفوا المتشاغلين به منهم أبيقورس وفيثاغورس وزعموا أنه لا يحتاج إلى علمهم في شيء من الحكمة لأن النحويين معلمو الصبيان والشعراء أصحاب أباطيل وكذب والبلغاء أصحاب تمحل ومحاباة ومراء فلما بلغ أرسطوطاليس ذلك أدركته الحفيظة لهم فناضل عن النحويين والبلغاء والشعراء واحتج منهم وقال أنه لا غنى للحكمة عن علمهم لأن المنطق أداة لعلمهم وقال أن فضل الإنسان على البهائم بالمنطق فأحقهم بالأنسية أبلغهم في منطقه وأوصلهم إلى عبارة ذات نفسه وأوضعهم لمنطقة في موضعه وأحسنهم اختيارا لأوجزه وأعذبه ولأن الحكمة أشرف الأشياء فينبغي أن تكون العبارة عنها بأحكم المنطق وأفصح اللهجة وأوجز اللفظ الأبعد عن الدخل والزلل وسماجة المنطق وقبح اللكنة والعي فإن ذلك يذهب بنور الحكمة ويقطع عن الأداء ويقصر عن الحاجة ويلبس على المستمع ويفسد المعاني ويورث الشبهة فلما استكمل علم الشعراء والنحويين والبلغاء واستوعبه قصد إلى العلوم الأخلاقية والسياسة والطبيعية والتعليمية والإلهية وانقطع إلى أفلاطن وصار تلميذا له ومتعلما منه وله يومئذ سبع عشرة سنة قال المبشر بن فاتك وكان أفلاطن يجلس فيستدعي منه الكلام فيقول حتى يحضر الناس فإذا جاء أرسطوطاليس قال تكلموا فقد حضر الناس وربما قال حتى يحضر العقل فإذا حضر أرسطوطاليس قال تكلموا فقد حضر العقل قال ولما توفي أرسطوطاليس نقل أهل أسطاغيرا رمته بعدما بليت وجمعوا عظامه وسيروها في إناء من نحاس ودفنوها في الموضع المعروف بالأرسطوط اليسي وصيروه مجمعا لهم يجتمعون فيه للمشاورة في جلائل الأمور وما يحزنهم ويستريحون إلى قبره ويسكنون إلى عظامه فإذا صعب عليهم شيء من فنون العلم والحكمة آبوا بذلك الموضع وجلسوا إليه ثم تناظروا فيما بينهم حتى يستنبطوا ما أشكل عليهم ويصح لهم ما شجر بينهم وكانوا يرون أن مجيئهم إلى ذلك الموضع الذي فيه عظام أرسطوطاليس يذكي عقولهم ويصحح فكرهم
89 ويلطف أذهانهم وأيضا تعظيما له بعد موته وأسفا على فراقه وحزنا لأجل الفجيعة به وما فقدوه من ينابيع الحكمة وقال المسعودي في كتاب المسالك والممالك أن المدينة الكبرى التي تسمى بالرم من جزيرة صقلية فيها مسجد الجامع الأكبر وكان بيعة للروم فيه هيكل عظيم قال وسمعت بعض المنظفين يقول أن حكيم يونان يعني أرسطوطاليس في خشبة معلق في هذا الهيكل الذي قد اتخذه المسلمون مسجدا وأن النصارى كانت تعظم قدره وتستشفي به لما شاهدت اليونانية عليه من إكباره وإعظامه وأن السبب في تعليقه بين السماء والأرض ما كان الناس يلاقونه عند الاستشفاء والاستسقاء والأمور المهمة التي توجب الفزع إلى الله تعالى والتقرب إليه في حين الشدة والهلكة وعند وطء بعضهم لبعض قال المسعودي وقد رأيت هناك خشبة عظيمة يوشك أن يكون القبر فيها وقال المبشر بن فاتك وكان أرسطوطاليس كثير التلاميذ من الملوك وأبناء الملوك وغيرهم منهم ثاوفرسطس وأذيموس والاسكندروس الملك وأرمينوس وأسخولوس وغيرهم من الأفاضل المشهورين بالعلم المبرزين في الحكمة المعروفين بشرف النسب وقام من بعده ليعلم حكمته التي صنفها وجلس على كرسيه وورث مرتبته ابن خالته ثاوفرسطس ومعه رجلان يعينانه على ذلك ويؤازرانه يسمى أحدهما أرمينوس والآخر أسخولوس وصنفوا كتبا كثيرة في المنطق والحكمة وخلف من الولد ابنا صغيرا يقال له نيقوماخس وابنة صغيرة أيضا وخلف مالا كثيرا وعبيدا وأماء كثيرة وغير ذلك قال وكان أرسطوطاليس أبيض أجلح قليلا حسن القامة عظيم العظام صغير العينين كث اللحية أشهل العينين أقنى الأنف صغير الفم عريض الصدر يسرع في مشيته إذا خلا ويبطئ إذا كان مع أصحابه ناظرا في الكتب دائما لا يهذي ويقف عند كل كلمة ويطيل الإطراق عند السؤال قليل الجواب يتنقل في أوقاف النهار في الفيافي ونحو الأنهار محبا لاستماع الألحان والاجتماع بأهل الرياضات وأصحاب الجدل منصفا من نفسه إذا خصم معترفا بموضع الإصابة والخطأ معتدلا في الملابس والمآكل والمشارب والمناكح والحركات بيده آلة النجوم والساعات وقال حنين ابن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء كان منقوشا على فص خاتم أرسطوطاليس المنكر لما يعلم أعلم من المقر بما يعلم
90 وقال الشيخ أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام المنطقي في تعاليقه أن ثيوفرسطس كان وصي أرسطوطاليس وأن أرسطوطاليس عمر إحدى وستين سنة قال وأما أفلاطن فإنه عمر كثيرا وقال ابن النديم البغدادي الكاتب في كتاب الفهرست أن أرسطوطاليس توفي وله ست وستون سنة ومن خط إسحق ولفظه عاش أرسطوطاليس سبعا وستين سنة وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب التعريف بطبقات الأمم أن أرسطوطاليس انتهت إليه فلسفة اليونانيين وهو خاتم حكمائهم وسيد علمائهم وهو أول من خلص صناعة البرهان من سائر الصناعات المنطقية وصورها بالأشكال الثلاثة وجعلها آلة للعلوم النظرية حتى لقب بصاحب المنطق وله في جميع العلوم الفلسفية كتب شريفة كلية وجزئية فالجزئية رسائله التي يتعلم منها معنى واحد فقط والكلية بعضها تذاكير يتذكر بقراءتها ما قد علم من علمه وهي السبعون كتابا التي وضعها لاوفارس وبعضها تعاليم يتعلم منها ثلاثة أشياء أحدها علوم الفلسفة والثاني أعمال الفلسفة والثالث الآلة المستعملة في علم الفلسفة وغيره من العلوم فالكتب التي في علوم الفلسفة بعضها في العلوم التعليمية وبعضها في العلوم الطبيعية وبعضها في العلوم الآلهية فأما الكتب التي في العلوم التعليمية فكتابه في المناظر وكتابه في الخطوط وكتابه في الحيل وأما الكتب التي في العلوم الطبيعية فمنها ما يتعلم منه الأمور التي تعم جميع الطبائع ومنها ما يتعلم منه الأمور التي تخص كل واحد من الطبائع فالتي يتعلم منها الأمور التي تعم جميع الطبائع هي كتابه المسمى بسمع الكيان فهذا الكتاب يعرف بعدد المبادئ لجميع الأشياء الطبيعية وبالأشياء التي هي كالمبادئ وبالأشياء التوالي للمبادئ وبالأشياء المشاكلة للتوالي أما المبادئ فالعنصر والصورة وأما التي كالمبادئ فليست مبادئ بالحقيقة بل بالتقريب كالعدم وأما التوالي فالزمان والمكان وأما المشاكلة للتوالي فالخلاء الملاء وما لا نهاية له وأما التي يعلم منها الأمور الخاصية لكل واحد من الطبائع فبعضها في الأشياء التي لا كون لها وبعضها في الأشياء المكونة أما التي في الأشياء التي لا كون لها فالأشياء التي تتعلم من المقالتين الأوليتين من كتاب السماء والعالم وأما التي في الأشياء المكونة فبعض علمها عامي وبعضها خاصي
91 والعامي بعضه في الاستحالات وبعضه في الحركات أما الاستحالات ففي كتاب الكون والفساد وأما الحركات ففي المقالتين الآخرتين من كتاب السماء والعالم وأما الخاصي فبعضه في البسائط وبعضه في المركبات أما الذي في البسائط ففي كتاب الآثار العلوية وأما الذي في المركبات فبعضه في وصف كليات الأشياء المركبة وبعضه في وصف أجزاء الأشياء المركبة أما الذي في وصف كليات المركبات ففي كتاب الحيوان وفي كتاب النبات وأما الذي في وصف أجزاء المركبات ففي كتاب النفس وفي كتاب الحس والمحسوس وفي كتاب الصحة والسقم وفي كتاب الشباب والهرم وأما الكتب التي في العلوم الإلهية فمقالاته الثلاث عشرة التي في كتاب ما بعد الطبيعة وأما الكتب التي في أعمال الفلسفة فبعضها في إصلاح أخلاق النفس وبعضها في السياسة فأما التي في إصلاح أخلاق النفس فكتابه الكبير الذي كتب به إلى ابنه وكتابه الصغير الذي كتب به إلى ابنه أيضا وكتابه المسمى أوديميا وأما التي في السياسة فبعضها في سياسة المدن وبعضها في سياسة المنزل وأما الكتب التي في الآلة المستعملة في علوم الفلسفة فهي كتبه الثمانية المنطقية التي لم يسبقه أحد ممن علمناه إلى تأليفها ولا تقدمه إلى جمعها وقد ذكر ذلك أرسطوطاليس في آخر الكتاب السادس منها وهو كتاب سوفسيطيقا فقال وأما صناعة المنطق وبناء السلوجسموس فلم نجد لها فيما خلا أصلا متقدما نبني عليه لكنا وقفنا على ذلك بعد الجهد الشديد والنصب الطويل وهذه الصناعة وإن كنا نحن ابتدعناها واخترعناها فقد حصنا جهتها ورممنا أصولها ولم نفقد شيئا مما ينبغي أن يكون موجودا فيها كما فقدت أوائل الصناعات ولكنها كاملة مستحكمة مثبتة أسسها مرموقة قواعدها وثيق بنيانها معروفة غاياتها واضحة أعلامها قد قدمت أمامها أركانا ممهدة ودعائم موطدة فمن عسى أن ترد عليه هذه الصناعة بعدنا فليغتفر خللا إن وجده فيها وليعتد بما بلغته الكلفة منا اعتداده بالمنة العظيمة واليد الجليلة ومن بلغ جهده بلغ عذره وقال أبو نصر الفارابي إن أرسطوطاليس جعل أجزاء المنطق ثمانية كل جزء منها في كتاب الأول في قوانين المفردات من المعقولات والألفاظ الدالة عليها وهي في الكتاب الملقب في العربية بالمقولات وباليونانية القاطاغورياس
92 والثاني في قوانين الألفاظ المركبة التي هي المعقولات المركبة من معقولين مفردين والألفاظ الدالة عليها المركبة من لفظين وهي في الكتاب الملقب في العربية بالعبارة وباليونانية باريمينياس والثالث في الأقاويل التي تميز بها القياسات المشتركة للصنائع الخمس وهي في الكتاب الملقب في العربية بالقياس وباليونانية أنالوطيقيا الأولى والرابع في القوانين التي تمتحن بها الأقاويل البرهانية وقوانين الأمور التي تلتئم بها الفلسفة وكل ما يصير بها أفعالها أتم وأفضل وأكمل وهو بالعربية كتاب البرهان وباليونانية أنالوطيقيا الثانية والخامس في القوانين التي تمتحن بها الأقاويل وكيفية السؤال الجدلي والجواب الجدلي وبالجملة قوانين الأمور التي تلتئم بها صناعة الجدل وتصير بها أفعالها أكمل وأفضل وأنفذ وهو بالعربية كتاب المواضيع الجدلية وباليونانية طوبيقا والسادس في قوانين الأشياء التي شأنها أن تغلط عن الحق وتحيد وأحصى جميع الأمور التي يستعملها من قصده التمويه والمخرقة في العلوم والأقاويل ثم من بعدها أحصى ما ينبغي أن تنتفي به الأقاويل المغلطة التي يستعملها المستمع والمموه وكيف يفتتح وبأي الأشياء يوقع وكيف يتحرز الإنسان ومن أين يغلط في مطلوباته وهذا الكتاب يسمى باليونانية سوفسطيقا ومعناه الحكمة المموهة والسابع في القوانين التي يمتحن بها الأقاويل الخطبية وأصناف الخطب وأقاويل البلغاء والخطباء هل هي على مذهب الخطابة أم لا ويحصي فيها جميع الأمور التي بها تلتئم صناعة الخطابة ويعرف كيف صنعة الأقاويل الخطبية والخطب في فن من الأمور وبأي الأشياء تصير أجود وأكمل وتكون أفعالها أنفع وأبلغ وهذا الكتاب يسمى باليونانية الريطورية وهي الخطابة والثامن في القوانين التي يشير بها الأشعار وأصناف الأقاويل الشعرية المعمولة والتي تعمل من فن فن من الأمور ويحصي أيضا جميع الأمور التي بها تلتئم صناعة الشعر وكم أصنافها وكم أصناف الأشعار والأقاويل الشعرية وكيف صنعة كل صنف منها ومن أي الأشياء تلتئم وتصير أجود وأفهم وأبهى آلة وبأي الأحوال ينبغي أن تكون حتى تصير أبلغ وأبعد وهذا الكتاب يسمى باليونانية فويطيقا وهو كتاب الشعر فهذه جملة أجزاء المنطق وجملة ما يشتمل عليه كل جزء منها والجزء الرابع هو أشدها تقدما للشرف والرآسة والمنطق إنما التمس به على القصد الأول الجزء الرابع وباقي أجزائها إنما تحمل لأجل الرابع فأن الثلاثة التي تتقدمه في ترتيب التعليل هي توطئات ومداخل وطرق إليه والأربعة الباقية التي تتلوه فلشيئين أحدهما أن في كل واحد منها أرفادا ما ومعونة على الجزء الرابع ومعونة بعضها أكثر وبعضها أقل
93 والثاني على جهة التحديد وذلك أنها لو لم تتميز هذه الصنائع بعضها من بعض بالفعل حتى تعرف قوانين كل واحد منها على انفرادها متميزة عن قوانين الأخرى لم يأمن الإنسان عند التماس الحق واليقين أن يستعمل الأشياء الجدلية من حيث لا يشعر أنها جدلية فيعدل من اليقين إلى الظنون القوية ويكون قد استعمل من حيث لا يشعر أمورا خطبية فيعدل به إلى الإقناع أو يكون قد استعمل المغالطات من حيث لا يشعر وإما أن توهمه فيهما ليس بحق إنه حق فيعتقده وإما أن يكون قد استعمل الأشياء الشعرية من حيث لا يشعر أنها شعرية فيكون قد عمل في اعتقاداته على التخيلات وعند نفسه أنه سلك في كل هذه الأقوال الطريق إلى الحق وصادف متلمسه فلا يكون صادفه على الحقيقة كما أن الذي لا يعرف الأزمنة والأدوية ولا تتميز له السموم عن هذه بالفعل حتى يتقن معرفتها بعلاماتها لم يأمن أن يتناولها على أنها داء أو دواء من حيث لا يشعر فيتلف وأما على القصد الثاني فإنه يكون قد أعطى كل صناعة من الصنائع الأربع جميع ما تلتئم به تلك الصناعة حتى يدري الإنسان إذا أراد أن يصير جدليا بارعا كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي شيء يمتحن على نفسه أو على غيره أقاويله وليعلم هل سلك فيها طريق الجدل ويدري إذا أراد أن يصير خطيبا بارعا كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي الأشياء يمتحن على نفسه أو على غيره أقاويله ويعلم هل سلك في ذلك طريق الخطابة أو أي طريق غيرها وكذلك يدري إذا أراد أن يصير شاعرا بارعا كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي الأشياء يمتحن على نفسه أو على غيره من الشعر ويدري هل سلك في أقاويله طريق الشعراء أو عدل عنه وخلط به طريقا غيره وكذلك يدير إذا أراد أن تكون له القدرة على أن يغالط غيره ولا يغالطه أحد كم شيء يحتاج إلى أن يعلمه فيدري بأي الأشياء يمكن أن يمتحن كل قول وكل رأي فيعلم هل غالط فيه أو غولط ومن أي جهة كان ذلك وصية أرسطوطاليس قال بطليموس في كتابه إلى غلس في سيرة أرسطوطاليس ولما حضرت أرسطوطاليس الوفاة أوصى بهذه الوصية التي نحن ذاكروها قال إني جعلت وصيي أبدا في جميع ما خلفت انطيبطرس وإلى أن يقدم نيقاتر فليكن أرسطومانس وطيمارخس وأبرخس وديوطالس معتنين بتفقد ما يحتاج إلى تفقده والعناية بما ينبغي أن يعنى به من أمر أهلي وأربليس جاريتي وسائر جواري وعبيدي وما خلفت وإن سهل على ثاورسطس وأمكنه القيام معهم في ذلك كان معهم ومتى أدركت ابنتي تولى أمرها نيقاتر وإن حدث بها حدث الموت قبل أن تتزوج أو بعد ذلك من غير أن يكون لها ولد فالأمر مردود إلى نيقاتر
94 في أمرها وفي أمر ابني نيقوماخس وتوصيتي إياه في ذلك أن يجري التدبير فيما يعمل به في ذلك على ما يشتهي وما يليق به لو كان أبا أو أخا لهما وإن حدث بنيقاتر حدث الموت قبل أن تتزوج ابنتي أو بعد تزويجها من غير أن يكون لها ولد فأوصى نيقاتر فيما خلفت بوصية فهي جائزة نافذة وإن مات نيقاتر عن غير وصية وسهل على ثاوفرسطس وأحب أن يقوم في الأمر مقامه فذلك له في جميع ما كان يقوم به نيقاتر من أمر ولدي وغير ذلك مما خلفت وإن لم يحب ثاوفرسطس القيام بذلك فليرجع الأوصياء الذين سميت إلى أنطيبطرس فيشاوروه فيما يعملون به فيما خلفت ويمضوا الأمر على ما يتفقون عليه وليحفظني الأوصياء ونيقاتر في أربليس فإنها تستحق مني ذلك لما رأيت من عنايتها بخدمتي واجتهادها فيما وافقني ويهيئوا لها جميع ما تحتاج إليه وإن هي أحبت التزويج فلا توضع إلا عند رجل فاضل وليدفع إليها من الفضة سوى ما هو لها طالنطن واحد وهو مائة وخمس وعشرون رطلا ومن الإماء ثلاث ممن تختار مع جاريتها التي لها وغلامها وإن هي أحبت المقام بخلقيس فلها السكنى في داري دار الضيافة التي إلى جانب البستان وإن اختارت السكنى في المدينة بأسطاغيرا فلتسكن في منازل آبائي وأي المنازل اختارته فليتخذ الأوصياء لها فيه ما تذكر إنها تحتاج إليه مما يرون إن لها فيه مصلحة وبها إليه حاجة أما أهلي وولدي فلا حاجة بي إلى أن أوصيهم بأمرهم وليعن نيقاتر بمرمقس الغلام حتى يرده إلى بلده ومعه جميع ما له على الحالة التي يشتهيها ولتعتق جاريتي أمبراقيس وإن هي بعد العتق أقامت على خدمة ابنتي إلى أن تتزوج فليدفع إليها خمسمائة درخمى وجاريتها ويدفع إلى ثاليس الصبية التي ملكناها قريبا غلام من مماليكنا وألف درخمى ويدفع إلى سمينس ثمن غلام يبتاعه لنفسه غير الغلام الذي كان دفع إليه ثمنه ويوهب له سوى ذلك شيء على ما يرى الأوصياء ومتى تزوجت ابنتي فليعتق غلماني ثاخن وفيلن وأولمبوس ولا يباع ابن أولمبوس ولا أحد ممن خدمني من غلماني ولكن يقرون مماليك في الخدمة إلى أن يدركوا مدرك الرجال فإذا بلغوا ذلك فليعتقوا ويفعل بهم فيما يوهب لهم حسب استحقاقهم قال حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة أصل اجتماعات الفلاسفة إنه كانت الملوك من اليونانية وغيرها تعلم أولادها الحكمة والفلسفة وتؤديهم بأصناف الآداب وتتخذ لهم بيوت الذهب المصورة بأصناف الصور وإنما جعلت الصور لارتياح القلوب إليها واشتياق النظر إلى رؤيتها فكان الصبيان يلازمون بيوت الصور للتأديب بسبب الصور التي فيها وكذلك نقشت اليهود هياكلها وصورت النصارى كنائسها وبيعها وزوق المسلمون مساجدهم كل ذلك لترتاح النفوس إليها وتشتغل القلوب بها فإذا حفظ المتعلم من أولاد الملوك علما أو حكمة أو أدبا صعد على درج إلى مجلس
95 معمول من الرخام المصور المنقوش في يوم العيد الذي يجتمع فيه أهل المملكة إلى ذلك البيت بعد انقضاء الصلاة والتبرك فيتكلم بالحكمة التي حفظها وينطق بالأدب الذي وعاه على رؤوس الأشهاد في وسطهم وعليه التاج وحلل الجواهر ويحيي المعلم ويكرم ويبر ويشرف الغلام ويعد حكيما على قدر ذكائه وفهمه وتعظم الهياكل وتستر ويشعل فيها النيران والشمع وتبخر بالدخن الطيبة ويتزين الناس بأنواع الزينة وبقي ذلك إلى اليوم للصابئة والمجوس واليهود والنصارى إثباتات في الهياكل وللمسلمين منابر في المساجد قال حنين بن إسحاق وكان أفلاطون المعلم الحكيم في زمن روفسطانيس الملك وكان اسم ابنه نطافورس وكان أرسطوطاليس غلاما يتيما قد سمت به همته إلى خدمة أفلاطون الحكيم فاتخذ روفسطانس الملك بيتا للحكمة وفرشه لابنه نطافورس وأمر أفلاطون بملازمته وتعليمه وكان نطافورس غلاما متخلفا قليل الفهم بطيء الحفظ وكان أرسطوطاليس غلاما ذكيا فهما جادا معبرا وكان أفلاطون يعلم نطافورس الحكمة والآداب فكان ما يتعلمه اليوم ينساه غدا ولا يعبر حرفا واحدا وكان أرسطوطاليس يتلقف ما يلقى إلى نطافورس فيحفظه ويرسخ في صدره ويعي ذلك سرا عن أفلاطون ويحفظه وأفلاطون لا يعلم بذلك من سر أرسطوطاليس وضميره حتى إذا كان يوم العيد زين بيت الذهب وألبس نطافورس الحلى والحلل وحضر الملك روفسطانس وأهل المملكة وأفلاطون وتلاميذه وانقضت الصلاة وصعد أفلاطون الحكيم ونطافورس إلى مرتبة الشرف ودراسة الحكم على الأشهاد والملوك فلم يؤد الغلام نطافورس شيئا من الحكمة ولا نطق بحرف من الآداب فأسقط في يد أفلاطون واعتذر إلى الناس بأنه لم يمتحن علمه ولا عرف مقدار فهمه وأنه كان واثقا بحكمته وفطنته ثم قال يا معشر التلامذة من فيكم يضطلع بحفظ شيء من الحكمة وينوب عن نطافورس فبدر أرسطوطاليس فقال أنا أيها الحكيم فازدراه ولم يأذن له في الكلام ثم أعاد القول على تلامذته فبدرهم أرسطوطاليس فقال أنا يا معلم الحكمة أضطلع بما ألقيت من الحكمة إلى نطافورس فقال له أرق فرقي أرسطوطاليس الدرج بغير زينة ولا استعداد في أثوابه الدنيئة المبتذلة فهدر كما يهدر الطير وأتى بأنواع الحكمة والأدب الذي ألقاه أفلاطون إلى نطافورس ولم يترك منها حرفا واحدا فقال أفلاطون أيها الملك هذه الحكمة التي لقنتها نطافورس قد وعاها أرسطوطاليس سرقة وحفظها سرا ما غادر منها حرفا فما حيلتي في الرزق والحرمان وكان الملك في مثل ذلك اليوم يرشح ابنه للملك ويشرفه ويعلي مرتبته فأمر الملك باصطناع أرسطوطاليس ولم يرشح ابنه للملك وانصرف الجميع في ذلك اليوم على استحسان ما أتى به أرسطوطاليس والتعجب من الرزق والحرمان مقالة أرسطوطاليس قال حنين بن إسحاق هذا بعض ما وجدت من حكمة أرسطوطاليس في ذلك اليوم
96 لبارئنا التقديس والإعظام والإجلال والإكرام أيها الأشهاد العلم موهبة الباري والحكمة عطية من يعطي ويمنع ويحط ويرفع والتفاضل في الدنيا والتفاخر في الحكمة التي هي روح الحياة وعمادة العقل الرباني العلوي أنا أرسطوطاليس بن فيلوبيس اليتيم خادم نطافورس ابن الملك العظيم حفظت ووعيت والتسبيح والتقديس لمعلم الصواب ومسبب الأسباب أيها الأشهاد بالعقول تتفاضل الناس لا بالأصول وعيت عن أفلاطون الحكيم الحكمة رأس العلوم والآداب تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان وبالفكر الثاقب يدرك الرأي العازب وبالتالي تسهل المطالب وبلين الكلم تدوم المودة في الصدور وبخفض الجناح تتم الأمور وبسعة الأخلاق يطيب العيش ويكمل السرور وبحسن الصمت جلالة الهيبة وبإصابة المنطق يعظم القدر ويرتقي الشرف وبالإنصاف يحب التواصل وبالتواضع تكثر المحبة وبالعفاف تزكو الأعمال وبالأفضال يكون السؤدد وبالعدل يقهر العدو وبالحكم تكثر الأنصار وبالرفق تستخدم القلوب وبالإيثار يستوجب اسم الجود وبالإنعام يستحق اسم الكرم وبالوفاء يدوم الإخاء وبالصدق يتم الفضل وبحسن الاعتبار تضرب الأمثال والأيام تفيد الحكم يستوجب الزيادة من عرف نقص الدنيا ومن الساعات تتولد الآفات وبالعافية يوجد طيب الطعام والشراب وبحلول المكاره يتنغص العيش وتتكدر النعم وبالمن يكفر بالإحسان وبالجحد للإنعام يجب الحرمان صديق الملول زائل عنه السيء الخلق مخاطر صاحبه الضيق الباع حسير النظر البخيل ذليل وإن كان غنيا والجواد عزيز وأن كان مقلا الطمع هو الفقر الحاضر اليأس الغنى الظاهر لا أدري نصف العلم السرعة في الجواب توجب العثار التروي في الأمور يبعث على البصائر الرياضة تشحذ القريحة الأدب يغني عن الحسب التقوى شعار العالم والرياء لبوس الجاهل مقاساة الأحمق عذاب الروح الاستهتار بالنساء فعل الفوكي الاشتغال بالفائت تضييع الأوقات المتعرض للبلاء مخاطر بنفسه التمني سبب الحسرة الصبر تأييد العزم وثمرة الفرج وتمحيق المحنة صديق الجاهل مغرور المخاطر خائب من عرف نفسه لم يضع بين الناس من زاد علمه على عقله كان علمه وبالا عليه المجرب احكم من الطبيب إذا فاتك الأدب فالزم الصمت من لم ينفعه العلم يأمن ضرر الجاهل من تأنى لم يندم من افتخر ارتطم من عجل تورط
97 من تفكر سلم ومن روى غنم من سأل علم من حمل ما لا يطيق ارتبك التجارب ليس لها غاية والعاقل منها في زيادة للعادة على كل أحد سلطان وكل شيء يستطاع نقله إلا الطباع وكل شيء يتهيأ فيه حيلة إلا القضاء من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار قد يكتفى من حظ البلاغة بالإيجاز لا يؤتى الناطق إلا من سوء فهم السامع ومن وجد برد اليقين أغناه عن المنازعة في السؤال ومن عدم درك ذلك كان مغمورا بالجهل ومفتونا بعجب الرأي ومعدولا بالهوى عن باب التثبت ومصروفا بسوء العادة عن تفصيل التعليم الجزع عند مصائب الإخوان أحمد من الصبر وصبر المرء على مصيبته أحمد من جزعه ليس شيء أقرب إلى تغيير النعم من الإقامة على الظلم من طلب خدمة السلطان بغير أدب خرج من السلامة إلى العطب الارتقاء إلى السؤدد صعب والانحطاط إلى الدناءة سهل قال حنين بن إسحاق وهذا الصنف من الآداب أول ما يعلمه الحكيم للتلميذ في أول سنة مع الخط اليوناني ثم يرفعه من ذلك إلى الشعر والنحو ثم إلى الحساب ثم إلى الهندسة ثم إلى النجوم ثم إلى الطب ثم إلى الموسيقى ثم بعد ذلك يرتقي إلى المنطق ثم الفلسفة وهي علوم الآثار العلوية فهذه عشرة علوم يتعلمها المتعلم في عشر سنين فلما رأى أفلاطون الحكيم حفظ أرسطوطاليس لما كان يلقى إلى نطافورس وتأديبه إياه كما ألقاه سره حفظه وطبعه ورأى الملك قد أمر باصطناعه فاصطنعه هو وأقبل عليه وعلمه علما علما حتى وعى العلوم العشرة وصار فيلسوفا حكيما جامعا لما تقدم ذكره أقول ومن كلام أرسطوطاليس وهو أصل يعتمد عليه في الصحة عجبت لمن يشرب ماء الكرم ويأكل الخبز واللحم ويقتصد في حركته وسكونه ونومه ويقظته وأحسن السياسة في جماعة وتعديل مزاجه كيف يمرض آداب أرسطوطاليس ومن آداب أرسطوطاليس وكلماته الحكيمة مما ذكره الأمير المبشر بن فاتك قال أرسطوطاليس أعلم أنه ليس شيء أصلح من أولي الأمر إذا صلحوا ولا أفسد لهم ولأنفسهم منهم إذا فسدوا فالوالي من الرعية بمنزلة الروح من الجسد الذي لا حياة له إلا بها وقال احذر الحرص فأما ما هو مصلحك ومصلح على يديك فالزهد واعلم أن الزهد باليقين
98 واليقين بالصبر والصبر بالفكر فإذا فكرت في الدنيا لم تجدها أهلا لأن تكرمها بهوان الآخرة لأن الدنيا دار بلاء ومنزل بلغة وقال إذا أردت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنه من لم تكن له القناعة فليس المال مغنيه وإن كثر وقال اعلم أن من علامة تنقل الدنيا وكدر عيشها أنه لا يصلح منها جانب إلا بفساد جانب آخر ولا سبيل لصاحبها إلى عز إلا بإذلال ولا استغناء إلا بافتقار واعلم أنها ربما أصيبت بغير حزم في الرأي ولا فضل في الدين فإن أصبت حاجتك منها وأنت مخطئ أو أدبرت عنك وأنت مصيب فلا يستخفنك ذلك إلى معاودة الخطأ ومجانبة الصواب وقال لا تبطل عمرا في غير نفع ولا تضع لك مالا في غير حق ولا تصرف لك قوة في غير عناء ولا تعدل لك رأيا في غير رشد فعليك بالحفظ لما أتيت من ذلك والجد فيه وخاصة في العمر الذي كل شيء مستفاد سواه وإن كان لا بد لك من اشغال نفسك بلذة فلتكن في محادثة العلماء ودرس كتب الحكمة وقال اعلم أنه ليس من أحد يخلو من عيب ولا من حسنة فلا يمنعك عيب رجل من الاستعانة به فيما لا نقص به ولا يحملنك ما في رجل من الحسنات على الاستعانة به فيما لا معونة عنده عليه واعلم أن كثرة أعوان السوء أضر عليك من فقد أعوان الصدق وقال العدل ميزان الله عز وجل في أرضه وبه يؤخذ للضعيف من القوي وللمحق من المبطل فمن أزال ميزان الله عما وضعه بين عباده فقد جهل أعظم الجهالة واعتز بالله سبحانه أشد اعتزازا وقال العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلا والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما وقال ليس طلبي للعلم طمعا في بلوغ قاصيته ولا الاستيلاء على غايته ولكن التماسا لما لا يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه وقال اطلب الغنى الذي لا يفنى والحياة التي لا تتغير والملك الذي لا يزول والبقاء الذي لا يضمحل وقال أصلح نفسك لنفسك يكن الناس تبعا لك وقال كن رؤوفا رحيما ولا تكن رأفتك ورحمتك فسادا لمن يستحق العقوبة ويصلحه الأدب وقال خذ نفسك بإثبات السنة فإن فيها إكمال التقى وقال افترص من عدوك الفرصة
99 واعمل على أن الدهر دول وقال لا تصادم من كان على الحق ولا تحارب من كان متمسكا بالدين وقال صير الدين موضع ملكك فمن خالفه فهو عدو لملكك ومن تمسك بالسنة فحرام عليك ذمه وإدخال المذلة عليه واعتبر ممن مضى ولا تكن عبرة لمن بعدك وقال لا فخر فيما يزول ولا غنى فيما لا يثبت وقال عامل الضعيف من أعدائك على أنه أقوى منك وتفقد جندك تفقد من قد نزلت به الآفة واضطرته إلى مدافعتهم وقال دار الرعية مداراة من قد انهتكت عليه مملكته وكثرة عليه أعداؤه وقال قدم أهل الدين والصلاح والأمانة على أنك تنال بذلك في العاقبة الفوز وتتزين به في الدنيا وقال اقمع أهل الفجور على أنك تصلح دينك ورعيتك بذلك وقال لا تغفل فإن الغفلة تورث الندامة وقال لا ترج السلامة لنفسك حتى يسلم الناس من جورك ولا تعاقب غيرك على أمر ترخص فيه لنفسك واعتبر بمن تقدم واحفظ ما مضى والزم الصحة يلزمك النصر وقال الصدق قوام أمر الخلائق والكذب داء لا ينجو من نزل به ومن جعل الأجل أمامه أصلح نفسه ومن وسخ نفسه أبغضته خاصته وقال لن يسود من يتبع العيوب الباطنة من إخوانه من تجبر على الناس ذلته من أفرط في اللوم كره الناس حياته من مات محمودا كان أحسن حالا ممن عاش مذموما من نازع السلطان مات قبل يومه أي ملك نازع السوقة هتك شرفه أي ملك تطنف إلى المحقرات فالموت أكرم له وقال من أسرف في حب الدنيا مات فقيرا ومن قنع مات غنيا من أسرف في الشراب فهو من السفل من مات قل حساده وقال الحكمة شرف من لا قديم له الطمع يورث الذلة التي لا تستقال اللؤم يهدم الشرف ويعرض النفس للتلف سوء الأدب يهدم ما بناه الأسلاف الجهل سر الأصحاب بذل الوجه إلى الناس هو الموت الأصغر ينبغي للمدبر أن لا يتخذ الرعية مالا وقنية ولكن يتخذهم أهلا وإخوانا ولا يرغب في الكرامة التي ينالها من العامة كرها ولكن في التي يستحقها بحسن الأثر وصواب التدبير
100 وكتب إلى الإسكندر في وصاياه له أن الأردياء ينقادون بالخوف والأخيار ينقادون بالحياء فميز بين الطبقتين واستعمل في أولئك الغلظة والبطش وفي هؤلاء الأفضال والإحسان وقال أيضا ليكن غضبك أمرا بين المنزلتين لا شديدا قاسيا ولا فاترا ضعيفا فإن ذلك من أخلاق السباع وهذا من أخلاق الصبيان وكتب إليه أيضا إن الأمور التي يشرف بها الملوك ثلاثة سن السنن الجميلة وفتح الفتوح المذكورة وعمارة البلدان المعطلة وقال اختصار الكلام طي المعاني رغبتك فيمن يزهد فيك ذل نفس وزهدك فيمن يرغب فيك قصر همة النميمة تهدي إلى القلوب البغضاء من واجهك فقد شتمك ومن نقل إليك نقل عنك الجاهل عدو لنفسه فكيف يكون صديقا لغيره السعيد من اتعظ بغيره وقال لأصحابه لتكن عنايتكم في رياضة أنفسكم فأما الأبدان فاعتنوا بها لما يدعو إليه الاضطرار واهربوا من اللذات فإنها تسترق النفوس الضعيفة ولا قوة بها على القوية وقال إنا لنحب الحق ونحب أفلاطون فإذا افترقا فالحق أولى بالمحبة الوفاء نتيجة الكرم لسان الجاهل مفتاح حتفه الحاجة تفتح باب الحيلة الصمت خير من عجز المنطق بالأفضال تعظم الأقدار بالتواضع تتم النعمة باحتمال المؤن يجب السؤدد بالسيرة العادلة تقل المساوئ بترك ما لا يعنيك يتم لك الفضل بالسعايات تنشأ المكارة ونظر إلى حدث يتهاون بالعلم فقال له إنك إن لم تصبر على تعب العلم صبرت على شقاء الجهل وسعى إليه تلميذ له بآخر فقال له أتحب أن نقبل قولك فيه على أنا نقبل قوله فيك قال لا قال فكف عن الشر يكف عنك ورأى إنسانا ناقها يكثر من الأكل وهو يرى أنه تقوية فقال له يا هذا ليس زيادة القوة بكثرة ما يرد البدن من الغذاء ولكن بكثرة ما يقبل منه وقال كفى بالتجارب تأدبا وبتقلب الأيام عظة وقيل لأرسطوطاليس ما الشيء الذي لا ينبغي أن يقال وإن كان حقا فقال مدح الإنسان نفسه وقيل له لما حفظت الحكماء المال فقال لئلا يقيموا أنفسهم بحيث لا يستحقونه من المقام وقال امتحن المرء في وقت غضبه لا في وقت رضاه وفي حين قدرته لا في حين ذلته وقال رضى الناس غاية لا تدرك فلا تكره سخط من رضاه الجور
101 وقال شرف الإنسان على جميع الحيوان بالنطق فإن سكت ولم يفهم عاد بهيميا وقال لا تكثروا من الشراب فيغير عقولكم ويفسد أفهامكم وأعاد على تلميذ له مسئلة فقال له أفهمت قال التليمذ نعم قال لا أرى آثار الفهم عليك قال وكيف ذلك قال لا أراك مسرورا والدليل على الفهم السرور وقال خير الأشياء أجدها إلا المودات فإن خيرها أقدمها وقال لكل شيء خاصة وخاصة العقل حسن الاختيار وقال لا يلام الإنسان في ترك الجواب إذا سئل حتى يتبين أن السائل قد أحسن السؤال لأن حسن السؤال سبيل وعلة إلى حسن الجواب وقال كلام العجلة موكل به الزلل وقال إنما يحمل المرء على ترك ابتغاء ما لم يعلم قلة انتفاعه بما قد علم وقال من ذاق حلاوة عمل صبر على مرارة طرقه ومن وجد منفعة علم عنى بالتزيد فيه وقال دفع الشر بالشر جلد ودفع الشر بالخير فضيلة وقال ليكن ما تكتب من خير ما يقرأ وما تحفظ من خير ما يكتب وكتب إلى الإسكندر إذا أعطاك الله ما تحب من الظفر فافعل ما أحب من العفو وقال لا يوجد الفخور محمودا ولا الغضوب مسرورا ولا الكريم حسودا ولا الشره غنيا ولا الملول دائم الإخاء ولا مفتتح يعجل الإخاء ثم يندم وقال إنما غلبت الشهوة على الرأي في أكثر الناس لأن الشهوة معهم من لدن الصبا والرأي إنما يأتي عند تكاملهم فإنهم بالشهوة لقدم الصحبة أكثر من أنسهم بالرأي لأنه فيهم كالرجل الغريب ولما فرغ من تعليم الإسكندر دعابه فسأله عن مسائل في سياسة العامة والخاصة فأحسن الجواب عنها فناله بغاية ما كره من الضرب والأذى فسئل عن هذا الفعل فقال هذا غلام يرشح للملك فأردت أن أذيقه طعم الظلم ليكون رادعا له عن ظلم الناس وأمر أرسطوطاليس عند موته أن يدفن ويبنى عليه بيت مثمن يكتب في جملة جهاته ثمان كلمات جامعات لجميع الأمور التي بها مصلحة الناس وتلك الكلم الثمان هي هذه على هذا المثال
102 كتب أرسطوطاليس ولأرسطوطاليس من الكتب المشهورة مما ذكره بطليموس كتاب يحض فيه على الفلسفة ثلاث مقالات كتاب سوفسطس مقالة كتاب في صناعة الريطوري ثلاث مقالات كتاب في العدل أربع مقالات كتاب في الرياضة والأدب المصلحين
103 لحالات الإنسان في نفسه أربع مقالات كتاب في شرف الجنس خمس مقالات كتاب في الشعراء ثلاث مقالات كتاب في الملل ست مقالات كتاب في الخير خمس مقالات كتاب أرخوطس ثلاث مقالات كتاب في الخطوط هل هي منقسمة أم لا ثلاث مقالات كتاب في صفة العدل أربع مقالات كتاب في التباين والاختلاف أربع مقالات كتاب في العشق ثلاث مقالات كتاب في الصور هل لها وجود أم لا ثلاث مقالات كتاب في اختصار قول فلاطن مقالتان كتاب في اختصار أقاويل فلاطن في تدبير المدن خمس مقالات كتاب في اختصار قول فلاطن في اللذة في كتابه في السياسة مقالتان كتاب في اللذة مقالتان كتاب في الحركات ثمان مقالات كتاب في المسائل الحيلية مقالتان كتاب في صناعة الشعر على مذهب فيثاغورس مقالتان كتاب في الروح ثلاث مقالات كتاب في المسائل ثلاث مقالات كتاب في نيل مصر ثلاث مقالات كتاب في اتخاذ الحيوان المواضع ليأوي فيها ويكمن مقالة كتاب في جوامع الصناعات مقالة كتاب في المحبة ثلاث مقالات كتاب قاطيغورياس مقالة كتاب أرمينياس مقالة كتاب طوبيقا ثمان مقالات كتاب أنولوطيقا وهو القياس مقالتان كتاب أفودقطيقا وهو البرهان مقالتان كتاب في السوفسطائية مقالة كتاب في المقالات الكبار في الأخلاق مقالتان كتاب في المقالات الصغار في الأخلاق إلى أوذيمس ثمان مقالات كتاب في تدبير المدن ثمان مقالات كتاب في صناعة الشعر كتاب في سمع الكيان ثمان مقالات كتاب في السماء والتالم أربع مقالات كتاب في الكون والفساد مقالتان كتاب في الآثار العلوية أربع مقالات كتاب في النفس ثلاث مقالات كتاب في الحس والمحسوس مقالة كتاب في الذكر والنوم مقالة كتاب في حركة الحيوانات وتشريحها سبع مقالات كتاب في طبائع الحيوان عشر مقالات كتاب في الأعضاء التي بها الحياة أربع مقالات كتاب في كون الحيوان خمس مقالات كتاب في حركات الحيوانات الكائنة على الأرض مقالة كتاب في طول العمر وقصره مقالة كتاب في الحياة والموت مقالة كتاب في النبات مقالتان كتاب فيما بعد الطبيعة ثلاث عشرة مقالة كتاب في مسائل هيولانية مقالة كتاب في مسائل طبيعية أربع مقالات كتاب في القسم ست وعشرون مقالة ويذكر في هذا الكتاب أقسام الزمان وأقسام النفس والشهوة وأمر الفاعل والمنفعل والفعل والمحبة وأنواع الحيوان وأمر الخير والشر والحركات وأنواع الموجودات كتاب في قسم فلاطن ست مقالات كتاب في قسمة الشروط التي تشترط في القول وتوضع ثلاث مقالات كتاب في مناقضة من يزعم بأن تؤخذ مقدمات النقيض من نفس القول تسع وثلاثون مقالة كتاب في النفي يسمى أيسطاسس ثلاث عشرة مقالة كتاب في الموضوعات أربع وثلاثون مقالة كتاب في موضوعات عشقية مقالة كتاب في الحدود ست عشرة مقالة كتاب في الأشياء التحديدية أربع مقالات كتاب في تحديد طوبيقا مقالة كتاب في تقويم حدود طوبيقا ثلاث مقالات كتاب في موضوعات تقوم بها الحدود مقالتان كتاب في مناقضة الحدود مقالتان
104 كتاب في صناعة التحديد التي استعملها ثاوفرسطس لانالوطيقا الأولى مقالة كتاب في تقويم التحديد مقالتان كتاب في مسائل ثمان وستون مقالة كتاب في مقدمات المسائل ثلاث مقالات كتاب في المسائل الدورية التي يستعملها المتعلمون أربع مقالات كتاب في الوصايا أربع مقالات كتاب في التذكرات مقالتان كتاب في الطب خمس مقالات كتاب في تدبير الغذاء مقالة كتاب في الفلاحة عشر مقالات كتاب في الرطوبات مقالة كتاب في النبض مقالة كتاب في الأعراض العامية ثلاث مقالات كتاب في الآثار العلوية مقالتان كتاب في تناسل الحيوان مقالتان كتاب آخر في تناسل الحيوانات مقالتان كتاب في المقدمات ثلاث وعشرون مقالة كتاب آخر في مقدمات أخر سبع مقالات كتاب في سياسة المدن وعدد الأمم ذكر فيه مائة وإحدى وسبعين مدينة كبيرة كتاب في تذكرات عدة ست عشرة مقالة كتاب آخر في مثل ذلك مقالة كتاب في المناقضات كتاب في المضاف مقالة كتاب في الزمان مقالة كتبه التي وجدت في خزانة أبليقون عدة مقالات كتابه في تذكرات أخر كتاب كبير مجموع فيه عدة رسائل ثمانية أجزاء كتاب في سير المدن مقالتان رسائل وجدها أندرونيقوس في عشرين جزء كتب فيها عدة تذكرات عددها وأسماؤها في كتاب أندرونيقوس في فهرست كتب أرسطو كتاب في مسائل من عويص شعر أوميرس في عشرة أجزاء كتاب في معاني مليحة من الطب قال بطليموس فهذه جملة ما شاهدت له من الكتب وقد شاهد غيري كتبا أخر عدة أقول ولأرسطوطاليس أيضا من الكتب مما وجدت كثيرا منها غير الكتب التي شاهدها بطليموس كتاب الفراسة كتاب السياسة المدنية كتاب السياسة العملية مسائل في الشراب شراب الخمر والسكر وهي اثنتان وعشرون مسألة كتاب في التوحيد على مذهب سقراط كتاب الشباب والهرم كتاب الصحة والسقم كتاب في الأعداء كتاب في الباه رسائله إلى ابنه وصيته إلى نيقانر كتاب الحركة كتاب فضل النفس كتاب في العظم الذي لا يتجزأ كتاب التنقل رسالته الذهبية رسالة إلى الإسكندر في تدبير الملك كتاب الكنايات والطبيعيات كتاب في علل النجوم كتاب الأنواء رسالة في اليقظة كتاب نعت الأحجار ومنافعها والسبب في خلق الأجرام السماوية كتاب إلى الإسكندر في الروحانيات وأعمالها في الأقاليم كتاب الأسماطاليس إلى الإسكندر رسالة في طبائع العالم إلى الإسكندر كتاب الأصطماخيس وضعه حين أراد الخروج إلى بلد الروم كتاب الحيل كتاب المرآة كتاب القول على الربوبية كتاب المسائل الطبيعية ويعرف أيضا بكتاب ما بال سبع عشرة مقالة كتاب ماطافوسيقا وهو كتاب ما بعد الطبيعة اثنتا عشرة مقالة كتاب الحيوان تسع عشرة مقالة كتاب نعت الحيوانات الغير ناطقة وما فيها من المنافع والمضار وغير ذلك كتاب إيضاح الخير المحض كتاب الملاطيس كتاب في نفث الدم كتاب المعادن كتاب اليتيم وهو كتاب الغالب والمغلوب والطالب والمطلوب ألفه للإسكندر الملك كتاب أسرار النجوم
105 ثاوفرسطس أحد تلاميذ أرسطوطاليس وابن خالته واحد الأوصياء الذين وصى إليهم أرسطوطاليس وخلفه على دار التعليم بعد وفاته ولثاوفرسطس من الكتب كتاب النفس مقالة كتاب الآثار العلوية مقالة كتاب الأدلة مقالة كتاب الحس أو المحسوس أربع مقالات كتاب ما بعد الطبيعة مقالة كتاب أسباب النبات تفسير كتاب قاطيغورياس وقيل أنه متحول إليه كتاب إلى دمقراط في التوحيد كتاب في المسائل الطبيعية الإسكندر الأفروديسي الدمشقي كان في أيام ملوك الطوائف بعد الإسكندر الملك ورأى جالينوس واجتمع معه وكان يلقب جالينوس رأس البغل وبينهما مشاغبات ومخاصمات وكان فيلسوفا متقنا للعلوم الحكمية بارعا في العلم الطبيعي وله مجلس عام يدرس فيه الحكمة وقد فسر أكثر كتب أرسطوطاليس وتفاسيره مرغوب فيها مفيدة للاشتغال بها قال أبو زكريا يحيى بن عدي أن شرح الإسكندر للسماع كله ولكتاب البرهان رأيته في نزكه إبراهيم بن عبد الله الناقل النصراني وأن الشرحين عرضاه علي بمائة دينار وعشرين دينار فمضيت لاحتال في الدنانير ثم عدت فأصبت القوم قد باعوا الشرحين في جملة كتب إلى رجل خراساني بثلاثة آلاف دينار وقيل إن هذه الكتب كانت تحمل في الكم وقال أبو زكريا أنه التمس من إبراهيم بن عبد الله نص سوفسطيقا ونص الخطابة ونص الشعر بنقل إسحق بخمسين دينارا فلم يبعه وأحرقها وقت وفاته وللإسكندر الأفروديسي من الكتب تفسير كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب أرمينياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب أنالوطيقا الثانية لأرسطوطاليس تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس والذي وجد من تفسيره لهذا الكتاب تفسير بعض المقالة الأولى وتفسير المقالة الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة تفسير كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس تفسير بعض المقالة الأولى من كتاب السماء والعالم لأرسطوطاليس تفسير كتاب الكون والفساد لأرسطوطاليس تفسير كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس كتاب النفس مقالة في عكس المقدمات مقالة في العناية مقالة في الفرق بين الهيولي والجنس مقالة في الرد على من قال إنه لا يكون شيء إلا من شيء مقالة في
106 أن الإبصار لا يكون بشعاعات تنبث من العين والرد على من قال بانبعاث الشعاع مقالة في اللوم وأي شيء هو على رأي الفيلسوف مقالة في الفصل خاصة ما هو على رأي أرسطوطاليس مقالة في الماليخوليا مقالة في الأجناس والأنواع مقالة في الرد على جالينوس في المقالة الثامنة من كتابه في البرهان مقالة في الرد على جالينوس فيما طعن على قول أرسطوطاليس أن كل ما يتحرك فإنما يتحرك عن محرك مقالة في الرد على جالينوس في مادة الممكن مقالة في الفصول التي تقسم بها الأجسام مقالة في العقل على رأي أرسطوطاليس رسالة في العالم وأي أجزائه تحتاج في ثباتها ودوامها إلى تدبير أجزاء أخرى كتاب في التوحيد مقالة في القول في مبادئ الكل على رأي أرسطوطاليس كتاب آراء الفلاسفة في التوحيد مقالة في حدوث الصور لا من شيء مقالة في قوام الأمور العامية مقالة في تفسير ما قاله أرسطوطاليس في طريق القسمة على رأي أفلاطون مقالة في أن الكيفيات ليست أجساما مقالة في الاستطاعة مقالة في الأضداد وأنها أوائل الأشياء على رأي أرسطوطاليس مقالة في الزمان مقالة في الهيولى وأنها معلولة مفعولة مقالة في أن القوة الواحدة تقبل الأضداد جميعا على رأي أرسطوطاليس مقالة في الفرق بين المادة والجنس مقالة في المادة والعدم والكون وحل مسألة الناس من القدماء أبطلوا بها الكون من كتاب أرسطوطاليس في سمع الكيان مقالة في الأمور العامية والكلية وأنها ليست أعيانا قائمة مقالة في الرد على من زعم أن الأجناس مركبة من الصور إذ كانت الصور تنفصل منها مقالة في أن الفصول التي بها ينقسم جنس من الأجناس ليس واجب ضرورة أن تكون إنما توجد في ذلك الجنس وحده الذي إياه تقسم بل قد يمكن أن يقسم بها أجناسا أكثر من واحد ليس بعضها مرتبا تحت بعض مقالة فيما استخرجه من كتاب أرسطوطاليس الذي يدعى بالرومية ثولوجيا ومعناه الكلام في توحيد الله تعالى رسالة في أن كل علة مباينة فهي في جميع الأشياء وليست في شيء من الأشياء مقالة في إثبات الصور الروحانية التي لا هيولى لها مقالة في العلل التي تحدث في فم المعدة مقالة في الجنس مقالة تتضمن فصلا من المقالة الثانية من كتاب أرسطوطاليس في النفس رسالة في القوة الآتية من حركة الجرم الشريف إلى الأجرام الواقعة تحت الكون والفساد
107 الباب الخامس طبقات الأطباء الذين كانوا منذ زمان جالينوس وقريبا منه جالينوس ولنضع أولا كلاما كليا في إخبار جالينوس وما كان عليه ثم نلحق بعد ذلك معه جملا من ذكر الأطباء الذين كانوا منذ زمانه وقريبا من وقته فنقول إن الذي قد علم من حال جالينوس واشتهرت به المعرفة عند الخاص والعام في كثير من الأمم أنه كان خاتم الأطباء الكبار المعلمين وهو الثامن منهم وأنه ليس يدانيه أحد في صناعة الطب فضلا عن أن يساويه وذلك لأنه عندما ظهر وجد صناعة الطب قد كثرت فيها أقوال الأطباء السوفسطائيين وانمحت محاسنها فانتدب لذلك وأبطل آراء أولئك وأيد وشيد كلام أبقراط وآراءه وآراء التابعين له ونصر ذلك بحسب إمكانه وصنف في ذلك كتبا كثيرة كشف فيها عن مكنون هذه الصناعة وأفصح عن حقائقها ونصر القول الحق فيها ولم يجئ بعده من الأطباء إلا من هو دون منزلته ومتعلم منه وكانت مدة حياة جالينوس سبعا وثمانين سنة منها صبي ومتعلم سبع عشرة سنة وعالم معلم سبعين سنة وهذا على ما ذكره يحيى النحوي وكذلك تقسيم عمر كل واحد ممن تقدم ذكره من سائر الأطباء الكبار المعلمين إلى وقتي تعلمه وتعليمه
109 فإنه من قول يحيى النحوي وقوله هذا يجب أن ينظر فيه وذلك أنه لا يمكن أن تنحصر معرفته كما ذكر فإن القياس يوجب أن البعض من ذلك غير ممكن واحده ما ذكره ههنا عن جالنيوس أنه كان صبيا ومتعلما سبع عشرة سنة وعالما معلما سبعين سنة ولو لم يكن التتبع على قوله هذا إلا مما قد ذكره جالينوس نفسه واتباع قول مثل جالينوس عن نفسه أولى من اتباع قول غيره عنه وهذا نص ما ذكره جالينوس في كتابه مراتب قراءة كتبه قال أن أبي لم يزل يؤدبني بما كان يحسنه من علم الهندسة والحساب والرياضيات التي تؤدب بها الأحداث حتى انتهيت من السن إلى خمس عشرة سنة ثم إنه أسلمني في تعليم المنطق وقصد بي حينئذ في تعليم الفلسفة وحدها فرأى رؤيا دعته إلى تعليمي الطب فأسلمني في تعليم الطب وقد أتت علي من السنين سبع عشرة سنة وإذا كان هذا فقد تبين من قول جالينوس خلاف ما ذكر عنه ولا يبعد أن يكون الكلام في الذين ذكرهم من قبل جالينوس أيضا مثل هذا وكانت منذ وقت وفاة أبقراط وإلى ظهور جالينوس ستمائة سنة وخمس وستون سنة ويكون من وقت مولد أسقليبيوس الأول على ما ذكره يحيى النحوي إلى وقت وفاة جالينوس خمسة آلاف سنة وخمسمائة سنة وسنتان وذكر إسحق بن حنين إن من وقت وفاة جالينوس إلى سنة الهجرة خمسمائة سنة وخمسة وعشرين سنة أقول وكان مولد جالينوس بعد زمان المسيح بتسع وخمسين سنة على ما أرخه إسحق فأما قول من زعم أنه كان معاصره وأنه توجه إليه ليراه ويؤمن به فغير صحيح وقد أورد جالينوس في مواضع متفرقة من كتبه ذكر موسى والمسيح وتبين من قوله أنه كان من بعد المسيح بهذه المدة التي تقدم ذكرها ومن جملة من ذكر أن جالينوس كان معاصرا للمسيح البيهقي وذلك أنه قال في كتاب مسارب التجارب وغوارب الغرائب أنه لو لم يكن في الحواريين إلا بولص بن أخت جولينوس لكان كافيا وإنما بعثه إلى عيسى جالينوس وأظهر عجزه عن الهجرة إليه لضعفه وكبر سنه وآمن بعيسى وأمر ابن أخته بولص بمبايعة عيسى قال جالينوس في المقالة الأولى من كتابه في الأخلاق وذكر الوفاء واستحسنه وأتى فيه بذكر القوم الذين نكبوا بأخذ صاحبهم وابتلوا بالمكاره يلتمس منهم أن يبوحوا بمساوئ أصحابهم وذكر معايبهم فامتنعوا من ذلك وصبروا على غليظ المكاره وأن ذلك كان في سنة أربع عشرة وخمسمائة
110 للإسكندر وهذا أصح ما ذكره من أمر جالينوس ووقته وموضعه من الزمان وقال أبو الحسين علي بن الحسين المسعودي كان جالينوس بعد المسيح بنحو مائتي سنة وبعد أبقراط بنحو ستمائة سنة وبعد الإسكندر بنحو خمسمائة سنة ونيف أقول ووجدت عبيد الله بن جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع قد استقصى النظر في هذا المعنى وذلك أنه كان قد سئل عن زمان جالينوس وهل كان معاصرا المسيح أو كان قبله أو بعده فأجاب عن ذلك بما هذا نصه قال إن أصحاب التواريخ اختلفوا اختلافا بينا فيما وضعوه وكل منهم أثبت جملا إذا فصلت خرج منها زيادات ونقصان ومن هذا يتبين لك متى تصفحت كتب التواريخ لا سيما متى وقفت على كتاب الأزمنة الذي عمله ماراليا مطران نصيبين فإنه قد كشف الخلف الذي بين التواريخ العتيقة والحديثة وأوضح وكشف وأبان ذلك أحسن بيان بجمعه لجملها في صدر كتابه وإيراد تفاصليها وتنبيهه على مواضع الخلاف فيها والزيادات والنقصانات وذكر أسبابها وعللها ووجدت تاريخا مختصرا لهارون بن عزور الراهب ذكر فيه أنه اعتبر التواريخ وعول على صحتها ورأيته قد كشف بعض اختلافها وعلل ذلك بعلل مقنعة وأورد شواهد من صحتها وذكر هذا الراهب في تاريخه أن جميع السنين من آدم إلى ملك دارا بن سام وهو أول ظهور الإسكندر ذي القرنين خمسة آلاف ومائة وثمانون سنة وعشرة أشهر على موجب التاريخ الذي عند اليونانيين وهو تاريخ التوراة المنقولة إلى اليونانيين قبل ظهور المسيح بمائتي سنة وثمان وسبعين سنة وذلك في زمان فيلدلفوس الملك لأنه كان حمل إلى اليهود هدايا حسنة لما سمع أن عندهم كتبا منزلة من عند الله تعالى على ألسنة الأنبياء وكان من جملة ما حمل مائدتان من ذهب مرصعتان بالجواهر لم ير أحسن منهما وسألهم عن الكتب التي في أيديهم وأعلمهم أنه يختار أن يكون عنده نسختها فكتبوا جميع الكتب التي كانت عندهم لليهود من التوراة والأنبياء وما جرى مجراها في أوراق من فضة بأحرف من ذهب على ما نسبه الراهب إلى أوسابيس القيسراني فلما وصلت إليه استحسنها ولم يفهم ما فيها فأنفذ إليهم يقول أي فائدة من كنز مستور لا يظهر ما فيه وعين مسدودة لا ينضح ماؤها فأنفذوا إليه اثنين وسبعين رجلا من جميع الأسباط من كل سبط ستة رجال فلما وصلوا عمل لهم الملك فيلدلفوس مراكب ونزل كل رجلين منهم في مركب ووكل بهم حفظة حتى نقلوها وقابل النسخ فلما وجدها صحيحة غير مختلفة خلع عليهم وأحسن إليهم وردهم إلى مواطنهم وذكر أوسابيوس القيسراني الذي كان أسقف قيسارية أن هذا الملك كان قد نقل الكتب قبل
111 مجيء اليهود استدعاء اليهود وحضوره عنده ونقلهم إياها وإنما شك فيما نقله منها فأحب تصحيحه قال عبيد الله بن جبرائيل وهذا مما يشهد فيه العقل لأن فيلدلفوس الملك لو لم يشك في نقله لما احتاط هذا الاحتياط المذكور وحرص هذا الحرص على حفظ هذا النقل ولولا اتهامه لنقله لما كان هنا ما يوجب هذا الاحتياط لأن من قلدهم في الأول كان أحرى أن يقلدهم في الثاني ولما أحب أن يمتحن ما فسره فعل ما فعل وقابل عليه وصححه ومن ههنا وجب أن تاريخ اليونانيين أصح التواريخ أعني تاريخ التوراة والأنبياء التي عندهم وكانت مدة هذا الملك فيلدلفوس في المملكة ثماني وثلاثين سنة وهو الملك الثالث من الإسكندر على أن تاريخ الإسكندر منذ قتله دارا وهو أن مدة ملكه تكون ست سنين ومنه يؤخذ تواريخ اليونانيين فتكون مدة ملك اليونانيين من الإسكندر وإلى أول ملك الروم الذين لقبهم قيصر مائتين واثنتين وسبعين سنة وأول ملوك الروم الذين لقبهم قيصر يوليوس جايوس قيصر وكانت مدته في المملكة أربع سنين وشهرين وملك بعده أغوسطوس قيصر وكانت مدته ست وخمسين سنة وستة أشهر وفي سنة ثلاث وأربعين من ملكه ولد المسيح عليه السلام في بيت لحم فجميع سني العالم من آدم وإلى مولد المسيح خمسة آلاف وخمسمائة وأربع سنين وملك بعده طيباريوس قيصر ثلاثا وعشرين سنة وفي سنة خمس عشرة من ملكه اعتمد المسيح في الأردن بيد يوحنا المعمدان وفي سنة تسع عشرة صلب رفع وذلك في يوم الجمعة الرابع والعشرين من آذار وانبعث حيا يوم الأحد السادس والعشرين من آذار وبعد أربعين يوما صعد إلى السماء بمشهد من الحواريين ثم ملك بعده يوليوس جايوس الآخر أربع سنين وقتل في بلاطه وملك بعده قلوديوس جرمانيقوس قيصر أربع عشرة سنة ثم ملك بعده نارون بن قلوذيوس قيصر ثلاث عشرة سنة ثم أندرونيقوس أربع عشرة سنة وهو الذي قتل بطرس وبولس في السجن لأنه ارتد إلى عبادة الأصنام وكفر بعد الإيمان وقتل وهو مريض
112 وذكر أندرونيقوس في تاريخه أنه ملك بعد نارون جالباس سبعة أشهر ووطليوس ثمانية واثون ثلاثة أشهر ثم ملك بعده أسفاسيانوس قيصر عشر سنين وفي آخر ملكه غزا بيت المقدس وخربه ونقل جميع آلة البيت إلى القسطنطينية وانقطع عنهم يعني اليهود الملك والنبوة وهو الذي وعد الله تعالى به بمجيء المسيح ولا رجعة لهم بعده وهذه المملكة الأخيرة من المماليك التي وعدهم الله بها ثم ملك بعده طيطوس ابنه سنتين ووجدت في تاريخ مختصر قديم رومي أنه ملك بعده طيطوس طميديوس وفي زمانه كان بليناس الحكيم صاحب الطلسمات ثم ملك بعده دوميطانوس أخو طيطوس وأن أسفاسيانوس ملك خمس عشرة سنة وفي زمانه ظهر ماني وفي أيامه زمانه نهبت مدينة رأس العين وفي تاريخ أندرونيقوس أنه ملك ست عشرة سنة ثم ملك بعده فرواس قيصر سنة واحدة ثم ملك البيوس طرينوس قيصر تسع عشرة سنة وهو الذي ارتجع أنطاكية من الفرس وكتب إليه خليفته على فلسطين يقول له إنني كلما قتلت النصارى ازدادوا رغبة في دينهم فأمره برفع السيف عنهم وفي السنة العاشرة من ملكه ولد جالينوس على ما سنبين فيما بعد ثم ملك بعده أبليوس أدريانوس قيصر إحدى وعشرين سنة وبنى مدينته ثم ملك بعده أنطونينوس قيصر اثنتين وعشرين سنة وبنى مدينة أيليوبليس وهي مدينة بعلبك وفي أيام هذا الملك ظهر جالينوس وهو الملك الذي استخدمه وبيان ذلك قول جالينوس في صدر مقالته الأولى من كتاب علم التشريح وهذا قوله بعينه قال جالينوس قد كنت وضعت فيما تقدم في علاج التشريح كتابا في مقدمي الأول إلى مدينة رومية وذلك في أول ملك أنطونينوس الملك في وقتنا هذا ومما يؤيد هذا قول جالينوس في الكتاب الذي وضعه في تقييد أسماء كتبه ويعرف ببنكس جالينوس قال لما رجعت من مدينة رومية وعزمت على المقام بمدينتي واللزوم لما كانت جرت فيه عادتي وإذا كتب قد وردت من مدينة أقوليا من الملكين يأمران إشخاصي لأنهما كانا قد عزما على أن يشتيا باقوليا ثم يغزوا أهل جرمانيا فاضطررت إلى الشخوص إليها وأنا على رجاء أن أعفى
113 إذا استعفيت لأنه كان قد بلغني عن أحدهما وهو أشبههما بحسن الخلق ولين الجانب وهو الذي كان اسمه بيرس فلما ملك أنطونينوس من بعد أدريانوس وصير ببرس ولي عهده أشرك في ملكه رجلا يقال له لوقيس وسماه بيرس وسمى هذا الذي كان اسمه بيرس أنطونينوس فلما صرت إلى بلاد أقوليا عرض فيها من الوباء ما لم يعرض قط فهرب الملكان إلى مدينة رومية مع عدة من أصحابهما وبقي عامة العسكر بأقوليا فهلك البعض وسلم البعض ونالوا جهدا شديدا ليس من أجل الوباء فقط ولكن من جهة أن الأمر فاجأهم في وسط الشتاء ومات لوقيوس في الطريق فحمل أنطونينوس بدنه إلى رومية فدفنه هناك وهم بغزو أهل جرمانيا وحرص الحرص كله أن أصحبه فقلت إن الله تعالى لما خلصني من دبيلة قتالة كانت عرضت لي أمرني بالحج إلى بيته المسمى هيكل أسقليبيوس وسألته الإذن في ذلك فشفعني وأمرني بأن أحج ثم انتظرت إلى وقت انصرافه إلى رومية فإنه قد كان يرجو أن ينقضي حربه سريعا وخرج وخلف ابنه قومودس صبيا صغيرا وأمر المتوالين لخدمته وتربيته أن يجتهدوا في حفظ صحته فإن مرض دعوني لعلاجه أتولاه ففي هذا الزمان جمعت كل ما جمعته من المعلمين وما كنت استنبطته وفحصت عن أشياء كثيرة ووضعت كتبا كثيرة لأروض بها نفسي في معان كثيرة من الطب والفلسفة احترق أكثرها في هيكل أريني ومعنى أريني السلامة ولأن أنطونيوس أيضا في سفره أبطأ خلاف ما كان يقدر فكان ذلك الزمان مهلة في رياضة نفسي فهذه الأقاويل وغيرها مما لم نورده لطلبة الاختصار فقد بان أن جالينوس كان في أيام هذا الملك وكان عمره في الوقت الذي قدم فيه رومية القدوم الأول ثلاثين سنة وذلك بدليل قوله في هذا الكتاب المقدم ذكره عند وصفه ما وضعه من الكتب في التشريح قال جالينوس ووضعت أربع مقالات في الصوت كتبتها إلى رجل من الوزراء اسمه بويئس يتعاطى من الفلسفة مذهب فرقه أرسطوطاليس وإلى هذا الرجل كتبت أيضا خمس مقالات وضعتها في التشريح على رأي أبقراط وثلاث مقالات وضعتها بعدها في التشريح على رأي أرايسطراطس نحوت فيها نحو من يحب الغلبة والظهور على مخاليفه بسب رجل يقال له مرطياليس وضع مقالتين في التشريح هما إلى هذه الغاية موجودتان في أيدي الناس وقد كان الناس بهما في وقت ما وضعت هذا الكتاب معجبين وكان هذا الرجل حسودا شديد البغي والمراء على كبر سنه فإنه قد كان من أبناء سبعين سنة وأكثر فلما بلغه إني سئلت في مجلس عام عن مسألة في التشريح فاعجب بما أحببت به فيها واستحسنه جميع من سمعه وكثر مدح الناس لي عليه سأل عني بعض أصدقائنا بقول من أقول من أهل فرق الطب كلها قال له إني أسمى من ليست نفسه إلى فرقهب من الفرق وقال إنه من أصحاب
114 أبقراط ومن أصحاب بركساغورس وغيرهم وإني اختار من مقالة كل قوم أحسن ما فيها واتفق يوما إني حضرت مجلسا عاما ليمتحن حذقي بكتب القدماء فأخرج كتاب أرسطراطس في نفث الدم والقيء فيه نأمر على العادة الجارية فوقع على الموضع الذي ينهي فيه أرسطراطس عن فصد العرق فزدت في المعاندة لأراسطراطس لغم مرطياليس لأنه ادعى أنه من أصحابه فأعجب ذلك القول من سمعه وسألني رجل من أوليائي وأعداء مرطياليس أن أملي الكلام الذي قلته في ذلك المجلس على كاتب له بعث به إلي ماهر بالكتاب الذي يكتب بالعلامات سريعا فيه ليقوله لمرطياليس إذا صادفه عند المرضى فلما اشخصني الملك إلى مدينة رومية في المرة الثانية وكان الرجل الذي أخذ مني تلك المقالة قد مات ولا أدري كيف وقعت نسختها إلى كثير من الناس فلم يسرني ذلك لأنه كلام جرى على محبة الغلبة في ذلك الوقت أن لا أخطب في المجالس العامية ولا أباري لأني رزقت من السعادة والنجاح في علاج المرضى أكثر مما كنت أتمنى وذلك إني لما رأيت غير أهل المهنة إذا مدح أحد الأطباء بحسن العبارة سموه طبيب الكلام أحببت أن اقطع ألسنتهم عني فأمسكت عن الكلام سوى ما لا بد منه عند المرضى وعما كنت أفعله من التعليم في المحافل ومن الخطب في المجالس العامية واقتصرت على إظهار مبلغ علمي في الطب على ما كنت أفعله في علاج المرضى وأقمت برومية ثلاث سنين أخر فلما ابتدأ فيها الوباء خرجت منها مبادرا إلى بلادي وكان رجوعي إلى رومية وقد أتى علي من السنين سبع وثلاثون سنة قال عبيد الله بن جبرائيل فمن وقت هذا يكون مولد جالينوس في السنة العاشرة من ملك طرينوس الملك لأنه زعم أنه وضعه لكتاب علاج التشريح كان في مقدمه الأول إلى رومية وذلك في ملك أنطونينوس كما ذكرنا وأنه كان له من عمره على ما ذكرنا ثلاثون سنة مضى منها من مدة ملك أدريانوس إحدى وعشرون سنة وكان مدة الملك طرينوس قيصر تسع عشرة سنة وإذا كان هذا هكذا أصبح أن مولد جالينوس كان في السنة العاشرة من ملك طرينوس فتكون المدة التي من صعود المسيح إلى السماء وهي من سنة تسع عشرة من ملك طيباريوس قيصر إلى السنة العاشرة من ملك طرينوس التي ولد فيها جالينوس على موجب التاريخ المذكور ثلاثا وسبعين سنة وعاش جالينوس على ما ذكره إسحاق بن حنين في تاريخه ونسبه إلى يحيى النحوي سبعا وثمانين سنة منها صبي ومتعلم سبع عشرة سنة وعالم معلم سبعين سنة قال إسحق بين وفاة جالينوس إلى سنة تسعين ومائتين للهجرة وهي السنة التي عمل فيها التاريخ ثمانمائة وخمس عشرة سنة وقال عبد الله بن جبرائيل وينضاف إلى ذلك مما بين هذه السنة التي عملنا فيها هذا الكتاب وهي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة للهجرة الواقعة في سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وأربعين للإسكندر وبين سنة تسعين ومائتين وهو مائة واثنتان وثلاثون سنة فيكون من وفاة جالينوس إلى سنتنا هذه
115 وهي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة تسعمائة وسبع وأربعون سنة وإذا أضيف إلى هذه الجملة عمر جالينوس وما بين مولده إلى صعود المسيح إلى السماء وهو مئة وستون سنة يصبح الجميع أعني من صعود المسيح إلى سنتنا هذه ألف ومائة وسبع سنين الجملة غلط وهي تنقص بالتفصيل ومن مثل هذا التاريخ يضل الناس لأنهم يقلدون أصحاب التواريخ فيضلون ووجه الغلط في هذه الجملة يتبين من جهتين إحداهما من تاريخ المسيح والأخرى من تاريخ جالينوس وقد ذكرناهما فيما تقدم ذكرا شافيا فمن أحب امتحان ذلك فليرجع إليه فإنه يتبين له من التفصيل المذكور فإن للمسيح منذ ولد ألف سنة وثماني عشرة سنة وجالينوس تسعمائة وثلاث عشرة سنة وهذا خلف عظيم وغلط بين قال وأنا استطرف كيف مر مثل هذا مع بيان المواضع التي استدللنا بها من كلام جالينوس ومن أوضاع أصحاب التواريخ الصحيحة واستطرف أيضا كيف لم يتنبه إلى فصل ورد في كتاب الأخلاق تبين فيه غلط تاريخ هذه المدة فصارت المائة سنة وقد يكون سبب هذا الغلط من النساخ ويستمر حتى تحصل حجة يضل بها من لم يفحص عن حقائق الأمور وهذه نسخة الفصل من كتاب الأخلاق بعينه قال جالينوس وقد رأينا نحن في هذا الزمان عبيدا فعلوا هذا الفعل دون الأحرار لأنهم كانوا في طبائعهم أخيارا وذلك أنه لما مات فرونيموس وكان موته في السنة التاسعة من ملك قومودس وفي سنة خمسمائة وست عشرة من ملك الإسكندر وكان الوزيران في ذلك الوقت ماطروس وأيروس تتبع قوم كثير عددهم وعدت عبيدهم ليفشوا على مواليهم ما فعلوا وهذا خلف عظيم لا سيما لما ذكره إسحق لأنه يحصل بينه اختلاف عظيم إلى وفاة جالينوس يقتضي بأن تكون على ما ذكره إسحق من أن عمره كان سبعا وثمانين سنة في هذه السنة المذكورة وهي سنة خمسمائة وست عشرة للاسكندر ويقتضي أن يكون هذا الكتاب آخر ما عمله أعني كتاب الأخلاق لأنه وقت وفاته يجب أن يكون الوقت الذي ذكر فيه أمر العبيد والتاريخ وقد رأيناه ذكره في كتاب آخر يدل على أنه قد عمل بعده وأنه عاش بعد هذا الوقت زمان ما يجوز السنة المذكورة عدته فقد بان تناقض تاريخه وفساد جملته ولو فرضنا الأمر على ما ذكره لم يجب له أن يغفل مثل هذا التاريخ البين الجلي وبثبت جملة ما تحصل ولا يصح وما يشهد بأن المسيح كان قبل جالينوس بمدة من الزمان ما ذكره جالينوس بمدة من الزمان ما ذكره جالينوس في تفسير كتاب أفلاطون في السياسة المدنية وهذا نص قوله قال جالينوس من ذلك قد نرى القوم الذين يدعون نصارى إنما اخذوا إيمانهم عن الرموز
116 والمعجزة وقد تظهر منهم أفعال المتفلسفين أيضا وذلك أن عدم جزعهم من الموت وما يلقون بعده أمر قد نراه كل يوم وكذلك عفافهم عن الجماع وأن منهم قوما لا رجال فقط لكن نساء أيضا قد أقاموا أيام حياتهم ممتنعين عن الجماع ومنهم قوم قد بلغ من ضبطهم لأنفسهم في التدبير في المطعم والمشرب وشدة حرصهم على العدل أن صاروا غير مقصرين عن الذين يتفلسفون بالحقيقة قال عبد الله بن جبرائيل فبهذا القول قد علم أن النصارى لم يكونوا ظاهرين في زمن المسيح بهذه الصورة أعني الرهبنة التي نعتها جالينوس وإيثار الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى ولكن بعد المسيح بمائة سنة انتشروا هذا الانتشار حتى زادوا على الفلاسفة في فعل الخير وآثروا العدل والتفضل والعفاف وفازوا بتصديق المعجز وحصل لهم الحالان وورثوا المنزلتين واغتبطوا بالسعادتين أعني السعادة الشرعية والسعادة العقلية فمن هذا وشبهه يتبين تاريخ جالينوس وهذا آخر ما ذكره عبد الله بن جبرائيل من أمر جالينوس ونقلت من خط الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران قال المواضع الذي ذكر جالينوس فيها موسى والمسيح قد ذكر موسى في المقالة الرابعة من كتابه في التشريح على رأي أبقراط إذ يقول هكذا يشبهون من تعين من المتطببين لموسى الذي سن سننا لشعب اليهود لأن من شأنه أن يكتب كتبه من غير برهان إذ يقول الله أمر والله قال ويذكر موسى في كتاب منافع الأعضاء ويذكر موسى والمسيح في كتاب النبض الكبير إذ يقول لا الخشبة المتفتلة تستوي ولا الشجرة العتيقة إذا حولت تعلق فيسهل أن يعلم الإنسان أهل موسى والمسيح من أن يعلم الأطباء والفلاسفة الممارين بالأحزاب ويذكر موسى والمسيح في مقالته في المحرك الأول ويقول لو كنت رأيت قوما يعلمون تلاميذهم كما كان يعلمون أهل موسى والمسيح إذ كانوا يأمرونهم أن يقبلوا كل شيء بالأماتة لم أكن أريكم أحدا وفي مواضع أخر قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل وكان جالينوس من الحكماء اليونانيين الذين كانوا في الدولة القيصرية بعد بنيان روميه ومولده ومنشؤه بفرغامس وهي مدينة صغيرة من جملة مدائن آسيا شرقي قسطنطينية وهي جزيرة في بحر قسطنطينية وهم روم إغريقيون يونانيون ومن تلك الناحية اندفع الجيش المعروف بالقوط من الروم الذين غنموا الأندلس واستوطنوها وذكر لشيذر الإشبيلي الحراني أن مدينة فرغامس كانت موضع سجن الملوك وهنالك كانوا يحبسون من غضبوا عليه مسكن جالينوس وقال يوسف بن الداية في تعريف موضع جالينوس ومسكنه ما هذه حكايته
117 قال سأل أبو إسحق إبراهيم بن المهدي جبرائيل بن بختيشوع عن مسكن جالينوس أين كان من أرض الروم فذكر أن مسكنه في دهره كان متوسطا لأرض الروم وأنه في هذا الوقت في طرف من أطرافها وذكر أن حد أرض الروم كان في أيام جالينوس من ناحية الشرق مما يلي الفرات القرية المعروفة بنغيا من طوج الأنبار وكانت المسلحة التي يجتمع فيها جند فارس والروم ونواطيرهما فيها وكان الحد من ناحية دجلة دارا إلا في بعض الأوقات فإن ملوك فارس كانت تغلبهم على ما بين دارا ورأس العين فكان الحد فيما بين فارس والروم من ناحية الشمال أرمينية ومن ناحية المغرب مصر إلا أن الروم كانت تغلب في بعض الأوقات على مصر وعلى أرمينية فلما ذكر جبرائل غلبة الروم على أرمينية في بعض الأوقات تلقيت قوله بالإنكار وجحدت أن تكون الروم غلبت على أرمينية إلا الموضع الذي يسمى بلسان الروم أرمنيانس فإن الروم يسمون أهل هذا البلد إلى هذه الغاية الأرمن فشهد له علي أبو إسحق بالصدق وأتى بدليل على ذلك لم أصل إلى دفعه وهو نمط أرمني كأحسن ما رأيت من الأرمن صنعة فيه صور جوار يلعبن في بستان بأصناف الملاهي الرومية و هو مطرز بالرومية مسمى باسم ملك الروم فسلمت لجبرائيل ورجع الحديث إلى القول في جالينوس قال واسم البلد الذي ولد فيه وكان مسكنه سمرنا وكان منزله بالقرب من قرية بينه وبينها فرسخان قال جبرائيل فلما نزل الرشيد على قرة رأيته طيب النفس فقلت له يا سيدي يا أمير المؤمنين منزل أستاذي الأكبر مني على فرسخين فإن رأى أمير المؤمنين أن يطلق لي الذهاب إليه حتى أطعم فيه وأشرب فأصول بذلك على متطببي أهل دهري وأقول إني أكلت وشربت في منزل أستاذي فليفعل فاستضحك من قولي ثم قال لي ويحك يا جبرائيل أتخوف أن يخرج جيش الروم أو منسر فيختطفك فقلت له من المحال أن يقدم الروم على القرب من معسكرك هذا القرب كله فأمر بإحضار
118 إبراهيم بن عثمان بن نهيك وأمره أن يضم إلي خمسمائة رجل حتى أوافي الناحية فقلت يا أمير المؤمنين في خمسين كفاية فاستضحك ثم قال ضم إليه ألف فارس فإنه إنما كره أن يطعمهم ويسقيهم قال فقلت ما لي إلى النظر إلى جالينوس حاجة فازداد ضحكا ثم قال وحق المهدي لتنفذن ومعك الألف فارس قال جبرائيل فخرجت وأنا من أشد الناس غما وأكسفهم بالا قد أعددت لنفسي ما لا يكفي عشرة أنفس من الطعام والشراب قال فما استقر بي الموضع حتى وافاني الخبز والمساليخ والملح فعم من معي وفضل كثير فأقمت في ذلك الموضع فطعمت فيه ومضى فتيان الجند وأغاروا على مواضع خمور الروم ولحومهم فأكلوا اللحم كبابا بالخبز وشربوا عليه الخمر وانصرفت في آخر النهار فسأله أبو إسحق هل تبين في رسم منزل جالينوس ما يدل على أنه كان له شرف فقال له أما الرسم فكثير ورأيت له أبياتا شرقية وأبياتا غربية وأبياتا قبلية ولم أر له بيتا فراتيا وكذلك كانت فلاسفة الروم تجعل بيوتها وكذلك كانت ترى عظماء فارس وكذلك أرى أنا إذا أصدقت نفسي وعملت بما يجب لأن كل بيت لا تدخله الشمس يكون وبيئا وإنما كان جالينوس على حكمته خادما لملوك الروم وملوك الروم أهل قصد في جميع أمورهم فإذا قست منزل جالينوس إلى منازل الروم رأيت من كبر خطته وكثرة بيوته وإن كنت لم أرها إلا خرابا على أني وجدت فيها أبياتا مسقفة استدللت على أنه كان ذا مروءة فسكت عنه أبو إسحق فقلت يا أبا عيسى إن ملوك الروم على ما وصفت في القصد وليس قصدهم في هباتهم وعطاياهم إلا قصدهم في مروءات أنفسهم فالنقص يدخل المخدوم والخادم فإذا نظرت إلى موضع قصر ملك الروم وموضع جالينوس ثم نظرت إلى قصر أمير المؤمنين ومنزلك يكون نسبة منزل جالينوس إلى منزل ملك الروم مثل نسبة منزلك إلى منزل أمير المؤمنين وكان جبرائيل أحيانا يعجب مني لكثرة الاستقصاء في السؤال ويمدحني عند أبي إسحق وأحيانا يغضب منه حتى يكاد أن يطير غيظا فقال لي وما معنى ذكرك النسبة فقلت له أردت بذكر النسبة أنها لفظة يتكلم بها حكماء الروم وأنت رئيس تلامذة أولئك الحكماء فأردت التقرب إليك بمخاطبتك بألفاظ أستاذيك وإنما معنى قولي نسبة دار جالينوس إلى دار ملك الروم مثل نسبة دارك إلى دار أمير المؤمنين إنه إن كانت دار جالينوس مثل نصف أو ثلث أو ربع أو خمس أو قدر من الأقدار من دار ملك الروم هل يكون قدرها من ملك الروم مثل قدر دارك من دار أمير المؤمنين أو أقل فإن دار أمير
119 المؤمنين إن كانت فرسخا في فرسح وقدر دارك عشر فرسخ في عشر فرسخ ودار ملك الروم إن كانت عشر فراسخ في عشر فراسخ ودار جالينوس عشر عشر فرسخ في عشر عشر فرسخ كان قدر دار جالينوس من دار ملك الروم مثل مقدار دارك من دار أمير المؤمنين سواء فقال لم تكن دار جالينوس كذا وهي أقل مقدارا من داري عند دار أمير المؤمنين بكثير كثير فقلت له تخبرني عما أسأل قال لست آبي عليك فقلت له أنك قد أخبرت عن صاحبك أنه كان أنقص مروءة منك فغضب وقال أنت نوماجذ وكنت أحسب هذه اللفظة فرية فغضبت فلما رأى غضبي قال إني لم أقذفك بشيء عليك فيه ضرر ووددت إني كنت نوماجذ هذا اسم ركب من حرفين فارسيين وهما الحدة والإتيان فإنما نوماجذ نوه آمد أي جاء حدته فيقال هذا للحدث ووددت أنا كنا أحداثا مثلك وإنما أنهاك أن تتقفز تقفز الديوك المحتلمة فإنها ربما نازعتها نفسها إلى منافرة الديوك الهرمة فينقر الديك الهرم الديك المحتلم النقرة فيظهر دماغه فلا تكون للمحتلم بعد ذلك حياة وأنت تعارضني كثيرا المجالس ثم تحكم وتظلم في الحكم وإن عيش جبرائيل وبختيشوع أبيه وجورجس جده لم يكن من الخلفاء وعمومتهم وقراباتهم ووجوه مواليهم وقوادهم وكل هؤلاء ففي اتساع من النعمة باتساع قلوب الخلفاء وجميع أصحاب ملك الروم ففي ضنك من العيش وقلة ذات يد فكيف يمكن أن أكون مثل جالينوس ولم يكن له متقدم نعمة لأن أباه كان زراعا وصاحب جنات وكروم فكيف يمكن من كان معاشه من أهل هذا المقدار أن يكون مثلي ولي أبوان قد خدما الخلفاء وأفضلوا عليهما وغيرهم ممن هو دونهم وقد أفضل الخلفاء علي ورفعوني من حد الطب إلى المعاشرة والمسامرة فلو قلت أنه ليس لأمير المؤمنين أخ ولا قرابة ولا قائد ولا عامل إلا وهو يداريني إن لم يكن مائلا بمحبته إلي وإن كان ماثلا أو شاكرا لي على علاج عالجته أو محضر جميل حضرته أو وصف حسن وصفته به عند الخلفاء فنفعه فكل واحد من هؤلاء يفضل علي ويحسن إلي وإذا كان قدر داري من دار أمير المؤمنين على جزء من عشرة أجزاء وكان قدر دار جالينوس من دار ملك الروم على قدر جزء من مائة جزء فهو أعظم مني مروءة فقال له أبو إسحق أرى حدتك على يوسف إنما كانت لأنه قدمك في المروءة على جالينوس فقال أجل والله لعن الله من لا يشكر النعم ولا يكافئ عليها بكل ما أمكنه إني والله أغضب أن أسوى بجالينوس في حال من الحالات واشكر في تقديمه على نفسي في كل الأحوال فاستحسن ذلك منه أبو إسحق وأظهر استصوابا له وقال هذا لعمري الذي يحسن بالأحرار
120 والأدباء فانكب على قدم أبي إسحق ليقبلها فمنعه من ذلك وضمه إليه وقال سليمان بن حسان وكان جالينوس في دولة نيرون قيصر وهو السادس من القياصرة الذي ملكوا رومية وطاف جالينوس البلاد وجالها ودخل إلى مدينة رومية مرتين فسكنها وغزا مع ملكها لتدابير الجرحي وكانت له بمدينة رومية مجالس عامية خطب فيها وأظهر من علمه بالتشريح ما عرف به فضله وبان علمه وذكر جالينوس في كتابه محنة الطبيب الفاضل ما هذا حكايته قال إني منذ صباي تعلمت طريق البرهان ثم إني لما ابتدأت بعلم الطب رفضت اللذات واستخففت بما فيه من عرض الدنيا ورفضته حتى وضعت عن نفسي مؤونة البكور إلى أبواب الناس للركوب معهم من منازلهم وانتظارهم على أبواب الملوك للانصراف معهم إلى منازلهم وملازمتهم ولم أفن دهري واشق نفسي في هذا التطواف على الناس الذي يسمونه تسليما لكن أشغلت نفسي دهري كله بأعمال الطب والروية والفكر فيه وسهرت عامة ليلي في تقليب الكنوز التي خلفها القدماء لنا فمن قدر أن يقول إنه فعل مثل هذا الفعل الذي فعلت ثم كانت معه طبيعة ذكاء وفهم سريع يمكن معها قبول هذا العلم العظيم فواجب أن يوثق به قبل أن يجرب قضاياه وفعله في المرضى ويقضي عليه بأنه أفضل ممن ليس معه ما وصفنا ولا فعل ما عددناه وبهذا الطريق سار رجل من رؤساء الكمريين عند رجوعي إلى مدينة من البلدان التي كنت نزعت إليها على أنه لم يكن تم لي ثلاثون سنة إلى أن ولاني علاج جميع المجروحين من المبارزين في الحرب وقد كان يولي أمرهم قبل ذلك رجلان أو ثلاثة من المشايخ فلما أن سئل ذلك الرجل عن طريق المحنة التي امتحنني بها حتى وثق بي فولاني أمرهم قال إني رأيت الأيام التي أفناها هذا الرجل في التعليم أكثر من الأيام التي أفناها غيره من مشايخ الأطباء في تعلم هذا العلم وذلك أني رأيت أولئك يفنون أعمارهم فيما لا ينتفع به ولم أر هذا الرجل يفني يوما واحدا ولا ليلة من عمره في الباطل ولا يخلو في يوم من الأيام ولا في وقت من الارتياض فيما ينتفع به وقد رأيناه أيضا فعل أفعالا قريبا هي أصح في الدلالة على حذقه بهذه الصناعة من سنى هؤلاء المشايخ وقد كنت حضرت مجلسا عاما من المجالس التي تجتمع فيها الناس لاختبار علم الأطباء فأريت من حضر أشياء كثيرة من أمر التشريح وأخذت حيوانا فشققت بطنه حتى أخرجت أمعاءه ودعوت من حضر من الأطباء إلى ردها وخياطة البطن على ما ينبغي فلم يقدم أحد منهم على ذلك وعالجناه نحن فظهر منا فيه حذق ودربة وسرعة كف وفجرنا أيضا عروقا كبارا بالتعمد ليجري منها الدم ودعونا مشايخ من الأطباء إلى علاجها فلم يوجد عندهم شيء وعالجتها أنا فتبين لمن كان له عقل ممن حضر أن الذي ينبغي أن يتولى أمر المجروحين من كان معه من الحذق ما معي فلما ولاني ذلك الرجل أمرهم وهو أول من ولاني هذا الأمر اغتبط بذلك وذلك أنه لم يمت من
121 جميع من ولاني أمره إلا رجلان فقط وقد كان مات ممن تولى علاجه طبيب كان قبلي ستة عشر نفسا ثم ولاني بعده أمرهم رجل آخر من رؤساء الكمريين فكان بتوليته إياي أسعد وذلك أنه لم يمت أحد ممن ولانيه على أنه قد كانت بهم جراحات كثيرة جدا عظيمة وإنما قلت هذا لأدل كيف يقدر الممتحن أن يمتحن ويميز بين الطبيب الماهر وبين غيره قبل أن يجرب قوله وعلمه في المرضى ولا يكون امتحانه له كما يمتحن الناس اليوم الأطباء ويقدمون منهم من ركب معهم واشتغل بخدمتهم الشغل الذي لا يمكن معه الفراغ لأعمال الطب بل يكون تقديمه واختياره لمن كان على خلاف ذلك وكان شغله في دهره كله في أعمال الطب لا غيرها قال وإني لأعرف رجلا من أهل العقل والفهم قدمني من فعل واحد رآني فعلته وهو تشريح حيوان بينت به بأي الآلات يكون الصوت وبأي الحركة منها وكان عرض لذلك الرجل قبل ذلك الوقت بشهرين أن سقط من موضع عال فتكسرت من بدنه أعضاء كثيرة وبطل عامة صوته حتى صار كلامه بمنزلة السرار وعولجت أعضاؤه فصلحت وبرأت بعد أيام كثيرة وبقي صوته لا يرجع فلما أن رأى مني ذلك الرجل ما رأى وثق بي وقلدني أمر نفسه فابرأته في أيام قلائل لأني عرفت الموضع الذي كانت الآفة فيه فقصدت له وقال وإني لأعرف رجلا آخر سقط من دابته فتهشم ثم عولج فبرأ من جميع ما كان ناله خلا أن إصبعين من أصابع كفه وهما الخنصر والبنصر بقيتا خدرتين زمانا طويلا وكان لا يحس بهما كثير حس ولا يملك حركتهما على ما ينبغي وكان من ذلك أيضا شيء في الوسطى فجعل الأطباء يضعون على تلك الأصابع أدوية مختلفة وكلها لم تنجح وكلما وضعوا دواء انتقلوا منه إلى غيره فلما أتاني سألته عن الموضع الذي قرع الأرض من بدنه فلما قال لي أن الموضع الذي قرع منه هو ما بين كتفيه وكنت قد علمت من التشريح أن مخرج العصبة التي تأتي هاتين الأصبعين أول خرزة فيما بين الكتفين علمت أن أصل البلية هو الموضع الذي تنبت فيه تلك العصبة من النخاع فوضعت على ذلك الموضع الذي تنبت منه تلك العصبة بعض الأدوية التي كانت توضع على الأصابع بعد أن أمرت فقلعت عن الأصابع تلك الأدوية التي توضع عليها باطلا فلم يلبث إلا يسيرا حتى برئ وبقي كل من رأى ذلك يتعجب من أن ما بين الكتفين يعالج فتبرأ الأصابع قال وأتاني رجل آخر أصابته آفة في صوته وشهوته للطعام معا فابرأته بأدوية وضعتها على رقبته وكان العارض لذلك الرجل ما أصف لك كان به خنازير عظيمة في رقبته في كلا الجانبين فعالجه بعض المعالجين فقطع تلك الخنازير وأورثه بسوء احتياطته بردا في العصبتين المجاورتين للعرقين النابضين الشاخصين في الرقبة وهاتان العصبتان تنبتان في أعضاء كثيرة وتأتي منهما شعبة عظيمة
122 إلى فم المعدة ومن تلك الشعبة تنال المعدة كلها الحس إلا أن أكثر ما في المعدة حسا فمها لكثرة ما ينبت من تلك العصبة التي فيها وشعبة يسيرة من كل واحدة من هاتين العصبتين تحرك واحدة من آلات الصوت ولذلك ذهب صوت ذلك الرجل وشهوته فلما علمت ذلك وضعت على رقبته دواء مسخنا فبرأ في ثلاثة أيام وما أحد رأى هذا الفعل مني ثم صبر لأن يسمع مني الرأي الذي أداني إلى علاجه الأعجب إلا وعلم أن بالأطباء إلى التشريح أعظم الحاجة وقال جالينوس في كتابه في الأمراض العسرة البرء أنه كان مارا بمدينة رومية إذ هو برجل خلق حوله جماعة من السفهاء وهو يقول أنا رجل من أهل حلب لقيت جالينوس وعلمني علومه اجمع وهذا دواء ينفع من الدود في الأضراس وكان الخبيث قد أعد بندقا من قار وقطران وكان يضعها على الجمر ويبخر بها صاحب الأضراس المدودة بزعمه فلا يجد بدا من غلق عينيه فإذا أغلقهما دس في فمه دودا قد أعدها في حق ثم يخرجها من فم صاحب الضرس فلما فعل ذلك ألقى إليه السفهاء بما معهم ثم تجاوز ذلك حتى قطع العروق على غير مفاصل قال فلما رأيت ذلك أبرزت وجهي للناس وقلت أنا جالينوس وهذا سفيه ثم حذرت منه واستعديت عليه السلطان فلطمه ولذلك ألف كتابا في أصحاب الحيل وقال جالينوس في كتاب قاطاجانس أنه دبر في الهيكل بمدينة رومية في نوبة الشيخ المقدم الذي كان في الهيكل الذي كان يداوي الجرحى وذلك الهيكل هو البيمارستان فبرأ كل من دبره من الجرحى قبل غيرهم وبان بذلك فضله وظهر علمه وكان لا يقنع من علم الأشياء بالتقليد دون المباشرة قال المبشر بن فاتك وسافر جالينوس إلى أثينية ورومية والإسكندرية وغيرها من البلاد في طلب العلم وتعلم من أرمنيس الطب وتعلم أولا من أبيه ومن جماعة مهندسين ونحاة الهندسة واللغة والنحو وغير ذلك ودرس الطب أيضا على امرأة اسمها قلاوبطر وأخذ عنها أدوية كثيرة ولا سيما ما تعلق بعلاجات النساء وشخص إلى قبرس ليرى القلقطار في معدنه وكذلك شخص إلى جزيرة لمنوس ليرى عمل الطين المختوم فباشر كل ذلك بنفسه وصححه برؤيته وسافر أيضا إلى مصر وأقام بها مدة فنظر عقاقيرها ولا سيما الأفيون في بلد أسيوط من أعمال صعيدها ثم خرج متوجها منها نحو بلاد الشام راجعا إلى بلده فمرض في طريقه ومات بالفرما وهي مدينة على البحر
123 الأخضر في آخر أعمال مصر وقال المسعودي في كتاب المسالك والممالك أن الفرما على شط بحيرة تنيس وهي مدينة حصينة وبها قبر جالينوس اليوناني وقال غيره أنه لما كانت ديانة النصرانية قد ظهرت في أيام جالينوس قيل له أن رجلا ظهر في آخر دولة قيصر اكتفيان ببيت المقدس يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فقال يوشك أن تكون عنده قوة إلهية يفعل بها ذلك فسأل إن كان هناك بقية ممن صحبه فقيل له نعم فخرج من رومية يريد بيت المقدس فجاز إلى صقلية وهي يومئذ تسمى سلطانية فمات هنالك وقبره بصقلية ويقال أن العلة التي مات بها الذرب وحكي عنه أنه لما طالت به العلة عالجها بكل شيء فلم ينجع فقالت تلاميذه أن الحكيم ليس يعرف علاج علته وقصروا في خدمته فأحس بذلك منهم وكان زمانا صائفا فأحضر جرة فيها ماء وأخرج شيئا فطرحه فيها وتركها ساعة وكسرها وإذا بها قد جمدت فأخذ من ذلك الدواء فشربه واحتقن به فلم ينفع فقال لتلاميذه هل تعلمون لم فعلت هذا قالوا لا قال لئلا تظنوا إني قد عجزت عن علاج نفسي فهذه علة تسمى داء مدد يعني الداء الذي لا دواء له وهو الموت وهذه الحكاية أحسبها مفتعلة عن جالينوس صفة تجميد الماء وذكر ابن بختويه في كتاب المقدمات صفة لتجميد الماء في غير وقته زعم أنه إذا أخذ من الشب اليماني الجيد رطل ويسحق جيدا ويجعل في قدر فخار جديدة ويلقي عليه ستة أرطال ماء صاف ويجعل في تنور ويطين عليه حتى يذهب منه الثلثان ويبقى الثلث لا يزيد ولا ينقص فإنه يشتد ثم يرفع في قنينة ويسد رأسها جيدا فإذا أردت العمل به أخذت ثلجية جديدة وفيها ماء صاف واجعل في الماء عشرة مثاقيل من الماء المعمول بالشب ويترك ساعة واحدة فإنه يصير ثلجا وكذلك أيضا زعم بعض المغاربة في صفة تجميد الماء في الصيف قال اعمد إلى بزر الكتان فانقعه في خل خمر جيد ثقيف فإذا جمد فيه فالقه في جرة أو حب مليء ماء قال فإنه يجمد ما كان فيه من الماء ولو أنه في حزيران أو تموز
124 قال أبو الوفاء المبشر بن فاتك وكان جالينوس يعتني به أبوه العناية البالغة وينفق عليه النفقة الواسعة ويجري على المعلمين الجراية الكثيرة ويحملهم إليه من المدن البعيدة وكان جالينوس من صغره مشتهيا للعلم البرهاني طالبا له شديد الحرص والاجتهاد والقبول للعلم وكان لحرصه على العلم يدرس ما علمه المعلم في طريقه إذا انصرف من عنده حتى يبلغ إلى منزله وكان الفتيان الذين كانوا معه في موضع التعليم يلومونه يقولون له يا هذا ينبغي أن تجعل لنفسك وقتا من الزمان تضحك معنا فيه وتلعب فربما لم يجبهم لشغله بما يتعلمه وربما قال لهم ما الداعي لكم إلى الضحك واللعب فيقولون شهوتنا إلى ذلك فيقول والسبب الداعي لي إلى ترك ذلك وإيثاري العلم بغضي لما أنتم عليه ومحبتي لما أنا فيه فكان الناس يتعجبون منه ويقولون لقد رزق أبوك مع كثرة ماله وسعة جاهه ابنه حريصا على العلم وكان أبوه من أهل الهندسة وكان مع ذلك يعاني صناعة الفلاحة وكان جده رئيس النجارين وكان جد أبيه ماسحا وقال جالينوس في كتابه في الكيموس الجيد والرديء إن أباه مات ولجالينوس من العمر عشرون سنة وهذا ما ذكره في ذلك الموضع من حاله قال إنك إن أردت تصديقي أيها الحبيب فصدقني فإنه ليس لي علة ولا واحدة تضطرني إلى الكذب فإني ربما غضبت إذا رأيت ناسا كثيرين من أهل الأئمة في الحكمة وفي الكرامة قد كذبوا كثيرا في كتبهم التي وصفوا بها علم الأشياء فأما أنا فأني أقول ولا أكذب إلا ما قد عاينت بنفسي وجربت وحدي في طول الزمان والله يشهد لي إني لست أكذب فيما أقص عليكم أنه قد كان لي أب حكيم فاضل قد بلغ من علم الأمور بلوغا ليست من ورائه غاية أقول من علم المساحة والهندسة والمنطق والحساب والنجوم الذي يسمى أسطرونميا وكان أهل زمانه يعرفونه بالصدق والوفاء والصلاح والعفاف وبلغ من هذه الفضائل التي ذكرت ما لم يبلغها أحد من حكماء أهل زمانه وعلمائهم وكان القيم علي وعلى سياستي وأنا حدث صغير فحفظني الله على يديه بغير وجع ولا سقم وإني لما راهقت أو زدت توجه أبي إلى ضيعة له وخلفني وكان محبا لعلم الأكرة فكنت في تعليمي وأدبي أفوق أصحابي المتعلمين عامة وأتقدمهم في العلم وأتركهم خلفي واجتهد ليلا ونهارا على التعليم فتناولت يوما مع أصحابي فاكهة وتملأت بها فلما كان أول دخول فصل الخريف مرضت مرضا حادا فاحتجت إلى فصد العرق وقدم والدي علي في تلك الأيام ودخل المدينة وجاء إلي فانتهرني وذكرني بالتذكير والسياسية والغذاء الذي كان يغذوني به وأنا صبي ثم أمرني وتقدم إلي فقال اتق من الآن وتحفظ وتباعد من شهوات أصحابك الشباب وكثرتها وإلحاحهم واقتحامهم فلما كان الحول المقبل حرص أبي بحفظ غذائي وألزمنيه ودبرني أيضا وساسني سياسة موافقة فلم أتناول من الفاكهة إلا اليسير منها وأنا يومئذ ابن تسع عشرة سنة فخرجت سنتي تلك بلا مرض ولا أذى ثم أنه نزل بأبي بعد تلك السنة الموت فجلست أيضا مع أصحابي وإخواني من أولئك الشباب فأكلت الفاكهة وأكثرت وتملأت أيضا فمرضت مرضا شبيها
125 بمرضي الأول فاحتجت أيضا إلى فصد العرق ثم لزمتني الأمراض بعد تلك السنة سنينا متتابعة وربما كان ذلك غبا سنة بعد سنة إلى أن بلغت ثمانيا وعشرين سنة ثم إني اشتكيت شكاية شديدة ظهرت بي دبيلة في الموضع الذي يجتمع فيه الكبد مع ذيافرغما وهو الحجاب الحاجز ما بين الأعضاء المتنفسة والأعضاء الفعالة للغذاء فعزمت حينئذ على نفسي أن لا أقرب بعد ذلك شيئا من الفاكهة الرطبة إلا ما كان من التين والعنب وهذان إذا كانا نضيجين وتركت الإكثار منهما أيضا فوق القدر والطاقة وكنت أتناول منهما قدرا ولا أجاوزه وقد كان لي أيضا صاحب أمس مني فوافقني وواساني في العزم الذي عزمت عليه من ترك الفاكهة والتباعد فألزمنا أنفسنا الضمور وتوقي التخم والشبع من الأغذية فبقينا جمعيا معا بغير وجع ولا سقم إلى يومنا هذا سنينا كثيرة ثم لما رأيت ذلك عمدت إلى أخلائي وأخداني ومحبي من إخواني فألزمتهم الضمور والغذاء بقدر واعتدال فصحوا ولم يعرض لهم شيء مما أكره إلى يومي هذا فمنهم من لزمته الصحة إلى يومنا هذا خمسا وعشرين سنة ومنهم من لزمته الصحة خمس عشر ومنهم من لزمته السلامة أقل من ذلك وأكثر من أطاعني ولزم الغذاء على قدر ما قدرت له من ذلك وتباعد من الفاكهة الرطبة وغيرها من الأغذية الرديئة الكيموسات وقال في كتابه في علاج التشريح بأنه دخل رومية في المرة الأولى في ابتداء ملك أنطونينوس الذي ملك بعد أدريانوس وصنف كتابا في التشريح لبواثيوس المظفر الذي كان واليا على الروم عندما أراد أن يخرج من مدينة رومية إلى مدينته التي يقال لها بطولومايس وسأله أن يزوده كتابا في التشريح وصنف أيضا في التشريح مقالات وهو مقيم بمدينة سمرنا عند باليس معلمه الثاني بعد ساطورس تلميذ قوينطوس ومضى إلى قورنتوس بسبب إنسان آخر مذكور كان تلميذا لقونطس يقال له أفقيانوس وسار إلى الإسكندرية لما سمع أن هناك جماعة مذكورين من تلامذة قونطوس ومن تلامذة نوميسيانوس ثم رجع إلى موطنه فرغامس من بلاد آسيا ثم سار إلى رومية وشرح برومية قدام بواثيوس وكان يحضره دائما أوذيموس الفيلسوف من فرقة المشائين وقد كان يحضرهم الذي يتولى في مدينة رومية وهو سرجيوس بولوس فإنه في أمور الحكمة كلها كان أولى بالقول والفعل جميعا وقال جالينوس في بعض كتبه أنه دخل الإسكندرية في أول دفعة ورجع عنها إلى فرغامس موطنه وموطن آبائه وعمره ثمان وعشرون سنة وقال في كتابه في فينكس كتبه إنه كان رجوعه من رومية إلى بلاده وقد مضى من عمره سبع وثلاثون سنة وقال في كتابه في نفي الغم أنه احترق له في الخزائن العظمى التي كانت للملك بمدينة رومية كتب كثيرة وأثاث له قدر بمبلغ عظيم وكان بعض النسخ المحترقة بخط أرسطوطاليس وبعضها بخط أنكساغورس وأندروماخس وصحح قراءتها على معلميه الثقات وعلى من رواها عن أفلاطون وسافر إلى مدن بعيدة حتى صحح أكثرها وذكر أن من جملة ما ذهب له في هذا الحريق أيضا أشياء كثيرة قد ذكرها في كتابه يطول حصرها
126 وقال المبشر بن فاتك إن من جملة ما احترق لجالينوس في هذا الحريق كتاب روفسي في الترياقات والسموم وعلاج المسمومين وتركيب الأدوية بحسب العلة والزمان وإن من عزته عنده كتبه في ديباج أبيض بقز أسود وأنفق عليه جملة كثيرة أقول وبالجملة فإن لجالينوس اخبارا كثيرة جدا وحكايات مفيدة لمن يتأملها ونبذا ونوادر متفرقة في خلال كتبه وفي أثناء الأحاديث المنقولة عنه وقصصا كثيرة مما جرى له في مداواة المرضى مما يدل على قوته وبراعته في صناعة الطب لم يتهيأ لي حينئذ أن اذكر جميع ذلك في هذا الموضع وفي عزمي أن أجعل لذلك كتابا مفردا ينتظم كل ما أجده مذكورا من هذه الأشياء في سائر كتبه وغيرها أن شاء الله تعالى وقد ذكر جالينوس في فينكس كتبه انه صنف مقالتين وصف فيهما سيرته فأما العلاجات البديعة التي حصلت لجالينوس ونوادره في تقدمه المعرفة التي تفرد بها عندما تقدم فأنذر بحدوثها فكانت على ما وصفه فأنا وجدناه قد ذكر من ذلك جملا في كتاب مفرد كتبه إلى أفيجانس ووسمه بكتاب نوادر تقدمة المعرفة وهو يقول في كتابه هذا أن الناس كانوا يسموني أولا لجودة ما يسمعونه مني في صناعة الطب المتكلم بالعجائب فلما ظهرت لهم المعجزات التي كانوا يجدونها في معالجتي سموني الفاعل للعجائب وقال في كتابه في محنه الطبيب الفاضل ما هذه حكايته قال ولم اعلم أحدا ممن بالحضرة الا وقد علم كيف داوينا الرجل الذي كان يضره كل شياف يكتحل به حتى برأ وكانت في عينه قرحة عظيمة مؤلمة وكان مع ذلك الغشاء العنبي قد نتأ فتأنيت لذلك حتى سكن والقرحة حتى اندملت من غير أن استعمل فيها شيئا من الشيافات فاقتصرت على أني كنت اهيىء له في كل يوم ثلاثة مياه أحدها ماء قد طبخت فيه حلبة والآخر ماء قد طبخت فيه وردا والآخر ماء قد طبخت فيه زعفرانا غير مطحون وقد رأى جميع الأطباء الذين بالحضرة وأنا استعمل هذه المياه فلم يقدر أحد منهم أن يتمثل استعمالي إياها وذلك لأنهم لا يعرفون الطريق ولا المقدار الذي يحتاج ان يقدر في كل يوم من كل واحد من هذه المياه على حسب ما تحتاج اليه العلة وذلك أن تقدير ما كان لتلك المياه عند شدة الوجع وغلبته بنوع وعند تقور النتوء بنوع وعند كثيرة الوسخ في القرحة أو الزيادة في عفنها بنوع ولم استعمل شيئا سوى هذه المياه وبلغت إلى ما أردت من سكون نتوء الغشاء العنبي الذي كان نتأ وتسكين الوجع وتنقية القرحة في وقت ما كان الوسخ كثيرا فيها وانبات اللحم فيها في وقت ما كانت عميقة واندمالها في وقت ما امتلأت ولست اخلو في يوم من الأيام من أن أبين من مبلغ الحذق بهذه الصناعة ما هذا مقداره في العظم أو شبيه به وأكثر من يرى هذه من الأطباء لا يعلم أين هو مكتوب فضلا عما سوى ذلك وبعضهم إذ رأى ذلك لقبني البديع الفعل وبعضهم البديع القول مثل قوم من كبار أطباء رومية حضرتهم في أول دخلة دخلتها عند فتى محموم وهم يتناظرون في فصده ويختصمون في ذلك فلما أن طال كلامهم قلت لهم أن خصومتكم فضل والطبيعة عن قريب ستفجر عرقا ويستفرغ من المنخرين الدم الفاضل في بدن هذا الفتى فلم يلبثوا أن
127 رأوا ذلك عيانا فبهتوا في ذلك الوقت ولزموا الصمت واكسبني ذلك من قلوبهم البغضة ولقبوني البديع القول حضرت مرة أخرى مريضا وقد ظهرت فيه علامات بينة جدا تدل على الرعاف فلم اكتف بأن أنذرت بالرعاف حتى قلت أنه يكون من الجانب الأيمن فلامني من حضر ذلك من الأطباء وقالوا حسبنا ليس بنا حاجة إلى أن تبين لنا فقلت لهم واراكم مع ذلك انكم عن قريب سيكثر اضطرابكم ويشتد وجلكم من الرعاف الحادث لأنه سيعسر احتباسه وذلك أني لست أرى طبيعته تقوى على ضبط المقدار إلي يحتاج اليه من الاستفراغ والوقوف عنده فكان الامر على ما وصفته ولم يقدر أولئك الأطباء على حبس الدم لأنهم لم يعلموا من اين ابتدأ حين ابتدأت حركته وقطعته أنا بأهون السعي فسماني أولئك الأطباء البديع الفعل وحكى أيضا من هذا الجنس مما يدل على براعته وقوته في صناعة الطب في كتابه هذا ما هذه حكايته قال وقد حضرت مرة مع قوم من الأطباء مريضا قد اجتمعت عليه نزلة مع ضيق نفس فتركت أولئك الأطباء أولا يسقونه الأدوية التي ظنوا انه ينتفع بها فسقوه أولا بعض الأدوية التي تنفع من السعال والنزلة وهذه الأدوية تشرب عند طلب المريض النوم وذلك انها تجلب طرفا من السبات حتى أنها تنفع من به ارق وسهر فنام ليلته تلك بأسرها نوما ثقيلا وسكن عنه السعال وانقطعت عنه النزلة إلا أنه جعل يشكو ثقلا يجده في آلة النفس واصابه ضيق شديد في صدره ونفسه فرأى الأطباء عند ذلك أنه لا بد من أن يسقوه شيئا مما يعين على نفث ما في رئته فلما تناول ذلك قذف رطوبات كثيرة لزجة ثم أن السعال عاوده في الليلة القابلة وسهر وجعل يحس بشيء رقيق ينحدر من رأسه إلى حلقه وقصبة رئته فاضطروا في الليلة القابلة ان يسقوه ذلك الدواء المنوم فسكن عنه عند ذلك النزلة والسعال والسهرة الا ان نفسه ازداد ضيقا وساءت حاله في الليلة القابلة سوءا فلم تجد الأطباء معه بدا من أن يسقوه بعض الأدوية الملطفة المقطعة لما في الرئة فلما أن شرب ذلك نقيت رئته إلا أنه عرض له من السعال ومن كثرة الربو ومن الارق بسببهما ما لم يقو على احتماله فلما علمت أن الأطباء قد تحيروا ولم يبق عندهم حيلة سقيته بالعشي دواء لم يهج به سعالا ولا نزلة وجلب له نوما صالحا وسهل عليه قذف ما في رئتيه وسلكت بذلك المريض هذه الطريق فأبرأته من العلتين جميعا في أيام يسيرة على أنهما علتان متضادتان فيما يظهر ويتبين من هذا لمن يريده ان من قال من الأطباء انه لا يمكن ان يبرأ بدواء مرضان متضادان لم يصب وأنا أول من استخرج استعمال هذه الأدوية واستعمال الأدوية التي تعالج بها القرحة العارضة في الرئة من قبل نزلة تنحدر اليهما من الرأس وغير ذلك من أدوية كثيرة سأبين طريق استعمالها في كتاب تركيب الأدوية وقال جالينوس في كتابه في أن الأخيار من الناس قد ينتفعون بأعدائهم من شرح حاله ما هذا نصه قال فاني لم أطلب من أحد من تلاميذي أجرة ولا من مريض من المرضى الذين أعالجهم
128 واني أعطي المرضى كل ما يحتاجون اليه لا من الأدوية فقط أو من الأشربة أو من الادهان أو غير ذلك مما أشبهه لكني أقيم عليهم من يخدمهم أيضا إذا لم يكن لهم خدم واهيىء لهم مع ذلك أيضا ما يغتذون به قال واني وصلت كثيرا من الأطباء باصدقاء كانوا لي توجهو في عساكر وأطباء أخر أيضا كثير عددهم ضمتهم إلى قوم من أهل القدر لم آخذ من أحد منهم على ذلك رشوة أو هدية بل كنت أهب لقوم منهم بعض الآلآت والأدوية التي يحتاجون إليها وبعض لم أكن اقتصر به على ذلك فقط لكني كنت أزوده ما يحتاج اليه من النفقة في طريقه صفة جالينوس واخلاقه وقال المبشر بن فاتك ان جالينوس كان أسمر اللون حسن التخاطيط عريض الأكتاف واسع الراحتين طويل الأصابع حسن الشعر محبا للأغاني والالحان وقراءة الكتب معتدل المشية ضاحك السن كثير الهذر قليل الصمت كثير الوقوع في أصحابه كثير الاسفار طيب الرائحة نقي الثياب وكان يحب الركوب والتنزه مداخلا للملوك والرؤساء من غير أن يتقيد في خدمة أحد من الملوك بل إنهم كانوا يكرمونه وإذا احتاجوا اليه في مداواة شيء من الأمراض الصعبة دفعوا له العطايا الكثيرة من الذهب وغيره في برئها وذكر ذلك في كثير من كتبه وانه كان إذا تطلبه أحد من الملوك ان يستمر في خدمته سافر من تلك المدينة إلى غيرها لئلا يشتغل بخدمة الملك عما هو بسبيله وذكروا ان الأصل كان في اسم جالينوس غالينوس ومعناه الساكن أو الهادي وقيل أن ترجمة اسم جالينوس معناه بالعربي الفاضل وقال أبو بكر محمد بن زكريا الرازي في كتاب الحاوي انه ينطلق في اللغة اليونانية ان ينطق بالجيم غينا وكافا فيقال مثلا جالينوس وغالينوس وكالينوس وكل ذلك جائز وقد تجعل الألف واللام لاما مشددة فيكون ذلك أصح في اليوناينة أقول وهذه فائدة تتعلق بهذا المعنى وهي حدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكريدي قال حدثني ابناغاثون المطران بشوبك وكان اعلم أهل زمانه بمعرفة لغة الروم القديمة وهي اليونانية ان في لغة اليونان كل ما كان من الأسماء الموضوعة من أسماء الناس وغيرهم فآخرها سين مثل جالينوس وديسقوريدس وانكساغورس وارسطوطاليس وديوجانيس واريباسيوس وغير ذلك وكذلك مثل قولهم قاطيغورياس وباريمينياس ومثل اسطوخودس واناغالس فان السين التي في آخر كل كلمة حكمها في لغة اليونانيين مثل التنوين في لغة العرب الذي هو آخر الكلمة مثل قولك زيد وعمرو وخالد وبكر وكتاب وشجر فتكون النون التي تتبين في آخر التنوين مثل السين في لغة أولئك
129 أقول ويقع لي أن من الألفاظ التي في لغة اليونانيين وهي قلائل ما لا يكون في آخره سين مثل سقراط وأفلاطن وأغاثاذيمون وأغلوقن وتامور وياغات وكذلك من غير أسماء الناس مثل أنالوطيقيا ونيقوماخيا والريطورية ومثل جند بيدستر وترياق فإن هذه الأسماء تكون في لغة اليونانيين لا يجوز عندهم تنوينها فتكون بلا سين وذلك مثل ما عندنا في لغة العرب أن من الأسماء ما لا ينون وهي الأسماء التي لا تنصرف مثل إسماعيل وإبراهيم وأحمد ومساجد ودنانير فتكون هذه كتلك والله أعلم وقد مدح أبو العلاء بن سليمان المعري في كتاب الاستغفار كتب جالينوس ومدوني الطب فقال (سقيا ورعيا لجالينوس من رجل * ورهط بقراط غاضوا بعد أو زادوا) (فكل ما اصلوه غير منتقض * به استغاث أولو سقم وعواد) (كتب لطاف عليهم خف محملها * لكنها في شفاء الداء أطواد) ومن ألفاظ جالينوس وآدابه ونوادره الحكمية مما ذكره حنين ابن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة و الحكماء وآداب المعلمين القدماء قال جالينوس الهم فناء القلب والغم مرض القلب ثم بين ذلك فقال الغم بما كان والهم بما يكون وفي موضع آخر الغم بما فات والهم بما هو آت فإياك والغم فإن الغم ذهاب الحياة ألا ترى أن الحي إذا غم وجبة تلاشى من الغم قال في صورة القلب إن في القلب تجويفين أيمن وأيسر وفي التجويف الأيمن من الدم أكثر من الأيسر وفيهما عرقان يأخذان إلى الدماغ فإذا عرض للقلب ما لا يوافق مزاجه انقبض فانقبض لانقباضه العرقان فتشنج لذلك الوجه وألم له الجسد وإذا عرض له ما يوافق مزاجه انبسط وانبسط العرقان لانبساطه قال وفي القلب عريق صغير كالأنبوبة مطل على شغاف القلب وسويدائه فإذا عرض للقلب غم انقبض ذلك العريق فقطر منه دم على سويداء القلب وشغافه فيعصر عند ذلك من العرقين دم يتغشاه فيكون ذلك عصرا على القلب حتى يحس ذلك في القلب والروح والنفس والجسم كما يتغشى بخار الشراب الدماغ فيكون منه السكر وقيل إن جالينوس أراد امتحان ذلك فأخذ حيوانا ذا حس فغمه أياما ولما ذبحه وجد قلبه
130 ذابلا نحيفا قد تلاشى أكثره فاستدل بذلك على أن القلب إذا توالت عليه الغموم وضاقت به الهموم ذبل ونحل فحذر حينئذ من عواقب الغم والهم وقال لتلاميذه من نصح الخدمة نصحت له المجازاة وقال لهم لا ينفع علم من لا يعقله ولا عقل من لا يستعمله وقال في كتاب أخلاق النفس كما أنه يعرض للبدن المرض والقبح فالمرض مثل الصرع والشوصة والقبح مثل الحدب وتسقط الرأس وقرعه كذلك يعرض للنفس مرض وقبح فمرضها كالغضب وقبحها كالجهل وقال العلل تجيء على الإنسان من أربعة أشياء من علة العلل ومن سوء السياسة في الغذاء ومن الخطايا ومن العدو إبليس وقال الموت من أربعة أشياء موت طبيعي وهو موت الهرم وموت مرض وشهوة مثل من يقتل نفسه أو يقاد منه وموت الفجأة وهو بغتة وقال وقد ذكر عنده القلم القلم طبيب المنطق ومن كلامه في العشق قال العشق استحسان ينضاف إليه طمع وقال العشق من فعل النفس وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد وفي الدماغ ثلاث قوى التخيل وهو في مقدم الرأس والفكر وهو في وسطه والذكر وهو في مؤخره وليس يكمل أحد اسم عاشق حتى يكون إذا فارق من يعشقه لم يخل من تخيله وفكره وذكره وقلبه وكبده فيمتنع من الطعام والشراب باشتغال الكبد ومن النوم باشتغال الدماغ بالتخييل والذكر له والفكر فيه فيكون جميع مساكن النفس قد اشتغلت به فمتى لم تشتغل به وقت الفراق لم يكن عاشقا فإذا لقيه خلت هذه المساكن قال حنين بن إسحاق وكان منقوشا على فص خاتم جالينوس من كتم داءه أعياه شفاؤه ومن كلام جالينوس مما ذكره أبو الوفاء المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم قال جالينوس لن تنل واحلم تنبل ولا تكن معجبا فتمتهن وقال العليل الذي يشتهي أرجى من الصحيح الذي لا يشتهي وقال لا يمنعك من فعل الخير ميل النفس إلى الشر وقال رأيت كثيرا من الملوك يزيدون في ثمن الغلام المتأدب بالعلوم والصناعات وفي ثمن الدواب الفاضلة في أجناسها ويغفلون أمر أنفسهم في التأدب حتى لو عرض على أحدهم غلام مثله ما اشتراه ولا قبله فكان من أقبح الأشياء عندي أن يكون المملوك يساوي الجملة من المال والمالك لا يجد من يقبله مجانا
131 وقال كان الأطباء يقيمون أنفسهم مقام الأمراء والمرضى مقام المأمورين الذين لا يتعدون ما حد لهم فكان الطب في أيامهم أنجع فلما حال الأمر في زماننا فصار العليل بمنزلة الأمير والطبيب بمنزلة المأمور وخدم الأطباء رضا الإعلاء وتركوا خدمة أبدانهم فقل الانتفاع بهم وقال أيضا كان الناس قديما يجتمعون على الشراب والغناء فيتفاضلون في ذكر ما تعمله الأشربة في الأمزجة والألحان في قوة الغضب وما يرد كل واحد منهامن أنواعه وهم اليوم إذا اجتمعوا فإنما يتفاضلون بعظم الأقداح التي يشربونها وقال من عود من صباه القصد في التدبير كانت حركات شهواته معتدلة فأما من اعتاد أن لا يمنع شهواته منذ صباه ولا يمنع نفسه شيئا مما تدعوه إليه فذلك يبقى شرها وذلك عن كل شيء يكثر الرياضة في الأعمال التي تخصه يقوى وكل شيء يستعمل السكون يضعف وقال من كان من الصبيان شرها شديد القحة فلا ينبغي أن يطمع في صلاحه البتة ومن كان منهم شرها ولم يكن وقحا فلا ينبغي أن يؤيس من صلاحه ويقدر أنه إن تأدب يكون إنسانا عفيفا وقال الحياء خوف المستحي من نقص يقع به عند من هو أفضل منه وقال يتهيأ للإنسان أن يصلح أخلاقه إذا عرف نفسه فإن معرفة الإنسان نفسه هي الحكمة العظمى وذلك أن الإنسان لإفراط محبته لنفسه بالطبع يظن بها من الجميل ما ليست عليه حتى أن قوما يظنون بأنفسهم أنهم شجعاء وكرماء وليسوا كذلك فأما العقل فيكاد أن يكون الناس كلهم يظنون بأنفسهم التقدم فيه وأقرب الناس إلى أن يظن ذلك بنفسه أقلهم عقلا وقال العادل من قدر على أن يجور فلم يفعل والعاقل من عرف كل واحد من الأشياء التي في طبيعة الإنسان معرفتها على الحقيقة وقال العجب ظن الإنسان بنفسه أنه على الحال التي تحب نفسه أن يكون عليها من غير أن يكون عليها وقال كما أن من ساءت حال بدنه من مرض به وهو ابن خمسين سنة ليس يستسلم ويترك بدنه حتى يفسد ضياعا بل يلتمس أن يصح بدنه وإن لم يفده صحة تامة كذلك ينبغي لنا أن لا نمتنع من أن نزيد أنفسنا صحة على صحتها وفضيلة على فضيلتها وإن كنا لا نقدر أن نلحقها بفضيلة نفس الحكيم وقال يتهيأ للإنسان أن يسلم من أن يظن بنفسه أنه أعقل الناس إذا قلد غيره امتحان كل ما يفعله في كل يوم وتعريفه صواب فعله من خطئه ليستعمل الجميل ويطرح القبيح ورأى رجلا تعظمه الملوك لشدة جسمه فسأل عن أعظم ما فعله فقالوا أنه حمل ثورا
132 مذبوحا من وسط الهيكل حتى أخرجه إلى خارج فقال لهم فقد كانت نفس الثور تحمله ولم تكن لها في حمله فضيلة ونقلت من كلام جالينوس أيضا من مواضع أخر قال جالينوس أن العليل يتروح بنسيم أرضه كما تتروح الأرض الجدبة ببل القطر وسئل عن الشهوة فقال بلية تعير لا بقاء لها وقيل له لم تحضر مجالس الطرب والملاهي قال لأعرف القوى والطبائع في كل حال من منظر ومسمع وقيل له متى ينبغي للإنسان أن يموت قال إذا جهل ما يضره مما ينفعه ومن كلامه أنه سئل عن الأخلاط فقيل له ما قولك في الدم قال عبد مملوك وربما قتل العبد مولاه قيل له فما قولك في الصفراء فقال كلب عقور في حديقة قيل له فما قولك في البلغم قال ذلك الملك الرئيس كلما أغلقت عليه بابا فتح لنفسه بابا قيل له فما قولك في السوداء قال هيهات تلك الأرض إذا تحركت تحرك ما عليها ومن ذلك أيضا قال أنا ممثل لك مثالا في الأخلاط الأربعة فأقول إن مثل الصفراء وهي المرة الحمراء كمثل امرأة سليطة صالحة تقية فهي تؤذي بطول لسانها وسرعة غضبها إلا أنها ترجع سريعا بلا غائلة ومثل الدم كمثل الكلب الكلب فإذا دخل دارك فعاجله أما بإخراجه أو قتله ومثل البلغم إذا تحرك في البدن مثل ملك دخل بيتك وأنت تخاف ظلمه وجوره وليس يمكن أن تخرق به وتؤذيه بل يجب أن ترفق به وتخرجه ومثل السوداء في الجسد مثل الإنسان الحقود الذي لا يتوهم فيه بما في نفسه ثم يثب وثبة فلا يبقى مكروها إلا ويفعله ولا يرجع إلا بعد الجهد الصعب ومن تمثيلاته الطريفة أيضا قال الطبيعة كالمدعي والعلة كالخصم والعلامات كالشهود والقارورة والنبض كالبينة ويوم البحران كيوم القضاء والفصل والمريض كالمتوكل والطبيب كالقاضي وقال في تفسيره لكتاب أيمان أبقراط وعهده كما أنه لا يصلح اتخاذ التمثال من كل حجر
133 ولا ينتفع بكل باب في محاربة السباع كذلك أيضا لا نجد كل إنسان يصلح لقبول صناعة الطب لكنه ينبغي أن يكون البدن والنفس منه ملائمين لقبولها مصنفات جالينوس ولجالينوس من المصنفات كتب كثيرة جدا وهذا ذكر ما وجدته منها منتشرا في أيدي الناس مما قد نقله حنين بن إسحاق العبادي وغيره إلى العربي وأغراض جالينوس في كل كتاب منها كتاب بينكس وهو الفهرست وغرضه في هذا الكتاب أن يصف الكتب التي وضعفها وما غرضه في كل واحد منها وما دعاه إلى وضعه ولمن وضعه وفي أي حد من سنه وهو مقالتان المقالة الأولى ذكر فيها كتبه في الطب وفي المقالة الثانية كتبه في المنطق والفلسفة والبلاعة والنحو كتاب في مراتب قراءة كتبه مقالة واحدة وغرضه فيها أن يخبر كيف ينبغي أن يرتب كتبه في قراءتها كتابا بعد كتاب من أولها إلى آخرها كتاب الفرق مقالة واحدة وقال جالينوس إنه أول كتاب يقرأه من أراد تعلم صناعة الطب وغرضه فيه أن يصف ما يقوله كل واحد من فرقة أصحاب التجربة وأصحاب القياس وأصحاب الحيل في تثبيت ما يدعي والاحتجاج له والرد على من خالفه وكيف الوجه في الحكم على الحق والباطل منها وكان وضع جالينوس لهذه المقالة وهو شاب من أبناء ثلاثين سنة أو أكثر قليلا عند دخوله رومية أول دخلة كتاب الصناعة الصغيرة مقالة واحدة وقد قال جالينوس في أوله أنه أثبت فيه جمل ما قد بينه على الشرح والتلخيص في غيره من الكتب وأن ما فيه بمنزلة النتائج لما فيها كتاب النبض الصغير وهو أيضا مقالة واحدة عنونها جالينوس إلى طوثرس وسائر المتعلمين وغرضه فيها أن يصف ما يحتاج المتعلمون إلى علمه من أمر النبض ويعدد فيه أولا أصناف النبض وليس يذكر فيه جميعها لكن ما يقوى المتعلمون على فهمه منها ثم يصف بعد الأسباب التي تغير النبض ما كان منها طبيعيا وما كان منها ليس بطبيعي وما كان خارجا من الطبيعية وكان وضع جالينوس لهذه المقالة في الوقت الذي وضع فيه كتابه في الفرق كتاب إلى أغلوقن في التأتي لشفاء الأمراض ومعنى أغلوقن باليونانية الأزرق وكان فيلسوفا وعندما رأى من آثار جالينوس في الطب ما أعجبه سأله أن يكتب له ذلك الكتاب ولما كان لا يصل المداوي إلى مداواة الأمراض دون تعرفها قدم قبل مداواتها دلائلها التي تعرف بها ووصف في المقالة الأولى دلائل الحميات ومداواتها ولم يذكرها كلها لكنه اقتصر منها على ذكر ما يعرض كثيرا وهذه المقالة تنقسم قسمين ويصف في القسم الأول من هذه المقالة الحميات التي تخلو من الأعراض الغريبة
134 ويصف في القسم الثاني الحميات التي معها أعراض غريبة ويصف في المقالة الثانية دلائل الأورام ومداواتها وكان وضع جالينوس لهذا الكتاب في الوقت الذي وضع فيه كتاب الفرق كتاب في العظام هذا الكتاب مقالة واحدة وعنونه جالينوس في العظام للمتعلمين وذلك أنه يريد أن يقدم المتعلم للطب تعلم علم التشريح على جميع فنون الطب لأنه لا يمكن عنده دون معرفة التشريح أن يتعلم شيئا من الطب القياسي وغرض جالينوس في هذا الكتاب أن يصف حال كل واحد من العظام في نفسه وكيف الحال في اتصاله بغيره وكان وضع جالينوس له في وقت ما وضع سائر الكتب إلى المتعلمين كتاب في العضل هذا الكتاب مقالة واحدة ولم يعنونه جالينوس إلى المتعلمين لكن أهل الإسكندرية أدخلوه في عداد كتبه إلى المتعلمين وذلك أنهم جمعوا مع هاتين المقالتين ثلاث مقالات أخر كتبها جالينوس إلى المتعلمين واحدة في تشريح العصب وواحدة في تشريح العروق غير الضوارب وواحدة في تشريح العروق الضوارب وجعلوه كأنما دون كتابا واحدا ذا خمس مقالات وعنونه في التشريح إلى المتعلمين وغرض جالينوس في كتابه هذا أعني كتابه في العضل أن يصف أمر جميع العضل الذي في كل واحد من الأعضاء كم هي وأي العضل هي ومن أين تبتدئ كل واحدة منها وما فعلها بغاية الاستقصاء كتاب في العصب هذا الكتاب أيضا مقالة كتبها إلى المتعلمين وغرضه فيها أن يصف كم زوجا من العصب تنبث من الدماغ والنخاع وأي الأعصاب هي وكيف وأين تنقسم كل واحدة منها وما فعلها كتاب في العروق هذا الكتاب عند جالينوس مقالة واحدة يصف فيها أمر العروق التي تنبض والتي لا تنبض كتبه للمتعلمين وعنونه إلى أنطستانس فأما أهل الإسكندرية فقسموه إلى مقالتين مقالة في العروق غير الضوارب ومقالة في العروق الضوارب وغرضه فيه أن يصف كم عرقا تنبت من الكبد وأي العروق هي وكيف هي وأين ينقسم كل واحد منها وكم شريانا تنبت من القلب وأي الشريانات هي وكيف هي وأين تنقسم كتاب الاسطقسات على رأي أبقراط مقالة واحدة وغرضه فيه أن يبين أن جميع الأجسام التي تقبل الكون والفساد وهي أبدان الحيوان والنبات والأجسام التي تتولد في بطن الأرض إنما تركيبها من الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض وأن هذه هي الأركان الأول البعيدة لبدن الإنسان وأما الأركان الثواني القريبة التي بها قوام بدن الإنسان وسائر ما له دم من الحيوان فهي الأخلاط الأربعة أعني الدم والبلغم والمرتين كتاب المزاج ثلاث مقالات وصف في المقالتين الأوليين منه أصناف مزاج أبدان الحيوان فبين كم هي وأي الأصناف هي ووصف الدلائل التي تدل على كل واحدة منها وذكر في المقالة الثالثة
135 منه أصناف مزاج الأدوية وبين كيف تختبر وكيف يمكن تعرفها كتاب القوى الطبيعية ثلاث مقالات وغرضه فيه أن يبين أن تدبير البدن يكون بثلاث قوى طبيعية وهي القوة الجابلة والقوة الجابلة المنمية والقوة الغاذية وأن القوة الجابلة مركبة من قوتين إحداهما تغير المني وتحيله حتى تجعل منه الأعضاء المتشابهة الأجزاء والأخرى تركب الأعضاء المتشابهة الأجزاء بالهيئة والوضع والمقدار أو العدد الذي يحتاج إليه في كل واحد من الأعضاء المركبة وأنه يخدم القوة العادية أربع قوى وهي القوة الجاذبة والقوة الممسكة والقوة المغيرة والقوة الدافعة كتاب العلل والأعراض ست مقالات وهذا الكتاب أيضا ألف جالينوس مقالاته متفرقة وإنما الإسكندريون جمعوها وجعلوها كتابا واحدا وعنون جالينوس المقالة الأولى من هذه الست المقالات في أصناف الأمراض ووصف في تلك المقالة كم أجناس الأمراض وقسم كل واحد من تلك الأجناس إلى أنواعه حتى انتهى في القسمة إلى أقصى أنواعها وعنون المقالة الثانية منها في أسباب الأمراض وغرضه فيها موافق لعنوانها وذلك أنه يصف فيها كم أسباب كل واحد من الأمراض وأي الأسباب هي وأما المقالة الثالثة من هذه الست فعنونها في أصناف الأعراض ووصف فيها كم أجناس الأعراض وأنواعها وأي الأعراض هي وأما الثلاث المقالات الباقية فعنونها في أسباب الأعراض ووصف فيها كم الأسباب الفاعلة لكل واحد من الأعراض وأي الأسباب هي كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة ويعرف أيضا بالمواضع الآلمة ست مقالات وغرضه فيه أن يصف دلائل يستدل بها على أحوال الأعضاء الباطنة إذا حدثت بها الأمراض وعلى تلك الأمراض التي تحدث فيها وأي الأمراض هي ووصف في المقالة الأولى وبعد الثانية منه السبل العامية التي تتعرف بها الأمراض مواضعها وكشف في المقالة الثانية خطأ أرخيجانس في الطرق التي سلكها في طلب هذا الغرض ثم أخذ باقي المقالة الثانية وفي المقالات الأربع التالية لها في ذكر الأعضاء الباطنة وأمراضها عضوا عضوا وابتدأ من الدماغ وهلم جرا على الولاء يصف الدلائل التي يستدل بها على واحد واحد منها إذا اعتل كيف تتعرف علته إلى أن انتهى إلى أقصاها كتاب النبض الكبير هذا الكتاب جعله جالينوس في ست عشرة مقالة وقسمها بأربعة أجزاء في كل واحد من الأجزاء أربع مقالات وعنون الجزء الأول منها في أصناف النبض وغرضه فيه أن يبين كم أجناس النبض الأول وأي الأجناس هي وكيف ينقسم كل واحد منها إلى أنواعه إلى أن ينتهي إلى أقصاها وعمد في المقالة الأولى من هذا الجزء إلى جملة ما يحتاج إليه من صفة أجناس النبض وأنواعها فجمعه فيها عن آخره وأفرد الثلاث المقالات الباقية من ذلك الجزء للحجاج والبحث عن أجناس النبض وأنواعه وعن حده
136 وعنون الجزء الثاني في تعرف النبض وغرضه فيه أن يصف كيف يتعرف كل واحد من أصناف النبض بمجسة العرق وعنون الجزء الثالث في أسباب النبض وغرضه فيه أن يصف من أي الأسباب يكون كل واحد من أصناف النبض وعنون الجزء الرابع في تقدمة المعرفة من النبض وغرضه فيه أن يصف كيف يستخرج سابق العلم من كل واحد من أصناف النبض كتاب أصناف الحميات مقالتان وغرضه فيه أن يصف أجناس الحميات وأنواعها ودلائلها وصف في المقالة الأولى منه جنسين من أجناسها أحدهما يكون في الروح والآخر في الأعضاء الأصلية ووصف في المقالة الثانية الجنس الثالث منها الذي يكون في الأخلاط إذا عفنت كتاب البحران ثلاث مقالات وغرضه فيه أن يصف كيف يصل الإنسان إلى أن يتقدم فيعلم هل يكون البحران أم لا وإن كان يحدث فمتى يحدث وبماذا وإلى أي شيء يؤول أمره كتاب أيام البحران ثلاث مقالات وغرضه في المقالتين الأوليين منه أن يصف اختلاف الحال من الأيام في القوة وأيها يكون فيه البحران وأيها لا يكاد يكون فيه وأي تلك التي يكون فيها البحران يكون البحران الحادث فيها محمودا وأيها يكون البحران الحادث فيها مذموما وما يتصل بذلك ويصف في المقالة الثالثة الأسباب التي من أجلها اختلفت الأيام في قواها هذا الاختلاف كتاب حيلة البرء أربع عشرة مقالة وغرضه فيه أن يصف كيف يداوي كل واحد من الأمراض بطريق القياس ويقتصر فيه على الأعراض العامية التي ينبغي أن يقصد قصدها في ذلك ويستخرج منها ما ينبغي أن يداوي به كل مرض من الأمراض ويضرب لذلك مثالات يسيرة من أشياء جزئية وكان وضع ست مقالات منه لرجل يقال له أيارن بين في المقالة الأولى والثانية منها الأصول الصحيحة التي عليها يكون مبني الأمر في هذا العلم وفسخ الأصول الخطأ التي أصلها أراسطراطس وأصحابه ثم وصف في المقالات الأربع الباقية مداواة تفرق الاتصال من كل واحد من الأعضاء ثم إن أيارن توفي فقطع جالينوس استتمام الكتاب إلى أن سأله أوجانيوس أن يتممه فوضع له الثماني المقالات الباقية فوصف في الست الأولى منها مداواة أمراض الأعضاء المتشابهة الأجزاء وفي المقالتين الباقيتين مداواة أمراض الأعضاء المركبة ووصف في المقالة الأولى من الست الأول مداواة أصناف سوء المزاج كلها إذا كانت في عضو واحد وأجرى أمرها على طريق التمثيل بما يحدث في المعدة ثم وصف في المقالة التي بعدها وهي الثامنة من جملة الكتاب مداواة أصناف الحمى التي تكون في الروح وهي حمى يوم ثم وصف في المقالة التي تتلوها وهي التاسعة
137 مداواة الحمى المطبقة ثم في العاشرة مداواة الحمى التي تكون في الأعضاء الأصلية وهي الدق ووصف فيها جميع ما يحتاج إلى عمله من أمر استعمال الحمام ثم وصف في الحادية عشرة والثانية عشرة مداواة الحميات التي تكون من عفونة الأخلاط أما في الحادية عشرة فما كان منها خلوا من أعراض غريبة وأما في الثانية عشرة فما كان منها مع أعراض غريبة كتاب علاج التشريح وهو الذي يعرف بالتشريح الكبير كتبه في خمس عشرة مقالة وذكر أنه قد جمع فيه كل ما يحتاج إليه من أمر التشريح ووصف في المقالة الأولى منه العضل والرباطات في اليدين وفي الثانية العضل والرباطات في الرجلين وفي الثالثة العصب والعروق التي في اليدين والرجلين وفي الرابعة العضل الذي يحرك الخدين والشفتين والعضل الذي يحرك اللحى الأسفل إلى ناحية الرأس وإلى ناحية الرقبة والكتفين وفي الخامسة عضل الصدر ومراق البطن والمتنين والصلب ووصف في السادسة آلات الغذاء وهي المعدة والأمعاء والكبد والكليتين والمثانة وسائر ما أشبه ذلك وفي السابعة والثامنة وصف تشريح آلات التنفس أما في السابعة فوصف ما يظهر في التشريح في القلب والرئة والعروق الضوارب بعد موت الحيوان وما دام حيا وأما في الثامنة فوصف ما يظهر في التشريح في جميع الصدر وأفرد المقالة التاسعة بأسرها بصفة تشريح الدماغ والنخاع ووصف في العاشرة في تشريح العينين واللسان والمرئ وما يتصل بهذه من الأعضاء ووصف في الحادية عشرة الحنجرة والعظم الذي يشبه اللام في حروف اليونانيين وما يتصل بذلك من العصب الذي يأتي هذه المواضع ووصف في الثانية عشرة تشريح أعضاء التوليد وفي الثالثة عشرة تشريح الضوارب وغير الضوارب وفي الرابعة عشرة تشريح العصب الذي ينبت من النخاع قال جالينوس وهذا الكتاب المضطر إليه من علم التشريح وقد وضعت كتبا أخر لست بمضطر إليها لكنها نافعة في علم التشريح اختصار كتاب مارينس في التشريح وكان مارينس ألف كتابه هذا في عشرين مقالة وإنما جالينوس اختصره في أربع مقالات اختصار كتاب لوقس في التشريح وهذا الكتاب أيضا ألفه صاحبه في سبع عشرة مقالة
138 وقد ذكر جالينوس أنه اختصره في مقالتين كتاب فيما وقع من الاختلاف بين القدماء في التشريح مقالتان وغرضه فيه أن يبين أمر الاختلاف الذي وقع في كتب التشريح فيما بين من كان قبله من أصحاب التشريح أي شيء منه إنما هو في الكلام فقط وأي شيء منه وقع في المعنى وما سبب ذلك كتاب تشريح الأموات مقالة واحدة يصف فيها الأشياء التي تعرف من تشريح الحيوان الميت أي الأشياء هي كتاب تشريح الأحياء مقالتان وغرضه فيه أن يبين الأشياء التي تعرف من تشريح الحيوان الحي أي الأشياء هي كتاب في علم أبقراط بالتشريح هذا الكتاب جعله جالينوس في خمس مقالات وكتبه لبويثوس في حداثة سنه وغرضه فيه أن يبين أن أبقراط كان صادقا بعلم التشريح وأتى على ذلك بشواهد من جميع كتبه كتاب في آراء أراسسطراطس بالتشريح هذا الكتاب جعله في ثلاث مقالات وكتبه أيضا لبويثوس في حداثة من سنه وغرضه فيه أن يشرح ما قاله أرسسطراطس في التشريح في جميع كتبه ثم بين له صوابه فيما أصاب وخطأه فيما أخطأ فيه كتاب فيما يعلمه لوقس من أمر التشريح أربع مقالات كتاب فيما خالف فيه لوقس في التشريح مقالتان كتاب في تشريح الرحم هذا الكتاب مقالة واحدة صغيرة كتبه لامرأة قابلة في حداثة سنه فيه جميع ما يحتاج إليه من تشريح الرحم وما يتولد فيها في الوقت الذي للحمل كتاب في مفصل الفقرة من فقار الرقبة مقالة واحدة كتاب في اختلاف الأعضاء المتشابهة الأجزاء مقالة واحدة كتاب في تشريح آلات الصوت مقالة واحدة وقال حنين إن هذا الكتاب مفتعل على لسان جالينوس وليس هو لجالينوس ولا غيره من القدماء ولكنه لبعض الحدث جمعه من كتب جالينوس وكان الجامع له مع هذا أيضا ضعيفا كتاب في تشريح العين هذا الكتاب أيضا مقالة واحدة وقال حنين إن عنوانه أيضا باطل لأنه ينسب إلى جالينوس وليس هو لجالينوس وخليق أن يكون لروفس أو لمن دونه كتاب في حركة الصدر والرئة هذا الكتاب جعله في ثلاث مقالات وكان وضعه في حداثة من سنه بعد عودته الأولى من رومية وكان حينئذ مقيما بمدينة سمرنا عند فالقس وإنما كان سأله إياه بعض من كان يتعلم معه وصف في المقالتين الأوليين منه وفي أول الثالثة ما أخذه عن فالقس معلمه في ذلك الفن ثم وصف في باقي المقالة الثالثة ما كان هو المستخرج له كتاب في علل النفس هذا
139 الكتاب جعله في مقالتين في رحلته الأولى إلى رومية لبوثيوس وغرضه فيهما أن يبين من أي الآلات يكون التنفس عفوا ومن أيها يكون باستكراه كتاب في الصوت هذا الكتاب جعله في أربع مقالات بعد الكتاب الذي ذكرته قبله غرضه فيه أن يبين كيف يكون الصوت وأي شيء هو وما مادته وبأي الآلات يحدث وأي الأعضاء تعين على حدوثه وكيف تختلف الأصوات كتاب في حركة العضل مقالتان وغرضه فيه أن يبين ما حركة العضل وكيف هي وكيف تكون هذه الحركات المختلفة من العضل وإنما حركته حركة واحدة ويبحث أيضا فيه عن النفس هل هو من الحركات الإرادية أم من الحركات الطبيعية ويفحص فيه عن أشياء كثيرة لطيفة من هذا الفن مقالة في مناقضة الخطأ الذي اعتقد في تمييز البول من الدم مقالة في الحاجة إلى النبض مقالة في الحاجة إلى التنفس مقالة في العروق الضوارب هل يجري فيها الدم بالطبع أم لا كتاب في قوى الأدوية المسهلة مقالة واحدة يبين فيها أن إسهال الأدوية وما يسهل ليس هو بأن كل واحد من الأدوية يحيل ما يصادفه في البدن إلى طبيعته ثم يندفع ذلك فيخرج لكن كل واحد منها يجتذب خلطا موافقا مشاكلا له كتاب في العادات مقالة واحدة وغرضه فيه أن يبين أن العادة أحد الأعراض التي ينبغي أن ينظر فيها ويوجد متصلا بهذا الكتاب ومتحدا معه تفسير ما أتى به جالينوس فيها من الشهادات من قول فلاطن بشرح أيروقليس له وتفسير ما أتى به من قول أبقراط بشرح جالينوس له كتاب في آراء أبقراط وفلاطن عشر مقالات وغرضه فيه أن يبين أن أفلاطن في أكثر أقاويله موافق لبقراط من قبل أنه عنه أخذها وأن أرسطوطاليس فيما خالفهما فيه قد أخطأ ويبين فيه جميع ما يحتاج إليه من أمر قوة النفس المدبرة التي بها تكون الفكرة والتوهم والذكر ومن أمر الأصول الثلاثة التي منها تنبعث القوى التي بها يكون تدبير البدن وغير ذلك من فنون شتى كتاب في الحركة المعتاصة مقالة واحدة وغرضه فيها أن يبين أمر حركات كان قد جهلها هو ومن كان قبله ثم علمها بعد كتاب في آلة الشم مقالة واحدة كتاب منافع الأعضاء سبع عشرة مقالة بين في المقالة الأولى والثانية منه حكمة الباري تبارك وتعالى في إتقان خلقة اليد وبين في القول الثالث حكمته في إتقان الرجل وفي الرابع والخامس
140 حكمته في آلات الغذاء وفي السادس والسابع أمر آلات التنفس وفي الثامن والتاسع أمر ما في الرأس وفي العاشر أمر العينين وفي الحادي عشر سائر ما في الوجه وفي الثاني عشر الأعضاء التي هي مشاركة للرأس والعنق وفي الثالث عشر نواحي الصلب والكتفين ثم وصف في المقالتين اللتين بعد تلك الحكمة في أعضاء التوليد ثم في السادس عشر من أمر الآلات المشتركة للبدن كله وهي العروق الضوارب وغير الضوارب والأعصاب ثم وصف في المقالة السابعة عشرة حال جميع الأعضاء ومقاديرها وبين منافع ذلك الكتاب كله مقالة في أفضل هيئات البدن وهذه المقالة تتلو المقالتين الأوليين من كتاب المزاج وغرضه فيها بين من عنوانها مقالة في خصب البدن وهي مقالة صغيرة وعرضه فيها بين من عنوانها مقالة في سوء المزاح المختلف وغرضه فيها يتبين من عنوانها يذكر فيه أي أصناف سوء المزاج هو مستوفي البدن كله وكيف يكون الحال فيه وأي أصناف سوء المزاج هو مختلف في أعضاء البدن كتاب الأدوية المفردة هذا الكتاب جعله في إحدى عشرة مقالة كشف في المقالتين الأولتين خطأ من أخطأ في الطرق الرديئة التي سلكت في الحكم على قوى الأدوية ثم أصل في المقالة الثالثة أصلا صحيحا لجميع العلم بالحكم على القوى الأولى من الأدوية ثم بين في المقالة الرابعة أمر القوى الثواني وهي الطعوم والروائح وأخبر بما يستدل عليها منها على القوى الأولى من الأدوية ووصف في المقالة الخامسة القوى الثوالب من الأدوية وهي أفاعيلها في البدن من الإسخان والتبريد والتجفيف والترطيب ثم وصف في المقالات الثلاث التي تتلو تلك قوة دواء دواء من الأدوية التي هي أجزاء من النبات ثم في المقالة التاسعة قوى الأدوية التي هي أجزاء من الأرض أعني أصناف التراب والطين والحجارة والمعادن وفي العاشرة قوى الأدوية التي هي مما يتولد في أبدان الحيوان ثم وصف في الحادية عشرة قوى الأدوية التي هي مما يتولد في البحر والماء المالح مقالة في دلائل علل العين كتبها في حداثته لغلام كحال وقد لخص فيها العلل التي تكون في كل واحدة من طبقات العين ووصف دلائلها مقالة في أوقات الأمراض وصف فيها أمر أوقات المرض الأربعة أعني الابتداء والتزيد والانتهاء والانحطاط كتاب الامتلاء ويعرف أيضا بكتاب الكثرة وهو مقالة واحدة يصف فيها أمر كثرة الأخلاط ويصفها ويصف دلائل كل واحد من أصنافها
141 مقالة في الأورام ووسمها جالينوس أصناف الغلظ الخارج عن الطبيعة ووصف في هذه المقالة جميع أصناف الأورام ودلائلها مقالة في الأسباب البادية وهي الأورام التي تحدث من خارج البدن يبين في هذه المقالة أن للأسباب البادية عملا في البدن ونقص قول من دفع عملها مقالة في الأسباب المتصلة بالأمراض ذكر فيها الأسباب المتصلة بالمرض الفاعلة له مقالة في الرعشة والنافض والاختلاج والتشنج مقالة في أجزاء الطب يقسم فيها الطب على طرق شتى من القسم والتقسيم كتاب المني مقالتان وغرضه فيه أن يبين أن الشيء الذي يتولد منه جميع أعضاء البدن ليس هو الدم كما ظن أرسطوطاليس لكن تولد جميع الأعضاء الأصلية إنما هو من المني وهي الأعضاء البيض وإن الذي يتولد من دم الطمث إنما هو اللحم الأحمر وحده مقالة في تولد الجنين المولود لسبعة أشهر مقالة في المرة السوداء يصف فيها أصناف السوداء ودلائلها كتاب أدوار الحميات وتراكيبها مقالة واحدة يناقض فيها قوما ادعوا الباطل من أمر أدوار الحميات وتراكيبها وعنوان هذا الكتاب عند جالينوس مناقضة من تكلم في الرسوم قال حنين وقد توجد مقالة أخرى نسبت إلى جالينوس في هذا الباب وليست له اختصار كتابه المعروف بالنبض الكبير مقالة واحدة ذكر جالينوس أنه كمل فيها النبض قال حنين وأما أنا فقد رأيت باليونانية مقالة ينحى بها هذا النحو ولست أصدق أن جالينوس الواضع لتلك المقالة لأنها لا تحيط بكل ما يحتاج إليه من أمر النبض وليست بحسنة التأليف أيضا وقد يجوز أن يكون جالينوس قد وعد أن يضع تلك المقالة فلم يتهيأ له وضعها فلما وجده بعض الكذابين قد وعد ولم يف تحرص وضع المقالة وأثبت ذكرها في الفهرست كيما يصدق فيها ويجوز أن يكون جالينوس أيضا قد وضع مقالة في ذلك غير تلك وقد درست كما درس كثير من كتبه وافتعلت هذه المقالة عوضها ومكانها كتاب في النبض يناقض فيه أرخيجانس قال جالينوس إنه جعله في ثمان مقالات كتاب في رداءة التنفس هذا الكتاب جعله في ثلاث مقالات وغرضه فيه أن يصف أصناف النفس الرديء وأسبابه وما يدل عليه وهو يذكر في المقالة الأولى منه أصناف التنفس وأسبابه
142 وفي الثانية أصناف سوء التنفس وما يدل عليه كل صنف منها وفي المقالة الثالثة يأتي بشواهد من كلام أبقراط على صحة قوله كتاب نوادر تقدمة المعرفة مقالة واحدة يحث فيها على تقدمة المعرفة ويعلم حيلا لطيفة تؤدي إلى ذلك ويصف أشياء بديعة تقدم فعلها من أمر المرضى وخبر بها فعجب منه اختصار كتابه في حيلة البرء مقالتان كتاب الفصد ثلاث مقالات قصد في المقالة الأولى منها المناقضة لأراسسطراطس لأنه كان يمنع من الفصد وناقض في الثانية أصحاب أراسسطراطس الذين برومية في هذا المعنى بعينه ووصف في الثالثة ما يراه هو من العلاج بالفصد كتاب الذبول مقالة واحدة وغرضه فيه أن يبين طبيعة هذا المرض وأصنافه والتدبير الموفق لمن أشرف عليه مقالة في صفات لصبي يصرع كتاب قوى الأغذية ثلاث مقالات عدد فيه ما يتغذى به من الأطعمة والأشربة ووصف ما في كل واحد منها من القوى كتاب التدبير الملطف مقالة واحدة وغرضه موافق لعنوانه اختصار هذا الكتاب الذي في التدبير الملطف مقالة واحدة كتاب الكيموس الجيد والرديء مقالة واحدة يصف فيها الأغذية ويذكر أيها تولد كيموسا محمودا وأيها تولد كيموسا ردينا كتاب في أفكار أراسسطراطس في مداواة الأمراض ثمان مقالات اختبر فيه السبيل التي سلكها أراسسطراطس في المداواة ويبين صوابها من خطئها كتاب تدبير الأمراض الحادة على رأي أبقراط مقالة واحدة كتاب تركيب الأدوية جعله في سبع عشرة مقالة أجمل في سبع منها أجناس الأدوية المركبة فعدد جنسا جنسا منها وجعل مثل جنس الأدوية التي تبني اللحم في القروح على حدة وجنس الأدوية التي تحلل على حدة وجنس الأدوية التي تدمل وسائر أجناس الأدوية على هذا القياس وإنما غرضه فيه أن يصف طريق تركيب الأدوية على الجمل ولذلك جعل عنوان هذه السبع المقالات في تركيب الأدوية على الجمل والأجناس وأما العشر المقالات الباقية فجعل عنوانها في تركيب الأدوية بحسب المواضع وأراد بذلك أن وصفه لتركيب الأدوية في تلك المقالات العشر ليس يقصد بها إلى أن يخبر أن صنفا صنفا منها يفعل فعل ما في مرض من الأمراض مطلقا لكن بحسب المواضع أعني العضو الذي فيه ذلك المرض وابتدأ فيه من الرأس ثم هلم جرا على جميع الأعضاء إلى أن انتهى إلى أقصاها أقول وجملة هذا الكتاب الذي رسمه جالينوس في تركيب الأدوية لا يوجد في هذا الوقت إلا وهو منقسم إلى كتابين وكل واحد منهما على حدته ولا يبعد أن الإسكندرانيين لتبصرهم في
143 كتب جالينوس صنعوا هذا أو غيرهم فالأول يعرف بكتاب قاطاجانس ويتضمن السبع المقالات الأولى التي تقدم ذكرها والآخر يعرف بكتاب الميامر ويحتوي على العشر المقالات الباقية والميامر جمع ميمر وهو الطريق ويشبه أن يكون سمي هذا الكتاب بذلك إذ هو الطريق إلى استعمال الأدوية المركبة على جهة الصواب كتاب الأدوية التي يسهل وجودها وهي التي تسمى الموجودة في كل مكان مقالتان وقال حنين أنه قد أضيف إليه مقالة أخرى في هذا الفن ونسبت إلى جالينوس وما هي لجالينوس لكنها لفلغريوس وقال حنين أيضا أنه قد ألحق في هذا الكتاب هذيانا كثيرا وصفات بديعة عجيبة وأدوية لم يرها جالينوس ولم يسمع بها قط كتاب الأدوية المقابلة للأدواء جعله في مقالتين ووصف في المقالة الأولى منه أمر الترياق وفي المقالة الثانية منه أمر سائر المعجونات كتاب الترياق إلى مفيليانوس مقالة واحدة صغيرة كتاب الترياق إلى قيصر وهذا الكتاب أيضا مقالة واحدة كتاب الحيلة لحفظ الصحة ست مقالات وغرضه فيه أن يعلم كيف حفظ الأصحاء على صحتهم من كان منهم على غاية كمال الصحة ومن كانت صحته تقصر عن غاية الكمال ومن كان منهم يسير بسيرة الأحرار ومن كان منهم يسير بسيرة العبيد كتاب إلى أسبولوس مقالة واحدة وغرضه فيه أن يفحص هل حفظ الأصحاء على صحتهم من صناعة الطب أم هو من صناعة أصحاب الرياضة وهي المقالة التي أشار إليها في ابتداء كتاب تدبير الأصحاء حين قال أن الصناعة التي تتلو القيام على الأبدان واحدة كما بينت في غير هذا الكتاب كتاب الرياضة بالكرة الصغيرة هذا الكتاب مقالة واحدة صغيرة يحمد فيها الرياضة بالكرة الصغيرة واللعب بالصولجان ويقدمه على جميع أصناف الرياضة تفسير كتاب عهد أبقراط مقالة واحدة تفسير كتاب الفصول لأبقراط جعله في سبع مقالات تفسير كتاب الكسر لأبقراط جعله في ثلاث مقالات تفسير كتاب رد الخلع لأبقراط جعله في أربع مقالات تفسير كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط جعله في ثلاث مقالات تفسير كتاب تدبير الأمراض الحادة لأبقراط والذي نجده من تفسيره لهذا الكتاب هو ثلاث مقالات
144 وقال جالينوس في فينكس كتبه أنه فسره في خمس مقالات وأن هذه الثلاث مقالات الأولى هي تفسير الجزء الصحيح من هذا الكتاب والمقالتان الباقيتان فيهما تفسير المشكوك فيه تفسير كتاب القروح لأبقراط جعله في مقالة واحدة تفسير كتاب جراحات الرأس لأبقراط مقالة واحدة تفسير كتاب أبيديما لأبقراط فسر المقالة الأولى منه في ثلاث مقالات والثانية في ست مقالات والثالثة في ثلاث مقالات والسادسة في ثمان مقالات هذه التي فسرها وأما الثلاث الباقية وهي الرابعة والخامسة والسابعة فلم يفسرها لأنه ذكر أنها مفتعلة على لسان أبقراط تفسير كتاب الأخلاط لأبقراط جعله في ثلاث مقالات تفسير كتاب تقدمة الإنذار لأبقراط وهذا الكتاب لم أجد له نسخة إلى هذه الغاية تفسير كتاب قاطيطريون لأبقراط جعله في ثلاث مقالات تفسير كتاب الهواء والماء والمساكن لأبقراط جعله أيضا في ثلاث مقالات وقد وجدنا بعض النسخ من هذا التفسير أيضا في أربع مقالات إلا أن الأول هو المعتمد عليه تفسير كتاب الغذاء لأبقراط جعله في أربع مقالات تفسير كتاب طبيعة الجنين لأبقراط قال حنين هذا الكتاب لم نجد له تفسيرا من قول جالينوس ولا نجد جالينوس ذكر في فهرست كتبه أنه عمل له تفسيرا إلا أنا وجدناه قد قسم هذا الكتاب بثلاثة أجزاء في كتابه الذي عمله في علم أبقراط في التشريح وذكر أن الجزء الأول والثالث من هذا الكتاب منحول ليس هو لأبقراط وإنما الصحيح منه الجزء الثاني وقد فسر هذا الجزء جاسيوس الإسكندراني وقد وجدنا لجميع الثلاثة الأجزاء تفسيرين أحدهما سرياني موسم بأنه لجالينوس قد كان ترجمه سرجس فلما فحصنا عنه علمنا أنه لبالبس والآخر يوناني فلما فحصنا عنه وجدناه لسورانوس الذي من شيعة المثوذيقون وترجم حنين نص هذا الكتاب إلا قليلا منه إلى العربية في خلافة المعتز بالله تفسير كتاب طبيعة الإنسان لأبقراط جعله في مقالتين كتاب في أن رأي أبقراط في كتاب طبيعة الإنسان وفي سائر كتبه واحد جعله في ثلاث مقالات وقال جالينوس أنه ألفه بعد تفسيره لكتاب طبيعة الإنسان وذلك عندما بلغه أن قوما يعيبون ذلك الكتاب ويدعون فيه أنه ليس لأبقراط
145 كتاب في أن الطبيب الفاضل يجب أن يكون فيلسوفا مقالة واحدة كتاب في كتب أبقراط الصحيحة وغير الصحيحة مقالة واحدة كتاب في البحث عن صواب ما ثلب به قوينطس أصحاب أبقراط الذين قالوا بالكيفيات الأربع مقالة واحدة وقال حنين إن هذا الكتاب لا أعلم بالحقيقة أنه لجالينوس أم لا ولا أحسبه ترجم كتاب في السبات على رأي أبقراط وقال حنين أيضا أن القصة في هذا مثل القصة في الكتاب الذي ذكر قبله كتاب في ألفاظ أبقراط قال حنين هذا الكتاب أيضا مقالة واحدة وغرضه فيه أن يفسر غريب ألفاظ أبقراط في جميع كتبه وهو نافع لمن يقرأ باليونانية فأما من يقرأ بغير اليونانية فليس يحتاج إليه ولا يمكن أيضا أن يترجم أصلا كتاب في جوهر النفس ما هي على رأي أسقليبيادس مقالة واحدة كتاب في تجربة الطبيعة مقالة واحدة يقتص فيها حجج أصحاب التجربة وأصحاب القياس بعضهم على بعض كتاب في الحث على تعميم الطب مقالة واحدة وقال حنين إن كتاب جالينوس هذا نسخ فيه كتاب مينودوطس وهو كتاب حسن نافع ظريف كتاب في جمل التجربة مقالة واحدة كتاب في محنة أفضل الأطباء مقالة واحدة كتاب فيما يعتقده رأيا مقالة واحدة يصف فيها ما علم وما لم يعلم كتاب في الأسماء الطبية وغرضه فيه أن يبين أمر الأسماء التي استعملها الأطباء على أي المعاني استعملوها وجعله خمس مقالات والذي وجدناه قد نقل إلى اللغة العربية إنما هي المقالة الأولى التي ترجمها حبيش الأعسم كتاب البرهان هذا الكتاب جعله في خمس عشرة مقالة وغرضه فيه أن يبين كيف الطريق في تبيين ضرورة وذلك كان غرض أرسطوطاليس في كتابه الرابع من المنطق قال حنين ولم يقع إلى هذه الغاية إلى أحد من أهل دهرنا لكتاب البرهان نسخة تامة باليونانية على أن جبرائيل قد كان عني بطلبه عناية شديدة وطلبته أنا أيضا بغاية الطلب وجلت في طلبه بلاد الجزيرة والشام كلها وفلسطين ومصر إلى أن بلغت إلى الإسكندرية فلم أجد منه شيئا إلا بدمشق نحوا من نصفه إلا أنها غير متوالية ولا تامة وقد كان جبرائيل أيضا وجد منه مقالات ليست كلها المقالات التي
146 وجدت بأعيانها وترجم له أيوب ما وجد منها وأما أنا فلم تطب نفسي بترجمة شيء منها إلا باستكمال قراءتها لما هي عليه من النقصان والاختلال وللطمع وتشوق النفس إلى وجدان تمام الكتاب ثم إني ترجمت ما وجدت منه إلى السريانية وهو جزء يسير من المقالة الثانية وأكثر المقالة الثالثة ونحوا من نصف المقالة الرابعة من أرائها فإنه سقط وأما سائر المقالات الأخر فوجدت إلى آخر الكتاب ما خلا المقالة الخامسة عشرة فإن في آخرها نقصانا وترجم عيسى بن يحيى ما وجد من المقالة الثامنة إلى المقالة الحادية عشرة وترجم إسحق بن حنين من المقالة الثانية عشرة إلى المقالة الخامسة عشرة إلى العربية كتاب في القياسات الوضعية مقالة واحدة كتاب في قوام الصناعات قال حنين أنه لم يجد من هذا الكتاب باليونانية إلا نتفا منه كتاب في تعرف الإنسان عيوب نفسه مقالتان وقال حنين إنه لم يجد منه باليونانية إلا مقالة واحدة ناقصة كتاب الأخلاق أربع مقالات وغرضه فيه أن يصف أصناف الأخلاق وأسبابها ودلائلها ومداواتها مقالة في صرف الاغتمام كتبها لرجل سأله ما باله لم يره اغتم قط عندما ذهب جميع ما قد كان تركه في الخزائن العظمى لما احترقت برومية فوصف له السبب في ذلك وبين بماذا يحب الاغتمام وبماذا لا يجب مقالة في أن أخيار الناس قد ينتفعون بأعدائهم كتاب فيما ذكره أفلاطون في كتابه المعروف بطيماوس من علم الطب أربع مقالات كتاب في أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن مقالة واحدة وغرضه فيه بين من عنوانه كتاب جوامع كتب أفلاطون قال حنين ووجدت من هذا الفن من الكتب كتابا آخر فيه أربع مقالات من ثمان مقالات لجالينوس فيها جوامع كتب أفلاطن وهي كتاب أقراطليس في الأسماء وكتاب سوفسطيس في القسمة وكتاب بوليطيقوس في المدبر وكتاب برميندس في الصور وكتاب أوثيذيمس وفي المقالة الثالثة جوامع الست المقالات الباقية من كتاب السياسة وجوامع الكتاب المعروف بطيماوس في العلم الطبيعي وفي المقالة الرابعة جمل معاني الاثنتي عشرة مقالة التي في السير لأفلاطن كتاب في أن المتحرك الأول لا يتحرك مقالة واحدة كتاب المدخل إلى المنطق مقالة واحدة يبين فيها الأشياء التي يحتاج إليها المتعلمون وينتفعون بها في علم البرهان
147 مقالة في عدد المقاييس تفسير الكتاب الثاني من كتب أرسطوطاليس وهو الذي يسمى باريمينياس ثلاث مقالات وقال حنين إنه وجد له نسخة ناقصة كتاب فيما يلزم الذي يلحن في كلامه سبع مقالات وقال حنين إن الذي وجده من هذا الكتاب مقالة واحدة ولم يترجمها قال حنين بن إسحاق وقد وجدنا أيضا كتبا أخرى قد وسمت باسم جالينوس وليست له لكن بعضها نتف اخترعها قوم آخرون من كلامه فألفوا منها كتبا وبعضها قد كان وضعها من كان قبل جالينوس فوسمت بآخره باسم جالينوس إما من قبل أن الفاعل لذلك أحب أن يكثر بكثرة ما عنده من كتب جالينوس مما لا يوجد عند غيره وإما من قبل قلة تمييز لا تزال تعرض لقوم من الأغنياء حتى إذا وجدوا في الكتاب الواحد عدة مقالات ووجدوا على أول المقالة الأولى فيه اسم رجل من الناس ظنوا أن سائر تلك المقالات لذلك الرجل وبهذا السبب نجد كثيرا من مقالات روفس في كتب كثيرة موسومة باسم جالينوس مثل مقالة في اليرقان قال حنين والمقالات التي وجدناها موسومة باسم جالينوس من غير أن تكون فصاحة كلامها شبيهة بمذهب جالينوس في الفصاحة ولا قوة معانيها شبيهة بقوة معانيه هي هذه مقالة في أئمة الفرق مقالة في الرسوم التي رسمها بقراط مقالة موسومة الطبيب لجالينوس وهذه المقالة قد ذكرها جالينوس نفسه في أول الفهرست وأخبر أنها منحولة لا صحيحة له مقالة في الصناعة ولست أعني تلك المقالة الموسومة بهذا الرسم المشهور بالصحة لكن مقالة منحولة إليه كلام واضعها كلام ضعيف مقصر مقالة في العظام وليس أعني تلك المقالة الصحيحة في هذا العرض بل مقالة أخرى قوة واضعها أضعف كثيرا من هذه الطبقة مقالة في الحدود مقالة على طريق المسألة والجواب مقالة في التنفس صغيرة شبيهة بالنتف مقالة في الكلام الطبيعي كتاب في الطب على رأي أوميرس مقالتان ونص كلام هاتين المقالتين شبيه جدا بكلام جالينوس إلا أن الغرض المقصود إليه فيهما ضعيف وفي آخر المقالة الثانية منهما رأي أيضا بعيد لا يشه مذهب جالينوس مقالة في أن الكيفيات ليست أجساما مقالة في الأخلاط على رأي بقراط مقالة يبحث فيها هل أعضاء الجنين المتولد في الرحم تتخلق كلها معا أم لا مقالة يبحث فيها هل الجنين الذي في الرحم حيوان أم لا مقالة في أن النفس لا تموت مقالة في اللبن مقالة في تجفيف اللحم مقالة في الرسوم غير تلك المقالة الصحيحة ودونها في القوة مقالة في البول مقالة في الرد على أصحاب الفرقة الثالثة في الموضع الذي يذكر فيه أسباب الأمراض عند تركيبها مقالة في أن أبقراط سبق الناس جميعا في معرفة الأوقات مقالة في أسباب العلل مقالة في اليرقان قال حنين ما وجد أن جالينوس قد ذكره في كتبه مما لم يثبته في الفهرست ولا وقعت إلينا نسخته مقالة في الأخلاط على رأي بركساغورس مقالة فيمن يحتاج في الربيع إلى الفصد
148 أقول وهذا جملة ما تهيأ ذكره من كتب جالينوس الصحيحة والمنحولة إليه على ما أثبته حنين ابن إسحاق في كتابه مما قد وجده وأنه قد نقل إلى اللغة العربية وكان ذكره لذلك وقد أتى عليه من السنين ثمان وأربعون سنة وكانت مدة حياته سبعين سنة فبالضرورة أنه قد وجد أشياء كثيرة أيضا من كتب جالينوس ونقلت إلى العربية كما قد وجدنا كثيرا من كتب جالينوس ومما هو منسوب إليه بنقل حنين بن إسحاق وغيره وليس لها ذكر أصلا في كتاب حنين المتقدم ذكره ومن ذلك تفسير كتاب أوجاع النساء لأبقراط مقالة واحدة تفسير كتاب الأسابيع لأبقراط مقالة واحدة تفسير كتاب تدابير الأصحاء لأبقراط مقالة واحدة كتاب مداواة الأسقام ويعرف أيضا بطب المساكين مقالتان كتاب في الجبر ثلاث مقالات كتاب في الموت السريع مقالة واحدة مقالة في الحقن والقولنج مقالة في النوم واليقظة والضمور مقالة في تحريم الدفن قبل أربع وعشرين ساعة مقالة في عناية الخالق عز وجل بالإنسان رسالة إلى فيلافوس الملكة في أسرار النساء رسالة إلى فسطانس القهرمان في أسرار الرجال كتاب في الأدوية المكتومة التي كنى عنها في كتبه ورمزها مقالة واحدة وقال حنين ابن إسحاق غرض جالينوس في هذا الكتاب أن يصف ما جمعه طول عمره من الأدوية الخفيفة الخواص وجربها مرارا كثيرة فصحت فكتمها عن أكثر الناس ضنا بها عنهم ولم يطلع عليها إلا الخواص من ذوي الألباب وصحة التمييز من أهل الصناعة وقد كان غيري فسر هذا الكتاب فصحف وزاد فيه ما ليس منه ونقص منه ما لم يفهم تفسيره فساعدت نفسي فيه بحسب الإمكان والطاقة وقابلت به على التجارب التي اجتمعت عندي وفسرت ذلك إلى العربي لأبي جعفر محمد بن موسى مقالة في استخراج مياه الحشائش مقالة في إبدال الأدوية كتاب فيما جمع من الأقاويل التي ذكر فيها فعل الشمس والقمر والكواكب مقالة في الألوان جوامع كتابه في البرهان كتاب الرد على الذين كتبوا في المماثلات كتاب طبيعة الجنين كتاب الرد على أرثيجانس في النبض كتاب في السبات اختصار لكتابه في قوى الأغذية كتاب في الأفكار المسفية لأراسطراطس كتاب منافع الترياق مقالة في الكيموسات كلام في الطعوم رسالة في عضة الكلب الكلب كتاب في الأسباب الماسكة تفسير كتاب فولوبس في تدبير الأصحاء تفسير ما في كتاب فلاطن المسمى طيماوس من علم الطب كتاب في الأدوية المنقية كتاب في الأمعاء كتاب في تحسين الأصوات ونفي الآفات عنها أقول وبالجملة فإن لجالينوس أيضا كتبا أخر كثيرة مما لم يجده الناقلون منها ومما قد أندرس على طول الزمان وخصوصا ما في المقالة الثانية مما قد ذكره جالينوس في فهرست كتبه المسمى فينكس فمن كانت له رغبة في النظر إلى أسمائها وفي أغراضه في كل واحد منها فعليه بالنظر في ذلك الكتاب
149 الأطباء المشهورون بعد وفاة جالينوس فأما الأطباء المشهورون من بعد وفاة جالينوس وقريبا منه فمنهم إصطفن الإسكندراني وانقيلاوس الإسكندراني وجاسيوس الإسكندراني ومارينوس الإسكندراني وهؤلاء الأربعة هم ممن فسر كتب جالينوس وجمعها واختصرها وأوجز القول فيها وطيماوس الطرسوسي وسيمري الملقب بالهلال لأنه كان كثير الملازمة لمنزله منغمسا في العلوم والتأليفات فكان لا يراه الناس إلا كل مدة فلقب بالهلال من الاستتار ومغنس الإسكندراني وأريباسيوس صاحب الكنانيش طبيب يليان الملك ولأريباسيوس من الكتب كتاب إلى ابنه أسطاث تسع مقالات كتاب مزج الأحشاء مقالة كتاب الأدوية المستعملة كتاب السبعين مقالة كناشه وفولس الأجانيطي وله من الكتب كناش الثريا مقالة في تدبير الصبي وعلاجه وإصطفن الحراني وأريباسيوس القوابلي ولقب بذلك لأنه كان ماهرا بمعرفة أحوال النساء ودياسقوريدس الكحال ويقال أنه أول من انفرد واشتهر بصناعة الكحل وفافالس الأثيني وأفرونيطس الإسكندراني ونيطس الملقب بالمخبر من الحذاقة ونارسيوس الرومي الذي قدم من الإسكندرية فصار واحدا منهم وأريون وزريايل وممن كان قريبا من ذلك الوقت أيضا فيلغريوس وله من الكتب كتاب من لا يحضره طبيب وهو مقالة كتاب علامات الأسقام خمس مقالات ومقالة في وجع النقرس مقالة في الحصاة مقالة في الماء الأصفر مقالة في وجع الكبد مقالة في القولنج مقالة في اليرقان مقالة في خلق الرحم مقالة في عرق النساء مقالة في السرطان مقالة في صنعة ترياق الملح مقالة في عضة الكلب الكلب مقالة في القوباء مقالة فيما يعرض للثة والأسنان
150 الباب السادس طبقات الأطباء الإسكندرانيين ومن كان في أزمنتهم من الأطباء النصارى وغيرهم قال المختار بن حسن بن بطلان أن الإسكندرانيين الذين جمعوا كتب جالينوس الستة عشر وفسروها كانوا سبعة وهم إصطفن وجاسيوس وثاودوسيوس وأكيلاوس وأنقيلاوس وفلاذيوس ويحيى النحوي وكانوا على مذهب المسيح وقيل إن أنقيلاوس الإسكندراني هو كان المقدم على سائر الإسكندرانيين وإنه هو الذي رتب الكتب الستة عشر لجالينوس وقال وكان هؤلاء الإسكندرانيون يقتصرون على قراءة الكتب الستة عشر لجالينوس في موضع تعليم الطب بالإسكندرية وكانوا يقرأونها على الترتيب ويجتمعون في كل يوم على قراءة شيء منها وتفهمه ثم صرفوها إلى الجمل والجوامع ليسهل حفظهم لها ومعرفتهم إياها ثم انفرد كل واحد منهم بتفسير الستة عشر وأجود ما وجدت من ذلك تفسير جاسيوس للستة عشر فإنه أبان فيها عن فضل ودراية وعمر من هؤلاء الإسكندرانيين يحيى النحوي الإسكندراني الإسكلاني حتى لحق أوائل الإسلام قال محمد بن إسحاق النديم البغدادي في كتاب الفهرست أن يحيى النحوي كان تلميذ ساواري قال وكان يحيى النحوي في أول أمره أسقفا في بعض الكنائس بمصر ويعتقد
151 مذهب النصارى اليعقوبية ثم رجع عما يعتقده النصارى من التثليث واجتمعت الأساقفة وناظرته فغلبهم واستعطفته وآنسته وسألته الرجوع عما هو عليه وترك إظهاره فأقام على ما كان عليه وأبى أن يرجع فأسقطوه ولما فتحت مصر على يدي عمرو بن العاص رضي الله عنه دخل إليه وأكرمه ورأى له موضعا ونقلت من تعاليق الشيخ أبي سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني قال كان يحيى النحوي في أيام عمرو بن العاص ودخل إليه وقال إن يحيى النحوي كان نصرانيا بالإسكندرية وأنه قرأ على أميونيس وقرأ أميونيس على برقلس قال ويحيى النحوي يقول أنه أدرك برقلس وكان شيخا كبيرا لا ينتفع به من الكبر وقال عبيد الله بن جبرائيل في كتاب مناقب الأطباء بأن يحيى النحوي كان قويا في علم النحو والمنطق والفلسفة وقد فسر كتبا كثيرة من الطبيات ولقوته في الفلسفة ألحق بالفلسفة لأنه أحد الفلاسفة المذكورين في وقته قال وسبب قوته في الفلسفة أنه كان في أول أمره ملاحا يعبر الناس في سفينته وكان يحب العلم كثيرا فإذا عبر معه قوم من دار العلم والمدرس الذي كان يدرس العلم بجزيرة الإسكندرية يتحاورون ما مضى لهم من النظر ويتفاوضونه ويسمعه فتهش نفسه للعلم فلما قويت رويته في العلم فكر في أمره وقال قد بلغت نيفا وأربعين سنة من العمر وما أرتضيت بشيء وما عرفت غير صناعة الملاحة فيكف يمكنني أن أتعرض إلى شيء من العلوم فبينما هو مفكر إذ رأى نملة قد حملت نواة تمرة وهي تريد أن تصعد بها إلى علو وكلما صعدت بها سقطت فلم تزل تجاهد نفسها في طلوعها وهي في كل مرة يزيد ارتفاعها عن الأولى فلم تزل نهارها وهو ينظر إليها إلى أن بلغت غرضها وأطلعتها إلى غايتها فلما رآها يحيى النحوي قال لنفسه إذا كان هذا الحيوان الضعيف قد بلغ غرضه بالمجاهدة فأنا أولى أن أبلغ غرضي بالمجاهدة فخرج من وقته وباع سفينته ولازم دار العلم وبدأ بعلم النحو واللغة والمنطق فبرع في هذه الأمور وبرز ولأنه أول ما ابتدأ بالنحو فنسب إليه واشتهر به ووضع كتبا كثيرة منها تفاسير وغيرها ووجدت في بعض تواريخ النصارى أن يحيى النحوي كان في المجمع الرابع الذي اجتمع في مدينة يقال لها خلكدونية وكان في هذا المجمع ستمائة وثلاثون أسقفا على أوتوشيوس وهو يحيى النحوي
152 وأصحابه وأوتوشيوس تفسيره بالعربي أبو سعيد وهذا أوتوشيوس كان طبيبا حكيما وأنهم لما أحرموه لم ينفوه كما نفوا المحرومين وكان ذلك لحاجتهم إلى طبه وترك في مدينة القسطنطينية ولم يزل مقيما بها حتى مات مرقيان الملك وليحيى النحوي هذا لقب آخر بالرومي يقال له فيلوبينوس أي المجتهد وهو ومن جملة السبعة الحكماء المصنفين للجوامع الستة عشر وغيرها في مدينة الإسكندرية وله مصنفات كثيرة في الطب وغيره وترك في مدينة القسطنطينية لعلمه وفضله وطبه وقام بعد مرقيان الملك أسطيريوس الملك فاعتل هذا الملك علة شديدة صعبة وذلك من بعد سنتين من حرم أوتوشيوس المذكور فدخل على الملك وعالجه وبرأ من علته فقال له الملك سلني كل حاجة لك فقال له أوتوشيوس حاجتي إليك يا سيدي أن أسقف ذورلية وقع بيني وبينه شر شديد وبغى علي وقوى عزم أفلابيانوس بطريرك القسطنطينية وحمله على أن جمع لي سوندس أي مجمع وحرمني ظلما وعدوانا فحاجتي إليك يا سيدي أن تجمع لي جمعا ينظرون في أمري فقال له الملك أنا أفعل لك هذا إن شاء الله تعالى فأرسل الملك إلى ديسقوروس صاحب الإسكندرية ويوانيس بطرك أنطاكية فأمرهم أن يحضروا عنده فحضر ديسقوروس ومعه ثلاثة عشر أسقفا وأبطأ صاحب أنطاكية ولم يحضر وأمر الملك لديسقوروس أن ينظر في أمر أوتوشيوس وأن يحله من حرمه على أي الجهات كان وقال له متوعدا إنك أن حللته من حرمه بررتك بكل بر وأحسنت إليك غاية الإحسان وإن لم تفعل ذلك قتلتك قتلا رديئا فاختار لنفسه البر على القتل فعمل له مجلسا هو وهؤلاء الثلاثة عشر أسقفا ومن حضر معه أيضا فحسنوا قصته وحلوه من حرمه وخرج أسقف ذورالية وأصحابه وانصرفوا من القسطنطينية وقد خالفوا رأي الكنيسة وبهذا السبب كان تعصب ديسقوروس لأوتوشيوس المذكور المعروف بيحيى النحوي ومات مخالفا لمذهب الروم المعروفين بالملكية ومات وهو يعقوبي مخالف للروم المذكورين كتب يحيى النحوي وليحيى النحوي من الكتب تفسير كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب أنالوطيقا الأولى لأرسطوطاليس فسر منها إلى الأشكال الحملية تفسير كتاب أنالوطقيا الثانية لأرسطوطاليس تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس تفسير كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس تفسير كتاب الكون والفساد لأرسطوطاليس تفسير كتاب مايال لأرسطوطاليس تفسير كتاب الفرق لجالينوس تفسير كتاب الصناعة الصغير لجالينوس تفسير كتاب النبض الصغير لجالينوس تفسير كتاب أغلوقن لجالينوس تفسير كتاب الأسطقسات لجالينوس تفسير كتاب المزاج لجالينوس تفسير كتاب
153 القوى الطبيعية لجالينوس تفسير كتاب التشريع الصغير لجالينوس تفسير كتاب العلل والأعراض لجالينوس تفسير كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة لجالينوس تفسير كتاب النبض الكبير لجالينوس تفسير كتاب الحميات لجالينوس تفسير كتاب البحران لجالينوس تفسير أيام البحران لجالينوس تفسر كتاب حلية البرء لجالينوس تفسير كتاب تدبير الأصحاء لجالينوس تفسير كتاب منافع الأعضاء لجالينوس جوامع كتاب الترياق لجالينوس جوامع كتاب الفصد لجالينوس كتاب الرد على برقلس ثمان عشرة مقالة كتاب في أن كل جسم متناه فقوته متناهية كتاب الرد على أرسطوطاليس ست مقالات مقالة يرد فيها على نسطورس كتاب يرد فيه على قوم لا يعرفون مقالتان مقالة أخرى يرد فيها على قوم آخر مقالة في النبض نقضه للثمان عشرة مسألة لديد وخس برقلس الأفلاطوني شرح كتاب أيساغوجي لفرفوريوس قال أبو الحسن علي بن رضوان في كتاب المنافع في كيفية تعليم صناعة الطب وإنما اقتصر الإسكندرانيون على الكتب الستة عشر من سائر كتب جالينوس في التعليم ليكون المشتغل بها إن كانت له قريحة جيدة وهمة حسنة وحرص على التعليم فإنه إذا نظر في هذه الكتب اشتاقت نفسه بما يرى فيها من عجيب حكمة جالينوس في الطب إلى أن ينظر في باقي ما يجد من كتبه وكان ترتيبهم لهذه الكتب في سبع مراتب أما المرتبة الأولى فإنهم جعلوها بمنزلة المدخل إلى صناعة الطب فإن من تحصل له هذه المرتبة يمكنه أن يتعاطى أعمال الطب الجزئية فإن كان ممن له فراغ ودواع تدعوه إلى التعليم والازدياد تعلم ما بعدها وإن لم يكن له ذلك لم يكد يخفي عليه منافعه في علاج للأمراض وجميع ما في هذه المرتبة أربعة كتب أولها كتاب الفرق وهو مقالة واحدة يستفاد منه قوانين العلاج على رأي أصحاب التجربة وقوانينه أيضا على رأي أصحاب القياس إذ كان بالتجربة والقياس يستخرج الناس جميع ما في الصنائع وما اتفقا عليه فهو الحق وما اختلفا فيه نظر فإن كان طريقه القياس عمل على قوانين القياس فيه وإن كان طريقه التجربة عمل على قوانين التجربة فيه والثاني كتاب الصناعة الصغيرة مقالة واحدة يستفاد منها جمل صناعة الطب كلها النظري منها والعملي والثالث كتاب النبض الصغير وهو أيضا مقالة واحدة يستفاد منه جميع ما يحتاج إليه المتعلم من الاستدلال بالنبض على ما ينتفع به في الأمراض والرابع الكتاب المسمى باغلوقن وهو مقالتان ويستفاد منه كيفية التأني في شفاء الأمراض ولأن من يتعاطى الأعمال الجزئية من الطب يضطر إلى معرفة قوى ما يحتاج إليه من الأغذية والأدوية وإلى أن يباشر بنفسه أعمال اليد من صناعة الطب لزمه أن ينظر فيما تدعوه إليه الحاجة
154 من الكتب التي سماها جالينوس في آخر الصناعة الصغيرة أو يتعلم ما يحتاج إليه من ذلك تلقينا ومشاهدة فصارت هذه الأربعة كتب التي في المرتبة الأولى مقنعة للمتعلم في تعليم صناعة الطب فأما الكامل فإنه يتذكر بها جميع ما فهمه من الصناعة فأما المرتبة الثانية فإنها أيضا أربعة كتب الأول منها كتاب الأسطقسات وهو مقالة واحدة يستفاد منه أن بدن الإنسان وجميع ما يحتاج إليه سريع التغير قابل للاستحالة فمن ذلك أسطقسات البدن القريبة منه وهي الأعضاء المتشابهة الأجزاء أعني العظام والأعصاب والشرايين والعروق والأغشية واللحم والشحم وغير ذلك وأسطقسات هذه الأعضاء الأخلاط أعني الدم والصفراء والسوداء والبلغم واستقسات هذه الأخلاط النار والهواء والماء والأرض فإن مبدأ التكون من هذه الأربعة وأخذ الانحلال إليها وإن هذه الأسطقسات قابلة للتغيير والاستحالة وهذا الكتاب هو أول كتاب يصلح أن يبدأ به من أراد استكمال تعليم صناعة الطب والثاني كتاب المزاج وهو ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة أصناف المزاج وبما يتقوم كل واحد منها وبماذا يستدل عليه إذا حدث والثالث كتاب القوى الطبيعية وهو أيضا ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة القوى التي تدبر بها طبيعة البدن وأسبابها والعلامات التي يستدل بها عليها والرابع كتاب التشريح الصغير وهو خمس مقالات وضعها جالينوس متفرقة وإنما الإسكندرانيون جمعوها وجعلوها كتابا واحدا يستفاد منه معرفة أعضاء البدن المتشابهة وعددها وجميع ما يحتاج إليه فيها وهذه الكتب التي في هذه المرتبة الثانية يستفاد من جميعها الأمور الطبيعية للبدن أعني التي قوامه بها وإذا نظر فيها محب التعليم اشتاق أيضا إلى النظر في كل ما يتعلق بطبيعة البدن أما كتاب المزاج فيشوق إلى مقالته في خصب البدن ومقالته في الهيئة الفاضلة ومقالته في سوء المزاج المختلف وكتابه في الأدوية المفردة ونحو هذا وأما كتاب القوى الطبيعية فيشوق إلى كتابه في المنى وكتابه في منافع الأعضاء وسائر ما وضعه جالينوس في القوى والأرواح والأفعال وأما كتاب التشريح الصغير فيشوق إلى كتابه في عمل التشريح ونحوه وأما المرتبة الثالثة فكتاب واحد فقط فيه ست مقالات وهو كتاب العلل والأعراض وجالينوس وضع مقالات هذا الكتاب متفرقة وإنما الإسكندرانيون جمعوها وجعلوها في كتاب واحد يستفاد منه معرفة الأمراض وأسبابها والأعراض الحادثة عن الأمراض وهذا باب عظيم الغناء في صناعة الطب على رأي أصحاب القياس وهو أصل عظيم إذا وقف الإنسان على ما في هذا الكتاب وفهمه لم يخف عليه شيء من صناعة الطب
155 وأما المرتبة الرابعة فكتابان أحدهما كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة ست مقالات يستفاد منه تعريف كل علة من العلل التي تحدث في الأعضاء الباطنة فإن هذه الأعضاء لا تدرك أمراضها بالعيان لأنها خفية عن الحس فيحتاج إلى أن يستدل عليها بعلامات تقوم كل واحد منها فإذا ظهرت العلامات المقومة تيقن أن العضو الفلاني علة كذا مثاله ذات الجنب ورم حار يحدث في الغشاء المستبطن للأضلاع والعلامة التي تقومه ضيق النفس والوجع الناخس والحمى والسعال فإن هذه إذا اجتمعت علم أن في الغشاء المستبطن للأضلاع ورما حارا ولم يضع جالينوس كتابا في تعرف علل الأعضاء الظاهرة إذا كانت هذه العلل تقع تحت العيان فيكتفي في تعرفها نظرها بين يدي المعلمين عيانا فقط والثاني كتاب النبض الكبير وهو ينقسم إلى أربعة أجزاء كل جزء منه أربع مقالات يستفاد من الجزء الأول منه معرفة أصناف النبض وجزئيات كل صنف منها ومن الثاني تعريف أدراك كل واحد من أصناف النبض ومن الثالث تعريف أسباب النبض ومن الرابع تعريف منافع أصناف النبض وهذا باب عظيم النفع في الاستدلال على الأمراض ومعرفة قواها ونسبتها إلى قوة البدن وأما المرتبة الخامسة فثلاثة كتب الأول منها كتاب الحميات مقالتان يستفاد منه معرفة طبائع أصناف الحميات وما يستدل به على كل صنف منها والثاني كتاب البحران ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة أوقات المرض ليعطي في كل وقت منها ما يوافق فيه ومعرفة ما يؤول إليه الحال في كل واحد من الأمراض هل يؤول أمره إلى السلامة أم لا وكيف يكون وبماذا يكون والثالث كتاب أيام البحران وهو أيضا ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة أوقات البحران ومعرفة الأيام التي يكون فيها وأسباب ذلك وعلاماته وأما المرتبة السادسة فكتاب واحد وهو كتاب حيلة البرء أربع عشرة مقالة يستفاد منه قوانين العلاج على رأي أصحاب القياس في كل واحد من الأمراض وهذا الكتاب إذا نظر فيه الإنسان اضطره إلى أن ينظر في كتاب الأدوية المفردة وفي كتب جالينوس في الأدوية المركبة أعني قاطاجانس والميامر وكتاب المعجونات ونحو هذه الكتب وأما المرتبة السابعة فكتاب واحد وهو كتاب تدبير الأصحاء ست مقالات يستفاد
156 منه حفظ صحة كل واحد من الأبدان وهذا الكتاب إذا نظر فيه الإنسان اضطره إلى أن ينظر في كتاب الأغذية وفي كتابه في جودة الكيموس ورداءته وفي كتابه في التدبير الملطف وفي شرائط الرياضة مثال ذلك ما في كتاب جالينوس في الرياضة بالكرة الصغيرة ونحو هذا فالكتب الستة عشر التي اقتصر الإسكندرانيون على تعليمها تدعو الناظر فيها إلى النظر في جميع كتب جالينوس التي استكمل بها صناعة الطب مثال ذلك أن النظر في كتاب آلة الشام يتعلق بما في المرتبة الثانية والنظر في كتابه في علل التنفس يتعلق أيضا بهذه المرتبة والنظر في كتابه في سوء التنفس وفي كتابه في منفعة التنفس وكتابه في منفعة النبض وكتابه في حركة الصدر والرئة وكتابه في الصوت وكتابه في الحركات المعتاصة وكتابه في أدوار الحميات وكتابه في أوقات الأمراض وغير ذلك من كتبه ومقالاته ورسائله كل واحد منها له تعلق بواحدة من المراتب السبع أو بأكثر من مرتبة واحدة تدعو الضرورة إلى النظر فيه فإذا ما فعله الإسكندرانيون في ذلك حيلة حسنة في حث المشتغل بها على التبحر في صناعة الطب وأن تؤديه العناية والاجتهاد إلى النظر في سائر كتب جالينوس قال أبو الفرج ابن هندو في كتاب مفتاح الطب أن هذه الكتب التي اتخذها الإسكندرانيون من كتب جالينوس وعملوا لها جوامع وزعموا أنها تغني عن متون كتب جالينوس وتكفي كلفة ما فيها من التوابع والفصول قال أبو الخير بن الخمار وهو أستاذ أبي الفرج بن هندو أنا أظن أنهم قد قصروا فيما جمعوه من ذلك لأنهم يعوزهم الكلام في الأغذية والأهوية والأدوية قال والترتيب أيضا قصروا فيه لأن جالينوس بدأ من الشتريح ثم صار إلى القوى والأفعال ثم إلى الأسطقسات قال أبو الفرج وأنا أرى أن الإسكندرانيين إنما اقتصروا على الكتب الستة عشر لا من حيث هي كافية في الطب وحاوية للغرض بل من حيث افتقرت إلى المعلم واحتاجت إلى المفسر ولم يمكن أن يقف المتعلم على أسرارها والمعاني الغامضة فيها من غير مذاكرة ومطارحة ومن دون مراجعة ومفاوضة فأما الكتب التي ذكرها الأستاذ أبو الخير بن الخمار فالطبيب مضطر إلى معرفتها وإضافتها إلى الكتب التي عددناها غير أنه يمكنه من نفسه الوقوف على معانيها واستنباط الأغراض منها بالقوة المستفادة من الستة عشر التي هي القوانين لما سواها والمراقي إلى ما عداها فإن قلت فما حجة الإسكندرانيين في ترتيبهم لهذه الكتب قلنا إنهم رتبوا بعضها بحسب استحقاقه في نفسه بمنزلة
157 كتاب الفرق فإنه وجب تقديمه لتتنقى به نفس المتعلم من شكوك أصحاب التجربة والمحتالين ومغالطاتهم ويتحقق رأي أصحاب القياس فيقتدي بهم وبمنزلة الصناعة الصغيرة فإنها لما كانت فيها شرارة من صناعة الطب كان الأولى أن يتبع بها كتاب الفرق ويجعل مدخلا إلى الطب ورتبوا بعضها بحسب ما توجبه إضافته إلى غيره بمنزلة الكتاب الصغير في النبض فإنه جعل تابعا للصناعة الصغيرة لأن جالينوس ذكر فيها النبض عند ذكره لمزاج القلب ووجب أيضا تقديمه على كتاب جالينوس إلى أغلوقن لأنه تكلم في هذا الكتاب في الحميات والنبض وهو أول شيء يعرف منه أمر الحميات على أن الترتيب الذي ذكره الأستاذ أبو الخير أن جالينوس أشار إليه هو لعمري الترتيب الصناعي وذلك أنه يجب على كل ذي صناعة أن يتدرج في تعليمها من الأظهر إلى الأخفى ومن الأخير إلى المبدأ والتشريح هو علم البدن وأعضائه وهذه هي أول ما يظهر لنا من الإنسان وإن آخر ما تفعله الطبيعة فإن الطبيعة تأخذ أولا الأسطقسات ثم تمزجها فيحصل منها الأخلاط ثم تفعل القوى والأعضاء فيجب أن يكون طريقنا في التعليم بالعكس من طريق الطبيعة في التكوين ولكنا ندع هذا الاضطرار ونرضى ترتيب الإسكندرانيين لأن العلم حاصل على كل حال وخرق إجماع الحكماء معدود من الخرق أقول وللإسكندرانيين أيضا جوامع كثيرة في العلوم الحكمية والطب ولا سيما لكتب جالينوس وشروحاتها لكتب أبقراط فأما الأطباء المذكورون من النصارى وغيرهم ممن كان معاصرا هؤلاء الأطباء الإسكندرانيين وقريبا من أزمنتهم فمنهم شمعون الراهب المعروف بطيبويه وأهرن القس صاحب الكناش وألف كناشه بالسريانية ونقله ما سرجيس إلى العربي وهو ثلاثون مقالة وزاد ماسرجيس مقالتين ويوحنا بن سرابيون وجميع ما ألف سرياني وكان والده سرابيون طبيبا من أهل باجرمي وخرج ولداه طبيبين فاضلين وهما يوحنا وداوود وليوحنا بن سرابيون من الكتب كناشه الكبير اثنتا عشرة مقالة كناشه الصغير وهو المشهور سبع مقالات ونقله الحديثي الكاتب لأبي الحسن بن نفيس المتطبب في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وهو أحسن عبارة من نقل الحسن بن البهلول الأواني الطبرهاني ونقله أيضا أبو البشر متى
158 ومنهم أنطيلس وبرطلاوس وسندهشار والقهلمان وأبو جريج الراهب وأوراس وبوينوس البيروتي وسيورخنا وفلاغوسوس وعيسى بن قسطنطين ويكنى أبا موسى وكان من جملة أفاضل الأطباء وله من الكتب كتاب الأدوية المفردة كتاب في البواسير وعللها وعلاجها وأرس وسرجس الرأس عيني وهو أول من نقل كتب اليونانيين على ما قيل إلى لغة السريانيين وكان فاضلا وله مصنفات كثيرة في الطب والفلسفة وأطنوس الآمدي صاحب الكناش المعروف ببقوقونا وغريغوريوس صاحب الكناش وأكثر كتب هؤلاء موجودة وقد نقل الرازي كثيرا من كلامهم في كناشه الكبير الجامع المعروف بالحاوي
159 الباب السابع طبقات الأطباء الذين كانوا في أول ظهور الإسلام من أطباء العرب وغيرهم الحرث بن كلدة الثقفي كان من الطائف وسافر في البلاد وتعلم الطب بناحية فارس وتمرن هناك وعرف الداء والدواء وكان يضرب بالعود تعلم ذلك أيضا بفارس واليمن وبقي أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهم وقال له معاوية ما الطب يا حارث فقال الأزم يعني الجوع ذكر ذلك ابن جلجل وقال الجوهري في كتاب الصحاح الأزم المسك يقال أزم الرجل عن الشيء أمسك عنه وقال أبو زيد الأزم الذي ضم شفتيه وفي الحديث أن عمر رضي الله عنه سأل الحرث بن كلدة ما الدواء فقال الأزم يعني الحمية قال وكان طبيب العرب ويروى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه مرض بمكة مرضا فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادعوا له الحرث بن كلدة فإنه رجل يتطبب فلما عاده الحرث نظر إليه وقال ليس عليه بأس اتخذوا له فريقة بشيء من تمر عجوة وحلبة يطبخان فتحساها فبرئ
161 وكانت للحرث معالجات كثيرة ومعرفة بما كانت العرب تعتاده وتحتاج إليه من المداواة وله كلام مستحسن فيما يتعلق بالطب وغيره كلام الحارث مع كسرى من ذلك أنه لما وفد على كسرى أنو شروان أذن له بالدخول عليه فلما وقف بين يديه منتصبا قال له من أنت قال أنا الحرث بن كلدة الثقفي قال فما صناعتك قال الطب قال أعربي أنت قال نعم من صميمها وجبوحة دارها قال فما تصنع العرب بطبيب مع جهلها وضعف عقولها وسوء أغذيتها قال أيها الملك إذا كانت هذه صفتها كانت أحوج إلى من يصلح جهلها ويقيم عوجها ويسوس أبدانها ويعدل أمشاجها فإن العاقل يعرف ذلك من نفسه ويميز موضع دائه ويحتزر عن الأدواء كلها بحسن سياسته لنفسه قال كسرى فكيف تعرف ما تورده عليها ولو عرفت الحلم لم تنسب إلى الجهل قال الطفل يناغي فيداوى والحية ترقى فتحاوى ثم قال أيها الملك العقل من قسم الله تعالى قسمه بين عباده كقسمة الرزق فيهم فكل من قسمته أصاب وخص بها قوم وزاد فمنهم مثر ومعدم وجاهل وعالم وعاجز وحازم وذلك تقدير العزيز العليم فأعجب كسرى من كلامه ثم قال فما الذي تحمد من أخلاقها ويعجبك من مذاهبها وسجاياها قال الحرث أيها الملك لها أنفس سخية وقلوب جرية ولغة فصيحة وألسن بليغة وأنساب صحيحة وأحساب شريفة يمرق من أفواههم الكلام مروق السهم من نبعة الرام أعذب من هواء الربيع وألين من سلسبيل المعين مطعمو الطعام في الجدب وضاربو الهام في الحرب لا يرام عزهم ولا يضام جارهم ولا يستباح حريمهم ولا يذل أكرمهم ولا يقرون بفضل للأنام إلا للملك الهمام الذي لا يقاس به أحد ولا يوازيه سوقة ولا ملك فاستوى كسرى جالسا وجرى ماء رياضة الحلم في وجهه لما سمع من محكم كلامه وقال لجلسائه إني وجدته راجحا ولقومه مادحا وبفضيلتهم ناطقا وبما يورده من لفظه صادقا وكذا
162 العاقل من أحكمته التجارب ثم أمره بالجلوس فجلس فقال كيف بصرك بالطب قال ناهيك قال فما أصل الطب قال الأزم قال فما الأزم قال ضبط الشفتين والرفق باليدين قال أصبت وقال فما الداء الدوي قال إدخال الطعام على الطعام هو الذي يفني البرية ويهلك السباع في جوف البرية قال أصبت وقال فما الجمرة التي تصطلم منها الأدواء قال هي التخمة إن بقيت في الجوف قتلت وإن تحللت أسقمت قال صدقت وقال فما تقول في الحجامة قال في نقصان الهلال في يوم صحو لا غيم فيه والنفس طيبة والعروق ساكنة لسرور يفاجئك وهم يباعدك قال فما تقول في دخول الحمام قال لا تدخله شبعانا ولا تغش أهلك سكرانا ولا تقم بالليل عريانا ولا تقعد على الطعام غضبانا وارفق بنفسك يكن أرخى لبالك وقلل من طعامك يكن أهنأ لنومك قال فما تقول في الدواء قال ما لزمتك الصحة فاجتنبه فإن هاج داء فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه فإن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت وإن تركتها خربت قال فما تقول في الشراب قال أطيبه أهنأه وأرقه امرأة وأعذبه إشهاده لا تشربه صرفا فيورثك صداعا وتثير عليك من الأدواء أنواعا قال فأي اللحمان أفضل قال الضأن الفتي والقديد المالح مهلك للآكل واجتنب لحم الجزور والبقر قال فما تقول في الفواكه قال كلها في إقبالها وحين أوانها واتركها إذا أدبرت وولت وانقضى زمانها وأفضل الفواكه الرمان والأترج وأفضل الرياحين الورد والبنفسج وأفضل البقول الهندباء والخس قال فما تقول في شرب الماء قال هو حياة البدن وبه قوامه ينفع ما شرب منه بقدر وشربه بعد النوم ضرر أفضله امرأة وأرقه أصفاه ومن عظام أنهار البارد الزلال لم يختلط بماء الآجام والآكام ينزل من صرادح المسطان ويتسلل عن الرضراض وعظام الحصى في الإيفاع قال فما طعمه قال لا يوهم له طعم إلا أنه مشتق من الحياة
163 قال فما لونه قال اشتبه على الأبصار لونه لأنه يحكي لون كل شيء يكون فيه قال أخبرني عن أصل الإنسان ما هو قال أصله من حيث شرب الماء يعني رأسه قال فما هذا النور في العينين مركب من ثلاثة أشياء فالبياض شحم والسواد ماء والناظر ريح قال فعلى كم جبل وطبع هذا البدن قال على أربع طبائع المرة السوداء وهي باردة يابسة والمرة الصفراء وهي حارة يابسة والدم وهو حار رطب والبلغم وهو بارد رطب قال فلم لم يكن من طبع واحد قال لو خلق من طبع واحد لم يأكل ولم يشرب ولم يمرض ولم يهلك قال فمن طبيعتين لو كان اقتصر عليهما قال لم يجز لأنهما ضدان يقتتلان قال فمن ثلاث قال لم يصلح موافقان ومخالف فالأربع هو الاعتدال والقيام قال فأجمل لي الحار والبارد في أحرف جامعة قال كل حلو حار وكل حامض بارد وكل حريف حار وكل مر معتدل وفي المر حار وبارد قال فاضل ما عولج به المرة الصفراء قال كل بارد لين قال فالمرة السوداء قال لين قال والبلغم قال كل حار يابس قال والدم قال إخراجه إذا زاد وتطفئته إذا سخن بالأشياء الباردة اليابسة قال فالرياح قال بالحقن اللينة والأدهان الحارة اللينة قال افتأمر بالحقنة قال نعم قرأت في بعض كتب الحكماء أن الحقنة تنقي الجوف وتكسح الأدواء عنه والعجب لمن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد وأن الجهل كل الجهل من أكل ما قد عرف مضرته ويؤثر شهوته على راحة بدنه قال فما الحمية قال الاقتصاد في كل شيء فإن الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحتها ويسد مسامها قال فما تقول في النساء وإتيانهن قال كثرة غشيانهن رديء وإياك وإتيان المرأة المسنة فإنها كالشن البالي تجذب قوتك وتسقم بدنك ماؤها سم قاتل ونفسها موت عاجل تأخذ منك الكل ولا تعطيك البعض والشابة ماؤها عذب زلال وعناقها غنج ودلال فوها بارد وريقها عذب ريحها طيب وهنها ضيق تزيدك قوة إلى قوتك ونشاطا إلى نشاطك قال فأيهن القلب إليها أميل والعين برؤيتها أسر قال إذا أصبتها المديدة القامة العظيمة الهامة واسعة الجبين أقناة العرنين كحلاء لعساء صافية الخد عريضة الصدر مليحة النحر في خدها رقة وفي شفتيها لعس مقرونة الحاجبين ناهدة الثديين لطيفة الخصر والقدمين بيضاء
164 فرغاء جعدة غضة بضة تخالها في الظلمة بدرا زاهرا تبسم عن أقحوان وعن مبسم كالأرجوان كأنها بيضة مكنونة ألين من الزبد وأحلى من الشهد وأنزه من الفردوس والخلد وأزكى ريحا من الياسمين والورد تفرح بقربها وتسرك الخلوة معها قال فاستضحك كسرى حتى اختلجت كتفاه وقال ففي أي الأوقات إتيانهن أفضل قال عند إدبار الليل يكون الجوف أخلى والنفس أهدى والقلب أشهى والرحم أدفى فإن أردت الاستمتاع بها نهارا تسرح عينك في جمال وجهها ويجتني فوك من ثمرات حسنها ويعي سمعك من حلاوة لفظها وتسكن الجوارح كلها إليها قال كسرى لله درك من إعرابي لقد أعطيت علما وخصصت فطنة وفهما وأحسن صلته وأمر بتدوين ما نطق به وقال الواثق بالله في كتابه المسمى بالبستان أن الحرث بن كلدة مر بقوم وهم في الشمس فقال عليكم بالظل فإن الشمس تنهج الثوب وتنقل الريح وتشحب اللون وتهيج الداء الدفين ومن كلام الحرث البطنة بيت الداء والحمية رأس الدواء وعودوا كل بدن ما اعتاد وقيل هو من كلام عبد الملك بن أبجر وقد نسب قوم هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوله المعدة بيت الداء وهو أبلغ من لفظ البطنة وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال من أراد البقاء ولا بقاء فليجود الغذاء وليأكل على نقاء وليشرب على ظمأ وليقل من شرب الماء ويتمدد بعد الغداء ويتمشى بعد العشاء ولا يبيت حتى يعرض نفسه على الخلاء ودخول الحمام على البطنة من شر الداء ودخلة إلى الحمام في الصيف خير من عشر في الشتاء وأكل القديد اليابس في الليل معين على الفناء ومجامعة العجوز تهدم أعمار الأحياء وروي بعض هذه الكلمات عن الحرث بن كلدة وفيها من سره النساء ولا نساء فليكر العشاء وليباكر الغداء وليخفف الرداء وليقل غشيان النساء ومعنى فليكر يؤخر والمراد بالرداء الدين وسمي الدين رداء لقولهم هو في عنقي وفي ذمتي فلما كانت العنق موضع الرداء سمي الدين رداء وقد روي من طريق آخر وفيه وتعجيل العشاء وهو أصح وروى أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير قال قال الحرث بن كلدة من سره البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء وليعجل العشاء وليخفف الرداء وليقل الجماع وروى حرب بن محمد قال حدثنا أبي قال قال الحرث بن كلدة أربعة أشياء تهدم البدن الغشيان على البطنة ودخول الحمام على الامتلاء وأكل القديد ومجامعة العجوز
165 وروى داود بن رشيد عن عمرو بن عوف قال لما احتضر الحرث بن كلدة اجتمع إليه الناس فقالوا مرنا بأمر ننتهي إليه من بعدك فقال لا تتزوجوا من النساء إلا شابة ولا تأكلوا الفاكهة إلا في أوان نضجها ولا يتعالجن أحد منكم ما احتمل بدنه الداء وعليكم بالنورة في كل شهر فإنها مذيبة للبلغم مهلكة للمزة منبتة للحم وإذا تغدى أحدكم فلينم على إثر غدائه وإذا تعشى فليخط أربعين خطوة ومن كلام الحرث أيضا قال دافع بالدواء ما وجدت مدفعا ولا تشربه إلا من ضرورة فإنه لا يصلح شيئا إلا أفسد مثله وقال سليمان بن جلجل أخبرنا الحسن بن الحسين قال أخبرنا سعيد بن الأموي قال أخبرنا عمي محمد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال كان أخوان من ثقيف من بني كنه يتحابان لم ير قط أحسن ألفة منهما فخرج الأكبر إلى سفر فأوصى الأصغر بامرأته فوقعت عينه عليها يوما غير معتمد لذلك فهويها وضني وقدم أخوه فجاءه بالأطباء فلم يعرفوا ما به إلى أن جاءه بالحرث بن كلدة فقال أرى عينين محتجبتين وما أدري ما هذا الوجع وسأجرب فاسقوه نبيذا فلما عمل النبيذ فيه قال (ألا رفقا ألا رفقا * قليلا ما أكوننه) (ألما بي إلى الأبيات * بالخيف أزرهنه) (غزالا ما رأيت اليوم * في دور بني كنه) (أسيل الخد مربوب * وفي منطقة غنه) الهزج فقالوا له أنت أطب العرب ثم قال رددوا النبيذ عليه فلما عمل فيه قال (أيها الجيرة أسلموا * وقفوا كي تكلموا) (وتقضوا لبانة * وتحبوا وتنعموا) (خرجت مزنة من * البحر ريا تحمحم) (هي ماكنتي وتزعم * أني لها حم)
166 قال فطلقها أخوه ثم قال تزوج بها يا أخي فقال والله لا تزوجتها فمات وما تزوجها وللحرث بن كلدة الثقفي من الكتب كتاب المحاورة في الطب بينه وبين كسرى أنوشروان النضر بن الحرث بن كلدة الثقفي هو ابن خالة النبي صلى الله عليه وسلم وكان النضر قد سافر البلاد أيضا كأبيه واجتمع مع الأفاضل والعلماء بمكة وغيرها وعاشر الأحبار والكهنة واشتغل وحصل من العلوم القديمة أشياء جليلة القدر وأطلع على علوم الفلسفة وأجزاء الحكمة وتعلم من أبيه أيضا ما كان يعلمه من الطب وغيره وكان النضر يؤاتي أبا سفيان في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم لكونه كان ثقفيا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قريش والأنصار حليفان وبنو أمية وثقيف حليفان) وكان النضر كثير الأذى والحسد للنبي صلى الله عليه وسلم ويتكلم فيه بأشياء كثيرة كيما يحط من قدره عند أهل مكة ويبطل ما أتى به بزعمه ولم يعلم بشقاوته أن النبوة أعظم والسعادة أقدر والعناية الإلهية أجل والأمور المقدرة أثبت وإنما النضر اعتقد أن بمعلوماته وفضائله وحكمته يقاوم النبوة وأين الثرى من الثريا والحضيض من الأوج والشقي من السعيد وما أحسن ما وجدت حكاية ذكرها أفلاطون في كتاب النواميس في أن النبي وما يأتي به لا يصل إليه الحكيم بحكمته ولا العالم بعلمه قال أفلاطون وقد كان مارينون ملك اليونانيين الذي يذكره أوميرس الشاعر باسمه وجبروته وما تهيأ لليونانيين في سلطانه رمي بشدائد في زمانه وخوارج في سلطانه ففزع إلى فلاسفة عصره فتأملوا مصادر أموره ومواردها وقالوا له قد تأملنا أمرك فلم نجد فيه من جهتك شيئا يدعو إلى ما لحقك وإنما يعلم الفيلسوف الإفراطات وسوء النظام الواقعين في الجزء فأما ما خرج عنه فليس تبحث عنه الفلسفة وإنما يوقف عليه من جهة النبوة وأشاروا عليه أن يطلب نبي عصره ليجتمع له مع علمهم ما ينبئ به وقالوا إنه لا يسكن في البلدان العامرة وإنما يكون بين أقاصي المقفرة بين فقراء ذلك العصر فسألهم ما يجب أن يكون عليه رسله إليه وما يكوت دليلا لهم عليه فقالوا أجعل رسلك إليه من لانت سجيته وظهرت قناعته وصدقت لهجته وكان رجوعه إلى الحق أحب من ظفره به فإن بين من استولى عليه هذا الوصف وبينه وصلة تدلهم عليه وتقدم إليهم في المسألة عنه عند مسقط رأسه ومنشئه وسيرته في هذه المواضع فإنك تجده زاهدا في النعيم راغبا في الصدق مؤثرا للخلوة بعيدا من الحيلة غير حظي من الملوك ينسبونه إلى تجاوز حده والخروج عما جرى عليه أهل طبقته تتأمل فيه الخوف وتخال فيه الغفلة إذا تكلم في الأمر توهمت أنه عالم بأصوله وليس يعرف ما يترقى إليه به
167 وإذا سئل عما يصدر عنه ذكر أنه يلقى على لسانه وفي خاطره في اليقظة وبين النوم واليقظة ما لم ير فيه وإذا سئل عن شيء رأيته كأنه يقتضي الجواب من غيره ولا يفكر فيه تفكير القادر عليه والمستنبط له وإذا وجدوه فسيجمع لهم إلى ما تقرر من وصفه أعاجيب تظهر على لسانه ويده فجمع سبعة نفر وأضاف إليهم أمثل من وجد من الفلاسفة فخرجوا يلتمسونه فوجدوه على مسافة خمسة أيام من مستقر مارينوس في قرية قد خرج أكثر أهلها عنها وسكنوا قريبا من مدينة مارينوس لما آثروه من لين جواره وكثرة الانتفاع به ولم يبق فيها إلا نفر من الزهاد قد قعدوا عن الاكتساب ومشايخ وزمنى خلفهم الجهد وهو بينهم في منزل شعث وحول المنزل جماعة من هؤلاء القوم قد شغفهم جواره وألهاهم عن الحظوظ التي وصل إليها غيرهم فتلقاهم أهل القرية بالترحيب وسألوهم عن سبب دخولهم قريتهم الشعثة التي ليس فيها ما يحبس أمثالهم عليه فقالوا رغبنا في لقاء هذا الرجل ومشاركتكم في فوائده وسألوهم عن وقت خلوته فقالوا ما له شيء يشغله عنكم فدخلو إليه فوجدوه مختبيا بين جماعة قد غضوا أبصارهم من هيبته فلما رآه السبعة نفر سبقتهم العبرة وغمرتهم الهيبة ومعهم الفيلسوف ممسك لنفسه ومتهم لحسه يريد أن يستبرئ أمره فسلموا عليه فرد عليهم السلام ردا ضعيفا وهو كالناعس المتحير ثم زاد نعاسه حتى كادت حبوته أن تنحل فلما تبين من حوله ما تغشاه غضوا أبصارهم ووقفوا وقوف المصلي فقال يا رسل الخاطئ الذي ملك جزءا من عالمي فنظر إلى صلاحه في سوق الخيرات الجسدية إليه فأفسده بما غمره منها وكان سبيله سبيل من وكل بجزء من بستان كثير الزهر والثمار فصرف إليه أكثر من حصته من ماء ذلك البستان وظن أنه أصلح له فكان ما زاده منه على صحته ناقصا من طعوم ثماره وروائح أزهاره وسببا لجفاف أشجار جزء جزء منه وتصويح نبته فلما سمع السبعة نفر هذا لم يملكوا أنفسهم حتى قاموا مع أولئك فوقفوا وقوف المصلين قال الفيلسوف فبقيت جالسا خارجا عن جملتهم لاستبرئ أمره وأتقصى عجائبه فصاح بي أيها الحسن الظن بنفسه الذي كان أقصى ما لحقه أن سلك بفكره بين المحسوسات الجزئية والمعقولات الكلية واستخلص منها علما وقف به على طبائع المحسوسات وما قرب منها فظن أنه
168 يبلغ به كل علة ومعلول أنك لا تصل إلي بهذه الطريق لكن بمن جعلته بيني وبين خلقي ونصبته للدلالة على إرادتي فأصرف أكثر عنايتك إلى الاستدلال عليه فإذا أصبته فاردد إليه ما فضل عن معرفتك فقد حملته من جودي ما فرقت به بينه وبين غيره وجعلته سمة له يستعرضها إفهام المخلصين للحق ثم تماسك وقوي طرفه فرجع من حوله إلى ما كانوا عليه وخرجت من عنده فلما كان العشية عدت إليه فسمعته يخاطب أصحابه والسبعة نفر بشيء من كلام الزهاد ينهاهم فيه عن طاعة الجسد فلما انقضى كلامه قلت له قد سمعت ما سلف لك في صدر هذا اليوم وأنا أسألك زيادتي منه فقال كلما سمعته فإنما هو شيء صور في نفسي وأنطق به لساني وليس لي فيه إلا التبليغ وإن كان منه شيء ستقف عليه فأقمت عنده ثلاثة أيام أدبر السبعة نفر على الرجوع إلى أوطانهم فيأبون ذلك علي فلما كان اليوم الرابع دخلت عليه فما تمكنت من مجلسه حتى تغشاه ما كان غشيه في اليوم الذي دخلنا عليه ثم قال يا رسول الخاطئ المستبطئ نفسه في الرجوع له ارجع إلى بلدك فإنك لا تلحق صاحبك وإني أنسخه بمن يعدل ميل الجزء الذي في يده فخرجت من عنده فلحقت بلدي وقد قضى نحبه وتولى الأمر كهل من أهل بيت مارينوس فرد المظالم وخلص الأرواح مما غشيها من لبوسات الترفه والبطالة أقول ولما كان يوم بدر والتقى فيه المسلمون ومشركو قريش كان المقدم على المشركين أبو سفيان وعدتهم ما بين التسعمائة والألف والمسلمون يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر وأيد الله الإسلام ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم ووقعت الكسرة على المشركين وقتلت في جملتهم صناديد قريش وأسر جماعة من المشركين فبعضهم استفكوا أنفسهم وبعضهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم وكان من جملة المأسورين عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث بن كلدة فقتلهما عليه السلام بعد منصرفه من بدر حدثني شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي ابن الكريم قال حدثنا أبو غالب محمد بن المبارك بن محمد بن الميمون عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن محمويه الشافعي اليزدي عن أبي سعد أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن أبي القاسم الصيرفي البغدادي عن أبي غالب محمد بن أحمد ابن سهل بن بشران النحوي الواسطي عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب عن أبي الفرج علي بن الحسين بن محمد الكاتب الأصبهاني قال حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا مسلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبرا أما عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري فضرب عنقه ثم أقبل من بدر حتى إذا كنا بالصفراء قتل النضر بن الحرث بن كلدة الثقفي أحد بني عبد الدار فقد أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يضرب عنقه فقالت فتيلة بنت الحرث ترثيه
169 (يا راكبا إن الأثيل مظنة * من صبح خامسة وأنت موفق) (بلغ به ميتا فإن تحية * ما أن تزال بها الركائب تخنق) (مني إليه وعبرة مسفوحة * جادت بدرتها وأخرى يخنق) (فليسمعن النضر أن ناديته * إن كان يسمع ميت أو ينطق) (ظلت سيوف بني أبيه تنوشه * لله أرحام هناك تمزق) (صبرا يقاد إلى المنية متعبا * رسف المقيد وهو عان موثق) (أمحمد ولأنت نسل نجيبة * في قومها والفحل فحل معرق) (ما كان ضرك لو مننت وربما * من الفتى وهو المغيظ المحنق) (والنضر أقرب من أخذت بزلة * وأحقهم إن كان عتق يعتق) (لو كنت قابل فدية لفديته * بأعز ما يفدي به من ينفق) الكامل قال أبو الفرج الأصبهاني فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته) فيقال أن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه أقول كأنه صلى الله عليه وسلم إنما أخر قتل النضر بن الحرث إلى أن وصل الصفراء ليتروى فيه ثم أنه رأى الصواب قتله فأمر بقتله ويروى أيضا في قولها والنضر أقرب من قتلت قرابة تشير إلى أنه قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة وبدر موضع وهو اسم ماء قال الشعبي بدر بئر كانت لرجل يدعى بدرا ومنه يوم بدر والصفراء من بدر على سبعة عشر ميلا ومن المدينة على ثلاث ليال قواصد ابن أبي رمثة التميمي كان طبيبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مزاولا لأعمال اليد وصناعة الجراح وروى نعيم عن ابن أبي عيينة عن ابن أبجر عن زياد عن لقيط عن ابن أبي رمثة قال أتيت
170 رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت بين كتفيه الخاتم فقلت إني طبيب فدعني أعالجه فقال أنت رفيق والطبيب الله قال سليمان بن حسان علم رسول الله أنه رفيق اليد ولم يكن فائقا في العلم فبان ذلك من قوله والطبيب الله عبد الملك بن أبجر الكناني كان طبيبا عالما ماهرا وكان في أول أمره مقيما في الإسكندرية لأنه كان المتولي في التدريس بها من بعد الإسكندرانيين الذين تقدم ذكرهم وذلك عندما كانت البلاد في ذلك الوقت لملوك النصارى ثم أن المسلمين لما استولوا على البلاد وملكوا الإسكندرية أسلم ابن أبجر على يد عمر بن عبد العزيز وكان حينئذ أميرا قبل أن تصل إليه الخلافة وصحبه فلما أفضت الخلافة إلى عمر وذلك في صفر سنة تسع وتسعين للهجرة نقل التدريس إلى أنطاكية وحران وتفرق في البلاد وكان عمر بن عبد العزيز يستطب ابن أبجر ويعتمد عليه في صناعة الطب روى الأعمش عن ابن أبجر أنه قال دع الدواء ما احتمل بدنك الداء وهذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم (سر بدائك ما حملك) وروى سفيان عن أبن أبجر أنه قال المعدة حوض الجسد والعروق تشرع فيه فما ورد فيها بصحة صدر بصحة وما ورد فيها بسقم صدر بسقم ابن أثال كان طبيبا متقدما من الأطباء المتميزين في دمشق نصراني المذهب ولما ملك معاوية بن أبي سفيان دمشق اصطفاه لنفسه وأحسن إليه وكان كثير الافتقاد له والاعتقاد فيه والمحادثة معه ليلا ونهارا وكان ابن أثال خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة وقواها وما منها سموم قواتل وكان معاوية يقربه لذلك كثيرا ومات في أيام معاوية جماعة كثيرة من أكابر الناس والأمراء من المسلمين بالسم ومن ذلك حدثنا
171 أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي ابن الكريم قال حدثنا أبو غالب محمد بن المبارك بن محمد بن ميمون عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن محمويه الشافعي اليزدي عن أبي سعد أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن أبي القاسم الصيرفي البغدادي عن أبي غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران النحوي الواسطي عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب عن أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني الكاتب قال في كتابه المعروف بالأغاني الكبير أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن الحرث الخزاز قال حدثنا المدائني عن شيخ أهل الحجاز عن زيد بن رافع مولى المهاجرين خالد بن الوليد عن أبي ذئب عن أبي سهيل أن معاوية لما أراد أن يظهر العقد ليزيد قال لأهل الشام إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ورق جلده ودق عظمه واقترب أجله يريد أن يستخلف عليكم فمن ترون فقالوا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فسكت وأضمرها ودس ابن أثال النصراني الطبيب إليه فسقاه سما فمات وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر ابن خالد بن الوليد خبره وهو بمكة وكان أسوأ الناس رأيا في عمه لأن أباه المهاجر كان مع علي رضي الله عنه بصفين وكان عبد الرحمن بن خالد مع معاوية وكان خالد بن المهاجر على رأي أبيه هاشمي المذهب فلما قتل عمه عبد الرحمن مر به عروة بن الزبير فقال له يا خالد أتدع لابن أثال نقى أوصال عمك بالشام وأنت بمكة مسيل إزارك تجره وتخطر فيه متخائلا فحمي خالد ودعى مولى له يقال له نافع فأعلمه الخبر وقال له لا بد من قتل ابن أثال وكان نافع جلدا شهما فخرجا حتى قدما دمشق وكان ابن أثال يتمسى عند معاوية فجلس له في مسجد دمشق إلى أسطوانة وجلس غلامه إلى أخرى حتى خرج فقال خالد لنافع إياك أن تعرض له أنت فإني أضربه ولكن احفظ ظهري واكفني من ورائي فإن رأيت شيئا يريدني من ورائي فشأنك فلما حاذاه وثب إليه فقتله وثار إليه من كان معه فصاح بهم نافع فانفرجوا ومضى خالد ونافع وتبعهما من كان معه فلما غشوهما حملا عليهم فتفرقوا حتى دخل خالد ونافع زقاقا ضيقا ففاتا الناس وبلغ معاوية الخبر فقال هذا خالد بن المهاجر انظروا الزقاق الذي دخل فيه ففتش عليه وأتي به فقال له لا جزاك الله من زائر خيرا قتلت طبيبي فقال قتلت المأمور وبقي الآمر فقال له عليك لعنة الله أما والله لو كان تشهد مرة واحدة لقتلتك به أمعك نافع قال لا قال بلى والله وما اجترأت إلا به ثم أمر بطلبه فوجد فأتي به فضرب مائة سوط ولم ينح خالدا بشيء أكثر من أن حبسه وألزم بني مخزوم دية ابن أثال اثني عشر ألف درهم أدخل بيت المال منها ستة آلاف وأخذ ستة آلاف فلم يزل ذلك يجري في دية المعاهد حتى ولي عمر بن عبد العزيز فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه وأثبت الذي يدخل بيت المال قال لما حبس معاوية خالد بن المهاجر قال في السجن
172 (إما خطاي تقاربت * مشي المقيد في الحصار) (فيما أمشي في الأباطح * يقتفي أثري إزاري) (دع ذا ولكن هل ترى * نارا تشب بذي مرار) (ما أن تشب لقرة * بالمصطلين ولا قتار) (ما بال ليلك ليس ينقص * طولها طول النهار) (أتقاصر الأزمان أم * غرض الأسير من الإسار) الكامل قال فبلغت أبياته معاوية فأطلقه فرجع إلى مكة فلما قدمها لقي عروة بن الزبير فقال له أما ابن أثال فقد قتلته وهذاك ابن جرموز نقى أوصال الزبير بالبصرة فاقتله إن كنت ثائرا فشكاه عروة إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فأقسم عليه أن يمسك عنه ففعل أقول كان الزبير بن العوام مع عائشة يوم الجمل فقتله ابن جرموز ولذلك قال خالد بن المهاجر لعروة بن الزبير عن قتل ابن جرموز لأبيه يعيره بذلك ومما يحقق هذا أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل زوجة الزبير بن العوام قالت ترثيه لما قتله ابن جرموز (غدر ابن جرموز بفارس بهمة * يوم اللقاء وكان غير معرد) (يا عمرو لو نبهته لوجدته * لا طائشا رعش الجنان ولا اليد) (الله ربك إن قتلت لمسلما * وجبت عليك عقوبة المتعمد) (إن الزبير لذو بلاء صادق * سمح سجيته كريم المشهد) (كم غمرة قد خاضها لم يثنه * عنها طرادك يا ابن فقع القردد) (فاذهب فما ظفرت يداك بمثله * فيما مضى مما يروح ويغتدي) الكامل وقال أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي في كتاب الأمثال إن معاوية ابن أبي سفيان
173 كان خاف أن يميل الناس إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فاشتكى عبد الرحمن فسقاه الطبيب شربة عسل فيها سم فأحرقته فعند ذلك قال معاوية لا جد إلا ما اقعص عنك من تكره قال وقال معاوية أيضا حين بلغه أن الأشتر سقي شربة عسل فيها سم فمات إن لله جنودا منها العسل ونقلت من تاريخ أبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي قال لما كان في سنة ثمان وثلاثين بعث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه الأشتر واليا على مصر بعد قتل محمد بن أبي بكر وبلغ معاوية مسيره فدس إلى دهقان بالعريش فقال أن قتلت الأشتر فلك خراجك عشرين سنة فلطف له الدهقان فسأل أي الشراب أحب إليه فقيل العسل فقال عندي عسل من عسل برقة فسمه وأتاه به فشربه فمات وفي تاريخ الطبري أن الحسن بن علي رضي الله عنهما مات مسموما في أيام معاوية وكان عند معاوية كما قيل دهاء فدس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن رضي الله عنه شربة وقال لها إن قتلت الحسن زوجتك بيزيد فلما توفي الحسن بعثت إلى معاوية تطلب قوله فقال لها في الجواب أنا أضن بيزيد وقال كثير يرثي الحسن رضي الله عنه (يا جعد أبكيه ولا تسأمي * بكاء حق ليس بالباطل) (أن تستري الميت على مثله * في الناس من حاف ومن ناعل) السريع وقال عوانة بن الحكم لما كان قبل موت الحسن بن علي عليهما السلام كتب معاوية إلى مروان ابن الحكم عامله على المدينة إن أقبل المطي فيما بيني وبينك بخبر الحسن بن علي قال فلم يلبث إلا يسيرا حتى كتب مروان بموته وكان ابن عباس إذا دخل على معاوية أجلسه معه على سريره فأذن معاوية للناس فأخذوا مجالسهم وجاء ابن عباس فلم يمهله معاوية أن يسلم حتى قال يا ابن عباس هل أتاك موت الحسن بن علي قال لا قال معاوية فإنه قد أتانا موته فاسترجع ابن عباس وقال إن موته يا معاوية لا يزيد في عمرك ولا يدخل عمله معك في قبرك وقد بلينا بأعظم فقدنا منه جده محمد صلى الله عليه وسلم فجبر الله مصابنا ولم يهلكنا بعده فقال له معاوية اقعد يا ابن عباس فقال ما هذا بيوم قعود وأظهر معاوية الشماتة بموت الحسن رضي الله عنه فقال قثم ابن عباس في ذلك
174 (أصبح اليوم ابن هند شامتا * ظاهر النخوة أن مات حسن) (رحمة الله عليه أنه * طال ما أشجى ابن هند وأذن) (ولقد كان عليه عمره * عدل رضوى وثبير وحضن) (وإذا أقبل حيا رافعا * صوته والصدر يغلي بالإحن) (فارتع اليوم ابن هند آمنا * إنما يغمص بالعير السمن) (واتق الله وأحدث توبة * إن ما كان كشيء لم يكن) الرمل أبو الحكم كان طبيبا نصرانيا عالما بأنواع العلاج والأدوية وله أعمال مذكورة وصفات مشهورة وكان يستطبه معاوية بن أبي سفيان ويعتمد عليه في تركيبات أدوية لأغراض قصدها منه وعمر أبو الحكم هذا عمرا طويلا حتى تجاوز المائة سنة حدث أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبي قال حدثني عيسى بن حكم الدمشقي المتطبب قال حدثني أبي عن أبيه قال ولي الموسم في أيام معاوية بن أبي سفيان يزيد بن معاوية فوجهني أبوه معه متطببا له وخرجت مع عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس إلى مكة متطببا له وقعدد عبد الصمد مثل قعدد يزيد وبين وفاتهما مائة ونيف وعشرون سنة قال يوسف بن إبراهيم حدثني عيسى بن حكم عن أبيه أن جده أعلمه أنه كان حمى عبد الملك ابن مروان من شرب الماء في علته التي توفي فيها واعلمه أنه متى شرب الماء قبل نضج علته توفي قال فاحتمى عن الماء يومين وبعض الثالث قال فإني عنده لجالس وعنده بناته إذ دخل عليه
175 الوليد ابنه فسأله عن حاله وهو يتبين في وجه الوليد السرور بموته فأجابه بأن قال (ومستخبر عنا يريد بنا الردى * ومستخبرات والدموع سواجم) الطويل وكان استفتاحه النصف الأول وهو مواجه للوليد ثم واجه البنات عند قوله النصف الثاني ثم دعا بالماء فشربه فقضى من ساعته حكم الدمشقي كان يلحق بأبيه في معرفته بالمداواة والأعمال الطبية والصفات البديعة وكان مقيما بدمشق وعمر أيضا عمرا طويلا قال أبو يوسف بن إبراهيم حدثني عيسى بن حكم أن والده توفي وكان عبد الله بن طاهر بدمشق في سنة عشر ومائتين وأن عبد الله سأله عن مبلغ عمر أبيه فأعلمه أنه عمره مائة وخمس سنين لم يتغير عقله ولم ينقص علمه فقال عبد الله عاش حكم نصف التاريخ قال يوسف وحدثني عيسى أنه ركب مع أبيه حكم بمدينة دمشق إذ اجتازوا بحانوت حجام قد وقف عليه بشر كثير فلما بصر بنا بعض الوقوف قال أفرجوا هذا حكم المتطبب وعيسى ابنه فأفرج القوم فإذا رجل قد فصده الحجام في العرق الباسليق وقد فصده فصدا واسعا وكان الباسليق على الشريان فلم يحسن الحجام تعليق العرق فأصاب الشريان ولم يكن عند الحجام حيلة في قطع الدم واستعملنا الحيلة في قطعه بالرفائد ونسج العنكبوت والوبر فلم ينقطع بذلك فسألني والدي عن حيلة فأعلمته أنه لا حيلة عندي فدعا بفستقة فشقها وطرح ما فيها وأخذ أحد نصفي القشر فجعله على موضع الفصد ثم أخذ حاشية من ثوب كتان غليظ فلف بها موضع الفصد على قشر الفستقة لفا شديدا حتى كان يستغيث المفتصد من شدته ثم شد ذلك بعد اللف شدا شديدا وأمر بحمل الرجل إلى نهر بردى وأدخل يده في الماء ووطأ له على شاطئ النهر ونومه عليه وأمر فحسى محات بيض نيمرشت ووكل به تلميذا من تلامذته وأمره بمنعه من إخراج يده
176 من موضع الفصد من الماء إلا عند وقت الصلاة أو يتخوف عليه الموت من شدة البرد فإن تخوف ذلك أذن له في إخراج يده هنيهة ثم أمره بردها ففعل ذلك إلى الليل ثم أمر بحمله إلى منزله ونهاه عن تغطية موضع الفصد وعن حل الشد قبل استتمام خمسة أيام ففعل ذلك إلا أنه صار إليه في اليوم الثالث وقد ورم عضده وذراعه ورما شديدا فنفس من الشد شيئا يسيرا وقال للرجل الورم أسهل من الموت فلما كان في اليوم الخامس حل الشداد فوجدنا قشر الفستقة ملتصقا بلحم الرجل فقال والدي للرجل بهذا القشر نجوت من الموت فإن خلعت هذا القشر قبل انخلاعه وسقوطه من غير فعل منك تلفت نفسك قال عيسى فسقط القشر في اليوم السابع وبقي في مكانه دم يابس في خلقة الفستقة فنهاه والدي عن العبث به أو حك ما حوله أو فت شيء من ذلك الدم فلم يزل الدم يتحات حتى انكشف موضع الفصد في أكثر من أربعين ليلة وبرأ الرجل عيسى بن حكم الدمشقي وهو المشهور بمسيح صاحب الكناش الكبير الذي يعرف به وينسب إليه قال يوسف بن إبراهيم حدثني عيسى بن الحكم أنه عرض لغضيض أم ولد الرشيد قولنج فأحضرته وأحضرت الأبح والطبري الحاسبين وسألت عيسى عما يرى معالجتها به قال عيسى فاعلمتها أن القولنج قد استحكم بها استحكاما إن لم تبادره بالحقنة لم يؤمن عليها التلف فقالت للأبح والطبري اختارا لي وقتا أتعالج فيه فقال لها الأبح علتك هذه ليست من العلل التي يمكن أن يؤخر لها العلاج إلى وقت يحمده المنجمون وأنا أرى أن تبادري بالعلاج قبل أن تعملي عملا وكذلك يرى عيسى بن حكم فسألتني فاعلمتها أن الأبح قد صدقها فسألت الطبري عن رأيه فقال أن القمر اليوم مع زحل وهو في غد مع المشتري وأنا أرى لك أن تؤخري العلاج إلى مقارنة القمر المشتري فقال الأبح أنا أخاف أن يصير القمر مع المشتري وقد عمل القولنج عملا لا يحتاج معه إلى علاج فتطيرت من ذلك غضيض ولبنتها أم محمد وأمرتا بإخراجه من الدار وقبلت قول الطبري فماتت غضيض قبل موافات القمر المشتري فلما وافى القمر المشتري قال الأبح لأم محمد هذا وقت اختيار الطبري للعلاج فأين العليل حتى نعالجه فزادتها رسالته غيظا عليه ولم تزل سيئة الرأي فيه حتى توفيت
177 قال يوسف نزلت على عيسى بن حكم في منزله بدمشق سنة خمس وعشرين ومائتين وبي نزلة صعبة فكان يغذوني بأغذية طيبة ويسقيني الثلج فكنت أنكر ذلك واعلمه إن تلك الأغذية مضرة بالنزلة فيعتل علي بالهواء ويقول أنا أعلم بهواء بلدي منك وهذه الأشياء المضرة بالعراق نافعة بدمشق فكنت اغتذي بما يغذوني به فلما خرجت عن البلد خرج مشيعا لي حتى صرنا إلى الموضع المعروف بالراهب وهو الموضع الذي فارقني فيه فقال لي قد أعددت لك طعاما يحمل معك يخالف الأطعمة التي كنت تأكلها وأنا آمرك أن لا تشرب ماء باردا ولا تأكل من مثل الأغذية التي كنت تأكلها في منزلي شيئا فلمته على ما كان يغذوني به فقال إنه لا يحسن بالعاقل أن يلزم قوانين الطب مع ضيفه في منزله قال يوسف وتجاريت وعيسى يوما بدمشق ذكر البصل فابترك في ذمه ووصف معايبه وكان عيسى وسلمويه بن بيان يسلكان طريق الرهبان ولا يحمدان شيئا مما يزيد في الباه ويذكران أن ذلك مما يتلف الأبدان ويذهب الأنفس فلم استنجد الاحتجاج عليه بزيادة البصل في الباه فقلت له قد رأيت له في سفري هذا أعني فيما بين سر من رأى ودمشق منفعة فسأل عنها فأعلمته إني كنت أذوق الماء في بعض المناهل فاصيبه مالحا فآكل البصل الني ثم أعاود شرب الماء فأجد ملوحته قد نقصت وكان عيسى قليل الضحك فاستضحك من قولي ثم رجع إلى إظهار جرح منه ثم قال يعز علي أن يغلط مثلك هذا الغلط لأنك صرت إلى أسمج نكتة في البصل وأعيب عيب فيه فجعلتها مدحا ثم قال لي أليس متى حدث في الدماغ فساد فسدت الحواس حتى ينقص حس الشم والذوق والسمع والبصر فأعلمته أن الأمر كذلك فقال لي إن خاصية البصل إحداث فساد الدماغ فإنما قلل حسك بملوحة الماء ما أحدث البصل في دماغك من الفساد قال وقال لي عيسى وقد شيعني إلى الراهب وهو أخر كلام دار بيني وبينه إن والدي توفي وهو ابن مائة سنة وخمس سنين لم يتشنج له وجه ولم ينقص من ماء وجهه لأشياء كان يفعلها وأنا الآن مزودكها فاعمل بها وهي أن لا تذوق القديد ولا تغسل يديك ورجليك عند خروجك من الحمام أبدا إلا بماء بارد أبرد ما يمكنك والزم ذلك فإنه ينفعك فلزمت ما أمرني به من هذا الباب إلا إني ربما مصصت القطعة الصغيرة من القديد في السنة وفي الأكثر من ذلك ولعيسى بن حكم من الكتب كناش كتاب منافع الحيوان
178 تياذوق كان طبيبا فاضلا وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطب وعمر وكان في أول دولة بني أمية ومشهورا عندهم بالطب وصحب أيضا الحجاج بن يوسف الثقفي المتولي من جهة عبد الملك ابن مروان وخدمه بصناعة الطب وكان يعتمد عليه ويثق بمداواته وكان له منه الجامكية الوافرة والافتقاد الكثير ومن كلام تياذوق للحجاج قال لا تنكح إلا شابة ولا تأكل من اللحم إلا فتيا ولا تشرب الدواء إلا من علة ولا تأكل الفاكهة إلا في أوان نضجها وأجد مضغ الطعام وإذا أكلت نهارا فلا بأس أن تنام وإذا أكلت ليلا فلا تنم حتى تمشي ولو خمسين خطوة فقال له بعض من حضر إذا كان الأمر كما تقول فلم هلك بقراط ولم هلك جالينوس وغيرهما ولم يبق أحد منهم قال يا بني قد احتججت فاسمع إن القوم دبروا أنفسهم بما يملكون وغلبهم ما لا يملكون يعني الموت وما يرد من خارج كالحر والبرد والوقوع والغرق والجراح والغم وما أشبه ذلك وأوصى تياذوق أيضا الحجاج فقال لا تأكلن حتى تجوع ولا تتكارهن على الجماع ولا تحبس البول وخذ من الحمام قبل أن يأخذ منك وقال أيضا للحجاج أربعة تهدم العمر وربما قتلن دخول الحمام على البطنة والمجامعة على الامتلاء وأكل القديد الجاف وشرب الماء البارد على الريق وما مجامعة العجوز ببعيدة منهن ووجد الحجاج في رأسه صداعا فبعث إلى تياذوق وأحضره فقال اغسل رجليك بماء حار وأدهنهما وخصي للحجاج قائم على رأسه فقال والله ما رأيت طبيبا أقل معرفة بالطب منك شكى الأمير الصداع في رأسه فتصف له دواء في رجليه فقال له أما أن علامة ما قلت فيك بينة قال الخصي وما هي قال نزعت خصيتاك فذهب شعر لحيتك فضحك الحجاج ومن حضر وشكى الحجاج ضعفا في معدته وقصورا في الهضم إلى تياذوق فقال يكون الأمير يحضر بين يديه الفستق الأحمر القشر البراني ويكسره ويأكل من لبه فإن ذلك يقوي المعدة فلما أمسى الحجاج بعث إلى حظاياه وقال إن تياذوق وصف لي الفستق فبعثت إليه كل واحدة منهن صينية فيها قلوب فستق فأكل من ذلك حتى امتلأ وأصابته بعقبه هيضة كادت تأتي على نفسه فشكى حاله إلى تياذوق وقال وصفت لي شيئا أضر بي وذكر له ما تناول فقال له إنما
179 قلت لك أن تحضر عندك الفستق بقشره البراني فتكسر الواحدة بعد الواحدة وتلوك قشرها البراني وفيه العطرية والقبض فيكون بذلك تقوية المعدة وأنت فقد عملت غير ما قلت لك وداواه مما عرض له قيل ومن أخباره مع الحجاج أنه دخل عليه يوما فقال له الحجاج أي شيء دواء أكل الطين فقال عزيمة مثلك أيها الأمير فرمى الحجاج بالطين من يده ولم يعد إليه أبدا وقيل إن بعض الملوك لما رأى تياذوق وقد شاخ وكبر سنه وخشي أن يموت ولا يعتاض عنه لأنه كان أعلم الناس وأحذق الأمة في وقته بالطب فقال له صف لي ما اعتمد عليه فأسوس به نفسي وأعمل به أيام حياتي فلست آمن أن يحدث عليك حدث الموت ولا أجد مثلك فقال تياذوق أيها الملك بالخيرات أقول لك عشرة أبواب إن علمت واجتنبتها لم تعتل مدة حياتك وهذه عشر كلمات 1 لا تأكل طعاما وفي معدتك طعام 2 ولا تأكل ما تضعف أسنانك عن مضغه فتضعف معدتك عن هضمه 3 ولا تشرب الماء على الطعام حتى تفرغ ساعتين فإن أصل الداء التخمة وأصل التخمة الماء على الطعام 4 وعليك بدخول الحمام في كل يومين مرة واحدة فإنه يخرج من جسدك ما لا يصل إليه الدواء 5 وأكثر الدم في بدنك تحرص به نفسك 6 وعليك في كل فصل قيئة ومسهلة 7 ولا تحبس البول وإن كنت راكبا 8 واعرض نفسك على الخلاء قبل نومك 9 ولا تكثر الجماع فإنه يقتبس من نار الحياة فليكثر أو يقل 10 ولا تجامع العجوز فإنه يورث الموت الفجأة فلما سمع الملك ذلك أمر كاتبه أن يكتب هذه الألفاظ بالذهب الأحمر ويضعه في صندوق من ذهب مرصع وبقي ينظر إليه في كل يوم ويعمل به فلم يعتل مدة حياته حتى جاءه الموت الذي لا بد منه ولا محيص عنه وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب قال قال الحجاج لابنه محمد يا بني إن تياذوق الطبيب كان قد أوصاني في تدبير الصحة بوصية كنت استعملها فلم أر إلا خيرا ولما حضرته الوفاة دخلت عليه أعوده فقال الزم ما كنت وصيتك به وما نسيت منها فلا تنس لا تشربن دواء حتى تحتاج إليه ولا تأكلن طعاما وفي جوفك طعام وإذا أكلت فامش أربعين خطوة وإذا امتلأت من الطعام فنم على جنبك الأيسر ولا تأكلن الفاكهة وهي مولية ولا تأكلن من اللحم إلا فتيا ولا تنكحن عجوزا وعليك بالسواك ولا تتبعن اللحم اللحم فإن إدخال اللحم على اللحم يقتل الأسود في الفلوات وقال أيضا إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتاب أخبار الحجاج أن الحجاج لما قتل سعيد بن جبير رحمه الله وكان من خيار التابعين وجرى بينهما كلام كثير وأمر به فذبح بين يديه وخرج منه دم كثير استكثره وهاله فقال الحجاج لتياذوق طبيبه ما هذا قال لاجتماع نفسه وإنه لم
180 يجزع من الموت ولا هاب ما فعلته به وغيره تقتله وهو مفترق النفس فيقل دمه لذلك ومات تياذوق بعد ما أسن وكبر وكانت وفاته بواسط في نحو سنة تسعين للهجرة ولتياذوق من الكتب كناش كبير ألفه لابنه كتاب إيدال الأدوية وكيفية دقها وإيقاعها وإذابتها وشئ من تفسير أسماء الأدوية زينب طبيبة بني أود كانت عارفة بالأعمال الطبية خبيرة بالعلاج ومداواة آلام العين والجراحات مشهورة بين العرب بذلك قال أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني الكبير أخبرنا محمد بن خلف المرزبان قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن كناسة عن أبيه عن جده قال أتيت امرأة من بني أود لتكحلني من رمد كان قد أصابني فكحلتني ثم قالت اضطجع قليلا حتى يدور الدواء في عينيك فاضطجعت ثم تمثلت قول الشاعر (أمخترمي ريب المنون ولم أزر * طبيب بني أود على النأي زينبا) الطويل فضحكت ثم قالت أتدري فيمن قيل هذا الشعر قلت لا قالت في والله قيل وأنا زينب التي عناها وأنا طبيبة بني أود أفتدري من الشاعر قلت لا قالت عمك أبو سماك الأسدي
181 الباب الثامن طبقات الأطباء السريانيين الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العباس ولنبتدئ أولا بذكر جورجس وابنه بختيشوع والمتميزين من أولاده على تواليهم ثم اذكر بعد ذلك ما يليق ذكره من الأطباء الذين كانوا في ذلك الوقت جورجيوس بن جبرائيل كانت له خبرة بصناعة الطب ومعرفة بالمداواة وأنواع العلاج وخدم بصناعة الطب المنصور وكان حظيا عنده رفيع المنزلة ونال من جهته أموالا جزيلة وقد نقل للمنصور كتبا كثيرة من كتب اليونانيين إلى العربي قال فثيون الترجمان إن أول ما استدعى أبو جعفر المنصور لجورجس هو أن المنصور في سنة مائة وثمان وأربعين سنة للهجرة مرض وفسدت معدته وانقطعت شهوته وكلما عالجه الأطباء ازداد مرضه فتقدم إلى الربيع بأن يجمع الأطباء لمشاورتهم فجمعهم فقال لهم المنصور من تعرفون من الأطباء في سائر المدن طبيبا ماهرا فقالوا ليس في وقتنا هذا أحد يشبه جورجس رئيس أطباء جندي سابور فإنه ماهر في الطب وله مصنفات جليلة فانفذ المنصور في الوقت من يحضره فلما وصل الرسول إلى عامل البلد احضر جورجس وخاطبه بالخروج معه فقال له علي ههنا أسباب ولا بد أن تصبر علي أياما حتى أخرج معك فقال له إن أنت خرجت معي في غد طوعا وإلا أخرجتك كرها وامتنع عليه جورجس فأمر
183 باعتقاله ولما اعتقل اجتمع رؤساء المدينة مع المطران فأشاروا على جورجس بالخروج فخرج بعد أن أوصى ابنه بختيشوع بأمر البيمارستان وأموره التي تتعلق به هناك وأخذ معه إبراهيم تلميذه وسرجس تلميذه فقال له ابنه بختيشوع لا تدع ههنا عيسى بن شهلا فإنه يؤذي أهل البيمارستان فترك سرجس وأخذ عيسى معه عوضا عنه وخرج إلى مدينة السلام ولما ودعه بختيشوع ابنه قال له لم لا تأخذني معك فقال لا تعجل يا بني فإنك ستخدم الملوك وتبلغ من الأحوال أجلها ولما وصل جورجس إلى الحضرة أمر المنصور بإيصاله إليه ولما وصل دعا إليه بالفارسية والعربية فتعجب الخليفة من حسن منظره ومنطقه فأجلسه قدامه وسأله عن أشياء فأجابه عنها بسكون فقال له قد ظفرت منك بما كنت أحبه واشتاقه وحدثه بعلته وكيف كان ابتداؤها فقال له جورجس أنا أدبرك كما تحب فأمر الخليفة له في الوقت بخلعة جليلة وقال للربيع أنزله في منزل جليل من دورنا وأكرمه كما تكرم أخص الأهل ولما كان من غد دخل إليه ونظر إلى نبضه وإلى قارورة الماء ووافقه على تخفيف الغذاء ودبره تدبيرا لطيفا حتى رجع إلى مزاجه الأول وفرح به الخليفة فرحا شديدا وأمر أن يجاب إلى كل ما يسأل ولما كان بعد أيام قال الخليفة للربيع أرى هذا الرجل قد تغير وجهه لا يكون قد منعته مما يشربه على عادته قال له الربيع لم نأذن له أن يدخل إلى هذه الدار مشروبا فأجابه بقبيح وقال له لا بد أن تمضي بنفسك حتى تحضره من المشروب كل ما يريده فمضى الربيع إلى قطربل وحمل منها إلى غاية ما أمكنه من الشراب الجيد ولما كان بعد سنتين قال الخليفة لجورجس أرسل من يحضر ابنك إلينا فقد بلغني إنه مثلك في الطب فقال له جورجس جندي سابور إليه محتاجة وإن فارقها إن فسد أمر البيمارستان وكان أهل المدينة إذا مرضوا ساروا إليه وههنا معي تلامذة قد ربيتهم وخرجتهم في الصناعة حتى أنهم مثلي فأمر الخليفة بإحضارهم في غد ذلك اليوم ليختبرهم فلما كان من غد أخذ معه عيسى بن شهلا وأوصله إليه فسأله الخليفة عن أشياء وجده فيها حاد المزاج حاذقا بالصناعة فقال الخليفة لجورجس ما أحسن ما وصفت هذا التلميذ وعلمته قال فثيون ولما كان في سنة إحدى وخمسين ومائة دخل جورجس إلى الخليفة في يوم الميلاد فقال له الخليفة أي شيء آكل اليوم فقال له ما تريد وخرج من بين يديه فلما بلغ الباب رده وقال له من يخدمك ههنا فقال له تلامذتي فقال له سمعت أنه ليست لك امرأة فقال له لي زوجة كبيرة ضعيفة ولا تقدر تنتقل إلي من موضعها وخرج من حضرته ومضى إلى
184 البيعة فأمر الخليفة خادمه سالما أن يختار من الجواري الروميات الحسان ثلاثا ويحملهن إلى جورجس مع ثلاثة آلاف دينار ففعل ذلك ولما انصرف جورجس إلى منزله عرفه عيسى بن شهلا بما جرى وأراه الجواري فأنكر أمورهن وقال لعيسى تلميذه يا تلميذ الشيطان لم أدخلت هؤلاء منزلي امض ردهن إلى صاحبهن ثم ركب جورجس وعيسى ومعه الجواري إلى دار الخليفة وردهن على الخادم فلما اتصل الخبر بالمنصور أحضره وقال له لم رددت الجواري قال له هؤلاء لا يكونون معي في بيت واحد لأنا نحن معشر النصارى لا نتزوج بأكثر من امرأة واحدة وما دامت المرأة في الحياة لا نأخذ غيرها فحسن موقعه من الخليفة وأمر في وقته أن يدخل جورجس إلى حظاياه وحرمه ويخدمهن وزاد موضعه في عينه وعظم محله قال فثيون ولما كان في سنة مائة واثنتين وخمسين سنة مرض جورجس مرضا صعبا وكان الخليفة يرسل إليه في كل يوم الخدم حتى يعرف خبره ولما اشتد مرض جورجس أمر به الخليفة فحمل على سرير إلى دار العامة وخرج إليه الخليفة ماشيا وراءه وسأله عن خبره فبكى جورجس بكاء شديدا وقال له إن رأى أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن يأذن لي في المصير إلى بلدي لأنظر إلى أهلي وولدي وإن مت قبرت مع آبائي فقال الخليفة يا جورجس اتق الله وأسلم وأنا أضمن لك الجنة قال جورجس أنا على دين آبائي أموت وحيث يكون آبائي أحب أن أكون إما في الجنة أو في جهنم فضحك الخليفة من قوله وقال له وجدت راحة عظيمة في جسمي منذ رأيتك وإلى هذه الغاية وقد تخلصت من الأمراض التي كانت تلحقني قال له جورجس إني أخلف بين يديك عيسى وهو تربيتي فأمر الخليفة أن يخرج جورجس إلى بلده وأن يدفع إليه عشرة آلاف دينار وانفذ معه خادما وقال إن مات في طريقه فاحمله إلى منزله ليدفن هناك كما آثر فوصل إلى بلده حيا وحصل عيسى بي شهلا في الخدمة وبسط يده على المطارنة والأساقفة يأخذ أموالهم لنفسه حتى إنه كتب إلى مطران نصيبين كتابا يلتمس منه فيه من آلات البيعة أشياء جليلة المقدار ويتهدده متى أخرها عنه وقال في كتابه إلى المطران ألست تعلم أن أمر الملك بيدي إن شئت أمرضته وإن شئت عافيته فعندما وقف المطران على الكتاب احتال في التوصل حتى وافى الربيع وشرح له صورته واقرأه الكتاب فأوصله الربيع إلى الخليفة حتى عرف شرح ما جرى فأمر بنفي عيسى بن شهلا بعد أن أخذ منه جميع ما ملكه ثم قال الخليفة للربيع سل عن جورجس فإن كان حيا فانفذ من يحضره وإن كان قد مات فاحضر ابنه فكتب الربيع إلى العامل بجندي سابور في ذلك واتفق أن جورجس سقط في تلك الأيام من السطح وضعف ضعفا فلما خاطبه أمير البلد قال له أنا أنفذ إلى الخليفة طبيبا ماهرا يخدمه إلى أن أصلح وأتوجه إليه واحضر إبراهيم تلميذه وأنفذه إلى الأمير مع كتاب شرح فيه حال جورجس إلى الربيع فلما وصل
185 إلى الربيع أوصله إلى الخليفة وخاطبه الخليفة في أشياء فوجده فيها حاد المزاج جيد الجواب فقربه وأكرمه وخلع عليه ووهب له مالا واستخلصه لخدمته ولم يزل في الخدمة إلى أن مات المنصور ولجورجس من الكتب كناشه المشهور ونقله حنين بن إسحاق من السرياني إلى العربي بختيشوع بن جورجس ومعنى بختيشوع عبد المسيح لأن في اللغة السريانية البخت العبد ويشوع عيسى عليه السلام وكان بختيشوع يلحق بأبيه في معرفته بصناعة الطب ومزاولته لأعمالها وخدم هارون الرشيد وتميز في أيامه قال فثيون الترجمان لما مرض موسى الهادي أرسل إلى جندي سابور من يحضر له بختيشوع فمات قبل قدوم بختيشوع وكان من خبره أنه جمع الأطباء وهم أبو قريش عيسى وعبد الله الطيفوري وداؤد بن سرابيون وقال لهم أنتم تأخذون أموالي وجوائزي وفي وقت الشدة تتقاعدون بي فقال له أبو قريش علينا الاجتهاد والله يهب السلامة فاغتاظ من هذا فقال له الربيع قد وصف لنا أن بنهر صرصر طبيبا ماهرا يقال له عبد يشوع بن نصر فأمر بإحضاره وبأن تضرب أعناق الأطباء فلم يفعل الربيع هذا لعلمه باختلال عقله من شدة المرض ولأنه كان آمنا منه ووجه إلى صرصر حتى أحضر الرجل ولما دخل على موسى قال له رأيت القارورة قال نعم يا أمير المؤمنين وها أنا أصنع لك دواء تأخذه وإذا كان على تسع ساعات تبرأ وتتخلص وخرج من عنده وقال للأطباء لا تشغلوا قلوبكم فإنكم في هذا اليوم تنصرفون إلى بيوتكم وكان الهادي قد أمر بأن يدفع إليه عشرة آلاف درهم ليبتاع له بها الدواء فأخذها ووجه بها إلى بيته وأحضر أدوية وجمع الأطباء بالقرب من موضع الخليفة وقال لهم دقوا حتى يسمع وتسكن نفسه فإنكم في آخر النهار تتخلصون وكان كل ساعة يدعو به ويسأله عن الدواء فيقول له هوذا تسمع صوت الدق فيسكت ولما كان بعد تسع ساعات مات وتخلص الأطباء وهذا في سنة سبعين ومائة قال فثيون ولما كان في سنة إحدى وسبعين ومائة مرض هارون الرشيد من صداع لحقه فقال
186 ليحيى بن خالد هؤلاء الأطباء ليس يحسنون شيئا فقال له يحيى يا أمير المؤمنين أبو قريش طبيب والدك ووالدتك فقال ليس هو بصيرا بالطب وإنما كرامتي له لقديم حرمته فينبغي أن تطلب لي طبيبا ماهرا فقال له يحيى بن خالد إنه لما مرض أخوك موسى أرسل والدك إلى جندي سابور حتى أحضر رجلا يعرف ببختيشوع قال له فكيف تركه يمضي فقال لما رأى عيسى أبا قريش ووالدتك يحسدانه أذن له في الانصراف إلى بلده فقال له أرسل بالبريد حتى يحملوه إن كان حيا ولما كان بعد مدة مديدة وافى بختيشوع الكبير ابن جورجس ووصل إلى هارون الرشيد ودعا له بالعربية وبالفارسية فضحك الخليفة وقال ليحيى بن خالد أنت منطقي فتكلم معه حتى اسمع كلامه فقال له يحيى بل ندعو بالأطباء فدعى بهم وهم أبو قريش عيسى وعبد الله الطيفوري وداود بن سرابيون وسرجس فلما رأوا بختيشوع قال أبو قريش يا أمير المؤمنين ليس في الجماعة من يقدر على الكلام مع هذا لأنه كون الكلام هو وأبوه وجنسه فلاسفة فقال الرشيد لبعض الخدم أحضره ماء دابة حتى نجربه فمضى الخادم وأحضره قارورة الماء فلما رآه قال يا أمير المؤمنين ليس هذا بول إنسان قال له أبو قريش كذبت هذا ماء حظية الخليفة فقال له بختيشوع لك أقول أيها الشيخ الكريم لم يبل هذا إنسان البتة وإن كان الأمر على ما قلت فلعلها صارت بهيمة فقال له الخليفة من أين علمت أنه ليس ببول إنسان قال له بختيشوع لأنه ليس له قوام بول الناس ولا لونه ولا ريحه قال له الخليفة بين يدي من قرأت قال له قدام أبي جورجس قرأت قال له الأطباء أبوه كان اسمه جورجس ولم يكن مثله في زمانه وكان يكرمه أبو جعفر المنصور إكراما شديدا ثم التفت الخليفة إلى بختيشوع فقال له ما ترى أن نطعم صاحب هذا الماء فقال شعيرا جيدا فضحك الرشيد ضحكا شديدا وأمر فخلع عليه خلعة حسنة جليلة ووهب له مالا وافرا وقال بختيشوع يكون رئيس الأطباء كلهم وله يسمعون ويطيعون ولبختيشوع بن جورجس من الكتب كناش مختصر كتاب التذكرة ألفه لابنه جبرائيل جبرائيل بن بختيشوع بن جورجس كان مشهورا بالفضل جيد التصرف في المداواة عالي الهمة سعيد الجد حظيا عند الخلفاء رفيع المنزلة عندهم كثيري الإحسان إليه وحصل من جهتهم من الأموال ما لم يحصله غيره من الأطباء
187 قال فثيون الترجمان لما كان في سنة خمس وسبعين ومائة مرض جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك فتقدم الرشيد إلى بختيشوع أن يتولى خدمته ومعالجته ولما كان في بعض الأيام قال له جعفر أريد أن تختار لي طبيبا ماهرا أكرمه وأحسن إليه قال له بختيشوع ابني جبرائيل أمهر مني وليس في الأطباء من يشاكله فقال له أحضرنيه ولما أحضره عالجه في مدة ثلاثة أيام وبرأ فأحبه جعفر مثل نفسه وكان لا يصبر عنه ساعة ومعه يأكل ويشرب وفي تلك الأيام تمطت حظية الرشيد ورفعت يدها فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها والأطباء يعالجونها بالتمريخ والإدهان ولا ينفع ذلك شيئا فقال الرشيد لجعفر بن يحيى قد بقيت هذه الصبية بعلتها قال له جعفر لي طبيب ماهر وهو ابن بختيشوع ندعوه ونخاطبه في معنى هذا المرض فلعل عنده حيلة في علاجه فأمر بإحضاره ولما حضر قال له الرشيد ما اسمك قال جبرائيل قال له أي شيء تعرف من الطب فقال أبرد الحار وأسخن البارد وأرطب اليابس وأيبس الرطب الخارج عن الطبع فضحك الخليفة وقال هذا غاية ما يحتاج إليه في صناعة الطب ثم شرح له حال الصبية فقال له جبرائيل إن لم يسخط علي أمير المؤمنين فلها عندي حيلة فقال له وما هي قال تخرج الجارية إلى ههنا بحضرة الجمع حتى أعمل ما أريده وتمهل علي ولا تعجل بالسخط فأمر الرشيد بإحضار الجارية فخرجت وحين رآها جبرائيل عدا إليها ونكس رأسه ومسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها فانزعجت الجارية ومن شدة الحياء والانزعاج استرسلت أعضاؤها وبسطت يديها إلى أسفل ومسكت ذيلها فقال جبرائيل قد برئت يا أمير المؤمنين فقال الرشيد للجارية أبسطي يديك يمنة ويسرة ففعلت ذلك وعجب الرشيد وكل من كان بين يديه وأمر الرشيد في الوقت لجبرائيل بخمسمائة ألف درهم وأحبه مثل نفسه وجعله رئيسا على جميع الأطباء ولما سئل جبرائيل عن سبب العلة قال هذه الجارية انصب إلى أعضائها وقت المجامعة خلط رقيق بالحركة وانتشار الحرارة ولأجل أن سكون حركة الجماعة تكون بغتة جمدت الفضلة في بطون جميع الأعصاب وما كان يحلها إلا حركة مثلها فاحتلت حتى انبسطت حرارتها وانحلت الفضلة قال فثيون وكان محل جبرائيل يقوى في كل وقت حتى أن الرشيد قال لأصحابه كل من كانت له إلي حاجة فليخاطب بها جبرائيل لأني أفعل كل ما يسألني فيه ويطلبه مني فكان القواد يقصدونه في كل أمورهم وحاله تتزايد ومنذ يوم خدم الرشيد وإلى أن انقضت خمس عشرة سنة لم يمرض الرشيد فحظي عنده وفي آخر أيام الرشيد عند حصوله بطوس مرض المرضة التي توفي فيها ولما قوي عليه المرض قال لجبرائيل لم لا تبرئني فقال له قد كنت أنهاك دائما عن التخليط
188 وأقول لك قديما أن تخفف من الجماع فلا تسمع مني والآن سألتك أن ترجع إلى بلدك فإنه أوفق لمزاجك فلم تقبل وهذا مرض شديد وأرجو أن يمن الله بعافيتك فأمر بحبسه وقيل له إن بفارس أسقفا يفهم الطب فوجه من يحضره إليه ولما حضره ورآه قال له الذي عالجك لم يكن يفهم الطب فزاد ذلك أبعاد جبرائيل وكان الفضل بين الربيع يحب جبرائيل ورأى أن الأسقف كذاب يريد إقامة السوق فأحسن فيما بينه وبين جبرائيل وكان الأسقف يعالج الرشيد ومرضه يزيد وهو يقول له أنت قريب من الصحة ثم قال له هذا المرض كله من خطأ جبرائيل فتقدم الرشيد بقتله فلم يقبل منه الفضل بن الربيع لأنه كان يئس من حياته فاستبقى جبرائيل ولما كان بعد أيام يسيرة مات الرشيد ولحق الفضل بن الربيع في تلك الأيام قولنج صعب أيس الأطباء منه فعالجه جبرائيل بألطف علاج وأحسنه فبرأ الفضل وازدادت محبته له وعجبه به قال فثيون ولما تولى محمد الأمين وافى إليه جبرائيل فقبله أحسن قبول وأكرمه ووهب له أموالا جليلة أكثر مما كان أبوه يهب له وكان الأمين لا يأكل ولا يشرب إلا بإذنه فلما كان من الأمين ما كان وملك الأمر المأمون كتب إلى الحسن بن سهل وهو يخلفه بالحضرة بأن يقبض على جبرائيل ويحبسه لأنه ترك قصره بعد موت أبيه الرشيد ومضى إلى أخيه الأمين ففعل الحسن بن سهل هذا ولما كان في سنة اثنتين ومائتين مرض الحسن بن سهل مرضا شديدا وعالجه الأطباء فلم ينتفع بذلك فأخرج جبرائيل من الحبس حتى عالجه وبرأ في أيام يسيرة فوهب له سرا مالا وافرا وكتب إلى المأمون يعرفه خبر علته وكيف برأ على يد جبرئيل ويسأله في أمره فأجابه بالصفح عنه قال فثيون ولما دخل المأمون الحضرة في سنة خمس ومائتين أمر بأن يجلس جبرائيل في منزله ولا يخدم ووجه من أحضر ميخائيل المتطبب وهو صهر جبرائيل وجعله مكانه وأكرمه إكراما وافرا كيادا لجبرائيل قال ولما كان في سنة عشر ومائتين مرض المأمون مرضا صعبا وكان وجوه الأطباء يعالجونه ولا يصلح فقال ليمخائيل الأدوية التي تعطيني تزيدني شرا فاجمع الأطباء وشاورهم في أمري فقال له أخوه أبو عيسى يا أمير المؤمنين نحضر جبرائيل فإنه يعرف مزاجاتنا منذ الصبا فتغافل
189 عن كلامه وأحضر أبو إسحق أخوه يوحنا بن ماسويه فثلبه ميخائيل طبيبه ووقع فيه وطعن عليه فلما ضعفت قوة المأمون عن أخذ الأدوية أذكروه بجبرائيل فأمر بإحضاره ولما حضر غير تدبيره كله فاستقل بعد يوم وبعد ثلاثة أيام صلح فسر به المأمون سرورا عظيما ولما كان بعد أيام يسيرة صلح صلاحا تاما وأذن له جبرائيل في الأكل والشرب ففعل ذلك وقال له أبو عيسى أخوه وهو جالس معه على الشرب مثل هذا الرجل الذي لم يكن مثله ولا يكون سبيله أن يكرم فأمر له المأمون بألف ألف درهم وبألف كر حنطة ورد عليه سائر ما قبض منه من الأملاك والضياع وصار إذا خاطبه كناه بأبي عيسى جبرائيل وأكرمه زيادة على ما كان أبوه يكرمه وانتهى به الأمر في الجلالة إلى أن كان كل من تقلد عملا لا يخرج إلى عمله إلا بعد أن يلقى جبرائيل ويكرمه وكان عند المأمون مثل أبيه ونقص محل ميخائيل الطبيب صهر جبرائيل وانحط قال يوسف بن إبراهيم دخلت على جبرائيل داره التي بالميدان في يوم من تموز وبين يديه المائدة وعليها فراخ طيور مسرولة كبار وقد عملت كردناجا بفلفل وهو يأكل منها وطالبني بأن آكل معه فقلت له كيف آكل منها في مثل هذا الوقت من السنة وسني سن الشباب فقال لي ما الحمية عندك فقلت تجنب الأغذية الرديئة فقال لي غلطت ليس ما ذكرت حمية ثم قال لا أعرف أحدا عظم قدره ولا صغر يصل إلى الإمساك عن غذاء من الأغذية كل دهره إلا أن يكون يبغضه ولا تتوق نفسه إليه لأن الإنسان قد يمسك عن أكل الشيء برهة من دهره ثم يضطره إلى أكله عدم أدم سواه لعلة من العلل أو مساعدة لعليل يكون عنده أو صديق يحلف عليه أو شهوة تتجدد له فمتى أكله وقد أمسك عن أكله منه المدة الطويلة لم تقبله طبيعته ونفرت منه وأحدث ذلك في بدن آكله مرضا كثيرا وربما أتى على نفسه والأصلح للأبدان تمرينها على أكل الأغذية الرديئة حتى تألفها وأن يأكل منها في كل يوم شيئا واحدا ولا يجمع أكل شيئين رديئين في يوم واحد وإذا أكل من بعض هذه الأشياء في يوم لم يعاود أكله في غد ذلك اليوم فإن الأبدان إذا مرنت على أكل هذه الأشياء ثم اضطر الإنسان إلى الإكثار من أكل بعضها لم تنفر الطبيعة منه فقد رأينا الأدوية المسهلة إذا أدمنها مدمن وألفها بدنه قل فعلها ولم تسهل وهؤلاء أهل الأندلس إذا أراد أحدهم إسهال طبيعته أخذ من السقمونيا وزن ثلاثة دراهم حتى تلين طبيعته مقدار ما يلينها نصف درهم في بلدنا وإذا كانت
190 الأبدان تألف الأدوية حتى تمنعها من فعلها فهي للأغذية وإن كانت رديئة أشد إلفا قال يوسف فحدثت بهذا الحديث بختيشوع بن جبرائيل فسألني إملاءه عليه وكتبه عني بخطه قال يوسف بن إبراهيم حدثني سليمان الخادم الخراساني مولى الرشيد إنه كان واقفا على رأس الرشيد بالحيرة يوما وهو يتغدى إذ دخل عليه عون العبادي الجوهري وهو حامل صحفة فيها سمكة منعوتة بالسمن فوضعها بين يديه ومعها محشي قد اتخذه لها فحاول الرشيد أكل شيء منها فمنعه من ذلك جبرائيل وغمز صاحب المائدة بعزلها له وفطن الرشيد فلما رفعت المائدة وغسل الرشيد يده خرج جبرائيل عن حضرته قال سليمان فأمرني الرشيد باتباعه وإخفاء شخصي عنه وأن اتفقد ما يعمله وارجع إليه بخبره ففعلت ما أمرني به وأحسب أن أمري لم يستتر عن جبرائيل لما تبينت من تحرزه فصار إلى موضع من دار عون ودعا بالطعام فأحضر له وفيه السمكة ودعا بثلاثة أقداح من فضة فجعل في واحد قطعة منها وصب عليه خمرا من خمر طيرناباذ بغير ماء وقال هذا أكل جبرائيل وجعل في قدح آخر قطعة وصب عليها ماء بثلج وقال هذا أكل أمير المؤمنين إن لم يخلط السمك بغيره وجعل في القدح الثالث قطعة من السمك ومعها قطعا من اللحم من ألوان مختلفة ومن شواء وحلواء وبوارد وفراريج وبقول وصب عليه ماء بثلج وقال هذا طعام أمير المؤمنين إن خلط السمك بغيره ورفع الثلاثة الأقداح إلى صاحب المائدة وقال احتفظ بها إلى أن ينتبه أمير المؤمنين من قائلته قال سليمان الخادم ثم أقبل جبرائيل على السمكة فأكل منها حتى تضلع وكان كلما عطش دعا بقدح مع الخمر الصرف فشربه ثم نام فلما انتبه الرشيد من نومه دعاني فسألني عما عندي من خبر جبرائيل وهل أكل من السمكة شيئا أم لم يأكل فأخبرته بالخبر فأمر بإحضار الثلاثة الأقداح فوجد الذي صب عليه الخمر الصرف قد تفتت ولم يبق منه شيء ووجد الذي صب عليه الماء بالثلج قد ربا وصار على أكثر من الضعف مما كان ووجد القدح الذي السمك واللحم فيه قد تغيرت رائحته وحدثت له سهوكة شديدة فأمرني الرشيد بحمل خمسة آلاف دينار إلى جبرائيل وقال من يلومني على محبة هذا الرجل الذي يدبرني هذا التدبير فأوصلت إليه المال وقال إسحق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة أن يوحنا
191 بن ماسويه أخبره أن الرشيد قال لجبرائيل بن بختيشوع وهو حاج بمكة يا جبرائيل علمت مرتبتك عندي قال يا سيدي وكيف لا أعلم قال له دعوت لك والله في الموقف دعاء كثيرا ثم التفت إلى بني هاشم فقال عسى أنكرتم قولي له فقالوا يا سيدنا ذمي فقال نعم ولكن صلاح بدني وقوامه به وصلاح المسلمين بي فصلاحهم بصلاحه وبقائه فقالوا صدقت يا أمير المؤمنين ونقلت من بعض التواريخ قال جبرائيل بن بختيشوع المتطبب اشتريت ضيعة بسبعماية ألف درهم فنقدت بعض الثمن وتعذر علي بعضه فدخلت على يحيى بن خالد وعنده ولده وأنا أفكر فقال مالي أراك مفكرا فقلت اشتريت ضيعة بسبعمائة ألف فنقدت بعض الثمن وتعذر علي بعضه قال فدعا بالدواة وكتب يعطى جبرائيل سبعمائة ألف درهم ثم دفع إلى كل واحد من ولده فوقع فيه ثلاثمائة ألف قال فقلت جعلت فداك قد أديت عامة الثمن وإنما بقي أقله قال اصرف ذلك فيما ينوبك ثم صرت إلى دار أمير المؤمنين فلما رآني قال ما أبطأ بك قلت يا أمير المؤمنين كنت عند أبيك وأخوتك ففعلوا بي كذا وكذا وإنما ذلك لخدمتي لك قال فما حالي أنا ثم دعا بدابته فركب إلى يحيى فقال يا أبت أخبرني جبرائيل بما كان فما حالي أنا من بين ولدك فقال يا أمير المؤمنين مر بما شئت يحمل إليه فأمر لي بخمسمائة ألف قال يوسف بن إبراهيم الحاسب المعروف بابن الداية كان لأم جعفر بنت أبي الفضل في قصر عيسى بن علي الذي كانت تسكنه مجلس لا يجلس فيه إلا الحساب والمتطببون وكانت لا تشتكي علة إلى متطبب حتى يحضر جميع أهل الصناعتين ويكون مقامهم في ذلك المجلس إلى وقت جلوسها فكانت تجلس لهم في أحد موضعين إما عند الشباك الذي على الدكان الكبير المحاذي للشباك وللباب الأول من أبواب الدار أو عند الباب الصغير المحاذي لمسجد الدار فكان الحساب والمتطببون يجلسون من خارج الموضع الذي تجلس فيه ثم تشتكي ما تجد فيتناظر المتطببون فيما بينهم حتى يجتمعوا على العلة والعلاج فإن كان بينهم اختلاف دخل الحساب بينهم وقالوا بتصديق المصيب عندهم ثم تسأل الحساب عن اختيار وقت لذلك العلاج فإن اجتمعوا على وقت وإلا نظر المتطببون فيما بين الحساب وحكموا لألزمهم القياس فاعتلت عند اجتماعها على الحج آخر حجة حجتها علة أجمع متطببوها على إخراج الدم من ساقيها بالحجامة واختار الحساب لها يوما تحتجم فيه وكان ذلك في شهر رمضان فلم يمكن أن تكون الحجامة إلا في آخر النهار فكان ممن يختلف إليها من الحساب الحسن بن محمد الطوسي التميمي المعروف بالأبح وعمر بن الفرخان الطبري وشعيب اليهودي قال يوسف بن إبراهيم وكنت متى عرضت للأبح علة أو عاقه عن حضور دار أم جعفر عائق حضرت عنه فحضرت ذلك المجلس في الوقت الذي وقع الاختيار على حجامة أم جعفر فيه
192 فوافيت ابنا لداؤد بن سرافيون حدثا يشبه أن يكون ابن أقل من عشرين سنة قد أمرت أم جعفر بإحضاره مع المتطببين ليتأدب بحضور ذلك المجلس وقد تقدمت إلى جميع من يطيف بها من المتطببين في تعليمه وتوقيفه عناية به لمكان أبيه من خدمتها فوافيته وهو يلاحي متطببا راهبا أحضر دارها في ذلك اليوم من أهل الأهواز في شرب الماء للمنتبه من نومه ليلا فقال ابن داؤد ما الله خلق بأحمق ممن يشرب ماء بعد انتباهه من نومه ووافى جبرائيل عندما قال الغلام هذا القول باب البيت فلم يدخل المجلس إلا وهو يقول أحمق والله منه من تتضرم نار على كبده فلم يطفئها ثم دخل فقال من صاحب الكلام الذي سمعته فقيل له ابن داؤد فعنفه على ذلك وقال له كانت لأبيك مرتبة جليلة في هذه الصناعة وتتكلم بمثل ما سمعته منك فقال له الغلام فكأنك أعزك الله تطلق شرب الماء بالليل عند الانتباه من النوم فقال جبرائيل المحرور الجاف المعدة ومن تعشى وأكل طعاما مالحا فأطلقه له وأنا أمنع منه الرطبي المعد وأصحاب البلغم المالح لأن في منعهم من ذلك شفاء من رطوبات معدهم وأكل بعض البلغم المالح بعضا فسكت عنه جميع من حضر ذلك المجلس غيري فقلت يا أبا عيسى قد بقيت واحدة قال وما هي قلت أن يكون العطشان يفهم من الطب مثل فهمك فيفهم عطشه من مرار أو من بلغم مالح فضحك جبرائيل ثم قال لي متى عطشت ليلا فأبرز رجلك من لحافك وتناوم قليلا فإن تزايد عطشك فهو من حرارة أو من طعام يحتاج إلى شرب الماء عليه فاشرب وأن نقص من عطشك شيء فأمسك عن شرب الماء فإنه من بلغم مالح قال يوسف بن إبراهيم وسأل أبو إسحق إبراهيم بن المهدي جبرائيل عن علة الورشكين فقال هو اسم ركبته الفرس من الكسر والصدر واسم الصدر بالفارسية الفصيحة ور والعامة تسميه بر واسم الكسر أشكين فإذا جمعت اللفظتين كانتا ورشكين أي هذه العلة من العلل التي يجب أن يكسر عليها الصدر وهي علة لا تستحكم بإنسان فيكاد ينهض منها وإن من نهض منها لم يؤمن عليه النكسة سنة إلا أن يخرج منه استفراغ دم كثير تقذفه الطبيعة من الأنف أو من أسفل في وقت العلة أو بعدها قبل السنة فمتى حدث ذلك سلم منه فقال أبو إسحق كالمتعجب سنة قال نعم جعلني الله فداك وعلة أخرى يستخف بها الناس وهي الحصبة فإني ما أمنت على من أصابته من النكسة سنة إلا أن يصيبه بعقبها استطلاق بطن يكاد أن يأتي على نفسه أو يخرج به خراج كثير فإذا أصابه أحد هذين أمنت عليه قال يوسف ودخل جبرائيل على أبي إسحق يوما بعقب علة كان فيها وقد أذن له في أكل اللحم الغليظ فحين جلس وضعت بين يديه كشكية رطبة فأمر برفعها فسألته عن السبب
193 فقال ما أطلقت لخليفة قط حم يوما واحدا أكل الكشك سنة كاملة قال أبو إسحق أي الكشكين أردت الذي بلبن أم الذي بغير لبن قال الذي بغير لبن لا أطلق له أكله سنة وعلى قياس ما يوجبه الطب فليس ينبغي أن يطلق له أكل الكشك المعمول بلبن إلا بعد استكمال ثلاث سنين حدث ميمون بن هارون قال حدثني سعيد بن إسحاق النصراني قال قال لي جبرائيل بن بختيشوع كنت مع الرشيد بالرقة ومعه المأمون ومحمد الأمين ولداه وكان رجلا بادنا كثير الأكل والشرب فأكل في بعض الأيام أشياء خلط فيها ودخل المستراح فغشي عليه وأخرج فقوي عليه الغشي حتى لم يشك في موته وأرسل إلي فحضرت وجسست عرقه فوجدته نبضا خفيا وقد كان قبل ذلك بأيام يشكو امتلاء وحركة الدم فقلت لهم يموت والصواب أن يحجم الساعة فأجاب المأمون إليه وأحضر الحجام وتقدمت بإقعاده فلما وضع المحاجم عليه ومصها رأيت الموضع قد احمر فطابت نفسي وعلمت أنه حي فقلت للحجام اشرط فشرط فخرج الدم فسجدت شكرا لله وجعل كلما خرج الدم يحرك رأسه ويسفر لونه إلى أن تكلم وقال أين أنا فطيبنا نفسه وغديناه بصدر دراج وسقيناه شرابا وما زلنا نشمه الروائح الطيبة ونجعل في أنفه الطيب حتى تراجعت قوته وأدخل الناس إليه ثم وهب الله عافيته فلما كان بعد أيام دعا صاحب حرسه فسأله عن غلته في السنة فعرفه أنها ثلاثمائة ألف درهم وسأل حاجبه عن غلته فعرفه أنها ألف درهم فقال ما انصفناك حيث غلات هؤلاء وهم يحرسوني من الناس على ما ذكروا وأنت تحرسني من الأمراض والأسقام وتكون غلتك ما ذكرته وأمر بإقطاعي غلة ألف ألف درهم فقلت له يا سيدي مالي حاجة إلى الإقطاع ولكن تهب لي ما اشتري به ضياعا غلتها ألف ألف درهم فجميع ضياعي أملاك لا اقطاع قال يوسف بن إبراهيم حدثني أبو إسحق إبراهيم بن المهدي أن جبرائيل لجأ إليه حين انتهبت العوام داره في خلافة محمد الأمين فأسكنه معه في داره وحماه ممن كان يحاول قتله قال أبو إسحق فكنت أرى من هلع جبرائيل وكثرة أسفه على ما تلف من ماله وشدة اغتمامه ما لم أتوهم أن أحدا بلغ به الوجد بماله مثل الذي بلغ بجبرائيل قال أبو إسحق فلما ثارت المبيضة فظهرت العلوية بالبصرة والأهواز أتاني وهو مسرور كأنه قد وصل بمائة ألف دينار فقلت له أرى أبا عيسى مسرورا فقال إني والله لمسرور عين السرور فسألته عن سبب سروره فقال إنه حاز العلوية ضياعا وضربوا عليها المنار فقلت له ما أعجب أمرك انتهبت لك
194 العوام جزءا من مالك فخرجت نفسك من الجزع إلى ما خرجت إليه وتحوز العلوية جميع ما تملك فيظهر منك من السرور مثل الذي ظهر فقال جزعي بما ركبني به العوام لأني أوتيت في منامي وسلبت في عزي وأسلمني من يجب عليه حمايتي ولم يتعاظمني ما كان من العلوية لأنه من أكبر المحال عيش مثلي في دولتين بنعمة واحدة ولو لم تفعل العلوية في ضياعي ما فعلوا وقد كان يجب عليهم مع علمهم بصحة طويتي لموالي الذين أنعم الله علي بنعمتهم التي ملكونيها أن يتقدموا في حفظ وكلائي والوصاة بضياعي ومزارعي وإن يقولوا لم يزل جبرائيل مائلا إلينا في أيام دولة أصحابه ومتفضلا علينا من أمواله ويؤدي إلينا أخبار سادته فكان الخبر متى تأدى بذلك إلى السلطان قتلني فسروري بحيازة ضياعي وبسلامة نفسي مما كان هؤلاء الجهال ملكوه منها فلم يهتدوا إليه قال يوسف وحدثني فرخ الخادم المعروف بأبي خراسان مولى صالح بن الرشيد ووصيه قال كان مولاي صالح بن الرشيد على البصرة وكان عامله عليها أبو الرازي فلما أحدث جبرائيل ابن بختيشوع عمارة داره التي في الميدان سأل مولاي أن يهدي له خمسمائة ساجة وكانت الساجة بثلاثة عشر دينارا فاستكثر مولاي المال وقال له أما خمسمائة فلا ولكني أكتب إلى ابن الرازي في حمل مائتي ساجة إليك وقال جبرائيل فليست بي حاجة إليها فال فرخ فقلت لسيدي أرى جبرائيل سيدبر عليك تدبيرا بغيضا فقال جبرائيل أهون علي من كل هين لأني لا أشرب له دواء ولا أقبل له علاجا ثم استزار مولاي أمير المؤمنين المأمون فلما استوى المجلس بالمأمون قال له جبرائيل أرى وجهك متغيرا ثم قام إليه فجس عرقه وقال له يشرب أمير المؤمنين شربة سكنجبين ويؤخر الغداء حتى يفهم الخبر ففعل المأمون ما أشار به وأقبل يجس عرقه في الوقت بعد الوقت ثم لم يشعر بشيء حتى دخل غلمان جبرائيل ومعهم رغيف واحد ومعه ألوان قد اتخذت من قرع وماش وما أشبه ذلك فقال إني أكره لأمير المؤمنين أن يأكل في يومه هذا شيئا من لحوم الحيوان فليأكل هذه الألوان فأكل منها ونام فلما انتبه من قائلته قال له يا أمير المؤمنين رائحة النبيذ تزيد في الحرارة والرأي لك الانصراف فانصرف المأمون وتلفت نفقة مولاي كلها فقال لي مولاي يا أبا خراسان التمييز بين مائتي ساجة وخمسمائة ساجة واستزارة الخليفة لا يجتمعان قال يوسف وحدثني جورجس بن ميخائيل عن خاله جبرائيل وكان جبرائيل له مكرما لكثرة علمه لأني لم أر في أهل هذا البيت بعد جبرائيل أعلم منه على عجب كان فيه شديدا وسخف
195 كثير إن جبرائيل أخبره أنه أنكر من الرشيد قلة الرزء للطعام أول المحرم سنة سبع وثمانين ومائة وأنه لم يكن يرى في مائه ولا في مجسة عرقه ما يدل على علة توجب قلة الطعام فكان يقول للرشيد يا أمير المؤمنين بدنك صحيح سليم بحمد الله من العلل وما أعرف لتركك استيفاء الغذاء معنى فقال لي لما أكثرت عليه من القول في هذا الباب قد استوخمت مدينة السلام وأنا أكره الاستبعاد عنها في هذه الأيام أفتعرف مكانا بالقرب منها صحيح الهواء فقلت له الحيرة يا أمير المؤمنين فقال قد نزلنا الحيرة مرارا فأجحفنا بعون العبادي في نزولنا بلده وهي أيضا بعيدة فقلت يا أمير المؤمنين فالأنبار طيبة وظهرها فاصح هواء من الحيرة فخرج إليها فلم يزدد في طعامه شيئا بل نقص وصام يوم الخميس قبل قتله جعفرا بيومين وليلة وأحضر جعفرا عشاءه وكان أيضا صائما فلم يصب الرشيد من الطعام كثير شيء فقال له جعفر يا أمير المؤمنين لو استزدت من الطعام فقال لو أردت ذلك لقدرت عليه إلا أني أحببت أن أبيت خفيف المعدة لأصبح وأنا أشتهي الطعام وأتغدى مع الحرم ثم بكر بالركوب غداة يوم الجمعة متنسما وركب معه جعفر بن يحيى فرأيته وقد أدخل يده في كم جعفر حتى بلغ بدنه فضمه إليه وعانقه وقبل بين عينيه وسار يده في يد جعفر أكثر من ألف ذراع ثم رجع إلى مضربه وقال بحياتي أما اصطبحت في يومك هذا وجعلته يوم سرور فإني مشغول بأهلي ثم قال لي يا جبرائيل أنا أتغدى مع حرمي فكن مع أخي تسر بسروره فسرت مع جعفر واحضر طعامه فتغدينا واحضر أبا زكار المغني ولم يحضر مجلسه غيرنا ورأيت الخادم بعد الخادم يدخل إلينا فيساره فيتنفس عند مسارتهم إياه ويقول ويحك يا أبي عيسى لم يطعم أمير المؤمنين بعد وأنا والله خائف أن تكون به علة تمنعه من الأكل ويأمر كلما أراد أن يشرب قدحا أبا زكار أن يغنيه (إن بني المنذر حين انقضوا * بحيث شاد البيعة الراهب) (أضحوا ولا يرهبهم راهب * حقا ولا يرجوهم راغب) (كانت من الخز لبوساتهم * لم يجلب الصوف لهم جالب) (كأنما جئتهم لعبة * سار إلى لبن بها راكب) السريع فيغنيه أبو زكار هذا الصوت ولا يقترح عليه غيره فلم تزل هذه حالنا إلى أن صليت العتمة ثم دخل إلينا أبو هاشم مسرور الكبير ومعه خليفة هرثمة بن أعين ومعه جماعة كثيرة من الجند فمد يده خليفة هرثمة إلى يد جعفر ثم قال له قم يا فاسق قال جبرائيل ولم أكلم ولم يؤمر في بأمر وصرت إلى منزلي من ساعتي و أنا لا أعقل فما أقمت فيه إلا أقل من مقدار نصف ساعة حتى صار إلي رسول الرشيد يأمرني بالمصير إليه فدخلت إليه ورأس جعفر في طشت بين يديه فقال
196 لي يا جبرائيل أليس كنت تسألني عن السبب في قلة رزئي للطعام فقلت بلى يا أمير المؤمنين فقال الفكرة فيما ترى أصارتني إلى ما كنت فيه وأنا اليوم يا جبرائيل عند نفسي كالناقة قدم غذائي حتى ترى من الزيادة على ما كنت تراه عجبا وإنما كنت آكل الشيء بعد الشيء لئلا يثقل الطعام علي فيمرضني ثم دعا بطعامه في ذلك الوقت فأكل أكلا صالحا من ليلته قال يوسف حدثني إبراهيم بن المهدي أنه تخلف عن مجلس محمد الأمين أمير المؤمنين أيام خلافته عشية من العشايا لدواء كان أخذه وإن جبرائيل بن بختيشوع باكره غداة اليوم الثاني وأبلغه سلام الأمين وسأله عن حاله كيف كانت في دوائه ثم دنا منه فقال له أمر أمير المؤمنين في تجهيز علي بن عيسى بن ماهان إلى خراسان ليأتيه بالمأمون أسيرا في قيد من فضة وجبرائيل بريء من دين النصرانية إن لم يغلب المأمون محمدا ويقتله ويحوز ملكه فقلت له ويحك ولم قلت هذا القول وكيف قلته قال لأن هذا الخليفة الموسوس سكر في هذه الليلة فدعا أبا عصمة الشيعي صاحب حرسه وأمر بسواده فنزع عنه وألبسه ثيابي وزناري وقلنسوتي وألبسني أقبيته وسواده وسيفه ومنطقته وأجلسني في مجلس صاحب الحرس إلى وقت طلوع الفجر وأجلسه في مجلسي وقال لكل واحد مني ومن أبي عصمة قد قلدتك ما كان يتقلده صاحبك فقلت إن الله مغير ما به من نعمة لتغييره ما بنفسه منها وأنه إذا جعل حراسته إلى نصراني والنصرانية أذل الأديان لأنه ليس في عقد دين غيرها التسليم لما يريد به عدوه من المكروه مثل الإذعان لمن سخره بالسخرة وأن يمشي ميلا أن يزيد على ذلك ميلا آخر وإن لطم له خد حول الآخر ليلطم غير ديني فقضيت بأن عز الرجل زائل وقضيت أنه حين أجلس في مجلس متطببه الحافظ عنده لحياته والقائم بمصالح بدنه والخادم لطبيعته أبا عصمة الذي لا يفهم من كل ذلك قليلا ولا كثيرا بأنه لا عمر له وأن نفسه تالفة قال أبو إسحق فكان على ما تفاءل جبرائيل به قال يوسف بن إبراهيم وسمعت جبرائيل بن بختيشوع يحدث أبا إسحق إبراهيم بن المهدي أنه كان عند العباس بن محمد إذ دخل عليه شاعر امتدحه فلم يزل جبرائيل يسمع منه إلى أن صار إلى هذا البيت وهو (لو قيل للعباس يا ابن محمد * قل لا وأنت مخلد ما قالها) الكامل قال جبرائيل فلما سمعت هذا البيت لم أصبر لعلمي أن العباس أبخل أهل زمانه فقلت لا فتبسم العباس ثم قال لي اغرب قبح الله وجهك
197 أقول هذا الشاعر الذي يشار إليه هو ربيعة الرقى قال يوسف وحدث جبرائيل أبا إسحاق في هذا المجلس أنه دخل على العباس بعد فطر النصارى بيوم وفي رأسه فضلة من نبيذه بالأمس وذلك قبل أن يخدم جبرائيل الرشيد فقال جبرائيل للعباس كيف أصبح الأمير أعزه الله فقال العباس أصبحت كما تحب فقال له جبرائيل والله ما أصبح الأمير على ما أحب ولا على ما يحب الله ولا على ما يحب الشيطان فغضب العباس من قوله ثم قال له ما هذا الكلام قبحك الله قال جبرائيل فقلت علي البرهان فقال العباس لتأتيني به وإلا أحسنت أدبك ولم تدخل لي دارا فقال جبرائيل الذي كنت أحب أن تكون أمير المؤمنين فأنت كذلك قال العباس لا قال جبرائيل والذي يحب الله من عباده الطاعة له فيما أمرهم به ونهاهم عنه فأنت أيها الملك كذلك فقال العباس لا واستغفر الله قال جبرائيل والذي يحب الشيطان من العباد أن يكفروا بالله ويجحدوا ربوبيته فأنت كذلك أيها الأمير فقال له العباس لا ولا تعد إلى مثل هذا القول بعد يومك هذا قال فثيون الترجمان ولما عزم المأمون على الخروج إلى بلد الروم في سنة ثلاث عشرة ومائتين مرض جبرائيل مرضا شديدا قويا فلما رآه المأمون ضعيفا التمس منه إنفاذ بختيشوع ابنه معه إلى بلد الروم فأحضره وكان مثل أبيه في الفهم والعقل والسرو ولما خاطبه المأمون وسمع حسن جوابه فرح به فرحا شديدا وأكرمه غاية الإكرام ورفع منزلته وأخرجه معه إلى بلد الروم ولما خرج المأمون طال مرض جبرائيل إلى أن بلغ الموت وعمل وصيته إلى المأمون ودفعها إلى ميخائيل صهره ومات فمضى في تجميل موته ما لم يمض لأمثاله بحسب استحقاقه بأفعاله الحسنة وخيريته ودفن في دير مارسرجس بالمدائن ولما عاد ابنه بختيشوع من بلد الروم جمع للدير رهبانا وأجرى عليهم جميع ما يحتاجون إليه وقال فثيون الترجمان إن جنس جورجس وولده كانوا أجمل أهل زمانهم بما خصهم الله به من شرف النفوس ونبل الهمم ومن البر والمعروف والإفضال والصدقات وتفقد المرضى من الفقراء والمساكين والأخذ بأيدي المنكوبين والمرهوقين على ما يتجاوز الحد في الصفة والشرح أقول وكانت مدة خدمة جبرائيل بن بختيشوع للرشيد منذ خدمه وإلى أن توفي الرشيد ثلاثا وعشرين سنة ووجد في خزانة بختيشوع بن جبرائيل مدرج فيه عمل بخط كاتب جبرائيل بن بختيشوع الكبير واصطلاحات بخط جبرائيل لما صار إليه في خدمته الرشيد يذكر أن رزقه كان من رسم العامة في كل شهر من الورق عشرة آلاف درهم يكون في السنة مائة وعشرون ألف درهم في مدة ثلاثة وعشرين سنة ألفا ألف وستمائة وستون ألفا ونزله في الشهر خمسة آلاف درهم يكون في السنة ستون ألف درهم في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف وثلاثمائة وثمانون ألف درهم ومن رسم
198 الخاصة في المحرم من كل سنة من الورق خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم ومن الثياب خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم تفصيل ذلك القصب الخاص الطرازي عشرون شقة الملحم الطرازي عشرون شقة الخز المنصوري عشر شقاق الخز المبسوط عشر شقاق الوشي اليماني ثلاثة أثواب الوشي النصيبي ثلاثة أثواب الطيالسة ثلاثة طيالس ومن السمور والفنك والقماقم والدلق والسنجاب للقبطين وكان يدفع إليه في مدخل صوم النصارى في كل سنة من الورق خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم وفي يوم الشعانين من كل سنة ثياب من وشي وقصب وملحم وغيره بقيمة عشرة آلاف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة مائتا ألف وثلاثون ألفا وفي يوم الفطر في كل سنة من الورق خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم وثياب بقيمة عشرة آلاف درهم على الحكاية يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة مائتا ألف وثلاثون ألف درهم ولفصد الرشيد دفعتين في السنة كل دفعة خمسون ألف درهم من الورق مائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألفا ألف وثلاثمائة ألف درهم ولشرب الدواء دفعتين في السنة كل دفعة خمسون ألف درهم مائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألفا ألف وثلاثمائة ألف درهم ومن أصحاب الرشيد على ما فصل منه مع ما فيه من قيمة الكسوة وثمن الطيب والدواب وهو مائة ألف درهم من الورق فيكون أربعمائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة تسعة آلاف ألف ومائتا ألف درهم تفصيل ذلك عيسى بن جعفر خمسون ألف درهم زبيدة أم جعفر خمسون ألف درهم العباسة خمسون ألف درهم إبراهيم بن عثمان ثلاثون ألف درهم الفضل بن الربيع خمسون ألف درهم فاطمة أم محمد سبعون ألف درهم كسوة وطيب ودواب
199 مائة ألف درهم ومن غلة ضياعه بجندي سابور والسوس والبصرة والسواد في كل سنة قيمته بعد المقاطعة ورقا ثماني مائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ثمانية عشر ألف ألف ومائة ألف درهم وكان يصير إليه من البرامكة في كل سنة من الورق ألفا ألف وأربعمائة ألف درهم وتفصيل ذلك يحيى بن خالد ستماية ألف درهم جعفر بن يحيى الوزير ألف ألف ومائتا ألف درهم الفضل ابن يحيى ستماية ألف درهم يكون في مدة ثلاث عشرة سنة أحد وثلاثين ألف ألف ومائتي ألف درهم يكون جميع ذلك مدة أيام خدمته للرشيد وهي ثلاث وعشرون سنة وخدمته للبرامكة وهي ثلاث عشرة سنة سوى الصلات الجسام فإنها لم تذكر في هذا المدرج من الورق ثمانية وثمانين ألف درهم وثمانمائة ألف درهم ثلاثة آلاف ألف وأربعمائة ألف درهم التذكرة الخراج من ذلك ومن الصلات التي لم تذكر في النفقات وغيرها على ما تضمنه المدرج المعمول من العين تسعمائة ألف دينار ومن الورق تسعون ألف ألف وستمائة ألف درهم تفصيل ذلك ما صرفه في نفقاته وكانت في السنة ألفي ألف ومائتي ألف درهم على التقريب وجملتها في السنين المذكورة سبعة وعشرون ألف ألف درهم وستماية ألف درهم ثمن دور وبساتين ومنتزهات ورقيق ودواب والجمازات سبعون ألف ألف درهم ثمن آلات وأجر وصناعات وما يجري هذا المجرى ثمانية آلاف ألف درهم ما صار في ثمن ضياع ابتاعها لخاصته اثنا عشر ألف ألف درهم ثمن جواهر وما أعده للذخائر عن قيمة خمسمائة ألف دينار خمسون ألف ألف درهم ما صرفه في البر والصلات والمعروف والصدقات وما بذل به حظه في الكفالات لأصحاب المصادرات في هذه السنين المقدم ذكرها ثلاثة آلاف ألف درهم ما كابره عليه أصحاب الودائع وجحدوه ثلاثة آلاف ألف درهم ثم وصى بعد ذلك كله عند وفاته إلى المأمون لابنه بختيشوع وجعل المأمون الوصي فيها فسلمها إليه ولم يعترض في شيء منها عليه بتسعماية ألف دينار وجبرائيل بن بختيشوع هو الذي يعنيه أبو نواس في قوله (سألت أخي أبا عيسى * وجبريل له عقل) (فقلت الراح تعجبني * فقال كثيرها قتل)
200 (فقلت له فقدر لي * فقال وقوله فصل) (وجدت طبائع الإنسان * أربعة هي الأصل) (فأربعة لأربعة * لكل طبيعة رطل) الوافر وذكر أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني في كتاب المجرد في الأغاني هذه الأبيات (ألا قل للذي ليس * على الإسلام والملة) (لجبريل أبي عيسى * أخي الأنذال والسفلة) (أفي طبك يا جبريل * ما يشفي ذوي العلة) (غزال قد سبى عقلي * بلا جرم ولا زلة) الهزج قال أبو الفرج والشعر للمأمون في جبرائيل بن بختيشوع المتطبب والغناء لمتيم خفيف رمل ومن كلام جبرائيل بن بختيشوع قال أربعة تهدم العمر إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام والشرب على الريق ونكاح العجوز والتمتع في الحمام ولجبرائيل بن بختيشوع من الكتب رسالة إلى المأمون في المطعم والمشرب كتاب المدخل إلى صناعة المنطق كتاب في الباه رسالة مختصرة في الطب كناشه كتاب في صنعة البخور ألفه لعبد الله المأمون بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع كان سريانيا نبيل القدر وبلغ من عظم المنزلة والحال وكثرة المال ما لم يبلغه أحد من سائر الأطباء الذين كانوا في عصره وكان يضاهي المتوكل في اللباس والفرش ونقل حنين بن إسحاق لبختيشوع بن جبرائيل كتبا كثيرة من كتب جالينوس إلى اللغة السريانية والعربية قال فثيون الترجمان لما ملك الواثق الأمر كان محمد بن عبد الملك الزيات وابن أبي داود يعاديان بختيشوع ويحسدانه على فضله وبره ومعروفه وصدقاته وكمال مروءته فكانا يغريان
201 الواثق عليه إذا خلوا به فسخط عليه الواثق وقبض على أملاكه وضياعه وأخذ منه جملة طائلة من المال ونفاه إلى جندي سابور وذلك في سنة ثلاثين ومائتين فلما اعتل بالاستسقاء وبلغ الشدة في مرضه انفذ من يحضر بختيشوع ومات الواثق قبل أن يوافي بختيشوع ثم صلحت حال بختيشوع بعد ذلك في أيام المتوكل حتى بلغ في الجلالة والرفعة وعظم المنزلة وحسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة ومباراة الخلافة في الزي واللباس والطيب والفرش والصناعات والتفسيح والبذخ في النفقات مبلغا يفوق الوصف فحسده المتوكل وقبض عليه ونقلت من بعض التواريخ أن بختيشوع بن جبرائيل كان عظيم المنزلة عند المتوكل ثم إن بختيشوع أفرط في إدلاله عليه فنكبه وقبض أملاكه ووجه به إلى مدينة السلام وعرض للمتوكل بعد ذلك قولنج فاستحضره المتوكل واعتذر إليه وعالجه وبرأ فانعم عليه ورضي عنه وأعاد ما كان له ثم جرت على بختيشوع حيلة أخرى فنكبه نكبة قبض فيها جميع أملاكه ووجه به إلى البصرة وكان سببه الحيلة عليه أن عبد الله استكتب المنتصر أبا العباس الحصيني وكان رديئا فاتفقا على قتل المتوكل واستخلاف المنتصر وقال بختيشوع للوزير كيف استكتبت المنتصر الحصيني وأنت تعرف رداءته فظن عبد الله أن بختيشوع قد وقف على التدبير فعرف الوزير ما قاله له بختيشوع وقال أنتم تعلمون كيف محبة بختيشوع له واحسب أنه يبطل التدبير فكيف الحيلة فقالوا للمنتصر إذا سكر الخليفة فخرق ثيابك ولوثها بالدم وادخل إليه فإذا قال ما هذا فقل بختيشوع ضرب بيني وبين أخي فكاد أن يقتل بعضنا بعضا وأنا أقول يا أمير المؤمنين يبعد عنهم فإنه يقول افعلوا فتنفيه فإلى أن يسأل عنه نكون قد فرغنا من الأمر ففعل ذلك ونكب وقتل المتوكل ولما استخلف المستعين رد بختيشوع إلى الخدمة وأحسن إليه إحسانا كثيرا ولما ورد الأمر إلى ابن عبد الله محمد بن الواثق وهو المهتدي جرى على حال المتوكل في أنسه بالأطباء وتقديمه إياهم وإحسانه إليهم وكان بختيشوع لطيف المحل من المهتدي بالله وشكا بختيشوع إلى المهتدي ما أخذ منه في أيام المتوكل فأمر بأن يدخل إلى سائر الخزائن فكل ما اعترف به فليرد إليه بغير استثمار ولا مراجعة فلم يبق له شيء إلا أخذه وأطلق له سائر ما فاته وحاطه كل الحياطة وورد على بختيشوع كتاب من صاحبه بمدينة السلام يصف فيه أن سليمان بن عبد الله بن طاهر قد
202 تعرض له لمنازله فعرض بختيشوع الكتاب على المهتدي بعد صلاة العتمة فأمر بإحضار سليمان بن وهب في ذلك الوقت فحضر وتقدم إليه بأن يكتب من حضرته إلى سليمان بن عبد الله بالإنكار عليه لما اتصل به من وكيل بختيشوع وأن يتقدم إليه بإعزاز منازله وأسبابه بأوكد ما يكون وانفذ الكتاب من وقته مع أخص خدمه إلى مدينة السلام وقال بختيشوع للمهتدي في آخر من حضر الدار يا أمير المؤمنين ما اقتصدت ولا شربت الدواء منذ أربعين سنة وقد حكم المنجمون بأني أموت في هذه السنة ولست أغتم لموتي وإنما غمي لمفارقتكم فكلمه المهتدي بكلام جميل وقال قلما يصدق المنجم فلما انصرف كان آخر العهد به وقال إبراهيم بن علي الحصري في كتاب نور الطرف ونور الظرف أنه تنازع إبراهيم بن المهدي وبختيشوع الطبيب بين يدي أحمد ابن داؤد في مجلس الحكم في عقار بناحية السواد فأربى عليه إبراهيم وأغلظ له فغضب لذلك أحمد بن أبي داؤد وقال يا إبراهيم إذا تنازعت في مجلس الحكم بحضرتنا أمرا فليكن قصدك أمما وطريقك نهجا وريحك ساكنة وكلامك معتدلا ووف مجالس الخليفة حقوقها من التوفيق والتعظيم والاستطاعة والتوجيه إلى الحق فإن هذا أشكل بك وأجمل بمذهبك في محتدك وعظيم خطرك ولا تعجلن فرب العجلة تورث رثيا والله يعصمك من الزلل وخطل القول والعمل ويتم نعمته عليك كما أتمها على آبائك من قبل أن ربك عليم حكيم فقال إبراهيم أمرت أصلحك الله بسداد وحضضت على رشاد ولست بعائد إلى ما يثلم قدري عندك ويسقطني من عينك ويخرجني من مقدار الواجب إلى الاعتذار فها أنا معتذر إليك من هذه البادرة اعتذار مقر بذنبه باخع بجرمه لأن الغضب لا يزال يستفزني بمراده فيردني مثلك بحلمه وتلك عادة الله عندك وعندنا فيك وهو حسبنا ونعم الوكيل وقد خلعت حظي من هذا العقار لبختيشوع فليت ذلك يكون وافيا بأرش الجناية عليه ولن يتلف مال أفاد موعظة وبالله التوفيق حدث أبو محمد بدر بن أبي الأصبع الكاتب قال حدثني جدي قال دخلت إلى بختيشوع في يوم شديد الحر وهو جالس في مجلس مخيش بعدة طاقات من الخيش طاقان ريح بينهما طاق أسود وفي وسطها قبة عليها جلال من قصب مظهر بدبيقي قد صبغ بماء الورد والكافور والصندل
203 وعليه جبة يماني سعيدي مثقلة ومطرف قد التحف به فعجبت من زيه فحين حصلت معه في القبة نالني من البرد أمر عظيم فضحك وأمر لي بجبة ومطرف وقال يا غلام اكشف جوانب القبة فكشفت فإذا أبواب مفتوحة من جوانب الإيوان إلى مواضع مكبوسة بالثلج وغلمان يروحون ذلك الثلج فيخرج منه البرد الذي لحقني ثم دعا بطعامه فأتي بمائدة في غاية الحسن عليها كل شيء ظريف ثم أتى بفراريج مشوية في نهاية الحمرة وجاء الطباخ فنفضها كلها فانتفضت وقال هذه فراريج تعلف اللوز والبزر قطونا وتسقى ماء الرمان ولما كان في صلب الشتاء دخلت عليه يوما والبرد شديد وعليه جبة محشوة وكساء وهو جالس في طارمة في الدار على بستان في غاية الحسن وعليها سمور قد ظهرت به وفوقه جلال حرير مصبغ ولبود مغربية وانطاع أدم يمانية وبين يديه كانون فضة مذهب مخرق وخادم يوقد العود الهندي وعليه غلالة قصب في نهاية الرفعة فلما حصلت معه في الطارمة وجدت من الحر أمرا عظيما فضحك وأمر لي بغلالة قصب وتقدم يكشف جوانب الطارمة فإذا مواضع لها شبابيك خشب بعد شبابيك حديد وكوانين فيها فحم الغضا وغلمان ينفخون ذلك الفحم بالزقاق كما تكون للحدادين ثم دعا بطعامه فأحضروا ما جرت به العادة في السرو والنظافة فأحضرت فراريج بيض شديدة البياض فبشعتها وخفت أن تكون غير نضيجة ووافى الطباخ فنفضها فانتفضت فسألته عنها فقال هذه تعلف الجوز المقشر وتسقى اللبن الحليب وكان يختيشوع بن جبرائيل يهدي البخور في درج ومعه درج آخر فيه فحم يتخذ له من قضبان الأترج والصفصاف وشنس الكرم المرشوش عليه عند إحراقه ماء الورد المخلوط بالمسك والكافور وماء الخلاف والشراب العتيق ويقول أنا أكره أن أهدي بخورا بغير فحم فيفسده فحم العامة ويقال هذا عمل بختيشوع وحدث أبو محمد بدر بن أبي الأصبع عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن الجراح عن أبيه أن المتوكل قال يوما لبختيشوع ادعني فقال السمع والطاعة فقال أريد أن يكون ذلك غدا قال نعم وكرامة وكان الوقت صائفا وحره شديدا فقال بختيشوع لأعوانه وأصحابه أمرنا كله مستقيم إلا الخيش فإنه ليس لنا منه ما يكفي فاحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من
204 الخيش بسر من رأى ففعلوا ذلك وأحضروا كل من وجدوه من النجادين والصناع فقطع لداره كلها صونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها خيشا حتى لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيش وأنه فكر في روائحه التي لا تزول إلا بعد استعماله مدة فأمر بابتياع كل ما يقدر عليه بسر من رأى من البطيخ وأحضر أكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يدلكون الخيش بذلك البطيخ ليلتهم كلها وأصبح وقد انقطعت روائحه فتقدم إلى فراشيه فعلقوا جميعه في المواضع المذكورة وأمر طباخيه بأن يعملوا خمسة آلاف جونة في كل جونة باب خبز سميد دست رقاق وزن الجميع عشرون رطلا وحمل مشوي وجدي بارد وفائقة ودجاجتين مصدرتان وفرخان ومصوصان وثلاثة ألوان وجام حلواء فلما وافه المتوكل رأى كثرة الخيش وجدته فقال أي شيء ذهب برائحته فأعاد عليه حديث البطيخ فعجب من ذلك وأكل هو وبنو عمه والفتح بن خاقان على مائدة واحدة وأجلس الأمراء والحجاب على سماطين عظيمين لم ير مثلهما لا مثاله وفرقت الجون على الغلمان والخدم والنقباء والركابية والفراشين والملاحين وغيرهم من الحاشية لكل واحد جونة وقال قد أمنت ذمهم لأنني ما كنت آمن لو أطعموا على موائد أن يرضى هذا ويغضب الآخر ويقول واحد شبعت ويقول آخر لم أشبع فإذا أعطى كل إنسان جونة من هذه الجون كفته واستشرف المتوكل على الطعام فاستعظمه جدا وأراد النوم فقال لبختيشوع أريد أن تنومني في موضع مضيء لا ذباب فيه وظن أنه يتعنته بذلك وقد كان بختيشوع تقدم بأن تجعل أجاجين السيلان في سطوح الدار ليجتمع الذباب عليه فلم يقرب أسافل الدور ذبابة واحدة ثم أدخل المتوكل إلى مربع كبير سقفه كله بكواء فيها جامات يضيء البيت منها وهو مخيش مظهر بعد الخيش بالدبقي المصبوغ بماء الورد والصندل والكافور فلما اضطجع للنوم أقبل يشم روائح في نهاية الطيب لا يدري ما هي لأنه لم ير في البيت شيئا من الروائح والفاكهة والأنوار ولا خلف الخيش لا طاقات ولا موضع يجعل فيه شيء من ذلك فتعجب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح حتى يعرف صورتها فخرج يطوف فوجد حول البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبوابا صغارا لطافا كالطاقات محشوة بصنوف الرياحين
205 والفواكه واللخالخ والمشام التي فيها اللفاح والبطيخ المستخرج ما فيها المحشوة بالنمام والحماحم اليماني المعمول بماء الورد والخلوق والكافور والشراب العتيق والزعفران الشعر ورأى الفتح غلمانا قد وكلوا بتلك الطاقات مع كل غلام مجمرة فيها ند يسجره ويبخر به والبيت من داخله إزار من اسفيداج مخرم خروما صغارا لا تبين تخرج منها تلك الروائح الطيبة العجيبة إلى البيت فلما عاد الفتح وشرح للمتوكل صورة ما شاهده كثر تعجبه منه وحسد بختيشوع على ما رآه من نعمته وكمال مروءته وانصرف من داره قبل أن يستتم يومه وادعى شيئا وجده من التياث بدنه وحقد عليه ذلك فنكبه بعد أيام يسيرة وأخذ له مالا كثيرا لا يقدر ووجد له في جملة كسوته أربعة آلاف سراويل دبيقي سيتيزي في جميعها تكك إبريسم أرميني وحضر الحسين بن مخلد فختم على خزانته وحمل إلى دار المتوكل ما صلح منها وباع شيئا كثيرا وبقي بعد ذلك حطب وفحم ونبيذ وتوابل فاشتراه الحسين بن مخلد بستة آلاف دينار وذكر أنه باع من جملته بمبلغ ثمانية آلاف دينار ثم حسده حمدون ووشى إلى المتوكل وبذل فيما بقي في يده مما ابتاعه ستة آلاف دينار فأجيب إلى ذلك وسلم إليه فباعه بأكثر من الضعف وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين للهجرة قال فثيون الترجمان كان المعتز بالله قد اعتل في أيام المتوكل علة من حرارة امتنع معها من أخذ شيء من الأدوية والأغذية فشق ذلك على المتوكل كثيرا واغتم به وصار إليه بختيشوع والأطباء عنده وهو على حاله في الامتناع فمازحه وحادثه فأدخل المعتز يده في كم جبة وشي يمان مثقله كانت على بختيشوع وقال ما أحسن هذا الثوب فقال بختيشوع يا سيدي ما له والله نظير في الحسن وثمنه علي ألف دينار فكل لي تفاحتين وخذ الجبة فدعا بتفاح فأكل اثنتين ثم قال له تحتاج يا سيدي الجبة إلى ثوب يكون معها وعندي ثوب هو أخ لها فاشرب لي شربة سكنجبين وخذه فشرب شربة سكنجبين ووافق ذلك اندفاع طبيعته فبرأ المعتز وأخذ الجبة والثوب وصلح من مرضه فكان المتوكل يشكر هذا الفعل أبدا لبختيشوع وقال ثابت بن سنان بن ثابت أن المتوكل اشتهى في بعض الأوقات الحارة أن يأكل مع طعامه خردلا فمنعه الأطباء من ذلك لحدة مزاجه وحرارة كبده وغائلة الخردل فقال بختيشوع أنا أطعمك إياه وإن ضرك علي فقال افعل فأمر بإحضار قرعة وجعل عليها طينا وتركها في تنور
206 واستخرج ماءها وأمر بأن يقشر الخردل ويضرب بماء القرع وقال إن الخردل في الدرجة الرابعة من الحرارة والقرع في الدرجة الرابعة من الرطوبة فيعتدلان فكل شهوتك وبات تلك الليلة ولم يحس بشيء من الأذى وأصبح كذلك فأمر بأن يحمل إليه ثلاثمائة ألف درهم وثلاثون تختا من أصناف الثياب وقال إسحق بن علي الرهاوي عن عيسى بن ماسة قال رأيت بختيشوع بن جبرائيل وقد اعتل فأمر أمير المؤمنين المتوكل والمعتز أن يعوده وهو إذ ذاك ولي عهد فعاده ومعه محمد بن عبد الله بن طاهر ووصيف التركي قال وأخبرني إبراهيم بن محمد المعروف بابن المدبر أن المتوكل أمر الوزير شفاها وقال له اكتب في ضياع بختيشوع فإنها ضياعي وملكي فإن محله منا محل أرواحنا من أبداننا وقال عبيد الله بن جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع هذا المذكور مما يدل على منزلة بختيشوع عند المتوكل وانبساطه معه قال من ذلك ما حدثنا به بعض شيوخنا أنه دخل بختيشوع يوما إلى المتوكل وهو جالس على سدة في وسط دار الخاصة فجلس بختيشوع على عادته معه على السدة وكان عليه دراعة ديباج رومي وقد انفتق ذيلها قليلا فجعل المتوكل يحادث بختيشوع ويعبث بذلك الفتق حتى بلغ إلى حد النيفق ودار بينهما كلام اقتضى أن سأل المتوكل بختيشوع بماذا تعلم أن المشوش يحتاج إلى الشد والقيادة قال إذا بلغ فتق دراعة طبيبه إلى حد النيفق شددناه فضحك المتوكل حتى استلقى على ظهره وأمر له في الحال بخلع سنية ومال جزيل وقال أبو الريحان البيروني في كتاب الجماهر في الجواهر أن المتوكل جلس يوما لهدايا النيروز فقدم إليه كل علق نفيس وكل ظريف فاخر وإن طبيبه بختيشوع بن جبرائيل دخل وكان يأنس به فقال له ما ترى في هذا اليوم فقال مثل جرياشات الشحاذين إذ ليس قدر وأقبل على ما معي ثم أخرج من كمه درج أبنوس مضبب بالذهب وفتحه عن حرير أخضر انكشف عن ملعقة كبيرة من جوهر لمع منها شهاب ووضعها بين يديه فرأى المتوكل ما لا عهد له بمثله وقال
207 من أين لك هذا قال من الناس الكرام ثم حدث أنه صار إلى أبي من أم جعفر زبيدة في ثلاث مرات ثلاثمائة ألف دينار بثلاث شكايات عالجها فيها واحدتها أنها شكت عارضا في حلقها منذرة بالخناق فأشار إليها بالفصد والتطفئة والتغدي بحشو وصفه فاحضر على نسخته في غضارة صينية عجيبة الصفة وفيها هذه الملعقة فغمزني أبي على رفعها ففعلت ولففتها في طيلساني وجاذبنيها الخادم فقالت له لاطفه ومره بردها وعوضه منها عشرة آلاف دينار فامتنعت وقال أبي يا ستي إن ابني لم يسرق قط فلا تفضحيه في أول كراته لئلا ينكسر قلبه فضحكت ووهبتها له وسئل عن الأخرتين فقال إنها اشتكت إليه النكهة بإخبار إحدى بطانتها إياها وذكرت أن الموت أسهل عليها من ذلك فجوعها إلى العصر وأطعمها سمكا ممقورا وسقاها دردي نبيذ دقل بإكراه فغثت نفسها وقذفت وكرر ذلك عليها ثلاثة أيام ثم قال لها تنكهي في وجه من أخبرك بذلك واستخبريه هل زال والثالثة أنها أشرفت على التلف من فواق شديد يسمع من خارج الحجرة فأمر الخدم بإصعاد خوابي إلى سطح الصحن وتصفيفها حوله على الشفير وملأها ماء وجلس خادم خلف كل جب حتى إذا صفق بيده على الأخرى دفعوها دفعة إلى وسط الدار ففعلوا وارتفع لذلك صوت شديد أرعبها فوثبت وزايلها الفواق قال أبو علي القياني حدثني أبي قال دخلت يوما إلى بختيشوع وكان من أيام الصيف وجلست فإذا هو قد رفع طرفه إلى خادمه وقال له هات فجاء بقدح فيه نحو نصف رطل شراب عتيق وعلى طرف خلالة ذهب شيء أسود فمضغه ثم شرب الشراب عليه وصبر ساعة فرأيت وجهه يتقد كالنار ثم دعا بأطباق فيها خوخ جبلي في نهاية الحسن فأقبل يقطع ويأكل حتى انتهى وسكن تلهبه وعاد وجهه إلى حاله فقلت له حدثني بخبرك فقال اشتهيت الخوخ شهوة شديدة وخفت ضررها فاستعملت الترياق والشراب حتى نقرت الحجر ليجيد الطحن وقال أبو علي القياني عن أبيه قال حدثني محمد بن داود بن الجراح قال كان بختيشوع الطبيب صديقا لأبي وكان لنا نديم كثير الأكل عظيم الخلق فكان كلما رآه قال له أريد أن تركب لي شربة وأبرمه إلى أن وصف له دواء فيه شحم الحنظل وسقمونيا وقال بختيشوع لأبي ملاك الأمر كله أن يأكل أكلا خفيفا ويضبط نفسه فيما بعد عن التخليط فأطعم يوم الحمية في دارنا واقتصر على اسفيدباج من ثلاثة أرطال خبز فلما استوفى ذلك طلب زيادة عليه فمنع واعتقله أبي عنده إلى آخر الأوقات ووجه إلى امرأته يوصيها أن لا تدع شيئا يؤكل في داره ولما علم أن الوقت قد ضاق عليه أطلقه إلى منزله فطلب من امرأته شيئا يأكله فلم يجد عندها شيئا وكانت قد أغفلت برنية فيها فتيت على الرف فوجده وأخذ منه أرطالا ثم أصبح وأخذ الدواء فتحير وورد على المعدة وهي ملأى فلم يؤثر وتعالى النهار فقال قد خرف بختيشوع وعمد إلى عشرة أرطال لحم شرائح فأكلها مع
208 عشرة أرطال خبز وشرب دورقا ماء باردا فلما مضت ساعة طلب الدواء طريقا للخروج من فوق أو من أسفل فلم يجد فانتفخت بطنه وعلا نفسه وكاد يتلف وصاحت امرأته واستغاثت بأبي فدعا بمحمل وحمل فيه إلى بختيشوع وكان ذلك اليوم حارا جدا وكان بختيشوع حين انصرف من داره وهو ضجر فسأل عن حاله إلى أن علم شرح أمره وكان في داره أكثر من مائتي طير من الطيطويات والحصانيات والبيضانيات وما يجري مجراها ولها مسقاة كبيرة مملوءة ماء وقد حمي في الشمس وذرقت فيه الطيور فدعا بملح جريش وأمر بطرحه في المسقاة كله وتذويبه في الماء ودعا بقمع وسقى الرجل كله وهو لا يعقل وأمر بالتباعد عنه فأتى من طبيعته فوق وأسفل أمر عظيم جدا حتى ضعف وحفظت قوته بالرائحة الطيبة وبماء الدراج وأفاق بعد أيام وعجبنا من صلاحه وسألنا عنه بختيشوع فقال فكرت في أمره فرأيت أني أن اتخذت له دواء طال أمره حتى يطبخ ويسقى فيموت إلى ذلك الوقت ونحن نعالج أصحاب القولنج الشديد بذرق الحمام والملح وكان في المسقاة الماء في الشمس وقد سخن واجتمع فيه من ذرق الحمام ما يحتاج إليه وكان أسرع تناولا من غيره فعالجته به ونجع بحمد الله ونقلت من بعض الكتب أن بختيشوع كان يأمر بالحقن والقمر متصل بالذنب فيحل القولنج من ساعته ويأمر بشرب الدواء والقمر على مناظرة الزهرة فصلح العليل من يومه ولما توفي بختيشوع خلف عبيد الله ولده وخلف معه ثلاث بنات وكان الوزراء والنظار يصادرونهم ويطالبونهم بالأموال فتفرقوا واختلفوا وكان موته يوم الأحد لثمان بقين من صفر سنة ست وخمسين ومائتين ومن كلام بختيشوع بن جبرائيل قال الشرب على الجوع رديء والأكل على الشبع أردأ وقال أكل القليل مما يضر أصلح من أكل الكثير مما ينفع ولبختيشوع بن جبرائيل من الكتب كتاب في الحجامة على طريق المسئلة والجواب جبرائيل بن عبيد الله جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع كان فاضلا عالما متقنا لصناعة الطب جيدا في أعمالها حسن
209 الدراية لها وله تصانيف جليلة في صناعة الطب وكانت أجداده في هذه الصناعة كل منهم أوحد زمانه وعلامة وقته ونقلت من كتاب عبيد الله ولد هذا المذكور في أخباره عن أبيه جبرائيل ما هذا مثاله قال أن جدي عبيد الله بن بختيشوع كان متصرفا ولما ولي المقتدر رحمة الله عليه الخلافة استكتبه لحضرته وبقي مدة مديدة ثم توفي وخلف والدي جبرائيل وأختا كانت معه صغيرين وأنفذ المقتدر ليلة موته ثمانين فراشا حمل الموجود من رحل وأثاث وآنية وبعد مواراته في القبر اختفت زوجته وكانت ابنة إنسان عامل من أجلاء العمال يعرف بالحرسون فقبض على والدها بسببها وطلب منه ودائع بنت بختيشوع وأخذ منه مالا كثيرا ومات عقيب مصادرته فخرجت ابنته ومعها ولدها جبرائيل وأخته وهما صغيران إلى عكبراء مستترين من السلطان واتفق أنها تزوجت برجل طبيب وصرفت ولدها إلى عم كان له بدقوقاء وأقامت مدة عند ذلك الرجل وماتت وأخذ ما كان معها جميعه ودفع ولدها فدخل جبرائيل إلى بغداد وما معه إلا اليسير النزر وقصد طبيبا كان يعرف بترمرة فلازمه وقرأ عليه وكان من أطباء المقتدر وخواصه وقرأ على يوسف الواسطي الطبيب ولازم البيمارستان والعلم والدرس وكان يأوي إلى أخوال له يسكنون بدار الروم وكانوا يسيئون عشرتهم عليه ويلومونه على تعرضه للعلم والصناعة ويمجنون معه ويقولون يريد أن يكون مثل جده بختيشوع وجبرائيل وما يرضى أن يكون مثل أخواله وهو لا يلتفت إلى مثل أقوالهم واتفق أن جاء رسول من كرمان إلى معز الدولة وحمل له الحمار المخطط والرجل الذي كان طوله سبعة أشبار والرجل الذي كان طوله شبرين واتفق أنه نزل في قصر فرخ من الجانب الشرقي قريبا من الدكان الذي كان يجلس عليه والدي جبرائيل وصار ذلك الرسول يجلس عنده كثيرا ويحادثه ويباسطه فلما كان في بعض الأيام استدعاه وشاوره بالفصد فأشار به وفصده وتردد إليه يومين فأنفذ له على رسم الديلم الصينية التي كانت فيها العصائب والطشت والإبريق وجميع الآلة ثم استدعاه وقال له ادخل إلى هؤلاء القوم وانظر ما يصلح لهم وكان مع الرسول جارية يهواها قد عرض لها نزف الدم ولا بقي بفارس ولا بكرمان ولا بالعراق طبيب مذكور إلا وعالجها ولم ينجح فيها العلاج فعندما رآها رتب لها تدبيرا وعمل لها معجونا وسقاها إياه فما
210 مضى عليها أربعون يوما حتى برئت وصلح جسمها وفرح الرسول بذلك فرحا عظيما فلما كان بعد مدة استدعاه وأعطاه ألف درهم ودراعة سقلاطون وثوبا توثيا وعمامة قصب وقال له طالبهم بحقك فأعطته الجارية ألف درهم وقطعتين من كل نوع من الثياب وحمل على بغله بمركب واتبع ذلك بمملوك زنجي فخرج وهو أحسن حالا من أحد أخواله فلما رأوه وثبوا له وتلقوه لقيا جميلا فقال لهم للثياب تكرمون لا لي فلما مضى الرسول انتشر ذكره بفارس وبكرمان بما عمل وكان ذلك سبب خروجه من شيراز فلما دخل رفع خبره إلى عضد الدولة وكان أول تبوئه ولايته شيراز واستدعى به فحضر واحضر معه رسالة في عصب العين تكلم فيها بكلام حسن فحسن موقعه عنده وقرر له جار وجراية كالباقين ثم أنه عرض لكوكين زوج خالة عضد الدولة وهو والي كورة جورقب مرض واستدعى طبيبا فأنفذه عضد الدولة فلما وصل أكرم موضعه وأجله إجلالا عظيما وكان به وجع المفاصل والنقرس وضعف الأحشاء فركب له جوارشن تفاحي وذلك في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة للهجرة فانتفع به منفعة بينة عظيمة فأجزل له عطاءه وأكرمه ورده إلى شيراز مكرما ثم أن عضد الدولة دخل إلى بغداد وهو معه من خاصته وجدد البيمارستان وصار يأخذ رزقين وهما برسم خاص ثلاثمائة درهم شجاعية وبرسم البيمارستان ثلاثمائة درهم شجاعية سوى الجراية وكانت نوبته في الأسبوع يومين وليلتين واتفق أن الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى عرض له مرض صعب في معدته فكاتب عضد الدولة يلتمس طبيا وكان عمله وفعله وفضله مشهورا فأمر عضد الدولة بجمع الأطباء البغداديين وغيرهم وشاورهم فيمن يصلح أن ينفذ إليه فلما جمعهم واستشارهم فأشار جميع الأطباء على سبيل الأبعاد له من بينهم وحسدا على تقدمه ما يصلح أن يلقى مثل هذا الرجل إلا أبو عيسى جبرائيل لأنه متكلم جيد الحجة عالم باللغة الفارسية فوقع ذلك بوفاق عضد الدولة فأطلق له مالا يصلح به أمره وحمل إليه مركوب جميل وبغال للحمل وسيره فلما وصل الري تلقاه الصاحب لقاء جميلا وأنزله في دار مزاحة العلل بفراش وطباخ وخازن ووكيل وبواب وغيره ولما أقام عنده أسبوعا استدعاه يوما وقد أعد عنده أهل العلم من أصناف العلوم ورتب لمناظرته إنسانا من أهل الري وقد قرأ طرفا من الطب فسأله عن أشياء من أمر النبض فعلم هو ما الغرض في ذلك فبدأ وشرح أكثر مما تحتمله المسألة وعلل تعليلات لم يكن في الجماعة من سمع بها وأورد شكوكا ملاحا
211 وحلها فلم يكن في الحضور إلا من أكرمه وعظمه وخلع عليه الصاحب خلعا حسنة وسأله أن يعمل له كناشا يختص بذكر الأمراض التي تعرض من الرأس إلى القدم ولا يخلط بها غيرها فعمل كناشة الصغير وهو مقصور على ذكر الأمراض العارضة من الرأس إلى القدم حسبما أمر الصاحب به وحمله إليه فحسن موقعه عنده ووصله بشيء قيمته ألف دينار وكان دائما يقول صنفت مائتي ورقة أخذت عنها ألف دينار ورفع خبره إلى عضد الدولة فأعجب به وزاد موضعه عنده فلما عاد من الري دخل إلى بغداد بزي جميل وأمر مطاع وغلمان وحشم وخدم وصادف من عضد الدولة ما يسره ويختاره قال وحدثني من أثق إليه أنه دخل الأطباء ليهنئوه بوروده وسلامته فقال أبو الحسين بن كشكرايا تلميذ سنان يا أبا عيسى زرعنا وأكلت وأردناك تبعد فازددت قربا لأنه كان كما تقدم ذكره فضحك جبرائيل من قوله وقال له ليس الأمور إلينا بل لها مدبر وصاحب وأقام ببغداد مدة ثلاث سنين واعتل خسروشاه بن مبادر ملك الديلم وآلت حاله إلى المراقبة ونحل جسمه وقوي استشعاره وكان عنده اثنا عشر طبيبا من الري وغيرها وكلما عالجوه ازداد مرضه فأنفذ إلى الصاحب يلتمس منه طبيبا فقال ما أعرف من يصلح لهذا الأمر إلا أبو عيسى جبرائيل فسأله مكاتبته لما بينهما من الإنس وكاتب عضد الدولة يسأل إنفاذه ويعلمه أن حاله قد آلت إلى أمر لا يحتمل الونية في ذلك فأنفذه مكرما فلما وصل إلى الديلمي قال له ما أعالجك أو ينصرف من حولك من أطباء فصرف الأطباء مكرمين وأقام عنده وسأله أن يعمل في صورة المرض مقالة يقف على حقيقته وتدبير يختاره ويعول عليه فعمل له مقالة ترجمها في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيا فرغما ولما اجتاز بالصاحب سأله عن أفضل استقساط البدن فقال هو الدم فسأله أن يعمل له في ذلك كتابا يبرهن عليه فيه فعمل في ذلك مقالة مليحة بين فيها البراهين التي تدل على هذا وكان في هذه المدة مستعجلا للعمل كناشة الكبير ولما عاد إلى بغداد وكان عضد الدولة قد مات فأقام ببغداد سنين مشتغلا بالتصنيف فتمم كناشة الكبير وسماه بالكافي بلقب الصاحب بن عباد لمحبته له ووقف منه نسخة على دار العلم ببغداد وعمل كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة وهو كتاب لم يعمل في الشرع مثله لكثرة احتوائه على الأقاويل وذكر المواضع التي استخرجت منها وأكثر فيه من أقوال الفلاسفة في كل معنى لغموضها وقلة وجودها وقلل من الأقاويل الشرعية لظهورها وكثرة وجودها وفي هذه المدة عمل مقالة في الرد على اليهود جمع فيها أشياء منها جواز النسخ من أقوال الأنبياء ومنها شهادات على صحة
212 مجيء المسيح وأنه قد كان وأبطل انتظارهم له ومنها صحة القربان بالخبز والخمر وعمل مقالات أخر كثيرة صغارا منها لم جعل من الخمر قربان وأصله محرم وأبان علل التحليل والتحريم وعرض له أن سافر إلى بيت المقدس وصام به يوما واحدا وعاد منه إلى دمشق واتصل خبره بالعزيز رحمه الله وكوتب من الحضرة بكتاب جميل فاحتج أن له ببغداد أشياء يمضي وينجزها ويعود إلى الحضرة قاصدا ليفوز بحق القصد فحين عاد إلى بغداد أقام بها وعدل عن المضي إلى مصر ثم إن ملك الديلم أنفذ خلفه واستدعاه فعند حصوله بالري وقف بها نسخة من كناشة الكبير قال وبلغني أن البيمارستان يعمل بها وأنه يعرف به بين أطبائهم إذا ذكر أبو عيسى صاحب الكناش وأقام عند ملك الديلم مدة ثلاث سنين وخرج من عنده على سبيل الغضب وكان قد حلف له بالطلاق أنه متى اختار الانصراف لا يمنعه فلم يمكنه رده وجاء إلى بغداد وأقام بها مدة ثم أنه استدعي إلى الموصل إلى حسام الدولة فعالجه من مرض كان به وجرى له معه شيء استعظمه وكان أبدا يعيده عنه وذلك أنه كانت له امرأة عليلة بمرض حاد فأشار بحفظ القارورة واتفق أنه عند حسان الدولة وقال له هذه الامرأة تموت فانزعج لذلك ونظرت الجارية إلى انزعاجه وصرخت وخرقت ثيابها وولت فاستدعاها في الحال وقال لها جرى في أمر هذه الامرأة شيء لا أعلمه فحلفت أنها لم تجاوز التدبير فقال لعلكم خضبتموها بالحناء قالت قد كان ذلك فحرد وقال للجارية أقوالا ثم قال لحسام الدولة أبشر بعد ثلاثة أيام تبرأ فكان كما قال فعظم هذا عنده وكان أبدا يعيده ويتعجب منه ولما عاد إلى بغداد كان العميد لا يفارقه ويلازمه ويبايته في دار الوزارة لأجل المرض الذي كان به وحظي لديه ثم أن الأمير ممهد الدولة أنفذ إليه ولاطفه حتى أصعد إلى ميافارقين فلما وصل إليه أكرمه الإكرام المشهور عند كل من كان يراه ومن لطيف ما جرى له معه أنه أول سنة ورد فيها سقى الأمير دواء مسهلا وقال له يجب أن تأخذ الدواء سحرا فعمد الأمير وأخذه أول الليل فلما أصبح ركب إلى داره ووصل إليه وأخذ نبضه وسأله عن الدواء فقال له ما عمل معي شيئا امتحانا له فقال جبرائيل النبض يدل على نفاذ دواء الأمير وهو أصدق فضحك ثم قال له كم ظنك بالدواء فقال يعمل مع الأمير خمسة وعشرين مجلسا ومع غيره زائدا وناقصا فقال له عمل معي إلى الآن ثلاثة وعشرين مجلسا فقال وهو يعمل تمام ما قلت لك ورتب ما يستعمله وخرج من عنده مغضبا وأمر أن يشد رحله ويصلح أسباب الانصراف فبلغ ممهد الدولة ذلك وانفذ إليه يستعلم خبر انصرافه فقال مثلي لا يجرب لأنني أشهر من أن احتاج إلى تجربة فأرضاه وحمل إليه بغلة ودراهم لها قدر وفي هذه المدة كاتبه ملك الديلم بكتب جميلة يسأله فيها الزيارة وكاتب ممهد الدولة يسأله في ذلك فمنع من المضي وأقام في الخدمة ثلاث سنين وتوفي يوم الجمعة ثامن شهر رجب من شهور سنة
213 ست وتسعين وثلاثمائة للهجرة وكان عمره خمسا وثمانين سنة ودفن بالمصلى بظاهر ميافارقين ولجبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع من الكتب كناشه الكبير الملقب بالكافي خمس مجلدات ألفه للصاحب بن عباد رسالة في عصب العين مقالة في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيافرغما ألفها لخسروشاه بن مبادر ملك الديلم مقالة في أن أفضل استقسات البدن هو الدم ألفها للصاحب بن عباد كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة مقالة في الرد على اليهود مقالة في أنه لم جعل من الخمر قربان وأصله محرم عبيد الله بن جبرائيل هو أبو سعيد عبيد الله بن جبرائيل بن عبد الله بن بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع بن جورجس ابن جبرائيل كان فاضلا في صناعة الطب مشهورا بجودة الأعمال فيها متقنا لأصولها وفروعها من جملة المتميزين من أهلها والعريقين من أربابها وكان جيد المعرفة بعلم النصارى ومذاهبهم وله عناية بالغة بصناعة الطب وله تصانيف كثيرة فيها وأقام بميافارقين وكان معاصر ابن بطلان ويجتمع به ويأنس إليه وبينهما صحبة وتوفي عبيد الله بن جبرائيل في شهور سنة نيف وخمسين وأربعماية ولعبيد الله بن جبرائيل من الكتب مقالة في الاختلاف بين الألبان ألفها لبعض أصدقائه في سنة سبع وأربعين وأربعماية كتاب مناقب الأطباء ذكر فيه شيئا من أحوالهم ومآثرهم وكان تأليفه لذلك في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة كتاب الروضة الطبية كتب به إلى الأستاذ أبي الحسن محمد بن علي كتاب التواصل إلى حفظ التناسل ألفه في سنة إحدى وأربعين وأربعماية رسالة إلى الأستاذ أبي طاهر بن عبد الباقي المعروف بابن قطرمين جوابا عن مسألته في الطهارة ووجوبها رسالة في بيان وجوب حركة النفس كتاب نوادر المسائل مقتضبة من علم الأوائل في الطب كتاب تذكرة الحاضر وزاد المسافر كتاب الخاص في علم الخواص كتاب طبائع الحيوان وخواصها ومنافع أعضائها ألفه للأمير نصير الدولة خصيب كان نصرانيا من أهل البصرة ومقامه بها وكان فاضلا في صناعة الطب جيد المعالجة حدث محمد بن سلام الجمحي قال مرض الحكم بن محمد بن قنبر المازني الشاعر بالبصرة فأتوه بخصيب الطبيب يعالجه فقال فيه (ولقد قلت لأهلي * إذ أتوني بخصيب)
214 (ليس والله خصيب * للذي بي بطبيب) (إنما يعرف دأبي * من به مثل الذي بي) الرمل وحدث أيضا محمد بن سلام قال كان خصيب الطبيب نصرانيا نبيلا فسقى محمد بن أبي العباس السفاح شربة دواء وهو على البصرة فمرض منها وحمل إلى بغداد فمات بها وذلك في أول سنة خمسين ومائة فأتهم خصيب فحبس حتى مات فنظر في علته إلى مائة وكان عالما فقال قال جالينوس أن صاحب هذه العلة إذا صار هكذا ماؤه لا يعيش فقيل له إن جالينوس ربما أخطأ فقال ما كنت إلى خطئه قط أحوج مني إليه في هذا الوقت ومات من علته عيسى المعروف بأبي قريش قال إسحق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى ابن ماسة قال أخبرني يوحنا بن ماسويه أن أبا قريش كان صيدلانيا يجلس على موضع نحو باب قصر الخليفة وكان دينا صالحا في نفسه وأن الخيزران جارية المهدي وجهت بمائها مع جارية لها إلى الطبيب فخرجت الجارية من القصر فأرت أبا قريش الماء فقال لها هذا ماء امرأة حبلى بغلام فرجعت الجارية بالبشارة فقالت لها ارجعي إليه واستقصي المسألة عليه فرجعت فقالت لها ما قلت لك حق ولكن لي عليك البشرى فقالت كم تريدين البشرى قال جامة فالوذج وخلعة سنية فقالت لها إن كان هذا حقا فقد سقت إلى نفسك خير الدنيا ونعيمها وانصرفت فلما كان بعد أربعين يوما أحست الخيزران بالحمل فوجهت ببدرة دراهم وكتمت الخبر عن المهدي فلما مضت الأيام ولدت موسى أخا هارون الرشيد فعند ذلك أعلمت المهدي وقالت له إن طبيبا على الباب أخبر بهذا منذ تسعة أشهر وبلغ الخبر جورجس بن جبرائيل فقال كذب ومخرقة فغضبت له الخيزران وأمرت فاتخذ بين يديها مائة خوان فالوذج ووجهت بذلك إليه مع مائة ثوب وفرس بسرجه ولجامه وما مضى بعد ذلك إلا قليل حتى حبلت بأخيه هارون الرشيد فقال جورجس للمهدي جرب أنت هذا الطبيب فوجه إليه بالماء فلما نظر إليه قال هذا ماء ابنتي أم موسى وهي حبلى بغلام آخر فرجعت الرسالة بذلك إلى المهدي وأثبت اليوم عنده فلما مضت الأيام ولدت هارون فوجه المهدي إلى أبي قريش فأحضره وأقيم بين يديه فلم يزل يطرح عليه الخلع ويدر الدنانير والدراهم
215 حتى علت رأسه وسير هارون وموسى في حجره وكناه أبا قريش أي أبا العرب وقال لجورجس هذا شيء أنا بنفسي جربته فصار أبو قريش نظير جرجس بن جبرائيل بل أكبر منه حتى تقدمه في المرتبة وتوفي المهدي واستخلف هارون الرشيد وتوفي جرجس وسار ابنه تبع أبي قريش في خدمة الرشيد ومات أبو قريش وخلف اثنين وعشرين ألف دينار مع نعمة سنية وقال يوسف بن إبراهيم حدثني العباس بن علي بن المهدي أن الرشيد اتخذ مسجدا جامعا في بستان موسى الهادي وأمر أخوته وأهل بيته بحضوره في كل يوم جمعة ليتولى الصلاة بهم فيه قال فحضر والدي علي بن المهدي ذلك المسجد في يوم حار وصلى فيه وانصرف إلى داره بسوق يحيى فكسبه حر ذلك اليوم صداعا كاد يذهب ببصره فأحضر له جميع متطببي مدينة السلام وكان آخر من احضر منهم عيسى أبو قريش فوافاهم قد اجتمعوا للمناظرة فقال ليس يتفق لجماعة رأي حتى يذهب بصر هذا ثم دعا بدهن بنفسج وماء ورد وخل خمر وثلج فجعل في مضربة من ذلك الدهن بقدر وزن درهمين وصب عليه شيئا من الخل وشيئا من الماء وفت فيه شيئا من الثلج وحرك المضربة حتى اختلط جميع ما فيها ثم أمر بتصبير راحه منه وسط رأسه والصبر عليه حتى ينشفه الرأس ثم زيادة راحة أخرى فلم يزل يفعل ذلك ثلاث مرات أو أربع حتى سكن عنه الصداع وعوفي من العلة قال يوسف وحدثتني شكلة أم إبراهيم ابن المهدي أن المهدي هتف بها وهي معه في مضربه بالربدة من طريق مكة بلسان متغير أنكرته فصارت إليه وهو مستلق على القفا فأمرها بالجلوس فلما جلست وثب فعانقها معانقة الإنسان لمن يسلم عليه ثم عبرها إلى صدره وزال عنه عقله فجهد جميع من حضرها بأن يخلص يديه من عنقها فما وصلوا إلى ذلك وحضر المتطببون فأجمعوا على أن الذي به فالج فقال عيسى أبو قريش المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن العباس يضربه فالج لا والله لا يضرب أحدا من هؤلاء ولا نسلهم فالج أبدا إلا أن يبذروا بذورهم في الروميات والصقلبيات وما أشبههن فيعرض الفالج لمن ولده الروميات وأشباههن من نسلهم ثم دعا بالحجام فحجمه فوالله ما أن خرج من دمه إلا محجمة واحدة حتى رد إليه يديه ثم تكلم مع المحجمة الثانية ثم ثاب إليه عقله قبل فراغ الحجام من حجامته ثم طعم بعد ذلك ودعا بأم أسماء بنت المهدي فواقعها فأحبلها بأسماء قال يوسف ولما اشتدت بإبراهيم بن المهدي علته التي توفي فيها استرخى لحيه وغلظ لسانه في فيه فصعب عليه الكلام وكان إذا تكلم توهمه سامعه مفلوجا فدعاني وقت صلاة العصر من يوم الثلاثاء لست خلون من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين فقال لي أما تعجب من عرض هذه
216 العلة التي لم تعرض لأحد من ولد أبي غير إسماعيل بن موسى أمير المؤمنين ومحمد بن صالح المسكين وإنما عرضت لمحمد لأن أمه كانت رومية وأم أبيه كانت كذلك وكانت أم إسماعيل رومية وأنا فلم تلدني رومية فما العلة عندك في عرض هذه العلة لي فعلمت أنه كان حفظ عن أمه قول عيسى أبي قريش في المهدي وولده أنه لا يعرف لعقبة الفالج إلا أن يبذروا بذورهم في الروميات وأنه قد أمل أن يكون الذي به فالجا لا عارض الموت فقلت لا أعرف لإنكارك هذه العلة معنى إذ كانت أمك التي قامت عنك دنباوندية ودنباوند أشد بردا من كل أرض الروم فكأنه تفرج إلى قولي وصدقني وأظهر السرور بما سمع مني ثم توفي في وقت طلوع الفجر من يوم الجمعة لتسع خلون من شهر رمضان قال يوسف وحدثني إبراهيم بن المهدي أن لحم عيسى بن جعفر بن المنصور كثر عليه حتى كاد أن يأتي على نفسه وأن الرشيد اغتم لذلك غما شديدا أضر به في بدنه ومنعه لذة المطعم والمشرب وأمر جميع المتطببين بمعالجته فكلهم دفع أن يكون عنده في ذلك حيلة فزادوا الرشيد غما إلى ما كان عليه منه وأن عيسى المعروف بأبي قريش صار إلى الرشيد سرا فقال له يا أمير المؤمنين إن أخاك عيسى بن جعفر رزق معدة صحيحة وبدنا قابلا للغذاء أحسن قبول وجميع الأمور جارية له بما يحب فليس يتمنى شيئا إلا تم له على أكثر مما يحبه وقد وقي موت أحبته ودخول النقص في ماله والظلم من ناحية سلطانه والاستقصاء عليه والأبدان متى لم تختلط على أصحابها طبائعهم وأحوالهم فتنالهم العلل في بعض الأوقات والصحة في بعضها والغموم في بعضها والسرور في بعضها ورؤية المكاره في بعضها والمحاب في بعضها وتدخلها الروعة أحيانا والفرح أحيانا لم يؤمن على صاحبها التلف لأن لحمه يزداد حتى تضعف عن حمله العظام وحتى يغمر فعل النفس وتبطل قوى الدماغ والكبد ومتى كان هذا عدمت الحياة وأخوك هذا إن لم تظهر موجدة عليه أو تغير له أو تقصده بما ينكي قلبه من حيازة مال أو أخذ عزيز عليه من حرمه لم آمن عليه تزايد هذا الشحم حتى يتأتي على نفسه فإن أحببت حياته فافعل ذلك به وإلا فلا أخ لك فقال الرشيد أنا أعلم أن الذي ذكرت على ما قلت غير أنه لا حيلة عندي في التغير له أو غمه بشيء من الأشياء فإن تكن عندك حيلة في أمره فاحتل بها فإني أكافئك عنه متى رأيت لحمه قد انحط بعشرة آلاف دينار وآخذ لك منه مثلها فقال عيسى عندي حيلة إلا أني أتخوف أن يعجل على عيسى بالقتل فتتلف نفسي فليوجه معي أمير المؤمنين خادما جليلا من خدمه ومعه جماعة يمنعونه مني إن أمر بقتلي ففعل ذلك به وسار إليه فجسه وأعلمه أنه يضطر إلى مجسة عرقه ثلاثة أيام قبل أن يذكر له شيئا من العلاج فأمره عيسى بالانصراف والعود إليه ففعل ذلك وعاد في اليوم الثاني والثالث فلما فرغ من مجسة عرقه قال له إن الوصية مباركة وهي غير مقدمة
217 ولا مؤخرة وأنا أرى للأمير أن يعهد فإن لم يحدث حادث قبل أربعين يوما عالجته في ذلك بعلاج لا يمضي به إلا ثلاثة أيام حتى يخرج من علته هذه ويعود بدنه إلى أحسن مما كان عليه ونهض من مجلسه وقد أسكن قلب عيسى من الخوف ما امتنع له من أكثر الغذاء ومنعه من النوم فلم يبلغ أربعين يوما حتى انحط من منطقته خمس بشيزجات واستتر عيسى أبو قريش في تلك الأيام عن الرشيد خوفا من إعلام الرشيد عيسى بن جعفر تدبير عيسى المتطبب لإسكان الغم قلبه فيفسد عليه تدبيره فلما كان ليلة يوم الأربعين سار إلى الرشيد وأعلمه أنه لا يشك في نقصان بدن عيسى وسأله إحضاره مجلسه أو الركوب إليه فركب إليه الرشيد فدخل عليه ومعه عيسى فقال له عيسى أطلق لي يا أمير المؤمنين قتل هذا الكافر فقد قتلني واحضر منطقته فشدها في وسطه وقال يا أمير المؤمنين نقص هذا العدو والله من بدني بما ادخل علي من الروع خمس بشيزجات فسجد الرشيد شكرا لله وقال له يا أخي متعت بك بأبي عيسى وكان الرشيد كثيرا ما يقول له بأبي عيسى ردت إليك بعد الله الحياة ونعم الحيلة احتال لك وقد أمرت له بعشرة آلاف دينار فأوصل إليه مثلها ففعل ذلك له وانصرف المتطبب إلى منزله بالمال ولم يرجع إلى عيسى بن جعفر ذلك الشحم إلى أن فارق الدنيا قال يوسف وحدثني إبراهيم بن المهدي أنه اعتل بالرقة مع الرشيد علة صعبة فأمر الرشيد بحدره إلى والدته بمدينة السلام فكان بختيشوع جد بختيشوع الذي كان في دهرنا هذا لا يزايله ويتولى علاجه ثم قدم الرشيد مدينة السلام ومعه عيسى أبو قريش فذكر أن أبا قريش أتاه عائدا فرأى العلة قد أذهبت لحمه وأذابت شحمه وأسارته إلى اليأس من نفسه وكان أعظم ما عليه في علته شدة الحمة قال أبو إسحق فقال لي عيسى وحق المهدي لأعالجنك غدا علاجا يكون به برؤك قبل خروجي من عندك ثم دعا القهرمان بعد خروجه فقال له لا تدع بمدينة السلام أسمن من ثلاثة فراريج كسكرية تذبحها الساعة وتعلقها في ريشها حتى آمرك فيها بأمري غداة غد ثم بكر إلي ومعه ثلاث بطيخات رمشية قد بردها في الثلج ليلته كلها فلما دخل علي دعا بسكين فقطع لي من إحداهن قطعة ثم قال لي كل هذه القطعة فأعلمته أن بختيشوع كان يحميني من رائحة البطيخ فقال لي لذلك طالت علتك فكل فإنه لا بأس عليك فأكلت القطعة إلتذاذا مني لها ثم أمرني بالأكل فلم أزل آكل حتى استوفيت بطيختين ثم انتهت نفسي فقطع من الثالثة قطعة وقال جميع ما أكلت للذة فكل هذه القطعة للعلاج فأكلتها بتكره ثم قطع قطعة أخرى وأومأ إلى الغلمان بإحضار الطشت وقال لي كل هذه القطعة أيضا فما أكلت ثلثها حتى جاشت نفسي وذرعني القيء فتقيأت أربعة أضعاف ما أكلت من البطيخ وكل ذلك مرة صفراء ثم أغمي علي بعد ذلك القيء وغلب علي العرق والنوم إلى بعد صلاة الظهر فانتبهت وما أعقل جوعا وقد كانت شهوة الطعام ممتنعة مني فدعوت بشيء آكله فأحضرني الفراريج الثلاثة وقد طبخ لي منها
218 سكباج وأجادها طهاتها فأكلت منها حتى تضلعت ونمت بعد أكلي إلى آخرأوقات العصر ثم قمت وما أجد من العلة قليلا ولا كثيرا واتصل بي البرء فما عادت إلي تلك العلة منذ ذلك اليوم اللجلاج قال يوسف بن إبراهيم حدثني إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت أن أباه أبا سهل حدثه أن المنصور لما حج حجته التي توفي فيها رافق ابن اللجلاج متطبب المنصور فكانا متى نام المنصور تنادما إلى أن سأل ابن اللجلاج وقد عمل فيه النبيذ أبا سهل عما بقي من عمر المنصور قال إسماعيل فأعظم ذلك والدي وقطع النبيذ وجعل على نفسه أن لا ينادمه وهجره ثلاثة أيام ثم اصطلحا بعد ذلك فلما جلسا على نبيذهما قال ابن اللجلاج لأبي سهل سألتك عن علمك ببعض الأمور فبخلت به وهجرتني ولست أبخل عليك بعلمي فاسمعه ثم قال إن المنصور رجل محرور تزداد يبوسة بدنه كلما أسن وقد حلق رأسه بالحيرة وجعل مكان الشعر الذي حلقه غالية وهو في هذا الحجاز يداوم الغالية وما يقبل قولي في تركها ولا أحسبه يبلغ إلى قيد حتى يحدث في دماغه من اليبس ما لا يكون عندي ولا عند أحد من المتطببين حيلة في ترطيبه فليس يبلغ فيد إن بلغها إلا مريضا ولا يبلغ مكة إن بلغها وبه حياة قال إسماعيل قال لي والدي فوالله ما بلغ المنصور فيد إلا وهو عليل وما وافى مكة إلا وهو ميت فدفن ببئر ميمون قال يوسف فحدثت إبراهيم بن المهدي بهذا الحديث فاستحسنه وسألني عن اسم أبي سهل بن نوبخت فأعلمته بأني لا أعرفه فقال إن الخبر في اسمه أطرف من حديثك الذي حدثتني عن ابنه فاحفظ عني ثم قال لي حدثني أبو سهل بن نوبخت أنه لما ضعف عن خدمة المنصور أمره المنصور بإحضار ولده ليقوم مقامه قال أبو سهل فأدخلت على المنصور فلما مثلت بين يديه قال لي تسم لأمير المؤمنين فقلت خرخشا ذماه طيماذاه ماذرياد خسرو بهمشاذ فقال لي كل ما ذكرت اسمك قلت نعم فتبسم ثم قال لي ما صنع أبوك شيئا فاختر مني خلة من خلتين قلت وما هما قال أما أن اقتصر بك من كل ما ذكرت على طيماذ وأما أن أجعل لك كنية تقوم مقام الاسم وهي أبو سهل قال أبو سهل قد رضيت بالكنية فثبت كنيته وبطل اسمه فحدث بهذا الحديث إسماعيل بن أبي سهل فقال صدق أبو إسحق كذا حدثني والدي
219 عبد الله الطيفوري كان حسن العقل طيب الحديث على لكنة سوادية كانت في لسانه شديدة لأن مولده كان في بعض قرى كسكر كان من أحظى خلق الله عند الهادي قال يوسف بن إبراهيم حدثني الطيفوري أنه كان متطببا لطيفور الذي كان يقول أنه أخو الخيزران والناس يقولون أو أكثرهم أنه مولى الخيزران ولما وجه المنصور المهدي إلى الري لمحاربة سنقار حمل المهدي الخيزران وهي حامل بموسى وخرج طيفور معها وأخرجني معه ولم تكن الخيزران علمت بما رزقت من الحمل وكان عيسى المعروف بأبي قريش صيدلانيا في العسكر فلما تبينت الخيزران ارتفاع العلة بعثت بمائها مع عجوز ممن معها وقالت له أعرضي هذا الماء على جميع المتطببين الذين في عسكر المهدي وجميع من ينظر في ذلك ففعلت العجوز وكنا في ذلك الوقت بهمدان واجتازت في منصرفها بخيمة عيسى فرأت جماعة من غلمان أهل العسكر وقوفا يعرضون عليه قوارير الماء فكرهت أن تجوزه قبل أن ينظر إلى الماء فقال لها عند نظره إلى الماء هذا ماء امرأة وهي حامل بغلام فأدت العجوز عنه ما قال إلى الخيزران فسجدت شكرا لله وأطلقت عدة مماليك وسارت إلى المهدي فأخبرته بما قالت العجوز فأظهر من السرور بذلك أكثر من سرورها وأمر بإحضار عيسى وسأله عما قالت العجوز فأعلمه أن الأمر على ما ذكرت فوصله ووصلته الخيزران بمال جليل وأمره بلزوم الخدمة وترك خيمته وما كان فيها من متاع الصيادلة قال الطيفوري فأراد طيفور أن ينفعني فأرسل إلى خيزران إن متطببي ماهر بصناعة الطب فابعثي إليه بالماء حتى يراه ففعلت ذلك في اليوم الثاني فقال لي قل مثل قول عيسى فأعلمته أن الماء يدل على أنها حامل فأما تمييز الغلام من الجارية فذلك ما لا أقوله فجهد بي كل الجهد أن أجيبه إلى ذلك فلم أفعل صيانة لنفسي عن الاكتساب بالمخرقة فأدى قولي إليها فأمرت لي بألف درهم واحد وأمرت بملازمتها فلما وافت الري ولدت بها الهادي وصح عند المهدي أن أبا قريش عنين بعد أن امتحن بكل محنة فسر بذلك وأحظاه وتقدم عنده على جميع الخصيان وكان ذلك من أسباب الصنع لي فضممت إلى أمير المؤمنين موسى ودعيت متطببه وهو رضيع وفطيم ثم ولدت هارون الرشيد بالري أيضا فكان مولده كان شؤما على الهادي لأن الحظوة كلها أو أكثرها صارت له دونه فأضر بي ذلك في جاهي وما كنت فيه من كثرة الدخل إلى أن ترعرع موسى ففهم الأمر فكان ذلك مما زاد في جاهي وجميل رأيه في فكان ينيلني من أفضاله أكثر مما كانت الخيزران تنيلنيه وفتح الله على المهدي وقتل سنقار وطراحته شهريار أبا مهرويه وخلد وبسخنز
220 أبا الحرث بن بنسخنز والربعين وسبى ذراريهم فكان من ذلك السبي مهرويه وخلد وقرابتهما شاهك وكانت على مائدة شهريار وهي أم السندي ابن شاهك وكان منهم الحرث بن بسخنز وجميع هؤلاء الموالي الرازيين ثم أدرك الهادي وأفضت الخلافة إلى المهدي فاتصل بي الأمر وعظم قدري لأني صرت متطبب ولي العهد ثم ملك الهادي أمة العزيز فكانت أعز عليه من جلدة ما بين عينيه وهي أم جعفر وعبد الله وإسماعيل وإسحق وعيسى المعروف بالجرجاني وموسى الأعمى وأم عيسى زوج المأمون وأم محمد وعبيد الله ابنتيه فبناني موسى الهادي جميع ولدها وأعلم أمة العزيز أنه يتبرك بي فنلت مها أكثر من أملي مما كان من الهادي ثم دبر الهادي البيعة لابنه جعفر ابن موسى فدعاني قبل البيعة بيوم فخلع علي وحملني على دابة من دواب رحله بسرجه ولجامه وأمر لي بمائة ألف حملت إلى منزلي وقال لا تبرح الدار باقي يومك وليلتك وأكثر نهار غدك حتى أبايع لابنك جعفر فتنصرف إلى منزلك وأنت أنبل الناس لأنك توليت تربية ابن خليفة صار ولي العهد وولي ولي العهد الخلافة فربيت ابنه إلى أن صار ولي عهده وبلغ أمة العزيز الخبر ففعلت بي مثل الذي فعل الهادي من الصلة وحملت إلى منزلي ثياب صحاح ولم تحملني على دابة وأقمت في الدار بعيساباذ إلى أن طلعت الشمس من غد اليوم الذي نلت فيه ما نلت ثم جلس الهادي وقد أحضر جميع بني هاشم فأخذت عليهم البيعة لجعفر وأحلفوا عليها وعلى خلع الرشيد ثم آل زائدة فكان يزيد بن مزيد أول من خلع الرشيد وبايع جعفر بعده ثم شراحيل بن معن بن زائدة وأهل بيته ثم سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم ثم آل مالك وكان أول من بايع منهم عبد الله ثم الصحابة وسائر مشايخ العرب ثم القواد فما انتصف النهار إلا وقد بايع أكثر القواد وكان في القواد هرثمة بن أعين ولقبه المشؤوم وكان المنصور قد قوده على خمسمائة ولم يكن له حركة بعد أن قود فتوفي أكثر أصحابه ولم يثبت له مكان من توفي منهم فأحضروه وأمروه بالبيعة فقال له يا أمير المؤمنين لمن أبايع فقال له لجعفر بن أمير المؤمنين قال إن يميني مشغولة ببيعة أمير المؤمنين وشمالي مشغولة ببيعة هارون فأبايع بماذا فقال له تخلع هارون وتبايع جعفرا فقال يا أمير المؤمنين أنا رجل أدين بنصيحتك ونصيحة الأئمة منكم أهل البيت وبالله لو تخوفت أن تحرقني على صدقي إياك بالنار لما حجزني ذلك عن صدقك إن البيعة يا أمير المؤمنين إنما هي إيمان وقد حلفت لهارون بمثل ما تستحلفني به لجعفر وإن خلعت اليوم هارون خلعت جعفر في غد وكذلك جميع من حلف لهارون على هذا فغدر به قال فاستشاط موسى من قوله وأمر بوجء عنقه وتسرعت جماعة من الموالي والقواد نحوه بالجررة والعمد فنهاهم
221 الهادي عنه ثم عاوده الأمر بالبيعة فقال يا أمير المؤمنين قولي هذا قولي الأول فزبره الهادي وقال له اخرج إلى لعنة الله لا بايعت ولا بايع أصحابك ألف سنة ثم أمر بإخراجه من الدار بعيساباذا وإسقاط قيادته وقال أطلقوه لينفد حيث أحب لا صحبه الله ولا كلأه ثم وجم مقدار نصف ساعة لا يأمر ولا ينهى ثم رفع رأسه وقال ليندون خادمه الحق الفاجر فقال له الحقه فأصنع به ماذا فقال ترده على أمير المؤمنين قال فلحقه يندون فيما بين باب خراسان وباب بردان بالقرب من الموضع المعروف بباب النقب وهو يريد منزله على نهر المهدي فرده فلما دخل قال له يا حائك تبايع أهل بيت أمير المؤمنين فيهم عم جده وعم أبيه وعمومته وإخوته وسائر لحمته وتبايع وجوه العرب والموالي والقواد وتمسك أنت عن البيعة فقال هرثمة يا أمير المؤمنين وما حاجتك إلى بيعة الحائك بعد بيعة من ذكرت من أشراف الناس ألا إن الأمر على ما حكيت لك أنه لا يخلع اليوم أحد هارون ويبقى في غد لجعفر قال الطيفوري فالتفت الهادي إلى من حضر مجلسه فقال لهم شاهت الوجوه صدق والله هرثمة وبر وغدرتم وأمر الهادي عند هذا الكلام لهرثمة بخمسين ألف درهم وأقطعه الموضع الذي لحقه فيه يندون فسمي ذلك الموضع عسكر هرثمة إلى هذه الغاية وانصرف الناس كلهم في أمر عظيم من أمر ذي قدر قد غمه ما لقيه به الخليفة ومما يتوقعه من البلاء إن حدث بالهادي حادث لمسارعتهم إلى خلع الرشيد ومن بطانته لجعفر قد كانوا أملوا خلافة صاحبهم والغنى بما قد قلد منها فصاروا يتخوفون على نفس صاحبهم التلف وعلى أنفسهم أن سلموا من القتل والبلاء والفقر ودخل موسى الهادي على أمة العزيز فقالت له يا أمير المؤمنين ما أحسب أحدا عاين ولا سمع بمثل ما عاينا وسمعنا فإنا أصبحنا في غاية الأمل لهذا الفتى وأمسينا على غاية الخوف عليه فقال إن الأمر لعلى ما ذكرت وأزيدك واحدة قالت وما هي يا أمير المؤمنين قال أمرت برد هرثمة لأضرب عنقه فلما مثل بين يدي حيل بيني وبينه واضطررت إلى أن وصلته وأقطعته وأنا على زيادة ورفع مرتبته والتنويه باسمه فبكت أمة العزيز فقال لها أرجو أن يسرك الله فتوهمت وتوهم جميع من يطيف بها إنه على اغتيال الرشيد بالسم فلم يمهل ولم تمض به ليال قلائل حتى توفي الهادي وولي الخلافة هارون الرشيد فوالله لقد أحسن غاية الإحسان في أمر جعفر وزاده نعما إلى نعمه وزوجه أم محمد ابنته قال يوسف بن إبراهيم وحدثني أبو مسلم عن حميد الطائي المعروف بالطوسي ولم يكن حميد طوسيا وكانت كورته في الديوان مرو وكذلك كورة طاهر مرو والطاهر ولي بوشنج وموسى بن أبي العباس الشاشي لم تكن كورته الشاش وكورته هراة ومحمد بن أبي الفضل الطوسي كورته
222 نسا وهو منسوب إلى طوس والسبب في نسب هؤلاء وعدة من أصحاب الدولة إلى غير كورهم أن منهم من كان مخرجه في كورة فنسب إلى الكورة التي فيها ضياعه ومنهم من ولي بلدا طالت فيه ولايته إياه فنسب إلى ذلك البلد قال أبو مسلم اعتل أبو غانم يعني أباه علة صعبة فتولى علاجه منها الطيفوري المتطبب وكان في أبي غانم حدة شديدة تخرجه إلى قذف أصحابه وإلى الإقدام بالمكروه عليهم فإني لواقف على رأسه وأنا غلام في قبادر زبيرون إذ دخل عليه الطيفوري فجس عرقه ونظر إلى مائه ثم ناجاه بشيء لم أفهمه فقال له كذبت يا ماص بظر أمه فقال له الطيفوري أعض الله أكذبنا بكذا وكذا من أمه فقلت في نفسي ذهبت والله نفس الطيفوري فقال أبو غانم يا ابن الكافرة لقد أقدمت ويلك كيف اجترأت علي بهذا فقال له والله ما احتملت سيدي الهادي قط على لقائي بحرف خشن ولقد كان يقذفني فأرد عليه مثل قوله فيكف احتمل لك وأنت كلب قذفي فحلف لي أبو مسلم أنه رأى أباه ضاحكا باكيا يفهم في بعض أسرة وجهه الضحك وفي بعضها البكاء ثم قال له والله إنك كنت ترد على أمير المؤمنين الهادي القذف الذي كان يقذفك به فقال له الطيفوري اللهم نعم فقال له فأسألك بالله لما أحببت في عرض حميد ما أحببت وقذفته بما شئت من القذف متى قذفتك ثم بكى على الهادي بكاء كثيرا قال يوسف فسألت الطيفوري عما حدثني به أبو مسلم من ذلك فبكى حتى تخوفت عليه الموت مما تداخله من الجزع عند ذكر حميد وقال والله ما عاشرت بعد الهادي أحر نفسا ولا أكرم طبعا ولا أطيب عشرة ولا أشد إنصافا من حميد إلا أنه كان صاحب جيش فكان يظهر ما يجب على أصحاب الجيوش إظهاره فإذا صار مع إخوانه كان كأنه من المنقطعين إليهم لا من المفضلين عليهم قال يوسف وحدثني الطيفوري أنه كان مع حميد الطوسي بقصر ابن هبيرة أيام تغلب صاحبنا على مدينة السلام وما والاها فقدمت عليه جماعة من جبل طيء عليهم رئيس لهم يقدمونه على أنفسهم ويقرون له بالفضل والسؤدد عليهم فأذن له في الدخول عليه في مجلس عام قد احتشد لإظهار عدده فيه ثم قال لذلك الرئيس ما أقدمك يا ابن عم فقال له قدمت مددا لك إذ كنت على محاربة هذا الدعي لما لا يجب له ولا يستحقه يعني صاحبنا فقال له حميد لست أقبل مددا إلا من وثقت بصرامته وقوة قلبه واحتماله لما تصعب على أكثر الناس في نصرتي ولا بد من امتحانك فإن خرجت على المحنة قبلتك وإلا رددتك إلى أهلك فقال له الطائي فامتحني بما أحببت فأخرج حميد عمودا من تحت مصلاه ثم قال له ابسط ذراعك فبسط ذراعه فحمل حميد العمود على عاتقه ثم هوى به إلى ذراع الطائي فلما قرب العمود من ذراعه رفع يده فأظهر حميد غضبا عليه ثم قال له رددت يدي فترضاه الطائي ثم دعاه إلى معاودة امتحانه فأمره حميد بإظهار ذراعه ففعل فرفع حميد العمود ليضرب به ذراعه فلما قرب العمود من ذراع
223 الطائي فعل مثل فعله في المرة الأولى فلما جذب ذراعه ولم يكن حميدا من ضربها بالعمود أمر بسجنه بعد سحبه في مجلسه وأخذ دوابه ودواب أصحابه وطردهم من معسكره فانصرفوا من عنده رجالة بأسوأ حال قال الطيفوري فلمته على ما كان منه فاستضحك ثم قال لي قد أطلقت لك الضحك مني والاستهزاء بي وقذف عرضي متى تكلمت في الطب بحضرتك بشيء تنكره فأما قيادة الجيوش فذلك ما ليس لك فيه حظ فلا تنكرن مخالفة رأيك رأيي ثم قال لي أنا رجل من يمن وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مضريا والخلافة في أيدي مضر فكما إني أحب قومي فكذلك الخلفاء تحب قومها وإن أظهرت ميلا إلى قومي في بعض الأوقات وانحرافا عمن هو أمس بها رحما مني فإني غير شاك في ميلها إليهم إذا حقت الحقائق ومعي من أبناء نزار بشر كثير وكان في استشعاري من قدم علي من قومي مفسدة لقلوب من قد امتحنته وعرفت بلاءه من النزارية ولست أدري لعل كل من أتاني من عشيرتي لا يساوي رجلا واحدا من النزارية فأردت بما كان مني استجلاب قلوب من معي وأن ينصرف من أتاني من عشيرتي منذرين لا مبشرين لأنهم متى انصرفوا منذرين انقطعت عنا مادتهم ومتى انصرفوا مبشرين أتاني منهم من لا يسعه مال ما في أيدينا من السواد فعلمت أنه قد أصاب التدبير ولم يخطئ فيما بنى عليه أمره زكريا بن الطيفوري قال يوسف بن إبراهيم حدثني زكريا بن الطيفوري قال كنت مع الأفشين في معسكره وهو في محاربة بابك فأمر بإحصاء جميع من في عسكره من التجار وحوانيتهم وصناعة رجل رجل منهم فرفع ذلك إليه فلما بلغت القراءة بالقارئ إلى موضع الصيادلة قال لي يا زكريا ضبط هؤلاء الصيادلة عندي أولى ما تقدم فيه فامتحنهم حتى نعرف منهم الناصح من غيره ومن له دين ومن لا دين له فقلت أعز الله الأمير إن يوسف لقوة الكيميائي كان يدخل على المأمون كثيرا ويعمل بين يديه فقال له يوما ويحك يا يوسف ليس في الكيمياء شيء فقال له بلى يا أمير المؤمنين وإنما آفة الكيمياء الصيادلة قال له المأمون ويحك وكيف ذلك فقال يا أمير المؤمنين إن الصيدلاني لا يطلب منه إنسان شيئا من الأشياء كان عنده أو لم يكن إلا أخبره بأنه عنده ودفع إليه شيئا من الأشياء التي عنده وقال هذا الذي طلبت فإن رأى أمير المؤمنين أن يضع اسما لا يعرف ويوجه جماعة إلى الصيادلة في طلبه ليبتاعه فليفعل فقال له المأمون قد وضعت الاسم وهو سقطيثا وسقطيثا ضيعة تقرب من مدينة السلام ووجه
224 المأمون جماعة من الرسل يسألهم عن سقطيثا فكلهم ذكر أنه عنده وأخذ الثمن من الرسل ودفع إليهم شيئا من حانوته فصاروا إلى المأمون بأشياء مختلفة فمنهم من أتى ببعض البزور ومنهم من أتى بقطعة من حجر ومنهم من أتى بوبر فاستحسن المأمون نصح يوسف لقوة عن نفسه وأقطعه ضيعة على النهر المعروف بنهر الكلبة فهي في أيدي ورثته ومنها معاشهم فأن رأى الأمير أن يمتحن هؤلاء الصيادلة بمثل محنة المأمون فليفعل فدعا الأفشين بدفتر من دفاتر الأسروشنية فأخرج منها نحوا من عشرين اسما ووجه إلى الصيادلة من يطلب منهم أدوية مسماة بتلك الأسماء فبعضهم أنكرها وبعضهم أدعى معرفتها وأخذ الدراهم من الرسل ودفع إليهم شيئا من حانوته فأمر الأفشين بإحضار جميع الصيادلة فلما حضروا كتب لمن أنكر معرفة تلك الأسماء منشورات أذن لهم فيها بالمقام في عسكره ونفى الباقين عن العسكر ولم يأذن لأحد منهم في المقام ونادى المنادي بنفيهم وباباحة دم من وجد منهم في معسكره وكتب إلى المعتصم يسأله البعثة إليه بصيادلة لهم أديان ومذهب جميل ومتطببين كذلك فاستحسن المعتصم ذلك ووجه إليه بما سأل إسرائيل بن زكريا الطيفوري متطبب الفتح بن خاقان كان مقدما في صناعة الطب جليل القدر عند الخلفاء والملوك كثيري الاحترام له وكان مختصا بخدمة الفتح بن خاقان بصناعة الطب وله منه الجامكية الكثيرة والأنعام الوافرة وكان المتوكل بالله يرى له كثيرا ويعتمد عليه وله عند المتوكل المنزلة المكينة ومن ذلك مما حكاه إسحق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب أن إسرائيل بن زكريا ابن الطيفوري وجد على أمير المؤمنين المتوكل لما احتجم بغير إذنه فافتدى غضبه بثلاثة آلاف دينار وضيعة تغل له في السنة خمسين ألف درهم وهبها له وسجل له عليها وحكي عن عيسى بن ماسة قال رأيت المتوكل وقد عاده يوما وقد غشي عليه فصير يده تحت رأسه مخدة ثم قال للوزير يا عبد الله حياتي معلقة بحياته أن عدمته لا أعيش ثم اعتل فوجه إليه سعيد بن صالح حاجبه وموسى بن عبد الملك كاتبه يعودانه ونقلت من بعض التواريخ أن الفتح بن خاقان كان كثير العناية بإسرائيل بن الطيفوري فقدمه عند المتوكل ولم يزل حتى أنس به المتوكل وجعله في مرتبة بختيشوع وعظم قدره وكان متى ركب إلى دار المتوكل يكون موكبه مثل موكب الأمراء وأجلاء القواد وبين يديه أصحاب المقارع وأقطعه المتوكل قطيعة بسر من رأى وأمر المتوكل صقلاب وابن الخيبري بأن يركبا معه ويدور جميع سر من رأى حتى يختار المكان الذي يريده فركبا حتى اختار من الحيز خمسين ألف ذراع وضربا المنار عليه ودفع إليه ثلاثمائة ألف درهم للنفقة عليه
225 يزيد بن زيد يزيد بن زيد بن يوحنا بن أبي خالد متطبب المأمون كان جيد العلم حسن المعالجة موصوفا بالفضل وكان قد خدم المأمون بصناعة الطب وخدم أيضا إبراهيم بن المهدي وكان له منه الإحسان الكثير والإنعام الغزير والعناية البالغة والجامكية الوافرة وكان يقال له أيضا يزيد بور قال يوسف بن إبراهيم حدثني أبو إسحق إبراهيم بن المهدي أن ثمامة العبسي القعقاعي وهو أبو عثمان بن ثمامة صاحب الجبار اعتل من خلفة تطاولت به وكان شيخا كبيرا قال أبو إسحق فسألني الرشيد عن علته وأين بلغت به فأعلمته إني لا أعرف له خبرا فأظهر إنكارا لقولي ثم قال رجل غريب من أهل الشرف قد رغب في مصاهرة أهله عبد الملك بن مروان وقد ولدت أخته خليفتين الوليد وسليمان ابني عبد الملك وقد رغب أبوك في مصاهرته فتزوج أخته ورغبت أنا أخوك في مثل ذلك منه فتزوجت ابنته وهو مع ذلك صحابي لجدك وأبيك ولأختك وأخيك فلا توجب على نفسك عيادته ثم أمرني بالمصير إليه لعيادته فنهضت وأخذت معي متطببي يزيد وصرت إليه فدخلت على رجل توهمت أنه في آخر حشاشة بقيت من نفسه ولم أر فيه للمسألة موضعا فأمر يزيد متطببي بإحضار متطببه فحضر فسأله عن حاله فأخبره أنه يقوم في اليوم والليلة مائة مجلس وأقبل يزيد يسأل المتطبب عن باب باب من الأدوية التي تشرب وعن السفوفات والحقن فلم يذكر لذلك المتطبب شيئا إلا أعلمه أنه قد عالجه به فلم ينجع فيه فوجم عند ذلك يزيد مقدار ساعة ثم رفع رأسه وقال قد بقي شيء واحد أن عمل به رجوت أن ينتفع به وإن لم ينجع فيه فلا علاج له قال أبو إسحق فرأيت ثمامة قد قويت نفسه عندما سمع من يزيد ما سمع ثم قال وما ذلك الشيء الذي بقي متعت بك قال له شربة اصطمخيقون فقال ثمامة أحب أن أرى هذه الشربة حتى أشم رائحتها فأخرج يزيد من كمه منديلا فيه أدوية وفيه شربة اصطمخيقون فأمر بها ثمامة فحلت ثم أتى بها فرمى بها في فيه وابتلعها فوالله ما وصلت إلى جوفه حتى سمعت منه أصواتا لم أشك في إني لم أبلغ باب داره إلا وقد مات فنهضت ومتطببي معي وما أعقل غما وأمرت خادما لي كان يحمل معي الأسطرلاب إذا ركبت بالمقام في داره وتعرف خبر ما يكون منه فتخلف فوافاني كتاب الخادم بعد الزوال يعلمني أنه قام من بعد طلوع الشمس إلى زوالها خمسين مرة فقلت تلفت والله نفس ثمامة ثم وافى كتاب الخادم بعد غروب الشمس أنه قام
226 منذ زوال الشمس إلى غروبها عشرين مجلسا ثم صار إلى الغلام مع طلوع الشمس فذكر أنه لم يكن منه منذ غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا ثلاثة مجالس ولم يكن منه إلى وقت طلوع الفجر شيء فركبت إليه بعد أن صليت الغداة فوجدته نائما وكان لا ينام فأنتبه لي فسألته عن خبره فأعلمني أنه لم يزل في وجع من جوفه مانع له النوم والقرار منذ أكثر من أربعين ليلة حتى أخذ تلك الشربة فلما انقطع فعل الشربة انقطع عنه ذلك الوجع وأنه لم يشته طعاما منذ ذلك الوقت وأنه ما يبصرني في وقته من غلبة الجوع عليه وسأل الإذن في الأكل فأذن له يزيد في أكل أسفيدباجه قد طبخت من فروج كسكري سمين ثم اتباعها زيرباجة ففعل ذلك وصرت إلى الرشيد فأخبرته بما كان من أمر ثمامة فأحضر المتطبب وقال له ويحك كيف أقدمت على إسقائه حب الأصطمخيقون فقال يا أمير المؤمنين هذا رجل كان في جوفه كيموس فاسد فلم يكن يدخل في جوفه دواء ولا غذاء إلا أفسده ذلك الكيموس وكان كلما فسد من تلك الأدوية والأغذية صار مادة لذلك الفساد فكانت العلة لهذا السبب تزداد فعلمت أنه لا علاج له إلا بدواء قوي يقوى على قلع ذلك الكيموس وكان أقوى الأشياء التي يمكن أن يسقاها الأصطمخيقون فقلت له فيه الذي قلت ولم أقدم أيضا على القول أنه يبرئه لا محالة وإنما قلت بقي شيء واحد فإن هو لم ينفعه فلا علاج له وإنما قلت ذلك لأني رأيت الرجل عليلا قد أضعفته العلة وأذهبت أكثر قواه فلم آمن عليه التلف أن شربه وكنت أرجو له العافية بشربه إياه وكنت أعلم أنه إن لم يشربه أيضا تلف فاستحسن الرشيد ما كان من قوله ووصله بعشرة آلاف درهم ثم عاد الرشيد ثمامة وقال له لقد أقدمت من شرب ذلك الدواء على أمر عظيم وخاصة إذ كان المتطبب لم يصرح لك بأن في شربه العافية فقال ثمامة يا أمير المؤمنين كنت قد يئست من نفسي وسمعت المتطبب يقول إن شرب هذا الدواء رجوت أن ينفعه فاخترت المقام على الرجاء ولو لحظة على اليأس من الحياة فشربته وكانت في ذلك خيرة من الله عظيمة أقول وهذه الحكاية تناسب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء إليه رجل من العرب فقال يا رسول الله إن أخي قد غلب عليه الخوف وداويناه ولم ينقطع عنه بشيء فقال له صلى الله عليه وسلم (أطعمه عسل النحل) فراح وأطعمه إياه فزاد الإسهال فأتى إليه وقال يا رسول الله كثر الإسهال به من وقت أطعمته العسل فقال (أطعمه العسل) فأطعمه فزاد الإسهال أكثر فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (أطعمه أيضا العسل) فأطعمه أيضا في اليوم الثالث فتقاصر الإسهال وانقطع بالكلية فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال (صدق الله وكذبت بطن أخيك) وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك لكونه كان قد علم أن في خمل معدة المريض رطوبات لزجة غليظة قد أزلقت معدته فكلما مر بها شيء من الأدوية القابضة لم يؤثر فيها والرطوبات باقية على حالها والأطعمة تزلق عنها فيبقى الإسهال دائما فلما تناول العسل جلا تلك الرطوبات وأحدرها فكثر الإسهال أولا بخروجها وتوالى ذلك إلى أن نفدت تلك الرطوبات بأسرها فانقطع
227 الإسهال وبرئ الرجل فقوله صدق الله يعني بالعلم الذي أوجده الله عز وجل لنبيه وعرفه به وقوله وكذبت بطن أخيك يعني ما كان يظهر من بطنه من الإسهال وكثرته بطريق العرض وليس هو مرض حقيقي فكانت بطنه كاذبة في ذلك عبدوس بن زيد قال أبو علي القباني عن أبيه أن القاسم بن عبيد الله مرض في حياة أبيه مرضا حادا في تموز وحل به القولنج الصعب فانفرد بعلاجه عبدوس بن زيد وسقاه ماء أصول قد طبخ وطرح فيه أصل الكرفس والرازيانج ودهن الخروع وجعل فيه شيئا من أيارج فيقرا فحين شربه سكن وجعه وأجاب طبعه مجلسين فأفاق ثم أعطاه من غد ذلك اليوم ماء شعير فاستظرف هذا منه وقال أبو علي القباني أيضا أن أخاه إسحق بن علي مرض وغلبت الحرارة على مزاجه والنحول على بدنه حتى أداه إلى الضعف ورد ما يأكله فسقاه عبدوس بن زيد هذه الأصول بالأيارج ودهن الخروع في حزيران أربعة عشر يوما فعوفي وصلحت معدته وقال في مثل هذه الأيام تحم حمى حادة فإن كنت حيا خلصتك بإذن الله وإن كنت ميتا فعلامة عافيتك له دائر سنة أن تنطلق طبيعتك في اليوم السابع فإن انطلقت عوفيت ومع هذا فقد نقرت معدتك نقرا لو طرحت فيها الحجارة لطحنتها فلما انقضت السنة مرض عبدوس وحم أخي كما قال وكان مرضهما في يوم واحد فما زال عبدوس يراعي أخي ويسأل عن خبره إلى أن قيل له قد انطلقت طبيعته فقال قد تخلص ومات عبدوس في الغد من ذلك اليوم ولعبدوس بن زيد من الكتب كتاب التذكرة في الطب سهل الكوسج كان سهل الكوسج أبو سابور بن سهل صاحب الأقراباذين المشهور من أهل الأهواز وكان الحي وإنما لقب بالكوسج على سبيل التضاد وكان عالما في الطب إلا أنه دون ابنه في العلم وكانت في لسانه لكنه خوزية وكان كثير الهزل فغلب هزله جده وكان متى اجتمع
228 مع يوحنا بن ماسوية وجورجس بن بختيشوع وعيسى بن حكم وعيسى بن أبي خالد وزكريا ابن الطيفوري ويعقوب صاحب البيمارستان والحسن بن قريش وعيسى المسلم وسهل بن جبير وهذه الطبقة من المتطببين قصر عنهم في العبارة ولم يقصر عنهم في العلاج وكلهم كان يخاف لسانه لطول كان فيه وبذاء وكانت له السن على جماعتهم وكان انقطاعه إلى سلام الأبرش وكان سلام لا يفارق هرثمة بن أعين أيام محاصرته مدينة السلام فكان سهل هذا قد خص بهرثمة بن أعين حتى كان يكون معه في ليله ونهاره وسمره وكان بدعابته الكثيرة التي كانت فيه طيب العشرة قال يوسف بن إبراهيم ومن دعابات سهل الكوسج أنه تمارض في سنة تسع ومائتين وأحضر شهودا يشهدهم على وصيته وكتب كتابا أثبت فيه أسماء أولاده فأثبت أولهم جورجس بن ميخائيل وأمه مريم بنت بختيشوع أخت جبرائيل والثاني يوحنا بن ماسويه والثالث والرابع والخامس سابور ويوحنا وخذاهويه ولد سهل المعروفين وذكر أنه أصاب أم جورجس وأم يوحنا بن ماسوية زنا وأحبلهما بجورجس ويوحنا قال يوسف ومن دعاباته أني حضرته عند أعين بن هرثمة بن أعين وقد دارت بينه وبين جورجس ملاحاة في حمى ربع قد كانت طالت بأعين فعرفه بمثل ما أشهد به في وصيته وكان في جورجس تلفت كثير إلى من عن يمينه وشماله من الناس وأخرجته الحدة إلى زمع أصابه فصاح سهل صرى وهك المسيه أخروا في أذنه آية خرسي أراد صرع وحق المسيح اقرؤوا في أذنه آية الكرسي قال يوسف ومن دعاباته أنه خرج في يوم الشعانين يريد دير الجاثليق والمواضع التي تخرج إليها النصارى في يوم الشعانين فرأى يوحنا بن ماسوية في هيئة أحسن من هيئته وعلى دابة أفره من دابته ومعه غلمان له روقة فحسده على الظاهر من نعمته فصار إلى صاحب مسلحة الناحية فقال له إن ابني يعقني وقد أعجبته نفسه وربما أخرجه العجب بنفسه وبنعمته إلى جحود أبوي وأن أنت بطحته وضربته عشرين درة موجعة أعطيتك عشرين دينارا ثم أخرج الدنانير فدفعها إلى رجل وثق به صاحب المسلحة ثم اعتزل ناحية إلى أن بلغ يوحنا إلى الموضع الذي هو فيه فقدمه إلى صاحب المسلحة وقال هذا ابني يعقني ويستخف بي فجحد أن يكون ابنه فلم يكلمه صاحب المسلحة حتى بطح يوحنا وضربه عشرين درة ضربا وجيعا مبرحا
229 سابور بن سهل كان ملازما لبيمارستان جندي سابور ومعالجة المرضى به وكان فاضلا عالما بقوى الأدوية المفردة وتركيبها وتقدم عند المتوكل وكان يرى له وكذلك عند من تولى بعده من الخلفاء وتوفي في أيام المهتدي بالله وكانت وفاة سابور بن سهل في يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة سنة خمس وخمسين ومائتين ولسابور بن سهل من الكتب كتاب الأقراباذين الكبير المشهور جعله سبعة عشر بابا وهو الذي كان من المعمول عليه في البيمارستان ودكاكين الصيادلة وخصوصا قبل ظهور الأقراباذين الذي ألفه أمين الدولة بن التلميذ كتاب قوى الأطعمة ومضارها ومنافعها كتاب الرد على حنين في كتابه في الفرق بين الغذاء والدواء المسهل القول في النوم واليقظة كتاب إبدال الأدوية إسرائيل بن سهل كان متقدما في صناعة الطب حسن العلاج خبيرا بتركيب الأدوية وله كتاب مشهور في الترياق وقد أجاد عمله وبالغ في تأليفه موسى بن إسرائيل الكوفي متطبب إبراهيم بن المهدي قال يوسف بن إبراهيم كان موسى هذا قليل العلم بالطب إذا قيس إلى من هو في دهره من مشايخ المتطببين إلا أنه كان أملأ لمجلسه منهم بخصال اجتمعت فيه منها فصاحة اللهجة ومعرفة بالنجوم وعلم بأيام الناس ورواية الأشعار وكان مولده فيما ذكر لي سنة تسع وعشرين ومائة ووفاته في سنة اثنتين وعشرين ومائتين فكان أبو إسحق يحتمله لهذه الخلال ولأنه كان طيب العشرة جدا يدخل في كل ما يدخل فيه منادمو الملوك وكان قد خدم وهو حدث عيسى بن موسى بن محمد ولي العهد قال يوسف بن إبراهيم حدثني موسى بن إسرائيل قال كان لعيسى بن موسى متطبب يهودي يقال له فرات بن شحاثا كان تياذوق المتطبب يقدمه على جميع تلامذته وكان شيخا كبيرا قد خدم الحجاج بن يوسف وهو حدث قال وكان عيسى يشاور في كل أمر ينوبه هذا المتطبب قال موسى فلما عقد المنصور لعيسى على محاربة محمد بن عبد الله بن حسن العلوي وصار اللواء في داره
230 قال للفرات ما تقول في هذا اللواء قال له المتطبب أقول إنه لواء الشحناء بينك وبين أهلك إلى يوم القيامة إلا أني أرى لك نقل أهلك من الكوفة إلى أي البلدان أحببت فإن الكوفة بلد شيعة من تحارب فإن فللت لم تكن لمن تخلف بها من أهلك بقيا وإن فللت وأصبت من تتوجه إليه زاد ذلك في أضغانهم عليك فإن سلمت منهم حياتك لم يسلم منهم عقبك بعد وفاتك فقال له عيسى ويحك إن أمير المؤمنين غير مفارق للكوفة فلم أنقل أهلي عنها وهم معه في دار فقال له أن الفيصل في مخرجك فإن كانت الحرب لك فالخليفة مقيم بالكوفة وإن كانت الحرب عليك لم تكن الكوفة له بدار وسيهرب عنها ويخلف حرمه فضلا عن حرمك قال موسى فحاول عيسى نقل عياله من الكوفة فلم يسوغه ذلك المنصور قال ولما فتح الله على عيسى ورجع إلى الكوفة وقتل إبراهيم بن عبيد الله انتقل المنصور إلى مدينة السلام فقال له متطببه بادره بالانتقال معه إلى مدينته التي قد أحدثها واستأذن المنصور في ذلك فأعلمه أنه لا سبيل إليه وأنه قد دبر استخلافه على الكوفة فأخبر بذلك عيسى متطببه فقال له المتطبب استخلافه إياك على الكوفة قد حل لعقدك عن العهد لأنه لو دبر تمام الأمر لك لولاك خراسان بلد شيعتك فأما أن يجعلك بالكوفة مع أعدائه وأعدائك وقد قتلت محمد بن عبد الله فوالله ما دبر فيك إلا قتلك وقتل عقبك ومن المحال أن يوليك خراسان بعد الظاهر منه فيك فسله توليتك الجزيرتين أو الشام فأخرج إلي أي الولايتين ولاك فأوطنها فقال له تكره لي ولاية الكوفة وأهلها من شيعة بني هاشم وترغب لي في ولاية الشام أو الجزيرتين وأهلها من شيعة بني أمية فقال له المتطبب أهل الكوفة وأن وسموا أنفسهم بالتشيع لبني هاشم فلست وأهلك من بني هاشم الذي يتشيعون لهم وإنما تشيعهم لبني أبي طالب وقد أصبت من دمائهم ما قد أكسب أهل الكوفة بغضتك وأحل لهم عند أنفسهم الاقتياد منك وتشيع أهل الجزيرتين والشام ليس على طريق الديانة وإنما ذلك على طريق إحسان بني أمية إليهم وإن أنت أظهرت لهم مودة متى وليتهم فأحسنت إليه كانوا لك شيعة ويدلك على ذلك محاربتهم مع عبد الله بن علي على ما قد نال من دمائهم لما تألفهم وتضمن لهم الإحسان إليهم فهم إليك لسلامتك من دمائهم أميل واستعفى عيسى من ولاية الكوفة وسأل تعويضه عنها فأعلمه المنصور أن الكوفة دار الخلافة وإنه لا يمكن أن تخلو من خليفة أو ولي عهد ووعد عيسى أن يقيم بمدينة السلام سنة وبالكوفة سنة وأنه إذا صار إلى الكوفة صار عيسى إلى مدينة السلام فأقام بها قال موسى فلما طلب أهل خراسان عقد البيعة للمهدي قال لمتطببه ما تقول يا فرات فقد دعيت إلى تقديم محمد بن أمير المؤمنين على نفسي فقال له فتدفع بماذا أرى أن تسمع وتطيع اليوم وبعد اليوم فقال له وما بعد اليوم قال إذا دعاك محمد بن أمير المؤمنين إلى خلع نفسك وتسليم الخلافة إلى بعض ولده أن تسارع فليست عندك منعة ولا يمكنك مخالفة القوم في شيء يريدونه منك قال موسى فمات المتطبب في
231 خلافة المنصور فلما دعى المهدي عيسى إلى خلع نفسه من ولاية العهد وتسليم الأمر إلى الهادي قال عيسى بن موسى قاتلك الله يا فرات ما كان أجود رأيك وأعلمك بما تتفوه به كأنك كنت شاهدا ليومنا هذا قال موسى بن إسرائيل ولما رأيت فعل أبي السرايا بمنازل العباسيين قلت مثل ما قال عيسى ابن موسى وقال يوسف بن إبراهيم لما بلغه وهو بمصر ما ركب الطالبيون وأهل الكوفة من العباسيين وقتل عبد الله بن محمد بن داود مثل ما قال عيسى بن موسى وموسى المتطبب قال يوسف وحدثني موسى بن إسرائيل المتطبب أن عيسى بن موسى شكا إلى فرات متطببه ما يصيبه من النعاس مع مسامريه وأنه أن تعشى معهم ثقلت معدته فنام وفاته السمر وأصبح ومعه ثقلة تمنعه من الغذاء وإن لم يتعش معهم أضرت به الشهوة الكاذبة فقال له شكوت إلي مثل ما شكا الحجاج إلى أستاذي تياذوق فوصف له شيئا أراد به الخير فصار شرا فقال له وما هو قال وصف له العبث بالفستق فذكر ذلك الحجاج لحظاياه فلم يبق له حظية إلا قشرت له جاما من الفستق وبعثت به إليه وجلس مع مساميره فأقبل يستف الفستق سفا فأصابته هيضة كادت تأتي على نفسه فشكا ذلك إلى تياذوق فقال إنما أمرتك أن تعبث بالفستق وأردت بذلك الفستق الذي بقشريه جميعا لتتولى أنت كسر الواحدة بعد الواحدة ومص قشرها المصلح لمعدة مثلك من الشباب الممرورين وإصلاح الكبد بما يتأدى إليها من طعم هذا الفستق وذهبت إلى أنك إذا أكلت ما في الفستقة من الثمرة وحاولت كسر أخرى لم يتم لك كسرها إلا و قد أسرعت الطبيعة في هضم ما أكلت من ثمرة الفستقة التي قبلها فأما ما فعلت فليس بعجيب أن ينالك معه أكثر مما أنت فيه وإن كنت تأخذ أيها الأمير الفستق على ما رأى أستاذي أن يؤخذ انتفعت به قال موسى فلزم عيسى بن موسى أخذ الفستق أكثر من عشرين سنة فكان يحمده ماسرجويه متطبب البصرة وهو الذي نقل كتاب أهرن من السرياني إلى العربي وكان يهودي المذهب سريانيا وهو الذي يعنيه أبو بكر محمد بن زكريا الرازي في كتابه الحاوي بقوله قال اليهودي وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل أن ماسرجويه كان في أيام بني أمية وأنه تولى في الدولة المروانية تفسير كتاب أهرن بن أعين إلى العربية الذي وجده عمر بن عبد العزيز رحمه الله في خزائن الكتب فأمر بإخراجه ووضعه في مصلاه واستخار الله في إخراجه إلى المسلمين للانتفاع به فلما تم له في ذلك أربعون صباحا أخرجه إلى الناس وبثه في أيديهم قال سليمان بن حسان حدثني أبو بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بهذه الحكاية في مسجد الترمذي
232 سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وقال يوسف بن إبراهيم حدثني أيوب بن الحكم البصري المعروف بالكسروي صاحب محمد بن طاهر بن الحسين وكان ذا أدب ومروءة وعلم بأيام الناس وأخبارهم قال كان أبو نواس الحسن بن هانئ يعشق جارية لامرأة من ثقيف تسكن الموضع المعروف بحكمان من أرض البصرة يقال لها جنان وكان المعروفان بأبي عثمان وأبي أمية من ثقيف قريبين لمولاة الجارية فكان أبو نواس يخرج في كل يوم من البصرة يتلقى من يقدمه من ناحية حكمان فيسائلهم عن أخبار جنان قال فخرج يوما وخرجت معه وكان أول طالع علينا ماسرجويه المتطبب فقال له أبو نواس كيف خلفت أبا عثمان ومية فقال ماسرجويه جنان صالحة كما تحب فأنشأ أبو نواس يقول (أسأل القادمين من حكمان * كيف خلفتم أبا عثمان) (وأبا مية المهذب والمأمول * والمرتجى لريب الزمان) (فيقولون لي جنان كما * سرك في حالها فسل عن جنان) (ما لهم لا يبارك الله فيهم * كيف لم يغن عنهم كتماني) الخفيف قال يوسف وحدثني أيوب بن الحكم أنه كان جالسا عند ماسرجويه وهو ينظر في قوارير الماء إذ أتاه رجل من الخوز فقال له إني بليت بداء لم يبل أحد بمثله فسأله عن دائه فقال أصبح وبصري علي مظلم وأنا أجد مثل لحس الكلاب في معدتي فلا تزال هذه حالي حتى أطعم شيئا فإذا طعمت سكن عني ما أجد إلى وقت انتصاف النهار ثم يعاودني ما كنت فيه فإذا عاودت الأكل سكن ما بي إلى وقت صلاة العتمة ثم يعاودني فلا أجد له دواء إلا معاودة الأكل فقال ماسرجويه على هذا الداء غضب الله فإنه أساء لنفسه الاختيار حين قرنها بسفلة مثلك ولوددت أن هذا الداء يحول إلي وإلى صبياني وكنت أعوضك مما نزل بك منه مثل نصف ما أملك فقال له ما أفهم عنك فقال له ماسرجويه هذه صحة لا تستحقها أسأل الله نقلها عنك إلى من هو أحق بها منك قال يوسف وحدثني أيوب بن الحكم الكسروي قال شكوت إلى ماسرجويه تعذر الطبيعة فسألني أي الأنبذة أشرب فأعلمته أني أدمن النبيذ المعمول من الدوشاب البستاني الكثير الداذي فأمرني أن آكل في كل يوم من أيام الصيف على الريق قثاءه صغيرة من قثاء بالبصرة يعرف
233 بالخريبي قال فكنت أوتي بالقثاء وهو قثاء دقيق في دقة الأصابع وطول القثاءة منه نحو من فتر فآكل منه الخمس والست والسبع فكثر علي الإسهال فشكوت ذلك إليه فلم يكلمني حتى حقنني بحقنة كثيرة الشحوم والصموغ والخطمي والأرز الفارسي وقال لي كدت تقتل نفسك بإكثارك من القثاء على الريق لأنه كان يحدر من الصفراء ما يزيل عن الأمعاء من الرطوبات اللاصقة بها ما يمنع الصفراء من سحجها وأحداث الدوسنطاريا فيها ولماسرجويه من الكتب كناش كتاب في الغذاء كتاب في العين سلمويه بن بنان متطبب المعتصم لما استخلف أبو إسحق محمد المعتصم بالله وذلك في سنة ثمان عشرة ومائتين اختار لنفسه سلمويه الطبيب وأكرمه إكراما كثيرا يفوق الوصف وكان يرد إلى الدواوين توقيعات المعتصم في السجلات وغيرها بخط سلمويه وكل ما كان يرد على الأمراء والقواد من خروج أمر وتوقيع من حضرة أمير المؤمنين فبخط سلمويه وولى أخا سلمويه إبراهيم بن بنان خزن بيوت الأموال في البلاد وخاتمه مع خاتم أمير المؤمنين ولم يكن أحد عنده مثل سلمويه وأخيه إبراهيم في المنزلة وكان سلمويه بن بنان نصرانيا حسن الاعتقاد في دينه كثير الخير محمود السيرة وافر العقل جميل الرأي وقال إسحق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة قال أخبرني يوحنا بن مساويه عن المعتصم أنه قال سلمويه طبيبي أكبر عندي من قاضي القضاة لأن هذا يحكم في نفسي ونفسي أشرف من مالي وملكي ولما مرض سلمويه الطبيب أمر المعتصم ولده أن يعوده فعاده ثم قال أنا أعلم وأتيقن إني لا أعيش بعده لأنه كان يراعي حياتي ويدبر جسمي ولم يعش بعده تمام السنة وقال إسحق بن حنين عن أبيه أن سلمويه كان أعلم أهل زمانه بصناعة الطب وكان المعتصم يسميه أبي فلما اعتل سلمويه عاده المعتصم وبكى عنده وقال تشير علي بعدك بما يصلحني فقال سلمويه يعز علي بك يا سيدي ولكن عليك بهذا الفضولي يوحنا بن ماسويه وإذا شكوت إليه شيئا فقد يصف فيه أوصافا فإذا وصف فخذ أقلها أخلاطا فلما مات سملويه امتنع المعتصم من أكل الطعام يوم موته وأمر بأن تحضر جنازته الدار ويصلى عليه بالشمع والبخور على زي النصارى الكامل ففعل وهو بحيث يبصرهم ويباهي في كرامته وحزن عليه حزنا شديدا وكان المعتصم الهضم في جسمه قوي وكان سلمويه يفصده في السنة مرتين ويسقيه بعد كل مرة دواء مسهلا ويعالجه بالحمية في أوقات فأراد يوحنا بن ماسويه
234 أن يريه غير ما عهد فسقاه دواء قبل الفصد وقال أخاف أن تتحرك عليه الصفراء فعند ما شرب الدواء حمي دمه وحم جسمه وما زال جسمه ينقص والعلل تتزايد إلى أن نحل بدنه ومات بعد عشرين شهرا من وفاة سلمويه وكانت وفاة المعتصم في شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين قال يوسف بن إبراهيم قال المعتصم لأبي إسحق إبراهيم بن المهدي في أول مقدمه من بلد الروم وهو خليفة يا عم أمورك مضطربة عليك منذ أول أيام الفتنة لأنك بليت في أولها مثل ما شمل الناس ثم خصك بعد ذلك من خراب الضياع وتخرم حدودها لاستتارك سبع سنين من الخليفة الماضي ما لو لم يتقدمه شيء من المكروه لقد كانت فيه كفاية ثم ظهر من سوء رأي المأمون بعد ذلك فيك ما طم على كل ما تقدم من المكروه النازل بك فزاد ذلك في أمرك وفكرت فيك فوجدتك تحتاج إلى أن يرد علي في يوم خبرك وما تحتاج إليه لمصالح أمورك ورأيت ذلك لا يتم إلا بتقليدي عن القيام برفع حوايجك إلى خادم خاص بي وقد وقع اختياري لك على خادمين لي يصل كل واحد منهما إلي في مجالس جدي وهزلي بل يصل إلي في مرقدي ومتوضئي وهما مسرور سمانه الخادم وسلمويه بن بنان فاختر أيهما شئت وقلده حوايجك فوقع اختياره على سلمويه وأحضره أمير المؤمنين فأمره أن يتولى إيصال رسائله إليه في جميع الأوقات قال يوسف فقربني أبو إسحق بسلمويه وكنت لا أكاد أفارقه وكان خروج أمير المؤمنين عن مدينة السلام آخر خرجاته عن غير ذكر تقدم لخروج إلى ناحية من النواحي وكان الناس قد حضروا الدكة بالشماسية لحلية السروج في يوم الأربعاء لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة عشرين ومائتين فأخرجت الخيل ودعا بالجمازات فركبها ونحن لا نشك في رجوعه من يومه ثم أمر الموالي والقواد باللحاق به ولم يخرج معه من أهل بيته أحد إلا العباس بن المأمون وعبد الوهاب ابن علي وخلف المعتصم الواثق بمدينة السلام إلى أن صلى بالناس يوم النحر سنة عشرين ومائتين ثم أمر بالخروج إلى القاطول فخرج فوجهني أبو إسحق بحوائج له إلى باب أمير المؤمنين فتوجهت فلم يزل سيارة مرة بالقاطول ومدية القاطول ومرة بدير بني الصقر وهو الموضع الذي سمي في أيام المعتصم والواثق بالإيتاخية وفي أيام المتوكل بالمحمدية ثم صار المعتصم إلى سر من رأى فضرب مضاربه فيها وأقام بها في المضارب فإني في بعض الأيام على باب مضرب المعتصم إذ خرج سلمويه بن بنان فأخبرني أن أمير المؤمنين أمره بالمضي إلى الدور والنظر إلى سوار تكين الفرغاني والتقدم إلى متطببه في معالجته من علة يجدها بما يراه سلمويه صوابا وحلف علي أن لا أفارقه حتى نصير إلى الدور ونرجع فمضيت معه فقال لي حدثني في غداة يومنا هذا نصر بن منصور بن بسام أنه كان يساير المعتصم بالله في هذا البلد يعني بلد سر من رأى وهو أمير
235 قال لي سلمويه قال لي نصر أن المعتصم أمير المؤمنين قال له يا نصر أسمعت قط بأعجب ممن اتخذ في هذا البلد بناء وأوطنه ليت شعري ما أعجب موطنه حزونة أرضه أو كثرة أخافيفه أم كثرة تلاعه وشدة الحر فيه إذا حمي الحصى بالشمس ما ينبغي أن يكون متوطن هذا البلد إلا مضطرا مقهورا أوردي التمييز قال لي سلمويه قال لي نصر بن منصور وأنا والله خائف أن يوطن أمير المؤمنين هذا البلد فإن سلمويه ليحدثني عن نصر إذ رمى ببصره نحو المشرق فرأى في موضع الجوسق المعروف بالمصيب أكثر من ألف رجل يضعون أساس الجوسق فقال لي سلمويه أحسب ظن نصر بن منصور قد صح وكان ذلك في رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين وصام المعتصم في الصيف في شهر رمضان من هذه السنة وغدى الناس فيه يوم الفطر واحتجم المعتصم بالقاطول يوم سبت وكان ذلك اليوم آخر يوم من صيام النصارى فحضر غداءه سلمويه بن بنان واستأذنه في المصير إلى القادسية ليقيم في كنيستها باقي يومه وليلته ويتقرب فيها يوم الأحد ويرجع إلى القاطول قبل وقت الغداء من يوم الأحد فأذن له في ذلك وكساه ثيابا كثيرة ووهب له مسكا وبخورا كثيرا فخرج منكسرا مغموما وعزم علي بالمصير معه إلى القادسية فأجبته إلى ذلك وكانت عادتنا متى تسايرنا قطع الطريق إما بمناظرة في شيء من الآداب وأما بدعابة من دعابات المتأدبين فلم يجارني شيء من البابين جميعا وأقبل على الفكرة وتحريك يده اليمنى وشفته تهمس من القول بما لا يعلنه فسبق إلى وهمي أنه رأى من أمير المؤمنين في أمر نفسه شيئا أنكره ثم أزال ذلك الوهم عني إقدامه على الاستئذان في المصير إلى القادسية والثياب والطيب الذي جيء به فسألته عن سبب قراءته وفكرته فقال لي سمعتك تحكي عن بعض ملوك فارس قولا في العقل وأنه وجب أن يكون أكثر ما في الإنسان عقله فأعده علي وخبرني باسم ذلك الملك قال له قال أنوشروان إذا لم يكن أكثر ما في الرجل عقله كان أكثر ما فيه برديه فقال قاتله الله فما أحسن ما قال ثم قال أميرنا هذا يعني الواثق حفظه لما يقرأ ويقرأ عليه من الكتب أكثر من عقله وأحسبه قد وقع في الذي يكره وأنا استدفع الله في المكاره عنه وبكى فسألته عن السبب فقال أشرت على أمير المؤمنين بترك الشرب في عشيه أمس ليباكر الحجامة في يومنا هذا على نقاء فجلس واحضر الأمير هارون وابن أبي داؤد وعبد الوهاب ليتحدث معهم فاندفع هارون في عهد أردشير بن بابك وأقبل يسرد جميع ما فيه ظاهرا حتى أتى على العهد كله فتخوفت عليه حسد أبيه له على جودة الحفظ الذي لم يرزق مثله وتخوفت عليه إمساك أبيه ما حد أردشير بن بابك في عهده من ترك إظهار البيعة لولي عهده وتخوفت عليه ما ذكر أردشير في هذا الباب من ميل الناس نحو ولي العهد متى عرفوا مكانه وتخوفت عليه ما ذكر أردشير من أنه لا يؤمن اضطغان ولي العهد على أسباب والده متى علم أنه الملك بعد أبيه وأنا والله عالم بأن أقل ما
236 يناله في هذا الباب التضييق عليه في معاشه وأنه لا يظهر له بيعة أبدا فاغتمامي بهذا السبب فكان جميع ما تخوف سلمويه علي ما تخوف قال يوسف واستبطأ المعتصم أبو إسحق إبراهيم بن المهدي في بعض الأمور واستجفاه فكتب إليه كتابا أمرني بقراءته على سلمويه ومناظرته فيه فإن استصوب الرأي في إيصاله ختمته وأوصلته وإن كره ذلك رددته على أبي إسحق فقرأته على سلمويه فقال لي قل له قد جرى لك المقدار مع المأمون والمعتصم أعز الله الباقي ورحم الماضي بما يوجب عليك شكر ربك وإلا تنكر علي بالخليفتين تنكرهما في وقت من الأوقات لأنك تسميت باسم لم يتسم به أحد قط فكاثر الأحياء فإن كان المقدار استعطف عليك رحمك حتى صرت إلى الأمن من المكروه فليس ينبغي أن تتعجب من تنكر الخليفة في وقت من الأوقات أن طعن بعض أعدائك عليك بما كان منك فيظهر بالجفاء اليومين والثلاثة أو نحو ذلك ثم ينعطف عليك ويذكر ماسة رحمك وشابكتها فيؤول أمرك إلى ما تحب ولك أيضا آفة يجب عليك التحرز منها وهي أنك تجلس مع الخليفة في مجلسه وفيه جماعة من أهله وقواده ووجوه مواليه فهو يجب أن يكون أجل الناس في عيونهم وأملأ لقلوبهم فلا يجري جار من القول إلا ظهرت لنفسك فيه قولا يتبين نصرتك فيه عليه فلو كنت مثل ابن أبي داؤد أو مثل بعض الكتاب لكان الأمر فيه أسهل عليه لأنه ما كان لتلك الطبقة فهو للخليفة لأنهم من عبيده وما كان لرجل من أهله له السن والقعدد عليه فهو موجب لمن السن والقعدد له وذلك مزر بالخليفة وأنا أرى أن لا أوصل هذا الكتاب وأن يتغافل أعزه الله حتى يتشوق إليه الخليفة فإذا صار إليه تحرز بما كرهته له ففي ذلك غنى عن العتاب والاستبطاء قال فانصرفت إلى أبي إسحق بالكتاب ولم أوصله فوجدت سيما الدمشقي عند صاحبنا وقد أبلغه رسالة المعتصم بوصف شوقه إليه وبالأمر بالركوب إليه فأخبرته بما دار بيني وبين سلمويه وركب فاستعمل ما أشار به فلم ينكر بعد ذلك منه شيئا حتى فرق بينهما الموت قال يوسف وجرى بيني وبين سلمويه ذكر يوحنا بن ماسويه فأطنبت في وصفه وذكرت منه ما أعرف من اتساع علمه فقال سلمويه يوحنا آفة من آفات من اتخذه لنفسه واتكل على علاجه وكثرة حفظه للكتب وحسن شرحه ووصفه بما يلجم به المكروه ثم قال لي أول الطب معرفة مقدار الداء حتى يعالج بمقدار ما يحتاج إليه من العلاج ويوحنا أجهل خلق الله بمقدار الداء والدواء جميعا فإن زوال محرور عالجه من الأدوية الباردة والأغذية المفرطة البرد وبما يزيل عنه تلك الحرارة ويعقب معدته وبدنه بردا يحتاج له إلى المعالجة بالأدوية والأغذية الحارة ثم يفعل في ذلك كفعله في العلة الأولى من الإفراط ليزول عنه البرد ويعتل من حرارة مفرطة فصاحبه أبدا عليل إما من حرارة وإما من برودة والأبدان تضعف عن احتمال هذا التدبير وإنما الغرض في اتخاذ الناس المتطببين لحفظ صحتهم في أيام الصحة ولخدمة طبائعهم في أيام العلة ويوحنا لجهله بمقادير العلل والعلاج غير قائم بهذين البابين ومن لم يقم بهما فليس بمتطبب قال يوسف وأصابت إبراهيم بن بنان أخا سلمويه بن بنان هيضة من خوخ أكله فأكثر منه فكادت
237 تأتي على نفسه فسقاه أخوه سلمويه شهريارانا كثير السقمونيا فأسهله إسهالا كثيرا زائدا على المقدار الذي يجب أن يكون ممن شرب مثل ما شرب إبراهيم من الشهرياران وانقطع مع انقطاع فعل الشهرياران فعل الهيضة فقلت له أحسبك امتثلت فيما فعلت بأخيك من إسقائه الدواء المسهل طريقة يزيد بور في ثمامة العبسي فقال ما استعملت له طريقة ولكني استعملت فكري كما استعمل فكره فنتج لي من الرأي ما نتج له قال يوسف وكنت يوما عند سلمويه وقد أجرينا حديث أيام الفتنة بمدينة السلام أيام محمد الأمين فقال لي لقد نفعنا الله في تلك الأيام بجوار بشر وبشير ابني السميدع وذلك أنا كنا معهما في كل حمى ثم قال لي هل لك أن تركب إلى بشير فتعوده فقد كنت يئست منه أول من أمس ثم أفرق أمس فأجبته إلى الركوب معه وركبنا فلما صرنا إلى باب الدرب الذي كان بشير ينزله طلع علينا بولس بن حنون المتطبب الذي هو اليوم متطبب أهل فلسطين وهو منصرف من عند بشير فسأله عن خبره فأجابه بكلمة بالسريانية معناها بئس فقال له سلمويه ألم تخبرني أمس أنه قد أفرق فقال له بولس قد كان ذاك إلا أنه أكل البارحة دماغ جدي فعاوده الإسهال فعطف سلمويه رأس دابته وقال انصرف بنا فليس يبيت بشير في الدنيا فسألته عن السبب فذكر أنه رجل مبطون وأن أول آفته كانت في البطن فساد معدته فتطاولت أيامه في البطن بفساد المعدة إلى أن كان ذلك سببا لفساد كبده وأن الدماغ الذي أكله سيعلق بمعدته ويغري ما بين غضونها فلا يدخلها غذاء ولا دواء إلا زلق وانصرفنا ولم يعده سلمويه ولا عدته فما بات حتى توفي قال يوسف وصحبت بعد وفاة أبي إسحق أبا دلف فصحبته وقد كان مبطونا قبل صحبتي إياه بخمسة عشر شهرا وكان مجلس أبي دلف مجمعا للمتطببين لأنه كان معه من المرتزقة جماعة منهم يوسف بن صليبا وسليمان بن داؤد بن بابان ويوسف القصير البصري ولا أحفظ نسبه وبولس بن حنون متطبب فلسطين وختن كان له من اللجلاج والحسن بن صالح بن بهلة الهندي وكان يحضر مجلسه من المتطببين غير المرتزقين جماعة فربما اجتمع في مجلسه منهم عشرون رجلا فكانوا على سبيل اختلاف في أصل علته فبعضهم كان يرى أن يسقيه الدرياق وبعضهم كان يرى أن يعالجه بالأدوية التي يقع فيها الأبيون مثل المتروديطوس وغيره وكلهم كان مجمعا على معالجته بالحمية وبالقيء في كل بضع عشرة ليلة لأنه كان متى تقيأ صلحت حاله ثلاثة أيام أو نحوها فأقمت معه عشرة أشهر لا أذكر أني تشاغلت في يوم منها بأمر من أمور الأعمال التي أتقلدها فسلمت من رسول له يستنهضني للمسير إليه وللنظر فيما بين المتطببين من الاختلاف
238 ثم أمر المعتصم حيدر بن كاوس بالعقد لأبي دلف على قزوين وزنجان ونواحيها وإبراهيم ابن البحتري بتقليده خراج الناحية ومحمد بن عبد الملك بتقليده ضياعها فقلد أبو دلف ابنه معنا بن القاسم المعونة وقلدني الخراج والضياع وأمرنا بالخروج فأتيت سلمويه مودعا ومشاورا فقال لي انقلاعك من بلدك مع رجل منحل بدنه منذ خمسة وعشرين شهرا وجميع من يطيف به معك لا يجمعك وإياهم رحم وإنما هم أهل الجبل وأصبهان وأكثرهم صعاليك ولعلك قد استقصيت على بعضهم بالحضرة وحيث كنت تأمن على نفسك بما لا أحبه لك لأنه إن حدث بالرجل حادث كنت في أرض غربة أسيرا في أيدي من لا مجانسة بينك وبينهم وامتناعك على الرجل بعد أن أجبته إلى أن تتقدمه تسمج ولكن استأجله في الخروج بعد سبعة أيام وأشرف في هذه الأيام على مطعمه ومشربه حتى لا يصل إلى جوفه في هذا الأسبوع مأكول ومشروب إلا عرفت مبلغ وزنه على الحقيقة ووكل من يعرف وزن ما يخرج منه في هذا الأسبوع من ثقل وبول وارفع وزن ذلك ليوم بعد يوم إليك وصر إلي بعد هذا الأسبوع بمبلغ وزن جميع ما دخل بطنه من الطعام والشراب وغير ذلك ووزن ما يخرج منه فعنيت بذلك غاية العناية وتعرفته حتى صح عندي فوجدت ما خرج من بدنه قريبا من ضعف ما دخله من مطعم ومشرب فأعلمت ذلك سلمويه فقال لي لو كان خرج منه بوزن ما دخل بدنه لدل ذلك على سرعة تلفه فكيف ترى الحال كائنة والخارج منه مثل ضعف ما دخل بدنه الهرب من التلبيس بأمر هذا الرجل فإن الشوق قد جذبه فما لبث بعد هذا القول إلا بضع عشرة ليلة حتى توفي أبو دلف قال أبو علي القباني حدثني أبي قال كانت بين جدي الحسين بن عبد الله وبين سلمويه المتطبب مودة فحدثني أنه دخل إليه يوما إلى داره وكان في الحمام ثم خرج وهو مكمكم والعرق يسيل من جبينه وجاءه خادم بمائدة عليها دراج مشوي وشئ أخضر في زبدية وثلاث رقاقات كزمازك وفي سكرجة خل فأكل الجميع واستدعى ما مقداره درهمان شرابا فمزجه وشربه وغسل يديه بماء ثم أخذ في تغيير ثيابه البخور فلما فرغ أقبل يحادثني فقلت له قبل أن أجيبك إلى شيء عرفني ما صنعت فقال أنا أعالج السل منذ ثلاثين سنة لم آكل في جميعها إلا ما رأيت وهو دراج مشوي وهندبا مسلوقة مطجنة بدهن لوز وهذا المقدار من الخبز وإذا خرجت من الحمام احتجت إلى
239 مبادرة الحرارة بما يسكنها كيلا تعطف على بدني فتأخذ من رطوبته فأشغلها بالغذاء ليكون عطفها عليه ثم أتفرغ لغيره إبراهيم بن فزارون متطبب غسان بن عباد وإبراهيم بن فزارون هو شيخ بني فزارون الكتاب قال يوسف ابن إبراهيم كان إبراهيم بن فزارون قد خرج مع غسان عباد إلى السند فحدثني أن غسان بن عباد مكث بأرض السند من يوم النوروز إلى يوم المهرجان يشتهي أن يأكل قطعة لحم باردة فما قدر على ذلك فسألته عن السبب فقال كنا نطجنه فلا يبرد حتى يروح فيرمى به قال يوسف وأخبرني إبراهيم بن فزارون أنه ما أكل بأرض السند لحما استطابه إلا لحوم الطواويس وإنه لم يأكل لحما قط أطيب من لحم طواويس بلاد السند وحدثني إبراهيم بن عيسى بن المنصور المعروف بابن نزيهة عن غسان بن عباد في لحوم الطواويس بمثل ما حدثني إبراهيم بن فزارون قال يوسف وحدثني إبراهيم بن فزارون أنه رفع إلى غسان بن عباد أن في النهر المعروف بمهران بأرض السند سمكة تشبه الجدي وأنها تصاد ثم يطين رأسها وجميع بدنها إلى موضع مخرج الثقل منها ثم يجعل ما لم يطين منها على الجمر ويمسكها ممسك بيده حتى ينشوي منها ما كان موضوعا على الجمر وينضج ثم يؤكل ما نضج أو يرمى به وتلقى السمكة في الماء ما لم ينكسر العظم الذي هو صلب السمكة فتعيش وينبت على عظمها اللحم وأن غسان أمر بحفر بركة في داره وملأها ماء وأمر بامتحان ما بلغه قال إبراهيم فكنا نؤتي كل يوم بعدة من هذا السمك فنشويه على الحكاية التي ذكرت لنا ونكسر من بعضه عظم الصلب ونترك بعضه لا نكسره فكان ما يكسر عظمه يموت وما لم يكسر عظمه يسلم وينبت عليه اللحم ويستوي الجلد إلا أن جلدة تلك السمكة تشبه جلد الجدي الأسود وما قشرناه من لحوم السمك التي شويناها ورددناها إلى الماء يكون على غير لون الجلدة الأولى لأنه يضرب إلى البياض قال يوسف وسألت إبراهيم بن فزارون عن قول من يزعم أن نهر مهران هو نهر النيل فقال لي رأيت نهر مهران وهو يصب في البحر المالح إلا أن علماء الهند والسند أعلموني أن مخرج النيل ومخرج نهر مهران من عين واحدة عظيمة فنهر مهران يشق أرض السند حتى يصب في بحرها المالح والنهر
240 الآخر يشق أرض الهند وجميع أرض السودان حتى يخرج إلى أرض النوبة ثم يصب باقيه في أرض مصر فيرويها ثم يصب باقيه في بحر الروم قال يوسف وحدثني عنبسة بن إسحاق الضبي من أمر العين التي منها يخرج نهر مهران والنيل بمثل ما حدثني به إبراهيم وكان يحدثنا بحديث السمك في كل وقت أيوب المعروف بالأبرش كان له نظر في صناعة الطب ومعرفة بالنقل وقد نقل كتبا من مصنفات اليونانيين إلى السرياني وإلى العربي وهو متوسط النقل وما نقله في آخر عمره فهو أجود مما نقله قبل ذلك إبراهيم بن أيوب الأبرش قال إسحق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب حدثني عيسى بن ماسة قال رأيت إبراهيم بن أيوب الأبرش وقد عالج إسماعيل أخا المعتز وبرئ فكلمت أمه قبيحة المتوكل أن يجيزه فقال لها لا تجيزيه ليس عندك ما تعطيه حتى أعطيه أنا مثله وإبراهيم واقف بين أيديهما فأمرت قبيحة فأحضرت بدرة دراهم لإبراهيم وأمر المتوكل بإحضار مثل ذلك فأحضرت قبيحة بدرة أخرى فأمر بإحضار مثلها فلم يزالا يأمران بإحضار بدرة وبدرة حتى أحضرت ست عشرة بدرة فأومت قبيحة إلى جاريتها أن تمسك فقال لها إبراهيم سرا لا تقطعي وأنا أرد عليك فقالت له املأ الله عين الآخر فقال لها المتوكل والله لو أعطيتيه إلى الصباح لأعطيته مثل ذلك فحملت البدر إلى منزل إبراهيم وقال ثابت بن سنان بن ثابت أن الخلافة لما تأدت إلى المعتز بالله كان أخص المتطببين عنده إبراهيم ابن الأبرش لمكانه من والدته قبيحة وكانت صلاته أبدا واصلة إليه وخلع أبو عبد الله المعتز بالله بسر من رأى وقبض عليه صالح بن وصيف يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وحبسه خمسة أيام ثم قتل وقت العصر من يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان من السنة المذكورة وله ثلاث وعشرون سنة جبرائيل كحال المأمون قال يوسف بن إبراهيم كان المأمون يستخف يد جبرائيل الكحال ويذكر أنه ما رأى أبدا على عين أخف من يده واتخذ مراود ومكاحل ودستجا ودفعه إليه فكان أول من يدخل
241 إليه في كل يوم عند تسليمه في صلاة الغذاة فيغسل أجفانه ويكحل عينيه فإذا انتبه من قائلته فعل مثل ذلك وكان يجري عليه ألف درهم في كل شهر ثم سقطت منزلته بعد ذلك فسألته عن السبب في ذلك فأخبرني أن الحسين الخادم اعتل فلم يمكن ياسرا أخاه عيادته لاشتغاله بالخدمة إلى أن وافى ياسر باب الحجرة التي كان فيها المأمون وقد خرج جبرائيل من عنده بعد أن برد أجفانه وكحل عينيه فسأله ياسر عن خبر المأمون فأخبره أنه أغفى فتغنم ياسر ما أخبره به من نومه فصار إلى حسين فعاده وأنتبه المأمون قبل انصراف ياسر من عند حسين ثم انصرف ياسر فسأله المأمون عن سبب تخلفه فقال ياسر أخبرت بنوم أمير المؤمنين فصرت إلى حسين فعدته فقال له المأمون ومن أخبرك برقادي فقال له ياسر جبرائيل الكحال قال جبرائيل فأحضرني المأمون ثم قال يا جبرائيل اتخذتك كحالا لي أو عاملا على الإخبار عني أردد علي مكاحلي وأميالي واخرج عن داري فأذكرته خدمتي فقال إن له لحرمة فليقتصر له على إجراء مائة وخمسين درهما في كل شهر ولا يؤذن له في الدخول فلم يخدم المأمون بعده حتى توفي ماسويه أبو يوحنا قال فثيون الترجمان أن ماسويه كان يعمل في دق الأدوية في بيمارستان جندي سابور وهو لا يقرأ حرفا واحدا بلسان من الألسنة إلا أنه عرف الأمراض وعلاجها وصار بصيرا بانتقاد الأدوية فأخذه جبرائيل بن بختيشوع فأحسن إليه وعشق جارية لداود بن سرابيون فابتاعها جبرائيل بثمانمائة درهم ووهبها لماسويه ورزق منها ابنه يوحنا وأخاه ميخائيل وقال إسحق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة إن ماسويه أبا يوحنا كان تلميذا في بيمارستان جندي سابور ثلاثين سنة فلما اتصل به محل جبرائيل من الرشيد قال هذا أبو عيسى قد بلغ السها ونحن في البيمارستان لا نتجاوزه فبلغ ذلك جبرائيل وكان البيمارستان إليه فأمر بإخراجه منه وقطع رزقه فبقي منقطعا به فصار إلى مدينة السلام ليعتذر إلى جبرائيل ويخضع له فلم يزل على بابه دهرا طويلا فلم يأذن له فكان إذا ركب دعا له واستعطفه فلا يكلمه فلما ضاق به الأمر صار إلى دار الروم بالجانب الشرقي فقال للقس أكرز لي في البيعة لعله أن يقع لي شيء فأنصرف إلى بلدي فإن أبا عيسى ليس يرضى عني ولا يكلمني فقال له القس أنت في البيمارستان منذ ثلاثين سنة ولا تحسن شيئا من الطب فقال بلى والله أطب وأكحل وأعالج الجراحات فأخرج له صندوقا وأعطاه إياه ليداوي وأجلسه بباب الحرم عند قصر الفضل بن الربيع وهو وزير الرشيد فلم يزل هناك يكسب الشيء بعد الشيء حتى حسنت حاله واشتكت عين خادم للفضل بن الربيع فنفذ إليه جبرائيل بكحالين فعالجوه بأصناف العلاج فلم ينتفع به واشتد وجعه حتى عدم النوم فلما اشتد أرقه وقلقه خرج من القصر هائما من الضجر والقلق فرأى ماسويه فقال له يا شيخ ما تصنع هنا إن كنت تحسن شيئا فعالجني
242 وإلا فقم من ههنا فقال له يا سيدي أحسن وأجيد فقال له ادخل معي حتى تعالجني فدخل معه وقلب جفنه وكحله وسكب على رأسه وسعطه فنام الخادم وهدأ فلما أصبح أنفذ إلى ماسويه جونة فيها خبز سميد وجدي ودجاجة وحلوى ودنانير ودراهم وقال له هذا لك في كل يوم والدراهم والدنانير رزقك مني في كل شهر فبكى ماسويه فرحا فتوهم الرسول أنه قد استقله فقال له لا تغتم فإنه يزيدك ويحسن إليك فقال له يا سيدي رضيت منه بهذا إن يدره على الأيام فلما رجع عرف الخادم ما كان منه فعجب منه وبرأ الخادم على يديه ولم يمض إلا أيام يسرة حتى اشتكت عين الفضل فنفذ إليه جبرائيل الكحالين فلم يزالوا يعالجونه فلم ينتفع بهم فأدخل الخادم ماسويه إليه ليلا فلم يزل يكحله إلى ثلث الليل ثم سقاه دواء مسهلا فصلح به ثم حضر جبرائيل فقال له الفضل يا أبا عيسى أن ههنا رجلا يقال له ماسويه من أفره الناس وأعرفهم بالكحل فقال له ومن هذا لعله الذي يجلس بالباب فقال له نعم قال جبرائيل هذا كان أكارا لي فلم يصلح للكروث فطردته وقد صار الآن طبيبا وما عالج الطب قط فإن شئت فأحضره وأنا حاضر وتوهم جبرائيل أنه يدخل ويقف بين يديه ويتذلل له فأمر الفضل بإحضاره فدخل وسلم وجلس بحذاء جبرائيل فقال له جبرائيل يا ماسويه أصرت طبيبا فقال له لم أزل طبيبا أنا أخدم البيمارستان منذ ثلاثين سنة تقول لي هذا القول ففزع جبرائيل أن يزيد في المعنى فبادر وانصرف في الحال وهو خجل وأجرى الفضل على ماسويه في كل شهر ستمائة درهم وعلوفة دابتين ونزل خمسة غلمان وأمره أن يحمل عياله من جندي سابور وأعطاه نفقة واسعة فحمل عياله ويوحنا ابنه حينئذ وهو صبي فما مضت إلا أيام حتى اشتكت عين الرشيد فقال له الفضل يا أمير المؤمنين طبيبي ماسويه من أحذق الناس بالكحل وشرح له قصته وما كان من أمر خادمه وأمر نفسه فأمر الرشيد بإحضاره فأحضر ماسويه فقال له تحسن شيئا من الطب سوى الكحل فقال نعم يا أمير المؤمنين وكيف لا أحسن وأنا قد خدمت المرضى بالبيمارستان منذ ثلاثين سنة فأدناه منه ونظر عينيه فقال الحجام الساعة فحجمه على ساقيه وقطر في عينيه فبرأ بعد يومين فأمر بأن يجري عليه ألفا درهم في الشهر ومعونة في السنة عشرون ألف درهم وعلوفة ونزل وألزمه الخدمة مع جبرائيل وسائر من كان في الخدمة من المتطببين وصار نظيرا لجبرائيل بل كان في ذلك الوقت يحضر بحضوره ويصل بوصوله ودونه في الرزق لأن جبرائيل كان له في الشهر عشرة آلاف درهم ومعونة في السنة مائة ألف درهم وصلات دائمة وإقطاعات ثم أنه اعتلت بانوا أخت الرشيد فلم يزل جبرائيل يعالجها بأنواع العلاج فلم تنتفع فاغتم بها
243 فقال الرشيد ذات يوم قد كان ماسويه ذكر أنه خدم المرضى بالمارستان وأنه يعالج الطبائع فليدخل إلى عليلتنا لعل عنده فرجا لها فأحضر جبرائيل وماسويه فقال له ماسويه عرفني حالها وجميع ما دبرتها به إلى وقتنا هذا فلم يزل جبرائيل يصف له ما عالجها به فقال ماسويه التدبير صالح والعلاج مستقيم ولكن احتاج إلى أن أراها فأمر الرشيد أن يدخلا إليها فدخل وتأملها وجس عروقها بحضرة الرشيد وخرجوا من عنده وقال ماسويه للرشيد يا أمير المؤمنين يكون لك طول العمر والبقاء هذه تقضي بعد غد ما بين ثلاث ساعات إلى نصف الليل فقال جبرائيل كذب يا أمير المؤمنين أنها تبرأ وتعيش فأمر الرشيد بحبس ماسويه ببعض دوره في القصر وقال لأسبرن ما قاله وأنذرنا به فما رأينا بعلم الشيخ بأسا فلما حضر الوقت الذي حده ماسويه توفيت فلم يكن للرشيد همة بعد دفنها إلا أن أحضر ماسويه فسأله وأعجب بكلامه وكان أعجمي اللسان ولكنه كان بصيرا بالعلاج كثير التجارب فصيره نظيرا لجبرائيل في الرزق والنزل والعلوفة والمرتبة وعنى بابنه يوحنا ووسع النفقة عليه فبلغ المرتبة المشهورة قال يوسف بن إبراهيم عدت جبرائيل بن بختيشوع بالعلث في سنة خمس عشرة ومائتين وقد كان خرج مع المأمون في تلك السنة حتى نزل المأمون في دير النساء فوجدت عنده يوحنا ابن ماسويه وهو يناظره في علته وجبرائيل يستحسن استماعه وإجابته ووصفه فدعا جبرائيل بتحويل سنته وسألني النظر فيه وإخباره بما يدل عليه الحساب فنهض يوحنا عند ابتدائي بالنظر في التحويل فلما خرج من الحراقة قال لي جبرائيل ليست بك حاجة إلى النظر في التحويل لأني أحفظ جميع قولك وقول غيرك في هذه السنة وإنما أردت بدفعي التحويل إليك أن ينهض يوحنا فأسألك عن شيء بلغني عنه وقد نهض فأسألك بحق الله أهل سمعت يوحنا قط يقول أنه أعلم من جالينوس بالطب فحلفت له أني ما سمعته قط يدعي ذلك فما انقضى كلامنا حتى رأيت الحراقات تنحدر إلى مدينة السلام فانحدر المأمون في ذلك اليوم وكان يوم خميس ووافينا مدينة السلام غداة يوم السبت ودخل الناس كلهم إلى مدينة السلام خلا أبي العباس بن الرشيد فإنه أقام في الموضع المعروف بالقلائين من الجانب الغربي بمدينة السلام وهو بإزاء دار الفضل بن يحيى بباب الشماسية التي صار بعضها في خلافة المعتصم لأبي العباس بن الرشيد فكنت وجماعة ممن يريد المصير إلى أبي العباس ممن منازلهم في قنطرة البردان ونهر المهدي لا نجشم أنفسنا المصير إلى الجسر ثم المصير إلى القلائين لبعد الشقة فنصير إلى قصر الفضل بن يحيى ونقف بإزاء مضرب أبي العباس وكانت الزبيديات توافينا فتعبر بنا
244 فاجتمعت ويوحنا بن ماسويه عند أبي العباس بعد موافاة المأمون بمدينة السلام بثلاثة أيام وجمعتنا الزبيدية عند انصرافنا فسألني عن عهدي بجبرائيل فأعلمته إني لم أره منذ اجتمعنا بالعلث ثم قلت له قد شنعت عنده فقال بماذا فقلت له بلغه أنك تقول أنا أعلم من جالينوس فقال على من ادعى علي هذه الدعوة لعنه الله والله ما صدق مؤدي هذا الخبر ولا بر فسرى ذلك من قوله ما كان في قلبي وأعلمته أني أزيل عن قلب جبرائيل ما تأدى إليه من الخبر الأول فقال لي افعل نشدتك الله وقرر عنده ما أقول وهو ما كنت أقوله فحرف عنده فسألته عنه فقال إنما قلت لو أن بقراط وجالينوس عاشا إلى أن يسمعا قولي في الطب وصفاتي لسألا ربهما أن يبدلهما بجميع حواسهما من البصر والشم والذوق واللمس حسا سمعيا يضيفانه إلى ما معهما من حس السمع ليسمعا حكمي ووصفي فأسألك بالله أما أديت هذا القول عني إليه فاستعفيته من إلقاء هذا الخبر عنه فلم يعفني فأديت إلى جبرائيل الخبر وقد كان أصبح في ذلك اليوم مفرقا من علته فتداخله من الغيظ والضجر ما تخوفت عليه منه النكسة وأقبل يدعو على نفسه ويقول هذا جزاء من وضع الصنيعة في غير موضعها وهذا جزاء من اصطنع السفل وأدخل في مثل هذه الصناعة الشريفة من ليس من أهلها ثم قال هل عرفت السبب في يوحنا وأبيه فأخبرته أني لا أعرفهما فقال لي إن الرشيد أمرني باتخاذ بيمارستان وأحضرت دهشتك رئيس بيمارستان جندي سابور لتقليده البيمارستان الذي أمرت باتخاذه فامتنع من ذلك وذكر أن السلطان ليست له عليه أرزاق جارية وأنه إنما يقوم ببيمارستان جندي سابور وميخائيل ابن أخيه حسبة وتحمل علي بطيمانيوس الجاثليق في إعفاءه وابن أخيه فأعفيتهما فقال لي أما إذ قد أعفيتني فإني أهدي إليك هدية ذات قدر يحسن بك قبولها وتكثر منفعتها لك في هذا البيمارستان فسألته عن الهدية فقال لي إن صبيا كان ممن يدق الأدوية عندنا ممن لا يعرف له أب و لا قرابة أقام في البيمارستان أربعين سنة وقد بلغ الخمسين سنة أو جاوزها وهو لا يقرأ حرفا واحدا بلسان من الألسنة إلا أنه قد عرف الأدواء داء داء وما يعالج به كل داء وهو أعلم خلق الله بانتقاد الأدوية واختيار جيدها ونفي رديها فأنا أهديه لك فاضممه إلى من أحببت من تلامذتك ثم قلد تلميذك البيمارستان فإن أموره تخرج على أحسن من مخرجها لو قلدتني هذا البيمارستان فأعلمته أني قد قبلت الهدية وانصرف دهشتك إلى بلده وأنفذ إلي الرجل فأدخل علي في زي الرهبان وكشفته فوجدته على ما حكى لي عنه وسألته عن اسمه فأخبرني أن اسمه ماسويه وكنت في خدمة الرشيد وداؤد بن سرابيون مع أم جعفر وكان المنزل الذي ينزله ماسويه يبعد عن منزلي ويقرب من منزل داؤد بن سرابيون وكان في داؤد دعابة وبطالة وكان في ماسويه ضعف من ضعف السفل فيستطيبه كل بطال فما مضى بمساويه إلا يسير حتى صار إلي وقد غير زيه ولبس الثياب البيض فسألته عن خبره فأعلمني أنه قد عشق جارية لداؤد بن سرابيون صقلبية يقال لها رسالة وسألني ابتياعها له فابتعتها له بثمانمائة درهم ووهبتها له فأولدها يوحنا وأخاه ثم رعيت لماسويه ابتياعي له رسالة وطلبه منها النسل وصيرت ولده كأنهم ولد قرابة لي وعنيت برفع أقدارهم وتقديمهم على أبناء أشراف أهل هذه المهنة وعلمائهم ثم رتبت ليوحنا وهو غلام المرتبة الشريفة ووليته البيمارستان وجعلته رئيس تلامذتي فكانت
245 مثوبتي منه هذه الدعوى التي لا يسمع بها أحد إلا قذف من خرجه ونوه باسمه وأطلق لسانه بمثل ما أطلقه به ولمثل ما خرج إليه هذه السفلة كانت الأعاجم تمنع جميع الناس من الانتقال عن صناعات آبائهم وتحظر ذلك غاية الخطر والله المستعان يوحنا بن ماسويه كان طبيبا ذكيا فاضلا خبيرا بصناعة الطب وله كلام حسن وتصانيف مشهورة وكان مبجلا حظيا عند الخلفاء والملوك قال إسحق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسه الطبيب قال أخبرني أبو زكريا يوحنا بن ماسويه أنه اكتسب من صناعة الطب ألف ألف درهم وعاش بعد قوله هذا ثلاث سنين أخر وكان الواثق مشغوفا ضنينا به فشرب يوما عنده فسقاه الساقي شرابا غير صاف ولا لذيذ على ما جرت به العادة وهذا من عادة السقاة إذا قصر في برهم فلما شرب القدح الأول قال يا أمير المؤمنين أما المذاقات فقد عرفتها واعتدتها ومذاقة هذا الشراب فخارجة عن طبع المذاقات كلها فوجد أمير المؤمنين على السقاة وقال يسقون أطبائي وفي مجلسي مثل هذا الشراب وأمر ليوحنا بهذا السبب وفي ذلك الوقت بمائة ألف درهم ودعا بسمانة الخادم فقال له احمل إليه المال الساعة فلما كان وقت العصر سأل سمانة هل حمل مال الطبيب أم لا فقال لا بعد فقال يحمل إليه مائتا ألف درهم الساعة فلما صلوا العشاء سأل عن حمل المال فقيل له لم يحمل بعد فدعا بسمانة وقال احمل إليه ثلاثمائة ألف درهم فقال سمانة لخازن بيت المال احملوا مال يوحنا وإلا لم يبق في بيت المال شيء فحمل إليه من ساعته وقال سليمان بن حسان كان يوحنا بن ماسويه مسيحي المذهب سريانيا قلده الرشيد ترجمة الكتب القديمة مما وجد بأنقره وعمورية وسائر بلاد الروم حين سباها المسلمون ووضعه أمينا على الترجمة وخدم هارون والأمين والمأمون وبقي على ذلك إلى أيام المتوكل قال وكانت ملوك بني هاشم لا يتناولون شيئا من أطعمتهم إلا بحضرته وكان يقف على رؤوسهم ومعه البراني بالجوارشنات الهاضمة المسخنة الطابخة المقوية للحرارة الغريزية في الشتاء وفي الصيف بالأشربة الباردة والجوارشنات وقال ابن النديم البغدادي الكاتب إن يوحنا بن ماسويه خدم بصناعة الطب المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل
346 وقال يوسف بن إبراهيم كان مجلس يوحنا بن ماسويه أعمر مجلس كنت أراه بمدينة السلام لمتطبب أو متكلم أو متفلسف لأنه كان يجتمع فيه كل صنف من أصناف أهل الأدب وكان في يوحنا دعابة شديدة يحضر بعض من يحضر من أجلها وكان من ضيق الصدر وشدة الحدة على أكثر مما كان عليه جبرائيل بن يختيشوع وكانت الحدة تخرج منه ألفاظا مضحكة وكان أطيب ما يكون مجلسه في وقت نظره في قوارير الماء وكنت وابن حمدون بن عبد الصمد بن علي الملقب بأبي العيرطرد وإسحق بن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الملقب ببيض البغل قد توكلنا به بحفظ نوادره وأظهرت له التلمذة في قراءة كتب المنطق عليه وأظهروا له التلمذة بقراءتهما كتب جالينوس في الطب عليه قال يوسف فمما حفظت من نوادره في وقت نظره أن امرأة أتته فقالت له إن فلانة وفلانة وفلانة يقرأن عليك السلام فقال لها أنا بأسماء أهل قسطنطينية وعمورية أعلم مني بأسماء هؤلاء الذين سميتهن فاظهري بولك حتى أنظر لك فيه قال يوسف وحفظت عليه أن رجلا شكى إليه علة كان شفاؤه منها الفصد فأشار به عليه فقال لم أعتد الفصد فقال له ولا أحسب أحدا اعتاده في بطن أمه وكذلك لم تعتد العلة قبل أن تعتل وقد حدثت بك فاختر ما شئت من الصبر على ما أحدثت لك الطبيعة من العلة أو اعتياد الفصد لتسلم منها قال يوسف وشكى إليه رجل بحضرتي جربا قد أضر به فأمره بفصد الأكحل من يده اليمنى فأعلمه أنه قد فعل فأمر بفصد الأكحل أيضا من يده اليسرى فذكر أنه قد فعل فأمره بشرب المطبوخ فقال قد فعلت فأمره بشرب الأصمخيقون فأعلمه أنه قد فعل فأمره بشرب ماء الجبن أسبوعا وشرب مخيض البقر أسبوعين فأعلمه أنه قد فعل فقال له لم يبق شيء مما أمر به المتطببون إلا وقد ذكرت أنك فعلته وبقي شيء مما لم يذكره بقراط ولا جالينوس وقد رأيناه يعمل على التجربة كثيرا فاستعمله فإني أرجو أن ينجح علاجك إن شاء الله فسأله ما هو فقال ابتع زوجي قراطيس وقطعهما رقاعا صغارا واكتب في كل رقعة رحم الله من دعا لمبتلى بالعافية وألق نصفها في المسجد الشرقي بمدينة السلام والنصف الآخر في المسجد الغربي وفرقها في المجالس يوم الجمعة فأني أرجو أن ينفعك الله بالدعاء إذ لم ينفعك العلاج قال يوسف وصار إليه وأنا حاضر قسيس الكنيسة التي يتقرب فيها يوحنا وقال له قد فسدت علي معدتي فقال له استعمل جوارشن الخوزبي فقال قد فعلت فقال له يوحنا فاستعمل السقمونيا قال قد أكلت منه أرطالا فأمره باستعمال المقداذيقون فقال قد شربت
247 منه جرة قال له فاستعمل المروسيا فقال قد فعلت وأكثرت فغضب وقال له إن أردت أن تبرأ فأسلم فإن الإسلام يصلح المعدة قال يوسف واشتدت على يوحنا علة كان فيها حتى يئس منه أهله ومن عادة النصارى إحضار من يئس منه أهله جماعة من الرهبان والقسيسين والشمامسة يقرؤون حوله ففعل مثل ذلك بيوحنا فأفرق والرهبان حوله يقرؤون فقال لهم يا أولاد الفسق ما تصنعون في بيتي فقالوا له كنا ندعو ربنا في التفضل عليك بالعافية فقال لهم يوحنا قرص ورد أفضل من صلوات جميع أهل النصرانية منذ كانت إلى يوم القيامة اخرجوا من منزلي فخرجوا قال يوسف وشكى بحضرتي إلى يوحنا رجل من التجار جربا به في أيام الشتاء فقال ليست هذه من أيام علاج ما تجد وإنما علاج دائك هذا في أيام الربيع فتنكب أكل المعفنات كلها وطري السمك ومالحه صغار ذلك وكباره وكل حريف من الأبزار والبقول وما يخرج من الضرع فقال له الرجل هذه أشياء لست أعطى صبرا على تركها فقال له يوحنا فإن كان الأمر على ما ذكرت فأدمن أكلها وحك بدنك فلو نزل المسيح لك خاصة لما انتفعت بدعائه لما تصف به نفسك من الشره قال يوسف وعاتبه النصارى على اتخاذ الجواري وقالوا له خالفت ديننا وأنت شماس فأما إن كنت على سنتنا واقتصرت على امرأة واحدة وكنت شماسا لنا وإما أخرجت نفسك من الشماسية واتخذت ما بدا لك من الجواري فقال إنما أمرنا في موضع واحد أن لا نتخذ امرأتين ولا ثوبين فمن جعل الجاثليق العاض بظر أمه أولى أن يتخذ عشرين ثوبا من يوحنا الشقي في اتخاذ أربع جوار فقولوا لجاثليقكم أن يلزم قانون دينه حتى نلزمه معه وإن خالفه خالفناه قال يوسف وكان بختيشوع بن جبرائيل يداعب يوحنا كثيرا فقال له يوما في مجلس أبي إسحق ونحن في عسكر المعتصم بالمدائن في سنة عشرين ومائتين أنت يا أبا زكريا أخي لأبي فقال يوحنا لأبي إسحق أشهد أيها الأمير على إقراره فوالله لأقاسمنه ميراثه من أبيه فقال له بختيشوع أن أولاد الزنا لا يرثون ولا يورثون وقد حكم دين الإسلام للعاهر بالحجر فانقطع يوحنا ولم يحر جوابا قال يوسف وكانت دار الطيفوري في دار الروم من الجانب الشرقي بمدينة السلام لصيقة دار يوحنا بن ماسويه وكان للطيفوري ابن قد علم الطب علما حسنا يقال له دانيل ثم ترهب بعد ذلك فكان يدخل مدينة السلام عند تأدي الخبر إليه بعلة والده أو ما أشبه ذلك وكان ليوحنا طاووس كان يقف على الحائط الذي فيما بين داره ودار الطيفوري فقدم دانيل مدينة السلام ليلا في
248 الشهر المعروف بآب وهو شهر شديد الحر كثير الرمد فكان الطاووس كلما اشتد عليه الحر صاح فأنبه دانيل وهو في ثياب صوف من ثياب الرهبان فطرده مرات فلم ينفع ذلك فيه ثم رفع مرزبته فضرب بها رأس الطاووس فوقع ميتا واستتر الخبر عن يوحنا إلى أن ركب ورجع فصادف عند منصرفه طاووسه ميتا على باب داره فأقبل يقذف بالحدود من قتله فخرج إليه دانيل فقال لا تشتم من قتله فإني أنا قتلته ولك علي مكانه عدة طواويس فقال له يوحنا بحضرتي ليس يعجبني راهب له سنام وطول ذكر إلا أنه قال ذلك بفحش فقال له دانيل وكذلك ليس يعجبني شماس له عدة نساء واسم رئيسة نسائه قراطيس وهو اسم رومي لا عربي ومعنى قراطيس عند الروم القرنانة وليس تكون المرأة قرنانة حتى تنكح غير بعلها فخجل يوحنا ودخل منزلة مفعولا قال يوسف وحدثني بمصر أحمد بن هارون الشرابي أن المتوكل على الله حدثه في خلافة الواثق أن يوحنا بن ماسويه كان مع الواثق على دكان كان للواثق في دجلة ومع الواثق قصبة فيها شص وقد ألقاها في دجلة ليصيد بها السمك فحرم الصيد فالتفت إلى يوحنا وكان على يمينه فقال قم يا مشؤوم عن يميني فقال له يوحنا يا أمير المؤمنين لا تتكلم بمحال يوحنا بن ماسويه الخوزي وأمه رسالة الصقلبية المبتاعة بثمانمائة درهم أقبلت به السعادة إلى أن صار نديم الخلفاء وسميرهم وعشيرهم وحتى غمرته الدنيا فنال منها ما لم يبلغه أمله فمن أعظم محال أن يكون هذا مشؤوما ولكن إن أحب أمير المؤمنين أن أخبره بالمشؤوم من هو أخبرته فقال ومن هو فقال من ولدته أربع خلفاء ثم ساق الله إليه الخلافة فترك خلافته وقصورها وبساتينها وقعد في دكان مقدار عشرين ذراعا في مثلها في وسط دجلة لا يأمن عصف الريح عليه فيغرقه ثم تشبه بأفقر قوم في الدنيا وشرهم وهم صيادو السمك قال لي أحمد بن هارون قال لي المتوكل فرأيت الكلام قد أنجع فيه إلا أنه أمسك لمكاني قال يوسف وحدثني أحمد بن هارون أن الواثق قال في هذا ليوحنا وهو على هذه الدكان يا يوحنا ألا أعجبك من خلة قال وما هي قال إن الصياد ليطلب السمك مقدار ساعة فيصيد من السمكة ما تساوي الدينار أو ما أشبه ذلك وأنا أقعد مذ غدوة إلى الليل فلا أصيد ما يساوي درهما فقال له يوحنا وضع أمير المؤمنين التعجب في غير موضعه إن رزق الصياد من صيد السمك فرزقه يأتيه لأنه قوته وقوت عياله ورزق أمير المؤمنين بالخلافة فهو غني عن أن يرزق بشيء من السمك ولو كان رزقه جعل في الصيد لوافاه رزقه منه مثل ما يوافي الصياد قال يوسف وحدثني إبراهيم بن علي متطبب أحمد بن طولون أنه كان في دهليز يوحنا بن ماسويه
249 ينتظر رجوع يوحنا من دار السلطان فانصرف وقد أسلم في ذلك الوقت عيسى بن إبراهيم بن نوح بن أبي نوح كاتب الفتح بن خاقان قال إبراهيم فقمت إليه وجماعة من الرهبان فقال لنا اخرجوا يا أولاد الزنا من داري واذهبوا أسلموا فقد أسلم المسيح الساعة على يد المتوكل قال يوسف وقدم جرجة بن زكريا عظيم النوبة في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين ومائتين إلى سر من رأى وأهدى إلى المعتصم هدايا فيها قردة فإني عند يوحنا في اليوم الثاني من شوال من هذه السنة وأنا أعاتبه على تخلفه عن حضور الدار في ذلك الوقت لأني رأيت سلمويه وبختيشوع والجريش المتطببين وقد وصلوا إذ دخل علينا غلام من الأتراك الخاصة ومعه قرد من القرود التي أهداها ملك النوبة لا أذكر إني رأيت أكبر منه جثة وقال له يقول لك أمير المؤمنين زوج هذا القرد من حماحم قردتك وكان ليوحنا قردة يسميها حماحم كان لا يصبر عنها ساعة فوجم لذلك ثم قال للرسول قل لأمير المؤمنين اتخاذي لهذه القردة غير ما توهمه أمير المؤمنين وإنما دبرت تشريحها ووضع كتاب على ما وضع جالينوس في التشريح يكون جمال وضعي إياه لأمير المؤمنين وكان في جسمها قلة تكون العروق فيها والأوراد والعصب دقاقا فلم أطمع في اتضاح الأمر فيها مثل اتضاحه فيما عظم جسمه فتركتها لتكبر ويغلظ جسمها فأما إذ قد وافى هذا القرد فسيعلم أمير المؤمنين أني سأضع له كتابا لم يوضع في الإسلام مثله ثم فعل ذلك بالقرد فظهر له منه كتاب حسن استحسنه أعداؤه فضلا عن أصدقائه قال يوسف ودخل يوحنا على محمد بن أبي أيوب بن الرشيد وكانت به حمى مثلثة وهي التي تأخذ غبا فنظر إلى مائه وجس عرقه وسأله عن خبره كيف كان في أمسه ومبيته وصباحه إلى أن وافاه فأخبره بذلك فقال يوحنا حماك هذه من أسهل الحميات ما لم يخلط صاحبها لأن أقصى حقها سبعة أدوار وأكثر ذلك يترك في الدور الرابع وأن خلط فيها العليل انتقلت فربما تطاولت به العلة وربما تلفت نفسه فقال ابن أبي أيوب قف بي على ما رأيت فأني لا أخالفك فأمره أن يقتصر على لباب الخبز المغسول بالماء الحار ثلاث غسلات ثم يأكل اللباب إن كانت شهوته للطعام ضعيفة وعلى المزورات من الطعام مثل الماس والقرع والسرمق والخيار وما أشبه ذلك إن كانت شهوته قوية وإن يرفع يده عن الطعام وهو يشتهيه فقال له محمد فهذا ما أمرت بأكله فدلني على ما لا آكل فقال له أول ما أنهاك عن أكله فيوحنا بن ماسويه ثم بغلة الجاثليق فإن حقه على أهل النصرانية واجب ثم الزنبريتان وهما السفينتان اللتان في الجسر في الجانب الشرقي فإن الجسر لا يصلح إلا بهما ثم نهض مغضبا وهو يدعو علي لأني كنت السبب في مصيره إلى محمد بن أبي أيوب
250 قال يوسف واعتل محمد بن سليمان بن الهادي المعروف بابن مشغوف علة تطاولت به وكان أبو العباس بن الرشيد يلزم يوحنا تعاهده وكان محمد ابن سليمان ربما يزيد في الحديث أشياء لا يخيل باطلها على سامعها فدخل إليه يوما وأنا عنده فاستشاره فيما يأخذ فقال يوحنا قد كنت أشير عليك بما تأخذ في كل يوم وأنا أحسبك تحب الصحة والعافية فأما إذ صح عندي أنك تكره العافية وتحب العلة فلست استحل أن أشير عليك بشيء فقال له ابن مشغوف يا جاهل من يكره العافية ويحب العلة فقال له يوحنا أنت والبرهان على ذلك أن العافية في العالم تشبه الحق والسقم يشبه الكذب وأنت تتكلم أكثر دهرك بالكذب فيكون كذبك مادة لسقمك فمتى تبرأ أنت من علة متطاولة وأنت تمدها أكثر دهرك بالكذب الزائد فيها فالزم الصدق ثلاثة أيام ولا تكذب فيها فيوحنا بريء من المسيح إن لم تخرج من هذه العلة قبل انقضاء هذه الثلاثة أيام قال يوسف بن إبراهيم وكان ليوحنا بن ماسويه ابن يقال له ماسويه أمه بنت الطيفوري جد إسرائيل متطبب الفتح بن خاقان وكان ماسويه هذا أشبه خلق الله بأبيه في خلقه ولفظه وحركاته إلا أنه كان بليدا لا يكاد يفهم شيئا إلا بعد مدة طويلة ثم ينسى ذلك في أسرع من اللحظ فكان يوحنا يظهر محبة ابنه تقية من ألسنة الطيفوري وولده وكان أشد بغضا له منه أسهل الكوسج الذي هتكه بإدعائه أنه وضعه في فرج أمه قال يوسف واعتل في أول سنة سبع عشرة ومائتين صالح بن شيخ بن عميرة بن حيان بن سراقة الأسدي علة أشرف منها فأتيته عائدا فوجدته قد أفرق بعض الأفراق فدارت بيننا أحاديث كان منها أن عميرة جده أصيب بأخ له من أبويه ولم يخلف ولدا فعظمت عليه المصيبة ثم ظهر حبل بجارية كانت له بعد وفاته فسري عنه بعض ما دخله من الغم وحولها إلى بيته وقدمها على حرم نفسه فوضعت ابنة فتبنى بها وقدمها على ذكور ولده وإناثهم فلما ترعرعت رغب لها في كفء يزوجها منه فكان لا يخطبها إليه خاطب إلا فرغ نفسه للتفتيش عن حسبه والتفتيش عن أخلاقه فكان بعض من نزع إليه خاطبا لها ابن عم لخالد بن صفوان بن الأهتم التميمي وكان عميرة عارفا بوجه الفتى وبنسبه فقال يا بني أما نسبك فلست أحتاج إلى التفتيش عنه وأنك لكفء بابنة أخي من جهة الشرف ولكنه لا سبيل إلى عقد عقدة النكاح على ابنتي دون معرفتي بأخلاق من أعقد العقدة له فإن سهل عليك المقام عندي وفي داري سنة أكشف فيها أخلاقك كما أكشف أحساب وأخلاق غيرك فأقم في الرحب والسعة وأن لم يسهل ذلك عليك فانصرف إلى أهلك فقد أمرنا بتجهيزك وحمل جميع ما تحتاج إليه معك إلى موافاتك بصرتك قال صالح بن شيخ حدثني أبي عن جدي أنه كان لا يبيت ليلة إلا أتاه عن ذلك الرجل أخلاق متناقضة فواصف له بأحسن الأمور وواصف له بأسمجها فأضطره تناقض أخباره إلى التكذيب بكلها وأن يترك الأمر على أن مادحه مايله وأن عائبه تحامل عليه
251 فكتب إلى خالد أما بعد فإن فلانا قدم علينا خاطبا لابنة أخيك فلانة بنت فلان فإن كانت أخلاقه تشاكل حسبه ففيه الرغبة لزوجته والحظ لولي عقد نكاحه فإن رأيت علي بما ترى العمل به في ابن عمك وابنة أخيك فإن المستشار مؤتمن فعلت إن شاء الله فكتب إليه خالد قد فهمت كتابك وكان أبو ابن عمي هذا أحسن أهلي خلقا وأسمجهم خلقا وأحسنهم عمن أساء به صفحا وأسخاهم كفا إلا أنه مبتل بالعهار وسماجة الخلق وكانت أمه من أحسن خلق الله وجها وأعفهم فرجا إلا أنها من سوء الخلق والبخل وقلة العقل على ما لا أعرف أحدا على مثله وابن عمي هذا فقد تقبل من أبويه مساويهما ولم يتقبل شيئا من محاسنهما فإن رغبت في تزويجه على ما شرحت لك من خبره فأنت وذاك وأن كرهته رجوت أن يخير الله لابنة أخينا إن شاء الله قال صالح فلما قرأ جدي الكتاب أمر بإعداد طعام للرجل فلما أدرك حمله على ناقة مهرية ووكل به من أخرجه من الكوفة فأعجبني هذا الحديث وحفظته وكان اختياري في منصرفي من عند صالح بن شيخ على دار هارون بن سليمان بن المنصور فدخلت عليه مسلما وصادفت عنده ابن ماسويه فسألني هارون عن خبري وعمن لقيت فحدثته بما كان عند صالح بن شيخ فقال لقد كنت في معادن الأحاديث الطيبة الحسان وسألني هل حفظت عنه حديثا فحدثته بهذا الحديث فقال يوحنا عليه وعليه أن لم يكن شبه هذا الحديث بحديثي وحديث ابني أكثر من شبه ابني بي بليت بطول الوجه وارتفاع قحف الرأس وعرض الجبين وزرقة العين ورزقت ذكاء وحفظا لكل ما يدور في مسامعي وكانت بنت الطيفوري أحسن أنثى رأيتها أو سمعت بها إلا أنها كانت ورهاء بلهاء لا تعقل ما تقول ولا تفهم ما يقال لها فتقبل ابنها مسامجنا جميعا ولم يرزق من محاسننا شيئا ولولا كثرة فضول السلطان ودخوله فيما لا يعنيه لشرحت ابني هذا حيا مثل ما كان جالينوس يشرح القرود والناس فكنت أعرف بتشريحه الأسباب التي كانت لها بلادته وأريح الناس من خلقته وأكسب أهلها بما أضع في كتابي في صفة تركيب بدنه ومجاري عروقه وأوراده وعصبه علما ولكن السلطان يمنع من ذلك وكأني بأبي الحسين يوسف قد حدث الطيفوري وولده بهذا الحديث فألقى لنا شرا ومنازعات ليضحك مما يقع بيننا فكان الأمر على ما توهم واعتل ماسويه بن يوحنا بعد هذا بليال قلائل وقد ورد رسول المعتصم من دمشق أيام كان بها مع المأمون في إشخاص يوحنا إليه فرأى يوحنا فصده ورأى الطيفوري وأبناه زكريا ودانيل خلاف ما رأى يوحنا ففصده يوحنا وخرج في اليوم الثاني إلى الشام ومات ماسويه في اليوم الثالث من مخرجه فكان الطيفوري وولده يحلفون في جنازتة أن يوحنا تعمد قتله ويحتجون بما حدثتهم به من كلامه الذي كان في منزل هارون بن سليمان ونقلت من كتاب الهدايا والتحف لأبي بكر وأبي عثمان الخالديين قالا حدثنا أبو يحيى
252 قال افتصد المتوكل فقال لخاصته وندمائه اهدوا إلى يوم فصدي فاحتفل كل واحد منهم في هديته وأهدى إليه الفتح بن خاقان جارية لم ير الراؤون مثلها حسنا وظرفا وكمالا فدخلت إليه ومعها جام ذهب في نهاية الحسن ودن بلور لم ير مثله فيه شراب يتجاوز الصفات ورقعة فيها مكتوب (إذا خرج الإمام من الدواء * وأعقب بالسلامة والشفاء) (فليس له دواء غير شرب * بهذا الجام من هذا الطلاء) (وفض الخاتم المهدى إليه * فهذا صالح بعد الدواء) الوافر واستظرف المتوكل ذلك واستحسنه وكان بحضرته يوحنا بن ماسويه فقال يا أمير المؤمنين الفتح والله أطب مني فلا تخالف ما أشار به أقول ومن نوادر يوحنا بن ماسويه أن المتوكل على الله قال له يوما بعت بيتي بقصرين فقال له أخر الغداء يا أمير المؤمنين أراد المتوكل تعشيت فضرني لأنه تصحيفها فأجابه ابن ماسويه بما تضمن العلاج وعتب ابن حمدون النديم ابن ماسويه بحضرة المتوكل فقال له ابن ماسويه لو أن مكان ما فيك من الجهل عقلا ثم قسم على مائة خنفساء لكانت كل واحدة منهن أعقل من أرسطوطاليس ووجدت في كتاب جراب الدولة قال دخل ابن ماسويه المتطبب إلى المتوكل فقال المتوكل لخادم له خذ بول فلان في قارورة وائت به إلى ابن ماسويه فأتى به فلما نظر إليه قال هذا بول بغل لا محالة فقال له المتوكل كيف علمت أنه بول بغل قال ابن ماسويه أحضرني صاحبه حتى أراه ويتبين كذبي من صدقي فقال المتوكل هاتوا الغلام فلما مثل بين يديه قال له ابن ماسويه أيش أكلت البارحة قال خبز شعير وماء قراح فقال ابن ماسويه هذا والله طعام حماري اليوم ونقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان أن أبا عثمان الجاحظ ويوحنا بن ماسويه قال اجتمعا بغالب ظني على مائدة إسماعيل بن بلبل الوزير وكان في جملة ما قدم مضيرة بعد سمك فامتنع يوحنا من الجمع بينهما قال له أبو عثمان أيها الشيخ لا يخلو أن يكون السمك من طبع اللبن أو مضادا له فإن كان أحدهما ضد الآخر فهو دواء له وإن كانا من طبع واحد فلنحسب أنا قد أكلنا من أحدهما إلى أن اكتفينا فقال يوحنا والله مالي خبرة بالكلام ولكن كل يا
253 أبا عثمان وانظر ما يكون في غد فأكل أبو عثمان نصرة لدعواه ففلج في ليلته فقال هذه والله نتيجة القياس المحال والذي ضلل أبا عثمان اعتقاده أن السمك من طبع اللبن ولو سامحناه في أنهما من طبع واحد لكان لامتزاجهما قوة ليست لأحدهما وقال الشيخ أحمد بن علي ثابت الخطيب البغدادي عن الحسين بن فهم قال قدم علينا محمد بن سلام صاحب طبقات الشعراء وهو الجمحي سنة اثنتين وعشرين ومائتين فاعتل علة شديدة فما تخلف عنه أحد وأهدى إليه أجلاء أطبائهم فكان ابن ماسويه ممن أهدي إليه فلما جسه ونظر إليه قال ما أرى من العلة ما أرى من الجزع فقال والله ما ذاك لحرص على الدنيا مع اثنتين وثمانين سنة ولكن الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة ولو وقفت بعرفات وقفة وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم زورة وقضيت أشياء في نفسي لرأيت ما اشتد علي من هذا قد سهل فقال له ابن ماسويه فلا تجزع فقد رأيت في عرقك من الحرارة الغريزية وقوتها ما أن سلمك الله من هذه العوارض بلغك عشر سنين أخرى قال الحسين بن فهم فوافق كلامه قدرا فعاش عشر سنين بعد ذلك وحدث الصولي في كتاب الأوراق قال كان المأمون نازلا على البدندون نهر من أعمال طرسوس فجلس يوما وأخوه المعتصم عليه وجعلا أرجلهما فيه استبرادا له وكان أبرد الماء وأرقه وألذه فقال المأمون للمتعصم أحببت الساعة من أزاذ العراق آكله وأشرب من هذا الماء البارد عليه وسمع صوت حلقة البريد وأجراسه فقيل هذا يزيد بن مقبل بريد العراق فأحضر طبقا من فضة فيه رطب أزاذ فعجب من تمنيه وما تم له فأكلا وشربا من الماء ونهضا وتودع المأمون وأقام ثم نهض محموما وفصد فظهرت في رقبته نفخة كانت تعتاده ويراعيها الطبيب إلى أن تنضج وتفتح وتبرأ فقال المعتصم للطبيب وهو ابن ماسويه ما أطرف ما نحن فيه تكون الطبيب المفرد المتوحد في صناعتك وهذه النفخة تعتاد أمير المؤمنين فلا تزيلها عنه وتتلطف في حسم مادتها حتى لا ترجع إليه والله لئن عادت هذه العلة عليه لأضربن عنقك فاستطرق ابن ماسويه لقول المعتصم وانصرف فحدث به بعض من يثق به ويأنس إليه فقال له تدري ما قصد المعتصم قال لا قال قد أمرك بقتله حتى لا تعود النفخة إليه وإلا فهو يعلم أن الطبيب لا يقدر على دفع الأمراض عن الأجسام وإنما قال لك لا تدعه يعيش ليعود المرض عليه فتعالل ابن ماسويه وأمر تلميذا له بمشاهدة النفخة والتردد إلى المأمون نيابة عنه والتلميذ يجيئه كل يوم ويعرفه حال المأمون وما تجدد له فأمره بفتح النفخة فقال له أعيذك بالله ما أحمرت ولا بلغت إلى حد الجرح فقال له امض وافتحها كما أقول لك ولا تراجعني فمضى وفتحها ومات المأمون رحمه الله أقول إنما فعل ابن ماسويه ذلك لكونه عديما للمروءة والدين والأمانة وكان على غير ملة
254 الإسلام ولا له تمسك بدينه أيضا كما حكى عنه يوسف بن إبراهيم في أخباره المتقدمة ومن ليس له دين يتمسك به ويعتقد فيه فالواجب أن لا يدانيه عاقل ولا يركن إليه حازم وكانت وفاة يوحنا بن ماسويه بسر من رأى يوم الاثنين لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين في خلافة المتوكل ومن كلام يوحنا بن ماسويه أنه سئل عن الخير الذي لا شر معه فقال شرب القليل من الشراب الصافي ثم سئل عن الشر الذي لا خير معه فقال نكاح العجوز وقال أكل التفاح يرد النفس وقال عليك من الطعام بما حدث ومن الشراب بما عتق وليوحنا بن ماسويه من الكتب كتاب البرهان ثلاثون بابا كتاب البصيرة كتاب الكمال والتمام كتاب الحميات مشجر كتاب في الأغذية كتاب في الأشربة كتاب المنجح في الصفات والعلاجات كتاب في الفصد والحجامة كتاب في الجذام لم يسبقه أحد إلى مثله كتاب الجواهر كتاب الرجحان كتاب في تركيب الأدوية المسهلة وإصلاحها وخاصة كل دواء منها ومنفعته كتاب دفع مضار الأغذية كتاب في غير ما شيء مما عجز عنه غيره كتاب السر الكامل كتاب في دخول الحمام ومنافعها ومضرتها كتاب السموم وعلاجها كتاب الديباج كتاب الأزمنة كتاب الطبيخ كتاب في الصداع وعلله وأوجاعه وجميع أدويته والسدد والعلل المولدة لكل نوع منه وجميع علاجه ألفه لعبد الله بن طاهر كتاب الصدر والدوار كتاب لم امتنع الأطباء من علاج الحوامل في بعض شهور حملهن كتاب محنة الطبيب كتاب معرفة محنة الكحالين كتاب دغل العين كتاب مجسة العروق كتاب الصوت والبحة كتاب ماء الشعير كتاب المرة السوداء كتاب علاج النساء اللواتي لا يحبلن حتى يحبلن كتاب الجنين كتاب تدبير الأصحاء كتاب في السواك والسنونات كتاب المعدة كتاب القولنج كتاب النوادر الطبية كتاب التشريح كتاب في ترتيب سقي الأدوية المسهلة بحسب الأزمنة وبحسب الأمزجة وكيف ينبغي أن يسقى ولمن ومتى وكيف يعان الدواء إذا احتبس وكيف يمنع الإسهال إذا أفرط كتاب تركيب خلق الإنسان وأجزائه وعدد أعضائه ومفاصله وعظامه وعروقه ومعرفة أسباب الأوجاع ألفه للمأمون كتاب الأبدال فصول كتبها لحنين ابن إسحاق بعد أن سأله المذكور ذلك كتاب الماليخوليا وأسبابها وعلاماتها وعلاجها كتاب جامع الطب مما اجتمع عليه أطباء فارس والروم كتاب الحيلة للبرء ميخائيل بن ماسويه متطبب المأمون وميخائيل هذا هو أخو يوحنا بن ماسويه
255 قال يوسف بن إبراهيم مولى إبراهيم بن المهدي كان هذا المتطبب لا يمتع بالحديث ولا يحتج في شيء يقوله بحجة ولا يوافق أحدا من المتطببين على شيء أحدث من مائتي سنة فلم يكن يستعمل السكنجبين والورد المربى إلا بالعسل ولا يستعمل الجلاب المتخذ بماء الورد ولا يتخذه إلا من الورد المسلوق بالماء الحار ولا يتخذه بالسكر ولا يستعمل شيئا لم يستعمله الأوائل ولقد سألته يوما عن رأيه في الموز فقال لم أر له ذكرا في كتب الأوائل وما كانت هذه حاله لم أقدم على أكله ولا على طعامه للناس وكان المأمون به معجبا وله على جبرائيل بن بختيشوع مقدما حتى كان يدعوه بالكنية أكثر مما يدعوه بالاسم وكان لا يشرب الأدوية إلا مما تولى تركيبه وإصلاحه له وكنت أرى جميع المتطببين بمدينة السلام يبجلونه تبجيلا لم يكونوا يظهرونه لغيره قال يوسف وحضر في النصف من شوال سنة عشرين ومائتين دار إبراهيم بن المهدي مع جماعة من وجوه المتطببين وكانت شكلة عليلة فوجه المعتصم المتطببين إليها ليرجعوا إليه بخبرها وقد كانوا صاروا إليها قبل ذلك اليوم بيوم فنظروا إلى مائها وجسوا عرقها وعاودوا النظر في اليوم الثاني في أمرها فقالوا كلهم إنها أصبحت صالحة وأنهم لا يشكون في إفراقها فسبق إلى وهمي أنهم أو أكثرهم أحب أن يسر أبا إسحق بما ذكروا من العافية فلما نهضوا اتبعتهم فسألت واحدا واحدا عما عنده من العلم بحالها فكلهم قال لي مثل مقالته لأبي إسحق إلا سلمويه بن بنان فإنه قال لي هي اليوم أصعب حالا منها أمس وقال لي ميخائيل قد ظهر أمس بالقرب من قلبها ورم لم نره في يومنا هذا افترى ذلك الورم ساخ في الأرض أو ارتفع إلى السماء انصرف فأعد لهذه المرأة جهازها فليست تبيت في الأحياء فتوفيت وقت صلاة العشاء الآخرة بعد أن ألقى إلي ميخائيل ما ألقى ساعات عشرا أو نحوها قال يوسف وحدثني ميخائيل بن ماسويه أنه لما قدم المأمون بغداد نادم طاهر بن الحسين فقال له يوما وبين أيديهم نبيذ قطر بلي يا أبا الطيب هل رأيت مثل هذا الشراب قال نعم قال مثله في اللون والطعم والرائحة قال نعم قال أين قال ببوشنج قال فاحمل إلينا منه فكتب طاهر إلى وكيله فحمل منه ورفع الخبر من النهروان إلى المأمون أن لطفا وافى طاهرا من بوشنج فعلم الخبر وتوقع حمل طاهر له فلم يفعل فقال له المأمون بعد أيام يا أبا الطيب لم يواف النبيذ فيما وافى فقال أعيذ أمير المؤمنين بالله من أن يقيمني مقام خزي وفضيحة قال ولم قال ذكرت لأمير المؤمنين شرابا شربته وأنا صعلوك وفي قرية كنت أتمنى أن أملكها فلما
256 ملكني الله يا أمير المؤمنين أكثر مما كنت أتمنى وحضر ذلك الشراب وجدته فضيحة من الفضائح قال فاحمل إلينا منه على كل حال فحمل منه فأمر أن يصير في الخزانة ويكتب عليه الطاهري ليمازحه به من إفراط رداءته فأقام سنتين واحتاج المأمون إلى أن يتقيأ فقالوا يتقيأ بنبيذ رديء فقال بعضهم لا يوجد في العراق أردأ من الطاهري وأخرج فوجد مثل القطر بلي أو أجود وإذا هواء العراق قد أصلحه كما يصلح ما نبت وعصر فيه عيسى بن ماسة من الأطباء الفضلاء في وقته وكان أحد المتميزين من أرباب هذه الصناعة له طريقة حسنة في علاج المرضى ولعيسى بن ماسة من الكتب كتاب قوى الأغذية كتاب من لا يحضره طبيب مسائل في النسل والذرية كتاب الرؤيا يخبر فيه بالسبب الذي امتنع به من معالجة الحوامل وغير ذلك كتاب في طلوع الكواكب التي ذكرها بقراط كتاب في الفصد والحجامة رسالة في استعمال الحمام حنين بن إسحاق هو أبو زيد حنين بن إسحاق العبادي بفتح العين وتخفيف الباء والعباد بالفتح قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية بالحيرة والنسبة إليهم عبادي قال الشاعر (يسقيكها من بني العباد رشا * منتسب عيده إلى الأحد) المنسرح وكان حنين بن إسحاق فصيحا لسنا بارعا شاعرا وأقام مدة في البصرة وكان شيخه في العربية الخليل بن أحمد ثم بعد ذلك انتقل إلى بغداد واشتغل بصناعة الطب قال يوسف بن إبراهيم أول ما حصل لحنين بن إسحاق من الاجتهاد والعناية في صناعة الطب هو أن مجلس يوحنا بن ماسويه كان من أعم مجلس يكون في التصدي لتعليم صناعة الطب وكان يجتمع فيه أصناف أهل الأدب قال يوسف وذلك أني كنت أعهد حنين بن إسحاق الترجمان يقرأ على يوحنا ابن ماسويه كتاب فرق الطب الموسوم باللسان الرومي والسرياني بهراسيس وكان حنين إذ ذاك صاحب سؤال وذلك يصعب على يوحنا وكان يباعده أيضا من قلبه أن حنينا كان من أبناء الصيارفة من
257 أهل الحيرة وأهل جندي سابور خاصة ومتطببوها ينحرفون عن أهل الحيرة ويكرهون أن يدخل في صناعتهم أبناء التجار فسأله حنين في بعض الأيام عن بعض ما كان يقرأ عليه مسألة مستفهم لما يقرأ فحرد يوحنا وقال ما لأهل الحيرة ولتعلم صناعة الطب صر إلى فلان قرابتك حتى يهب لك خمسين درهما تشتري منها قفافا صغارا بدرهم وزرنيخا بثلاثة دراهم واشتر بالباقي قلوسا كوفية وقادسية وزرنخ القادسية في تلك القفاف واقعد على الطريق وصح القلوس الجياد للصدقة والنفقة ربع القلوس فإنه أعود عليك من هذه الصناعة ثم أمر به فأخرج من داره فخرج حنين باكيا مكروبا وغاب عنا حنين فلم نره سنتين وكان للرشيد جارية رومية يقال لها خرشى وكانت ذات قدر عنده محلها منه محل الخوازن وكانت لها أخت أو بنت أخت ربما أتت الرشيد بالكسوة أو بالشيء مما خرشى خازنة عليه فافتقدها الرشيد في بعض الأوقات وسأل خرشي عنها فأعلمته انها زوجتها من قرابة لها فغضب من ذلك وقال كيف أقدمت على تزويج قرابة لك أصل ابتياعك إياها من مالي فهي مال من مالي بغير أذني وأمر سلاما الأبرش بتعرف أمر من تزوجها وبتأديبه فتعرف سلام الخبر حتى وقع على الزوج فلم يكلمه حين ظفر به حتى خصاه فبلي بالخصاء بعد أن علقت الجارية منه وولدت الجارية عند مخرج الرشيد إلى طوس وكانت وفاة الرشيد بعد ذلك فتبنت خرشى ذلك الغلام وأدبته بآداب الروم وقراءة كتبهم فتعلم اللسان اليوناني علما كانت له فيه رياسة وهو إسحق المعروف بابن الخصي فكنا نجتمع في مجالس أهل الأدب كثيرا فوجب لذلك حقه وذمامه واعتل إسحق ابن الخصي علة فأتيته عائدا فإني لفي منزلة إذ بصرت بإنسان له شعرة قد جللته وقد ستر وجهه عني ببعضها وهو يتردد وينشد شعرا بالرومية لأوميرس رئيس شعراء الروم فشبهت نغمته بنغمة حنين وكان العهد بحنين قبل ذلك الوقت بأكثر من سنتين فقلت لإسحاق بن الخصي هذا حنين فأنكر ذلك إنكارا يشبه الإقرار فهتفت بحنين فاستجاب لي وقال ذكر ابن رسالة الفاعلة أنه من المحال أن يتعلم الطب عبادي وهو بريء من دين النصرانية أنه رضي أن يتعلم الطب حتى يحكم اللسان اليوناني إحكاما لا يكون في دهره من يحكمه أحكامه وما أطلع علي أحد غير أخي هذا ولو علمت أنك تفهمني لاستترت عنك لكني عملت على أن حيلتي قد تغيرت في عينك وأنا أسألك أن تستر أمري فبقيت أكثر من ثلاث سنين وإني لأظنها أربعا لم أره ثم إني دخلت يوما على جبرائيل بن بختيشوع وقد انحدر من معسكر المأمون قبل وفاته بمدة يسيرة فوجدت عنده حنينا وقد ترجم له أقساما قسمها بعض الروم في كتاب من كتب جالينوس
258 في التشريح وهو يخاطبه بالتبجيل ويقول له يا ربن حنين وتفسيره ربن المعلم فأعظمت ما رأيت وتبين ذلك جبرائيل في فقال لي لا تستكثرن ما ترى من تبجيلي هذا الفتى فوالله لئن مد له في العمر ليفضحن سرجس وسرجس هذا الذي ذكره جبرائيل هو الرأس عيني وهو أول من نقل شيئا من علوم الروم إلى اللسان السرياني وليفضحن غيره من المترجمين وخرج من عنده حنين وأقمت طويلا ثم خرجت فوجدت حنينا ببابه ينتظر خروجي فسلم علي وقال لي قد كنت سألتك ستر خبري والآن فأنا أسألك إظهاره وإظهار ما سمعت من أبي عيسى وقوله في فقلت له أنا مسود وجه يوحنا بما سمعت من مدح أبي عيسى لك فأخرج من كمه نسخة ما كان دفعه إلى جبرائيل وقال لي تمام سواد وجه يوحنا يكون بدفعك إليه هذه النسخة وسترك عنه علم من نقلها فإذا رأيته قد اشتد عجبه بها أعلمه أنه إخراجي ففعلت ذلك من يومي وقبل انتهائي إلى منزلي فلما قرأ يوحنا تلك الفصول وهي التي تسميها اليونانيون الفاعلات كثر تعجبه وقال أترى المسيح أوحى في دهرنا هذا إلى أحد فقلت له في جواب قوله ما أوحى في هذا الدهر ولا في غيره إلى أحد ولا كان المسيح إلا أحد من يوحى إليه فقال لي دعني من هذا القول ليس هذا الإخراج إلا إخراج مؤيد بروح القدس فقلت له هذا إخراج حنين بن إسحاق الذي طردته من منزلك وأمرته أن يشتري قلوسا فحلف بأن ما قلت له محال ثم صدق القول بعد ذلك وأفضل عليه إفضالا كثيرا وأحسن إليه ولم يزل مبجلا له حتى فارقت العراق في سنة خمس وعشرين ومائتين هذا جملة ما ذكره يوسف بن إبراهيم أقول ثم أن حنينا لازم يوحنا بن ماسويه منذ ذلك الوقت وتتلمذ له واشتغل عليه بصناعة الطب ونقل حنين لابن ماسويه كتبا كثيرة وخصوصا من كتب جالينوس بعضها إلى اللغة السريانية وبعضها إلى العربية وكان حنين أعلم أهل زمانه باللغة اليونانية والسريانية والفارسية والدراية فيهم مما لا يعرفه غيره من النقلة الذين كانوا في زمانه مع ما دأب أيضا في إتقان العربية والاشتغال بها حتى صار من جملة المتميزين فيها ولما رأى المأمون المنام الذي أخبر به أنه رأى في منامه كأن شيخا بهي الشكل جالس على منبر وهو يخطب ويقول أنا أرسطوطاليس انتبه من منامه وسأل عن أرسطوطاليس فقيل له رجل حكيم من اليونانيين فأحضر حنين بن إسحاق إذ لم يجد من يضاهيه في نقله وسأله نقل كتب الحكماء اليونانيين إلى اللغة العربية وبذل له من الأموال والعطايا شيئا كثيرا ونقلت من خط الحسن بن العباس المعروف بالصناديقي رحمه الله قال قال أبو سليمان سمعت يحيى بن عدي يقول قال المأمون رأيت فيما يرى النائم كان رجلا على كرسي جالسا في المجلس الذي أجلس فيه فتعاظمته وتهيبته وسألت عنه فقيل هو أرسطوطاليس فقلت أسأله عن شيء
259 فسألته فقلت ما الحسن فقال ما استحسنته العقول فقلت ثم ماذا قال ما استحسنته الشريعة قلت ثم ماذا قال ما استحسنه الجمهور قلت ثم ماذا قال ثم لا ثم فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب فإن المأمون كان بينه وبين ملك الروم مراسلات وقد استظهر عليه المأمون فكتب إلى ملك الروم يسأله الإذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة ببلد الروم فأجاب إلى ذلك بعد امتناع فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج ابن مطر وابن البطريق وسلما صاحب بيت الحكمة وغيرهم فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل وقد قيل إن يوحنا بن ماسويه ممن نفذ إلى بلد الروم وأحضر المأمون أيضا حنين ابن إسحاق وكان فتي السن وأمره بنقل ما يقدر عليه من كتب الحكماء اليونانيين إلى العربي وإصلاح ما ينقله غيره فامتثل أمره ومما يحكى عنه أن المأمون كان يعطيه من الذهب زنة ما ينقله من الكتب إلى العربي مثلا بمثل وقال أبو سليمان المنطقي السجتاني أن بني شاكر وهم محمد وأحمد والحسن كانوا يرزقون جماعة من النقلة منهم حنين بن إسحاق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرة وغيرهم في الشهر نحو خمسمائة دينار للنقل والملازمة وقال حنين بن إسحاق أنه سافر إلى بلاد كثيرة ووصل إلى أقصى بلاد الروم لطلب الكتب التي قصد نقلها وقال محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست سمعت إسحق بن شهرام يحدث في مجلس عام أن ببلد الروم هيكلا قديم البناء عليه باب لم ير قط أعظم منه بمصراعين من حديد كان اليونانيون في القديم عند عبادتهم الكواكب والأصنام يعظمونه ويدعون فيه قال فسألت ملك الروم أن يفتحه لي فامتنع من ذلك لأنه أغلق منذ وقت تنصرت الروم فلم أزل أراسله وأسأله شفاها عن حضوري مجلسه فتقدم بفتحه فإذا ذلك البيت من المرمر والصخور العظام ألوانا وعليه من الكتابات والنقوش ما لم أسمع بمثله كثرة وحسنا وفي هذا الهيكل من الكتب القديمة ما يحمل على عدة أجمال وكثر ذلك حتى قال ألف جمل بعض ذلك قد أخلق وبعضه على حاله وبعضه قد أكلته الأرضة قال ورأيت فيه من آلات القرابين من الذهب وغيره أشياء ظريفة قال وأغلق الباب بعد خروجي وامتن علي بما فعل معي وذلك كان في أيام سيف الدولة بن حمدان وزعم أن البيت على ثلاثة أيام من القسطنطينية والمجاورون لذلك البيت قوم من الصابئة والكلدانيين وقد أقرتهم الروم على مذاهبهم وتأخذ منهم الجزية أقول وكان كاتب حنين رجل يعرف بالأزرق وقد رأيت أشياء كثيرة من كتب جالينوس وغيره بخطه وبعضها عليه تنكيت بخط حنين بن إسحاق باليوناني وعلى تلك الكتب علامة المأمون
260 وقال عبيد الله بن جبرائيل بن بختيشوع في مناقب الأطباء أن حنينا لما قوي أمره وانتشر ذكره بين الأطباء واتصل خبره بالخليفة أمر بإحضاره فلما حضر اقطع إقطاعات حسنة وقرر له جار جيد وكان يشعره بزبور الروم وكان الخليفة يسمع بعلمه ولا يأخذ بقوله دواء يصفه حتى يشاور فيه غيره وأحب امتحانه حتى يزول ما في نفسه عليه ظنا منه أن ملك الروم ربما كان عمل شيئا من الحيلة به فاستدعاه يوما وأمر بأن يخلع عليه وأحضر توقيعا فيه إقطاع يشتمل على خمسين ألف درهم فشكر له حنين هذا الفعل ثم قال بعد أشياء جرت أريد أن تصف لي دواء يقتل عدوا نريد قتله ولم يمكن إشهاره ونريده سرا فقال حنين يا أمير المؤمنين إني لم أتعلم إلا الأدوية النافعة وما علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيرها فإن أحب أن أمضي وأتعلم فعلت ذلك فقال هذا شيء يطول ورغبه وهدده وهو لا يزيد على ما قاله إلى أن أمر بحبسه في بعض القلاع ووكل به من يوصل خبره إليه وقتا بوقت ويوما بيوم فمكث سنة في حبسه دأبه النقل والتفسير والتصنيف وهو غير مكترث بما هو فيه فلما كان بعد سنة أمر الخليفة بإحضاره وإحضار أموال يرغبه فيها وأحضر سيفا ونطعا وسائر آلات العقوبات فلما حضر قال هذا شيء قد كان ولا بد مما قلته لك فإن أنت فعلت فقد فزت بهذا المال وكان لك عندي أضعافه وأن امتنعت قابلتك بشر مقابلة وقتلتك شر قتلة فقال حنين قد قلت لأمير المؤمنين إني لم أحسن إلا الشيء النافع ولم أتعلم غيره فقال الخليفة فإني أقتلك قال حنين لي رب يأخذ بحقي غدا في الموقف الأعظم فإن اختار أمير المؤمنين أن يظلم نفسه فليفعل فتبسم الخليفة وقال له يا حنين طب نفسا وثق إلينا فهذا الفعل كان منا لامتحانك لأنا حذرنا من كيد الملوك وإعجابنا لننتفع بعلمك فقبل حنين الأرض وشكر له فقال له الخليفة يا حنين ما الذي منعك من الإجابة مع ما رأيته من صدق عزيمتنا في الحالين فقال حنين شيئان يا أمير المؤمنين قال وما هما قال الدين والصناعة قال فكيف قال الدين يأمرنا بفعل الخير والجميل مع أعدائنا فكيف أصحابنا وأصدقائنا ويبعد ويحرم من لم يكن كذا والصناعة تمنعنا من الإضرار بأبناء الجنس لأنها موضوعة لنفعهم ومقصورة على مصالحهم ومع هذا فقد جعل الله في رقاب الأطباء عهدا مؤكدا بأيمان مغلظة أن لا يعطوا دواء قتالا ولا ما يؤذي فلم أر أن أخالف هذين الأمرين من الشريعتين ووطنت نفسي على القتل فإن الله ما كان يضيع من بذل نفسه في طاعته وكان يثيبني فقال الخليفة إنهما لشريعتان جليلتان وأمر بالخلع فخلعت عليه وحمل المال بين يديه وخرج من عنده وهو أحسن الناس حالا وجاها أقول وكان لحنين ولدان داؤد وإسحق وصنف لهما كتبا طبية في المبادي والتعليم ونقل لهما كتبا كثيرة من كتب جالينوس فأما داؤد فإني لم أجد له شهرة بنفسه بين الأطباء ولا يوجد له من الكتب ما يدل على براعته وعلمه وإن كان الذي يوجد له إنما هو كناش واحد وما إسحق فإنه اشتهر وتميز في صناعة الطب وله تصانيف كثيرة ونقل إسحق من الكتب
261 اليونانية إلى اللغة العربية كتبا كثيرة إلا أن جل عنايته كانت مصروفة إلى نقل الكتب الحكمية مثل كتب أرسطوطاليس وغيره من الحكماء وأما حنين أبوه فكان مهتما بنقل الكتب الطبية وخصوصا كتب جالينوس حتى أنه في غالب الأمر لا يوجد شيء من كتب جالينوس إلا وهي بنقل حنين أو بإصلاحه لما نقل غيره فإن رؤي شيء منها وقد تفرد بنقله غيره من النقلة مثل أسطاث وابن بكس والبطريق وأبي سعيد عثمان الدمشقي وغيرهم فإنه لا يعتنى به ولا يرغب فيه كما يكون بنقل حنين وإصلاحه وإنما ذلك لفصاحته وبلاغته ولمعرفته أيضا بآراء جالينوس ولتمهره فيها ووجدت بعض الكتب الست عشرة لجالينوس وقد نقلها من الرومية إلى السريانية سرجس المتطبب ونقلها من السريانية إلى العربية موسى بن خالد الترجمان فلما طالعتها وتأملت ألفاظها تبين لي بين نقلها وبين الست عشرة التي هي نقل حنين تباين كثير وتفاوت بين وأين الألكن من البليغ والثرى من الثريا وكان حنين أيضا ماهرا في صناعة الكحل وله تصانيف مشهورة بالجودة فيها وحدثني الشيح شهاب الدين عبد الحق الصقلي النحوي أن حنين بن إسحاق كان يشتغل في العربية مع سيبويه وغيره ممن كانوا يشتغلون على الخليل بن أحمد وهذا لا يبعد فإنهما كانا في وقت واحد على زمان المأمون وإننا نجد في كلامه وفي نقله ما يدل على فصاحته وفضله في العربية وعلمه بها حتى أن له تصانيف في ذلك وقال سليمان بن حسان أن حنينا نهض من بغداد إلى أرض فارس وكان الخليل بن أحمد النحوي بأرض فارس فلزمه حنين حتى برع في لسان العرب وأدخل كتاب العين بغداد ثم اختير للترجمة وأؤتمن عليها وكان المتخير له المتوكل على الله ووضع له كتابا نحارير عالمين بالترجمة كانوا يترجمون ويتصفح ما ترجموا كاصطفن بن بسيل وموسى بن خالد الترجمان قال وخدم حنين بالطب المتوكل على الله وحظي في أيامه وكان يلبس زنارا وتعلم لسان اليونانيين بالإسكندرية وكان جليلا في ترجمته وهو الذي أوضح معاني كتب أبقراط وجالينوس ولخصها أحسن تلخيص وكشف ما استغلق منها وأوضح مشكلها وله تواليف نافعة مثقفة بارعه وعمد إلى كتب جالينوس فاحتذى فيها حذو الإسكندرانيين وصنعها على سبيل المسألة والجواب فأحسن في ذلك وقال حنين بن إسحاق عن نفسه أن جميع ما قد كان يملكه من الكتب ذهب حتى لم يبق عنده منها ولا كتاب واحد ذكر ذلك في مقالته في فهرست كتب جالينوس وقال أبو علي القباني كان حنين في كل يوم عند نزوله من الركوب يدخل الحمام فيصب عليه الماء
262 ويخرج فيلتف بقطيفة وقد أعد له هناب من فضة فيه رطل شراب وكعكة مثرودة فيأكلها ويشرب الشراب ويطرح نفسه حتى يستوفي عرقه وربما نام ثم يقوم ويتبخر ويقدم له طعامه وهو فروج كبير مسمن قد طبخ زيرباجه ورغيف فيه مائتا درهم فيحسو من المرق ثم يأكل الفروج والخبز وينام فإذا انتبه شرب أربعة أرطال شرابا عتيقا ولم يذق غير هذا طول عمره فإذا اشتهى الفاكهة الرطبة أكل التفاح الشامي والرمان والسفرجل وقال أحمد بن الطيب السرخسي في كتاب اللهو والملاهي قال حنين المتطبب وافاني في بعض الليالي أيام المتوكل رسل من دار الخليفة يطلبوني ويقولون الخليفة يريدك ثم وافت بعدهم طائفة ثم وافاني زرافة فأخرجني من فراشي ومضى بي ركضا حتى أدخلني إلى الخليفة فقال يا سيدي هوذا حنين قال فقال ادفعوا إلى زرافة ما ضمنا له قال فدفع إليه ثلاثون ألف درهم ثم أقبل علي فقال أنا جائع فما ترى في العشاء فقلت له في ذلك قولا فلما فرغ من أكله سألت عن الخبر فقيل لي أن مغنيا غناه صوتا فسأله لمن هو فقال لحنين بن بلوع العبادي فأمر زرافة بإحضار حنين بن بلوع العبادي فقال له يا أمير المؤمنين لا أعرفه فقال لا بد منه وأن أحضرته فلك ثلاثون ألف درهم قال فأحضرني ونسي المتوكل السبب بما كان في رأسه من النبيذ وحضرت وقد جاع فأشرت عليه بأن يقطع النبيذ ويتعشى وينام ففعل أقول وكان مولد حنين في سنة مائة وأربع وتسعين للهجرة وتوفي في زمان المعتمد على الله وذلك في يوم الثلاثاء أول كانون الأول من سنة ألف ومائة وثمان وثمانين للإسكندر وهو لست خلون من صفر سنة مائتين وأربع وستين للهجرة وكانت مدة حياته سبعين سنة وقيل إنه مات بالذرب وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل أن حنين بن إسحاق مات بالغم من ليلته في أيام المتوكل قال حدثني بذلك وزير أمير المؤمنين الحكم المستنصر بالله قال قال كنت مع أمير المؤمنين المستنصر فجرى الحديث فقال أتعلمون كيف كان موت حنين بن إسحاق قلنا لا يا أمير المؤمنين قال خرج المتوكل على الله يوما وبه خمار فقعد في مقعده فأخذته الشمس وكان بين يديه الطيفوري النصراني الطبيب وحنين بن إسحاق فقال له الطيفوري يا أمير المؤمنين الشمس تضر بالخمار فقال المتوكل لحنين ما عندك فيما قال فقال حنين يا أمير المؤمنين لا تضر بالخمار فلما تناقضا بين يديه طلب كشفهما عن صحة أحد القولين فقال حنين يا أمير المؤمنين الخمار حال للمخمور والشمس لا تضر بالخمار إنما تضر المخمور فقال المتوكل لقد أحرز من طبائع الألفاظ وتحديد المعاني ما فاق به نظراءه فوجم لها الطيفوري فلما كان في غد ذلك اليوم أخرج حنين من كمه كتابا فيه
263 صورة المسيح مصلوبا وصور ناس حوله فقال له الطيفوري يا حنين هؤلاء صلبوا المسيح قال نعم فقال له ابصق عليهم قال حنين لا أفعل قال الطيفوري ولم قال لأنهم ليسوا الذين صلبوا المسيح إنما هي صور فاشتد ذلك على الطيفوري ورفعه إلى المتوكل يسأله إباحة الحكم عليه بديانة النصرانية فبعث إلى الجاثليق والأساقفة وسئلوا عن ذلك فأوجبوا اللعنة على حنين فلعن سبعين لعنة بحضرة الملأ من النصارى وقطع زناره وأمر المتوكل أن لا يصل إليه دواء من قبل حنين حتى يستشرف على عمله الطيفوري وانصرف حنين إلى داره فمات من ليلته فيقال مات غما وأسفا أقول هذه حكاية ابن جلجل وكذلك أيضا وجدت أحمد بن يوسف بن إبراهيم قد ذكر في رسالته في المكافأة ما يناسب هذه الحكاية عن حنين والأصح في ذلك أن بختيشوع بن جبرائيل كان يعادي حنين بن إسحاق ويحسده على علمه وفضله وما هو عليه من جودة النقل وعلو المنزلة فاحتال عليه بخديعة عند المتوكل وتم مكره عليه حتى أوقع المتوكل به وحبسه ثم إن الله تعالى فرج عنه وظهر ما كان احتال به عليه بختيشوع بن جبرائيل وصار حنين حظيا عند المتوكل وفضله على بختيشوع وعلى غيره من سائر المتطببين ولم يزل على ذلك في أيام المتوكل إلى أن مرض حنين فيما بعد المرض الذي توفي فيه وذلك في سنة أربع وستين ومائتين وتبين لي جملة ما يحكى عن حنين من ذلك وصح عندي من رسالة وجدت حنين بن إسحاق قد ألفها فيما أصابه من المحن والشدائد من الذين ناصبوه العداوة من أشرار أطباء زمانه المشهورين وهذا نص قوله قال حنين بن إسحاق إنه لحقني من أعدائي ومضطهدي الكافرين بنعمتي الجاحدين لحقي الظالمين لي المتعدين علي من المحن والمصائب والشرور ما منعني من النوم وأسهر عيني وأشغلني عن مهماتي وكل ذلك من الحسد لي على علمي وما وهبه الله عز وجل لي من علو المرتبة على أهل زماني وأكثر أولئك أهلي وأقربائي فإنهم أول شروري وابتداء محني ثم من بعدهم الذي علمتهم وأقرأتهم وأحسنت إليهم وأرقدتهم وفضلتهم على جماعة أهل البلد من أهل الصناعة وقربت إليهم علوم الفاضل جالينوس فكافأوني عوض المحاسن مساوئ بحسب ما أوجبته طباعهم وبلغوا بي إلى أقبح ما يكون من إذاعة أوحش الأخبار وكتمان جليل الأسرار حتى ساءت بي الظنون وامتدت إلي العيون ووضع علي الرصد حتى أنه كان يحصي علي ألفاظي ويكثر إتهامي بما دق منها مما ليس غرضي فيه ما أومأوا إليه فأوقعوا بغضتي في نفوس سائر أهل الملل فضلا عن أهل مذهبي وعملت لي المجالس بالتأويلات الرذلة وكلما اتصل ذلك بي حمدت الله حمدا جديدا وصبرت على ما قد دفعت إليه فآلت القضية بي إلى أن بقيت بأسوأ ما يكون من الحال من الإضافة والضر محبوسا مضيقا علي مدة من الزمان لا تصل يدي إلى شيء من ذهب ولا فضة ولا كتاب وبالجملة ولا ورقة انظر فيها ثم إن الله عز وجل نظر إلي بعين رحمته فجدد لي نعمه وردني إلى ما كنت عارفا به من فضله وكان سبب رد نعمتي إلي بعض من كان قد التزم عداوتي واختص بها ومن ههنا صح ما قاله جالينوس أن الأخيار من الناس قد ينتفعون بأعدائهم الأشرار فلعمري لقد كان ذلك أفضل الأعداء وأنا الآن مبتدئ بذكر ما جرى على مما تقدم ذكره فأقول
264 كيف لا أبغض ويكثر حاسدي ويكثر ثلبي في مجالس ذوي المراتب ويبذل في قتلي الأموال ويعز من شتمني ويهان من أكرمني كل ذلك بغير جرم لي إلى واحد منهم ولا جناية لكنهم لما رأوني فوقهم وعاليا عليهم بالعلم والعمل ونقلي إليهم العلوم الفاخرة من اللغات التي لا يحسنونها ولا يهتدون إليها ولا يعرفون شيئا منها في نهاية ما يكون من حسن العبارة والفصاحة ولا نقص فيها ولا زلل ولا ميل لأحد من الملل ولا استغلاق ولا لحن باعتبار أصحاب البلاغة من العرب الذين يقومون بمعرفة وجوه النحو والغريب ولا يعثرون على سيئة ولا شكلة ولا معنى لكن بأعذب ما يكون عن اللفظ وأقربه إلى الفهم يسمعه من ليس صناعته الطب ولا يعرف شيئا من طرقات الفلسفة ولا من ينتحل ديانة النصرانية وكل الملل فيستحسنه ويعرف قدره حتى أنهم قد يغرمون على ما كان من الذي أنقل الأموال الكثيرة إذ كانوا يفضلون هذا النقل على نقل كل من قبلي وأيضا فأقول ولا أخطئ أن سائر أهل الأدب وإن اختلفت مللهم محبون لي ماثلون إلي مكرمون لي يأخذون ما أفيدهم بشكر ويجازوني بكل ما يصلون إليه من الجميل فأما هؤلاء الأطباء النصارى الذين أكثرهم تعلموا بين يدي نشأوا قدامي هم الذين يرومون سفك دمي على أنهم لا بد لهم مني فمرة يقولون من هو حنين إنما حنين ناقل لهذه الكتب ليأخذ على نقله الأجرة كما يأخذ الصناع الأجرة على صناعتهم ولا فرق عندنا بينه وبينهم لأن الفارس قد يعمل له الحداد السيف في المثل بدينار ويأخذ هو من أجله في كل شهر مائة دينار فهو خادم لأدائنا وليس هو عامل بها كما أن الحداد وإن كان يحسن صنعة السيف إلا أنه ليس يحسن يعمل به فما للحداد وطلب الفروسية كذلك هذا الناقل ماله والكلام في صناعة الطب ولم يحكم في عللها وأمراضها وإنما قصده في ذلك التشبيه بنا ليقال حنين الطبيب ولا يقال حنين الناقل والأجود له لو أنه لزم صناعته وأمسك عن ذكر صناعتنا لقد كان يكون أجدى عليه فيما كنا سنوصله إليه من أموالنا ونحسن إليه ما أمكننا وذلك يتم له بترك أخذ المجلس والنظر في قوارير الماء ووصف الأدوية ويقولون أن حنينا ما يدخل إلى موضع من الدور الخاصة والعامة إلا يهزؤون به ويتضاحكون منه عند خروجه فكنت كلما سمعت شيئا من هذا ضاق به صدري وهممت أن أقتل نفسي من الغيظ والزرد وما كان لي إليهم سبيل إذ كان الواحد لا يستوي له مقاومة الجامعة عند تظافرهم عليه لكني كنت أضمر وأعلم أن حسدهم هو الذي يدعوهم إلى سائر الأشياء وإن كان لا يخفى عليهم قبحها فإن الحسد لم يزل بين الناس على قديم الأيام حتى من يعتقد الديانة قد يعلم أن أول حاسد كان في الأرض قابيل في قتله لأخيه هابيل لما لم يقبل الله قربانه وقبل قربان هابيل وما لم يزل قديما فليس بعجب أن أكون أنا أيضا أحد من يؤذى بسببه وقد يقال كفى بالحاسد حسده ويقال إن الحاسد يقتل نفسه قبل عدوه ولقد أكثرت العرب ذكر الحسد في الشعر ونظموا فيه الأبيات منها قول بعضهم (أن يحسدوني فإني غير لائمهم * قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا)
265 (فدام لي ولهم ما بي وما بهم * ومات أكثرنا غيظا بما يجد) (أنا الذي يجدوني في صدورهم * لا أرتقي صعدا منها ولا أرد) البسيط وقد قال قائل هذا وغيره في مثل هذا مما يطول ذكره مع قلت الفائدة فيه وهذا أيضا مع أن أكثرهم إذا دهمهم الأمر في مرض صعب فإلي يصير حتى يتحقق معرفته مني ويأخذ عني له صفة دوائه وتدبيره ويتبين الصلاح فيما أمر به أن يعمل لا مرة ولا مرارا وهذا الذي يجيئني ويقتدي برأيي هو أشد الناس علي غيظا وأكثرهم لي ثلبا وليس أزيدهم على أن أحكم رب الكل بيني وبينهم وإنما سكوتي عنهم لأنهم ليس هم واحدا ولا اثنين ولا ثلاثة بل هم ستة وخمسون رجلا جملتهم من أهل المذهب محتاجون إلي وأنا غير محتاج إليهم وأيضا فإن إثرتهم مع كثرتهم قوية بخدمة الخلفاء وهم أصحاب المملكة وأنا فأضعف عنهم من وجهين أحدهما وحدتي والثانية أن الذين يعنون بي من الناس محتاجون إلى الأصل الذي يعنى بأعدائي الذي هو أمير المؤمنين ومع هذا كله لا أشكو إلى أحد ما أنا عليه وإن كان عظيما بل أبوح بشكرهم في المحافل وعند الرؤساء فإن قيل لي إنهم يثلبونك وينتقصون بك في مجالسهم ادفع ذلك وأرى أني غير مصدق شيء مما يقال لي بل أقول أنا نحن شيء واحد تجمعنا الديانة والبلدة والصناعة فما أصدق أن مثلهم يذكر أحدا من الناس فضلا عني بسوء فإذا سمعوا عني مثل هذا القول قالوا قد جزع وأعطى من نفسه الصمة وكلما ثلبوني زدت في الشكر لهم وأنا الآن ذاكر ههنا آخر الآبار التي حفروها لي سوى ما كان لي معهم قديما خاصة مع بني موسى والج الينوسيين والبقراطيين في أمر البهت الأول وهذه قصة المحنة الأخيرة القريبة وهي أن بختيشوع بن جبرائيل المتطبب عمل على حيلة تمت له علي وأمكنته مني إرادته في وذلك أنه استعمل قونة عليها صورة السيدة مار مريم وفي حجرها سيدنا المسيح والملائكة قد احتاطوا بها وعملها في غاية ما يكون من الحسن وصحة الصورة بعد أن غرم عليها من المال شيئا كثيرا ثم حملها إلى أمير المؤمنين المتوكل وكان هو المستقبل لها من يد الخادم الحامل لها وهو الذي وضعها بين يدي المتوكل فاستحسنها المتوكل جدا وجعل بختيشوع يقبلها بين يديه مرارا كثيرة فقال له المتوكل لم تقبلها فقال له يا مولانا إذا لم أقبل صورة سيدة العالمين فمن أقبل فقال له المتوكل وكل النصارى هكذا يفعلون فقال نعم يا أمير المؤمنين وأفضل مني لأني أنا قصرت حيث أنا بين يديك ومع تفضيلنا معشر النصارى فإني أعرف رجلا في خدمتك وأفضالك وأرزاقك جارية عليه من النصارى يتهاون بها ويبصق عليها وهو زنديق ملحد لا يقر بالوحدانية ولا يعرف آخرة يستتر بالنصرانية وهو معطل مكذب بالرسل فقال له المتوكل من هذا الذي هذه صفته فقال له حنين المترجم فقال المتوكل أوجه أحضره فإن كان الأمر على ما وصفت نكلت به
266 وخلدته المطبق مع ما أتقدم به في أمره من التضييق عليه وتجديد العذاب فقال أنا أحب أن يؤخر مولاي أمير المؤمنين إلى أن أخرج وأقيم ساعة ثم تأمر بإحضاره فقال إني أفعل ذلك فخرج بختيشوع من الدار وجاءني فقال يا أبا زيد أعزك الله ينبغي أن تعلم أنه قد أهدى إلى أمير المؤمنين قونة قد عظم عجبه بها وأحسبها من صور الشام وقد استحسنها جدا وأن نحن تركناها عنده ومدحناها بين يديه تولع بنا بها في كل وقت وقال هذا ربكم وأمه مصورين وقد قال لي أمير المؤمنين انظر إلى هذه الصورة ما أحسنها وأيش تقول فيها فقلت له صورة مثلها يكون في الحمامات وفي البيع وفي المواضع المصورة وهذا مما لا نبالي به ولا نلتفت إليه فقال وليس هي عندك شيء قلت لا قال فإن تكن صادقا فأبصق عليها فبصقت وخرجت من عنده وهو يضحك ويعطعط بي وإنما فعلت ذلك ليرمي بها ولا يكثر الولع بنا بسببها ويميزنا دائما ولا سيما أن حرد أحد من ذلك فإن الولع يكون أزيد والصواب أن دعا بك وسألك عن مثل ما سألني أن تفعل كما فعلت أنا فإني قد عملت على لقاء سائر من يدخل إليه من أصحابنا وأتقدم إليهم أن يفعلوا مثل ذلك فقبلت ما وصاني به وجازت علي سخريته وانصرف فما كان إلا ساعة حتى جاءني رسول أمير المؤمنين فأخذني إليه فلما دخلت عليه إذ القونة موضوعة بين يديه فقال لي يا حنين ترى ما أحسن هذه الصورة وأعجبها فقلت والله إنه لكما ذكر أمير المؤمنين فقال فأيش تقول فيها فقال أوليس هي صورة ربكم وأمه فقلت معاذ الله يا أمير المؤمنين أإن لله تعالى صورة أو يصور ولكن هذا مثال في سائر المواضع التي فيها الصور فقال فهذه لا تنفع ولا تضر فقلت هو كذلك يا أمير المؤمنين فقال فإن كان الأمر على ما ذكرت فأبصق عليها فبصقت عليها فللوقت أمر بحبسي ووجه إلى ثوذسيس الجاثليق فأحضره فلما دخل عليه ورأى القونة موضوعة بين يديه وقع عليها قبل أن يدعو له فأعتنقها ولم يزل يقبلها ويبكي طويلا فذهب الخدم ليمنعوه فأمر بتركه فلما قبلها طويلا على تيك الحالة أخذها بيده وقام قائما فدعا لأمير المؤمنين وأطنب في دعائه فرد عليه وأمره بالجلوس فجلس وترك القونة في حجره فقال له المتوكل أي فعل هذا تأخذ شيئا كان بين يدي وتتركه في حجرك عن غير إذني فقال له الجاثليق نعم يا أمير المؤمنين أنا أحق بهذه التي بين يديك وإن كان لأمير المؤمنين أطال الله بقاءه أفضل الحقوق غير أن ديانتي لم تدعني أن أدع صورة ساداتي مرمية على الأرض وفي موضع لا يعرف مقدارها بل لعله أن يعرف لها قدره لأن هذه حقها أن تكون في موضع يعرف فيه حقها ويسرج بين يديها أفضل الأدهان من حيث لا تطفأ قناديلها مع ما يبخر به بين يديها من أطابيب البخور في أكثر الأوقات فقال أمير المؤمنين فدعها في حجرك الآن فقال الجاثليق إني أسأل مولاي أمير المؤمنين أن
267 يجود بها علي ويعمل على أنه قد يقطعني ما مقدار قيمته مائة ألف دينار في كل سنة حتى أقضي من حقها ما يجب علي ثم يسألني أمير المؤمنين ما أحب بعد ذلك فيما أرسل إلي بسببه فقال له قد وهبتها لك وأنا أريد أن تعرفني ما جزاء من بصق عليها عندك فقال له الجاثليق إن كان مسلما فلا شيء عليه لأنه لا يعرف مقدارها لكن يعرف ذلك ويلام ويوبخ على مقدرا ما فعل حتى لا يعود إلى مثل ذلك مرة أخرى وإن كان نصرانيا وكان جاهلا لا يفهم ولا معرفة عنده فيلام ويزجر بين الناس ويتهدد بالجروم العظيمة ويعذل حتى يتوب وبالجملة أن هذا فعل لا يقوم عليه إلا جاهل لا يعرف مقدار الديانة فإن كان عاقلا وقد بصق عليها فقد بصق على مريم أم سيدنا وعلى سيدنا المسيح فقال له أمير المؤمنين فما الذي يجب على من فعل ذلك عندك فقال ما عندي يا أمير المؤمنين إذ كنت لا سلطان لي إن أعاقبه بسوط أبو بعصا ولا لي حبس ضنك بل أحرمه وأمنعه من الدخول إلى البيع ومن القربان وأمنع النصارى من ملابسته وكلامه وأضيق عليه ولا يزال مرفوضا عندنا إلى أن يتوب ويقلع عما كان عليه و ينتقل ويتصدق ببعض ماله على الفقراء والمساكين مع لزوم الصوم والصلاة فحينئذ نرجع إلى ما قال كتابنا وهو أن لم تعفوا للخاطئين لم يغفر لكم خطاياكم فنحل حرم الجاني ونرجع إلى ما كنا عليه ثم أن أمير المؤمنين أمر الجاثليق بأن يأخذ القونة وقال له افعل بها ما تريد وأمر له معها ببدرة دراهم وقال له انفق ما تأخذه على قونتك فلما خرج الجاثليق لبث قليلا يتعجب منه ومن محبته لمعبوده وتعظيمه إياه ثم قال إن هذا الأمر عجيب ثم أمر بإحضاري فأحضرت إليه وأحضر السوط والحبال وأمر بي فشددت مجردا بين يديه وضربت مائة سوط وأمر باعتقالي والتضييق علي ووجه فحمل جميع ما كان لي من رحل وأثاث وكتب وما شاكل ذلك وأمر بنقض منازلي إلى الماء وأقمت في داخل داره معتقلا ستة أشهر في أسوأ ما يكون من الحال حتى صرت رحمة لمن رآني وكان أيضا في كل يسير من الأيام يوجه يضربني ويجدد لي العذاب فلم أزل على ما شرحته إلى أن أعتل أمير المؤمنين وذلك في اليوم الخامس من الشهر الرابع من يوم حبسي وكانت علته صعبة جدا فأقعد ولم تمكنه الحركة وأيس منه وأيس هو أيضا من نفسه ومع ذلك فإن أعدائي الأطباء عنده ليلا ونهارا ولا يزايلونه ساعة واحدة وهم يعالجونه ويداوونه ويسألونه في كل وقت في أمري ويقولون له لو أراحنا مولانا أمير المؤمنين من ذلك الزنديق الملحد لأراح منه الدنيا وانكشف عن الدين منه محنة عظيمة فلما طالت مسألتهم له في أمري وكثر ذكرهم لي بين يديه بكل سوء قال لهم فما الذي يسركم أن أفعل به قالوا تريح العالم منه وكان مع ذلك كل من سأل في أمري وتشفع في من أصدقائي يقول بختيشوع يا أمير المؤمنين هذا بعض تلاميذه وهو يعتقد اعتقاده فيقل المعين لي ويكثر المحرك علي وأيست من الحياة فقال لهم أمير المؤمنين وقد لجوا عليه في السؤال فإني أقتله في غد يومنا هذا وأريحكم منه فسر بذلك الجماعة وانصرفوا على ما يحبون
268 فجاءني بعض الخدم وقال لي أنه جرى في أمرك العيش كذا وكذا فسألت الله عز وجل التفضل بما لم تزل أياديه إلي بإمثاله مع ما أنا فيه من كثرة الاهتمام وشغل القلب مما أخاف نزوله بي في غد بغير جرم أستوجبه ولا جناية جنيتها بل بحيلة من احتال علي وطاعتي من أغتالني وقلت اللهم أنك عالم براءتي فأنت أولى بنصرتي وطال بي الفكر إلى أن حملني النوم فإذا بهاتف يحركني ويقول لي قم فاحمد الله وأثن عليه فقد خلصك من أيدي أعدائك وجعل عافية أمير المؤمنين على يديك فطب نفسا فانتبهت مرعوبا ثم قلت كلما كثر ذكره في اليقظة لم تنكر رؤيته عند النوم فلم أزل أحمد الله وأثني عليه إلى أن جاء وجه الصبح فجاءني الخادم ففتح علي الباب ولم يكن وقته الذي كان يجيئني فيه فقلت هذا وقت منكر جاءني ما وعدت به البارحة وقد جاء وقت رضاء أعدائي وشماتتهم بي واستعنت بالله فما جلس الخادم إلا هنيهة إذ جاء غلامه ومعه مزين ثم قال تقدم يا مبارك ليؤخذ من شعرك فتقدمت فأخذ من شعري ثم مضى بي إلى الحمام فأمر بغسلي وتنظيفي والقيام علي بالطيب كما أمره مولاي أمير المؤمنين ثم خرجت من الحمام فطرح علي ثيابا فاخرة وردني إلى مقصورته إلى أن حضر سائر الأطباء عند أمير المؤمنين وأخذ كل واحد منهم موضعه فدعاني أمير المؤمنين وقال هاتوا حنينا فلم تشك الجماعة أنه إنما دعاني لقتلي فأدخلت إليه فنظر إلي ولم يزل يدنيني إلى أن أجلسني بين يديه وقال لي قد غفرت لك ذنبك وأجبت السائل فيك فاحمد الله على حياتك واشر علي بما ترى فقد طالت علتي فأخذت مجسته وأشرت بأخذ خيار شنبر منقى من قصبه وترنجبين لأنه شكا اعتقالا مع ما كان يوجبه الصورة من استعمال هذا الدواء فقال الأطباء الأعداء نعوذ بالله يا أمير المؤمنين من استعمال هذا الدواء إذ كان له غائلة ردية فقال لهم أمسكوا فقد أمرت أن آخذ ما يصفه لي ثم إنه أمر بإصلاحه فأصلح وأخذه لوقته ثم قال لي يا حنين اجعلني من كل ما فعلته بك في حل فشفيعك إلي قوي فقلت له مولاي أمير المؤمنين في حل من دمي فكيف وقد من علي بالحياة ثم قال تسمع الجماعة ما أقوله فنصتوا إليه فقال اعلموا أنكم انصرفتم البارحة مساء على أني أبكر أقتل حنينا كما ضمنت لكم فلم أزل أقلق إلى نصف من الليل متوجعا فلما كان ذلك الوقت أغفيت فرأيت كأني جالس في موضع ضيق وأنتم معشر الأطباء بعيدون عني بعدا كثيرا مع سائر خدمي وحاشيتي وأنا أقول لكم ويحكم ما تنظرون إلي في أي موضع أنا هذا يصلح لمثلي وأنتم سكوت لا تجيبوني عما أخاطبكم به فإذا أنا كذلك حتى أشرق علي في ذلك الموضع ضياء عظيم مهول حتى رعبت منه وإذا أنا برجل قد وافى جميل الوجه ومعه آخر خلفه عليه ثياب حسنة فقال السلام عليك فرددت عليه فقال لي تعرفني فقلت لا فقال أنا المسيح فقلقت وتزعزعت وقلت من هذا الذي معك فقال حنين بن إسحاق فقلت أعذرني فلست أقدر أن أقوم أصافحك فقال اعف عن حنين وأغفر ذنبه فقد غفر الله له وأقبل ما يشير به عليك فإنك تبرأ من علتك فانتبهت وأنا مغموم بما جرى على حنين مني ومفكر في قوة شفيعه إلي وأن حقه الآن علي
269 واجب فانصرفوا ليلزمني كما أمرت وليحمل إلي كل واحد منكم عشرة آلاف درهم لتكون دية من سأل في قتله وهذا المال يلزم من حضر المجلس البارحة وسأل في قتله ومن لم يكن حاضرا فلا شيء عليه ومن لم يحمل ما أمرت بحمله من هذا المال لأضربن عنقه ثم قال لي اجلس أنت والزم رتبتك وخرج الجماعة فحمل كل واحد منهم عشرة آلاف درهم فلما اجتمع سائر ما حملوه أمر بأن يضاف إليه مثله من خزانته فكان زائدا عن مائتي ألف درهم وأن يسلم إلي ففعل ذلك فلما كان آخر النهار وقد أقامه الدواء ثلاثة مجالس أحس بصلاح وخف ما كان يجد فقال يا حنين أبشر بكل ما تحب فقد عظمت رتبتك عندي وزادت طبقتك أضعاف ما كنت عليه عندي فسأعوضك أضعاف ما كان لك وأحوج أعداءك إليك وأرفعك على سائر أهل صناعتك ثم أنه أمر بإصلاح ثلاث دور من دوره التي لم أسكن قط منذ نشأت في مثلها ولا رأيت لأحد من أهل صناعتي مثلها وحمل إليها سائر ما كنت محتاجا من الأواني والفرش والآلة والكتب وما يشاكل ذلك بعد أن أشهد لي بالدور وتوثق لي بشهادات العدول لأنها كانت خطيرة في قيمتها لأنها تقوم بألوف دنانير فلمحبته لي وميله إلي أحب أن تكون لي ولعقبي ولا تكون علي حجة لمعترض فلما فرغ مما أمر به من الحمل إلى الدور وجميع ما ذكر وتعليقها بأنواع الستور ولم يبق غير المضي إليها أمر بحمل المال الضعف الكثير بين يدي وحملني على خمسة أرؤس من خيار بغلاته الخاصة بمواكبها ووهب لي ثلاثة خدم روم وأمر لي في كل شهر بخمسة عشر ألف درهم وأطلق لي الفائت من رزقي في وقت حبسي فكان شيئا كثيرا وحمل من جهة الخدم والحرم وسائر الحاشية والأهل ما لا يمكن أن يحصى من الأموال والخلع والإقطاع وحصلت وظائفي التي كنت آخذها خارج الدار من سائر الناس آخذها من داخل الدار وصرت المقدم على سائر الأطباء من أعواني وغيرهم وهذا تم لي لما لحقتني السعادة التامة وهذا ما جرى علي بعداوة الأشرار كما قال جالينوس أن الأخيار من الناس قد ينتفعون بأعدائهم الأشرار ولعمري لقد لحق جالينوس محن عظيمة إلا أنها لم تكن تبلغ إلى ما بلغت بي أنا هذه المحن وإني لأعلم مرارا كثيرة إن أول من كان يعدو إلى باب داري في حاجة تكون له إلى أمير المؤمنين أو أن يسألني عن مرض قد حار فيه أحد أعدائي الذين قد عرفتك ما لحقني منهم وكنت وحق معبودي العلة الأولى أسارع في قضاء حوائجهم وأخلص لهم المودة ولم أكافئهم على شيء مما صنعوه بي ولا واحدا منهم أخذته بذلك فكان سائر الناس يتعجبون من حسن قضائي حوائجهم بعد ما كانوا يسمعونهم يقولون في عند الناس وخاصة عند مولاي أمير المؤمنين وصرت انقل لهم الكتب على الرسم بغير عوض ولا جزاء وأسارع إلى جميع محابهم بعد أن كنت إذا نقلت لأحدهم كتابا أخذت منه وزنه دراهم أقول وجدت من هذه الكتب كتبا كثيرة وكثيرا منها أقتنيته وهي مكتوبة مولد الكوفي بخط الأزرق كاتب حنين وهي حروف كبار بخط غليظ في أسطر متفرقة وورقها كل ورقة منها بغلظ ما يكون من هذه الأوراق المصنوعة يومئذ ثلاث ورقات أو أربع وذلك في تقطيع مثل ثلث
270 البغدادي وكان قصد حنين بذلك تعظيم حجم الكتاب وتكثير وزنه لأجل ما يقابل به من وزنه دراهم وكان ذلك الورق يستعمله بالقصد ولا جرم أن لغلظه بقي هذه السنين المتطاولة من الزمان قال حنين وإنما ذكرت سائر ما تقدم ذكره ليعلم العاقل أن المحن قد تنزل بالعاقل والجاهل والشديد والضعيف والكبير والصغير وأنها وإن كانت لا شك واقعة بهذه الطبقات التي ذكرنا فما سبيل العاقل أن ييأس من تفضل الله عليه بالخلاص مما بلي به بل يثق وبحسن ثقته بخالقه ويزيد في تعظيمه وتمجيده فالحمد لله الذي من علي بتجديد الحياة وأظهرني على أعدائي الظالمين لي وجعلني أفضلهم رتبة وأكثرهم حالا حمدا جديدا دائما وهذا جملة قول حنين بن إسحاق بلفظه ومن كلام حنين قال الليل نهار الأديب ولحنين بن إسحاق من الكتب كتاب المسائل وهو المدخل إلى صناعة الطب لأنه قد جمع فيه جملا وجوامع تجري مجرى المبادئ والأوائل لهذا العلم وليس جميع هذا الكتاب لحنين بل أن تلميذه الأعسم حبيشا تممه ولهذا قال ابن أبي صادق في شرحه له أن حنينا جمع معاني هذا الكتاب في طروس ومسودات بيض منها البعض في مدة حياته ثم إن حبيش بن الحسن تلميذه وابن أخته رتب الباقي بعده وزاد فيه من عنده زوائد وألحقها بما أثبته حنين في دستوره ولذلك يوجد هذا الكتاب معنونا بكتاب المسائل لحنين بزيادات حبيش الأعسم والذي يوجد في النسخ من هذا الكتاب أن زيادات حبيش من عند ذكره أوقات الأمراض الأربعة إلى آخر الكتاب وقال ابن أبي صادق أن زيادات حبيش إنما هي من الكلام في الترياق واستدل على ذلك بأنه قال ثم إن حنين بن إسحاق عمل مقالتين شرح فيهما ما قاله جالينوس في الترياق ولو كان قاله حنين لكان يقول ثم إني عملت مقالتين شرحت فيهما كذا وكذا وقيل إن حنينا شرع في تأليف هذا الكتاب في أيام المتوكل وقد جعله رئيس الأطباء ببغداد كتاب العشر مقالات في العين وهذا الكتاب يوجد في نسخة اختلاف كثير وليس مقالاته على واحد فإن بعضها توجد مختصرة موجزة في المعنى الذي هي فيه والبعض الآخر قد طول فيه وزاد عما يوجبه تأليف الكتاب والسبب في ذلك أن كل مقالة منه كانت بمفردها من غير التئام لها مع غيرها وذلك لأن حنينا يقول في المقالة الأخيرة من هذا الكتاب أني قد كنت ألفت منذ نيف وثلاثين سنة في العين مقالات مفردة نحوت فيها إلى أغراض شتى سألني تأليفها قوم بعد قوم قال ثم إن حبيشا سألني أن أجمع له ذلك وهو تسع مقالات وأجعله كتابا واحدا وأن أضيف له للتسع مقالات الماضية مقالة أخرى أذكر فيها كتبهم لعلل العين وهذا ذكر أغراض المقالات التي يضمها هذا الكتاب المقالة الأولى يذكر فيها طبيعة العين وتركيبها والمقالة الثانية يذكر فيها طبيعية الدماغ ومنافعه المقالة الثالثة يذكر فيها العصب الباصر والروح الباصر وفي نفس الأبصار كيف يكون
271 والمقالة الرابعة فيها جمل الأشياء التي لا بد منها في حفظ الصحة واختلافها المقالة الخامسة يذكر فيها أسباب الأعراض الكائنة في العين المقالة السادسة في علامات الأمراض التي تحدث في العين المقالة السابعة يذكر فيها قوى جميع الأدوية عامة المقالة الثامنة يذكر فيها أجناس الأدوية للعين خاصة وأنواعها المقالة التاسعة يذكر فيها مداواة أمراض العين المقالة العاشرة في الأدوية المركبة الموافقة لعلل العين ووجدت مقالة أخرى حادية عشرة لحنين مضافة إلى هذا الكتاب يذكر فيها علاج الأمراض التي تعرض في العين بالحديد كتاب في العين على طريق المسألة والجواب ثلاث مقالات ألفه لولديه داؤد وإسحق وهو مائتان وتسع مسائل اختصار الستة عشر كتابا لجالينوس على طريق المسألة والجواب اختصره أيضا لولديه وأكثر ما ألفه من الكتب على طريق المسألة والجواب إنما غرضه بها إلى هذا القصد كتاب الترياق مقالتان اختصار كتاب جالينوس في الأدوية المفردة إحدى عشرة مقالة اختصره بالسرياني وإنما نقل منه إلى العربي الجزء الأول وهو خمس مقالات نقلها لعلي بن يحيى مقالة في ذكر ما ترجم من كتب جالينوس وبعض ما لم يترجم كتبها إلى علي بن يحيى المنجم مقالة في ثبت الكتب التي لم يذكرها جالينوس في فهرست كتبه وصف فيها جميع ما وجد لجالينوس من الكتب التي لا يشك أنها له وقال أن جالينوس يكون صنفها بعد وضعه الفهرست مقالة في اعتذاره لجالينوس فيما قاله في المقالة السابقة من كتاب آراء أبقراط وأفلاطن جمل مقالة جالينوس في أصناف الغلظ الخارج عن الطبيعة على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب جالينوس في الذبول على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب جالينوس في أن الطبيب الفاضل يجب أن يكون فيلسوفا على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب جالينوس في كتب أبقراط الصحيحة وغير الصحيحة جوامع كتاب جالينوس في الحث على تعلم الطب على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب المني لجالينوس على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط على طريق المسألة والجواب سبع مقالات وكان تأليفه له بالسرياني وإنما نقل منه إلى العربي المقالة الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأما الثلاث المقالات الباقية فنقلها إلى العربي عيسى بن سهر بخت ثمار تفسير جالينوس لكتاب تقدمة المعرفة على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب أبقراط في تدبير الأمراض الحادة على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب أبقراط في جراحات الرأس على طريق المسألة والجواب ثمار السبع عشرة مقالة الموجودة من كتاب جالينوس لكتاب أبيذيميا لأبقراط على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب قاطيطريون لأبقراط على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب أبقراط في الأهوية والأزمنة والبلدان على طريق المسألة والجواب شرح كتاب الهواء والماء والمساكن لأبقراط لم يتم شرح كتاب الغذاء لأبقراط ثمار المقالة الثالثة من
272 تفسير جالينوس لكتاب طبيعة الإنسان لأبقراط ثمار كتاب أبقراط في المولدين لثمانية أشهر فصول استخرجها من كتاب أبيذيميا فصول استخرجها من كتاب الأهوية والبلدان ومما في كتاب الفصول من الكلام في الأهوية والبلدان بتفسير جالينوس مقالة في تدبير الناقهين ألفها لأبي جعفر محمد بن موسى رسالة في قرص العود رسالة إلى الطيفوري في قرص الورد كتاب إلى المعتمد فيما سأله عنه من الفرق بين الغذاء والدواء المسهل ثلاث مقالات كتاب قوى الأغذية ثلاث مقالات كتاب في كيفية إدراك الديانة مسائل في البول انتزعها من كتاب أبيذيميا لأبقراط مقالة في تولد الفروج بين فيها أن تولد الفروج إنما هو من بياض البيضة واغتذاؤه من المح الذي فيها مسائل استخرجها من كتب المنطق الأربعة مقالة في الدلائل وصف فيها أبوابا من الدلائل التي يستدل بها على معرفة كل واحد من الأمراض كتاب في النبض كتاب في الحميات كتاب في البول مستخرج من كتاب أبقراط وجالينوس كتاب في معرفة أوجاع المعدة وعلاجها مقالتان كتاب في حالات الأعضاء مقالة في ماء البقول كتاب في اليبس كتاب في حفظ الأسنان واللثة كتاب فيمن يولد لثمانية أشهر على طريق المسألة والجواب ألفه لأم ولد المتوكل كتاب في امتحان الأطباء كتاب في طبائع الأغذية وتدبير الأبدان كتاب في أسماء الأدوية المفردة على حروف المعجم كتاب في مسائله العربية كتاب في تسمية الأعضاء على ما رتبها جالينوس كتاب في تركيب العين مقالة في المد والجزر كتاب في أفعال الشمس والقمر كتاب في تدبير السوداويين كتاب في تدبير الأصحاء بالمطعم والمشرب كتاب في اللبن كتاب في تدبير المستسقين كتاب في أسرار الأدوية المركبة كتاب في أسرار الفلاسفة في الباه جوامع كتاب السماء والعالم كتاب في المنطق كتاب في النحو مقالة في خلق الإنسان وإنه من مصلحته والتفضل عليه جعل محتاجا كتاب فيما يقرأ قبل كتب أفلاطن مقالة في تولد النار بين الحجرين كتاب الفوائد ومقالة في الحمام مقالة في الآجال مقالة في الدغدغة مقالة في ضيق النفس كتاب في اختلاف الطعوم كتاب في تشريح آلات الغذاء ثلاث مقالات تفسير كتاب النفخ لأبقراط تفسير كتاب حفظ الصحة لروفس تفسير كتاب الأدوية المكتومة لجالينوس يبين فيه شرح ما ذكره جالينوس في كل واحد من الأدوية رسالة في دلالة القدر على التوحيد رسالة إلى سلمويه بن بنان عما سأله من ترجمة مقالة جالينوس في العادات كتاب في أحكام الإعراب على مذهب اليونانيين مقالتان مقالة في السبب الذي من أجله صارت مياه البحر مالحة مقالة في الألوان كتاب قاطيغورياس على رأي ثامسطيوس مقالة مقالة في تولد الحصاة مقالة في اختيار الأدوية المحرقة كتاب في مياه الحمامات على طريق المسألة والجواب كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء وآداب المعلمين القدماء كناش اختصره من كتاب بولس مقالة في تقاسيم علل العين كتاب اختيار أدوية علل العين مقالة في الصراع كتاب الفلاحة مقالة في التركيب مما وافقه عليه الفاضلان أبقراط وجالينوس مقالة تتعلق بحفظ الصحة وغيرها كلام في الآثار العلوية مقالة في قوس قزح كتاب تاريخ العالم والمبدأ والأنبياء والملوك والأمم والخلفاء
273 والملوك في الإسلام وابتدأ فيه من آدم ومن أتى من بعده وذكر ملوك بني إسرائيل وملوك اليونانيين والروم وذكر ابتداء الإسلام وملوك بني أمية وملوك بني هاشم إلى الوقت الذي كان فيه حنين بن إسحاق وهو زمان المتوكل على الله حل بعض شكوك جاسيوس الإسكندراني على كتاب الأعضاء الآلمة لجالينوس رسالة فيما أصابه من المحن والشدائد كتاب إلى علي بن يحيى جواب كتابه فيما دعاه إليه من دين الإسلام جوامع ما في المقالة الأولى والثانية والثالثة من كتاب أبيديميا لأبقراط على طريق المسألة والجواب مقالة في كون الجنين جمع من أقاويل جالينوس وبقراط جوامع تفسير القدماء اليونانيين لكتاب أرسطوطاليس في السماء والعالم مسائل مقدمة لكتاب فرفوريوس المعروف بالمدخل وينبغي أن يقرأ قبل كتاب فرفرويوس شرح كتاب الفراسة لأرسطاطاليس كتاب دفع مضار الأغذية كتاب الزينة كتاب خواص الأحجار كتاب البيطرة كتاب حفظ الأسنان كتاب في إدراك حقيقة الأديان إسحق بن حنين هو أبو يعقوب إسحق بن حنين بن إسحاق العبادي كان يلحق بأبيه في النقل وفي معرفته باللغات وفصاحته فيها إلا أن نقله للكتب الطبية قليل جدا بالنسبة إلى ما يوجد من كثرة نقله من كتب أرسطوطاليس في الحكمة وشروحها إلى لغة العرب وكان إسحق قد خدم من خدم أبوه من الخلفاء والرؤساء وكان منقطعا إلى القاسم بن عبيد الله وخصيصا به ومتقدما عنده يفضي إليه بأسراره ولإسحق حكايات مستظرفة وأشعار قال إسحق بن حنين شكا إلي رجل علة في أحشائه فأعطيته معجونا وقلت له تناوله سحرا وعرفني خبرك بالعشي فجاءني غلامه برقعة من عنده فقرأتها وإذا فيها يا سيدي تناولت الدواء واختلفت لا عدمتك عشرة مجالس أحمر مثل الريق في اللزوجة وأخضر مثل السلق في البقلية ووجدت بعده مغسا في رأسي وهوسا في سرتي فرأيك في إنكار ذلك على الطبيعة بما تراه إن شاء الله قال فتعجبت منه وقلت ليس للأحمق إلا جواب يليق به وكتبت إليه فهمت رقعتك وأنا أتقدم إلى الطبيعة بما تحب وأنفذ إليك الجواب إذا التقينا والسلام ولحق إسحق في آخر عمره الفالج وبه مات وتوفي ببغداد في أيام المقتدر بالله وذلك في شهر
274 ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين ومائتين ومن كلام إسحق قال قليل الراح صديق الروح وكثيرها عدو الجسم ومن شعره (أنا ابن الذين استودع الطب فيهم * وسموا به طفل وكهل ويافع) (يبصرني أرستطاليس بارعا * يقوم مني منطق لا يدافع) (وبقراط في تفصيل ما أثبت الألى * لنا الضر والأسقام طب مضارع) (وما زال جالينوس يشفي صدورنا * لما اختلفت فيه علينا الطبائع) (ويحيى بن ماسويه وأهرن قبله * لهم كتب للناس فيها منافع) (رأى أنه في الطب نيلت فلم يكن * لنا راحة من حفظها وأصابع) الطويل ونقلت من خط ابن بطلان في رسالته المعروفة بدعوة الأطباء أن القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد بالله بلغه أن أبا يعقوب إسحق قد شرب دواء مسهلا فأحب مداعبته وكان صديقا له فكتب إليه (أبن لي كيف أمسيت * وكم كان من الحال) (وكم سارت بك الناقة * نحو المنزل الخالي) الهزج فكتب إليه إسحق بن حنين (بخير كنت مسرورا * رضي الحال والبال) (فأما السير والناقة * والمرتبع الخالي) (فإجلالك إنسانيه * يا غاية آمالي) الهزج ولإسحق بن حنين من الكتب كتاب الأدوية المفردة كناش لطيف ويعرف بكناش الخف كتاب ذكر فيه ابتداء صناعة الطب وأسماء جماعة من الحكماء والأطباء كتاب الأدوية الموجودة بكل مكان كتاب الصلاح الأدوية المسهلة اختصار كتاب أقليدس كتاب المقولات كتاب أيساغوجي وهو المدخل إلى صناعة المنطق إصلاح جوامع الإسكندرانيين لشرح جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط كتاب في النبض على جهة التقسيم مقالة في الأشياء التي تفيد الصحة والحفظ وتمنع من النسيان ألفها لعبد الله بن شمعون كتاب في الأدوية المفردة كتاب صنعة العلاج بالحديد كتاب آداب الفلاسفة ونوادرهم مقالة في التوحيد
275 حبيش الأعسم هو حبيش بن الحسن الدمشقي وهو ابن أخت حنين بن إسحاق ومنه تعلم صناعة الطب وكان يسلك مسلك حنين في نقله وفي كلامه وأحواله إلا أنه كان يقصر عنه وقال حنين بن إسحاق وقد ذكره في بعض المواضع أن حبيشا ذكي مطبوع على الفهم غير أنه ليس له اجتهاد بحسب ذكائه بل فيه تهاون وإن كان ذكاؤه مفرطا وذهنه ثاقبا وحبيش هو الذي تمم كتاب مسائل حنين في الطب الذي وضعه للمتعلمين وجعله مدخلا إلى هذه الصناعة ولحبيش من الكتب كتاب إصلاح الأدوية المسهلة كتاب الأدوية المفردة كتاب الأغذية كتاب في الاستسقاء مقالة في النبض على جهة التقسيم يوحنا بن بختيشوع كان طبيبا متميزا خبيرا باللغة اليونانية والسريانية ونقل من اليوناني إلى السرياني كتبا كثيرة وخدم بصناعة الطب الموفق بالله طلحة بن جعفر المتوكل وكان يعتمد عليه كثيرا ويسميه مفرج كربي حدث إبراهيم بن العباس بن طومار الهامشي قال كان الموفق إذا جلس للشراب يقدم بين يديه صينية ذهب ومغسل ذهب وخرداذى بلور وكوز بلور ويجلس يوحنا بن بختيشوع عن يمينه ويقدم إليه مثل ذلك وكذلك بين يدي غالب الطبيب ثم يقدم إلى جميع الجلساء صواني مدهون وقناني زجاج ونارنج قال وسمعته وقد شكا إلى الموفق ما يجري عليه في ضياعه فتقدم الموفق إلى صاعد بأن يكتب له جميع ما يريد ثم إن يوحنا حضر بعد مدة مديدة فعدد على الموفق إحسانه إليه ومعروفة عنده وأن صاعدا يكدر إحسانه إليه ويكتب إلى العمال كتبا فيما يبطل عليه ضياعه وأملاكه فتقدم إليه الموفق بالانصراف إلى مضربه وأعلمه بكيفية الفكر في هذا ووجه الموفق إلى صاعد فأحضره وقال له أنت تعلم أنه ليس لي في هذه الدنيا من استريح إليه واعلم ما في سويداء قلبي وهو مفرج كربي غير يوحنا وأنت دائب الحيلة على تنغيض عيشي بشغل قلبه عن خدمتي فعل الله بك وفعل فلم يزل صاعد يحلف له حتى حل سيفه ومنطقته وقال له امض الساعة مع راشد إلى مضرب يوحنا ولا تدع جهدا في أن تتوصل إلى جميع ما يحبه وتوثق له وخذ خطة بأنك قد بلغت له كل ما أراده وأنفذه إلي مع راشد قال فمضى وكنت أنا أحد من مضى معهما حتى
276 دخلنا إلى مضرب يوحنا وإذا به قاعد على حصر سامان في قبة له فلما قرب منه صاعد قام له فسلم عليه وعلى راشد وعلي وجلسوا وجلست ثم قال صاعد وحلف له فقال له وما ينفعني وأنت تكتب بضد ما تظهر فأعاد اليمين ووثق له ثم دعا صاعد بمنديل وجعله في حجره وأخذ القرطاس والقلم وجعل يكتب ويخرط الخرائط حتى بلغ ما أراده يوحنا وأحذ خطه وشهادتي ومن حضر وأنفذها مع راشد إلى الموفق بالله وما احتاج يوحنا بعد ذلك أن يستزيد في شيء من أموره وليوحنا بن بختيشوع من الكتب كتاب فيما يحتاج إليه الطبيب من علم النجوم بختيشوع بن يوحنا كان عالما بصناعة الطب حظيا من الخلفاء وغيرهم واختص بخدمة المقتدر بالله وكان له من المقتدر الأنعام الكثير والإقطاعات من الضياع وخدم بعد ذلك الراضي بالله فأكرمه وأجراه على ما كان باسمه في أيام أبيه المقتدر ومات بختيشوع بن يوحنا في يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ببغداد عيسى بن علي كان طبيبا فاضلا ومشتغلا بالحكمة وله تصانيف في ذلك وكان قد قرأ صناعة الطب على حنين ابن إسحاق وهو من أجل تلاميذه وكان عيسى بن علي يخدم أحمد بن المتوكل وهو المعتمد على الله وكان طبيبه قديما ولما ولي الخلافة أحسن إليه وشرفه وحمله عدة دفعات على دواب وخلع عليه ولعيسى بن علي من الكتب كتاب المنافع التي تستفاد من أعضاء الحيوان كتاب السموم مقالتان عيسى بن يحيى بن إبراهيم كان أيضا من تلامذة حنين بن إسحاق واشتغل عليه بصناعة الطب
277 الحلاجي ويعرف بيحيى بن أبي حكيم كان من أطباء المعتضد وله من الكتب كتاب تدبير الأبدان النحيفة التي قد علتها الصفراء ألفه للمعتضد ابن صهار بخت واسمه عيسى من أهل جندي سابور وله من الكتب كتاب قوى الأدوية المفردة ابن ماهان ويعرف بيعقوب السيرافي وله من الكتب كتاب السفر والحضر في الطب الساهر اسمه يوسف ويعرف بيوسف القس عارف بصناعة الطب وكان متميزا في أيام المكتفي وقال عبيد الله بن جبرائيل عنه أنه كان به سرطان في مقدم رأسه وكان يمنعه من النوم فلقب بالساهر من أجل مرضه قال وصنف كناشا يذكر فيه أدوية الأمراض وذكر في كناشه أشياء تدل على أنه كان به هذا المرض وللساهر من الكتب كناشه وهو الذي يعرف به وينسب إليه وهو مما استخرجه وجربه في أيام حياته وجعله مقسوما إلى قسمين فالقسم الأول تجري أبوابه على غير ترتيب الأعضاء وهي ستة أبواب
278 الباب التاسع طبقات الأطباء النقلة الذين نقلوا كتب الطب وغيره من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا لهم جورجس وهو من أول من ابتدأ في نقل الكتب الطبية إلى اللسان العربي عندما استدعاه المنصور وكان كثير الإحسان إليه وقد ذكرت أخبار جورجس فيما تقدم حنين بن إسحاق كان عالما باللغات الأربع غريبها ومستعملها العربية والسريانية واليونانية والفارسية ونقله في غاية من الجودة إسحق بن حنين كان أيضا عالما باللغات التي يعرفها أبوه وهو يلحق به في النقل وكان إسحق عذب العبارة فصيح الكلام وكان حنين مع ذلك أكثر تصنيفا ونقلا وقد تقدم ذكر إسحق وأبيه حبيش الأعسم وهو ابن أخت حنين بن إسحاق وتلميذه ناقل مجود يلحق بحنين وإسحق وقد تقدم أيضا ذكره عيسى بن يحيى بن إبراهيم كان أيضا تلميذا لحنين بن إسحاق وكان فاضلا أثنى عليه حنين ورضي نقله وقلده فيه وله مصنفات
279 قسطا بن لوقا البعلبكي كان ناقلا خبيرا باللغات فاضلا في العلوم الحكمية وغيرها وسيأتي ذكره وأخباره فيما بعد إن شاء الله أيوب المعروف بالأبرش كان قليل النقل متوسطه وما نقله في آخر عمره يضاهي نقل حنين ماسرجيس كان ناقلا من السرياني إلى العربي ومشهورا بالطب وله من الكتب كتاب قوى الأطعمة ومنافعها ومضارها كتاب قوى العقاقير ومنافعها ومضارها عيسى بن ماسرجيس كان يلحق بأبيه وله من الكتب كتاب الألوان كتاب الروائح والطعوم شهدي الكرخي من أهل الكرخ وكان قريب الحال في الترجمة ابن شهدي الكرخي كان مثل أبيه في النقل ثم أنه في آخر عمره فاق أباه ولم يزل متوسطا وكان ينقل من السرياني إلى العربي ومن نقله كتاب الأجنة لأبقراط الحجاج بن مطر نقل للمأمون ومن نقله كتاب أقليدس ثم أصلح نقله فيما بعد ثابت بن قرة الحراني ابن ناعمة واسمه عبد المسيح بن عبد الله الحمصي الناعمي كان متوسط النقل وهو إلى الجودة أميل زروبا بن مانحوه الناعمي الحمصي كان قريب النقل وما هو في درجة من قبله هلال بن أبي هلال الحمصي كان صحيح النقل ولم يكن عنده فصاحة ولا بلاغة في اللفظ فثيون الترجمان وجدت نقله كثير اللحن ولم يكن يعرف علم العربية أصلا
280 أبو نصر بن ناري بن أيوب كان قليل النقل ولم يعتد بنقله كغيره من النقلة بسيل المطران نقل كتبا كثيرة وكان نقله أميل إلى الجودة اصطفن بن بسيل كان يقارب حنين بن إسحاق في النقل إلا أن عبارة حنين أفصح وأحلى موسى بن خالد الترجمان وجدت من نقله كتبا كثيرة من الستة عشر لجالينوس وغيرها وكان لا يصل إلى درجة حنين أو يقرب منها أسطاث كان من النقلة المتوسطين حيرون بن رابطة ليس له شهرة بجودة النقل تدرس السنقل وجدت له نقلا في الكتب الحكمية لا بأس به سرجس الرأسي من أهل مدينة رأس العين نقل كتبا كثيرة وكان متوسطا في النقل وكان حنين يصلح نقله فما وجد بإصلاح حنين فهو الجيد وما وجد غير مصلح فهو وسط أيوب الرهاوي ليس هو أيوب الأبرش المذكور أولا ناقل جيد عالم باللغات إلا أنه بالسريانية خير منه بالعربية يوسف الناقل هو أبو يعقوب يوسف بن عيسى المتطبب الناقل ويلقب بالناعس وهو تلميذ عيسى بن صهربخت وكان يوسف الناقل من خوزستان وكانت في عبارته لكنة وليس نقله بكثير الجودة
281 إبراهيم بن الصلت كان متوسطا في النقل يلحق بسرجس الرأسي ثابت الناقل كان أيضا متوسطا في النقل إلا أنه يفضل إبراهيم بن الصلت وكان مقلا من النقل ومن نقله كتاب الكيموسين لجالينوس أبو يوسف الكاتب كان أيضا متوسطا في النقل ونقل عدة كتب من كتب أبقراط يوحنا بن بختيشوع نقل كتبا كثيرة إلى السرياني فأما إلى العربي فما عرف بنقله شيء منها البطريق كان في أيام المنصور وأمره بنقل أشياء من الكتب القديمة وله نقل كثير جيد إلا أنه دون نقل حنين بن إسحاق وقد وجدت بنقله كتبا كثيرة في الطب كتب أبقراط وجالينوس يحيى بن البطريق كان في جملة الحسن بن سهل وكان لا يعرف العربية حق معرفتها ولا اليونانية وإنما كان لطينيا يعرف لغة الروم اليوم وكتابتها وهي الحروف المتصلة لا المنفصلة اليونانية القديمة قيضا الرهاوي كان إذا كثرت على حنين الكتب وضاق عليه الوقت استعان به في نقلها ثم يصلحها بعد ذلك منصور بن بأناس طبقته في النقل مثل قيضا الرهاوي وكان بالسريانية أقوى منه بالعربية عبد يشوع بن بهريز مطران الموصل كان صديقا لجبرائيل بن بختيشوع وناقلا له أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي أحد النقلة المجيدين وكان منقطعا إلى علي بن عيسى
282 أبو إسحق إبراهيم بن بكس كان من الأطباء المشهورين وترجم كتبا كثيرة إلى لغة العرب ونقله أيضا مرغوب فيه أبو الحسن علي بن إبراهيم بن بكس كان أيضا طبيبا مشهورا وكان مثل أبيه في النقل فأما الذين كان هؤلاء النقلة ينقلون لهم خارجا عن الخلفاء فمنهم شيرشوع بن قطرب من أهل جندي سابور وكان لا يزال يبر النقلة ويهدي إليهم ويتقرب إلى تحصيل الكتب منهم بما يمكنه من المال وكان يريد السرياني أكثر من العربي وهو أحد الخوز محمد بن موسى المنجم وهو أحد بني موسى بن شاكر الحساب المشهورين بالفضل والعلم والتصنيف في العلوم الرياضية وكان محمد هذا من أبر الناس بحنين بن إسحاق وقد نقل له حنين كثيرا من الكتب الطبية علي بن يحيى المعروف بابن المنجم أحد كتاب المأمون وكان نديما له وعنده فضل ومال إلى الطب فنقلوا له كتبا كثيرة ثادرس الأسقف كان أسقفا في الكرخ ببغداد وكان حريصا على طلب الكتب متقربا إلى قلوب نقلتها فحصل منها شيئا كثيرا وصنف له قوم من الأطباء النصارى كتبا لها قدر وجعلوها باسمه محمد بن موسى بن عبد الملك نقلت له كتب طبية وكان من جملة العلماء الفضلاء يلخص الكتب ويعتبر جيد الكلام فيها من رديه عيسى بن يونس الكاتب الحاسب من جملة الفضلاء بالعراق وكان كثير العناية بتحصيل الكتب القديمة والعلوم اليونانية علي المعروف بالفيوم اشتهر باسم المدينة التي كان عاملها وكانت النقلة يحصلون من جانبه ويمتارون من فضله
283 أحمد بن محمد المعروف بابن المدبر الكاتب وكان يصل إلى النقلة من ماله وأفضاله شيء كثير جدا إبراهيم بن محمد بن موسى الكاتب وكان حريصا على نقل كتب اليونانيين إلى لغة العرب ومشتملا على أهل العلم والفضل وعلى النقلة خاصة عبد الله بن إسحاق وكان أيضا حريصا على نقل الكتب وتحصيلها محمد بن عبد الملك الزيات وكان يقارب عطاؤه للنقلة والنساخ في كل شهر ألفي دينار ونقل باسمه كتب عدة وكان أيضا ممن نقلت له الكتب اليونانية وترجمت باسمه جماعة من أكابر الأطباء مثل يوحنا بن ماسويه وجبرائيل بن بختيشوع وبختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع وداؤد بن سرابيون وسلمويه بن بنان واليسع وإسرائيل بن زكريا بن الطيفوري وحبيش بن الحسن
284 الباب العاشر طبقات الأطباء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب وأحد أبناء ملوكها وهو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران ابن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة ابن معاوية الأكبر بن الحرث الأصغر بن معاوية بن الحرث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة بن عفير بن عدي بن الحرث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان ابن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان وكان أبوه إسحق بن الصباح أميرا على الكوفة للمهدي والرشيد وكان الأشعث بن قيس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان قبل ذلك ملكا على جميع كندة وكان أبوه قيس بن معدي كرب ملكا على جميع كندة أيضا عظيم الشأن وهو الذي مدحه الأعشى أعشى بني قيس بن ثعلبة بقصائده الأربع الطوال التي أولاهن لعمرك ما طول هذا الزمن والثانية رحلت سمية غدوة أجمالها والثالثة أأزمعت من آل ليلى ابتكارا والرابعة أتهجر غانية أم تلم وكان أبوه معدي كرب بن معاوية ملكا على بني الحرث الأصغر بن معاوية في حضرموت وكان أبوه معاوية بن جبلة ملكا بحضرموت أيضا على بني الحرث الأصغر وكان معاوية بن الحرث الأكبر وأبوه الحرث الأكبر وأبوه ثور ملوكا على معبد بالمشقر واليمامة والبحرين
285 وكان يعقوب بن إسحاق الكندي عظيم المنزلة عند المأمون والمعتصم وعند ابنه أحمد وله مصنفات جليلة ورسائل كثيرة جدا في جميع العلوم وقال سليمان بن حسان أن يعقوب بن إسحاق الكندي شريف الأصل بصري كان جده ولي الولايات لبني هاشم ونزل البصرة وضيعته هنالك وانتقل إلى بغداد وهناك تأدب وكان عالما بالطب والفلسفة وعلم الحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة وطبائع الأعداد وعلم النجوم ولم يكن في الإسلام فيلسوف غيره احتذى في تواليفه حذو أرسطوطاليس وله تواليف كثيرة في فنون من العلم وخدم الملوك فباشرهم بالأدب وترجم من كتب الفلسفة الكثير وأوضح منها المشكل ولخص المستصعب وبسط العويص وقال أبو معشر في كتاب المذكرات لشاذان حذاق التراجمة في الإسلام أربعة حنين بن إسحاق ويعقوب بن إسحاق الكندي وثابت بن قرة الحراني وعمر بن الفرخان الطبري وقال ابن النديم البغدادي الكاتب المعروف بابن أبي يعقوب في كتاب الفهرست كان أبو معشر وهو جعفر بن محمد البلخي من أصحاب الحديث أولا ومنزله في الجانب الغربي بباب خراسان ببغداد يضاغن الكندي ويغري به العامة ويشنع عليه بعلوم الفلاسفة فدس عليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب والهندسة فدخل في ذلك فلم يكمل له فعدل إلى علم أحكام النجوم وانقطع شره عن الكندي بنظره في هذا العلم لأنه من جنس علوم الكندي ويقال إنه تعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره وكان فاضلا حسن الإصابة وضربه المستعين أسواطا لأنه أصاب في شيء خبره بكونه قبل وقته فكان يقول أصبت فعوقبت وكان مولده بواسط يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة وتوفي أبو معشر وقد جاوز المائة سنة وقال أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم في كتاب حسن العقبى حدثني أبو كامل شجاع ابن أسلم الحاسب قال كان محمد وأحمد ابنا موسى بن شاكر في أيام المتوكل يكيدان كل من ذكر بالتقدم في معرفة فأشخصا سند بن علي إلى مدينة السلام وباعداه عن المتوكل ودبرا على الكندي حتى ضربه المتوكل ووجها إلى داره فأخذا كتبه بأسرها وأفرداها في خزانة سميت الكندية ومكن هذا لهما استهتار المتوكل بالآلات المتحركة وتقدم إليهما في حفر النهر المعروف بالجعفري فأسندا أمره إلى أحمد بن كثير الفرغاني الذي عمل المقياس الجديد بمصر وكانت معرفته أوفى من توفيقه لأنه ما تم له عمل قط فغلط في فوهة النهر المعروف بالجعفري وجعلها أخفض من سائره فصار ما يغمر الفوهة لا يغمر سائر النهر فدافع محمد وأحمد ابنا موسى في أمره واقتضاهما المتوكل فسعى بهما إليه فيه فأنفذ مستحثا في إحضار سند بن علي من مدينة السلام فوافى فلما تحقق محمد وأحمد ابنا موسى أن سند بن علي قد شخص أيقنا بالهلكة ويئسا من الحياة فدعا المتوكل
286 بسند وقال ما ترك هذان الرديان شيئا من سوء القول إلا وقد ذكراك عندي به وقد أتلفا جملة من مالي في هذا النهر فأخرج إليه حتى تتأمله وتخبرني بالغلط فيه فإني قد آليت على نفسي إن كان الأمر على ما وصف لي إني أصلبهما على شاطئه وكل هذا بعين محمد وأحمد ابني موسى وسمعهما فخرج وهما معه فقال محمد ابن موسى لسند يا أبا الطيب أن قدرة الحر تذهب حفيظته وقد فرغنا إليك في أنفسنا التي هي أنفس أعلاقنا وما ننكر إنا أسأنا والاعتراف يهدم الاقتراف فتخلصنا كيف شئت قال لهما والله إنكما لتعلمان ما بيني وبين الكندي من العداوة والمباعدة ولكن الحق أولى ما أتبع أكان من الجميل ما أتيتماه إليه من أخذ كتبه والله لا ذكرتكما بصالحة حتى تردا عليه كتبه فتقدم محمد بن موسى في حمل الكتب إليه وأخذ خطه باستيفائها فوردت رقعة الكندي بتسلمها عن آخرها فقال قد وجب لكما علي ذمام برد كتب هذا الرجل ولكما ذمام بالمعرفة التي لم ترعياها في والخطأ في هذا النهر يستتر أربعة أشهر بزيادة دجلة وقد أجمع الحساب على أن أمير المؤمنين لا يبلغ هذا المدى وأنا أخبره الساعة أنه لم يقع منكما خطأ في هذا النهر إبقاء على أرواحكما فإن صدق المنجمون أفلتنا الثلاثة وإن كذبوا وجازت مدته حتى تنقص دجلة وتنصب أوقع بنا ثلاثتنا فشكر محمد وأحمد هذا القول منه واسترقهما به ودخل على المتوكل فقال له ما غلطا وزادت دجلة وجرى الماء في النهر فاستتر حاله وقتل المتوكل بعد شهرين وسلم محمد وأحمد بعد شدة الخوف مما توقعا وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب طبقات الأمم عن الكندي عندما ذكر تصانيفه وكتبه قال ومنها كتبه في علم المنطق وهي كتب قد نفقت عند الناس نفاقا عاما وقلما ينتفع بها في العلوم لأنها خالية من صناعة التحليل التي لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل في كل مطلوب إلا بها وأما صناعة التركيب وهي التي قصد يعقوب في كتبه هذه إليها فلا ينتفع بها إلا من كانت عنده مقدمات عتيدة فحينئذ يمكنه التركيب ومقدمات كل مطلوب لا توجد إلا بصناعة التحليل ولا أدري ما حمل يعقوب على الإضراب عن هذه الصناعة الجليلة هل جهل مقدارها أو ضن على الناس بكشفه وأي هذين كان فهو نقص فيه وله بعد هذا رسائل كثيرة في علوم جمة ظهرت له فيها آراء فاسدة ومذاهب بعيدة عن الحقيقة أقول هذا الذي قد قاله القاضي صاعد عن الكندي فيه تحامل كثير عليه وليس ذلك مما يحط من علم الكندي ولا مما يصد الناس عن النظر في كتبه والانتفاع بها وقال ابن النديم البغدادي الكاتب في كتاب الفهرست كان من تلامذة الكندي ووراقيه حسنويه ونفطويه وسملويه وآخر على هذا الوزن ومن تلامذته أحمد بن الطيب وأخذ عنه أبو معشر أيضا قال أبو محمد عبد الله بن قتيبة في كتاب فرائد الدر قال بعضهم أنشدت يعقوب بن
287 إسحق الكندي (وفي أربع مني حلت منك أربع * فما أنا أدرى أيهأ هاج لي كربي) (أوجهك في عيني أم الطعم في فمي * أم النطق في سمعي أم الحب في قلبي) الطويل فقال والله لقد قسمها تقسيما فلسفيا أقول ومن كلام الكندي قال في وصيته وليتق الله تعالى المتطبب ولا يخاطر فليس عن الأنفس عوض وقال وكما يجب أن يقال له أنه كان سبب عافية العليل وبرئه كذلك فليحذر أن يقال إنه كان سبب تلفه وموته وقال العاقل يظن أن فوق علمه علما فهو أبدا يتواضع لتلك الزيادة والجاهل يظن أنه قد تناهى فتمقته النفوس لذلك ومن كلامه مما أوصى به لولده أبي العباس نقلت ذلك من كتاب المقدمات لابن بختويه قال الكندي يا بني الأب رب والأخ فخ والعم غم والخال وبال والولد كمد والأقارب عقارب وقول لا يصرف البلا وقول نعم يزيل النعم وسماع الغناء برسام حاد لأن الإنسان يسمع فيطرب وينفق فيسرف فيفتقر فيغتم فيعتل فيموت والدينار محموم فإن صرفته مات والدرهم محبوس فإن أخرجته فر والناس سخرة فخذ شيئهم واحفظ شيئك ولا تقبل ممن قال اليمين الفاجرة فإنها تدع الديار بلاقع أقول وإن كانت هذه من وصية الكندي فقد صدق ما حكاه عنه ابن النديم البغدادي في كتابه فإنه قال إن الكندي كان بخيلا ومن شعر يعقوب بن إسحاق الكندي قال الشيخ أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري اللغوي في كتاب الحكم والأمثال أنشدني أحمد بن جعفر قال أنشدني أحمد بن الطيب السرخسي قال أنشدني يعقوب بن إسحاق الكندي لنفسه (أناف الذنابى على الأرؤس * فغمض جفونك أو نكس) (وضائل سوادك واقبض يديك * وفي قعر بيتك فاستجلس) (وعند مليكك فابغ العلو * وبالوحدة اليوم فاستأنس) (فإن الغنى في قلوب الرجال * وإن التعزز بالأنفس) (وكائن ترى من أخي عسرة * غني وذي ثروة مفلس)
288 (ومن قائم شخصه ميت * على أنه بعد لم يرمس) (فإن تطعم النفس ما تشتهي * تقيك جميع الذي تحتسي) المتقارب وليعقوب بن إسحاق الكندي من الكتب كتاب الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد كتاب الفلسفة الداخلة والمسائل المنطقية والمعتاصة وما وافق الطبيعيات رسالة في أنه لا تنال الفلسفة إلا بعلم الرياضيات كتاب الحث على تعلم الفلسفة رسالة في كمية كتب أرسطوطاليس وما يحتاج إليه في تحصيل علم الفلسفة مما لا غنى في ذلك عنه منها وترتيبها وأغراضه فيها كتاب في قصد أرسطوطاليس في المقولات إياها قصد والموضوعة لها رسالته الكبرى في مقياسة العلمي كتاب أقسام العلم الأنسي كتاب في ماهية العلم وأقسامه كتاب في أن أفعال البارئ كلها عدل لا جور فيها كتاب في ماهية الشيء الذي لا نهاية له وبأي نوع يقال للذي لا نهاية له رسالة في الإبانة أنه لا يمكن أن يكون جرم العالم بلا نهاية وأن ذلك إنما هو في القوة كتاب في الفاعلة والمنفعلة من الطبيعيات الأول كتاب في عبارات الجوامع الفكرية كتاب في مسائل سئل عنها في منفعة الرياضيات كتاب في بحث قول المدعي أن الأشياء الطبيعية تفعل فعلا واحدا بإيجاب الخلقة رسالة في الرفق في الصناعات رسالة في رسم رقاع إلى الخلفاء والوزراء رسالة في قسمة القانون رسالة في ماهية العقل والإبانة عنه رسالة في الفاعل الحق الأول التام والفاعل الناقص الذي هو في المجاز رسالة إلى المأمون في العلة والمعلول اختصار كتاب أيساغوجي لفرفوريوس مسائل كثيرة في المنطق وغيره وحدود الفلسفة كتاب في المدخل المنطقي باستيفاء القول فيه كتاب في المدخل المنطقي باختصار وإيجاز رسالة في المقولات العشر رسالة في الإبانة عن قول بطليموس في أول كتابه في المجسطي عن قول أرسطوطاليس في أنالوطيقا رسالة في الاحتراس من خدع السوفسطائية رسالة بإيجاز واختصار في البرهان المنطقي رسالة في الأسماء الخمسة اللاحقة لكل المقولات رسالة في سمع الكيان رسالة في عمل آلة مخرجة الجوامع رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقي خمس مقالات رسالة إلى أحمد بن المعتصم في كيفية استعمال الحساب الهندي أربع مقالات رسالة في الإبانة عن الأعداد التي ذكرها أفلاطن في السياسة رسالة في تأليف الأعداد رسالة في التوحيد من جهة العدد رسالة في استخراج الخبيء والضمير رسالة في الزجر والفأل من جهة العدد رسالة في الخطوط والضرب بعدد الشعير رسالة في الكمية المضافة رسالة في النسب الزمانية رسالة في الحيل العددية وعلم أضمارها رسالة في أن العالم وكل ما فيه كروي الشكل رسالة في الإبانة على أنه ليس شيء من العناصر الأولى والجرم الأقصى غير كروي رسالة في أن الكرة أعظم الأشكال الجرمية والدائرة أعظم من جميع الأشكال البسيطة رسالة في الكريات رسالة في عمل السمت على الكرة رسالة في أن سطح ماء البحر كروي رسالة في تسطيح الكرة رسالة في عمل الحلق الست
289 واستعمالها رسالته الكبرى في التأليف رسالة في ترتيب النغم الدالة على طبائع الأشخاص العالية وتشابه التأليف رسالة في المدخل إلى صناعة الموسيقى رسالة في الإيقاع رسالة في خير صناعة الشعراء رسالة في الأخبار عن صناعة الموسيقى مختصر الموسيقى في تأليف النغم وصنعة العود ألفه لأحمد ابن المعتصم رسالة في أجزاء جبرية الموسيقى رسالة في أن رؤية الهلال لا تضبط بالحقيقة وإنما القول فيها بالتقريب رسالة في مسائل سئل عنها من أحوال الكواكب رسالة في جواب مسائل طبيعية في كيفيات نجومية سأله أبو معشر عنها رسالة في الفصلين رسالة فيما ينسب إليه كل بلد من البلدان إلى برج من البروج وكوكب من الكواكب رسالة فيما سئل عنه من شرح ما عرض له من الاختلاف في صور المواليد رسالة فيما حكى من أعمار الناس في الزمن القديم وخلافها في هذا الزمن رسالة في تصحيح عمل نمو دارات المواليد والهيلاج والكدخداه رسالة في إيضاح علة رجوع الكواكب رسالة في الإبانة أن الاختلاف الذي في الأشخاص العالية ليس علة الكيفيات الأول رسالة في سرعة ما يرى من حركة الكواكب إذا كانت في الأفق وإبطائها كلما علت رسالة في الشعاعات رسالة في فصل ما بين السير وعمل الشعاع رسالة في علل الأوضاع النجومية رسالته المنسوبة إلى الأشخاص العالية المسماة سعادة ونحاسة رسالة في علل القوى المنسوبة إلى الأشخاص العالية الدالة على المطر رسالة في علل أحداث الجو رسالة في العلة التي لها يكون بعض المواضع تكاد لا تمطر رسالة إلى زرنب تلميذه في أسرار النجوم وتعليم مبادئ الأعمال رسالة في العلة التي ترى من الهالات للشمس والقمر والكواكب والأضواء النيرة أعني النيرين رسالة في اعتذاره في موته دون كماله لسني الطبيعة التي هي مائة وعشرون سنة كلام في الجمرات رسالة في النجوم رسالة في أغراض كتب أقليدس رسالة في إصلاح كتب أقليدس رسالة في اختلاف المناظر رسالة في عمل شكل المتوسطين رسالة في تقريب وتر الدائرة رسالة في تقريب وتر التسع رسالة في مساحة إيوان رسالة في تقسيم المثلث والمربع وعملهما رسالة في كيفية عمل دائرة مساوية لسطح أسطوانة مفروضة رسالة في شروق الكواكب وغروبها بالهندسة رسالة في قسمة الدائرة ثلاثة أقسام رسالة في إصلاح المقالة الرابعة عشرة والخامسة عشرة من كتاب أقليدس رسالة في البراهين المساحية لما يعرض من الحسبانات الفلكية رسالة في تصحيح قول أبسقلاس في المطالع رسالة في اختلاف مناظر المرآة رسالة في صنعة الأصطرلاب بالهندسة رسالة في استخراج خط نصف النهار وسمت القبلة بالهندسة رسالة في عمل الرخامة بالهندسة رسالة في أن عمل الساعات على صفيحة تنصب على السطح الموازي للأفق خير من غيرها رسالة في استخراج الساعات على نصف كرة بالهندسة رسالة في السوائح مسائل في مساحة الأنهار وغيرها رسالة في النسب الزمانية كلام في العدد كلام في المرايا التي تحرق رسالة في امتناع وجود مساحة الفلك الأقصى المدبر للأفلاك رسالة في أن طبيعة الفلك مخالفة لطبائع العناصر الأربعة وأنه طبيعة خامسة رسالة في ظاهريات الفلك رسالة في العالم الأقصى رسالة في سجود الجرم الأقصى لباريه رسالة في الرد على المنانية في العشر مسائل في موضوعات الفلك
290 رسالة في الصور رسالة في أنه لا يمكن أن يكون جرم العالم بلا نهاية رسالة في المناظر الفلكية رسالة في امتناع الجرم الأقصى من الاستحالة رسالة في صناعة بطلميوس الفلكية رسالة في تناهي جرم العالم رسالة في ماهية الفلك واللون اللازم اللازوردي المحسوس من جهة السماء رسالة في ماهية الجرم الحامل بطباعه للألوان من العناصر الأربعة رسالة في البرهان على الجسم السائر وماهية الأضواء والإظلام رسالة في المعطيات رسالة في تركيب الأفلاك رسالة في الأجرام الهابطة من العلو وسبق بعضها بعضا رسالة في العمل بالآلة المسماة الجامعة رسالة في كيفية رجوع الكواكب المتحيرة رسالة في الطب البقراطي رسالة في الغذاء والدواء المهلك رسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الأوباء رسالة في الأدوية المشفية من الروائح المؤذية رسالة في كيفية إسهال الأدوية وانجذاب الأخلاط رسالة في علة نفث الدم رسالة في تدبير الأصحاء رسالة في أشفية السموم رسالة في علة بحارين الأمراض الحادة رسالة في تبيين العضو الرئيس من جسم الإنسان والإبانة عن الألباب رسالة في كيفية الدماغ رسالة في علة الجذام وأشفيته رسالة في عضة الكلب الكلب رسالة في الأعراض الحادثة من البلغم وعلة موت الفجأة رسالة في وجع المعدة والنقرس رسالة إلى رجل في علة شكاها إليه في بطنه ويده رسالة في أقسام الحميات رسالة في علاج الطحال الجاسي من الأمراض السوداوية رسالة في أجساد الحيوان إذا فسدت رسالة في تدبير الأطعمة رسالة في صنعة أطعمة من غير عناصرها رسالة في الحياة كتاب الأدوية الممتحنة كتاب الأقراباذين رسالة في الفرق بين الجنون العارض من مس الشياطين وبين ما يكون من فساد الأخلاط رسالة في الفراسة رسالة في إيضاح العلة في السمائم القاتلة السمائية وهو على المقال المطلق الوباء رسالة في الحيلة لدفع الأحزان جوامع كتاب الأدوية المفردة لجالينوس رسالة في الإبانة عن منفعة الطب إذا كانت صناعة النجوم مقرونة بدلائلها رسالة في اللثغة للأخرس رسالة في تقدمة المعرفة بالاستلال بالأشخاص العالية على المسائل رسالة في مدخل الأحكام على المسائل رسالته الأولى والثانية والثالثة إلى صناعة الأحكام بتقاسيم رسالة في الأخبار عن كمية ملك العرب وهي رسالته في اقتران التحسين في برج السرطان رسالة في قدر منفعة صناعة الأحكام ومن الرجل المسمى منجما باستحقاق رسالته المختصرة في حدود المواليد رسالة في تحويل سني المواليد رسالة في الاستدلال بالكسوفات على الحوادث رسالة في الرد على الثنوية رسالة في نقض مسائل الملحدين رسالة في تثبيت الرسل عليهم السلام رسالة في الاستطاعة وزمان كونها رسالة في الرد على من زعم أن للإجرام في هويتها في الجو توقفات رسالة في بطلان قول من زعم أن بين الحركة الطبيعية والعرضية سكون رسالة في أن الجسم في أول إبداعه لا ساكن ولا متحرك ظن باطل رسالة في التوحيد بتفسيرات رسالة في أوائل الجسم رسالة في افتراق الملل في التوحيد وأنهم مجمعون على التوحيد وكل قد خالف صاحبه رسالة في المتجسد رسالة في البرهان
291 كلام له مع ابن الراوندي في التوحيد كلام رد به على بعض المتكلمين رسالة إلى محمد بن الجهم في الإبانة عن وحدانية الله عز وجل وعن تناهي جرم الكل رسالة في الإكفار والتضليل رسالة في أن النفس جوهر بسيط غير داثر مؤثر في الأجسام رسالة في ما للنفس ذكره وهي في عالم العقل قبل كونها في عالم الحسن رسالة في خبر اجتماع الفلاسفة على الرموز العشقية رسالة في علة النوم والرؤيا وما يرمز به النفس رسالة في أن ما بالإنسان إليه حاجة مباح له في العقل قبل أن يحظر رسالته الكبرى في السياسة رسالة في التنبيه على الفضائل رسالة في نوادر الفلاسفة رسالة في خبر فضيلة سقراط رسالة في محاورة جرت بين سقراط وأرسواس رسالة في خبر موت سقراط رسالة فيما جرى بين سقراط والحرانيين رسالة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد في الكائنات الفاسدات رسالة في العلة التي لها قيل أن النار والهواء والماء والأرض عناصر تجمع الكائنة الفاسدة وهي وغيرها يستحيل بعضها إلى بعض رسالة في اختلاف الأزمنة التي تظهر فيها قوى الكيفيات الأربع الأولى رسالة في خبر العقل رسالة في النسب الزمانية رسالة في علة اختلاف أنواع السنة رسالة في ماهية الزمان وماهية الدهر والحين والوقت رسالة في العلة التي لها يبرد أعلى الجو ويسخن ما قرب من الأرض رسالة في الأثر الذي يظهر في الجو ويسمى كوكبا رسالة في الكوكب الذي ظهر ورصده أيام حتى اضمحل رسالة في الكوكب ذي الذؤابة رسالة في العلة الحادث بها البرد في آخر الشتاء في الأبان المسمى أيام العجوز رسالة في علة كون الضباب والأسباب المحدثة له رسالة فيما رصد من الأثر العظيم في سنة اثنتين وعشرين ومائتين للهجرة رسالة في الآثار العلوية رسالة إلى ابنه أحمد في اختلاف مواضع المساكن من كرة الأرض وهذه الرسالة شرح فيها كتاب المساكن لثاوذوسيوس رسالة في علة حدوث الرياح في باطن الأرض المحدثة كثير الزلازل والخسوف رسالة في علة اختلاف الأزمان في السنة وانتقالها بأربعة فصول مختلفة كلام في عمل السمت رسالة في أبعاد مسافات الأقاليم رسالة في المساكن رسالته الكبرى في الربع المسكون رسالة في أخبار أبعاد الأجرام رسالة في استخراج بعد مركز القمر من الأرض رسالة في استخراج آلة عملها يستخرج بها أبعاد الأجرام رسالة في عمل آلة يعرف بها بعد المعاينات رسالة في معرفة أبعاد قلل الجبال رسالة إلى أحمد بن محمد الخراساني فيما بعد الطبيعة وإيضاح تناهي جرم العالم رسالة في تقدمة الأخبار رسالة في تقدمة المعرفة بالأحداث رسالة في تقدمة الخبر رسالة في تقدمة المعرفة في الاستدلال بالأشخاص السماوية رسالة في أنواع الجواهر والأشباه رسالة في نعت الحجارة والجواهر ومعادنها وجيدها ورديها وأثمانها رسالة في تلويح الزجاج رسالة فيما يصبغ فيعطي لونا رسالة في أنواع الحديد والسيوف وجيدها ومواضع انتسابها رسالة إلى أحمد بن المعتصم بالله فيما يطرح على الحديد والسيوف حتى لا تنثلم ولا تكل رسالة في الطائر الأنسى رسالة في تمريخ الحمام رسالة في الطرح على البيض رسالة في أنواع النخل وكرائمه رسالة في عمل القمقم الصياح رسالة في العطر وأنواعه رسالة في كيمياء العطر رسالة في الأسماء المعماة رسالة في التنبيه على خدع الكيمائيين رسالة في الأثرين المحسوسين في الماء رسالة في المد والجزر رسالة في أركاب الخيل رسالته الكبيرة في
292 الأجسام الغائصة في الماء رسالة في الأجرام الهابطة رسالة في شعار المرآة رسالة في اللفظ وهي ثلاثة أجزاء أول وثاني وثالث رسالة في الحشرات مصور عطاردي رسالة في جواب أربع عشرة مسألة طبيعيات سأله عنها بعض إخوانه رسالة في جواب ثلاث مسائل سئل عنها رسالة في قصة المتفلسف بالسكوت رسالة في علة الرعد والبرق والثلج والبرد والصواعق والمطر رسالة في بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم رسالة في الإبانة أن الاختلاف الذي في الأشخاص العالية ليس علة الكيفيات الأولى كما هي علة ذلك في التي تحت الكون والفساد ولكن علة ذلك حكمة مبدع الكل عز وجل رسالة في قلع الآثار من الثياب وغيرها رسالة إلى يوحنا بن ماسويه في النفس وأفعالها رسالة في ذات الشعبتين رسالة في علم الحواس رسالة في صفة البلاغة رسالة في قدر المنفعة بأحكام النجوم كلام في المبدع الأول رسالة في صنعة الأحبار والليق رسالة إلى بعض إخوانه في رموز الفلاسفة في المجسمات رسالة في عناصر الأخبار كتاب في الجواهر الخمسة رسالة إلى أحمد بن المعتصم في تجويز إجابة الدعاء من الله عز وجل لمن دعا به رسالة في الفلك والنجوم ولم قسمت دائرة فلك البروج على اثني عشر قسما وفي تسميتهم السعود والنحوس وبيوتها وأشرافها وحدودها بالبرهان الهندسي أحمد بن الطيب السرخسي هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مروان السرخسي ممن ينتمي إلى الكندي وعليه قرأ ومنه أخذ وكان متفننا في علوم كثيرة من علوم القدماء والعرب حسن المعرفة جيد القريحة بليغ اللسان مليح التصنيف والتأليف أوحدا في علم النحو و الشعر وكان حسن العشرة مليح النادرة خليعا ظريفا وسمع الحديث أيضا وروى شيئا منه ومن ذلك روى أحمد بن الطيب السرخسي قال حدثنا عمرو بن محمد الناقل قال أخبرنا سليمان بن عبيد الله عن بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن عمران القصير عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا اكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء فعليهم الدبار) وروى أحمد بن الطيب أيضا عن أحمد بن الحرث عن أبي الحسن علي بن محمد المدائني عن عبد الله بن المبارك عن عبد العزيز بن أبي سالم عن مكحول قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (أشد الناس عذابا يوم القيامة من سب نبيا أو صحابة نبي أو أئمة المسلمين) وتولى أحمد بن الطيب في أيام المعتضد الحسبة ببغداد وكان أولا معلما للمعتضد ثم نادمه و خص به وكان يفضي إليه بأسراره ويستشيره في أمور مملكته وكان الغالب على أحمد بن الطيب علمه لا
293 عقله وكان سبب قتل المعتضد إياه اختصاصه به فإنه أفضى إليه بسر يتعلق بالقاسم بن عبيد الله وبدر غلام المعتضد فأفشأه وأذاعه بحيلة من القاسم عليه مشهورة فسلمه المعتضد إليهما فاستصفيا ماله ثم أودعاه المطامير فلما كان في الوقت الذي خرج فيه المعتضد لفتح آمد وقتال أحمد بن عيسى بن شيخ أفلت من المطامير جماعة من الخوارج وغيرهم والتقطهم مؤنس الفحل وكان إليه الشرطة وخلافة المعتضد على الحضرة وأقام أحمد في موضعه ورجا بذلك السلامة فكان قعوده سببا لمنيته وأمر المعتضد القاسم بإثبات جماعة ممن ينبغي أن يقتلوا ليستريح من تعلق القلب بهم فأثبتهم ووقع المعتضد بقتلهم فأدخل القاسم اسم أحمد في جملتهم فيما بعد فقتل وسأل عنه المعتضد فذكر له القاسم قتله وأخرج إليه الثبت فلم ينكره ومضى بعد أن بلغ السماء رفعة في سنة وكان قبض المعتضد على أحمد بن الطيب في سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقتله في الشهر المحرم من سنة ست وثمانين ومائتين ولأحمد بن الطيب السرخسي من الكتب اختصار كتاب أيساغوجي لفرفوريوس اختصار كتاب قاطيغورياس اختصار كتاب باريرميناس اختصار كتاب أنالوطقيا الأولى اختصار كتاب أنالوطقيا الثانية كتاب النفس كتاب الأغشاش وصناعة الحسبة الكبير كتاب غش الصناعات والحسبة الصغير كتاب نزهة النفوس ولم يخرج باسمه كتاب اللهو والملاهي ونزهة المفكر الساهي في الغناء والمغنين والمنادمة والمجالسة وأنواع الأخبار والملح صنفه للخليفة وقال أحمد بن الطيب في كتابه هذا أنه صنف هذا الكتاب وقد مر له من العمر إحدى وستون سنة كتاب السياسة الصغير كتاب المدخل إلى صناعة النجوم كتاب الموسيقى الكبير مقالتان ولم يعمل مثله كتاب الموسيقى الصغير كتاب المسالك والممالك كتاب الأرثماطيقي في الأعداد والجبر والمقابلة كتاب المدخل إلى صناعة الطب نقض فيه على حنين بن إسحاق كتاب المسائل كتاب فضائل بغداد وأخبارها كتاب الطبيخ ألفه على الشهور والأيام للمعتضد كتاب زاد المسافر وخدمة الملوك مقالة من كتاب أدب الملوك كتاب المدخل إلى علم الموسيقى كتاب الجلساء والمجالسة رسالة في جواب ثابت بن قرة فيما سأل عنه مقالة في البهق والنمش والكلف رسالة في السالكين وطرائف اعتقادهم كتاب منفعة الجبال رسالة في وصف مذاهب الصابئين كتاب في أن المبدعات في حال الإبداع لا متحركة ولا ساكنة كتاب في ماهية النوم والرؤيا كتاب في العقل كتاب في وحدانية الله تعالى كتاب في وصايا فيثاغورس كتاب في ألفاظ سقراط كتاب في العشق كتاب في برد أيام العجوز كتاب في كون الضباب كتاب في الفأل كتاب في الشطرنج العالية كتاب أدب في النفس إلى المعتضد كتاب في الفرق بين نحو العرب والمنطق كتاب في أن أركان الفلسفة بعضها على بعض
294 وهو كتاب الاستيفاء كتاب في أحداث الجو كتاب الرد على جالينوس في المحل الأول رسالة إلى ابن ثوابة رسالة في الخضابات المسودة للشعر وغير ذلك كتاب في أن الجزء ينقسم إلى ما لا نهاية له كتاب في أخلاق النفس كتاب سيرة الإنسان كتاب إلى بعض إخوانه في القوانين العامة الأولى في الصناعة الديالقطيقية أي الجدلية على مذهب أرسطوطاليس اختصار كتاب سوفسطيقا لأرسطوطاليس كتاب القيان أبو الحسن ثابت بن قرة الحراني كان من الصابة المقيمين بحران ويقال الصابئون نسبتهم إلى صاب وهو طاط ابن النبي إدريس عليه السلام وثابت هذا هو ثابت بن قرة بن مروان بن ثابت بن كرايا بن إبراهيم بن كرايا بن مارينوس بن سالايونوس وكان ثابت بن قرة صيرفيا بحران ثم استصحبه محمد بن موسى لما انصرف من بلد الروم لأنه رآه فصيحا وقيل إنه قرأ على محمد بن موسى فتعلم في داره فوجب حقه عليه فوصله بالمعتضد وأدخله في جملة المنجمين وهو أصل ما تجدد للصابة من الرئاسة في مدينة السلام وبحضرة الخلفاء ولم يكن في زمن ثابت بن قرة من يماثله في صناعة الطب ولا في غيره من جميع أجزاء الفلسفة وله تصانيف مشهورة بالجودة وكذلك جاء جماعة كثيرة من ذريته ومن أهله يقاربونه فيما كان عليه من حسن التخرج والتمهر في العلوم ولثابت أرصاد حسان للشمس تولاها ببغداد وجمعها في كتاب بين فيه مذهبه في سنة الشمس وما أدركه بالرصد في موضع أوجها ومقدار سنيها وكمية حركاتها وصورة تعديلها وكان جيد النقل إلى العربي حسن العبارة وكان قوي المعرفة باللغة السريانية وغيرها وقال ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة إن الموفق لما غضب على ابنه أبي العباس المعتضد بالله حبسه في دار إسماعيل بن بلبل وكان أحمد الحاجب موكلا به وتقدم إسماعيل بن بلبل إلى ثابت ابن قرة بأن يدخل إلى أبي العباس ويؤنسه وكان عبد الله بن أسلم ملازما لأبي العباس فأنس أبو العباس بثابت بن قرة أنسا كثيرا وكان ثابت يدخل إليه إلى الحبس في كل يوم ثلاث مرات يحادثه ويسليه ويعرفه أحوال الفلاسفة وأمر الهندسة والنجوم وغير ذلك فشغف به ولطف منه محله فلما خرج من حبسه قال لبدر غلامه يا بدر أي رجل أفدنا بعدك فقال من هو يا سيدي فقال ثابت بن قرة ولما تقلد الخلافة اقطعه ضياعا جليلة وكان يجلسه بين يديه كثيرا بحضرة الخاص والعام ويكون بدر غلام الأمير قائما والوزيروهو جالس بين يدي الخليفة
295 قال أبو إسحق الصابئ الكاتب إن ثابتا كان يمشي مع المعتضد في الفردوس وهو بستان في دار الخليفة للرياضة وكان المعتضد قد اتكأ على يد ثابت وهما يتماشيان ثم نتر المعتضد يده من يد ثابت بشدة ففزع ثابت فإن المعتضد كان مهيبا جدا فلما نتر يده من يد ثابت قال له يا أبا الحسن وكان في الخلوات يكنيه وفي الملأ يسميه سهوت ووضعت يدي على يدك واستندت عليها وليس هكذا يجب أن يكون فإن العلماء يعلون ولا يعلون ونقلت من كتاب الكنايات للقاضي أبي العباس أحمد بن محمد الجرجاني قال حدثني أبو الحسن هلال بن المحسن بن إبراهيم قال حدثني جدي أبو إسحق الصابئ قال حدثني عمي أبو الحسين ثابت بن إبراهيم قال حدثني أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي قال سألت أبا الحسن ثابت بن قرة عن مسألة بحضرة قوم فكره الإجابة عنها بمشهدهم وكنت حديث السن فدافعني عن الجواب فقلت متمثلا (ألا ما لليل لا ترى عند مضجعي * بليل ولا يجري بها لي طائر) (بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت * بليلي ولكن ليس للطير زاجر) الطويل فلما كان من غد لقيني في الطريق وسرت معه فأجابني عن المسألة جوابا شافيا وقال زجرت الطير يا أبا محمد فأخجلني فاعتذرت إليه وقلت والله يا سيدي ما أردتك بالبيتين ومن بديع حسن تصرف ثابت بن قرة في المعالجة ما حكاه أبو الحسن ثابت بن سنان قال حكى أحد أجدادي عن جدنا ثابت بن قرة أنه اجتاز يوما ماضيا إلى دار الخليفة فسمع صياحا وعويلا فقال مات القصاب الذي كان في هذا الدكان فقالوا له أي والله يا سيدنا البارحة فجأة وعجبوا من ذلك فقال ما مات خذوا بنا إليه فعدل الناس معه إلى الدار فتقدم إلى النساء بالإمساك عن اللطم والصياح وأمرهن بأن يعملن مزورة وأومأ إلى بعض غلمانه بأن يضرب القصاب على كعبه بالعصا وجعل يده في مجسه وما زال ذلك يضرب كعبه إلى أن قال حسبك واستدعى قدحا وأخرج من شستكة في كمه دواء فدافه في القدح بقليل ماء وفتح فم القصاب وسقاه إياه فأساغه ووقعت الصيحة والزعقة في الدار والشارع بأن الطبيب قد أحيا الميت فتقدم ثابت بغلق الباب والاستيثاق منه وفتح القصاب عينه وأطعمه مزورة وأجلسه وقعد عنده ساعة وإذا بأصحاب الخليفة قد جاءوا يدعونه فخرج معهم والدنيا قد انقلبت والعامة حوله يتعادون إلى أن دخل دار الخلافة ولما مثل بين يدي الخليفة قال له يا ثابت ما هذه المسيحية التي بلغتنا عنك قال يا مولاي كنت اجتاز على هذا القصاب وألحظه يشرح الكبد ويطرح عليها الملح ويأكلها فكنت أستقذر فعله أولا ثم أعلم أن سكتة ستلحقه فصرت أراعيه وإذ علمت عاقبته انصرفت وركبت للسكتة
296 دواء استصحبته معي في كل يوم فلما اجتزت اليوم وسمعت الصياح قلت مات القصاب قالوا نعم مات فجأة البارحة فعلمت أن السكتة قد لحقته فدخلت إليه ولم أجد له نبضا فضربت كعبه إلى أن عادت حركة نبضه وسقيته الدواء ففتح عينيه وأطعمته مزورة والليلة يأكل رغيفا بدراج وفي غد يخرج من بيته أقول وكان مولد ثابت بن قرة في سنة إحدى عشرة ومائتين بحران في يوم الخميس الحادي والعشرين من صفر وتوفي سنة ثمان و ثمانين ومائتين وله من العمر سبع وسبعون سنة وقال ثابت ابن سنان بن ثابت بن قرة كانت بين أبي أحمد يحيى بن علي بن يحيى بن المنجم النديم وبين جدي أبي الحسن ثابت بن قرة رحمه الله مودة أكيدة ولما مات جدي في سنة ثمان وثمانين ومائتين رثاه أبو أحمد بأبيات هي هذه (ألا كل شيء ما خلا الله مائت * ومن يغترب يرجى ومن مات فائت) (أرى من مضى عنا وخيم عندنا * كسفر ثووا أرضا فسار وبائت) (نعينا العلوم الفلسفيات كلها * خبا نورها إذ قيل قد مات ثابت) (وأصبح أهلوها حيارى لفقده * وزال به ركن من العلم ثابت) (وكانوا إذا ضلوا هداهم لنهجها * خبير بفصل الحكم للحق ناكت) (ولما أتاه الموت لم يغن طبه * ولا ناطق مما حواه وصامت) (ولا أمتعته بالغنى بغتة الردى * ألا رب رزق قابل وهو فائت) (فلو أنه يسطاع للموت مدفع * لدافعه عنه حماة مصالت) (ثقات من الإخوان يصفون وده * وليس لما يقضي به الله لافت) (أبا حسن لا تبعدن وكلنا * لهلكك مفجوع له الحزن كابت) (أآمل أن تجلى عن الحق شبهة * وشخصك مقبور وصوتك خافت) (وقد كان يسرو حسن تبيينك العمى * وكل قؤول حين تنطق ساكت) (كأنك مسؤولا من البحر غارف * ومستبدئا نطقا من الصخر ناحت) (فلم يتفقدني من العلم واحد * هراق إناء العلم بعدك كابت) (وكم من محب قد أفدت وأنه * لغيرك ممن رام شأوك هافت) (عجبت لأرض غيبتك ولم يكن * ليثبت فيها مثلك الدهر ثابت) (تهذبت حتى لم يكن لك مبغض * ولا لك لما اغتالك الموت شامت)
297 (وبرزت حتى لم يكن لك دافع * عن الفضل إلا كاذب القول باهت) (مضى علم العلم الذي كان مقنعا * فلم يبق إلا مخطئ متهافت) الطويل وكان من تلامذة ثابت بن قرة عيسى بن أسيد النصراني وكان ثابت يقدمه ويفضله وقد نقل عيسى بن أسيد من السرياني إلى العربي بحضرة ثابت ويوجد له كتاب جوابات ثابت لمسائل عيسى ابن أسيد ومن كلام ثابت بن قرة قال ليس على الشيخ أضر من أن يكون له طباخ حاذق وجارية حسناء لأنه يستكثر من الطعام فيسقم ومن الجماع فيهرم وقال راحة الجسم في قلة الطعام و راحة النفس في قلة الآثام و راحة القلب في قلة الاهتمام وراحة اللسان في قلة الكلام ولأبي الحسن ثابت بن قرة الحراني من الكتب كتاب في سبب كون الجبال مسائله الطبية كتاب في النبض كتاب وجع المفاصل والنقرس جوامع كتاب باريمينياس جوامع كتاب أنالوطيقا الأولى اختصار المنطق نوادر محفوظة من طوبيقا كتاب في السبب الذي من أجله جعلت مياه البحر مالحة اختصار كتاب ما بعد الطبيعة مسائله المشوقة إلى العلوم كتاب في أغاليط السوفسطائيين كتاب في مراتب العلوم كتاب في الرد على من قال إن النفس مزاج جوامع كتاب الأدوية المفردة لجالينوس جوامع كتاب المرة السوداء لجالينوس جوامع كتاب سوء المزاج المختلف لجالينوس جوامع كتاب الأمراض الحادة لجالينوس جوامع كتاب الكثرة لجالينوس جوامع كتاب تشريح الرحم لجالينوس جوامع كتاب جالينوس في المولودين لسبعة أشهر جوامع ما قاله جالينوس في كتابه في تشريف صناعة الطب كتاب أصناف الأمراض كتاب تسهيل المجسطي كتاب المدخل إلى المجسطي كتاب كبير في تسهيل المجسطي لم يتم وهو أجود كتبه في ذلك كتاب في الوقفات التي في السكون الذي بين حركتي الشريان المتضايتن مقالتان صنف هذا الكتاب سريانيا لأنه أومأ فيه إلى الرد على الكندي ونقله إلى العربي تلميذ له يعرف بعيسى بن أسيد النصراني وأصلح ثابت العربي وذكر قوم أن الناقل لهذا الكتاب حبيش بن الحسن الأعسم وذلك غلط وقد رد أبو أحمد الحسين بن إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن كرنيب على ثابت في هذا الكتاب بعد وفاة ثابت بما لا فائدة فيه ولا طائل وهذا الكتاب أنفذه لما صنفه إلى إسحق بن حنين فاستحسنه استحسانا عظيما وكتب في آخره بخطه يقرظ أبا الحسن ثابتا ويدعو له ويصفه جوامع كتاب الفصد لجالينوس جوامع تفسير جالينوس لكتاب أبقراط في الأهوية والمياه والبلدان كتاب في العمل بالكرة كتاب في الحصى المتولد في الكلى والمثانة كتاب في البياض الذي يظهر في البدن كتاب في مساءلة الطبيب للمريض كتاب في سوء المزاج المختلف كتاب في تدبير الأمراض الحادة
298 رسالة في الجدري والحصبة اختصار كتاب النبض الصغير لجالينوس كتاب في قطع الأسطوانة كتاب في الموسيقى رسالة إلى علي بن يحيى المنجم فيما أمر بإثباته من أبواب علم الموسيقى رسالة إلى بعض إخوانه في جواب ما سأله عنه من أمور الموسيقى كتاب في أعمال ومسائل إذا وقع خط مستقيم على خطين ومقالة أخرى له في ذلك كتاب في المثلث القائم الزوايا كتاب في الأعداد المتحابة كتاب في الشكل القطاع كتاب في حالة الفلك كناشه المعروف بالذخيرة ألفه لولده سنان بن ثابت جوابه لرسالة أحمد بن الطيب إليه كتاب في التصرف في أشكال القياس كتاب في تركيب الأفلاك وخلقتها وعددها وعدد حركات الجهات لها والكواكب فيها ومبلغ سيرها والجهات التي تتحرك إليها كتاب في جوامع المسكونة كتاب القرسطيون رسالة في مذهب الصابئين ودياناتهم كتاب في قسمة الأرض كتاب في الهيئة كتاب في الأخلاق كتاب في مقدمات أقليدس كتاب في أشكال أقليدس كتاب في أشكال المجسطي كتاب في استخراج المسائل الهندسية كتاب رؤية الأهلة بالجنوب كتاب رؤية الأهلة من الجداول رسالة في سنة الشمس رسالة في الحجة المنسوبة إلى سقراط كتاب في إبطاء الحركة في فلك البروج وسرعتها وتوسطها بحسب الموضع الذي يكون فيه من الفلك الخارج المركز جواب ما سئل عنه عن البقراطيين وكم مبلغ عددهم مقالة في عمل شكل مجسم ذي أربع عشرة قاعدة تحيط به كرة معلومة مقالة في الصفرة العارضة للبدن وعدد أصنافها وأسبابها وعلاجها مقالة في وجع المفاصل مقالة في صفة كون الجنين كتاب في علم ما في التقويم بالممتحن كتاب في الأطلال كتاب في وصف القرص كتاب في تدبير الصحة كتاب في محنة حساب النجوم كتاب تفسير الأربعة رسالة في اختيار وقت لسقوط النطفة جوامع كتاب النبض الكبير لجالينوس كتاب الخاصة في تشريف صناعة الطب وترتيب أهلها وتعزيز المنقوصين منهم بالنفوس والأخبار أن صناعة الطب أجل الصناعات كتب به إلى الوزير أبي القاسم عبيد الله بن سليمان رسالة في كيف ينبغي أن يسلك إلى نيل المطلوب من المعاني الهندسية فيها ذكر آثار ظهرت في الجو وأحوال كانت في الهواء مما رصد بنو موسى وأبو الحسن ثابت بن قرة اختصار كتاب جالينوس في قوى الأغذية ثلاث مقالات مسائل عيسى بن أسيد لثابت بن قرة وأجوبتها الثابت كتاب البصر والبصيرة في علم العين وعللها ومداواتها المدخل إلى كتاب أقليدس وهو في غاية الجودة كتاب المدخل إلى المنطق اختصار كتاب حيلة البرء لجالينوس شرح السماع الطبيعي مات وما تممه كتاب في المربع وقطره كتاب فيما يظهر في القمر من آثار الكسوف وعلاماته كتاب في علة كسوف الشمس والقمر عمل أكثره ومات وما تممه كتاب إلى ابنه سنان في الحث على تعلم الطب والحكمة جوابان عن كتابي محمد بن موسى بن شاكر إليه في أمر الزمان كتاب في مساحة الأشكال المسطحة وسائر البسط والأشكال كتاب في أن سبيل الأثقال التي تعلق على عمود واحد منفصلة هي سبيلها إذا جعلت ثقلا واحدا مثبوتا في جميع العمود على تساو كتاب في طبائع الكواكب وتأثيراتها مختصر في الأصول من علم الأخلاق كتاب في آلات الساعات التي تسمى رخامات كتاب في إيضاح الوجه الذي ذكر بطليموس أن به استخرج من تقدمه مسيرات القمر
299 الدورية وهي المستوية كتاب في صفة استواء الوزن واختلافه وشرائط ذلك جوامع كتاب نيقوماخس في الأرثماطيقي مقالتان أشكال له في الحيل جوامع المقالة الأولى من الأربع لبطلميوس جوابه عن مسائل سأله عنها أبو سهل النوبختي كتاب في قطع المخروط المكافي كتاب في مساحة الأجسام المكافية كتاب في مراتب قراءة العلوم اختصار كتاب أيام البحران لجالينوس ثلاث مقالات اختصار كتاب الأسطقسات لجالينوس كتاب في أشكال الخطوط التي يمر عليها ظل المقياس مقالة في الهندسة ألفها لإسماعيل بن بلبل جوامع كتاب جالينوس في الأدوية المنقية جوامع كتاب الأعضاء الآلمة لجالينوس كتاب في العروض كتاب فيما أغفله ثاون في حساب كسوف الشمس والقمر مقالة في حساب خسوف الشمس والقمر كتاب في الأنواء ما وجد من كتابه في النفس مقالة في النظر في أمر النفس كتاب في الطريق إلى اكتساب الفضيلة كتاب في النسبة المؤلفة رسالة في العدد الوفق رسالة في تولد النار بين حجرين كتاب في العمل بالممتحن وترجمته ما استدركه على حبيش في الممتحن كتاب في مساحة قطع الخطوط كتاب في آلة الزمر كتب عدة له في الأرصاد عربي وسرياني كتاب في تشريح بعض الطيور وأظنه مالك الحزين كتاب في أجناس ما تنقسم إليه الأدوية صنفه بالسرياني كتاب في أجناس ما توزن به الأدوية بالسرياني كتاب في هجاء السرياني وإعرابه مقالة في تصحيح مسائل الجبر بالبراهين الهندسية إصلاحه للمقالة الأولى من كتاب أبلونيوس في قطع النسب المحدودة وهذا الكتاب مقالتان أصلح ثابت الأولى إصلاحا جيدا وشرحها وأوضحها وفسرها والثانية لم يصلحها وهي غير مفهومة مختصر في علم النجوم مختصر في علم الهندسة جوابات عن مسائل سأله عنها المعتضد كلام في السياسة جواب له عن سبب الخلاف بين زيج بطلميوس وبين الممتحن جوابات له عن عدة مسائل سأل عنها سند بن علي رسالة في حل رموز كتاب السياسة لأفلاطن اختصار القاطيغورياس ومما وجد لثابت بن قرة الحراني الصابي بالسريانية فيما يتعلق بمذهبه رسالة في الرسوم والفروض والسنن رسالة في تكفين الموتى ودفنهم رسالة في اعتقاد الصابئين رسالة في الطهارة والنجاسة رسالة في السبب الذي لأجله الغز الناس في كلامهم رسالة فيما يصلح من الحيوان للضحايا وما لا يصلح رسالة في أوقات العبادات رسالة في ترتيب القراءة في الصلاة صلوات الابتهال إلى الله عز وجل أبو سعيد سنان بن ثابت بن قرة كان يلحق بابيه في معرفته بالعلوم واشتغاله بها وتمهره في صناعة الطب وله قوة بالغة في علم الهيئة وكان في خدمة المقتدر بالله والقاهر وخدم أيضا بصناعة الطب الراضي بالله وقال ابن النديم البغدادي الكاتب في كتاب الفهرست أن القاهر بالله أراد سنان بن ثابت بن قرة على
300 الإسلام فهرب ثم أسلم وخاف من القاهر فمضى إلى خراسان وعاد وتوفي ببغداد مسلما وكانت وفاته بعلة الذرب في الليلة التي صبيحتها يوم الجمعة مستهل ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وقال ثابت بن سنان في تاريخه أذكر وقد وقع الوزير علي بن عيسى بن الجراح إلى والدي سنان بن ثابت في أيام تقلده الدواوين من قبل المقتدر بالله وتدبير المملكة في أيام وزارة حامد بن العباس في سنة كثرت فيها الأمراض جدا وكان والدي إذ ذاك يتقلد البيمارستانات ببغداد وغيرها توقيعا يقول فيه فكرت مد الله في عمرك في أمر من في الحبوس وأنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض وهم معوقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم فينبغي أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم وتحمل إليهم الأدوية والأشربة ويطوفون في سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى ويزيحون عللهم فيما يحتاجون إليه من الأدوية والأشربة ويتقدم بأن تقام لهم المزورات لمن يحتاج إليها منهم ففعل والدي ذلك طول أيامه وورد توقيع آخر إليه فيه فكرت في من في السواد من أهله فإنه لا يخلو أن يكون فيه مرضى لا يشرف عليهم متطبب لخلو السواد من الأطباء فتقدم مد الله في عمرك بإنفاذ متطببين وخزانة للأدوية والأشربة يطوفون في السواد ويقيمون في كل صقع منه مدة ما تدعو الحاجة إليه ويعالجون من فيه من المرضى ثم ينتقلون إلى غيره ففعل والدي ذلك إلى أن انتهى أصحابه إلى سورا والغالب على أهلها اليهود فكتب إلى أبي الحسن علي بن عيسى يعرفه ورود كتابه من أصحابه من السواد يذكرون فيه كثرة المرضى وأن أكثر من حول نهر الملك يهود وأنهم استأذنوا في المقام عليهم وعلاجهم وأنه لم يعلم ما يجيبهم به لأنه لا يعرف رأيه فيهم وأعلمه أن رسم البيمارستان أن يعالج فيه الملي والذمي ويسأله أن يرسم له في ذلك ما يعمل عليه فوقع له توقيعا نسخته فهمت ما كتبت به أكرمك الله وليس بيننا خلاف في أن معالجة أهل الذمة والبهائم صواب ولكن الذي يجب تقديمه والعمل به معالجة الناس قبل البهائم والمسلمين قبل أهل الذمة فإذا أفضل عن المسلمين ما لا يحتاجون إليه صرف في الطبقة التي بعدهم فاعمل أكرمك الله على ذلك واكتب إلى أصحابك به ووصهم بالتنقل في القرى والمواضع التي فيها الأوباء الكثيرة والأمراض الفاشية وإن لم يجدوا بذرقة توقفوا عن المسير حتى تصلح لهم الطريق ويصح السبيل فإنهم إذا فعلوا هذا غنوا عن السور إن شاء الله تعالى قال ثابت بن سنان وكانت النفقة عن البيمارستان الذي لبدر المعتضدي بالمحرم من ارتفاع وقف سجاح أم المتوكل على الله وكان الوقف في يد أبي الصقر وهب بن محمد الكلوذاني وكان قسط من ارتفاع هذا الوقف يصرف إلى بني هاشم وقسط منه إلى نفقة البيمارستان وكان أبو
301 الصقر يروج على بني هاشم مالهم ويؤخر ما يصرف إلى نفقة البيمارستان ويضيقه فكتب والدي إلى ابن الحسن علي بن عيسى يشكو إليه هذه الحال ويعرفه ما يلحق المرضى من الضرر بذلك وقصور ما يقام لهم من الفحم والمؤن والدثار وغير ذلك عن مقدار حاجتهم فوقع على ظهر رقعته إلى أبي الصقر توقيعا نسخته أنت أكرمك الله تقف على ما ذكره وهو غلط جدا والكلام فيه معك خاصة فيما يقع منك يلزمك وما أحسبك تسلم من الإثم فيه وقد حكيت عني في الهاشميين قولا لست أذكره وكيف تصرفت الأحوال في زيادة المال أو نقصانه ووفوره أو قصوره لا بد من تعديل الحال فيه بين أن تأخذ منه وتجعل للبيمارستان قسطا بل هو أحق بالتقديم على غيره لضعف من يلجأ إليه وعظيم النفع به فعرفني أكرمك الله ما النكتة في قصور المال ونقصانه في تخلف نفقة البيمارستان هذه الشهور المتتابعة وفي هذا الوقت خاصة مع الشتاء واشتداد البرد فاحتل بكل حيلة لما يطلق لهم ويعجل حتى يدفأ من في البيمارستان من المرضى والممرورين بالدثار والكسوة والفحم ويقام لهم القوت ويتصل لهم العلاج والخدمة وأجبني بما يكون منك في ذلك وأنفذ لي عملا يدلني على حجتك وأعن بأمر البيمارستان فضل عناية إن شاء الله تعالى قال ثابت بن سنان أنه لما كان في أول يوم من المحرم سنة ست وثلاثمائة فتح والدي سنان بن ثابت بيمارستان السيدة الذي اتخذه لها بسوق يحيى وجلس فيه ورتب المتطببين وقبل المرضى وهو كان بناه على دجلة وكانت النفقة عليه في كل شهر ستمائة دينار قال وفي هذه السنة أيضا أشار والدي على المقتدر بالله بأن يتخذ بيمارستانا ينسب إليه فأمره باتخاذه فاتخذه له في باب الشام وسماه البيمارستان المقتدري وأنفق عليه من ماله في كل شهر مائتي دينار قال ثابت بن سنان ولما كان في سنة تسع عشرة وثلاثمائة اتصل بالمقتدر أن غلطا جرى على رجل من العامة من بعض المتطببين فمات الرجل فأمر إبراهيم بن محمد بن بطحا بمنع سائر المتطببين من التصرف إلا من امتحنه والدي سنان بن ثابت وكتب له رقعة بخطه بما يطلق له من الصناعة فصاروا إلى والدي وأمتحنهم وأطلق لكل واحد منهم ما يصلح أن يتصرف فيه وبلغ عددهم في جانبي بغداد ثمانمائة رجل ونيفا وستين رجلا سوى من استغنى عن محنته باشتهاره بالتقدم في صناعته وسوى من كان في خدمة السلطان وقال أيضا ثابت بن سنان لما مات الراضي بالله استدعى الأمير أبو الحسين بحكم والدي سنان ابن ثابت وسأله أن ينحدر إليه إلى واسط ولم يكن يطمع في ذلك منه في أيام الراضي بالله لملازمته بخدمته فانحدر إليه والدي فأكرمه ووصله وقال له أريد أن اعتمد عليك في تدبير بدني وتفقده والنظر في مصالحه وفي أمر آخر هو أهم إلي من أمر بدني وهو أمر أخلاقي لثقتي بعقلك وفضلك ودينك ومحبتك فقد غمني غلبة الغضب والغيظ علي وإفراطهما بي حتى أخرج إلى ما اندم عليه عند سكونهما من ضرب وقتل وأنا أسألك أن تتفقد ما أعمله وإذا وقفت لي على عيب لم تحتشم أن تصدقني عنه وتذكره لي وتنبهني عليه ثم ترشدني إلى علاجه ليزول عني فقال له والدي السمع والطاعة لما أمر به الأمير أنا افعل ذلك ولكن يستمع الأمير مني بالعاجل جملة علاج ما أنكره من نفسه إلى أن يجيئه التفصيل في أوقاته إعلم أيها الأمير أنك قد أصبحت وليس فوق
302 يدك يد لأحد من المخلوقين وأنك مالك لكل ما تريده قادر على أن تفعله أي وقت أردته لا يتهيأ لأحد من المخلوقين منعك منه ولا لأن يحول بينك وبين ما تهواه أي وقت أردته وأنك متى أردت شيئا بلغته أي وقت شئت لا يفوتك أمر تريده واعلم أن الغضب والغيظ والحرد تحدث في الإنسان سكرا أشد من سكر النبيذ بكثير فكما أن الإنسان يعمل في وقت السكر من النبيذ ما لا يعقل به ولا يذكره إذا صحا ويندم عليه إذا حدث به ويستحيي منه كذلك يحدث له وقت السكر من الحرد والغيظ بل أشد فلما يبتدئ بك الغضب وتحس بأنه قد ابتدأ يسكرك قبل أن يشتد ويقوى ويتفاقم ويخرج الأمر عن يدك فضع في نفسك أن تؤخر العقوبة عليه إلى غد واثقا بأن ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله في غد وقد قيل من لم يخف فوتا حلم فإنك إذا فعلت ذلك وبت ليلتك وسكنت فورة غضبك فإنه لا بد لفورة الغضب من أن تبوخ وتسكن وأن تصحو من السكر الذي أحدثه لك الغضب وقد قيل إن أصح ما يكون الإنسان رأيا إذا استدبر ليله واستقبل نهاره فإذا صحوت من سكرك فتأمل الأمر الذي أغضبك وقدم أمر الله عز وجل أولا والخوف منه وترك التعرض لسخطه ولا تشف غيظك بما يؤثمك فقد قيل ما شفى غيظه من أثم بربه واذكر قدرة الله عليك وأنك محتاج إلى رحمته وإلى أخذه بيدك في أوقات شدائدك وهو وقت لا تملك لنفسك فيه شرا ولا نفعا ولا يقدر لك عليه أحد من المخلوقين ولا يكشف ما قد أظلك غيره عز وجل واعلم أن البشر يغلطون ويخطئون وأنك مثلهم تغلط وتخطئ وإن كان لا يجسر أحد على أن لا يوافقك على ذلك فكما تحب أن يغفر الله لك كذلك غيرك يؤمل عطفك وعفوك وفكر بأي ليلة بات المذنب قلقا لخوفه منك وما يتوقعه من عقوبتك ويخافه من سطوتك واعرف مقدار ما يصل إليه من السرور وزوال الرعب عنه بعفوك ومقدار الثواب الذي يحصل لك من ذلك واذكر قول الله تعالى وليعفوا وليصحفوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم فإن كان ما أغضبك مما يجوز فيه العفو ويكفي فيه العتاب والتوبيخ والعذل والتهديد متى وقعت معاودة فلا تتجاوز ذلك واعف واصفح فإنه أحسن بك وأقرب إلى الله تعالى والله سبحانه يقول وإن تعفوا فهو أقرب للتقوى وليس يظن بك المذنب ولا غيره أنك عجزت عن التقويم والعقوبة ولا قصرت بك القدرة وإن كان مما لا يحتمل العفو عاقبت حينئذ على قدر الذنب ولم تتجاوزه إلى ما يوقع الدين ويفسد به أمرك ويقبح عند الناس ذكرك فإنما يشتد عليك تكلف ذلك أول دفعة وثانية وثالثة ثم يصير عادة لك وخلقا وسجية ويسهل عليك فاستحسن بحكم ذلك ووعد أن يفعله وما زالت أخلاقه تصلح ووالدي ينبهه على شيء شيء مما ينكره منه من أخلاقه وأفعاله ويرشده إلى طريق إزالته إلى أن لانت أخلاقه وكف عن كثير مما كان يسرع إليه من القتل والعقوبات الغليظة واستحلى واستطاب ما كان يشير عليه من استعمال العدل والإنصاف ورفع الظلم والجور ويستصوبه ويعمل به فإنه كان يبين له أن العدل أربح للسلطان من الظلم بكثير وأنه يحصل له به دنيا وآخرة وإن مواد الظلم وإن كثرت
303 وتعجلت سريعة الفساد والفناء والانقطاع ممحوقة لا يبارك فيها وتحدث حوادث تتجرمها ثم تعود بخراب الدنيا وفساد الآخرة ومواد العدل تنمى وتزيد وتدوم وتتصل ويبارك فيها وتعود بصلاح الدنيا وعمارتها وحصول الآخرة والفوز فيها وحسن الذكر ما بقي الدهر فتبين ذلك وعرف صحته وابتدأ بالعمل به وعمل بواسط في وقت المجاعة دار ضيافة وببغداد بيمارستانا يعالج فيه الفقراء ويعللون وأنفق في ذلك جملة ورفه الرعية وأرفقها وعدل فيها وأنصف في معاملاتها وأحسن إليها ورأى ما يجب إلا أن مدته في ذلك لم تطل وقتل عن قرب ولله أمر هو بالغه ولأبي سعيد سنان بن ثابت بن قرة من الكتب وهو مما نقل من خط أبي علي المحسن بن إبراهيم ابن هلال الصابئ رسالة في تاريخ ملوك السريانيين رسالة في الاستواء رسالة في سهيل رسالة إلى بحكم رسالة إلى ابن رايق رسالة إلى أبي الحسن علي بن عيسى رحمه الله تعالى الرسائل السلطانيات والإخوانيات السيرة وهي في أجزاء تعرف بكتاب الناجي صنفه لعضد الدولة وتاج الملة تشتمل على مفاخره ومفاخر الديلم وأنسابهم وذكر أصولهم وأسلافهم رسالة في النجوم رسالة في شرح مذهب الصابئين رسالة في قسمة أيام الجمعة على الكواكب السبعة كتبها إلى أبي إسحق إبراهيم ابن هلال ورجل آخر رسالة في الفرق بين المترسل والشاعر رسالة في أخبار آبائه وأجداده وسلفه ونقل إلى العربي نواميس هرمس والسور والصلوات التي يصلي بها الصابئون إصلاحه لكتاب في الأصول الهندسية وزاد في هذا الكتاب شيئا كثيرا مقالة أنفذها إلى الملك عضد الدولة في الأشكال ذوات الخطوط المستقيمة التي تقع في الدائرة وعليها استخراجه للشيء الكثير من المسائل الهندسية إصلاحه لعبارة أبي سهل الكوهي في جميع كتبه لأن أبا سهل سأله ذلك إصلاحه وتهذيبه لشيء نقله من كتاب يوسف القس من السرياني إلى العربي من كتاب أرشميدس في المثلثات أبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة كان طبيبا فاضلا يلحق بأبيه في صناعة الطب وقال في التاريخ الذي عمله وهذا التاريخ ذكر فيه الوقائع والحوادث التي جرت في زمانه وذلك من أيام المقتدر بالله إلى أيام المطيع لله أنه كان وولده في خدمة الراضي بالله وقال بعد ذلك أيضا عن نفسه أنه خدم بصناعة الطب المتقي بن المقتدر بالله وخدم أيضا المستكفي بالله والمطيع لله قال وفي سنة ثلاث
304 عشرة وثلاثمائة قلدني الوزير الخاقاني البيمارستان الذي اتخذه ابن الفرات بدرب المفضل وقال أيضا في تاريخه أنه لما سلم أبو علي بن مقلة إلى الوزير أبي علي عبد الرحمن بن عيسى من جهة الراضي بالله في سنة أربع وعشرين وثلمثائة حمله إلى داره في يوم الخميس لثلاث ليال خلون من جمادى الآخرة وضرب أبو علي بن مقلة بالمقارع في دار الوزير عبد الرحمن وأخذ خطه بألف ألف دينار وكان الذي تولى ذلك منه بنان الكبير من الحجرية ثم سلم إلى أبي العباس الحصيني ووكل به ماكرد وبنان الكبير ورد الحصيني مناظرته إلى أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله الإسكافي المعروف بأبي نعرة ومطالبته إلى الدستواني فجرت عليه منه من المكاره والتعليق والضرب والدهق أمر عظيم والذي شاهدت أنا من أمره أن أبا العباس الحصيني كلفني يوما الدخول إليه لمعرفة خبره من شيء تشكاه وقال إن كان يحتاج إلى الفصد فتقدم إلى من يفصده بحضرتك فدخلت إليه فوجدته مطروحا على حصير خلق على بارية ومخدة وسخة خليعة تحت رأسه وهو عريان بسراويل فوجدت بدنه من رأسه إلى أطراف أصابع رجليه كلون الباذنجان سواء ليس منه عقد سليم ووجدت به ضيق نفس شديد لأن الدستواني كان قد دهق صدره فعرفت الحصيني أنه شديد الحاجة إلى الفصد فقال لي يحتاج أن يلحقه كد في المطالبة فكيف نعمل به قلت لا أدري إلا أنه أن ترك ولم يفصد مات وإن فصد ولحقه مكروه بعده تلف فقال لأبي القاسم بن أبي نعرة الإسكافي ادخل إليه وقل له إن كنت تظن أنه يلحقك ترفيه إذا افتصدت فبئس ما تظن فافتقصد وضع في نفسك أن المطالبة لابد منها ثم قال لي أحب أن تدخل إليه معه فاستعفيته من ذلك فلم يعفني فدخلت معه وأدى الرسالة بحضرتي فقال إذا كان الأمر على هذا فلست أريد أن افتصد وأنا بين يدي الله فعدنا إليه وعرفناه ما قال فقال لي أي شيء عندك وما الذي ترى قلت الذي أرى أن يفصد وإن يرفه فقال افعل فعدت إليه وفصد بحضرتي ورفه يومه وخف ما به ويتوقع المكروه من غد وهو برعب طائر العقل فاتفق سبب للحصيني أحوجه إلى الاستتار في ذلك اليوم وبقي ابن مقلة مرفها ليس أحد يطالبه وكفى أمر عدوه من حيث لم يحتسب ورجعت نفسه إليه وحضر ابن فراية فضمن ما عليه وتسلمه وقد كان أدى قبل ذلك إلى الحصيني نيفا وخمسين ألف دينار وأشهد عليه العدول بأنه قد باع جميع ضياعه وضياع أولاده وأسبابه من السلطان وقال في موضع آخر من كتابه هذا أنه لما قطعت يد ابن مقلة استدعاني الراضي بالله في آخر
305 النهار وأمرني بالدخول إليه وعلاجه فصرت إليه يوم قطع يده فوجدته محبوسا في القلاية التي في صحن الشجرة والباب مقفل عليه ففتح الخادم الباب عنه ودخلت إليه فوجدته جالسا على قاعدة من بعض أساطين القلاية ولونه كلون الرصاص الذي هو جالس عليه وقد ضعف جدا وهو في نهاية القلق من ضربان ساعده ورأيت له في القلاية قبة خيش نصبت له وعليها طاقان من الخيش وفيهما مصلى ومخاد طبري وحول المصلى أطباق كثيرة بفاكهة حسنة فلما رآني بكى وشكى حاله وما نزل به وما هو فيه من الضربان ووجدت ساعده قد ورم ورما شديدا وعلى موضع القطع خرقة غليظة قردواني كحلية مشدودة بخيط قنب فخاطبته بما يحب وسكنت منه وحللت الخيط ونحيت الخرقة فوجدت تحتها على موضع القطع سرجين الدواب فأمرت بأن ينفض عنه فنفض وإذا رأس الساعد أسفل القطع مشدود بخيط قنب وقد غاص في ذراعه لشدة الورم وقد ابتدأ ساعده يسود وعرفته أن سبيل الخيط أن يحل وأن يجعل موضع السرجين كافور ويطلى ذراعه بالصندل وماء الورد والكافور فقال يا سيدي افعل ما رأيت فقال الخادم الذي معي احتاج أن استأذن مولانا في ذلك ودخل ليستأذن وخرج ومعه مخزنة كبيرة مملوءة كافورا وقال قد أذن لك مولانا أن تعمل ما ترى وأمر بأن ترفق به وتوفر العناية عليه وتلزمه إلى أن يهب الله عافيته فحللت الخيط وفرغت المخزنة في موضع القطع وطليت ساعده فعاش واستراح وسكن الضربان وسألته هل اغتذى فقال وكيف ينساغ لي طعام فتقدمت بإحضار طعام فأحضر وامتنع من الأكل فرفقت به ولقمته بيدي فحصل له نحو عشرين درهما خبزا ومن لحم فروج نحو ذلك وحلف أنه لا يقدر أن يبلع شيئا آخر وشرب ماء باردا وعاشت روحه وانصرفت وقفل الباب عليه وبقي وحده ثم أدخل عليه من غد خادم أسود يخدمه وحبس معه وترددت إليه أياما كثيرة وعرض له في رجله اليسرى علة النقرس ففصدته وكان يتألم من يده اليمنى التي قطعت ومن رجله اليسرى ولا ينام الليل من شدة الألم ثم عوفي وكنت إذا دخلت إليه يبتدئ بالمسألة عن خبر ابنه أبي الحسين فإذا عرفته سلامته سكن غاية السكون ثم ناح على نفسه وبكى على يده وقال يد خدمت بها الخلافة ثلاث دفعات لثلاثة خلفاء وكتبت بها القرآن دفعتين تقطع كما تقطع أيدي اللصوص تذكر وأنت تقول لي أنت في آخر نكبة وأن الفرج قريب قلت بلى فقال قد ترى ما حل بي فقلت ما بقي بعد هذا شيء والآن ينبغي أن نتوقع الفرج فإنه قد عمل بك ما لا يعمل بنظير لك وهذا انتهاء المكروه ولا يكون بعد الانتهاء إلا الانحطاط فقال لا تفعل فإن المحنة قد تشبثت بي تشبثا ينقلني من حال إلى حال إلى أن تؤديني إلى التلف كما تتشبث حمى الدق
306 بالأعضاء فلا تفارق صاحبها حتى تؤديه إلى الموت ثم تمثل بهذا البيت (إذا ما مات بعضك فأبك بعضا * فبعض الشيء من بعض قريب) الوافر فكان الأمر كما قال ولما قرب بحكم من بغداد نقل ابن مقلة من ذلك الموضع إلى موضع أغمض منه فلم يوقف له على خبر وحجبت عنه ثم قطع لسانه وبقي في الحبس مدة طويلة ثم لحقه ذرب ولم يكن له من يعالجه ولا من يخدمه حتى بلغني أنه كان يستسقي الماء لنفسه بيده يجتذب الحبل بيده اليسرى ويمسكه بفمه ولحقه شقاء عظيم إلى أن مات وكان ثابت بن سنان المذكور خال هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابئ الكاتب البليغ ولثابت بن سنان بن ثابت بن قرة من الكتب كتاب التاريخ ذكر فيه الوقائع والحوادث التي جرت في زمانه وذلك من سنة خمس وتسعين ومائتين إلى حين وفاته ووجدته بخطه وقد أبان فيه عن فضل وكانت وفاة ثابت بن سنان في شهور سنة ثلاث وستين وثلاثمائة أبو إسحق إبراهيم بن سنان بن ثابت بن قرة كان كاملا في العلوم الحكمية فاضلا في الصناعة الطبية متقدما في زمانه حسن الكتابة وافر الذكاء مولده في سنة ست وتسعين ومائتين وكانت وفاته في يوم الأحد النصف من المحرم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة ببغداد وكانت العلة التي مات فيها ورم في كبده أبو إسحق إبراهيم بن زهرون الحراني كان طبيبا مشهورا وافر العلم في صناعة الطب جيد الأعمال حسن المعاملة وكانت وفاته في ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة تسع وثلاثمائة ببغداد أبو الحسن الحراني هو أبو الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني كان طبيبا فاضلا كثير الدراية وافر العلم بارعا في الصناعة موفقا في المعالجة مطلعا على أسرار الطب وكان مع ذلك ضنينا بما يحسن نقلت من خط ابن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت
307 تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد قال كان قد أسكت الوزير أبو طاهر بن بقيه في داره الشاطئة على الجسر ببغداد وقد حضر الأمير معز الدولة بختيار والأطباء مجمعون على أنه قد مات فتقدم أبو الحسن الحراني وكنت أصحبه يومئذ فقال أيها الأمير إذا كان قد مات فلن يضره الفصاد فهل تأذن في فصده قال له افعل يا أبا الحسن ففصده فرشح منه دم يسير ثم لم يزل يقوى الرشح إلى أن صار الدم يجري فأفاق الوزير فلما خلوت به سألته عن الحال وكان ضنينا بما يقول فقال إن من عادة الوزير أن يستفرغ في كل ربيع دما كثيرا من عروق المعدة وفي هذا الفصل انقطع عنه فلما فصدته ثابت الطبيعة من خناقها وقال عبد الله بن جبرائيل لما دخل عضد الدولة رحمه الله إلى بغداد كان أول من لقيه من الأطباء أبو الحسن الحراني وكان شيخا مسنا وسنان وكان أصغر من أبي الحسن وكانا عالمين فاضلين وكانا جمعيا يسعران المرضى ويمضيان إلى دار السلطان فحسن ثناؤه عليهما ولما دخلا إلى عضد الدولة قال من هؤلاء قالوا الأطباء قال نحن في عافية وما بنا حاجة إليهم فانصرفا خجلين فلما خرجا إلى الدهليز قال سنان لأبي الحسن يجمل أن ندخل إلى هذا الأسد ونحن شيخا بغداد فيفترسنا قال له أبو الحسن فما الحيلة قال نرجع إليه وأنا أقول ما عندي وننظر إيش الجواب قال افعل فاستأذنا ودخلا فقال سنان أطال الله بقاء مولانا الملك موضوع صناعتنا حفظ الصحة لا مداواة الأمراض والملك أحوج الناس إليه فقال له عضد الدولة صدقت وقرر لهما الجاري السني وصارا ينوبان مع أطبائه قال عبيد الله بن جبرائيل ولهما أحاديث كثيرة حسنة منها حديث قلاء الكبود وذلك أنه كان بباب الأزج إنسان يقلي الكبود فكانا إذا اجتازا عليه دعا لهما وشكرهما وقام لهما حتى ينصرفا عنه فلما كان في بعض الأيام اجتازا فلم يرياه فظنا أنه قد شغل عنهما ومن غد سألا عنه فقيل لهما أنه الآن قد مات فعجبا من ذلك وقال أحدهما للآخر له علينا حق يوجب علينا قصده ومشاهدته فمضيا جميعا وشاهداه فلما نظرا إليه تشاورا في فصده وسألا أهله أن يؤخروه ساعة واحدة ليفكروا في أمره ففعلوا ذلك وأحضروا فصادا ففصده فصدة واسعة فخرج منه دم غليظ وكان كلما خرج الدم خف عنه حتى تكلم وسقياه ما يصلح وانصرفا عنه ولما كان في اليوم الثالث خرج إلى دكانه فكان هذا من المعجز لهما فسئلا عن ذلك فقالا سببه أنه كان إذا قلى الكبود يأكل منها وبدنه ممتلئ دما غليظا وهو لا يحس حتى فاض من العروق إلى الأوعية وغمر الحرارة الغريزية وخنقها كما يخنق الزيت الكثير الفتيلة التي تكون في السراج فلما بدروه بالفصد نقص الدم وخف عن القوة الحمل الثقيل وانتشرت الحرارة وعاد الجسم إلى الصحة
308 وهذا الامتلاء قد يكون من البلغم أيضا وقد ذكر أسبابه الفاضل جالينوس في كتابه في تحريم الدفن قبل أربع وعشرين ساعة قال عبيد الله بن جبرائيل ومن أحسن ما سمعت عن أبي الحسن الحراني أنه دخل إلى قرابة الشريف الجليل محمد بن عمر رحمه الله وكان إنسانا نبيل القدر قد عارضه ضيق نفس شديد صعب فأخذ نبضه وأشار بما يستعمله فشاوره في الفصد فقال له لا أراه وإن كان يخفف المرض تخفيفا بينا وانصرف وجاءه أبو موسى المعروف ببقة الطبيب وأبصر نبضه وقارورته وأشار بالفصد فقال له الشريف قد كان عندي أبو الحسن الحراني الساعة وشاورته في الفصد فذكر أنه لا يراه صوابا فقال بقة أبو الحسن أعرف وانصرف فجاءه بعض الأطباء الذين هم دون هذه الطبقة فقال يفصد سيدنا فإنه في الحال يسكن وقوى عزمه على الفصد ولم يبرح حتى فصده فعندما فصده خف عنه ما كان يجده خفا بينا ونام وسكن عنه واغتدى وهو في عافية فعاد إليه أبو الحسن الحراني آخر النهار فوجده ساكنا قارا فقال له لما رآه على تلك الحال قد فصدت فقيل كيف كنت أفعل ما لم تأمرني به قال ما هو هذا السكون إلا للفصد فقال له الشريف لما علمت بهذا لم لا تفصدني قال له أبو الحسن الحراني إذ قد فصد سيدنا فليبشر بحمى ربع سبعين دورا ولو أن أبقراط وجالينوس عنده ما تخلص إلا بعد انقضائها واستدعى دواة ودرجا ورتب تدبيره لسبعين نوبه ودفعه إليه وقال هذا تدبيرك فإذا انقضى ذلك جئت إليك وانصرف فما مضى أيام حتى جاءت الحمى وبقيت كما قال فما خالف تدبيره حتى برئ قال عبيد الله بن جبرائيل ومن أخباره أنه كان للحاجب الكبير غلام وكان مشغوفا به واتفق أن الحاجب صنع دعوة كبيرة كان فيها أجلاء الدولة ولما اشتغل بأمر الدعوة حم الغلام حمى حادة فورد على قلب الحاجب من ذلك موردا عظيما وقلق قلقا كثيرا واستدعى أبا الحسن الحراني فقال له يا أبا الحسن أريد الغلام يخدمني في غداة غد تعمل كل ما تقدر عليه وأنا أكافئك بما يضاهي فعلك فقال له يا حاجب إن تركت الغلام يستوفي أيام مرضه عاش وإلا فيمكنني من ملازمته أن يقوم في غد لخدمتك ولكن إذا كان في العام المقبل في مثل هذا اليوم يحم حمى حادة ولو كان من كان عنده من الأطباء لم تنجع فيه مداواته ويموت إما في البحران الأولى أو الثاني فانظر أيهما أحب إليك فقال له الحاجب أريد أن يخدمني في غداة غد وإلى العام المقبل فرج ظنا منه أن هذا القول من الأحاديث المدفوعة فلازمه أبو الحسن ولما كان في غد أفاق وقام في الخدمة وأعطى الحاجب لأبي الحسن خلعة سنية ومالا كثيرا وصار يكرمه غاية الإكرام فلما كان في العام المقبل في مثل اليوم الذي حم فيه الغلام عاودته الحمى فأقام محموما سبعة أيام ومات فعظم في نفس الحاجب وجماعة من الناس قول أبي الحسن وكبر لديهم محله وكان هذا منه كالمعجز وقال هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابئ الكاتب حدثنا أبو محمد الحسن بن الحسين النوبختي قال حدثني الشريف أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى أنه أراد ابتياع جارية عاقلة من دور بني
309 خاقان بأحد عشر ألف درهم وكان الوسيط في ذلك أبو المسيب فهد بن سليمان فقال لأبي المسيب أحب أن تستشير لي في أمرها أبا الحسن الحراني بعد أن تكلفه مشاهدتها فمضى إليه وسأله الركوب معه إلى دار القوم ليرى الجارية وكانت متشكية وشاهدها أبو الحسن الحراني وأخذ مجسها وتأمل قارورتها ثم قال له سرا إن كانت أكلت البارحة من سماقية أو حصرمية وقثاء أو خيار فاشترها وإلا فلا تعترض لها فسألنا عما أكلته في ليلتها فقيل لنا بعض ما قاله أبو الحسن فابتاعها فعجبنا من ذلك وعجب من سمع وقال المحسن بن إبراهيم كان أولاد أبي جعفر بن القاسم بن عبيد الله يشنعون على أبي الحسن الحراني عمنا بأنه قتل أباهم فسألت أبا إسحاق إبراهيم بن هلال والدي عن ذلك فقال كان أبو جعفر عدوا لأبي الحسن عمي وعازما على قتله لأمور نقمها عليه وقد قبض عليه وحبسه فاتفق أن اعتل أبو جعفر علته التي مات فيها فأشير عليه بمشاورة أبي الحسن وهو في حبسه فقال لا أثق به ولا أسكن إليه مع ما يعلمه من سوء رأيي فيه وعول على غيره من الأطباء فدخل بعض إخوان أبي الحسن إليه وشرح له ما يدبر به أبو جعفر في مرضه فقال أبو الحسن وكان يأتمنه أنت تعرف رأي هذا الرجل في ومتى استمر على هذا التدبير هلك بلا محالة وكفينا كفاية عاجلة فأحب أن تمنعه مشاورتي وتصوبه على رأيه في العدول عني واشتدت العلة بأبي جعفر ومضى لسبيله بعد قبض القاهر بالله عليه بعشرة أيام وقال المحسن أيضا أصابتني حمى حادة كان هجومها علي بغتة فحضر أبو الحسن عمنا وأخذ مجسي ساعة ثم نهض ولم يقل شيئا فقال له والدي ما عندك يا عمي في هذه الحمى فقال له سرا لا تسألني عن ذلك إلى أن يجوزه خمسين يوما فوالله لقد فارقتني في اليوم الثالث والخمسين وحكى أبو علي بن مكنجا النصراني الكاتب قال لما وافى عضد الدولة في سنة أربع وستين وثلاثمائة إلى مدينة السلام استدعاني أبو منصور نصر بن هارون وكان قد ورد معه إذ ذاك وسألني عن أطباء بغداد فاجتمعت مع عبد يشوع الجاثليق وسألته عنهم فقال ههنا جماعة لا يعول عليهم والمنظور إليهم منهم أبو الحسن الحراني وهو رجل عاقل لا مثل له في صناعته وهو قليل التحصيل وأبو الحسن صديقي وأنا أبعثه إلى الخدمة وأوافقه عليها وأشير عليه بالملازمة لها وخاطب الجاثليق أبا الحسن على قصد أبي منصور نصر بن هارون فقصده وتقدم إليه بأن يحضر دار عضد الدولة ويتأمل حاله وما يدبر به أمره فتلقى ذلك بالسمع والطاعة وشرط أن يعرف صورته في مأكله ومشربه وبواطن أمره وطالع أبو منصور عضد الدولة بالصورة وحضر أبو الحسن الدار وعرف جميع ما سأل عنه وتردد أياما ثم انقطع واجتمع مع الجاثليق فعاتبه على انقطاعه وعرفه وقوع الإنكار له فقال له لا فائدة في مضيي ولست أراه صوابا لنفسي وللملك أطباء فضلاء عقلاء علماء وقد عرفوا من طبعه وتدبيره ما يستغني به عن غيرهم في ملازمته وخدمته فألح
310 الجاثليق عليه وسأله عن علة ما هو عليه في هذا الفعل والاحتجاج فيه بمثل هذا العذر فقال له هذا الملك متى أقام بالعراق سنة فسد عقله ولست أوثر أن يجري ذلك على يدي وأنا مدبره وطبيبه ومتى أنهى الجاثليق هذا القول عني جحدته وحلفت بالله والبراءة من ديني ما قلته وكان عليك في ذلك ما تعلمه فأمسك الجاثليق وكتم هذا الحديث فلما عاد عضد الدولة إلى العراق في الدفعة الثانية كان الأمر على ما أنذر به فيه وتوفي أبو الحسن الحراني في الحادي عشر من ذي القعدة سنة خمس وستين وثلاثمائة للهجرة ببغداد وكان مولده بالرقة ليلة يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين ومائتين ولأبي الحسن الحراني من الكتب إصلاح مقالات من كناش يوحنا بن سرابيون جوابات مسائل سئل عنها ابن وصيف الصابئ كان طبيبا عالما بعلاج أمراض العين ولم يكن في زمانه أعلم منه في ذلك ولا أكثر مزاولة قال سليمان بن حسان حدثني أحمد بن يونس الحراني قال حضرت بين يدي أحمد بن وصيف الصابئ وقد أحضر سبعة أنفس لقدح أعينهن وفي جملتهم رجل من أهل خراسان أقعده بين يديه ونظر إلى عينيه فرأى ماء متهيأ للقدح فسامه على ذلك فطلب إليه فيه واتفق معه على ثمانين درهما وحلف أنه لا يملك غيرها فلما حلف الرجل اطمأن وضمه إلى نفسه ورفع يده على عضده فوجد بها نطاقا صغيرا فيه دنانير فقال له ابن وصيف ما هذا فتلون الخراساني فقال ابن وصيف حلفت بالله حانثا وأنت ترجو رجوع بصرك إليك والله لا عالجتك إذ خادعت ربك فطلب إليه فيه فأبى أن يقدحه وصرف إليه الثمانين درهما ولم يقدح عينه غالب طبيب المعتضد شهر بخدمة المعتضد بالله وكان أولا عند الموفق طلحة بن المتوكل لأنه خدمه منذ أيام المتوكل واختص به وارتضع سائر أبناء المتوكل من لبن أولاد غالب فكان يسر بهم فلما تمكن الموفق من الأمر أقطعه ونوله وأغناه وكان له مثل الوالد ينادمه ويغلفه بيده وعالج الموفق من سهم كان أصابه في ثندوته وبرأ فأعطاه مالا كثيرا وأقطعه وخلع عليه وقال لغلمانه من أراد إكرامي فليكرمه وليصل غالبا فوجه إليه مسرور بعشرة آلاف دينار ومائة ثوب ووجه إليه سائر الغلمان مثل ذلك وصار إليه مال عظيم ولما قبض على صاعد وعبدون أخذ لعبدون عدة غلمان نصارى مماليك فمن أسلم منهم أجري له رزق وترك ومن لم يسلم منهم بعثه إلى غالب وكان
311 عدد من أنفذ إليه سبعين غلاما أزمة وغيرها فلما ورد عليه معهم رسول من قبل الحاجب قال غالب أي شيء أعمل بهؤلاء وركب من وقته إلى الموفق فقال هؤلاء يستغرقون مال ضيعتي مع رزقي فضحك الموفق وتقدم إلى إسماعيل زيادة في إقطاعه الحرسيات وكانت ضياعا جليلة تغل سبعة آلاف دينار وأجرها له بخمسين ألف درهم في السنة وبعد الموفق طلحة خدم لولده المعتضد بالله أبي العباس أحمد وكان مكينا عنده حظيا في أيامه وكان المعتضد يحسن الظن به ويعتمد على مداواته قال ثابت بن سنان بن ثابت أن غالبا الطبيب توفي مع المعتضد بالله بآمد وكان كبيرا عنده وكان سعيد بن غالب مع المعتضد بالله بآمد وكان يأنس إليه ويقدمه على جميع المتطببين واتصل الخبر بوفاة غالب بالمعتضد قبل وقوف سعيد ابنه على ذلك فلما دخل سعيد عليه ابتدأه المعتضد وعزاه وقال له يا سعيد طول البقاء لك لما تم عليك فانصرف سعيد إلى مضربه كئيبا حزينا فأتبعه المعتضد بخفيف السمرقندي وبنان الرصاصي وبسرخاب الكسوة وكانوا أجل خدم السلطان وجلسوا معه طويلا وعرف الخبر فلم يبق أحد من أهل الدولة إلا صار إلى سعيد بن غالب وعزاه بأبيه من الوزير القاسم بن عبيد الله ومؤنس الخادم ومن بعدهما من الأستاذين والأمراء والقواد والأولياء على طبقاتهم ثم أنفذ إليه المعتضد وقت الظهر بجون طعام وتقدم إليه أن لا يبرح أو يطعمه ويطعم دانيل كاتب مؤنس وسعدون كاتب يأنس وكانا صهريه على أختيه ففعل ذلك ولم يزل يحضره في كل يوم ويشاغله بالحديث ويصرفه ويتبعه بجون الطعام مدة سبعة أيام ورد إليه ما كان إلى أبيه من أمر الجراية والتلامذة وأقر في يده إقطاعاته وضياعه ولم يزل ذلك له ولولده إلى آخر عمره أبو عثمان سعيد بن غالب كان طبيبا عارفا حسن المداواة مشهورا في صناعة الطب خدم المعتضد بالله وحظي عنده وكان كثير الإحسان إليه والإنعام عليه وتوفي أبو عثمان سعيد بن غالب في يوم الأحد لست بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثمائة ببغداد عبدوس كان طبيبا مشهورا ببغداد حسن المعالجة جيد التدبير ويعرف كثيرا من الأدوية المركبة وله تجارب حميدة وتصرفات بليغة في صناعة الطب قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في
312 تاريخه حكي عن داؤد بن ديلم وعن عبدوس المتطببين قال لما غلظت علة المعتضد وكانت من استسقاء وفساد مزاج من علل يتنقل منها وخاف على نفسه أحضرنا وجميع الأطباء فقال لنا أليس تقولون أن العلة إذا عرفت عرف دواؤها فإذا أعطي العليل ذلك الدواء صلح قلنا له بلى قال فعلتي عرفتموها ودواءها أم لم تعرفوها قلنا قد عرفناها قال فما بالكم تعالجوني ولست أصلح وظننا أنه قد عزم على الإيقاع بنا فسقطت قوانا فقال له عبدوس يا أمير المؤمنين نحن على ما قلنا في هذا الباب إلا أن في الأمر شيء وهو أنا لا نعرف مقدار أجزاء العلة فنقابلها من الدواء بمثل أجزائها وإنما نعمل في هذا على الحدس ونبتدئ بالأقرب فالأقرب ونحن ننظر في هذا الباب ونقابل العلة بما ينجع فيها إن شاء الله تعالى قال فأمسك عنا وخلونا فتشاورنا على أن نرميه بالعابة وهي التنور فأحميناه له ورميناه فيه فعرق وخف ما كان به لدخول العلة إلى باطن جسمه ثم ارتقت إلى قلبه فمات بعد أيام وخلصنا مما كنا أشرفنا عليه وكانت وفاة المعتضد ليلة الثلاثاء لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين ولعبدوس من الكتب كتاب التذكرة في الطب صاعد بن بشر بن عبدوس ويكنى أبا منصور كان في أول أمره فاصدا في البيمارستان ببغداد ثم إنه بعد ذلك اشتغل في صناعة الطب وتميز حتى صار من الأكابر من أهلها والمتعينين من أربابها نقلت من خط المختار ابن حسن بن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء قال إن أول من فطن لهذه الطريق ونبه عليها ببغداد وأخذ المرضى في المداواة بها وأطرح ما سواها الشيخ أبو منصور صاعد بن بشر الطبيب رحمه الله فإنه أخذ المرضى بالفصد والتبريد والترطيب ومنع المرضى من الغذاء فانجح تدبيره وتقدم في الزمان بعد إن كان فاصدا في البيمارستان وانتهت الرياسة إليه فعول الملوك في تدبيرهم عليه فرفع عن البيمارستان المعاجين الحارة والأدوية الحادة ونقل تدبير المرضى إلى ماء الشعير ومياه البزور فأظهر في المداواة عجائب من ذلك ما حكاه لي بميافارقين الرئيس أبو يحيى ولد الوزير أبي القاسم المغربي قال عرض للوزير بالأنبار قولنج صعب أقام لأجله في الحمام واحتقن عدة حقن وشرب عدة شربات فلم ير صلاحا فأنفذنا رسولا إلى صاعد فلما جاء ورآه على تلك الحال ولسانه قد قصر من العطش وشرب الماء الحار والسكر وجسمه يتوقد من ملازمة الحمام ومداومة المعاجين الحارة والحقن
313 الحادة استدعى كوز ماء مثلوج فأعطاه الوزير فتوقف عن شربه ثم أنه جمع بين الشهوة وترك المخالفة وشربه فقويت في الحال نفسه ثم استدعى فاصدا ففصده وأخرج له دما كثير المقدار وسقاه ماء البزور ولعابا وسكنجبينا ونقله من حجرة الحمام إلى الخيش وقال له إن الوزير أدام الله عافيته سينام من بعد الفصد ويعرق وينتبه فيقوم عدة مجالس وقد تفضل الله بعافيته ثم تقدم بصرف الخدم لينام فقام الوزير إلى مرقده وقد وجد خفا من بعد الفصد فنام مقدار خمس ساعات وانتبه يصيح بالفراش فقال صاعد للفراش إذا قام من الصيحة فقال له يعاود النوم حتى لا ينقطع العرق فلما خرج الفراش من عنده قال وجدت ثيابه كأنها قد صبغت بماء الزعفران وقد قام مجلسا ونام ثم لا زال الوزير يتردد دفعات إلى آخر النهار مجالس عدة ومن بعدها غذاه بمزورة وسقاه ثلاثة أيام ماء الشعير فبرأ برأ تاما فكان الوزير أبدا يقول طوبى لمن سكن بغداد دارا شاطئة وكان طبيبه أبو منصور وكاتبه أبو علي بن موصلايا فبلغه الله أمانيه فيما طلب ونقلت أيضا من خط ابن بطلان أن صاعد الطبيب عالج الأجل المرتضى رضي الله عنه من لسب عقرب بأن ضمد المكان بكافور فسكن عنه الألم في الحال ونقلت من خط أبي سعيد الحسن بن أحمد بن علي في كتاب ورطة الأجلاء من هفوة الأطباء قال كان الوزير علي بن بلبل ببغداد وكان له ابن أخت فلحقته سكتة دموية وخفي حاله على جميع الأطباء ببغداد وكان بينهم صاعد بن بشر حاضرا فسكت حتى أقر جميع الأطباء بموته ووقع اليأس من حياته وتقدم الوزير في تجهيزه واجتمع الخلق في العزاء والنساء في اللطم والنياح ولم يبرح صاعد بن بشر من مجلس الوزير فعند ذلك قال الوزير لصاعد بن بشر الطبيب هل لك حاجة فقال له نعم يا مولانا إن رسمت وأمرت لي ذكرت ذلك فقال له تقدم وقل ما يلج في صدرك فقال صاعد هذه سكتة دموية ولا مضرة في إرسال مبضع واحد وننظر فإن نجح كان المراد وإن تكن الأخرى فلا مضرة فيه ففرح الوزير وتقدم بأبعاد النساء وأحضر ما وجب من التمريخ والنطول والبخور والنشوق واستعمل ما يجب ثم شد عضد المريض وأقعده في حضن بعض الحاضرين وأرسل المبضع بعد التعليق على الواجب من حاله فخرج الدم ووقعت البشائر في الدار ولم يزل يخرج الدم حتى تمم ثلاثمائة درهم من الدم فانفتحت العين ولم ينطق بعد فشد اليد الأخرى ونشقه ما وجب تنشيقه ثم فصده ثانيا وأخرج مثلها من الدم وأكثر فتكلم ثم أسقي وأطعم ما وجب فبرئ من ذلك وصح جسمه وركب في الرابع إلى الجامع ومنه إلى ديوان الخليفة ودعا له ونثر عليه من الدراهم
314 والدنانير الكثيرة وحصل لصاعد بن بشر الطبيب مال عظيم وحشمه الخليفة والوزير وقدمه وزكاه وتقدم على جميع من كان في زمانه أقول ووجدت صاعد بن بشر قد ذكر في مقالته في مرض المراقيا ما عاينه في ذلك الزمان من أهوال وجدها ومخاوف شاهدها ما هذا نصه قال وإنه عرض لنا من تضايق الزمان علينا والتشاغل بالتماس الأمر الضروري ولما قد شملنا من الخوف والحذر والفزع واختلاف السلاطين وما قد بلينا به مع ذلك من التنقل في المواضع وضياع كتبنا وسرقتها ولما قد أظلنا من الأمور المذعرة المخوفة التي لا نرجو في كشفها إلا الله تقدس اسمه هذا ما ذكره وما كان في أيامه إلا اختلاف ملوك الإسلام بعضهم مع بعض وكان الناس سالمين في أنفسهم آمنين من القتل والسبي فكيف لو شاهد ما شاهدناه ونظر ما نظرناه في زماننا من التتار الذين أهلكوا العباد وأخربوا البلاد وكونهم إذا أتوا إلى مدينة فما لهم هم إلا قتل جميع من فيها من الرجال وسبي الأولاد والنساء ونهب الأموال وتخريب القلاع والمدن لكان استصغر ما ذكره واستقل ما عاينه وحقره ولكن ما طامة إلا فوقها طامة أعظم منها ولا حادثة إلا وغيرها تكبر عنها ولله الحمد على السلامة والعافية ولصاعد بن بشر من الكتب مقالة في مرض المراقيا ومداواته ألفها لبعض إخوانه ديلم كان من الأطباء المذكورين ببغداد المتقدمين في صناعة الطب وكان يتردد إلى الحسن بن مخلد وزير المعتمد ويخدمه ووجدت في بعض التواريخ أن المعتمد على الله وهو أحمد بن المتوكل أراد أن يفتصد فقال للحسن بن مخلد اكتب لي جميع من في خدمتنا من الأطباء حتى أتقدم بأن تصل كل واحد منهم على قدره فكتب الأسماء وأدخل فيها اسم ديلم المتطبب وكان ديلم يخدم الحسن بن مخلد فوقع تحت الأسماء بالصلات فقال ديلم إني لجالس في منزلي حتى وافى رسول بيت المال ومعه كيس فيه ألف دينار فسلمه إلي وانصرف فلم أدر ما السبب فيه فبادرت بالركوب إلى الحسن بن مخلد وهو حينئذ الوزير فعرفته ذلك فقال لي افتصد أمير المؤمنين وأمرني بأن أكتب أسماء الأطباء ليتقدم بصلاتهم فأدخلت اسمك معهم فخرج لك ألف دينار داؤد بن ديلم كان من الأطباء المتميزين ببغداد المجيدين في المعالجة وخدم المعتضد بالله وخص به فكانت
315 التوقيعات تخرج بخط ابن ديلم لمحله منه ومكانته وكان يتردد إلى دور المعتضد وله منه الإحسان الكثير والأنعام الوافر وكانت وفاة داؤد بن ديلم يوم السبت لخمس خلون من المحرم سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ببغداد أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي كان من الأطباء المذكورين ببغداد ونقل كتبا كثيرة إلى العربية من كتب الطب وغيره وكان منقطعا إلى علي بن عيسى وقال ثابت بن سنان المتطبب أن أبا الحسن علي ين عيسى الوزير في سنة اثنتين وثلاثمائة اتخذ البيمارستان بالحربية وأنفق عليه من ماله وقلده أبا عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي متطببه مع سائر البيمارستانات ببغداد ومكة والمدينة ومن كلام أبي عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي قال الصبر قوة من قوى العقل وبحسب قوة العقل تكون قوة الصبر ولأبي عثمان الدمشقي من الكتب مسائل جمعها من كتاب جالينوس في الأخلاق مقالة في النبض مشجرة وهي جوامعه لكتاب النبض الصغير لجالينوس الرقي هو أبو بكر محمد بن الخليل الرقي كان فاضلا في الصناعة الطبية عارفا بأصولها وفروعها جيد التعليم حسن المعالجة وهو أول من وجدناه فسر مسائل حنين بن إسحاق في الطب وكان تفسيره لهذا الكتاب في سنة ثلاثين وثلاثمائة قال عبيد الله بن جبرائيل وقيل عنه أنه ما كان يفسر إلا سكران وكان في هذا نادرا قال وقد شاهدت إنسانا كان يتعاطى الشعر وكان إذا أراد عمله احتال في تحصيل نبيذ فيشربه ويجلس فيعمل حينئذ الشعر وسبب ذلك أن الدماغ يكون مائلا إلى البرد فإذا اسخنه ببخار النبيذ تحرك وقوي على الفعل وللرقي من الكتب شرح مسائل حنين في الطب قويري واسمه إبراهيم ويكنى أبا إسحق فاضل في العلوم الحكمية وهو ممن أخذ عنه علم المنطق
316 وكان مفسرا وعليه قرأ أبو بشر متى بن يونان وكتب قويري مطرحة مجفوة لأن عباراته كانت عفطية غلقة ولقويري من الكتب كتاب تفسير قاطيغورياس مشجر كتاب باريمينياس مشجر كتاب أنالوطيقا الأولى مشجر كتاب أنالوطيقا الثانية مشجر ابن كرنيب هو أبو أحمد الحسين بن أبي الحسين إسحاق بن إبراهيم بن زيد الكاتب ويعرف بابن كرنيب وكان من جلة المتكلمين ويذهب مذهب الفلاسفة الطبيعيين وكان في نهاية الفضل والمعرفة والاطلاع بالعلوم الطبيعية القديمة ولأبي أحمد بن كرنيب من الكتب كتاب الرد على أبي الحسن ثابت بن قرة في نفيه وجوب وجود السكونين بين كل حركتين متساويتين مقالة في الأجناس والأنواع وهي الأمور العامية كتاب كيف يعلم ما مضى من النهار من ساعة من قبل الارتفاع أبو يحيى المروزي كان طبيبا مشهورا بمدينة السلام متميزا في الحكمة وقرأ عليه أبو بشر متى بن يونان وكان فاضلا ولكنه كان سريانيا وجميع ما له من الكتب في المنطق وغيره بالسريانية متى بن يونان كان أبو بشر متى بن يونان من أهل ديرقني ممن نشأ في أسكول مرماري قرأ على قويري وعلى روفيل وبنيامين ويحيى المروزي وعلى أبي أحمد بن كرنيب وله تفسير من السرياني إلى العربي وإليه انتهت رئاسة المنطقيين في عصره وكان نصرانيا وتوفي ببغداد يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ولمتى من الكتب مقالة في مقدمات صدر بها كتاب أنالوطيقا كتاب المقاييس الشرطية شرح كتاب أيساغوجي لفرفوريوس يحيى بن عدي وأبو زكريا يحيى بن حميد بن زكريا المنطقي وإليه انتهت الرئاسة ومعرفة العلوم الحكمية في
317 وقته قرأ على أبي بشر متى وعلى أبي نصر الفارابي وعلى جماعة أخر وكان أوحد دهره ومذهبه من مذاهب النصارى اليعقوبية وكان جيد المعرفة بالنقل وقد نقل من اللغة السريانية إلى اللغة العربية وكان كثير الكتابة ووجدت بخطه عدة كتب قال محمد بن إسحاق النديم البغدادي في كتاب الفهرست قال لي يحيى بن عدي يوما في الوراقين وقد عاتبته على كثرة نسخه فقال لي من أي شيء تعجب في هذا الوقت من صبري قد نسخت بخطي نسختين من التفسير للطبري وحملتهما إلى ملوك الأطراف وقد كتبت من كتب المتكلمين ما لا يحصى ولعهدي بنفسي وأنا أكتب في اليوم والليلة مائة ورقة وأقل وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فاتك حدثني شيخي أبو الحسين المعروف بابن الآمدي أنه سمع من أبي علي إسحق بن زرعة يقول أن أبا زكريا يحيى بن عدي وصى إليه أن يكتب على قبره حين حضرته الوفاة وهو في بيعة مرتوما بقطيعة الدقيق هذين البيتين (رب ميت قد صار بالعلم حيا * ومبقى قد مات جهلا وعيا) (فاقتنوا العلم كي تنالوا خلودا * لا تعدوا الحياة في الجهل شيا) الخفيف وليحيى بن عدي من الكتب رسالة في نقض حجج أنفذها الرئيس في نصرة قول القائلين بأن الأفعال خلق لله واكتساب للعبد تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس مقالة في البحوث الأربعة مقالة في سياسة النفس مقالة في أهمية صناعة المنطق وماهيتها وأوليتها مقالة في المطالب الخمسة للرؤوس الثمانية كتاب في منافع الباه ومضاره وجهة استعماله بحسب اقتراح الشريف أبي طالب ناصر بن إسماعيل صاحب السلطان المقيم في القسطنطينة أبو علي بن زرعة هو أبو علي عيسى بن إسحاق بن زرعة بن مرقس بن زرعة بن يوحنا أحد المتقدمين في علم المنطق وعلوم الفلسفة والنقلة المجرمين ومولده ببغداد في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة ونشأ بها وكان كثير الصحبة والملازمة ليحيى بن عدي نقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة
318 والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء قال إن أول من فطن لهذه الطريق ونبه عليها ببغداد وأخذ المرضى في المداواة بها واطرح ما سواها الشيخ أبو منصور صاعد بن بشر الطبيب رحمه الله فإنني سمعته يقول أول ما خطر لي النقل في الفالج الذي عرض لشيخنا أبي علي ابن زرعة رحمه الله وذلك أن أبا علي كان رجلا منحف الجسم حاد الخاطر محداثا مليح المجلس ملازما للتدريس والنقل والتصنيف محبا للبوارد المحرفات والمطجنات ومليح الأسماك وما عمل من البوارد بالخردل ثم أنه حرص في آخر عمره على عمل مقالة في بقاء النفس فأقام نحوا من سنة يفكر فيها ويسهر لها حرصا على عملها وكان أيضا مفتونا بالتجارة إلى بلد الروم وله فيها أضداد من تجار السريان قد سعوا به دفعات إلى السلطان وصودر على أموال ولحقته عدة نكبات فالتام عليه حرارة المزاج الأصلي وفساد الأغذية وكد الخاطر بالتصنيف ومداراة السلاطين فعرضت له مرضة حادة واختلاط أبحر فيها بفالج كما يبحر المرضى بأورام ونحوها وكان الناس يعظمونه للعلم فاجتمع إليه مشايخ الأطباء كابن بكس وابن كشكرايا وتلميذ سنان وابن كزورا والحراني فمضوا في تدبيره بحسب المسطور في الكنانيش وأنا أقول من حيث لا قدرة لي على مجاهرتهم بالمخالفة لتقدمهم في الزمان والله إنهم لمخطئون لأنه فالج تابع لمرض حاد لشخص حار المزاج ثم أنهم سئموا من تدبيره فنقلته إلى المرطبات فخف قليلا وشارف الصلاح وبعد زمان مات في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة من فرط ما دبر به من الحار اليابس بالجمود الحادث في مؤخر الدماغ عن خلط سوداوي ولأبي علي بن زرعة من الكتب اختصار كتاب أرسطوطاليس في المعمور من الأرض كتاب أغراض كتب أرسطوطاليس المنطقية مقالة في معاني كتاب أيساغوجي مقالة في معاني قطعة من المقالة الثالثة من كتاب السماء مقالة في العقل رسالة في علة استنارة الكواكب مع أنها والكرات الحاملة لها من جوهر واحد بسائط رسالة أنشأها إلى بعض أوليائه في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة أقول وفي هذه الرسالة معان يرد بها على اليهود ووجدت لبشر بن بيشى المعروف بابن عنايا الإسرائيلي رسالة يرد فيها على عيسى بن إسحاق بن زرعة وقد أجاب فيها عن رسالته هذه موسى بن سيار هو أبو ماهر موسى بن يوسف بن سيار من الأطباء المشهورين بالحذق وجودة المعرفة بصناعة الطب ولموسى بن سيار من الكتب مقالة في الفصد الزيادة التي زادها على كناش الخف لإسحاق بن حنين علي بن العباس المجوسي من الأهواز وكان طبيبا مجيدا متميزا في صناعة الطب وهو الذي صنف الكتاب المشهور الذي
319 يعرف بالملكي صنفه للملك عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة أبي علي حسن بن بويه الديلمي وهو كتاب جليل مشتمل على أجزاء الصناعة الطبية علمها وعملها وكان علي بن العباس المجوسي قد اشتغل بصناعة الطب على أبي ماهر موسى بن سيار وتتلمذ له ولعلي بن العباس المجوسي من الكتب كتاب الملكي في الطب عشرون مقالة عيسى طبيب القاهر كان القاهر بالله وهو أبو منصور محمد بن المعتضد يعتمد على طبيبه هذا عيسى ويركن إليه ويفضي إليه بأسراره وتوفي عيسى طبيب القاهر بالله في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ببغداد وكان كف قبل موته بسنتين قال ثابت بن سنان في تاريخه وأعلمني أن مولده كان في النصف من جمادي الأولى سنة إحدى وسبعين ومائتين دانيال المتطبب قال عبيد الله بن جبرائيل كان دانيال المتطبب لطيف الخلقة ذميم الأعضاء متوسط العلم له إنسة بالمعالجة وكانت فيه غفلة وتبدد وكان قد استخصه معز الدولة لخدمته فدخل عليه يوما فقال له يا دانيال فقال لبيك أيها الأمير قال أليس عندكم أن السفرجل إذا أكل قبل الطعام أمسك الطبع وإذا أكل بعد الطعام أسهل قال بلى قال فأنا أكلته بعد الطعام عصمني قال له دانيال ليس هذا الطبع للناس فلكمه معز الدولة بيده في صدره وقال له قم تعلم أدب خدمة الملوك وتعال فخرج من بين يديه ونفث الدم ولم يزل كذلك مدة مديدة حتى مات قال عبيد الله وهذه من غلطات العلماء التي تهلك وإلا مثل هذا لا يخفى لأن هناك معدا ضعيفة لا يمكنها دفع ما فيها فإذا وردها السفرجل قواها وأعانها على دفع ما فيها فتجيب الطبيعة وقد شاهدت إنسانا إذا أراد القيء شرب الشراب المحلي أو سكنجبين السفرجل فتقيأ مهما أراد قال وحكى والدي جبرائيل إنه كان الأمير أبو منصور مهذب الدولة رحمه الله إذا شرب شراب السفرجل أسهله وهذه أمور أسبابها معروفة وإنما كانت غلطة من دانيال حتى هلك
320 إسحق بن شليطا كان هذا طبيبا بغداديا له يد في الطب تقدم بها إلى أن انتقل إلى خدمة المطيع لله واختص به إلى أن مات في حياة المطيع وخلف على موضعه أبو الحسين عمر بن عبد الله الدحلي وقد كان إسحق مشاركا في طب المطيع لثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الحراني الصابئ أبو الحسين عمر بن الدحلي كان متطببا للمطيع لله وكان شديد التمكن منه والاختصاص به قال عبيد الله بن جبرائيل حدثني من أثق به إنه كان لا يحتشمه في شيء جملة ولما صرف المطيع لله أبا محمد الصلحي كاتبه توسط أبو الحسين بن الدحلي لأبي سعيد وهب بن إبراهيم حتى تقلد كتبه الخليفة وبقي مدة ثم شرع أبو الحسين صهر أبي بشر البقري فتقلده وكان أبو سعيد وهب بقي إلى أن صارت الخلافة إلى الطائع وقبض عليه وبقي في الحبس إلى أن دخل بختيار وعضد الدولة إلى بغداد وهرب الخليفة وخرج من الحبس عند كسر أبواب الحبوس فنون المتطبب كان متقدما يختص بخدمة بختيار وكان يكرمه ويعزه أمرا عظيما قال عبيد الله بن جبرائيل ومن أخباره معه أنه رمدت عين بختيار في بعض الأوقات فقال له يا أبا نصر ليس والله تبرح من عندي أو تبرئ عيني وأريدها تبرأ في يوم واحد وأبرمه قال فسمعت أبا نصر يتحدث أنه قال له إن أردت أن تبرأ فتقدم إلى الفراشين والغلمان أن يأتمروني دونك في هذا اليوم وأخلفك ومن خالفني في أمري قتلته ففعل بختيار ذلك فأمر أبو نصر أن يحضروا أجانة مملوءة عسل الطبرزد فلما حضر غمس يدي بختيار في العسل ثم بدأ يداوي عينيه بالأشياف الأبيض الأبيض وما يصلح الرمد وجعل بختيار يصيح بالغلمان فلا يجيبه أحد ولم يزل كذلك يكحله إلى آخر النهار فبرئ وكان هو السفير بين بختيار والخليفة وإذا خرجت الخلع فعلى يديه تخرج وله فيها السهم الأوفر أبو الحسين بن كشكرايا كان طبيبا عالما مشهورا بالفضل والإتقان لصناعة الطب وجودة المزاولة لأعمالها وكان في خدمة
321 الأمير سيف الدولة بن حمدان ولما بنى عضد الدولة البيمارستان المنسوب إليه ببغداد استخدمه فيه وزاد حاله وكان أبو الحسين بن كشكرايا كثير الكلام يحب أن يخجل الأطباء بالمساءلة والتهجم وكان له أخ راهب وله حقنة تنفع من قيام الأغراس والمواد الحادة ويعرف بصاحب الحقنة وكان أبو الحسين بن كشكرايا قد اشتغل بصناعة الطب على سنان بن ثابت بن قرة وكان من أجل تلامذته ولأبي الحسين بن كشكرايا من الكتب كناشه المعروف بالحاوي كناش آخر باسم من وضعه إليه أبو يعقوب الأهوازي كان مشكورا في صناعة الطب جميل الطريفة وكان من جملة الأطباء الذين جعلهم عضد الدولة في البيمارستان الذي أنشأه ببغداد ويعرف به ولأبي يعقوب الأهوازي من الكتب مقالة في أن السكنجبين البزوري أحر من الترياق نظيف القس الرومي كان خبيرا باللغات وكان ينقل من اليوناني إلى العربي وكان يعد من الفضلاء في صناعة الطب واستخدمه عضد الدولة في البيمارستان الذي أنشأه ببغداد وكان عضد الدولة يتطير منه وكان الناس يولعون به إذا دخل إلى مريض حتى حكي في بعض الأوقات أن عضد الدولة أنفذه إلى بعض القواد في مرض كان عرض له فلما خرج من عند القائد استدعى بثقته وأنفذه إلى حاجب عضد الدولة يستعلم منه نية الملك فيه ويقول إن كان ثم تغير نية فليأخذ له الأذن في الانصراف والبعد فقد قلق لما جرى فسأل الحاجب عن ذلك وسببه فقال الغلام ما أعرف أكثر من أنه جاءه نظيف الطبيب وقال له يا مولانا الملك أنفذني لعيادتك فمضى الحاجب وأعاد بحضرة الملك عضد الدولة هذا الحديث فضحك وأمره أن يمضي إليه ويعلمه بحسن نيته فيه وإن ذلك أشغل قلبه به فأنفذه إليه ليعوده وحملت إليه خلع سنية فسكنت بها نفسه وزال عنه ما كان أضمره من شغل القلب وكان دائما يولع به بسببها أبو سعيد اليمامي كان مشهورا بالفضل والمعرفة متقنا لصناعة الطب جيدا في أصولها وفروعها حسن التصنيف ولأبي سعيد اليمامي من الكتب شرح مسائل حنين مقالة في امتحان الأطباء وكيفية التمييز بين طبقاتهم
322 أبو الفرج بن أبي سعيد اليماني كان فاضلا في الصناعة الطبية متميزا في العلوم الحكمية اجتمع بالشيخ الرئيس ابن سينا وجرت بينهما مسائل كثيرة في صناعة الطب وغيرها ولأبي الفرج بن أبي سعيد اليمامي من الكتب رسالة في مسألة طبية دارت بينه وبين الشيخ الرئيس ابن سينا أبو الفرج يحيى بن سعيد بن يحيى كان طبيبا مشهورا عالما بصناعة الطب جيدا في أعمالها نقلت من خط ابن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء قال حدثني الشيخ الفاضل أبو الفرج يحيى بن سعيد بن يحيى الطبيب بأنطاكية قال وهذا السيد في زماننا علم في العلم مقدم في الديانة والمروءة وله تصانيف جليلة قال قال ورد من القسطنطينة غلام للملك رومي شاب به سوء مزاج حار وجسأ في طحاله وسحنته حائلة لغلبت الصفراء وكان ماؤه أحمر في أكثر الأوقات وبه عطش فسقاه طبيب دواء مسهلا ثم فصده وسقاه دواء مقيئا فساءت حاله وأدخله طبيب رومي الحمام ولطخ جميع جسمه بالنورة ولطخه بعد ذلك بعسل نحل وألزم معدته ضمادا حارا فاحتد مزاجه وكثر عطشه وبطلت شهوته وعرض له في الحال فالج في الشق الأيمن فسقي ماء الشعير كثيرا فصلحت حاله من الاسترخاء في تمام الأربعين ثم وقف طبعه فحقن فقام دفعات وجاءه دم أسود غليظ فلم يجد له نفعا ثم انقطعت شهوته واستولى عليه القيام والسهر فمات في الستين أبو الفرج بن الطيب هو الفيلسوف الإمام العالم أبو الفرج عبد الله بن الطيب وكان كاتب الجاثليق ومتميزا في النصارى ببغداد ويقرأ صناعة الطب في البيمارستان العضدي ويعالج المرضى فيه ووجدت شرحه لكتاب جالينوس إلى أغلوتن وقد قرئ عليه وعليه الخط بالقراءة في البيمارستان العضدي في يوم الخميس الحادي عشر من شهر رمضان سنة ست وأربعمائة وهو من الأطباء المشهورين في صناعة الطب وكان عظيم الشأن جليل المقدار واسع العلم كثير التصنيف خبيرا بالفلسفة كثير الاشتغال فيها وقد شرح كتبا كثيرة من كتب أرسطوطاليس في الحكمة وشرح أيضا كتبا كثيرة من كتب أبقراط وجالينوس في صناعة الطب وكانت له مقدرة قوية في التصنيف وأكثر ما يوجد من تصانيفه كانت تنقل عنه إملاء من لفظه وكان معاصرا للشيخ الرئيس بن سينا وكان الشيخ الرئيس يحمد
323 كلامه في الطب وأما في الحكمة فكان يذمه ومن ذلك قال في مقالته في الرد عليه ما هذا نصه إنه كان يقع إلينا كتب يعملها الشيخ أبو الفرج أبو الطيب في الطب ونجدها صحيحة مرضية خلاف تصانيفه التي في المنطق والطبيعيات ومن يجري معها وحدثني الشيخ موفق الدين يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني إن رجلين من بلاد العجم كانا قد قصدا بغداد للاجتماع بأبي الفرج بن الطيب والقراءة عليه والاشتغال عنده ولما وصلا دخلا بغداد وسألا عن منزل أبي الفرج فقيل لهما أنه في الكنيسة للصلاة فتوجها نحوه ودخلا الكنيسة فلما قيل لهما إنه ذلك الشيخ وكان ابن الطيب في ذلك الوقت لابسا ثوب صوف وهو مكشوف الرأس وبيده مبخرة بسلاسل وفيها نار وبخور وهو يدور بها في نواحي الكنيسة ويبخر تأملاه وتحدثا بالفارسية وبقيا يديمان النظر إليه ويتعجبان منه أنه على هذه الهيئة ويفعل هذا الفعل وهو من أجل الحكماء وسمعته في أقاصي البلاد بالفلسفة والطب وفهم عنهما ما هما فيه ولما فرغ وقت الصلاة وخرج الناس من الكنيسة خرج أبو الفرج بن الطيب ولبس ثيابه المعتاد لبسها وقدمت له البغلة فركب والغلمان حوله وتبعاه أولئك العجم إلى داره وعرفاه إنهما قاصدان إليه من بلاد العجم للاشتغال وأن يكونا من جملة تلامذته فاستحضرهما في مجلسه وسمعا كلامه ودروس المشتغلين عليه ثم قال لهما كنتما حججتما قط قالا لا فماطلهما بالقراءة إلى أوان الحج وكان الوقت قريبا منه فلما نودي للحج قال لهما إن كنتما تريدان أن تقرآ علي وأن أكون شيخكما فحجا وإذا جئتما مع السلامة إن شاء الله يكون كل ما تريدان مني في الاشتغال علي فقبلا أمره وحجا ولما عاد الحاج جاءا إليه من أثر الحج وهما أقرعان وقد غلب الشحوب عليهما من حر الشمس والطريق فسألهما عن مناسك الحج وما فعلا فيها فذكرا له سورة الحال وقال لهما لما رأيتما الجمار بقيتما عراة موشحين وبأيديكما الحجارة وأنتما تهرولان وترميان بها قالا نعم فقال هكذا الواجب أن الأمور الشرعية تؤخذ نقلا لا عقلا وما كان قصده بذلك وأنه أمرهما بالحج إلا حين يتبين لهما أن الحال التي رأياه عليها وتعجبا من فعله أن ذلك راجع إلى الأوامر الشرعية وهي فإنما تؤخذ من أربابها متسلمة ممتثلة في سائر الملل ثم اشتغلا عليه بعد ذلك إلا أن تميزا وكانا من أجل تلاميذه وقال أبو الخطاب محمد بن محمد أبي طالب في كتاب الشامل في الطب أن أبا الفرج بن الطيب أخذ عن ابن الخمار وخلف من التلاميذ أبا الحسن بن بطلان وابن بدرج والهروي وبني حيون وأبا الفضل كتيفات وابن أثردي وعبدان وابن مصوصا وابن العليق قال وكان في عصر أبي الفرج من الأطباء صاعد بن عبدوس وابن تفاح وحسن الطبيب وبنوسنان والنائلي وعنه أخذ ابن سينا وأبو سعيد الفضل بن عيسى اليمامي وذكر لي أنه من تلامذته ابن سينا وعيسى بن علي بن إبراهيم بن هلال الكاتب وأظنه يكنى بكس وعلي بن عيسى الكحال وأبو الحسين البصري ورجاء الطبيب من أهل خراسان وزهرون
324 ولأبي الفرج بن الطبيب من الكتب تفسير كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب باريمينياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب أنالوطيقا لأرسطوطاليس تفسير كتاب أنالوطيقا الثانية لأرسطوطاليس تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس تفسير كتاب سوفسطيقا لأرسطوطاليس تفسير كتاب الخطابة لأرسطوطاليس تفسير كتاب الشعر لأرسطوطاليس تفسير كتاب الحيوان لأرسطوطاليس تفسير كتاب أبيديميا لأبقراط تفسير كتاب الفصول لأبقراط تفسير كتاب طبيعة الإنسان لأبقراط تفسير كتاب الأخلاط لأبقراط تفسير كتاب الفرق لجالينوس تفسير كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس تفسير كتاب النبض الصغير لجالينوس تفسير كتاب أغلوتن لجالينوس تفسير كتاب الأسطقسات لجالينوس تفسير كتاب المزاج لجالينوس تفسير كتاب القوى الطبيعية لجالينوس تفسير كتاب التشريح الصغير لجالينوس تفسير كتاب العلل والأعراض لجالينوس تفسير كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة لجالينوس تفسير كتاب النبض الكبير لجالينوس تفسير كتاب الحميات لجالينوس تفسير كتاب البحران لجالينوس تفسير كتاب أيام البحران لجالينوس تفسير كتاب حملة البرء لجالينوس تفسير كتاب تدابير الأصحاء لجالينوس ثمار الستة عشر كتابا لجالينوس وهو اختصار الجوامع شرح ثمار مسائل حنين بن إسحاق أملاه سنة خمس وأربعمائة كتاب النكت والثمار الطبية والفلسفية تفسير كتاب أيساغوجي لفرفوريوس مقالة في القوى الطبيعية مقالة في العلة لم جعل لكل خلط دواء يستفرغه ولم لم يجعل للدم دواء يستفرغه مثل سائر الأخلاط تعاليق في العين مقالة في الأحلام وتفصيل الصحيح منها من السقيم على مذهب الفلسفة مقالة في عراف أخبر بما ضاع وذكر الدليل على صحته بالشرع والطب والفلسفة مقالة أملاها في جواب ما سئل عنه من أبطال الاعتقاد في الأجزاء التي لا تنقسم وهذا السؤال سأله إياه ظافر بن جابر السكري ووجدت بخط ظافر بن جابر السكري على هذه المقالة ما هذا مثاله قال هذه الكراسة بخط سيدنا الأستاذ الأجل أبي نصر محمد بن علي بن برزج تلميذ الشيخ أبي الفرج أملاها الشيخ أبو الفرج أطال الله بقاءه ونكب أعداءه عليه ببغداد وكان السبب في ذلك ظافر بن جابر بن منصور السكري الطبيب وهي الدستور بعينها شرح كتاب منافع الأعضاء لجالينوس مقالة مختصرة في المحبة شرح الإنجيل ابن بطلان هو أبو الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان نصراني من أهل بغداد وكان قد اشتغل على أبي الفرج عبد الله بن الطيب وتتلمذ له وأتقن عليه قراءة كثير من الكتب الحكمية وغيرها ولازم أيضا أبا الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني الطبيب واشتغل عليه وانتفع به في صناعة الطب وفي مزاولة أعمالها وكان ابن بطلان معاصرا لعلي بن رضوان الطبيب المصري وكانت بين ابن بطلان وابن رضوان
325 المراسلات العجيبة والكتب البديعة الغريبة ولم يكن أحد منهم يؤلف كتابا ولا يبتدع رأيا إلا ويرد الآخر عليه ويسفه رأيه فيه وقد رأيت أشياء من المراسلات التي كانت فيما بينهم ووقائع بعضهم في بعض وسافر ابن بطلان من بغداد إلى ديار مصر قصدا منه إلى مشاهدة علي بن رضوان والاجتماع به وكان سفره من بغداد في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ولما وصل في طريقه إلى حلب أقام بها مدة وأحسن إليه معز الدولة ثمال بن صالح بها وأكرمه أكراما كثيرا وكان دخوله الفسطاط في مستهل جمادى الآخرة من سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وأقام بها ثلاث سنين وذلك في دولة المستنصر بالله من الخلفاء المصريين وجرت بين ابن بطلان وابن رضوان وقائع كثرة في ذلك الوقت ونوادر ظريفة لا تخلو من فائدة وقد تضمن كثيرا من هذه الأشياء كتاب ألفه ابن بطلان بعد خروجه من ديار مصر واجتماعه بابن رضوان ولابن رضوان كتاب في الرد عليه وكان ابن بطلان أعذب ألفاظا وأكثر ظرفا وأميز في الأدب وما يتعلق به ومما يدل على ذلك ما ذكره في رسالته التي وسمها دعوة الأطباء وكان ابن رضوان أطب وأعلم بالعلوم الحكمية وما يتعلق بها وكان ابن رضوان أسود اللون ولم يكن بالجميل الصورة وله مقالة في ذلك يرد فيها على من عيره بقبح الخلقة وقد بين فيها بزعمه أن الطبيب الفاضل لا يجب أن يكون وجهه جميلا وكان ابن بطلان أكثر ما يقع في علي بن رضوان من هذا القبيل وأشباهه ولذلك يقول فيه في الرسالة التي وسمها دعوة الأطباء (فلما تبدى للقوابل وجهه * نكصن على أعقابهن من الندم) (وقلن وأخفين الكلام تسترا * ألا ليتنا كنا تركناه في الرحم) الطويل وكان يلقبه بتمساح الجن وسافر ابن بطلان من ديار مصر إلى القسطنطينية وأقام بها سنة وعرضت في زمنه أوباء كثيرة ونقلت من خطه فيما ذكره من ذلك ما هذا مثاله قال ومن مشاهير الأوباء في زماننا الذي عرض عند طلوع الكوكب الأثاري في الجوزاء من سنة ست وأربعين وأربعمائة فإن في تلك السنة دفن في كنيسة لوقا بعد أن امتلأت جميع المدافن التي في القسطنطينية أربعة عشر ألف نسمة في الخريف فلما توسط الصيف في سنة سبع وأربعين لم يوف النيل فمات في الفسطاط والشام أكثر أهلها وجميع الغرباء إلا من شاء الله وانتقل الوباء إلى العراق فأتى على أكثر أهله واستولى عليه
326 الخراب بطروق العساكر المتعادية واتصل ذلك بها إلى سنة أربع وخمسين وأربعمائة وعرض للناس في أكثر البلاد قروح سوداوية وأورام الطحال وتغير ترتيب نوائب الحميات واضطرب نظام البحارين فاختلف علم القضاء في تقدمة المعرفة وقال أيضا بعد ذلك ولأن هذا الكوكب الأثاري طلع في برج الجوزاء وهو طالع مصر أوقع الوباء في الفسطاط بنقصان النيل في وقت ظهوره في سنة خمس وأربعين وأربعمائة وصح إنذار بطليموس القائل الويل لأهل مصر إذا طلع أحد ذوات الذوائب وأنجهم في الجوزاء ولما نزل زحل برج السرطان تكامل خراب العراق والموصل والجزيرة واختلت ديار بكر وربيعة ومضر وفارس وكرمان وبلاد المغرب واليمن والفسطاط والشام واضطربت أحوال ملوك الأرض وكثرت الحروب والغلاء والوباء وصح حكم بطليموس في قوله إن زحل والمريخ متى اقترنا في السرطان زلزل العالم ونقلت أيضا من خط بن بطلان فيما ذكره من الأوباء العظيمة العارضة للغلم بفقد العلماء في زمانه قال ما عرض في مدة بضع عشرة سنة بوفاة الأجل المرتضى والشيخ أبي الحسن البصري والفقيه أبي الحسن القدوري وأقضى القضاة الماوردي وابن الطيب الطبري على جماعتهم رضوان الله ومن أصحاب علوم القدماء أبو علي بن الهيثم وأبو سعيد اليمامي وأبو علي بن السمح وصاعد الطبيب وأبو الفرج عبد الله بن الطيب ومن متقدمي علوم الأدب والكتابة علي ابن عيسى الربعي وأبو الفتح النيسابوري ومهيار الشاعر وأبو العلاء بن نزيك وأبو علي ابن موصلايا والرئيس أبو الحسن الصابئ وأبو العلاء المعري فانطفأت سرج العلم وبقيت
327 العقول بعدهم في الظلمة أقول ولأبن بطلان أشعار كثيرة ونواد ظريفة وقد ضمن منها أشياء في رسالته التي وسمها دعوة الأطباء وفي غيرها من كتبه وتوفي ابن بطلان ولم يتخذ امرأة ولا خلف ولدا ولذلك يقول من أبيات (ولا أحد إن مت يبكي لميتتي * سوى مجلسي في الطب والكتب باكيا) الطويل ولابن بطلان من الكتب كناش الأديرة والرهبان كتاب شراء العبيد وتقليب المماليك والجواري كتاب تقويم الصحة مقالة في شرب الدواء المسهل مقالة في كيفية دخول الغذاء في البدن وهضمه وخروج فضلاته وسقي الأدوية المسهلة وتركيبها مقالة إلى علي بن رضوان عند وروده الفسطاط في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة جوابا عما كتبه إليه مقالة في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء في الكنانيش والأقراباذينات وتدرجهم في ذلك بالعراق وما والاها على استقبال سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وإلى سنة خمس وخمسين وأربعمائة وصنف ابن بطلان هذه المقالة بأنطاكية في سنة خمس وخمسين وأربعمائة وكان في ذلك الوقت قد أهل لبناء بيمارستان أنطاكية مقالة في الاعتراض على من قال إن الفرخ أحر من الفروج بطريق منطقية ألفها بالقاهرة في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة كتاب المدخل إلى الطب كتاب دعوة الأطباء ألفها للأمير نصير الدولة أبي نصر أحمد بن مروان ونقلت من خط ابن بطلان وهو يقول في آخرها فرغت من نسخها أنا مصنفها بوانيس الطبيب المعروف بالمختار بن الحسن بن عبدون بدير الملك المتيح قسطنطين بظاهر القسطنطينية في آخر أيلول من سنة خمس وستين وثلاثمائة وألف هذا قوله ويكون ذلك بالتاريخ الإسلامي من سنة خمسين وأربعمائة كتاب دعوة الأطباء كتاب دعوة القسوس مقالة في مداواة صبي عرضت له حصاة الفضل بن جرير التكريتي كان كثير الاطلاع في العلوم فاضلا في صناعة الطب حسن العلاج وخدم بصناعة الطب للأمير نصير الدولة بن مروان وللفضل بن جرير التكريتي من الكتب مقالة في أسماء الأمراض واشتقاقاتها كتبها إلى بعض إخوانه وهو يوحنا بن عبد المسيح أبو نصر يحيى بن جرير التكريتي كان كأخيه في العلم والفضل والتميز في صناعة الطب وكان موجودا في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة
328 وليحيى بن جرير التكريتي من الكتب كتاب الاختبارات في علم النجوم كتاب في الباه ومنافع الجماع ومضاره رسالة كتبها لكافي الكفاة أبي نصر محمد بن محمد بن جهير في منافع الرياضة وجهة استعمالها ابن دينار كان بميافارقين في أيام الأمير نصير الدولة بن مروان وكان فاضلا في صناعة الطب جيد المداواة خبيرا بتأليف الأدوية ووجدت له أقراباذينا بديع التأليف بليغ التصنيف حسن الاختبار مرضي الأخبار وابن دينار هذا هو الذي ألف الشراب المنسوب إليه المعروف بشراب الديناري المتداول استعماله المشهور بين الأطباء وغيرهم وذلك مذكور في كتابه هذا يقول أنه الذي ألفه ولابن دينار من الكتب كتاب الأقراباذين إبراهيم بن بكس كان ماهرا في علم الطب ونقل كتبا كثيرة إلى العربي ثم كف بصره وكان مع ذلك يحاول صناعة الطب ويزاولها بحسب ما هو عليه وكان يدرس صناعة الطب في البيمارستان العضدي لما بناه عضد الدولة وكان له منه ما يقوم بكفايته ولإبراهيم بن بكس من الكتب كناشه كتاب الأقرباذين الملحق بالكناش مقالة بأن الماء القراح أبرد من ماء الشعير مقالة في الجدري علي بن إبراهيم بن بكس كان طبيبا فاضلا عالما بصناعة الطب مشهورا بها جيد المعرفة بالنقل وقد نقل كتبا كثيرة إلى العربي قسطا بن لوقا البعلبكي قال سليمان بن حسان أنه مسيحي النحلة طبيب حاذق نبيل فيلسوف منجم عالم بالهندسة والحساب قال وكان في أيام المقتدر بالله وقال ابن النديم البغدادي الكاتب أن قسطا كان بارعا في علوم كثيرة منها الطب والفلسفة والهندسة والأعداد والموسيقى لا مطعن عليه فصيحا في اللغة اليونانية جيد العبارة بالعربية وتوفي بأرمينية عند بعض ملوكها ومن ثم أجاب أبا عيسى ابن المنجم عن رسالته في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وثم عمل كتاب الفردوس في التاريخ أقول ونقل قسطا كتبا كثيرة من كتب اليونانيين إلى اللغة العربية وكان جيد النقل فصيحا باللسان اليوناني والسرياني والعربي وأصلح نقولا كثيرة وأصله يوناني وله رسائل وكتب كثيرة في صناعة الطب وغيرها وكان حسن العبارة جيد القريحة
329 وقال عبيد الله بن جبرائيل أن قسطا اجتذبه سنحاريب إلى أرمينية وأقام بها وكان بأرمينية أبو الغطريف البطريق من أهل العلم والفضل فعمل له قسطا كتبا كثيرة جليلة نافعة شريفة المعاني مختصرة الألفاظ في أصناف من العلوم ومات هناك فدفن وبني عليه قبة وأكرم قبره كإكرام قبور الملوك ورؤساء الشرائع ولقسطا بن لوقا من الكتب كتاب في أوجاع النقرس كتاب في الروائح وعللها رسالة إلى أبي محمد الحسن بن مخلد في أحوال الباه وأسبابه على طريق المسألة والجواب كتاب في الأعداء ألفه للبطريق فتى أمير المؤمنين كتاب جامع في الدخول إلى علم الطب إلى أبي إسحق إبراهيم بن محمد المعروف بابن المدبر كتاب في النبيذ وشربه في الولائم كتاب في الأسطقسات كتاب في السهر ألفه لأبي الغطريف البطريق مولى أمير المؤمنين كتاب في العطش ألفه لأبي الغطريف مولى أمير المؤمنين كتاب في القوة والضعف كتاب في الأغذية على طريق القوانين الكلية ألفه لبطريق البطارقة أبي غانم العباس بن سنباط كتاب في النبض ومعرفة الحميات وضروب البحرانات كتاب في علة الموت فجأة ألفه لأبي الحسن محمد بن أحمد كاتب بطريق البطارقة كتاب في معرفة الخدر وأنواعه وعلله وأسبابه وعلاجه ألفه لقاضي القضاة أبي محمد الحسن بن محمد كتاب في أيام البحران في الأمراض الحادة كتاب في الأخلاط الأربعة وما تشترك فيه مختصر كتاب في الكبد وخلقتها وما يعرض فيها من الأمراض رسالة في المروحة وأسباب الريح كتاب في مراتب قراءة الكتب الطبية كتبه إلى أبي الغطريف البطريق كتاب في تدبير الأبدان في سفر الحج ألفه لأبي محمد الحسن بن مخلد كتاب في د فع ضرر السموم كتاب في المدخل إلى علم الهندسة على طريق المسألة والجواب ألفه لأبي الحسن علي بن يحيى مولى أمير المؤمنين كتاب آداب الفلاسفة كتاب في الفرق بين الحيوان الناطق وغير الناطق كتاب في تولد الشعر كتاب في الفرق بين النفس والروح كتاب في الحيوان الناطق كتاب في الجزء الذي لا يتجزأ كتاب في حركة الشريان كتاب في النوم والرؤيا كتاب في العضو الرئيس من البدن كتاب في البلغم كتاب في الدم كتاب في المرة الصفراء كتاب في المرة السوداء كتاب في شكل الكرة والأسطوانة كتاب في الهيئة وتركيب الأفلاك كتاب في حساب التلاقي على جهة الجبر والمقابلة كتاب في ترجمة ديوفنطس في الجبر والمقابلة كتاب في العمل بالكرة الكبيرة النجومية كتاب في الآلة التي ترسم عليها الجوامع و تعمل منها النتائج كتاب في المتعة كتاب في المرايا المحرقة كتاب في الأوزان والمكاييل كتاب السياسة ثلاث مقالات كتاب العلة في أسوداد الخيش وتغيره من الرش كتاب في القرسطون كتاب في الاستدلال بالنظر إلى أصناف البول كتاب المدخل إلى المنطق كتاب مذهب اليونانيين رسالة في الخضاب كتاب في شكوك كتاب أقليدس كتاب الفصد وهو أحد وتسعون بابا ألفه لأبي إسحق إبراهيم بن محمد المعروف بابن المدبر كتاب المدخل إلى علم النجوم كتاب الحمام كتاب الفردوس في التاريخ رسالة في استخراج مسائل عدديات من المقالة الثالثة من أقليدس تفسير ثلاث مقالات ونصف من كتاب برفنطس في المسائل العددية كتاب
330 في عبارة كتب المنطق وهو المدخل إلى كتاب أيساغوجي كتاب أيساغوجي كتاب في البخار رسالة إلى أبي علي بن بنان بن الحرث مولى أمير المؤمنين فيما سأل عنه من علل اختلاف الناس في أخلاقهم وسيرهم وشهواتهم واختياراتهم مسائل في الحدود على رأي الفلاسفة مسكويه هو أبو فاضل في العلوم الحكمية متميز فيها خبير بصناعة الطب جيد في أصولها وفروعها ولمسكويه من الكتب كتاب الأشربة كتاب الطبيخ كتاب تهذيب الأخلاق أحمد بن أبي الأشعث هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الأشعث كان وافر العقل سديد الرأي محبا للخير كثير السكينة والوقار متفقها في الدين وعمر عمرا طويلا وله تلاميذ كثيرة وكان فاضلا في العلوم الحكمية متميزا فيها وله تصانيف كثيرة في ذلك تدل على ما كان عليه من العلم وعلو المنزلة وله كتاب في العلم الإلهي في نهاية الجودة وقد رأيته بخطه رحمه الله تعالى وكان عالما بكتب جالينوس خبيرا بها متطلعا على أسرارها وقد شرح كثيرا من كتب جالينوس وهو الذي فصل كل واحد من الكتب الستة عشر التي لجالينوس إلى جمل وأبواب وفصول وقسمها تقسيما لم يسبقه إلى ذلك أحد غيره وفي ذلك معونة كثيرة لمن يشتغل بكتب الفاضل جالينوس فإنه يسهل عليه كل ما يلتمسه منها وتبقى له أعلام تدله على ما يريد مطالعته من ذلك ويتعرف به كل قسم من أقسام الكتاب وما يشتمل عليه وفي أي غرض هو وفصل أيضا كذلك كثيرا من كتب أرسطوطاليس وغيره وجملة مصنفات أحمد بن أبي الأشعث في صناعة الطب وغيرها كل منها تام في معناه لا يوجد له نظير في الجودة ونقلت من كتاب عبيد الله بن جبرائيل بن بختيشوع قال ذكر لي من خبر أحمد بن أبي الأشعث رحمه الله أنه لم يكن منذ ابتدأ عمره يتظاهر بالطب بل كان متصرفا وصودر وكان أصله من فارس فخرج من بلده هاربا ودخل الموصل بحالة سيئة من العري والجوع واتفق أنه كان لناصر الدولة ولد عليل في حالة من قيام الدم والأغراس وكان كلما عالجته الأطباء ازداد مرضه فتوصل إلى أن دخل عليه وقال لأمه أنا أعالجه وبدأ يريها غلط الأطباء في التدبير فسكنت إليه وعالجه فبرأ وأعطي وأحسن إليه وأقام بالموصل إلى آخر عمره واتخذ له تلاميذ عدة إلا أن الخاص به والمتقدم عنده كان أبو الفلاح وبرع في صناعة الطب أقول وكانت وفاة أحمد بن أبي الأشعث رحمه الله في سنة ثلاثمائة ونيف وستين للهجرة
331 وكان له عدة أولاد والذي وجدته مشهورا منهم في صناعة الطب محمد ولأحمد بن أبي الأشعث من الكتب كتاب الأدوية المفردة ثلاث مقالات وكان السبب الباعث له على تصنيفه قوم من تلامذته سألوه ذلك وهذا نص كلامه في صدر الكتاب قال سألني أحمد بن محمد البلدي أن أكتب هذا الكتاب وقديما كان سألني محمد بن ثواب فتكلمت في هذا الكتاب بحسب طبقتهما وكتبته إليهما وبدأت به في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وهما في طبقة من تجاوز تعلم الطب ودخلا في جملة من يتفقه فيما علم من هذه الصناعة ويفرع ويقيس ويستخرج وإلى من في طبقتهما من تلامذتي ومن إئتم بكتبي فإن من أراد قراءة كتابي هذا وكان قد تجاوز حد التعليم إلى حد التفقه فهو الذي ينتفع به ويحظى بعلمه ويقدر أن يستخرج منه ما هو فيه بالقوة مما لم أذكره وأن يفرع على ما ذكرته ويشيد وهذا قولي لجمهور الناس دون ذوي القرائح الأفراد التي يمكنها تفهم هذا وما فوقه بقوة النفس الناطقة فيهم فإن هؤلاء تسهل عليهم المشقة في العلم ويقرب لديهم ما يطول على غيرهم كتاب الحيوان كتاب في العلم الإلهي مقالتان فرغ من تأليفه في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثلاثمائة كتاب في الجدري والحصبة والحميقاء مقالتان كتاب في السرسام والبرسام ومداواتهما ثلاث مقالات صنفه لتلميذه محمد بن ثواب الموصلي أملاه عليه إملاء من لفظه وكتبه عنه بخطه وذكر تاريخ الإملاء والكتابة في رجب سنة خمس وخمسين وثلاثمائة كتاب في القولنج وأصنافه ومداواته والأدوية النافعة منه مقالتان كتاب في البرص والبهق ومداواتهما مقالتان كتاب في الصرع وكتاب آخر في الصرع كتاب في الاستسقاء كتاب في ظهور الدم مقالتان كتاب الماليخوليا كتاب تركيب الأدوية مقالة في النوم واليقظة كتبها إلى أحمد بن الحسين ابن زيد بن فضالة البلدي بحسب سؤاله على لسان عزور بن الطيب اليهودي البلدي كتاب الغاذي والمغتذي مقالتان فرغ من تأليفه بقلعة برقى من أرمينية في صفر سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة كتاب أمراض المعدة ومداواتها شرح كتاب الفرق لجالينوس مقالتان فرغ منه في رجب سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة شرح كتاب الحميات لجالينوس محمد بن ثواب الموصلي هو أبو عبد الله محمد بن ثواب بن محمد ويعرف بابن الثلاج من أهل الموصل فاضل في صناعة الطب خبير بالعلم والعمل وشيخه في صناعة الطب أحمد بن أبي الأشعث لازمه واشتغل عليه وتميز وكتب بخطه كتبا كثيرة أحمد بن محمد البلدي هو الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى من مدينة بلد وكان خبيرا بصناعة الطب حسن
332 العلاج والمداواة وكان من أجل تلامذة أحمد بن أبي الأشعث لازمه مدة سنين واشتغل عليه وتميز ولأحمد بن محمد البلدي من الكتب كتاب تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم صنفه للوزير أبي الفرج يعقوب بن يوسف المعروف بابن كلس وزير العزيز بالله في الديار المصرية ابن قوسين كان طبيبا مشهورا في زمانه وله دراية بصناعة الطب ومقامه بالموصل وكان يهوديا واسلم وعمل مقالة في الرد على اليهود ولابن قوسين من الكتب مقالة في الرد على اليهود علي بن عيسى وقيل عيسى بن علي الكحال كان مشهورا بالحذق في صناعة الكحل متميزا فيها وبكلامه يقتدى في أمراض العين ومداواتها وكتابه المشهور بتذكرة الكحالين هو الذي لا بد لكل من يعاني صناعة الكحل أن يحفظه وقد اقتصر الناس عليه دون غيره من سائر الكتب التي قد ألفت في هذا الفن وصار ذلك مستمرا عندهم وكلام علي بن عيسى في أعمال صناعة الكحل أجود من كلامه فيما يتعلق بالأمور العلمية وكانت وفاته سنة وأربعمائة ولعلي بن عيسى من الكتب كتاب تذكرة الكحالين ثلاث مقالات ابن الشبل البغدادي هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن يوسف بن شبل مولده ومنشؤه ببغداد وكان حكيما فيلسوفا ومتكلما فاضلا وأديبا بارعا وشاعرا مجيدا وكانت وفاته ببغداد سنة أربع وسبعين وأربعمائة ومن شعر قاله في الحكمة وهذه القصيدة من جيد شعره وهي تدل على قوة اطلاع في العلوم الحكمية والأسرار الإلهية وبعض الناس ينسبها إلى ابن سينا وليست له وهي هذه (بربك أيها الفلك المدار * اقصد ذا المير أم اضطرار) (مدارك قل لنا في أي شيء * ففي أفهامنا منك ابتهار) (وفيك نرى الفضاء وهل فضاء * سوى هذا الفضاء به تدار) (وعندك ترفع الأرواح أم هل * مع الأجساد يدركها البوار) (وموج ذا المجرة أم فرند * على لجج الدروع له أوار) (وفيك الشمس رافعة شعاعا * بأجنحة قوادمها قصار)
333 (وطوق في النجوم من الليالي * هلالك أم يد فيها سوار) (وشهب ذا الخواطف أم ذبال * عليها المرخ يقدح والعفار) (وترصيع نجومك أم حباب * تؤلف بينه اللجج الغزار) (تمد رقومها ليلا وتطوي * نهارا مثل ما طوى الأزار) (فكم بصقالها صدي البرايا * وما يصدى لها أبدا غرار) (تباري ثم تخنس راجعات * وتكنس مثل ماكنس الصوار) (فبينا الشرق يقدمها صعودا * تلقاها من الغرب انحدار) (على ذا ما مضى وعليه يمضي * طوال منى وآجال قصار) (وأيام تعرفنا مداها * لها أنفاسنا أبدا شفار) (ودهر ينثر الأعمار نثرا * كما للغصن بالورد انتثار) (ودنيا كلما وضعت جنينا * غذاه من نوائبها ظؤار) (هي العشواء ما خبطت هشيم * هي العجماء ما جرحت جبار) (فمن يوم بلا أمس ليوم * بغير غد إليه بنا يسار) (ومن نفسين في أخذ ورد * لروع المرء في الجسم انتشار) (وكم من بعد ما ألفت نفوس * حسوما عن مجاثمها تطار) (ألم تك بالجوارح آنسات * فكم بالقرب عاد لها نفار) (فإن يك آدم أشقى بنيه * بذنب ماله منه اعتذار) (ولم ينفعه بالأسماء علم * وما نفع السجود ولا الجوار) (فأخرج ثم أهبط ثم أودي * فترب السافيات له شعار) (فأدركه بعلم الله فيه * من الكلمات للذنب اغتفار) (ولكن بعد غفران وعفو * يعير ما تلا ليلا نهار) (لقد بلغ العدو بنا مناه * وحل بآدم وبنا الصغار) (وتهنا ضائعين كقوم موسى * ولا عجل أضل ولا خوار)
334 (فيا لك أكلة ما زال منها * علينا نقمة وعليه عار) (تعاقب في الظهور وما ولدنا * ويذبح في حشا ألام الحوار) (وننتظر الرزايا والبلايا * وبعد فبالوعيد لنا انتظار) (ونخرج كارهين كما دخلنا * خروج الضب أحوجه الوجار) (فماذا الامتنان على وجود * لغير الموجدين به الخيار) (وكانت أنعما لو أن كونا * نخير قبله أو نستشار) (أهذا الداء ليس له دواء * وهذا الكسر ليس له انجبار) (تحير فيه كل دقيق فهم * وليس لعمق جرحهم انسبار) (إذا التكوير غال الشمس عنا * وغال كواكب الليل انتثار) (وبدلنا بهذي الأرض أرضا * وطوح بالسموات انفطار) (وأذهلت المراضع عن بنيها * لحيرتها وعطلت العشار) (وغشى البدر من فرق وذعر خسوف للتوعد لا سرار) (وسيرت الجبال فكن كثبا * مهيلات وسجرت البحار) (فأين ثبات ذي الألباب منا * وأين مع الرجوم لنا اصطبار) (وأين عقول ذي الأفهام مما * يراد بنا وأين الاعتبار) (وأين يغيب لب كان فينا * ضياؤك من سناه مستعار) (وما أرض عصته ولا سماء * ففيم يغول أنجمها انكدار) (وقد وافته طائعة وكانت * دخانا ما لقاتره شرار) (قضاها سبعة والأرض مهدا * دحاها فهي للأموات دار) (فما لسمو ما أعلا انتهاء * ولا لسمو ما أرسى قرار) (ولكن كل ذا التهويل فيه * لذي الألباب وعظ وازدجار) الوافر وقال يرثي أخاه أحمد (غاية الحزن والسرور انقضاء * ما لحى من بعد ميت بقاء)
335 (لا لبيد باربد مات حزنا * وسلت عن شقيقها الخنساء) (مثل ما في التراب يبلى الفتى * فالحزن يبلى من بعده والبكاء) (غير أن الأموات زالوا وأبقوا * غصصا لا يسيغه الأحياء) (إنما نحن بين ظفر وناب * من خطوب أسودهن ضراء) (نتمنى وفي المنى قصر العمر * فنغذو بما نسر نساء) (صحة المرء للسقام طريق * وطريق الفناء هذا البقاء) (بالذي نغتذي نموت ونحيا * أقتل الداء للنفوس الدواء) (ما لقينا من غدر دنيا فلا كانت * ولا كان أخذها والعطاء) (راجع جودها عليها فمهما * يهب الصبح يسترد المساء) (ليت شعري حلما تمر بنا الأيام * أم ليس تعقل الأشياء) (من فساد يجنيه للعالم الكون * فما للنفوس منه اتقاء) (قبح الله لذة لأذانا * نالها الأمهات والآباء) (نحن لولا الوجود لم نألم الفقد * فإيجادنا علينا بلاء) (وقليلا ما تصحب المهجة الجسم * ففيم الأسى وفيم العناء) (ولقد أيد الإله عقولا * حجة العود عندها الأبداء) (غير دعوى قوم على الميت شيئا * أنكرته الجلود والأعضاء) (وإذا كان في العيان خلاف * كيف بالغيب يستبين الخفاء) (ما دهانا من يوم أحمد إلا * ظلمات ولا استبان ضياء) (يا أخي عاد بعدك الماء سما * وسموما ذاك النسيم الرخاء) (والدموع الغزار عادت من الأنفاس * نارا تثيرها الصعداء) (وأعد الحياة عذرا وإن كانت * حياة يرضى بها الأعداء) (أين تلك الخلال والخرم أين العزم * أين السناء أين البهاء) (كيف أودى النعيم من ذلك الظل * وشيكا وزال ذاك الغناء) (أين ما كنت تنتضي من لسان * في مقام للمواضي انتضاء) (كيف أرجو شفاء ما بي وما بي * دون سكناي في ثراك شفاء) (أين ذاك الرواء والمنطق المونق * أين الحياء أين الأباء) (أن محا حسنك التراب فما للدمع * يوما من صحن خدي انمحاء) (أو تبن لم يبن قديم وداد * أو تمت لم يمت عليك الثناء)
336 (شطر نفسي دفنت والشطر باق * يتمنى ومن مناه الفناء) (إن تكن قدمته أبدي المنايا * فإلى السابقين تمضي البطاء) (يدرك الموت كل حي ولو * أخفته عنه في برجها الجوزاء) (ليت شعري وللبلى كل ذي * الخلق بماذا تميز الأنبياء) (موت ذا العالم المفضل بالنطق * وذا السارح البهيم سواء) (لا غوي لفقده تبسم الأرض * ولا للتقي تبكي السماء) (كم مصابيح أوجه أطفأتها * تحت أطباق رمسها البيداء) (كم بدور وكم شموس وكم أطواد حلم * أمسى عليها العفاء) (كم محا غرة الكواكب صبح * ثم حطت ضياءها الظلماء) (إنما الناس قادم أثر ماض * بدء قوم للآخرين انتهاء) الخفيف وقال أيضا (وكأنما الإنسان فيه غيره * متكونا والحسن فيه معار) (متصرفا وله القضاء مصرف * ومكلفا وكأنه مختار) (طورا تصوبه الحظوظ وتارة * خطأ تحيل صوابه الأقدار) (تعمى بصيرته ويبصر بعدما * لا يسترد الفائت استبصار) (فتراه يؤخذ قلبه من صدره * ويرد فيه وقد جرى المقدار) (فيظل يضرب بالملامة نفسه * ندما إذا لعبت به الأفكار) (لا يعرف الإفراط في إيراده * حتى يبينه له الإصدار) الوافر وقال من أبيات (إذا أخنى الزمان على كريم * أعار صديقه قلب العدو) الوافر وقال أيضا (تلق بالصبر ضيف الهم ترحله * إن الهموم ضيوف أكلها المهج) (فالخطب ما زاد إلا وهو منتقص * والأمر ما ضاق إلا وهو منفرج) (فروح النفس بالتعليل ترض به * عسى إلى ساعة من ساعة فرج) البسيط
337 وقال أيضا (تسل عن كل شيء بالحياة فقد * يهون بعد بقاء الجوهر العرض) (يعوض الله مالا أنت متلفه * وما عن النفس أن أتلفتها عوض) البسيط وقال أيضا (وعلى قدر عقله فاعتب المرء * وحاذر برا يصير عقوقا) (كم صديق بالعتب صار عدوا * وعدو بالحلم صار صديقا) الخفيف وقال أيضا (ليكفيكم ما فيكم من جوى نلقى * فمهلا بنا مهلا ورفقا بنا رفقا) (وحرمة ودي لا سلوت هواكم * ولا رمت منه لا فكاكا ولا عتقا) (سأزجر قلبا رام في الحب سلوة * وأهجره إن لم يمت بكم عشقا) (عذبت الهوى يا صاح حتى ألفته * فأضناه لي أشفى وأفناه لي أبقى) (فلا الصبر موجود ولا الشوق بارح * ولا أدمعي تطفي اللهيب ولا ترقا) (أخاف إذا ما الليل مد سدوله * على كبدي حرقا ومن مقلتي غرقا) (أيجمل أن أجزى عن الوصل بالجفا * وينعم طرفي والفؤاد بكم يشقى) (أحظي هذا أم كذا كل عاشق * يضام فلا يعفى ويظمى فلا يسقى) (سل الدهر عل الدهر يجمع بيننا * فلم أر مخلوقا على حالة يبقى) الطويل وقال أيضا (إن تكن تجزع من دمعي * إذا فاض فصنه) (أو تكن أبصرت يوما * سيدا يعفو فكنه) (أنا لا أصبر عمن * لا يحل الصبر عنه) (كل ذنب في الهوى يغفر * لي ما لم أخنه) الرمل
338 وقال أيضا (ثقلت زجاجات أتتنا فرغا * حتى إذا ملئت بصرف الراح) (خفت فكادت أن تطير بما حوت * وكذا الجسوم تخف بالأرواح) الكامل وقال أيضا (قالوا القناعة عز والكفاف غنى * والذل والعار حرص النفس والطمع) (صدقتم من رضاه سد جوعته * إن لم يصبه بماذا عنه يقتنع) البسيط وقال أيضا (احفظ لسانك لا تبح بثلاثة * سر ومال ما استطعت ومذهب) (فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة * بمكفر وبحاسد ومكذب) الكامل وفي هذا المعنى قد قال بعضهم نثرا وفيه جناس الرجل يخفي ذهبه ومذهبه وذهابه وقال أيضا (قالوا وقد مات محبوب فجعت به * وبالصبا وأرادوا عنه سلواني) (ثانيه في الحسن موجود فقلت لهم * من أين لي في الهوى الثاني صبا ثاني) البسيط وقال أيضا (وفي اليأس إحدى الراحتين لذي الهوى * على أن إحدى الراحتين عذاب) (أعف وبي وجد وأسلو وبي جوى * ولو ذاب مني أعظم وأهاب) (وآنف أن تعتاق همي خريدة * بلحظ وأن يروي صداي رضاب) (فلا تنكري عز الكريم على الأذى * فحين تجوع الضاربات تهاب) الطويل وقال أيضا (بنا إلى الدير من درتا صبابات * فلا تلمني فما تغني الملامات) (لا تبعدن وإن طال الزمان به * أيام لهو عهدناه وليلات)
339 (فكم قضيت لبانات الشباب بها * غنما وكم بقيت عندي لبانات) (ما أمكنت دولة الأفراح مقبلة * فأنعم ولذ فإن العيش تارات) (قبل ارتجاع الليالي وهي عارية * وإنما لذة الدنيا أعارات) (قم فأجل في فلك الظلماء شمس ضحى * بروجها الدهر طاسات وجامات) (لعله إن دعا داعي الحمام بنا * نقضي وأنفسنا منا رويات) (بم التعلل لولا ذاك من زمن * أحياؤه باعتياد الهم أموات) (دارت تحيي فقابلنا تحيتها * وفي حشاها لفزع المزج روعات) (عذراء أخفى لنا بدور صورتها * لم يبق من روحها إلا حشاشات) (مدت سرادق برق من أبارقها * على مقابلها منها بلالات) (فلاح في أذرع الساقين أسورة * تبرا وفوق نحور الشرب جامات) (قد وقع الدهر سطرا في صحيفته * لا فارقت شارب الخمر المسرات) (خذ ما تعجل واترك ما وعدت به * فعل اللبيب فللتأخيرآفات) (وللسعادة أوقات ميسرة * تعطي السرور وللأحزان أوقات) البسيط ابن بختويه هو أبو الحسين عبد الله بن عيسى بن بختويه كان طبيبا وخطيبا من أهل واسط لديه معرفة وكلامه في صناعة الطب كلام مطلع على تصانيف القدماء وله نظر فيها ودراية لها وكان والده أيضا طبيبا ولأبي الحسين بن بختويه من الكتب كتاب المقدمات ويعرف أيضا بكنز الأطباء ألفه لولده في سنة عشرين وأربعمائة كتاب الزهد في الطب كتاب القصد إلى معرفة الفصد أبو العلاء صاعد بن الحسن من الفضلاء في صناعة الطب والمتميزين من أهلها وكان ذكيا بليغا ومقامه بمدينة الرحبة وله من الكتب كتاب التشويق الطبي صنفه بمدينة الرحبة في رجب سنة أربع وستين وأربعمائة
340 زاهد العلماء هو أبو سعيد منصور بن عيسى وكان نصرانيا نسطوريا وأخوه مطران نصيبين المشهور بالفضل وخدم زاهد العلماء بصناعة الطب نصير الدولة بن مروان الذي ألف له ابن بطلان دعوة الأطباء وكان نصير الدولة محترما لزاهد العلماء معتمدا عليه في صناعته محسنا إليه وزاهد العلماء هو الذي بنى بيمارستان ميافارقين وحدثني الشيخ سديد الدين بن رقيقة الطبيب إن سبب بناء بيمارستان ميافارقين هو أن نصير الدولة بن مروان لما كان بها مرضت ابنة له وكان يرى لها كثيرا فآلى على نفسه أنها متى برئت أن يتصدق بوزنها دراهم فلما عالجها زاهد العلماء وصلحت أشار على نصير الدولة أن يجعل جملة هذه الدراهم التي يتصدق بها تكون في بناء بيمارستان ينتفع الناس به ويكون له بذلك أجر عظيم وسمعة حسنة قال فأمره ببناء البيمارستان وأنفق عليه أموالا كثيرة وقف له أملاكا تقوم بكفايته وجعل فيها من الآلات وجميع ما يحتاج إليه شيئا كثيرا جدا فجاء لا مزيد عليه في الجودة ولزاهد العلماء من الكتب كتاب البيمارستانات كتاب في الفصول والمسائل والجوابات وهي جزآن الأول يتضمن ما أثبته الحسن بن سهل مما وجده في خزانته رقاع وكراريس وأدراج وغير ذلك من المسائل والجوابات والجزء الثاني على جهة الفصول والمسائل وجوابات أجاب عنها في مجلس العلم المقرر في البيمارستان الفارقي كتاب في المنامات والرؤيا كتاب فيما يجب على المتعلمين لصناعة الطب تقديم علمه كتاب في أمراض العين ومداواتها المقبلي هو أبو نصر محمد بن يوسف المقبلي فاضل في صناعة الطب من المتميزين فيها والأعيان من أربابها وللمقبلي من الكتب مقالة في الشراب تلخيص كتاب المسائل لحنين بن إسحاق النيلي هو أبو سهل سعيد بن عبد العزيز النيلي مشهور بالفضل عالم بصناعة الطب جيد التصنيف متفنن في العلوم الأدبية بارع في النظم والنثر ومن شعره (يا مفدى العذار والخد والقد بنفسي * وما أراها كثيرا)
341 (ومعيري من سقم عينيه سقما * دمت مضنى به ودمت معيرا) (اسقني الراح تشف لوعة قلب * بات مذ بنت للهموم سميرا) (هي في الكاس خمرة فإذا ما * أفرغت في الحشا استخالت سرورا) الخفيف وللنيلي من الكتب اختصار كتاب المسائل لحنين تلخيص شرح جالينوس لكتاب الفصول مع نكت من شرح الرازي إسحاق بن علي الرهاوي كان طبيبا متميزا عالما بكلام جالينوس وله أعمال جيدة في صناعة الطب ولإسحاق بن علي الرهاوي من الكتب كتاب أدب الطبيب كناش جمعه من عشر مقالات لجالينوس المعروفة بالميامر في تركيب الأدوية بحسب أمراض الأعضاء من الرأس إلى القدم جوامع جمعها من أربعة كتب جالينوس التي رتبها الإسكندرانيون في أوائل كتبه وهي كتاب الفرق وكتاب الصناعة الصغيرة وكتاب النبض الصغير وكتابه إلى أغلوتن وجعل هذه الجوامع على طريق الفصول وأوائل فصولها أعلى حروف المعجم سعيد بن هبة الله هو أبو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسين من الأطباء المتميزين في صناعة الطب وكان أيضا فاضلا في العلوم الحكمية مشتهرا بها وكان في أيام المقتدي بأمر الله وخدمه بصناعة الطب وخدم أيضا ولده المستظهر بالله وقال أبو الخطاب محمد بن محمد بن أبي طالب في كتاب الشامل في الطب أن الطب انتهى في عصرنا إلى أبي الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسين وولد في ليلة السبت الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وأربعمائة وقرأ على أبي العلاء بن التلميذ وعلى أبي الفضل كتيفات وعلى عبدان الكاتب وألف كتبا كثيرة طبية ومنطقية وفلسفية وغير ذلك ومات ليلة الأحد سادس شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وأربعمائة وعاش ستا وخمسين سنة وخلف من التلاميذ جماعة موجودين وحدثني الحكيم رشيد الدين أبو سعيد بن يعقوب النصراني أن أبا الحسن سعيد بن هبة الله كان يتولى مداواة المرضى في البيمارستان العضدي وأنه كان يوما في البيمارستان وقد أتى إلى قاعة الممرورين
342 لتفقد أحوالهم ومعالجتهم وإذا بامرأة قد أتت إليه واستفتته فيما تعالج به ولدا لها فقال ينبغي أن تلازميه بتناول الأشياء المبردة المرطبة فهزأ به بعض من كان مقيما في تلك القاعة من الممرورين وقال هذه صفة يصلح أن تقولها لأحد تلامذتك ممن يكون قد اشتغل بالطب وعرف أشياء من قوانينه وأما هذه المرأة فأي شيء تدري ما هو من الأشياء المبردة المرطبة وإنما سبيله أن تصف لها شيئا معينا تعتمد عليه ثم قال له بعد ذلك ولا ألومك في قولك هذا فإنك قد فعلت ما هو أعجب منه فسأله عن ذلك فقال صنفت كتابا مختصرا وسميته المغني في الطب ثم إنك صنفت كتابا آخر في الطب بسيطا يكون على قدر أضعاف كثيرة من ذلك الكتاب الأول وسمتيه الإقناع وكان الواجب أن يكون الأمر على خلاف ما فعلته من التسمية فاعترف بذلك لمن حضره وقال والله لو أمكنني تبديل اسم كل واحد منهما بالآخر لفعلت وإنما قد تناقل الناس الكتابين وعرف كل واحد منهما بما سميته به أقول وكان أبو الحسن سعيد بن هبة الله موجودا في سنة تسع وثمانين وأربعمائة لأني وجدت خطه في ذلك التاريخ على كتابه التلخيص النظامي وقد قرأه عليه أبو البركات ولسعيد بن هبة الله من الكتب كتاب المغني في الطب صنفه للمقتدي بأمر الله مقالة في صفات تراكيب الأدوية المحال عليها في كتاب المغني كتاب الإقناع كتاب التخليص النظامي كتاب خلق الإنسان كتاب في اليرقان مقالة في ذكر الحدود والفروق مقالة في تحديد مبادئ الأقاويل الملفوظ بها وتعديدها جوابات عن مسائل طبية سئل عنها ابن جزلة هو يحيى بن عيسى بن علي بن جزلة وكان في أيام المقتدي بأمر الله وقد جعل باسمه كثيرا من الكتب التي صنفها وكان من المشهورين في علم الطب وعمله وهو تلميذ أبي الحسن سعيد بن هبة الله ولابن جزلة أيضا نظر في علم الأدب وكان يكتب خطا جيدا منسوبا وقد رأيت بخطه عدة كتب من تصانيفه وغيرها تدل على فضله وتعرب عن معرفته وكان نصرانيا ثم أسلم وألف رسالة في الرد على النصارى وكتب بها إلى إليا القس ولابن جزلة من الكتب كتاب تقويم الأبدان وصنفه للمقتدي بأمر الله كتاب منهاج البيان في ما يستعمله الإنسان وصنفه أيضا للمقتدي بأمر الله كتاب الإشارة في تلخيص العبارة وما يستعمل من القوانين الطبية في تدبير الصحة وحفظ البدن لخصه من كتاب تقويم الأبدان رسالة في مدح الطب وموافقته الشرع والرد على من طعن عليه رسالة كتب بها لما أسلم إلى إليا القس وذلك في سنة ست وستين وأربعمائة أبو الخطاب هو محمد بن محمد بن أبي طالب مقامه ببغداد وقرأ صناعة الطب على أبي الحسن سعيد بن هبة
343 الله وكان متميزا في الطب وعمله ورأيت خطه على كتاب من تصنيفه قد قرئ عليه وهو كثير اللحن يدل على أنه لم يشتغل بشيء من العربية وكان تاريخه لذلك في تاسع شهر رمضان سنة خمسمائة ولأبي الخطاب من الكتب كتاب الشامل في الطب جعله على طريق المسألة والجواب في العلم والعمل وهو يشتمل على ثلاث وستين مقالة ابن الواسطي كان طبيبا للمستظهر بالله وكان عنده رفيع المنزلة فاتفق أن أبا سعيد بن المعوج تولى صاحب ديوان واستقر عليه قرية مبلغها ثلاثة آلاف دينار فوزن منها ألفي دينار وبقي عليه ألف دينار فسأل أنظاره بها سنة إلى أن يصل المستغل فلما حل المبلغ نكبت الغلة والثمرة ولم يحصل له من ملكه ما يصرفه في ذلك وكان حاجبه وخاصته مظفر بن الدواتي فأشار إليه بالمضي إلى ابن الواسطي الطبيب ويقصده في داره ويسأله أن يخاطب الخليفة المستظهر بالله في إنظاره إلى سنة أخرى إلى أن تدخل الغلة فلما نهض من الديوان أشار إلى أصحابه بالعود وأنه يريدان يمضي إلى داره فلما عادوا مضى هو والحاجب مظفر بن الدواتي فحيث وصل استأذن عليه فخرج وقبل يده وقال الله الله يا مولانا ومن ابن الواسطي حتى يجيء مولانا إلى داره فلما دخل جلس بين يديه فأشار ابن المعوج إلى الحاجب مظفر وقال له تصرف الجماعة للخلوة وتعود أنت بمفردك فلما صاروا بالدهليز قال له تصون الباب ففعل فلما عاد قال له أتقول للحكيم فيماذا أتينا فقال له الحاجب أن مولانا جاء إليك يعرفك أنه كان قد استقر عليه قربة مبلغها ثلاثة آلاف دينار وأنه صح منها ألفا دينار وتخلف عليه ألف دينار وكان سأل الخليفة انظاره إلى أوان الغلة فلم يتحصل له من ملكه في هذه السنة شيء وقد أنفذ الديوان وضايق على ذلك وقد رهن كتب داره على خمسمائة دينار وهو يسألك أن تسأل الخليفة أن يؤخر إلى سنة أخرى بالباقي إلى حين أوان الغلة فقال السمع والطاعة أخدم وأبالغ وأقول ما يتعين فنهض من عنده فلما كان من الغد عنه نهوضه من الديوان صرف الحاشية على العادة وقال يا مظفر نمضي إليه فإن كان قد خاطب الخليفة سمعنا الجواب وإن لم يكن خاطبه فيكون على سبيل الإذكار فمضى إليه واستأذن عليه فأذن له وخرج إلى الباب وقبل يده مثل ذلك ودعا له فلما دخل وجلس أخرج له خط الخليفة بوصول الخمسمائة دينار وقال له هذه كتب الدار التي رهنها مولانا يقبلها من الخادم وكان قد استفكها من ماله فشكره وقبض الكتب والخط وانصرف فلما جاوز الدهليز صاح بالحاجب مظفر واخرج له منشفة فيها جبة خارا وبقيار قصب وقميص
344 تحتاني أنطاكي ولباس دمياطي وفيه تكة إبريسم وصرة فيها خمسون دينارا وقال له أريد من أنعام مولانا يلبس هذه الثياب وأراها عليه وهذه الخمسون دينارا برسم الحمام وأعطى الحاجب جبة عتابي وعشرين دينارا وأعطى الدواتي جبة عتابي وخمسة دنانير وأعطى الركابي دينارين وقال اسأل مولانا أن يشرف الخادم بقبول ذلك فمضى الحاجب بالجميع إلى ابن المعوج وشرح له الحال فقبله منه أبو طاهر بن البرخشي هو موفق الدين أبو طاهر أحمد بن محمد بن العباس يعرف بابن البرخشي من أهل واسط فاضل في الصناعة الطبية كامل في الفنون الأدبية وقد رأيت من خطه ما يدل على رزانة عقله وغزارة فضله وكان في أيام المسترشد بالله حدثني شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي قال حدثني أحمد بن بدر الواسطي قال كان الحكيم أبو طاهر أحمد بن محمد البرخشي بواسط يعالج مريضا به أحد أنواع الاستسقاء فطال به المرض ولم ينجع فيه علاج وعبر حد الحمية فسهل له في استعمال مهما طلبته النفس ومالت إليه الطبيعة من المآكل والأغذية فأطلق المريض يده ثم أكل ما تهيأ له فلما كان في بعض الأيام اجتاز به إنسان يبيع الجراد المسلوق في الماء والملح فمالت إليه نفس المريض فطلبه ثم اشترى منه وأكل فعرض له من ذلك إسهال مفرط وانقطع الحكيم عنه لما رأى به من الإفراط في الإسهال ثم أفاق منه بعد أيام وأخذ المزاج في الصلاح وابتدأ به البرء وتدرجت حاله إلى كمال الصحة والحكيم قد أيس من صلاحه فلما علم الحال أتاه وسأله عما استعمل ومم وجد الخف فقال لا أعرف إلا أنني منذ أكلت الجراد المسلوق شرعت في العافية ففكر الحكيم في ذلك طويلا ثم قال ليس هذا من فعل الجراد ولا من خاصته وسأل المريض عن بائع الجراد فقال لا أعلم بمكانه ولكني إن رأيته عرفته فشرع الحكيم في البحث والسؤال عن كل من يبيع الجراد وهو يحضره إلى المريض واحدا بعد واحد إلا أن عرف صاحبه الذي اشترى منه فقال له الحكيم أتعرف الموضع الذي صدت منه الجراد الذي أكل منه هذا المريض قال نعم قال امض بنا إليه فمضيا جميعا إلى المكان وإذا هناك حشيشة يرعاها الجراد فأخذ الحكيم من تلك الحشيشة ثم كان يداوي بها من الاستسقاء وأبرأ بها جماعة من هذا المرض وذلك معروف مشهور بواسط أقول وهذه هي حكاية قديمة قد جرى ذكرها وإن تلك الحشيشة التي كان الجراد يرعاها هي
345 المازريون وقد ذكرها أيضا القاضي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة وكان أبو طاهر بن البرخشي حيا بواسط في سنة ستين وخمسمائة وكان عنده أدب بارع ومعرفة في النظم والنثر ومن شعره قال في غلام ناول خلالا (وناولني من كفه مثل خصره * ومثل محب ذاب من طول هجره) (وقال خلالي قلت كل حميدة * سوى قتل صب حار فيك بأسره) الطويل وقال في إنسان سوء حج من بعض قرى واسط (لما حججت استبشرت واسط * وقولياثا وفتى مرشد) (وانتقل الويل إلى مكة * وركنها والحجر الأسود) السريع وقال أيضا وقد رأى إنسانا يكتب كتابا إلى صديق له فكتب في صدره العالم (لما انمحت سنن المكارم والعلى * وغدا الأنام بوجه جهل قاتم) (ورضوا بأسماء ولا معنى لها * مثل الصديق تكاتبوا بالعالم) الكامل وكتب إليه نجم الدين أبو الغنائم محمد بن علي بن المعلم الهرثي الشاعر الواسطي وقد أبل من مرض وألزمه الحمية ومنعه الغذاء (صبحت فخرا بالمنى واغتدى * قدرك فوق النجم مرفوعا) (يا منقذي من حلقات الردى * حاشاك أن تقتلني جوعا) السريع فكتب ابن البرخشي إليه الجواب (تبعت مرسومك يا ذا العلى * لا زال مرسومك متبوعا) (لكن إشفاقي على من به * أمسى غريب القول مسموعا) (أوجب تأخيرا الغذا يومنا * وفي غد نستدرك الجوعا) (أصبر فما أقصرها مدة * وإن تلكأت فاسبوعا) فأجابه هو (يا عالما اين ثوى ر حله * أجرى من العلم ينابيعا) (لم عندك الأعمار موصولة * يضحى ويمسي الرزق مقطوعا)
346 (والله إن بت ولم يجدني * شعري يا ذا الفضل منفوعا) (ليخلعن الجوع مني الحيا * وأوسعن العلم تقطيعا)) ابن صفية هو أبو غالب بن صفية وكان نصرانيا وقال بعض العراقيين أن أبا المظفر يوسف المستنجد بالله كان خليفة صارما متيقظا فتاكا وكان وزيره أبو المظفر يحيى بن هبيرة ثم توفي فاستوزر شرف الدين بن البلدي وكان يجري مجراه وكان في الدولة أمراء أكابر كان متقدم الجماعة قطب الدين قايماز وكان أصله أرمنيا وقد عظم شأنه وعلا مكانه واستولى على البلاد وتحكم في الدولة ولم يبق له ضد ولا مناو وعمد إلى أكابر أمراء الدولة فزوجهم ببناته وكان بينه وبين الوزير مماراة ثم إن الخليفة مرض وكان طبيبه ابن صفية أبو غالب النصراني وكان الوزير ابن البلدي يحذر الخليفة ويخوفه من استطالة قطب الدين ومن يجري معه من الأمراء فاطلع الطبيب على بعض الأحوال وأراد التقرب عند الأمير قطب الدين فنقل إليه الحديث واستمر الحال على ذلك فلما مرض الخليفة عزم في القبض على قطب الدين وجماعته واطلع ابن صفية على ذلك فمضى على قطب الدين وعرفه الحال وقال له قد جرى من الوزير كذا وكذا فتغد به قبل أن يتعشى بك فأخذ قطب الدين يعمل فكرته ورأيه في التدبير في مكايد الوزير وثقل الخليفة في المرض واشتغل عما كان قد دبره مع الوزير في القبض على الأمراء فأجمع قطب الدين رأيه على قتل الخليفة ثم يتفرغ لهلاك الوزير فأسفر رأيه على أنه قرر مع ابن صفية الطبيب أن يصف للخليفة الحمام فدخل الحكيم إلى الخليفة وأشار بالحمام والخليفة يعلم من نفسه الضعف فأبى ذلك فدخل قطب الدين وبعض الجماعة وقال يا مولانا الحكيم قد أشار بالحمام فقال قد رأينا أن نؤخره فغلبوا على رأيه وأدخلوه الحمام وقد كان أوقد عليه ثلاثة أيام بلياليهن وردوا عليه باب الحمام ساعة فمات وأظهروا الحزن العظيم وأتوا إلى ولده أبي محمد الحسن فاستخلفوه على ما أرادوا وبايعوه ولقب بالمستضيء بأمر الله وأقام مدة وفي نفسه شيء مما فعلوا وكان قد استوزر عضد الدين أبا الفرج ابن رئيس الرؤساء وكان ابن صفية الطبيب على حاله ملازم الخدمة فشرع الخليفة في الاستبداد بالأمور مع وزيره وكان قطب الدين قايماز وابن صفية مهما اطلع عليه من الأحوال نقله إلى قطب الدين وهو متردد
347 إلى الدار ولا يمنع لكونه طبيب الخدمة فاستحضره الخليفة ليلا وقال له يا حكيم عندي من أكره رؤيته وأريد إبعاده بوجه لطيف غير شفيع فقال له نرتب له شربة قوية بالغة يشربها وقد حصل الخلاص منه كما تؤثر فمضى وركب شربة كما وصف وأحضرها ليلا ودخل بها إلى عند الخليفة ففتحها ونظر إليها وقال يا حكيم استف هذه الشربة حتى نجرب فعلها فتلوى من ذلك وقال الله الله يا مولانا في فقال له الطبيب متى تعدى حده وتجاوز طوره وقع في مثل هذا وليس لك من هذا خلاص إلا السيف فاستف الحكيم الشربة التي ركبها وفر من الهلاك إلى الهلاك ثم خرج من دار الخليفة وكتب إلى الأمير قطب الدين يشعره بالحال ويقول له والانتقال من أمري إلى أمركم ثم هلك وأما قطب الدين فعزم أن يوقع بالخليفة فرد الله سبحانه كيده إليه ونهبت أمواله وهرب من بغداد بنفسه ومضى إلى الشام إلى الملك الناصر صلاح الدين فلم يقبله وعاد على طريق البرية إلى الموصل فمرض في الطريق ثم دخل الموصل فمات بها أقول وضد هذه الحكاية ما حدثني به شمس الدين محمد بن الحسن بن الكريم البغدادي عن بعض المشايخ ببغداد قال كان السلطان محمد بن محمود خوارزمشاه قد حضر بغداد في سنة وخمسمائة فمرض وهو بعسكره ظاهر البلد ومرض الخليفة المقتفي أبو عبد الله محمد بن المستظهر ببغداد فانفذ السلطان يلتمس الرئيس أمين الدولة بن التلميذ فأخرج إلى ظاهر المدينة فكان يداويه بظاهر بغداد ويداوي الخليفة ببغداد فقال له وزير السلطان أيها الرئيس إنني قد كنت عند السلطان وذكرت له من فضلك وأدبك ورآستك وقد أمر لك بعشرة آلاف دينار فقال له يا مولانا قد أمر لي من بغداد بأثني عشر ألف دينار أفيأذن لي في قبولها السلطان يا مولانا أنا رجل طبيب لا أتجاوز وظائف الأطباء وما يلزمهم ولا أعرف إلا ماء الشعير والنقوع وشراب البنفسج والنيلوفر ومتى أخرجت عن هذا لا أعرف شيئا وكان الوزير قد عرض له في حديثه بما معناه أنه يدبر في إتلاف الخليفة وقدر الله سبحانه برء الخليفة والسلطان ووقع الصلح بينهما على ما اقترحه الخليفة وهذا كان من عقل الرئيس أمين الدولة ودينه وأمانته فإنه كان يقول لا ينبغي للطبيب أن يداخل الملوك في أسرارهم ولا يتجاوز كما
348 تقدم ذكره ماء الشعير والنقوع والشراب فمتى جاوز هذا تلف وكان سبب هلاكه وكان ينشد (وإذا أنبت المهيمن للنمل * جناحا أطارها للتردي) (ولكل امرئ من الناس حد * وهلاك الفتى جواز الحد) الخفيف أمين الدولة بن التلميذ هو الأجل موفق الملك أمين الدولة أبو الحسن هبة الله بن أبي العلاء صاعد بن إبراهيم بن التلميذ أوحد زمانه في صناعة الطب وفي مباشرة أعمالها ويدل على ذلك ما هو مشهور من تصانيفه وحواشيه على الكتب الطبية وكثرة من رأيناه ممن قد شاهده وكان ساعور البيمارستان العضدي ببغداد إلى حين وفاته وكان في أول أمره قد سافر إلى بلاد العجم وبقي بها وهو في الخدمة سنينا كثيرة وكان جيد الكتابة يكتب خطا منسوبا وقد رأيت كثيرا من خطه وهو في نهاية الحسن والصحة وكان خبيرا باللسان السرياني والفارسي متبحرا في اللغة العربية وله شعر مستطرف حسن المعاني إلا أن أكثر ما يوجد له البيتان أو الثلاثة وأما القصائد فلم أجد له منها إلا القليل وكان أيضا يترسل وله ترسل كثير جيد وقد رأيت له من ذلك مجلدا ضخما كله يحتوي على إنشاء ومراسلات وأكثر أهله كتاب وكان والد أمين الدولة وهو أبو العلاء صاعد طبيبا فاضلا مشهورا وكان أمين الدولة وأوحد الزمان أبو البركات في خدمة المستضيء بأمر الله وكان أبو البركات أفضل من ابن التلميذ في العلوم الحكمية وله فيها كتب جليلة ولو لم يكن له إلا كتابه المعروف بالمعتبر لكفى فأما ابن التلميذ فكان أكثر تبصره بصناعة الطب واشتهر بها وكان بينهما شنآن وعداوة إلا أن ابن التلميذ كان أوفر عقلا وأخير طباعا من أبي البركات ومن ذلك أن أوحد الزمان كان قد كتب رقعة يذكر فيها عن ابن التلميذ أشياء يبعد جدا أن تصدر عن مثله ووهب لبعض الخدم شيئا واستسره أن يرميها في بعض الطرق الخليفة من حيث لا يعلم بذلك أحد وهذا مما يدل على شر عظيم وأن الخليفة لما وجد تلك الرقعة صعب عليه جدا في أول أمره وهم أن يوقع بأمين الدولة ثم أنه بعد ذلك رجع إلى رأيه وأشير عليه أن يبحث ويستأصل عن ذلك وأن يستقر من الخدم من يتهمه بهذا الفعل ولما فعل ذلك انكشف له أن أوحد الزمان كتبها للوقيعة بابن التلميذ فحنق عليه حنقا عظيما ووهب دمه وجميع ماله وكتبه لأمين الدولة بن التلميذ ثم إن أمين الدولة كان عنده من كرم الطباع وكثرة الخيرية أنه لم يتعرض له بشيء وبعد أوحد الزمان بذلك عن الخليفة وانحطت منزلته ومن مطبوع ما لأمين الدولة فيه قوله (لنا صديق يهودي حماقته * إذا تكلم تبدو فيه من فيه)
349 (يتيه والكلب أعلى منه منزلة * كأنه بعد لم يخرج من التيه) البسيط ولبعضهم في أمين الدولة وأوحد الزمان (أبو الحسن الطبيب ومقتفيه * أبو البركات في طرفي نقيض) (فهذا بالتواضع في الثريا * وهذا بالتكبر في الحضيض) الوافر ونقلت من خط الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي فيما حكاه عن الأجل أمين الدولة بن التلميذ قال كان أمين الدولة حسن العشرة كريم الأخلاق عنده سخاء ومروءة وأعمال في الطب مشهورة وحدوس صائبة منها أنه أحضرت إليه امرأة محمولة لا يعرف أهلها في الحياة هي أم في الممات وكان الزمان شتاء فأمر بتجريدها وصب الماء المبرد عليها صبا متتابعا كثيرا ثم أمر بنقلها إلى مجلس دفئ قد بخر بالعود والند ودثرت بأصناف الفراء ساعة فعطست وتحركت وقعدت وخرجت ماشية مع أهلها إلى منزلها قال ودخل إليه رجل منزف يعرق دما في زمن الصيف فسأل تلاميذه وكانوا قدر خمسين نفسا فلم يعرفوا المرض فأمره أن يأكل خبز شعير مع باذنجان مشوي ففعل ذلك ثلاثة أيام فبرأ فسأله أصحابه عن العلة فقال إن دمه قد رق ومسامه قد تفتحت وهذا الغذاء من شأنه تغليظ الدم وتكثيف المسام قال ومن مروءته أن ظهر داره كان يلي النظامية فإذا مرض فقيه نقله إليه وقام في مرضه عليه فإذا أبل وهب له دينارين وصرفه ومما حكاه أيضا عن أمين الدولة بن التلميذ وكأنه قد تجاوز في هذه الحكاية قال وكان أمين الدولة لا يقبل عطية إلا من خليفة أو سلطان فعرض لبعض الملوك النائية داره مرض مزمن فقيل له ليس لك إلا ابن التلميذ وهو لا يقصد أحدا فقال أنا أتوجه إليه فلما وصل أفرد له ولغلمانة دورا وأفاض عليه من الجرايات قدر الكفاية ولبث مدة فبرئ الملك وتوجه إلى بلاده وأرسل إليه مع بعض التجار أربعة آلاف دينار وأربعة تخوت عتابي وأربعة مماليك وأربعة أفراس فامتنع من قبولها وقال علي يمينا أن لا أقبل من أحد شيئا فقال التاجر هذا مقدار كثير قال لما حلفت ما استثنيت وأقام شهرا يراوده ولا يزداد إلا إباء فقال له عند الوداع ها أنا أسافر ولا أرجع إلى صاحبي واتمتع بالمال فتتقلد منته وتفوتك منفعته ولا يعلم أحد بأنك رددته فقال ألست اعلم في نفسي أني لم أقبله فنفسي تشرف بذلك علم الناس أو جهلوا وحدثني الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن
350 المطران قال حدثني أبي حدثني إسماعيل بن رشيد قال حدثني أبو الفرج بن توما وأبو الفرج المسيحي قالا كان الأجل أمين الدولة بن التلميذ جالسا ونحن بين يديه إذا استأذنت عليه امرأة ومعها صبي صغير فأدخلت عليه فحين رآه بدرها فقال إن صبيك هذا به حرقة البول وهو يبول الرمل فقالت نعم قال فيستعمل كذا وكذا وانصرفت قالا فسألناه عن العلامة الدالة على أن به ذلك وأنه لو أن الآفة في الكبد أو الطحال لكان اللون من الاستدلال مطابقا فقال حين دخل رأيته يولع بأحليله ويحكه ووجدت أنامل يديه مشققة قاحلة فعلمت أن الحكة لأجل الرمل وإن تلك المادة الحادة الموجبة للحكة والحركة ربما لامست أنامله عند ولوعه بالقضيب فتقحل وتشقق فحكمت بذلك وكان موافقا ومن نوادر أمين الدولة وحسن إشارته إنه كان يوما عند المستضيء بأمر الله وقد أسن أمين الدولة فلما نهض للقيام توكأ على ركبتيه فقال له الخليفة كبرت يا أمين الدولة فقال نعم يا أمير المؤمنين وتكسرت قواريري ففكر الخليفة في قول أمين الدولة وعلم أنه لم يقله إلا لمعنى قد قصده وسأل عن ذلك فقيل له إن الإمام المستنجد بالله كان قد وهبه ضيعة تسمى قوارير وبقيت في يده زمانا ثم من مدة ثلاث سنين حط الوزير يده عليها فتعجب الخليفة من حسن أدب أمين الدولة وأنه لم ينه أمرها إليه ولا عرض بطلبها ثم أمر الخليفة بإعادة الضيعة إلى أمين الدولة وأن لا يعارض في شيء من ملكه ومن نوادره أن الخليفة كان قد فوض إليه رئاسة الطب ببغداد ولما اجتمع إليه سائر الأطباء ليرى ما عند كل واحد منهم من هذه الصناعة كان من جملة من حضره شيخ له هيئة ووقار وعنده سكينة فأكرمه أمين الدولة وكانت لذلك الشيخ دربة ما بالمعالجة ولم يكن عنده من علم صناعة الطب إلا التظاهر بها فلما انتهى الأمر إليه قال له أمين الدولة ما السبب في كون الشيخ لم يشارك الجماعة فيما يبحثون فيه حتى نعلم ما عنده من هذه الصناعة فقال يا سيدنا وهل شيء مما تكلموا فيه إلا وأنا أعلمه وقد سبق إلى فهمي أضعاف ذلك مرات كثيرة فقال له أمين الدولة فعلى من كنت قد قرأت هذه الصناعة فقال الشيخ يا سيدنا إذا صار الإنسان إلى هذه السن ما يبقى يليق به إلا أن يسأل كم له من التلاميذ ومن هو المتميز فيهم وأما المشايخ الذين قرأت عليهم فقد ماتوا من زمان طويل فقال له أمين الدولة يا شيخ هذا شيء قد جرت العادة به ولا يضر ذكره ومع هذا فما علينا أخبرني أي شيء قد قرأته من الكتب الطبيبة وكان قصد أمين الدولة أن يتحقق ما عنده فقال سبحان الله العظيم صرنا إلى حد ما يسأل عنه الصبيان وأي شيء قد قرأته من الكتب يا سيدنا لمثلي ما يقال إلا أي شيء صنفته في صناعة الطب وكم لك فيها من الكتب والمقالات ولا بد أنني أعرفك بنفسي ثم إنه نهض إلى أمين الدولة ودنا منه وقعد عنده وقال
351 له فيما بينهما يا سيدي اعلم أنني قد شخت وأنا أوسم بهذه الصناعة وما عندي منها إلا معرفة اصطلاحات مشهورة في المداواة وعمري كله أتكسب بها وعندي عائلة فسألتك بالله يا سيدنا مشي حالي ولا تفضحني بين هؤلاء الجماعة فقال أمين الدولة على شريطة وهي أنك لا تهجم على مريض بما تعلمه ولا تشير بفصد ولا بدواء مسهل إلا لما قرب من الأمراض فقال الشيخ هذا مذهبي منذ كنت ما تعديت السكنجبين والجلاب ثم إن أمين الدولة قال له معلنا والجماعة تسمع يا شيخ اعذرنا فإننا ما كنا نعرفك والآن فقد عرفناك استمر فيما أنت فيه فإن أحدا ما يعارضك ثم إنه عاد بعد ذلك فيما هو فيه مع الجماعة وقال لبعضهم على من قرأت هذه الصناعة وشرع في امتحانه فقال يا سيدنا أنا من تلامذة هذا الشيخ الذي قد عرفته وعليه كنت قد قرأت صناعة الطب ففطن أمين الدولة بما أراد من التعريض بقوله وتبسم ثم امتحنه بعد ذلك وكان لأمين الدولة بن التلميذ أصحاب وجماعة يترددون إليه فلما كان في بعض الأيام أتي إليه ثلاثة منجم ومهندس وصاحب أدب فسألوا عن أمين الدولة غلامه قنبر فذكر لهم أن سيده ليس في الدار وأنه لم يأت في ذلك الوقت فراحوا ثم إنهم عادوا في وقت آخر وسألوه عنه فذكر لهم مثل قوله الأول وكان لهم ذوق من الشعر فتقدم المنجم وكتب على الحائط عند باب الدار (قد بلينا في دار أسعد قوم بمدبر *) ثم كتب المهندس بعده (بقصير مطول * وطويل مقصر) ثم تقدم صاحب الأدب وكان عنده مجون فكتب (كم تقولون قنبرا * دحرجوا رأس قنبر) الخفيف ومضوا فلما جاء أمين الدولة قال له قنبر يا سيدي جاء ثلاثة إلى ههنا يطلبونك ولما لم يجدوك كتبوا هذا على الحائط فلما قرأه أمين الدولة قال لمن معه يوشك أن يكون هذا البيت الأول خط فلان المنجم وهذا البيت الثاني خط فلان المهندس وهذا الثالث خط فلان صاحبنا فإن كل بيت يدل على شيء مما يعانيه صاحبه وكان الأمر كما حدسه أمين الدولة سواء وكانت دار أمين الدولة هذه يسكنها ببغداد في سوق العطر مما يلي بابه المجاور لباب الغربة من دار الخلافة المعظمة بالمشرعة النازلة إلى شاطئ دجلة وقال أمين الدولة بن التلميذ فكرت يوما في أمر المذاهب فرأيت هاتفا في النوم وهو ينشدني (أعوم في بحرك علي أرى * فيه لما أطلبه قعرا)
352 (فما أرى فيه سوى موجة * تدفعني عنها إلى أخرى) السريع وحدثني سعد الدين بن أبي السهل البغدادي العواد وكان قد عمر قال رأيت أمين الدولة بن التلميذ واجتمعت به وكان شيخا ربع القامة عريض اللحية حلو الشمائل كثير النادرة قال وكان يحب صناعة الموسيقى وله ميل إلى أهلها وحدثني سديد الدين محمود بن عمرو رحمه الله قال حدثني الإمام فخر الدين محمد بن عبد السلام المارديني وكان صديقا لأمين الدولة وعاشره مدة قال كان الأجل أمين الدولة بن التلميذ من المتميزين في العربية وكان يحضر مجلسه في صناعة الطب خلق كثير يقرأون عليه وكان اثنان من النحاة يلازمان مجلسه ولهما منه الأنعام والافتقاد فكان من يجده من المشتغلين عليه يلحن كثيرا في قراءته أو هو ألكن يترك أحد ذينك النحويين يقرأ عنه وهو يسمع ثم يأمر ذلك التلميذ أيضا بأن يقرر للنحوي شيئا يعيطه إياه عن قراءته عنه وكان لأمين الدولة ولد ولم يكن مدركا لصناعة الطب وكان في سائر أحواله بعيدا عما كان عليه أمين الدولة ولأمين الدولة فيه (أشكو إلى الله صاحبا شكسا * تسعفه النفس وهو يعسفها) (فنحن كالشمس والهلال معا * تكسبه النور وهو يكسفها) المنسرح وكان أمين الدولة يؤنب ولده أيضا بهذا البيت (والوقت أنفس ما عنيت بحفظه * وأراه أسهل ما عليك يضيع) الكامل وحدثني الشيخ الإمام رضي الدين الطبيب الرحبي رحمه الله قال اجتمعت في بغداد بابن أمين الدولة فلما جرى بيننا حديث قال في سياقة كلامه أن في السماء من الجانب الجنوبي مثقبا تطلع فيه الأدخنة وتنزل منه الأرواح وبدت منه أشياء كثيرة من هذا القبيل ظهر بها أن ليس عنده شيء من تحقيق العلم ولا له فطرة سليمة وحدثني الشيخ السني البعلبكي الطبيب قال راح من عندنا من دمشق ثلاثة من أطباء النصارى إلى بغداد سماهم فلما أقاموا بها سمعوا بابن أمين الدولة فقالوا سمعة والده عظيمة والمصلحة أننا نروح إليه ونسلم عليه ونخدمه ونكون قد اجتمعنا به قبل السفر إلى الشام فقصدوا داره ودخلوا إليه وسلموا وعرفوه أنهم نصارى وأن قصدهم التشرف برؤيته فأكرمهم وأجلسهم عنده قال السني فحدثوني أنه تبين لهم سخافة عقل وضعف رأي وذلك أنه من جملة ما
353 حدثهم أنه قال يقولون إن الشام مليح ودمشق طيبة وأنا قد عزمت أن أبصرها إلا أنني أعمل من حيث العلم والهندسة شيئا أكون إذا سافرت إليها يكون بسهولة ولا أجد كلفة قالوا فقلنا له يا سيدنا كيف تعمل فقال أما تعلمون أن الشام منخفض عن أقليم بغداد وأنه مستقل عنه وذلك مذكور في علم الهيئة وارتفاع المواضع بعضها على بعض فقلنا نعم يا سيدنا فقال استعمل عجلا من الخشب ببكر كبار ويكون فوقهم دفوف مبسوطة مسمرة واجعل فوقهم جميع ما احتاج إليه وإذا أطلقنا العجل تروح بالبكر بسرعة في الانحدار ولا نزال كذلك إلى أن نصل إلى دمشق بأهون سعي قالوا فتعجبنا من غفلته وجهله ثم قال والله ما تروحون حتى أضيفكم وتأكلون عندي طعاما وصاح بالفراش فأحضر سفرة فاخرة ومد عليها رقاقا رفيعا أبيض لا يكون شيء أحسن منه كأنه النصافي البغدادية وهنابا فيه خل وهندبا منقاة جعلها حواليه ثم قال بسم الله كلوا قالوا فأكلنا شيئا يسيرا إذ هو على خلاف عادتنا في الأكل ثم رفع يديه وقال يا غلام هات الطست فاحضر طستا مفضضا وقطعة صابون رقي كبيرة وسكب عليه الماء وهو يغسل يديه فأرغى الصابون ثم مسح به فمه ووجهه ولحيته حتى بقيت عيناه ووجهه ملآن من ذلك الصابون وهو أبيض ونظر إلينا قالوا وكان منا فلان لم يتمالك أن ضحك وزاد عليه وقام فخرج من عنده فقال ما لهذا فقلنا له يا سيدنا هذا فيه خفة عقل وهذه عادته فقال لو أقام عندنا داويناه فتعجبنا منه ثم ودعناه وانصرفنا ونحن نسأل الله العافية مما كان فيه من الجهل وحدث بعض العراقيين إن أمين الدولة مات لصديق له ولد وكان ذا أدب وعلم ولم يعزه أمين الدولة فلما اجتمع به بعد ذلك عتب عليه إذ لم يعزه عن ولده للمودة التي بينهما فقال أمين الدولة لا تلمني في هذا فوالله أنا أحق بالتعزية منك إذ مات ولدك وبقي مثل ولدي ووجدت كلاما لأمين الدولة في ضمن رسالة كتبها إلى ولده وكان يعرف برضي الدولة أبي نصر قال والتفت بذهنك عن هذه الترهات إلى تحصيل مفهوم تتميز به وخذ نفسك من الطريقة بما كررت تنبيهك عليه وإرشادك إليه واغتنم الإمكان واعرف قيمته وتشاغل بشكر الله تعالى عليه وفز بحظ نفيس من العلم تثق من نفسك بأن عقلته وملكته لاقرأته ورويته فإن بقية الحظوظ تتبع هذا الحظ المذكور وتلزم صاحبه ومن طلبها من دونه فأما أن لا يجدها وأما إن لا يعتمد عليها إذا وجدها ولا يثق بدوامها وأعوذ بالله أن ترضى لنفسك إلا بما يليق بمثلك أن يتسامى إليه بعلو همته وشدة أنفته وغيرته على نفسه ومما قد كررت عليك الوصاة به أن لا تحرص على أن تقول شيئا لا يكون مهذبا في معناه ولفظه ويتعين عليك إيراده فأما معظم حرصك فتصرفه إلى أن تسمع ما تستفيده لا ما يلهيك ويلذ للإغمار وأهل الجهالة نزهك الله
354 عن طبقتهم فإن الأمر كما قال أفلاطن الفضائل مرة الورد حلوة الصدر والرذائل حلوة الورد مرة الصدر وقد زاد أرسطوطاليس في هذا المعنى فقال إن الرذائل لا تكون حلوة الورد عند ذي فطرة فائقة بل يؤذيه تصور قبحها أذى يفسد عليه ما يستلذه غيره منها وكذلك يكون صاحب الطبع الفائق قادرا بنفسه على معرفة ما يتوخى وما يجتنب كالتام الصحة يكفي حسه في تعريفه النافع والضار فلا ترض لنفسك حفظك الله إلا بما تعلم أنه يناسب طبقة أمثالك وأغلب خطرات الهوى بعزمات الرجال الراشدين واطمح بنفسك إليها تتركك في طاعة عقلك فإنك تسر بنفسك وتراها في كل يوم مع اعتماد ذلك في رتبة علية ومرقاة من سماء في السعادة وكانت وفاة أمين الدولة ببغداد في الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ستين وخمسمائة وله من العمر أربع وتسعون سنة ومات نصرانيا وخلف نعما كثيرة وأموالا جزيلة وكتبا لا نظير لها في الجودة فورث جميع ذلك ولده وبقي مدة ثم إن ولد أمين الدولة خنق في دهليز داره الثلث الأول من الليل وأخذ ماله ونقلت كتبه على اثني عشر جملا إلى دار المجد بن الصاحب وكان ابن أمين الدولة قد أسلم قبل موته وقيل إنه كان شيخا قد ناهز الثمانين سنة ووجدت في أثناء كتاب كتبه السيد النقيب الكامل بن الشريف الجليل إلى أمين الدولة بن التلميذ وهو يمتدحه فيه بهذه القصيدة (أمين الدولة أسلم للأيادي * علي رغم المناوي والمعادي) (وللمعروف تنشره إذا ما * طواه تناوب النوب الشداد) (فأنت المرء تلفى حين تدعى * جوادا بالطريف وبالتلاد) (وصولا للخليل على التنائي * ودودا لا يحول عن الوداد) (سديد الرأي والأقوال تأبى * نهاه أن يميل عن السداد) (سأشكر ما صنعت من الأيادي * إلي على التداني والبعاد) (وأثني والثناء عليك حق * بما أوليتني في كل نادي) (وهل شكري على مر الليالي * ينال مدى ولائي واعتقادي) (دعوتك والزمان به حران * فأمسى وهولي سهل القياد) (أناديه فيسمعني وقدما * تجانب لي أصم عن المنادي) (وكم من منة لك لا توازي * بلا من لدي ولا اعتداد) (ومن بيضاء قد عمرت بقلبي * محلك منه في أقصى سواد) (أرى الأشواق نحوك في فؤادي * كمثل النار في حجر الزناد) (متى ولعت به ذكراك كادت * لحر الوجد تلفظني بلادي) (تحن ركائبي وأحن شوقا * إذا خطر اللقاء على فؤادي)
355 (وأطمع في الرقاد رجاء زور * يلم وأين طرفي والرقاد) (سأبعثها تثير البيد وخدا * وتعتسف الظلام بغير هادي) (لو أن النجم جاراها دليلا * تحير أو شكا طول السهاد) (تلفت بي إلى الزوراء زورا * كما التفتت إلى الماء الصوادي) (ولو أن الزمان جرى ومن لي * بأن يجري الزمان على مرادي) (وأمكنني المزار لما عدتني * وحقك عن زيارتك العوادي) (فمن لي أن تسيرني المطايا * إليك ولو سريت بغير زاد) (أقول لصاحب لم يدر جهلا * أغيي ما تحاول أم رشادي) (إذا واليت فانظر من توالي * وإن عاديت فانظر من تعادي) (فإن أحببت تعرف ما التناهي * من الأشياء فانظر في المبادي) (ودعني والثناء على مبر * عرفت به صلاحي من فسادي) (على متوحد في الفضل سام * إلى أمد العلى مبني الأيادي) (أخي حكم شواهدها عليه * بواد في الحواضر والبوادي) (إذا ما قيس قصر عنه قس * وقس ما علمنا في أياد) (وإن جاورته جاورت غيثا * يذوب نداه في العام الجماد) (أو استنجدته أعداك منه * أخو عزم على الأيام عادي) (جواد بالذي تحوي يداه * إذا نودي ألا هل من جواد) (يجيبك قبل أن تدعو نداه * ويكفي كل حادثة بنادي) (أخو كرم يقل العتب فيه * وإفضال تقر به الأعادي) (وأخلاق كمثل الراح شيبت * بمشمول من الصفو البراد) (بأدنى سعيه حاز المعالي * وأخفق غيره بعد اجتهاد) (وفي الغايات أن لز المذاكي * تبين المقرفات من الجياد) (أبا الحسن استمع مني ثناء * حلا فخلا من المعنى المعاد) (كأنفاس الرياض سرت عليها * صبا فتعطرت غب العهاد) (أنادي فيه باسمك والقوافي * تؤرج لا بسعدى أو سعاد) (وقد عرضته لك مستجيرا * بعدلك فيه من جور انتقاد)
356 (ومثلك من رأى قصد القوافي * إليه وقال فيها باقتصاد) (جزيت الصالحات فأنت أهل * لها وسقيت أنواء الغوادي) (ودمت على الزمان وكل شيء * على مر الزمان إلى نفاد) وقال الشريف أبو يعلى محمد بن الهبارية العباسي من قصيدة يمدح بها الأجل أمين الدولة بن التلميذ يقول فيها (يا بني التلميذ لو وافيتكم * لم تكن نفسي بأهلي شغفه) (وتسليت بكم عن صبيتي * وغدا وسطي ثقيل المنصفة) (إنما طلقت كرمان بكم * إنكم لي عوض ما أشرفه) (برئيس الحكماء المرتجى * أنه لي جنة مخترفه) (عوقتني عن عميد الملك * دنياي ودنياي ظلوم مجحفه) (لو رآني هبة الله أبو الحسن * الأوحد كانت متحفه) (فهو من نخلة دهري طلعة * حلوة الطعم وكل حشفه) (غدت الدنيا ومن فيها معا * لعلاه بالعلى معترفه) (فأماني الورى كلهم * من أيادي جوده مغترفه) (وبأبراد معالي ظله * من تصاريف الردى ملتحفه) (شمس مجد لا تراها أبدا * عن سماوات العلى منكسفه) (جل أن يدرك وصفا مجده * أنه أكبر من كل صفه) (فهو غدر الدهر بل إحسانه * والبرايا يبسات قشفه) (لو تمكنت لكانت جملتي * في زوايا داره معتكفه) (سن في دنيا المعالي سننا * أصبحت معجبة مستظرفه) (فيه تفتخر الدنيا التي * أصبحت من غيره مستنكفه) (سيدي كم غمة جليتها * فغدت ظلمتها منكشفة) (وأياد جمة أوليتها * بيد ما برحت مرتشفه) (نثرت منك بروق لم تكن * حين شمناها بروقا مخلفه) (وتراءى منك بر شكره * معجز كل لسان وشفه) (إنما أحبو بني التلميذ بالمدح * إذ كلهم ذو معرفه) (فابن يحيى منهم محيي الندى * زاد في الجود على من خلفه) (وهو في الفضل له الفضل على * كل من أنكره أو عرفه)
357 (حقق الكنية من والده * كرما فيه وطبعا ألفه) (وهم من صاعد عن سادة * بأبي مجدهم ما أنظفه) (لا تقسهم بالورى كلهم * فتقس ليث الشرى بالجعدفه) (فابن إبراهيم لاهوت العلى * من دعاه بشرا ما أنصفه) (يا رئيس الحكماء استجلها * من بنات الفكر بكرا مترفه) (إنني أنفذت نخلي قاصدا * أشتكي دهرا قليل النصفه) (وبأنعامك قد عللتها * إنه يجلو الخطوب المغدفه) (فأبق للمجد ثمالا ما رغت * لغبا جسرة سار موجفه) (كم لكم من نعمة تالدة * تترجى أختها المطرفه) (جددوا إيرادها يا سادتي * بأياد منكم مؤتنفه) الرمل وكتب أبو إسماعيل الطغرائي إلى أمين الدولة بن التلميذ (يا سيدي والذي مودته * عندي روح يحيا بها الجسد) (من ألم الظهر أستغيث وهل * يألم ظهر إليك يستند) المنسرح وكان محمد بن جكينا قد مرض وزاره أمين الدولة فقال فيه ابن جكينا (قصدت ربعي فتعالى به * قدري فدتك النفس من قاصد) (فما رأى العالم من قبلها * بحرا مشى قط إلى وارد) السريع وكان بعض الشعراء ببغداد أتى إلى أمين الدولة وشكى حاله واستوصفه فوصف ما يصلح للمرض الذي شكاه ثم دفع له صرة فيها دنانير وقال له هذه تصلح بها مزورة زيرباج فأخذها وبرأ بعد أيام فكتب إليه (أتيته اشتكي وبي مرض * إلى التداوي والرفد محتاج) (فقلت إذ برني وأبراني * هذا طبيب عليه زرباج) المنسرح
358 ومن كلام أمين الدولة بن التلميذ حدثني سديد الدين بن رقيقة قال حدثني فخر الدين المارديني قال كان يقول لنا أمين الدولة لا تقدروا أن أكثر الأمراض تحيطون بها خبرة فإن منها ما يأتيكم من طريق السماوة وكان يقول أيضا متى رأيت شوكة في البدن ونصفها ظاهر فلا تشترط أنك تقلعها فإنها ربما انكسرت ومن كلامه قال ينبغي للعاقل أن يختار من اللباس ما لا تحسده عليه العامة ولا تحقره فيه الخاصة ومن شعر الأجل أمين الدولة بن التلميذ وهو مما أنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي مما سمعه من والده قال أنشدني أمين الدولة بن التلميذ لنفسه (حبي سعيدا جوهر ثابت * وحبه لي عرض زائل) (به جهاتي الست مشغولة * وهو إلى غيري بها مائل) السريع وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه (إذا وجد الشيخ في نفسه * نشاطا فذلك موت خفي) (ألست ترى أن ضوء السراج * له لهب قبل أن ينطفي) المتقارب وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه (تعس القياس فللغرام قضية * ليست على نهج الحجى تنقاد) (منها بقاء الشوق وهو بعرفنا * عرض وتفنى دونه الأجساد) الكامل وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه في الوزير الدركزيني (قالوا فلان قد وزر * فقلت كلا لا وزر) (والله لو حكمت فيه * جعلته يرعى البقر) الرجز وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه (قال الأنام وقد رأوه * مع الحداثة قد تصدر) (من ذا المجاوز قدره * قلت المقدم بالمؤخر) الكامل المرفل
359 وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه (قد قلت للشيخ الجليل * الأريحي أبي المظفر) (ذكر فلان الدين بي * قال المؤنث لا يذكر) الكامل المرفل وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه لغزا في السمك (لبسن الجواشن خوف الردى * وعلين فوق الرؤوس الخوذ) (فلما أتاها الردى أهلكت * بشم نسيم الهوى المستلذ) المتقارب ومن شعر أمين الدولة بن التلميذ أيضا قال (سق النفس بالعلم نحو الكمال * تواف السعادة من بابها) (ولا ترج ما لم تسبب له * فإن الأمور بأسبابها) المتقارب وقال أيضا (لولا حجاب أمام النفس يمنعها * عن الحقيقة فيما كان في الأزل) (لأدركت كل شيء عز مطلبه * حتى الحقيقة في المعلول والعلل) البسيط وقال أيضا (العلم للرجل اللبيب زيادة * ونقيصة للأحمق الطياش) (مثل النهار يزيد أبصار الورى * نورا ويغشي أعين الخفاش) الكامل وقال أيضا (بزجاجتين قطعت عمري * وعليهما عولت دهري) (بزجاجة ملئت بحبر * وزجاج ملئت بخمر) (فبذي أثبت حكمتي * وبذي أزيل هموم صدري) الكامل المرفل وقال أيضا (تواضع كالبدر استنار لناظر * على صفحات الماء وهو رفيع) (ومن دونه يسمو إلى المجد صاعدا * سمو دخان النار وهو وضيع) وقال أيضا (إذا كنت محمودا فإنك مرمد * عيون الورى فأكحلهم بالتواضع) الطويل
360 وقال أيضا (لا تحقرن عدوا لان جانبه * ولو يكون قليل البطش والجلد) (فللذبابة في الجرح الممد يد * تنال ما قصرت عنه يد الأسد) البسيط وقال أيضا (نفس الكريم الجواد باقية * فيه وإن مس جلده العجف) (والحر حر وإن ألم به * الضر ففيه العفاف والأنف) (والنذل لا يهتدي لمكرمة * لأن ذاك المزاج منحرف) (فالقطر سم إن احتواه فم الصل * ودر أن ضمه الصدف) المنسرح وقال أيضا (كانت بلهنية الشبيبة سكرة * فصحوت فاستأنفت سيرة مجمل) (وقعدت أرتقب الفناء كراكب * عرف المحل فبات دون المنزل) الكامل وقال أيضا (قالوا شباب الفتى خؤون * والشيب واف فليس يرحل) (فقلت أبعدتم قياسا * ذاك حبيب وذا موكل) البسيط وقال أيضا (وأرى عيوب العالمين ولا أرى * عيبا لنفسي وهو مني قريب) (كالطرف يستجلي الوجوه ووجهه * منه قريب وهو عنه مغيب) الكامل وقال أيضا (أجدك إن من شيم الليالي * العنيفة أن تجور على اللهيف) (كمثل الخلط أغلب ما تراه * يصب أذاه في العضو الضعيف) الوافر
361 وقال أيضا (كأس يطفي لهب الأوام * ثان يعين هاضم الطعام) (وللسرور ثالث المدام * والعقل ينفيه مزيد جام) الرجز وقال أيضا (يا من رماني عن قوس فرقته * بسهم هجر غلا تلافيه) (أرض لمن غاب عنك غيبته * فذاك ذنب عقابه فيه) (لو لم ينله من العذاب سوى * بعدك عنه لكان يكفيه) المنسرح وقال أيضا (عاتبت إذ لم يزر خيالك * والنوم بشوقي إليه مسلوب) (فزارني منعما وعاتبني * كما يقال المنام مقلوب) المنسرح وقال أيضا (لسيف جفونك فضل على * مواضي السيوف التي في الجفون) (فتلك مع القتل لا تستطيع * رجع النفوس بدفع المنون) (وعيناك يقتلني شزرها * وأحيا بإيماضها في سكون) المتقارب وقال أيضا (تمت محاسنه سوى كلف * حلو المواقع زانه بشر) (وسموا به لألآء غرته * عمدا ليعلم أنه بدر) الكامل وقال أيضا (لا تحسبن سواد الخال عن خلل * من الطبيعة أو إحداثه غلطا) (وإنما قلم التصوير حين جرى * بنون حاجبه في خده نقطا) البسيط وقال أيضا (أبصره عاذلي عليه * ولم يكن قبله رآه) (فقال لي لو عشقت هذا * ما لامك الناس في هواه)
362 (قل لي إلى من عدلت عنه * وليس أهل الهوى سواه) (فظل من حيث ليس يدري * يأمر بالعشق من نهاه) البسيط وقال أيضا (يا من لبست عليه أثواب الضنا * صفرا مشهرة بحمر الأدمع) (أدرك بقية مهجة لو لم تذب * شوقا إليك نفيتها عن أضلعي) الكامل وقال أيضا (أنت شغلي في كل حال فنومي * بخيال ويقظتي بادكار) (طال ليلي بطول هجرك لا دام * وشوقي إلى الليالي القصار) الخفيف وقال أيضا (براني الهوى بري المدى فأذابني * صدودك حتى صرت أنحل من أمس) (ولست أرى حتى أراك وإنما * يبين هباء الذر في أفق الشمس) الطويل وقال أيضا (وغزال فاق الغزالة حسنا * فاتر الطرف ذي جفون مراض) (قال إذ رمته أنالك سخطا * ليته قالها بصفحة راض) الخفيف وقال أيضا (لئن تعوضت عن وصلي بمطرف * فلا تظنن إني غير معتاض) (إني بعزة نفس أنت تعرفها * لسابق سلوة السالي بإعراض) البسيط وقال أيضا (قد كنت اعتد حينا * لقياك أنفس ربح) (فقد بدت عن سلو * سماء عقلي تصحي) (مالي أهيم بحسن * يكون علة قبح) المجتث
363 وقال أيضا (لو كان يحسن غضن البان مشيتها * تأودا لمشاها غير محتشم) (في صدرها كوكبا نور أقلهما * ركنان لم يدنوا من كشف مستلم) (صانتهما في حرير من غلائلها * فنحن في الحل والركنان في الحرم) البسيط وقال أيضا (عانقتها وظلام الليل منسدل * ثم انتبهت ببرد الحلي في الغلس) (فبت أحميه خوفا أن ينبهها * وأتقي أن أذيب العقد بالنفس) البسيط وقال أيضا (لا تظني تجنبي لملال * أنت من خوف سلوتي في أمان) (رب هجر يكون أدعى إلى الوصل * ووصل أدعى إلى الهجران) الخفيف وقال أيضا (وكان عذاري عندها عذر وصلها * فشاب فصار العذر في صدها عندي) (فأعجب بأمر أمسى داعية الهوى * يحول فيضحي اليوم داعية الصد) الطويل وقال لغزا في السحاب (وهاجم ليس له من عدوى * مستبدل بكل مثوى مثوى) (بكاؤه وضحكه في معنى * إذا بكى أضحك أهل الدنيا) الرجز وقال أيضا لغزا في الميزان (ما واحد مختلف الأهواء * يعدل في الأرض وفي السماء) (يحكم بالقسط بلا رياء * أعمى يرى الرشاد كل رائي) (أخرس لا من علة وداء * يغني عن التصريح بالأيماء) (يجيب إن ناداه ذو امتراء * بالرفع والخفض عن النداء) الرجز
364 وقال أيضا لغزا في الدرع (وبيضاء لا للبيض والسمرقدها * تظاهر في تقويمها الحر والبرد) (تجلت لنا حبا ولم تجر في رحا * ولكن تولاه لها الدق والبرد) (وقيت بها نفسي فكانت كأنها * هي الشمس محبوبا بها الكوكب الفرد) الطويل وقال أيضا لغزا في الإبرة (وكاسبة رزقا سواها يجوزه * وليس لها حمد عليه ولا أجر) (مفرقة للشمل والجمع دأبها * وخادمة للناس تخدمها عشر) (إذا خطرت جرت فضول ذيولها * سجية ذي كبر وليس بها كبر) (ترى الناس طرا يلبسون الذي نضت * تعمهم جودا وليس لها وفر) (لها البيت بعد العز غير مدافع * إلى بأسه تعزى المهندة البتر) (أضر بها مثلي نحول بجسمها * وإن لم يرعها مثل ما راعني هجر) الطويل وقال أيضا لغزا في الظل (وشئ من الأجسام غير مجسم * له حركات تارة وسكون) (يتم أواني كونه وفساده * وفي وقت محياه المحاق يكون) (إذا بانت الأنوار بان لناظر * وأما إذا بانت فليس يبين) الطويل وقال أيضا مما يكتب على حصير (أفرشت خدي للضيوف ولم يزل * خلقي التواضع للبيب الأكيس) (فتواضعي أعلا مكاني بينهم * طورا فصرت أحل صدر المجلس) الكامل وقال أيضا في معناه (رب وصل شهدته فتمتعت * عناقا بالعاشقين جميعا) (وجداني للود أهلا وللسر * مكانا وللصديق مطيعا) الخفيف
365 وقال أيضا في مدخنة النجور (إذا الهجر أضرم نار الهوى * فقلبي يضرم للهجر نارا) (أبوح بأسراري المضمرات * تبدو سرارا وتبدو جهارا) (إذا ما طوى خبري صاحب * أبى طيب عرفي إلا انتشارا) وقال أيضا فيها (كل نار للشوق تضرم بالهجر * وناري تشب عند الوصال) (فإذا الصد راعني سكن الوجد * ولم يخطر الغرام ببالي) الخفيف وقال أيضا فيها (يشكون المحبون الجوى * عند التفرق والزيال) (وأشد ما أصلى بنا * والشوق أوقات الوصال) الكامل المرفل وقال أيضا فيها (رب حمى لا ترام عزته * أبحته النفس غير محجوب) (يبدي عياني لمن تأملني * نار محب ونشر محبوب) المنسرح وقال أيضا في مغسل الشرب (إذا ما خطبت الود بين معاشر * فكن لهم مثلي تعد أخا صدق) (إذا استأثروا من كل كأس بصفوها * رضيت بما أبقوه من مشرب رنق) الطويل وقال أيضا (لا تدع ربك أن يعذب عاشقا * لقبيح صورتها بغير وصالها) الكامل المرفل وقال أيضا (أكثرت حسو البيض * كيما يستديم قيام أيرك) (ما لا يقوم ببيضتيك * فلا يقوم ببيض غيرك) الكامل
366 وقال أيضا يهجو إنسانا بالعين (مدور العين فاتخذه * لتل غرس وثل عرش) (لو رمقت عينه الثريا * أخرجها في بنات نعش) البسيط وقال أيضا (يا دار لا تنكري مني التفات فتى * فراق أحبابه أجرى مدامعه) (عهدت فيك قميرا كان يؤنسني * حينا فعيناي تستقري مطالعه) الطويل وقال أيضا (خليل نأى عني فبدلت بعده * مقيم الجوى من صفو عيش وطيبه) (أغار عليه صرف دهر فغاله * وعما قليل سوف يلحقني به) الطويل وقال أيضا (لا تعجبوا من حنين قلبي * إليهم واعذروا غرامي) (فالقوس مع كونها جمادا * تئن من فرقة السهام) البسيط وقال أيضا (كيف ألذ العيش في بلدة * سكان قلبي غير سكانها) (لو أنها الجنة قد أزلفت * أرضها إلا برضوانها) السريع وقال أيضا يرثي (كم ذا الوقوف على غرور أماني * أأخذت من دنياك عقد أمان) (هل عيشة بعد الرضى مرضية * كلا ولو كانت خلود جنان) (إن السماء لفقده لحزينة * فرياحها نفس الكئيب العاني) (والغيث أدمعه وما برقت به * نار الجوى والرعد للأرنان) (لو ذاق فقدك من يلوم على البكا * لزرى على التبسيم والسلوان) (تبعوك إذا صلوا عليك ولم تزل * كالنجم تهديهم بكل مكان) (كنت المقدم في الصفوف لجولة * الأقران أو لتلاوة القرآن) (لا تبعدن وما البعيد بمن نأى * حيا ولكن البعيد الداني) (وقال أيضا يرثي الأمير سيف الدولة صدقة * بن منصور دبيس الأسدي لما قتل) (ليبك ابن منصور عفاة نواله * إذا عصفت بالريح نكباء حرجف) (ويذكرهم من ردهم بعبوسه * فتى كان يلقاهم ببشر ويسعف) (ولما سما فوق السماء بهمة * يغض لها طرف الحسود ويطرف) (رمته الليالي بل رمتنا برزئه * كبدر الدجى في ليلة التم يخسف) (عليك سلام لا تزال قلوبنا * على حزن ما هبت الريح توقف) (ولا برحت عين السماء بوبلها * على جدث وأراك تهمي وتذرف) الطويل وقال يهنيء بخلعة (لئن شرفت مناسبها وجلت * لقد زفت إلى كفء شريف) (إلى من زانها وأزان منها * كسالفة المليحة والشنوف) الوافر وكتب إليه الرئيس أبو القاسم علي بن أفلح الكاتب وقد نقه من مرض كان به (أنا جوعان فانقذني * من هذي المجاعة) (فرجي في الكسرة الخبز * ولو كانت قطاعه) (لا تقل لي ساعة تصبر * مالي صبر ساعة) (فخواي اليوم ما يقبل * في الخبز شفاعه) الرمل فكتب إليه أمين الدولة بن التلميذ الجواب (هكذا أضياف مثلي * يتشكون المجاعة) (غير أني ليس عندي * لمضر من شفاعه)
368 (فتعلل بسويق * فهو خير من قطاعه) (بحياتي قل كما * ترسمه سمعا وطاعة) وأهدي إلى الوزير ابن صدقه كتاب المحاضرات للراغب وكتب معه (لما تعذر أن أكون ملازما * لجناب مولانا الوزير الصاحب) (ورغبت في ذكري بحضرة مجده * اذكرته بمحاضرات الراغب) الكامل وكان أبو القاسم بن الفضل قد عتب على أمين الدولة بن التلميذ عتبا مريبا فأجابه أمين الدولة بأن خلع عليه قميصا مصمتا أسود وكتب إليه (أحبك في السوداء تسحب ذيلها * خطيبا ولكن لا بذكر مثالبي) الطويل وقال أيضا (أتاني كتاب لم يزدني بصيرة * بسؤدد مهديه إلي وفضله) (فقلت وقد أخجلتني بابتدائه * أبى الفضل إلا أن يكون لأهله) الطويل أأأ وكتب إلى الوزير سعد الملك نصير الدين في صدر كتاب (لا زال جدك بالإقبال موصولا * وجد ضدك بالأذلال مغلولا) (ولا عدمت من الرحمن موهبة * تعيد ربعك بالعافين مأهولا) (فنعم منطلق الكفين أنت إذا * أضحى اللئيم عن المعروف مغلولا) (تجود بالمال لا تسأل يداه وإن * تسأل فصاحته بذ الورى قيلا) (لا يستريح إلى العلات معتذرا * إذا الضنين رأى للبخل تأويلا) (يبادر الجود سبقا للسؤال يرى * تعجيله بعد بذل الوجه تأجيلا) (لا غروان كسفت شمس الضحى وبدت * فأكثر الناس تبجيلا وتهليلا) (فأنت سيف غياث الدين أغمده * صونا وعاد على الأعداء مسلولا) (فلا خلا الدست من غيث إذا قنطوا * ظل نداه لدى الرواد مبذولا) (فما يليق بغير السعد مسنده * وإن أعاروه إعظاما وتبجيلا) (فاسلم على الدهر في نعماء صافية * من النوائب مرهوبا ومأمولا) البسيط
369 وكتب في صدر كتاب إلى جمال الرؤساء أبي الفتح هبة الله بن الفضل بن صاعد جوابا (ما نشر أنفاس الرياض مريضة * عوادها طل الندى وقطار) (بدميثة ميثاء حلى وجهها * وحبا عليها حنوة وعرار) (كفلت بثروتها مؤبدة بها * وكفى صداها جدول مدرار) (بكت السماء فأضحكتها مثل ما * أبكي فتضحك بي الغداة نوار) (وإذا تعارضها ذكاء تشعشعت * فتمازج النوار والنوار) (مشت الصبا بفروعها مختالة * فصبا المشوق وغيره استعبار) (وإذا تغنى الطير في أرجائها * أبدى بلابل صدره التذكار) (يوما بأطيب من جوارك شاهدا * أو غائبا تدنو بك الأخبار) وكتب إليه جمال الملك أبو القاسم علي بن أفلح في أثناء كتاب (إني وحقك منذ ارتحلت * نهاري حنين وليلي أنين) (وما كنت أعرف قبلي امرءا * بجسم يقيم وقلب يبين) (يقول الخلي إذا ما رأى * ولوعي بذكراك لا تستكين) (تسل فقل دهاك الفراق * أتدري جوى البين أنى يكون) (وكيف السبيل إلى سلوتي * وحزني وفي وصبري خؤون) المتقارب فكتب أمين الدولة في جوابه (وإني وحبك مذ بنت عنك * قلبي حزين ودمعي هتون) (وأخلف ظني صبر معين * وشاهد شكواي دمع معين) (فلله أيامنا الخاليات * لو رد سالف دهر حنين) (وإني لأرعى عهود الصفاء * ويكلؤها لك ود مصون) (واحفظ ودك عن قادح * وود الأكارم علق ثمين) (ولم لا يكون ونحن اليدان * أنت بفضلك منها اليمين) (إذا قلت أسلوك قالوا الغرام * هيهات ذلك ما لا يكون) (وهل لي في سلوة مطمع * وصبري خؤون وودي أمين) وكتب في صدر كتاب إلى العزيز أبي نصر بن محمد بن حامد مستوفي الممالك (لعمر أبيك الخير ليس لواحد * من الناس إلا حامد لابن حامد)
370 (كأنهم دانوا الإله بشكرهم * علاه ولكن لا كشكر ابن ساعد) (هم خيروا عنه فأثنوا بصالح * وعندي بما أثنيت خير المشاهد) الطويل وكتب إلى ابن أفلح (أسأت بنفسي حين أزمعت رحلة * فهمي مجموع بشملي المفرق) (فإن امرءا سر الموفق قربه * وفارقه طوعا لغير موفق) الطويل وكتب إلى موفق الدين أبي طاهر الحسين بن محمد لما اجتازه بساوة ودخل إلى دار كتبها التي وقفها المذكور المكتوب إليه (وفقت للخير إذ عممت به * طلابه يا موفق الدين) (أزلفت للناس جنة جمعت * عيون فضل أشهى من العين) (فيها ثمار العقول دانية * قطوفها حلوة الأفانين) (لا زلت تسمو بكل صالحة * بمسعدي قدرة وتمكين) (ويرحم الله كل مستمع * مشيع دعوتي بتأمين) المنسرح ولأمين الدولة بن التلميذ من الكتب أقراباذينه العشرين بابا وشهرته وتداول الناس له أكثر من سائر كتبه أقراباذينه الموجز البيمارستاني وهو ثلاثة عشر بابا المقالة الأمينية في الأدوية البيمارستانية اختيار كتاب الحاوي للرازي اختيار كتاب مسكويه في الأشربة اختصار شرح جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط اختصار شرح جالينوس لكتاب تقدمة المعرفة لأبقراط تتمة جوامع الإسكندرانيين لكتاب حيلة البرء لجالينوس شرح مسائل حنين بن إسحاق على جهة التعليق شرح أحاديث نبوية تشتمل على طب كناش مختصر الحواشي على كتاب القانون للرئيس ابن سينا الحواشي على كتاب المائة للمسيحي التعاليق على كتاب المنهاج وقيل إنها لعلي بن هبة الله بن أثردي البغدادي مقالة في الفصد كتاب يشتمل على توقيعات ومراسلات تعاليق استخرجها من كتاب المائة للمسيحي مختار من كتاب أبدال الأدوية لجالينوس أبو الفرج يحيى بن التلميذ هو الأجل الحكيم معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ كان متعينا في العلوم الحكيمة متقنا للصناعة الطبية متحليا بالأدب بالغا فيه أعلى الرتب وكذلك أيضا كان لأمين الدولة بن التلميذ جماعة من الأنساب كل منهم متعلق بالفضائل والآداب وقد رأيت بخط الأجل
371 معتمد الملك يحيى بن التلميذ ما يدل على فضله وعلو قدره ونبله وكان من المشايخ المشهورين في صناعة الطب وله تلاميذ عدة وقال الشريف أبو العلاء محمد بن الهبارية العباسي من قصيدة يمدح الحكيم أبا الفرج يحيى بن صاعد ابن التلميذ وكان ابن الهبارية قد أتاه إلى أصبهان فحصل له من الأمراء والأكابر مالا جزيلا يقول فيها (وجميع ما حصلته وجمعته * منهم وكنت له بشعري كاسبا) (نعمى أبي الفرج بن صاعد الذي * ما زال عني في المكاسب نائبا) (هو لا عدمت علاه حصل كما ما * أملته ومري فكنت الحالبا) (يحيى بن صاعد بن يحيى لم يزل * للمكرمات إلى جنابي جالبا) (أحيا مطامعي التي ماتت فتى * أحيا الفتوة والمروءة دائبا) (ما زال ينعشني نداه حاضرا * وينوب عني في المطالب غائبا) (في باب سيف الدولة بن بهائها * وكذا نصير الدين كان مخاطبا) (كاتبته بحوائجي وهززته * فوجدته فيها الحسام القاضبا) (وكذاك في باب الأغر وغيره * في الخطب كنت له بذاك مخاطبا) (ما زال يغرسني يداه ولم أزل * بعلاه ما بين البرية خاطبا) ومنها (لا تحوجن أخاك لا بل عبدك القن * ابن عبدك إن يروم أجانبا) (فلأنت أولى بي لما عودتني * عمن غدا لي في الأصول مناسبا) (لا زلت أثني بالذي أوليتني * وعلى المديح محافظا ومواظبا) (وبقيت لي ذخرا ودمت ممتعا * بالمجد للأبراد منه ساحبا) (ثقة الخلافة سيد الحكماء معتمد * الملوك الفيلسوف الكاتبا) (لم لا تكاتبني فكتبك نزهة * حسنا تخال من الجلال كتائبا) (ومن الملاحة واللطافة روضة * ومن الإفادة في البيان سحائبا) (مازح وطايب ما استطعت فما الفتى * من لا يكون ممازحا ومطايبا) (وفداك من نوب الزمان وصرفه * قوم يريدون الزمان معايبا) الكامل ومن شعر أبي الفرج يحيى بن التلميذ نقلت من كتاب زينة الدهر لعلي بن يوسف بن أبي المعالي سعد بن علي الحظيري قال وجدت بخط الأجل الحكيم معتمد الملك يحيى بن التلميذ لنفسه لغزا في الإبرة (وفاغرة فما في الرجل منها * ولكن لا تسيغ به طعاما)
372 (ومخطفة الحشا في الرأس منها * لسان لا تطيق به الكلاما) (تصول بشوكة تبدو وسم * وما من ذاقه يرد الحماما) (تجر وراءها أبدا أسيرا * كما قادت يد الحادي الزماما) (منيعا ذا قوى لكن تراه * بقبضتها ذليلا مستضاما) (فتلقيه بمحبسها مقيما * طوال الدهر لا يأبى المقاما) (أيا عجبا لها سوداء خلقا * تريك خلائقا بيضا كراما) (غدت عريانة من كل لبس * وفاضل ذيلها يكسو الأناما) الوافر قال وجدت بخطه في دار جديدة بناها سيف الدولة صدقة وقعت فيها نار يوم الفراغ منها (يا بانيا دار العلى ملأتها * لتزيدها شرفا على كيوان) (علمت بأنك إنما شيدتها * للمجد والأفضال والإحسان) (فقفت عوائدك الكرام وسابقت * تستقبل الأضياف بالنيران) الكامل ومن شعر أبي الفرج يحيى بن التلميذ أيضا قال لغزا في القوس (وما ذو قامة ذات اعوجاج * تئن وتنحني عند الهياج) (لها المكر الخفي مع التمطي * كمكر الراح في القدح الزجاج) الوافر وقال أيضا (علق الفؤاد على خلو حبها * علق الذبالة في الحشا المصباح) (لا يستطاع الدهر فرقة بينهم * إلا لحين تفرق الأشباح) الكامل وقال أيضا (فراقك عندي فراق الحياة * فلا تجهزن على مدنف) (علقتك كالنار في شمعها * فما أن تفارق أو تنطفي) المتقارب وقال أيضا (بدا إلينا أرج القادم * فبرد الغلة من حائم) (روح عن قلبي على نأيه * وقد يلذ الطيف للحالم) السريع
373 وقال في ذم مغن (لنا مغن إن شدا * تدفننا ثلوجه) (فموتنا خروجه * وبعثنا خروجه) الرجز أوحد الزمان أبو البركات هبة الله بن علي ملكا البلدي لأن مولده ببلد ثم أقام ببغداد كان يهوديا وأسلم بعد ذلك وكان في خدمة المستنجد بالله وتصانيفه في نهاية الجودة وكان له اهتمام بالغ في العلوم وفطرة فائقة فيها وكان مبدأ تعلمه صناعة الطب أن أبا الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسين كان من المشايخ المتميزين في صناعة الطب وكان له تلاميذ عدة يتناوبونه في كل يوم للقراءة عليه ولم يكن يقرئ يهوديا أصلا وكان أبو البركات يشتهي أن يجتمع به وأن يتعلم منه وثقل عليه بكل طريق فلم يقدر على ذلك فكان يتخادم للبواب الذي له ويجلس في دهليز الشيخ بحيث يسمع جميع ما يقرأ عليه و ما يجري معه من البحث وهو كلما سمع شيئا تفهمه وعلقه عنده فلما كان بعد مدة سنة أو نحوها جرت مسألة عند الشيخ وبحثوا فيها فلم يتجه لهم عنها جواب وبقوا متطلعين إلى حلها فلما تحقق ذلك منهم أبو البركات دخل وخدم الشيخ وقال يا سيدنا عن أمر مولانا أتكلم في هذه المسألة فقال قل إن كان عندك فيها شيء فأجاب عنها بشيء من كلام جالينوس وقال يا سيدنا هذا جرى في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني في ميعاد فلان وعلق بخاطري من ذلك اليوم فبقي الشيخ متعجبا من ذكائه وحرصه واستخبره عن الموضع الذي كان يجلس فيه فأعلمه به فقال من يكون بهذه المثابة ما نستحل أن نمنعه من العلم وقربه من ذلك الوقت وصار من أجل تلاميذه ومن نوادر أوحد الزمان في المداواة أن مريضا ببغداد كان قد عرض له علة الماليخوليا وكان يعتقد أن على رأسه دنا وأنه لا يفارقه أبدا فكان كلما مشى يتحايد المواضع التي سقوفها قصيرة ويمشي برفق ولا يترك أحدا يدنو منه حتى لا يميل الدن أو يقع عن رأسه وبقي بهذا المرض مدة وهو في شدة منه وعالجه جماعة من الأطباء ولم يحصل بمعالجتهم تأثير ينتفع به وأنهى أمره إلى أوحد الزمان ففكر أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ به إلا بالأمور الوهمية فقال لأهله إذا كنت في الدار فأتوني به ثم إن أوحد الزمان أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل إليه وشرع في الكلام معه وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما إنه يسارع بخشبة كيرة فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه كأنه يريد كسر الدن الذي يزعم أنه على رأسه وأوصى غلاما آخر وكان قد أعد معه دنا في أعلى السطح أنه متى رأى ذلك الغلام قد ضرب فوق رأس صاحب الماليخوليا أن يرمي الدن الذي عنده
374 بسرعة إلى الأرض ولما كان أوحد الزمان في داره وأتاه المريض شرع في الكلام معه وحادثه وأنكر عليه حمله للدن وأشار إلى الغلام الذي عنده من غير علم المريض فأقبل إليه وقال والله لا بد لي أن أكسر هذا الدن وأريحك منه ثم أدار تلك الخشبة التي معه وضرب بها فوق رأسه بنحو ذراع وعند ذلك رمى الغلام الآخر الدن من أعلى السطح فكانت له جلبة عظيمة وتكسر قطعا كثيرة فلما عاين المريض ما فعل به ورأى الدن المنكسر تأوه لكسرهم إياه ولم يشك أنه الذي كان على رأسه بزعمه وأثر فيه الوهم أثرا برئ من علته تلك وهذا باب عظيم في المداواة وقد جرى أمثال ذلك لجماعة من الأطباء المتقدمين مثل جالينوس وغيره في مداواتهم بالأمور الوهمية وقد ذكرت كثيرا من ذلك في غير هذا الكتاب وحدثني الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني موفق الدين أسعد بن إلياس المطران قال حدثني الأوحد بن التقي قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الودود الطبيب قال حدثني أبو الفضل تلميذ أبي البركات المعروف بأوحد الزمان قال كنا في خدمة أوحد الزمان في معسكر السلطان ففي يوم جاءه رجل به داحس إلا أن الورم كان ناقصا وكان يسيل منه صديد قال فحين رأى ذلك أوحد الزمان بادر إلى سلامية أصبعه فقطعها قال فقلنا له يا سيدنا لقد أجحفت في المداواة وكان يغنيك أن تداويه بما يداوي به غيرك وتبقي عليه إصبعه ولمناه وهو لا ينطق بحرف قال ومضى ذلك اليوم وجاء في اليوم الثاني رجل آخر مثل ذلك سواء فأومأ إلينا بمداواته وقال افعلوا في هذا ما ترونه صوابا قال فداويناه بما يداوي به الداحس فاتسع المكان وذهب الظفر وتعدى الأمر إلى ذهاب السلامية الأولى من سلاميات الإصبع وما تركنا دواء إلا وداويناه به ولا علاجا إلا وعالجناه ولا لطوخا إلا ولطخناه ولا مسهلا إلا وسقيناه وهو مع ذلك يزيد ويأكل الإصبع أسرع أكل وآل أمره إلى القطع فعلمنا أن فوق كل ذي علم عليم قال وفشا هذا المرض في تلك السنة وغفل جماعة منهم عن القطع فتأدى أمر بعضهم إلى اليد وبعضهم إلى هلاك أنفسهم ونقلت من خط الشيخ موفق الدين عبد اللطيف البغدادي فيما ذكره عن ابن الدهان المنجم قال قال كان الشيخ أبو البركات قد عمي في آخر عمره وكان يملي على جمال الدين بن فضلان وعلى ابن الدهان المنجم وعلى يوسف والد الشيخ موفق الدين عبد اللطيف وعلى المهذب بن النقاش كتاب المعتبر وقيل إن أوحد الزمان كان سبب إسلامه أنه دخل يوما إلى الخليفة فقام جميع ما حضر إلا قاضي القضاة فإنه كان حاضرا ولم ير أنه يقوم مع الجماعة لكونه ذميا فقال يا أمير المؤمنين
375 إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكونه يرى إني على غير ملته فأنا أسلم بين يدي مولانا ولا أتركه ينتقصني بهذا وأسلم وحدثني الشيخ سعد الدين أبو سعيد بن أبي السهل البغدادي العواد وكان في أول أمره يهوديا أنه كان يسكن ببغداد في محلة اليهود قريبا من دار أوحد الزمان وأنه لم يحقه كثيرا بل كان وهو صغير يدخل إلى داره وقال وكان لأوحد الزمان بنات ثلاث ولم يخلف ولدا ذكرا وعاش نحو ثمانين سنة وحدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد المعروف بابن الكريدي قال كان أوحد الزمان وأمين الدولة بن التلميذ بينهما معاداة وكان أوحد الزمان لما أسلم يتنصل كثيرا من اليهود ويلعنهم ويسبهم فلما كان في بعض الأيام في مجلس بعض الأعيان الأكابر وعنده جماعة وفيهم أمين الدولة بن التلميذ وجرى ذكر اليهود فقال أوحد الزمان لعن الله اليهود فقال أمين الدولة نعم وأبناء اليهود فوجم لها أوحد الزمان وعرف أنه عناه بالإشارة ولم يتكلم ومن كلام أوحد الزمان حدثني بدر الدين أبو العز يوسف بن مكي قال حدثني مهذب الدين ابن هبل قال سمعت أوحد الزمان يقول الشهوات أجر تستخدم بها النفوس في عمارة عالم الطبيعة لتذهل عما يلزمها من التعب ويلحقها من الكلال فأعملها في ذلك أخسها وأزهدها أحسها ولأوحد الزمان من الكتب كتاب المعتبر وهو من أجل كتبه وأشهرها في الحكمة مقالة في سبب ظهور الكواكب ليلا واختفائها نهارا ألفها للسلطان المعظم غياث الدين أبي شجاع محمد بن ملك شاه اختصار التشريح اختصره من كلام جالينوس ولخصه بأوجز عبارة كتاب الأقراباذين ثلاث مقالات مقالة في الدواء الذي ألفه المسمى برشعثا استقصى فيه صفته وشرح أدويته مقالة في معجون آخر ألفه وسماه أمين الأرواح رسالة في العقل وماهيته البديع الأصطرلابي هو بديع الزمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغدادي من الحكماء الفضلاء والأدباء النبلاء طبيب عالم وفيلسوف متكلم وغلبت عليه الحكمة وعلم الكلام والرياضي وكان متقنا لعلم النجوم والرصد وكان البديع الاصطرلابي صديقا لأمين الدولة بن التلميذ وحكي أنه اجتمع على أمين الدولة بأصبهان في سنة عشرة وخمسمائة وحدثني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي قال كان البديع الاصطرلابي أوحد زمانه في علم الأصطرلاب وعمله وإتقان صنعته فعرف بذلك
376 أقول وكان والد مهذب الدين أبي نصر من طبرستان وهو المعروف بالبرهان المنجم وكان علامة وقته في أحكام النجوم وله حكايات عجيبة في ذلك وقد ذكرت أشياء منها في كتاب إصابات المنجمين وكان قد اجتمع بالبديع الإصطرلابي وصاحبه مدة وللبديع الإصطرلابي نظم جيد حسن المعاني ومن شعر البديع الإصطرلابي وهو مما أنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم الحلبي قال أنشدني والدي قال أنشدني البديع الإصطرلابي لنفسه (يا ابن الذين مضوا على دين الهدى * والطاعنين مقاعد الإعدام) (فوجوههم قبل العلى وأكفهم * سحب الندى ومنابر الأقلام) الكامل وأنشدني أيضا قال أنشدني قال أنشدني المذكور لنفسه (أهدى لمجلسك الشريف وإنما * أهدي له ما حزت من نعمائه) (كالبحر يمطره السحاب وماله * من عليه لأنه من مائه) الكامل وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه (قام إلى الشمس بآلاته * لينظر السعد من النحس) (فقلت أين الشمس قال الفتى * في الثور قلت الثور في الشمس) السريع وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه (قيل لي قد عشقته أمرد الخد * وقد قيل إنه نكريش) (قلت فرخ الطاووس أحسن ما كان * إذا ما علا عليه الريش) الخفيف وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه (هل عثرت أقلام خط العذار * في مشقها فالخال نقط العثار) (أم استدار الخط لما غدت * نقطته مركز ذاك المدار) (وريقة الخمر فهل ثغره * در حباب نظمته العقار) السريع
377 وقال أيضا (وذو هيئة يزهو بخال مهندس * أموت به في كل وقت وأبعث) (محيط بأوصاف الملاحة وجهه * كان به أقليدس يتحدث) (فعارضه خط استواء وخاله * به نقطة والخد شكل مثلث) الطويل وأنشدني أيضا قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه جوابا عن قصيدة كتبها إليه القيسراني أولها (أعرب الفضل من بديع الزمان * عن معان عزت على يونان) (ما تلاها لما تلاها ولكن * فاتها حائزا خصال الرهان) الخفيف قال مهذب الدين أبو نصر محمد فرد جوابها قصيدة لم يبق على ذكري منها شيء سوى هذه الأبيات (أيها السيد الذي أطراني * بمديح كالدار قد أطغاني) (والذي زاد في محلي وقدري * وأذل الشاني بتعظيم شاني) (فتعنفقت أي بأني كما * قال مجيب الطباع سهل الجنان) (وترشحت للجواب فأعياني * وانسل هاربا شيطاني) (مجبلا مجبلا يقول اتق الله * فمالي بما تروم اليدان) (أتظن الوهاد مثل الروابي * أم تخال الهجين مل الهجان) (أم تجاري طرفا يفوت مدى الطرف * إذا ما تجاريا في مكان) (بحمار يفوته الزمن المقعد * إن أرسلا غداة الرهان) (فاكتنفني سترا فشعري بخطى * حين يبدو لناظر عورتان) ومن شعر البديع الإسطرلابي أيضا قال في غلام معذر (كن كيف شئت فإنني * قد صغت قلبا من حديد) (وقعدت انتظر الكسوف * وليس ذلك من بعيد) الكامل المرفل وقال أيضا (تقسم قلبي في محبة معشر * بكل فتى منهم هواي منوط) (كان فؤادي مركز وهم له * محيط وأهوائي إليه خطوط) الطويل
378 وقال أيضا (وشادن في حبه سنة * قد جعلت حبي له فرضا) (أرضى بأن أجعل خدي له * إذا مشى منتعلا أرضا) السريع وقال أيضا (أذاقني خمرة المنايا * لما اكتسى خضرة العذار) (وقد تبدى السواد فيه * وكارتي بعد في العيار) البسيط وقال أيضا (هجرت النكاريش ثم انثنيت * أعنف من بات يهواهم) (وما زلت في المرد ألحاهم * إلى أن بليت بألحاهم) المتقارب وقال أيضا (تاه على الناس يإغرائه * أي فاحذروني إنني ملسن) (إن كان في أقواله معربا * فإنه في فعله يلحن) السريع وقال أيضا يهجو (مستيقظ فإذا استضيف * به يصير من النيام) (وتراه في عدد الطغام * إذا رأى مضغ الطعام) (تبدو مصائبه العظام * أو أن تجريد العظام) الكامل المرفل وقال يهجو فاصدا (وفاصد مبضعه مشرع * كأنه جاء إلى حرب) (فصد بلا نفع فما حاصل * غير دم يخرج من ثقب) (لو مر في الشارع من خارج * لمات من في داخل الدرب) (خذه إذا جاشت عليك العدا * فوحده يغنيك عن حرب) السريع
379 وقال أيضا وقد جاء بالعراق وفر كثير يعني بالوفر الثلج (يا صدور الزمان ليس بوفر * ما رأيناه في نواحي العراق) (إنما عم ظلمكم سائر الأرض * فشابت ذوائب الآفاق) الخفيف وقال في مغسل الشراب وهو جردان (إني إذا ما حضرت في ملأ * عددت من بعض آلة الفرح) (إذا تصدرت في مجالسهم * تنغصوا لي بفاضل القدح) المنسرح وللبديع الإسطرلابي من الكتب اختصار ديوان أبي عبد الله الحسين بن الحجاج زيج سماه المعرب المحمودي ألفه للسلطان محمود أبي القاسم بن محمد أبو القاسم هبة الله بن الفضل بغدادي المولد والمنشأ وكان يعاني صناعة الطب ويباشر أعمالها ويعد من جملة الموصوفين بها وكان أيضا يكحل إلا أن الشعر كان أغلب عليه وكان كثير النوادر خبيث اللسان وله ديوان شعر وكان بينه وبين الأمير أبي الفوارس سعد بن محمد بن الصيفي الشاعر المسمى حيص بيص شنآن وتهاتر وكانا قد يصطلحان وقتا ثم يعودان إلى ما كانا فيه وسبب تسمية الحيص بيص بهذا إنه كان العسكر ببغداد قد هم بالخروج إلى السلطان السلجوقي وذلك في أيام المقتفي لأمر الله فكان الناس من ذلك في حديث كثير وحركة زائدة فقال ما لي أرى الناس في حيص بيص فلقب بذلك وكان الذي ألصق به هذا النعت أبو القاسم هبة الله بن الفضل وكان الحيص بيص يقصد في كلامه أبدا وفي رسائله الفصاحة البليغة والألفاظ الغريبة من اللغة ومن ذلك حدثني بعض العراقيين أن الحيص بيص كان قد نقه من مرض عاده فيه أبو القاسم ابن الفضل فوصف له أكل الدراج فمضى غلامه واشترى دراجا واجتاز على باب أمير وبه غلمان ترك أصاغر يلعبون فخطف أحدهم الدراج من الغلام ومضى فأتى الغلام إ ليه فأخبره الخبر فقال له ائتني بدواة وبيضاء فأتاه بهما فكتب لو كان مبتر دراجه فتخاء كاسر وقف بها السغب
380 بين التدوين والتمطر فهي تعقى وتسف وكان بحيث تنقب أخفاف الإبل لوجب الإغذاذ إلى نصرته فكيف وهو ببحبوحة كرمك والسلام ثم قال لغلامه امض بها وأحسن السفارة في وصلتها إلى الأمير فمضى ودفعها لحاجبه فدعا الأمير بكاتبه وناوله الرقعة فقرأها ثم فكر ليعبر له عن المعنى فقال له الأمير ما هو فقال مضمون الكلام إن غلاما من غلمان الأمير أخذ دراجا من غلامه فقال اشتر له قفصا مملوءا دراجا فاحمله إليه ففعل وحدثني شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله أن حيص بيص الشاعر ببغداد كان قد كتب إلى أمين الدولة بن التلميذ ورقة يقصد فيها أن ينفذ إليه شياف أبار وهي أزكنك أيها الطب اللب الآسي النطاسي النفيس النقريس أرجنت عندك أم خنور وسكعت عنك أم هوير إني مستأخذ أشعر في حنادري رطسا ليس كاسب شبوة ولا كنخر المنصحة ولا كنكز الحضب بل كسفع الزخيخ فأنا من التباشير إلى الغباشير لا أعرف ابن سمير من ابن جمير ولا أحسن صفوان من همام بل آونة أرجحن شاصيا وفينة أحبنطي مقلوليا وتارة أعر نزم وطورا وأسلنقي كل ذلك مع أح وأخ وحس وتهم قرونتي أن ارفع عقيرتي بيعاط عاط إلى هياط ومياط وهالي أول وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار ولا أحيص ولا أكيص ولا اغرندي ولا أسرندي فتبادرني بشياف الأبار النافع لعلتي الناقع لغلتي قال فلما قرأ أمين الدولة الورقة نهض لوقته وأخذ حفنة شياف أبار وقال لبعض أصحابه أوصله إياها عاجلا ولا نتكلف قراءة ورقة ثانية وكتب الحيص بيص إلى المقتفي لأمر الله سبع رقاع عند طلبه بعقوبا منه الأولى أنها لطايا ولاء حملت سفر ثناء غرد بها حادي رجاء والمنزل الفناء الثانية أجري جياد حمد في ساحات مجد إجراء ممطر نهد من غير باعثة وجهد منتجعا
381 غب الغاية كرماء الثالثة جد يا أمير المؤمنين بوفر دثر لا بكي ولا نزر لمفصح شعر يمم لجة بحر يرتاد عتاد دهر فالقافية سحر والسامع حبر والعطاء غمر الرابعة أن الموصل واليغاران هما اقطاع ملكين سلجوقيين وكانتا جائزتين لشاعرين طائيين من إمامين مرضيين أحدهما معتصم بالله والآخر متوكل على الله والبناء الأشرف أعظم وعطاؤه أرزم فعلام الحرمان الخامسة خامسة من الخدم في انتجاع شابيب الكرم من القدس الأعظم حلوان قافية تجري كناجية بمخترق بادية تهدي سفرا وتسهل وعرا والرأي بنجح آمالها أحرى السادسة أن وراء الحجاب المسدل لا يهم طود وخضم يم مخرس خطب وقاتل جدب جل فبهر وعز فقهر ونال فغمر صلوات الله عليه ما هبت الريح ونبت الشيج السابعة يا أمير المؤمنين مائة بيت شعر أو سبع رقاع نثر اتذاد عن النجح ذياد الحائمات كلا إن الأعراق لبوية والمكارم عباسية والفطنة لوذعية وكفى بالمجد محاسبا (ماذا أقول إذا الرواة ترنموا * بفصيح شعري في الإمام العادل) (واستحسن الفصحاء شأن قصيدة * لأجل ممدوح وأفصح قائل) (وترنحت أعطافهم فكأنما * في كل قافية سلافة بابل) (ثم انثنوا غب القريض وضمنه * يتساءلون عن الندى والنائل) (هب يا أمير المؤمنين بأنني * قص الفصاحة ما جواب السائل) الكامل وكانت وفاة أبي القاسم بن الفضل في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ومن شعر أبي القاسم هبة الله أنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم الحلبي قال أنشدني بديع الدين أبو الفتح منصور بن أبي القاسم بن عبد الله بن عبد الدائم الواسطي المعروف بابن سواد العين قال أنشدني أبو القاسم هبة الله بن الفضل لنفسه (في العسكر المنصور نحن عصابة * مرذولة أخسس بنا من معشر) (خذ عقلنا من عقدنا فيما ترى * من خسة ورقاعة وتهور) (تكريت تعجزنا ونحن بجهلنا * نمضي لنأخذ ترمذا من سنجر)
382 (أما الحويزي الدعي فإنه * دلو يشوب تكبرا بتمسخر) (يكنى أبا العباس وهو بذلة * حكمت عليه وأسجلت بمعمر) (في كف والده وفي أقدامه * آثار نيل لا يزال وعصفر) (يمشي إلى حجر القيان بنشطة * ويدب في المحراب نحو المنبر) (وحديثه في الحق أو في باطل * لم يخله من وحشة وتمهزر) (وإذا رأى البركيل يرعد خيفة * ذي الهاشمية أصلها من خيبر) (نسب إلى العباس ليس شبيهه * في الضعف غير الباقلاء الأخضر) (والحيص بيص مبارز بقناته * وأنا بشعشعتي طبيب العسكر) (هذاك لا يخشى لتقل بعوضة * وأنا فلا أرجى لبرء مدبر) (أجري بمبضعي الدماء وسيفه * في العمد لم يعرض لظفر الخنصر) (لقرينه في الحرب طول سلامة * وصريع تدبيري بوجه مدبر) الكامل وأنشدني أيضا قال أنشدني البديع أبو الفتح الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه يمدح سديد الدولة أبا عبد الله محمد بن الأنباري كاتب الإنشاء ببغداد (يا من هجرت فما تبالي * هل ترجع دولة الوصال) (ما أطمع يا عذاب قلبي * أن ينعم في هواك بالي) (الطرف من الصدود باك * والجسم كما ترين بالي) (والقلب كما عهدت صاب * باللوعة والغرام صالي) (والشوق بخاطري مقيم * ما يؤذن عنه بارتحال) (يا من نكأت صميم قلبي * بالحزن وصورة الخبال) (هيهات وقد سلبت غمضي * أن أظفر منك بالخيال) (لو شئت وقفت عند حد * لا يسمح منك في الدلال) (ما ضرك أن تعلليني * في الوصل بموعد محال) (أهواك وأنت حظ غيري * يا قاتلتي فما احتيالي) (والقتل لظاهري شعار * أن أنت عززت باختيال) (ذا الحكم علي من قضاة * من أرخصني لكل غالي)
383 (أيام عنائي فيك سود * ما أشبههن بالليالي) (واللوم فيك يزجروني * عن حبك ما لهم ومالي) (العشق به الشغاف أضحى * عن ذكر سواك في اشتغال) (والنار وإن خبت لظاها * في الصدر تشب باشتعال) (يا ملزمي السلو عنهما * الصب أنا وأنت سالي) (والقول بتركها صواب * ما أحسنه لو استوى لي) (دعني وتغزلي بخود * ترنو وتغن عن غزال) (حوراء لطرفها سهام * أمضى وأمض من نبال) (في القلب لوقعها جراح * لا برء لها من اغتيال) (فارحم قلقا بها وقيذا * واعذره فما العذار خالي) (ما يجمل أن تلوم صبا * إن هام بربة الجمال) (إياك وخلني وويلي * في الوجد مسلما لحالي) (إن كنت تعده صلاحا * دعني فهداي في ضلالي) (في طاعتها بلا اختياري * قد صح بعشقها اختلالي) (طلقت تجلدي ثلاثا * والصبوة بعد في حبالي) (من أين وكيف لي بصبر * عن حسن بعيدة المثال) (لم أحظ بطائل لديها * إلا بزخارف المحال) (كم قد نكلت عقيب عهد * فالقلب لذاك في نكال) (كما غرني الخداع منها * في القاع على ظمأ الزلال) (هلا صدقت كأريحي * من أكرم معشر وآل) (راجية لديه في جناب * بالأنعم سابغ الظلال) (ما الغيث يسح من يديه * كالغيث يسح في الفعال) (من موئله ذرى سديد * الدولة ذي الندى المدال) (لا تطمع أن تنال منه * بالضيم مرادها الليالي) (والغدر لعله حمام * قد رقن له بلا المنذال) (تسقيه يد النجاح منها * ما شاء ببارد زلال) (في ربع مهنأ العطايا * في الأزمة مسبل العزالي) (أستصرخ منه حين أشقى * بالشدة أرحم الموالي)
384 (من جود يديه لي كفيل * في القحط براتب العيال) (لا ينظر في سوى صلاحي * إن أبصرني بسوء حال) (ما زال ولا يزال طبعا * يعطي كرما ولا يبالي) (لا يعجبه ملام ناه * في الذب عن العلى بمال) (فالسؤدد شمله جميع * في دار مفرق النوال) (من يلق محمدا بمدح * يحمده بأحسن الخلال) (والوجد بغادة رداح * فالأعظم منه كالخلال) (والجود بكف ذي سماح * من خير مناقب الرجال) (مولاي نداء مستجير * يدعوك لدائه العضال) (يا أكرم منعم عليه * في دفع مآربي اتكالي) (دبر محني لعل جرحي * يجبره نداك باندمال) (كم أوقفني غريم سوء * في حال وقوفه حيالي) (كالمفلس من يهود هطرى * في قبضة عامل الجوالي) (ما صح لي الخلاص منه * إلا بصحاحك الثقال) (والعادة في صلاح عدمي * في العود لمثلها سؤالي) (تقريظك ما حييت دأبي * بالظاء على فراغ بالي) (ما أكحل بالهجاء لكن * بالقصد لكفك اشتغالي) (فالعرض أرده سمينا * والكيس محالف الهزال) (من دبر هكذا مزاجا * بالحذق لصورة الكمال) (فالصبغ إذا أتاه عفوا * وافاه برزقه الحلال) (يا خير مؤمل إليه * شددت بمدائحي رحالي) (لم يقضك خاطري حقوقا * مذ أصبح ظاهر الكلال) (أن أثن عليك أبدا عجزا * عن نعت معظم الجلال) (أوصافك في الفخار جازت * في الكثرة عدة الرمال) (فالخط طوالها قصار * عن خطك ساعة النزال) (كم راع بك القنا يراع * في كفك واسع المجال) (أقلامك أسهم قواض * والنقش لهن كالنصال) (تقضي ثعل لها بفخر * والقارة ساعة النضال) (لو شاجرت الرماح كانت * في الروع لكفها العوالي)
385 (أو صافحت الصفاح فلت * غربي متشعشع الصقال) (أو حبرت المثالث أبدت * ما دق وجل عن مثال) (تملى فقرا من المعاني * سددن مفاقر المعالي) (ينفثن على الصباح ليلا * ناهيك بسحرها الحلال) (كتب ضمنت بلا اشتراط * تمزيق كتائب جلال) (هاروت إذا أتته ولى * لا يخطر بابلا ببال) (فيها سبح على لجين * أسنى قيما من اللآلي) (في النشر كأوجه العذارى * غلفن بفاخر الغوالي) (ألفاظك للوعول حطت * مستنزلة من الفلال) (بالكيد تقتل الأعادي * في السلم لها بلا قتال) (كم رضت من الورى جموحا * للعقل فعاد في عقال) (لا زلت موفق المساعي * بالجد مشفع السؤال) (تنقاد لك الأمور طوعا * يا خير بقية الرجال) (يا أكرم والد لنجل * يتلوه مهذب الخلال) (أكرم بفتاك من ولي * للدولة مخلص موال) (إن جاد يخجل الغوادي * أو قال أجاد في المقال) (يا شمس علا زهت ببدر * حاشاه يقاس بالهلال) (لا زال مشرقا منيرا * في ظلك دائم الكمال) (ما عادك بالسرور عيد * ترعاه بأحسن اشتمال) (في أسبغ نعمة وعيش * بالطيبة دائم التوالي) (لا زال علاك في ثبات * لا يسلمه إلى زوالي) (عن أخلص نية بصدق * في طول بقائك ابتهالي) (ما يلتبس الصحيح يوما * تالله عليك بالمحال) وأنشدني أيضا قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه (لا أمدح اليأس ولكنه * أروح للقلب من المطمع) (أفلح من أبصر عشب المنى * يرعى فلم يرع ولم يرتع) السريع وأنشدني أيضا قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه (يا معشر الناس النفير النفير * قد جلس الهردب فوق السرير) (وصار فينا آمرا ناهيا * وكنت أرجو أنه لا يصير) (فكلما قلت قذى ينجلي * وظلمة عما قليل تنير) (فتحت عيني فإذا الدولة * الدولة والشيخ الوزير الوزير) السريع وأنشدني أيضا قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه وقال في الحيص بيص الشاعر وكانت قد نبحت عليه كلبة مجرية فقتل جروا لها بالسيف (يا أيها الناس إن الحيص بيص أتى * بفعلة أورثته الخزي في البلد) (هو الجبان الذي أبدى شجاعته * على جري ضعيف البطش والجلد) (فأنشدت أمه من بعدما احتسبت * دم الابليق عند الواحد الصمد) (أقول للنفس تأساء وتعزية * إحدى يدي أصابتني ولم ترد) (كلاهما خلف من فقد صاحبه * هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي) البسيط وأنشدني أيضا قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه (يا ابن المرخم صرت فينا حاكما * خرف الزمان تراه أم جن الفلك) (إن كنت تحكم بالنجوم فربما * أما شريعة أحمد من أين لك) الكامل وأنشدني أيضا قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه يهجو البديع الاصطرلابي (لا غرو أن دهي الحجيج وإن * رموا منه بنكبه) (حج البديع وعرسه * وفتاه فانظر أي عصبة) (فثلاثة من منزل * علق وقواد وقحبة) الكامل المرفل ومن شعر أبي القاسم هبة الله بن الفضل أيضا قال يهجو أمين الدولة بن التلميذ (هذا تواضعك المشهور عن ضعة * قد صرت فيه بفضل اللؤم متهم)
387 (قعدت عن أمل الراجي وقمت له * هذا وثوب على القصاد لا لهم) البسيط وقال أيضا (غزال قط لا يهوى * سوى المطبوعة التبر) (ولا يعجبه المطبوع * من نظمي ولا نثري) الهزج وقال أيضا (أحسنت يا عسكر دين الهدى * منهزما في خمسمائة ألف) (كأنه الحبال في سيره * يزداد إقداما إلى خلف) السريع وقال أيضا (ألا قل ليحيى وزير الأنام * محوت الشريعة محو السطور) (كسرت الصحاح بتصحيحها * وأصبحت تضربها في الجذور) (وما أن قصدت لتهذيبها * ولكن لتهذي بها في الصدور) المتقارب وقال أيضا (وقالوا قد تحجب عنك مولى * وصار له مكان مستخص) (فقلت سيفتح الأقفال شعري * ويدخلها فإن البرد لص) الوافر وقال يمدح الدواء المعروف ببر شعثا لما ألف تركيبه أوحد الزمان (تجرعت برشعثا وحالي أشعث * فما نزلت بي بعده علة شعثا) (ولو بعد عيسى جاز إحياء ميت * لا صبح يحيا كل ميت ببرشعثا) الطويل وقال أيضا (هذا يقول استرحنا * وذا يقول عصينا) (ويكذبان ويهذي * الذي يصدق منا) المجتث وقال أيضا (كم ترددت مرارا * وتجرعت مراره)
388 (ثم لما وفق الله * ووقعت بكاره) (لم يكن فيها من الحنطة * ما تقرض فاره) الرمل وقال أيضا (أمدحه طورا وأهذي به * طورا ولا أطمع في رفده) (مثل إمام بين أهل القرى * صلى بهم والزيت من عنده) السريع وقال أيضا (يا خائف الهجو على نفسه * كن في أمان الله من مسه) (أنت بهذا العرض بين الورى * مثل الخرا يمنع من نفسه) السريع وقال أيضا (كلما قلت قد تبغدد * قومي تحمصصوا) (ليس إلا ستر يشال * وباب مجصص) (والغواشي على الرؤوس * عليها المقرنص) (وأنا الكلب كل يوم * لقرد أبصبص) (كلما صفق الزمان * لهم قمت أرقص) (فمتى اسمع النداء * وقد جاء مخلص) الخفيف ولأبي القاسم هبة الله من الكتب تعاليق طبية مسائل وأجوبتها في الطب ديوان شعره العنتري هو أبو المؤيد محمد بن المجلي بن الصائغ الجزري كان طبيبا مشهورا وعالما مذكورا حسن المعالجة جيد التدبير وافر الفضل فيلسوفا متميزا في علم الأدب وله شعر كثير في الحكمة وغيرها
389 وحدثني الحكيم سديد الدين محمود بن عمر رحمه الله أن العنتري كان في أول أمره يكتب أحاديث عنتر العبسي فصار مشهورا بنسبته إليه ومن كلامه في الحكمة قال بني تعلم العلوم فلو لم تنل من الدنيا إلا الغنى عمن يستعبدك بحق أو بباطل وقال بني أن الحكمة العقلية تريك العالم يقادون بأزمة الجهل إلى الخطأ والصواب وقال الجاهل عبد لا يعتق رقه إلا بالمعرفة وقال الحكمة سراج النفس فمتى عدمتها عميت النفس عن الحق وقال الجاهل سكران لا يفيق إلا بالمعرفة وقال الحكمة غذاء النفس وجمالها والمال غذاء الجسد وجماله فمتى اجتمعا للمرء زال نقصه وتم كماله ونعم باله وقال الحكمة دواء من الموت الأبدي وقال كون الشخص بلا علم كالجسد بلا روح وقال الحكمة شرف من لا شرف له قديم وقال الأدب أزين للمرء من نسبه وأولى بالمرء من حسبه وأدفع عن عرضه من ماله وأرفع لذكره من جماله وقال من أحب أن ينوه باسمه فليكثر من العناية بعلمه وقال العالم المحروم أشرف من الجاهل المرزوق وقال عدم الحكمة هو العقم العظيم وقال الجاهل يطلب المال والعالم يطلب الكمال وقال الغم ليل القلب والسرور نهاره وشرب السم أهون من معاناة الهم ومن شعر أبو المؤيد محمد بن المجلي بن الصائغ المعروف بالعنتري أنشدني إياه الحكيم سديد الدين محمود بن عمر بن رقيقة قال أنشدني مؤيد الدين ولد العنتري قال أنشدني والدي لنفسه (احفظ بني وصيتي واعمل بها * فالطب مجموع بنص كلامي) (قدم على طب المريض عناية * في حفظ قوته مع الأيام) (بالشبه تحفظ صحة موجودة * والضد فيه شفاء كل سقام) (أقلل نكاحك ما استطعت فإنه * ماء الحياة يراق في الأرحام) (واجعل طعامك كل يوم مرة * واحذر طعاما قبل هضم طعام) (لا تحقر المرض اليسير فإنه * كالنار يصبح وهي ذات ضرام) (وإذا تغير منك حال خارج * فاحتل لرجعة حل عقد نظام)
390 (لا تهجرن القيء واهجر كل ما * كيموسه سبب إلى الإسقام) (إن الحمى عون الطبيعة مسعد * شاف من الأمراض والألام) (لا تشربن بعقب أكل عاجلا * أو تأكلن بعقب شرب مدام) (والقيء يقطع والقيام كلاهما * بهما وليس بنوع كل قيام) (وخذ الدواء إذا الطبيعة كررت * بالاحتلام وكثرة الأحلام) (وإذا الطبيعة منك نقت باطنا * فدواء ما في الجلد بالحمام) (إياك تلزم أكل شيء واحد * فتقود طبعك للأذى بزمام) (وتزيد في الأخلاط أن نقصت به * زادت فنقص فضلها بقوام) (والطب جملته إذا حققته * حل وعقد طبيعة الأجسام) (ولعقل تدبير المزاج فضيلة * يشفى المريض بها وبالأوهام) الكامل أقول وهذه القصيدة تنسب أيضا إلى الشيخ الرئيس ابن سينا وتنسب إلى المختار بن الحسن بن بطلان والصحيح أنها لمحمد بن المجلي لما قدمته من إنشاد سديد الدين محمود بن عمر لي مما أنشده مؤيد الدين بن العنتري لوالده مما سمعه منه ووجدت العنتري أيضا ذكرها في كتابه المسمى بالنور المجتنى وقال أنها له وقال أيضا أنشدنيها سديد الدين (وجودي به من كل نوع مركب * من العالم المعقول والمتركب) (فذهني مشكاة ونفسي زجاجة * تضيء بمصباح الحجا المتلهب) (ونوري من النور الإلهي دائما * يصب على ذاتي بغير تسكب) (وزيتي من الزيتونة العذب دهنها * تنزه عن وصف بشرق ومغرب) (كأني في وصفي منارة راهب * بقنديلها الشفاف أشرف كوكب) الطويل وقال أيضا (إذا إن غدا والنفس منه كجنة * يغرد في أرجائها كل طائر) (تدبرت السبع الطباق وفارقت * على شرف منها سجون العناصر) الطويل وقال أيضا (كأننا ممتزج لم يزل * من عالم النير والمظلم) (فبعضنا يختارها داره * وبعضنا يرقى إلى الأنجم) السريع
391 وقال أيضا (الحق ينكره الجهول لأنه * عدم التصور فيه والتصديقا) (فهو العدول لكل ما هو جاهل * فإذا تصوره يعود صديقا) الكامل وقال أيضا (لو كنت تعلم كل ما علم الورى * جمعا لكنت صديق كل العالم) (لكن جهلت فصرت تحسب كل من * يهوى خلاف هواك ليس بعالم) (استحبي أن العقل أصبح ضاحكا * مما تقول وأنت مثل النائم) (لو كنت تسمع ما سمعت وعالما * ما قد علمت خجلت خجلة نادم) (وضع الإله الخلف في كل الورى * بالطبع حتى صار ضربة لازم) الكامل وقال أيضا (أبلغ العالمين عني بأني * كل علمي تصور وقياس) (قد كشفت الأشياء بالفعل حتى * ظهرت لي وليس فيها التباس) (وعرفت الرجال بالعلم لما * عرف العلم بالرجال الناس) الخفيف وقال أيضا (قالوا رضيت وأنت اعلم ذا الورى * بحقائق الأشياء عن باريها) (تجتاب أبواب الخمول فقلت عن * كره ولست بجاهل راضيها) (لي همة مأسورة لي صادفت * سعدا بغير عوائق تثنيها) (ضاق الفضاء بها فلا يسطيعها * لعلوها الأفلاك أن تحويها) (ما للمقاصد جمة ومقاصدي * ناط القضاء بها الفضا والتيها) (أطوي الليالي بالمنى وصروفها * تنشرنني أضعاف ما أطويها) (إني على نوب الزمان لصابر * أما سيفنى العمر أو يفنيها) (أما الذي يبقى فقد أحرزته * والفانيات فما أفكر فيها) الكامل وقال أيضا (بني كن حافظا للعلم مطرحا * جميع ما الناس فيه تكتسب نسبا) (فقد يسود الفتى من غير سابقة * للأصل بالعلم حتى يبلغ الشهبا) (غذ العلوم بتذكار تزد أبدا * فالنار تخمد مهما لم تجد حطبا) (إني أرى عدم الإنسان أصلح من * عمر به لم ينل علما ولا نسبا)
392 (قضى الحياة فلما مات شيعه * جهل وفقر فقد قضاهما نصبا) البسيط وقال أيضا (كن غنيا إن استطعت وإلا * كن حكيما فما عدا ذين غفل) (إنما سؤدد الفتى المال والعلم * وما ساد قط فقر وجهل) الخفيف وقال أيضا (أقسم العمر ثلاثا واستمع * يا بني النصح مني والرشادا) (فاطلب الحكمة في أوله * واحرز العلم وجب فيه البلادا) (واكسب الأموال في الثاني وكل * واشرح الراح ولا تبغ الفسادا) (وترقب آخر العمر فإن * جاءك الموت فقد نلت المرادا) (وإن إعتاقك في إحداهما * طارق الموت فقد حزت الجهادا) (هذه سيرة مسعود بها * نال في الدنيا وفي الأخرى السدادا) الرمل وقال أيضا (بني تعلم حكمة النفس أنها * طريق إلى رشد الفتى ودليل) (ولا تطلب الدنيا فإن كثيرها * قليل وعما رقدة فتزول) (فمن كان في الدنيا حريصا فإنه * يظل كئيب القلب وهو ذليل) (ومن يترك الدنيا وأصبح راهبا * فما للأذى يوما إليه سبيل) الطويل وقال أيضا (نفسي تطالبني بما في طبعها * والعقل يزجرها عن الشهوات) (والنفس تعلم أن ذلك واجب * والطبع يجذبها إلى العادات) (والطبع يقصر عن مراد كليهما * فكلاهما وقف على الحسرات) (والنفس من خمر الحياة وسكرها * ستفيق بين عساكر الأموات) الكامل وقال أيضا (لا تدنين فتى يودك ظاهرا * حبا وضد وداده في طبعه) (واهجر صديقك أن تنكر وده * فالعضو يحسم داؤه في قطعه) الكامل
393 وقال أيضا (من لزم الصمت اكتسى هيبة * تخفي عن الناس مساويه) (لسان من يعقل في قلبه * وقلب من يجهل في فيه) السريع وقال أيضا (عدل مزاجك ما استطعت ولا تكن * كمسوف أودى به التخليط) (واحفظ عليك حرارة برطوبة * تبقى فتركك حفظها تفريط) (واعلم بأنك كالسراج بقاؤه * ما دام في طرف الذبال سليط) الكامل وقال أيضا (ثقلة الجسم يستمد غذاه * طلبا منه للبقا والدوام) (هو لما رأى التحلل طبعا * أخلف المثل بالغذا والطعام) الخفيف وقال أيضا (ومخطف الخصر زارنا سحرا * في غنج عينيه سحر هاروت) (يحمل تفاحة موردة * كدرة رصعت بياقوت) (كأنها النجم في توقده * قارن بدر السماء في حوت) المنسرح وقال أهدى إلي بالرحبة بشر بن عبد الله الكاتب طبقا من تفاح لم أشاهد مثله حمرة وندا فكتبت إليه وقد كان طلب مني تشبيها في التفاح فقلت له إذا حضر عملت فيه تشبيها فنفذ ذلك فكتبت إليه (هبا فإن الديك هب وصاحا * جنح الظلام واسقياني الراحا) (راح تريح من الهموم وطبعها * ينفي السقام وينعش الأرواحا) (أهدي الرئيس وفي نداه سجية * تهدي النفائس غدوة ورواحا) (طبقا من التفاح إني لم أزل * أهوى الثمار وأعشق التفاحا) (إن الطبيعة والمزاج تشاركا * في الكون لما أوجداه سماحا) (صاغاه كالكافور لكن جلده * قد ألبساه من النجيع وشاحا) (فكأنه من لون حبي قابس * وكأنه من نشر بشر فاحا) الكامل
394 وقال في النارنج (سقياني من مخدرات الدنان * بنت كرم حمراء كالأرجوان) (وأدرها في مجلس ارهجته * نغمات النايات والعيدان) (وكأن الكؤوس فيه نجوم * أطلعتها أيدي البدور الحسان) (وابتدت بعد قطعها فلك السعد * جميعا تغيب في الأبدان) (وكأن النارنج بين الندامى * أكرا مثلت من الزعفران) الخفيف وقال في الرمان الحامض (وشادن أبلج كالبدر * نادمته ليلا إلى الفجر) (بات به يصرف عنه الأذى * بنهل كاسات من الخمر) (ينتقل الرمان في أثرها * مخافة من ضرر السكر) (كأنه وهو خبير به * يكسر الياقوت بالدر) السريع وقال أيضا (وبابلي اللحاظ كالقمر * أصبح في الأرض فتنة البشر) (أولاه فيض الجمال أجمعه * والحسن والظرف واهب الصور) (خشيت من عقرب به قمر * فكيف بالعقربين في قمر) المنسرح وقال أيضا (ومفهف يغشى العيون غريقه * في لج ماء الحسن منه وموجه) (قلم الطبيعة خطه والمشتري * يملي عليه عطارد من أوجه) الكامل وقال في غلمان يسبحون بدجلة (وسرب غيد بشاطئ دجلة خرجوا * عن الثياب وألقوا سائر الكلف) (كأنهم وسط لج الماء أجمعهم * در تجرد في بحر عن الصدف) البسيط وقال في غلام في الحمام (جردته الحمام من كل ثوب * وأرتني منه الذي كان قصدي) (بدنا كالصباح من تحت ليل * حالك اللون أسود غير جعد)
395 (سكب الماء فوق جسم حكى * الفضة حتى اكتسى غلالة ورد) الخفيف وقال وكتبها إلى صديق (جاء شعبان منذرا بالصيام * فاسقياني راحا بماء الغمام) (خندريسا كأنها الشمس لونا * وضياء أسفى من الأوهام) (واسقني من يمين أغيد ريم * من بني الترك مثل بدر التمام) (فكأن الصهباء في الحسن والساقي * بها والحباب فوق المدام) (شمس ظهر في كف بدر عليها * سمط در حكى نجوم الظلام) (سيما والربيع بالورد عاف * يومه يشترى بسبعين عام) الكامل وقال أيضا (كتبت وبي من لاعج الشوق والأسى * إليك جوى يوهي القوى والقوادما) (ولولا الرجا أن يجمع الله بيننا * كأحسن ما كنا أتيتك قادما) (ولكنني أدعو إلى الواحد الذي * يرى كل شيء أن يردك سالما) الطويل وقال أيضا (يا من تربع جلقا وغدا * يدعى من السعداء عش أبدا) (لا تطلبن بغيرها بدلا * هي جنة الله التي وعدا) (قض الزمان ولا تبع طمعا * نقدا بوعد ترتجيه غدا) (واشرب بها صفراء صافية * تنفي الهموم وتسلب الكمدا) (راحا إذا بزلت بانية * قذفت على حافاتها الزبدا) (فالعاقل الفطن اللبيب إذا * نال المنى في منزل قعدا) (إني لا هوى شرب صافية * مقطوبة في الكأس من بردى) (من كف من يهوى الفؤاد بها * تسعى بها والليل قد بردا) (تسقي ندامي كالنجوم غدوا * بيض الوجوه تخالها بردا) (ما نلتقي إلا حليف حجى * يلقي العلوم وشاديا غردا) الكامل
396 وقال أيضا (سلام كأنفاس الرياض بعالج * يبلغه ريح الصبا أرض جلق) (إلى ساكن فيها وفي القلب مثله * مقيما به عقلا إلى حين نلتقي) (إلى جنة الدنيا جميعا وليتني * أنخت بها يوما من الدهر أينقي) (وأنت بها فالراح غير لذيذة * بغير نديم خالص الود مشفق) (سميع مطيع للأخلاء قد صفا * بغير قذى صفو الشراب المعتق) (وإني ليدعوني الهوى كل ساعة * إليك وتغريد الحمام المطوق) (سلام من الشعرى اليماني دائما * إلى تربها الشامية المتألق) (وإن مزق الدهر المعاند شملنا * فإن ودادي ليس بالمتمزق) (وبدلني بالصد منك فحالتي * كحالة مأسور بغربة موثق) (ومن نكد الدهر الغشوم وصرفه * يجاور رغما فيلسوف لأحمق) الطويل وقال أيضا (يا حجة الدين سر بالله معتصما * ولا تكن لفراق حم ذا أسف) (فللكواكب عذر في تنقلها * عن البيوت لكي تحتل بالشرف) (الدر لولا نحور الغيد ما خرجت * به المقادير أحيانا من الصدف) (فأقبل إلى ملك ما نال غايته * وما حواه ملوك الأرض في السلف) (هو الهيولى وأنت الجسم تقبل * أصناف المعالي قبولا غير مختلف) البسيط وقال استدعاني الرضا وزير الجزيرة في ليلة ممطرة فكتبت إليه مع الغلام (قل للوزير أدام الله نعمته * في دولة أمرها في الحضر والبادي) (بعثت في طلبي والغيث منسكب * والوحل قد كف سير الرائح الغادي) (وقد رددت الذي نفذت في طلبي * فابعث إلي بمركوب ولباد) البسيط فبعث إليه ما أراد وقال وكتبه إلى بعض الكتاب (دعني من المطل الذي لا ينقضي * أبدا وسقم القلب بالتعليل)
397 (قل لي نعم أو لا بغير توقف * فاليأس أروح لي من التطويل) (لأكون من طمعي الكذوب كمن رأى * أضغاث أحلام بلا تأويل) الكامل وقال يهجو علي بن مسهر الشاعر (ما ولدت سعلاء من جن عبقر * بأقبح شخص من علي بن مسهر) (له هامة صلعاء من فوق قامة * مقوسة حدباء في دور خنصر) (بها جعل ما بين فكيه كامن يزج * الخرا من فيه في كل محضر) (ولما شكى داء قديما بدبره * إلى وداء من فم منه ابخر) (فقلت دواء الدبر طعنه أجرد * عريض القفا عريان أقرع أعور) (تناك به من بين فخذي موسوس * به جنة كالعير هوج أير) (وما يشتكي فوك الخبيث دواؤه * بمسواك جعس مجه حجر خيبري) (وكل من جوارشن البطون فإنه * لدائك أشفى من جوارشن قيصر) (ففيك من العاهات ما لو تقسمت * على الخلق جمعا لم تجد غير مدبر) الطويل وقال في المرأة (قد أقبلت غولة الصبايا * تنظر عن معلم النقاب) (فقلت من أعظم الرزايا * قفل على منزل خراب) (أحسن ما كنت في عباة * ملفوفة الرأس في جراب) البسيط وقال يمتدح فضيلة الشرع (أن الشريعة ألفت بصلاحها * للعالم المتضادد المتمازج) (الشرع أصلح كل غاو مارد * وأمات شرة كل جان مارج) (لولا الشريعة ما تجمع واستوى * شمل الورى ومنوا بشر هائج) (أن الشريعة حكمة ومنافع * لمداخل ومصالح لمخارج) (والعقل نور الله إلا أنه * للعالم المحسوس غير ممازج) (فمتى اكتفيت بفعل عقل داخل * فسدت أمورك كلها من خارج) (الأنبياء كواكب تهدي إلى * سبل الهدى لذوي السرى والدالج) الكامل
398 وقال حين ترك الخمر وتاب عنه وعن المدح بالشعر (نار الحميا ونار الفكر مذ نهكا * جسمي تركت الحميا خشية النار) (والكاس بالطبع تصدي عقل شاربها * والسكر يسلب منه حكمة الباري) البسيط وقال أيضا (صددت عن الصهباء لما وجدتها * منافرة مني طباعي وأخلاقي) (وعوضت عنها النفس كاسات حكمة * تعللتها فازددت شوقا إلى الساقي) الطويل وللعنتري من الكتب كتاب النور المجتنى من روض الندما وتذكار الفضلاء الحكما ونزهة الحياة الدنيا رتبة على فصول السنة وضمنه إشعارا وفوائد حسنة لجماعة من الأدباء ولنفسه أيضا وأبان فيه عن فضل كتاب الجمانة في العلم الطبيعي والإلهي كتاب الأقراباذين وهو أقراباذين كبير استقصى فيه ذكر الأدوية المركبة وأجاد في تأليفه رسالة الشعرى اليمانية إلى الشعرى الشامية كتبها إلى عرفة النحوي بدمشق جوابا عن رسالة كتبها إليه من دمشق رسالة حركة العالم يهنئ بها وزيرا استدعي إلى وزارة بلد آخر وهو حجة الدين مروان لما وزره أتابك زنكي بن آق سنقر رسالة الفراق ما بين الدهر والزمان والكفر والإيمان رسالة العشق الإلهي والطبيعي أبو الغنائم هبة الله بن علي بن الحسين بن أثردى من أهل بغداد متميز في الحكمة فاضل في صناعة الطب مشهور بالجودة في العلم والعمل ولأبي الغنائم هبة الله بن علي بن أثردى من الكتب تعاليق طبية وفلسفية مقالة في أن اللذة في النوم في أي وقت توجد منه وألف هذه المقالة لأبي نصر التكريتي طبيب الأمير ابن مران علي بن هبة الله بن أثردى هو أبو الحسن علي بن هبة الله بن علي بن أثردى من أهل بغداد طبيب فاضل مشهور بالتقدم في صناعة الطب وجودة المعرفة لها حسن المعالجة جيد التصنيف ولعلي بن هبة الله بن أثردى من الكتب شرح كتاب دعوة الأطباء ألفه لأبي العلاء محفوظ بن المسيحي المتطبب سعيد بن أثردى هو أبو الغنائم سعيد بن هبة الله بن أثردى من الأطباء المشهورين ببغداد وكان ساعور البيمارستان العضدي ومتقدما في أيام المقتفي بأمر الله
399 أبو علي الحسن بن علي بن أثردى فاضل في صناعة الطب جيد الأعمال حسن المعالجة وكان من المشكورين ببغداد جمال الدين علي بن أثردى هو جمال الدين أبو الحسن علي بن أبي الغنائم سعيد بن هبة الله بن علي بن أثردى فاضل في صناعة الطب عالم بها متميز في علمها وعملها كان همام الدين العبدي الشاعر قد استعار من جمال الدين علي بن أثردى كتاب مسائل حنين فقال يمدحه ويشعره بأن المسائل العارية قد وقع عليها اختياره على سبيل الدعابة وذلك في سنة ثمانين وخمسمائة (حياك رقراق الحيا * عني وخفاف النسيم) (فلأنت ذو الخلق الكريم * وأنت ذو الخلق الوسيم) (غدق الأنامل بالندى * لبق الشمائل بالنعيم) (ما افتر إلا فر جيش * دجنة الليل البهيم) (نضر الفكاهة كالحمام * جرى على زهر الجميم) (ويسير أوقات الثراء * كثير أفراح النديم) (لا بالملول ولا الجدول * ولا الجهول ولا المليم) (بل يشفع القول اللطيف * بوافر الطول الجسيم) (ناد الورى مستصرخا * هل من صديق أو حميم) (حمال أعباء القرين * منيع أكناف الحريم) (وادع الكرام ولن يجيب * سوى أبي الحسن الحكيم) (سمعا جمال الدين قول * مصاحب الود السليم) (هل للمسائل رجعة * يوما إلى الوطن القديم) (هيهات أعوز ما يروم * الفحل إلقاح العقيم) (بيني وبينك وصلة * الإفضال والفضل العميم) (والوصلة العظمى حميد * ولاية النبأ العظيم) (إنا ليجمعنا الولاء * على صراط مستقيم) الكامل المرخل وقال أيضا يمدحه (سل لم جفا جفني الوسن * بعد بعاد من ظعن)
400 (ومن نأى بالصبر لم * غادر في قلبي الحزن) (وقل لمن خال الهوى * قل لي على البعد وطن) (لم يبعد الوجد الذي * خلفه البين ولن) (ولن ترى جوانحي * ساكنة بعد سكن) (يا من يظن الحب من * أيسر أحداث الزمن) (الحب ما صير ثوب * المرء للمرء كفن) (لا ما أسال مدمعا * أو جعل السر علن) (أما وممشوق القوام * ناعس الطرف أغن) (ينص جيد مطفل * تنشد خشفا ما شدن) (إني لاشتاق فتى * لا يتبع المن منن) (ولن ترى أحسن من * شوقي إلى أبي الحسن) (مفتتن به فتى * لولا هواه ما افتتن) (أحن شوقا وجوى * فليته اشتاق وحن) (ولا أزال سائلا * عنه فهل يسأل عن) (هيهات أين ذو خلا * من ذي غرام وشجن) (أخو الهوى ليس له * من أسهم الوجد جنن) (تكاد تجري نفسه * لولا ارتباط بالبدن) (وكيف لا أعشق معسول * العطاء واللسن) (للمجد ما جاد به * وللسماح ما خزن) (فسمحه ذكاؤه * وللسماحات فطن) (لا ثل عرش سعده * ولا وهى ولا وهن) (أحمده لا طالبا * منه على الحمد ثمن) (ولا وداد من نأى * عن الظباء والضبن) (فابق لنا ما سجعت * حمامة على فنن) (وامض كما تؤثر من * نهج العلى على سنن) (وليهنك العيد الذي * به العداة لم تهن) الرجز
401 فخر الدين المارديني هو الإمام فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن عبد الساتر الأنصاري كان أوحد زمانه وعلامة وقته في العلوم الحكمية قوي الذكاء فاضل النفس جيد المعرفة بصناعة الطب محاولا لأعمالها كثير التحقيق نزيه النفس محبا للخير متقنا للغة متفننا في العربية مولده في ماردين وأجداده من القدس وكان أبوه قاضيا ولما فتح نجم الدين الغازي بن أرتق القدس بعث جده عبد الرحمن إلى ماردين وقطن بها هو وأولاده وكان شيخ فخر الدين المارديني في الحكمة نجم الدين بن صلاح وهو نجم الدين أبو الفتوح أحمد بن السري وكان عجميا من همذان استدعاه حسام الدين تمرتاش بن الغازي بن ارتق وكان ابن الصلاح فاضلا في الحكمة جيد المعرفة بها خبيرا بدقائقها وأسرارها وله تصانيف في الحكمة وأقام في آخر عمره بدمشق وتوفي رحمه الله في سنة ودفن في مقابر الصوفية عند نهر بانياس بظاهر دمشق وقرأ فخر الدين المارديني صناعة الطب على أمين الدولة بن التلميذ وحدثني الحكيم سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة عن فخر الدين المارديني أنه قرأ كتاب القانون لابن سينا على أمين الدولة بن التلميذ وباحثه فيه وبالغ في تصحيحه وتحريره معه وكان ابن التلميذ يقرأ عليه صناعة المنطق ومما قرأ عليه في ذلك كتاب المختصر الأوسط للجرجاني لابن سينا وأقام فخر الدين بن عبد السلام المارديني في مدينة حيني سنين كثيرة وكان في خدمة نجم الدين بن ارتق قال سديد الدين محمود بن عمر وكان قد صحب فخر الدين المارديني في مدينة حيني وقرأ عليه صناعة الطب ولازمه مدة طويلة ولم يكن يفارقه في سفره ولا حضره إن الشيخ فخر الدين المارديني رحمه الله وصل إلى دمشق وكنت معه في سنة سبع وثمانين وخمسمائة وأقرأ بها صناعة الطب وكان له مجلس عام للتدريس وكان من جملة من اشتغل عليه ولازمه مدة مقامه بدمشق الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وقرأ عليه الشيح مهذب الدين بعض كتاب القانون لابن سينا وصححه معه ولم يزل الشيخ فخر الدين المارديني مقيما بدمشق إلى آخر شهر شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة فإنه توجه قاصدا إلى بلده ولما عزم على السفر أتاه الشيخ مهذب الدين وسأله إن كان يمكنه أن يقيم بدمشق ليتمم عليه قراءة كتاب القانون وأن يكون يوصل إلى وكيله برسم النفقة في كل شهر ثلاثمائة درهم ناصرية فلم يفعل وقال العلم لا يباع أصلا بل من كان معي فإنني اشغله أين كنت ولم يمكن مهذب الدين التوجه معه ولما سافر فخر الدين المارديني من دمشق
402 وكان في طريقه بحلب نفذ إليه الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين واستحضره وأعجبه كلامه فطلب أن يقيم عنده فاعتذر إليه ولم يقبل منه الملك الظاهر ذلك وأطلق له مالا كثيرا وأنعم عليه وكان عظيم المنزلة عنده وبقي في خدمته نحو سنتين ثم سافر إلى ماردين أقول وتوفي فخر الدين المارديني رحمه الله يوم السبت الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وتسعين وخمسمائة بآمد وله من العمر اثنان وثمانون سنة ووقف جميع كتبه في ماردين في المشهد الذي وقفه حسام الدين بن أرتق وكان حسام الدين هذا فاضلا حكيما فيلسوفا وقد وقف أيضا في مشهده كتبا حكمية والكتب التي وقفها الشيخ فخر الدين هي من أجود الكتب وهي نسخه التي كان قد قرأ أكثرها على مشايخه وحررها وقد بالغ في تصحيحها واتقانها وحدثني سديد الدين محمود بن عمر وكان حاضرا عند الشيخ فخر الدين المارديني وقت موته قال لم يزل الشيخ فخر الدين لما أحس بالموت يذكر الله تعالى ويمجده ولم يفتر عن ذلك إلى حين قضى وكان آخر شيء سمعناه منه اللهم إني آمنت بك وبرسولك صدق صلى الله عليه وسلم أن الله يستحي من عذاب الشيخ ولفخر الدين المارديني من الكتب شرح قصيدة الشيخ الرئيس ابن سينا التي أولها (هبطت إليك من المحل الأرفع *) وكان شرحه لهذه القصيدة لما سأله الأمير عز الدين أبو القاسم الخضر بن أبي غالب نصر الأزدي الحمصي ذلك رسالة فضح فيها بعض من اتهمه بالميل إلى مذهب معيب أبو نصر بن المسيحي هو أبو نصر سعيد بن أبي الخير بن عيسى بن المسيحي من المتميزين في صناعة الطب والأفاضل من أهلها والأعيان من أربابها حدثني شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي قال مرض الخليفة الناصر لدين الله في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة مرضا شديدا وكان المرض بالرمل وعرض له في المثانة حصاة كبيرة مفرطة في الكبر واشتد به الألم وطال المرض وكان طبيبه أبو الخير المسيحي وكان شيخا حسنا مسنا وقد خدمه مدة طويلة وكان خبيرا متقنا للصناعة ومات وقد قارب المائة سنة فامتد به المرض وضجر من المعالجات فأشار بأن تشق المثانة لإخراج الحصاة فسأل عن حذاق الجرائحين فأخبر برجل منهم يقال له ابن عكاشة من ساكني الكرخ بجانب بغداد الغربي فأحضر وشاهد العضو العليل وأمره ببطه فقال أحتاج أن أشاور مشايخ الأطباء في هذا فقال له من
403 تعرف ببغداد من صالحي هذه الصناعة فقال يا مولانا أستاذي وشيخي أبو نصر بن المسيحي ليس في البلاد بأسرها من يماثله فقال له الخليفة اذهب إليه ومره بالحضور فلما حضر خدم وقبل الأرض أمره بالجلوس فجلس ساعة ولم يكلمه ولم يأمره بشيء حتى سكن روعه فلما آنس منه ذلك قال له يا أبا نصر مثل نفسك أنك قد دخلت إلى بيمارستان وأنت تباشر به مريضا قد ورد من بعض الضياع وأريد أن تباشر مداواتي وتعالجني في هذا المرض كما تفعل بمن هذه صفته فقال السمع والطاعة ولكني احتاج أن أعرف من هذا الطبيب المتقدم مبادئ المرض وأحواله وتغيراته وما عالج به منذ أول المرض وإلى الآن فاحضر الشيخ أبو الخير وأخذ يذكر له ابتداءات المرض وتغيرات أحواله وما عالج به في أول الأمر وإلى آخر وقت فقال التدبير صالح والعلاج مستقيم فقال الخليفة هذا الشيخ أخطأ ولا بد لي من صلبه فقام أبو نصر بن المسيحي وقبل الأرض وقال يا مولانا بحق نعمة الله عليك وبمن مضى من أسلافك الطاهرين لا تسن على الأطباء هذه السنة وأما الرجل فلم يخطئ في التدبير ولكن لسوء حظه لم ينته المرض فقال قد عفوت عنه ولكن لا يعود يدخل علي فانصرف ثم أخذ أبو نصر في مداواته فسقاه ودهن العضو بالإدهان الملينات وقال له إن أمكن نلاطف الأمر بحيث نخرج هذه الحصاة من غير بط فهو المراد وإن لم تخرج فذلك لا يفوتنا فلم يزل كذلك يومين وفي ليلة اليوم الثالث رمى الحصاة فقيل إنه كان وزنها سبعة مثاقيل وقيل خمسة وقيل إنها كانت على مقدار أكبر نواة تكون من نوى الزيتون وبرأ وتتابع الشفاء ودخل الحمام فأمر أن يدخل أبو نصر إلى دار الضرب ويحمل من الذهب مهما قدر أن يحمله ففعل به ذلك ثم أتته الخلع والدنانير من أم الخليفة ومن ولديه الأميرين محمد وعلي والوزير نصير الدين أبي الحسن ابن مهدي العلوي الرازي ومن سائر كبار الأمراء بالدولة فأما أم الخليفة وأولاده والوزير والشرابي نجاح فكانت الدنانير من كل واحد منهم ألف دينار وكذلك من أكابر الأمراء والباقين على قدر أحوالهم فأخبرت أنه حصل من العين الدنانير عشرين ألف دينار ومن الثياب والخلع جملة وافرة وألزم الخدمة وفرضت له الجامكية السنية والراتب والإقامة ولم يزل مستمرا في الحكمة إلى أن مات الناصر قال وحدثني بعض الأطباء أن ابن عكاشة الجرائحي كان قد نذر عليه أنه يتصدق في بيعة سوق الثلاثاء بالربع مما يحصل له وأنه حمل إلى البيعة مائتين وخمسين دينارا وصرف أبو الخير المسيحي من الخدمة وقد كانت منزلته قبل هذا جليلة عنده ومحله مرتفع ووصله هبات وصلات عظيمة
404 فمن جملتها أنه أعطاه خزانة كتب الأجل أمين الدولة بن التلميذ وكان مرض الناصر مرارا وبرأ على يده فحصل له فيها جمل وافرة ثم توفي الشيخ أبو الخير في أيام الناصر فقيل له إنه قد توفي وترك ولدا متخلفا وجملة عظيمة من المال فقال لا يعترض ولده فيما ورثه من أبيه فما خرج عنا لا يعود إلينا ولأبي نصر بن المسيحي من الكتب كتاب الاقتضاب على طريق المسألة والجواب في الطب كتاب انتخاب الاقتضاب أبو الفرج هو صاعد بن هبة الله بن توما نصراني من أهل بغداد وكان من الأطباء المتميزين والأكابر المتعينين حدثني شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي أنه كان طبيب نجم الدولة أبي اليمن نجاح الشرابي وارتقت به الحال إلى أن صار وزيره وكاتبه ثم دخل إلى الناصر وكان يشارك من يحضر من أطبائه في أوقات أمراضه ثم حظي عنده الحظوة التامة وسلم إليه عدة جهات يخدم بها وكان بين يديه فيها عدة دواوين وكتاب وقتل في سنة عشرين وستمائة وكان سببه أنه أحضر جماعة من الأجناد الذين كانت معايشهم تحت يده وأنه خاطبهم بما فيه بعض المكروه فكمن له منهم اثنان ليلا فقتلاه بالسكاكين واعترضت تركته فأمر الخليفة بأن يحمل ما فيها من المال إلى الخزانة ويبقى القماش والملك لولده قال فأخبرني بعض البغداديين أنه حمل من داره إلى الخزانة من الدنانير العين ثمانمائة ألف وثلاثة عشر ألف دينار وبقي الأثاث والأملاك بما يقارب تتمة ألف ألف دينار فترك لولده أقول ووجدت الصاحب جمال الدين بن القفطي قد حكى من أحوال صاعد بن توما المذكور ما هذا نصه قال كان حكيما طيبا حسن العلاج كثير الإصابة ميمون المعاناة في الأكثر له سعادة تامة في هذا الشأن وكان من ذوي المروءات والأمانات تقدم في أيام الناصر إلى أن كان بمنزلة الوزراء واستوثقه على حفظ أموال خواصه وكان يودعها عنده ويرسله في أمور خفية إلى وزرائه ويظهر له في كل وقت وكان حسن الوساطة جميل المحضر قضيت على يديه حاجات واستكفيت بوساطته شرور وسالمته الأيام مدة طويلة ولم ير له غير شاكر وناشر وكان الإمام الناصر في آخر أيامه قد ضعف بصره وأدركه سهو في أكثر أوقاته لأحزان تواترت على قلبه ولما عجز عن النظر في القصص والانهاءات استحضر امرأة من النساء البغداديات تعرف بست نسيم وقربها وكانت تكتب خطا قريبا من خطه وجعلها بين يديه تكتب الأجوبة والرقاع وشاركها في ذلك خادم اسمه تاج الدين رشيق ثم تزايد الأمر بالناصر فصارت المرأة تكتب الأجوبة بما تراه فمرة تصيب ومرة تخطئ
405 ويشاركها رشيق في مثل ذلك واتفق أن كتب الوزير القمي المدعو بالمؤيد مطالعة وحملها وعاد جوابها وفيه اختلال بين فتوقف الوزير وأنكر ثم استدعى الحكيم صاعد بن توما وأسر إليه ما جرى وسأله عن تفصيل الحال فعرفه ما الخليفة عليه من عدم البصر والسهو الطارئ في أكثر الأوقات وما تعتمده المرأة والخادم من الأجوبة فتوقف الوزير عن العمل بأكثر الأمور الواردة عليه وتحقق الخادم والمرأة ذلك وقد كانت لهما أغراض يريدان تمشيتها لأجل الدنيا واغتنام الفرصة في نيلها فحدسا أن الحكيم هو الذي دله على ذلك فقرر رشيق مع رجلين من الجند في الخدمة أن يغتالا الحكيم ويقتلاه وهما رجلان يعرفان بولدي قمر الدولة من الأجناد الواسطية وكان أحدهما في ا لخدمة والآخر بطالا فرصدا الحكيم في بعض الليالي إلى أن أتى إلى دار الوزير وخرج عنها عائدا إلى دار الخلافة وتبعاه إلى أن وصل باب درب الغلة المظلمة ووثبا عليه بسكينيهما فقتلاه وكان بين يديه مشعل وغلام وانهزم الحكيم لما وقع إلى الأرض بحرارة الضرب إلى أن وصل إلى باب خربة الهراس والقاتلان تابعان له فبصرهما واحد وصاح خذوهم فعادا إليه وقتلاه وجرحا النفاط الذي بين يدي الحكيم وحمل الحكيم إلى منزله ميتا ودفن بداره في ليلته ونفذ من البدرية من حفظ داره وكذلك من دار الوزير لأجل الودائع التي كانت عنده للحرم والحشم الخاص وبحث عن القاتلين فأمر بالقبض عليهما وتولى القبض والبحث إبراهيم بن جميل بمفرده وحملهما إلى منزله ولما كان في بكرة تلك الليلة أخرجا إلى موضع القتل وشق بطناهما وصلبا على باب المذبح المحاذي لباب الغلة التي جرح بها الحكيم وكان موت الحكيم وقتله في ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى سنة عشرين وستمائة أبو الحسين صاعد بن هبة الله بن المؤمل كان نصرانيا وأصله من الحظيرة ونزل إلى بغداد وكان اسمه أيضا ماري وهو من أسماء الكنيسة عند النصارى فإنهم يسمون أولادهم عند الولادة بأسماء فإذا عمدوهم سموهم عند المعمودية باسم من أسماء الصالحين منهم وكان أبو الحسين هذا طبيبا فاضلا وخدم بالدار العزيزة الناصرية الإمامية وتقرب قربا كثيرا وكسب بخدمته وصحبته الأموال وكانت له الحرمة الوافرة والجاه العظيم وكان قد قرأ الأدب على أبي الحسن علي بن عبد الرحيم العصار وعلى أبي محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب النحوي وعلى شرف الكتاب بن حيا وغيرهم وله معرفة تامة بالمنطق والفلسفة وأنواع الحكمة وكان فيه كبر وحمق وتيه وعجرفة وينسب إلى ظلم مفرط ولم يزل على أمره ينسخ بخطه كتب الحكمة ويتصرف فيما هو بصدده من الطب وعلى حالته في القرب إلى أن مات في يوم العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ببغداد ودفن ببيعة النصارى بها
406 ابن المارستانية هو أبو بكر عبيد الله بن أبي الفرج علي بن نصر بن حمزة عرف بابن المارستانية حدثني شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي الكاتب أن ابن المارستانية كان فاضلا في صناعة الطب وأعمالها وسمع شيئا من الحديث وكان عنده تميز وأدب وعمل خطبا قال وكان يعرضها على شيخنا أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري وكان يستجيدها وتولى النظر بالبيمارستان العضدي ثم قبض عليه وحبس به سنتين ثم أفرج عنه وعمل تاريخا لمدينة السلام سماه ديوان الإسلام الأعظم وكتب منه كثيرا ولم يتممه وندب من الديوان في صفر سنة تسع وتسعين وخمسمائة للرسالة إلى تفليس وخلع عليه خلعة سوداء وطيلسان وتوجه إلى هناك فأدى الرسالة وعاد إلى بغداد فتوفي قبل وصوله بموضع يعرف بجرخ بند في ليلة ذي الحجة سنة تسع وتسعين وخمسمائة فدفن هناك ابن سدير هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله من أهل المدائن يعرف بابن سدير وسدير لقب لأبيه وكان طبيبا عالما بصناعة الطب والمداواة ويقول الشعر وكان فيه دماثة ودعابة وتوفي بالمدائن فجأة في العشر الأخير من رمضان سنة ستة وستمائة ومن شعر ابن سدير قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى بن الدبيثي الواسطي في كتابه أنشدني ابن سدير لنفسه (أيا منقذي من معشر زاد لؤمهم * فأعيا دوائي واستكان له طبي) (إذا اعتل منهم واحد فهو صحتي * وإن ظل حيا كدت أقضي به نحبي) (أداويهم إلا من اللؤم إنه * ليعيي علاق الحاذق الفطن الطب) الطويل مهذب الدين بن هبل هو أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن هبل البغدادي ويعرف أيضا بالخلاطي كان أوحد وقته وعلامة زمانه في صناعة الطب وفي العلوم الحكمية متميزا في صناعة الأدب وله شعر حسن وألفاظ بليغة وكان متقنا لحفظ القرآن ولد ببغداد في باب الأزج بدرب ثمل في ثالث وعشرين ذي القعدة
407 من سنة خمس عشرة وخمسمائة ونشأ ببغداد وقرأ الأدب والطب وسمع بها من أبي القاسم إسماعيل ابن أحمد بن السمرقندي ثم صار إلى الموصل واستوطنها إلى حين وفاته وحدثني عفيف الدين أبو الحسن علي بن عدنان النحوي الموصلي قال كان الشيخ مهذب الدين بن هبل من بغداد وأقام بالموصل ثم بخلاط عند شاه أرمن صاحب خلاط وبقي عنده مدة وحصل من جهته من المال العين مبلغا عظيما وقبل رحيله من خلاط بعث جملة ما له من المال العين إلى الموصل إلى مجاهد الدين قيماز الزيني وديعة عنده وكان ذلك نحو مائة وثلاثين ألف دينار ثم أقام ابن هبل بماردين عند بدر الدين لؤلؤ والنظام إلى أن قتلهما ناصر الدين بن أرتق صاحب ماردين وكان بدر الدين لؤلؤ متزوجا بأم ناصر الدين وعمي مهذب الدين بن هبل بماء نزل في عينيه عن ضربة وكان عمره إذ ذاك خمسا وسبعين سنة ثم توجه إلى الموصل وحصلت له زمانة فلزم منزله بسكة أبي نجيح وكان يجلس على سرير ويقصده كل أحد من المشتغلين عليه بالطب وغيره أقول وكان أيضا يسمع الحديث ومن ذلك حدثني الحكيم بدر الدين أبو العز يوسف بن أبي محمد ابن المكي الدمشقي المعروف بابن السنجاري قال حدثنا مهذب الدين أبو الحسن علي بن أبي العباس أحمد بن هبل البغدادي المعروف بالخلاطي أخبرنا الشيخ الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر ابن الأشعث السمرقندي أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكناني أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر وأبو القاسم تمام بن محمد الرازي والقاضي محمد بن أحمد بن هارون الغساني المعروف بابن الجندي وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن علي بن أبي العقب وأبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن يحيى القطان قالوا أخبرنا أبو القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم ابن أبي العقب حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر بن عبد الله بن صفوان البصري حدثنا علي ابن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وكان شيخ مهذب الدين بن هبل في صناعة الطب أوحد الزمان وكان بن هبل في أول أمره قد اجتمع بعبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي وقرأ عليه شيئا من النحو وتردد أيضا إلى النظامية وقرأ الفقه ثم اشتهر بعد ذلك بصناعة الطب وفاق بها أكثر أهل زمانه من الأطباء وتوفي مهذب الدين بن هبل رحمه الله بالموصل ليلة الأربعاء ثالث عشر محرم سنة عشر وستمائة ودفن بظاهرها بباب الميدان بمقبرة المعافى بن عمران بالقرب من القرطبي ومن شعر مهذب الدين بن هبل قال (أيا أثلاث بالعراق ألفتها * عليك سلام لا يزال يفوح)
408 (لقد كنت جلدا ثاويا بفنائها * فقد عاد مكتوم الفؤاد يبوح) (فما أحسن الأيام في ظل أنسها * قبيل طلوع الشمس حين تلوح) (وقد غرد القمري في غسق الدجى * وراعى حمام في الأصول ينوح) (ذكرت ليال بالصراط وطيبها * نطير لها شوقا ونحن جموح) الطويل وقال أيضا (أيا دوحة هام الفؤاد بذكرها * عليك سلام الله يا دوحة الإنس) (رمتني النوى بالبعد منك وقربها * وقد كنت جارا لاصقا لك بالأمس) (فيا ليت أني بعد بعد أحبتي * نقلت كريما راضي النفس بالرمس) (وألا فليت الدهر يمكن منهم * بقبضي حبال الوصل بالأنمل الخمس) (إذا جال طرفي في العراق وجوه * كأني نظرت الأفق من مطلع الشمس) (تبدل تقليبي اليراع مع القنا * بتقلب مطبوع بلقب بالفلس) (واعتضت ثوبا كان للمجد شاملا * بثوب رجال كان أشبه بالحلس) (فمن لا يرى سوء القضاء وقدره * بعقل رصين لا يقايس باللمس) (يعش تائها في الخلق أعمى مشوها * بعيد المرامي أليق الخلق بالنكس) الطويل وقال أيضا (لقد سبتني غداة الخيف غانية * قد حازت الحسن في دل بها وصبا) (قامت تميس كخوط البان غازلة * مع الأصائل ريحي شمأل وصبا) (يكاد من دقة خصر تدل به * يشكو إلى ردفها من ثقله وصبا) (لو لم يكن أقحوان الثغر مبسمها * ما هام قلبي بحبيها هوى وصبا) ولمهذب الدين بن هبل من الكتب كتاب المختار في الطب وهو كتاب جليل يشتمل على علم وعمل كتاب الطب الجمالي صنفه لجمال الدين محمد الوزير المعروف بالجواد وكان تصنيفه للمختار سنة ستين وخمسمائة بالموصل
409 شمس الدين بن هبل هو شمس الدين أبو العباس أحمد بن مهذب الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن علي بن هبل مولده في يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة انشقاق الصبح قبل طلوع الشمس وكان مشتغلا بصناعة الطب متميزا في الأدب وجيها في الدولة وسافر إلى بلاد الروم وأكرمه صاحب الروم الملك الغالب كيكاوس بن كيخسرو إكراما كثيرا وبقي عنده قليلا وتوفي هناك رحمه الله ثم حمل إلى الموصل ودفن بها وكان لشمس الدين بن هبل ولدان من أعيان الفضلاء وأكابرهم وهما في وقتنا هذا مقيمان بمدينة الموصل كمال الدين بن يونس هو كمال الدين أبو عمران موسى بن يونس بن محمد بن منعة علامة زمانه وأوحد أوانه وقدوة العلماء وسيد الحكماء قد اتقن الحكمة وتميز في سائر العلوم وكان عظيما في العلوم الشرعية والفقه وكان مدرسا في المدرسة بالموصل ويقرأ العلوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وغير ذلك وله مصنفات في نهاية الجودة ولم يزل مقيما بمدينة الموصل إلى أن توفي إلى رحمة الله حدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكريدي قال وكان ورد إلى الموصل كتاب الإرشاد للعميدي وهو يشتمل على قوة من خلاف علم الجدل وهو الذي يسمونه العجم جست أي الشطار فلما احضر إلى الشيخ كمال الدين بن يونس نظر فيه وقال علم مليح ما قصر فيه مؤلفه وبقي عنده يومين حتى حرر جميع معانيه ثم أنه أقرأه الفقهاء وشرح لهم فيه أشياء ما ذكرها أحد سواه وقيل إن كمال الدين بن يونس كان يعرف علم السيمياء من ذلك حدثني أيضا القاضي نجم الدين بن الكريدي قال حدثني القاضي جلال الدين البغدادي تلميذ كمال الدين بن يونس وكان الجلال مقيما عند ابن يونس في المدرسة قال كان قد ورد إلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من عند الأنبرور ملك الفرنج وكان متفننا في العلوم رسول وبيده مسائل في علم النجوم وغير ذلك وقصد إن كمال الدين بن يونس يرد أجوبتها فبعث صاحب الموصل إلى ابن يونس يعرفه بذلك ويقول له أن يتجمل في لبسه وزيه ويجعل له مجلسا بأبهة لأجل
410 الرسول وذلك لما يعرفه من ابن يونس أنه كان يلبس ثيابا رثة بلا تكلف وما عنده خبر من أحوال الدنيا فقال نعم حكى جلال الدين قال فكنت عنده وقد قيل له هذا رسول الفرنج قد أتى وقرب من المدرسة فبعث من الفقهاء من تلقاه فلما حضر عند الشيخ نظرنا فوجدنا الموضع فيه بسط من أحسن ما يكون من البسط الرومية الفاخرة وجماعة مماليك وقوف بين يديه وخدام وشارة حسنة ودخل الرسول وتلقاه الشيخ وكتب له الأجوبة عن تلك المسائل بأسرها ولما راح الرسول غاب عنا جميع ما كنا نراه فقلت للشيخ يا مولانا ما أعجب ما رأينا من ساعة من تلك الأبهة والحشمة فتبسم وقال يا بغدادي هو علم وقال جلال الدين وكان للشيخ كمال الدين عند بدر الدين لؤلؤ حاجة فركب عند الصبح ليلقاه فيها وكانت عادة بدر الدين أن يركب الخيل والبغال السريعة المشي فلما قدموا في السحر فرسا وركبه لم ينبعث في المشي فنزل عنه وركب غيره فلم يقدر على المشي خطوة فبقي متحيرا في أمره وإذا بالشيخ قد وصل إليه وقال له عن حاجته فقضاها له ثم قال ما كان الفرس امتنعت من المشي إلا حتى تقدم فقال يا مولانا هذا من همة المشايخ وعاد وسار بدر الدين لؤلؤ وتبعه العسكر حدثني نجم الدين حمزة بن عابد الصرخدي أن نجم الدين القمراوي وشرف الدين المتاني وقمراومتان هما قريتان من قرى صرخد قال كانا قد اشتغلا بالعلوم الشرعية والحكمية وتميزا واشتهر فضلهما وكانا قد سافرا إلى البلاد في طلب العلم ولما جاءا إلى الموصل قصدا الشيخ كمال الدين ابن يونس وهو في المدرسة يلقي الدرس فسلما وقعدا مع الفقهاء ولما جرت مسائل فقهية تكلما في ذلك وبحثا في الأصول وبان فضلهما على أكثر الجماعة فأكرمهما الشيخ وأدناهما ولما كان آخر النهار سألاه أن يريهما كتابا له كان قد ألفه في الحكمة وفيه لغز فامتنع وقال هذا كتاب لم أجد أحدا يقدر على حله وأنا ضنين به فقالا له نحن قوم غرباء وقد قصدناك ليحصل لنا الفوز بنظرك والوقوف على هذا الكتاب ونحن بائتون عندك في المدرسة وما نريد نطالعه سوى هذه الليلة وبالغداة يأخذه مولانا وتلطفا له حتى أنعم لهما وأخرج الكتاب فقعدا في بيت من بيوت المدرسة ولم يناما أصلا في تلك الليلة بل كل واحد منهما يملي على الآخر وهو يكتب حتى فرغا من كتابته وقابلاه ثم كررا النظر فيه مرات ولم يتبين لهما حله إلى آخر وقت وقد طلع النهار فظهر لهما حل شيء منه من آخره واتضح أولا فأولا حتى انحل لهما اللغز وعرفاه فحملا الكتاب إلى الشيخ وهو في الدرس فجلسا وقالا يا مولانا ما طلبنا إلا كتابك الكبير الذي فيه اللغز الذي يعسر حله وأما هذا الكتاب فنحن نعرف معانيه من زمان واللغز الذي فيه علمه عندنا قديم وإن شئت أوردناه فقال قولا حتى اسمع فتقدم النجم القمراوي وتبعه الآخر وأوردا جميع معانيه من أول الكتاب إلى آخره وذكرا حل اللغز بعبارة حسنة فصيحة فعجب منهما وقال
411 من أين تكونان قالا من الشام قال من أي موضع منه قالا من حوران فقال لا أشك أن أحدكما النجم القمراوي والآخر الشرف المتاني قالا نعم فقام لهما الشيخ وأضافهما عنده وأكرمهما غاية الإكرام واشتغلا عليه مدة ثم سافرا أقول وكان عمي رشيد الدين بن خليفة وهو في أول شبيبته قصد السفر إلى الموصل ليجتمع بالشيخ كمال الدين بن يونس ويشتغل عليه لما بلغه من علمه وفضله الذي لم يلحقه فيه أحد وتجهز للسفر فلما علمت بذلك والدته جدتي بكت وتضرعت إليه أن لا يفارقها وكان يأخذ بقلبها فلم يمكنه مخالفتها وأبطل الرواح إليه ولكمال الدين بن يونس أولاد بمدينة الموصل قد اتقنوا الفقه وسائر العلوم وهم من سادات المدرسين وأفاضل المصنفين ومن شعر كمال الدين بن يونس قال (ما كنت ممن يطيع عذالي * ولا جرى هجره على بالي) (حلت كما حلت غادرا وكما * أرخصت أرخصت قدرك الغالي) المنسرح وقال (حتى ومتى لي وعدكم لي زور * مطل واف ونائل منزور) (في قلبي حب حبكم مبذور * زوروا فعسى يثمر وصلا زوروا) دو بيت ولكمال الدين بن يونس من الكتب بكتاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في تفسر القرآن شرح كتاب التنبيه في الفقه مجلدان كتاب مفردات ألفاظ القانون كتاب في الأصول كتاب عيون المنطق كتاب لغز في الحكمة كتاب الأسرار السلطانية في النجوم
412 الباب الحادي عشر طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد العجم تيادورس كان نصرانيا وله معرفة جيدة بصناعة الطب ومحاولة لأعمالها وبنى له سابور ذو الأكتاف البيع في بلده ويقال أن الذي بنى له البيع بهرام جور ولتيادورس من الكتب كناش برزويه قيل إنه كان عالما بصناعة الطب موسوما بها متميزا في زمانه فاضلا في علوم الفرس والهند وأنه هو الذي جلب كتاب كليلة ودمنة من الهند إلى أنوشروان بن قباذ بن فيروز ملك الفرس وترجمه له من اللغة الهندية إلى الفارسية ثم ترجمه في الإسلام عبد الله بن المقفع الخطيب من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية أقول وهذا الكتاب كما قد عظمت شهرته أنه في إصلاح الأخلاق وتهذيب النفوس لا نظير له في معناه وكان عبد الله بن المقفع الخطيب فارسيا أيضا وكان كاتب أبي جعفر المنصور وترجم أيضا من كتب أرسطوطاليس كتاب قاطيغورياس وكتاب باريمينياس وكتاب أنالوطيقا وترجم مع ذلك المدخل إلى كتب المنطق المعروف بأيساغوجي فرفوريوس الصوري وعبارته في الترجمة عبارة سهلة قريبة المأخذ ولابن المقفع أيضا تواليف حسان منها رسالته في الأدب والسياسة ومنها رسالته
413 المعروفة باليتيمة في طاعة السلطان ربن الطبري قال الصاحب جمال الدين بن القفطي في كتابه أن هذا ربن الطبري كان يهوديا طبيبا منجما من أهل طبرستان وكان متميزا في الطب عالما بالهندسة وأنواع الرياضة وحل كتبا حكمية من لغة إلى لغة أخرى قال وكان والده علي بن ربن طبيبا مشهورا انتقل من طبرستان إلى العراق وسكن سر من رأى وربن هذا كان له تقدم في علم اليهود والربن والربين والراب أسماء لمقدمي شريعة اليهود وسئل أبو معشر عن مطارح الشعاع فذكرها وساق الحديث إلى أن قال إن المترجمين لنسخ المجسطي المخرجة من لغة يونان ما ذكروا الشعاع ولا مطارحه ولا يوجد ذلك إلا في النسخة التي ترجمها ربن المتطبب الطبري ولم يوجد في النسخ القديمة مطرح شعاع بطليموس ولم يعرفه ثابت ولا حنين القلوسي ولا الكندي ولا أحد من هؤلاء التراجمة الكبار ولا أحد من ولد نوبخت ابن ربن الطبري هو أبو الحسن علي بن سهل بن ربن الطبري وقال ابن النديم البغدادي الكاتب علي بن ربل باللام وقال عنه أنه كان يكتب للمازيار بن قارن فلما أسلم على يد المعتصم قربه وظهر فصله بالحضرة وأدخله المتوكل في جملة ندمائه وكان بموضع من الأدب وهو معلم الرازي صناعة الطب وكان مولده ومنشؤه بطبرستان ومن كلامه قال الطبيب الجاهل مستحث الموت ولابن ربن الطبري من الكتب كتاب فردوس الحكمة وجعله سبعة أنواع والأنواع تحتوي على ثلاثين مقالة والمقالات تحتوي على ثلاثمائة وستين بابا كتاب أرفاق الحياة كتاب تحفة الملوك كتاب كناش الحضرة كتاب منافع الأطعمة والأشربة والعقاقير كتاب حفظ الصحة كتاب في الحجامة كتاب في ترتيب الأغذية أبو بكر محمد بن زكريا الرازي مولده ومنشؤه بالري وسافر إلى بغداد وأقام بها مدة وكان قدومه إلى بغداد وله من العمر نيف وثلاثون سنة وكان من صغره مشتهيا للعلوم العقلية مشتغلا بها وبعلم الأدب ويقول الشعر وأما صناعة الطب فإنما تعلمها وقد كبر وكان المعلم له في ذلك علي بن ربن الطبري وقال أبو سعيد زاهد العلماء في كتابه في البيمارستانات سبب تعلم أبي بكر محمد بن زكريا الرازي صناعة الطب أنه
414 عند دخوله مدينة السلام بغداد دخل إلى البيمارستان العضدي ليشاهده فاتفق له أن ظفر برجل شيخ صيدلاني البيمارستان فسأله عن الأدوية ومن كان المظهر لها في البدء فأجابه بأن قال إن أول ما عرف منها كان حي العالم وكان سببه أفلولن سليلة أسقليبيوس وذلك أن أفلولن كان به ورم حار في ذراعه مؤلم ألما شديدا فلما أشفي منه ارتاحت نفسه إلى الخروج إلى شاطئ نهر فأمر غلمانه فحملوه إلى شاطئ نهر كان عليه هذا النبات وأنه وضعه عليه تبردا به فخف ألمه بذلك فاستطال وضع يده عليه وأصبح من غد فعل مثل ذلك فبرأ فلما رأى الناس سرعة برئه وعلموا أنه إنما كان بهذا الدواء سموه حياة العالم وتداولته الألسن وخففته فسمي حي العالم فلما سمع الرازي ذلك أعجب به ودخل تارة أخرى إلى هذا البيمارستان فرأى صبيا مولودا بوجهين ورأس واحد فسأل الأطباء عن سبب ذلك فأخبر به فأعجبه ما سمع ولم يزل يسأل عن شيء شيء ويقال له وهو يعلق بقلبه حتى تصدى لتعلم الصناعة وكان منه جالينوس العرب هذه حكاية أبي سعيد وقال بعضهم إن الرازي كان في جملة من اجتمع على بناء هذا البيمارستان العضدي وأن عضد الدولة استشاره في الموضع الذي يجب أن يبنى فيه المارستان وأن الرازي أمر بعض الغلمان أن يعلق في كل ناحية من جانبي بغداد شقة لحم ثم اعتبر التي لم يتغير ولم يسهك فيها اللحم بسرعة فأشار بأن ببني في تلك الناحية وهو الموضع الذي بني فيه البيمارستان وحدثني كمال الدين أبو القاسم بن أبي تراب البغدادي الكاتب أن عضد الدولة لما بنى البيمارستان العضدي المنسوب إليه قصد أن يكون فيه جماعة من أفاضل الأطباء وأعيانهم فأمر أن يحضروا له ذكر الأطباء المشهورين حينئذ ببغداد وأعمالها فكانوا متوافرين على المائة فاختار منهم نحو خمسين بحسب ما علم من جودة أحوالهم وتمهرهم في صناعة الطب فكان الرازي منهم ثم إنه اقتصر من هؤلاء أيضا على عشرة فكان الرازي منهم ثم اختار من العشرة ثلاثة فكان الرازي أحدهم ثم أنه ميز فيما بينهم فبان له أن الرازي أفضلهم فجعله ساعور البيمارستان العضدي أقول والذي صح عندي أن الرازي كان أقدم زمانا من عضد الدولة بن بويه وإنما كان تردده إلى البيمارستان من قبل أن يجدده عضد الدولة وللرازي كتاب في صفات البيمارستان وفي كل ما كان يجده من أحوال المرضى الذين كانوا يعالجون فيه وقال عبيد الله بن جبرئيل أنه لما عمر عضد الدولة البيمارستان الجديد الذي على طرف الجسر من الجانب الغربي من بغداد كانت الأطباء الذين جمعهم فيه من كل موضع وأمر الراتب منه أربعة وعشرون طبيبا وكان من جملتهم أبو الحسن علي بن إبراهيم بن بكس وكان دأبه أن يدرس فيه الطب لأنه كان محجوبا وكان منهم أبو الحسن بن كشكرايا المعروف بتلميذ سنان وأبو يعقوب
415 الأهوازي وأبو عيسى بقية والقس الرومي وبنو حسنون وجماعة طبائعيون قال عبيد الله وكان والدي جبرائيل قد أصعد مع عضد الدولة من شيراز ورتب في جملة الطبائعيين في البيمارستان وفي جملة الأطباء الخواص قال وكان في البيمارستان مع هؤلاء من الكحالين الفضلاء أبو نصر بن الدحلي ومن الجرائحيين أبو الخير وأبو الحسن بن تفاح وجماعته ومن المجبرين المشار إليهم أبو الصلت وقال سليمان بن حسان أن الرازي كان متوليا لتدبير مارستان الري زمانا قبل مزاولته في البيمارستان العضدي وقال أن الرازي كان في ابتداء نظره يضرب بالعود ثم أنه أكب على النظر في الطب والفلسفة فبرع فيهما براعة المتقدمين وقال القاضي صاعد في كتاب التعريف بطبقات الأمم أن الرازي لم يوغل في العلم الإلهي ولا فهم غرضه الأقصى فاضطرب لذلك رأيه وتقلد آراء سخيفة وانتحل مذاهب خبيثة وذم أقواما لم يفهم عنهم ولا اهتدى لسبيلهم وقال محمد بن إسحاق النديم المعروف بأبي الفرج بن أبي يعقوب في كتاب الفهرست أن الرازي كان ينتقل في البلدان وبينه وبين منصور بن إسماعيل صداقة وألف له كتاب المنصوري قال وأخبرني محمد بن الحسن الوراق قال قال لي رجل من أهل الري شيخ كبير سألته عن الرازي فقال كان شيخا كبير الرأس مسفطه وكان يجلس في مجلسه ودونه التلاميذ ودونهم تلاميذهم ودونهم تلاميذ أخر فكان يجيء الرجل فيصف ما يجد لأول من يلقاه فإن كان عندهم علم وإلا تعداهم إلى غيرهم فإن أصابوا وإلا تكلم الرازي في ذلك وكان كريما متفضلا بارا بالناس حسن الرأفة بالفقراء والإعلاء حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة ويمرضهم ولم يكن يفارق المدارج والنسخ ما دخلت عليه قط إلا رأيته ينسخ أما يسود أو يبيض وكان في بصره رطوبة لكثرة أكله الباقلاء وعمي في آخر عمره وكان يقول إنه قرأ الفلسفة على البلخي قال محمد بن إسحاق النديم وكان البلخي من أهل بلخ يطوف البلاد ويجول الأرض حسن المعرفة بالفلسفة والعلوم القديمة وقد يقال إن الرازي ادعى كتبه في ذلك ورأيت بخطه شيئا كثيرا في علوم كثيرة مسودات ودساتير لم يخرج منها إلى الناس كتاب تام وقيل إن بخراسان كتبه موجودة قال وكان في زمان الرازي رجل يعرف بشهيد بن الحسين ويكنى أبا الحسن يجري مجرى فلسفته في العلم ولكن هذا الرجل كتب مصنفة وبينه وبين الرازي مناظرات ولكل واحد منهما نقوض على صاحبه أقول وكان الرازي ذكيا فطنا رؤوفا بالمرضى مجتهدا في علاجهم وفي برئهم بكل وجه يقدر عليه مواظبا للنظر في غوامض صناعة الطب والكشف عن حقائقها وأسرارها وكذلك في غيرها من العلوم بحيث أنه لم يكن له دأب ولا عناية في جل أوقاته إلا في الاجتهاد والتطلع فيما قد دونه الأفاضل من العلماء في كتبهم حتى وجدته يقول في بعض كتبه إنه كان لي صديق نبيل يسامرني على قراءة كتب بقراط وجالينوس وللرازي أخبار كثيرة وفوائد متفرقة فيما حصل له من التمهر في صناعة الطب وفيما تفرد به في مداواة المرضى وفي الاستدلال على أحوالهم من تقدمة المعرفة وفيما خبره من الصفات والأدوية التي لم يصل إلى عملها كثير من الأطباء وله في ذلك حكايات كثيرة وقعت له قد تضمنها كثير من كتبها وقد ذكر من ذلك جملا في باب مفرد من كتابه الحاوي وفي كتابه
416 في سر الطب ومما حكي عنه من بدائع وصفه وجودة استدلاله قال القاضي أبو علي المحسن بن علي بن أبي جهم التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة حدثني محمد بن علي بن الخلال البصري أبو الحسين أحد أمناء القضاة قال حدثني بعض أهل الطب الثقاة أن غلاما من بغداد قدم الري وهو ينفث الدم وكان لحقه ذلك في طريقه فاستدعى أبا بكر الرازي الطبيب المشهور بالحذق صاحب الكتب المصنفة فأراه ما ينفث ووصف ما يجد فأخذ الرازي مجسته ورأى قارورته واستوصف حاله منذ بدأ ذلك به فلم يقم له دليل على سل ولا قرحة ولم يعرف العلة فاستنظر الرجل ليتفكر في الأمر فقامت على العليل القيامة وقال هذا يأس لي من الحياة لحذق المتطبب وجهله بالعلة فازداد ما به وولد الفكر للرازي أن أعاد عليه فسأله عن المياه التي شربها في طريقه فأخبره أنه قد شرب من مستنقعات وصهاريج فقام في نفس أبي بكر محمد بن زكريا الرازي المتطبب الرأي بحدة الخاطر وجودة الذكاء أن علقة كانت في الماء فحصلت في معدته وأن ذلك النفث الدم من فعلها فقال له إذا كان في غد جئتك فعالجتك ولم أنصرف أو تبرأ ولكن بشرط تأمر غلمانك أن يطيعوني فيك بما آمرهم به فقال نعم وانصرف الرازي فتقدم فجمع له ملء مركنين كبيرين من طحلب أخضر فأحضرهما من غد معه وأراه إياهما وقال له أبلغ جميع ما في هذين المركنين فبلع الرجل شيئا يسيرا ثم وقف فقال ابلع فقال لا أستطيع فقال للغلمان خذوه فأنيموه على قفاه ففعلوا به ذلك وطرحوه على قفاه وفتحوا فاه وأقبل الرازي يدس الطحلب في حلقه ويكبسه كبسا شديدا ويطالبه ببلعه شاء أم أبى ويتهدده بالضرب إلى أن بلعه كارها أحد المركنين بأسره والرجل يستغيث فلا ينفعه مع الرازي شيء إلى أن قال الساعة اقذف فزاد الرازي فيما يكبسه في حلقه فذرعه القيء فقذف وتأمل الرازي قذفه فإذا فيه علقة وإذا هي لما وصل إليها الطحلب قرمت إليه بالطبع وتركت موضعها والتفت على الطحلب فلما قذف الرجل خرجت مع الطحلب ونهض الرجل معافى قال القاضي التنوخي وحدثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الرازي المعروف بابن حمدون قال حدثني أبو بكر أحمد بن علي الرازي الفقيه قال سمعت أبا بكر بن قارن الرازي الطبيب
417 وكان محذقا في الطب قال أبو بكر بن حمدون وقد رأيت هذا الرجل وكان يحسن علوما كثيرة منها الحديث ويرويه ويكتبه الناس عنه ويوهونه ولم أسمع هذا منه قال القاضي التنوخي ولم يتفق لي مع كثرة ملاقاة أبي بكر الرازي أن أسمع هذا الخبر منه قال ابن قارن الرازي وكان تلميذا لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب في الطب سمعت أبا بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب بعد رجوعه من عند أمير خراسان لما استدعاه فعالجه من علة صعبة قال اجتزت في طريقي بنيسابور بيقام وهي النصف من طريق نيسابور إلى الري فأستقبلني رئيسها فأنزلني داره وخدمني أتم خدمة وسألني أن أقف على ابن له به استسقاء فأدخلني إلى دار قد أفردها له فشاهدت العليل فلم أطمع في برئه فعللت القول بمشهد من العليل فلما انفردت أنا بأبيه سألني أن أصدقه فصدقته وآيسته من حياة ابنه وقلت له مكنه من شهواته فإنه لا يعيش وخرجت من خراسان وعدت منها بعد اثني عشر شهرا فاجتزت به فأستقبلني الرجل بعد عودتي فلما لقيته استحييت منه غاية الحياء ولم أشكك في وفاة ابنه وإني كنت نعيته إليه وخشيت من تثقله بي فأنزلني داره فلم أجد عنده ما يدل على ذلك وكرهت مسألته عن ابنه لئلا أجدد عليه حزنا فقال لي يوما تعرف هذا الفتى وأومأ إلى شاب حسن الوجه والصحة كثير الدم والقوة قائم مع الغلمان يخدمنا فقلت لا فقال هذا ولدي الذي آيستني منه عند مضيك إلى خراسان فتحيرت وقلت عرفني سبب برئه فقال لي إنه بعد قيامك من عنده فطن إنك آيستني منه فقال لي لست أشك أن هذا الرجل وهو أوحد في الطب في عصره هذا قد آيسك مني والذي أسألك أن تمنع هؤلاء الغلمان يعني غلماني الذين كنت أخدمه إياهم فإنهم أترابي وإذا رأيتهم معافين وقد علمت إني ميت تجدد على قلبي حمى تعجل لي الموت فأرحني من هذا بأن لا أراهم وأفرد لخدمتي فلانه دايتي ففعلت ما سأل وكان يحمل إلى الداية في كل يوم ما تأكله وإليه ما يطلب على غير حمية فلما كان بعد أيام حمل إلى الداية مضيرة لتأكل فتركتها بحيث يقع عليها نظر ولدي ومضت في شغل لها فذكرت أنها لما عادت وجدت ابني قد أكل أكثر مما كان في الغضارة وبقي في الغضارة شيء يسير مغير اللون قالت العجوز فقلت له ما هذا فقال لا تقربي الغضارة وجذبها إليه وقال رأيت أفعى عظيما وقد خرج من موضع ودب إليها فأكل منها ثم قذف فصار لونها كما ترين فقلت أنا ميت ولا أود أن يلحقني ألم شديد ومتى أظفر بمثل هذا وأكلت من الغضارة ما استطعت لا موت عاجلا وأستريح فلما لم أستطع زيادة أكل رجعت إلى موضعي وجئت أنت قالت ورأيت المضيرة على يده وفمه فصحت فقال لا تعملي شيئا أو تدفني الغضارة بما فيها
418 لئلا يأكلها إنسان فيموت أو حيوان فيلسع إنسانا فيقتله ففعلت ما قال وخرجت إلي فلما عرفتني ذلك ذهب علي أمري ودخلت إلى ابني فوجدته نائما فقلت لا توقظوه حتى ننظر ما يكون من أمره فانتبه آخر النهار وقد عرق عرقا شديدا وهو يطلب المستحم فأنهض إليه فاندفع بطنه وقام من ليلته ومن غد أكثر من مائة مجلس فازداد يأسنا منه وقل الطعام بعد أن استمر أياما وطلب فراريج فأكل ولم تزل قوته تثوب إليه وقد كان بطنه التصق بظهره وقوي طمعنا في عافيته فمنعناه من التخليط فتزايدت قوته إلى أن صار كما ترى فعجبت من ذلك وذكرت أن الأوائل قالت أن المستسقي إذا أكل من لحم حية عتيقة مزمنة لها مئون سنين برأ ولو قلت لك إن هذا علاجه لظننت إني أدافعك ومن أين نعلم كم سنوحيه إذا وجدناها فسكت عنك أقول وللرازي أمثال هذا من الحكايات أشياء كثيرة جدا مما جرى له وقد ذكرت من ذلك جملة وافرة في كتاب حكايات الأطباء في علاجات الأدواء وكان أكثر مقام الرازي ببلاد العجم وذلك لكونها موطنه وموطن أهله وأخيه وخدم بصناعة الطب الأكابر من ملوك العجم وصنف هنالك كتبا كثيرة في الطب وغيره وصنف كتابه المنصوري للمنصور بن إسماعيل بن خاقان صاحب خراسان وما وراء النهر وكذلك صنف كتابه الذي سماه الملوكي لعلي ابن صاحب طبرستان وكان الرازي أيضا مشتغلا بالعلوم الحكمية فائقا فيها وله في ذلك تصانيف كثيرة يستدل بها على جودة معرفته وارتفاع منزلته وكان في أول أمره قد عنى بعلم السمياء والكمياء وما يتعلق بهذا الفن وله تصانيف أيضا في ذلك ونقلت من خط بلمظفر بن معرف قال كان الرازي يقول أنا لا أسمي فيلسوفا إلا من كان قد علم صنعة الكيمياء لأنه قد استغنى عن التكسب من أوساخ الناس وتنزه عما في أيديهم ولم يحتج إليهم وحدثني بعض الأطباء أن الرازي كان قد باع لقوم من الروم سبائك ذهب وساروا بها إلى بلادهم ثم إنهم بعد ذلك بسنين عدة وجدوها وقد تغير لونها بعض التغير وتبين لهم زيفها فجاءوا بها إليه وألزم يردها وقال غيره أن الوزير كان أضافه الرازي فأكل عنده أطعمة لذيذة لا يمكن أن يأكل بأطيب منها ثم إن الوزير تحيل بعد ذلك حتى اشترى إحدى الجواري التي تطبخ الأطعمة عند الرازي ظنا منه أن تطبخ مثل ذلك الطعام فلما صنعت له أطعمة لم يجدها كما وجدها عند الرازي فلما سألها عن ذلك ذكرت له أن الطبيخ واحد بل إننا كنا نجد القدور التي عند الرازي جميعا ذهبا وفضة فسبق إلى وهمه حينئذ أن جودة الأطعمة إنما هي من ذلك وإن الرازي قد حصلت له معرفة الكيمياء فاستحضر الوزير الرازي وسأله أن يعرفه ما قد حصل له من معرفة الكيمياء فلما لم يذكر له الرازي شيئا من ذلك وأنكر معرفته خنقه سرا بوتر
419 وقيل إن الرازي كان في أول أمره صيرفيا ومما يحقق ذلك أنني وجدت نسخة من المنصوري قديمة قد سقط آخرها واحترق أكثرها من عتقها وهي مترجمة بذلك الخط على هذا المثال كناش المنصوري تأليف محمد بن زكريا الرازي الصيرفي وأخبرني من هي عنده أنها خط الرازي وكان الرازي معاصرا لإسحاق بن حنين ومن كان معه في ذلك الوقت وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه فقيل له لو قدحت فقال لا قد نظرت من الدنيا حتى مللت فلم يسمح بعينيه للقدح وقال أبو الخير الحسن بن سوار بن بابا وكان قريب العهد منه إن الرازي توفي في سنة نيف وتسعين ومائتين أو ثلاثمائة وكسر قال والشك مني ونقلت من خط بلمظفر بن معرف أن الرازي توفي في سنة عشرين وثلاثمائة وقال عبيد الله بن جبرئيل كان أبو بكر محمد بن زكريا الرازي له المنزلة الجليلة بالري وسائر بلاد الجبل قال وعاش إلى أن لحقه ابن العميد أستاذ الصاحب بن عباد وهو كان سبب إظهار كتابه المعروف بالحاوي لأنه كان حصل بالري بعد وفاته فطلبه من أخت أبي بكر وبذل لها دنانير كثيرة حتى أظهرت له مسودات الكتاب فجمع تلاميذه الأطباء الذين كانوا بالري حتى رتبوا الكتاب وخرج على ما هو عليه من الاضطراب ومن كلام أبي بكر محمد بن زكريا الرازي قال الحقيقة في الطب غاية لا تدرك والعلاج بما تنصه الكتب دون أعمال الماهر الحكيم برأيه خطر وقال الاستكثار من قراءة كتب الحكماء والأشراف على أسرارهم نافع لكل حكيم عظيم الخطر وقال العمر يقصر عن الوقوف على فعل كل نبات في الأرض فعليك بالأشهر مما اجمع عليه ودع الشاذ واقتصر على ما جربت وقال من لم يعن بالأمور الطبيعية والعلوم الفلسفية والقوانين المنطقية وعدل إلى اللذات الدنيائية فاتهمه في علمه لا سيما في صناعة الطب وقال متى اجتمع جالينوس وأرسطوطاليس على معنى فذلك هو الصواب ومتى اختلفا صعب على العقول إدراك صوابه جدا وقال الأمراض الحارة اقتل من الباردة لسرعة حركة النار وقال الناقهون من المرض إذا اشتهوا من الطعام ما يضرهم فيجب للطبيب أن يحتال في تدبير ذلك الطعام وصرفه إلى كيفية موافقة ولا يمنعهم ما يشتهون بتة وقال ينبغي للطبيب أن يوهم المريض أبدا الصحة ويرجيه بها وإن كان غير واثق بذلك فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس
420 وقال الأطباء الأميون والمقلدون والأحداث الذين لا تجربة لهم ومن قلت عنايته وكثرت شهواته قتالون وقال ينبغي للطبيب أن لا يدع مساءلة المريض عن كل ما يمكن أن تتولد عنه علته من داخل ومن خارج ثم يقضي بالأقوى وقال ينبغي للمريض أن يقتصر على واحد ممن يوثق به من الأطباء فخطؤه في جنب صوابه يسير جدا وقال من تطبب عند كثيرين من الأطباء يوشك أن يقع في خطأ كل واحد منهم وقال متى كان اقتصار الطبيب على التجارب دون القياس وقراءة الكتب خذل وقال لا ينبغي أن يوثق بالحسن العناية في الطب حتى يبلغ الأشد ويجرب وقال ينبغي أن تكون حالة الطبيب معتدلة لا مقبلا على الدنيا كلية ولا معرضا عن الآخرة كلية فيكون بين الرغبة والرهبة وقال بانتقال الكواكب الثابتة في الطول والعرض تنتقل الأخلاق والمزاجات وقال باختلاف عروض البلدان تختلف المزاجات والأخلاق والعادات وطباع الأدوية والأغذية حتى يكون ما في الدرجة الثانية من الأدوية في الرابعة وما في الرابعة في الثانية وقال إن استطاع الحكيم أن يعالج بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السعادة وقال ما اجتمع الأطباء عليه وشهد عليه القياس وعضدته التجربة فليكن أمامك وبالضد ومن شعر أبي بكر محمد بن زكريا الرازي قال (لعمري ما أدري وقد آذن البلى * بعاجل ترحال إلى أين ترحالي) (وأين محل الروح بعد خروجه * من الهيكل المنحل والجسد البالي) الطويل ولأبي بكر محمد بن زكريا الرازي من الكتب كتاب الحاوي وهو أجل كتبه وأعظمها في صناعة الطب وذلك أنه جمع فيه كل ما وجده متفرقا في ذكر الأمراض ومداواتها من سائر الكتب الطبية للمتقدمين ومن أتى بعدهم إلى زمانه ونسب كل شيء نقله فيه إلى قائله هذا مع أن الرازي توفي ولم يفسح له في الأجل أن يحرر هذا الكتاب كتاب البرهان مقالتان الأولى سبعة عشر فصلا والثانية اثنا عشر فصلا كتاب الطب الروحاني ويعرف أيضا بطب النفوس غرضه فيه إصلاح أخلاق النفس وهو عشرون فصلا كتاب في أن للإنسان خالقا متقنا حكيما وفيه دلائل من التشريح ومنافع الأعضاء تدل على أن خلق الإنسان لا يمكن أن يقع بالاتفاق كتاب سمع
421 الكيان غرضه فيه أن يكون مدخلا إلى العلم الطبيعي ومسهلا للمتعلم لحوق المعاني المتفرفة في الكتب الطبيعية كتاب أيساغوجي وهو المدخل إلى المنطق جمل معاني قاطيغورياس جمل معاني باريمينياس جمل معاني أنالوطيقا الأولى إلى تمام القياسات الحملية كتاب هيئة العالم غرضه أن يبين أن الأرض كرية وأنها في وسط الفلك وهو ذو قطبين يدور عليهما وأن الشمس أعظم من الأرض والقمر أصغر منها وما يتبع ذلك من هذا المعنى كتاب فيمن استعمل تفضيل الهندسة من الموسومين بالهندسة ويوضح فيه مقدارها ومنفعتها ويرد على من رفعها فوق قدرها مقالة في السبب في قتل ريح السموم لأكثر الحيوان كتاب فيما جرى بينه وبين سيسن المناني يريه خطأ موضوعاته وفساد ناموسه في سبع مباحث كتاب في اللذة غرضه فيه أن يبين أنها داخلة تحت الراحة مقالة في العلة التي لها صار الخريف ممرضا والربيع بالضد على أن الشمس في هذين الزمانين في مدار واحد صنفها لبعض الكتاب كتاب في الفرق بين الرؤيا المنذرة وبين سائر ضروب الرؤيا كتاب الشكوك والمناقضات التي في كتب جالينوس كتاب في كيفية الأبصار يبين فيه أن الأبصار ليس يكون بشعاع يخرج من العين وينقض فيه أشكالا من كتاب أقليدس في المناظر كتاب في الرد على الناشئ في مسائله العشر التي رام بها نقض الطب كتاب في علل المفاصل والنقرس وعرق النسا وهو اثنان وعشرون فصلا كتاب آخر صغير في وجع المفاصل الاثنا عشر كتابا في الصنعة الأول كتاب المدخل التعليمي الثاني كتاب المدخل البرهاني الثالث كتاب الإثبات الرابع كتاب التدبير الخامس كتاب الحجر السادس كتاب الأكسير عشرة أبواب السابع كتاب شرف الصناعة وفضلها الثامن كتاب الترتيب التاسع كتاب التدابير العاشر كتاب الشواهد ونكت الرموز الحادي عشر كتاب المحبة الثاني عشر كتاب الحيل كتاب الأحجار يبين فيه الإيضاح عن الشيء الذي يكون في هذا العمل كتاب الأسرار كتاب سر الأسرار كتاب التبويب كتاب رسالة الخاصة كتاب الحجر الأصفر كتاب رسائل الملوك كتاب الرد على الكندي في إدخاله صناعة الكيمياء في الممتنع كتاب في أن الحمية المفرطة والمبادرة إلى الأدوية والتقليل من الأغذية لا يحفظ الصحة بل يجلب الأمراض مقالة في أن جهال الأطباء يشددون على المرضى في منعهم من شهواتهم وإن لم يكن الإنسان كثير مرض جهلا وجزافا كتاب سيرة الحكماء مقالة في أن الطين المتنقل به فيه منافع ألفها لأبي حازم القاضي مقالة في الجدري والحصبة أربعة عشر بابا مقالة في الحصى في الكلي والمثانة كتاب إلى من لا يحضره طبيب وغرضه إيضاح الأمراض وتوسع في القول ويذكر فيه علة علة وأنه يمكن أن يعالج بالأدوية الموجودة ويعرف أيضا بكتاب طب الفقراء كتاب الأدوية الموجودة بكل مكان يذكر فيه أدوية لا يحتاج الطبيب الحاذق معها إلى غيرها إذا ضم إليها ما يوجد في المطابخ والبيوت كتاب في الرد على الجاحظ في نقض صناعة الطب كتاب في تناقض قول الجاحظ في كتابه في فضيلة الكلام وما غلط فيه على الفلاسفة كتاب التقسيم والتشجير يذكر فيها تقاسيم الأمراض وأسبابها وعلاجها بالشرح والبيان على سبيل تقسيم وتشجير كتاب الطب الملوكي في العلل وعلاج الأمراض كلها بالأغذية
422 ودس الأدوية في الأغذية حيث لا بد منها وما لا يكرهه العليل كتاب في الفالج كتاب في اللقوة كتاب في هيئة العين كتاب في هيئة الكبد كتاب في هيئة الأنثيين كتاب في هيئة القلب كتاب في هيئة الصماخ كتاب في هيئة المفاصل أقراباذين كتاب في الانتقاد والتحرير على المعتزلة كتاب في الخيار المر كتاب في كيفية الاغتذاء وهو جوامع ذكر الأدوية المعدنية كتاب في أثقال الأدوية المركبة كتاب في خواص الأشياء كتاب كبير في الهيولى كتاب في سبب وقوف الأرض وسط الفلك على استدارة كتاب في نقض الطب الروحاني على ابن اليمان كتاب في أن العالم لا يمكن أن يكون إلا على ما نشاهده كتاب في الحركة وأنها ليست مرئية بل معلومة مقالة في أن للجسم تحريكا من ذاته وأن الحركة مبدأ طبيعي قصيدة في المنطقيات قصيدة في العلم الإلهي قصيدة في العظة اليونانية كتاب الكرى ومقادير مختصره كتاب في إيضاح العلة التي بها تدفع الهوام بالتغذي ومرة بالتدبير كتاب في الجبر وكيف يسكن ألمه وما علاقة الحر فيه والبرد مقالة في الأسباب المميلة لقلوب أكثر الناس عن أفاضل الأطباء إلى أخسائهم مقالة فيما ينبغي أن يقدم من الأغذية والفواكه وما يؤخر منها مقالة في الرد على أحمد بن الطيب السرخسي فيما رد به على جالينوس في أمر الطعم المر كتاب في الرد على المسمعي المتكلم في رده على أصحاب الهيولى كتاب في المدة وهي الزمان وفي الخلاء والملأ وهما المكان مقالة أبان فيها خطأ جرير الطبيب في إنكاره مشورته على الأمير أحمد بن إسماعيل في تناول التوت الشامي على أثر البطيخ في حاله وإيضاح عذره فيها كتاب في نقض كتاب أنابو إلى فرفوريوس في شرح مذاهب أرسطوطاليس في العلم الإلهي كتاب في العلم الإلهي كتاب في الهيولى المطلقة والجزئية كتاب إلى أبي القاسم البلخي والزيادة على جوابه وجواب هذا الجواب كتاب في العلم الإلهي على رأي أفلاطون كتاب في الرد على أبي القاسم البلخي فيما ناقض به في المقالة الثانية من كتابه في العلم الإلهي كتاب في محنة الذهب والفضة والميزان الطبيعي كتاب في الثبوت في الحكمة كتاب في عذر من اشتغل بالشطرنج كتاب في حكمة النرد كتاب في حيل النمس كتاب في أن للعالم خالقا حكيما كتاب في الباه يبين فيه الأمزاج ومنافع الباه ومضاره كتاب الزيادة التي زادها في الباه كتاب المنصوري ألفه للأمير منصور بن إسحاق بن إسماعيل بن أحمد صاحب خراسان وتحرى فيه الاختصار والإيجاز مع جمعه لجمل وجوامع ونكت وعيون من صناعة الطب علمها وعملها وهو عشر مقالات المقالة الأولى في المدخل إلى الطب وفي شكل الأعضاء وخلقها المقالة الثانية في تعرف مزاج الأبدان وهيئتها والأخلاط الغالبة عليها واستدلالات وجيزة جامعة من الفراسة المقالة الثالثة في قوى الأغذية والأدوية المقالة الرابعة في حفظ الصحة المقالة الخامسة في الزينة المقالة السادسة في تدبير المسافرين المقالة السابعة جمل وجوامع في صناعة الجبر والجراحات والقروح المقالة الثامنة في السموم والهوام المقالة التاسعة في الأمراض الحادثة من القرن إلى القدم المقالة العاشرة في الحميات وما يتبع ذلك مما يحتاج إلى معرفته في تحديد علاجها مقالة أضافها إلى كتاب المنصوري وهي في الأمور الطبيعية كتاب الجامع ويسمى حاصر صناعة الطب وغرضه في هذا الكتاب جمع ما وقع إليه وأدركه من
423 كتاب طب قديم أو محدث إلى موضع واحد في كل باب وهو ينقسم اثني عشر قسما القسم الأول في حفظ الصحة وعلاج الأمراض والوثي والجبر والعلاجات القسم الثاني في قوى الأغذية والأدوية وما يحتاج إليه من التدبير في الطب القسم الثالث في الأدوية المركبة فيه ذكر ما يحتاج إليه منها على سبيل الأقراباذين القسم الرابع فيما يحتاج إليه من الطب في سحق الأدوية وإحراقها وتصعيداتها وغسلها واستخراج قواها وحفظها ومقدار بقاء كل دواء منها وما أشبه ذلك القسم الخامس في صيدلية الطب فيه صفة الأدوية وألوانها وطعومها وروائحها ومعادنها وجيدها ورديها ونحو ذلك من علل الصيدلة القسم السادس في الإبدال يذكر فيه ما ينوب عن كل دواء أو غذاء إذا لم يوجد القسم السابع في تفسير الأسماء والأوزان والمكاييل التي للعقاقير وتسمية الأعضاء والأدواء باليونانية والسريانية والفارسية والهندية والعربية على سبيل الكتب المسماة بشقشماهي القسم الثامن في التشريح ومنافع الأعضاء القسم التاسع في الأسباب الطبيعية من صناعة الطب غرضه فيه أن يبين أسباب العلل بالأمر الطبيعي القسم العاشر في المدخل إلى صناعة الطب وهو مقالتان الأولى منهما في الأشياء الطبيعية والثانية في أوائل الطب القسم الحادي عشر جمل علاجات وصفات وغير ذلك القسم الثاني عشر فيما استدركه من كتب جالينوس ولم يذكرها حنين ولا هي في فهرست جالينوس أقول هذا التقسيم المذكور ههنا ليس هو لكتابه المعروف بالحاوي ولا هو تقسم مرضي ويمكن أن هذه كانت مسودات كتاب وجدت للرازي بعد موته وهي مجموعة على هذا الترتيب فحسبت أنها كتاب واحد وإلى غايتي هذه ما رأيت نسخة لهذا الكتاب ولا وجدت من أخبر أنه رآه كتاب الفاخر في الطب أقول وإنما أثبت هذا الكتاب في جملة كتبه لكونه قد نسب إليه واشتهر أنه له وبالجملة فإنه كتاب جيد قد استوعب فيه مؤلفه ذكر الأمراض ومداواتها واختيار معالجتها على أتم ما يكون وأفضله وجمهور ما فيه منقول من كتاب التقسيم والتشجير للرازي ومن كناش ابن مرابيون وكل ما فيه من كلام الرازي فأوله قال محمد ولأمين الدولة بن التلميذ حاشية على هذا الكتاب وأنه للرازي قال الذي كثيرا ما يذكره الرازي في كتاب الفاخر قال محمد هو المعروف بالحسن طبيب المقتدر كان طبيبا ببغداد ماهرا في علم الطب وكان بيته بيت الطب وكان له ثلاث أخوة أحدهم كحال حاذق يعرف بسليمان وآخر طبيب ليس في رتبته يعرف بهارون والثالث صيدلاني كبير الصيت ببغداد في الحرفة وله كناش عجيب في تجاريبه لكنه قليل الوجود إلا ببغداد المحروسة كتاب في العلة التي صار لها متى انقطع من البدن شيء حتى يتبرأ منه أنه لا يلتصق به وإن كان صغيرا ويلصق به من الجراحات العظيمة القدر غير المتبرئة مما هو أعظم من ذلك كثيرا رسالة في الماء المبرد على الثلج والمبرد من غير أن يطرح فيه الثلج والذي يغلى ثم يبرد في الجليد والثلج كتاب في العلة التي لها صار السمك الطري معطشا رسالة في أنه لا يوجد شراب غير مسكر يفي بجميع أفعال الشراب المسكر المحمود في البدن كتاب في علامات إقبال الدولة كتاب في فضل العين على سائر الحواس رسالة في أن غروب الشمس وسائر الكواكب عنا وطلوعها علينا ليس من أجل حركة الأرض بل من حركة الفلك كتاب في المنطق يذكر فيه جميع ما يحتاج إليه منه بألفاظ متكلمي الإسلام كتاب في فسخ ظن
424 من يتوهم أن الكواكب ليست في نهاية الاستدارة وغير ذلك كتاب في أنه لا يتصور لمن لا دربة له بالبرهان إن الأرض كرية وأن الناس حولها رسالة يبحث فيها عن الأرض الطبيعية طين هي أم حجر داخل سمع الكيان كتاب يوضح فيه أن التركيب نوعان وغير ذلك مقالة في العادة وأنها تكون طبيعية مقالة في المنفعة في أطراف الأجفان دائما مقالة في العلة التي من أجلها تضيق النواظر في النور وتتسع في الظلمة مقالة في العلة التي لها تزعم الجهال أن الثلج يعطش مقالة في العلة التي لها يحرق الثلج ويقرح كتاب أطعمة المرضى مقالة فيما استدركه من الفصل في الكلام في القائلين بحدوث الأجسام وعلى القائلين بقدمها كتاب في أن العلل اليسيرة بعضها أعسر تعرفا وعلاجا وغير ذلك كتاب العلة التي لها تذم العوام الأطباء الحذاق رسالة في العلل المشكلة وعذر الطبيب وغير ذلك رسالة في العلل القائلة لعظمها والقاتلة لظهورها بغتة مما لا يقدر الطبيب على صلاحها وعذره في ذلك كتاب في أن الطبيب الحاذق ليس هو من قدر على إبراء جميع العلل فإن ذلك ليس في الوسع ولا في صناعة أبقراط وأنه قد يستحق أن يشكر الطبيب ويمدح وأن تعظم صناعة الطب وتشرف وإن هو لم يقدر على ذلك بعد أن يكون متقدما لأهل بلده وعصره رسالة في أن الصانع المتعرف بصناعته معدوم في جل الصناعات لا في الطب خاصة والعلة التي من أجلها صار ينجح جهال الأطباء والعوام والنساء في المدن في علاج بعض الأمراض أكثر من العلماء وعذر الطبيب في ذلك كتاب الممتحن في الطب على سبيل كناش كتاب في أن النفس ليست بجسم كتاب في الكواكب السبعة في الحكمة رسالة إلى الحسن بن إسحاق بن محارس القمي كتاب في النفس المغترة كتاب في النفس الكبيرة مقالة في العلة التي من أجلها يعرض الزكام لأبي زيد البلخي في فصل الربيع عند شمه الورد رسالة في محنة الطبيب وكيف ينبغي أن يكون حاله في نفسه وبدنه وسيرته وأدبه رسالة في مقدار ما يمكن أن يستدرك من أحكام النجوم على رأي الفلاسفة الطبيعيين ومن لم يقل منهم أن الكواكب أحياء وما يمكن أن تستدرك على رأي من قال أنها أحياء كتاب في العلة التي لها صار يحدث النوم في رؤوس بعض الناس شبيها بالزكام كتاب في الشكوك التي على برقلس كتاب في تفسير كتاب أفلوطرخس لكتاب طيماوس رسالة في علة خلق السباع والهوام كتاب في إتمام ما ناقض به القائلين بالهيولي كتاب في أن المناقضة التي بين أهل الدهر وأهل التوحيد في سبب أحداث العالم إنما جاز من نقصان السمة في أسباب الفعل بعضه على التمادية وبعضه على القائلين بقدم العالم كتاب في نقضه على علي بن شهيد البلخي فيما ناقضه به في أمر اللذة كتاب في الرياضة كتاب في النقض على الكيال في الإمامة كتاب في إنه لا يجوز أن يكون سكون وافتراق كتاب في إتمام كتاب أفلوطرخس كتاب في نقض كتاب التدبير اختصار كتاب حلية البرء لجالينوس اختصار كتاب النبض الكبير لجالينوس تلخيص كتاب العلل والأعراض لجالينوس تلخيص كتاب الأعضاء الآلمة لجالينوس كتاب الانتقاد على أهل الاعتزال كتاب في نقض كتاب البلخي لكتاب العلم الإلهي والرد عليه كتاب في أنه يجوز أن يكون سكون واجتماع ولا يجوز أن يكون حركة واجتماع لم يزل رسالة
425 في أن قطر المربع لا يشارك الضلع من غير هندسة كتاب في الاشفاق على أهل التحصيل من المتكلمين بالفلسفة وغرضه يبين مذهب الفلاسفة في العلم الإلهي لمعنى القارئ بذلك عن المتحرك إليهم كتاب في السيرة الفاضلة وسيرة أهل المدينة الفاضلة كتاب في وجوب الدعاء والدعاوى كتاب الحاصل وغرضه فيه ما يحمل من العلم الإلهي من طريق الأخذ بالحرص وطريق البرهان رسالة لطيفة في العلم الإلهي كتاب منافع الأغذية ودفع مضارها وهو مقالتان يذكر في الأولى منهما ما يدفع به ضرر الأطعمة في كل وقت ومزاج وحال وفي الثانية قولان استعمال الأغذية ودفع التخم ومضارها ألفه للأمير أبي العباس أحمد بن علي كتاب إلى علي بن شهيد البلخي في تثبيت المعاد غرضه فيه النقد على من أبطل المعاد ويثبت أن معادا كتاب علة جذب حجر المغنطيس للحديد وفيه كلام كثير في الخلاء كتاب كبير في النفس كتاب صغير في النفس كتاب ميزان العقل كتاب في الشراب المسكر وهو مقالتان مقالة في السكنجبين ومنافعه ومضاره كتاب في القولنج مقالة في القولنج الحار وهو المعروف بكتاب القولنج الصغير كتاب في تفسير كتاب جالينوس لفصول أبقراط كتاب في الأبنة وعلاجها وتبيينها كتاب في نقض كتاب الوجود المنصور بن طلحة كتاب فيما يرومه من إظهار ما يدعي من عيوب الأولياء أقول وهذا الكتاب إن كان قد ألف والله أعلم فربما أن بعض الأشرار المعادين للرازي قد ألفه ونسبه إليه ليسيء من يرى ذلك الكتاب أو يسمع به الظن بالرازي وإلا فالرازي أجل من أن يحاول هذا الأمر وأن يصنف في هذا المعنى وحتى إن بعض من يذم الرازي بل يكفره كعلي بن رضوان المصري وغيره يسمون ذلك الكتاب كتاب الرازي في مخاريق الأنبياء كتاب في آثار الإمام الفاضل المعصوم كتاب في استفراغ المحمومين قبل النضج كتاب الإمام والمأموم المحقين كتاب خواص التلاميذ كتاب شروط النظر كتاب الآراء الطبيعية كتاب خطأ غرض الطبيب أشعار في العلم الإلهي صفة مداد معجون لا نظير له نقل كتاب الآس لجابر إلى الشعر رسالة في التركيب رسالة في كيفية النحو رسالة في العطش وازدياد الحرارة لذلك كتاب في جمل الموسيقى كتاب في الأوهام والحركات النفسانية كتاب في العمل بالحديد والجبر كتاب فيما يعتقده رأيا كتاب فيما أغفلته الفلاسفة كتاب السر في الحكمة كتاب منافع الأعضاء كتاب الكافي في الطب كتاب في المتنقل كتاب الأقراباذين المختصر كتاب في البرء يوضح فيه أن التركيب نوعان إما تركيب أجسام مختلفة وإما تركيب الأجسام المتشابهة الأجزاء وأنه ليس واحد على الحقيقة الأخرى كتاب إلى أبي القاسم بن دلف في الحكمة كتاب إلى علي بن وهبان فيه باب واحد في الشمس كتاب إلى ابن أبي الساج في الحكمة كتاب إلى الداعي الأطروش في الحكمة كتاب سر الأسرار في الحكمة كتاب سر الطبيب كتاب في شرف الفصد عند الاستفراغات الامتلائية رداءة وكمية وفضله على سائر الاستفراغات والإبانة على أن الفصد لا يمنعه عند الاحتياج إليه شيء البتة ألفه للأمير أبي علي أحمد بن إسماعيل بن أحمد كتاب المرشد ويسمى كتاب الفصول رسالة في أن العلل المستكملة التي لا يقدر الإعلاء أن يعبروا عنها ويحتاج الطبيب إلى لزوم العليل وإلى استعمال بعض التجربة لاستخراجها والوقوف عليها وتحير الطبيب كتاب مختصر في اللبن
426 كلام جرى بينه وبين المسعودي في حدوث العالم كتاب المدخل إلى الطب مقالة في المذاقات مقالة في البهق والبرص كتاب زينة الكتاب كتاب برء ساعة ألفه للوزير أبي القاسم ابن عبد الله مقالة في البواسير والشقاق في المقعدة كلام في الفروق بين الأمراض مقالة في الحرقة الكائنة في الإحليل والمثانة كتاب طب الفقراء رسالة إلى الوزير أبي الحسن علي ابن عيسى بن داؤد بن الجراح القنائي في الأعلال الحادثة على ظاهر الجسد رسالة إلى تلميذه يوسف بن يعقوب في أدوية العين وعلاجها ومداواتها وتركيب الأدوية لما يحتاج إليه من ذلك كتاب صيدلة الطب كتاب في جواهر الأجسام كتاب في سيرته مقالة في الزكام والنزلة وامتلاء الرأس ومنع النزلة إلى الصدر والريح التي تسد المنخرين ومنع التنفس بهما مقالة في إبدال الأدوية المستعملة في الطب والعلاج وقوانينها وجهة استعمالها كتاب صفة البيمارستان مقالة في الأغذية مختصر مقالة فيما سئل عنه في أنه لم صار من قل جماعة من الإنسان طال عمره ألفها للأمير أبي العباس أحمد بن علي مقالة في العلة التي لها إذا أكلت الحيوانات سخنت أبدانها ما خلا الإنسان فإنه يجد عند أكله فتورا مقالة في الكيفيات رسالة في الحمام ومنافعه ومضاره كتاب في الدواء المسهل والمقيء مقالة في علاج العين بالحديد أبو الحسن أحمد بن محمد الطبري من أهل طبرستان فاضل عالم بصناعة الطب وكان طبيب الأمير ركن الدولة ولأحمد بن محمد الطبري من الكتب الكناش المعروف بالمعالجات البقراطية وهو من أجل الكتب وأنفعها وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها على أتم ما يكون وهو يحتوي على مقالات كثيرة أبو سليمان السجستاني هو أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي كان فاضلا في العلوم الحكمية متقنا لها مطلعا على دقائقها واجتمع بيحيى بن عدي ببغداد وأخذ عنه وكان لأبي سليمان المنطقي السجستاني أيضا نظر في الأدب والشعر ومن شعره قال (لا تحسدن على تظاهر نعمة * شخصا تبيت له المنون بمرصد) (أوليس بعد بلوغه آماله * يفضي إلى عدم كان لم يوجد) (لو كنت أحسد ما تجاوز خاطري * حسد النجوم على بقاء مرصد) الكامل
427 وقال أيضا (الجوع يدفع بالرغيف اليابس * فعلام أكثر حسرتي ووساوسي) (والموت أنصف حين ساوى حكمه * بين الخليفة والفقير البائس) الطويل وقال أيضا (لذة العيش في بهيمية اللذة لا * ما يقوله الفلسفي) (حكم كأس المنون أن يتساوى * في حساها الغبي والألمعي) (ويحل البليد تحت ثرى الأرض * كما حل تحتها اللوذعي) (أصبحا رمة تزايل عنها * فصلها الجوهري والعرضي) (وتلاشى كيانها الحيواني * وأودى تمييزها المنطقي) (فاسأل الأرض عنهما أن أزال الشك * والمرية الجواب الخفي) (بطلت تلكم الصفات جميعا * ومحال أن يبطل الأزلي) الخفيف ولأبي سليمان السجستاني من الكتب مقالة في مراتب قوى الإنسان وكيفية الإنذارات التي تنذر بها النفس فيما يحدث في عالم الكون كلام في المنطق مسائل عدة سئل عنها وجواباته لها تعاليق حكمية وملح ونوادر مقالة في أن الأجرام العلوية طبيعتها طبيعة خامسة وأنها ذات أنفس وأن النفس التي لها هي النفس الناطقة أبو الخير الحسن بن سوار ابن بابا بن بهنام المعروف بابن الخمار وبهنام لفظة فارسية مركبة من كلمتين وهي به خير ونام اسم أي اسم الخير وكان هذا أبو الخير الحسن نصرانيا عالما بأصول صناعة الطب وفروعها خبيرا بغوامضها كثير الدراية لها ماهرا في العلوم الحكمية وله مصنفات جليلة في صناعة الطب وغيرها وكان خبيرا بالنقل وقد نقل كتبا كثيرة من السرياني إلى العربي ووجدت بخطه شيئا من ذلك وقد أجاد فيها وقرأ الحكمة على يحيى بن عدي وكان في نهاية الذكاء والفطنة ومولده في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وقال أبو الخطاب محمد بن محمد بن أبي طالب في كتاب الشامل في الطب أن أبا الخير الحسن ابن سوار كان موجودا في سنة ثلاثين وثلاثمائة وقد ذكر أبو الحسن علي بن رضوان عنه في كتاب
428 حل شكوك الرازي على جالينوس ما هذا نصه قال كما فعل في عصرنا هذا الحسن بن بابا المعروف بابن الخمار فإنه وصل بالطب إلى أن قيل له محمود الملك للأرض وكان الملك محمود عظيما جدا وذلك أن هذا الرجل كان فيلسوفا حسن التعقل حسن المعرفة وقال عنه أنه كان حسن السياسة لفقهاء الناس ورؤساء العوام والعظماء والملوك وذلك أنه كان إذا دعاه من أظهر العبادة والزهد مشى إليه راجلا وقال له جعلت هذا المشي كفارة لمروري إلى أهل الفسق والجبابرة فإذا دعاه السلطان ركب إليه في زي الملوك والعظماء حتى أنه ربما حجبه في هذه الحال ثلاثمائة غلام تركي بالخيول الجياد والهيئة البهية ووفى صناعته حقها بالتواضع للضعفاء وبالتعاظم على العظماء وهكذا كان طريق بقراط وجالينوس وغيرهما من الحكماء فمنهم من تواضع ولزم الزهد والتصاون ومنهم من أظهر من حكمته ما ظهرت به محاسن الحكمة قال أبو الفرج بن هندو في كتاب مفتاح الطب أنه رأى في بلاد العجم جماعة كانوا ينفون من صناعة الطب قال وقد كان زعيم الفرقة النافية للطب يعادي أستاذي أبا الخير بن الخمار الفيلسوف ويغري العامة بإيذائه فاشتكى الزعيم رأسه واستفتى أبا الخير في دوائه فقال ينبغي أن يضع تحت رأسه كتابه الفلاني الذي نفى فيه فعل الطب ليشفيه الله ولم يداوه ولأبي الخير الحسن بن سوار بن بابا من الكتب مقالة في الهيولى كتاب الوفاق بين رأي الفلاسفة والنصارى ثلاث مقالات كتاب تفسير أيساغوجي مشروح كتاب تفسير أيساغوجي مختصر مقالة في الصديق والصداقة مقالة في سيرة الفيلسوف مقالة في الآثار المخيلة في الجو الحادثة عن البخار المائي وهي الهالة والقوس والضباب على طريق المسألة والجواب مقالة في السعادة مقالة في الإفصاح عن رأي القدماء في الباري تعالى وفي الشرائع ومورديها مقالة في امتحان الأطباء صنفها للأمير خوارزمشاه أبي العباس مأمون بن مأمون كتاب في خلق الإنسان وتركيب أعضائه أربع مقالات كتاب تدبير المشايخ وقد ذكر في أوله أن حنين بن إسحاق كان قد ألف ذلك بالسرياني وجمع من كلام جالينوس وروفس في تدبير المشايخ ما الحاجة داعية إلى معرفته مع زيادات ذكر أنه زادها من عنده وصير ذلك على طريق المسألة والجواب وإن أبا الخير بسط القول وأوضحه من غير مسألة وجواب وجعله ستة وعشرين بابا كتاب تصفح ما جرى بين أبي زكريا يحيى بن عدي وبين أبي إسحق إبراهيم بن بكوس في سورة النار وتبين فساد ما ذهب إليه أبو سليمان محمد بن طاهر في صور الاسطقسات مقالة في المرض المعروف بالكاهني وهو الصرع تقاسيم أيساغوجي وقاطيغورياس لألينوس الإسكندراني مما نقله من السرياني إلى العربي الحسن بن سوار بن بابا وشرحه على طريق الحواشي نقلت ذلك من الدستور من خط الحسن بن سوار أبو الفرج بن هندو هو الأستاذ السيد الفاضل أبو الفرج علي بن الحسين بن هندو من الأكابر المتميزين في العلوم الحكمية والأمور الطبية والفنون الأدبية له الألفاظ الرائقة والأشعار الفائقة والتصانيف المشهورة
429 والفضائل المذكورة وكان أيضا كاتبا مجيدا وخدم بالكتابة وتصرف وكان اشتغاله بصناعة الطب والعلوم الحكمية على الشيخ أبي الخير الحسن بن سوار بن بابا المعروف بابن الخمار وتتلمذ له وكان من أجل تلاميذه وأفضل المشتغلين عليه قال أبو منصور الثعالبي في كتاب يتيمة الدهر في وصف أبي الفرج بن هندو قال هو مع ضربه في الأداب والعلوم بالسهام الفائزة وملكه رق البلاعة والبراعة فرد الدهر في الشعر وأوحد أهل الفضل في صيد المعاني الشوارد ونظم الفرائد في القلائد مع تهذيب الألفاظ البليغة وتقريب الأغراض البعيدة وتذكير الذين يسمعون ويرون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون قال أبو منصور الثعالبي وكان قد اتفق لي معنى بديع لم أقدر أني سبقت إليه وهو قولي آخر هذه الأبيات (قلبي وجدا مشتعل * على الهموم مشتمل) (وقد كستني في الهوى * ملابس الصب الغزل) (إنسانة فتانة * بدر الدجى منها خجل) (إذا زنت عيني بها * فبالدموع تغتسل) الرجز حتى أنشدني لأبي الفرج بن هندو (يقولون لي ما بال عينك مذ رأت * محاسن هذا الظبي أدمعها هطل) (فقلت زنت عيني بطلعة وجهه * فكان لها من صوب أدمعها غسل) الطويل فعرفت أن السبق له ومن شعر أبي الفرج بن هندو قال (قوض خيامك من أرض تضام بها * وجانب الذل أن الذل يجتنب) (وأرحل إذا كانت الأوطان منقصة * فمندل الهند في أوطانه حطب) البسيط وقال أيضا (أطال بين البلاد بحوالي * قصور مالي وطول آمالي) (إن رحت عن بلدة غدوت إلى * أخرى فما تستقر احمالي)
430 (كأنني فكرة الموسوس لا * تبقى مدى لحظة على حال) المنسرح وقال في الحث على الحركة والسعي (خليلي ليس الرأي ما تريان * فشأنكما أني ذهبت لشاني) (خليلي لولا أن في السعي رفعة * لما كان يوما يدأب القمران) الطويل وقال أيضا (وحقك ما أخرت كتبي عنكم * لقالة واش أو كلام محرش) (ولكن دمعي أن كتبت مشوش * كتابي وما نفع الكتاب المشوش) الطويل وقال أيضا في النهي عن اتخاذ العيال والأمر بالوحدة (ما للمعيل وللمعالي إنما * يسمو إليهن الوحيد الفارد) (فالشمس تجتاب السماء فريدة * وأبو بنات النعش فيها راكد) الطويل وقال في الصبر (تصبر إذا الهم أسرى إليك * فلا الهم يبقى ولا صاحبه) المتقارب وقال أيضا (قالوا اشتغل عنهم يوما بغيرهم * وخادع النفس أن النفس تنخدع) (قد صيغ قلبي على مقدار حبهم * فما لحب سواهم فيه متسع) البسيط وقال أيضا (عارض ورد الغصون وجنته * فاتفقا في الجمال واختلفا) (يزداد بالقطف ورد وجنته * وينقص الورد كلما قطفا) المنسرح وقال أيضا (قولا لهذا القمر البادي * مالك إصلاحي وإفسادي)
431 (زود فؤادا راحلا بقبلة * لا بد للراحل من زاد) السريع وقال أيضا (تمنيت من أهوى فلما لقيته * بهت فلم أملك لسانا ولا طرفا) (وأطرقت إجلالا له ومهابة * وحاولت أن يخفى الذي بي فلم يخفا) (وقد كان في قلبي دفاتر عتبه * فلما التقينا ما فهمت ولا حرفا) الطويل وقال أيضا (عابوه لما التحى فقلنا * عبتم وغبتم عن الجمال) (هذا غزال ولا عجب * تولد المسك في الغزال) البسيط وقال أيضا في العذار (أوحى لعارضه العذار فما * أبقى على ورعي ولا نسكي) (فكأن نملا قد دببن به * غمست أكارعهن في مسك) الكامل وقال أيضا (قالوا صحا قلب المحب وما صحا * ومحا العذار سنا الحبيب وما محا) (ما ضره شعر العذار وإنما * وافى يسلسل حسنه أن يبرحا) الكامل وقال أيضا في خط العذار (الآن قد صحت لدي شهادة * أن ليس مثل جماله لمصور) (خط يكتبه حوالي خده * قلم الإله بنقش مسك أذفر) الكامل وقال أيضا (يا من محياه كاسمه حسن * إن نمت عني فليس لي وسن) (قد كنت قبل العذار في محن * حتى تبدى فزادت المحن) (يا شعرات جميعها فتن * يتيه في كنه وصفها الفطن)
432 (ما عيروا من عذاره سفها * قد كان غصنا فأورق الغصن) المنسرح وقال في ذم العذار (كفى فؤادي عذاره حرقه * فكف عينا بدمعها غرقه) (ما خط حرف من العذار به * إلا محا من جماله ورقه) المنسرح وقال في الشراب (أرى الخمر نارا والنفوس جواهرا * فإن شربت أبدت طباع الجواهر) (فلا تفضحن النفس يوما بشربها * إذا لم تثق منها بحسن السرائر) الطويل وقال أيضا (أوصى الفقيه العسكري * بأن أكف عن الشراب) (فعصيته أن الشراب * عمارة البيت الخراب) الكامل المرفل وقال لبعض الرؤساء وقد انصبت الخمر على كمه في مجلس الشراب (انصبت الخمر على كمه * تلثم منه كمه خدمه) (لو لم ترد خدمته بالتي * قد فعلت ما خصصت كمه) السريع وقال وكتبها على عود (رأيت العود مشتقا * من العود باتقان) (فهذا طيب آناف * وهذا طيب آذان) الهزج وقال أيضا (ودوحة أنس أصبحت ثمراتها * أغاريد تجنيها ندامى وجلاس) (تغنى عليها الطير وهي رطيبة * فلما عست غنى على عودها الناس) الطويل وقال في الآذريون (رب روض خلت آذر * يونه لما توقد)
433 ذهبا أشعل مسكا * في كوانين زبرجد) الرمل وقال في عز الكمال (فإذا رأيت الفضل فاز به الفتى * فاعلم بأن هناك نقصا خافيا) (والله أكمل قدرة من أن يرى * لكماله ممن تراه ثانيا) الكامل وقال في الشكوى (ضعت بأرض الري في أهلها * ضياع حرف الراء في اللثغه) (صرت بها بعد بلوغ المنى * يعجبني أن أبلغ البلغه) السريع وقال أيضا (لنا ملك ما فيه للملك آلة * سوى إنه يوم السلاح متوج) (أقيم لإصلاح الورى وهو فاسد * وكيف استواء الظل والعود أعوج) الطويل وقال أيضا (عجبت لقولنج هذا الأمير * وأنى ومن أين قد جاءه) (وفي كل يوم له حقنة * تفرغ بالزب أمعاءه) المتقارب وقال في مدح الجرب وملح وظرف (بهيج مسرتي جرب بكفي * إذا ما عد في الكرب العظام) (تجنبني اللئام لذاك حتى * كفيت به مصافحة اللئام) الوافر وقال في مراجعة الشعر بعد تركه إياه (وكنت تركت الشعر آنف من خنا * وأكبر عن مدح وأزهد عن غزل) (فما زال بي حبيك حتى تطلعت * خواطر شعر كان طالعه أفل) (تزل القوافي عن لساني كأنها * يفاع يزل السيل منه على عجل) (فأصبح شعر الأعشيين من العشا * لديه وشعر الأخطلين من الخطل) الطويل
434 ولأبي الفرج بن هندو من الكتب المقالة الموسومة بمفتاح الطب ألفها لإخوانه من المتعلمين وهي عشرة أبواب المقالة المشوقة في المدخل إلى علم الفلسفة كتاب الكلم الروحانية من الحكم اليونانية ديوان شعره رسالة هزلية مترجمة بالوساطة بين الزناة واللاطة الحسن الفسوي كان طبيبا معروفا من أرض فارس من مدينة فسا متميزا في الطب والقيام به والتقدم بسببه خدم الدولة البويهية واختص منها بخدمة الملك بهاء الدين بن عضد الدولة وصحبه في أسفاره وتقدر عنده ولما مرض أمير الأمراء أبو منصور بويه بن بهاء الدولة في رجب سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة مع والده بالبصرة وعزم بهاء الدولة على التوجه من البصرة إلى تستر للصيد والفرجة وكان شديد الاشفاق على ولده من هذا المرض كثير الاحتراس منه خائفا من جانبه مانعا للجند من لقائه وهو مع أبيه كالمحصور يمنعه من جمع مراده واتفق أن حم هذا الولد في رجب حمى أضعفت قوته قبل اليوم الذي أراد بهاء الدولة أبوه المسير فيه فقال الأثير لبهاء الدولة أمير الأمراء محموم ولا فضل فيه لحركة والرأي تركه فقال لا يحمل من فوره ويخرج قولا واحدا فقال له هو إذا انزعج هلك ومدة مقامه بعدنا لا تطول فلم يرجع إلى مقال الأثير وتقدم إلى الحسن الطبيب الفسوي هذا بالمضي إليه والعود بخبره لثقته بما يقول فمضى إليه وشاهده وعاد وقال الصواب في تركه وتأخيره فنزل وأشعر الملك سرا بخطر مرضه وعرفه أعراضه وآيسه من حياته فحينئذ تقدم بتركه واستمرت عليه الحمى وأشياء أخرى حدثت له فتوفي في يوم الأحد ثاني شعبان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة أبو منصور الحسن بن نوح القمري كان سيد وقته وأوحد زمانه مشهورا بالجودة في صناعة الطب محمود الطريقة في أعمالها فاضلا في أصولها وفروعها وكان رحمه الله حسن المعالجة جيد المداواة متميزا عند الملوك في زمانه كثيري الاحترام له وحدثني الشيخ الإمام شمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسر وشاهي أن الشيخ الرئيس ابن سينا
435 كان قد لحق هذا وهو شيخ كبير وكان يحضر مجلسه ويلازم دروسه وانتفع به في صناعة الطب ولأبي منصور الحسن بن نوح القمري من الكتب كتاب غنى ومنى وهو كناش حسن وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها على أفضل ما يكون ولخص فيه جملا من أقوال المتعينين في صناعة الطب وخصوصا ما ذكره الرازي متفرقا في كتبه كتاب علل العلل أبو سهل المسيحي هو أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني طبيب فاضل بارع في صناعة الطب علمها وعملها فصيح العبارة جيد التصنيف وكان حسن الخط متقنا للعربية وقد رأيت بخطه كتابه في أظهار حكمة الله تعالى في خلق الإنسان وهو في نهاية الصحة والإتقان والإعراب والضبط وهذا الكتاب من أجل كتبه وأنفعها فإنه قد أتى فيه بجمل ما ذكره جالينوس وغيره في منافع الأعضاء بأفصح عبارة وأوضحها مع زيادات نفيسة من قبله تدل على فضل باهر وعلم غزير ولذلك يقول في أول كتابه هذا وليس يعرف فضيلة ما أوردناه على ما أوردوا إلا من قابل بين كلامنا هذا وكلامهم مع دراية وإنصاف منه فإن من لا يدري ما يعتبره لم يصلح للحكم فيه ومن لا إنصاف فيه لم يحكم للأفضل ولم يؤثره فمن اعتبر من يصلح للاعتبار وهو العالم المنصف بعناية واستقصاء منه ما أوردناه وما أوردوا رأى كيف صححنا ما أوردوه وهذبناه وأتممناه وسهلناه ورتبناه ترتيبا أفضل لجملة الكلام ولكل فصل منه وأسقطنا من هذا الصنف من العلم ما ليس منه ثم كم زدنا من عندنا معاني دقيقة عجيبة كانت قد خفيت عليهم للطفها وجلالة رتبتها وكيف جعلنا البيانات من الأشياء المتقدمة على الأشياء المتأخرة بالعكس مما فعلوه ليكون بيانا للشيء بمباديه وأسبابه فيكون برهانا حقيقيا وسمعت من الشيخ الإمام الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله وهو يقول أنني لم أجد أحدا من الأطباء النصارى المتقدمين والمتأخرين أفصح عبارة ولا أجود لفظا ولا أحسن معنى من كلام أبي سهل المسيحي وقيل إن المسيحي هو معلم الشيخ الرئيس صناعة الطب وإن كان الشيخ الرئيس بعد ذلك تميز في صناعة الطب ومهر فيها وفي العلوم الحكمية حتى صنف كتبا للمسيحي وجعلها باسمه وقال عبيد الله بن جبرئيل إن المسيحي كان بخراسان وكان متقدما عند سلطانها وأنه مات وله من العمر أربعون سنة ومن كلام المسيحي قال نومة بالنهار بعد أكلة خير من شربة دواء نافع ولأبي سهل المسيحي من الكتب كتاب المائة في الطب وهو من أجود كتبه وأشهرها ولأمين الدولة بن التلميذ حاشية عليه قال يجب أن يعتمد على هذا الكتاب فإنه كثير التحقيق قليل التكرار
436 واضح العبارة منتخب العلاج كتاب إظهار حكمة الله تعالى في خلق الإنسان كتاب في العلم الطبيعي كتاب الطب الكلي مقالتان مقالة في الجدري اختصار كتاب المجسطي كتاب تعبير الرؤيا كتاب في الوباء ألفه للملك العادل خوارزمشاه أبي العباس مأمون بن مأمون الشيخ الرئيس ابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن علي بن سينا وهو أن كان أشهر من أن يذكر وفضائله أظهر من أن تسطر فإنه قد ذكر من أحواله ووصف من سيرته ما يغني غيره عن وصفه ولذلك أننا نقتصر من ذلك على ما قد ذكره هو عن نفسه نقله عنه أبو عبيد الجوجزاني قال قال الشيخ الرئيس إن أبي كان رجلا من أهل بلخ وانتقل منها إلى بخارى في أيام نوح بن منصور واشتغل بالتصرف وتولى العمل في أثناء أيامه بقرية يقال لها خرميثن من ضياع بخارى وهي من أمهات القرى وبقربها قرية يقال لها أفشنة وتزوج أبي منها بوالدتي وقطن بها وسكن وولدت منها بها ثم ولدت أخي ثم انتقلنا إلى بخارى وأحضرت معلم القرآن ومعلم الأدب وأكملت العشر من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب حتى كان يقضى مني العجب وكان أبي ممن أجاب داعي المصريين ويعد من الإسماعيلية وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل على الوجه الذي يقولونه ويعرفونه هم وكذلك أخي وكانوا ربما تذاكروا بينهم وأنا أسمعهم وأدرك ما يقولونه ولا تقبله نفسي وابتدأوا يدعونني أيضا إليه ويجرون على ألسنتهم ذكر الفلسفة والهندسة وحساب الهند وأخذ يوجهني إلى رجل كان يبيع البقل ويقوم بحساب الهند حتى أتعلمه منه ثم جاء إلى بخارى أبو عبد الله النائلي وكان يدعى المتفلسف وأنزله أبي دارنا رجاء تعلمي منه وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والتردد فيه إلى إسماعيل الزاهد وكنت من أجود السالكين وقد ألفت طرق المطالبة ووجوه الاعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به ثم ابتدأت بكتاب أيساغوجي على النائلي ولما ذكر لي حد الجنس أنه هو المقول على كثيرين مختلفين بالنوع في جواب ما هو فأخذت في تحقيق هذا الحد بما لم يسمع بمثله وتعجب مني كل العجب وحذر والدي من شغلي بغير المعلم وكان أي مسألة قالها لي أتصورها خيرا منه حتى قرأت ظواهر المنطق عليه وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبرة ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي وأطالع
437 الشروح حتى أحكمت علم المنطق وكذلك كتاب أقليدس فقرأت من أوله خمسة أشكال أو ستة عليه ثم توليت بنفسي حل بقية الكتاب بأسره ثم انتقلت إلى المجسطي ولما فرغت من مقدماته وانتهيت إلى الأشكال الهندسية قال لي النائلي تول قراءتها وحلها بنفسك ثم اعرضها علي لأبين لك صوابه من خطئه وما كان الرجل يقوم بالكتاب وأخذت أحل ذلك الكتاب فكم من شكل ما عرفه إلى وقت ما عرضته عليه ومهمته إياه ثم فارقني النائلي متوجها إلى كركانج واشتغلت أنا بتحصيل الكتب من النصوص والشروح من الطبيعي والإلهي وصارت أبواب العلم تنفتح علي ثم رغبت في علم الطب وصرت اقرأ الكتب المصنفة فيه وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة فلا جرم أني برزت فيه في أقل مدة حتى بدأ فضلاء الطب يقرأون علي علم الطب وتعهدت المرضى فانفتح علي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف وأنا مع ذلك اختلف إلى الفقه وأناظر فيه وأنا في هذا الوقت من أبناء ست عشرة سنة ثم توفرت على العلم والقراءة سنة ونصفا فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة وفي هذه المدة ما نمت ليلة واحدة بطولها ولا اشتغلت النهار بغيره وجمعت بين يدي ظهورا فكل حجة كنت أنظر فيها أثبت مقدمات قياسية ورتبتها في تلك الظهور ثم نظرت فيما عساها تنتج وراعيت شروط مقدماته حتى تحقق لي حقيقة الحق في تلك المسألة وكلما كنت أتحير في مسألة ولم أكن أظفر بالحد الأوسط في قياس ترددت إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى مبدع الكل حتى فتح لي المنغلق وتيسر المتعسر وكنت أرجع بالليل إلى داري واضع السراج بين يدي واشتغل بالقراءة والكتابة فمهما غلبني النوم أو شعرت بضعف عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إلي قوتي ثم أرجع إلى القراءة ومهما أخذني أدنى نوم أحلم بتلك المسائل بأعيانها حتى أن كثيرا من المسائل اتضح لي وجوهها في المنام وكذلك حتى استحكم معي جميع العلوم ووقفت عليها بحسب الإمكان الإنساني وكل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما علمته الآن لم ازدد فيه إلى اليوم حتى أحكمت على المنطق والطبيعي والرياضي ثم عدلت إلى الإلهي وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم ما فيه والتبس علي غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظا وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا المقصود به وأيست من نفسي وقلت هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه وإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في الوراقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه فعرضه علي فرددته رد متبرم معتقد أن لا فائدة من هذا العلم فقال لي اشتر مني هذا فإنه رخيص أبيعكه بثلاث دراهم وصاحبه محتاج إلى ثمنه واشتريته فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة ورجعت إلى بيتي وأسرعت قراءته فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه كان لي محفوظا على ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدقت في ثاني يومه بشيء كثير على الفقراء شكرا لله تعالى وكان سلطان بخارى في ذلك الوقت نوح بن منصور واتفق له مرض أتلج الأطباء فيه
438 وكان اسمي اشتهر بينهم بالتوفر على القراءة فأجروا ذكري بين يديه وسألوه إحضاري فحضرت وشاركتهم في مداواته وتوسمت بخدمته فسألته يوما الإذن لي في دخول دار كتبهم ومطالعتها وقراءة ما فيها من كتب الطب فأذن لي فدخلت دارا ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها على بعض في بيت منها كتب العربية والشعر وفي آخر الفقه وكذلك في كل بيت كتب علم مفرد فطالعت فهرست كتب الأوائل وطلبت ما احتجب إليه منها ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير من الناس قط وما كنت رأيته من قبل ولا رأيته أيضا من بعد فقرأت تلك الكتب وظفرت بفوائدها وعرفت مرتبة كل رجل في علمه فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها وكنت إذ ذاك للعلم احفظ ولكنه اليوم معي انضج وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيء وكان في جواري رجل يقال له أبو الحسين العروضي فسألني أن أصنف له كتابا جامعا في هذا العلم فصنفت له المجموع وسميته به وأتيت فيه على سائر العلوم سوى الرياضي ولي إذ ذاك إحدى وعشرون سنة من عمري وكان في جواري أيضا رجل يقال له أبو بكر البرقي خوارزمي المولد فقيه النفس متوحد في الفقه والتفسير والزهد مائل إلى هذه العلوم فسألني شرح الكتب له فصنفت له كتاب الحاصل والمحصول في قريب من عشرين مجلدة وصنفت له في الأخلاق كتابا سميته كتاب البر والإثم وهذان الكتابان لا يوجدان إلا عنده فلم يعر أحدا ينسخ منهما ثم مات والدي وتصرفت بي الأحوال وتقلدت شيئا من أعمال السلطان ودعتني الضرورة إلى الإخلال ببخاري والانتقال إلى كركانج وكان أبو الحسين السهلي المحب لهذه العلوم بها وزيرا وقدمت إلى الأمير بها وهو علي بن مأمون وكنت على زي الفقهاء إذ ذاك بطيلسان وتحت الحنك واثبتوا لي مشاهرة دارة بكفاية مثلي ثم دعت الضرورة إلى الانتقال إلى نسا ومنها إلى باورد ومنها إلى طوس ومنها إلى شقان ومنها إلى سمنيقان ومنها إلى جاجرم رأس حد خراسان ومنها إلى جرجان وكان قصدي الأمير قابوس فاتفق في أثناء هذا أخذ قابوس وحبسه في بعض القلاع وموته هناك ثم مضيت إلى دهستان ومرضت بها مرضا صعبا وعدت إلى جرجان فاتصل أبو عبيد الجوزجاني بي وأنشأت في حالي قصيدة فيها بيت القائل (لما عظمت فليس مصر واسعي * لما غلا ثمني عدمت المشتري) الكامل
439 قال أبو عبيد الجوزجاني صاحب الشيخ الرئيس فهذا ما حكى لي الشيخ من لفظه ومن هاهنا شاهدت أنا من أحواله وكان بجرجان رجل يقال له أبو محمد الشيرازي يحب هذه العلوم وقد اشترى للشيخ دارا في جواره وأنزله بها وأنا اختلف إليه في كل يوم اقرأ المجسطي وأستملي المنطق فأملى علي المختصر الأوسط في المنطق وصنف لأبي محمد الشيرازي كتاب المبدأ والمعاد وكتاب الأرصاد الكلية وصنف هناك كتبا كثيرة كأول القانون ومختصر المجسطي وكثيرا من الرسائل ثم صنف في أرض الجبل بقية كتبه وهذا فهرست كتبه كتاب المجموع مجلدة الحاصل والمحصول عشرون مجلدة الإنسان عشرون مجلدة البر والإثم مجلدتان الشفاء ثماني عشرة مجلدة القانون أربع عشرة مجلدة الأرصاد الكلية مجلدة كتاب النجاة ثلاث مجلدات الهداية مجلدة القولنج مجلدة لسان العرب عشر مجلدات الأدوية القلبية مجلدة الموجز مجلدة بعض الحكمة المشرقية مجلدة بيان ذوات الجهة مجلدة كتاب المعاد مجلدة كتاب المبدأ والمعاد مجلدة كتاب المباحثات مجلدة ومن رسائله القضاء والقدر الآلة الرصدية غرض قاطيغورياس المنطق بالشعر القصائد في العظمة والحكمة في الحروف تعقب المواضع الجدلية مختصر أقليدس مختصر في النبض بالعجمية الحدود الأجرام السماوية الإشارة إلى علم المنطق أقسام الحكمة في النهاية واللانهاية عهد كتبه لنفسه حي بن يقظان في أن أبعاد الجسم غير ذاتية له خطب الكلام في الهندبا في أنه لا يجوز أن يكون شيء واحد جوهريا وعرضيا في أن علم زيد غير علم عمرو رسائل له إخوانية وسلطانية مسائل جرت بينه وبين بعض الفضلاء كتاب الحواشي على القانون كتاب عيون الحكمة كتاب الشبكة والطير ثم انتقل إلى الري واتصل بخدمة السيدة وابنها مجد الدولة وعرفوه بسبب كتب وصلت معه تتضمن تعريف قدره وكان بمجد الدولة إذ ذاك غلبة السوداء فاشتغل بمداواته وصنف هناك كتاب المعاد وأقام بها إلى أن قصد شمس الدولة بعد قتل هلال بن بدر بن حسنويه وهزيمة عسكر بغداد ثم اتفقت أسباب أوجبت الضرورة لها خروجه إلى قزوين ومنها إلى همدان واتصاله بخدمة كذبانويه والنظر في أسبابها ثم اتفق معرفة شمس الدولة وإحضاره مجلسه بسبب قولنج كان قد أصابه وعالجه حتى شفاه الله وفاز من ذلك المجلس بخلع كثيرة ورجع إلى داره بعد ما أقام هناك أربعين يوما بلياليها وصار من ندماء الأمير ثم اتفق نهوض الأمير إلى قرمسين لحرب عناز وخرج الشيخ في خدمته ثم توجه نحو همدان منهزما راجعا ثم سألوه تقلد الوزارة فتقلدها ثم اتفق تشويش العسكر عليه وإشفاقهم منه على أنفسهم
440 فكبسوا داره وأخذوه إلى الحبس وأغاروا على أسبابه وأخذوا جميع ما كان يملكه وسألوا الأمير قتله فامتنع منه وعدل إلى نفيه عن الدولة طلبا لمرضاتهم فتوارى في دار الشيخ أبي سعد ابن دخدوك أربعين يوما فعاد الأمير شمس الدولة القولنج وطلب الشيخ فحضر مجلسه فاعتذر الأمير إليه بكل الاعتذار فاشتغل بمعالجته وأقام عنده مكرما مبجلا وأعيدت الوزارة إليه ثانيا ثم سألته أنا شرح كتب أرسطوطاليس فذكر أنه لا فراغ له إلى ذلك في ذلك الوقت ولكن إن رضيت مني بتصنيف كتاب أورد فيه ما صح عندي من هذه العلوم بلا مناظرة مع المخالفين ولا اشتغال بالرد عليهم فعلت ذلك فرضيت به فابتدأ بالتطبيعيات من كتاب سماه كتاب الشفاء وكان قد صنف الكتاب الأول من القانون وكان يجتمع كل ليلة في داره طلبة العلم وكنت أقرأ من الشفاء وكان يقرئ غيري من القانون نوبة فإذا فرغنا حضر المغنون على اختلاف طبقاتهم وهيئ مجلس الشراب بآلاته وكنا نشتغل به وكان التدريس بالليل لعدم الفراغ بالنهار خدمة للأمير فقضينا على ذلك زمنا ثم توجه شمس الدين إلى طارم لحرب الأمير بها وعاوده القولنج قرب ذلك الموضع واشتد عليه وانضاف إلى ذلك أمراض أخر جلبها سوء تدبيره وقلة القبول من الشيخ فخاف العسكر وفاته فرجعوا به طالبين همدان في المهد فتوفي في الطريق في المهد ثم بويع ابن شمس الدولة وطلبوا استيزار الشيخ فأبى عليهم وكاتب علاء الدولة سرا يطلب خدمته والمصير إليه والانضمام إلى جوانبه وأقام في دار أبي غالب العطار متواريا وطلبت منه إتمام كتاب الشفاء فاستحضر أبا غالب وطلب الكاغد والمحبرة فأحضرهما وكتب الشيخ في قريب من عشرين جزءا على الثمن بخطه رؤوس المسائل وبقي فيه يومين حتى كتب رؤوس المسائل كلها بلا كتاب يحضره ولا أصل يرجع إليه بل من حفظه وعن ظهر قلبه ثم ترك الشيخ تلك الأجزاء بين يديه و أخذ الكاغد فكان ينظر في كل مسألة ويكتب شرحها فكان يكتب كل يوم خمسين ورقة حتى أتى على جميع الطبيعيات والإلهيات ما خلا كتابي الحيوان والنبات وابتدأ بالمنطق وكتب منه جزءا ثم أتهمه تاج الملك بمكاتبته علاء الدولة فأنكر عليه ذلك وحث في طلبه فدل عليه بعض أعدائه فأخذوه وأدوه إلى قلعة يقال لها فردجان وأنشأ هناك قصيدة منها (دخولي باليقين كما تراه * وكل الشك في أمر الخروج) الوافر وبقي فيها أربعة أشهر ثم قصد علاء الدولة همدان وأخذها وانهزم تاج الملك ومر إلى تلك القلعة بعينها ثم رجع علاء الدولة عن همدان وعاد تاج الملك وابن شمس الدولة إلى همدان وحملوا معهم الشيخ إلى همدان ونزل في دار العلوي واشتغل هناك بتصنيف المنطق من كتاب الشفاء وكان قد صنف بالقلعة كتاب الهدايات ورسالة حي بن يقظان وكتاب القولنج وأما الأدوية
441 القلبية فإنما صنفها أول وروده إلى همدان وكان قد تقضى على هذا زمان وتاج الملك في أثناء هذا يمنيه بمواعيد جميلة ثم عن للشيخ التوجه إلى أصفهان فخرج متنكرا وأنا وأخوه وغلامان معه في زي الصوفية إلى أن وصلنا إلى طبران على باب أصفهان بعد أن قاسينا شدائد في الطريق فاستقبلنا أصدقاء الشيخ وندماء الأمير علاء الدولة وخواصه وحمل إليه الثياب والمراكب الخاصة وأنزل في محلة يقال لها كونكنبد في دار عبد الله بن بابي وفيها من الآلات والفرش ما يحتاج إليه وحضر مجلس علاء الدولة فصادف في مجلسه الإكرام والإعزاز الذي يستحقه مثله ثم رسم علاء الدولة ليالي الجمعات مجلس النظر بين يديه بحضرة سائر العلماء على اختلاف طبقاتهم والشيخ من جملتهم فما كان يطاق في شيء من العلوم واشتغل بأصفهان في تتميم كتاب الشفاء ففرغ من المنطق والمجسطي وكان قد اختصر أوقليدس والأرثماطيقي والموسيقى وأورد في كل كتاب من الرياضيات زيادات رأى أن الحاجة إليها داعية أما في المجسطي فأورد عشرة أشكال في اختلاف القطر وأورد في آخر المجسطي في علم الهيئة أشياء لم يسبق إليها وأورد في أوقليدس شبها وفي الأرثماطيقي خواص حسنة وفي الموسيقى مسائل غفل عنها الأولون وتم الكتاب المعروف بالشفاء ما خلا كتابي النبات والحيوان فإنه صنفهما في السنة التي توجه فيها علاء الدولة إلى سابور خواست في الطريق وصنف أيضا في الطريق كتاب النجاة واختص بعلاء الدولة وصار من ندمائه إلى أن عزم علاء الدولة على قصد همدان وخرج الشيخ في الصحبة فجرى ليلة بين يدي علاء الدولة ذكر الخلل الحاصل في التقاويم المعمولة بحسب الأرصاد القديمة فأمر الأمير الشيخ الاشتغال برصد هذه الكواكب وأطلق له من الأموال ما يحتاج إليه وابتدأ الشيخ به وولاني اتخاذ آلاتها واستخدام صناعها حتى ظهر كثير من المسائل فكان يقع الخلل في أمر الرصد لكثرة الأسفار وعوائقها وصنف الشيخ بأصفهان الكتاب العلائي وكان من عجائب أمر الشيخ إني صحبته وخدمته خمسا وعشرين سنة فما رأيته إذا وقع له كتاب مجدد ينظر فيه على الولاء بل كان يقصد المواضع الصعبة منه والمسائل المشكلة فينظر ما قاله مصنفه فيها فيتبين مرتبته في العلم ودرجته في الفهم وكان الشيخ جالسا يوما من الأيام بين يدي الأمير وأبو منصور الجبائي حاضر فجري في اللغة مسألة تكلم الشيخ فيها بما حضره فالتفت أبو منصور إلى الشيخ يقول أنك فيلسوف وحكيم ولكن لم تقرأ من اللغة ما يرضي كلامك فيها فاستنكف الشيخ من هذا الكلام وتوفر على درس كتب اللغة ثلاث سنين واستهدى كتاب
442 تهذيب اللغة من خراسان من تصنيف أبي منصور الأزهري فبلغ الشيخ في اللغة طبقة قلما يتفق مثلها وأنشأ ثلاث قصائد ضمنها ألفاظا غريبة من اللغة وكتب ثلاثة كتب أحدها على طريقة ابن العميد والآخر على طريقة الصابي والآخر على طريقة الصاحب وأمر بتجليدها وأخلاق جلدها ثم أوعز الأمير فعرض تلك المجلدة على أبي منصور الجبائي وذكر أنا ظفرنا بهذه المجلدة في الصحراء وقت الصيد فيجب أن تتفقدها وتقول لنا ما فيها فنظر فيها أبو منصور وأشكل عليه كثير مما فيها فقال له الشيخ أن ما تجهله من هذا الكتاب فهو مذكور في الموضع الفلاني من كتب اللغة وذكر له كثير من الكتب المعروفة في اللغة كان الشيخ حفظ تلك الألفاظ منها وكان أبو منصور مجزفا فيما يورده من اللغة غير ثقة فيها ففطن أبو منصور أن تلك الرسائل من تصنيف الشيخ وأن الذي حمله عليه ما جبهه به في ذلك اليوم فتنصل واعتذر إليه ثم صنف الشيخ كتابا في اللغة سماه لسان العرب لم يصنف في اللغة مثله ولم ينقله في البياض حتى توفي فبقي على مسودته لا يهتدي أحد إلى ترتيبه وكان فد حصل للشيخ تجارب كثيرة فيما باشره من المعالجات عزم على تدوينها في كتاب القانون وكان قد علقها على أجزاء فضاعت قبل تمام كتاب القانون من ذلك أنه صدع يوما فتصور أن مادة تريد النزول إلى حجاب رأسه وأنه لا يأمن ورما ينزل فيه فأمر بإحضار ثلج كثير ودقه ولفه في خرقة وتغطية رأسه بها ففعل ذلك حتى قوي الموضع وامتنع عن قبول تلك المادة وعوفي ومن ذلك أن امرأة مسلولة بخوارزم أمرها أن لا تتناول شيئا من الأدوية سوى الجلنجبين السكري حتى تناولت على الأيام مقدار مائة منه وشفيت المرأة وكان الشيخ قد صنف بجرجان المختصر الأصغر في المنطق وهو الذي وضعه بعد ذلك في أول النجاة ووقعت نسخة إلى شيراز فنظر فيها جماعة من أهل العلم هناك فوقعت لهم الشبه في مسائل منها فكتبوها على جزء وكان القاضي بشيراز من جملة القوم فأنفذ بالجزء إلى أبي القاسم الكرماني صاحب إبراهيم من بابا الديلمي المشتغل بعلم التناظر وأضاف إليه كتابا إلى الشيخ أبي القاسم وأنفذهما على يدي ركابي قاصد وسأله عرض الجزء على الشيخ واستيجاز أجوبته فيه وإذا الشيخ أبي القاسم دخل على الشيخ عند اصفرار الشمس في يوم صائف وعرض عليه الكتاب والجزء فقرأ الكتاب ورده عليه وترك الجزء بين يديه وهو ينظر فيه والناس يتحدثون ثم خرج أبو القاسم وأمرني الشيخ بإحضار البياض وقطع أجزاء منه فشددت خمسة أجزاء كل واحد منها عشرة أوراق
443 بالربع الفرعوني وصلينا العشاء وقدم الشمع فأمر بإحضار الشراب وأجلسني وأخاه وأمرنا بتناول الشراب وابتدأ هو بجواب تلك المسائل وكان يكتب ويشرب إلى نصف الليل حتى غلبني وأخاه النوم فأمر بالانصراف فعند الصباح قرع الباب فإذا رسول الشيخ يستحضرني فحضرته وهو على المصلى وبين يديه الأجزاء الخمسة فقال خذها وصر بها إلى الشيخ أبي القاسم الكرماني وقل له استعجلت في الأجوبة عنها لئلا يتعوق الركابي فلما حملته إليه تعجب كل العجب وصرف الفيج وأعلمهم بهذه الحالة وصار هذا الحديث تاريخا بين الناس ووضع في حال الرصد آلات ما سبق إليها وصنف فيها رسالة وبقيت أنا ثماني سنين مشغولا بالرصد وكان غرضي تبين ما يحكيه بطليموس عن قصته في الأرصاد فتبين لي بعضها وصنف الشيخ كتاب الأنصاف واليوم الذي قدم فيه السلطان مسعود إلى أصفهان نهب عسكره رحل الشيخ وكان الكتاب في جملته وما وقف له على أثر وكان الشيخ قوي القوى كلها وكانت قوة المجامعة من قواه الشهوانية أقوى وأغلب وكان كثيرا ما يشتغل به فأثر في مزاجه وكان الشيخ يعتمد على قوة مزاجه حتى صار أمره في السنة التي حارب فيها علاء الدولة تاش فراش على باب الكرخ إلى أن أخذ الشيخ قولنج ولحرصه على برئه إشفاقا من هزيمة يدفع إليها ولا يتأتى له المسير فيها مع المرض حقن نفسه في يوم واحد ثمان كرات فتقرح بعض أمعائه وظهر به سحج وأحوج إلى المسير مع علاء الدولة فأسرعوا نحو ايذج فظهر به هناك الصرع الذي يتبع علة القولنج ومع ذلك كان يدبر نفسه ويحقن نفسه لأجل السحج ولبقية القولنج فأمر يوما باتخاذ دانقين من بزر الكرفس في جملة ما يحتقن به وخلطه بها طلبا لكسر الرياح فقصد بعض الأطباء الذي كان يتقدم هواليه بمعالجته وطرح من بزر الكرفس خمسة دراهم لست أدري أعمد فعله أم خطأ لأنني لم أكن معه فازداد السحج به من حدة ذلك البزر وكان يتناول المثرود بطوس لأجل الصرع فقام بعض غلمانه وطرح شيئا كثيرا من الأفيون فيه وناوله فأكله وكان سبب ذلك خيانتهم في مال كثير من خزانته فتمنوا هلاكه ليأمنوا عاقبة أعمالهم ونقل الشيخ كما هو إلى أصفهان فاشتغل بتدبير نفسه وكان من الضعف بحيث لا يقدر على القيام فلم يزل يعالج نفسه حتى قدر على المشي وحضر مجلس علاء الدولة لكنه مع ذلك لا يتحفظ ويكثر التخليط في أمر المجامعة ولم يبرأ من العلة كل البرء فكان ينتكس ويبرأ كل وقت ثم قصد علاء الدولة همدان فسار معه الشيخ فعاودته في الطريق تلك العلة إلى أن وصل إلى همدان وعلم أن قوته قد سقطت وأنها لا تفي بدفع المرض فأهمل مداواة نفسه وأخذ يقول المدبر الذي كان يدبر بدني قد عجز عن التدبير والآن فلا تنفع المعالجة وبقي على هذا أياما ثم انتقل إلى جوار ربه
444 وكان عمره ثلاثا وخمسين سنة وكان موته في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة وكانت ولادته في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة هذا آخر ما ذكره أبو عبيد من أحوال الشيخ الرئيس وقبره تحت السور من جانب القبة من همدان وقيل إنه نقل إلى أصفهان ودفن في موضع على باب كونكنبد ولما مات ابن سينا من القولنج الذي عرض له قال فيه بعض أهل زمانه (رأيت ابن سينا يعادي الرجال * وبالحبس مات أخس الممات) (فلم يشف ما ناله بالشفا * ولم ينج من موته بالنجاة) المتقارب وقوله بالحبس يريد انحباس البطن من القولنج الذي أصابه والشفاء والنجاة يريد الكتابين من تأليفه وقصد بهما الجناس في الشعر ومن كلام الشيخ الرئيس وصية أوصى بها بعض أصدقائه وهو أبو سعيد ابن أبي الخير الصوفي قال ليكن الله تعالى أول فكر له وآخره وباطن كل اعتبار وظاهره ولتكن عين نفسه مكحولة بالنظر إليه وقدمها موقوفة على المثول بين يديه مسافرا بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى وإذا انحط إلى قراره فلينزه الله تعالى في آثاره فإنه باطن ظاهر تجلى لكل شيء بكل شيء (ففي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد) المتقارب فإذا صارت هذه الحال له ملكة انطبع فيها نقش الملكوت وتجلى له قدس اللاهوت فألف الإنس الأعلى وذاق اللذة القصوى وأخذ عن نفسه من هو بها أولى وفاضت عليه السكنية وحقت عليه الطمأنينة وتطلع إلى العالم الأدنى اطلاع راحم لأهله مستوهن لحيله مستخف لثقله مستحسن به لعقله مستضل لطرقه وتذكر نفسه وهي بها لهجة وببهجتها بهجة فتعجب منها ومنهم تعجبهم منه وقد ودعها وكان معها كأنه ليس معها وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة وأمثل السكنات الصيام وأنفع البر الصدقة وأزكى السر الاحتمال وأبطل السهي المراءاة ولن تخلص النفس عن الدرن ما التفتت إلى قيل وقال ومناقشة وجدال وانفعلت بحال من الأحوال وخير العمل ما صدر عن خالص نية وخير النية ما ينفرج عن جناب علم والحكمة أم الفضائل ومعرفة الله أول الأوائل إليه * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * ثم يقبل على هذه النفس المزينة بكمالها الذاتي فيحرسها عن التلطخ بما يشينها من الهيئآت الانقيادية للنفوس الموادية التي إذا بقيت في النفوس المزينة كان حالها عند الانفصال كحالها عند الاتصال إذ جوهرها غير مشاوب ولا مخالط وإنما يدنسها هيئة الانقياد لتلك الصواحب بل يفيدها هيئات الاستيلاء والسياسة والاستعلاء والرياسة وكذلك يهجر الكذب قولا وتخيلا حتى تحدث للنفس هيئة صدوقة فتصدق الأحلام والرؤيا وأما اللذات فيستعملها على إصلاح الطبيعة وإبقاء الشخص أو النوع أو السياسة أما المشروب فإنه يهجر شربه تلهيا
445 بل تشفيا وتداويا ويعاشر كل فرقة بعادته ورسمه ويسمح بالمقدور والتقدير من المال ويركب لمساعدة الناس كثيرا مما هو خلاف طبعه ثم لا يقصر في الأوضاع الشرعية ويعظم السنن الإلهية والمواظبة على التعبدات البدنية ويكون دوام عمره إذا خلا وخلص من المعاشرين تطربه الزينة في النفس والفكرة في الملك الأول وملكه وكيس النفس عن عيار الناس من حيث لا يقف عليه الناس عاهد الله أنه يسير بهذه السيرة ويدين بهذه الديانة والله ولي الذين آمنوا وهو حسبنا ونعم الوكيل ومن شعر الشيخ الرئيس قال في النفس وهي من أجل قصائده وأشرفها (هبطت إليك من المحل الأرفع * ورقاء ذات تعزز وتمنع) (محجوبة عن كل مقلة عارف * وهي التي سفرت ولم تتبرقع) (وصلت على كره إليك وربما * كرهت فراقك وهي ذات تفجع) (أنفت وما أنست فلما واصلت * ألفت مجاورة الخراب البلقع) (وأظنها نسيت عهودا بالحمى * ومنازلا بفراقها لم تقنع) (حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها * في ميم مركزها بذات الأجرع) (علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت * بين المعالم والطلول الخضع) (تبكي إذا ذكرت ديارا بالحمى * بمدامع تهمي ولما تقطع) (وتظل ساجعة على الدمن التي * درست بتكرار الرياح الأربع) (إذ عاقها الشرك الكثيف وصدها * قفص عن الأوج الفسيح الأريع) (حتى إذا قرب المسير إلى الحمى * ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع) (سجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت * ما ليس يدرك بالعيون الهجع) (وغدت مفارقة لكل مخلف * عنها حليف الترب غير مشيع) (وبدت تغرد فوق ذروة شاهق * سام إلى قعر الحضيض الأوضع) (إن كان أرسلها الإله لحكمة * طويت عن الفطن اللبيب الأروع) (فهبوطها إن كان ضربة لازب * لتكون سامعة بما لم تسمع) (وتعود عالمة بكل خفية * في العالمين فخرقها لم يرقع) (وهي التي قطع الزمان طريقها * حتى لقد غربت بغير المطلع) (فكأنه برق تألق للحمى * ثم انطوى فكأنه لم يلمع) الكامل وقال في الشيب والحكمة والزهد (أما أصبحت عن ليل التصابي * وقد أصبحت عن ليل الشباب) (تنفس في عذارك صبح شيب * وعسعس ليله فكم التصابي)
446 (شبابك كان شيطانا مريدا * فرجم من مشيبك بالشهاب) (وأشهب من بزاة الدهر خوى * على فودي فألمأ بالغراب) (عفا رسم الشباب ورسم دار * لهم عهدي بها مغنى رباب) (فذاك أبيض من قطرات دمعي * وذاك أخضر من قطر السحاب) (فذا ينعي إليك النفس نعيا * وذالكم نشور للروابي) (كذا دنياك ترأب لانصداع * مغالطة وتبني للخراب) (ويعلق مشمئز النفس عنها * فلما عفتها أغريتها بي) (فلولاها لعجلت انسلاخي * عن الدنيا وإن كانت أهابي) (عرفت عقوقها فسلوت عنها * بأشراك تعوق عن اضطراب) (بليت بعالم يعلو أذاه * سوى صبري ويسفل عن عتابي) (وسيل للصواب خلاط قوم * وكم كان الصواب سوى الصواب) (أخالطهم ونفسي في مكان * من العلياء عنهم في حجاب) (ولست بمن يلطخه خلاط * متى اغبرت إناث عن تراب) (إذا ما لحت الأبصار نالت * خيالا واشمأزت عن لباب) الوافر وقال أيضا (يا ربع نكرك الأحداث والقدم * فصار عينك كالآثار تتهم) (كأنما رسمك السر الذي لهم * عندي ونؤيك صبري الدارس الهدم) (كأنما سفعة الأثفي باقية * بين الرياض كطاجونية جثم) (أو حسرة بقيت في القلب مظلمة * عن حاجة ما قضوها إذ هم أمم) (ألا بكاه سحاب دمعه همع * بالرعد مزدفر بالبرق مبتسم) (لم لم تجدها سحاب جودها ديم * من الدموع الهوامي كلهن دم) (ليت الطلول أجابت من به أبدا * في حبهم صحة في حبهم سقم) (أو علها بلسان الحال ناطقة * قد تفهم الحال ما لا تفهم الكلم)
447 (أما ترى شيبتي تنبيك ناطقة * بأن حدي الذي استدلقته ثلم) (الشيب يوعد والآمال واعدة * والمرء يغتر والأيام تنصرم) (مالي أرى حكم الأفعال ساقطة * وأسمع الدهر قولا كله حكم) (مالي أرى الفضل فضلا يستهان به * قد أكرم النقص لما استنقص الكرم) (جولت في هذه الدنيا وزخرفها * عيني فألفيت دارا ما بها أرم) (كجيفة دودت فالدود منشؤه * فيها ومنها له الأرزاء والطعم) (سيان عندي إن بروا وإن فجروا * فليس يجري على أمثالهم قلم) (لا تحسدنهم إن جد جدهم * فالجد يجدي ولكن ما له عصم) (ليسوا وإن نعموا عيشا سوى نعم * وربما نعمت في عيشها النعم) (الواجدون غنى العادمون نهى * ليس الذي وجدوا مثل الذي عدموا) (خلقت فيهم وأيضا قد خلطت بهم * كرها فليس غنى عنهم ولا لهم) (أسكنت بينهم كالليث في أجم * رأيت ليثا له من جنسه أجم) (أني وإن بان عني من بليت به * في عينه كمه في أذنه صمم) (مميز من بني الدنيا يميزني * أقل ما في ليس الجل والعظم) (بأي مأثرة ينقاس بي أحد * بأي مكرمة تحكيني الأمم) (أمثل عنجهة شوكاء يلحق بي * أم مثل شغبر حش عرضه زيم) (فذا عجوز ولكن بعدما قعدت * وذاك جود مساع الملك متهم) (إني وإن كانت الأقلام تخدمني * كذاك يخدم كفي الصارم الخذم) (قد أشهد الروع مرتاحا فأكشفه * إذا تناكر عن تياره البهم) (الضرب محتدم والطعن منتظم * والدم مرتكم والبأس مغتلم) (والحق يافوخه من نقعهم قتر * والإفك قسطاسه من سفكهم قتم) (والبيض والسمر حمر تحت عثيره * والموت يحكم والأبطال تختصم) (وأعدل القسم في حربي وحربهم * منهم لنا غنم منا لهم عرم)
448 (أما البلاغة فاسألني الخبير بها * أنا اللسان قديما والزمان فم) (لا يعلم العلم غيري معلما علما * لأهله أنا ذاك المعلم العلم) (كانت قناة علوم الحق عاطلة * حتى جلاها بشرحي البند والعلم) (نبيد أرواحهم بالرعب نقذفه * فيهم وأجسادهم بالقضب تلتحم) (ماتت أنالة ذا الدهر اللقاح على * عزائمي وأسفت بي لها الهيم) (لو شئت كان الذي لو شئت بحت به * ما الخوف أسكت بل أن تلزم الحشم) (ولو وجدت طلاع الشمس متسعا * لحط رحل عزيمي كنت أعتزم) (ولو بكت عزماتي دونها الحشم * ولم يعم سبيلي نحوها العمم) (وكانت البيض ظلفا للعمود له * وقد تباغل عرض الخيل والحكم) (وظن أن ليس تحجيل سوى شعر * وأن للخيل في ميلادها اللجم) (وغشيت صفحات الأرض معدلة * فالأسد تنفر عن مرعى به غتم) (لكنها بقعة حف الشقاء بها * فكل صاغ إليها صاغر سدم) البسيط) وقال أيضا (هو الشيب لا بد من وخطه * فقرضه وأخضبه أو غطه) (أأقلقك الطل من وبله * وجرعت من البحر في شطه) (وكم منك سرك غصن الشباب * وريقا فلا بد من حطه) (فلا تجزعن لطريق سلكت * كم أنبت غيرك في وسطه) (ولا تجشعن فما أن ينال * من الرزق كل سوى قسطه) (وكم حاجة بذلت نفسها * ففوتها الحرص من فرطه) (إذا أخصب المرء من عقله * نشا في الزمان على قحطه) (ومن عاجل الحزم في عزمه * فإن الندامة من شرطه) (وكم ملق دونها غيلة * كما يمرط الشعر من مشطه) (إذا ما أحال أخو زلة * على الغدر فاعجل على بسطه) (وما يتعب النفس تمييزه * فلا تعجلن إلى خلطه) (ووقر أخا الشيب وألح الشباب * إذا ما تعسف في خبطه) (ولا تبغ في العذل واقصد فكم * كتبت قديما على خطه)
449 (وكم عاند النصح ذو شيبة * عناد القتاد لدى خرطه) (تراه سريعا إلى مطمع * كما أنشط البكر عن نشطه) (وكم رام ذو ملل حاشم * ليغصب حلمي فلم أعطه) (وذي حسد أسقطته لقى * فما يأنف الدهر من لقطه) (يحاول حطي عن رتبتي * قد ارتفع النجم عن حطه) (يظل على دهره ساخطا * وكم يضحك الدهر من سخطه) المتقارب وقال أيضا (قفا نجزي معاهدهم قليلا * نغيث بدمعنا الربع المحيلا) (تخونه العفاة كما تراه * فأمسى لا رسوم ولا طلولا) (لقد عشنا بها زمنا قصيرا * نقاسي بعدهم زمنا طويلا) (ومن يستثبت الدنيا بحال * يرم من مستحيل مستحيلا) (إذا ما استعرض الدنيا اعتبارا * تنحى الحرص عنها مستقيلا) (خليلي أبلغ العذال أني * هجرت تجملي هجرا جميلا) (وأني من أناس ما أحلنا * على عزم فأعقبنا نزولا) (مآقينا وأيدينا إذا ما * همين رأيتنا نعصي العذولا) (وقفت دموع عيني دون سعدي * على الأطلال ما وجدت مسيلا) (على جفني لدمعي فرض دمع * أقمت له به قلبي كفيلا) (عقدت لها الوفاء وإن عقدي * هو العقد الذي لن يستحيلا) (وكم أخت لها خطبت فؤادي * فما وجدت إلى عذري سبيلا) (أعاذل لست في شيء فأسهب * مدى الملوين أو أقصر قليلا) (فلم ير مثلها قلبي ألوفا * ولم تر مثلها أذني ملولا) (وعذل الشيب أولى لي لو أني * أطقت وإن جهدت له قبولا) (أجل قد كررت هذي الليالي * على ليلي زمانا لن يزولا) (أتنكر ذرءة لما علتني * تزين كزينة الأثر النصولا) (يعيرني ذبولي أو نحولي * كسيت الذبل والجسد النحيلا) (كما أن الخفيش أبا وجيم * يعيرني بان لست البخيلا) (يقول مبذر ليغض مني * يعد علو ذي كرم سفولا)
450 (متى وسعت لقصدي الأرض حتى * أبرز أو أنيل به جزيلا) (يقول به انخراق الكف جدا * وكم خرق وقعت به منيلا) (فجل خلل الأصابع منك واجهد * عسى أن لا تطوف ولا تنولا) (بفحش أن مالك فوق مالي * نفائس ما تصان بما أذيلا) (حكاك غباء ما أفناه بذلي * يباع ببعض ما تحوي كميلا) (يحذرك الأحبة وقع كيدي * فلست بذاك مذعورا مهولا) (سقطت عن اعتقادي فيك سوءا * فطب نفسا ولا تفرق قبيلا) (فأما أن أرعك بغير قصدي * فقد ما روع الفيل الا فيلا) الوافر وقال أيضا (أوليتني نعمة مذ صرت تلحظني * كافي الكفاة بعيني مجمل النظر) (كذا اليواقيت فيما قيل نشأتها * من حسن تأثير عين الشمس في القمر) البسيط وشكا إليه الوزير أبو طالب العلوي آثار بثر بدا على جبهته ونظم شكواه شعرا وأنفذه إليه وهو (صنيعة الشيخ مولانا وصاحبه * وغرس أنعامه بل نشء نعمته) (يشكو إليه أدام الله مدته * آثار بثر تبدى فوق جبهته) (فامنن عليه بحسم الداء مغتنما * شكر النبي له مع شكر عترته) البسيط فأجاب الشيخ الرئيس على أبياته ووصف في جوابه ما كان به برؤه من ذلك فقال (الله يشفي وينفي ما بجبهته * من الأذى ويعافيه برحمته) (أما العلاج فاسهال يقدمه * ختمت آخر أبياتي بنسخته) (وليرسل العلق المصاص يرشف من * دم القذال ويغني عن حجامته) (واللحم يهجره إلا الخفيف ولا * يدني إليه شرابا من مدامته) (والوجه يطليه ماء الورد معتصرا * فيه الخلاف مدافا وقت هجعته) (ولا يضيق منه الزر مختنقا * ولا يصيحن أيضا عند سخطته) (هذا العلاج ومن يعمل به سيرى * آثار خير ويكفى أمر علته) وقال أيضا (خير النفوس العارفات ذواتها * وحقيق كميات ماهياتها)
451 (وبم الذي حلت ومم تكونت * أعضاء بنيتها على هيئاتها) (نفس النبات ونفس حس ركبا * هلا كذاك سماته كسماتها) (يا للرجال لعظم رزء لم تزل * منه النفوس تخب في ظلماتها) وقال أيضا (هذب النفس بالعلوم لترقى * وذر الكل فهي للكل بيت) (إنما النفس كالزجاجة والعلم * سراج وحكمة الله زيت) (فإذا أشرقت فإنك حي * وإذا أظلمت فإنك ميت) الخفيف وقال أيضا (صبها في الكاس صرفا * غلبت ضوء السراج) (ظنها في الكاس نارا * فطفاها بالمزاج) الرمل وقال أيضا (قم فاسقنيها قهوة كدم الطلا * يا صاح بالقدح الملا بين الملا) (خمرا تظل لها النصارى سجدا * ولها بنو عمران أخلصت الولا) (لو أنها يوما وقد ولعت بهم * قالت ألست بربكم قالوا بلى) الكامل وقال أيضا (نزل اللاهوت في ناسوتها * كنزول الشمس في أبراج يوح) (قال فيها بعض من هام بها * مثل ما قال النصارى في المسيح) (هي والكاس وما مازجها * كأب متحد وابن روح) الرمل وقال أيضا (شربنا على الصوت القديم قديمة * لكل قديم أول هي أول) (ولو لم تكن في حيز قلت أنها * هي العلة الأولى التي لا تعلل) الطويل
452 وقال أيضا (عجبا لقوم يحسدون فضائلي * ما بين غيابي إلى عذالي) (عتبوا على فضلي وذموا حكمتي * واستوحشوا من نقصهم وكمالي) (أني وكيدهم وما عتبوا به * كالطود يحقر نطحة الأوعال) (وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه * هانت عليه ملامة الجهال) الكامل وقال أيضا (أساجية الجفون أكل خود * سجاياها استعرن من الرحيق) (هي الصهباء مخبرها عدو * وإن كانت تناغي عن صديق) الوافر وقال أيضا (أكاد أجن فيما قد أجن * فلم ير ما أرى إنس وجن) (رميت من الخطوب بمصميات * نوافذ لا يقوم بها مجن) (وجاورني أناس لو أريدوا * على منفت ما أكلوه ضنوا) (فإن عنت مسائل مشكلات * أجال سهامهم حدس وظن) (وإن عرضت خطوب معضلات * تواروا واستكانوا واستكنوا) الوافر وقال أيضا (أشكو إلى الله الزمان فصرفه * أبلى جديد قواي وهو جديد) (محن إلي توجهت فكأنني * قد صرت مغناطيس وهي حديد) الكامل وقال أيضا (تنهنه وحاذر أن ينالك بغتة * حسام كلامي أو كلام حسامي) وقال أيضا إن هذه الأبيات إذا قيلت عند رؤية عطارد وقت شرفه فإنها تفيد علما وخيرا بإذن الله تعالى
453 (عطارد قد والله طال ترددي * مساء وصبحا كي أراك فاغنما) (فها أنت فامددني قوى أدرك المنى * بها والعلوم الغامضات تكرما) (ووقني المحذور والشر كله * بأمر مليك خالق الأرض والسما) الطويل ومما ينسب إلى الشيخ الرئيس ابن سينا قصيدة فيما يحدث من الأمور والأحوال عند قران المشتري وزحل في برج الجدي بيت زحل وهو انحس البروج لكونه بيت زحل نحسن الفلك النحس الأكبر وأول القصيدة (احذر بني من القران العاشر *) وجملة ما قيل في هذه القصيدة من أحوال التتر وقتلهم للخلق وخرابهم للقلاع جرى وقد رأيناه في زماننا ومن أعجب ما أتى فيها عن التتر يفنيهم الملك المظفر وكان كذلك أفناهم الملك المظفر قطز لما وصل من الديار المصرية بعساكر الإسلام وكانت الكسرة على التتر منه في وادي كنعان كما ذكر وذلك في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة وكذلك أشياء أخر من ذلك كثيرة صحت الأحكام بها في هذه القصيدة مثل القول عن خليفة بغداد وكذا الخليفة جعفر البيت والبيت الذي يليه بعده تمحى خلافته وملكت التتر بغداد كما ذكر وكان ذلك في أول سنة سبع وخمسين وستمائة وكان الاعتماد بما في هذه القصيدة من كتاب الجفر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والله أعلم أن يكون الشيخ الرئيس قال هذه القصيدة أو غيره وقد عن لي أن اذكر القصيدة ههنا سواء كانت لابن سينا أو لغيره وهي (احذر بني من القران العاشر * وانفر بنفسك قبل نفر النافر) (لا تشغلنك لذة تلهو بها * فالموت أولى بالظلوم الفاجر) (واسكن بلادا بالحجاز وقم بها * واصبر على جور الزمان الجائر) (لا تركنن إلى البلاد فإنها * سيعمها حد الحسام الباتر) (من فتية فطس الأنوف كأنهم * سيل طما أو كالجراد الناشر) (خزر العيون تراهم في ذلة * كم قد أبادوا من مليك قاهر) (ما قصدهم إلا الدماء كأنما * ثار لهم من كل ناه آمر) (وخراب ما شاد الورى حتى ترى * قفرا عمارتهم برغم العامر)
454 (أما خراسان تعود منابتا * للعشب ليس لأهلها من جابر) (وكذا الخوارزم وبلخ بعدها * تضحي وليس بربعها من صافر) (والديلمان جبالها ودحالها * ورها ستخرب بعد أخذ نشاور) (والري يسفك فيه دم عصابة * من آل أحمد لا بسيف الكافر) (وتفر سفاك الدما منهم كما * فر الحمام من العقاب الكاسر) (فهو الخوارزمي يكسر جيشه * في نصف شهر من ربيع الآخر) (ويموت من كمد على ما ناله * من ملكه في لج بحر زاخر) (وتذل عترته وتشقى ولده * لظهور نجم للذؤابة زاهر) (ويكون في نصف القران ظهوره * لكن سعادته كلمح الناظر) (وتثور أعداه عليه ويلتقي * ويعود منهزما بصفقة خاسر) (ويكون آخر عمره في آمد * يسري إليه وما له من سائر) (وتعود عظم جيوشه مرتدة * عنه إلى الخصم الألد الفاجر) (وديار بكر سوف يقتل بعضهم * بالسيف بين أصاغر وأكابر) (وترى بآذربيج بدو خيامه * نصبت لجاجا من عدو كافر) (تفنى عساكره ويفنى جيشه * متمزقا في كل قفر واعر) (والويل ما تلقى النصارى منهم * بالذل بين أصاغر وأكابر) (والويل أن حلوا ديار ربيعة * ما بين دجلتها وبين الجازر) (ويدوخون ديار بابل كلها * من شهرزور إلى بلاد السامر) (وخلاط ترجع بعد بهجة منظر * قفرا تداوس باختلاف الحافر) (هذا وتغلق أربل من دونهم * تسعا وتفتح في النهار العاشر) (وبطون نينوه ويؤخذ مالها * ودوابها من معشر متجاور)
455 (ولربما ظهرت عساكر موصل * تبغي الأمان من الخؤون الغادر) (فتراهم نزلا بشاطئ دجلة * ومضوا إلى بلد بغير تفاتر) (وترى إلى الثرثار نهبا واقعا * ودما يسيل وهتك ستر ساتر) (ويكون يوم حريق زهرتها التي * تأتيهم مطر كبحر زاخر) (واحسرتاه على البلاد وأهلها * ماذا يكون وما لهم من ناصر) (ولربما ظهرت عليهم فتية * من آل صعصعة كرام عشائر) (يسقون من ماء الفرات خيولهم * من كل ظام فوق صهوة ضامر) (تلقاهم حلب بجيش لو سرى * في البحر أظلم بالعجاج الثائر) (وإذا مضى حد القران رأيتهم * يردون جلق وهي ذات عساكر) (يفنيهم الملك المظفر مثل ما * فنيت ثمود في الزمان الغابر) (ويبيدهم نجل الإمام محمد * بحسامه الماضي الغرار الباتر) (ولربما أبقى الزمان عصابة * منهم فيهلكهم حسام الناصر) (والترك تفني الفرس لا يبقى لهم * أثر كذا حكم المليك القادر) (في أرض كنعان تظل جسومهم * مرعى الذئاب وكل نسر طائر) (وتجول عباد الصليب عليهم * بالسيف ذات ميامن ومياسر) (يا ريع بغداد لما تحويه من * جثث محلقة ورأس طائر) (وكذا الخليفة جعفر سيظل في * أرض وليس لسبلها من خاطر) (وكذا العراق قصورها وربوعها * تلك النواحي والمشيد العامر) (يفنيهم سيف القران فيا لها * من سفرة أودت بمال التاجر) (والروم تكسرهم وتكسر بعدهم * عاما وليس لكسرها من جابر) (تمحى خلافته وينسى ذكره * بين البرية صنع رب قادر) (فترى الحصون الشامخات مهدة * لم يبق فيها ملجأ لمسافر)
456 (وترى قراها والبلاد تبدلت * بعد الأنيس بكل وحش نافر) الكامل وأنشدني بعض التجار من أهل العجم قصيدة لابن سينا في هذا المعنى على قافية الراء الساكنة وأولها (إذا شرق المريخ من أرض بابل * واقترن النحسان فالحذر الحذر) (ولا بد أن تجري أمور عجيبة * ولا بد أن تأتي بلادكم التتر) الطويل ولم يكن يحفظ إلا بعض القصيدة على غير الصواب فما نقلتها عنه وللشيخ الرئيس من الكتب كما وجدناه غير ما هو مثبت فيما تقدم من كلام أبي عبيد الجوزجاني كتاب اللواحق يذكر أنه شرح الشفاء كتاب الشفاء جمع جميع العلوم الأربعة فيه وصنف طبيعياته وإلهياتها في عشرين يوما بهمدان كتاب الحاصل والمحصول صنفه ببلده للفقيه أبي بكر البرقي في أول عمره في قريب من عشرين مجلدة ولا يوجد إلا نسخة الأصل كتاب البر والإثم صنفه أيضا للفقيه أبي بكر البرقي في الأخلاق مجلدتان ولا يوجد إلا عنده كتاب الانصاف عشرون مجلدة شرح فيه جميع كتب أرسطوطاليس وانصف فيه بين المشرقيين والمغربيين ضاع في نهب السلطان مسعود كتاب المجموع ويعرف بالحكمة العروضية صنفه وله إحدى وعشرون سنة لأبي الحسن العروضي من غير الرياضيات كتاب القانون في الطب صنف بعضه بجرجان وبالرس وتممه بهمدان وعول على أن يعمل له شرحا وتجارب كتاب الأوسط الجرجاني في المنطق صنفه بجرجان لأبي محمد الشيرازي كتاب المبدأ والمعاد في النفس صنفه له أيضا بجرجان ووجدت في أول هذا الكتاب أنه صنفه للشيخ أبي أحمد محمد إبراهيم الفارسي كتاب الارصاد الكلية صنفها أيضا بجرجان لأبي محمد الشيرازي كتاب المعاد صنفه بالري للملك مجد الدولة كتاب لسان العرب في اللغة صنفه بأصفهان ولم ينقله إلى البياض ولم يوجد له نسخة ولا مثله ووقع إلي بعض هذا الكتاب وهو غريب التصنيف كتاب دانش مايه العلائي بالفارسية صنفه لعلاء الدين بن كاكويه بأصفهان كتاب النجاة صنفه في طريق سابور خواست وهو في خدمة علاء الدولة كتاب الإشارات والتنبيهات وهي آخر ما صنف في الحكمة وأجوده وكان يضن بها كتاب الهداية في الحكمة صنفه وهو محبوس بقلعة فردجان لأخيه علي يشتمل على الحكمة مختصرا كتاب القولنج صنفه بهذه القلعة أيضا ولا يوجد تاما رسالة حي بن يقظان صنفها بهذه القلعة أيضا رمزا عن العقل الفعال كتاب الأدوية القلبية صنفها بهمدان وكتب بها إلى الشريف السعيد أبي الحسين علي بن الحسين الحسيني مقالة في النبض بالفارسية مقالة في مخارج الحروف وصنفها بأصفهان للجبائي رسالة إلى أبي سهل المسيحي في الزاوية صنفها بجرجان مقالة في القوى الطبيعية إلى أبي سعد اليمامي رسالة الطبر مرموزة تصنيف فيما يوصله إلى علم الحق كتاب الحدود مقالة في تعرض رسالة الطبيب في القوى الطبيعية كتاب عيون الحكمة يجمع العلوم الثلاثة مقالة في عكوس ذوات الجهة الخطب
457 التوحيدية في الإلهيات كتاب الموجز الكبير في المنطق وأما الموجز الصغير فهو منطق النجاة القصيدة المزدوجة في المنطق صنفها للرئيس أبي الحسن سهل بن محمد السهلي بكركانج مقالة في تحصيل السعادة وتعرف بالحجج الغر مقالة في القضاء والقدر صنفها في طريق أصفهان عند خلاصه وهربه إلى أصفهان مقالة في الهندبا مقالة في الإشارة إلى علم المنطق مقالة في تقاسيم الحكمة والعلوم رسالة في السكنجبين مقالة في اللا نهاية كتاب تعاليق علقه عنه تلميذه أبو منصور بن زيلا مقالة في خواص خط الاستواء المباحثات بسؤال تلميذه أبي الحسن بهمنيار بن المرزبان وجوابه له عشر مسائل أجاب عنها لأبي الريحان البيروني جواب ست عشرة مسئلة لأبي الريحان مقالة في هيئة الأرض من السماء وكونها في الوسط كتاب الحكة المشرقية لا يوجد تاما مقالة في تعقب المواضع الجدلية المدخل إلى صناعة الموسيقى وهو غير الموضوع في النجاة مقالة في الأجرام السماوية كتاب التدارك لأنواع خطا التدبير سبع مقالات ألفه لأبي الحسن أحمد بن محمد السهلي مقالة في كيفية الرصد ومطابقته مع العلم الطبيعي مقالة في الأخلاق رسالة إلى الشيخ أبي الحسن سهل بن محمد السهلي في الكيمياء مقالة في آلة رصدية صنعها بأصفهان عند رصده لعلاء الدولة مقالة في غرض قاطيغورياس الرسالة الأضحوية في المعاد صنفها للأمير أبي بكر محمد بن عبيده معتصم الشعراء في العروض صنفه ببلاده وله سبع عشرة سنة مقالة في حد الجسم الحكمة العرشية وهو كلام مرتفع في الآلهيات عهد له عاهد الله به لنفسه مقالة في أن علم زيد غير علم عمرو كتاب تدبير الجند والمماليك والعساكر وأرزاقهم وخراج الممالك مناظرات جرت له في النفس مع أبي علي النيساروي خطب وتمجيدات وأسجاع جواب يتضمن الاعتذار فيما نسب إليه من الخطب مختصر أوقليدس أظنه المضمون إلى النجاة مقالة الأرثماطيقي عشر قصائد وأشعار في الزهد وغيره يصف فيها أحواله رسائل بالفارسية والعربية ومخاطبات ومكاتبات وهزليات تعاليق مسائل حنين في الطب قوانين ومعالجات طبية مسائل عدة طبية عشرون مسألة سأله عنها بعض أهل العصر مسائل ترجمها بالتذاكير جواب مسائل كثيرة رسالة له إلى علماء بغداد يسألهم الانصاف بينه وبين رجل همداني يدعي الحكمة رسالة إلى صديق يسأله الانصاف بينه وبين الهمداني الذي يدعي الحكمة جواب لعدة مسائل كلام له في تبين ماهية الحروف شرح كتاب النفس لأرسطوطاليس ويقال إنه من الانصاف مقالة في النفس تعرف بالفصول مقالة في إبطال أحكام النجوم كتاب الملح في النحو فصول إلهية في إثبات الأول فصول في النفس وطبيعيات رسالة إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي في الزهد مقالة في أنه لا يجوز أن يكون شيء واحد جوهرا وعرضا مسائل جرت بينه وبين بعض الفضلاء في فنون العلوم تعليقات استفادها أبو الفرج الطبيب الهمداني من مجلسه وجوابات له مقالة ذكرها في تصانيفه أنها في الممالك وبقاع الأرض مختصر في أن الزاوية التي من المحيط والمماس لا كمية لها أجوبة لسؤالات سأله عنها أبو الحسن العامري وهي أربع عشرة مسألة كتاب الموجز الصغير في المنطق كتاب قيام الأرض في وسط السماء ألفه لأبي الحسين أحمد بن محمد السهلي كتاب مفاتيح الخزائن في المنطق كلام في الجوهر والعرض كتاب تأويل الرؤيا مقالة في الرد على مقالة الشيخ أبي الفرج بن الطيب رسالة في العشق
458 ألفها لأبي عبيد الله الفقيه رسالة في القوى الإنسانية وإدراكاتها قول في تبين ما الحزن وأسبابه مقالة إلى أبي عبيد الله الحسين بن سهل بن محمد السهلي في أمر مشوب ألايلاقي هو السيد أبو عبد الله محمد بن يوسف شرف الدين شريف النسب فاضل في نفسه خبير بصناعة الطب والعلوم الحكمية وهي من جملة تلاميذ الشيخ الرئيس والآخذين عنه وقد اختصر كتاب القانون وأجاد في تأليفه وللأيلاقي من الكتب باختصار كتاب القانون لابن سينا كتاب الأسباب والعلامات أبو الريحان البيروني هو الأستاذ أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني منسوب إلى بيرون وهي مدينة في السند كان مشتغلا بالعلوم الحكمية فاضلا في علم الهيئة والنجوم وله نظر جيد في صناعة الطب وكان معاصر الشيخ الرئيس وبينهما محادثات ومراسلات وقد وجدت للشيخ الرئيس أجوبة ومسائل سأله عنها أبو الريحان البيروني وهي تحتوي على أمور مفيدة في الحكمة وأقام أبو الريحان البيروني بخوارزم ولأبي الريحان البيروني من الكتب كتاب الجماهر في الجواهر وأنواعها وما يتعلق بهذا المعنى ألفه للملك المعظم شهاب الدولة أبي الفتح مودود بن مسعود بن محمود كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية كتاب الصيدلة في الطب استقصى فيه معرفة ماهيات الأدوية ومعرفة أسمائها واختلاف آراء المتقدمين وما تكلم كل واحد من الأطباء وغيرهم فيه وقد رتبه على حروف المعجم كتاب مقاليد الهيئة كتاب تسطيح الكرة كتاب العمل بالأصطرلاب كتاب القانون المسعودي ألفه لمسعود بن محمود بن سبكتكين وحذا فيه حذو بطليموس كتاب التفهيم في صناعة التنجيم مقالة في تلافي عوارض الزلة في كتاب دلائل القبلة رسالة في تهذيب الأقوال مقالة في استعمال الأصطرلاب الكري كتاب الأطلال كتاب الزيج المسعودي ألفه للسلطان مسعود بن محمود ملك غزنة اختصار كتاب بطليموس القلوذي وتوفي في عشر الثلاثين والأربعمائة ابن مندويه الأصفهاني هو أبو علي أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه من الأطباء المذكورين في بلاد العجم وخدم هنالك جماعة من ملوكها ورؤسائها وكانت له أعمال مشهورة مشكورة في صناعة الطب وكان من البيوتات الأجلاء بأصفهان وكان أبوه عبد الرحمن بن مندويه فاضلا في علم الأدب وافر الدين وله أشعار
459 حسنة من ذلك قال (ويحرز أموالا رجال أشحة * وتشغل عما خلفهن و تذهل) (لعمرك ما الدنيا بشيء ولا المنى * بشيء ولا الإنسان إلا معلل) الطويل وقال أيضا (ويمسي المرء ذا أجل قريب * وفي الدنيا له أمل طويل) (ويعجل بالرحيل وليس يدري * إلى ماذا يقر به الرحيل) الوافر ولأبي علي بن مندويه الأصفهاني من الكتب رسائل عدة من ذلك أربعون رسالة مشهورة إلى جماعة من أصحابه في الطب وهي رسالة إلى أحمد بن سعد في تدبير الجسد رسالة إلى عباد بن عباس في تدبير الجسد رسالة إلى أبي الفضل العارض في تدبير الجسد رسالة إلى أبي القاسم أحمد ابن علي بن بحر في تدبير المسافر رسالة إلى حمزة بن الحسن في تركيب طبقات العين رسالة إلى أبي الحسن الوارد في علاج انتشار العين رسالة إلى عباد بن عباس في وصف انهضام الطعام رسالة إلى أحمد بن سعد في وصف المعدة والقصد لعلاجها رسالة إلى مستفسر في تدبير جسده وعلاج دائه رسالة إلى أبي جعفر أحمد بن محمد بن الحسن في القولنج رسالة أخرى إليه في تدبير أصحاب القولنج وتدبير أصحاب القولنج في أيام صحته فيتدافع عنه بعون الله تعالى رسالة إلى أبي محمد بن أبي جعفر في تدبير ضعف الكلى لمن يستبشع الحقنة رسالة إلى أبي الفضل في علاج المثانة رسالة إلى الأستاذ الرئيس في علاج شقاق البواسير رسالة في أسباب الباه رسالة في الإبانة عن السبب الذي يولد في الأذن القرقرة عند اتقاد النار في خشب التين رسالة إلى الوثاي في علاج وجع الركبة رسالة إلى أبي الحسن بن دليل في علاج الحكة العارضة للمشيخة رسالة في فعل الأشربة في الجسد رسالة في وصف مسكر الشراب ومنافعه ومضاره رسالة إلى حمزة بن الحسن في أن الماء لا يغذو رسالة في نعت النبيذ ووصف أفعاله ومنافعه ومضاره رسالة إلى ابنه في علاج بثور خرجت بجسده بماء الجبن وهو صغير رسالة في منافع الفقاع ومضاره رسالة إلى أبي الحسين أحمد بن سعيد في الخنديقون والبقاع وجوابه إليه رسالة إلى بعض إخوانه في التمر الهندي رسالة إلى بعض إخوانه في الكافور رسالة إلى حمزة بن الحسن في النفس والروح على رأي اليونانيين رسالة أخرى إلى حمزة بن الحسن في الاعتذار عن اعتلال الأطباء رسالة في الرد على كتاب نقض الطب المنسوب إلى الجاحظ رسالة إلى حمزة بن الحسن في الرد على من أنكر حاجة الطبيب إلى علم اللغة رسالة إلى المتقلدين علاج المرضى بيمارستان أصفهان رسالة إلى أبي الحسن بن سعيد في البحث عما ورد من أبي حكيم إسحق بن يوحنا الطبيب الأهوازي في شأن علته رسالة إلى يوسف بن يزداد المتطبب في إنكاره دخول لعاب بزر الكتان في أدوية الحقنة رسالة أبي محمد عبد الله بن إسحاق الطبيب ينكر عليه ضروبا من العلاج رسالة أخرى إلى أبي محمد المتطبب في علة الأمير المتوفي شيرزيل بن ركن الدولة رسالة أخرى إلى أبي محمد المديني في شأن التكميد بالجاورس رسالة أخرى لأبي مسلم محمد بن بحر عن
460 لسان أبي محمد الطبيب المديني رسالة في علة الأهزال أحمد ابن إسحاق البرجي وذكر الغلط الجاري من يوسف ابن اصطفن المتطبب رسالة في أوجاع الأطفال كناش كتاب المدخل إلى الطب كتاب الجامع المختصر من علم الطب وهو عشر مقالات كتاب المغاث في الطب كتاب في الشراب كتاب الأطعمة والأشربة كتاب نهاية الاختصار في الطب كتاب الكافي في الطب ويعرف أيضا بكتاب القانون الصغير ابن أبي صادق هو أبو القاسم عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن أبي صادق النيسابوري طبيب فاضل بارع في العلوم الحكمية كثير الدراية للصناعة الطبية له حرص بالغ في التطلع على كتب جالينوس وما أودعه فيه من غوامض صناعة الطب وأسرارها شديد الفحص عن أصولها وفروعها وكان فصيحا بليغ الكلام وما فسره من كتب جالينوس فهو في نهاية الجودة والإتقان كما وجدنا تفسيره كتاب منافع الأعضاء لجالينوس فإنه أجهد نفسه فيه وأجاد في تلخيص معانيه وهو أيضا يقول في أوله وأما نحن فقد حررنا معاني هذا الكتاب شرحا للعويص وحذفا للزائد ونظما للمتشتت وإضافة إليه مما وجدته من الزيادات في مصنفات جالينوس ومصنفات غيره من المحصلين في هذا الباب ورتبنا كل مقالة تعليما تعليما وألحقنا بأواخر كل منها ما يتبين به في تشريح عضو عضو يتضمن منافعه تلك المقالة ليسهل على من أراد تشريح أي عضو كان أو منافع أي جزء من أجزائه وجدانه وكان فراغه من هذا الكتاب في سنة تسع وخمسين وأربعمائة وحدثني بعض الأطباء أن ابن أبي صادق كان قد اجتمع بالشيخ الرئيس ابن سينا وقرأ عليه وكان من جملة تلامذته والآخذين عنه وهذا لا استبعده بل هو أقرب إلى الصحة فإن ابن أبي صادق لحق زمان ابن سينا وكان في بلاد العجم وسمعة ابن سينا كانت عظيمة وكذلك غزارة علمه وكثرة تلامذته وكان أكبر من ابن أبي صادق قدرا وسنا ولابن أبي صادق من الكتب شرح كتاب المسائل في الطب لحنين بن إسحاق اختصار شرحه الكبير لكتاب المسائل لحنين شرح كتاب الفصول لأبقراط ووجد خطه على هذا الشرح بتاريخ سنة ستين وأربعمائة على قراءة من قرأه عليه شرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط شرح كتاب منافع الأعضاء لجالينوس ووجدت الأصل من هذا الكتاب تاريخ الفراغ منه في سنة تسع وخمسين وأربعمائة موقعا عليه بخط ابن أبي صادق ما هذا مثاله بلغت المقابلة وصح إن شاء الله تعالى وبه الثقة وكتب أبو القاسم بخطه حل شكوك الرازي على كتب جالينوس كتاب التاريخ طاهر بن إبراهيم السجري هو الشيخ أبو الحسين طاهر بن إبراهيم بن محمد بن طاهر السجري كان طبيبا فاضلا عالما بصناعة الطب متميزا فيها خبيرا بأعمالها وله من الكتب كتاب إيضاح منهاج محجة العلاج ألفه للقاضي أبي الفضل محمد بن حمويه
461 كتاب في شرح البول والنبض تقسيم كتاب الفصول لأبقراط ابن خطيب الري هو الإمام فخر الدين أبو عبد الله محمد بن العمر بن الحسين الرازي أفضل المتأخرين وسيد الحكماء المحدثين قد شاعت سيادته وانتشرت في الآفاق مصنفاته وتلامذته وكان إذا ركب يمشي حوله ثلاثمائة تلميذ فقهاء وغيرهم وكان خوارزمشاه يأتي إليه وكان ابن الخطيب شديد الحرص جدا في سائر العلوم الشرعية والحكمية جيد الفطرة حاد الذهن حسن العبارة كثير البراعة قوي النظر في صناعة الطب ومباحثها عارفا بالأدب وله شعر بالفارسي والعربي وكان عبل البدن ربع القامة كبير اللحية وكان في صوته فخامة وكان يخطب ببلده الري وفي غيرها من البلاد ويتكلم على المنبر بأنواع من الحكمة وكان الناس يقصدونه من البلاد ويهاجرون إليه من كل ناحية على اختلاف مطالبهم في العلوم وتفننهم فيما يشتغلون به فكان كل منهم يجد عنده النهاية القصوى فيما يرومه منه وكان الإمام فخر الدين قد قرأ الحكمة على مجد الدولة الجيلي بمراغة وكان مجد الدين هذا من الأفاضل العظماء في زمانه وله تصانيف جليلة وحكى لنا القاضي شمس الدين الخوئي عن الشيخ فخر الدين أنه قال والله إنني أتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم في وقت الأكل فإن الوقت والزمان عزيز وحدثني محيي الدين قاضي مرند قال لما كان الشيخ فخر الدين بمرند أقام بالمدرسة التي كان أبي مدرسها وكان يشتغل عنه بالفقه ثم اشتغل بعد ذلك لنفسه بالعلوم الحكمية وتميز حتى لم يوجد في زمانه آخر يضاهيه واجتمعت به أيضا بهمدان وهراة واشتغلت عليه قال وكان لمجلسه جلالة عظيمة وكان يتعاظم حتى على الملوك وكان إذا جلس للتدريس يكون قريبا منه جماعة من تلاميذه الكبار مثل زين الدين الكشي والقطب المصري وشهاب الدين النيسابوري ثم يليهم بقية التلاميذ وسائر الخلق على قدر مراتبهم فكان من يتكلم في شيء من العلوم يباحثونه أولئك التلاميذ الكبار فإن جرى بحث مشكل أو معنى غريب شاركهم الشيخ فيما هم فيه وتكلم في ذلك المعنى بما يفوق الوصف وحدثني شمس الدين محمد الوتار الموصلي قال كنت ببلد هراة في سنة وستمائة وقد قصدها الشيخ فخر الدين بن الخطيب من بلد باميان وهو في أبهة عظيمة وحشم كثير فلما ورد إليها تلقاه السلطان بها وهو حسين بن خرمين وأكرمه إكراما كثيرا ونصب له بعد ذلك منبرا وسجادة في صدر الديوان من الجامع بها ليجلس في ذلك الموضع ويكون له يوم مشهور يراه فيه سائر الناس ويسمعون كلامه وكنت في ذلك اليوم حاضرا مع جملة الناس والشيخ فخر الدين في صدر الإيوان وعن جانبيه يمنة ويسرة صفان من مماليكه الترك متكئين على السيوف وجاء فيه السلطان حسين بن
462 خرمين صاحب هراة فسلم وأمره الشيخ بالجلوس قريبا منه وجاء إليه أيضا السلطان محمود ابن أخت شهاب الدين الغوري صاحب فيروز كوه فسلم وأشار إليه الشيخ بالجلوس في موضع آخر قريبا منه من الناحية الأخرى وتكلم الشيخ في النفس بكلام عظيم وفصاحة بليغة قال وبينما نحن في ذلك الوقت وإذا بحمامة في دائر الجامع ووراءها صقر يكاد أن يقتنصها وهي تطير في جوانبه إلى أن أعيت فدخلت الإيوان الذي فيه الشيخ ومرت طائرة بين الصفين إلى أن رمت بنفسها عنده وبخت فذكر لي شرف الدين بن عنين أنه عمل شعرا على البديه ثم نهض لوقته واستأذنه في أن يورد شيئا قد قاله في المعنى فأمره الشيخ بذلك فقال (جاءت سليمان الزمان بشجوها * والموت يلمع من جناحي خاطف) (من نبأ الورقاء أن محلكم * حرز وأنك ملجأ للخائف) الكامل فطرب لها الشيخ فخر الدين واستدناه وأجلسه قريبا منه وبعث إليه بعد ما قام من مجلسه خلعة كاملة ودنانير كثيرة وبقي دائما محسنا إليه قال لي شمس الدين الوتار لم ينشد قدامي لابن خطيب الري سوى هذين البيتين وإنما بعد ذلك زاد فيها أبياتا أخر هذا قوله وقد وجدت الأبيات المزادة في ديوانه على هذا المثال (يا ابن الكرام المطعمين إذا استوى * في كل مخمصة وثلج خاشف) (العاصمين إذا النفوس تطايرت * بين الصوارم والوشيج الراعف) (من نبأ الورقاء أن محلكم * حرم وإنك ملجأ للخائف) (وفدت إليك وقد تدانى حتفها * فحبوتها ببقائها المستأنف) (ولو أنها تحبى بمال لانثنت * من راحتيك بنائل متضاعف) (جاءت سليمان الزمان بشجوها * والموت يلمع من جناحي خائف) (قرم لواه القوت حتى ظله * بإزائه يجري بقلب راجف) الكامل
463 أقول ومما حكاه شرف الدين بن عنين أنه حصل من جهة فخر الدين بن خطيب الري وبجاهه في بلاد العجم نحو ثلاثين ألف دينار ومن شعره فيه قوله وسيرها إليه من نيسابور إلى هراة (ريح الشمال عساك أن تتحملي * خدمي إلى الصدر الإمام الأفضل) (وقفي بواديه المقدس وانظري * نور الهدى متألقا لا يأتلي) (من دوحة فخرية عمرية * طابت مغارس مجدها المتأثل) (مكية الأنساب زاك أصلها * وفروعها فوق السماك الأعزل) (واستمطري جدوى يديه فطالما * خلف الحيا في كل عام ممحل) (نعم سحائبها تعود كما بدت * لا يعرف الوسمي منها والولي) (بحر تصدر للعلوم ومن رأى * بحرا تصدر قبله في محفل) (ومشمر في الله يسحب للتقى * والدين سربال العفاف المسبل) (ماتت به بدع تمادى عمرها * دهرا وكاد ظلامها لا ينجلي) (فعلا به الإسلام أرفع هضبة * ورسا سواه في الحضيض الأسفل) (غلط أمرؤ بأبي علي قاسه * هيهات قصر عن هداه أبو علي) (لو أن رسطاليس يسمع لفظه * من لفظه لعرته هزة أفكل) (ويحار بطليموس لو لاقاه من * برهانه في كل شكل مشكل) (فلو أنهم جمعوا لديه تيقنوا * أن الفضيلة لم تكن للأول) (وبه يبيت الحلم معتصما إذا * هزت رياح الطيش ركني يذبل) (يعفو عن الذنب العظيم تكرما * ويجود مسؤولا وأن لم يسأل) (أرضى الإله بفضله ودفاعه * عن دينه وأقر عين المرسل) (يا أيها المولى الذي درجاته * ترنو إلى فلك الثوابت من عل) (ما منصب إلا وقدرك فوقه * فبمجدك السامي يهني ما تلي) (فمتى أراد الله رفعة منصب * أفضى إليك فنال أشرف منزل) (لا زال ربعك للوفود محطة * أبدا وجودك كهف كل مؤمل) الكامل
464 ويحدثني نجم الدين يوسف بن شرف الدين علي بن محمد الأسفزاري قال كان الشيخ الإمام ضياء الدين عمر والد الإمام فخر الدين من الري وتفقه واشتغل بعلم الخلاف والأصول حتى تميز تميزا كثيرا وصار قليل المثل وكان يدرس بالري ويخطب في أوقات معلومة هنالك ويجتمع عنده خلق كثير لحسن ما يورده وبلاغته حتى اشتهر بذلك بين الخاص والعام في تلك النواحي وله تصانيف عدة توجد في الأصول وفي الوعظ وغير ذلك وخلف ولدين أحدهما الإمام فخر الدين والآخر وهو الأكبر سنا كان يلقب بالركن وكان هذا الركن قد شدا شيئا من الخلاف والفقه والأصول إلا أنه كان أهوج كثير الاختلال فكان أبدا لا يزال يسير خلف أخيه فخر الدين ويتوجه إليه في أي بلد قصده ويشنع عليه ويسفه المشتغلين بكتبه والناظرين في أقواله ويقول ألست أكبر منه واعلم منه وأكثر معرفة بالخلاف والأصول فما للناس يقولون فخر الدين فخر الدين ولا أسمعهم يقولون ركن الدين وكان ربما صنف بزعمه شيئا ويقول هذا خير من كلام فخر الدين ويثلبه والجماعة يعجبون منه وكثير منهم يصفونه ويهزأون به وكان الإمام فخر الدين كلما بلغه شيء من ذلك صعب عليه ولم يؤثر أن أخاه بتلك الحالة ولا أحد يسمع قوله وكان دائم الإحسان إليه وربما سأله المقام في الري أو في غيره وهو يفتقده ويصله بكل ما يقدر عليه فكان كلما سأله ذلك يزيد في فعله ولا ينتقل عن حاله ولم يزل كذلك لا ينقطع عنه ولا يسكت عما هو فيه إلى أن اجتمع فخر الدين بالسلطان خوارزمشاه وأنهى إليه حال أخيه وما يقاسي منه والتمس منه أن يتركه في بضع المواضع ويوصى عليه أنه لا يمكن من الخروج والانتقال عن ذلك الموضع وأن يكون لهما يقوم بكفايته وكل ما يحتاج إليه فجعله السلطان في بعض القلاع التي له وأطلق له إقطاعا يقوم له في كل سنة بما مبلغه ألف دينار ولم يزل مقيما هنالك حتى قضى الله في أمره قال وكان الإمام فخر الدين علامة وقته في كل العلوم وكان الخلق يأتون إليه من كل ناحية ويخطب أيضا بالري وكان له مجلس عظيم للتدريس فإذا تكلم بذ القائلين وكان عبل البدن باعتدال عظيم الصدر والرأس كث اللحية ومات وهو في سن الكهولة أشمط شعر اللحية وكان كثيرا ما يذكر الموت ويؤثره ويسأل الله الرحمة ويقول إنني حصلت من العلوم ما يمكن تحصيله بحسب الطاقة البشرية وما يبيت أؤثر إلا لقاء الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم قال وخلف فخر الدين ابنين الأكبر منهما يلقب بضياء الدين وله اشتغال ونظر في العلوم والآخر وهو الصغير لقبه شمس الدين وله فطرة فائقة وذكاء خارق وكان كثيرا ما يصفه الإمام فخر الدين بالذكاء ويقول إن عاش ابني هذا فإنه يكون أعلم مني وكانت النجابة تتبين فيه من الصغر ولما توفي الإمام فخر الدين بقيت أولاده مقيمين في هراة ولقب ولده الصغير بعد
465 ذلك فخر الدين بلقب أبيه وكان الوزير علاء الملك العلوي متقلدا الوزارة للسلطان خوارزمشاه وكان علاء الملك فاضلا متقنا العلوم والأدب والشعر بالعربية والفارسية وكان قد تزوج بابنة الشيخ فخر الدين ولما جرى أن جنكز خان ملك التتر قهر خوارزمشاه وكسره وقتل أكثر عسكره وفقد خوارزمشاه توجه علاء الملك قاصدا إلى جنكز خان ومعتصما به فلما وصل إليه أكرمه وجعله عنده من جملة خواصه وعندما استولى التتر على بلاد العجم وخربوا قلاعها ومدنها وكانوا يقتلون في كل مدينة جميع من بها ولم يبقوا على أحد تقدم علاء الملك إلى جنكز خان وقد توجهت فرقة من عساكره إلى مدينة هراة ليخربوها ويقتلوا من بها فسأله أن يعطيه أمانا لأولاد الشيخ فخر الدين بن خطيب الري وأن يجيئوا بهم مكرمين إليه فوهب لهم ذلك وأعطاهم أمانا ولما ذهب أصحابه إلى هراة وشارفوا أخذها نادوا فيها بأن لأولاد فخر الدين بن الخطيب الأمان فليعزلوا ناحية في مكان ويكون هذا الأمان معهم وكان في هراة دار الشيخ فخر الدين هي دار السلطنة كان خوارزمشاه قد أعطاها له وهي من أعظم دار تكون وأكبرها وأبهاها وأكثرها زخرفة واحتفالا فلما بلغ أولاد فخر الدين ذلك أقاموا بها مأمونين والتحق بهم خلق كثير من أهاليهم وأقربائهم وأعيان الدولة وكبراء البلد وجماعة كثيرين من الفقهاء وغيرهم ظنا أن يكونوا في أمان لاتصالهم بأولاد فخر الدين ولكونهم خصيصين بهم وفي دارهم وكانوا خلقا عظيما فلما دخل التتر إلى البلد وقتلوا من وجدوه بها وانتهوا إلى الدار نادوا بأولاد فخر الدين أن يروهم فلما شاهدوهم أخذوهم عندهم وهم ضياء الدين وشمس الدين وأختهم ثم شرعوا بسائر من كان في الدار فقتلوهم عن آخرهم بالسيف وتوجهوا بأولاد الشيخ فخر الدين من هراة إلى سمرقند لأن ملك التتر جنكز خان كان في ذلك الوقت بها وعنده علاء الملك قال ولست اعلم ما تم لهم بعد ذلك أقول وكان أكثر مقام الشيخ فخر الدين بالري وتوجه أيضا إلى بلدة خوارزم ومرض بها وتوفي في عقابيله ببلدة هراة وأملى في شدة مرضه وصية على تلميذه إبراهيم بن أبي بكر بن علي الأصفهاني وذلك في يوم الأحد الحادي والعشرين من شهر المحرم سنة ست وستمائة وامتد مرضه إلى أن توفي يوم العيد غرة شوال من السنة المذكورة وانتقل إلى جوار ربه رحمه الله تعالى وهذه نسخة الوصية بسم الله الرحمن الرحيم يقول العبد الراجي رحمة ربه الواثق بكرم مولاه محمد بن عمر بن الحسين الرازي وهو في آخر
466 عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة وهو الوقت الذي يلين فيه كل قاس ويتوجه إلى مولاه كل أبق أني أحمد تعالى بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات معارجهم ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات مشاهدتهم بل أقول كل ذلك من نتائج الحدوث والإمكان فأحمده بالمحامد التي تستحقها ألوهيته ويستوجبها لكمال الموهبة عرفتها أو لم أعرفها لأنه لا مناسبة للتراب مع جلال رب الأرباب وأصلي على الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين وجميع عباد الله الصالحين ثم أقول بعد ذلك اعلموا إخواني في الدين وأخداني في طلب اليقين إن الناس يقولون الإنسان إذا مات انقطع تعلقه عن الخلق وهذا العام مخصوص من وجهين الأول أنه إن بقي منه عمل صالح صار ذلك سببا للدعاء والدعاء له أثر عند الله والثاني ما يتعلق بمصالح الأطفال والأولاد والعورات وأداء المظالم والجنايات أما الأول فاعلموا أني كنت رجلا محبا للعلم فكنت اكتب في كل شيء شيئا لا أقف على كمية وكيفية سواء كان حقا أو باطلا أو غثا أو سمينا إلا إن الذي نظرته في الكتب المعتبرة لي أن هذا العالم المحسوس تحت تدبير مدبر منزه عن مماثلة المتحيزات والأعراض وموصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن العظيم لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية لله تعالى ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات وما ذاك إلا العلم بأن العقول البشرية تتلاشى وتضمحل في تلك المضايق العميقة والمناهج الخفية فلهذا أقول كلما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عن الشركاء في القدم والأزلية والتدبير والفعالية فذاك هو الذي أقول به وألقى الله تعالى به وأما ما انتهى الأمر فيه إلى الدقة والغموض فكل ما ورد في القرآن والأخبار الصحيحة المتفق عليها بين الأئمة المتبعين للمعنى الواحد فهو كما هو والذي لم يكن كذلك أقول يا إله العالمين أني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فلك ما مر به قلمي أو خطر ببالي فاستشهد علمك وأقول إن علمت مني إني أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل بي ما أنا أهله وإن علمت مني أني ما سعيت إلا في تقرير ما اعتقدت أنه هو الحق وتصورت أنه الصدق فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي فذاك جهد المقل وأنت أكرم من أن تضايق الضعيف الواقع في الزلة فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين ولا ينتقص بخطأ المجرمين وأقول ديني متابعة محمد سيد المرسلين وكتابي هو القرآن العظيم وتعويلي في طلب الدين عليهما اللهم يا سامع الأصوات ويا مجيب الدعوات ويا مقيل العثرات ويا راحم العبرات ويا قيام المحدثات والممكنات أنا كنت حسن الظن بك عظيم الرجاء في رحمتك وأنت قلت أنا عند ظن العبد بي وأنت قلت أمن يجيب المضطر إذا دعاه وأنت قلت وإذا سألك عبادي عني فإني قريب فهب أني ما جئت بشيء فأنت الغني الكريم وأنا المحتاج اللئيم وأعلم أنه ليس لي أحد سواك ولا أجد محسنا سواك وأنا معترف بالزلة والقصور والعيب والفتور فلا تخيب رجائي ولا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الموت وعند الموت وبعد الموت وسهل علي سكرات
467 الموت وخفف عني نزول الموت ولا تضيق علي بسبب الآلام والأسقام فأنت أرحم الراحمين وأما الكتب العلمية التي صنفتها أو استكثرت من إيراد السؤالات على المتقدمين فيها فمن نظر في شيء منها فإن طابت له تلك السؤالات فليذكرني في صالح دعائه على سبيل التفضل والإنعام وإلا فليحذف القول السيئ فإني ما أردت إلا تكثير البحث وتشحيذ الخاطر واعتمادي فيه على الله تعالى وأما المهم الثاني وهو إصلاح أمر الأطفال والعورات فاعتمادي فيه على الله تعالى ثم على نائب الله محمد اللهم اجعله قرين محمد الأكبر في الدين والعلو إلا أن السلطان الأعظم لا يمكنه أن يشتغل بإصلاح مهمات الأطفال فرأيت الأولى أن أفوض وصاية أولادي إلى فلان وأمرته بتقوى الله تعالى فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وسرد الوصية إلى آخرها ثم قال وأوصيه ثم أوصيه ثم أوصيه بأن يبالغ في تربية ولدي أبي بكر فإن آثار الذكاء والفطنة ظاهرة عليه ولعل الله تعالى يوصله إلى خير وأمرته وأمرت كل تلامذتي وكل من عليه حق إني إذا مت يبالغون في إخفاء موتي ولا يخبرون أحدا به ويكفنوني ويدفنوني على شرط الشرع ويحملونني إلى الجبل المصاقب لقرية مزداخان ويدفنوني هناك وإذا وضعوني في اللحد قرأوا علي ما قدروا عليه من آيات القرآن ثم ينثرون التراب علي وبعد الإتمام يقولون يا كريم جاءك الفقير المحتاج فأحسن إليه وهذا منتهى وصيتي في هذا الباب والله تعالى الفعال لما يشاء وهو على ما يشاء قدير وبالإحسان جدير ومن شعر فخر الدين بن الخطيب أنشدني بديع الدين البندهي مما سمعه من الشيخ فخر الدين بن خطيب الري لنفسه فمن ذلك قال (نهاية إقدام العقول عقال * وأكثر سعي العالمين ضلال) (وأرواحنا في عقلة من جسومنا * وحاصل دنيانا أذى ووبال) (ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا) (وكم قد رأينا من رجال ودولة * فبادوا جميعا مسرعين وزالوا) (وكم من جبال قد علت شرفاتها * رجال فزالوا والجبال جبال) الطويل وأنشدني أيضا قال أنشدني المذكور لنفسه (فلو قنعت نفسي بميسور بلغة * لما سبقت في المكرمات رجالها) (ولو كانت الدنيا مناسبة لها * لما استحقرت نقصانها وكمالها) (ولا أرمق الدنيا بعين كرامة * ولا أتوقى سوءها واختلالها)
468 (ذلك لأني عارف بفنائها * ومستيقن ترحالها وانحلالها) (أروم أمورا يصغر الدهر عندها * وتستعظم الأفلاك طرا وصالها) الطويل وأنشدني أيضا قال أنشدني المذكور لنفسه (أرواحنا ليس تدري أين مذهبها * وفي التراب توارى هذه الجثث) (كون يرى وفساد جاء يتبعه * الله أعلم ما في خلقه عبث) الطويل نظر إلى قوله عز وجل * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) * وأنشدني بعض الفقهاء للشيخ فخر الدين بن الخطيب في مخدومه علاء الدين علي خوارزم شاه حين كسر الغوري قال (الدين ممدود الرواق موطد * والكفر محلول النطاق مبدد) (بعد علاء الدين والملك الذي * أدنى خصائصه العلى والسودد) (شمس يشق جبينه حجب السما * والليل قاري الدجنة أسود) (هو في الجحافل أن أثير غبارها * أسد ولكن في المحافل سيد) (فإذا تصدر للسماح فإنه * في ضمن راحته الخضم المزبد) (وإذا تمنطق للكفاح رأيته * في طي لأمته الهزبر الملبد) (بالجهد أدرك ما أراد من العلى * لا يدرك العلياء من لا يجهد) (أبقت مساعي أتسز بن محمد * سننا تخيرها النبي محمد) (أأعد أنعاما علي عزيزة * والكثر لا يحصى فلست أعدد) (أجرى سوابقه على عاداتها * خيل جياد وهو منها أجود) (ملك البلاد بجده وبجهده * فأطاعه الثقلان فهو مسود) (من نسل سابور ودارى نجره * صيد الملوك وذاك عندي أصيد) (خوارزم شاه جهان عشت فلا يرى * لك في الزمان على الجياد مفند) (أفنيت أعداء الإله يسفل * الماضي شباه على العداة مهند)
469 (أمروزتو ملك الزمان بأسره * لا شيء مثل علاك أنت الأوحد) (أشبهت ضحاك البلاد بسطوة * ترجى وتخشى جرخ تو وتسعد) الكامل أقول وللشيخ فخر الدين أيضا أشعارا كثيرة بالفارسي ودوبيت ولفخر الدين بن الخطيب من الكتب كتاب التيسير الكبير المسمى مفاتيح الغيب اثنتا عشر مجلدة بخطه الدقيق سوى الفاتحة فإنه أفرد لها كتاب تفسير الفاتحة مجلدة تفسير سورة البقرة على الوجه العقلي لا النقلي مجلد شرح وجيز الغزالي لم يتم حصل منه العبادات والنكاح في ثلاث مجلدات كتاب الطريقة العلائية في الخلاف أربع مجلدات كتاب لوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات كتاب المحصول في علم أصول الفقه كتاب في أبطال القياس شرح كتاب المفصل للزمخشري في النحو لم يتم شرح سقط الزند لم يتم شرح نهج البلاعة لم يتم كتاب فضائل الصحابة كتاب مناقب الشافعي كتاب نهاية العقول في دراية الأصول مجلدان كتاب المحصل مجلد كتاب المطالب العالية ثلاث مجلدات لم يتم وهو آخر ما ألف كتاب الأربعين في أصول الدين كتاب المعالم وهو آخر مصنفاته من الصغار كتاب تأسيس التقديس مجلد ألفه للسلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب فبعث له عنه ألف دينار كتاب القضاء والقدر رسالة الحدوث كتاب تعجيز الفلاسفة بالفارسية كتاب البراهين البهائية بالفارسية كتاب اللطائف الغياثية كتاب شفاء العيى والخلاف كتاب الخلق والبعث كتاب الخمسين في أصول الدين كتاب عمدة الأنظار وزينة الأفكار كتاب الأخلاق كتاب الرسالة الصاحبية كتاب الرسالة المحمدية كتاب عصمة الأنبياء كتاب الملخص كتاب المباحث المشرقية كتاب الإنارات في شرح الإشارات كتاب لباب الإشارات شرح كتاب عيون الحكمة الرسالة الكمالية في الحقائق الإلهية ألفها بالفارسية لكمال الدين محمد بن ميكائيل ووجدت شيخنا الإمام العالم تاج الدين محمد الأرموي قد نقلها إلى العربي في سنة خمس وعشرين وستمائة بدمشق رسالة الجوهر الفرد كتاب الرعاية كتاب في الرمل كتاب مصادرات أقليدس كتاب في الهندسة كتاب نفثة المصدور كتاب في ذم الدنيا كتاب الاختبارات العلائية كتاب الاختبارات السماوية كتاب إحكام الأحكام كتاب الموسوم في السر المكتوم كتاب الرياض المونقة رسالة في النفس رسالة في النبوات كتاب الملل والنحل منتخب كتاب دنكاوشا كتاب مباحث الوجود كتاب نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز كتاب مباحث الجدل كتاب مباحث الحدود كتاب الآيات البينات رسالة في التنبيه على بعض الأسرار المودعة في بعض سور القرآن العظيم كتاب الجامع الكبير لم يتم ويعرف أيضا بكتاب الطب الكبير كتاب في النبض مجلد شرح كليات القانون لم يتم وألفه للحكيم ثقة الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم السرخسي كتاب التشريح من الرأس إلى الحلق لم يتم كتاب الأشربة مسائل في الطب كتاب الزبدة كتاب الفراسة
470 القطب المصري هو الإمام قطب الدين إبراهيم بن علي بن محمد السلمي وكان أصله مغربيا وإنما انتقل إلى مصر وأقام بها مدة ثم سافر بعد ذلك إلى بلاد العجم واشتغل على فخر الدين بن خطيب الري واشتهر هناك وكان من أجل تلامذة ابن الخطيب وأميزهم وصنف كتبا كثيرة في الطب والحكمة وشرح الكليات بأسرها من كتاب القانون لابن سينا ووجدته في كتابه هذا يفضل المسيحي وابن الخطيب على الشيخ أبي علي بن سينا وهذا نص قوله قال والمسيحي أعلم بصناعة الطب من الشيخ أبي علي فإن مشايخنا كانوا يرجحونه على جمع عظيم ممن هم أفضل من أبي علي في هذا الفن وقال أيضا وعبارة المسيحي أوضح وأبين مما قاله الشيخ وغرضه في كتبه تقييد العبارة من غير فائدة وقال في تفضيل ابن الخطيب على الشيخ الرئيس فهذا مما تنخل من كلام الإمامين العظيمين الإمام المتقدم والإمام المتأخر عنه زمانا الراجح عليه علما وعملا واعتقادا ومذهبا وقتل القطب المصري بمدينة نيسابور وذلك عندما استولى التتر على بلاد العجم وقتلوا أهلها فكان من جملة القتلى بنيسابور وللقطب المصري من الكتب شرح الكليات من كتاب القانون للشيخ الرئيس ابن سينا السموأل هو السموأل بن يحيى بن عباس المغربي كان فاضلا في العلوم الرياضية عالما بصناعة الطب وأصله من بلاد المغرب وسكن مدة في بغداد ثم انتقل إلى بلاد العجم ولم يزل بها إلى آخر عمره وكان أبوه أيضا يشدو شيئا من علوم الحكمة ونقلت من خط الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي قال هذا السموأل شاب بغدادي كان يهوديا ثم أسلم ومات شابا بمراغة وبلغ في العدديات مبلغا لم يصله أحد في زمانه وكان حاد الذهن جدا بلغ في الصناعة الجبرية الغاية القصوى وأقام بديار بكر وآذربيجان وله رسائل في الجبر والمقابلة يرد فيها على ابن الخشاب النحوي وذلك أن ابن الخشاب كان معاصره وكان لابن الخشاب مشاركة في الحساب ونظر في الجبر والمقابلة وقال الصاحب جمال الدين بن القفطي أن السموأل هذا لما أتى إلى المشرق ارتحل منه إلى آذربيجان وخدم بيت البهلوان وأمراء دولتهم وأقام بمدينة المراغة وأولد أولادا هناك سلكوا طريقته في الطب وارتحل إلى الموصل وديار بكر وأسلم فحسن إسلامه وصنف كتابا في إظهار معايب اليهود وكذب دعاويهم في التوراة ومواضع الدليل على تبديلها واحكم ما جمعه في ذلك ومات بالمراغة قريبا من سنة سبعين وخمسمائة وللسموأل بن يحيى بن عباس المغربي من الكتب كتاب المفيد الأوسط في الطب صنفه في سنة
471 أربع وستين وخمسمائة ببغداد للوزير مؤيد الدين أبي إسماعيل الحسين بن محمد بن الحسن بن علي رسالة إلى ابن خدود في مسائل حسابية جبر ومقابلة كتاب إعجاز المهندسين صنفه لنجم الدين أبي الفتح شاه غازي ملك شاه بن طغرلبك وفرغ من تصنيفه في صفر سنة سبعين وخمسمائة كتاب الرد على اليهود كتاب القوامي في الحساب الهندي ألفه في سنة ثمان وستين وخمسمائة كتاب المثلث القائم الزاوية وقد أحسن في تمثيله وتشكيله صنفه لرجل من أهل حلب يدعى الشريف كتاب المنبر في مساحة أجسام الجواهر المختلطة لاستخراج مقدار مجهولها كتاب في المياه بدر الدين محمد بن بهرام بن محمد القلانسي السمرقندي مجيد في صناعة الطب وله عناية بالنظر في معالجات الأمراض ومداواتها وله من الكتب كتاب الأقرباذين وهو تسعة وأربعون بابا قد استوعب فيه ذكر ما يحتاج إليه من الأدوية المركبة وجمع أكثر ذلك من الكتب المعتمد عليها كثيرا مثل القانون والحاوي والكامل والمنصوري والذخيرة والكفاية وذكر أنه قد أورد مع ذلك أيضا ذروا من نسخ الإمام العالم قوام الدين صاعد المهني ومن نسخ الإمام شرف الزمان المابرسامي نجيب الدين أبو حامد محمد بن علي بن عمر السمرقندي طبيب فاضل بارع وله كتب جليلة وتصانيف مشهورة وقتل مع جملة الناس الذين قتلوا بمدينة هراة لما دخلها التتر وكان معاصر لفخر الدين الرازي بن الخطيب ولنجيب الدين السمرقندي من الكتب كتاب أغذية المرضى وقسمه على حسب ما يحتاج إليه في التغذية لكل واحد من سائر الأمراض كتاب الأسباب والعلامات جمعه لنفسه ونقله من القانون لأبي علي بن سينا ومن المعالجات البقراطية وكامل الصناعة كتاب الأقراباذين الكبير كتاب الأقراباذين الصغير الشريف شرف الدين إسماعيل كان طبيبا عالي القدر وافر العلم وجيها في الدولة وكان في خدمة السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه وله منه الأنعام الوافر والمرتبة المكينة وكان له مقرر على السلطان في كل شهر ألف دينار وكانت له معالجات بديعة وآثار حسنة في صناعة الطب وتوفي في أيام خوارزمشاه بمدينة بعد أن عمر وله من الكتب كتاب الذخيرة الخوارزم شاهية في الطب بالفارسي اثنا عشر مجلدا كتاب الأغراض في الطب بالفارسي مجلدان كتاب يادكار في الطب بالفارسي مجلد ألفه لخوارزم شاه
472 الباب الثاني عشر طبقات الأطباء الذين كانوا من الهند كنكه الهندي حكيم بارع من متقدمي حكماء الهند وأكابرهم وله نظر في صناعة الطب وقوى الأدوية وطبائع المولدات وخواص الموجودات وكان من أعلم الناس بهيئة العالم وتركيب الأفلاك وحركات النجوم وقال أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي في كتاب الألوف إن كنكه هو المقدم في علم النجوم عند جميع العلماء من الهند في سالف الدهر ولكنكنه من الكتب كتاب النموذار في الأعمار كتاب أسرار المواليد كتاب القرانات الكبير كتاب القرانات الصغير كتاب الطب وهو يجري مجرى كناش كتاب في التوهم كتاب في إحداث العالم والدور في القران صنجهل كان من علماء الهند وفضلائهم الخبيرين بعلم الطب والنجوم ولصنجهل من الكتب كتاب المواليد الكبير وكان من بعد صنجهل الهندي جماعة في بلاد الهند ولهم تصانيف معروفة في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم مثل باكهر راحه صكة داهر أنكرزنكل جبهر اندى جارى كل هؤلاء أصحاب تصانيف وهم من حكماء الهند وأطبائهم ولهم الأحكام الموضوعة في علم النجوم والهند تشتغل بمؤلفات هؤلاء فيما بينهم ويقتدون بها ويتناقلونها وقد نقل كثير منها إلى اللغة العربية ووجدت الرازي قد نقل في كتابه الحاوي وفي غيره عن كتب جماعة من الهند مثل كتاب شرك الهندي وهذا الكتاب فسره عبد الله بن علي من الفارسي إلى العربي لأنه أولا نقل من الهندي إلى الفارسي وعن
473 كتاب سسرد وفيه علامات الأدواء ومعرفة علاجها وأدويتها وهو عشر مقالات أمر يحيى بن خالد بتفسيره وكتاب بدان في علامات أربعمائة وأربعة أدواء ومعرفتها بغير علاج وكتاب سندهشان وتفسيره كتاب صورة النجح وكتاب فيما اختلف فيه الهند والروم في الحار والبارد وقوى الأدوية وتفصيل السنة وكتاب تفسير أسماء العقار بأسماء عشرة وكتاب اسانكر الجامع وكتاب علاجات الحبالى للهند وكتاب مختصر في العقاقير للهند وكتاب نوفشل فيه مائة داء ومائة دواء وكتاب روسي الهندية في علاجات النساء وكتاب السكر للهند وكتاب رأي الهندي في أجناس الحيات وسمومها وكتاب التوهم في الأمراض والعلل لأبي قبيل الهندي شاناق ومن المشهورين أيضا من أطباء الهند شاناق وكانت له معالجات وتجارب كثيرة في صناعة الطب وتفنن في العلوم وفي الحكمة وكان بارعا في علم النجوم حسن الكلام متقدما عند ملوك الهند ومن كلام شاناق قال في كتابه الذي سماه منتحل الجوهر يا أيها الوالي اتق عثرات الزمان واخش تسلط الإمام ولوعة غلبة الدهر واعلم أن الأعمال جزاء فاتق عوائق الدهر والأيام فإن لها غدرات فكن منها على حذر والأقدار مغيبات فاستعد لها والزمان منقلب فاحذر دولته لئيم الكرة فخف سطوته سريع الغزة فلا تأمن دولته واعلم أن من لم يداو نفسه من سقام الآثام في أيام حياته فما أبعده من الشفاء في دار لا دواء لها ومن أذل حواسه واستبعدها فيما تقدم من خير لنفسه أبان فضله وأظهر نبله ومن لم يضبط نفسه وهي واحدة لم يضبط حواسه وهي خمس فإذا لم يضبط حواسه مع قلتها وذلتها صعب عليه ضبط الأعوان مع كثرتهم وخشونة جانبهم فكانت عامة الرعية في أقاصي البلاد وأطراف المملكة أبعد من الضبط ولشاناق من الكتب كتاب السموم خمس مقالات فسره من اللسان الهندي إلى اللسان الفارسي منكه الهندي وكان المتولي لنقله بالخط الفارسي رجل يعرف بأبي حاتم البلخي فسره ليحيى بن خالد ابن برمك ثم نقل للمأمون على يد العباس بن سعيد الجرهري مولاه وكان المتولي قراءته على المأمون كتاب البيطرة كتاب في علم النجوم كتاب المنتحل الجوهر وألفه لبعض ملوك زمانه وكان يقال لذلك الملك ابن قانص الهندي جودر حكيم فاضل من حكماء الهند وعلمائهم متميز في أيامه وله نظر في الطب وتصانيف في العلوم الحكمية وله من الكتب كتاب المواليد وهو قد نقل إلى العربي
474 منكه الهندي كان عالما بصناعة الطب حسن المعالجة لطيف التدبير فيلسوفا من جملة المشار إليهم في علوم الهند متقنا للغة الهند ولغة الفرس وهو الذي نقل كتاب شاناق الهندي في السموم من اللغة الهندية إلى الفارسي وكان في أيام الرشيد هارون وسافر من الهند إلى العراق في أيامه واجتمع به وداواه ووجدت في بعض الكتب أن منكه الهندي كان في جملة إسحق بن سليمان بن علي الهاشمي وكان ينقل من اللغة الهندية إلى الفارسية والعربية ونقلت من كتاب أخبار الخلفاء والبرامكة أن الرشيد اعتل علة صعبة فعالجه الأطباء فلم يجد من علته أفاقة فقال له أبو عمر الأهجمي بالهند طبيب يقال له منكه وهو أحد عبادهم وفلاسفتهم فلو بعث إليه أمير المؤمنين فلعل أن يهب له الشفاء على يده قال فوجه الرشيد من حمله ووصله بصلة تعينه على سفره فقدم وعالج الرشيد فبرأ من علته بعلاجه فأجرى عليه رزقا واسعا وأموالا كافية قال فبينما منكه مارا في الخلد إذا هو برجل من المائنين قد بسط كساءه وألقى عليه عقاقير كثيرة وقام يصف دواء عنده فقال في صفته هذا دواء للحمى الدائمة وحمى الغب وحمى الربع ولوجع الظهر والركبتين والخام والبواسير والرياح ووجع المفاصل ووجع العينين ولوجع البطن والصداع والشقيقة ولتقطير البول والفالج والارتعاش ولم يدع علة في البدن إلا ذكر أن ذلك الدواء شفاؤها فقال منكه لترجمانه ما يقول هذا فترجم له ما سمع فتبسم منكه وقال على كل حال ملك العرب جاهل وذلك أنه إن كان الأمر على ما قال هذا فلم حملني من بلدي وقطعني عن أهلي وتكلف الغليظ من مؤونتي وهو يجد هذا نصب عينه وبإزائه وإن كان الأمر ليس كما يقول هذا فلم لا يقتله فإن الشريعة قد أباحت دم هذا ومن أشبهه لأنه إن قتل ما هي إلا نفس تحيا بفنائها أنفس خلق كثير وإن ترك وهذا الجهل قتل في كل يوم نفسا وبالحري أن يقتل اثنين وثلاثة وأربعة في كل يوم وهذا فساد في الدين ووهن في المملكة صالح بن بهلة الهندي متميز من علماء الهند وكان خبيرا بالمعالجات التي لهم وله قوة وإنذارات في تقدمة المعرفة وكان بالعراق في أيام الرشيد هارون قال أبو الحسن يوسف بن إبراهيم الحاسب المعروف بابن الداية حدثني أحمد بن رشيد الكاتب مولى سلام الأبرش أن مولاه حدثه أن الموائد قدمت بين يدي الرشيد في بعض الأيام وجبرائيل بن بختيشوع غائب فقال لي أحمد قال أبو سلمة يعني مولاه
375 فأمرني أمير المؤمنين بطلب جبرائيل ليحضر أكله على عادته في ذلك فلم أدع منزلا من منازل الولد ومن كان يدخل إليه جبرائيل من الحرم إلا طلبته فيه ولم أقع له على أثر فأعلمت أمير المؤمنين بذلك فطفق يلعنه ويقذفه إذ دخل عليه جبرائيل والرشيد على تلك الحال من قذفه ولعنه فقال له لو اشتغل أمير المؤمنين بالبكاء على ابن عمه إبراهيم بن صالح وترك ما فيه من تناولي بالسب كان أشبه فسأله عن خبر إبراهيم فأعلمه أنه خلفه وبه رمق ينقضي بآخرة وقت صلاة العتمة فاشتد جزع الرشيد لما أخبره به وأقبل على البكاء وأمر برفع الموائد فرفعت وكثر ذلك منه حتى رحمه مما نزل به جميع من حضر فقال جعفر بن يحيى يا أمير المؤمنين إن طب جبرائيل طب رومي وصالح بن بهلة الهندي في العلم بطريقة أهل الهند في الطب مثل جبرائيل في العلم بمقالات الروم فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإحضاره وتوجيهه إلى إبراهيم بن صالح لنفهم عنه ما يقول مثل ما فهمنا عن جبرائيل فعل فأمر الرشيد جعفرا بإحضاره وتوجيهه والمصير به إليه ورده بعد منصرفه من عنده ففعل ذلك جعفر ومضى صالح إلى إبراهيم حتى عاينه وجس عرقه وصار إلى جعفر وسأله عما عنده من العلم فقال لست أخبر بالخبر غير أمير المؤمنين فاستعمل جعفر مجهوده بصالح أن يخبره بجملة من الخبر فلم يجبه إلى ذلك ودخل جعفر على الرشيد فأخبره بحضور صالح وامتناعه عن إخباره بما عاين فأمر بإحضار صالح فدخل ثم قال يا أمير المؤمنين أنت الإمام وعاقد ولاية القضاء للحكام ومهما حكمت به لم يجز لحاكم فسخه وأنا أشهدك يا أمير المؤمنين وأشهد على نفسي من حضرك أن إبراهيم ابن صالح إن توفي في هذه الليلة أو في هذه العلة أن كل مملوك لصالح بن بهلة أحرار لوجه الله وكل دابة له فحبيس في سبيل الله وكل مال له فصدقة على المساكين وكل امرأة له فطالق ثلاثا بتاتا فقال له الرشيد حلفت ويحك يا صالح على غيب فقال صالح كلا يا أمير المؤمنين إنما الغيب ما لا علم لأحد به ولا دليل له عليه ولم أقل ما قلت إلا بعلم واضح ودلائل بينة قال أحمد بن رشيد قال لي أبو سلمة فسري عن الرشيد ما كان يجد وطعم واحضر له الشراب فشرب ولما كان وقت صلاة العتمة ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام يخبر بوفاة إبراهيم بن صالح على الرشيد فاسترجع وأقبل على جعفر بن يحيى باللوم في إرشاده إياه إلى صالح بن بهلة وأقبل يلعن الهند وطبهم ويقول واسوءتاه من الله أن يكون ابن عمي يتجرع غصص الموت وأنا أشرب النبيذ ثم دعا برطل من النبيذ بالماء وألفى فيه شيئا من ملح وأخذ يشرب ويتقيأ حتى قذف ما كان في جوفه من طعام وشراب وبكر إلى دار إبراهيم فقصد خدمه بالرشيد إلى رواق على مجالس لإبراهيم على يمين الرواق ويساره فراشان بكراسيهما ومتكئاتهما ومساندهما وفيما بين الفراشين نمارق فاتكأ الرشيد على سيفه ووقف وقال لا يحسن الجلوس في المصيبة بالأحبة من الأهل على أكثر من البسط ارفعوا هذه الفرش والنمارق ففعل ذلك الفراشون وجلس الرشيد على البساط فصارت سنة لبني العباس من ذلك اليوم ولم تكن قبله ووقف صالح بن بهلة بين يدي الرشيد فلم يناطقه أحد إلى أن سطعت روائح المجامر فصاح عند ذلك صالح الله الله يا أمير المؤمنين أن تحكم علي بطلاق زوجتي فتنزعها وتزوجها
476 غيري وأنا رب الفرج المستحق له وتنكحها من لا تحل له والله الله أن تخرجني من نعمتي ولم يلزمني حنث والله الله إن تدفن ابن عمك حيا فوالله يا أمير المؤمنين ما مات فأطلق لي الدخول عليه والنظر إليه وهتف بهذا القول مرات فأذن له بالدخول على إبراهيم وحده قال أحمد قال لي أبو سلمة فأقبلنا نسمع صوت ضرب بدن بكف ثم انقطع عنا ذلك الصوت ثم سمعنا تكبيرا فخرج إلينا صالح وهو يكبر ثم قال قم يا أمير المؤمنين حتى أريك عجبا فدخل إليه الرشيد وأنا ومسرور الكبير وأبو سليم معه فأخرج صالح إبرة كانت معه فأدخلها بين ظفر إبهام يده اليسرى ولحمه فجذب إبراهيم بن صالح يده وردها إلى بدنه فقال صالح يا أمير المؤمنين هل يحس الميت بالوجع فقال الرشيد لا فقال له صالح لو شئت أن يكلم أمير المؤمنين الساعة لكلمه فقال له الرشيد فأنا أسألك أن تفعل ذلك فقال يا أمير المؤمنين أخاف أن عالجته وأفاق وهو في كفن فيه رائحة الحنوط أن ينصدع قلبه فيموت موتا حقيقيا فلا يكون لي في إحيائه حيلة ولكن يا أمير المؤمنين تأمر بتجريده من الكفن ورده إلى المغتسل وإعادة الغسل عليه حتى تزول رائحة الحنوط عنه ثم يلبس مثل ثيابه التي كان يلبسها في حال صحته وعلته ويطيب بمثل ذلك الطيب ويحول إلى فراش من فرشه التي كان يجلس وينام عليها حتى أعالجه بحضرة أمير المؤمنين فإنه يكلمه من ساعته قال أحمد قال أبو سلمة فوكلني الرشيد بالعمل بما حده صالح ففعلت ذلك ثم صار الرشيد وأنا معه ومسرور وأبو سليم وصالح إلى الموضع الذي فيه إبراهيم ودعا صالح بن بهلة بكندس ومنفخة من الخزانة ونفخ من الكندس في أنفه فمكث مقدار ثلث ساعة ثم اضطرب بدنه وعطس وجلس قدام الرشيد وقبل يده وسأله عن قصته فذكر أنه كان نائما نوما لا يذكر أنه نام مثله قط طيبا إلا أنه رأى في منامه كلبا قد أهوى إليه فتوقاه بيده فعض إبهام يده اليسرى عضة انتبه وهو يحس وجعها وأراه إبهامه التي كان صالح أدخل فيها الإبرة وعاش إبراهيم بعد ذلك دهرا ثم تزوج العباسة بنت المهدي وولي مصر وفلسطين وتوفي بمصر وقبره بها
477 الباب الثالث عشر طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب وأقاموا بها إسحق بن عمران طبيب مشهور وعالم مذكور ويعرف باسم ساعة وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل أن إسحق بن عمران مسلم النحلة وكان بغدادي الأصل ودخل أفريقية في دولة زيادة الله بن الأغلب التميمي وهو استجلبه وأعطاه شروطا ثلاثة لم يف له بأحدها بعث إليه عند وروده عليه راحلة أقلته وألف دينار لنفقته وكتاب أمان بخط يده أنه متى أحب الانصراف إلى وطنه انصرف وبه ظهر الطب بالمغرب وعرفت الفلسفة وكان طبيبا حاذقا متميزا بتأليف الأدوية المركبة بصيرا بتفرقة العلل أشبه الأوائل في علمه وجودة قريحته استوطن القيروان حينا وألف كتبا منها كتابه المعروف بنزهة النفس وكتابه في داء المالنخوليا لم يسبق إلى مثله وكتابه في الفصد وكتابه في النبض ودارت له مع زيادة الله بن الأغلب محنة أوجبت الوجدة بينهما حتى صلبه ابن الأغلب وكان إسحق قد استأذنه في الانصراف إلى بغداد فلم يأذن له وكان إسحق يشاهد أكل ابن الأغلب فيقول له كل هذا ودع هذا حتى ورد على ابن الأغلب حدث يهودي أندلسي فاستقربه وخف عليه وأشهده أكله فكان إسحق إذا قال له اترك هذا لا تأكله قال الإسرائيلي يصعبه عليك وكان بابن الأغلب علة النسمة وهي ضيق النفس فقدم بين يديه لبنا مريبا فهم بأكله فنهاه أسحق وسهل عليه الإسرائيلي فوافقه بالأكل فعرض له في الليل ضيق النفس
478 حتى أشرف على الهلاك فأرسل إلى إسحق وقيل له هل عندك من علاج فقال قد نهيته فلم يقبل مني ليس عندي علاج فقيل لإسحاق هذه خمسمائة مثقال وعالجه فأبى حتى بلغ إلى ألف مثقال فأخذها وأمر بإحضار الثلج وأمره بالأكل منه حتى تملأ ثم قيأه فخرج جميع اللبن قد تجبن ببرد الثلج فقال إسحق أيها الأمير لو دخل هذا اللبن إلى أنابيب رئتك ولحج فيه أهلكك بضيقة النفس ولكني أجهدته وأخرجته قبل وصوله فقال زيادة الله باع إسحق روحي في البدء اقطعوا رزقه فلما قطع عنه الرزق خرج إلى موضع فسيح من رحاب القيروان ووضع هنالك كرسيا ودواة وقراطيس فكان يكتب الصفات كل يوم بدنانير فقيل لزيادة الله عرضت لإسحاق الغنى فأمر بضمه إلى السجن فتبعه الناس هنالك ثم أخرجه بالليل إلى نفسه وكانت له معه حكايات ومعاتبات احنقته عليه لفرط جوره وسخف رأيه فأمر بفصده في ذراعيه جميعا وسال دمه حتى مات ثم أمر به فصلب ومكث مصلوبا زمانا طويلا حتى عشش في جوفه طائر وكان مما قال لزيادة الله في تلك الليلة والله إنك لتدعى بسيد العرب وما أنت لها بسيد ولقد سقيتك منذ دهر دواء ليفعلن في عقلك وكان زيادة الله مجنونا فتمخل ومات ولإسحق بن عمران من الكتب كتاب الأدوية المفردة كتاب العنصر والتمام في الطب مقالة في الاستسقاء مقالة وجيزة كتب بها إلى سعيد ابن توفيل المتطبب في الإبانة عن الأشياء التي يقال أنها تشفي الأسقام وفيها يكون البرء مما أراد إتحافه به من نوادر الطب ولطائف الحكمة كتاب نزهة النفس كتاب في المالنخوليا كتاب في الفصد كتاب في النبض مقالة في علل القولنج وأنواعه وشرح أدويته وهي الرسالة التي كتب بها إلى العباس وكيل إبراهيم بن الأغلب كتاب في البول من كلام أبقراط وجالينوس وغيرهما كتاب جمع فيه أقاويل جالينوس في الشراب مسائل له مجموعة في الشراب على معنى ما ذهب إليه أبقراط وجالينوس في المقالة الثالثة من كتاب تدبير الأمراض الحادة وما ذكر فيها من الخمر كلام له في بياض المعدة ورسوب البول وبياض المنى إسحق بن سليمان الإسرائيلي كان طبيبا فاضلا بليغا عالما مشهورا بالحذق والمعرفة جيد التصنيف عالي الهمة ويكنى أيا يعقوب وهو الذي شاع ذكره وانتشرت معرفته بالإسرائيلي وهو من أهل مصر وكان يكحل من أوليته ثم سكن القيروان ولازم إسحق بن عمران وتتلمذ له وخدم الإمام أبا محمد عبيد الله المهدي صاحب إفريقية بصناعة الطب وكان إسحق ابن سليمان مع فضله في صناعة الطب بصيرا بالمنطق متصرفا في ضروب المعارف وعمر عمرا طويلا إلى أن نيف على مائة سنة
479 ولم يتخذ امرأة ولا أعقب ولدا وقيل له أيسرك أن لك ولدا قال أما إذا صار لي كتاب الحميات فلا يعني أن بقاء ذكره بكتاب الحميات أكثر من بقاء ذكره بالولد ويروى أنه قال لي أربعة كتب تحيي ذكري أكثر من الولد وهي كتاب الحميات وكتاب الأغذية والأدوية وكتاب البول وكتاب الاسطقسات وتوفي قريبا من سنة عشرين وثلاثمائة وقال أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف بابن الجزار في كتاب أخبار الدولة يعني ابتداء دولة الإمام أبي محمد عبيد الله المهدي الذي ظهر من المغرب حدثني إسحاق بن سليمان المتطبب قال لما قدمت من مصر على زيادة الله بن الأغلب وجدته مقيما بالجيوش في الأريس فرحلت إليه فلما بلغه قدومي وقد كان بعث في طلبي وأرسل إلي بخمسمائة دينار وتقويت بها على السفر فأدخلت إليه ساعة وصولي فسلمت بالإمرة وفعلت ما يجب أن يفعل للملوك من التعبد فرأيت مجلسه قليل الوقار والغالب عليه حب اللهو وكل ما حرك الضحك فابتدأني بالكلام ابن خنيس المعروف باليوناني فقال لي تقول إن الملوحة تجلو قلت نعم قال وتقول إن الحلاوة تجلو قلت نعم قال لي فالحلاوة هي الملوحة والملوحة هي الحلاوة فقلت إن الحلاوة تجلو بلطف وملاءمة والملوحة تجلو بعنف فتمادى على المكابرة وأحب المغالطة فلما رأيت ذلك قلت له تقول أنت حي قال نعم قلت والكلب حي قال نعم قلت فأنت الكلب والكلب أنت فضحك زيادة الله ضحكا شديدا فعلمت أن رغبته في الهزل أكثر من رغبته في الجد قال إسحاق فلما وصل أبو عبد الله داعي المهدي إلى رقادة أدناني وقرب منزلتي وكانت به حصاة في الكلى وكنت أعالجه بدواء فيه العقارب المحرقة فجلست ذات يوم مع جماعة من كتامة فسألوني عن صنوف من العلل فكلما أجبتهم فلم يفقهوا قولي فقلت لهم إنما أنتم بقر وليس معكم من الإنسانية إلا الاسم فبلغ الخبر إلى أبي عبد الله فلما دخلت إليه قال لي تقابل إخواننا المؤمنين من كتامة بما لا يجب وبالله الكريم لولا أنك عذرك بأنك جاهل بحقهم وبقدر ما صار إليهم من معرفة الحق وأهل الحق لأضربن عنقك قال لي إسحاق فرأيت رجلا شأنه الجد فيما قصد إليه وليس للهزل عنده سوق ولإسحاق بن سليمان من الكتب كتاب الحميات خمس مقالات ولم يوجد في هذا المعنى كتاب أجود منه ونقلت من خط أبي الحسن علي بن رضوان عليه ما هذا مثاله أقول أنا علي بن رضوان الطبيب إن هذا الكتاب نافع وجمع رجل فاضل وقد عملت بكثير مما فيه فوجدته لا مزيد عليه وبالله التوفيق والمعونة كتاب الأدوية المفردة والأغذية كتاب البول اختصار كتابه في البول كتاب الاسطقسات كتاب الحدود والرسوم كتاب بستان الحكيم وفيه مسائل من العلم الإلهي
480 كتاب المدخل إلى المنطق كتاب المدخل إلى صناعة الطب كتاب في النبض كتاب في الترياق كتاب في الحكمة وهو أحد عشر ميمرا ابن الجزار هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد ويعرف بابن الجزار من أهل القيروان طبيب ابن طبيب وعمه أبو بكر طبيب وكان ممن لقي إسحاق بن سليمان وصحبه وأخذ عنه وكان ابن الجزار من أهل الحفظ والتطلع والدراسة للطب وسائر العلوم حسن الفهم لها وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل إن أحمد بن أبي خالد كان قد أخذ لنفسه مأخذا عجيبا في سمته وهديه وتعدده ولم يحفظ عنه بالقيروان زلة قط ولا أخلد إلى لذة وكان يشهد الجنائز والعرائس ولا يأكل فيها ولا يركب قط إلى أحد من رجال أفريقية ولا إلى سلطانهم إلا إلى أبي طالب عم معد وكان له صديقا قديما فكان يركب إليه يوم جمعة لا غير وكان ينهض في كل عام إلى رابطة على البحر المستنير وهو موضع مرابطة مشهور البركة مذكور في الأخبار على ساحل البحر الرومي فيكون هنالك طول أيام القيظ ثم ينصرف إلى أفريقية وكان قد وضع على باب داره سقيفة أقعد فيها غلاما له يسمى برشيق أعد بين يديه جميع المعجونات والأشربة والأدوية فإذا رأى القوارير بالغداة أمر بالجواز إلى الغلام وأخذ الأدوية منه نزاهة بنفسه أن يأخذ من أحد شيئا قال ابن جلجل حدثني عنه من أثق به قال كنت عنده في دهليزه وقد غص بالناس إذ أقبل ابن أخي النعمان القاضي وكان حدثا جليلا بأفريقية يستخلفه القاضي إذا منعه مانع عن الحكم فلم يجد في الدهليز موضعا يجلس فيه إلا مجلس أبي جعفر فخرج أبو جعفر فقام له ابن أخي القاضي على قدم فما أقعده ولا أنزله وأراه قارورة ماء كانت معه لابن عمه ولد النعمان واستوفى جوابه عليها وهو واقف ثم نهض وركب وما كدح ذلك في نفسه وجعل يتكرر إليه بالماء في كل يوم حتى برئ العليل قال قال الذي حدثني فكنت عنده ضحوة نهار إذ أقبل رسول النعمان القاضي بكتاب شكره فيه على ما تولى من علاج ابنه ومعه منديل بكسوة وثلاثمائة مثقال فقرأ الكتاب وجاوبه شاكرا ولم يقبض المال ولا الكسوة فقلت له يا أبا جعفر رزق ساقه الله إليك قال لي والله لا كان لرجال معد قبلي نعمة وعاش أحمد بن الجزار نيفا وثمانين سنة ومات عتيا بالقيروان ووجد له أربعة وعشرون ألف دينار وخمسة وعشرون قنطارا من كتب طبية وغيرها وكان قد هم بالرحلة إلى الأندلس ولم ينفذ ذلك وكان في دولة معد وقال كشاجم يمدح أبا جعفر أحمد بن الجزار ويصف كتابه المعروف بزاد المسافر
481 (أبا جعفر أبقيت حيا وميتا * مفاخر في طهر الزمان عظاما) (رأيت على زاد المسافر عندنا * من الناظرين العارفين زحاما) (فأيقنت أن لو كان حيا لوقته * يحنا لما سمى التمام تماما) (سأحمد أفعالا لأحمد لم تزل * مواقعها عند الكرام كراما) الطويل ولابن الجزار من الكتب كتاب في علاج الأمراض ويعرف بزاد المسافر مجلدان كتاب في الأدوية المفردة ويعرف باعتماد كتاب في الأدوية المركبة ويعرف بالبغية كتاب العدة لطول المدة وهو أكبر كتاب وجدناه له في الطب وحكى الصاحب جمال الدين القفطي أنه رأى له بقفط كتابا كبيرا في الطب اسمه قوت المقيم وكان عشرين مجلدا كتاب التعريف بصحيح التاريخ وهو تاريخ مختصر يشتمل على وفيات علماء زمانه وقطعة جميلة من أخبارهم رسالة في النفس وفي ذكر اختلاف الأوائل فيها كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها كتاب طب الفقراء رسالة في إبدال الأدوية كتاب في الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها رسالة في التحذر من إخراج الدم من غير حاجة دعت إلى إخراجه رسالة في الزكام وأسبابه وعلاجه رسالة في النوم واليقظة مجربات في الطب مقالة في الجذام وأسبابه وعلاجه كتاب الخواص كتاب نصائح الأبرار كتاب المختبرات كتاب في نعت الأسباب المولدة للوباء في مصر وطريق الحيلة في دفع ذلك وعلاج ما يتخوف منه رسالة إلى بعض إخوانه في الاستهانة بالموت رسالة في المقعدة وأوجاعها كتاب المكلل في الأدب كتاب البلغة في حفظ الصحة مقالة في الحمامات كتاب أخبار الدولة يذكر فيه ظهور المهدي بالمغرب كتاب الفصول في سائر العلوم والبلاغات ابن السمينة ومن أطباء الأندلس يحيى بن يحيى المعروف بابن السمينة من أهل قرطبة قال القاضي صاعد ابن أحمد بن صاعد في كتاب التعريف في طبقات الأمم أنه كان بصيرا بالحساب والنجوم والطب متصرفا في العلوم متفننا في ضروب المعارف بارعا في علم النحو واللغة والعروض ومعاني الشعر والفقه والحديث والأخبار والجدل وكان معتزلي المذهب ورحل إلى المشرق ثم انصرف وتوفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة أبو القاسم مسلمة بن أحمد المعروف بالمرحيطي من أهل قرطبة وكان في زمن الحكم وقال القاضي صاعد في كتاب
482 التعريف في طبقات الأمم أنه كان إمام الرياضيين بالأندلس في وقته وأعلم من كان قبله بعلم الأفلاك وحركات النجوم وكانت له عناية بأرصاد الكواكب وشغف بتفهم كتاب بطليموس المعروف بالمجسطي وله كتاب حسن في تمام علم العدد المعروف عندنا بالمعاملات وكتاب اختصر فيه تعديل الكواكب من زيج البتاني وعنى بزيج محمد بن موسى الخوارزمي وصرف تاريخه الفارسي إلى التاريخ العربي ووضع أوساط الكواكب فيه لأول تاريخ الهجرة وزاد فيه جداول حسنة على أنه اتبعه على خطئه فيه ولم ينبه على مواضع الغلط منه وقد نبهت على ذلك في كتابي المؤلف في إصلاح حركات الكواكب والتعريف بخطأ الراصدين وتوفي أبو القاسم مسلمة بن أحمد قبل مبعث الفتنة في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وقد أنجب تلاميذ جلة لم ينجب عالم بالأندلس مثلهم فمن أشهرهم ابن السمح وابن الصفار والزهراوي والكرماني وابن خلدون ولأبي القاسم مسلمة بن أحمد من الكتب كتاب المعاملات اختصار تعديل الكواكب من زيج البتاني ابن السمح هو أبو القاسم أصبغ بن محمد بن السمح المهندس الغرناطي وكان في زمن الحكم قال القاضي صاعد أن ابن السمح كان محققا لعلم العدد والهندسة متقدما في علم هيئة الأفلاك وحركات النجوم وكانت له مع ذلك عناية بالطب وله تآليف حسان منها كتاب المدخل إلى الهندسة في تفسير كتاب إقليدس ومنها كتاب ثمار العدد المعروف بالمعاملات ومنها كتاب طبيعة العدد ومنها كتابه الكبير في الهندسة يقضي فيه أجزاءها من الخط المستقيم والمقوس والمنحني ومنها كتابان في الآلة المسماة بالإسطرلاب أحدهما في التعريف بصورة صنعتها وهو مقسوم على مقالتين والآخر في العمل بها والتعريف بجوامع ثمرتها وهو مقسم على مائة وثلاثين بابا ومنها زيجه الذي ألفه على أحد مذاهب الهند المعروف بالسند هند وهو كتاب كبير مقسم على جزأين أحدهما في الجداول والآخر في رسائل الجداول قال القاضي صاعد وأخبرني عنه تلميذه أبو مروان سليمان بن محمد بن عيسى بن الناشي المهندس أنه توفي بمدينة غرناطة قاعدة ملك الأمير حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي ليلة الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت لرجب سنة ست وعشرين وأربعمائة وهو ابن ست وخمسين سنة شمسية ولابن السمح من الكتب كتاب المدخل إلى الهندسة كتاب المعاملات كتاب طبيعة العدد
483 كتاب كبير في الهندسة يقضي فيه أجزاءها من الخط المستقيم والمقوس والمنحني كتاب التعريف بصورة صنعة الأسطرلاب مقالتان كتاب العمل بالاسطرلاب والتعريف بجوامع ثمرته زيج على أحد مذاهب الهند المعروف بالسندهند وهو كتاب كبير مقسم على جزءين أحدهما في الجداول والآخر في رسائل الجداول ابن الصفار هو أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عمر كان أيضا متحققا بعلم العدد والهندسة والنجوم وقعد في قرطبة لتعليم ذلك وله زيج مختصر على مذهب السندهند وكتاب في العمل بالاسطرلاب موجز حسن العبارة قريب المأخذ وكان من جملة تلامذة أبي القاسم مسلمة بن أحمد المرحيطي وخرج ابن الصفار عن قرطبة بعد أن مضى صدر من الفتنة واستقر بمدينة دانية قاعدة الأمير مجاهد العامري من ساحل بحر الأندلس الشرقي وتوفي بها رحمه الله وقد انجب من أهل قرطبة جماعة وكان له أخ يسمى محمدا مشهور بعمل الأسطرلاب لم يكن بالأندلس قبله أجمل صنعا لها منه ولابن الصفار من الكتب زيج مختصر على مذهب السند هند كتاب في العمل بالاسطرلاب أبو الحسن علي بن سليمان الزهراوي كان عالما بالعدد والهندسة معتنيا بعلم الطب وله كتاب شريف في المعاملات على طريق البرهان وهو الكتاب المسمى بكتاب الأركان وكان قد أخذ كثيرا من العلوم الرياضية عن أبي القاسم مسلمة ابن أحمد المعروف بالمرحيطي وصحبه مدة ولأبي الحسن علي بن سليمان الزهراوي من الكتب كتاب في المعاملات على طريق البرهان وهو الكتاب المسمى بكتاب الأركان الكرماني هو أبو الحكم عمرو بن أحمد بن علي الكرماني من أهل قرطبة أحد الراسخين في علم العدد والهندسة قال القاضي صاعد أخبرني عن الكرماني تلميذه الحسين بن محمد بن الحسين بن يحيى المهندس المنجم أنه ما لقي أحدا يجاريه في علم الهندسة ولا يشق غباره في فك غامضها وتبيين مشكلها واستيفاء أجزائها ورحل إلى ديار المشرق وانتهى منها إلى حران من بلاد الجزيرة وعني هناك بطلب الهندسة والطب ثم رجع إلى الأندلس واستوطن مدينة سرقسطة من ثغرها وجلب معه الرسائل المعروفة
484 برسائل إخوان الصفاء ولا نعلم أحدا أدخلها الأندلس قبله وله عناية بالطب ومجربات فاضلة فيه ونفوذ مشهور في الكي والقطع والشق والبط وغير ذلك من أعمال الصناعة الطبية قال ولم يكن بصيرا بعلم النجوم التعليمي ولا بصناعة المنطق أخبرني عنه بذلك أبو الفضل حسداي بن يوسف بن حسداي الإسرائيلي وكان خبيرا به ومحله في العلوم النظرية المحل الذي لا يجارى فيه عندنا بالأندلس وتوفي أبو الحكم الكرماني رحمه الله بسرقسطة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وقد بلغ تسعين سنة أو جاوزها بقليل ابن خلدون هو أبو مسلم عمر بن أحمد بن خلدون الحضرمي من أشراف أهل أشبيلية ومن جملة تلامذة أبي القاسم مسلمة بن أحمد أيضا وكان متصرفا في علوم الفلسفة مشهورا بعلم الهندسة و النجوم والطب مشبها بالفلاسفة في إصلاح أخلاقه وتعديل سيرته وتقويم طريقته وتوفي في بلده سنة تسع وأربعين وأربعمائة وكان من أشهر تلامذة أبي مسلم بن خلدون أبو جعفر أحمد بن عبد الله المعروف بابن الصفار المتطبب أبو جعفر أحمد بن خميس بن عامر بن دميح من أهل طليطلة أحد المعتنين بعلم الهندسة والنجوم والطب وله مشاركة في علوم اللسان وحظ صالح من الشعر وهو من أقران القاضي أبي الوليد هشام بن أحمد بن هشام حمدين بن أبان كان في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط وكان طبيبا حاذقا مجربا وكان صهر بني خالد وله بقرطبة أصول ومكاسب وكان لا يركب الدواب إلا من نتاجه ولا يأكل إلا من زرعه ولا يلبس إلا من كتان ضيعته ولا يستخدم إلا بتلاده من أبناء عبيده جواد الطبيب النصراني كان في أيام الأمير محمد أيضا وله اللعوق المنسوب إلى جواد وله دواء الراهب والشرابات والسفوفات المنسوبة إليه وإلى حمدين وبني حمدين كلها شجارية خالد بن يزيد بن رومان النصراني كان بارعا في الطب ناهضا في زمانه فيه وكان بقرطبة وسكنه عند بيعة سبت أخلج وكانت
485 داره الدار المعروفة بدار ابن السطخيري الشاعر وكسب بالطب مبلغا جليلا من الأموال والعقار وكان صانعا بيده عالما بالأدوية الشجارية وظهرت منه في البلد منافع وكتب إليه نسطاس بن جريج الطبيب المصري رسالة في البول وأعقب خالد ابنا سماه يزيد ولم يبرع في الطب براعة أبيه ابن ملوكة النصراني كان في أيام الأمير عبيد الله وأول دولة الأمير عبد الرحمن الناصر وكان يصنع بيده ويفصد العروق وكان على باب داره ثلاثون كرسيا لقعود الناس عمران بن أبي عمرو كان طبيبا نبيلا خدم الأمير عبد الرحمن بالطب وهو الذي ألف له حب الأنيسون وكان عالما فهما ولعمران بن أبي عمرو من الكتب كناش محمد بن فتح طملون كان مولى لعمران بن أبي عمرو وبرع في الطب براعة علا بها من كان في زمانه ولم يخدم بالطب وطلب ليلحق فاستعفى من ذلك واستعان على الأمير حتى عفي ولم يكن أحد من الأشراف في وقته إلا وهو يحتاج إليه قال ابن جلجل حدثني أبو الأصبغ بن حوى قال كنت عند الوزير عبد الله ابن بدر وقد عرض لابنه محمد قرح شمل بدنه وبين يديه جماعة من الأطباء فيهم طملون فتكلم كل واحد منهم في تلك القروح وطملون ساكت فقال له الوزير ما عندك في هذا فإني أراك ساكتا فقال عندي مرهم ينفع هذه القروح من يومه فمال إلى كلامه وأمره بإحضار المرهم فأحضره وطلى على القروح فجفت من ليلتها فوصله عبد الله بن بدر بخمسين دينارا وانصرف الأطباء دونه بغير شيء الحراني الذي ورد من المشرق كان في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن وكانت عنده مجربات حسان بالطب فاشتهر بقرطبة وحاز الذكر فيها قال ابن جلجل رأيت حكاية عند أبي الأصبغ الرازي بخط أمير المؤمنين المستنصر وهي أن هذا الحراني أدخل الأندلس معجونا كان يبيع الشربة منه بخمسين دينارا لأوجاع الجوف فكسب به مالا فاجتمع خمسة من الأطباء مثل حمدين وجواد
486 وغيرهما وجمعوا خمسين دينارا واشتروا منه شربة من ذلك الدواء وانفرد كل واحد منهم بجزء يشمه ويذوقه ويكتب ما تأدى إليه منه بحسه ثم اجتمعوا واتفقوا على ما حدسوه وكتبوا ذلك ثم نهضوا إلى الحراني وقالوا له قد نفعك الله بهذا الدواء الذي انفردت به ونحن أطباء اشترينا منك شربة وفعلنا كذا وكذا وتأدى إلينا كذا وكذا وكذا فإن يكن ما تأدى إلينا حقا فقد أصبنا وإلا فأشركنا في علمه فقد انتفعت فاستعرض كتابهم فقال ما أعديتم من أدويته دواء لكن لم تصيبوا تعديل أوزانه وهو الدواء المعروف بالمغيث الكبير فأشركهم في علمه وعرف من حينئذ بالأندلس أحمد وعمر ابنا يونس بن أحمد الحراني رحلا إلى المشرق في دولة الناصر في سنة ثلاثين وثلاثمائة وأقاما هنالك عشرة أعوام ودخلا بغداد وقرآ فيها على ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابئ كتب جالينوس عرضا وخدما ابن وصيف في عمل علل العين وانصرفا إلى الأندلس في دولة المستنصر بالله وذلك في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وغزوا معه غزواته إلى سنة اثنتين وانصرفا وألحقهما في خدمته بالطب واسكنهما مدينة الزهراء واستخلصهما لنفسه دون غيرهما ممن كان في ذلك الوقت من الأطباء ومات عمر بعلة المعدة ورمت له فلحقه ذبول من أجلها ومات وبقي أحمد مستخلصا وأسكنه المستنصر في قصره بمدينة الزهراء وكان لطيف المحل عنده أمينا مؤتمنا يطلعه على العيال والكرائم وكان رجلا حليما صحيح العقل عالما بما شاهد علاجه ورآه عيانا بالمشرق وتوجه عند المستنصر بالله لأن المستنصر كان نهما في الأكل وكان يحدث له في أكله تخمة لكثرة ما كان يتناول من الأكل وكان يصنع له الجوارشنات الحادة العجيبة وكان وافقه في ذلك موافقة وأفاد مالا عظيما وكان ألكن اللسان رديء الخط لا يقيم هجاء حروف كتابه وكان بصيرا بالأدوية المفردة وصانعا للأشربة والمعجونات ومعالجا لما وقف عليه قال ابن جلجل ورأيت له اثني عشر صبيا صقالبة طباخين للأشربة صناعين للمعجونات بين يديه وكان قد استأذن أمير المؤمنين المستنصر أن يعطي منها من احتاج من المساكين والمرضى فأباح له ذلك وكان يداوي العين مداواة نفيسة وله بقرطبة آثار في ذلك وكان يواسي بعلمه صديقه وجاره والمساكين والضعفاء وولاه هشام المؤيد بالله خطة الشرطة وخطة السوق ومات بحمى الربع وعلة الإسهال وخلف عما قيمته أزيد من مائة ألف دينار
487 إسحق الطبيب والد الوزير ابن إسحاق مسيحي النحلة وكان مقيما بقرطبة وكان صانعا بيده مجربا يحكى له منافع عظيمة وآثار عجيبة وتحنك فاق به جميع أهل دهره وكان في أيام الأمير عبد الله الأموي يحيى بن إسحاق كان طبيبا ذكيا عالما بصيرا بالعلاج صانعا بيده وكان في صدر دولة عبد الرحمن الناصر لدين الله واستوزره وولي الولايات والعمالات وكان قائد بطليموس زمانا وكان له من أمير المؤمنين الناصر محل كبير كان ينزله منزلة الثقة ويتطلع على الكرائم والخدم وألف في الطب كتابا يشتمل على خمسة أسفار ذهب فيها مذهب الروم وكان يحيى قد أسلم وأما أبوه إسحق فكان نصرانيا كما تقدم ذكره قال ابن جلجل حدثني عن يحيى بن إسحاق ثقة أنه كان عنده غلام للحاجب موسى أو للوزير عبد الملك قال قال بعثني إليه مولاي بكتاب فأنا قاعد عند داره بباب الجوز إذ أقبل رجل بدوي على حمار وهو يصيح فأقبل حتى وقف بباب الدار فجعل يتضرع ويقول أدركوني وتكلموا إلى الوزير بخبري إذ خرج إلى صراخ الرجل ومعه جواب كتابه فقال للرجل ما بالك يا هذا فقال له أيها الوزير ورم في أحليلي منعني البول منذ أيام كثيرة وأنا في الموت فقال له اكشف عنه قال فكشف عنه فإذا هو ورام فقال لرجل كان أقبل مع العليل أطلب لي حجرا أملس فطلبه فوجده وأتاه به فقال ضعه في كفك وضع عليه الإحليل قال فقال المخبر لي فلما تمكن إحليل الرجل من الحجر جمع الوزير يده وضرب على الإحليل ضربة غشي على الرجل منها ثم اندفع الصديد يجري فما استوفى الرجل جري صديد الورم حتى فتح عينيه ثم بال البول في أثر ذلك فقال له اذهب فقد برئت من علتك وأنت رجل عائث واقعت بهيمة في دبرها فصادفت شعيرة من علفها لحجت في عين الإحليل فورم لها وقد خرجت في الصديد فقال له الرجل قد فعلت هذا وأقر بذلك وهذا يدل على حدس صحيح وقريحة صادقة حسناء وقال ابن جلجل وله نادر محفوظ في علاج الناصر قال عرض للناصر وجع في أذنه والوزير يومئذ قائد بطليوس فعولج منه فلم يفتر فأمر الناصر في الخروج فيه فرانقا فلما وصل إليه الفرانق استنطقه عن الحاجة التي أوجبت الخروج فيه فقال له أمير المؤمنين عرض له في أذنه وجع أعيا الأطباء فعرج في طريقه إلى بعض أديار النصارى وسأل عن عالم هناك فوجد رجلا مسنا فسأله هل عندك من تجربة لوجع الأذن فقال الشيخ الراهب دم الحمار حارا فوصل إلى أمير
488 المؤمنين وعالجه بدم الحمار حارا كما يسفح وبرا وهذا بحث واستقصاء ودؤوب على التعليم وليحيى بن إسحاق من الكتب كتاب كبير في الطب سليمان أبو بكر بن تاج كان في دولة الناصر وخدمه بالطب وكان طبيا نبيلا وعالج أمير المؤمنين الناصر من رمد عرض له من يومه بشيافه وطلب منه نسخته بعد ذلك فأبى أن يميلها وعالج سععا صاحب البريد من ضيق النفس بلعوق فبرأ من يومه بعد أن أعيا علاجه الأطباء وكان يعالج وجع الخاصرة بحب من حبه فيبرأ الوقت وكان ضنينا بنسخ الأدوية وله نوادر في الطب كثيرة وكان أديبا فاضلا حسن المحاضرة والمذاكرة وأدركه في آخر أيامة مرض القروح في أحليله فلم يمكنه دواؤه وعرفه الله القادر عجزه فقطع أحليله وولاه أمير المؤمنين الناصر قضاء شذونة ابن أم البنين سمي بالأعرف وكان من أهل مدينة قرطبة وخدم أمير المؤمنين الناصر بصناعة الطب وكان ينادمه وكانت معه فطنة في الطب وله نوادر أنذر بها وكان معجبا بنفسه وكان الناصر ربما استثقله لذلك وربما اضطر إليه لجودة فطنته سعيد بن عبد ربه هو أبو عثمان سعيد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن محمد بن سالم مولى الأمير هشام الرضي بن عبد الرحمن الداخل بالأندلس وهو ابن أخي أبي عمرو وأحمد بن محمد بن عبد ربه الشاعر صاحب كتاب العقد وكانت وفاة عمه هذا أحمد بن محمد بن عبد ربه في شهر جمادى الأولى من سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ومولده في سنة ست وأربعين ومائتين لعشر خلون من شهر رمضان وكان سعيد بن عبد ربه طبيبا فاضلا وشاعرا محسنا وله في الطب رجز جليل محتو على جملة حسنة منه دل به على تمكنه من العلم وتحققه لمذاهب القدماء وكان له مع ذلك بصر بحركات الكواكب وطبائعها ومهاب الرياح وتغير الأهوية وكان مذهبه في مداواة الحميات أن يخلط بالمبردات شيئا من وله في ذلك مذهب جميل ولم يخدم بالطب سلطانا وكان بصيرا بتقدمة
489 المعرفة وتغيير الأهوية ومهب الرياح وحركة الكواكب قال ابن جلجل حدثني عنه سليمان ابن أيوب الفقيه قال قال اعتللت بحمة فطاولتني وأشرفت منها إذ مر بأبي وهو ناهض إلى صاحب المدينة أحمد بن عيسى فقام إليه وقضى واجب حقه بالسلام عليه وسأله عن علتي واستخبر أبي عما عولجت به فسفه علاج من عالجني وبعث إلى أبي بثماني عشرة حبة من حبوب مدورة وأمر أن أشرب منها كل يوم حبة فما استوعبتها حتى أقلعت الحمى وبرئت برأ تاما وعمي سعيد في آخر أيامه ومن شعر سعيد بن عبد ربه أنه افتصد يوما فبعث إلى عمه أحمد بن محمد بن عبد ربه الشاعر الأديب راغبا إليه في أن يحضر عنده مؤانسا له فلم يجبه عمه إلى ذلك وأبطأ عنه فكتب إليه (لما عدمت مؤانسا وجليسا * نادمت بقراطا وجالينوسا) (وجعلت كتبهما شفاء تفردي * وهما الشفاء لكل جرح يوسا) (ووجدت علمهما إذا حصلته * يذكي ويحيى للجسوم نفوسا) الكامل فلما وصل الشعر إلى عمه جاوبه بأبيات منها (ألفيت بقراطا وجالينوسا * لا يأكلان ويرزآن جليسا) (فجعلتهم دون الأقارب جنة * ورضيت منهم صاحبا وأنيسا) (وأظن بخلك لا يرى لك تاركا * حتى تنادم بعدهم أبليسا) وقال سعيد بن عبد ربه أيضا في آخر عمره وكان جميل المذهب منقبضا عن الملوك (أمن بعد غوصي في علوم الحقائق * وطول انبساطي في مواهب خالقي) (وفي حين أشرافي على ملكوته * أرى طالبا رزقا إلى غير رازقي) (وأيام عمر المرء متعة ساعة * تجيء حثيثا مثل لمحة بارق) (وقد أذنت نفسي بتقويض رحلها * وأسرع في سوقي إلى الموت سائقي) (وإني وإن أوغلت أو سرت هاربا * من الموت في الآفاق فالموت لاحقي) الطويل ولسعيد بن عبد ربه من الكتب كتاب الأقراباذين تعاليق ومجربات في الطب أرجوزة في الطب عمر بن حفص بن برتق كان طبيبا فاضلا قارئا للقرآن مطرب الصوت وكان له رحلة إلى القيروان إلى أبي جعفر ابن الجزار لزمه ستة أشهر لا غير وهو أدخل إلى الأندلس كتاب زاد المسافر ونبل بالأندلس وخدم
490 بالطب الناصر وكان نجم بن طرفه صاحب البيازرة قد استخلصه لنفسه وقام به وأغناه وشاركه في كل دنياه ولم يطل عمره أصبغ بن يحيى كان متقدما في صناعة الطب وخدم بها الناصر وألف له حب الأنيسون وكان شيخا وسيما بهيا سريا معظما عند الرؤساء محمد بن تمليح كان رجلا ذا وقار وسكينة ومعرفة بالطب والنحو واللغة والشعر والرواية وخدم الناصر بصناعة الطب وكان المقيم برئاسته أحمد بن إلياس القائد وولاه الناصر خطبة الرد وقضاء شذونة وله في الطب تأليف حسن الإشكال وأدرك صدرا من دولة الحكم المستنصر بالله وكان حظيا عنده وخدمه بصناعة الطب قال القاضي صاعد وولاه النظر في بنيان الزيادة من قبلي الجامع بقرطبة فتولى ذلك وكملت تحت أشرافه وأمانته ورأيت اسمه مكتوبا بالذهب وقطع الفسيفساء على حائط المحراب بها وإن ذلك البنيان كمل على يديه عن أمر الخليفة الحكم في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ولمحمد بن تمليح من الكتب كتاب في الطب أبو الوليد بن الكتاني هو أبو الوليد محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني كان عالما بهيا سريا حلو اللسان محبوبا من العامة والخاصة لسخائه بعلمه ومواساته بنفسه ولم يكن يرغب في المال ولا جمعه وكان لطيف المعاناة وخدم الناصر والمستنصر بصناعة الطب ومات بعلة الاستسقاء أبو عبد الله بن الكتاني هو أبو عبد الله محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني كان أخذ الطب عن عمه محمد بن الحسين وطبقته وخدم به المنصور بن أبي عامر وابنه المظفر ثم انتقل في صدر الفتنة إلى مدينة سرقطسة واستوطنها وكان بصيرا بالطب متقدما فيه ذا حظ من المنطق والنجوم وكثير من علوم الفلسفة قال القاضي صاعد أخبرني عنه الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن وافد اللخمي أنه كان دقيق الذهن ذكي الخاطر جيد الفهم حسن التوحيد والتسبيح
491 وكان ذا ثروة وغنى واسع وتوفي قريبا من سنة عشرين وأربعمائة وهو قد قارب ثمانين سنة قال وقرأت في بعض تآليفه أنه أخذ صناعة المنطق عن محمد بن عبدون الجبلي وعمر بن يونس بن أحمد الحراني وأحمد بن حفصون الفيلسوف وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم القاضي النحوي وأبي عبد الله محمد بن مسعود البجائي ومحمد بن ميمون المعروف بمركوس وأبي القاسم فيد بن نجم وسعيد ابن فتحون السرقسطي المعروف بالحمار وأبي الحرث الأسقف تلميذ ربيع بن زيد الأسقف الفيلسوف وأبي مرين البجائي ومسلمه بن أحمد المرحيطي أحمد بن حكيم بن حفصون كان طبيبا عالما جيد القريحة حسن الفطنة دقيق النظر بصيرا بالمنطق مشرفا على كثير من علوم الفلسفة وكان متصلا بالحاجب جعفر الصقلبي ومستوليا على خاصته فأوصله بالحكم المستنصر بالله وخدمه بالطب إلى أن توفي الحاجب جعفر فأسقط حينئذ من ديوان الأطباء وبقي مخمولا إلى أن توفي ومات بعلة الإسهال أبو بكر أحمد بن جابر كان شيخا فاضلا في الطب حليما عفيفا وخدم المستنصر بالله بالطب وأدرك صدرا من دولة المؤيد وكان أولاد الناصر جميعهم يعتمدون على تعظيمه وتبجيله ومعرفة حقه وكان وجيها عندهم مؤتمنا وكذلك عند الرؤساء وكان أديبا فهما وكتب بخطه كتبا كثيرة في الطب والمجامع والفلسفة وعمر زمانا طويلا أبو عبد الله الملك الثقفي كان طبيبا أديبا عالما بكتاب أقليدس وبصناعة المساحة وخدم الناصر والمستنصر بصناعة الطب وكان أعرج وله في الطب نوادر وولاه المستنصر أو الناصر خزانة السلاح وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه ومات بعلة الاستسقاء هارون بن موسى الأشبوني كان من شيوخ الأطباء وأخيارهم مؤتمنا مشهورا بأعمال اليد وخدم الناصر والمستنصر بصناعة الطب محمد بن عبدون الجبلي العذري رحل إلى المشرق سنة سبع وأربعين وثلاثمائة ودخل البصرة ولم يدخل بغداد وأتى مدينة فسطاط مصر ودبر مارستانها ومهر بالطب ونبل فيه وأحكم كثيرا من أصوله وعانى صناعة المنطق عناية صحيحة وكان شيخه فيها أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني البغدادي ورجع إلى
492 الأندلس سنة ستين وثلاثمائة وخدم بالطب المستنصر بالله والمؤيد بالله وكان قبل أن يتطبب مؤدبا بالحساب والهندسة وله في التكسير كتاب حسن قال القاضي صاعد وأخبرني أبو عثمان سعيد بن محمد بن البعوش الطليطلي أنه لم يلق في قرطبة أيام طلبه فيها من يلحق بمحمد بن عبدون الجبلي في صناعة الطب ولا يجاريه في ضبطها وحسن دربته فيها وأحكامه لغوامضها ولمحمد بن عبدون من الكتب كتاب في التكسير عبد الرحمن بن إسحاق بن الهيثم من أعيان أطباء الأندلس وفضلائها وكان من أهل قرطبة وله من الكتب كتاب الكمال والتمام في الأدوية المسهلة والمقيئة كتاب الاقتصار والإيجاد في خطا ابن الجزار في الاعتماد كتاب الاكتفاء بالدواء من خواص الأشياء صنفه للحاجب القائد أبي عامر محمد بن أبي عامر كتاب السمائم ابن جلجل هو أبو داود سليمان بن حسان يعرف بابن جلجل وكان طبيبا فاضلا خبيرا بالمعالجات جيد التصرف في صناعة الطب وكان في أيام هشام المؤيد بالله وخدمه بالطب وله بصيرة واعتناء بقوى الأدوية المفردة وقد فسر أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس العين زربي وأفصح عن مكنونها وأوضح مستغلق مضمونها وهو يقول في أول كتابه هذا إن كتاب ديسقوريدس ترجم بمدينة السلام في الدولة العباسية في أيام جعفر المتوكل وكان المترجم له اصطفن بن بسيل الترجمان من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وتصفح ذلك حنين بن إسحاق المترجم فصحح الترجمة وأجازها فما علم اصطفن من تلك الأسماء اليونانية في وقته له اسما في اللسان العربي فسره بالعربية وما لم يعلم له في اللسان العربي اسما تركه في الكتاب على اسمه اليوناني اتكالا منه على أن يبعث الله بعده من يعرف ذلك ويفسره باللسان العربي إذ التسمية لا تكون بالتواطؤ من أهل كل بلد على أعيان الأدوية بما رأوا وأن يسموا ذلك إما باشتقاق وإما بغير ذلك من تواطئهم على التسمية فاتكل اصطفن على شخوص يأتون بعده ممن قد عرف أعيان الأدوية التي لم يعرف هو لها اسما في وقته فيسميها على قدر ما سمع في ذلك الوقت فيخرج إلى المعرفة قال ابن جلجل وورد هذا الكتاب إلى الأندلس وهو على ترجمة اصطفن منه ما عرف له اسما بالعربية ومنه ما لم يعرف له اسما فانتفع الناس بالمعروف منه بالمشرق وبالأندلس إلى أيام الناصر عبد الرحمن بن محمد وهو يومئذ صاحب الأندلس فكاتبه أرمانيوس الملك ملك قسطنطينية
493 في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وهاداه بهدايا لها قدر عظيم فكان في جملة هديته كتاب دسقوريدس مصور الحشائش بالتصوير الرومي العجيب وكان الكتاب مكتوبا بالإغريقي الذي هو اليوناني وبعث معه كتاب هروسيس صاحب القصص وهو تاريخ للروم عجيب فيه أخبار الدهور وقصص الملوك الأول وفوائد عظيمة وكتب أرمانيوس في كتابه إلى الناصر إن كتاب ديسقوريدس لا تجتنى فائدته إلا برجل يحسن العبارة باللسان اليوناني ويعرف أشخاص تلك الأدوية فإن كان في بلدك من يحسن ذلك فزت أيها الملك بفائدة الكتاب وأما كتاب هروسيس فعندك في بلدك من اللطينيين من يقرأه باللسان اللطيني وإن كشفتهم عنه نقلوه لك من اللطيني إلى اللسان العربي قال ابن جلجل ولم يكن يومئذ بقرطبة من نصارى الأندلس من يقرأ اللسان الأغريقي الذي هو اليوناني القديم فبقي كتاب ديسقوريدس في خزانة عبد الرحمن الناصر باللسان الإغريقي ولم يترجم إلى اللسان العربي وبقي الكتاب بالأندلس والذي بين أيدي الناس بترجمة أسطفن الواردة من مدينة السلام بغداد فلما جاوب الناصر أرمانيوس الملك سأله أن يبعث إليه برجل يتكلم بالإغريقي واللطيني ليعلم له عبيدا يكونون مترجمين فبعث أرمانيوس الملك إلى الناصر براهب كان يسمى نقولا فوصل إلى قرطبة سنة أربعين وثلاثمائة وكان يومئذ بقرطبة من الأطباء قوم لهم بحث وتفتيش وحرص على استخراج ما جهل من أسماء عقاقير كتاب ديسقوريدس إلى العربية وكان أبحثهم وأحرصهم على ذلك من جهة التقرب إلى الملك عبد الرحمن الناصر حسداي بن بشروط الإسرائيلي وكان نقولا الراهب عنده أحظى الناس وأخصهم به وفسر من أسماء عقاقير كتاب ديسقوريدس ما كان مجهولا وهو أول من عمل بقرطبة ترياق الفاروق على تصحيح الشجارية التي فيه وكان في ذلك الوقت من الأطباء الباحثين عن تصحيح أسماء عقاقير الكتاب وتعيين أشخاصه محمد المعروف بالشجار ورجل كان يعرف بالبسباسي وأبو عثمان الجزار الملقب باليابسة ومحمد بن سعيد الطبيب وعبد الرحمن بن إسحاق بن هيثم وأبو عبد الله الصقلي وكان يتكلم باليونانية ويعرف أشخاص الأدوية قال ابن جلجل وكان هؤلاء النفر كلهم في زمان واحد مع نقولا الراهب أدركته وأدركت نقولا الراهب في أيام المستنصر وصحتهم في أيام المستنصر الحكم وفي صدر دولته مات نقولا الراهب فصح ببحث هؤلاء النفر الباحثين عن أسماء عقاقير كتاب ديسقوريدس تصحيح الوقوف على أشخاصها بمدينة قرطبة خاصة بناحية الأندلس ما أزال الشك فيها عن القلوب وأوجب المعرفة بها بالوقوف على أشخاصها وتصحيح النطق بأسمائها بلا تصحيف إلا القليل منها الذي لا بال به ولا خطر له وذلك يكون في مثل عشرة أدوية قال وكان لي في معرفة تصحيح هيولى الطب الذي هو أصل الأدوية المركبة حرص شديد وبحث
494 عظيم حتى وهبني الله من ذلك بفضله بقدر ما اطلع عليه من نيتي في إحياء ما خفت يدرس وتذهب منفعته لأبدان الناس فالله قد خلق الشفاء وبثه فيما انبتته الأرض واستقر عليها من الحيوان المشاء والسابح في الماء والمنساب وما يكون تحت الأرض في جوفها من المعدنية كل ذلك فيه شفاء ورحمة ورفق ولابن جلجل من الكتب كتاب تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس ألفه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة بمدينة قرطبة في دولة هشام بن الحكم المؤيد بالله مقالة في ذكر الأدوية التي لم يذكرها ديسقوريدس في كتابه مما يستعمل في صناعة الطب وينتفع به وما لا يستعمل لكيلا يغفل ذكره وقال ابن جلجل أن ديسقوريدس اغفل ذلك ولم يذكره إما لأنه لم يره ولم يشاهده عيانا وإما لأن ذلك كان غير مستعمل في دهره وأبناء جنسه رسالة التبيين فيما غلط فيه بعض المتطبيين كتاب يتضمن ذكر شيء من أخبار الأطباء والفلاسفة ألف في أيام المؤيد بالله أبو العرب يوسف بن محمد أحد المتحققين بصناعة الطب والراسخين في علمه قال القاضي صاعد حدثني الوزير أبو المطرف ابن و افد وأبو عثمان سعيد بن محمد بن البغونش إنه كان محكا لأصول الطب نافذا في فروعه حسن التصرف في أنواعه قال وسمعت غيرهما يقول لم يكن أحد بعد محمد بن عبدون يوازي أبو العرب في قيامه بصناعة الطب ونفوذه فيها وكان غلب عليه في آخر عمره حب الخمر فكان لا يوجد صاحيا ولا يرى مفيقا من خمار وحرم بذلك الناس كثيرا من الانتفاع به وبعلمه وتوفي وقد قارب تسعين سنة وذلك بعد ثلاثين وأربعمائة ابن البغونش هو أبو عثمان سعيد بن محمد بن البغونش قال القاضي صاعد كان من أهل طليطلة ثم رحل إلى قرطبة لطلب العلم بها فأخذ عن مسلمة بن أحمد علم العدد والهندسة وعن محمد بن عبدون الجبلي وسليمان بن جلجل وابن الشناعة ونظرائهم علم الطب ثم انصرف إلى طليطلة واتصل بها بأميرها الظافر إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن عامر بن مطرف بن ذي النون وحظي عنده وكان أحد مديري دولته قال ولقيته أنا فيها بعد ذلك في صدر دولة المأمون ذي المجد بن يحيى بن الظافر إسماعيل بن ذي النون وقد ترك قراءة العلوم وأقبل على قراءة القرآن ولزم داره والانقباض عن الناس فلقيت منه رجلا عاقلا جميل الذكر والمذهب حسن السيرة نظيف الثياب ذا كتب جليلة في أنواع الفلسفة وضروب الحكمة وتبينت منه أنه قرأ الهندسة وفهمها وقرأ المنطق وضبط كثيرا منه ثم أعرض عن ذلك وتشاغل بكتب جالينوس وجمعها وتناولها بتصحيحه
495 ومعاناته فحصل بتلك العناية على فهم كثير منها ولم تكن له دربة بعلاج المرضى ولا طبيعة نافذة في فهم الأمراض وتوفي عند صلاة الصبح من يوم الثلاثاء أول يوم من رجب سنة أربع وأربعين وأربعمائة وأخبرني أنه ولد سنة تسع وستين وثلاثمائة فكان إذ توفي ابن خمس وسبعين سنة ابن وافد هو الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن يحيى بن وافد بن مهند اللخمي أحد أشراف أهل الأندلس وذوي السلف الصالح منهم والسابقة القديمة فيهم عنى عناية بالغة بقراءة كتب جالينوس وتفهمها ومطالعة كتب أرسطوطاليس وغيره من الفلاسفة قال القاضي صاعد وتمهر بعلم الأدوية المفردة حتى ضبط منها ما لم يضبطه أحد في عصره وألف فيها كتابا جليلا لا نظير له جمع فيه ما تضمن كتاب ديسقوريدس وكتاب جالينوس المؤلفان في الأدوية المفردة ورتبه أحسن ترتيب قال وأخبرني أنه عانى جمعه وحاول ترتيبه وتصحيح ما ضمنه من أسماء الأدوية وصفاتها وأودعه إياه من تفصيل قواها وتحديد درجاتها نحوا من عشرين سنة حتى كمل موافقا لغرضه وتم مطابقا لبغيته وله في الطب منزع لطيف ومذهب نبيل وذلك أنه كان لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن التداوي بالأغذية أو ما كان قريبا منها فإذا دعت الضرورة إلى الأدوية فلا يرى التداوي بمركبها ما وصل إلى التداوي بمفردها فإن اضطر إلى المركب منها لم يكثر التركيب بل اقتصر على الأقل ما يمكنه منه وله نوادر محفوظة وغرائب مشهورة في الإبراء من العلل الصعبة والأمراض المخوفة بأيسر العلاج وأقربه واستوطن مدينة طليطلة وكان في أيام ابن ذي النون ومولد ابن وافد في ذي الحجة من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وكان في الحياة في سنة ستين وأربعمائة ولابن وافد من الكتب كتاب الأدوية المفردة كتاب الوساد في الطب مجربات في الطب كتاب تدقيق النظر في علل حاسة البصر كتاب المغيث الرميلي هو وكان بالمرية في أيام ابن معن المعروف بان صمادح ويلقب بالمعتصم بالله وقال أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم بن اليسع في كتاب المغرب عن محاسن أهل المغرب إن الرميلي صحبه توفيق يساعده ويصعده ويقيم له الجاه ويقعده مع دربة جرى بها فأدرك وقياس حركة للمحاورة فتحرك فأصبح يقتدى بنسخه ويتنافس في مستصرخه ويتوسل إليه برئاسة
496 نفس لا ترضى بدنية ولا تعامل إلا بالحرية وربما عالج في بعض أوقاته المستورين بماله أدوية وأغذية فأحبه البعيد والقريب وأصبح ما له إلا حميم أو حبيب حتى أودت به الأيام فاقدة إحسانه نادبة مكانه وللرميلي من الكتب كتاب البستان في الطب ابن الذهبي هو أبو محمد عبد الله بن محمد الأزدي ويعرف بابن الذهب أحد المعتنين بصناعة الطب ومطالعة كتب الفلاسفة وكان كلفا بصناعة الكيمياء مجتهدا في طلبها وتوفي ببلنسية في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة ولابن الذهبي من الكتب مقالة في أن الماء لا يغذو ابن النباش هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن حامد البجائي ويعرف بابن النباش معتن بصناعة الطب مواظب لعلاج المرضى ذو معرفة جيدة بالعلم الطبيعي وله أيضا نظر ومشاركة في سائر العلوم الحكمية وكان مقيما بجهة مرسية أبو جعفر بن خميس الطليطلي قرأ كتب جالينوس على مراتبها وتناول صناعة الطب من طرقها وكانت له رغبة كثيرة في معرفة العلم الرياضي والاشتغال به أبو الحسن عبد الرحمن بن خلف بن عساكر الدارمي اعتنى بكتب جالينوس عناية صحيحة وقرأ كثيرا منها على أبي عثمان سعيد بن محمد بن بغونش واشتغل أيضا بصناعة الهندسة والمنطق وغير ذلك وكانت له عبارة بالغة وطبع فاضل في المعاناة ومنزع حسن في العلاج وله تصرف في دروب من الأعمال اللطيفة والصناعات الدقيقة ابن الخياط هو أبو بكر يحيى بن أحمد ويعرف بابن الخياط كان أحد تلاميذ أبي القاسم مسلمة بن أحمد المرحيطي في علم العدد والهندسة ثم مال إلى أحكام النجوم وبرع فيها واشتهر بعلمها وخدم بها سليمان بن حكم بن الناصر لدين الله في زمن الفتنة وغيره من الأمراء وآخر من خدم بذلك الأمير
497 المأمون يحيى بن إسماعيل بن ذي النون وكان مع ذلك معتنيا بصناعة الطب دقيق العلاج حصيفا حليما دمثا حسن السيرة كريم المذهب وتوفي بطليطلة سنة سبع وأربعين وأربعمائة وقد قارب ثمانين سنة منجم بن الفوال يهودي من سكان سرقسطة وكان متقدما في صناعة الطب متصرفا مع ذلك في علم المنطق وسائر علوم الفلسفة ولمنجم بن الفوال من الكتب كتاب كنز المقل على طريق المسألة والجواب وضمنه جملا من قوانين المنطق وأصول الطبيعة مروان بن جناح كان أيضا يهوديا وله عناية بصناعة المنطق والتوسع في علم لسان العرب واليهود ومعرفة جيدة بصناعة الطب وله من الكتب كتاب التلخيص وقد ضمنه ترجمة الأدوية المفردة وتحديد المقادير المستعملة في صناعة الطب من الأوزان والمكاييل إسحاق بن قسطار كان أيضا يهوديا وخدم الموفق مجاهدا العامري وابنه إقبال الدولة عليا وكان إسحاق بصيرا بأصول الطب مشاركا في علم المنطق مشرفا على آراء الفلاسفة وكان وافر العقل جميل الأخلاق وله تقدم في علم اللغة العبرانية بارعا في فقه اليهود حبرا من أحبارهم ولم يتخذ قط امرأة وتوفي بطليطلة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وله من العمر خمس وسبعون سنة حسداي بن إسحاق معتن بصناعة الطب وخدم الحكم بن عبد الرحمن الناصر لدين الله وكان حسداي بن إسحاق من أحبار اليهود متقدما في علم شريعتهم وهو أول من فتح لأهل الأندلس منهم باب علمهم من الفقه والتاريخ وغير ذلك وكانوا قبل يضطرون في فقه دينهم وسني تاريخهم ومواقيت أعيادهم إلى يهود بغداد فيستجلبون من عندهم حساب عدة من السنين يتعرفون به مداخل تاريخهم ومبادئ سنيهم فلما اتصل حسداي بالحكم ونال عنده نهاية الحظوة توصل به إلى استجلاب ما شاء من تآليف اليهود بالمشرق فعلم حينئذ يهود الأندلس ما كانوا قبل يجهلونه واستغنوا عما كانوا يتجشمون الكلفة فيه
498 أبو الفضل حسداي بن يوسف بن حسداي من ساكني مدينة سرقطسة ومن بيت شرف اليهود بالأندلس من ولد موسى النبي عليه السلام عني بالعلوم على مراتبها وتناول المعارف من طرقها فأحكم علم لسان العرب ونال حظا جزيلا من صناعة الشعر والبلاغة وبرع في علم العدد والهندسة وعلم النجوم وفهم صناعة الموسيقى وحاول عملها وأتقن علم المنطق وتمرن بطرق البحث والنظر واشتغل أيضا بالعلم الطبيعي وكان له نظر في الطب وكان في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة في الحياة وهو في سنة الشبيبة أبو جعفر يوسف بن أحمد بن حسداي من الفضلاء في صناعة الطب وله عناية بالغة في الاطلاع على كتب أبقراط وجالينوس وفهمها وكان قد سافر من الأندلس إلى الديار المصرية واشتهر ذكره بها وتميز في أيام الآمر بأحكام الله من الخلفاء المصريين وكان خصيصا بالمأمون وهو أبو عبد الله محمد بن نور الدولة أبي شجاع الآمري في مدة أيام دولته وتدبيره للملك وكانت معدنه في ذلك ثلاث سنين وتسعة أشهر لأن الآمر كان قد استوزر المأمون في الخامس من ذي الحجة سنة خمس عشرة وخمسمائة وقبض عليه ليلة السبت الرابع من شهر رمضان سنة تسع عشرة وخمسمائة في القصر بعد صلاة المغرب ثم قتل بعد ذلك في رجب سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وصلب بظاهر القاهرة وكان المأمون في أيام وزارته له همة عالية ورغبة في العلوم فكان قد أمر يوسف بن أحمد بن حسداي أن يشرح له كتب أبقراط إذ كانت أجل كتب هذه الصناعة وأعظمها جدوى وأكثرها غموضا وكان ابن حسداي قد شرع في ذلك ووجدت له منه شرح كتاب الأيمان لأبقراط وقد أجاد في شرحه لهذا الكتاب واستقصى ذكر معانيه وتبيينها على أتم ما يكون وأحسنه ووجدت له أيضا شرح بعض كتاب الفصول لأبقراط وكان بينه وبين أبي بكر محمد بن يحيى المعروف بابن باجة صداقة فكان أبدا يراسله من القاهرة وكان يوسف بن أحمد بن حسداي مدمنا للشراب وعنده دعابة ونوادر وبلغني عنه أنه لما أتى من الإسكندرية إلى القاهرة كان هو وبعض الصوفية قد اصطحبا في الطريق فكانا يتحادثان وأنس كل واحد منهما إلى الآخر ولما وصلا إلى القاهرة قال له الصوفي أنت أين تنزل في القاهرة حتى أكون أراك فقال ما كان في خاطري أن أنزل إلا حانة الخمار وأشرب فإن كنت توافق وتأتي إلي فرأيك فصعب قوله على الصوفي وأنكر هذا الفعل ومشى إلى الخانكاه ولما كان في بعض
499 الأيام بعد مديدة وابن حسداي في السوق وإذا بجمع من الناس وفي وسطهم صوفي يعزر وقد اشتهر أمره بأنه وجد سكران ولما قرب إلى الموضع الذي فيه ابن حسداي ونظر إليه وجده ذلك الصوفي بعينه فقال يا لله قتلك النامس وليوسف بن أحمد بن حسداي من الكتب الشرح المأموني لكتاب الأيمان لأبقراط المعروف بعهده إلى الأطباء صنفه للمأمون أبي عبد الله محمد الآمري شرح المقالة الأولى من كتاب الفصول لأبقراط تعاليق وجدت بخطه كتبها عند وروده على الإسكندرية من الأندلس فوائد مستخرجة استخرجها وهذبها من شرح علي بن رضوان لكتاب جالينوس إلى أغلوقن من القول على أول الصناعة الصغيرة لجالينوس كتاب الأجمال في المنطق شرح كتاب الأجمال ابن سمجون وهو أبو بكر حامد بن سمجون فاضل في صناعة الطب متميز في قوى الأدوية المفردة وأفعالها متقن لما يجب من معرفتها وكتابه في الأدوية المفردة مشهور بالجودة وقد بالغ فيه وأجهد نفسه في تأليفه واستوفى فيه كثيرا من آراء المتقدمين في الأدوية المفردة وقال أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم بن اليسع في كتاب المغرب عن محاسن أهل المغرب أن ابن سمجون ألف كتابه هذا في أيام المنصور الحاجب محمد بن أبي عامر أقول وكانت وفاة محمد بن أبي عامر في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ولابن سمجون من الكتب كتاب الأدوية المفردة كتاب الأقراباذين البكري هو أبو عبيد الله بن عبد العزيز البكري من مرسيه من أعيان أهل الأندلس وأكابرهم فاضل في معرفة الأدوية المفردة وقواها ومنافعها وأسمائها ونعوتها وما يتعلق بها وله من الكتب كتاب أعيان النبات والشجريات الأندلسيه الغافقي س هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن السيد الغافقي إمام فاضل وحكيم عالم ويعد من الأكابر في الأندلس وكان أعرف أهل زمانه بقوى الأدوية المفردة ومنافعها وخواصها وأعيانها ومعرفة أسمائها وكتابه في الأدوية المفردة لا نظير له في الجودة ولا شبيه له في معناه قد استقصى فيه ما ذكره ديسقوريدس والفاضل جالينوس بأوجز لفظ وأتم معنى ثم ذكر بعد قوليهما ما تجدد للمتأخرين من الكلام في الأدوية المفردة أو ما ألم به واحد واحد منهم وعرفه فيما بعد
500 فجاء كتابه جامعا لما قاله الأفاضل في الأدوية المفردة ودستورا يرجع إليه فيما يحتاج إلى تصحيحه منها وللغافقي من الكتب كتاب الأدوية الشريف محمد بن محمد الحسني هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحسني ويلقب بالعالي بالله كان فاضلا عالما بقوى الأدوية المفردة ومنافعها ومنابتها وأعيانها وله من الكتب كتاب الأدوية المفردة خلف بن عباس الزهراوي كان طبيبا فاضلا خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة جيد العلاج وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب وأفضلها كتابه الكبير المعروف بالزهراوي ولخلف بن عباس الزهراوي من الكتب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف وهو أكبر تصانيفه وأشهرها وهو كتاب تام في معناه ابن بكلارش كان يهوديا من أكابر علماء الأندلس في صناعة الطب وله خبرة واعتناء بالغ بالأدوية المفردة وخدم بصناعة الطب بني هود ولابن بكلارش من الكتب كتاب المجدولة في الأدوية المفردة وضعه مجدولا وألفه بمدينة المرية للمستعين بالله أبي جعفر أحمد بن المؤتمن بالله بن هود أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت هو من بلد دانية من شرق الأندلس وهو من أكابر الفضلاء في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم وله التصانيف المشهورة والمآثر المذكورة قد بلغ في صناعة الطب مبلغا لم يصل إليه غيره من الأطباء وحصل من معرفة الأدب ما لم يدركه كثير من سائر الأدباء وكان أوحد في العلم الرياضي متقنا لعلم الموسيقى وعمله جيد اللعب بالعود وكان لطيف النادرة فصيح اللسان جيد المعاني ولشعره رونق وأتى أبو الصلت من الأندلس إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة مدة ثم عاد بعد ذلك إلى الأندلس وكان دخول أبي الصلت إلى مصر في حدود سنة عشر وخمسمائة ولما كان في الإسكندرية حبس بها وحدثني الشيخ سديد الدين المنطقي في القاهرة سنة اثنين وثلاثين وستمائة أن أبا الصلت أمية بن عبد العزيز كان سبب حبسه في الإسكندرية أن مركبا كان قد وصل إليها وهو موقر بالنحاس فغرق قريبا منها ولم تكن لهم حيلة تخليصه لطول المسافة في عمق البحر ففكر أبو الصلت في أمره وأجال
501 النظر في هذا المعنى حتى تلخص له فيه رأي واجتمع بالأفضل بن أمير الجيوش ملك الإسكندرية وأوجده أنه قادر أن تهيأ له جميع ما يحتاج إليه من الآلات أن يرفع المركب من قعر البحر ويجعله على وجه الماء مع ما فيه من الثقل فتعجب من قوله وفرح به وسأله أن يفعل ذلك ثم آتاه على جميع ما يطلبه من الآلات وغرم عليها جملة من المال ولما تهيأت وضعها في مركب عظيم على موازاة المركب الذي قد غرق وأرسى إليه حبالا مبرومة من الإبريسم وأمر قوما لهم خبرة في البحر أن يغوصوا ويوثقوا ربط الحبال بالمركب الغارق وكان قد صنع آلات بأشكال هندسية لرفع الأثقال في المركب الذي هم فيه وأمر الجماعة بما يفعلونه في تلك الآلات ولم يزل شأنهم ذلك والحبال الإبريسم ترتفع إليهم أولا فأولا وتنطوي على دواليب بين أيديهم حتى بان لهم المركب الذي كان قد غرق وارتفع إلى قريب من سطح الماء ثم عند ذلك انقطعت الحبال الإبريسم وهبط المركب راجعا إلى قعر البحر ولقد تلطف أبو الصلت جدا فيما صنعه وفي التحيل إلى رفع المركب إلا أن القدر لم يساعده وحنق عليه الملك لما غرمه من الآلات وكونها مرت ضائعة وأمر بحبسه وأن يستوجب ذلك وبقي في الاعتقال مدة إلى أن شفع فيه بعض الأعيان وأطلق وكان ذلك في خلافة الآمر بأحكام الله ووزارة الملك الأفضل بن أمير الجيوش ونقلت من رسائل الشيخ أبي القاسم علي بن سليمان المعروف بابن الصيرفي في ما هذا مثاله قال وردتني رقعة من الشيخ أبي الصلت وكان معتقلا وفي آخرها نسخة قصيدتين خدم بهما المجلس الأفضلي أول الأولى منهما (الشمس دونك في المحل * والطيب ذكرك بل أجل) الكامل وأول الثانية (نسخت غرائب مدحك التشبيبا * وكفى بها غزلا لنا ونسيبا) الكامل فكتبت إليه (لئن سترتك الجدر عنا فربما * رأينا جلابيب السحاب على الشمس) الطويل وردتني مولاي فأخذت في تقبيلها وارتشافها قبل التأمل لمحاسنها واستشفافها حتى كأني ظفرت بيد مصدرها وتمكنت من أنامل كاتبها ومسطرها ووقفت على ما تضمنته من الفضل الباهر وما أودعتها من الجواهر التي قذف بها فيض الخاطر فرأيت ما قيد فكري وطرفي وجل عن مقابلة تقريظي ووصفي وجعلت أجدد تلاوتها مستفيدا وأرددها مبتدئا فيها ومعيدا (نكرر طورا من قراة فصوله * فإن نحن أتممنا قراءته عدنا)
502 (إذا ما نشرناه فكالمسك نشره * ونطويه لا طي السآمة بل ضنا) الطويل فأما ما اشتملت عليه من الرضا بحكم الدهر ضرورة وكون ما اتفق له عارض بتحقق ذهابه ومروره ثقة بعواطف السلطان خلد الله أيامه ومراحمه وسكونا إلى ما جبلت النفوس عليه من معرفة فواضله ومكارمه فهذا قول مثله ممن طهر الله نيته وحفظ دينه ونزه عن الشكوك ضميره ويقينه ووفقه بلطفه لاعتقاد الخير واستشعاره وصانة عما يؤدي إلى عاب الإثم وعاره (لا يؤيسنك من تفرج كربة * خطب رماك به الزمان الأنكد) (صبرا فإن اليوم يتبعه غد * ويد الخلافة لا تطاولها يد) الكامل وأما ما أشار إليه من أن الذي مني به تمحيص أوزار سبقت وتنقيص ذنوب اتفقت فقد حاشاه الله من الدنايا وبرأه من الآثام والخطايا بل ذاك اختيار لتوكله وثقته وابتلاء لصيره وسريرته كما يبتلى المؤمنين الأتقياء ويمتحن الصالحون والأولياء والله تعالى يدبره بحسن تدبيره ويقضي له بما الحظ في تسهيله وتيسيره بكرمه وقد اجتمعت بفلان فأعلمني أنه تحت وعد أداه الاجتهاد إلى تحصيله وإحرازه ووثق من المكارم الفائضة بالوفاء به وإنجازه وأنه ينتظر فرصة في التذكار ينتهزها ويغتنمها ويرتقب فرجة للخطاب يتولجها ويقتحمها والله تعالى يعينه على ما يضمر من ذلك وينويه ويوفقه فيما يحاوله ويبغيه وأما القصيدتان اللتان أتحفني بهما فما عرفت أحسن منهما مطلعا ولا أجود منصرفا ومقطعا ولا أملك للقلوب والإسماع ولا أجمع للإغراب والإبداع ولا أكمل في فصاحة الألفاظ وتمكن القوافي ولا أكثر تناسبا على كثرة ما في الأشعار من التباين والتنافي ووجدتهما تزدادان حسنا على التكرير والترديد وتفاءلت فيهما بترتيب قصيدة الإطلاق بعد قصيدة التقييد والله عز وجل يحقق رجائي في ذلك وأملي ويقرب ما أتوقعه فمعظم السعادة فيه لي إنشاء الله أقول وكانت وفاة أبي الصلت رحمه الله يوم الاثنين مستهل محرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة بالمهدية ودفن في المنستير وقال عند موته أبياتا وأمر أن تنقش على قبره وهي (سكنتك يا دار الفناء مصدقا * بأني إلى دار البقاء أصير) (وأعظم ما في الأمر إني صائر * إلى عادل في الحكم ليس يجور) (فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها * وزادي قليل والذنوب كثير)
503 (فإن أك مجزيا بذنبي فإنني * بشر عقاب المذنبين جدير) (وإن يك عفو ثم عني ورحمة * فثم نعيم دائم وسرور) الطويل ولما كان أبو الصلت أمية بن عبد العزيز قد توجه إلى الأندلس قال ظافر الحداد الإسكندري وأنفذها إلى المهدية إلى الشيخ أبي الصلت من مصر يذكر شوقه إليه وأيام اجتماعهما بالإسكندرية (ألا هل لدائي من فراقك إفراق * هو السم لكن في لقائك درياق) (فيا شمس فضل غربت ولضوئها * على كل قطر بالمشارق إشراق) (سقى العهد عهدا منك عمر عهده * بقلبي عهد لا يضيع وميثاق) (يجدده ذكر يطيب كما شدت * وريقاء كنتها من الأيك أوراق) (لك الخلق الجزل الرفيع طرازه * وأكثر أخلاق الخليقة أخلاق) (لقد ضاءلتني يا أبا الصلت مذ نأت * ديارك عن داري هموم وأشواق) (إذا عزني إطفاؤها بمدامعي * جرت ولها ما بين جفني إحراق) (سحائب يحدوها زفير تجره * خلال التراقي والترائب تشهاق) (وقد كان لي كنز مع الصبر واسع * فلي منه في صعب النوائب إنفاق) (وسيف إذا جردت بعض غراره * لجيش خطوب صدها منه إرهاق) (إلى أن أبان البين أن غراره * غرور وإن الكنز فقر وإملاق) (أخي سيدي مولاي دعوة من صفا * وليس له من رق ودك إعتاق) (لئن بعدت ما بيننا شقة النوى * ومطرد طامي الغوارب خفاق) (وبيد إذا كلفتها العيس قصرت * طلائح إنضاها ذميل وإعناق) (فعندي لك الود الملازم مثل ما * يلازم أعناق الحمائم أطواق) (ألا هل لأيامي بك الغر عودة * كعهدي وثغر الثغر أشنب براق) (ليالي يدنينا جواب أعادنا * من القرب كالصنوين ضمهما ساق) (وما بيننا من حسن حظك روضة * بها حسدت منا المسامع أحداق) (حديث حديث كلما طال موجز * مفيد إلى قلب المحدث سباق) (يزجيه بحر من علومك زاخر * له كل بحر فائض اللج رقراق)
504 (معان كأطواد الشوامخ جزلة * تضمنها عذب من اللفظ غيداق) (به حكم مستنبطات غرائب * لأبكارها الغر الفلاسف عشاق) (فلو عاش رسطاليس كان له بها * غرام وقلب دائم الفكر تواق) (فيا واحد الفضل الذي العلم قوته * وأهلوه مشتاق بشم وذواق) (لئن قصرت كتبي فلا غرو أنه * لعائق عذر والمقادير أوهاق) (كتب وآفات البحار تردها * فإن لم يكن رد علي فإغراق) (بحار بأحكام الرياح فإنها * مفاتيح في أبوابهن وأغلاق) (ومن لي أن أحظ إليك بنظرة * فيسكن مقلاك ويرقا مهراق) الطويل ومن شعر أبي الصلت أمية بن عبد العزيز قال يمدح أبا الطاهر يحيى بن تميم بن المعز بن باديس ويذكر وصول ملك الروم بالهدايا راغبا في ترك الغزو وذلك في سنة خمس وخمسمائة (يهاديك من لو شئت كان هو المهدى * وإلا فضمنه المثقفة الملدا) (وكل سريجي إذا ابتز غمده * تعوض من هام الكماة له غمدا) (تخير فردا في ظبا الهند شأنه * إذا شيم يوم الروع أن يزوج الفردا) (ظبا ألفت غلب الرقاب وصالها * كما ألفت منهن أغمادها الصدا) (تركت بقسطنطينة رب ملكها * وللرعب ما أخفاه منه وما أبدى) (سددت عليه مغرب الشمس بالظبا * فود حذارا منك لو جاوز السدا) (وبالرغم منه ما أطاعك مبديا * لك الحب في هذي الرسائل والودا) (لأنك إن أوعدته أو وعدته * وفيت ولم تخلف وعيدا ولا وعدا) (أجل وإذا ما شئت جردت نحوه * جحاجحة شيبا وصبيانة مردا) (يردون أطراف الرماح دواميا * يخلن على أيديهم مقلا رمدا) (فدتك ملوك الأرض أبعدها مدى * وأرفعها قدرا وأقدمها مجدا)
505 (إذا كلفوا بالطرف أدعج ساجيا * كلفت بحب الطرف عبل الشوى نهدا) (وكل أضاة أحكم القين نسجها * فضاعف في أثنائها الحلق السردا) (وأسمر عسال وأبيض صارم * يعنق ذا قدا ويلثم ذا خدا) (محاسن لو أن الليالي حليت * بأيسرها لابيض منهن ما اسودا) (فمر بالذي تختاره الدهر يمتثل * لأمرك حكما لا يطيق له ردا) الطويل وقال أيضا ورفعها إلى الأفضل يذكر تجريده العساكر إلى الشام لمحاربة الفرنج بعد انهزام عسكره في الموضع المعروف بالبصه وكان قد اتفق في أثناء ذلك التاريخ أن قوما من الأجناد وغيرهم أرادوا الفتك به فوقع على خبرهم فقبض عليهم وقتلهم (هي العزائم من أنصارها القدر * وهي الكتائب من أشياعها الظفر) (جردت للدين والأسياف مغمدة * سيفا تفل به الأحداث والغير) (وقمت إذ قعد الأملاك كلهم * تذب عنه وتحميه وتنتصر) (بالبيض تسقط فوق البيض أنجمهم * والسمر تحت ظلال النقع تشتجر) (بيض إذا خطبت بالنصر السنها * فمن منابرها الأكباد والقصر) (وذبل من رماح الخط مشرعة * في طولهن لأعمار العدا قصر) (يغشى بها غمرات الموت أسد شرى * من الكماة إذا ما استنجدوا ابتدروا) (مستلئمين إذا سلوا سيوفهم * شبهتها خلجا مدت بها غدر) (قوم تصول ببيض الهند أذرعهم * فما يضر ظباها أنها بتر) (إذا انتضوها وذيل النقع فوقهم * كالشمس طالعة والليل معتكر) (ترتاح أنفسهم نحو الوغى طربا * كأنما الدم راح والظبا زهر) (وإن هم نكصوا يوما فلا عجب * قد يكهم السيف وهو الصارم الذكر)
506 (العود أحمد والأيام ضامنة * عقبى النجاح ووعد الله ينتظر) (وربما ساءت الأقدار ثم جرت * بما يسرك ساعات لها أخر) (الله زان بك الأيام من ملك * لك الحجول من الأيام والغرر) (لله بأسك والألباب طائشة * والخيل تردى ونار الحرب تستعر) (وللعجاج على صم القنا طلل * هي الدخان وأطراف القنا شرر) (إذ يرجع السيف يبدي خده علقا * كصفحة البكر أدمى خدها الخفر) (وإذ تسد مسد السيف منفردا * ولا يصدك لا جبن ولا خور) (أما يهولك ما لاقيت من عدد * سيان عندك قل القوم أو كثروا) (هي السماحة إلا أنها شرف * هي الشجاعة إلا أنها غرر) (الله في الدين والدنيا فما لهما * سواك كهف ولا ركن ولا وزر) (ورام كيدك أقوام وما علموا * أن المنى خطرات بعضها خطر) (هيهات أين من العيوق طاليه * لو كان سدد منه الفكر والنظر) (أن الأسود لتأبى أن يروعها * وسط العرين ظباء الربرب العفر) (أمر نووه ولو هموا به وقفوا * كوقفة العير لا ورد ولا صدر) (فاضرب بسيفك من ناواك منتقما * إن السيوف لأهل البغي تدخر) (ما كل حين ترى الأملاك صافحة * عن الجرائر تعفو حين تقتدر) (ومن ذوي البغي من لا يستهان به * وفي الذنوب ذنوب ليس تغتفر) (إن الرماح غصون يستظل بها * وما لهن سوى هام العدى ثمر) (وليس يصبح شمل الملك منتظما * إلا بحيث ترى الهامات تنتثر) (والرأي رأيك فيما أنت فاعله * وأنت أدرى بما تأتي وما تذر) (أضحى شهنشاه غيثا للندى غدقا * كل البلاد إلى سقياه تفتقر) (الطاعن الألف إلا أنها نسق * والواهب الألف إلا أنها بدر) (ملك تبوأ فوق النجم مقعده * فكيف تطمع في غاياته البشر) (يرجى نداه ويخشى عند سطوته * كالدهر يوجد فيه النفع والضرر) (ولا سمعت ولا حدثت عن أحد * من قبله يهب الدنيا ويعتمر) (ولا بصرت بشمس قبل غرته * إذا تجلى سناها أغدق المطر) (يا أيها الملك السامي الذي ابتهجت * به الليالي وقر البدو والحضر) (جاءتك من كلم الحاكي محبرة * تطوى لبهجتها الإبراد والحبر)
507 (هي اللآلئ إلا أن ناظمها * طي الضمير ومن غواصها الفكر) (تبقى وتذهب أشعار ملفقة * أولى بقائلها من قوله الحصر) (ولم أطلها لأني جد معترف * بأن كل مطيل فيه مختصر) (بقيت للدين والدنيا ولا عدمت * أجياد تلك المعالي هذه الدرر) البسيط وقال أيضا (ومهفهف شركت محاسن وجهه * ما مجه في الكاس من إبريقه) (ففعالها من مقلتيه ولونها * من وجنتيه وطعمها من ريقه) الكامل وقال أيضا يصف الثريا (رأيت الثريا لها حالتان * منظرها فيهما معجب) (لها عند مشرقها صورة * يريك مخالفها المغرب) (فتطلع كالكاس إذ تستحث * وتغرب كالكاس إذ يشرب) المتقارب وقال في الموضع المعروف ببركة الحبش بمصر (لله يومي ببركة الحبش * والأفق بين الضياء والغبش) (والنيل تحت الرياح مضطرب * كالسيف سلته كف مرتعش) (ونحن في روضة مفوفة * دبج بالنور عطفها ووشي) (قد نسجتها يد الربيع لنا * فنحن من نسجها على فرش) (وأثقل الناس كلهم رجل * دعاه داعي الصبا فلم يطش) (فعاطني الراح أن تاركها * من سورة الهم غير منتعش) (واسقني بالكبار مترعة * فتلك أروى لشدة العطش) المنسرح وقال أيضا (عجبت من طرفك في ضعفه * كيف يصيد البطل الأصيدا) (يفعل فينا وهو في جفنه * ما يفعل السيف إذا جردا) السريع
508 وقال أيضا (حجبت مسامعه عن العذال * فأبى فليس عن الغرام بسالي) (ويح المتيم لا يزال معذبا * بخفوق برق أو طروق خيال) (وإذا البلابل بالعشي تجاوبت * بعثت بأضلعه جوى البلبال) (وارحمتا لمعذب يشكو الجوى * بمنعم يشكو فراغ البال) (نشوان من خمرين خمر زجاجة * عبثت بمقلته وخمر دلال) (كالريم إلا أن هذا عاطل * أبدا وذا في كل حال حالي) (لا يستفيق وهل يفيق بحالة * من ريق فيه سلافة الجريال) (علم العدو بما لقيت فرق لي * ورأى الحسود بليتي فرثى لي) (يا من برى جسمي بطول صدوده * ألا سمحت ولو بوعد وصال) (قد كنت أطمع منك لو عاقبتني * بصدود عتب لا صدود ملال) الكامل وقال يصف فرسا أشهب (وأشهب كالشهاب أضحى * يجول في مذهب الجلال) (قال حسودي وقد رآه * يجنب خلفي إلى القتال) (من ألجم الصبح بالثريا * وأسرج البرق بالهلال) البسيط وقال أيضا (تقريب ذي الأمر لأهل النهى * أفضل ما ساس به أمره) (هذا به أولى وما ضره * تقريب أهل اللهو في الندرة) (عطارد في جل أوقاته * أدنى إلى الشمس من الزهرة) السريع وقال أيضا (بي من بني الأصفر ريم رمى * قلبي بسهم الحور الصائب) (سهم من اللحظ رمتني به * عن كثب قوس من الحاجب) (كأنما مقلتيه في الحشا * سيف علي بن أبي طالب) السريع
509 وقال أيضا (يا موقدا بالهجر في أضلعي * نارا بغير الوصل ما تنطفي) (إن لم يكن وصل فعدني به * رضيت بالوعد وإن لم تف) السريع وقال أيضا (وليت وردت إليك الأمور * ولم أك منتظرا أن تلي) (وها أنا بين عدا كلهم * علي فكن بأبي أنت لي) المتقارب (ذكرت نواهم لدى قربهم * فجدت بأدمعي الهمع) (فكيف أكون إذا هم نأوا * وهذا بكائي إذ هم معي) المتقارب وقال أيضا (إذا ألفيت حرا ذا وفاء * وكيف به فدونك فاغتنمه) (وإن آخيت ذا أصل خبيث * وساءك في الفعال فلا تلمه) الوافر وقال أيضا (أقول وقد شطت به غربة النوى * وللحب سلطان على مهجتي فظ) (لئن بان عني من كلفت بحبه * وشط فما للعين من شخصه حظ) (فإن له في أسود القلب منزلا * تكنفه فيه الرعاية والحفظ) (أراه بعين الوهم والوهم مدرك * معاني شتى ليس يدركها اللحظ) الطويل وقال أيضا (وراغب في العلوم مجتهد * لكنه في القبول جلمود) (فهو كذي عنة به شبق * أو مشتهي الأكل وهو ممعود) المنسرح وقال أيضا (تفكر في نقصان مالك دائما * وتغفل عن نقصان جسمك والعمر)
510 (ويثنيك خوف الفقر عن كل بغية * وخوفك حال الفقر من أعظم الفقر) (ألم تر أن الدهر جم صروفه * وإن ليس من شيء يدوم على الدهر) (فكم فرحة فيه أزيلت بترحة * وكم حال عسر فيه آلت إلى اليسر) الطويل وقال في البراغيث (وليلة دائمة الغسوق * بعيدة الممسى من الشروق) (كليلة المتيم المشوق * أطال في ظلمائها تشريقي) (أحب خلق لأذى مخلوق * يرى دمي أشهى من الرحيق) (يغب فيه غير مستفيق * لا يترك الصبوح للغبوق) (لو بت فوق قمة العيوق * ما عاقه ذلك عن طروقي) (كعاشق أسرى إلى معشوق * أعلم من بقراط بالعروق) (من أكحل منها وباسليق * يفصدها بمبضع دقيق) (من خطمه المذرب الذليق * فصد الطبيب الحاذق الرقيق) الرجز وقال أيضا (مارست دهري وجربت الأنام فلم * أحمدهم قط في جد ولا لعب) (وكم تمنيت أن ألقى به أحدا * يسلي من الهم أو يعدي على النوب) (فما وجدت سوى قوم إذا صدقوا * كانت مواعيدهم كالآل في الكذب) (وكان لي سبب قد كنت أحسبني * أحظى به وإذا دائي من السبب) (فما مقلم أظفاري سوى قلمي * ولا كتائب أعدائي سوى كتبي) البسيط وقال يصف الإسطرلاب (أفضل ما استصحب النبيل فلا * تعدل به في المقام والسفر) (جرم إذا ما التمست قيمته * جل على التبر وهو من صفر) (مختصر وهو إذ تفتشه * عن ملح العلم غير مختصر) (ذو مقلة يستبين ما رمقت * عن صائب اللحظ صادق النظر) (تحمله وهو حامل فلكا * لو لم يدر بالبنان لم يدر)
511 (مسكنه الأرض وهو ينبئنا * عن جل ما في السماء من خبر) (أبدعه رب فكرة بعدت * في اللطف عن أن تقاس بالفكر) (فاستوجب الشكر والثناء له * من كل ذي فطنة من البشر) (فهو لذي اللب شاهد عجب * على اختلاف العقول والفطر) (وأن هذي الجسوم بائنة * بقدر ما أعطيت من الصور) المنسرح وقال في مجمرة (ومحرورة الأحشاء لم تدر ما الهوى * ولم تدر ما يلقى المحب من الوجد) (إذا ما بدا برق المدام رأيتها * تثير غماما في الندي من الند) (ولم أر نارا كلما شب جمرها * رأيت الندامى منه في جنة الخلد) الطويل وقال أيضا (قامت تدير المدام كفاها * شمس ينير الدجى محياها) (أن أقبلت فالقضيب قامتها * أو أدبرت فالكثيب ردفاها) (للمسك ما فاح من مراشفها * والبرق ما لاح من ثناياها) (غزالة أخملت سميتها * فلم تشبه بها وحاشاها) (هبك لها حسنها وبهجتها * فهل لها جيدها وعيناها) المنسرح وقال وقد باع داره من رجل أسود (حكم الزمان ببيع داري ظالما * وأعادها ملكا لألأم مشتري) (يا بؤس ما صنع الزمان بمنزل * أمسى به زحل بديل المشتري) الكامل وقال أيضا (خلط الصبا ماء الشباب بناره * من ورد وجنته وآس عذاره)
512 (صنم حوى بدع الجمال بأسرها * ليحوز قلبي في وثاق إساره) (البدر في أزراره والغصن في * زناره والحقف ملء إزاره) الكامل وقال أيضا (من تقبل الدنيا عليه فإنها * تثني محاسن غيره من لبسه) (وكذاك مهما أدبرت عن فاضل * سلبته ظالمة محاسن نفسه) الكامل وقال أيضا (لا تقعدن بكسر البيت مكتئبا * يفنى زمانك بين اليأس والأمل) (واحتل لنفسك في رزق تعيش به * فإن أكثر عيش الناس بالحيل) (ولا تقل أن رزقي سوف يدركني * وإن قعدت فليس الرزق كالأجل) البسيط وقال أيضا (لا ترج في أمرك سعد المشتري * ولا تخف في فوته نحسن زحل) (وأرج وخف ربهما فهو الذي * ما شاء من خير ومن شر فعل) الرجز وقال أيضا (لا تعتبوني على أن لا أزوركم * وقد تمنعتم عني بحجاب) (إني من القوم يحلو الموت عندهم * دون الوقوف لمخلوق على باب) البسيط وقال في طبيب اسمه شعبان (يا طبيبا ضجر العالم * منه وتبرم) (فيك شهران من العام * إذا العام تصرم) (أنت شعبان ولكن * قتلك الناس محرم) الرمل وقال في وقت شدة (يقولون لي صبرا وإني لصابر * على نائبات الدهر وهي فواجع) (سأصبر حتى يقضي الله ما قضى * وإن أنا لم اصبر فما أنا صانع) الطويل
513 (ما أغفل المرء وألهاه * يعصي ولا يذكر مولاه) (يأمر بالغي شيطانه * والعقل لو يرشد ينهاه) (غرته دنياه فلم يستفق * من سكرها يوما لأخراه) (يا ويحه المسكين يا ويحه * إن لم يكن يرحمه الله) السريع وقال أيضا (ساد صغار الناس في عصرنا * لا دام من عصر ولا كانا) (كالدست مهما هم أن ينقضي * عاد به البيدق فرزانا) السريع وقال أيضا (يا مفردا بالغنج والشكل * من دل عينيك على قتلي) (البدر من شمس الضحى نوره * والشمس من نورك تستملي) السريع وقال وقد رأى أمرد جميلا قام من موضع وجاء أسود قعد في مكانه (مضت جنة المأوى وجاءت جهنم * فقد صرت أشقى بعدما كنت أنعم) (وما هي إلا الشمس حان أفولها * وأعقبها قطع من الليل مظلم) الطويل وقال أيضا (وقائلة ما بال مثلك خاملا * أأنت ضعيف الرأي أم أنت عاجز) (فقلت لها ذنبي إلى القوم أنني * لما لم يحوزوه من المجد حائز) (وما فاتني شيء سوى الحظ وحده * وأما المعالي فهي في غرائز) الطويل ولأبي الصلت أمية بن عبد العزيز من الكتب الرسالة المصرية ذكر فيها ما رآه من ديار مصر من هيئتها وآثارها ومن اجتمع بهم فيها من الأطباء والمنجمين والشعراء وغيرهم من أهل الأدب وألف هذه الرسالة لأبي الطاهر يحيى بن تميم بن المعز بن باديس كتاب الأدوية المفردة على ترتيب الأعضاء المتشابهة الأجزاء والآلية وهو مختصر قد رتبه أحسن ترتيب كتاب الانتصار لحنين بن إسحاق علي ابن رضوان في تتبعه لمسائل حنين كتاب حديقة الأدب كتاب الملح العصرية من شعراء
514 أهل الأندلس والطارئين عليها ديوان شعره رسالة في الموسيقى كتاب في الهندسة رسالة في العمل بالإسطرلاب كتاب تقويم منطق الذهن ابن باجة هو أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ ويعرف بابن باجة من الأندلس وكان في العلوم الحكمية علامة وقته وأوحد زمانه وبلي بمحن كثيرة وشناعات من العوام وقصدوا هلاكه مرات وسلمه الله منهم وكان متميزا في العربية والأدب حافظا للقرآن ويعد من الأفاضل في صناعة الطب وكان متقنا لصناعة الموسيقى جيد اللعب بالعود وقال أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الإمام في صدر المجموع الذف نقله من أقاويل أبي بكر محمد بن الصائغ بن باجة ما هذا مثاله هذا مجموع ما قيد من أقوال أبي بكر بن الصائغ رحمه الله في العلوم الفلسفية وكان ذا ثقابة الذهن ولطف الغوص على تلك المعاني الشريفة الدقيقة أعجوبة دهره ونادرة الفلك في زمانه فإن هذه الكتب كانت متداولة بالأندلس من زمان الحكم مستجلبها ومستجلب غرائب ما صنف بالمشرق ونقل من كتب الأوائل وغيرها نصر الله وجهه وتردد النظر فيها فما انتهج فيها الناظر قبله سبيلا وما تقيد عنهم فيها إلا ضلالات وتبديل كما تبدد عن ابن حزم الإشبيلي وكان من أجل نظار زمانه وأكثرهم لمن تقدم عل إثبات شيء من خواطره وكان أحسن منه نظرا وأثقب لنفسه تمييزا وإنما انتهجت سبل النظر في هذه العلوم بهذا الحبر وبمالك بن وهيب الأشبيلي فإنهما كانا متعاصرين غير أن مالك لم يقيد عنه إلا قليل نزر في أول الصناعة الذهنية وأضرب الرجل عن النظر ظاهرا في هذه العلوم وعن التكلم فيها لما لحقه من المطالبات في دمه لسببها ولقصده الغلبة في جميع محاوراته في فوز المعارف وأقبل على العلوم الشرعية فرأس فيها أو زاحم ذلك لكنه لم يلوح على أقواله ضياء هذه المعارف ولا قيد فيها باطنا شيئا ألفي بعد موته وأما أبو بكر فنهضت به فطرته الفائقة ولم يدع النظر والتنتيج والتقييد لكل ما ارتسمت حقيقته في نفسه على أطوار أحواله وكيفما تصرف به زمنه وأثبتت في الصناعة الذهنية في أجزاء العلم الطبيعي ما يدل على حصول هاتين الصناعتين في نفسه صورة ينطق عنها ويفصل ويركب فيها فعل المستولي على أمدها وله تعاليق في الهندسة وعلم الهيئة تدل على بروعه في هذا الفن وأما العلم الإلهي فلم يوجد في تعاليقه شيء مخصوص به اختصاصا تاما إلا نزعات تستقرأ من قوله في رسالة الوداع واتصال الإنسان بالعقل الفعال وإشارات مبددة في أثناء أقاويله لكنها في غاية القوة والدلالة على نزوعه في ذلك العلم الشريف الذي هو غاية العلوم ومنتهاها وكل ما قبله من المعارف فهو من أجله وتوطئة له ومن المستحيل أن ينزع في التوطئات وتنفصل له أنواع الوجود على كمالها ويكون مقصرا في العلم الذي هو
515 الغاية وإليه كان التشوق بالطبع لكل ذي فطرة بارعه وذي موهبة إلهية ترقية عن أهل عصره وتخرجه من الظلمات إلى النور كما كان رحمه الله وقد صدرنا هذا المجموع بقول له في الغاية الإنسانية على نهاية من الوجازة تعرب عما أشرنا إليه من إدراكه في العلم الإلهي وفيما قبله من العلوم الموطئة له وعسى أنه قد علق فيه ما لم يعثر عليه ويشبه أنه لم يكن بعد أبي نصر الفارابي مثله في الفنون التي تكلم عليها من تلك العلوم فإنه إذا قارنت أقاويله فيها بأقاويل ابن سينا والغزالي وهما اللذان فتح عليهما بعد أبي نصر بالمشرق في فهم تلك العلوم ودونا فيها بأن لك الرجحان في أقاويله وفي حسن فهمه لأقاويل أرسطو والثلاثة أئمة دون ريب وآتون ما جاء به من قبلهم بارع الحكمة عن يقين تمتاز به أقاويلهم ويتواردون فيها مع السلف الكريم أقول وكان هذا أبو الحسن علي بن الإمام من غرناطة وكان كاتبا فاضلا متميزا في العلوم وصحب أبا بكر بن باجة مدة واشتغل عليه وسافر أبو الحسن علي بن الإمام من المغرب وتوفي بقوص وكان من جملة تلاميذ ابن باجة أيضا القاضي أبو الوليد محمد بن رشد وتوفي ابن باجه شابا بمدينة فاس ودفن بها وأخبرني القاضي أبو مروان الأشبيلي أنه رأى قبر ابن باجة وقريبا من قبره قبر أبي بكر بن العربي الفقيه صاحب التصانيف ومن كلام ابن باجة قال الأشياء التي ينفع تعلمها بعد زمان طويل لا يضيع تذكرها وقال حسن عملك تفز بخير من الله سبحانه ولابن باجة من الكتب شرح كتاب السمع الطبيعي لأرسطوطاليس قول على بعض كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس قول على بعض كتاب الكون والفساد لأرسطوطاليس قول على بعض المقالات الأخيرة من كتاب الحيوان لأرسطوطاليس كلام على بعض كتاب النبات لأرسطوطاليس قول ذكر فيه التشوق الطبيعي وماهيته وابتدأ أن يعطي أسباب البرهان وحقيقته رسالة الوداع قول يتلو رسالة الوداع كتاب اتصال العقل بالإنسان قول على القوة النزوعية فصول تتضمن القول على اتصال العقل بالإنسان كتاب تدبير المتوحد كتاب النفس تعاليق على كتاب أبي نصر في الصناعة الذهنية فصول قليلة في السياسة المدنية وكيفية المدن وحال المتوحد فيها نبذ يسيرة على الهندسة والهيئة رسالة كتب بها إلى صديقه أبو جعفر يوسف بن أحمد بن حسداي بعد قدومه إلى مصر تعاليق حكمية وجدت متفرقة جوابه لما سئل عن هندسة ابن سيد المهندس وطرقه كلام على شيء من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس كتاب التجربتين على أدوية ابن وافد واشترك في تأليف هذا
516 الكتاب أبو بكر بن باجه وأبو الحسن سفيان كتاب اختصار الحاوي للرازي كلام في الغاية الإنسانية كلام في الأمور التي بها يمكن الوقوف على العقل الفعال كلام في الاسم والمسمى كلام في البرهان كلام في الأسطقسات كلام في الفحص عن النفس النزوعية وكيف هي ولم تنزع وبماذا تنزع كلام في المزاج بما هو طبي أبو مروان بن زهر هو أبو مروان عبد الملك بن الفقيه محمد بن مروان بن زهر الآيادي الأشبيلي كان فاضلا في صناعة الطب خبيرا بأعمالها مشهورا بالحذق وكان والده الفقيه محمد من جملة الفقهاء والمتميزين في علم الحديث بأشبيلية وقال القاضي صاعد أن أبا مروان بن زهر رحل إلى المشرق ودخل القيروان ومصر وتطبب هناك زمنا طويلا ثم رجع إلى الأندلس وقصد مدينة دانية وكان ملكها في ذلك الوقت مجاهدا فلما وصل أبو مروان بن زهر إليه أكرمه إكراما كثيرا وأمره أن يقيم عنده ففعل وحظي في أيامه واشتهر في دانية بالتقدم في صناعة الطب وطار ذكره منها إلى أقطار الأندلس وله في الطب آراء شاذة منها منعه من الحمام واعتقاده فيه أنه يعفن الأجسام ويفسد الأمزجة قال هذا رأي يخالفه فيه الأوائل والأواخر ويشهد بخطئه الخواص والعوام بل إذا استعمل على الترتيب الذي يجب بالتدريج الذي ينبغي يكون رياضة فاضلة ومهنة نافعة لتفتيحه للمسام وتطريقه وتلطيفه لما غلظ من الكيموسات أقول وانتقل أبو مروان بن زهر من دانية إلى مدينة أشبيلية ولم يزل بها إلى أن توفي وخلف أموالا جزيلة وكان غني أشبيلية محط أنظارها في الرباع والضياع أبو العلاء بن زهر هو أبو العلاء زهر بن أبي مروان عبد الملك بن محمد بن مروان مشهور بالحذق والمعرفة وله علاجات مختارة تدل على قوته في صناعة الطب واطلاعه على دقائقها وكانت له نوادر في مداواته المرضى ومعرفته لأحوالهم وما يجدونه من الآلام من غير أن يستخبرهم عن ذلك بل بنظره إلى قواريرهم أو عندما يجس نبضهم وكان في دولة الملثمين ويعرفون أيضا بالمرابطين وحظي في أيامهم ونال المنزلة الرفيعة والذكر والجميل وكان قد اشتغل بصناعة الطب وهو صغير في أيام المعتضد بالله أبي عمرو عباد بن عباد واشتغل أيضا بعلم الأدب وهو حسن التصنيف جيد التأليف وفي زمانه وصل كتاب القانون لابن سينا إلى المغرب وقال ابن جميع المصري في كتاب التصريح
517 بالمكنون في تنقيح القانون أن رجلا من التجار جلب من العراق إلى الأندلس نسخة من هذا الكتاب قد بولغ في تحسينها فأتحف بها لأبي العلاء بن زهر تقربا إليه ولم يكن هذا الكتاب وقع إليه قبل ذلك فلما تأمله ذمه وأطرحه ولم يدخله خزانة كتبه وجعل يقطع من طرره ما يكتب فيه نسخ الأدوية لمن يستفتيه من المرضى وقال أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم ابن اليسع في كتاب المغرب عن محاسن أهل المغرب أن أبا العلاء بن زهر كان مع صغر سنه تصرخ النجابة بذكره وتخطب المعارف بشكره ولم يزل يطالع كتب الأوائل متفهما ويلقى الشيوخ مستعلما والسعد ينهج له مناهج التيسير والقدر لا يرضى له من الوجاهة باليسير حتى برز في الطب إلى غاية عجز الطب عن مرامها وضعف الفهم عن إبرامها وخرجت عن قانون الصناعة إلى ضروب من الشناعة يخبر فيصيب ويضرب في كل ما ينتحله من التعاليم بأوفى نصيب ويشعر سابق مدى ويغبر في وجوه الفضلاء علما ومحتدا ويفوق الجلة سماحة وندى لولا بذاء لسان وعجلة إنسان وأي الرجال تكمل خصاله وتتناسب أوصاله ونقلت من خط محمد بن أحمد بن صالح العبدي وهو من أهل المغرب وله نظر وعناية بصناعة الطب قال أبو العيناء المصري وهو شيخ أبو العلاء بن زهر ومن قبله انصرف من بغداد وحكايته معه طويلة قال أخبرني بهذا الشيخ الطبيب أبو القاسم هشام بن إسماعيل بن محمد بن أحمد بن صاحب الصلاة بداره بأشبيلية حرسها الله أقول وكان من جملة تلاميذ أبي العلاء بن زهر في الطب أبو عامر بن ينق الشاطبي الشاعر وتوفي أبو العلاء بن زهر في سنة ودفن بأشبيلية خارج باب الفتح ومن شعر أبي العلاء بن زهر قال في التغزل (يا من كلفت به وذلت عزتي * لغرامه وهو العزيز القاهر) (رمت التصبر عندما ألقى الجفا * ويقول ذاك الحسن مالك ناصر) (ما الجاه إلا جاه من ملك القوى * وإطاعه قلب عزيز قادر) الكامل وقال أيضا (يا راشقي بسهام ما لها غرض * إلا الفؤاد وما لها منه عوض) (وممرضي بجفون حشوها سقم * صحت ومن طبعها التمريض والمرض) (أمنن ولو بخيال منك يطرقني * فقد يسد مسد الجوهر العرض) البسيط وقال في ابن منظور قاضي قضاة أشبيلية وقد وصله عنه أنه قال أيمرض ابن زهر على
518 جهة الاستهزاء (قالوا ابن منظور تعجب دائبا * إني مرضت فقلت يعثر من مشى) (قد كان جالينوس يمرض دهره * فمن الفقيه المرتضى أكل الرشا) الكامل وقال أيضا (سمعت بوصف الناس هندا فلم أزل * أخا صبوة حتى نظرت إلى هند) (فلما أراني الله هندا وزيها * تمنيت أن أزداد بعدا على بعد) الطويل ولأبي العلاء ابن زهر من الكتب كتاب الخواص كتاب الأدوية المفردة كتاب الإيضاح بشواهد الافتضاح في الرد على ابن رضوان فيما رده على حنين بن إسحاق في كتاب المدخل إلى الطب كتاب حل شكوك الرازي على كتب جالينوس مجربات مقالة في الرد على أبي علي بن سينا في مواضع من كتابه الأدوية المفردة ألفها لابنه أبي مروان كتاب النكت الطبية كتب بها إلى ابنه أبي مروان مقالة في بسطه لرسالة يعقوب بن إسحاق الكندي في تركيب الأدوية وأمثلة ذلك نسخ له ومجربات أمر بجمعها علي بن يوسف بن تاشفين بعد موت أبي العلاء فجمعت بمراكش وبسائر بلاد العدوة والأندلس وانتسخت في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين وخمسمائة أبو مروان بن أبي العلاء بن زهر هو أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر بن أبي مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر لحق بأبيه في صناعة الطب وكان جيد الاستقصاء في الأدوية المفردة والمركبة حسن المعالجة قد ذاع ذكره في الأندلس وفي غيرها من البلاد واشتغل الأطباء بمصنفاته ولم يكن في زمانه من يماثله في مزاولة أعمال صناعة الطب وله حكايات كثيرة في تأتيه لمعرفة الأمراض ومداواتها مما لم يسبقه أحد من الأطباء إلى مثل ذلك وكان قد خدم الملثمين ونال من جهتهم من النعم والأموال شيئا كثيرا وفي الوقت الذي كان فيه أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر دخل المهدي إلى الأندلس وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت ومعه عبد المؤمن وشرع في بث الدعوة لعبد المؤمن وتمهيد أمره إلى أن انتشرت كلمته واتسعت مملكته وملك البلاد وأطاعه الخلق وحكاية المهدي في تأتيه إلى أن نال الملك وصفا له الأمر معروفة مشهورة ولما استقل عبد المؤمن بالمملكة وعرف بأمير المؤمنين واستولى على خزائن المغرب بذل الأموال وأظهر العدل وقرب أهل العلم وأكرمهم ووالى إحسانه إليهم واختص أبا مروان عبد الملك بن زهر لنفسه وجعل
519 اعتماده عليه في الطب وأناله من الأنعام والعطاء فوق أمنيته وكان مكينا عنده عالي القدر متميزا على كثير من أبناء زمانه وألف له أبو مروان بن زهر الترياق السبعيني واختصره عشاريا واختصره سباعيا ويعرف بترياق الأنتلة حدثني أبو القاسم المعاجيني الأندلسي أن الخليفة عبد المؤمن احتاج إلى شرب دواء مسهل وكان يكره شرب الأدوية المسهلة فتلطف له ابن زهر في ذلك وأتى إلى كرمة في بستانه فجعل الماء الذي يسقيها به ماء قد أكسبه قوة أدوية مسهلة بنقعها فيه أو بغليانها معه ولما تشربت الكرمة قوة الأدوية المسهلة التي أرادها وطلع فيها العنب وله تلك القوة أحم الخليفة ثم أتاه بعنقود منها وأشار عليه أن يأكل منه وكان حسن الاعتقاد في ابن زهر فلما أكل منه وهو ينظر إليه قال له يكفيك يا أمير المؤمنين فإنك قد أكلت عشر حبات من العنب وهي تخدمك عشر مجالس فاستخبره عن علة ذلك وعرفه به ثم قام على عدد ما ذكره له ووجد الراحة فاستحسن من فعله هذا وتزايدت منزلته عنده وحدثني الشيخ محيي الدين أبو عبد الله بن علي بن محمد بن العربي الطائي الحاتمي من أهل مرسية أن أبا مروان عبد الملك بن زهر كان في وقت مروره إلى دار أمير المؤمنين بأشبيلية يجد في طريقه عند حمام أبي الخير بالقرب من دار ابن مؤمل مريضا به سوء قتبه وقد كبر جوفه واصفر لونه فكان أبدا يشكو إليه حاله ويسأله النظر في أمره فلما كان بعض الأيام سأله مثل ذلك فوقف أبو مروان بن زهر عنده ونظر إليه فوجد عند رأسه إبريقا عتيقا يشرب منه الماء فقال اكسر هذا الإبريق فإنه سبب مرضك فقال له لا بالله يا سيدي فإني ما لي غيره فأمر بعض خدمه بكسره فكسره فظهر منه لما كسر ضفدع وقد كبر مما له فيه من الزمان فقال له ابن زهر خلصت يا هذا من المرض انظر ما كنت تشرب وبرأ الرجل بعد ذلك وحدثني القاضي أبو مروان محمد بن أحمد بن عبد الملك اللخمي ثم الباجي قال حدثني من أثق به أنه كان بأشبيلية حكيم فاضل في صناعة الطب يعرف بالفار وله كتاب جيد في الأدوية المفردة سفران وكان أبو مروان بن زهر كثيرا ما يأكل التين ويميل إليه وكان الطبيب المعروف بالفار لا يغتذي منه بشيء وإن أخذ منه شيئا فيكون واحدة في السنة فكان يقول هذا لأبي مروان بن زهر أنه لا بد أن تعرض لك نغلة صعبة بمداومتك أكل التين والنغلة هو الدبيلة بلغتهم وكان أبو مروان يقول له لا بد لكثرة حميتك وكونك لم تأكل شيئا من التين أن يصيبك الشناج قال فلم يمت المعروف بالفار إلا بعلة التشنج وكذلك أيضا عرض لأبي مروان بن زهر دبيلة في جنبه وتوفي بها وهذا من أبلغ ما يكون من تقدمة الإنذار قال ولما عرض لأبي مروان هذه العلة كان يعالجها ويصنع لها مراهم وأدوية ولم تؤثر نفعا يعتد به فكان يقول له ابنه أبو بكر يا أبي لو غيرت هذا الدواء بالدواء الفلاني ولو زدت من هذا الدواء أو استعملت دواء كذا وكذا فكان
520 يقول له يا بني إذا أراد الله تغيير هذه البنية فإنه لا يقدر لي أن استعمل من الأدوية إلا ما يتم به مشيئته وإرادته أقول وكان من أجل تلاميذ أبي مروان عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر في صناعة الطب والآخذين عنه أبو الحسين بن أسدون شهر بالمصدوم وأبو بكر بن الفقيه القاضي أبي الحسن قاضي أشبيلية وأبو محمد الشذوني والفقيه الزاهد أبو عمران بن أبي عمران وتوفي أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر في سنة وخمسمائة ودفن بأشبيلية خارج باب الفتح ولأبي مروان بن أبي العلاء بن زهر من الكتب كتاب التيسير في المداواة والتدبير ألفه للقاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد كتاب الأغذية ألفه لأبي محمد عبد المؤمن بن علي كتاب الزينة تذكرة إلى ولده ألي بكر في أمر الدواء المسهل وكيفية أخذه وذلك في صغر سنه وأول سفرة سافرها فناب عن أبيه فيها مقالة في علل الكلى رسالة كتب بها إلى بعض الأطباء بأشبيلية في علتي البرص والبهق كتاب تذكرة ذكر بها لابنه أبي بكر أول ما تعلق بعلاج الأمراض الحفيد أبو بكر بن زهر هو الوزير الحكيم الأديب الحسيب أبو بكر محمد بن أبي مروان بن أبي العلاء بن زهر مولده بمدينة أشبيلية ونشأ بها وتميز في العلوم وأخذ صناعة الطب عن أبيه وباشر أعمالها وكان معتدل القامة صحيح البنية قوي الأعضاء وصار في سن الشيخوخة ونضارة لونه وقوة حركاته لم يتبين فيها تغير وإنما عرض له في أواخر عمره ثقل في السمع وكان حافظا للقرآن وسمع الحديث واشتغل بعلم الأدب والعربية ولم يكن في زمانه أعلم منه بمعرفة اللغة ويوصف بأنه قد أكمل صناعة الطب والأدب وعانى عمل الشعر وأجاد فيه وله موشحات مشهورة ويغنى بها وهي من أجود ما قيل في ذلك وكان ملازما للأمور الشرعية متين الدين قوي النفس محبا للخير وكان مهيبا وله جرأة في الكلام ولم يكن في زمانه أعلم منه بصناعة الطب وذكره قد شاع واشتهر في أقطار الأندلس وغيرها من البلاد وحدثني القاضي أبو مروان محمد بن أحمد بن عبد الملك الباجي من أهل أشبيلية قال قال لي الشيخ الوزير الحكيم أبو بكر بن زهر أنه لازم لجدي عبد الملك الباجي سبع سنين يشتغل عليه وقرأ عليه كتاب المدونة لسخنون في مذهب مالك وقرأ أيضا عليه مسند ابن أبي شيبة وحدثني أيضا القاضي أبو مروان الباجي عن أبي بكر بن زهر أنه كان شديد البأس يجذب قوسا مائة وخمسين رطلا بالإشبيلي والرطل الذي بإشبيلة ستة عشر أوقية وكل أوقية عشرة دراهم وأنه كان
521 جيد اللعب بالشطرنج جدا ولم يكن في زمانه أحد مثله في صناعة الطب وخدم الدولتين وذلك أنه لحق دولة الملثمين واستمر في الخدمة مع أبيه في آخر دولتهم ثم خدم دولة الموحدين وهم بنو عبد المؤمن وذلك أنه كان في خدمة عبد المؤمن هو وأبوه وفي أيام عبد المؤمن مات أبوه وبقي هو في خدمته ثم خدم لابن عبد المؤمن أبي يعقوب يوسف ثم لابنه يعقوب أبي يوسف الذي لقب بالمنصور ثم خدم ابنه أبا عبد الله محمد الناصر وفي أول دولته توفي أبو بكر بن زهر وكانت وفاته رحمه الله في عام ستة وتسعين وخمسمائة بمراكش وقد أتاها ليزور بها ودفن هناك في الموضع المعروف بمقابر الشيوخ وعمر نحو الستين سنة قال وكان أبو بكر بن زهر صائب الرأي حسن المعالجة جيد التدبير وقد عرف هذا منه حتى أنه يوما كان قد كتب والده أبو مروان ابن زهر نسخة دواء مسهل لعبد المؤمن الخليفة فلما رآه أبو بكر بعد ذلك وكان في حال شبيبته قال يجب أن يبدل هذا الدواء المفرد منه بدواء آخر فلم يتناول عبد المؤمن ذلك الدواء ولما رآه أبوه قال يا أمير المؤمنين إن الصواب في قوله وبدل الدواء المفرد بغيره فأثر نفعا بيننا وألف أبو بكر ابن زهر الترياق الخمسيني للمنصور أبو يوسف يعقوب قال وحدثني من أثق به أن رجلا من بني اليناقي كان صديقا للحفيد أبي بكر بن زهر وكان يجالسه كثيرا ويلعب معه بالشطرنج وأنه كان عند الحفيد أبي بكر يوما وهما يلعبان بالشطرنج فرآه الحفيد على غير ما يعهده به من الانبساط فقال له ما لخاطرك كأنه مشتغل بشيء عرفني ما هو فقال نعم إن لي بنتا زوجتها لرجل وهو يطلبها وقد احتجت إلى ثلاثمائة دينار فقال له العب وما عليك فإن عندي في وقتنا هذا ثلاثمائة دينار إلا خمسة دنانير تأخذها فلعب معه ساعة واستدعى بالذهب وأعطاه له فلما كان عن قرب أتاه صاحبه وترك بين يديه ثلاثمائة دينار إلا خمسة دنانير تأخذها فلعب مع ساعة واستدعى بالذهب وأعطاه له فلما كان عن قرب أتاه صاحبه وترك بين يديه ثلاثمائة دينار إلا خمسة فقال له ابن زهر ما هذا فقال إنني بعت زيتونا لي بسبعمائة دينار وقد أتيت منها بثلاثمائة دينار إلا خمسة عوض الذي تفضلت به علي وأقرضتني إياه وقد بقي عندي حاصلا أربعمائة دينار فقال له ابن زهر ارفع هذا عندك وانتفع به فإني ما دفعت لك الذهب على إني أعود آخذه أبدا فأبى الرجل وقال إنني بحمد الله بحال سعة ولا لي حاجة أن آخذ هذا ولا غيره من أحد أصلا وتفاوضا في ذلك فقال له ابن زهر يا هذا أنت صديقي أو عدوي فقال له بل صديقك وأحب الناس فيك فقال له ابن زهر والله لئن لم تأخذه لأعادينك بسببه ولا أعود أكلمك أبدا فأخذه منه وشكره على فعله
522 قال القاضي أبو مروان الباجي وكان المنصور قد قصد أن لا يترك شيئا من كتب المنطق والحكمة باقيا في بلاده وأباد كثيرا منها بإحراقها بالنار وشدد في أن لا يبقى أحد يشتغل بشيء منها وأنه متى وجد أحد ينظر في هذا العلم أو وجد عنده شيء من الكتب المصنفة فيه فإنه يلحقه ضرر عظيم ولما شرع في ذلك جعل أمره مفوضا إلى الحفيد أبي بكر بن زهر وأنه الذي ينظر إليه وأراد الخليفة أنه إن كان عند ابن زهر شيء من كتب المنطق والحكمة لم يظهر ولا يقال عنه أنه يشتغل بها ولا يناله مكروه بسببها ولما نظر ابن زهر في ذلك وامتثل أمر المنصور في جمع الكتب من عند الكتبيين وغيرهم وأن لا يبقى شيء منها وإهانة المشتغلين بها وكان بأشبيلية رجل من أعيانها يعادي الحفيد أبا بكر بن زهر ويحسده وعنده شر فعمل محضرا في أن ابن زهر دائم الاشتغال بهذا الفن والنظر فيه وأن عنده في داره شيئا كثيرا من كتبه وجمع فيه شهادات عدة وبعث به إلى المنصور وكان المنصور حينئذ في حصن الفرح وهو موضع بناه قريبا من أشبيلية على ميلين منها صحيح الهواء بحيث بقيت الحنطة في ثمانين سنة لم تتغير لصحته وكان أبو بكر بن زهر هو الذي أشار على المنصور أن يبنيه في ذلك الموضع ويقيم فيه في بعض الأوقات فلما كان المنصور به وقد أتاه المحضر نظره ثم أمر بأن يقبض على الذي عمله وأن يودع السجن ففعل به ذلك وانهزم جميع الشهود الذين وضعوا خطوطهم فيه ثم قال المنصور إنني لم أول ابن زهر في هذا إلا حتى لا ينسبه أحد إلى شيء منه ولا يقال عنه ووالله لو أن جميع أهل الأندلس وقفوا قدامي وشهدوا على ابن زهر بما في هذا المحضر لم أقبل قولهم لما أعرفه في ابن زهر من متانة دينه وعقله وحدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الإشبيلي قال كان الحفيد أبو بكر بن زهر قد أتى إليه من الطلبة اثنان ليشتغلا عليه بصناعة الطب فترددا إليه ولازماه مدة وقرآ عليه شيئا من كتب الطب ثم أنهما أتياه يوما وبيد أحدهما كتاب صغير في المنطق وكان يحضر معهما أبو الحسين المعروف بالمصدوم وكان غرضهم أن يشتغلوا فيه فلما نظر ابن زهر إلى ذلك الكتاب قال ما هذا ثم أخذه ينظر فيه فلما وجده في علم المنطق رمى به ناحية ثم نهض إليهم حافيا ليضربهم وانهزموا قدامه وتبعهم يعدو على حالته تلك وهو يبالغ في شتمهم وهم يتعادون قدامه إلى أن رجع عنهم عن مسافة بعيدة فبقوا منقطعين عنه أياما لا يجسرون أن يأتوا إليه ثم أنهم توسلوا إلى أن حضروا عنده واعتذروا بأن ذلك الكتاب لم يكن لهم ولا لهم فيه غرض أصلا وأنهم إنما رأوه مع حدث في الطريق وهم قاصدون إليه فهزأوا بصاحبه وعبثوا به وأخذوا منه الكتاب قهرا وبقي معهم ودخلوا إليه وهم ساهمون عنه فتخادع لهم وقبل معذرتهم واستمروا في قراءتهم عليه صناعة الطب ولما كان بعد مديدة أمرهم أن يجيدوا حفظ القرآن وأن يشتغلوا بقراءة التفسير والحديث والفقه وأن يواظبوا على مراعاة الأمور الشرعية والاقتداء بها ولا يخلوا بشيء من ذلك فلما امتثلوا أمره وأتقنوا معرفة ما أشار به عليهم وصارت لهم مراعاة الأمور الشرعية سجية وعادة قد ألفوها كانوا يوما عنده وإذا به قد أخرج لهم الكتاب الذي كان رآه معهم في المنطق وقال لهم الآن
523 صلحتم لأن تقرأوا هذا الكتاب وأمثاله علي وأشغلهم فيه فتعجبوا من فعله رحمه الله وهذا يدل منه على كمال عقله وتوفر مروءته وحدثني القاضي أبو مروان الباجي قال كان أبو زيد عبد الرحمن بن يوجان وزير المنصور يعادي الحفيد أبا بكر بن زهر ويحسده لما يرى من عظم حاله وعلو منزلته وعلمه فاحتال عليه في سم صيره مع أحد من كان عند الحفيد بن زهر فقدمه إلى الحفيد بن زهر في بيض وكانت مع الحفيد أيضا بنت أخته وكانت أخته وابنتها هذه عالمتين بصناعة الطب والمداواة ولهما خبرة جيدة بما يتعلق بمداواة النساء وكانتا تدخلان إلى نساء المنصور ولا يقبل للمنصور وأهله ولدا إلا أخت الحفيد أو بنتها لما توفيت أمها فلما أكل الحفيد من ذلك البيض وبنت أخته ماتا جميعا ولم ينفع فيهما علاج قال ولم يمت أبو زيد عبد الرحمن بن يوجان إلا مقتولا قتله مع بعض أقاربه أقول وكان من أجل تلامذة الحفيد أبي بكر بن زهر في صناعة الطب والآخذين عنه أبو جعفر ابن الغزال ومن شعر الحفيد أبي بكر بن زهر أنشدني محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن علي بن محمد العربي الحاتمي قال أنشدني الحفيد أبو بكر بن زهر لنفسه يتشوق إلى ولده (نأت عنه داري فيا وحشتي * لذاك الشخيص وذاك الوجيه) (تشوقني وتشوقته * فيبكي علي وأبكي عليه) (وقد تعب الشوق ما بيننا * فمنه إلي ومني إليه) المتقارب أنشدني القاضي أبو مروان الباجي قال أنشدني أبو عمران بن عمران الزاهد المرتلي القاطن بأشبيلية قال أنشدني الحفيد أبو بكر بن زهر لنفسه في آخر عمره (إني نظرت إلى المرآة إذ جليت * فأنكرت مقلتاي كلما رأتا) (رأيت فيها شييخا لست أعرفه * وكنت أعرف فيها قبل ذاك فتى) (فقلت أين الذي مثواه كان هنا * متى ترحل عن هذا المكان متى) (فاستجهلتني وقالت لي وما نطقت * قد كان ذلك وهذا بعد ذاك أتى) (هون عليك فهذا لا بقاء له * أما ترى العشب يفنى بعدما نبتا) (كان الغواني يقلن يا أخي فقد * صار الغواني يقلن اليوم يا أبتا) البسيط وأنشدني أيضا القاضي أبو مروان الباجي عن الحفيد بن زهر له من أبيات (أعد الحديث علي من جنباته * أن الحديث عن الحبيب حبيب) الكامل
524 وأنشدني شيخنا علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الحنفي المهندس للحفيد أبي بكر بن زهر وهي بديعة المعنى كثيرة التجنيس (لله ما صنع الغرام بقلبه * أودى به لما ألب بلبه) (لباه لما أن دعاه وهكذا * من يدعه داعي الغرام يلبه) (بأبي الذي لا تستطيع لعجبه * رد السلام وإن شككت فعج به) (ظبي من الأتراك ما ترك الضنا * ألحاظه من سلوة لمحبه) (إن كنت تنكر ما جنى بلحاظة * في سلبه يوم الغوير فسل به) (أو شئت أن تلقى غزالا أغيدا * في سربه أسد العرين فسر به) (يا من أميلحه وأعذب ريقه * وأعزه وأذلني في حبه) (أو ما أليطف وردة في خده * وأرقها وأشد قسوة قلبه) (كم من خمار دون خمرة ريقه * وعذاب قلب دون رائق عذبه) (نادى بنفسج عارضيه تعمدا * يا عاشقين تمنعوا من قربه) الكامل ومن موشحاته مما أنشدني أبو عبد الله محمد سبط الحكيم أبي محمد عبد الله ابن الحفيد أبي بكر زهر وكان والد هذا المذكور أبي عبد الله وهو أبو مروان أحمد بن القاضي أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن عبد الملك الباجي قد تزوج ببنت أبي محمد عبد الله بن الحفيد أبي بكر بن زهر ورزق منها أبا عبد الله محمد وكان أعني أبا مروان أحمد قد ملك أشبيلية وبقيت في يده تسعة أشهر ثم قتله ابن الأحمر غدرا في سنة ثلاثين وستمائة وكان عمره إذ ذاك سبعا وثلاثين سنة فمن ذلك قال وهي من أول قوله (زعمت أنفاسي الصعدا * إن أفراح الهوى نكد) (هام قلبي في معذبه * وأنا أشكو لمطلبه * إن كتمت الحب مت به) (وإذا ما صحت واكبدا * فرح الأعداء وانتقدوا) (أيها الباكي على الطلل * ومدير الراح بالأمل * أنا من عينيك في شغل) (فدع الدمع السفوح سدى * وضرام الشوق تتقد) (مقلة جادت بما ملكت * عرفت ذل الهوى فبكت * وشكت مما بها ورثت) (وفؤادي هائم أبدا * ما عليه * للسلو يد) (إن عيني لا أذنبها * أتعبت قلبي وأتعبها * لنجوم بت أرقبها) (رمت أن أحصي لها عددا * وهي لا يحصى لها عدد) (وغزال يغلب الأسدا * جئت لاستنجاز ما وعدا * فانزوى عني وقال غدا)
525 (أترى يا قوم أين هو غدا * في أي مكان يسكن أو يجد) المديد وقال أيضا (شمس قارنت بدرا * راح ونديم) (أدر أكؤس الخمر * عنبرية النشر * أن الروض ذو بشر) (وقد درع النهرا * هبوب النسيم) (وسلت على الأفق * يد الغرب والشرق * سيوفا من البرق) (وقد أضحك الزهرا * بكاء الغيوم) (إلا أن لي مولى * تحكم فاستولى * أما أنه لولا) (دمع يفضح السرا * لكنت كتوم) (أنى لي كتمان * ودمعي طوفان * شبت فيه نيران) (فمن أبصر الجمرا * في لج يعوم) (إذا لامني فيه * من رأى تجنيه * شدوت أغنيه) (لعل له عذرا * وأنت تلوم) وقال أيضا (أيها الساقي إليك المشتكى * قد دعوناك وإن لم تسمع) (ونديم همت في غرته * وشربت الراح من راحته * كلما استيقظ من سكرته) (جذب الزق إليه واتكا * وسقاني أربعا في أربع) (غصن بان مال من حيث استوى * بات من يهواه من فرط الجوى) (خفق الأحشاء * موهون القوى) (كلما فكر في البين بكى * ما له يبكي لما لم يقع) (ليس لي صبر ولا لي جلد * يا لقومي عذلوا واجتهدوا * أنكروا شكواي مما أجد) (مثل حالي حقه أن يشتكي * كمد اليأس وذل الطمع) (ما لعيني عشيت بالنظر * أنكرت بعدك ضوء القمر * وإذا ما شئت فاسمع خبري) (شقيت عيناي من طول البكا * وبكى بعضي على بعضي معي) (كبد حرى ودمع يكف * يعرف الذنب ولا يعترف * أيها المعرض عما أصف) (قد نمى حبك عندي وزكا * لا يظن الحب أني مدعي) وقال أيضا (يا صاحبي نداء مغتبط بصاحب * لله ما ألقاه من فقد الحبائب)
526 (قلب أحاط به الجوى من كل جانب *) (أي قلب هائم * لا يستريح من اللواحي) (يا من أعانقه بإحناء الضلوع * وأقيمه بدلا من القلب الصديع) (أنا للغرام وأنت * للحسن البديع) (وكلام اللائم * شيء يمر مع الرياح) (أنحى على رشدي وأفقدني صلاحي * ثغر ثنى الأبصار عن نور الصباح) (يسقى بمختلطين * من مسك وراح) (كالحباب العائم * في صفحة الماء القراح) (من لي به بدرا تجلى في الظلام * علقت من وجناته بدر التمام) (وعلقت من أعطافه لدن القوام *) (كالقضيب الناعم * لم يستطع حمل الوشاح) (حملتني في الحب ما لا يستطاع * شوقا يراع لذكره من لا يراع) (بل أنت أظلم من له حكم مطاع) الكامل والرمل وقال أيضا (حي الوجوه الملاحا * وحي كحل العيون) (هل في الهوى من جناح * وفي نديم وراح * رام النصوح صلاحي) (وكيف أرجو صلاحا * بين الهوى والمجون) (يا غائبا لا يغيب * أنت البعيد القريب * كم تشتقيك القلوب) (أثخنتهن جراحا * واسأل سهام العيون) (أبكى العيون البواكي * تذكار أخت السماك * حتى حمام الأراك) (بكى بشجو * وناحا * على فروع الغصون) (ألقى إليها زمامه * صب يداوي غرامه * ولا يطيق الملامه) (غدا بشوق وراحا * ما بين سبي الظنون) (يا راحلا لم يودع * رحلت بالأنس أجمع * والعجز يعطي ويمنع) (مروا وأخفوا الرواحا * سحرا وما ودعوني) المجتث وقال أيضا (هل ينفع الوجد أو يفيد * أم هل على من بكى جناح) (يا منية القلب غبت عني * فالليل عندي بلا صباح)
527 (أفديه من معرض تولى * لا عين منه ولا أثر) (عذبني في هواه كلا * لم يبق مني ولا يذر) (يا عين عيني فليس إلا * صبر على الدمع والسهر) (ويفعل الشوق ما يريد * في كبد كلها جراح) (يا مخجل اليد لا تسلني * عن جور الحاظك الملاح) (زاد على بهجة النهار * من حسنه الدهر في ازدياد) (لحظ له سطوة العقار * يفعل في العقل ما أراد) (خداه كالورد في البهار * يقطف باللحظ أم يكاد) (وذلك المبسم البرود * حصاه در وصرف راح) (أو مثل ما قلت ماء مزن * يسقي به يانع الأقاح) (يا من له أبدع الصفات * يا غصن يا دعص يا قمر) (غبت فلم يأت منك آت * فاستوحش السمع والبصر) (لولا صبا تلكم الجهات * لذاب قلبي من الفكر) (يا أيها النازح البعيد * جاءت بأنبائك الرياح) (إن الصبا عنك أخبرتني * ما اهتز روض الربى وفاح) (يا ساحرا فوق كل ساحر * ومن له حسنه أصف) (وجه له كالصباح باهر * أردية الحسن يلتحف) (كالروض حفت به الأزاهر * يقطف باللحظ أم قطف) (كالبدر في ليلة السعود * أشرق لألاؤه ولاح) (كالغصن اللدن في التثني * تهز أعطافه الرياح) (من لي بمخضوبة البنان * ممشوقة القد والدلال) (من هجرها مشية الزمان * ماض ومستقبل وحال) (فيها رثى عاذلي لشاني * ثم انثنى ضاحكا وقال) (عاشق ومسكين الله يريد * وارض لمن يعشق الملاح) (فدع يهجر أو يصلني * ليس على ساحر اقتراح)) أبو محمد بن الحفيد أبي بكر بن زهر هو أبو محمد عبد ا لله بن الحفيد أبي بكر محمد بن أبي مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر بن أبي
528 مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر كان جيد الفطرة حسن الرأي جميل الصورة مفرط الذكاء محمود الطريقة محبا للبس الفاخر وكان كثير الاعتناء بصناعة الطب والنظر فيها والتحقيق لمعانيها واشتغل على والده ووقفه على كثير من أسرار علم هذه الصناعة وعملها وقرأ كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري على أبيه واتقن معرفته وكان الخليفة أبو عبد الله محمد الناصر بن المنصور أبي يعقوب يرى له كثيرا ويحترمه ويعرف مقدار علمه وبيتوتته حدثني القاضي أبو مروان الباجي قال لما توجه أبو محمد عبد الله بن الحفيد إلى الحضرة خرج منه فيما اشتراه لسفره ونفقته في الطريق نحو عشرة آلاف دينار قال ولما اجتمع بالخليفة الناصر بالمهدية لما فتحها الناصر خدمه على ما جرت به العادة وقال له إنني يا أمير المؤمنين بحمد الله بكل خير من إنعامكم وإحسانكم علي وعلى آبائي وقد وصل إلي مما كان بيد أبي من إحسانكم ما يغنيني مدة حياتي وأكثر وإنما أتيت لأكون في الخدمة كما كان أبي وأن اجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه بين يدي أمير المؤمنين فأكرمه الناصر إكراما كثيرا وأطلق إليه من الأموال والنعم ما يفوق الوصف وكان مجلسه إذا حضر قريبا منه في الموضع الذي كان يجلس فيه والده الحفيد فكان يجلس إلى جانب الخليفة الناصر الخطيب أبو عبد الله محمد بن الحسن بن أبي يوسف حجاج القاضي وكان يجلس تلوه القاضي الشريف أبو عبد الله الحسيني وكان يجلس تلوه أبو محمد عبد الله بن الحفيد أبو بكر بن زهر وكان يجلس إلى جانبه أبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي صاحب المقدمة المشهورة في النحو المعروفة بالجزولية وكان هذا في النحو يشتغل عليه أبو محمد عبد الله بن الحفيد ويجلس بين يديه ويتعلم منه وكان مولد أبي محمد عبد الله بن الحفيد أبي بكر في سنة سبع وسبعين وخمسمائة بمدينة أشبيلية وتوفي رحمه الله مسموما في سنة اثنتين وستمائة في مدينة سلا في الجهة المسماة برباط الفتح ودفن بها وكان متوجها إلى مراكش فاخترمه الأجل دونها ثم حمل من الموضع الذي دفن فيه إلى أشبيلية ودفن عند آبائه بأشبيلية خارج باب الفتح فكانت مدة حياته خمسا وعشرين سنة ومن أعجب ما حدثني القاضي أبو مروان الباجي عنه قال كنت يوما عنده وإذا به قد قال لي إنني رأيت البارحة في النوم أختي وكانت أخته قد ماتت قبله قال وكأني قلت لها يا أختي بالله عرفيني كم يكون عمري فقالت لي طابيتين ونصفا والطابية هي خشبة للبناء معروفة في المغرب بهذا الاسم طولها عشرة أشبار فقلت لها أنا أقول لك جد وأنت تجيبيني بالهزء فقالت لا والله ما قلت لك إلا جدا وإنما أنت ما فهمت أليس الطابية عشرة أشبار والطابيتين ونصفا خمسة وعشرون
529 يكون عمرك خمسا وعشرين سنة قال القاضي أبو مروان فلما قص علي هذه الرؤيا قلت له لا تتوهم من هذا فلعله من أضغاث أحلام قال ولم تكمل تلك السنة إلا وقد مات فكان عمره كما قيل له خمسا وعشرين سنة لا أزيد ولا أنقص وخلف ولدين كل منهما فاضل في نفسه كريم في جنسه أحدهما يسمى أبا مروان عبد الملك والآخر أبا العلاء محمد والأصغر منهما وهو أبو العلاء معتن بصناعة الطب وله نظر جيد في كتب جالنوس وكان مقامهما في أشبيلية أبو جعفر بن هارون الترجالي من أعيان أهل أشبيلية وكان محققا للعلوم الحكمية متقنا لها معتنيا بكتب أرسطوطاليس وغيره من الحكماء المتقدمين فاضلا في صناعة الطب متميزا فيها خبيرا بأصولها وفروعها حسن المعالجة محمود الطريقة وخدم لأبي يعقوب والد المنصور وكان من طلبة الفقيه أبي بكر بن العربي لازمه مدة واشتغل عليه بعلم الحديث وكان أبو جعفر بن هارون يروي الحديث وهو شيخ أبي الوليد بن رشد في التعاليم والطب وأصله من ترجالة من ثغور الأندلس وهي التي أصابها المنصور خالية وهرب أهلها وعمرها المسلمون وكان أبو جعفر هارون أيضا عالما بصناعة الكحل وله آثار فاضلة في المداواة حدثني القاضي أبو مروان محمد بن أحمد بن عبد الملك اللخمي ثم الباجي أن أخاه القاضي أبا عبد الله محمد بن أحمد لما كان صغيرا أصاب عينه عود واخترق السواد حتى أنه يئس له من البرء فاستدعى أبوه أبا جعفر بن هارون وأراه عين ولده وقال له أنا أدفع لك ثلاثمائة دينار وتعالجها فقال والله ما حاجة إلى هذا الذي ذكرته وإنما أداويه ويصلح إن شاء الله تعالى وشرع في مداواته إلى أن صلحت عينه وابصر بها وأصاب ابن هارون خدر وضعف في أعضائه فالتزم داره بأشبيلية وكان يطب الناس وتوفي بأشبيلية أبو الوليد بن رشد هو القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد مولده ومنشؤه بقرطبة مشهور بالفضل معتن بتحصيل العلوم أوحد في علم الفقه والخلاف واشتغل على الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق وكان أيضا متميزا في علم الطب وهو جيد التصنيف حسن المعاني وله في الطب كتاب الكليات وقد أجاد في تأليفه وكان بينه وبين أبي مروان بن زهر مودة ولما ألف كتابه هذا في الأمور الكلية قصد من ابن زهر أن يؤلف كتابا في الأمور الجزئية لتكون جملة كتابيهما ككتاب كامل في صناعة
530 الطب ولذلك يقول ابن رشد في آخر كتابه ما هذا نصه قال فهذا هو القول في معالجة جميع أصناف الأمراض بأوجز ما أمكننا وأبينه وقد بقي علينا من هذا الجزء القول في شفاء عرض عرض من الأعراض الداخلة على عضو عضو من الأعضاء وهذا وأن لم يكن ضروريا لأنه منطو بالقوة فيما سلف من الأقاويل الكلية ففيه تتميم ما وارتياض لأنا ننزل فيها إلى علاجات الأمراض بحسب عضو عضو وهي الطريقة التي سلكها أصحاب الكنانيش حتى نجمع في أقاويلنا هذه إلى الأشياء الكلية الأمور الجزئية فإن هذه الصناعة أحق صناعة ينزل فيها إلى الأمور الجزئية ما أمكن إلا أنا نؤخر هذا إلى وقت نكون فيه أشد فراغا لعنايتنا في هذا الوقت بما يهم من غير ذلك فمن وقع له هذا الكتاب دون هذا الجزء وأحب أن ينظر بعد ذلك إلى الكنانيش فأوفق الكنانيش له الكتاب الملقب بالتيسير الذي ألفه في زماننا هذا أبو مروان بن زهر وهذا الكتاب سألته أنا إياه وانتسخته فكان ذلك سبيلا إلى خروجه وهو كما قلنا كتاب الأقاويل الجزئية التي قلت فيه شديدة المطابقة للأقاويل الكلية إلا أنه مزج هنالك مع العلاج العلامات وإعطاء الأسباب على عادة أصحاب الكنانيش ولا حاجة لمن يقرأ كتابنا هذا إلى ذلك بل يكفيه من ذلك مجرد العلاج فقط وبالجملة من تحصل له ما كتبناه من الأقاويل الكلية أمكنه أن يقف على الصواب والخطأ من مداواة أصحاب الكنانيش في تفسير العلاج والتركيب حدثني القاضي أبو مروان الباجي قال كان القاضي أبو الوليد بن رشد حسن الرأي ذكيا رث البزة قوي النفس وكان قد اشتغل بالتعاليم وبالطب على أبي جعفر بن هارون ولازمه مدة وأخذ عنه كثيرا من العلوم الحكمية وكان ابن رشد قد قضى مدة في أشبيلية قبل قرطبة وكان مكينا عند المنصور وجيها في دولته وكذلك أيضا كان ولده الناصر يحترمه كثيرا قال ولما كان المنصور بقرطبة وهو متوجه إلى غزو ألفنس وذلك في عام أحد وتسعين وخمسمائة استدعى أبا الوليد بن رشد فلما حضر عنده احترمه كثيرا وقربه إليه حتى تعدى به الموضع الذي كان يجلس فيه أبو محمد عبد الواحد بن الشيخ حفص الهنتاتي صاحب عبد المؤمن وهو الثالث أو الرابع من العشرة وكان هذا أبو محمد عبد الواحد قد صاهره المنصور وزوجه بابنته لعظم منزلته عنده ورزق عبد الواحد منها ابنا اسمه علي وهو الآن صاحب إفريقية فلما قرب المنصور ابن رشد وأجلسه إلى جانبه حادثه ثم خرج من عنده وجماعة الطلبه وكثير من أصحابه ينتظرونه فهنؤوه بمنزلته عند المنصور وإقباله عليه فقال والله إن هذا ليس مما يستوجب الهناء به فإن أمير المؤمنين قد قربني دفعة إلى أكثر مما كنت أؤمله فيه أو يصل رجائي إليه وكان جماعة من أعدائه قد شيعوا بأن أمير المؤمنين قد أمر بقتله فلما خرج سالما أمر بعض خدمه أن يمضي إلى بيته ويقول لهم إن يصنعوا له قطا وفراخ حمام مسلوقة إلى متى يأتي إليهم وإنما كان غرضه بذلك تطييب قلوبهم بعافيته
531 ثم أن المنصور فيما بعد نقم على أبي الوليد بن رشد وأمر بأن يقيم في اليسانة وهي بلد قريب من قرطبة وكانت أولا لليهود وأن لا يخرج عنها ونقم أيضا على جماعة أخر من الفضلاء الأعيان وأمر أن يكونوا في مواضع أخر وأظهر أنه فعل بهم ذلك بسبب ما يدعي فيهم أنهم مشتغلون بالحكمة وعلوم الأوائل وهؤلاء الجماعة هم أبو الوليد بن رشد وأبو جعفر الذهبي والفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم قاضي بجاية وأبو الربيع الكفيف وأبو العباس الحافظ الشاعر القرابي وبقوا مدة ثم أن جماعة من الأعيان بأشبيلية شهدوا لابن رشد أنه على غير ما نسب إليه فرضي المنصور عنه وعن سائر الجماعة وذلك في سنة خمس وتسعين وخمسمائة وجعل أبا جعفر الذهبي مزوارا للطلبة ومزوارا للأطباء وكان يصفه المنصور ويشكره ويقول إن أبا جعفر الذهبي كالذهب الإبريز الذي لم يزدد في السبك إلا جودة قال القاضي أبو مروان ومما كان في قلب المنصور من ابن رشد أنه كان متى حضر مجلس المنصور وتكلم معه أو بحث عنده في شيء من العلم يخاطب المنصور بأن يقول تسمع يا أخي وأيضا فإن ابن رشد كان قد صنف كتابا في الحيوان وذكر فيه أنواع الحيوان ونعت كل واحد منها فلما ذكر الزرافة وصفها ثم قال وقد رأيت الزرافة عند ملك البربر يعني المنصور فلما بلغ ذلك المنصور صعب عليه وكان أحد الأسباب الموجبة في أنه نقم على ابن رشد وأبعده ويقال إنه مما اعتذر به ابن رشد أنه قال إنما قلت ملك البرين وإنما تصحفت على القارئ فقال ملك البربر وكانت وفاة القاضي أبي الوليد بن رشد رحمه الله في مراكش أول سنة خمس وتسعين وخمسمائة وذلك في أول دولة الناصر وكان ابن رشد قد عمر عمرا طويلا وخلف ولدا طبيبا عالما بالصناعة يقال له أبو محمد عبد الله وخلف أيضا أولادا قد اشتغلوا بالفقه واستخدموا في قضاء الكور ومن كلام أبي الوليد بن رشد قال من اشتغل بعلم التشريح ازداد أيمانا بالله ولأبي الوليد بن رشد من الكتب كتاب التحصيل جمع فيه اختلاف أهل العلم مع الصحابة والتابعين وتابعيهم ونصر مذاهبهم وبين مواضع الاحتمالات التي هي مثار الاختلاف كتاب المقدمات في الفقه كتاب نهاية المجتهد في الفقه كتاب الكليات شرح الأرجوزة المنسوبة إلى الشيخ الرئيس ابن سينا في الطب كتاب الحيوان جوامع كتب أرسطوطاليس في الطبيعيات والإلهيات كتاب الضروري في المنطق ملحق به تلخيص كتب أرسطوطاليس وقد لخصها تلخيصا تاما مستوفيا تلخيص الإلهيات لنيقولاوس تلخيص كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطوطاليس تلخيص كتاب الأخلاق لأرسطوطاليس تلخيص كتاب البرهان لأرسطوطاليس تلخيص كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس شرح كتاب السماء والعالم لأرسطوطاليس شرح كتاب النفس لأرسطوطاليس تلخيص كتاب الاسطقسات لجالينوس تلخيص كتاب المزاج لجالينوس تلخيص كتاب القوى الطبيعية لجالينوس تلخيص كتاب العلل والأعراض لجالينوس تلخيص كتاب التعرف لجالينوس تلخيص كتاب الحميات لجالينوس تلخيص أول كتاب الأدوية المفردة لجالينوس تلخيص النصف الثاني من كتاب حيلة البرء لجالينوس كتاب تهافت التهافت يرد في علي كتاب التهافت للغزالي كتاب منهاج الأدلة في
532 علم الأصول كتاب صغير سماه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال المسائل المهمة على كتاب البرهان لأرسطوطاليس شرح كتاب القياس لأرسطوطاليس مقالة في العقل مقالة في القياس كتاب في الفحص هل يمكن العقل الذي فينا وهو المسمى بالهيولاني أن يعقل الصور المفارقة بآخره أو لا يمكن ذلك وهو المطلوب الذي كان أرسطوطاليس وعدنا بالفحص عنه في كتاب النفس مقالة في أن ما يعتقده المشاؤون وما يعتقده المتكلمون من أهل ملتنا في كيفية وجود العالم متقارب في المعنى مقالة في التعريف بجهة نظر أبي نصر في كتبه الموضوعة في صناعة المنطق التي بأيدي الناس وبجهة نظر أرسطوطاليس فيها ومقدار ما في كتاب كتاب من أجزاء الصناعة الموجودة في كتب أرسطوطاليس ومقدار ما زاد لاختلاف النظر يعني نظريهما مقالة في اتصال العقل المفارق بالإنسان مقالة في اتصال العقل بالإنسان مراجعات ومباحث بين أبي بكر بن الطفيل وبين ابن رشد في رسمه للدواء في كتابه الموسوم بالكليات كتاب في الفحص عن مسائل وقعت في العلم الإلهي في كتاب الشفاء لابن سينا مسألة في الزمان مقالة في فسخ شبهة من اعترض على الحكيم وبرهانه في وجود المادة الأولى وتبيين أن برهان أرسطوطاليس هو الحق المبين مقالة في الرد على أبي علي بن سينا في تقسيمه الموجودات إلى ممكن على الإطلاق وممكن بذاته واجب بغيره وإلى واجب بذاته مقالة في المزاج مسألة في نوائب الحمى مقالة في حميات العفن مسائل في الحكمة مقالة في حركة الفلك كتاب فيما خالف أبو النصر لأرسطوطاليس في كتاب البرهان من ترتيبه وقوانين البراهين والحدود مقالة في الترياق أبو محمد بن رشد هو أبو محمد عبد الله بن أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد فاضل في صناعة الطب عالم بها مشكور في أفعالها وكان يفد إلى الناصر ويطبه ولأبي محمد بن رشد من الكتب مقالة في حيلة البرء أبو الحجاج يوسف بن موراطير من شرقي الأندلس وموراطير قرية قريبة من بلنسية كان فاضلا في صناعة الطب خبيرا بها مزاولا لأعمالها محمود الطريقة حسن الرأي عالما بالأمور الشرعية وسمع الحديث وقرأ المدونة وكان أديبا شاعرا محبا للمجون كثير النادرة حدثني القاضي أبو مروان الباجي قال كنا في تونس مع الناصر وكان في العسكر غلاء وقل وجود الشعير فعمل أبو الحجاج بن موراطير موشحا في الناصر وأتى في ضمنه تغيير بيت عمله الحفيد أبو بكر بن زهر في بضع موشحاته وذلك أن ابن زهر قال (ما العيد في حلة وطاق وشم طيب * وإنما العيد في التلاقي مع الحبيب)
533 فعمل ابن موراطير (ما العيد في حلة وطبق من الحرير * إنما العيد في التلاقي مع الشعير) فأطلق له الناصر عشرة أمداد شعير كانت قيمتها في ذلك الوقت خمسين دينارا وكان أبو الحجاج ابن موراطير قد خدم بصناعة الطب المنصور أبا يوسف يعقوب ولما توفي المنصور خدم لولده الناصر وهو أبو عبد الله محمد بن يعقوب ومن بعد الناصر أيضا خدم لولده أبي يعقوب يوسف المستنصر بن الناصر وكان أبو الحجاج بن موراطير قد عمر عمرا طويلا وكان حظيا عند المنصور مكينا عنده رفيع المنزلة وكان يدخل مجلس الخاصة مع الأشياخ للمذاكرة في العربية وغيرها ومات بالنقرس في مراكش في دولة المستنصر أبو عبد الله بن يزيد هو ابن أخت أبي الحجاج يوسف بن موراطير كان طبيبا فاضلا وأديبا شاعرا وشعره موصوف بالجودة أبو مروان عبد الملك بن قبلال مولده ومنشؤه بغرناطة وكان جيد النظر في الطب حسن العلاج وخدم بصناعة الطب المنصور ثم خدم بعده لولده الناصر ومات في دولة الناصر في مراكش أبو إسحق إبراهيم الداني كانت له عناية بالغة في صناعة الطب وأصله من بجاية ونقل إلى الحضرة وكان أمين البيمارستان وطبيبه بالحضرة وكذلك ولداه والأكبر منهما وهو أبو عبد الله محمد قتل في غزوة العقاب في الأندلس مع الناصر وتوفي الداني في مراكش في دولة المستنصر بن الناصر أبو يحيى بن قاسم الإشبيلي كان فاضلا في صناعة الطب خبيرا بقوى الأدوية المفردة والمركبة كثير العناية بها وكان صاحب خزانة الأشربة التي يأخذها الخليفة المنصور من عنده وكذلك كان والده في خدمة أبي يعقوب والد المنصور وتوفي أبو يحيى في مراكش في دولة المستنصر وكان له ولد فجعل موضعه في الخزانة عوضا عن أبيه أبو الحكم بن غلندو مولده ومنشؤه بإشبيلية وكان أديبا شاعرا حسن الشعر متميزا في صناعة الطب محمود الطريقة
534 وكان مفننا وخدم بصناعة الطب المنصور وكان مكينا عنده وجيها في دولته وكان المنصور في عام ثمانين وخمسمائة حمله معه لما ولي الخلافة وكان ابن غلندو صاحب كتب كثيرة ويكتب خطين أندلسيين وتوفي بمراكش ودفن بها أبو جعفر أحمد بن حسان هو الحاج أبو جعفر أحمد بن حسان الغرناطي مولده ومنشؤه بغرناطة واشتغل بصناعة الطب وأجاد في علمها وعملها وخدم المنصور بالطب وحج أبو جعفر بن حسان مع أبي الحسين بن جبير الغرناطي الأديب الكاتب صاحب كتاب الرحلة وذكره معه في الرحلة وتوفي أبو جعفر بن حسان بمدينة فاس ولأبي جعفر بن حسان من الكتب كتاب تدبير الصحة ألفه للمنصور أبو العلاء بن أبي جعفر أحمد بن حسان من مدينة غرناطة وأحد الأعيان بها والمتميزين من أهلها قوي الذكاء حسن الفطرة مشتغل بالأدب وعنده براعة وفضل وهو طبيب وكاتب وخدم بصناعة الطب المستنصر وكان حظيا عنده وهو من جملة الفضلاء في صناعة الطب بأشبيلية وقد قطن بها أبو محمد الشذوني مولده ومنشؤه بأشبيلية وكان ذكيا فطنا وله معرفة جيدة بعلم الهيئة والحكمة وكان قد اشتغل بصناعة الطب على أبي مروان عبد الملك بن زهر ولازمه مدة وباشر أعمالها وكان مشهورا بالعلم جيد العلاج وخدم الناصر بالطب وتوفي بأشبيلية في دولة المستنصر المصدوم هو ابن الحسين بن أسدون شهر بالمصدوم وهو تلميذ أبي مروان عبد الملك بن زهر وكان المصدوم دينا كثير الخير معتنيا بصناعة الطب مشهورا بها أديبا شاعرا ومولده ومنشؤه بأشبيلية وكان مقيما في البلد ويحضر عند المنصور ويطلبه في أوقات المداواة وتوفي المصدوم في أشبيلية سنة ثمان و ثمانين وخمسمائة عبد العزيز بن مسلمة الباجي أصله من باجة الغرب كان من أعيان أهل الأندلس وأجلائها ويعرف بابن الحفيد وكان فاضلا
535 في صناعة الطب متميزا في الأدب وله شعر جيد وكان تلميذ المصدوم وخدم بالطب المستنصر وتوفي في دولته في مراكش أبو جعفر بن الغزال مولده بقنجيرة من أعمال المرية وأتى إلى الحفيد أبي بكر بن زهر ولازمه حق الملازمة وقرأ عليه صناعة الطب وعلى غيره حتى اتقن الصناعة وخدم المنصور بالطب وكان خبيرا بتركيب الأدوية ومعرفة مفرداتها وكان المنصور يعتمد عليه في الأدوية المركبة والمعاجين ويتناولها منه وكان المنصور قد أبطل الخمر وشدد بأن لا يأتي بشيء منه إلى الحضرة أو يكون عند أحد فلما كان بعد ذلك بمدة قال المنصور لأبي جعفر بن الغزال أريد أن تجمع حوائج الترياق الكبير وتركبه فامتثل أمره وجمع حوائجه وأعوزه الخمر الذي يعجن به أدوية الترياق وأنهى ذلك إلى المنصور فقال له تطلبه من كل ناحية وانظر لعل يكون عند أحد منه ولو شيء يسير لنكمل الترياق فتطلبه أبو جعفر من كل أحد ولم يجد شيئا منه فقال المنصور والله ما كان قصدي بتركيب الترياق في هذا الوقت إلا لاعتبر هل بقي من الخمر شيء عند أحد أم لا وتوفي أبو جعفر بن الغزال في أيام الناصر أبو بكر بن القاضي أبي الحسن الزهري هو أبو بكر بن الفقيه القاضي أبي الحسن الزهري القرشي قاضي أشبيلية مولده ومنشؤه بأشبيلية وكان جوادا كريما حسن الخلق شريف النفس قد اشتغل بالأدب وتميز في العلم وكان أحد الفضلاء في صناعة الطب والمتعينين في أعمالها وخدم بالطب للسيد أبي علي بن عبد المؤمن صاحب أشبيلية وكان يطبب الناس من دون أجرة ويكتب النسخ لهم وكان في مبدأ أمره محبا للشطرنج كثير اللعب به وجاد لعبه في الشطرنج جدا حتى صار يوصف به وحدثني القاضي أبو مروان الباجي قال سألت القاضي أبا بكر بن أبي الحسن الزهري عن سبب تعلمه صناعة الطب فقال لي إنني كنت كثير اللعب بالشطرنج ولم يكد يوجد من يلعب مثلي به في أشبيلية إلا القليل فكانوا يقولون أبو بكر الزهري الشطرنجي فكان إذا بلغني ذلك أغتاظ منه ويصعب علي فقلت في نفسي لا بد أن اشتغل عن هذا بشيء غيره من العلم لا نعت به ويزول عني وصف الشطرنج وعلمت أن الفقه وسائر الأدب ولو اشتغلت به عمري كله لم يخصني منه وصف أنعت به فعدلت إلى أبي مروان عبد الملك بن زهر واشتغلت عليه بصناعة الطب وكنت أجلس عنده وأكتب لمن جاء مستوصفا من المرضى الرقاع واشتهرت بعد ذلك بالطب وزال عني ما كنت أكره الوصف به وعاش أبو بكر بن أبي الحسن الزهري خمسا وثمانين سنة وتوفي في دولة المستنصر ودفن بأشبيلية
536 أبو عبد الله الندرومي هو أبو عبد الله محمد بن سحنون ويعرف بالندرومي منسوبا إلى ندرومة من نظر مدينة تلمسان وهو كومي أيضا ينسب إلى قبيله جليل القدر فاضل النفس محب للفضائل حاد الذهن مفرط الذكاء ومولده بقرطبة في نحو سنة ثمانين وخمسمائة ونشأ بقرطبة ثم انتقل إلى أشبيلية وكان قد لحق القاضي أبا الوليد بن رشد واشتغل عليه بصناعة الطب واشتغل أيضا على أبي الحجاج يوسف بن موراطير والندرومي من جملة المتميزين في علم الأدب والعربية وسمع كثيرا من الحديث وخدم الناصر في آخر دولته بصناعة الطب وخدم بعده لولده المستنصر وأقام بأشبيلية وخدم بعد ذلك النجاء سالم بن هود ولأخيه أبي عبد الله بن هود صاحب الأندلس ولأبي عبد الله الندرومي من الكتب اختصار كتاب المستصفى للغزالي أبو جعفر أحمد بن سابق أصله من قرطبة وكان فاضلا ذكيا جيد النظر حسن العلاج موصوفا بالعلم وكان من طلبة القاضي أبي الوليد بن رشد ومن جملة المشتغلين عليه بصناعة الطب وخدم بالطب الناصر وتوفي في دولة المستنصر ابن الحلاء المرسي من مرسية وكان موصوفا بجودة المعرفة بصناعة الطب وخدم المنصور لما أتى إليه خدمة وافد وتوفي ببلده أبو إسحق بن طملوس من جزيرة شقر من أعمال بلنسية وهو من جملة الفضلاء في صناعة الطب وأحد المتعينين من أهلها وخدم الناصر بالطب وتوفي ببلده أبو جعفر الذهبي هو أبو جعفر أحمد بن جريج كان فاضلا عالما بصناعة الطب جيد المعرفة لها حسن التأني في أعمالها وخدم المنصور بالطب وكذلك أيضا خدم بعده الناصر ولده وكان يحضر مجلس المذاكرة في الأدب وتوفي أبو جعفر الذهبي بتلمسان عند غزوة الناصر إلى إفريقية سنة ستمائة
537 أبو العباس بن الرومية هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج النباتي المعروف بابن الرومية من أهل أشبيلية ومن أعيان علمائها وأكابر فضلائها قد اتقن علم النبات ومعرفة أشخاص الأدوية وقواها ومنافعها واختلاف أوصافها وتباين مواطنها وله الذكر الشائع والسمعة الحسنة كثير الخير موصوف بالديانة محقق للأمور الطبية قد شرف نفسه بالفضائل وسمع من علم الحديث شيئا كثيرا عن ابن حزم وغيره ووصل سنة ثلاث عشر وستمائة إلى ديار مصر وأقام بمصر والشام والعراق نحو سنتين وانتفع الناس به واسمع الحديث وعاين نباتا كثيرا في هذه البلاد مما لم ينبت بالمغرب وشاهد أشخاصها في منابتها ونظرها في مواضعها ولما وصل من المغرب إلى الإسكندرية سمع به السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب رحمه الله وبلغه فضله وجودة معرفته بالنبات وكان الملك العادل في ذلك الوقت بالقاهرة فاستدعاه من الإسكندرية وتلقاه وأكرمه ورسم بأن يقرر له جامكية وجراية ويكون مقيما عنده فلم يفعل وقال إنما أتيت من بلدي لا حج إن شاء الله وارجع إلى أهلي وبقي مقيما عنده مدة وجمع الترياق الكبير وركبه ثم توجه إلى الحجاز ولما حج عاد إلى المغرب وأقام بأشبيلية ولأبي العباس بن الرومية من الكتب تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس مقالة في تركيب الأدوية أبو العباس الكنيناري هو أبو العباس أحمد بن أبي عبد الله محمد من أهل أشبيلية عارف بصناعة الطب من فضلاء أهلها والمتميزين من أربابها قرأ الطب في أول أمره على عبد العزيز بن مسلمة الباجي ثم قرأ بعد ذلك على أبي الحجاج يوسف بن موراطير في مراكش وأقام بأشبيلية وخدم لأبي النجاء بن هود صاحب أشبيلية وكان يطب أيضا لأخيه أبي عبد الله بن هود ابن الأصم هو من الأطباء المشهورين بأشبيلية وله خبرة في صناعة الطب وقوة نظر في الاستدلال على الأمراض ومداواتها وله حكايات مشهورة ونوادر كثيرة في معرفته بالقوارير وإخباره
538 عندها يراها بجملة حال المريض وما يشكوه وما كان قد تناوله من الأغذية وحدثني أبو عبد الله المغربي قال كنت يوما عند ابن الأصم وإذا بجماعة قد أقبلوا إليه ومعهم رجل على دابة وهو منكب عليها فلما وصلوا وجدنا ذلك الرجل وفي فمه حية قد دخل بعضها مع رأسها في حلقه وبقيتها ضاهرة وهي مربوطة بخيط قنب إلى ذراع الرجل فقال ما شأن هذا فقالوا له إن عادته ينام وفمه مفتوح وكان قد أكل لبنا فنام فلما جاءت هذه الحية لعقت فمه وداخل فمه وهو نائم ولما أحست بمن أتى خافت وانساب بعضها في حلقه وأدركناها فربطناها بهذا الخيط لئلا تدخل في حلقه فلما نظر إلى ذلك الرجل وجده وهو في الموت من الخوف فقال له ما عليك كدتم تهلكون الرجل ثم قطع الخيط فانسابت الحية في حلقه واستقرت في معدته فقال له الآن تبرأ وأمره أن لا يتحرك وأخذ أدوية وعقاقير فأغلاها في ماء غليا جيدا وجعل ذلك الماء في إبريق وسقاه الرجل وهو حار فشربه وصار يحبس معدته حتى قال ماتت الحية ثم سقاه ماء آخر مغليا فيه حوائج وقال هذه تهرئ الحية مع هضم المعدة وصبر مقدار ساعتين وسقاه ماء قد أغلي فيه أدوية مقيئة فجاشت نفس الرجل وذرعه القيء فعصب عينيه وبقي يتقيأ في طشت فوجدنا فيه الحية وهي قطع وهو يأمره بكثرة القيء حتى تنظفت معدته وخرجت بقايا الحية فقال له طب نفسا فقد تعافيت وذهب الرجل مطمئنا صحيحا بعد أن كان في حالة الموت
539 الباب الرابع عشر طبقات الأطباء المشهورين من أطباء ديار مصر بليطيان كان طبيبا مشهورا بديار مصر نصرانيا عالما بشريعة النصارى الملكية قال سعيد بن البطريق في كتاب نظم الجوهر لما كان في السنة الرابعة من خلافة المنصور من الخلفاء العباسيين صيربيلطيان بطريركا على الإسكندرية وكان طبيبا أقام ستا وأربعين سنة ومات قال ولما كان في أيام الرشيد هارون وولى الرشيد عبيد الله بن المهدي مصر أهدى عبيد الله إلى الرشيد جارية من أهل البيما من أسفل الأرض وكانت حسنة جميلة وكان الرشيد يحبها حبا شديدا فاعتلت علة عظيمة فعالجها الأطباء فلم تنتفع بشيء فقالوا له ابعث إلى عبيد الله عاملك بمصر ليوجه إليك واحدا من أطباء مصر فإنهم أبصر بعلاج هذه الجارية من أطباء العراق فبعث الرشيد إلى عبيد الله بن المهدي يختار له من أحذق أطباء مصر من يعالج الجارية فدعا عبيد الله بليطيان بطريرك الإسكندرية وكان حاذقا بالطب فأعلمه بحب الرشيد الجارية وعلتها وحمله إلى الرشيد وحمل بليطيان معه من كعك مصر الخشن والصير فلما دخل إلى بغداد ودخل إلى الجارية أطعمها الكعك والصير فرجعت إلى طبعها وزالت عنها العلة فصار من ذلك الوقت يحمل من مصر إلى خزانة السلطان الكعك الخشن و الصير ووهب الرشيد لبليطيان البطريرك مالا كثيرا وكتب له منشورا في كل كنيسة في يد اليعقوبية مما أخذوها وتغلبوا عليها أن ترد إليه فرجع بليطيان إلى مصر واسترد من اليعقوبية كنائس كثيرة وتوفي بليطيان في سنة ستة وثمانين ومائة للهجرة
540 إبراهيم بن عيسى كان طبيبا فاضلا معروفا في زمانه متميزا في أوانه صحب يوحنا بن ماسويه ببغداد وقرأ عليه وأخذ عنه وخدم بصناعة الطب الأمير أحمد بن طولون وتقدم عنده وسافر معه إلى الديار المصرية واستمر في خدمته ولم يزل إبراهيم بن عيسى مقيما في فسطاط مصر إلى أن توفي وكانت وفاته في نحو سنة ستين ومائتين الحسن بن زيرك كان طبيبا في مصر أيام أحمد بن طولون يصحبه في الإقامة فإذا سافر صحبه سعيد بن توفيل ولما توجه ابن طولون إلى دمشق في شهور سنة تسع وستين ومائتين وامتد منها إلى الثغور لإصلاحها ودخل أنطاكية عائدا عنها أكثر من استعمال لبن الجواميس فأدركته هيضة لم ينجع فيها معاناة سعيد ابن توفيل وعاد بها إلى مصر وهو ساخط على سعيد بن توفيل فلما دخل الفسطاط احضر الحسن ابن زيرك وشكا إليه سعيدا فسهل عليه ابن زيرك أمر علته وأعلمه أنه يرجو له السلامة منها عن قرب وخفت عنه علته بالراحة والطمأنينة واجتماع الشمل وهدوء النفس وحسن القيام وبر الحسن بن زيرك وكان يسر التخليط مع الحرم فازدادت علته ثم دعا بالأطباء فأرهبهم وخوفهم وكتمهم ما أسلفه من سوء التدبير والتخليط واشتهى على بعض حظاياه سمكا قريصا فأحضرته إياه سرا فما تمكن من معدته حتى تتابع الإسهال فأحضر الحسن بن زيرك وقال له احسب الذي سقيتنيه اليوم غير صواب قال له الحسن بن زيرك يأمر الأمير أيده الله بإحضار جماعة أطباء الفسطاط داره في غداة كل يوم حتى يتفقوا على ما يأخذه كل غداة وما سقيتك إلا أشياء تولى عجنها ثقتك وجميعها تنهض القوة الماسكة في معدتك وكبدك فقال أحمد والله لئن لم تنجحوا في تدبيركم لأضربن أعناقكم فإنما تجربون على العليل ولا يحصل منكم على شيء في الحقيقة فخرج الحسن بن زيرك من بين يديه وهو يرعد وكان شيخا كبيرا فحميت كبده من سوء فكره وخوفه وتشاغله عن المطعم والنوم فاعتراه إسهال سريع واستولى الغم عليه فخلط وكان يهذي بعلة أحمد بن طولون حتى مات في غد ذلك اليوم سعيد بن توفيل كان طبيبا نصرانيا متميزا في صناعة الطب وكان في خدمة أحمد بن طولون من أطباء الخاص يصحبه في السفر والحضر وتغير عليه قبل موته وسببه أن أحمد بن طولون كما تقدم ذكره
541 كان قد خرج إلى الشام وقصد الثغور لإصلاحها وعاد إلى أنطاكية فأدركته هيضة من ألبان الجواميس لأنه أسرع فيها واستكثر منها فالتمس طبيبه سعيدا فوجده قد خرج إلى بيعة بأنطاكية فتمكن غيظه عليه فلما حضر أغلظ له في التأخر عنه وأنف أن يشكو إليه ما وجده ثم زاد الأمر عليه في الليلة الثانية فطلبه فجاء متنبذا فقال له لي من يومين عليل وأنت شارب نبيذ فقال يا سيدي طلبتني أمس وأنا في بيعتي على ما جرت عادتي وحضرت فلم تخبرني بشيء قال فما كان ينبغي أن تسأل عن حالي قال ظنك يا مولاي سيئ ولست أسأل أحدا من حاشيتك عن شيء من أمرك قال فما الصواب الساعة قال لا تقرب شيئا من الغذاء ولو قرمت إليه الليلة وغدا قال أنا والله جائع وما أصبر قال هذا جوع كاذب لبرد المعدة فلما كان في نصف الليل استدعى شيئا يأكله فجيء بفراريج كردباج حارة وبزماورد من دجاج وجداء باردة فأكل منها فانقطع الإسهال عنه فخرج نسيم الخادم وسعيد في الدار قال له أكل الأمير خروف كردباج فخف عنه القيام قال سعيد الله المستعان ضعفت قوته الدافعة بقهر الغذاء لها وستتحرك حركة منكرة فوالله ما وافى السحر حتى قام أكثر من عشرة مجالس وخرج من أنطاكية وعلته تتزايد إلا أن في قوته احتمالا لها وطلب مصر وثقل عليه ركوب الدواب فعملت له عجلة كانت تجر بالرجال وطئت له فما وصل الفرما حتى شكا إزعاجها فركب الماء إلى الفسطاط وضرب له بالميدان قبة نزل فيها ولما حل ابن طولون بمصر ظهرت منه نبوة في حق سعيد الطبيب هذا وشكاه إلى إسحق بن إبراهيم كاتبه وصاحبه فقال إسحق بن إبراهيم لسعيد يعاتبه ويحك أنت حاذق في صناعتك وليس لك عيب إلا أنك مدل بها غير خاضع أن تخدمه فيها والأمير وإن كان فصيح اللسان فهو أعجمي الطبع وليس يعرف أوضاع الطب فيدبر نفسه بها وينقاد لك وقد أفسده عليك الإقبال فتلطف له وأرفق به وواظب عليه وراع حاله فقال سعيد والله ما خدمتي له إلا خدمة الفار للسنور والسخلة للذئب وأن قتلي لأحب إلي من صحبته ومات أحمد بن طولون في علته هذه وقال نسيم خادم أحمد بن طولون أن سعيد بن توفيل المتطبب كان في خدمة الأمير أحمد بن طولون فطلبه يوما فقيل له مضى يستعرض ضيعة يشتريها فامسك حتى حضر ثم قال له يا سعيد اجعل ضيعتك التي تشتريها فتستغلها صحبتي ولا تغفلها واعلم أنك تسبقني إلى الموت إن كان موتي على فراشي فإني لا أمكنك بالاستمتاع بشيء بعدي قال نسيم وكان سعيد بن توفيل آيسا من
542 الحياة لأن أحمد بن طولون امتنع من مشاورته ولم يكن يحضر إلا ومعه من يستظهر عليه برأيه ويعتقد فيه أنه فرط في أول أمره وابتداء العلة به حتى فات أمره وفي التاريخ أن سعيد بن توفيل كان له في أول ما صحب أحمد شاكري قبيح الصورة كان ينفض الكتان مع أب له واسمه هاشم وكان يخدم بغلة سعيد ويمسكها له إذا دخل دار أحمد ابن طولون وكان سعيد يستعمله في بعض الأوقات في سحق الأدوية بداره إذا رجع معه وينفخ النار على المطبوخات وكان لسعيد بن توفيل ابن حسن الصورة ذكي الروح حسن المعرفة بالطب فتقدم أحمد بن طولون إلى سعيد أول ما صحبه أن يرتاد متطببا يكون لحرمه ويكون مقيما بالحضرة في غيبته فقال له سعيد لي ولد قد علمته وخرجته قال أرنيه فأحضره فرأى شابا رائقا حسن الأسباب كلها فقال له أحمد بن طولون ليس يصلح هذا لخدمة الحرم احتاج لهن حسن المعرفة قبيح الصورة فأشفق سعيد أن ينصب لهم غريبا فينبو عنه ويخالف عليه فأخذ هاشما وألبسه دراعة وخفين ونصبه للحرم فذكر جريج ابن الطباخ المتطبب قال لقيت سعيد بن توفيل ومعه عمر بن صخر فقال له عمر ما الذي نصبت هاشما له قال خدمة الحرم لأن الأمير طلب قبيح الخلقة فقال له عمر قد كان في أبناء الأطباء قبيح قد حسنت تربيته وطاب مغرسه يصلح لهذا ولكنك استرخصت الصنعة والله يا أبا عثمان إن قويت يده ليرجعن إلى دناءة منصبه وخساسة محتده فتضاحك سعيد بغرته من هذا الكلام وتمكن هاشم من الحرم بإصلاحه لهم ما يوافقهم من عمل أدوية الشحم والحبل وما يحسن اللون ويغزر الشعر حتى قدمه النساء على سعيد فلما جمع الأطباء على الغدو إلى أحمد بن طولون في كل يوم عند اشتداد علته قالت مائة ألف أم أبي المشائر قد احضر جماعة من الأطباء ولم يحضر هاشم والله يا سيدي ما فيهم مثله فقال لها أحضرينيه سرا حتى أشافهه واسمع كلامه فأدخلته إليه سرا وشجعته على كلامه فلما مثل بين يديه نظر وجهه وقال أغفل الأمير حتى بلغ إلى هذه الحالة لا أحسن الله جزاء من كان يتولى أمره قال له أحمد بن طولون فما الصواب يا مبارك قال تتناول قميحة فيها كذا وكذا وعدد قريبا من مائة عقار وهذه القمائح تمسك وقت أخذها وتعود بضرر بعد ذلك لأنها تتعب القوى فتناولها أحمد وأمسك عن تناول ما عمله سعيد والأطباء ولما أمسكت حسن موقع ذلك عند أحمد وظن أن البرء قد تم له ثم قال أحمد لهاشم إن سعيدا قد حماني من شهر عن لقمة عصيدة وأنا أشتهيها قال يا سيدي أخطأ سعيد وهي مغذية ولها أثر حميد فيك فتقدم أحمد بن طولون بإصلاحها فجيء منها بجام واسع فأكل أكثره وطاب نفسا ببلوغ شهوته ونام ولحجت العصيدة فتوهم أن حاله زادت صلاحا وكل هذا يطوى عن سعيد بن توفيل ولما حضر سعيد قال له ما تقول في العصيدة قال هي ثقيلة على الأعضاء وتحتاج أعضاء الأمير إلى تخفيف عنها قال له أحمد دعني
543 من هذه المخرقة قد أكلتها ونفعتني والحمد لله وجئ بفاكهة من الشام فسأل أحمد بن طولون سعيد بن توفيل عن السفرجل فقال تمص منه على خلو المعدة والأحشاء فإنه نافع فلما خرج سعيد من عنده أكل أحمد بن طولون سفرجلا فوجد السفرجل العصيدة فعصرها فتدافع الإسهال فدعا سعيدا فقال يا ابن الفاعلة ذكرت أن السفرجل نافع لي وقد عاد إلي الإسهال فقام فنظر المادة ورجع إليه فقال هذه العصيدة التي حمدتها وذكرت أني غلطت في منعها فإنها لم تزل مقيمة في الأحشاء لا تطيق تغييرها ولا هضمها لضعف قواها حتى عصرها السفرجل ولم أكن أطلقت لك أكله وإنما أشرت بمصه ثم سأله عن مقدار ما أكل منه فقال سفرجلتين فقال سعيد أكلت السفرجل للشبع ولم تأكله للعلاج فقال يا ابن الفاعلة جلست تنادرني وأنت صحيح سوي وأنا عليل مدنف ثم دعا بالسياط فضربه مائتي سوط وطاف به على جمل ونودي عليه هذا جزاء من ائتمن فخان ونهب الأولياء منزله ومات بعد يومين وذلك في سنة تسع وستين ومائتين بمصر وقيل في سنة تسع وسبعين ومائتين وهي السنة التي مات ابن طولون في ذي قعدتها والله أعلم خلف الطولوني هو أبو علي خلف الطولوني مولى أمير المؤمنين كان مشتغلا بصناعة الطب وله معرفة جيدة في علم أمراض العين ومداواتها ولخلف الطولوني من الكتب كتاب النهاية والكفاية في تركيب العينين وخلقتهما وعلاجهما وأدويتهما ونقلت من خطه في كتابه هذا وجملة الكتاب بخطه أن معاناته كانت لتأليف هذا الكتاب في سنة أربع وستين ومائتين وفراغه منه في سنة اثنتين وثلاثمائة نسطاس بن جريج كان نصرانيا عالما بصناعة الطب وكان في دولة الأخشيد بن طغج ولنسطاس بن جريج من الكتب كناش رسالة إلى يزيد بن رومان النصراني الأندلسي في البول إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس بن جريج نصراني فاضل في صناعة الطب وكان في خدمة الحاكم بأمر الله ويعتمد عليه في الطب وتوفي إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس بالقاهرة في أيام الحاكم واستطب بعده أبا الحسن علي بن رضوان واستمر في خدمته وجعله رئيسا على سائر الأطباء
544 البالسي هو كان طبيبا فاضلا متميزا في معرفة الأدوية المفردة وأفعالها وله من الكتب كتاب التكميل في الأدوية المفردة ألفه لكافور الإخشيدي موسى بن العازار الإسرائيلي مشهور بالتقدم والحذق في صناعة الطب وكان في خدمة المعز لدين الله وكان في خدمته أيضا ابنه إسحاق بن موسى المتطبب وكان جليل القدر عند المعز ومتوليا أمره كله في حياة أبيه وتوفي إسحاق بن موسى لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة ثلاث وستين وثلاثمائة واغتم المعز لموت إسحاق لموضعه منه ولكفايته وجعل موضعه أخاه إسماعيل بن موسى وابنه يعقوب بن إسحاق وكان ذلك في حياة أبيهم موسى وتوفي قبل وفاة إسحاق بيوم أخ له مسلم اسمه عون الله بن موسى ولموسى بن العازار من الكتب الكتاب المعزي في الطبيخ ألفه للمعز مقالة في السعال جواب مسئلة سأله عنها أحد الباحثين عن حقائق العلوم الراغبين جني ثمارها كتاب الأقراباذين يوسف النصراني كان طبيبا عارفا بصناعة الطب فاضلا في العلوم وقال يحيى بن سعيد بن يحيى في كتاب تاريخ الذيل أنه لما كان في السنة الخامسة من خلافة العزيز صير يوسف الطبيب بطريركا على بيت المقدس أقام في الرئاسة ثلاث سنين وثمانية أشهر ومات بمصر ودفن في كنيسة مار ثوادرس مع آباء أخر منطودلا القيسراني سعيد بن البطريق من أهل فسطاط مصر وكان طبيبا نصرانيا مشهورا عارفا بعلم صناعة الطب وعملها متقدما في زمانه وكانت له دراية بعلوم النصارى ومذاهبهم ومولده في يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ومائتين للهجرة ولما كان في أول سنة من خلافة القاهر بالله محمد بن أحمد المعتضد بالله صير سعيد بن البطريق بطريركا على الإسكندرية وسمي أوثوشيوس وذلك لثمان خلون من شهر صفر سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ولسعيد بن البطريق من العمر نحو ستين سنة وبقي في الكرسي والرئاسة سبع سنين وستة أشهر وكان في أيامه شقاق عظيم وشر متصل بينه وبين
545 شعبه واعتل سعيد بن البطريق بمصر بالإسهال وكان متميزا في صناعة الطب فحدس أنها علة موته فصار إلى كرسيه بالإسكندرية وأقام به أياما عدة عليلا ومات يوم الاثنين سلخ رجب من سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ولسعيد بن البطريق من الكتب كتاب في الطب علم وعمل كناش كتاب الجدل بين المخالف والنصراني كتاب نظم الجوهر ثلاث مقالات كتبه إلى أخيه عيسى بن البطريق المتطبب في معرفة صوم النصارى وفطرهم وتواريخهم وأعيادهم وتواريخ الخلفاء والملوك المتقدمين وذكر البطاركة وأحوالهم ومدة حياتهم ومواضعهم وما جرى لهم في ولايتهم وقد ذيل هذا الكتاب نسيب لسعيد بن البطريق يقال له يحيى بن سعيد بن يحيى وسمى كتابه كتاب تاريخ الذيل عيسى بن البطريق كان طبيبا نصرانيا عالما بصناعة الطب علمها وعملها متميزا في جزئيات المداواة والعلاج مشكورا فيها وكان مقامه بمدينة مصر القديمة وكان هذا عيسى بن البطريق أخا سعيد بن البطريق المقدم ذكره ولم يزل عيسى بمدينة مصر طبيبا إلى أن توفي بها أعين بن أعين كان طبيبا متميزا في الديار المصرية وله ذكر جميل وحسن معالجة وكان في أيام العزيز بالله وتوفي أعين بن أعين في شهر ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وله من الكتب كناش كتاب في أمراض العين ومداواتها التميمي هو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي كان مقامه أولا بالقدس ونواحيها وله معرفة جيدة بالنبات وماهياته والكلام فيه وكان متميزا أيضا في أعمال صناعة الطب والاطلاع على دقائقها وله خبرة فاضلة في تركيب المعاجين والأدوية المفردة واستقصى معرفة أدوية الترياق الكبير الفاروق وتركيبه وركب منه شيئا كثيرا على أتم ما يكون من حسن الصنعة وانتقل إلى الديار المصرية وأقام بها إلى أن توفي رحمه الله وكان قد اجتمع في القدس بحكيم فاضل راهب يقال له أنبا زخريا بن ثوابة وكان هذا الراهب يتكلم في شيء من أجزاء العلوم الحكمية والطب وكان مقيما في القدس في المائة الرابعة من الهجرة وكان له نظر في أمر تركيب الأدوية ولما اجتمع به محمد التميمي لازمه
546 وأخذ عنه فوائد وجملا كثيرة مما يعرفه وقد ذكر التميمي في كتابه مادة البقاء صفة سفوف الرجفان الحادث عن المرة السوداء المحترقة وذكر أنه نقل ذلك عن أنبا زخريا وقال الصاحب جمال الدين بن القفطي القاضي الأكرم في كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء أن التميمي محمد بن أحمد بن سعيد كان جده سعيد طبيبا وصحب أحمد بن أبي يعقوب مولى ولد العباس وكان محمد من البيت المقدس وقرأ علم الطب به وبغيره من المدن التي ارتحل إليها واستفاد من هذا الشأن جزءا متوفرا وأحكم ما علمه منه غاية الأحكام وكان له غرام وعناية تامة في تركيب الأدوية وحسن اختيار في تأليفها وعنده غوص على أمور هذا النوع واستغراق في طلب غوامضه وهو الذي أكمل الترياق الفاروق بما زاده فيه من المفردات وذلك بإجماع الأطباء على أنه الذي أكمله وله في الترياق عدة تصانيف ما بين كبير ومتوسط وصغير وقد كان مختصا بالحسن بن عبد الله بن طغج المستولي على مدينة الرملة وما انضاف إليها من البلاد الساحلية وكان مغرما به وبما يعالجه من المفردات والمركبات وعمل له عدة معاجين ولخالخ طبية ودخنا دافعة للوباء وسطر ذلك في أثناء مصنفاته ثم أدرك الدولة العلوية عند دخولها إلى الديار المصرية وصحب الوزير يعقوب بن كلس وزير المعز والعزيز وصنف له كتابا كبيرا في عدة مجلدات سماه مادة البقاء بإصلاح فساد الهواء والتحزر من ضرر الأوباء وكل ذلك بالقاهرة المعزية ولقي الأطباء بمصر وناظرهم واختلط بأطباء الخاص القادمين من أهل المغرب في صحبة المعز عند قدومه والمقيمين بمصر من أهلها قال وحكى محمد التميمي خبرا عن ولده وهو قال حدثني والدي رضي الله عنه أنه سكر مرة سكرا مفرطا غلب فيه على عقله فسقط في بعض الخانات من موضع عال من أسفل الخان وهو لا يعقل فحمله صاحب الخان وخدمه حتى أدخله إلى الحجرة التي كان ساكنها فلما أصبح قام وهو يجد وجعا ووهنا في مواضع من جسده ولا يعرف لذلك سببا فركب وتصرف في بعض أموره إلى أن تعالى النهار ثم رجع فقال لصاحب الخان إني أجد في جسدي وجعا وتوهنا شديدا لست أدري ما سببه فقال له صاحب الخان ينبغي أن تحمد الله على سلامتك قال مم ذا قال أو ما علمت ما نالك البارحة قال لا قال فإنك سقطت من أعلى الخان إلى أسفل وأنت سكران لقال ومن أي موضع فأره الموضع فلما رآه حدث به للوقت من الوجع والضربان ما لم يجد معه سبيلا إلى الصبر وأقبل يضج ويتأوه إلى أن جاءوه بطبيب ففصده وشد على مفاصله المتوهنة جبارا فأقام أياما كثيرة إلى أن برأ وذهب عنه الوجع أقول ومما يناسب هذه الحكاية أن بعض التجار كان في بعض أسفاره في مغارة ومعه رفقة له فنام في منزلة نزلها في الطريق ورفقته جلوس فخرجت حية من بعض النواحي وصادفت رجله
547 فنهشته فيها وذهبت وانتبه مرعوبا من الألم وبقي يمسك رجله ويتأوه منها فقال له بعضهم ما عليك إنك مددت رجلك بسرعة وقد صادفت رجلك شوكة في هذا الموضع الذي يوجعك وأظهر له أنه أخرج الشوكة وقال ما بقي عليك بأس وتساكن عنه الألم بعد ذلك ورحلوا فلما كان بعد عودهم بمدة وقد نزلوا في تلك المنزلة قال له صاحبه أتدري ذلك الوجع الذي عرض لك في هذا الموضع من أي شيء كان فقال لا قال إن حية ضربتك في رجلك ورأيناها وما أعلمناك فعرض له للوقت ضربان قوي في رجله وسرى في بدنه إلى أن قرب من قلبه وعرض له غشي ثم تزايد به إلى أن مات وكان السبب في ذلك أن الأوهام والأحداث النفسانية تؤثر في البدن أثرا قويا فلما تحقق أن الآفة التي عرضت له كانت من نهشة الحية تأثر من ذلك وسرى ما كان في ذلك الموضع من بقايا السم في بدنه ولما وصل إلى قلبه أهلكه قال الصاحب جمال الدين ولما كان التميمي ببلده البيت المقدس معانيا لصناعة الطب وأحكام التركيبات صنف وركب ترياقا سماه مخلص النفوس وقال فيه هذا ترياق ألفته بالقدس وأحكمت تركيبه مختصر نافع الفعل دافع لضرر السمومات القاتلة المشروبة والمصبوبة في الأبدان بلسع ذوات السم من الأفاعي والثعابين وأنواع الحيات المهلكة السم والعقارب الجرارات وغيرها وذوات الأربع والأربعين رجلا ومن لدغ الرتيلاء والعظايات مجرب ليس له مثل ثم ساق مفرداته وصورة تركيبه في كتابه المسمى بمادة البقاء ولما كان بمصر صنف جوارشن وركبه وسماه مفتاح السرور من كل الهموم ومفرح النفس ألفه لبعض إخوانه بمصر وذكر صورة تركبيه وأسماء مفرداته غير أنه ركبه بمصر وسماها الفسطاط اسمها الأول في زمن عمرو بن العاص عند افتتاحها وذلك مذكور في كتابه مادة البقاء وكان التميمي هذا موجودا بمصر في سنة سبعين وثلاثمائة وللتميمي من الكتب رسالة إلى ابنه علي بن محمد في صنعة الترياق الفاروق والتنبيه على ما يغلظ فيه من أدويته ونعت أشجاره الصحيحة وأوقات جمعها وكيفية عجنه وذكر منافعه وتجربته كتاب آخر في الترياق وقد استوعب فيه تكميل أدويته وتحرير منافعه كتاب مختصر في الترياق كتاب في مادة البقاء بإصلاح فساد الهواء والتحرر من ضرر الأوباء صنفه للوزير أبي الفرج يعقوب بن كلس بمصر مقالة في ماهية الرمد وأنواعه وأسبابه وعلاجه كتاب الفاحص والأخبار سهلان هو أبو الحسن سهلان بن عثمان بن كيسان كان طبيبا نصرانيا من أهل مصر ينتحل رأي الفرقة الملكية وخدم الخلفاء المصريين وارتفع جاهه في الأيام العزيزية ولم يزل مرتفع الذكر محروس الجانب
548 مقتنيا للمال الجزيل إلى أن توفي بمصر في أيام العزيز بالله في يوم السبت لخمس بقين من ذي الحجة سنة ثمانين وثلاثمائة وأخرج يوم الأحد بعد صلاة الظهر إلى كنيسة الروم بقصر الشمع فأخذ بجنازته من داره على النخاسين على الجامع العتيق على المربعة إلى حمام الغارو بين يديه خمسون شمعة موقودة وعلى تابوته ثوب مثقل وخلف جنازته المطران أخو السيد وأبو الفتح منصور بن مقشر طبيب الخاص مشاة وسائر النصارى تبع لهم ثم أخرج من الكنيسة بعد أن قسس عليه بقية ليلتهم إلى دير القصير فدفن هناك عند قبر أخيه كيسان بن عثمان بن كيسان ولم يعترض العزيز لتركته ولا ترك أحدا يمد يده إليها على كثرتها أبو الفتح منصور بن سهلان بن مقشر كان طبيبا نصرانيا مشهورا وله دراية وخبرة بصناعة الطب وكان طبيب الحاكم بأمر الله ومن الخواص عنده وكان العزيز أيضا يستطبه ويرى له ويحترمه وكان متقدما في الدولة وتوفي في أيام الحاكم واستطب الحاكم بعده إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس ومات إسحاق بن نسطاس أيضا في أيام الحاكم بعد ذلك عمار بن علي الموصلي كان كحالا مشهورا ومعالجا مذكورا له خبرة بمداواة أمراض العين ودربة بأعمال الحديد وكان قد سافر إلى مصر وأقام بها وكان في أيام الحاكم ولعمار بن علي من الكتب كتاب المنتخب في علم العين وعللها ومداواتها بالأدوية والحديد ألفه للحاكم الحقير النافع كان هذا من أهل مصر يهودي النحلة في زمن الحاكم وكان طبيبا جرائحيا حسن المعالجة ومن ظريف أمره أنه كان يرتزق بصناعة مداواة الجراح وهو في غاية الخمول وأتفق أن عرض لرجل الحاكم عقر أزمن ولم يبرأ وكان ابن مقشر طبيب الحاكم والحظي عنده وغيره من أطباء الخاص المشاركين له يتولون علاجه فلا يؤثر ذلك الأشرافي العقر فأحضر له هذا اليهودي المذكور فلما رآه طرح عليه دواء يابسا فنشفه وشفاه في ثلاثة أيام فأطلق له ألف دينار وخلع عليه ولقبه بالحقير النافع وجعله من أطباء الخاص أبو بشر طبيب العظيمية كان في أيام الحاكم مشهورا في الدولة ويعد من الأفاضل في صناعة الطب
549 ابن مقشر الطبيب كان من الأطباء المشهورين والعلماء المذكورين مكينا في الدولة حظيا عند الحاكم وكان يعتمد عليه في صناعة الطب وقال عبيد الله بن جبرئيل أن ابن مقشر الطبيب كان في خدمة الحاكم وبلغ معه أعلى المنازل وأسناها وكان له منه الصلات الكثيرة والعطايا العظيمة قال ولما مرض ابن مقشر الطبيب عاده الحاكم بنفسه ولما مات أطلق لمخلفيه مالا وافرا علي بن سليمان كان طبيبا فاضلا متقنا للحكمة والعلوم الرياضية متميزا في صناعة الطب أوحد في أحكام النجوم وكان في أيام العزيز بالله وولده الحاكم ولحق أيام الظاهر لإعزاز دين الله ولد الحاكم ولعلي بن سليمان من الكتب اختصار كتاب الحلوى في الطب كتاب الأمثلة والتجارب والأخبار والنكت والخواص الطبية المنتزعة من كتب أبقراط وجالينوس وغيرهما تذكرة له ورياضة ووجدت هذا الكتاب بخطه أربع مجلدات وقد ذكر فيه أنه ابتدأ بتأليفه في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة بالقاهرة كتاب التعاليق الفلسفية ووجدته أيضا بخطه وهو يقول فيه أنه ابتدأ بتصنيفه بحلب في سنة إحدى عشرة وأربعمائة مقالة في أن قبول الجسم التجزؤ لا يقف ولا ينتهي إلى ما لا يتجزأ وتعديد شكوك تلزم مقالة أرسطوطاليس في الإبصار وتعديد شكوك في كواكب الذنب ابن الهيثم هو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم أصله من البصرة ثم انتقل إلى الديار المصرية وأقام بها إلى آخر عمره وكان فاضل النفس قوي الذكاء متفننا في العلوم لم يماثله أحد من أهل زمانه في العلم الرياضي ولا يقرب منه وكان دائم الاشتغال كثير التصنيف وافر التزهد محبا للخير وقد لخص كثيرا من كتب أرسطوطاليس وشرحها وكذلك لخص كثيرا من كتب جالينوس في الطب وكان خبيرا بأصول صناعة الطب وقوانينها وأمورها الكلية إلا أنه لم يباشر أعمالها ولم تكن له دربة بالمداواة وتصانيفه كثيرة الإفادة وكان حسن الخط جيد المعرفة بالعربية وحدثني الشيخ علم الدين بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الحنفي المهندس قال كان ابن الهيثم في أول أمره بالبصرة ونواحيها قد وزر وكانت نفسه تميل إلى الفضائل والحكمة والنظر فيها ويشتهي أن يتجرد عن الشواغل التي تمنعه من النظر في العلم فأظهر خبالا في عقله وتغيرا في تصوره
550 وبقي كذلك مدة حتى مكن من تبطيل الخدمة وصرف من النظر الذي كان في يده ثم إنه سافر إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة في الجامع الأزهر بها وكان يكتب في كل سنة إقليدس والمجسطي ويبيعهما ويقتات من ذلك الثمن ولم تزل هذه حاله إلى أن توفي رحمه الله ووجدت الصاحب جمال الدين أبا الحسن بن القفطي قد ذكر أيضا عن ابن الهيثم ما هذا نصه قال أنه بلغ الحاكم صاحب مصر من العلويين وكان يميل إلى الحكمة خبره وما هو عليه من الإتقان لهذا الشأن فتاقت نفسه إلى رؤيته ثم نقل له عنه أنه قال لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص فقد بلغني أنه ينحدر على موضع عال هو في طرف الإقليم المصري فازداد الحاكم إليه شوقا وسير إليه سرا جملة من المال وأرغبه في الحضور فسار نحو مصر ولما وصلها خرج الحاكم للقائه والتقيا بقرية على باب القاهرة المعزية تعرف بالخندق وأمر بإنزاله وإكرامه واحترامه وأقام ريثما استراح وطالبه بما وعد به من أمر النيل فسار ومعه جماعة من الصناع المتولين للعمارة بأيديهم ليستعين بهم على هندسته التي خطرت له ولما سار إلى الإقليم بطوله ورأى آثار من تقدم من ساكنيه من الأمم الخالية وهي على غاية من أحكام الصنعة وجودة الهندسة وما اشتملت عليه من أشكال سماوية ومقالات هندسية وتصوير معجزة تحقق أن الذي يقصده ليس بممكن فإن من تقدمه في الصدور الخالية لم يغرب عنهم علم ما عمله ولو أمكن لفعلوه فانكسرت همته ووقف خاطره ووصل إلى الموضع المعروف بالجنادل قبلي مدينة أسوان وهو موضع مرتفع ينحدر منه النيل فعاينه وباشره واختبره من جانبيه فوجد أمره لا يمشي على موافقة مراده وتحقق الخطأ والغلبة عما وعد به وعاد خجلا ومنخذلا واعتذر بما قبل الحاكم ظاهره ووافقه عليه ثم إن الحاكم ولاه بعض الدواوين فتولاها رهبة لا رغبة وتحقق الغلط في الولاية فإن الحاكم كان كثير الاستحالة مريقا للدماء بغير سبب أو بأضعف سبب من خيال يتخيله فأجال فكرته في أمر يتخلص به فلم يجد طريقا إلى ذلك إلا إظهار الجنون والخبال فاعتمد ذلك وشاع فأحيط على موجوده له بيد الحاكم ونوابه وجعل برسمه من يخدمه ويقوم بمصالحه وقيد وترك في موضع من منزله ولم يزل على ذلك إلى أن تحقق وفاة الحاكم وبعد ذلك بيسير أظهر العقل وعاد إلى ما كان عليه وخرج عن داره واستوطن قبة على باب الجامع الأزهر أحد جوامع القاهرة وأقام بها متنسكا متعزيا مقتنعا وأعيد إليه ماله من تحت يد الحاكم واشتغل بالتصنيف والنسخ والإفادة وكان له خط قاعدته في غاية الصحة كتب به الكثير من علوم الرياضة قال وذكر لي يوسف الفاسي الإسرائيلي الحكيم بحلب قال سمعت أن ابن الهيثم كان ينسخ في مدة سنة ثلاثة كتب في ضمن اشتغاله وهي أقليدس والمتوسطات والمجسطي ويستكملها في مدة السنة فإذا شرع في نسخها جاءه من يعطيه فيها مائة وخمسين دينارا مصرية وصار ذلك
551 كالرسم الذي لا يحتاج فيه إلى مواكسة ولا معاودة قول فيجعلها مؤونته لسنته ولم يزل على ذلك إلى أن مات بالقاهرة في حدود سنة ثلاثين وأربعمائة أو بعدها بقليل والله أعلم أقول ونقلت من خط ابن الهيثم في مقالة له فيما صنعه وصنفه من علوم الأوائل إلى آخر سنة سبع عشرة وأربعمائة لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم الواقع في شهور سنة ثلاث وستين الهلالية من عمره ما هذا نصه قال إني لم أزل منذ عهد الصبا مرتابا في اعتقادات هذه الناس المختلفة وتمسك كل فرقة منهم بما تعتقده من الرأي فكنت متشككا في جميعه موقنا بأن الحق واحد وأن الاختلاف فيه إنما هو من جهة السلوك إليه فلما كملت لإدراك الأمور العقلية انقطعت إلى طلب معدن الحق ووجهت رغبتي وحدسي إلى إدراك ما به تنكشف تمويهات الظنون وتنقشع غيابات المتشكك المفتون وبعثت عزيمتي إلى تحصيل الرأي المقرب إلى الله جل ثناؤه المؤدي إلى رضاه الهادي لطاعته وتقواه فكنت كما قال جالينوس في المقالة السابعة من كتابه في حيلة البرء يخاطب تلميذه لست أعلم كيف تهيأ لي منذ صباي أم شئت قلت باتفاق عجيب وإن شئت قلت بإلهام من الله وإن شئت قلت بالجنون أو كيف شئت أن تنسب ذلك أني ازدريت عوام الناس واستخففت بهم ولم ألتفت إليهم واشتهيت إيثار الحق وطلب العلم واستقر عندي أنه ليس ينال الناس من الدنيا أشياء أجود ولا أشد قربة إلى الله من هذين الأمرين قال محمد بن الحسن فخضت لذلك في ضروب الآراء والاعتقادات وأنواع علوم الديانات فلم أحظ من شيء منها بطائل ولا عرفت منه للحق منهجا ولا إلى الرأي اليقيني مسلكا مجددا فرأيت أنني لا أصل إلى الحق إلا من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية وصورتها الأمور العقلية فلم أجد ذلك إلا فيما قرره أرسطوطاليس من علوم المنطق والطبيعيات والإلهيات التي هي ذات الفلسفة وطبيعتها وحين بدأ بتقرير الأمور الكلية والجزئية والعامية والخاصية ثم تلاه بتقرير الألفاظ المنطقية وتقسيمها إلى أجناسها الأوائل ثم أتبعه بذكر المعاني التي تتركب مع الألفاظ فيكون منها الكلام المفهوم المعلوم ثم أفرد من ذلك الأخبار التي هي عنصر القياس ومادته فقسمها إلى أقسامها وذكر فصولها وخواصها التي تميزها بعضها من بعض ويلزم منه صدقها وكذبها ويعرض معه اتفاقها واختلافها وتضادها وتناقضها ثم ذكر بعد ذلك القياس فقسم مقدماته وشكل أشكاله ونوع تلك الأشكال وميز من الأنواع ما لا يلزم دائما نظاما واحدا وأفردها مما يلزم أدبا نظاما واحدا ثم ذكر النتائج التي تلزم منها مع اقترانات عناصر الأمور التي هي الواجب والممكن والممتنع وبين وجوه اكتساب مقدمات القياس الضرورية والإقناعية وما هو من جهة الأولى والأشبه والأكثر وما يلزم من جهة العادات والاصطلاحات وسائر الأمور القياسية وذكر صور القياس وفصل فصوله ونوع أنواعه ثم ختم ذلك بذكر طبيعة البرهان وشرح مواده وأوضح صوره وبين الشبه المغلطة فيه وكشف عن مستوره وخافيه ثم تلا ذلك بالكلام في الصناعات الأربع الجدلية والمرائية والخطبية والشعرية فأوضح من ذلك ما
552 يكون سببا مميزا لصناعة البرهان من هذه الصناعات الأربع وفصلا فاصلا لها من جنسها ثم أخذ بعد ذلك في شرح الأمور الطبيعية فبدأ في ذلك بكتابه في السماع الطبيعي فقرر فيه الأمور المعلومة بالطبع التي لا تحتاج إلى برهان إنما يؤخذ من الاستقرار والقسمة والتحليل وبرهن على بطلان الاعتراضات فيها وكشف عن أغلاط من شك في شيء منها وكان مجمل كلامه في ذلك على ستة أمور المبادئ الكونية والطبيعية والمكان والخلاء وما لا نهاية له والزمان والحركة والمحرك الأول ثم أتبع ذلك بكتابه في الكون والفساد فأوضح فيه قبول العالم الأرضي الكون والفساد ثم تلاه بكتابه في الآثار والعلوية وهي التي تعرض في الجو كالسحاب والضباب والرياح والأمطار والرعد والبرق الصواعق وسائر ما يكون من أنواع ذلك وذكر في آخره أمور المعدنيات وأسباب كونها ثم أتبعه بكتابه في النبات والحيوان فذكر ضروب النبات والحيوان وطبائعهما وفصولهما وأنواعهما وخواصهما وأعراضهما ثم أتبع ذلك بكتابه في السماء والعالم فأبان عن طبيعة العالم وذاتيته واتصال القوة الإلهية به ثم والاه بكتابه في النفس فتكلم على رأيه في النفس ونقض آراء جميع من قال فيها قولا يخالف قوله واعتقد في ذاتيتها اعتقادا غير اعتقاده وقسمها إلى الغاذية والحاسة والعاقلة وذكر أحوال الغاذية وشرح أمور الحواس وفصل أسباب العقل فذكر من ذلك ما كشف كل مستور وأوضح عن كل خفي ثم ختم جميع ذلك بكتابه فيما بعد الطبيعة وهو كتابه في الإلهيات فبين فيه أن الإله واحد وإنه حكيم لا يجهل وقادر لا يعجز وجواد لا يبخل فأحكم الأصول التي فيها يسلك إلى الحق فيدرك طبيعته وجوهره وتوحيد ذاته وماهيته فلما تبينت ذلك أفرغت وسعي في طلب علوم الفلسفة وهي ثلاثة علوم رياضية وطبيعية وإلهية فتعلقت من هذه الأمور الثلاثة بالأصول والمبادئ التي ملكت بها فروعها وتوقلت بأحكامها من حيث انخفاضها وعلوها ثم إني رأيت طبيعة الإنسان قابلة للفساد متهيئة إلى الفناء والنفاد وأنه من حدة الشباب وعنفوان الحداثة تملك على فكرة طاعة التصور لهذه الأصول فإذا صار إلى سن الشيخوخة وأوان الهرم قصرت طبيعته وعجزت قوته الناطقة مع إخلاق آلتها وفسادها عن القيام بما كانت تقوم به من ذلك فشرحت ولخصت واختصرت من هذه الأصول الثلاثة ما أحاط فكري بتصوره ووقف تمييزي على تدبره وصنفت من فروعها ما جرى مجرى الإيضاح والإفصاح عن غوامض هذه الأمور الثلاثة إلى وقت قولي هذا وهو ذو الحجة سنة سبع عشرة وأربعمائة لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ما مدت لي الحياة باذل جهدي ومستفرغ قوتي في مثل ذلك توخيا به أمورا ثلاثة أحدها إفادة من يطلب الحق ويؤثره في حياتي وبعد وفاتي والآخر إني جعلت ذلك ارتياضا لي بهذه الأمور في إثبات ما تصوره وأتقنه فكري من تلك العلوم والثالث إني صيرته ذخيرة وعدة لزمان الشيخوخة وأوان الهرم فكنت في ذلك كما قال جالينوس في المقالة السابعة من كتابه في حيلة البرء إنما قصدت وأقصد في وضع ما وضعته وأضعه من الكتب إلى أحد أمرين إما إلى نفع رجل أفيده إياه وإما أن أتعجل أنا في ذلك رياضة أروض بها نفسي في وقت وضعي إياه وأجعله
553 ذخيرة لوقت الشيخوخة قال محمد بن الحسن وأنا أشرح ما صنعته في الأصول الثلاثة ليوقف منه على موضع عنايتي بطلب الحق وحرصي على إدراكه وتعلم حقيقة ما ذكرته من عزوف نفسي عن مماثلة العوام الرعاع والأغبياء وسموها إلى مشابهة أولياء الله الأخيار الأتقياء فما صنعته في العلوم الرياضية خمسة وعشرون كتابا أحدها شرح أصول أقليدس في الهندسة والعدد وتلخيصه والثاني كتاب جمعت فيه الأصول الهندسية والعددية من كتاب إقليدس وأبلونيوس ونوعت فيه الأصول وقسمتها وبرهنت عليها ببراهين نظمتها من الأمور التعليمية والحسية والمنطقية حتى انتظم ذلك مع انتقاض توالي إقليدس وأبلونيوس والثالث شرح المجسطي وتلخيصه شرحا وتلخيصا برهانيا لم أخرج منه شيئا إلى الحساب إلا اليسير وإن أخر الله في الأجل وأمكن الزمان من الفراغ استأنفت الشرح المستقصي لذلك الذي أخرجه به إلى الأمور العددية والحسابية والرابع الكتاب الجامع في أصول الحساب وهو كتاب استخرجت أصوله لجميع أنواع الحساب من أوضاع إقليدس في أصول الهندسة والعدد وجعلت السلوك في استخراج المسائل الحسابية بجهتي التحليل الهندسي والتقدير العددي وعدلت فيه عن أوضاع الجبريين وألفاظهم والخامس كتاب لخصت فيه علم المناظر من كتابي إقليدس وبطلموس وتممته بمعاني المقالة الأولى المفقودة من كتاب بطليموس والسادس كتاب في تحليل المسائل الهندسية والسابع كتاب في تحليل المسائل العددية بجهة الجبر والمقابلة مبرهنا والثامن كتاب جمعت فيه القول على تحليل المسائل الهندسية والعددية جميعا لكن القول على المسائل العددية غير مبرهن بل هو موضوع على أصول الجبر والمقابلة والتاسع كتاب في المساحة على جهة الأصول والعاشر كتاب في حساب المعاملات والحادي عشر مقالة في إجارات الحفور والأبنية بجميع الأشكال الهندسية حتى بلغت في ذلك إلى أشكال قطوع المخروط الثلاثة المكافئ والزائد والناقص والثاني عشر تلخيص مقالات أبلونيوس في قطوع المخروطات والثالث عشر مقالة في الحساب الهندي والرابع عشر مقالة في استخراج سمت القبلة في جميع المسكونة بجداول وضعتها ولم أورد البرهان على ذلك
554 والخامس عشر مقالة فيما تدعو إليه حاجة الأمور الشرعية من الأمور الهندسية ولا يستغنى عنه بشيء سواه والسادس عشر رسالة إلى بعض الرؤساء في الحث على عمل الرصد النجومي والسابع عشر كتاب في المدخل إلى الأمور الهندسية والثامن عش مقالة في انتزاع البرهان على أن القطع الزائد والخطان اللذان لا يلقيانه يقتربان أبدا ولا يلتقيان والتاسع عشر أجوبة سبع مسائل تعليمية سئلت عنها ببغداد فأجبت والعشرون كتاب في التحليل والتركيب الهندسيين على جهة التمثيل للمتعلمين وهو مجموع مسائل هندسية وعددية حللتها وركبتها والحادي والعشرون كتاب في آلة الظل اختصرته ولخصته من كتاب إبراهيم بن سنان في ذلك والثاني والعشرون مقالة في استخراج ما بين بلدين في البعد بجهة الأمور الهندسية والثالث والعشرون مقالة في أصول المسائل العددية الصم وتحليلها والرابع والعشرون مقالة في حل شك ردا على إقليدس في المقالة الخامسة من كتابه في الأصول الرياضية والخامس والعشرون رسالة في برهان الشكل الذي قدمه أرشميدس في قسمة الزاوية ثلاثة أقسام ولم يبرهن عليه ومما صنعته من العلوم الطبيعية والإلهية أربعة وأربعون كتابا أحدها تلخيص مدخل فرفوريوس وكتب أرسطوطاليس الأربعة المنطقية والآخر اختصار تلخيص مدخل فرفوريوس وكتب أرسطوطاليس السبعة المنطقية والثالث رسالة في صناعة الشعر ممتزجة من اليوناني والعربي والرابع تلخيص كتاب النفس لأرسطوطاليس وإن أخر الله في الأجل وأمكن الزمان من الفراغ والتشاغل بالعلم لخصت كتابيه في السماع الطبيعي والسماء والعالم والخامس مقالة في مشاكلة العالم الجزئي وهو الإنسان للعالم الكلي والسادس مقالتان في القياس وشبهه والسابع مقالة في البرهان والثامن مقالة في العالم من جهة مبدئه وطبيعته وكماله والتاسع مقالة في المبادئ والموجودات والعاشر مقالة في هيئة العالم
555 والحادي عشر كتاب في الرد على يحيى النحوي وما نقضه على أرسطوطاليس وغيره من أقوالهم في السماء والعالم والثاني عشر رسالة إلى بعض من نظر في هذا النقض فشك في معان منه في حل شكوكه ومعرفة ذلك من فهمه والثالث عشر كتاب في الرد على أبي الحسن علي بن العباس بن فسا نجس نقضه آراء المنجمين والرابع عشر جواب ما أجاب به أبو الحسن بن فسا نجس نقض من عارضه في كلامه على المنجمين والخامس عشر مقالة في الفضل والفاضل والسادس عشر مقالة في تشويق الإنسان إلى الموت بحسب كلام الأوائل والسابع عشر رسالة أخرى في هذا المعنى بحسب كلام المحدثين والثامن عشر رسالة في بطلان ما يراه المتكلمون من أن الله لم يزل غير فاعل ثم فعل والتاسع عشر مقالة في خارج السماء لا فراغ ولا ملاء والعشرون مقالة في الرد على أبي هاشم رئيس المعتزلة ما تكلم به على جوامع كتاب السماء والعالم لأرسطوطاليس والحادي والعشرون قول في تباين مذهبي الجبريين والمنجمين والثاني والعشرون تلخيص المسائل الطبيعية لأرسطوطاليس والثالث والعشرون رسالة في تفضيل الأهواز على بغداد من جهة الأمور الطبيعية والرابع والعشرون رسالة إلى كافة أهل العلم في معنى مشاغب شاغبه والخامس والعشرون مقالة في أن جهة إدراك الحقائق جهة واحدة والسادس والعشرون مقالة في أن البرهان معنى واحد وإنما يستعمل صناعيا في الأمور الهندسية وكلاميا في الأمور الطبيعية والإلهية والسابع والعشرون مقالة في طبيعتي الألم واللذة والثامن والعشرون مقالة في طبائع اللذات الثلاث الحسية والنطقية والمعادلة والتاسع والعشرون مقالة في اتفاق الحيوان الناطق على الصواب مع اختلافهم في المقاصد والأغراض والثلاثون رسالة في أن برهان الخلف يصير برهان استقامة بحدود واحدة والحادي والثلاثون كتاب في تثبيت أحكام النجوم بجهة البرهان والثاني والثلاثون رسالة في الأعمار والآجال الكونية والثالث والثلاثون رسالة في طبيعة العقل والرابع والثلاثون كتاب في النقض على من رأى أن الأدلة متكافئة والخامس والثلاثون قول في إثبات عنصر الامتناع والسادس والثلاثون نقض جواب مسألة سئل عنها بعض المعتزلة بالبصرة
556 والسابع والثلاثون كتاب في صناعة الكتابة على أوضاع الأوائل وأصولهم والثامن والثلاثون عهد إلى الكتاب والتاسع والثلاثون مقالة في أن فاعل هذا العالم إنما يعلم ذاته من جهة فعله والأربعون جواب قول لبعض المنطقيين في معان خالف فيها من الأمور الطبيعية والحادي والأربعون رسالة في تلخيص جوهر النفس الكلية والثاني والأربعون في تحقيق رأي أرسطوطاليس أن القوة المدبرة هي من بدن الإنسان في القلب منه والثالث والأربعون رسالة في جواب مسألة سئل عنها ابن السمع البغدادي المنطقي فلم يجب عنها جوابا مقنعا والرابع والأربعون كتاب في تقويم الصناعة الطبية نظمته من جمل وجوامع ما نظرت فيه من كتب جالينوس وهو ثلاثون كتابا كتابه في البرهان كتابه في فرق الطب كتابه في الصناعة الصغيرة كتابه في التشريح كتابه في القوى الطبيعية كتابه في منافع الأعضاء كتابه في آراء أبقراط وأفلاطن كتابه في المني كتابه في الصوت كتابه في العلل والأعراض كتابه في أصناف الحميات كتابه في البحران كتابه في النبض الكبير كتابه في الاسطقسات على رأي أبقراط كتابه في المزاج كتابه في قوى الأدوية المفردة كتابه في قوى الأدوية المركبة كتابه في مواضع الأعضاء الآلية كتابه في حيلة البرء كتابه في حفظ الصحة كتابه في جودة الكيموس ورداءته كلامه في أمراض العين كتابه في أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن كتابه في سوء المزاج المختلف كتابه في أيام البحران كتابه في الكثرة كتابه في استعمال الفصد لشفاء الأمراض كتابه في الذبول كتابه في أفضل هيئات البدن جمع حنين بن إسحاق من كلام جالينوس وكلام أبقراط في الأغذية ثم شفعت جميع ما صنعته من علوم الأوائل برسالة بينت فيها أن جميع الأمور الدنيوية والدينية هي نتائج العلوم الفلسفية وكانت هذه الرسالة هي المتممة لعدد أقوالي في هذه العلوم بالقول السبعين وذلك سوى رسائل ومصنفات عدة حصلت لي في أيدي جماعة من الناس بالبصرة والأهواز ضاعت دساتيرها وقطع الشغل بأمور الدنيا وعوارض الأسفار عن نسخها وكثيرا ما يعرض ذلك للعلماء فقد اتفق مثله لجالينوس حتى ذكر ذلك في بعض كتبه فقال وقد صنفت كتبا كثيرة دفعت دساتيرها إلى جماعة من أخواني وقطعني الشغل والسفر عن نسخها حتى خرجت إلى الناس من جهتهم قال محمد بن الحسن وإن أطال الله لي في مدة الحياة وفسح في العمر صنفت وشرحت ولخصت من هذه العلوم أشياء كثيرة تترد في نفسي ويبعثني ويحثني على إخراجها إلي فكري والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريده وبيده مقاليد كل شيء وهو المبدئ المعيد وهذا ما وجب أن أذكره في معنى ما صنعنه واختصرته من علوم الأوائل قصدت به مذاكرة الحكماء
557 الأفاضل والعقلاء الأماثل من الناس كالذي يقول (رب ميت قد صار بالعلم حيا * ومبقى قد مات جهلا وغيا) (فاقتنوا العلم كي تنالوا خلودا * لا تعدوا البقاء في الجهل شيا) الخفيف وهذان البيتان هما لأبي القاسم بن الوزير أبي الحسن علي بن عيسى رضي الله عنهما وكان فيلسوفا قالهما ووصى بأن يكتبا على قبره لم أقصد به مخاطبة جميع الناس لا غير الفاضل منهم وقلت في ذلك كما قال جالينوس في كتابه في النبض الكبير ليس خطابي في هذا الكتاب لجميع الناس بل خطابي لرجل منهم يوازي ألوف رجال بل عشرات ألوف رجال إذ كان الحق ليس هو بأن يدركه الكثير من الناس لكن هو بأن يدركه الفهم الفاضل منهم ليعرفوا رتبتي في هذه العلوم ويتحققوا منزلتي من إيثار الحق جل وعلا من طلب القربة إلى الله في إدراك العلوم والمعارف النفسية ويعلموا تحققي بفعل ما فرضته هذه العلوم علي من ملابسة الأمور الدنيوية وكلية الخير ومجانية كلية الشر فيها فإن ثمرة هذه العلوم هو علم الحق والعمل بالعدل في جميع الأمور الدينوية والعدل هو محض الخير الذي يفعله يفوز أين العالم الأرضي وبنعيم الآخرة السماوي ويعتاض عن صعوبة ما يلقاه بذلك مدة البقاء المنقطع في دار الدنيا دوام الحياة منعما في الدار الأخرى وإلى الله تعالى أرغب في توفيقي لما فزت إليه وأزلف لديه أقول وكان تاريخ كتابة ابن الهيثم لهذه الرسالة في ذي الحجة سنة سبع عشرة وأربعمائة وكان تلوها أيضا بخطه ما هذا مثاله ما صنعه محمد بن الحسن بن الهيثم بعد ذلك إلى سلخ جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وأربعمائة تلخيص السماع الطبيعي لأرسطوطاليس مقالة لمحمد بن الحسن في المكان والزمان على ما وجده يلزم رأي أرسطوطاليس فيهما رسالة إلى أبي الفرج عبد الله بن الطيب البغدادي المنطقي في عدة معان من العلوم الطبيعية والإلهية نقض محمد بن الحسن علي أبي بكر الرازي المتطبب رأيه في الإلهيات والنبؤات مقالة له في أبطال رأي من يرى أن العظام مركبة من أجزاء كل جزء منها لا جزء له مقالة له في عمل الرصد من دائرة أفق بلد معلوم العرض كتاب له في إثبات النبوات وإيضاح فساد رأي الذين يعتقدون بطلانها وذكر الفرق بين النبي والمتنبي مقالة لمحمد بن الحسن في إيضاح تقصير أبي علي الحياتي في نقضه بعض كتب ابن الراوندي ولزومه ما ألزمه إياه ابن الراوندي بحسب أصوله وإيضاح الرأي الذي لا يلزم معه اعتراضات ابن الراوندي رسالة له في تأثيرات اللحون الموسيقية في النفوس الحيوانية مقالة في أن الدليل الذي يستدل به المتكلمون على حدوث العالم دليل فاسد والاستدلال على حدوث العالم بالبرهان الاضطراري والقياس الحقيقي مقالة له يرد فيها على المعتزلة رأيهم في حدوث صفات الله تبارك وتعالى رسالة له في الرد على المعتزلة رأيهم في الوعيد جواب له عن مسألة هندسية سئل عنها ببغداد في شهور سنة ثمان عشرة وأربعمائة
558 مقالة ثانية لمحمد بن الحسن في إبانة الغلط ممن قضى أن الله لم يزل غير فاعل من فعل مقالة في أبعاد الأجرام السماوية وأقدار أعظامها تلخيص كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الحيوان وبعد ذلك مقالة في المرايا المحرقة مفردة عما ذكرته من ذلك في تلخيص كتابي إقليدس وبطلميوس في المناظر كتاب في استخراج الجزء العملي من كتاب المجسطي مقالة في جوهر البصر وكيفية وقوع الأبصار به مقالة في الرد على أبي الفرج عبد الله بن الطيب رأيه المخالف به لرأي جالينوس في القوى الطبيعية في بدن الإنسان أقول وهذا آخر ما وجدته من ذلك بخط محمد بن الحسن بن الهيثم المصنف رحمه الله وهذا أيضا فهرست وجدته لكتب ابن الهيثم إلى آخر سنة تسع وعشرين وأربعمائة مقالة في هيئة العالم مقالة في شرح مصادرات كتاب إقليدس كتاب في المناظر سبع مقالات مقالة في كيفية الأرصاد مقالة في الكواكب الحادثة في الجو مقالة في ضوء القمر مقالة في سمت القبلة بالحساب مقالة في قوس قزح والهالة مقالة فيما يعرض من الاختلاف في ارتفاعات الكواكب مقالة في حساب المعاملات مقالة في الرخامة الأفقية مقالة في رؤية الكواكب كتاب في بركار القطوع مقالتان مقالة في مراكز الأثقال مقالة في أصول المساحة مقالة في مساحة الكرة مقالة في مساحة المجسم المكافئ مقالة في المرايا المحرقة بالدوائر مقالة في المرايا المحرقة بالقطوع مقالة مختصرة في الأشكال الهلالية مقالة مستقصاة في الأشكال الهلالية مقالة مختصرة في بركار الدوائر العظام مقالة مشروحة في بركار الدوائر العظام مقالة في السمت مقالة في التنبيه على مواضع الغلط في كيفية الرصد مقالة في أن الكرة أوسع الأشكال المجسمة التي أحاطتها متساوية وأن الدائرة أوسع الأشكال المسطحة التي أحاطتها متساوية مقالة في المناظر على طريقة بطلميوس كتاب في تصحيح الأعمال النجومية مقالتان مقالة في استخراج أربعة خطوط بين خطين مقالة في تربيع الدائرة مقالة في استخراج خط نصف النهار على غاية التحقيق قول في جميع الأجزاء مقالة في خواص القطع المكافئ مقالة في خواص القطع الزائد مقالة في نسب القسي الزمانية إلى ارتفاعها مقالة في كيفية الأظلال مقالة في أن ما يرى من السماء هو أكثر من نصفها مقالة في حل شكوك المقالة الأولى من كتاب المجسطي يشكك فيها بعض أهل العلم مقالة في حل شك في مجسمات كتاب إقليدس قول في قسمة المقدارين المختلفين المذكورين في الشكل الأول من المقالة العاشرة من كتاب إقليدس مسألة في اختلاف النظر قول في استخراج مقدمة ضلع المسبع قول في قسمة الخط الذي استعمله أرشميدس في كتاب الكرة والأسطوانة قول في استخراج خط نصف النهار بظل واحد مقالة في عمل مخمس في مربع مقالة في المجرة مقالة في استخراج ضلع المكعب مقالة في أضواء الكواكب مقالة في الأثر الذي في القمر قول في مسألة عددية مقالة في أعداد الوفق مقالة في الكرة المتحركة على السطح مقالة في التحليل والتركيب مقالة في المعلومات قول في حل شك في المقالة الثانية عشرة من كتاب إقليدس مقالة في حل شكوك المقالة الأولى من كتاب إقليدس مقالة في حساب الخطأين قول في جواب مسألة في المساحة
559 مقالة مختصرة في سمت القبلة مقالة في الضوء مقالة في حركة الالتفاف مقالة في الرد على من خالفه في ماهية المجرة مقالة في حل شكوك حركة الالتفاف مقالة في الشكوك على بطلميوس مقالة في الجزء الذي لا يتجزأ مقالة في خطوط الساعات مقالة في القرسطون مقالة في المكان قول في استخراج أعمدة الجبال مقالة في علل الحساب الهندي مقالة في أعمدة المثلثات مقالة في خواص الدوائر مقالة في شكل بني موسى مقالة في عمل المسبع في الدائرة مقالة في استخراج ارتفاع القطب على غاية التحقيق مقالة في عمل البنكام مقالة في الكرة المحرقة قول في مسألة عددية مجسمة قول في مسألة هندسية مقالة في صورة الكسوف مقالة في أعظم الخطوط التي تقع في قطعة الدائرة مقالة في حركة القمر مقالة في مسائل التلاقي مقالة في شرح الأرثماطيقي على طريق التعليق مقالة في شرح القانون على طريق التعليق مقالة في شرح الرومنطيقي على طريق التعليق قول في قسمة المنحرف الكلي مقالة في الأخلاق مقالة في آداب الكتاب كتاب في السياسة خمس مقالات تعليق علقه إسحق بن يونس المتطبب بمصر عن ابن الهيثم في كتاب ديوفنطس في مسائل الجبر قول في استخراج مسألة عددية المبشر بن فاتك هو الأمير محمود الدولة أبو الوفاء المبشر بن فاتك الآمري من أعيان أمراء مصر وأفاضل علمائها دائم الاشتغال محب للفضائل والاجتماع بأهلها ومباحثتهم والانتفاع بما يقتبسه من جهتهم وكان ممن اجتمع به منهم وأخذ عنه كثيرا من علوم الهيئة والعلوم الرياضية أبو محمد بن الحسن بن الهيثم وكذلك أيضا اجتمع بالشيخ أبي الحسين المعروف بابن الآمدي وأخذ عنه كثيرا من العلوم الحكمية واشتغل أيضا بصناعة الطب ولازم أبا الحسن علي بن رضوان الطبيب وللمبشر بن فاتك تصانيف جليلة في المنطق وغيره من أجزاء الحكمة وهي مشهورة فيما بين الحكماء وكان كثير الكتابة وقد وجدت بخطه كتبا كثيرة من تصانيف المتقدمين وكان المبشر بن فاتك قد اقتنى كتبا كثيرة جدا وكثير منها يوجد وقد تغيرت ألوان الورق الذي له بغرق أصابه وحدثني الشيخ سديد الدين المنطقي بمصر قال كان الأمير ابن فاتك محبا لتحصيل العلوم وكانت له خزائن كتب فكان في أكثر أوقاته إذا نزل من الركوب لا يفارقها وليس له دأب إلا المطالعة والكتابة ويرى أن ذلك أهم ما عنده وكانت له زوجة كبيرة القدر أيضا من أرباب الدولة فلما توفي رحمه الله نهضت هي وجوار معها إلى خزائن كتبه وفي قلبها من الكتب وأنه كان يشتغل بها عنها فجعلت تندبه وفي أثناء ذلك ترمي الكتب في بركة ماء كبيرة في وسط الدار هي وجواريها ثم شيلت الكتب بعد ذلك من الماء وقد غرق أكثرها فهذا سبب أن كتب المبشر بن فاتك يوجد كثير منها وهو بهذه الحال
560 أقول وكان من جملة تلاميذ المبشر بن فاتك والأخذين عنه أبو الخير سلامة بن مبارك ابن رحمون وللمبشر بن فاتك من الكتب كتاب الوصايا والأمثال والموجز من محكم الأقوال كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم كتاب البداية في المنطق كتاب في الطب إسحق بن يونس كان طبيبا عالما بالصناعة الطبية عارفا بالعلوم الحكمية جيد الدربة حسن العلاج قرأ الحكمة على ابن السمح وكان مقيما بمصر علي بن رضوان هو أبو الحسن علي بن رضوان بن علي بن جعفر وكان مولده ومنشؤه بمصر وبها تعلم الطب وقد ذكر علي بن رضوان في سيرته من كيفية تعلمه صناعة الطب وأحواله ما هذا نصه قال إنه لما كان ينبغي لكل إنسان أن ينتحل أليق الصنائع به وأوفقها له وكانت صناعة الطب تتاخم الفلسفة طاعة لله عز وجل وكانت دلالات النجوم في مولدي تدل على أن صناعتي الطب وكان العيش عندي في الفضيلة ألذ من كل عيش أخذت في تعلم صناعة الطب وأنا ابن خمس عشرة سنة والأجود أن أقتص إليك أمري كله ولدت بأرض مصر في عرض ثلاثين درجة وطول خمس وخمسين درجة والطالع بزيج يحيى بن أبي منصور الحمل ه لو وعاشرة الجدي ه كح ومواضع الكواكب الشمس بالدلو اه لب والقمر بالعقرب ح يه وعرضه جنوب ح يز وزحل بالقوس كط وللمشتري بالجدي ه كح والمريخ بالدلو كا مح والزهرة بالقوس كد ك وعطارد بالدلو يط وسهم السعادة بالجدي د ه وجزء الاستقبال المتقدم بالسرطان كب ي والجوزهر بالقوس يز يا والذنب بالجوزاء يز ما والنسر الواقع بالجدي ا كب والشعرى العبور بالسرطان يب فلما بلغت السنة السادسة أسلمت نفسي في التعليم ولما بلغت السنة العاشرة انتقلت إلى المدينة العظمى واجهدت نفسي في التعليم ولما أقمت أربع عشرة سنة أخذت في تعلم الطب والفلسفة ولم يكن لي مال انفق منه فلذلك عرض لي في التعلم صعوبة ومشقة فكنت مرة أتكسب بصناعة القضايا بالنجوم ومرة بصناعة الطب ومرة بالتعليم ولم أزل كذلك وأنا في غاية الاجتهاد في التعليم إلى السنة الثانية والثلاثين فإني اشتهرت فيها بالطب وكفاني ما كنت أكسبه بالطب بل وكان يفضل عني إلى وقتي هذا وهو آخر السنة التاسعة والخمسين وكسبت مما فضل عن نفقتي أملاكا في هذه المدينة إن كتب الله عليها السلامة وبلغني سن الشيخوخة كفاني في النفقة عليها وكنت منذ السنة الثانية والثلاثين إلى يومي هذا أعمل تذكرة لي وأغيرها في كل سنة إلى أن قررتها على هذا التقرير الذي أستقبل به السنة الستين من ذلك أتصرف في كل يوم في صناعتي بمقدار ما يغني
561 ومن الرياضة التي تحفظ صحة البدن وأغتذي بعد الاستراحة من الرياضة غذاء أقصد به حفظ الصحة وأجتهد في حال تصرفي في التواضع والمداراة وغياث الملهوف وكشف كربة المكروب وإسعاف المحتاج وأجعل قصدي في كل ذلك الالتذاذ بالأفعال والانفعالات الجميلة ولا بد أن يحصل مع ذلك كسب ما ينفق فأنفق منه على صحة بدني وعمارة منزلي نفقة لا تبلغ التبذير ولا تنحط التقتير وتلزم الحال الوسطى بقدر ما يوجبه التعقل في كل وقت واتفقد آلات منزلي فما يحتاج إلى إصلاح صلحته وما يحتاج إلى بدل بدلته وأعد في منزلي ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والعسل والزيت والحطب وما يحتاج إليه من الثياب فما فضل بعد ذلك كله صرفته في وجوه الجميل والمنافع مثل إعطاء الأهل والأخوان والجيران وعمارة المنزل وما اجتمع من غلة أملاكي أدخرته لعمارتها ومرمتها ولوقت الحاجة إلى مثله وإذا هممت لتجديد أمر مثل تجارة أو بناء أو غير ذلك فرضته مطلوبا وحللته إلى موضوعاته ولوازمها فإن وجدته من الممكن الأكثر بادرت إليه وإن وجدته من الممكن القليل أطرحته وأتعرف ما يمكنني تعريفه من الأمور المزمعة وآخذ له أهبته وأجعل ثيابي مزينة بشعار الأخيار والنظافة وطيب الرائحة وألزم الصمت وكف اللسان عن معايب الناس وأجتهد أن لا أتكلم إلا بما ينبغي وأتوقى الأيمان ومثالب الآراء فأحذر العجب وحب الغلبة وأطرح الهم الحرصي والاغتمام وإن دهمني أمر فادح أسلمت فيه إلى الله تعالى وقابلته بما يوجبه التعقل من غير جبن ولا تهور ومن عاملته عاملته يدا بيد لا أسف ولا أتسلف إلا أن أضطر لذلك وإن طلب مني أحد سلفا وهبت منه ولم أرد منه عوضا وما بقي من يومي بعد فراغي من رياضتي صرفته في عبادة الله سبحانه بأن أتنزه بالنظر في ملكوت السماوات والأرض وتمجيد محكمها وأتدبر مقالة أرسطاطاليس في التدبير وآخذ نفسي بلزوم وصاياها بالغدة والعشي وأتفقد في وقت خلوتي ما سلف في يومي من أفعالي وانفعالاتي فما كان خيرا أو جميلا أو نافعا سررت به وما كان شرا أو قبيحا أو ضارا اغتممت به ووافقت نفسي بأن لا أعود إلى مثله قال وأما الأشياء التي أتنزه فيها فلأني فرضت نزهتي ذكر الله عز وجل وتمجيده بالنظر في ملكوت السماء والأرض وكان قد كتب القدماء والعارفون في ذلك كتبا كثيرة رأيت أن اقتصر منها على ما أنصه من ذلك خمسة كتب من كتب الأدب وعشرة كتب من كتب الشرع وكتب أبقراط وجالينوس في صناعة الطب وما جانسها مثل كتاب الحشائش لديسقوريدس وكتب روفس وأريباسيوس وبولس وكتاب الحاوي للرازي ومن كتب الفلاحة والصيدلة أربعة كتب ومن كتب التعاليم المجسطي ومداخله وما أنتفع به فيه والمربعة لبطلميوس ومن كتب العارفين كتب أفلاطن وأرسطوطاليس والإسكندر وثامطيوس ومحمد الفارابي وما أنتفع به فيها وما سوى ذلك إما أبيعه بأي ثمن اتفق وإما أن أخزنه في صناديق وبيعه أجود من خزنه أقول هذا جملة ما ذكره من سيرته وكان مولده في ديار مصر بالجيزة ونشأ بمدينة مصر
562 وكان أبوه فرانا ولم يزل ملازما للاشتغال والنظر في العلم إلى أن تميز وصار له الذكر الحسن والسمعة العظيمة وخدم الحاكم وجعله رئيسا على سائر المتطببين وكانت دار ابن رضوان بمدينة مصر في قصر الشمع وهي الآن تعرف به وقد تهدمت ولم يتبين إلا بقايا يسيرة من آثارها وحدث في الزمان الذي كان فيه ابن رضوان بديار مصر الغلاء العظيم والغلاء الفادح الذي هلك به أكثر أهلها ونقلت من خط المختار ابن الحسن بن بطلان أن الغلاء عرض بمصر في سنة خمس وأربعين وأربعمائة قال ونقص النيل في السنة التي تليها وتزايد الغلاء وتبعه وباء عظيم واشتد وعظم في سنة سبع وأربعين وأربعمائة وحكي أن السلطان كفن من ماله ثمانين ألف نفس وأنه فقد ثمانمائة قائد وحصل للسلطان من المواريث مال جزيل وحدثني أبو عبد الله محمد المالقي الناسخ أن ابن رضوان تغير عقله في آخر عمره وكان السبب في ذلك أنه في ذلك الغلاء كان قد أخذ يتيمة رباها وكبرت عنده فلما كان في بعض الأيام خلا لها الموضع وكان قد أدخر أشياء نفيسة ومن الذهب نحو عشرين ألف دينار فأخذت الجميع وهربت ولم يظفر منها على خبر ولا عرف أين توجهت فتغيرت أحواله من حينئذ أقول وكان ابن رضوان كثير الرد على من كان يعاصره من الأطباء وغيرهم وكذلك على كثير ممن تقدمه وكانت عنده سفاهة في بحثه وتشنيع على من يريد مناقشته وأكثر ذلك يوجد عندما كان يرد على حنين بن إسحاق وعلى أبي الفرج بن الطيب وكذلك أيضا على أبي بكر محمد بن زكريا الرازي ولم يكن لابن رضوان في صناعة الطب معلم ينسب إليه وله كتاب في ذلك يتضمن أن تحصيل الصناعة من الكتب أوفق من المعلمين وقد رد عليه ابن بطلان هذا الرأي وغيره في كتاب مفرد وذكر فصلا في العلل التي لأجلها صار المتعلم من أفواه الرجال أفضل من المتعلم من الصحف إذا كان القول واحدا وأورد عدة علل الأولى منها تجري هكذا وصول المعاني من النسيب إلى النسيب خلاف وصولها من غير النسيب إلى النسيب والنسيب الناطق أفهم للتعليم بالنطق وهو المعلم وغير النسيب له جماد وهو الكتاب وبعد الجماد من الناطق مطيل طريق الفهم وقرب الناطق من الناطق مقرب للفهم فالفهم من النسيب وهو المعلم أقرب وأسهل من غير النسيب وهو الكتاب والثانية هكذا النفس العلامة علامة بالفعل وصورة الفعل عنها يقال له تعليم والتعليم والتعلم من المضاف وكلما هو للشيء بالطبع أخص به مما ليس له بالطبع والنفس المتعلمة علامة بالقوة وقبول العلم فيها يقال له تعلم والمضافان معا بالطبع فالتعليم من المعلم أخص بالمتعلم من الكتب والثالثة على هذه الصورة المتعلم إذا استعجم عليه ما يفهمه المعلم من لفظ نقله إلى لفظ آخر والكتاب لا ينقل من لفظ إلى لفظ فالفهم من المعلم أصلح للمتعلم من الكتاب وكل ما هو بهذه الصفة فهو في إيصال العلم أصلح للمتعلم
563 والرابعة العلم موضوعه اللفظ واللفظ على ثلاثة أضرب قريب من العقل وهو الذي صاغه العقل مثالا لما عده من المعاني ومتوسط ومتوسط وهو المتلفظ به بالصوت وهو مثال لما صاغه العقل وبعيد وهو المثبت في الكتب وهو مثال ما خرج باللفظ فالكتاب مثال مثال مثال المعاني التي في العقل والمثال الأول لا يقوم مقام المثل لعوز المثل فما ظنك بمثال مثال مثال المثل فالمثال الأول لما عند العقل أقرب في الفهم من مثال المثال والمثال الأول هو اللفظ والثاني هو الكتاب وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من لفظ المعلم أسهل وأقرب من لفظ الكتاب والخامسة وصول اللفظ الدال على المعنى إلى العقل يكون من جهة حاسة غريبة من اللفظ وهي البصر لأن الحاسة النسبية للفظ هي السمع لأنه تصويت والشيء الواصل من النسيب وهو اللفظ أقرب من وصوله من الغريب وهو الكتابة فالفهم من المعلم باللفظ أسهل من الكتاب بالخط والسادسة هكذا يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم قد عدمت في تعليم المعلم وهي التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ والغلط بزوغان البصر وقلة الخبرة بالإعراب أو عدم وجوده مع الخبرة به أو فساد الموجود منه واصطلاح الكتاب ما لا يقرأ وقراءة ما لا يكتب ونحو التعليم ونمط الكلام ومذهب صاحب الكتاب وسقم النسخ ورداءة النقل وادماج القارئ مواضع المقاطع وخلط مبادئ التعاليم وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة كالثوروس وهذه كلها معوقة عن العلم وقد استراح المتعلم عن تكلفها عند قراءته على المعلم وإذا كان الأمر على هذا فالقراءة على العلماء أفضل وأجدى من قراءة الإنسان لنفسه وهو ما أردنا بيانه قال وأنا آتيك ببيان سابع أظنه مصدقا عندك وهو ما قاله المفسرون في الاعتياض عن السالبة البسيطة بالموجبة المعدولة فإنهم مجمعون على أن هذا الفصل لو لم يسمعه من أرسطوطاليس تلميذه تاؤفرسطس وأوذيموس لما فهم قط من كتاب وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من المعلم أفضل من الفهم من الكتاب وبحسب هذا يجب على كل محب للعلم أن لا يقطع بظن فربما خفي الصواب وإذا خفي الصواب علم الأشياء علما رديا فثار عليه بحسب اعتقاده في الحق أنه محال شكوك يعسر حلها وكانت وفاة علي بن رضوان رحمه الله في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة بمصر وذلك في خلافة المستنصر بالله أبي تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين الله الحاكم ومن كلام علي بن رضوان قال إذا كانت للإنسان صناعة ترتاض بها أعضاؤه ويمدحه بها الناس ويكسب بها كفايته في بعض يومه فأفضل ما ينبغي له في باقي يومه أن يصرفه في طاعة ربه وأفضل الطاعات النظر في الملكوت وتمجيد المالك لها سبحانه ومن رزق ذلك فقد رزق خير الدنيا والآخرة وطوبى له وحسن مآب ومن كلامه نقلته من خطه قال الطبيب على رأي بقراط هو الذي اجتمعت فيه سبع خصال
564 الأولى أن يكون تام الخلق صحيح الأعضاء حسن الذكاء جيد الروية عاقلا ذكورا خير الطبع الثانية أن يكون حسن الملبس طيب الرائحة نظيف البدن والثوب الثالثة أن يكون كتوما لأسرار المرضى لا يبوح بشيء من أمراضهم الرابعة أن تكون رغبته في إبراء المرضى أكثر من رغبته فيما يلتمسه من الأجرة ورغبته في علاج الفقراء أكثر من رغبته في علاج الأغنياء الخامسة أن يكون حريصا على التعليم والمبالغة في منافع الناس السادسة أن يكون سليم القلب عفيف النظر صادق اللهجة لا يخطر بباله شيء من أمور النساء والأموال التي شاهدها في منازل الأعلاء فضلا عن أن يتعرض إلى شيء منها السابعة أن يكون مأمونا ثقة على الأرواح والأموال لا يصف دواء قتالا ولا يعلمه ولا دواء يسقط الأجنة يعالج عدوه بنية صادقة كما يعالج حبيبه وقال المعلم لصناعة الطب هو الذي اجتمعت فيه الخصال بعد استكماله صناعة الطب والمتعلم هو الذي فراسته تدل على أنه ذو طبع خير ونفس ذكية وأن يكون حريصا على التعليم ذكيا ذكورا لما قد تعمله وقال البدن السليم من العيوب هو البدن الصحيح الذي كل واحد من أعضائه باق على فضيلته أعني أن يكون يفعل فعله الخاص على ما ينبغي وقال تعرف العيوب هو أن تنظر إلى هيئة الأعضاء والسحنة والمزاج وملمس البشرة وتتفقد أفعال الأعضاء الباطنة والظاهرة مثل أن تنادي به من بعيد فتعتبر بذلك حال سمعه وأن تعتبر بصره بنظر الأشياء البعيدة والقريبة ولسانه بجودة الكلام وقوته بشيل الثقل والمسك والضبط والمشي وإنحاء ذلك مثل أن تنظر مشيه مقبلا ومدبرا ويؤمر بالاستلقاء على ظهره ممدود اليدين قد نصب رجليه وصفهما وتعتبر بذلك حال أحشائه وتتعرف حال مزاج قلبه بالنبض وبالأخلاق ومزاج كبده بالبول وحال الأخلاط وتعتبر عقله بأن يسأل عن أشياء وفهمه وطاعته بأن يؤمر بأشياء وأخلاقه إلى ما تميل بأن تعتبر كل واحد منها بما يحركه أو يسكنه وعلى هذا المثال أجر الحال في تفقد كل واحد من الأعضاء والأخلاق أما فيما يمكن ظهوره للحس فلا تقنع فيه حتى تشاهده بالحس وأما فيما يتعرف بالاستدلال فاستدل عليه بالعلامات الخاصة وأما فيما يتعرف بالمسألة فابحث عنه بالمسألة حتى تعتبر كل واحد من العيوب فتعرف هل هو عيب حاضر أو كان أو متوقع أم الحال حال صحة وسلامة ومن كلامه قال إذا دعيت إلى مريض فأعطه ما لا يضره إلى أن تعرف علته فتعالجها عند ذلك ومعنى معرفة المرض هو أن تعرف من أي خلط حدث أولا ثم تعرف بعد ذلك في أي عضو هو وعند ذلك تعالجه
565 ولعلي بن رضوان من الكتب شرح كتاب العرق لجالينوس وفرغ من شرحه له في يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة شرح كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس شرح كتاب النبض الصغير لجالينوس شرح كتاب جالينوس إلى أغلوقن في التأني لشفاء الأمراض شرح المقالة الأولى في خمس مقالات وشرح المقالة الثانية في مقالتين شرح كتاب الأسطقسات لجالينوس شرح بعض كتاب المزاج لجالينوس ولم يشرح من الكتب الستة عشر لجالينوس سوى ما ذكرت كتاب الأصول في الطب أربع مقالات كناش رسالة في علاج الجذام كتاب تتبع مسائل حنين مقالتان كتاب النافع في كيفية تعليم صناعة الطب ثلاث مقالات مقالة في أن جالينوس لم يغلط في أقاويله في اللبن على ما ظنه قوم مقالة في دفع المضار عن الأبدان بمصر مقالة في سيرته مقالة في الشعير وما يعمل منه ألفها لأبي زكريا يهوذا بن سعادة الطبيب جوابه لمسائل في لبن الأتن سأله إياها يهوذا بن سعادة تعاليق طبية تعاليق نقلها في صيدلة الطب مقالة في مذهب أبقراط في تعليم الطب كتاب في أن أفضل أحوال عبد الله بن الطيب الحالي السوفسطائية وهو خمس مقالات كتاب في أن الأشخاص كل واحد من الأنواع المتناسلة أب أول منه تناسلت الأشخاص على مذهب الفلسفة تفسير مقالة الحكيم فيثاغورس في الفضيلة مقالة في الرد على أفرائيم وابن زرعة في الاختلاف في الملل انتزاعات شروح جالينوس لكتب أبقراط كتاب الانتصار لأرسطوطاليس وهو كتاب التوسط بينه وبين خصومه المناقضين له في السماع الطبيعي تسع وثلاثين مقالة تفسير ناموس الطب لأبقراط تفسير وصية أبقراط المعروفة بترتيب الطب كلام في الأدوية المسهلة كتاب في عمل الأشربة والمعاجين تعليق من كتاب التميمي في الأغذية والأدوية تعليق من كتاب فوسيدونيوس في أشربة لذيذة للأصحاء فوائد علقها من كتاب فيلغريوس في الأشربة النافعة اللذيذة في أوقات الأمراض مقالة في الباه مقالة في أن كل واحد من الأعضاء يغتذي من الخلط المشاكل له مقالة في الطريق إلى إحصاء عدد الحميات فصل من كلامه في القوى الطبيعية جواب مسائل في النبص وصل إليه السؤال عنها من الشام رسالة في أجوبة مسائل سأل عنها الشيخ أبو الطيب أزهر بن النعمان في الأورام رسالة في علاج صبي أصابه المرض المسمى بداء الفيل وداء الأسد نسخة الدستور الذي أنفذه أبو العسكر الحسين بن معدان ملك مكران في حال علة الفالج في شقه الأيسر وجواب ابن رضوان له فوائد علقها من كتاب حيلة البرء لجالينوس فوائد علقها من كتاب تدبير الصحة لجالينوس فوائد علقها من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس فوائد علقها من كتاب الفصد لجالينوس فوائد علقها من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس فوائد علقها من كتاب الميامر لجالينوس فوائد علقها من كتاب قاطاجانس لجالينوس فوائد علقها في الأخلاط من كتب عدة لأبقراط وجالينوس كتاب في حل شكوك الرازي على كتب جالينوس سبع مقالات مقالة في حفظ الصحة مقالة في أدوار الحميات مقالة في التنفس الشديد وهو ضيق النفس رسالة كتب بها إلى أبي زكريا يهوذا
566 ابن سعادة في النظام الذي استعمله جالينوس في تحليل الحد في كتابه المسمى الصناعة الصغيرة مقال في نقض مقالة ابن بطلان في الفرخ والفروج مقالة في الفأر مقالة فيما أورده ابن بطلان من التحييرات مقالة في أن ما جهله يقين وحكمة وما علمه ابن بطلان غلط وسفسطة مقالة في أن ابن بطلان لا يعلم كلام نفسه فضلا عن كلام غيره رسالة إلى أطباء مصر والقاهرة في خبر ابن بطلان قول له في جملة الرد عليه كتاب في مسائل جرت بينه وبين ابن الهيثم في المجرة والمكان إخراجه لحواشي كامل الصناعة الطبية الموجود منه بعض الأولى رسالة في أزمنة الأمراض مقالة في التطرق بالطب إلى السعادة مقالة في أسباب مدد حميات الأخلاط وقرائنها جوابه عما شرح له من حال عليل به علة الفالج في شقه الأيسر مقالة في الأورام كتاب في الأدوية المفردة على حروف المعجم اثنتا عشرة مقالة الموجود منه إلى بعض السادسة مقالة في شرف الطب رسالة في الكون والفساد مقالة في سبيل السعادة وهي السيرة التي اختارها لنفسه رسالة في بقاء النفس بعد الموت مقالة في فضيلة الفلسفة مقالة في بناء النفس على رأي أفلاطن وأرسطوطاليس أجوبته لمسائل منطقية من كتاب القياس مقالة في حل شكوك يحيى بن عدي المسماة بالمحرسات مقالة في الحر مقالة في بعث نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والفلسفة مقالة في أن في الوجود نقط وخطوط طبيعية مقالة في حدث العالم مقالة في التنبيه على حيل من ينتحل صناعة القضايا بالنجوم وتشرف أهلها مقالة في خلط الضروري والوجودي مقالة في اكتساب الحلال من المال مقالة في الفرق بين الفاضل من الناس والسديد والعطب مقالة في كل السياسة رسالة في السعادة مقالة في اعتذاره عما ناقض به المحدثين مقالة في توحيد الفلاسفة وعبادتهم كتاب في الرد على الرازي في العلم الإلهي وإثبات الرسل كتاب المستعمل من المنطق في العلوم والصنائع ثلاث مقالات رسالة صغرى في الهيولي صنفها لأبي سليمان بن بابشاد تذكرتاه المسماة بالكمال الكامل والسعادة القصوى غير كاملة تعاليقه لفوائد كتب أفلاطون المساجرة لهوية طبيعة الإنسان تعاليق فوائد مدخل فرفوريوس تهذيب كتاب الحابس في رياسة الثنا الموجود منه بعض لا كل تعاليق في أن خط الاستواء بالطبع أظلم ليلا وأن جوهره بالعرض أظلم ليلا كتاب فيما ينبغي أن يكون في حانوت الطبيب أربع مقالات مقالة في هواء مصر مقالة في مزاج السكر مقالة في التنبيه على ما في كلام ابن بطلان من الهذيان رسالة في دفع مضار الحلوى بالمحرور افرائيم بين الزفان هو أبو كثير افرائيم بن الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب إسرائيلي المذهب وهو من الأطباء المشهورين بديار مصر وخدم الخلفاء الذين كان في زمانهم وحصل من جهتهم من الأموال و النعم شيئا كثيرا جدا وكان قد قرأ صناعة الطب على أبي الحسن علي بن رضوان وهو من أجل تلامذته وكانت له همة عالية في تحصيل الكتب وفي استنساخها حتى كانت عنده خزائن كثيرة من الكتب
567 الطبية وغيرها وكان أبدا عنده النساخ يكتبون ولهم ما يقوم بكفايتهم منه ومن جملتهم محمد بن سعيد بن هشام الحجري وهو المعروف بابن ملساقه ووجدت بخط هذا عدة كتب قد كتبها لافرائيم وعليها خط افرائيم وحدثني أبي أن رجلا من العراق كان قد أتى إلى الديار المصرية ليشتري كتبا ويتوجه بها وأنه اجتمع مع افرائيم واتفق الحال فيما بينهما أن باعه افرائيم من الكتب التي عنده عشرة آلاف مجلد وكان ذلك في أيام ولاية الأفضل ابن أمير الجيوش فلما سمع بذلك أراد أن تلك الكتب تبقى في المصرية ولا تنتقل إلى موضع آخر فبعث إلى افرائيم من عنده بجملة المال الذي كان قد اتفق تثمينه بين افرائيم والعراقي ونقلت الكتب إلى خزانة الأفضل وكتبت عليها ألقابه ولهذا أنني قد وجدت كتبا كثيرة من الكتب الطبية وغيرها عليها اسم افرائيم وألقاب الأفضل أيضا وخلف افرائيم من الكتب ما يزيد على عشرين ألف مجلد ومن الأموال النعم شيئا كثيرا جدا ولافرائيم بن الزفان من الكتب تعاليق ومجريات جعلها على جهة الكناش ووجدت هذا الكتاب بخطه وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها وقد ذكر في أوله ما هذا نصه قال أقول وأنا افرائيم إنني جعلت هذا الكتاب تذكرة على طريق المجموع لا على جهة التصنيف احتياطا على من يعالج من السهو كتاب التذكرة الطبية في مصلحة الأحوال البدنية ألفها لنصير الدولة أبي علي الحسين بن أبي علي الحسن بن حمدان لما أراد الانفصال عن مصر والتوجه إلى ثغر الإسكندرية والبحيرة وتلك الأعمال مقالة في التقرير القياسي على أن البلغم يكثر تولده في الصيف والدم والمرار الأصفر في الشتاء سلامة بن رحمون هو أبو الخير سلامة بن مبارك بن رحمون بن موسى من أطباء مصر وفضلائها وكان يهوديا وله أعمال حسنة في صناعة الطب واطلاع على كتب جالينوس والبحث عن غوامضها وكان قد قرأ صناعة الطب افرائيم واشتغل بها عليه مدة وكان لابن رحمون أيضا اشتغال جيد بالمنطق والعلوم الحكمية وله تصانيف في ذلك وكان شيخه الذي اشتغل عليه بهذا الفن الأمير أبو الوفاء محمود الدولة المبشر بن فاتك ولما وصل أبو الصلت أمية بن عبد العزيز ابن أبي الصلت الأندلسي من المغرب إلى الديار المصرية اجتمع بسلامة بن رحمون وجرت بينهما مباحث ومشاغبات وقد ذكره ابن أبي الصلت في رسالته المصرية عندما ذكر من رآه من أطباء مصر قال وأشبه من رأيته منهم وأدخلهم في عدد الأطباء رجل من اليهود يدعى أبا الخير سلامة بن رحمون فإنه لقي أبا الوفاء المبشر بن فاتك فأخذ عنه شيئا من صناعة المنطق تخصص به وتميز عن أضرابه وأدرك أبا كثير بن الزفان تلميذ أبي الحسن بن رضوان فقرأ عليه بعض كتب جالينوس ثم نصب نفسه لتدريس جميع كتب المنطق وجميع كتب الفلسفة الطبيعية والهيئة وشرح بزعمه وفسر ولخص ولم يكن هناك في تحصيله وتحقيقه واستقصائه عن لطيف العلم ودقيقه بل كان يكثر كلامه فيضل ويسرع جوابه فيزل ولقد سألته
568 أول لقائي له واجتماعي به عن مسائل استفتحت مباحثه بها مما يمكن أن يفهمها من لم يكن يمتد في العلم باعه ولم يكثر تبحره واتساعه فأجاب عنها بما أبان عن تقصيره ونطق بعجزه وأعرب عن سوء تصوره وفهمه وكان مثله في عظم دواعيه وقصوره عن أيسر ما هو متعاطيه كقول الشاعر (يشمر للج عن ساقه * ويغمره الموج في الساحل) المتقارب (تمنيتم مائتي فارس * فردكم فارس واحد) المتقارب قال أبو الصلت وكان طبيب من أهل أنطاكية يسمى بجرجس ويلقب بالفيلسوف على نحو ما قيل في الغرب أبو البيضاء وفي اللديغ سليم قد تفرغ للتولع بابن رحمون والإزراء عليه وكان يزور فصولا طبية وفلسفية يقررها في معارض ألفاظ القوم وهي محال لا معنى لها وفارغة لا فائدة فيها ثم أنه ينفذها إلى من يسأله عن معانيها ويستوضحه أغراضها فيتكلم عليها ويشرحها بزعمه دون تيقظ ولا تحفظ بل باسترسال واستعجال وقلة اكتراث واهتبال فيوجد فيها عنه ما يضحك منه وأنشدت لجرجس هذا فيه وهو أحسن ما سمعته في هجو طبيب مشؤوم وأنا متهم له فيه (إن أبا الخير على جهله * يخف في كفته الفاضل) (عليله المسكين من شؤمه * في بحر هلك ماله ساحل) (ثلاثة تدخل في دفعة * طلعته والنعش والغاسل) السريع ولبعضهم (لأبي الخير في العلاج * يد ما تقصر) (كل من يستطبه * بعد يومين يقبر) (والذي غاب عنكم * وشهدناه أكثر) الخفيف وله (جنون أبي الخير الجنون بعينه * وكل جنون عنده غاية العقل) (خذوه فغلوه فشدو وثاقه * فما عاقل من يستهين بمختل) (وقد كان يؤذي الناس بالقول وحده * فقد صار يؤذي الناس بالقول والفعل) الطويل ولسلامة بن رحمون من الكتب كتاب نظام الموجودات مقالة في السبب الموجب لقلة المطر بمصر مقالة في العلم الإلهي مقالة في خصب أبدان النساء بمصر عند تناهي الشباب
569 مبارك بن سلامة بن رحمون هو مبارك بن أبي الخير سلامة بن مبارك بن رحمون مولده ومنشؤه بمصر وكان أيضا طبيبا فاضلا ولمبارك بن سلامة بن رحمون من الكتب مقالة في الجمرة المسماة بالشقفة والخزفة مختصره ابن العين زربي هو الشيخ موفق الدين أبو نصر عدنان بن نصر بن منصور من أهل عين زربة وأقام ببغداد مدة واشتغل بصناعة الطب بالعلوم الحكمية ومهر فيها وخصوصا في علم النجوم ثم بعد ذلك انتقل من بغداد إلى الديار المصرية إلى حين وفاته وخدم الخلفاء المصريين حظي في أيامهم وتميز في دولتهم وكان من أجل المشايخ وأكثرهم علما في صناعة الطب وكانت له فراسة حسنة وإنذارات صائبة في معالجاته وصنف بديار مصر كتبا كثيرة في صناعة الطب وفي المنطق وفي غير ذلك من العلوم وكانت له تلاميذ عدة يشتغلون عليه وكل منهم تميز وبرع في الصناعة وكان ابن العين زربي في أول أمره إنما يتكسب بالتنجيم وحدثني أبي قال حكى لي سبط الشيخ أبي نصر عدنان بن العين زربي أن سبب اشتهار جده في الديار المصرية واتصاله بالخلفاء أنه ورد من بغداد رسول إلى ديار مصر وكان يعرف ابن العين زربي ببغداد وما هو عليه من الفضل والتحصيل والإتقان لكثير من العلوم فلما كان مارا في بعض الطرق بالقاهرة وإذا به قد وجد ابن العين زربي جالسا وهو يتكسب بالتنجيم فعرفه وسلم عليه وبقي متعجبا من كثرة تحصيله للعلوم وكونه متميزا في علم صناعة الطب وهو على تلك الحال وبقي في خاطره ذلك فلما اجتمع بالوزير وتحدثا أجرى ذكر ابن العين زربي وما هو عليه من العلم والفضل والتقدم في صناعة الطب وغيرها وكونهم لم يعرفوا قدره ولا انتهى إليهم أمره وإن الواجب في مثل هذا لا يهمل فاشتاق الوزير إلى رؤيته والاجتماع بمشاهدته فاستحضر وسمع كلامه فاعجب به واستحسن مما سمعه منه وتحقق فضله ومنزلته في العلم وأنهى أمره إلى الخليفة فأطلق له ما يليق بمثله ولم تزل أنعامهم تصل إليه ومواهبهم تتوالى عليه أقول وكان ابن العين زربي خبيرا بالعربية جيد الدراية لها حسن الخط وقد رأيت كتبا عدة في الطب وفي غيره بخطه هي في نهاية الحسن والجودة ولزوم الطريقة المنسوبة وكان أيضا يشعر وله شعر جيد وتوفي رحمه الله في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بالقاهرة وذلك في دولة الظافر بأمر الله ولابن العين زربي من الكتب كتاب الكافي في الطب وصنفه في سنة عشر وخمسمائة بمصر وكمل في السادس والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وأربعين وخمسمائة شرح كتاب الصناعة الصغيرة
570 لجالينوس الرسالة المقنعة في المنطق ألفها من كلام أبي نصر الفارابي والرئيس ابن سينا مجربات في الطب على جهة الكناش جمعها ورتبها ظافر بن تميم بمصر بعد وفاة ابن العين زربي رسالة في السياسة رسالة في تعذر وجود الطبيب الفاضل ونفاق الجاهل مقالة في الحصى وعلاجه بلمظفر ابن معرف هو بلمظفر نصر بن محمود بن المعرف كان ذكيا فطنا كثير الاجتهاد والعناية والحرص في العلوم الحكمية وله نظر أيضا في صناعة الطب والأدب ويشعر وكان قد اشتغل على ابن العين زربي ولازمه مدة وقرأ عليه كثيرا من العلوم الحكمية وغيرها ورأيت خطه في آخر تفسير الإسكندر لكتاب الكون والفساد لأرسطوطاليس وهو يقول أنه قرأه عليه واتقن قراءته وتاريخ كتابته لذلك في شعبان سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وكان بلمظفر حسن الخط جيد العبارة وكان مغرى بصناعة الكيمياء والنظر فيها والاجتماع بأهلها وكتب بخطه من الكتب التي صنفت فيها شيئا كثيرا جدا وكذلك أيضا كتب كثيرا من الكتب الطبية والحكمية وكانت له همة عالية في تحصيل الكتب وقراءتها وحدثني الشيخ سديد الدين المنطقي عنه أنه كان في داره مجلس كبير مشحون بالكتب على رفوف فيه وأن بلمظفر لم يزل في معظم أوقاته في ذلك المجلس مشتغلا في الكتب وفي القراءة والنسخ أقول ومن أعجب شيء منه أنه كان قد ملك ألوفا كثيرة من الكتب في كل فن وأن جميع كتبه لا يوجد شيء منها إلا وقد كتب على ظهره ملحا ونوادر مما يتعلق بالعلم الذي قد صنف ذلك الكتاب فيه وقد رأيت كتبا كثيرة من كتب الطب وغيرها من الكتب الحكمية كانت لأبي المظفر وعليها اسمه وما منها شيء إلا وعليه تعاليق مستحسنة وفوائد متفرقة مما يجانس ذلك الكتاب ومن شعر بلمظفر بن معرف (وقالوا الطبيعية مبدأ الكيان * فيا ليت شعري ما هي الطبيعة) (أقادرة طبعت نفسها * على ذاك أم ليس بالمستطيعه) المتقارب وقال أيضا (وقالوا الطبيعة معلومنا * ونحن نبين ما حدها) (ولم يعرفوا الآن ما قبلها * فكيف يرومون ما بعدها) المتقارب ولبلمظفر بن معرف من الكتب تعاليق في الكيمياء كتاب في علم النجوم مختارات في الطب
571 الشيخ السديد رئيس الطب هو القاضي الأجل السديد أبو المنصور عبد الله بن الشيخ السديد أبي الحسن علي وكان لقب القاضي أبي المنصور شرف الدين وإنما غلب عليه لقب أبيه وعرف به وصار له علما بأن يقال الشيخ السديد وكان عالما بصناعة الطب خبيرا بأصولها وفروعها جيد المعالجة كثير الدربة حسن الأعمال باليد وخدم الخلفاء المصريين وحظي في أيامهم ونال من جهتهم من الأموال الوافرة والنعم الجسيمة ما لم ينله غيره من سائر الأطباء الذين كانوا في زمانه ولا قريبا منه وكانت له عندهم المنزلة العليا والجاه الذي لا مزيد عليه وعمر عمرا طويلا وكان من بيتوتة صناعة الطب وكان أبوه أيضا طبيبا للخلفاء المصريين مشهورا في أيامهم حدثني القاضي نفيس الدين بن الزبير وكان قد لحق الشيخ السديد وقرأ عليه صناعة الطب قال قال لي الشيخ السديد رئيس الطب إن أول من مثلت بين يديه من الخلفاء وأنعم علي الآمر بأحكام الله وذلك أن أبي كان طبيبا في خدمته وكان مكينا عنده رفيع المنزلة في أيامه قال وكنت صبيا في ذلك الوقت فكان أبي يهب لي في كل يوم دراهم وأجلس عند باب الدار التي لنا واقصد جماعة في كل نهار حتى تمرنت وصارت لي دربة جيدة في الفصد وكنت قد شدوت شيئا من صناعة الطب فذكرني أبي عند الآمر وأخبره بما أنا عليه وإنني أعرف صناعة الفصد ولي دربة جيدة بها فاستدعاني فتوجهت إليه وأنا بحالة جميلة من الملبوس الفاخر والمركوب الفاره المتحلي بمثل الطوق الذهب وغيره وإنني لما دخلت إليه القصر مشيت مع أبي حتى صرنا بين يديه فقبلت الأرض وخدمت فقال لي أفصد هذا الأستاذ وكان واقفا بين يديه فقلت السمع والطاعة ثم جيئ بطشت فضة وشددت عضده وكانت له عروق بينة الظهور ففصدته وربطت موضع الفصادة فقال لي أحسنت وأمر لي بأنعام كثيرة وخلع فاخرة وصرت من ذلك الوقت مترددا إلى القصر وملازما للخدمة وأطلق لي من الجاري ما يقوم بكفايتي على أفضل الأحوال التي أؤملها وتواترت علي من الهبات والإطلاقات الشيء الكثير وحدثني أسعد الدين عبد العزيز بن أبي الحسن أن الشيخ السديد حصل له في يوم واحد من الخلفاء في بعض معالجاته لأحدهم ثلاثون ألف دينار وقال لي القاضي نفيس الدين بن الزبير عنه أنه لما طهر ولدي الحافظ لدين الله حصل له في ذلك الوقت من المال نحو خمسين ألف دينار وأكثر من ذلك سوى ما كان في المجلس من أواني الذهب والفضة فإنها وهبت جميعها له وكانت له همة عالية وأنعام عام حدثني الشيخ رضي الدين الرحبي قال لما وصل المهذب بن النقاش إلى الشام من بغداد وكان
572 فاضلا في صناعة الطب أقام بدمشق مدة ولم يحصل له بها ما يقوم بكفايته وسمع بالديار المصرية وأنعام الخلفاء فيها وكرمهم وإحسانهم إلى من يقصدهم ولا سيما من أرباب العلم والفضل وتاقت نفسه إلى السفر وتوجهت أمانيه إلى الديار المصرية فلما وصلها أقام بها أياما وكان قد سمع بالشيخ السديد طبيب الخلفاء وما هو عليه من الأفضال وسعة الحال والأخلاق الجميلة والمروءة العزيزة فمشى إلى داره وسلم عليه وعرفه بصناعته وأنه إنما أتى قاصدا إليه ومفوضا كل أموره لديه ومغترفا من بحر علمه ومعترفا بأن مهما يصله من جهة الخلفاء فإنما هو من بره ويكون معتدا له بذلك في سائر عمره فتلقاه الشيخ السديد بما يليق بمثله وأكرمه غاية الإكرام ثم بعد ذلك قال له وكم تؤثر أن يطلق لك من الجامكية إذا كنت مقيما بالقاهرة فقال يا مولانا يكفيني مهما تراه وما تأمر به فقال له قل بالجملة فقال والله أن أطلق لي في كل شهر من الجاري عشرة دنانير مصرية فإني أراها خيرا كثيرا فقال له لا هذا القدر ما يقوم بكفايتك على ما ينبغي وأنا أقول لوكيلي إن يوصلك في كل شهر خمسة عشر دينارا مصرية وقاعة قريبة مني تسكنها وهي بجميع فرشها وطرحها وجارية حسناء تكون لك ثم أخرج له بعد ذلك خلعة فاخرة ألبسه إياها وأمر الغلام أن يأتي له ببغلة من أجود دوابه فقدمها له ثم قال له هذا الجاري يصلك في كل شهر وجميع ما تحتاج إليه من الكتب وغيرها فهو يأتيك على ما تختاره وأريد منك أننا لا نخلو من الاجتماع والأنس وإنك لا تتطاول إلى شيء آخر من جهة الخلفاء ولا تتردد إلى أحد من أرباب الدولة فقبل ذلك منه ولم يزل ابن النقاش مقيما في القاهرة على هذه الحال إلى أن رجع إلى الشام وأقام بدمشق إلى حين وفاته أقول وكان الشيخ السديد قد قرأ صناعة الطب واشتغل على أبي نصر عدنان بن العين زربي ولم يزل الشيخ السديد مبجلا عند الخلفاء وأحواله تنمى وحرمته عندهم تتزايد من حين الآمر بأحكام الله إلى آخر أيام العاضد بالله وذلك أنه كان وهو صبي مع أبيه في خدمة الآمر بأحكام الله وهو أبو المنصور بن أبي القاسم أحمد المستعلي بالله بن المستنصر إلى أن استشهد الآمر في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة من سنة أربع وعشرين وخمسمائة بالجزيرة وكانت مدة خلافته ثمانية وعشرين سنة وتسعة أشهر وأيام ثم بقي في خدمة الحافظ لدين الله وهو أبو الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم محمد بن الإمام المستنصر بالله وبويع للحافظ يوم استشهاد الآمر ولم يزل في خدمة الحافظ إلى أن انتقل في اليوم الخامس من جمادى الآخرة من سنة أربع وأربعين وخمسمائة ثم خدم بعده للظافر بأمر الله وهو أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله وبويع له في ليلة صباحها الخامس من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة عند انتقال والده ولم يزل في خدمته إلى أن استشهد الظافر بأمر الله وذلك في التاسع والعشرين من المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة ثم بعد ذلك خدم الفائز بنصر الله وهو أبو القاسم عيسى بن الظافر بأمر الله وبويع له في الثلاثين من المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة ولم يزل في خدمته إلى أن انتقل الفائز بنصر الله في
573 سنة وخمسمائة ثم خدم بعده العاضد لدين الله وهو أبو محمد عبد الله بن المولى بن أبي الحجاج يوسف بن الإمام الحافظ لدين الله ولم يزل في خدمة العاضد لدين الله إلى أن انتقل في التاسع من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة وهو آخر الخلفاء المصريين وخدمهم ونال في أيامهم من العطايا السنية والمنن الوافرة خمس خلفاء الآمر والحافظ والظافر والفائز والعاضد ثم لما استبد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالملك في القاهرة واستولى على الدولة كان يفتقد الشيخ السديد بالأنعام الكثير والهبات المتواترة والجامكية السنية مدة مقامه بالقاهرة إلى أن توجه إلى الشام وكان يستطبه ويعمل على وصفاته وما يشير به أكثر من بقية الأطباء ولم يزل الشيخ السديد رئيسا على سائر المتطببين إلى حين وفاته وكان يسكن في القاهرة عند باب زويلة في دار قد اعتني بها وبولغ في تحسينها وجرت عليه في أواخر عمره محنة وذلك أن داره قد احترقت وذهب له فيها من الأثاث والآلات والأمتعة شيء كثير جدا ولما تهدم بعضها من النار وقعت براني كبار وخوابي ممتلئة من الذهب المصري وتكسرت وتناثر فيما بعد الحريق والهدم منها الذهب إلى كل ناحية وشاهد الناس وبعضه قد انسبك من النار وكان مقدار ذلك الوفا كثيرة جدا وحدثني القاضي نفيس الدين بن الزبير إن الشيخ السديد كان قد رأى في منامه قبل ذلك بقليل أن داره التي هو ساكنها قد احترقت فاشتغل سره بذلك وعزم على الانتقال منها ثم أنه شرع في بناء دار قريبة منها وحث الصناع في بنائها وعند كمالها حيث لم يبق منها إلا مجلس واحد وينتقل إليها احترقت داره التي كان ساكنها وذلك في السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وخمسمائة والدار التي عمرها قريبا منها هي التي صارت بعده للصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل أبي بكر بن أيوب وهي التي تعرف به الآن ونقلت من خط فخر الكتاب حسن بن علي ابن إبراهيم الجويني الكاتب في الشيخ السديد عند حريق داره وذهاب منفوساته يعزيه وكان صديقا له وبينهما أنس ومودة (أيا من حق نعمته قديم * على المرؤوس منا والرئيس) (فكم عاف أعدت له العوافي * وكم عنا نضوت لباس بوس) (ويا من نفسه أعلى محلا * من المنفوس يعدم والنفيس)
574 (جرعت مرارة أحلى مذاقا * لمثلك من كميت خندريس) (فعاين ما عراك بنور تقوى * خلائقك التي هي كالشموس) (مصابك بالذي أضحى ثوابا * يريك البشر في اليوم العبوس) (عطاء الله يوم العرض يسمو * مماثلة عن العرض الخسيس) (هموم الخلق في الدنيا شراب * يدور عليهم مثل الكؤوس) (تروم الروح في الدنيا بعقل * ترى الأرواح منها في حبوس) (وكل حوادث الدنيا يسير * إذا بقيت حشاشات النفوس) الوافر ونقلت أيضا من خطه مما نظمه في مآثر القاضي السديد مجيزا البيتين عملا فيه وهما (ولكل عافية عفت وقت فإن * عدت المريض فأنت من أوقاتها) (فاسلم ليسلم من تعلله فقد * صحت بك الدنيا على علاتها) الكامل فعمل هذه الأبيات (بك عرفت نفسي لذيذ حياتها * سبحان منشرها عقيب مماتها) (وردت حياض الموت فاستنقذتها * بمشيئة لله بعد وفاتها) (وأعدت فائتها بقدرة قادر * يسترجع الأشياء بعد فواتها) (فلذلك شكرك بعد شكر إلهها * في سائر الأوقات من أوقاتها) (لله نفسك ما أتم ضياءها * ألعلمها تعتام أم بركاتها) (تقوى تقر الروح في أوطانها * ونهى تجير النفس من آفاتها) (كم مثل مهجتي اختلست من الردى * فرددت عنها وهي في سكراتها) (وغمرتها برا وبرءا بعدما * قذفت بها الأمراض في غمراتها) (ونزعت عنها النزع وهو مدافع * لنسيم روح الروح عن لهواتها) (ولكم بإذن الله عدت مودعا * نفسا فعدت بها إلى عاداتها) (يا من غدت ألفاظه لتلاوة القرآن * تهدي البرء من نفثاتها) (يا أيها القاضي السديد ومن غدا * للملة البيضاء من حسناتها) (يا من بعين العلم منه قريحة * تتصور الأشياء في مرآتها) (لله فكرك مدركا ما أكتن في * الأعضاء عنه من جميع جهاتها) (يحمي طريق الروح من دعاره * فكأنه وال على طرقاتها)
575 (لله في هذا الأنام لطائف * خفيت عليهم أنت من آياتها) (ولكل عافية عفت وقت فان * عدت المريض فأنت من أوقاتها) (فاسلم ليسلم من تعلله فقد * صحت بك الدنيا على علاتها) ونقلت أيضا من خطه مما نظمه فيه وقد عالجه من بعض الأمراض العظيمة الخطر فكتب إليه (أواصل شكرا لست عنه بلاهي * سفيرا غدا بيني وبين إلهي) (أعاد بإذن الله روحي ولم أكد * أعود إلى هذا الوجود ولاهي) (هو السيد القاضي السديد الذي به * أفاخر أرباب العلا وأباهي) (فلولا التناهي في البرايا لقلت ما * لآماده في المكرمات تناهي) (تنير له المشكلات بصيرة * تريه خفايا الغائبات كما هي) (زمام العوافي والسقام بكفه * له آمر في الفرقتين وناهي) (لك الله يا عبد الإله فكمرزهت * ببهجتك الدنيا ولست بزاهي) (تجل عن الماء الزلال وجل أن * يقاس هواء منعش بمياه) الطويل وتوفي الشيخ السديد رحمه الله بالقاهرة في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ابن جميع هو الشيخ الموفق شمس الرياسة أبو العشائر هبة الله بن زين بن حسن بن افرائيم بن يعقوب بن إسماعيل بن جميع الإسرائيلي من الأطباء المشهورين والعلماء المذكورين والأكابر المتعينين وكان متفننا في العلوم جيد المعرفة بها كثير الاجتهاد في صناعة الطب حسن المعالجة جيد التصنيف وقرأ صناعة الطب على الشيخ الموفق أبي نصر عدنان بن العين زربي ولزمه مدة وكان مولد ابن جميع ومنشؤه بفسطاط مصر وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي في أيامه وكان رفيع المنزلة عنده عالي القدر نافذ الأمر يعتمد عليه في صناعة الطب وركب له الترياق الكبير الفاروق وكان لابن جميع مجلس عام للذين يشتغلون عليه بصناعة الطب وذكر أنه كان كثير التحصيل في صناعة الطب متصرفا في علمها فاضلا في أعمالها أقول ومما يؤيد ذلك ما نجده في مصنفاته فإنها جيدة التأليف كثيرة الفوائد منتخبة العلاج وكان له نظر في العربية وتحقيق للألفاظ اللغوية وكان لا يقرأ إلا وكتاب الصحاح للجوهري حاضر بين يديه ولا تمر كلمة لغة لم يعرفها حق المعرفة إلا ويكشفها منه ويعتمد
576 على ما أورده الجوهري في ذلك وكنت يوما عند الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح في داره بدمشق وكان ذلك في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب البلاد المصرية والشامية والصاحب جمال الدين يومئذ وزيره في سائر البلاد وهو صاحب السيف والقلم وفي خدمته مائتا فارس وتجارينا الحديث وتفضل وقال لي ما سبقك إلى تأليف كتابك في طبقات الأطباء أحد ثم قال لي وذكرت أصحابنا الأطباء المصريين فقلت له نعم فقال وكأني بك قد أشرت إلى أن ما في الأطباء المتقدمين منهم مثل ابن رضوان وفي المتأخرين مثل ابن جميع فقلت له صحيح يا مولانا وحدثني بعض المصريين أن ابن جميع كان يوما جالسا في دكانه عند سوق القناديل بفسطاط مصر وقد مرت عليه جنازة فلما نظر إليها صاح بأهل الميت وذكر لهم أن صاحبهم لم يمت وأنهم إن دفنوه فإنما يدفنوه حيا قال فبقوا ناظرين إليه كالمتعجبين من قوله ولم يصدقوه فيما قال ثم إن بعضهم قال لبعض هذا الذي يقوله ما يضرنا أننا نمتحنه فإن كان حقا فهو الذي نريده وإن لم يكن حقا فما يتغير علينا شيء فاستدعوه إليهم وقالوا بين الذي قد قلت لنا فأمرهم بالمسير إلى البيت وأن ينزعوا عن الميت أكفانه وقال لهم احملوه إلى الحمام ثم سكب عليه الماء الحار وأحمى بدنه ونطله بنطولات وغطسه فرأوا فيه أدنى حس وتحرك حركة خفيفة فقال أبشروا بعافيته ثم تمم علاجه إلى أن أفاق وصلح فكان ذلك مبدأ اشتهاره بجودة الصناعة والعلم وظهرت عنه كالمعجزة ثم أنه سئل بعد ذلك من أين علمت أن ذلك الميت وهو محمول وعليه الأكفان أن فيه روحا فقال إني نظرت إلى قدميه فوجدتهما قائمتين وأقدام الذين قد ماتوا منبسطة فحدست أنه حي وكان حدسي صائبا أقول وكان بمصر ابن المنجم المصري وكان شاعرا مشهورا خبيث اللسان وله أهاجي كثيرة في ابن جميع ومن ذلك مما أنشدت له فيه (لابن جميع في طبه حمق * يسب طب المسيح من سببه) (وليس يدري ما في الزجاجة من * بول مريض ولو تمخض به) (وأعجب الأمر أخذه أبدا * أجرة قتل المريض من عصبه) المنسرح وله أيضا فيه (دعوا ابن جميع وبهتانه * ودعواه في الطب والهندسة) (فما هو إلا رقيع أتى * وإن حل في بلد أنحسه)
577 (وقد جعل الشرب من شأنه * ولكن كما تشرب النرجسه) المتقارب وله أيضا فيه (كذبت وصحفت فيما ادعيت * وقلت أبوك جميع اليهودي) (وليس جميع اليهودي أباك * ولكن أباك جميع اليهود) ونقلت من خط يوسف بن هبة الله بن مسلم قصيدة لنفسه وهو يرثي بها الشيخ الموفق بن جميع وهي (أعيني بما تحوي من الدمع فاسجمي * وإن نفذت منك الدموع فبالدم) (فحق بأن تذرفي على فقد سيد * فقدنا به فضل العلا والتكرم) (وأفضل أهل العصر علما وسؤددا * وأفضلهم في مشكل القول مبهم) (وأهداهم بالرأي والأمر مبهم * وأعلمهم بالغيب علم تفهم) (وأرحبهم صدرا وكفا ومنزلا * ووجها كمثل الصبح عند التبسم) (وأنجد من يممته لملمة * وأنجد من أملته لتألم) (ولو كان يفدى من حمام فديته * بنفس متى تقدم على الموت تقرم) (وبطش أسود كالأساود ترتمي * بهزة هندي وعزة لهذم) (ولكن قضاء الله في الخلق نافذ * فلا دافع للآمر المتحكم) (وما رد بقراطا عن الموت طبه * وقد كان من أعيانه في التقدم) (ولا حاد جالينوس عن حتف يومه * فسلم ما أعياه للمتسلم) (لا كسر كسرى ثم تابع تبعا * وعاد بعاد ثم جر بجرهم) (فقل معلنا للشامتين بيومه * ذوو الجهل إن الجهل منكم بمأتم) (تمر سفيهات الرياح عواصفا * فهل زعزعت ضعفا نبات يلملم) (وما سرح السرح الضعيف حراكه * بأرض فكان الليث فيها بمجثم) (ألم يك ذا ورد النفوس بأسرها * فكل أخير تابع المتقدم) (فلا فرح إلا ويعقبه الأسى * ولا غاية البنيان غير التهدم) (فقبحا لدهر ردنا بعد فقده * حيارى بلا هاد حليف التيتم) (أما عجب إذ غاله الحتف راميا * وقد كان أرمى للخطوب بأسهم)
578 (وأهدى إلى الداء الخفي بعلمه * إذا جال بين اللحم والعظم والدم) (وارفع بيتا في القبيل مكارما * كما لاح بدر التم ما بين أنجم) (فيا أيها المولى الموفق أينما * رأيناه من در الكلام المنظم) (وما غال ذاك النطق أفصح مقول * ينير دجى ليل من الشك مظلم) (وما أخمد الحس الذكي توقدا * وقد كان يهدي كل سار ميمم) (لعمرك ما قلب الشجي كغيره * ولا محرق الأحشاء كالمتجشم) (ولا كل من أجرى المدامع ثاكل * وأين جميل في الأسى من متمم) (فلا تعذلوني أن بكيت تأسفا * فقدر عظيم الحزن قدر المعظم) (ووالله ما وفيت واجب حقه * ولو أن جسمي كل عين بمرزم) (وإني لأفني مدة العمر والها * تصرم أيامي ولم يتصرم) (فويح المنايا ما درت كنه حادث * رمت سيدا يحيا به كل منعم) (ثوى بين أحجار الثرى ولقد غدى * يضوع به النادي ذكي التنسم) (وطلق المحيا رائق البشر باسما * وليس بفظ الخلق كالمتجهم) (وقد كنت أهديه الثناء مبجلا * فها أنا أهديه الرثا جهد معدم) (فيا قبره الوضاح لم يدر ما حوى * ترابك من جود ومجد مخيم) (سقاك من الوسمي كل سحابة * تحيل عليك العين ذات توسم) (ولا زال منك النشر يأرج عرفه * فيهديه أنفاس الصبا بمسلم) الطويل ولابن جميع من الكتب كتاب الإرشاد لمصالح الأنفس والأجساد أربع مقالات كتاب التصريح بالمكنون في تنقيح القانون رسالة في طبع الإسكندرية وحال هوائها ومياهها ونحو ذلك من أحوالها وأحوال أهلها رسالة إلى القاضي المكين أبي القاسم علي بن الحسين فيما يعتمده حيث لا يجد طبيبا مقالة في الليمون وشرابه ومنافعه مقالة في الراوند ومنافعه مقالة في الحدبة مقالة في علاج القولنج واسمها الرسالة السيفيه في الأدوية الملوكية أبو البيان بن المدور لقب بالسديد وكان يهوديا قراء عالما بصناعة الطب حسن المعرفة بأعمالها وله مجريات كثيرة وآثار محمودة وخدم الخلفاء المصريين في آخر دولتهم وبعد ذلك خدم الملك الناصر صلاح الدين وكان يرى له ويعتمد على معالجته وله فيه حسن ظن وكانت له منه الجامكية الكثيرة والافتقاد المتوفر وعمر الشيخ أبو البيان بن المدور وتعطل في آخر عمره من الكبر والضعف من كثرة الحركة والتردد إلى الخدمة
579 فأطلق له الملك الناصر صلاح الدين رحمه الله في كل شهر أربعة وعشرين دينارا مصرية تصل إليه ويكون ملازما لبيته ولا يكلف خدمة وبقي على تلك الحال وجامكيته تصل إليه نحو عشرين سنة وكان في مدة انقطاعه في بيته لا يخل بالاشتغال في صناعة الطب ولا يخلو موضعه من التلاميذ والمشتغلين عليه والمستوصفين منه وكان لا يمضي إلى أحد لمعالجته في تلك المدة إلا من يعز عليه جدا ولقد بلغني عنه من ذل أن الأمير ابن منقذ لما وصل من اليمن وكان قد عرض له استسقاء بعث إليه ليأتيه ويعالجه بالمعالجة فاعتذر إليه على قرب موضعه منه ولم يمض إليه دون أن بعث إليه القاضي الفاضل وكيله ابن سناء الملك وقصده في ذلك حتى مضى إليه ووصف له ما يعتمد عليه في المداواة وعاش أبو البيان ابن المدور ثلاثا وثمانين سنة وتوفي في سنة ثمانين وخمسمائة بالقاهرة وكان من تلاميذه زين الحساب ولأبي البيان بن المدور من الكتب مجرباته في الطب أبو الفضائل بن الناقد لقبه المهذب كان طبيبا مشهورا وعالما مذكورا له العلم الوافر والأعمال الحسنة والمداواة الفاضلة وكان يهوديا مشتهرا بالطب والكحل إلا أن الكحل كان أغلب عليه وكان كثير المعاش عظيم الاشتيام حتى أن الطلبة والمشتغلين عليه كانوا في أكثر أوقاته يقرؤون عليه وهو راكب وقت مسيره وافتقاده للمرضى وتوفي سنة أربع وثمانين وخمسمائة بالقاهرة وأسلم ولده أبو الفرج وكان طبيبا وكحالا أيضا وحدثني أبي قال كان قد أتى إلى أبي الفضائل بن الناقد صاحب له من اليهود ضعيف الحال وطلب منه أن يرفده بشيء فأجلسه عند داره وقال له معاشي اليوم بختك ورزقك وركب ودار على المرضى والذين يكحلهم ولما عاد أخرج عدة الكحل وفيها قراطيس كثيرة مصرورة وشرع يفتح واحدة واحدة منها فمنها ما فيها الدينار والأكثر ومنها ما فيها دراهم ناصرية وبعضها فيها دراهم سواد فاجتمع من ذلك ما يكون قيمته الجملة نحو ثلاثمائة درهم سواد فأعطاها ذلك الرجل ثم قال والله جميع هذه الكواغد ما أعرف الذي أعطاني الذهب أو الدراهم أو الكثير منها أو القليل بل كل من أعطاني شيئا أجعله في عدة الكحل وهذا يدل على معاش زائد وقبول كثير ولأبي الفضائل بن الناقد من الكتب مجرباته في الطب الرئيس هبة الله كان إسرائيليا فاضلا مشهورا بالطب جيد الأعمال حسن المعالجة وكان في آخر دولة الخلفاء المصريين وخدمهم بصناعة الطب وكانت له منهم الجامكية الوافرة والصلات المتوالية ثم انقرضت دولتهم وبقي بعدهم يعيش فيما أنعموا به عليه إلى أن توفي وكانت وفاته في سنة خمسمائة ونيف وثمانين
580 الموفق بن شوعة كان من أعيان العلماء وأفاضل الأطباء إسرائيلي مشهور بإتقان الصناعة وجودة المعرفة في علم الطب والكحل والجراح كان دمثا خفيف الروح كثير المجون وكان يشعر ويلعب بالقيثارة وخدم الملك الناصر صلاح الدين بالطب لما كان بمصر وعلت منزلته عنده وكان بدمشق فقيه صوفي صحب محمد بن يحيى وسكن خانقاه السميساطي كان يعرف بالخوبشاني ويلقب بالنجم وله معرفة بنجم الدين أيوب وبأخيه أسد الدين وكان الخوبشاني ثقيل الروح قشفا في العيش يابسا في الدين يأكل الدنيا بالناموس ولما صعد أسد الدين مصر تبعه ونزل بمسجد عند دار الوزارة يعرف اليوم بمسجد الخوبشاني وكان يثلب أهل القصر ويجعل تسبيحه سبهم وكان سلطا ومتى رأى ذميما راكبا قصد قتله فكانوا يتحامونه ولما كان في بعض الأيام رأى ابن شوعة وهو راكب فرماه بحجر أصاب عينه فقلعها وتوفي ابن شوعة بالقاهرة في سنة تسع وسبعين وخمسمائة ومن شعر الموفق بن شوعة أنشدني القاضي نفيس الدين بن الزبير قال أنشدني الموفق بن شوعة لنفسه فمن ذلك قال في النجم الخوبشاني لما قلع عينه (لا تعجبوا من شعاع الشمس إذ حسرت * منه العيون وهذا الشأن مشهور) (بل أعجبوا كيف أعمى مقلتي نظري * للنجم وهو ضئيل الشخص مستور) البسيط وأنشدني أيضا قال أنشدني المذكور لنفسه يهجو ابن جميع اليهودي (يا أيها المدعي طبا وهندسة * أوضحت يا ابن جميع واضح الزور) (إن كنت بالطب ذا علم فلم عجزت * قواك عن طب داء فيك مستور) (تحتاج فيه طبيبا ذا معالجة * بمبضع طوله شبران مطرور) (هذا ولا تشتفي منه فقل وأجب * عن ذا السؤال بتمييز وتفكير) (ما هندسي له شكل تهيم به * وليس ترغب فيه غير منشور) (مجسم اسطواني على أكر * تألفت بين مخروط وتدوير) (000 ألا نصف زاوية * 000 فهو كمثل الحبل في البير) البسيط وقال أيضا (وروضة جادها صوب الربيع فقد * جادت علينا بوشي لم تحكه يد) (كأن أصغرها الزاهي وأبيضها * تبر وورق بكف الريح تنتقد)
581 (وباح نشر خزاماها بما كتمت * وناح قمريها شجوا بما يجد) البسيط أبو البركات بن القضاعي لقبه الموفق وكان من جملة الأطباء المهرة والمتميزين في صناعة الطب وكان مشكورا في علمها مشهورا بجودة المعرفة في عملها وكان يعاني أيضا صناعة الكحل والجراح ويعد من الأفاضل فيهما وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين في الديار المصرية وتوفي أبو البركات بن القضاعي بالقاهرة في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة أبو المعالي بن تمام هو أبو المعالي تمام بن هبة الله بن تمام يهودي غزير العلم وافر المعرفة وكان مشهورا في الدولة موصوفا بالفضل مشكورا بالمعالجة وكان مقيما بفسطاط مصر وأسلم جماعة من أولاده وكان أبو المعالي قد خدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي في أيامه وخدم أيضا بعد ذلك لأخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب ولأبي المعالي بن تمام من الكتب تعاليق ومجربات في الطب الرئيس موسى هو الرئيس أبو عمران موسى بن ميمون القرطبي يهودي عالم بسنن اليهود ويعد من أحبارهم وفضلائهم وكان رئيسا عليهم في الديار المصرية وهو أوحد زمانه في صناعة الطب وفي أعمالها متفنن في العلوم وله معرفة جيدة بالفلسفة وكان السلطان الملك الناصر صلاح الدين يرى له ويستطبه وكذلك ولده الملك الأفضل علي وقيل أن الرئيس موسى كان قد أسلم في المغرب وحفظ القرآن واشتغل بالفقه ثم أنه لما توجه إلى الديار المصرية وأقام بفسطاط مصر ارتد وقال القاضي السعيد بن سناء الملك يمدح الرئيس موسى (أرى طب جالينوس للجسم وحده * وطب أبي عمران للعقل والجسم) (فلو أنه طب الزمان بعلمه * لا براه من داء الجهالة بالعلم) (ولو كان بدر التم من يستطبه * لتم له ما يدعيه من التم)
582 (وداواه يوم التم من كلف به * وأبرأه يوم السرار من السقم) الطويل وللرئيس موسى من الكتب اختصار الكتب الستة عشر لجالينوس مقالة في البواسير وعلاجها مقالة في تدبير الصحة صنفها للملك الأفضل علي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب مقالة في السموم والتحرز من الأدوية القتالة كتاب شرح العقار كتاب كبير على مذهب اليهود إبراهيم بن الرئيس موسى هو أبو المنى إبراهيم بن الرئيس موسى بن ميمون منشؤه بفسطاط مصر وكان طبيبا مشهورا عالما بصناعة الطب جيدا في أعمالها وكان في خدمة الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب ويتردد أيضا إلى البيمارستان الذي بالقاهرة من القصر ويعالج المرضى فيه واجتمعت به سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين وستمائة بالقاهرة وكنت حينئذ أطب في البيمارستان بها فوجدته شيخا طويلا نحيف الجسم حسن العشرة لطيف الكلام متميزا في الطب وتوفي إبراهيم بن الرئيس موسى بمصر في سنة وثلاثين وستمائة أبو البركات بن شعيا ولقبه الموفق شيخ مشهور كثير التجارب مشكور الأعمال في صناعة الطب وكان يهوديا قراء عاش ستا وثمانين سنة وتوفي بالقاهرة وخلف ولدا يقال له سعيد الدولة أبو الفخر وهو طبيب أيضا ومقامه بالقاهرة الأسعد المحلي هو أسعد الدين يعقوب بن إسحاق يهودي من مدينة المحلة من أعمال ديار مصر متميز في الفضائل وله اشتغال بالحكمة واطلاع على دقائقها وهو من المشهورين في صناعة الطب والخبيرين بالمداواة والعلاج وأقام بالقاهرة وسافر في أول سنة ثمان وتسعين وخمسمائة إلى دمشق وأقام بها مديدة وجرت بينه وبين بعض الأفاضل من الأطباء بها مباحث كثيرة ونكد ورجع بعد ذلك إلى الديار المصرية وتوفي بالقاهرة ومن نوادره في حسن المداواة أنه كان بعض أهلنا من النساء قد عرض لها مرض وتغير مزاج وتطاول بها ولم ينجع فيها علاج فلما افتقدها قال لعمي وكان صديقه عندي أقراص قد ركبتها لهذا المرض خاصة وهي تبرأ بها إن شاء الله تكون تتناول في كل يوم بالغداة منها قرصا مع شراب سكنجبين وأعطاه الأقراص فلما تناولتها برأت
583 وللأسعد المحلي من الكتب مقالة في قوانين طبية وهي ستة أبواب كتاب المنزه في حل ما وقع من إدراك البصر في المرايا من الشبه كتاب في مزاج دمشق ووصفها وتفاوتها من مصر وأنها أصح وأعدل وفي مسائل أخر في الطب وأجوبتها وهو يحتوي على ثلاث مقالات مسائل طبية وأجوبتها سألها لبعض الأطباء بدمشق وهو صدقة بن ميخا بن صدقة السامري الشيخ السديد بن أبي البيان هو سديد الدين أبو الفضل داوود بن أبي البيان سليمان بن أبي الفرج إسرائيل بن أبي الطيب سليمان ابن مبارك إسرائيلي قراء مولده في سنة ست وخمسين وخمسمائة بالقاهرة وكان شيخا محققا للصناعة الطبية متقنا لها متميزا في علمها وعملها خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة ولقد شاهدت منه حيث نعالج المرضى بالبيمارستان الناصري بالقاهرة من حسن تأنيه لمعرفة الأمراض وتحقيقها وذكر مداواتها والاطلاع على ما ذكره جالينوس فيها ما يعجز عن الوصف وكان أقدر أهل زمانه من الأطباء على تركيب الأدوية ومعرفة مقاديرها وأوزانها على ما ينبغي حتى أنه كان في أوقات يأتي إليه من المستوصفين من به أمراض مختلفة أو قليلة الحدوث فكان يملي صفات أدوية مركبة بحسب ما يحتاج إليه ذلك المريض من الأقراص والسفوفات والأشربة أو غير ذلك في الوقت الحاضر وهي في نهاية الجودة وحسن التأليف وكان شيخه في صناعة الطب الرئيس هبة الله بن جميع اليهودي وقرأ أيضا على أبي الفضائل بن الناقد وكان الشيخ السديد بن أبي البيان قد خدم الملك العادل أبا بكر ابن أيوب ووجدت لبعضهم فيه (إذا أشكل الداء في باطن * أتى ابن بيان له بالبيان) (فإن كنت ترغب في صحة * فخذ لسقامك منه الأمان) المتقارب وعاش فوق الثمانين سنة وكان قد ضعف بصره في آخر عمره وللشيخ السديد بن أبي البيان من الكتب كتاب الأقراباذين وهو اثنا عشر بابا قد أجاد في جمعه وبالغ في تأليفه واقتصر على الأدوية المركبة المستعملة المتداولة في البيمارستانات بمصر والشام والعراق وحوانيت الصيادلة وقرأته عليه وجمعته معه تعاليق على كتاب العلل والأعراض لجالينوس جمال الدين بن أبي الحوافر هو الشيخ الإمام العالم أبو عمرو عثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي ويعرف بابن أبي الحوافر أفضل الأطباء وسيد العلماء وأوحد العصر وفريد الدهر قد أتقن الصناعة الطبية
584 وتميز في أقسامها العلمية والعملية وله اشتغال جيد في علم الأدب وعناية فيه وله شعر كثير صحيح المباني بديع المعاني وكان رحمه الله كثير المروءة غزير العربية معروفا بالأفضال موصوفا بحسن الخلال قد غمر بإحسانه الخاص والعام وشملهم بكثرة الأنعام مولده ومنشؤه بدمشق واشتغل بصناعة الطب على الإمام مهذب الدين بن النقاش وعلى الشيخ رضي الدين الرحبي وخدم بصناعة الطب الملك العزيز عثمان بن الملك الناصر صلاح الدين وأقام معه في الديار المصرية وولاه رياسة الطب ولم يزل في خدمته وهو كثير الإحسان إليه والإنعام عليه إلى أن توفي الملك العزيز رحمه الله وكانت وفاته ليلة الأحد العشرين من المحرم سنة خمس وتسعين وخمسمائة بالقاهرة وبقي هو مقيما بالديار المصرية وقطن بها ثم خدم بعد ذلك الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب وبقي معه سنين وتوفي جمال الدين بن أبي الحوافر رحمه الله بالقاهرة وحدثني بعض أصدقائه قال كان يوما راكبا فرأى في بعض النواحي على مصطبة بياع حمص مسلوق وهو قاعد وقدامه كحال يهودي وهو واقف وبيده المكحلة والميل وهو يكحل ذلك البياع فحين رآه على تلك الحال ساق بغلته نحوه وضربه بالمقرعة على رأسه وشتمه وعندما مشى معه قال له إذا كنت أنت سفلة في نفسك أما للصناعة حرمة كنت قعدت إلى جانبي وكحلته ولا تبقى واقفا بين يدي عامي بياع حمص فتاب أن يعود يفعل من ذلك الفعل وانصرف أقول واشتغل على الشيخ جمال الدين بن أبي الحوافر جماعة وتميزوا في صناعة الطب وأفضل من اشتغل عليه منهم وكان أجل تلامذته وأعملهم عمي الحكيم رشيد الدين علي بن خليفة رحمه الله فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحوافر كان مثل أبيه جمال الدين في العلم والفضل والنباهة نزيه النفس صائب الحدس أعلم الناس بمعرفة الأمراض وتحقيق الأسباب والأعراض حسن العلاج والمداواة لطيف التدبير والمداراة عالي الهمة كثير المروءة فصيح اللسان كثير الإحسان وخدم بصناعة الطب الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب وبعد الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد وتوفي رحمه الله في أيامه بالقاهرة شهاب الدين بن فتح الدين هو سيد العلماء ورئيس الأطباء علامة زمانه وأوحد أوانه قد جمع الفضائل وتميز على الأواخر والأوائل وأتقن الصناعة الطبية علما وعملا وحررها تفصيلا وجملا وهو علامة وقته في
585 حفظ الصحة ومراعاتها وإزالة الأمراض وعلاجاتها وقد اقتفى سيرة آبائه وفاق نظرائه في همته وإبائه (ورث المكارم عن أبيه وجده * كالرمح أنبوبا على أنبوب) ومقامه في الديار المصرية وخدم بصناعة الطب الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الملك الصالح صاحب الديار المصرية والشامية القاضي نفيس الدين بن الزبير هو القاضي الحكيم نفيس الدين أبو القاسم هبة الله بن صدفة بن عبد الله الكولمي والكولم من بلاد الهند وهو ينسب من جهة أمه إلى ابن الزبير الشاعر المشهور الذي كان بالديار المصرية وهو القائل (يا ربع أين ترى الأحبة يمموا * هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا) ومولد القاضي نفيس الدين في سنة خمس أو ست وخمسين وخمسمائة وقرأ صناعة الطب على ابن شوعة أولا وقرأ بعد ذلك على الشيخ السديد رئيس الطب وتميز في صناعة الطب وحاول أعمالها وأتقن أيضا صناعة الكحل وعلم الجراح وكثرت شهرته بصناعة الكحل وولاه الملك الكامل ابن الملك العادل رياسة الطب بالديار المصرية ويكحل في البيمارستان الناصري الذي كان من جملة القصر للخلفاء المصريين وتوفي القاضي نفيس الدين بن الزبير رحمه الله بالقاهرة في سنة ست وثلاثين وستمائة وله أولاد مقيمون في القاهرة وهم من المشهورين بصناعة الكحل والمتميزين في عملها وعملها أفضل الدين الخونجي هو الإمام العالم الصدر الكامل سيد العلماء والحكماء أوحد زمانه وعلامة أوانه أفضل الدين أبو عبد الله محمد بن ناماوار الخونجي قد تميز في العلوم الحكمية وأتقن الأمور الشرعية قوي الاشتغال كثير التحصيل اجتمعت به بالقاهرة في سنة اثنتين وثلاثين وست مائة فوجدته الغاية القصوى في سائر العلوم وقرأت عليه بعض الكليات من كتاب القانون للرئيس ابن سينا وكان في بعض الأوقات يعرض له انشداه وخاطر لكثرة انصباب ذهنه إلى العلم وتوفر فكرته فيه وفي آخر أمره تولى القضاء بمصر وصار قاضي القضاة بها وبأعمالها وكانت وفاته رحمه الله بالقاهرة يوم الأربعاء
586 خامس شهر رمضان سنة ست وأربعين وست مائة ودفن بالقرافة وقال الشيخ عز الدين محمد بن حسن الغنوي الضرير الأربلي يرثيه (قضى أفضل الدنيا فلم يبق فاضل * وماتت بموت الخونج الفضائل) (فيا أيها الحبر الذي جاء أخرة * فحل لنا ما لم تحل الأوائل) (ومستنبط العلم الخفي بفكرة * بها اتضحت للسائلين المسائل) (وفاتح باب المشكلات بها لنا * فلم يسم لولاه لها المتطاول) (وحبرا إذا قيس البحار بعلمه * غدا علمه بحرا وتلك الجداول) (فليت المنايا عنه طاشت سهامها * وكانت أصيبت من سواه المقاتل) (أتدري بمن قد صار حامل نعشه * عداه أحبوه ومن هو حامل) (ومات فريدا في الزمان وأهله * وبحر علوم ماله الدهر ساحل) (فإن غيبوه في الثرى عن عيوننا * فما علمه خاف ولا الذكر خامل) (وإن أفلت شمس المعالي بموته * فما علمه عن طالب العلم زائل) (وما كنت أدري أن للشمس في الثرى * أفولا وأن البدر في الترب نازل) (إلا أن رأيناه وقد حل قبره * قضينا بأن البدر في اللحد حاصل) الطويل ولأفضل الدين الخونجي من الكتب شرح ما قاله الرئيس ابن سينا في النبض مقالة في الخدور والوروم كتاب الجمل في علم المنطق كتاب كشف الأسرار في علم المنطق كتاب الموجز في المنطق كتاب أدوار الحميات أبو سليمان داود بن أبي المنى بن أبي فانة كان طبيبا نصرانيا بمصر في زمن الخلفاء وكان حظيا عندهم فاضلا في الصناعة الطبية خبيرا بعلمها وعملها متميزا في العلوم وكان من أهل القدس ثم انتقل إلى الديار المصرية وكانت له معرفة بالغة بأحكام النجوم حدثني الحكيم رشيد الدين أبو حليقة بن الفارس بن أبي سليمان المذكور قال سمعت الأمير مجد الدين أخا الفقيه عيسى وهو يحدث السلطان الملك الكامل بشر مساح عند حضوره إليه بعد وفاة الملك العادل ونزول الفرنج على ثغر دمياط من أحوال جدي أبي سليمان داود ما هذا نصه قال كان الحكيم أبو سليمان في زمن الخلفاء وكان له خمسة أولاد فلما وصل الملك ماري إلى الديار المصرية أعجبه طبه فطلبه من الخليفة بها ونقله هو وأولاده الخمسة إلى البيت المقدس ونشأ
587 للملك ماري ولد مجذم فركب له الترياق الفاروقي بالبيت المقدس وترهب وترك ولده الأكبر وهو الحكيم المهذب أبو سعيد خليفته على منزله وإخوته واتفق أن ملك الفرنج المذكور بالبيت المقدس أسر الفقيه عيسى ومرض فسيره الملك لمداواته فلما وصل إليه وجده في الجب مثقلا بالحديد فرجع إلى الملك وقال له إن هذا الرجل ذو نعمة ولو سقيته ماء الحياة وهو على هذا الحال لم ينتفع به قال الملك فما أفعل في أمره قال يطلقه الملك من الجب ويفك عنه حديده ويكرمه فما يحتاج إلى مداواة أكثر من هذا فقال الملك تخاف أن يهرب وقطيعته كثيرة قال للملك سلمه إلي وضمانه علي فقال له تسلمه وإذا جاءت قطيعته كان لك منها ألف دينار فمضى وشاله من الجب وفك حديده وأخلى له موضعا في داره أقام فيه ستة أشهر يخدمه فيها أتم خدمة فلما جاءت قطيعته طلب الملك الحكيم أبا سعيد ليحضر له الفقيه المذكور فحضر وهو صحبته ووجد قطيعته في أكياس بين يديه فأعطاه منها الكيس الذي وعده به فلما أخذه قال له يا مولانا هذه الألف دينار قد صارت لي أتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم فقال له نعم فأعطاها للفقيه في المجلس وقال له أنا أعرف أن هذه القطيعة ما جاءت إلا وقد تركت خلفك شيئا وربما قد تدني لك شيئا آخر فتقبل مني هذه الألف دينار إعانة نفقة الطريق فقبلها الفقيه منه وسافر إلى الملك الناصر واتفق أن الحكيم أبا سليمان داود المذكور ظهر له في أحكام النجوم إن الملك الناصر يفتح البيت المقدس في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية وأنه يدخل إليها من باب الرحمة فقال لأحد أولاده الخمسة وهو الفارس أبو الخير بن أبي سليمان داود المذكور وكان هذا الولد قد تربى مع الولد المجذم ملك البيت المقدس وعلمه الفروسية فلما توج الملك فرسه وخرج المذكور من بين اخوته الأربعة الأطباء جنديا وكان قول الحكيم أبي سليمان لولده هذا بأن يمضي رسولا عنه إلى الملك الناصر ويبشره بملك البيت المقدس في الوقت المذكور فامتثل مرسومه ومضى إلى الملك الناصر فاتفق وصوله إليه في غرة سنة ثمانين وخمسمائة والناس يهنئونه بها وهم على فاميه فمضى إلى الفقيه المذكور ففرح به غاية الفرح ودخل به إلى الملك الناصر وأوصل إليه الرسالة عن أبيه ففرح بذلك فرحا شديدا وأنعم عليه بجائزة سنية وأعطاه علما أصفر ونشابة من رنكة وقال له متى يسر الله ما ذكرت اجعلوا هذا العلم الأصفر والنشابة فوق داركم فالحارة التي أنتم فيها تسلم جميعها في خفارة داركم فلما حضر الوقت صح جميع ما قاله الحكيم المذكور فدخل الفقيه عيسى إلى الدار التي كان مقيما بها ليحفظها ولم يسلم من البيت المقدس من الأسر والقتل ووزن القطيعة سوى بيت هذا الحكيم المذكور وضاعف لأولاده ما كان لهم عند الفرنج وكتب له كتابا إلى سائر ممالكه برا وبحرا بمسامحتهم بجميع الحقوق اللازمة للنصارى فأعفوا منها إلى الآن وتوفي الحكيم أبو سليمان المذكور بعد أن استدعاه الملك الناصر إليه وقام له قائما وقال له أنت شيخ مبارك قد وصل إلينا بشراك وتم جميع ما ذكرته فتمن علي فقال له أتمنى عليك حفظ أولادي فأخذ الملك الناصر أولاده وأعتنى بهم وأعطاهم للملك العادل ووصاه بأن يكرمهم ويكونوا من
588 الخواص عنده وعند أولاده وكان كذلك أقول وكان فتح السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب للقدس في سابع وعشرين رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة أبو سعيد بن أبي سليمان هو الحكيم مهذب الدين أبو سعيد بن أبي سليمان بن أبي المنى بن أبي فانة كان فاضلا في صناعة الطب كان عالما بها متميزا في أعمالها متقدما في الدولة وقرأ علم الطب على أبيه وعلى غيره وكان السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب قد جعله في خدمة ولده الملك المعظم وأكرمه غاية الإكرام وأمر أن لا يدخل قلعة من قلاعه إلا راكبا مع صحة جسمه فكان يدخل في قلاعه الأربعة كذلك وهي قلعة الكرك وقلعة جعبر وقلعة الرها وقلعة دمشق وخدم أبو سعيد بن أبي سليمان الملك الناصر صلاح الدين والملك العادل أيضا بالطب وانتقل إلى الديار المصرية وأقم بها إلى حين وفاته وتوفي في سنة ثلاث عشرة وستمائة ودفن بدير الخندق عند القاهرة أبو شاكر بن أبي سليمان هو الحكيم موفق الدين أبو شاكر بن أبي سليمان داود وكان متقنا لصناعة الطب متميزا في علمها وعملها جيد العلاج مكينا في الدولة وقرأ صناعة الطب على أخيه أبي سعيد بن أبي سليمان وتميز بعد ذلك واشتهر ذكره وكان السلطان الملك العادل قد جعله في خدمة ولده الملك الكامل فبقي في خدمته وحظي عنده الحظوة العظيمة وتمكن عنده التمكن الكثير ونال في دولته حظا عظيما وكانت له منه إقطاعات ضياع وغيرها ولم يزل أبدا يفتقده بالهبات الوافرة والصلات المتواترة وكان أيضا الملك العادل يعتمد عليه في المداواة ويصفه بحسن العلاج وكان يدخل أيضا في جميع قلاعه وهو راكب مثل قلعة الكرك وقلعة جعبر وقلعة الرها وقلعة دمشق ثم قلعة القاهرة مع صحة جسمه ولقد بلغ من أمره عند سكن الملك الكامل بقصر القاهرة المحروسة أن أسكنه عنده فيه وكان الملك العادل ساكنا بدار الوزارة وأنه ركب ذات يوم على بغلة النوبة التي له وخرج إلى بين القصرين فركب فرسا آخر وسير بغلته التي كان راكبا عليها إلى دار الحكيم المذكور بالقصر وأمر بركوبه عليها وخروجه من القصر راكبا ولم يزل راكبا بين القصرين إلى أن وصل إليه فأخذ بيده وسايره يتحدث معه إلى دار الوزارة وسائر الأمراء يمشون بين يدي الملك الكامل وللعضد ابن منقذ في أبي شاكر
589 (هذا الحكيم أبو شاكر * كثير المحبين والشاكر) (خليفة بقراط في عصرنا * وثانيه في علمه الباهر) المتقارب وتوفي أبو شاكر بن أبي سليمان في سنة ثلاث عشرة وستمائة ودفن بدير الخندق عند القاهرة أبو نصر بن أبي سليمان كان طبيبا عارفا بصناعة الطب حسن المعالجة جيد العلاج وتوفي بالكرك أبو الفضل بن أبي سليمان كان طبيبا مشكورا في صناعة الطب عالما بها متميزا في المعالجة والمداواة وكان أصغر إخوته وعمر من دونهم كان مولده في سنة ستين وخمسمائة ووفاته في سنة أربع وأربعين وستمائة فمدة حياته أربع وثمانون سنة لم يبلغها أحد من إخوته وكان طبيبا للملك المعظم مقيما بالكرك ثم خدم الملك الكامل بالديار المصرية وتوفي فيها رشيد الدين أبو حليقة هو الحكيم الأجل العالم رشيد الدين أبو الوحش بن الفارس أبي الخير بن أبي سليمان داود بن أبي المنى بن أبي فانة ويعرف بأبي حليقة كان أوحد زمانه في صناعة الطب والعلوم الحكمية متفننا في العلوم والآداب حسن المعالجة لطيف المداواة رؤوفا بالمرضى محبا لفعل الخير مواظبا للأمور الشرعية التي هو عليها كثير العبادة ولقد اجتمعت به مرات ورأيت من حسن معالجته وعشرته وكمال مروءته ما يفوق الوصف واشتغل بصناعة الطب في أول أمره على عمه مهذب الدين أبي سعيد بدمشق واشتغل بعد ذلك بالديار المصرية وقرأ أيضا على شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم ابن علي رحمه الله ولم يزل دائم الاشتغال ملازما للقراءة ومولده بقلعة جعبر وذلك في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وخرج منها إلى الرها وربي بها مدة سبع أو ثمان سنين وكان والده يلبسه لباس الجندي مثل لباسه وكان ساكنا بدار يقال لها دار ابن الزعفراني عند باب شاع بالرها وكانت هذه الدار ملاصقة لدار السلطان فاتفق أن الملك الكامل دخل فيها الحمام فأعطاه والده الفارس المذكور فاكهة وماء ورد وأمره بحمله إلى السلطان فحمله إليه فلما خرج من الحمام وقدمه إليه أخذه ودخل به إلى الخزانة وفرغ تلك الأطباق الفاكهة وملأها له شقاقا سنية وسيرها مع غلامه لوالده وأخذ الملك الكامل بيده وكان عمره يومئذ نحو ثمان سنين ودخل إلى الملك العادل وعندما أبصره الملك العادل ولم يكن رآه قبلها قط قال للملك الكامل يا محمد هذا ابن الفارس لأنه
590 أخذه بالشبة فقال نعم قال هاته إلي فحمله الملك الكامل ووضعه بين يديه فمسك بيده وتحدث مع معه حدليناطويلا ثم التفت إلى والده وقد كان قائما في خدمته مع جملة القيام وقال له ولدك هذا ولد ذكي لا تعلمه الجندية فالأجناد عندنا كثيرون وأنتم بيت مبارك وقد استبركنا بطبكم تسيره إلى الحكيم أبي سعيد إلى دمشق ليقرئه الطب فامتثل والده الأمر وجهزه وسيره إلى دمشق أقام فيها مدة سنة كاملة حفظ فيها كتاب الفصول لأبقراط وتقدمة المعرفة ثم وصل إلى القاهرة في سنة تسع وخمسمائة ولم يزل مقيما بها وخدم بصناعة الطب الملك الكامل وكان كثير الاحترام له حظيا عنده وله منه الإحسان الكثير والإنعام المتصل وله خبز بالديار المصرية وهو الذي كان مقطعا باسم عمه موفق الدين أبي شاكر فإنه لما توفي أبو شاكر جعل الملك الكامل هذا الخبز باسم رشيد الدين المذكور وهو نصف بلد يعرف بالعزيزية والخربة من أعمال الشرقية ولم يزل في خدمة الملك الكامل إلى أن توفي رحمه الله ثم خدم بعده ولده الملك الصالح نجم الدين أيوب إلى أن توفي الملك الصالح رحمه الله وخدم أيضا ولد الملك الصالح بعد ذلك وهو الملك المعظم ترنشاه ولما قتل رحمه الله وذلك في يوم الاثنين سابع وعشرين المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة وجاءت دولة الترك واستولوا على البلاد واحتووا على الممالك صار في خدمتهم وأجروه على ما كان باسمه ثم خدم منهم الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الملك الصالح وبقي في خدمته على عادته المستمرة وقاعدته المستقرة وله منه الاحترام التام وجزيل الإنعام والإكرام وللحكيم رشيد الدين أبي حليقة نوادر في أعمال صناعة الطب وحكايات كثيرة تميز بها على غيره من جماعة الأطباء من ذلك أنه مرضت دار من بعض الآدر السلطانية بالعباسية وكان من سيرته معه أن لا يشرك معه طبيبا في مداواته وفي مداواة من يعز عليه من دوره وأولاده فباشر مداواة المريضة المذكورة أياما قلائل ثم حصل له شغل ضروري ألجأه إلى ترك المريضة ودخل القاهرة وأقام بها ثمانية عشر يوما ثم خرج إلى العباسية فوجد المريضة قد تولى مداواتها الأطباء الذين في الخدمة فلما حضر وباشر معهم قالوا له هذه المريضة تموت والمصلحة أن نعلم السلطان بذلك قبل أن يفاجئه أمرها بغتة فقال لهم إن هذه المريضة عندي ما هي في مرضة الموت وأنها تعافى بمشيئة الله تعالى من هذه المرضة فقال له أحدهم وهو أكبرهم سنا وكان الحكيم المذكور شابا إنني أكبر منك وقد باشرت من المرضى أكثر منك فتوافقني على كتابة هذه الرقعة فلم يوافقه فقالت جماعة الحكماء لا بد لنا من المطالعة فقال لهم إن كان لا بد لكم من هذه المطالعة فيكون بأسمائكم من دوني فكتب إليه الأطباء بموتها فسير إليهم رسولا ومعه نجار ليعمل لها تابوتا تحمل فيه ولما وصل الرسول
591 والنجار معه إلى الباب والأطباء جلوس قال له الحكيم المذكور ما هذا النجار قال يعمل تابوتا لمريضتكم فقال له تضعونها فيه وهي في الحياة فقال الرسول لا لكن بعد موتها قال له ترجع بهذا النجار وتقول للسلطان عني خاصة أنها في هذه المرضة لا تموت فرجع وأخبره بذلك فلما كان الليل استدعاه السلطان بخادم وشمعة وورقة بخطه يقول فيها ولد الفارس يحضر إلينا لأنه لم يكن بعد سمي أبا حليقة وإنما سماه بذلك فيما بعد السلطان الملك الكامل فإنه كان في بعض الأيام جالسا مع الأطباء على الباب فقال السلطان للخادم في أول مرة اطلب الحكيم فقال له يا خوند أي الحكماء هو فقال له أبو حليقة فاشتهر بين الناس بهذا الاسم من ذلك اليوم إلى حيث غطى نعته ونعت عمه الذي كانوا يعرفون به ببني شاكر فلما وصل إليه قال أنت منعت عمل التابوت فقال نعم قال بأي دليل ظهر لك هذا من دون الأطباء كلهم قال له يا مولانا لمعرفتي مزاجها وبأوقات مرضها على التحرير من دونهم وليس عليها بأس في هذه المرضة فقال له امض وطبها واجعل بالك لها فطب المذكورة وعوفيت ثم أخرجها السلطان وزوجها وولدت من زوجها أولادا كثيرين ومن جملة ما تم أيضا له أنه حكم معرفة نبض الملك الكامل حتى أنه في بعض الأيام خرج إليه من خلف الستارة مع الآدر المرضى فرأى نبض الجميع ووصف لهم فلما انتهى إلى نبضه عرفه فقال هذا نبض مولانا السلطان وهو صحيح بحمد الله فتعجب منه غاية العجب وزاد تمكنه عنده ومن حكاياته معه أنه أمره بعمل الترياق الفاروق فاشتغل بعمله مدة طويلة ساهرا عليه الليل حتى حقق كل واحد من مفرداته اسما على مسمى بشهادة أئمة الصناعة أبقراط وجالينوس وفي غضون ذلك حصل للسلطان نزلة على أسنانه فأفصد بسببها وهو ببركة الفيل يتفرج بها فطلع إلى القلعة وتولى مداواته الأسعد الطبيب بن أبي الحسن بسبب شغل المذكور بعمل الترياق فعالجه الأسعد مدة والحال كلما مر اشتد فشكا ذلك للأسعد فقال له ما بقي قدامي إلا الفصد فقال له أفصد مرة أخرى ولي عن الفصد ثلاثة أيام اطلبوا لي أبا حليقة فحضر إليه وشكا له حاله وأعلمه أن ذلك الطبيب قد أشار عليه بالفصد واستشاره فيه أو في شرب دواء فقال يا مولانا بدنك بحمد الله نقي والأمر أيسر من هذا كله فقال له السلطان إيش تقول لي أيسر وأنا في شدة عظيمة من هذا الألم لا أنام الليل ولا أقر النهار فقال له يتسوك مولانا من الترياق الذي حمله المملوك في البرنية الفضة الصغيرة وترى بإذن الله العجب وخرج إلى الباب ولم يشعر إلا بورقة بخط السلطان قد خرجت إليه وهو يقول فيها يا حكيم استعملت ما ذكرته فزال جميع ما بي لوقته وكان ذلك بحضور الأسعد الطبيب الذي كان يعالجه أولا فقال له ونحن ما نصلح لمداواة الملوك ولا يصلح لمداواتهم إلا أنتم ثم دخل الملك الكامل إلى خزانته وبعث إليه منها خلعا سنية وذهبا متوفرا ومن حكاياته إنه لما طال عليه عمل الترياق الفاروق لتعذر حضور أدويته الصحيحة من الآفاق
592 عمل ترياقا مختصرا توجد أدويته في كل مكان ونوى أنه لا يقصد به قربا من ملك ولا طلب مال ولا جاها في الدنيا ولا يقصد به إلا التقرب إلى الله بنفع خلقه أجمعين والشفقة على سائر العالمين وبذله للمرضى فكان يخلص به المفلوجين ويقوم به الأيدي المتقوسة لوقته وساعته بحيث كان ينشئ في العصب زيادة في الحرارة الغريزية وتقوية وإذابة البلغم الذي فيه فيجد المريض الراحة به لوقته ويسكن وجع القولنج من بعد الاستفراغ لوقته وأنه مر على بواب الباب الذي بين السورين بالقاهرة المحروسة وهو رجل يعرف بعلي وهو ملقى على ظهره لا يقدر أن ينتصب من جنب إلى جنب فشكا إليه حاله فأعطاه منه شربة وطلع القلعة وباشر المرضى وعاد في الساعة الثالثة من النهار فقام المفلوج يعدو في ركابه يدعو له فقال له اقعد فقال يا مولانا قد شبعت قعودا خليني أتملى بنفسي ومن حكاياته أن الملك الكامل كان عنده مؤذن يعرف بأمين الدين جعفر حصل له حصاة سدت مجرى البول وقاسى من ذلك شدة أشرف فيها على الموت فكتب إلى الملك الكامل وأعلمه بحاله وطلب منه دستورا يمشي إلى بيته يتداوى فلما حضر إلى بيته أحضر أطباء العصر فوصف كل منهم له ما وصف فلم ينجع فاستدعى الحكيم أبا حليقة المذكور فأعطاه شربة من ذلك الترياق فبمقدار ما وصلت إلى معدته نفذت قوتها إلى موضع الحصاة ففتتتها وخرجت من الأراقة وهي مصبوغة بالدواء وخلص لوقته وخرج لخدمة سلطانه وأذن أذان الظهر وكان السلطان يومئذ مخيما على جيزة القاهرة فلما سمع صوته أمر بإحضاره إليه فلما حضر قال له ما ورقتك بالأمس وصلتنا وأنت تقول أنك كنت على الموت فأخبرني أمرك فقال يا مولانا الأمر كان كذلك لولا لحقني مملوك مولانا الحكيم أبو حليقة فأعطاني ترياقا خلصت به للوقت والحال واتفق أن في ذلك اليوم جلس إنسان ليريق ماء فنهشته أفعى في ذكره فقتلته فلما سمع السلطان بخبره رق عليه لأنه كان رؤوفا بالخلق ثم دخل إلى قلعة القاهرة بات بها وأصبح من باكر والحكيم المذكور قاعد في الخدمة عند زمام الدار على الباب والسلطان قد خرج فوقف واستدعاه إليه وقال له يا حكيم أيش هذا الترياق الذي عملته واشتهر نفعه للناس هذه الشهرة العظيمة ولم تعلمني به قط فقال يا مولانا المملوك لا يعمل شيئا إلا لمولانا وما سبب تأخير إعلامه إلا ليجربه المملوك لأنه هو الذي أنشأه فإذا صحت له تجربته ذكره لمولانا على ثقة منه وإذ قد صح هذا لمولانا فقد حصل المقصود فقال له تمضي وتحضر لي كلما عندك منه وترك خادما قاعدا على الباب في انتظاره ورجع إلى داره كأنه لم يطلع القلعة في تلك الليلة ولا خرج من الدار في تلك الساعة إلا لهذا المهم خاصة فمضى الحكيم المذكور إلى داره فوجد عنده من ذلك الترياق شيئا يسيرا لأن الخلق كانت تغنيه مما تطلبه منه فمضى إلى أصدقائه الذين كان أهدى لهم منه شيئا وجمع منه مقدار أحد عشر درهما ووعدهم بأنه يعطيهم عوضا عنه أضعافه فجعله في برنية فضة صغيرة وكتب عليه منافعه ومقدار الشربة منه وحملها إلى الخادم المذكور القاعد في انتظاره فحملها إلى السلطان ولم يزل حافظا لها فلما آلمته أسنانه دلكه عليها فحصل له منه من الراحة ما ذكر
593 ومن حكاياته معه أنه كان قد عرض لبعض جهاته مرض عجز عن مداواته فسيرت تلك الجهة تقول له أنا أعرف أن السلطان لو عرف أن في الديار المصرية طبيبا خيرا منك لما سلم نفسه وأولاده إليك من دون كافة الأطباء فأنت ما تؤتى في مداواتي من قلة معرفة بل من التهاون بأمري بدليل أنك تمرض فتداوي نفسك في أيام يسيرة وكذلك يمرض أحد أولادك فتداويه في أيام يسيرة أيضا وكذلك بقية الجهات التي عندنا ما منهم إلا من تداويه وتنجع مداواتك بأيسر سعي فقال لها ما كل الأمراض تقبل المداواة ولو قبلت الأمراض كلها المداواة لما مات أحد فلم تسمع ذلك منه وقالت أنا أعرف أن ما بقي في الديار المصرية طبيب وأنا أشير إلى السلطان يستخدم لي أطباء من دمشق فاستخدم لها طبيبين نصرانيين فلما حضرا لمداواتها من دمشق اتفق سفر السلطان إلى دمياط فاستؤذن من يمضي معه من الأطباء ومن يترك فقال الأطباء كلهم يبقون في خدمة تلك الجهة والحكيم فلان وحده يكون معي فأما أولئك الأطباء فأنهم عالجوها بكل ما يقدرون عليه وتعبوا في مداواتها فلم ينجع فانبسط في ذلك عذر المذكور وأورد ما ذكر أبقراط في تقدمة المعرفة ثم أنه لما سافر مع السلطان بقي في خدمته مدة شهر لم يتفق له أن يستدعيه وبعد ذلك بدمياط استدعاه ليلا فحضر بين يديه فوجده محموما ووجد به أعراضا مختلفة يباين بعضها بعضا فركب له مشروبا يوافق تلك الأعراض المختلفة وحمله إليه في السحر فلم تغب الشمس إلا وقد زال جميع ما كان يشكوه فحسن ذلك عنده جدا ولم يزل ملازما لاستعمال ذلك التدبير إلى أن وصل إلى الإسكندرية واتفق أول يوم من صيام شهر رمضان أن الحكيم المذكور مرض بها فحضر إليه الأطباء الذين في الخدمة واستشاروه فيما يحملون إلى السلطان يفطر عليه فقال لهم عنده مشروب قد جربه وهو يثني عليه ويطلبه دائما فما دام لا يشكو لكم شيئا متجددا يمنع من استعماله فاحملوه إليه وإن تجدد لكم شيء فاستعملوا ما تقتضيه المصلحة الحاضرة فمضوا ولم يقبلوا منه قصدا منهم أن يجددوا تدبيرا من جهتهم فلما جددوا ذلك التدبير تغير عليه مزاجه فاستدعاهم واستدعى نسخة الحكيم المذكور وأخذ يحاققهم عليها فكان من جملة ما فيها بزر هندبا وقد حذفوه فقال لهم لماذا حذفتم هذا البزر وهو مقو للكبد منق للعروق قاطع للعطش فقال أحد الأطباء الذين حضروا والله ما للمماليك في حذفه ذنب إلا أن الأسعد بن أبي الحسن نقل في بزر الهندبا نقلا شاذا بأنه يضر بالطحال المملوك والله ما يعرفه وزعم أن بمولانا طحالا فوافقه المماليك على ذلك فقال والله يكذب أنا ما بي وجع طحال وأمر بإعادة بزر الهندبا إلى مكانه ثم حاققهم على منفعة دواء من مفردات ذلك المشروب التي حذفوها إلى أن أعادوهما وأعاد استعماله دائما ولم يزل منتفعا به شاكرا له
594 ومن حكاياته أنه طلب منه يوما أن يركب له صلصا يأكل به اليخني في الأسفار واقترح عليه أن يكون مقويا للمعدة منبها للشهوة وهو مع ذلك ملين للطبخ فركب له صلصا هذه صفته يؤخذ من المقدونس جزء ومن الريحان الترنجاني وقلوب الأترج الغضة المحلاة بالماء والملح أياما ثم بالماء الحلو أخيرا من كل واحد نصف جزء يدق في جرن الفقاعي كل منهم بمفرده حتى يصير مثل المرهم ثم يخلط الجميع في الجرن المذكور ويعصر عليه الليمون الأخضر المنتقى ويذر عليه من الملح الأندراني مقدار ما يطيبه ثم يرفع في مسللات صغار تسع كل واحدة منها مقدار ما يقدم على المائدة لأنها إذا نقصت تكرجت وتختم تلك الأواني بالزيت الطيب وترفع فلما استعمله السلطان حصلت له منه المقاصد المطلوبة وأثنى عليه ثناء كثيرا وكان مسافرا إلى بلاد الروم فقال للحكيم المذكور هذا الصلص يدوم مدة طويلة فقال له لا فقال ما يقيم شهرا فقال له نعم إذا عمل على هذه الصورة التي ذكرتها فقال تعمل لي منه راتبا في كل شهر ما يكفيني في مدة ذلك الشهر وتسيره لي في رأس كل هلال فلم يزل الحكيم المذكور يجدد ذلك الصلص في كل شهر ويسيره له إلى دربندات الروم وهو يلازم استعماله في الطريق ويثني عليه ثناء كثيرا ومن نوادره أنه جاءت إليه امرأة من الريف ومعها ولدها وهو شاب قد غلب عليه النحول والمرض فشكت إليه حال ولدها وأنها قد أعيت فيه من المداواة وهو لا يزداد إلا سقاما ونحولا وكانت قد جاءت إليه بالغداة قبل ركوبه وكان الوقت باردا فنظر إليه واستقرأ حاله وجس نبضه فبينما هو يجس نبضه قال لغلامه ادخل ناولني الفرجية حتى أجعلها علي فتغير نبض ذلك الشاب عند قوله تغيرا كثيرا واختلف وزنه وتغير لونه أيضا فحدس أن يكون عاشقا ثم جس نبضه بعد ذلك فتساكن وعندما خرج الغلام إليه وقال له هذه الفرجية جس نبضه فوجده أيضا قد تغير فقال لوالدته إن ابنك هذا عاشق والتي يهواها اسمها فرجية فقالت أي والله يا مولاي هو يحب واحدة اسمها فرجية وقد عجزت مما أعذله فيها وتعجبت من قوله لها غاية التعجب ومن اطلاعه على اسم المرأة من غير معرفة متقدمة له لذلك أقول ومثل هذه الحكاية كانت قد عرضت لجالينوس لما عرف المرأة العاشقة وذلك أنه كان قد استدعي إلى امرأة جليلة القدر وكان المرض قد طال بها وحدس أنها عاشقة فتردد إليها ولما كان يوما وهو يجس نبضها وكانت الأجناد قد ركبوا في الميدان وهم يلعبون فحكى بعض الحاضرين ما كانوا فيه وأن فلانا تبينت له فروسية ولعب جيد وعندما سمعت باسم ذلك الرجل تغير نبضها واختلف جسه بعد ذلك فوجده قد تساكن إلى أن عاد إلى حاله الأولى ثم إن جالينوس أشار لذلك الحاكي سرا أن يعيد قوله فلما أعاده وجس نبضها وجده أيضا قد تغير فتحقق من حالها أنها تعشق ذلك الرجل وهذا يدل على وفور العلم وحسن النظر في تقدمة المعرفة
595 أقول وجماعة أهل الحكيم رشيد الدين أبي حليقة أكثر شهرتهم في الديار المصرية والشام ببني شاكر لشهرة الحكيم أبي شاكر وسمعته الذائعة فصار كل من له نسب إليه يعرفون ببني شاكر وإن لم يكونوا من أولاده ولما اجتمعت بالحكيم رشيد الدين أبي حليقة وكان قد بلغه أنني ذكرت الأطباء المشهورين من أهله ووصفت فضلهم وعلمهم فتشكر مني وتفضل فأنشدته بديها (وكيف لا أشكر من فضلهم * قد سار في المشرق والمغرب) (تشرق منهم في سماء العلا * نجوم سعد قط لم تغرب) (قوم ترى أقدارهم في الورى * بالعلم تسمو رتبة الكوكب) (كم صنفوا في الطب كتبا أتت * بكل معنى مبدع مغرب) (وإن شكري في بني شاكر * ما زال في الأبعد والأقرب) (خلدت مجدا دائما فيهم * بحسن وصف وثنا طيب) السريع وأما سبب الحلقة التي وضعت في أذن الرشيد واشتهر بها اسمه فإن والده لم يعش له ولد ذكر غيره فوصف له ووالدته حامل به أن يهيء له حلقة فضة قد تصدق بفضتها وفي الساعة التي يخرج فيها إلى العالم يكون صائغ مجهزا يثقب أذنه ويضع الحلقة فيها ففعل ذلك وأعطاه الله الحياة فعاهدته والدته أن لا يقلعها فبقيت ثم تزوج هو وجاءه أولاد ذكور عدة ويموتون كما جرى الحال في أمره فتبه إلى عمل الحلقة المذكورة فعملها لولده الكبير المعروف بمهذب الدين أبي سعيد لأنه سماه باسم عم المذكور ومن شعر الحكيم رشيد الدين أبي حليقة وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال بحضرة سيف الإسلام (سمح الحبيب بوصله في ليلة * غفل الرقيب ونام عن جنباتها) (في روضة لولا الزوال لشابهت * جنات عدن في جميع صفاتها) (فالطير يطرب في الغصون بصوته * والراح تجلى في كؤوس سقاتها) (ومجالس القمر المنير تنزهت * فيه الحواس باسمها وكناتها) الكامل وقال أيضا (أحن إلى ذكر التواصل يا سعد * حنين النياق العيس عن لها الورد) (فسعدى على قلبي ألذ من المنى * وقربي لها عند اللقاء هو القصد) (حوت مبسما كالدر أضحى منظما * وثغرا كمثل الأقحوان به شهد) (وفرعا كمثل الليل أو حظ عاشق * ووجها كضوء الصبح هذا لذا ضد)
596 (أقول لها عند الوداع وبيننا * حديث كنشر المسك خالطه ند) (ترى نلتقي بعد الفراق بمنزل * ويظفر مشتاق أضر به البعد) (تمر الليالي ليلة بعد ليلة * وذكركم باق يجدده العهد) (ولكن خوف الصب إن طال هجركم * فيقضي ولا يمضي له منكم وعد) (عشقت سيوف الهند من أجل أنها * تشابهها في فعل ألحاظها الهند) (ولي في الرماح السمر سمر لأنها * تشابهها قدا فيا حبذا القد) (وفي الورد معنى شاهد فوق خدها * نشاهده فيها إذا عدم الورد) (وبي من هواها ما جحدت وعبرت * به عبرتي يوما وما نفع الجحد) الطويل وقال أيضا (خليلي أني قد بقيت مسهدا * من الحب مأسور الفؤاد مقيدا) (بحب فتاة يخجل البدر وجهها * ولا سيما في ليل شعر إذا بدا) (ضللت بها وهي الهلال ملاحة * فوا عجبا منه أضل وما هدى) (لها مبسم كالدر أضحى منظما * ونطق كمثل الدر أمسى مبددا) الطويل وقال أيضا لما كان بدمياط ومرض والده في القاهرة فجاءه كتابه بعافيته (مطرت على سحائب النعماء * مذ زال ما تشكو من البلواء) (ولبست مذ أبصرت خطك نعمة * فيها أقوم لشكرها بوفاء) الكامل ولرشيد الدين أبي حليقة من الكتب مقالة في حفظ الصحة مقالة في أن الملاذ الروحانية ألذ من الملاذ الجسمانية إذ الروحانية كمالات وإدراك الكمالات والجسمانية إنما هي دفع آلام خاصة وإن زادت أوقعت في آلام أخر كتاب في الأدوية المفردة سماه المختار في الألف عقار كتاب في الأمراض وأسبابها وعلاماتها ومداواتها بالأدوية المفردة والمركبة التي قد أظهرت التجربة نجحها ولم يداو بها مرضا يؤدي إلى السلامة إلا ونجحت التقطها من الكتب المصنفة في صناعة الطب من آدم وإلى وقتنا هذا ونظم متشتتها ومتفرقها مقالة في ضرورة الموت ولما ذكر من التحليل في هذه المقالة إن الإنسان لم يزل يتحلل من بدنه بالحرارة التي في داخله وبحرارة الهواء الذي من خارج كانت نهايته إلى الفناء بهذين السببين وتمثل بعد ذكرهما بهذا البيت (وإحداهما قاتلي * فكيف إذا استجمعا)
597 وهذا البيت فما يكون موقعه بأولى مما هو في هذا الموضع فإنه قد جاء موافقا لما أورده ومطابقا للمعنى المقصود إليه مهذب الدين أبو سعيد محمد أبي حليقة أوحد العلماء وأكمل الحكماء مولده في القاهرة في سنة عشرين وستمائة وسمي محمدا لما أسلم في أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الملكي الصالحي وهو فقد منحه الله من العقل أكمله ومن الأدب أفضله ومن الذكاء أغزره ومن العلم أكثره قد أتقن الصناعة الطبية وعرف العلوم الحكمية فلا أحد يدانيه فيما يعانيه ولا يصل إلى الخلائق الجميلة التي اجتمعت فيه لطيف الكلام جزيل الإنعام إحسانه إلى الصديق والنسيب والبعيد والقريب وصلني كتابه وهو في المعسكر المنصور الظاهري في شهر شوال سنة سبع وستين وستمائة وهو يعرب عن فضل باهر وعلم وافر وفطنة أصمعية وشنشنة أخزمية وتودد عظيم وإحسان جسيم ويقول فيه أنه وجد بمصر نسخة من هذا الكتاب الذي ألفته في طبقات الأطباء وقد اقتناها وصارت في جملة كتبه التي حواها وبالغ في الوصف الذي يدل على كرم أخلاقه وطيب أعراقه وكان في أول كتابه الواصل إلي (وإني امرؤ أجبتكم لمحاسن * سمعت بها والأذن كالعين تعشق) فقلت على الوزن والروي وكتبت إليه الجواب (أتاني كتاب وهو بالنقش مونق * وفيه المعاني وهي كالشمس تشرق) (كتاب كريم أريحي ممجد * صبيح المحيا نوره يتألق) (هو السيد المولى المهذب والذي * به قد زها في العلم غرب ومشرق) (حكيم حوى كل العلوم بأسرها * وما عنه باب للمكارم يغلق) (كريم لأنواع المحامد جامع * ولكنه للمال جودا مفرق) (إذا ذكرت أوصافه في محافل * فمن طيبها نشر من المسك يعبق) (حوى قصبات السبق في طلب العلا * ومن رام تشبيها به ليس يلحق) (إذا قال بذ القائلين بلاغة * ويصمت قس عنده حين ينطق) (ولو أن جالينوس كان لوقته * لقال بهذا في التطبب يوثق) (فما أحد يحكيه في حفظ صحة * ولا مثله في الجسم للداء يحدق) (إذا قلت مدحا في معالي محمد * فكل امرئ فيما أقول يصدق) (ولو رمت أحصي ما حواه من العلا * عجزت ولو أني البليغ الفرزدق)
598 (ولا غرو في ابنا حليقة أنني * بصدق الولا في قبضة الرق موثق) (لوالدهم عندي أياد قديمة * فشكري لهم طول الزمان محقق) (وكل ففي العلياء سام وسيما * لمن قال لي إذ جد فيه التشوق) (وإني امرؤ أحببتكم لمحاسن * سمعت بها والأذن كالعين تعشق) (فلا برحوا في نعمة وسلامة * مؤبدة ما دامت الدوح تورق) ولم يزل مهذب الدين أبو سعيد محمد ملازما للاشتغال محمود السيرة في الأقوال والأفعال وقرأ على أبيه الصناعة الطبية وحرر أقسامها الكلية والجزئية وحصل معانيها العلمية والعملية وخدم السلطان الملك الظاهر بيبرس الملكي الصالحي بصناعة الطب وله منه غاية الاحترام وأوفر الإنعام والمنزلة الجميلة والعطايا الجزيلة ولمهذب الدين المذكور إخوان أحدهما موفق الدين أبو الخير متميز في صناعة الكحل غزير العلم والفضل وكان قد صنف للملك الصالح نجم الدين كتابا في الكحل من قبل أن يصير له من العمر عشرون سنة والأخ الآخر علم الدين أبو نصر وهو الأصغر مفرط الذكاء معدود من جملة العلماء متميز في صناعة الطب وافر العلم واللب ولمهذب الدين محمد بن أبي حليقة من الكتب كتاب في الطب رشيد الدين أبو سعيد هو الحكيم الأجل العالم أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب من نصارى القدس وكان متميزا في صناعة الطب خبيرا بعلمها وعملها حاد الذهن بليغ اللسان حسن اللفظ واشتغل في العربية على شيخنا تقي الدين خزعل بن عسكر بن خليل وكان هذا الشيخ في علم النحو أوحد زمانه ثم اشتغل الحكيم رشيد الدين أبو سعيد بعد ذلك بعلم الطب على عمي الحكيم رشيد الدين علي بن خليفة لما كان في خدمة السلطان الملك المعظم وقرأ عليه ولم يكن في تلامذته مثله فإنه لازمه حق الملازمة وكان لا يفارقه في سفره وحضره وأقام عنده بدمشق وهو دائم الاشتغال عليه إلى أن أتقن حفظ جميع ما ينبغي أن يحفظ من الكتب التي هي مبادي لصناعة الطب ثم قرأ عليه كثيرا من كتب جالينوس وغيرها وفهم ذلك فهما لا مزيد عليه واشتغل أيضا على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي ولما كان في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة قررت له جامكية في خدمة الملك الكامل وبقي في خدمته زمانا مقيما بالقاهرة ثم خدم بعد ذلك الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل وبقي في خدمته نحو تسع سنين وكان قد عرض للملك الصالح نجم الدين وهو بدمشق أكلة في فخذه وكان يعالجه الحكيم رشيد الدين أبو حليقة ولما طال الأمر بالملك الصالح استحضر أبا سعيد وشكا حاله إليه وكان بين الحكيم رشيد الدين أبي حليقة وبين رشيد الدين أبي سعيد منافسة ومناقشة وتكلم أبو سعيد في أن
599 معالجة أبي حليقة لم تكن على الصواب فنظر الملك الصالح إلى أبي حليقة نظر غضب فقام من بين يديه وقعد على باب دار السلطان وبقي أبو سعيد فيما هو فيه من المناواة في المداواة ثم في أثناء ذلك المجلس بعينه قدام السلطان عرض لأبي سعيد فالج وبقي ملقى قدامه فأمر السلطان بحمله إلى داره وبقي أربعة أيام بحاله تلك ومات وكانت وفاته بدمشق في العشر الأخير من شهر رمضان سنة ست وأربعين وستمائة ثم أن الملك الصالح توجه إلى الديار المصرية وقوي مرضه ولم يزل به إلى أن توفي رحمه الله وكانت وفاته في يوم الاثنين خامس عشر شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة بعد أن كان عظيم الشأن قوي السلطان ولما أتاه الممات وحل به هاذم اللذات ذهب كأنه لم يكن وكذلك يفعل بأهله الزمان كما قلت (احذر زمانك ما استطعت فإنه * دهر يجور على الكرام وإن عدل) (قد كان نجم الدين أيوب الذي * ملك البرية واستطال على الدول) (في صحة بسعوده حتى عثا * في جسمه داء فأعيته الحيل) (وصفت له الدنيا وظن بأنها * تبقى له أبدا ففاجأه الأجل) (وعلى الحقيقة أنه نجم علا * وكذا النجوم وبعد ذلك قد أفل) الكامل ولرشيد الدين أبي سعيد من الكتب كتاب عيون الطب صنفه للملك الصالح نجم الدين أيوب وهو من أجل كتاب صنف في صناعة الطب ويحتوي على علاجات مخلصة مختارة تعاليق على كتاب الحاوي لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي في الطب أسعد الدين بن أبي الحسن هو الحكيم الأوحد العالم أسعد الدين عبد العزيز بن أبي الحسن علي من أفاضل العلماء وأعيان الفضلاء حاد الذهن كثير الاعتناء بالعلم قد أتقن الصناعة الطبية وحصل العلوم الحكمية وكان أيضا عالما بأمور الشرع مسموع القول وكان قد اشتغل بصناعة الطب على أبي زكريا يحيى البياسي في ديار مصر وخدم الملك المسعود أقسيس بن الملك الكامل وأقام معه باليمن مدة وله منه الاحترام الكثير والإحسان الغزير وكان قرر له منه في كل شهر مائة دينار مصرية ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المسعود رحمه الله ثم أطلق له الملك الكامل إقطاعات يستغلها في كل سنة بالديار المصرية ورسم بانتظامة في سلك الخدمة وكان مولد أسعد الدين بالديار المصرية في سنة سبعين وخمسمائة وكان أبوه طبيبا أيضا بديار مصر واشتغل الشيخ أسعد الدين بعلم الأدب والشعر وله شعر جيد وأول اجتماعي به كان بدمشق في مستهل رجب سنة ثلاثين وستمائة فوجدته شيخا حسن الصورة مليح الشيبة تام القامة أسمر اللون حلو الكلام غزير المروءة واجتمعت به أيضا
600 بعد ذلك بمصر وأحسن إلي واشتمل علي وكان صديقا لأبي من السنين الكثيرة وكانت وفاة الأسعد المذكور بالقاهرة في سنة خمس وثلاثين وستمائة ولأسعد الدين بن أبي الحسن من الكتب كتاب نوادر الألباء في امتحان الأطباء صنفه للملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أبوب ضياء الدين بن البيطار هو الحكيم الأجل العالم أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي النباتي ويعرف بابن البيطار أوحد زمانه وعلامة وقته في معرفة النبات وتحقيقه واختياره ومواضع نباته ونعت أسمائه على اختلافها وتنوعها سافر إلى بلاد الأغارقة وأقسى بلاد الروم ولقي جماعة يعانون هذا الفن وأخذ عنهم معرفة نبات كثير وعاينه في مواضعه واجتمع أيضا في المغرب وغيره بكثير من الفضلاء في علم النبات وعاين منابته وتحقق ماهيته وأتقن دراية كتاب ديقوريدس إتقانا بلغ فيه إلى أن لا يكاد يوجد من يجاريه فيما هو فيه وذلك أنني وجدت عنده من الذكاء والفطنة والدراية في النبات وفي نقل ما ذكره ديسقوريدس وجالينوس فيه ما يتعجب منه وأول اجتماعي به كان بدمشق في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ورأيت أيضا من حسن عشرته وكمال مروءته وطيب أعراقه وجودة أخلاقه ودرايته وكرم نفسه ما يفوق الوصف ويتعجب منه ولقد شاهدت معه في ظاهر دمشق كثيرا من النبات في مواضعه وقرأت عليه أيضا تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدس فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته وفهمه شيئا كثيرا جدا وكنت أحضر لدينا عدة من الكتب المؤلفة في الأدوية المفردة مثل كتاب ديسقوريدس وجالينوس والفافقي وأمثالها من الكتب الجليلة في هذا الفن فكان يذكر أولا ما قاله ديسقوريدس في كتابه باللفظ اليوناني على ما قد صححه في بلاد الروم ثم يذكر جمل ما قاله ديسقوريدس من نعته وصفته وأفعاله ويذكر أيضا ما قاله جالينوس فيه من نعته ومزاجه وأفعاله وما يتعلق بذلك ويذكر أيضا جملا من أقوال المتأخرين وما اختلفوا فيه ومواضع الغلط والاشتباه الذي وقع لبعضهم في نعته فكنت أراجع تلك الكتب معه ولا أجده يغادر شيئا مما فيها وأعجب من ذلك أيضا أنه كان ما يذكر دواء إلا ويعين في أي مقالة هو من كتاب ديسقوريدس وجالينوس وفي أي عدد هو من جملة الأدوية المذكورة في تلك المقالة وكان في خدمة الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب وكان يعتمد عليه في الأدوية المفردة والحشائش وجعله في الديار المصرية رئيسا على سائر العشابين وأصحاب البسطات ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك الكامل رحمه الله بدمشق وبعد ذلك توجه إلى القاهرة فخدم الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل وكان حظيا عنده متقدما في أيامه وكاننت وفاة ضاء الدين العشاب
601 رحمه الله بدمشق في شهر شعبان سنة ست وأربعين وستمائة فجأة ولضياء الدين بن البيطار من الكتب كتاب الإبانة والأعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام شرح أدوية كتاب ديسقوريدس كتاب الجامع في الأدوية المفردة وقد استقصى فيه ذكر الأدوية المفردة وأسمائها وتحريرها وقواها ومنافعها وبين الصحيح منها وما وقع الاشتباه فيه ولم يوجد في الأدوية المفردة كتاب أجل ولا أجود منه وصنفه للملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل كتاب المغني في الأدوية المفردة وهو مرتب بحسب مداواة الأعضاء الآلمة كتاب الأفعال الغريبة والخواص العجيبة
602 الباب الخامس عشر طبقات الأطباء المشهورين من أطباء الشام أبو نصر الفارابي هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان مدينته فاراب وهي مدينة من بلاد الترك في أرض خراسان وكان أبوه قائد جيش وهو فارسي المنتسب وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى الشام وأقام به إلى حين وفاته وكان رحمه الله فيلسوفا كاملا وإماما فاضلا قد أتقن العلوم الحكمية وبرع في العلوم الرياضية زكي النفس قوي الذكاء متجنبا عن الدنيا مقتنعا منها بما يقوم بأوده يسير سيرة الفلاسفة المتقدمين وكانت له قوة في صناعة الطب وعلم بالأمور الكلية منها ولم يباشر أعمالها ولا حاول جزئياتها وحدثني سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي الآمدي أن الفارابي كان في أول أمره ناطورا في بستان بدمشق وهو على ذلك دائم الاشتغال بالحكمة والنظر فيها والتطلع إلى آراء المتقدمين وشرح معانيها وكان ضعيف الحال حتى أنه كان في الليل يسهر للمطالعة والتصنيف ويستضئ بالقنديل الذي للحارس وبقي كذلك مدة ثم إنه عظم شأنه وظهر فضله واشتهرت تصانيفه وكثرت تلاميذه وصار أوحد زمانه وعلامة وقته واجتمع به الأمير سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي وأكرمه إكراما كثيرا وعظمت منزلته عنده وكان له مؤثرا ونقلت من خط بعض المشايخ أن أبا نصر الفارابي سافر إلى مصر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ورجع إلى دمشق وتوفي بها في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة عند سيف الدولة علي بن حمدان في خلافة الراضي وصلى عليه سيف الدولة في خمسة عشر رجلا من خاصته ويذكر أنه لم يكن يتناول
603 من سيف الدولة من جملة ما ينعم به عليه سوى أربعة دراهم فضة في اليوم يخرجها فيما يحتاجه من ضروري عيشه ولم يكن معتنيا بهيئة ولا منزل ولا مكسب ويذكر أنه كان يتغذى بماء قلوب الحملان مع الخمر الريحاني فقط ويذكر أنه كان في أول أمره قاضيا فلما شعر بالمعارف نبذ ذلك وأقبل بكليته على تعملها ولم يسكن إلى نحو من أمور الدنيا البتة ويذكر أنه كان يخرج إلى الحراس بالليل من منزله يستضيء بمصابيحهم فيما يقرؤه وكان في علم صناعة الموسيقى وعملها قد وصل إلى غاياتها وأتقنها إتقانا لا مزيد عليه ويذكر أنه صنع آلة غريبة يستمع منها ألحانا بديعة يحرك بها الانفعالات ويذكر أن سبب قراءته الحكمة أن رجلا أودع عنده جملة من كتب أرسطوطاليس فاتفق أن نظر فيها فوافقت منه قبولا وتحرك إلى قراءتها ولم يزل إلى أن أتقن فهمها وصار فيلسوفا بالحقيقة ونقلت من كلام لأبي نصر الفارابي في معنى اسم الفلسفة قال اسم الفلسفة يوناني وهو دخيل في العربية وهو على مذهب لسانهم فيلسوفا ومعناه إيثار الحكمة وهو في لسانهم مركب من فيلا ومن سوفيا ففيلا الإيثار وسوفيا الحكمة والفيلسوف مشتق من الفلسفة وهو على مذهب لسانهم فيلسوفوس فإن هذا التغيير هو تغيير كثير من الاشتقاقات عندهم ومعناه المؤثر للحكمة والمؤثر للحكمة عندهم هو الذي يجعل الوكد من حياته وغرضه من عمره الحكمة وحكى أبو نصر الفارابي في ظهور الفلسفة ما هذا نصه قال إن أمر الفلسفة اشتهر في أيام ملوك اليونانيين وبعد وفاة أرسطوطاليس بالإسكندرية إلى آخر أيام المرأة وأنه لما توفي بقي التعليم بحاله فيها إلى أن ملك ثلاثة عشر ملكا وتوالى في مدة ملكهم من معلمي الفلسفة اثنا عشر معلما أحدهم المعروف بأندرونيقوس وكان آخر هؤلاء الملوك المرأة فغلبها أوغسطس الملك من أهل رومية وقتلها واستحوذ على الملك فلما استقر له نظر في خزائن الكتب وصنعها فوجد فيها نسخا لكتب أرسطوطاليس قد نسخت في أيامه وأيام ثاوفرسطس ووجد المعلمين والفلاسفة قد عملوا كتبا في المعاني التي عمل فيها أرسطو فأمر أن تنسخ تلك الكتب التي كانت نسخت في أيام أرسطو وتلاميذه وأن يكون التعليم منها وأن ينصرف عن الباقي وحكم أندرونيقوس في تدبير ذلك وأمره أن ينسخ نسخا يحملها معه إلى رومية ونسخا يبقيها في موضع التعليم بالإسكندرية وأمره أن يستخلف معلما يقوم مقامه بالإسكندرية ويسير معه إلى رومية فصار التعليم في موضعين وجرى الأمر على ذلك إلى أن جاءت النصرانية فبطل التعليم من رومية وبقي بالإسكندرية إلى أن نظر ملك النصرانية في ذلك واجتمعت الأساقفة وتشاوروا فيما يترك من هذا التعليم وما يبطل فرأوا أن يعلم من كتب الممطق إلى آخر الأشكال الوجودية ولا يعلم ما بعده لأنهم رأوا أن في ذلك ضررا على النصرانية وأن فيما أطلقوا تعليمه ما يستعان به على نصرة دينهم فبقي الظاهر من التعليم هذا المقدار وما ينظر فيه من الباقي مستورا إلى أن كان الإسلام بعده بمدة طويلة فانتقل التعليم من الإسكندرية إلى أنطاكية وبقي بها زمنا طويلا إلى أن بقي معلم واحد فتعلم منه رجلان وخرجا ومعهما الكتب فكان أحدهما من أهل حران والآخر من أهل مرو فأما الذي من أهل مرو
604 فتعلم منه رجلان أحدهما إبراهيم المروزي والآخر يوحنا بن حيلان وتعلم من الحراني إسرائيل الأسقف وقويري وسار إلى بغداد فتشاغل إبراهيم بالدين وأخذ قويري في التعليم وأما يوحنا بن حيلان فإنه تشاغل أيضا بدينه وانحدر إبراهيم المروزي إلى بغداد فأقام بها وتعلم من المروزي متى ابن يونان وكان الذي يتعلم في ذلك الوقت إلى آخر الأشكال الوجودية وقال أبو نصر الفارابي عن نفسه أنه تعلم من يوحنا بن حيلان إلى آخر كتاب البرهان وكان يسمى ما بعد الأشكال الوجودية الجزء الذي لا يقرأ إلى أن قرئ ذلك وصار الرسم بعد ذلك حيث صار الأمر إلى معلمي المسلمين أن يقرأ من الأشكال الوجودية إلى حيث قدر الإنسان أن يقرأ فقال أبو نصر أنه قرأ إلى آخر كتاب البرهان وحدثني عمي رشيد الدين أبو الحسن علي بن خليفة رحمه الله أن الفارابي توفي عند سيف الدولة بن حمدان في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وكان أخذ الصناعة عن يوحنا بن حيلان ببغداد في أيام المقتدر وكان في زمانه أبو المبشر متى بن يونان وكان أسن من أبي نصر وأبو نصر أحد ذهنا وأعذب كلاما وتعلم أبو المبشر متى من إبراهيم المروزي وتوفي أبو المبشر في خلافة الراضي فيما بين سنة ثلاث وعشرين إلى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وكان يوحنا بن حيلان وإبراهيم المروزي قد تعلما جميعا من رجل من أهل مرو وقال الشيخ أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني في تعاليقه أن يحيى بن عدي أخبره أن متى قرأ ايساغوجي على إنسان نصراني وقرأ قاطيغورياس بارمينياس على إنسان يسمى روبيل وقرأ كتاب القياس على أبي يحيى المروزي وقال القاضي صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب التعريف بطبقات الأمم أن الفارابي أخذ صناعة المنطق عن يوحنا بن حيلان المتوفي بمدينة السلام في أيام المقتدر فبذ جميع أهل الإسلام فيها وأربى عليهم في التحقق بها فشرح غامضها وكشف سرها وقرب تناولها وجمع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة لطيفة الإشارة منبهة على ما أغفله الكندي وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعاليم وأوضح القول فيها عن مواد المنطق الخمس وأفاد وجوه الانتفاع بها وعرف طرق استعمالها وكيف تصرف صورة القياس في كل مادة منها فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكافية والنهاية الفاضلة ثم له بعد هذا كتاب شريف في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه ولا ذهب أحد مذهبه فيه لا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به وتقديم النظر فيه وله كتاب في أغراض فلسفة أفلاطون وأرسطوطاليس يشهد له بالبراعة في صناعة الفلسفة والتحقق بفنون الحكمة وهو أكبر عون على تعلم طريق النظر وتعرف وجه الطلب اطلع فيه على أسرار العلوم وثمارها علما علما وبين كيف التدرح من بعضها إلى بعض شيئا شيئا ثم بدأ بفلسفة أفلاطون فعرف بغرضه منها وسمى تآليفه فيها ثم اتبع ذلك بفلسفة أرسطوطاليس فقدم له مقدمة جليلة عرف فيها بتدرجه إلى الفلسفة ثم بدأ بوصف أغراضه في تآليفه المنطقية والطبيعية كتابا كتابا حتى انتهى به القول في النسخة الواصلة إلينا إلى أول العلم الإلهي والاستدلال بالعلم الطبيعي عليه ولا أعلم كتابا أجدى على طالب الفلسفة منه فإنه يعرف
605 بالمعاني المشتركة لجميع العلوم والمعاني المختصة بعلم علم منها ولا سبيل إلى فهم معاني قاطيغورياس وكيف هي الأوائل الموضوعة لجميع العلوم إلا منه ثم له بعد هذا في العلم الإلهي وفي العلم المدني كتابان لا نظير لهما أحدهما المعروف بالسياسة المدنية والآخر المعروف بالسيرة الفاضلة عرف فيهما بجمل عظيمة من العلم الإلهي عل مذهب أرسطوطاليس في مبادئ الستة الروحانية وكيف يؤخذ عنها الجواهر الجسمانية على ما هي عليه من النظام واتصال الحكمة وعرف فيهما بمراتب الإنسان وقواه النفسانية وفرق بين الوحي والفلسفة ووصف أصناف المدن الفاضلة وغير الفاضلة واحتياج المدينة إلى السيرة الملكية والنواميس النبوية أقول وفي التاريخ أن الفارابي كان يجتمع بأبي بكر بن السراج فيقرأ عليه صناعة النحو وابن السراج يقرأ عليه صناعة المنطق وكان الفارابي أيضا يشعر وسئل أبو نصر من أعلم أنت أم أرسطو فقال لو أدركته لكنت أكبر تلاميذه ويذكر عنه أنه قال قرأت السماع لأرسطو أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى معاودته وهذا دعاء لأبي نصر الفارابي قال اللهم إني أسألك يا واجب الوجود ويا علة العلل قديما لم يزل أن تعصمني من الزلل وأن تجعل لي من الأمل ما ترضاه لي من عمل اللهم امنحني ما اجتمع من المناقب وارزقني في أموري حسن العواقب نجح مقاصدي والمطالب يا إله المشارق والمغارب رب الجوار الكنس السبع التي انبجست عن الكون انبجاس الأبهر هن الفواعل عن مشيئته التي عمت فضائلها جميع الجوهر أصبحت أرجو الخير منك وأمتري زحلا ونفس عطارد والمشتري اللهم ألبسني حلل البهاء وكرامات الأنبياء وسعادة الأغنياء وعلوم الحكماء وخشوع الأتقياء اللهم أنقذني من عالم الشقاء والفناء واجعلني من إخوان الصفاء وأصحاب الوفاء وسكان السماء مع الصديقين والشهداء أنت الله الإله الذي لا إله إلا أنت علة الأشياء ونور الأرض والسماء امنحني فيضا من العقل الفعال يا ذا الجلال والأفضال هذب نفسي بأنوار الحكمة وأوزعني شكر ما أوليتني من نعمة أرني الحق حقا وألهمني اتباعه والباطل باطلا واحرمني اعتقاده واستماعه هذب نفسي من طينة الهيولى إنك أنت العلة الأولى (يا علة الأشياء جمعا والذي * كانت به عن فيضه المتفجر) (رب السماوات الطباق ومركز * في وسطهن من الثرى والأبحر) (إني دعوتك مستجيرا مذنبا * فاغفر خطيئة مذنب ومقصر) (هذب بفيض منك رب الكل من * كدر الطبيعة والعناصر عنصري) الكامل اللهم رب الأشخاص العلوية والأجرام الفلكية والأرواح السماوية غلبت على عبدك الشهوة البشرية وحب الشهوات والدنيا الدنية فاجعل عصمتك مجني من التخليط وتقواك حصني من
606 التفريط إنك بكل شيء محيط اللهم أنفذني من أسر الطبائع الأربع وأنقلني إلى جنانك الأوسع وجوارك الأرفع اللهم اجعل الكفاية سببا لقطع مذموم العلائق التي بيني وبين الأجسام الترابية والهموم الكونية واجعل الحكمة سببا لاتحاد نفسي بالعوالم الإلهية والأرواح السماوية اللهم طهر بروح القدس الشريفة نفسي وأثر بالحكمة البالغة عقلي وحسي واجعل الملائكة بدلا من عالم الطبيعة أنسي اللهم ألهمني الهدى وثبت إيماني بالتقوى وبغض إلى نفسي حب الدنيا اللهم قو ذاتي على قهر الشهوات الفانية وألحق نفسي بمنازل النفوس الباقية واجعلها من جملة الجواهر الشريفة الغالية في جنات عالية سبحانك اللهم سابق الموجودات التي تنطق بألسنة الحال والمقال إنك المعطي كل شيء منها ما هو مستحقه بالحكمة وجاعل الوجود لها بالقياس إلى عدمها نعمة ورحمة فالذوات منها والأعراض مستحقة بآلائك شاكرة فضائل نعمائك وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم سبحانك اللهم وتعاليت إنك الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد اللهم إنك قد سجنت نفسي في سجن من العناصر الأربعة ووكلت بافتراسها سباعا من الشهوات اللهم جد لها بالعصمة وتعطف عليها بالرحمة التي هي بك أليق وبالكرم الفائض الذي هو منك أجد وأخلق وامنن عليها بالتوبة العائدة بها إلى عالمها السماوي وعجل لها بالأوبة إلي مقامها القدسي واطلع على ظلمائها شمسا من العقل الفعال وامط عنها ظلمات الجهل والضلال واجعل ما في قواها بالقوة كامنا بالفعل وأخرجها من ظلمات الجهل إلى نور الحكمة وضياء العقل الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور اللهم أر نفسي صور الغيوب الصالحة في منامها وبدلها من الأضغاث برؤيا الخيرات والبشرى الصادقة في أحلامها وطهرها من الأوساخ التي تأثرت بها عن محسوساتها وأوهامها وأمط عنها كدر الطبيعة وأنزلها في عالم النفوس المنزلة الرفيعة الله الذي هداني وكفاني وآواني ومن شعر أبي نصر الفارابي قال (لما رأيت الزمان نكسا * وليس في الصحبة انتفاع) (كل رئيس به ملال * وكل رأس به صداع) (لزمت بيتي وصنت عرضا * به من العزة اقتناع) (أشرب مما اقتنيت راحا * لها على راحتي شعاع) (لي من قواريرها ندامى * ومن قراقيرها سماع) (واجتني من حديث قوم * قد أقفرت منهم البقاع) البسيط وقال أيضا (أخي خل حيز ذي باطل * وكن للحقائق في حيز) (فما الدار دار خلود لنا * ولا المرء في الأرض بالمعجز) (وهل نحن إلا خطوط وقعن * على كرة وقع مستوفز)
607 (ينافس هذا لهذا على * أقل من الكلم الموجز) (محيط السماوات أولى بنا * فكم ذا التزاحم في المركز) المتقارب ولأبي نصر الفارابي من الكتب شرح كتاب المجسطي لبطليموس شرح كتاب البرهان لأرسطوطاليس شرح كتاب الخطابة لأرسطوطاليس شرح المقالة الثاني والثامنة من كتاب الجدل لأرسطوطاليس شرح كتاب المغالطة لأرسطوطاليس شرح كتاب القياس لأرسطوطاليس وهو الشرح الكبير شرح كتاب باريمينياس لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح كتاب المقولات لأرسطوطاليس على جهة التعليق كتاب المختصر الكبير في المنطق كتاب المختصر الصغير في المنطق على طريقة المتكلمين كتاب المختصر الأوسط في القياس كتاب التوطئة في المنطق شرح كتاب ايساغوجي لفرفوريوس إملاء في معاني ايساغوجي كتاب القياس الصغير ووجد كتابه هذا مترجما بخطه إحصاء القضايا والقياسات التي تستعمل على العموم في جميع الصنائع القياسية كتاب شروط القياس كتاب البرهان كتاب الجدل كتاب المواضع المنتزعة من المقالة الثامنة في الجدل كتاب المواضع المغلطة كتاب اكتساب المقدمات وهي المسماة بالمواضع وهي التحليل كلام في المقدمات المختلطة من وجودي وضروري كلام في الخلاء صدر لكتاب الخطابة شرح كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح كتاب السماء والعالم لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح مقالة الإسكندر الإفروديسي في النفس على جهة التعليق شرح صدر كتاب الأخلاق لأرسطوطاليس كتاب في النواميس كتاب إحصاء العلوم وترتيبها كتاب الفلسفتين لفلاطن وأرسطوطاليس مخروم الآخر كتاب المدينة الفاضلة والمدينة الجاهلة والمدينة الفاسقة والمدينة المبدلة والمدينة الضالة ابتدأ بتأليف هذا الكتاب ببغداد وحمله إلى الشام في آخر سنة ثلاثين وثلاثمائة وتممه بدمشق في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وحرره ثم نظر في النسخة بعد التحرير فأثبت فيها الأبواب ثم سأله بعض الناس أن يجعل له فصولا تدل على قسمة معانيه فعمل الفصول بمصر في سنة سبغ وثلاثين وهي ستة فصول كتاب مبادئ آراء المدينة الفاضلة كتاب الألفاظ والحروف كتال الموسيقى الكبير ألفه للوزير أبي جعفر محمد بن القاسم الكرخي كتاب في إحصاء الإيقاع كلام له في النقلة مضافا إلى الإيقاع كلام في الموسيقى مختصر فصول فلسفية منتزعة من كتب الفلاسفة كتاب المبادئ الإنسانية كتاب الرد على الرازي في العلم الإلهي كتاب الرد على جالينوس فيما تأوله من كلام أرسطوطاليس على غير معناه كتاب الرد على ابن الراوندي في أدب الجدل كتاب الرد على يحيى النحوي فيما رد به على أرسطوطاليس كتاب الرد على الرازي في العلم الإلهي كتاب الواحد والوحدة كلام له في الحيز والمقدار كتاب في العقل صغير كتاب في العقل كبير كلام له في معنى اسم الفلسفة كتاب الموجودات المتغيرة الموجود بالكلام الطبيعي كتاب شرائط البرهان كلام له شرح المستعلق من مصادرة المقالة الأولى والخامسة من إقليدس كلام في اتفاق آراء أبقراط وأفلاطن رسالة في التنبيه على أسباب السعادة كلام في الجزء وما لا يتجزأ
608 كلام في اسم الفلسفة وسبب ظهورها وأسماء المبرزين فيها وعلى من قرأ منهم كلام في الجن كلام في الجوهر كتاب في الفحص المدني كتاب السياسات المدنية ويعرف بمبادئ الموجودات كلام في الملة والفقه مدني كلام جمعه من أقاويل النبي صلى الله عليه وسلم يشير فيه إلى صناعة المنطق كتاب في الخطابة كبير عشرون مجلدا رسالة في قواد الجيوش كلام في المعايش والحروب كتاب في التأثيرات العلوية مقالة في الجهة التي يصح عليها القول بأحكام النجوم كتاب في الفصول المنتزعة للاجتماعات كتاب في الحيل والنواميس كلام له في الرؤيا كتاب في صناعة الكتابة شرح كتاب البرهان لأرسطوطاليس على طريق التعليق أملاه على إبراهيم بن عدي تلميذ له بحلب كلام له في العلم الإلهي شرح المواضع المستغلقة من كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس ويعرف بتعليقات الحواشي كلام في أعضاء الحيوان كتاب مختصر جميع الكتب المنطقية كتاب المدخل إلى المنطق كتاب التوسط بين أرسطوطاليس وجالينوس كتاب غرض المقولات كلام له في الشعر والقوافي شرح كتاب العبارة لأرسطوطاليس على جهة التعليق تعاليق على كتاب القياس كتاب في القوة المتناهية وغير المتناهية تعليق له في النجوم كتاب في الأشياء التي يحتاج أن تعلم قبل الفلسفة فصول له مما جمعه من كلام القدماء كتاب في أغراض أرسطوطاليس في كل واحد من كتبه كتاب المقاييس مختصر كتاب الهدى كتاب في اللغات كتاب في الاجتماعات المدنية كلام في أن حركة الفلك دائمة كلام فيما يصلح أن يذم المؤدب كلام في المعاليق والجون وغير ذلك كلام في لوازم الفلسفة مقالة في وجوب صناعة الكيمياء والرد على مبطليها مقالة في أغراض أرسطوطاليس في كل مقالة من كتابه الموسوم بالحروف وهو تحقيق غرضه في كتاب ما بعد الطبيعة كتاب في الدعاوي المنسوبة إلى أرسطوطاليس في الفلسفة مجردة عن بياناتها وحججها تعاليق في الحكمة كلام أملاه على سائل سأله عن معنى ذات ومعنى جوهر ومعنى طبيعة كتاب جوامع السياسة مختصر كتاب بايريمنياس لأرسطوطاليس كتاب المدخل إلى الهندسة الوهمية مختصرا كتاب عيون المسائل على رأي أرسطوطاليس وهي مائة وستون مسألة جوابات لمسائل سئل عنها وهي ثلاث وعشرون مسألة كتاب أصناف الأشياء البسيطة التي تنقسم إليها القضايا في جميع الصنائع القياسية جوامع كتاب النواميس لفلاطن كلام من أملائه وقد سئل عما قال أرسطوطاليس في الحار تعليقات أنالوطيقا الأولى لأرسطوطاليس كتاب شرائط اليقين رسالة في ماهية النفس كتاب السماع الطبيعي عيسى الرقي كان طبيبا مشهورا في أيامه عارفا بالصناعة الطبية حق معرفتها وله أعمال فاضلة ومعالجات بديعة وكان في خدمة سيف الدولة بن حمدان ومن جملة أطبائه وقال عبيد الله بن جبرئيل حدثني
609 من أثق بقوله إن سيف الدولة كان إذا أكل الطعام حضر على مائدته أربعة وعشرون طبيبا قال وكان فيهم من يأخذ رزقين لأجل تعاطيه علمين ومن يأخذ ثلاثة لتعاطيه ثلاثة علوم وكان من جملتهم عيسى الرقي المعروف بالتفليسي وكان مليح الطريقة وله كتب في المذهب وغيرها وكان ينقل من السرياني إلى العربي ويأخذ أربعة أرزاق رزقا بسبب الطب ورزقا بسبب النقل ورزقين بسبب علمين آخرين اليبرودي هو أبو الفرج جورجس بن يوحنا بن سهل بن إبراهيم من النصارى اليعاقبة وكان فاضلا في صناعة الطب عالما بأصولها وفروعها معدودا من جملة الأكابر من أهلها والمتمرنين من أربابها دائم الاشتغال محبا للعلم مؤثرا للفضيلة حدثني شرف الدين بن عنين رحمه الله إن اليبرودي كان لا يمل الاشتغال ولا يسأم منه قال وكان أبدا سائر أوقاته لا يوجد إلا معه كتاب ينظر فيه حدثني أحد النصارى بدمشق وهو السني البعلبكي الطبيب قال كان مولد اليبرودي ومنشؤه في صدر عمره بيبرود وهي ضيعة كبيرة قريبة من صيدنايا وبها نصارى كثير وكان اليبرودي بها كسائر أهلها النصارى من معاناتهم الفلاحة وما يصنعه الفلاحون وكان أيضا يجمع الشيح من نواحي دمشق القريبة من جهته ويحمله على دابة ويأتي به إلى داخل دمشق يبيعه للذين يقدونه في الأفران وغيرها وأنه لما كان في بعض المرات وقد عبر من باب توما بدمشق ومعه حمل شيح رأى شيخا من المتطببين وهو يفصد إنسانا قد عرض له رعاف شديد من الناحية المسامتة للموضع الذي ينبعث منه الدم فوقف ينظر إليه ثم قال له لم تفصد هذا ودمه يجري من أنفه بأكثر مما يحتاج إليه بالفصد فعرفه إن ذلك إنما يفعله لينقطع الدم الذي ينبعث من أنفه لكونه يجتذبه إلى مسامتة الجهة التي ينبعث منها فقال له إذا كان الأمر على ما تقول فإننا في مواضعنا قد اعتدنا أنه متى كان نهر جار وأردنا أن نقطع الماء عنه فإننا نجعل له مسيلا إلى ناحية أخرى مسامتة له فينقطع من ذلك الموضع ويعود إلى الموضع الآخر فأنت لم لا تفعل هكذا أيضا وتفصده من الناحية الأخرى ففعل ذلك وانقطع الرعاف عن الرجل وإن ذلك الطبيب لما رأى من اليبرودي حسن نظر فيما سال عنه قال له لو أنك تشتغل بصناعة الطب جاء منك طبيب جيد فمال اليبرودي إلى قوله وتاقت نفسه إلى العلم وبقي مترددا إلى الشيخ في أوقات وهو يعرفه ويريه أشياء من المداواة
610 ثم أنه ترك يبرود وما كان يعانيه وأقام بدمشق يتعلم صناعة الطب ولما تبصر في أشياء منها وصارت له معرفة بالقوانين العلمية وحاول مداواة المرضى ورأى اختلاف الأمراض وأسبابها وعلاماتها وتفنن معالجاتها وسأل عمن هو إمام في وقته بمعرفة صناعة الطب والمعرفة بها جيدا فذكروا له أن ببغداد أبا الفرج بن الطيب كاتب الجاثليق وأنه فيلسوف متفنن وله خبرة وفضل في صناعة الطب وفي غيرها من الصنائع الحكمية فتأهب للسفر وأخذ سوارا كان لأمه لنفقته وتوجه إلى بغداد وصار ينفق عليه ما يقوم بأوده ويشتغل على ابن الطيب إلى أن مهر في صناعة الطب وصارت له مباحثات جيدة ودراية فاضلة في هذه الصناعة واشتغل أيضا بشيء من المنطق والعلوم الحكمية ثم عاد إلى دمشق وأقام بها ونقلت أيضا قريبا من هذه الحكاية المتقدمة وإن كانت الرواية بينهما مختلفة عن شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران قال حدثني أبي قال حدثني أبو الفرج بن الحديد قال حدثني أبو الكرم الطبيب عن أبيه أبي الرجاء عن جده قال كان بدمشق فاصد يقال له أبو الخير ولم يكن من المهرة فكان من أمره أن فصد شابا فوقعت الفصدة في الشريان فتحير وتبلد وطلب قطع الدم فلم يقدر على ذلك فاجتمع الناس عليه وفي أثناء ذلك اطلع صبي عليه فقال يا عماه أفصده في اليد الأخرى فاستراح إلا كلامه وفصده من يده الأخرى فقال شد الفصد الأول فشده ووضع لازوقا كان عنده عليه وشده فوقف جرية الدم ثم مسك الفصدة الأخرى فوقف الدم وانقطع الجميع ووجد الصبي يسوق دابة عليها حمل شيح فتشبث به وقال من أين لك ما أمرتني به قال أنا أرى أبي في وقت سقي الكرم إذا انفتح شق من النهر وخرج الماء منه بحدة لا يقدر على إمساكه دون أن يفتح فتحا آخر ينقص به الماء الأول الواصل إلى ذلك الشق ثم يسده بعد ذلك قال فمنعه الجرائحي من بيع الشيح واقتطعه وعلمه الطب فكان منه اليبرودي من مشاهير الأطباء الفضلاء أقول وكانت لليبرودي مراسلات إلى ابن رضوان بمصر وإلى غيره من الأطباء المصريين وله مسائل عدة إليهم طبية ومباحثات دقيقة وكتب بخطه شيئا كثيرا جدا من كتب الطب ولا سيما من كتب جالينوس وشروحها وجوامعها وحدثني أيضا السني البعلبكي أن اليبرودي عبر يوما في سوق جيرون بدمشق فرأى إنسانا وقد بايع على أن يأكل أرطالا من لحم فرس مسلوق مما يباع في الأسواق فلما رآه وقد أمعن في أكله بأكثر مما يحتمله قواه ثم شرب بعده فقاعا كثيرا وماء بثلج واضطربت أحواله تفرس فيه أنه لا بد أن يغمى عليه وأن يبقى في حالة يكون الموت أقرب إليه إن لم يتلاحق فتبعه إلى المنزل الذي له واستشرف إلى ماذا يؤول أمره فلم يكن إلا أيسر وقت وأهله يصيحون ويضجون بالبكاء ويزعمون أنه قد مات فأتى إليهم وقال أنا أبرئه وما عليه بأس ثم إنه أخذه إلى حمام قريب من ذلك الموضع وفتح فكيه كرها بشيء ثم سكب في حلقه ماء مغليا وقد أضاف إليه أدوية مقيئة ولا في الغاية وقيأه برفق ثم عالجه وتلطف في مداواته حتى أفاق وعاد إلى صحته فتعحب
611 الناس منه في ذلك الفعل وحسن تأتيه إلى مداواة ذلك الرجل واشتهرت عنه هذه القضية وتميز بعدها أقول وهذه الحكاية التي قصد اليبرودي أن يتتبع أحوال ذلك الرجل فيها ويشاهد ما يكون من أمره أن يكون عنده من ذلك معرفة بالأعراض التي تحدث له وأن ينقذه أيضا مما وقع فيه إن أمكنه معاجلته ومعالجته ومثل ذلك أيضا ما حكاه أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الأشعث رحمه الله في كتاب الغاذي والمغتذي وذلك أنه قال إن إنسانا رأيته يوما وقد بايع أن يأكل جزرا قدره بحد ما فحضرت أكله لأرى ما يكون من حاله لا رغبة مني لمجالسة من هذه حاله ولا لأن لي بذلك عادة ولله الحمد بل لأرى إيراد الغذاء على المعدة قسرا إلى ماذا يؤول هذا الفعل فرأيته يأكل من حائط ليرى من حوله ويضاحكهم حتى إذا مر على الأكثر مما كان بين يديه رأيت الجزر ممضوغا قد خرج من حلقه ملتفا متحبلا متعجنا بريقه وقد جحظت عيناه وانقطع حسه واحمر لونه ودرت وداجاه وعروق رأسه وأربد وكمد وجهه وعرض له من التهوع أكثر مما عرض له من القذف حتى رمى من ذلك الذي أكله شيئا كثيرا فزكنت أن انقطاع نفسه لدفع المعدة حجابه إلى نحو الفم ومنعها إياه من الرجوع إلى الانبساط للتنفس وأما ما عرض للونه من الاحمرار ودرور وداجيه وعروقه فزكنت أنه لإقبال الطبيعة نحو رأسه كما يعرض لمن شدت يده للفصد أن تقبل الطبيعة نحو الجهة التي استنهضت نحوها وأما ما عرض بعد ذلك لوجهه من الاربداد والكمودة فزكنت أيضا أنه لسوء مزاج قلبه وأنه لو لم يخرج ما خرج ودافعت المعدة حجابه هذه المدافعة التي قد عاقته البتة عن التنفس عرض له الموت بالاختناق كما قد رأينا ذلك في عدد كثير ماتوا بعقب القذف وأما ما عرض له من التهوع أكثر مما عرض له من القذف فزكنت من ذلك أن التهوع لشدة اضطراب المعدة قال ابن أبي الأشعث بعد ذلك إن الغذاء إذا حصل في المعدة وهو كثير الكمية تمددت تمددا يبسط سائر غضونها كما رأيت ذلك في سبع شرحته حيا بحضرة الأمير الغضنفر وقد استصغر بعض الحاضرين معدته فتقدمت بصب الماء في فيه فما زلنا نصب في حلقه دورقا بعد آخر حتى عددنا من الدوارق عددا كان مقدار ما حوت نحو أربعين رطلا ماء فنظرت إذ ذاك إلى الطبقة الداخلة وقد امتدت حتى صار لها سطح مستو ليس بدون استواء الخارج ثم شققتها فلما اجتمعت عند خروج الماء منها عاد غضون الداخلة والبواب يشهد الله في جميع ذلك لا يرسل نفسه وحدثني الشيخ المهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران قال حدثني أبي عن خالي أبي الفرج بن حيان قال حدثني أبو الكرم الطبيب قال حدثني أبي عن أبيه قال كنت يوما أساير الشيخ أبا الفرج اليبرودي إذ اعترضه رجل فقال يا سيدي كنت في صناعتي هذه في الحمام وحلقت رأسي وأجد الآن في وجهي كله انتفاخا وحرارة عظيمة قال فنظرنا إلى وجهه فوجدناه يربو وينتفخ وتزيد حمرته بغير توقف ولا تدريج قال
612 فأمره أن يكشف رأسه ويلقي به الماء الجاري من قناة كانت بين يديه وكان الزمان إذ ذاك صميم الشتاء وغاية البرد ثم لم يزل واقفا حتى بلغ ما أراد مما أمر به ثم أمر الرجل بالانصراف وأشار عليه بالأوفق له وهو تلطيف التدبير واستعمال النقوع الحامض مبردا وقطع الزفر قال فامتنع أن يحدث له شرا ما وقال الطرطوشي في كتاب سراج الملوك حدثني بعض الشاميين أن رجلا خبازا بينما هو يخبز في تنوره بمدينة دمشق إذ عبر عليه رجل يبيع المشمش فاشترى منه وجعل يأكله بالخبز الحار فلما فرغ سقط مغشيا عليه فنظروا فإذا هو ميت فجعلوا يتربصون به ويحملون له الأطباء فيلتمسون دلائله ومواضع الحياة منه فلم يجدوا فقضوا بموته فغسل وكفن وصلي عليه وخرجوا به إلى الجبانة فبينما هم في الطريق على باب البلد فاستقبلهم رجل طبيب يقال له اليبرودي وكان طبيبا ماهرا حاذقا عارفا بالطب فسمع الناس يلهجون بقضيته فاستخبرهم عن ذلك فقصوا عليه قصته فقال حطوه حتى أراه فحطوه فجعل يقلبه وينظر في إمارات الحياة التي يعرفها ثم فتح فمه وسقاه شيئا أو قال حقنه فاندفع ما هناك فسيل فإذا الرجل قد فتح عينيه وتكلم وعاد كما كان إلى حانوته وتوفي اليبرودي بدمشق في سنة وأربعمائة ودفن في كنيسة اليعاقبة بها عند باب توما حدثني الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي عن موفق الدين أسعد بن إلياس ابن المطران قال حدثني خالي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله ابن رجا بن يعقوب قال حدثني ابن الكتاني وهو إذا ذاك متصرف في أعمال السلطان يومئذ بدمشق قال بلغني أن أبا الفرج جورجس بن يوحنا اليبرودي لما توفي ظهر في تركته ثلاثمائة مقطع رومي مجوم لباب واحد وخمسمائة قطعة فضة ألطفها ثلاثمائة درهم قال موفق الدين بن المطران وليس ذلك بكثير لأن الشخص متى تحققت أعماله وصفت نيته وطلب الحق وعامل الصحيح واجتهد في معرفة صناعته كان حقا على الله تعالى أن يرزقه ومتى كان بالضد عاش فقيرا ومات يائسا ولليبرودي من الكتب مقالة في أن الفرخ أبرد من الفروج نقض كلام ابن الموفقي في مسائل ترددت فيما بينهم في النبض جابر بن منصور السكري من أهل موصل وكان مسلما دينا عالما بصناعة الطب من أكبر المتميزين فيها وكان قد لحق أحمد بن أبي الأشعث وقرأ عليه ثم لازم محمد بن ثواب تلميذ ابن أبي الأشعث وقرأ عليه وذلك في
613 نحو سنة ستين وثلاثمائة واشتهر بصناعة الطب وأعمالها وعمر وكان أكثر مقامه بمدينة الموصل وإنما ابنه ظافر انتقل إلى الشام وأقام بها ظافر بن جابر السكري هو أبو حكيم ظافر بن جابر بن منصور السكري كان مسلما فاضلا في الصناعة الطبية متقنا للعلوم الحكمية متحليا بالفضائل وعلم الأدب محبا للاشتغال والتضلع بالعلوم وكان قد لقي أبا الفرج ابن الطيب ببغداد واجتمع به واشتغل معه وكان ظافر بن جابر قد عمر مثل أبيه وكان موجودا في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وهو موصلي وإنما انتقل من الموصل إلى مدينة حلب وأقام بحلب إلى آخر عمره ومن خلفه جماعة مشتغلين بصناعة الطب ومقامهم بحلب ومن شعره (ما زلت أعلم أولا في أول * حتى علمت بأنني لا علم لي) (ومن العجائب أن أكون جاهلا * من حيث كوني أنني لا أجهل) الكامل ولظافر بن جابر من الكتب مقالة في أن الحيوان يموت مع أن الغذاء يخلف عوض ما يتحلل منه موهوب بن الظافر هو أبو الفضل موهوب بن ظافر بن جابر بن منصور السكري كان فاضلا أيضا في صناعة الطب مشهورا متميزا وكان مقيما بمدينة حلب ولموهوب بن ظافر من الكتب اختصار كتاب المسائل لحنين بن إسحاق جابر بن موهوب هو جابر بن موهوب بن ظافر بن جابر بن منصور السكري كان أيضا مشهورا في صناعة الطب خبيرا بها وأقام بحلب أبو الحكم هو الشيخ الأديب الحكيم أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي الأندلسي المربي كان فاضلا في العلوم الحكمية متقنا للصناعة الطبية متعينا في الأدب مشهورا بالشعر وكان حسن النادرة كثير المداعبة محبا للهو والخلاعة وكثير من شعره يوجد مرائي في أقوام كانوا في زمانه أحياء وإنما قصد بذلك اللعب والمجون وكان محبا للشراب مدمنا له ويعاني الخيال وكان إذا
614 طرب يخرج في الخيال ويغني له (يا صياد النحلة جاك العمل * قم اخرج من بكرة هات العسل) وكان يعرف الموسيقى ويلعب بالعود ويجلس على دكان في جيرون للطب ومسكنه في دار الحجارة باللبادين وله مدائح كثيرة في بني الصوفي الذين كانوا رؤساء دمشق والمتحكمين فيها وذلك في أيام مجير الدين أبق بن محمد بن بوري بن أتابك طغتكين وسافر أبو الحكم إلى بغداد والبصرة وعاد إلى دمشق وأقام بها إلى حين وفاته وتوفي رحمه الله لساعتين خلتا من ليلة الأربعاء سادس ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة بدمشق وقال أبو الفضل بن الملحي وكتب بها إلى أبي الحكم في أثناء كتاب كتبه إليه شاكرا لفعله (إذا ما جزى الله امرءا بفعاله * فجازى الأخ البر الحكيم أبا الحكم) (هو الفيلسوف الفرد والفاضل الذي * أقر له بالحكمة العرب والعجم) (يدبر تدبير المسيح مريضه * فلو راءه أبقراط زلت به القدم) (فينتاشني من قبضة الدهر بعدما * ألم بأنواع من الضر والألم) (وبوأني من رأيه خير معقل * فبرأ من ضري وأبرا من السقم) (وما زال يهديني إلى كل منهج * بآراء مفضال له سنها الكرم) (يضيء سنا أفكارها فكأنها * شموس جلا إشراقها حندس الظلم) (وقام بأمري إذ تقاعد أسرتي * مقام أبي في كرمتي أو مقام أم) (وأنقض ظهري ما تحامل ثقله * ووكل بي طرفا إذا نمت لم ينم) (وضم ولم يمنن لجسمي شفاءه * فلولاه قد أصبحت لحما على وضم) (فأصبح سلمي الدهر بعد حروبه * عليه سلام الله ما أورق السلم) الطويل وكان أبو الحكم يهاجي جماعة من الشعراء الذين كانوا في وقته ويهاجونه وللعرقلة وهو أبو الندى حسان بن نمير الكلبي يهجو أبا الحكم (لنا طبيب شاعر أشتر * أراحنا من شخصه الله) (ما عاد في صبحة يوم فتى * إلا وفي باقيه رثاه) السريع وقال أيضا فيه (يا عين سحي بدمع ساكب ودم * على الحكيم الذي يكنى أبا الحكم)
615 (قد كان لا رحم الرحمن شيبته * ولا سقى قبره من صيب الديم) (شيخا يرى الصلوات الخمس نافلة * ويستحل دم الحجاج في الحرم) البسيط أقول وصف العرقلة لأبي الحكم في هجوه إياه بأنه اشتر العين له سبب وهو أن أبا الحكم خرج ليلة وهو سكران من دار زين الملك أبي طالب بن الخياط فوقع فانشج وجهه فلما أصبح زاره الناس يسألونه كيف وقع فكتب هذه الأبيات وتركها عند رأسه فكان إذا سأله إنسان يعطيه الأبيات يقرؤها (وقعت على رأسي وطارت عمامتي * وضاع شمشكي وانبطحت على الأرض) (وقمت وأسراب الدماء بلحيتي * ووجهي وبعض الشر أهون من بعض) (قضى الله إني صرت في الحال هتكة * ولا حيلة للمرء فيما به يقضي) (ولا خير في قصف ولا في لذاذة * إذا لم يكن سكر إلى مثل ذا يفضي) الطويل وأخذ المرآة فرأى الجرح في وجهه غائرا تحت الجفن بعد وقعته فقال (ترك النبيذ بوجنتي * جرحا ككس النعجة) (ووقعت منبطحا على * وجهي وطارت عمتي) (وبقيت منهتكا فلو * لا الليل بانت سوءتي) (وعلمت أن جميع ذلك * من تمام اللذة) (من لي بأخرى مثل تلك * ولو بحلق اللحية) الكامل ومن شعر أبي الحكم وديوان شعره هو روايتي عن الشيخ شمس الدين أبي الفضل المطواع والكحال عن الحكيم أمين الدين أبي زكريا يحيى البياسي عن أبي المجد عن والده أبي الحكم المذكور قال يمدح الرئيس مؤيد الدين أبا الفوراس بن الصوفي (رقت لما بي إذ رأت أوصابي * وشكت فقصر وجدها عما بي) (ما ضر يا ذات اللما الممنوع لو * داويت حر جوى ببرد رضاب) (من هائم في حبكم متقنع * بمرار طيف أو برد جواب) (أن تسعفي بالقرب منك فإنما * تحيين نفسا آذنت بذهاب) (لا تنكري أن بان صبري بعدكم * واعتادني ولهي لعظم مصابي) (فالصبر في كل المواطن دائما * مستحسن إلا عن الأحباب) (هيهات أن يصفو الهوى لمتيم * لا بد من شهد هناك وصاب) (ما لي وللحدق المراض تذيبني * أترى لحيني وكلت بعذابي)
616 (وكذا العيون النجل قدما لم تزل * من شأنها الفتكات بالألباب) (ما لي وحظي لا يني متباعدا * أدعو فلا أنفك غير مجاب) (لولا رجاء أبي الفوارس لم أزل * ما بين ظفر للخطوب وناب) (دعني أخبر بعض ما قد حاز من * شرف وإن أعيا ذوي الأسهاب) (فلقد غدا فرضا مديح مؤيد الدين * الهمام على ذوي الآداب) (من قيس عيلان نمته هوازن * وسليم البادون في الأعراب) (والبيت من أبناء صعصعة سما * بنيانه في جعفر بن كلاب) (منهم لبيد والطفيل وعامر * وأبو براء هازم الأحزاب) (وبنو ربيعة إن نسبت وخالد * منهم وعوف في ذوي الأنساب) (ورث العلا منهم بنو الصوفي إذ * قرنوا الأيادي الغر في الأحساب) (وحوى المسيب ما به افتخروا كما * حازت فذلك جمع كل حساب) (في ذروة الشرف الرفيع سما به * مجد قديم من صميم لباب) (وأحل أندية المكارم ناشئا * فسما على القرناء والأضراب) (ما مفعم لجب طما آذيه * وأمده منهل صوب سحاب) (بأعم سيبا من نوال بنانه * أو مزبد ذو زخرة وعباب) (لليث صولته على أعدائه * بل دونه أن صال ليث الغاب) (وله إلى أشياعه وعداته * يومان يوم ندى ويوم ضراب) (يا دولة عبق الندى والجود فيه * أرجائها من فتية انجاب) (بشجاعها وجمالها وبعزها * وبزينها تبقى على الأحقاب) (حسبي بما نسبوا إليه وإن غدت * أسماؤهم تغني عن الألقاب) (أكرم بهم عربا إذا افتخر الورى * جاؤوا بخير أرومة ونصاب) (شادوا العلا بندى وعز باذخ * ومشارع للمعتفين عذاب) (قوم ترى لذوي النفاق لديهم * ذل العبيد لسطوة الأرباب) (يا أيها المولى الذي نعماؤه * مبذولة للطارق المتناب) (إني لأعلم أن برك بي غدا * لسعادتي من أوكد الأسباب) (وتيقنت نفسي هناك بأنني * سأرود من نعماك خير جناب) (لا زلت ترقى في المكارم دائما * ما لاح برق في خلال سحاب) وقال أيضا يمدح الرئيس جمال الدولة أبا الغنائم أخا الممدوح (سواء علينا هجرها ووصالها * إذا نكثت يوما ورثت حبالها) (وما برحت ليلى تجود بوعدها * ويمنع منا بذلها ونوالها) (ويطمعنا ميعادها في دنوها * ولا وصل إلا أن يزور خيالها)
617 (أما منك إلا عذرة وتعلل * لطال علينا عذرها واعتلالها) (سقام بجسمي من جفونك أصله * وقوة عشق نقص جسمي كمالها) (فإن تسعفي صبا يكن لك أجره * بقربك يا من شف جسمي زيالها) (وما ذكرتك النفس إلا تفرقت * وعاودها من بعد هدي ضلالها) (وما برحت تعتادني زفرة إذا * طمعت لها بالبرء راث اندمالها) (ومن عبرات لا يني الدهر كلما * دعا للهوى داع أجاب أنا لها) (تصدى الكرى عن مقلتي فتنثني * دموع على الخدين يهمي انسجالها) (وكيف يؤاتي النوم أو يطرق الكرى * جفونا بماء المقلتين اكتحالها) (إذا قلت أنساها على نأي دارها * تصور في عيني وقلبي مثالها) (ودوية تردي المطايا تنوفة * يحار القطا فيها إذا خب آلها) (قطعت بفتلاء الذراعين عرمس * أمون قواها غير باد كلالها) (تؤم بنا ربع المسلم حيث لا * يخيب لها سعي وينعم بالها) (ولولا جمال الملك ما جئتها ولا * ترامت صحاريها بنا ورمالها) (إلى أسرة لا يجهل الناس قدرها * ويحمد بين العالمين فعالها) (إذا أشكلت دهماء فالرأي رأيها * وإن راب خطب فالمقال مقالها) (أو اضطرمت نار الوغى بكماتها * وطال عليهم حميها واشتعالها) (ترى لهم بأسا يقصر دونه * أسود الشرى قدامها ونزالها) (بأيديهم خطية يزنية * تساقي بأكواب المنايا نهالها) (وبيض تقد الدارعين صوارم * رهاف جلا الاطباع منها صقالها) (وهم يطعمون الضيف من قمع الذرى * إذا ناوحت نكباء ريح شمالها) (فما لبني الصوفي في الناس مشبه * ذوي البأس والأيدي المهاب مصالها) (سما لهم مجد قديم ورفعة * شديد عراها لا يخاف انحلالها) (بني جعفر في العرب خير قبيلة * سما في نزار فخرها واختيالها) (تقابل فيهم من سليم دوابة * كما قابلت يمنى اليدين شمالها) (أيا ابن علي حزت أرفع رتبة * إذا رامها من رامها لا ينالها) (بك الدولة الغراء تزهى على الورى * وحق لها إذ أنت فيهاجمالها) (ولو أنها أمست سناء ورفعة * سماء علينا كنت أنت هلالها)
618 (إذا ما ذوو الشحناء أموك خيبوا * وعاد عليهم بعد ذاك وبالها) (سأظفر من دهري بأرغد عيشة * بنعماك إن فاءت علي ظلالها) (فما لذوي الحاجات عنك تأخر * لأنك عم المكرمات وخالها) (فدونكها كالدر لا مستعارة * فينكر منها ضعفها واختلالها) (ولكن نتاج الفكر عذراء حسنها * يروق إذا شان القوافي انتحالها) (فلا نعمة إلا ومنك نوالها * ولا مدحة إلا إليك مآلها) الطويل وقال يمدح عز الدولة أخا مؤيد الدين (دعا بك داعي الهوى فاستجب * وقصر عتابك عمن عتب) (فما العيش إن غيض ماء الشباب * ولم يقض من طرفيه أرب) (وباكر معتقة زانها * مرور الليالي بها والحقب) (كأن على كأسها لؤلؤا * إذا ما استدار عليها الحبب) (يطوف بها بابلي اللحاظ * لذيذ المقبل عذب الشنب) (يقول الذي راقه حسنها * أ ذي الخمر من خده تجتلب) (وإلا فمن أين ذا الإحمرار * وهذا الصفاء لبنت العنب) (بنات الكروم حياة الكروم * وموت الهموم محيا الطرب) (فقل للذي همه أن يرى * كريما ينفس عنه الكرب) (أكل امرئ يرتجى سيبه * رويدك ما الناس فخر العرب) (جواد إذا أنت وفيته * أمنت به حادثات النوب) (فقد شاع من ذكره في الأنام * سوى ما تضمن طي الكتب) (ثناء تأرج منه البلاد * وذكر فلولاه لم يغترب) (عفاف وحلم إلى سؤدد * وفخر بآباء صدق نجب) (وفضل وبشر وجود يراه * فرضا على نفسه قد وجب) (فمن قاسه بفتى عصره * فقد قايس الدر بالمختلب) (ومن قال إن امرءا غيره * حوى بعض ما حازه قد كذب) (وليس الذي فخره تالد * كمن فخره طارف مكتسب) (إذا ذكر الصيد من عامر * وعد مآثرها وانتسب) (تفاخر قيس به خندفا * وتعطيه منها أجل الرتب) (ولا سيما إن غدا فيهم * وسيطا بأكرم أم وأب)
619 (من الجعفريين في باذخ * من العز تنحط عنه الشهب) (وعبدك يرغب في خلعة * ومثلك تشريفه يحتسب) (ليرفع ذلك من قدره * وإن كان قارب فيما طلب) (ويشحذ خاطره كلما * اشرأب إلى مدحكم وانتدب) (فلي كلما ظفرت راحتي * بجود المظفر أوفى أرب) (ففي كل دولة أنت عز لها * تنال الأماني بأدنى سبب) (لأنك من معشر من يرد * حياض مكارمهم لم يخب) (وأعراضهم أبدا لم تزل * تصان وأموالهم تنتهب) (هنيئا لك العيد فأنغم به * ودم ما بدا كوكب واحتجب) (وما العيد أنت إذا ما حضرت * سواء علينا نأى أو قرب) (وإن غيب الغيم عنا الهلال * فلسنا نبالي إذا لم تغب) (فدونكها حرة تجتلى * يناديك قائلها من كثب) (أتاك بها إثر تهذيبها * حكيم تنخلها وانتخب) (ولا خير في حكمة لا ترى * مطرزة بفنون الأدب) ومن مطبوع قصائده الأرجوزة التي وسمها بمعرة البيت يذكر فيها ما ينال الإنسان إذا عمل دعوة للندماء من المضرة والغرامة وهي هذه (معرة البيت على الإنسان * تطرا بلا شك من الإخوان) (فاصغ إلى قول أخي تجريب * يأتك بالشرح على ترتيب) (جميع ما يحدث في الدعوات * وكل ما فيها من الآفات) (فصاحب الدعوة والمسره * لا بد أن يحتمل المضرة) (أولها لا بد من ثقيل * يكرهه القوم وذي تطفيل) (صاحبها إن قدم الطعاما * يحتاج أن يحتمل الملاما) (لو أنه يندس في حرمه * لا بد أن يشرعوا في ذمه) (يقول بعض عازه إبزار * وبعضهم حافت عليه النار) (وآخر هذا قليل الملح * يظهر أني فطن ذو نصح) (ينهب ما بين يديه نهبا * ويشرب الماء القراح العذبا) (يرى له في ذلك انتفاعا * وبعد ذلك يطلب الفقاعا)
620 (بالثلج في الصيف وفي الشتاء * يلتمس النار بلا استحياء) (وإن يعزهم أثر ذا خلال * قد نسلوا الحصر ولم يبالوا) (وبعد هذا يحضر النبيذ * الطيب المنتخب اللذيذ) (فواحد يقول هذا خل * وآخر ذا قافز معتل) (وثم من يسأل عن راووق * يقول لا بد من التصفيق) (وعند هذا تحضر البواطي * ويمزج النبيذ باحتياط) (فواحد يقول هذا صرف * ويقلب الماء ولا يكف) (وآخر يقول ذا ممعود * فاجتنبوا الماء ولا تعودوا) (والنقل لا بد مع المشموم * فغير مهجور ولا مسؤوم) (فذا له في نقله اختيار * يروقه الريحان والخيار) (وذا يقول الورد والتفاح * أحسن ما دارت عليه الراح) (وإن خشيت حجة المغاني * وخوفهم من ضامن القيان) (عجل وقشقل لهم الدينارا * في الحال إن كنت تخاف العارا) (وربما قد حان منهم شطحه * تعيش أن تنعموا بالصبحه) (وإن دعوت القوم في كانون * لا بد من فحم على كانون) (يطير منه أبدا شرار * يثبت في البسط لها آثار) (ويصبح البساط بعد الجده * منقطا كشبه جلد الفهده) (فضلا عن الكباب والشرائح * لكل غاد منهم ورائح) (واعزل لهم عند انقضاء البرد * مراوحا من بعد ماء الورد) (وللندامى أبدا فنون * يظهرها الخمر فتستبين) (فمنهم من يورد الاخبارا * عجبا لها ويؤثر الاكثارا) (منعما جشعا له بالمضغ * وليس فيهم من إليه يصغي) (ويمسك الدور وينسى نفسه * قد غيب الأدبار عنه حسه) (ومنهم من يزن الكلاما * تراؤسا ويظهر إلا عظاما) (ومنهم من يظهر الوضاعه * تعمدا كي تضحك الجماعة) (ومنهم من سكره قبيح * لا يأخذ الدور ولا يروح) (وثم من يدخل وقت السكر * صاح ويحصي هفوات الخمر) (ومنهم من في يديه خفه * إذا رأى شيئا مليحا لفه)
621 (منيدلا للكم أو سكينة * أو طاسة التكعيب أو قنينة) (وبعضهم موكل بقلع * سلاسل تسيل فوق الشمع) (يوهم أن يكسو بها فتيلة * وإنما ذلك منه حيله) (ولا تقل في الغمز والإيماء * إذا مضى القوم لبيت الماء) (فإن لقوا جارية أو عبدا * قد قرصوا نهدا وعضوا خدا) (وربما تطرق الفساد * وكان من عرس الفتى انقياد) (أو أخته أو بنته أو ابنه * لا سيما إن راقهم بحسنه) (وعندها قد تسمح النفوس * ويطمع النديم والجليس) (فإنما الإنسان من لحم ودم * ليس بصخر جامد ولا صنم) (وإن يكن فيهم أبو تلور * فغير مأمون ولا معذور) (يأكل ما يلقاه أكلا لما * بلا اكتراث أو يجيد اللقما) (لا يشرب الراح مع الندامى * لأنه لا يؤثر المداما) (وإن تقع عربدة هناكا * فليس يشقى فيهم سواكا) (تنكسر الأقداح والقناني * وكلما لاح من الأواني) (وإن تأدى الأمر للجيران * رموه بالزور والبهتان) (ثم شكوه عاجلا للشحنه * وربما تمت عليه محنه) (ويربح الإنسان سوء السمعة * لا سيما إن كان ليل جمعة) (وإن فشت بينهم جراح * فليس يرجى للفتى صلاح) (وإن تردى بينهم قتيل * فذاك شيء أرشه قليل) (وشربهم إن كان في عليه * فإنه يقرب المنيه) (ولا تكن تنسى أذى الندمان * والقيء فوق البسط في الأحيان) (وبعده يلتمس الطعاما * ليوصل الشرب مع النداما) (ولا الذي يلقى من النقار * إذا انتبهت وقت كنس الدار) (من ربة البيت إذا ما نامت * وخلفها الصعب إذا ما قامت) (تذكره عند طلوع الشمس * بكل ما دار له بالأمس) (هذا إذا راحوا فإن أقاموا * واقتصدوا الصبوح ثم ناموا) (فكيف ترجو بعد ذا فلاحا * إذا بدا الصبح لهم ولاحا) (لوح على القوم بخندريس * في أثر الجردق والرؤوس)
622 (واستغن عن بعض أثاث الدار * إن صار رهنا في يد الخمار) (وإن تضع بعض نعال القوم * فليس تخلو عاجلا من لوم) (فوص أن يحفظها الغلام * لكي يقل منهم الملام) (ولا تبال ويك بالخساره * وأكثر السرج على المناره) (ومن أراد منهم الرواحا * فإنه يستلب المصباحا) (مستصحبا في يده قرابه * مملوءة يرضي بها أصحابه) (ولا تفكر في فراغ الزيت * فكل هذا من خراب البيت) (فصاحب الدعوة في خسران * لا سيما إن لز بالميزان) (وصاحب الوقت بغير شرب * أحق مخلوق بصقع الجرب) (يدل ما يلزمه من غرم * أن الفتى لا شك دقن سرم) (وكان من ذا كله غنيا * لو كان شهما فطنا ذكيا) (معرة ما مثلها معرة * تنحس من يصلى بها في كرة) (فالشرب عندي في بيوت الناس * أحسن من هذا على القياس) (وبعد هذا كله فالتوبة * أوفق ما دارت عليه النوبة) الرجز وقال في البصرة سنة إحدى وعشرين وخمسمائة (أقول وقد أشرفت من نهر معقل * على البصرة الغراء حييت من مصر) (أيا حبذا ساحاتها ورسومها * وطيب رباها لا عرين من القطر) (فكم فيك من يوم لهوت وليلة * بمرتجة الاعطاف طيبة النشر) (وإن سفرت جنح الظلام نقابها * رأيت لها وجها ينوب عن البدر) الطويل وقال أيضا (إلا إن شرب الراح من أوكد الفرض * على الورد والريحان والنرجس الغض) (وكل امرئ أعطى الوضاعة حقها * فذلك في عيش لذيذ وفي خفض) (ومهما يكن بي دائما من دعابة * فإني نقي الثوب والنفس والعرض) (وإن على أشياء مما تريبني * إذا صاحب زلت به قدم أغضي) الطويل وقال أيضا (ما خير عيش يرتجيه امرؤ * حياته تفضي إلى موته)
623 (والرزق مضمون فإن منفس * فات فلا تأس على فوته) السريع وقال أيضا (رحلت فكدرت بالبعد ما * صفا بدنوك والاقتراب) (وكادت تصدع منا القلوب * بعدك لولا رجاء الإياب) المتقارب وقال أيضا (ألا يا من لصب مستهام * معنى لا يفيق من الغرام) (وكيف يفيق محزون كئيب * أضر بجسمه طول السقام) الوافر وقال أيضا (ويح المحبين ليت لا خلقوا * ما برحوا في العذاب مذ عشقوا) (ولا رجوا راحة ولا فرحا * إلا وسدت عليهم الطرق) المنسرح وقال أيضا (ترى درا يحيط به عقيق * إذا أبدت ثناياها العذابا) (وما زان الخضاب لها بنانا * ولكن كفها زان الخضابا) الوافر وقال أيضا (قلت لها إذا عيرتني ضني * مع انحناء الظهر والارتعاش) (لا تهزئي إن وهنت أعظمي * حبك منها داخل في المشاش) السريع وقال لغزا في عبد الكريم (بمهجتي يا صاح أفدي الذي * تيمني تفتير عينيه) (صرت له ثلث اسمه طائعا * وهو بوصلي ضد ثلثيه) (كأنما وجنته إذ بدت * أنجم خيلان بخديه) (هلال تم والثريا له * مقلوب ما يشبه صدغيه) السريع وقال أيضا لغزا في اسم شفتر وهو لقب لأبي المعالي السلمي الشاعر (غزال من بني الأصفر * سباني طرفه الأحور)
624 (لقد فضله الله * بحسن الدل والمنظر) (بحق الشفع والوتر * وما قد ضمنا كوثر) (فهذا اسم قضى الرحمن * أن يلغز أو يستر) الهزج وقال يهجو الطبيب المفشكل اليهودي على سبيل المرثية (ألا عد عن ذكرى حبيب ومنزل * وعرج على قبر الطبيب المفشكل) (فيا رحمة الله استهيني بقبره * وكوني عن الشيخ الوضيع بمعزل) (ويا منكرا جود هديت قذاله * بمقنعة وأسقله سقل السجنجل) (وكبكبه في قعر الجحيم بوجبة * كجلمود صخر حطه السيل من عل) (فلا زال وكاف تزجيه ديمة * عليه بمنهل من السلح مسبل) (لقد حاز ذاك اللحد أخبث جيفة * وأوضع ميت بين ترب وجندل) (سأسبل من بطني عليه مدامعي * وأورده من مائها شر منهل) (لعل أبا عمران حن لشخصه * وقال له أسرع إلي وعجل) (فما ضم بطن الأرض أنجس منهما * وأنذل من رهط الغوي السموأل) الطويل وقال يهجو الأديب نصير الحلبي أيضا على سبيل المرثية وكان نصير قد اشتغل بالكتابة وتعرض للشعر والطب والنجوم (يا هذه قومي اندبي * مات نصير الحلبي) (يرحمه الله لقد * كان طويل الذنب) (قد ضجت الأموات في * نكهته في الترب) (وودهم لو عوضوا * منه بكلب أجرب) (والقوم بين صارخ * وممعن في الهرب) (ومنكر يقول ذا * أوضع ميت مر بي) (ما ضم بطن الأرض * بين شرقها والمغرب) (أخبث منه طينة * في عجمها والعرب) (يا قوم ما أنجسه * نصبا على التعجب) (أوصافه من فحشه * مسطورة في الكتب) (وقوله لمنكر * أسرفت يا معذلي
625 (اما علمت أنني * شيخ لأهل الأدب) (والنحو والحكمة * والمنطق والتطبب) الرجز وقال يهجو ملك النحاة (لقب هب من باذهنك الورك * نسيم على عارضي ذا الملك) (وأقبل سيل على اثره * فصار على وجهه مرتبك) (كما درج الماء مر الصبا * ودبج أفق السماء الحبك) المتقارب وقال يهجو أبا الوحش الشاعر (إذا رمت ان أهجو أبا الوحش عاقني * خلائق لؤم عنه لا تتزحزح) (تجاوز حد الذم حتى كأنه * بأقبح ما يهجى به المرء يمدح) الطويل وقال يهجوه أيضا (ان دام في غيه وحيش * ولم يدع افكه وظلمه) (سلقت آذانه بعنز * قد أكلوا في الحجاز لحمه) البسيط وقال أيضا (لنا صديق جفا وأزور جانبه * قد أوجعتني يدي مما أعاتبه) (ان قيل لي صفه يوما قلت ذاك فتى * يحصى الحصى قبل أن تحصى مثالبه) البسيط وقال يهجو عليان المعروف بالعكاز الحلبي (شكا الينا العكاز داءه * فلم يجد عندنا دواءه) (لان داء البغاء أعيا * كل امرئ يبتغي شفاءه) البسيط وقال أيضا (إذا عنيت بمحموم نظمت له * بيتا فان زاد شيئا عاد مفلوجا) (فقل لقوم رأوا طبي لهم فرجا * ليهنهم ان غدا بالشعر ممزوجا) (يفرج الهم عن أحشاء ذي حرق * مضنى ويطعمه في الحال فروجا) البسيط وقال في الشجاعة (أرى الحرب تكسبني نجدة * إذ خامر القلب تذكارها)
626 (فان أنا في النوم أبصرتها * تبين في الفرش آثارها) المتقارب وقال في قصيدته التي سماها ذات المناقب (ومعشر قد جعلوني قدوة * يرونني فيما أعاني أوحد) (تركت أعمارهم إذ ركنوا * إلي في الطب كاعمار الجدا) الرجز وقال أيضا (سأظهر في اصلاح شأني تغافلا * ليعذرني من ظن أني ذو جهل) (واهزل مهما قلت شعرا فان بدت * به ركة يوما أحلت على الهزل) الطويل وقال أيضا (وطارق ليل أمني بعد هجعة * فمتعت جنبيه بعجراء من سلم) (فلو سمعت أذناك تحتي عواءه * لقلت ابن آوى عج في حندس الظلم) (وقلت له لولا شقاؤك لم تسر * بليل ولم تحلل بربع أبي الحكم) الطويل وقال (لما أدركته الوفاة في ذي القعدة سنة تسعه وأربعين وخمسمائة (يا لهف نفسي إذا أدرجت في الكفن * وغيبوني عن الاهلين والوطن) (وقيل لا يبعدن من كان ينشدنا * أنا الذي نظر الأعمى فلم يرني) البسيط ثم أنشد يوم الثلاثاء قبل وفاته وأمر ولده أبا المجد ان يرويها بعد موته عنه (ندمت على موتي وما كان من أمري * فيا ليت شعري من يرثيكم بعدي) (واني لاختار الرجوع لو انني * أرد ولكن لا سبيل إلى الرد) (ولو كنت أدري انني غير راجع * لما كنت قد أسرعت سيرا إلى اللحد) (ألا هل من الموت المفرق من بد * وهل لزمان قد تسلف من رد) (مضى الأهل والأحباب عني وودعوا * وغودرت في دهماء موحشة وحدي) (لبعض على بعض لديكم مزية * ولا يعرف المولى لدينا من العبد) (لئن كنت قد أفرحتكم بمنيتي * وسركم موتي وآنسكم فقدي) (فدقيوس تلميذي عليكم خليفتي * رضيت به في الهزل بعدي وفي الجد) (فها أنا قد وليته الامر فاعلموا * وعما قليل سوف أسكنه عندي) (ولا تقنطوا من رحمة الله بعد ذا * فليس لنا من رحمة الله من بد) ولأبي الحكم من الكتب ديوان شعره وسمي ديوانه هذا نهج الوضاعة
627 أبو المجد بن أبي الحكم هو أفضل الدولة أبو المجد محمد بن أبي الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي من الحكماء المشهورين والعلماء المذكورين والأفاضل في الصناعة الطبية والأماثل في علم الهندسة والنجوم وكان يعرف الموسيقى ويلعب بالعود ويجيد الغناء والايقاع والزمر وسائر الآلات وعمل أرغنا وبالغ في اتقانه وكان اشتغاله على والده وعلى غيره بصناعة الطب وتميز في علمها وعملها وصار من الأكابر من أهلها وكان في دولة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله وكان يرى له ويحترمه ويعرف مقدار علمه وفضله ولما أناشأ الملك العادل نور الدين البيمارستان الكبير جعل أمر الطب إليه فيه وأطلق له جامكية وجراية وكان يتردد اليه ويعالج المرضى فيه وحدثني شمس الدين أبو الفضل بن أبي الفرج الكحال المعروف بالمطواع رحمه الله انه شاهده في البيمارستان وان أبا المجد بن أبي الحكم كان يدور على المرضى به ويتفقد أحوالهم ويعتبر أمورهم وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى فكان جميع ما يكتبه لكل مريض من المداواة والتدبير لا يؤخر عنه ولا يتوانى في ذلك قال وكان بعد فراغه من ذلك وطلوعه إلى القلعة وافتقاده المرضى من أعيان الدولة يأتي ويجلس في الإيوان الكبير الذي للبيمارستان وجميعه مفروش ويحضر الاشتغال وكان نور الدين رحمه الله قد وقف على هذا البيمارستان جملة كبيرة من الكتب الطبية وكانت في الخرستانين اللذين في صدر الإيوان فكان جماعة من الأطباء والمشتغلين يأتون اليه ويقعدون بين يديه ثم تجري مباحث طبية ويقرئ التلاميذ ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة ونظر في الكتب مقدار ثلاث ساعات ثم يركب إلى داره وتوفي أبو المجد بن أبي الحكم بدمشق في سنة () وخمسمائة ابن البذوخ هو أبو جعفر عمر بن علي بن البذوخ القلعي المغربي كان فاضلا خبيرا بمعرفة الارجدوية المفردة والمركبة وله حسن نظر في الاطلاع على الأمراض ومداواتها واقام بدمشق سنينا كثيرة وكانت له دكان عطر باللبادين يجلس فيه ويعالج من يأتي إليه أو يستوصف منه وكان يهيئ عنده أدوية كثيرة مركبة يصنعها من سائر المعاجين والاقراص والسفوفات وغير ذلك يبيع منها وينتفع الناس بها وكان معتنيا بالكتب الطبية والنظر فيها وتحقيق ما ذكره المتقدمون من صفة الأمراض ومداواتها وله حواش على كتاب القانون لابن سينا وكان له أيضا اعتناء بعلم الحديث ويشعر وله رجز كثير إلا أن أكثر شعره ضعيف منحل وعمر عمرا طويلا وضعف عن الحركة
628 حتى أنه كان لم يأت إلى دكانه إلا محمولا في محفة وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينه لأنه كان كثيرا يغتذي باللبن ويقصد بذلك ترطيب بدنه وتوفي بدمشق في سنة خمس أو ست وسبعين وخمسمائة ومن شعر ابن البذوخ قال وهو من قصيدة كبيرة له في ذكر الموت والمعاد فمن مختارها (يا رب سهل لي الخيرات افعلها * مع الأنام بموجودي وامكاني) (فالقبر باب إلى دار البقاء ومن * للخير يغرس أثمار المنى جاني) (وخير انس الفتى تقوى بصاحبه * والخير يفعله مع كل انسان) (يا ذا الجلالة والاكرام يا املي * اختم بخير وتوحيد وايمان) (ان كان مولاي لا يرجوك ذو زلل * بل من أطاعك من للمذنب الجاني) (عشر الثمانين يا مولاي قد سلبت * أنوار عيني وسمعي ثم أسناني) (لا أستطيع قياما غير معتمد * ما بين اثنين شكوائي لرحماني) (وما بقي في لذيذ يستلذ به * لي لذة غير تنصيت لقرآن) (أو شرحه أو شروحات الحديث وما * يختص بالطب أو تفكيه لقرآن) (فالشيخ تعميره يفضي إلى هرم * يذله أو عمى أو داء أزمان) (فموته ستره إذ لا محيص له * عن الممات فكم يبقى لنقصان) (نعوذ بالله من شر الحياة ومن * شر الممات وشر الإنس والجان) (ان الشيوخ كأشجار غدت حطبا * فليس يرجى لها توريق أغصان) (لم يبق في الشيخ نفع غير تجربة * وحسن رأي صفا من طول أزمان) (يا خالق الخلق يا من لا شريك له * قد جئت ضيفا لتقريني بغفران) (مولاي مالي سوى التوحيد من عمل * فاختم به منعما يا خير منان) البسيط وقال في مدح كتب جالينوس (أكرم بكتب لجالينوس قد جمعت * ما قال بقراط والماضون في القدم) (كديسقوريدس علم الدواء له * مسلم عند أهل الطب في الأمم) (فالطب عن ذين مع بقراط منتشر * من بعدهم كانتشار النور في الظلم) (بطبهم تقتدي الافكار مشرقة * ترى ضياء الشفا في ظلمة السقم) (لا تبتغي في شفاء الداء غيرهم * فان وجدانه في الطب كالعدم) (لأنهم كملوا ما اصلوه فما * يحتاج فيهم إلى اتمام غيرهم) (الا الدواء فما تحصى منافعه * وعده كثرة في العرب والعجم) (عد النجوم نبات الأرض اجمعها * من ذا يعد جميع الرمل والأكم) (في كل يوم ترى في الأرض معجزة * من التجارب والآيات والحكم)
629 ولابن البذوخ من الكتب شرح كتاب الفصول لابقراط أرجوزة شرح كتاب تقدمة المعرفة لابقراط أرجوزة كتاب ذخيرة الألباء المفرد في التأليف عن الأشباه حواش على كتاب القانون لابن سينا حكيم الزمان عبد المنعم الجلياني هو حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الأندلسي الجلياني كان علامة زمانه في صناعة الطب والكحل وأعمالهما بارعا في الأدب وصناعة الشعر وعمل المديحات أتى من الأندلس إلى الشام وأقام بدمشق إلى حين وفاته وعمر عمرا طويلا وكانت له دكان في اللبادين لصناعة الطب وكان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب يرى له ويحترمه وله في صلاح الدين مدائح كثيرة وصنف له كتبا وكان له منه الاحسان الكثير والانعام الوافر وكان حكيم الزمان عبد المنعم يعاني أيضا صناعة الكيمياء وتوفي بدمشق في سنة () وستمائة وخلف ولده عبد المؤمن بن عبد المنعم وكان كحالا ويشعر أيضا ويعمل مديحات وخدم بصناعة الكحل الملك الأشرف أبا الفتح موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وتوفي بمدينة الرها في سنة () وعشرين وستمائة ومن شعر حكيم الزمان عبد المنعم الجلياني مما نقلته من خطه وهو أيضا مما سمعته من أبي قال انشدني الحكيم عبد المؤمن المذكور فمن ذلك قال يمدح الملك الناصر صلاح الدين ابا المظفر يوسف بن أيوب ووجهها اليه من مدينة دمشق إلى مخيمه المنصور بظاهر عكا وهو محاصر للفرنج المحاصرين لمدينة عكا فعرضت عليه في شهر صفر سنة سبع وثمانين وخمسائة وهذه القفصيدة تسمى التحفة الجوهرية (رفاهية الشهم اقتحام العظائم * طلابا لعز أو غلابا لضائم) (فلم يحظ بالعلياء من هاب صدمة * فغض عنانا دون قرع الصوارم) (فأي اتضاح كان لا بعد مشكل * وأي انفساح بان لا عن مآزم) (هي الهمة الشماء تلحظ غاية * فترمي إليها عن قسي العزائم) (فما انساح سرب لم يصل سبب العلا * ولا ارتاح ندب لم يصل بصوارم) (فليس بحي سالك في خسائس * وليس بميت هالك في مكارم) (وما الناس إلا راحلون وبينهم * رجال ثوت آثارهم كالمعالم) (بعزة بأس واطلاع بصيرة * وهزة نفس واتساع مراحم) (حظوظ كمال أظهرت من عجائب * بمرآة شخص ما اختفى في العوالم) (وما يستطيع المرء يختص نفسه * الا انما التخصيص فقسمه راحم)
630 (وأعظم أهل الفضل من ساد بالقوى * فقاد بسبق الطبع أقوى الأعاظم) (ترى ضمت الأفلاك ملكا كيوسف * من الجبل اللاتي خلت في الأقادم) (فما مثل ملك ساسه في أحادث * ولا مثل حرب هاجها في ملاحم) (أباني دار العدل في مارق الوغى * بمسرب آن من دماء الغواشم) (فديتك من معل لدينك مبتن * وأفديك من مبل لضدك هادم) (فأنت الذي أيقظت حزب محمد * جهادا وهم في غفلة المتناوم) (فحاربت للأيمان لا لضغائن * ورابطت للرضوان لا لمغانم) (أجدك لن ينفك يضرب هكذا * قبابك حيث أشتك سدم الهاذم) (وفي حجرات النقع سيح صوارخ * كأمواج لج للهضاب ملاطم) (ومقلعة أمراسها وشراعها * عنان وخفاق بصعدة داهم) (فيكف رست فيها خيامك إذ جرت * سفين كماء في بحار شياظم) (فلم يبق إلا ملتق بأسنة * ولا يلق إلا متق بحيازم) (فلا طنب إلا توثب مقدم * ولا وتد إلا تجلد عارم) (فدارك والأبطال ثارت حيالها * مقر سرور في مفر مآثم) (لأنك فيها إذ هفوا جالس على * سرير ثبات مطمئن القوائم) (وإنك فيهم إذ سطوا خالس طلي * كبير نياب مرجحنا الشكائم) (فأنت المليك الناصر الحق ممعنا * يرى دهم شوق الحرب مهد النواعم) (أتعشقك الهيجاء أم أنت عاشق * لها في وصال من حبيبين دائم) (شتاء وصيفا لا نزال نراك في * مساء وصبح كآذان الملازم) (فهجرت حتى قيل ليس بقائل * وبيت حتى قيل ليس بنائم) (وأرجفت روما إذ خرقت فرنجة * فكانوا غثاء في سيول الهزائم) (كددتهم أعلى التلال كأنهم * ضباب كدا فزت لأضباب حاطم) (وفيت لهم حتى أحبوك ساطيا * فهم ووفاء العهد قيد المخاصم) (فخانوا فحابوا فانتدوا فتلاوموا * فقالوا خذلنا بارتكاب الجرائم) (وخص صلاح الدين بالنصر إذ أتى * بقلب سليم راحما للمسالم) (فحطوا بأرجاء الهياكل صورة * لك اعتقدوها كاعتقاد الأقانم) (يدين لها قس ويرقى بوصفها * ويكتبه يشفى به في التمائم) (يعجل للمرء الجزاء بفعله * فطوبى لصبار وبؤس لآثم)
631 (وقد يفسد الحر الكريم جليسه * وتضعف بالإيهام قوة حازم) (إذا لج لوم من سفيه لراشد * توهم رشدا في سفاهة لائم) (عجبت من الإنسان يعجب وهو في * نقائص أحوال قسيم السوائل) (يرى جوهر النفس الطليق فيزدهي * ويذهل عن أعراض جسم لوازم) (ديون اضطرار تقتضي كل ساعة * فتنقرض الأعمار بين المغارم) (وكل فمغمرور بحب حياته * ويغريه بالأدنى خفاء الخواتم) (وجماع مال لا انتفاع له به * كما مص مشروطا زجاج المحاجم) (يفيض وما أوعاه يرعاه مهدفا * لرشفة صاد أو لرشفة صادم) (ومن عرف الدنيا تيقن أنها * مطية يقظان وطيفة حالم) (فلله ساع في مناهج طاعة * لإيلاف عدل أو لإتلاف ظالم) (أفاتح بيت القدس سيفك مفتح * لقفل الهدى مغلاق باب المآثم) (فحكمت في الضدين غير معارض * فأحكمت في نفر الوغى المتخاصم) (فأطلقت تركا في ظهور سوابح * وأغربت شركا في بطون القشاعم) (غداة قدحت البيض في آل أصفر * فلم يبق زند منهم في معاصم) (وإذ درجوا كالرمل أعجز عدة * إلى تل عكا كالدبى المتراكم) (وكالنحل ملتفا كوارثه هوى * من التل تخشى منهم كالمرادم) (كأن لهم في تل عكا مصادة * يحاش لها أسراب وحش سوائم) (فسرب كسير موبق في حفائر * وسرب حسير مرهق في مقاحم) (فكم ملك منهم أتاها بكثرة * فزادهم نقصا زيادة عادم) (يشقون من أسبان أثباج زاخر * ومن رومة الكبرى فجاج مخارم) (فهالوا بنجدي جاريات ووخد * وذابوا بحدي مخدم لك هاضم) (غسلت الطراز الأخضر الرقم منهم * بصوت نجيع أحمر القطر ساجم) (ولو أنبت المرج النفوس لأينعت * بما ساح فيه عن حشا وغلاصم) (قليب كلى يسقى بإشطان ذابل * وعين طلى تجري بميزاب صارم) (وأضلع فرسان نعال سوابك * وأرؤس أعيان غواشي البراجم) (كذا فليرصع جوهر القول متحف * به لمليك مثل يوسف عالم) (فتى ذهنه يرمي بشهب خواطر * تشق دجون المغمضات العواتم) (يهاب رقيق الشعر رقة طبعه * كما هاب منه اليأس غلب الضراغم)
632 (وينتحل الوصاف رونق نعته * كما انتحلت جدواه وطف الغمائم) (وما زلت أجلو من حلاه عرائسا * يظل بها أهل النهى في ولائم) (بمنتظم التفضيل طلق كأنه * مفلج ثغر مستنير المباسم) (معان كبهر السحر في قعد ناظر * ولفظ كشذر التبر في عقد ناظم) (سما عن حضيض الشعر في أوج حكمة * وجل بصاحي الفكر عن نهج هائم) (ستنسى بذكراه أقاويل من مضى * وينبت نورا شائعا في الأقالم) (كما شاع هذا الأمر في الخلق مزريا * بتبع إعراب وكسرى أعاجم) (ففرضا أرى مدحي له متجنبا * مديح سواه كاجتناب المحارم) (وليس اجتداء بل تحية شاكر * وتأييد آثار وتأييد عازم) (فيا خير قوام على خير ملة * يكافح عنها كل ألب مقاوم) (تمسك بحبل الله معتصما به * فليس سواه ناصر نصر عاصم) (تمسك بمن أعطاك ما قد رجوته * ويعطيك ما ترجو لحسنى الخواتم) (بعثت بها والشوق يقدم ركبها * إلى مجلس فيه منى كل قادم) (بعيد المدى عدن الجدا نار من عدا * مفيد الهدى مروي صدى كل حائم) (سلام على ذاك المقام الذي به * أقيم عمود المكرمات العظائم) الطويل وقال أيضا (أتاح له نجواه بعض شقائه * فباح بما أخفاه من برحائه) (متى لمحت عين العليل طبيبه * فلا بد أن يومي إليه بدائه) (وكم في الهوى من مكتس برد وجده * وملتحف من دائه بردائه) (سباه حبيب غاب في فيض حسنه * فأعشى عيونا أولعت ببهائه) (وليس له ثان يلاذ به فمن * حواه هواه لم يزل في حوائه) الطويل وقال أيضا (على سوق شوقي تستقل الركائب * وعن صون دمعي تستهل السحائب) (فما البرق إلا من حنيني نابض * ولا الرعد إلا من أنيني نادب) (نأيتم فلا صبر من القلب حاضر * لدي ولا قلب عن الذكر غائب) (ففي كل وقت لي إليكم تطلع * وفي كل حال لي عليكم معاتب) (ويا ليت شعري بعدنا من صحبتم * فما بعدكم غير الهوى لي صاحب) الطويل
633 وقال أيضا (بذلت وقتا للطب كيلا * ألقى بني الملك بالسؤال) (فكان وجه الصواب لي أن * أصون نفسي بالابتذال) (لا بد للجسم من قوام * فخذه من جانب اعتدال) (وأقرب من العز في اتضاع * واهرب من الذل في المعالي) البسيط وقال أيضا (يا منكر المسح إذ رآه * أحسن مما قد اقتناه) (اصبر له أربعين يمسي * أنعم للجسم من سواه) (لا يستقيم المريد حتى * يقوى قواه على هواه) البسيط وقال أيضا (أقبل ذو دولة فقالوا * لمثل ذا فاتخذ ملاذا) (فقلت للحاضرين حولي * أجائز أن يموت هذا) (قالوا نعم قلت فهو طل * يعطش من ظنه رذاذا) (قد ذل من لاذ بالفواني * وعز من بالقديم لاذا) البسيط وقال أيضا (من لم يسل عنك فلا تسألن * عنه ولو كان عزيز النفر) (وكن فتى لم تدعه حاجة * إلى امتهان النفس إلا نفر) السريع وقال أيضا (لا تصدق عليك عقد صداق * واغن بالمطل فيه عن ترويج) (ومتى ما ذكرت يوم الخطب * فلتكن خطبة بلا تزويج) الخفيف وقال أيضا (قالوا نرى نفرا عند الملوك سموا * وما لهم همة تسمو ولا ورع) (وأنت ذو همة في الفضل عالية * فلم ظمئت وهم في الجاه قد كرعوا) (فقلت باعوا نفوسا واشتروا ثمنا * وصنت نفسي فلم اخضع كما خضعوا) (قد يكرم القرد إعجابا بخسته * وقد يهان لفرط النخوة السبع) البسيط
634 ولحكيم الزمان عبد المنعم الجلياني عدة من الكتب فما قاله من منظوم الكلام ومطلقه عشرة دواوين الأول ديوان الحكم وميدان الكلم يشتمل على الإشارة إلى كل غامض المدرك من العلم وإلى كل صادق المنسك من العمل وإلى كل واضح المسلك من الفضيلة وهو نظم والثاني ديوان المشوقات إلى الملأ الأعلى وهو نظم والثالث ديوان أدب السلوك وهو كلام مطلق يشتمل على مشارع كلمات الحكمة المبصرات والرابع كتاب نوادر الوحي وهو يشتمل على كلام حكمة مطلق في غريب معان من القرآن العظيم ومن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والخامس كتاب تحرير النظر وهو يشتمل على كلمات حكمة المفردات في البسائط والمركبات والقوى والحركات والسادس كتاب سر البلاغة وصنائع البديع في فصل الخطاب والسابع ديوان المبشرات والقدسيات وهو نظم وتدبيج وكلام مطلق يشتمل على وصف الحروب والفتوح الجارية على يد صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب فاتح مدينة البيت المقدس في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة والثامن ديوان الغزل والتشبيب والموشحات والدوبيتي وما يتصل به منظوما والتاسع ديوان تشبيهات وألغاز ورموز وأحاجي وأوصاف وزجريات وأغراض شتى منظوما والعاشر ديوان ترسل ومخاطبات في معان كثيرة وأصناف من الخطب والصدور والأدعية وله أيضا من الكتب كتاب منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر من خصائص الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ألفه في سنة تسع وستين وخمسمائة تعاليق في وصفات أدوية مركبة أبو الفضل بن أبي الوقار هو الشيخ الأجل العالم أبو الفضل إسماعيل بن أبي الوقار أصله من المعرة وأقام بدمشق وسافر إلى بغداد وقرأ على أفاضل الأطباء من أهلها واجتمع بجماعة من العلماء بها وأخذ عنهم ثم عاد إلى دمشق وكان متميزا في صناعة الطب علمها وعملها كثير الخير محمود الطريقة حسن السيرة وافر الذكاء وكان في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ويعتمد عليه في صناعة الطب وكان لا يفارقه في السفر والحضر وله الحظ الوافر والإنعام الكثير وتوفي الملك العادل نور الدين وهو في حلب في العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وخمسمائة مهذب الدين بن النقاش هو الشيخ الإمام العالم أبو الحسن علي بن أبي عبد الله عيسى بن هبة الله النقاش مولده ومنشؤه ببغداد عالم بعلم العربية والأدب وكان يتكلم الفارسي واشتغل بصناعة الطب على الأجل أمين الدولة هبة الله بن صاعد بن التلميذ ولازمه مدة واشتغل بعلم الحديث سمع ببغداد من أبي القاسم عمر بن الحصين وحدث عنه سمع منه القاضي عمر بن القرشي وروى عنه حديثا في معجمه وكان أبو عبد الله عيسى بن هبة الله بن النقاش بزازا أديبا قال عماد الدين أبو عبد الله محمد بن حامد الأصبهاني الكاتب في كتاب الخريذة أنشدني مهذب الدين أبو الحسن علي بن النقاش لوالده (إذا وجد الشيخ في نفسه * نشاطا فذلك موت خفي)
635 (ألست ترى أن ضوء السراج * له لهب قبل أن ينطفي) المتقارب قال وأنا لقيت أبا عبد الله بن النقاش ببغداد وتوفي رحمه الله في العشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمس مائة بها بعد مسيري إلى أصبهان قال وقرأت بخط السمعاني أنشدني أبو عبد الله النقاش لنفسه (رزقت يسارا فوافيت من * قدرت به حين لم يرزق) (وأملقت من بعده فاعتذرت * إليه اعتذار أخ مملق) (وإن كان يشكر فيما مضى * بذا فسيعذر فيما بقي) المتقارب قال قال وأنشدني لنفسه أيضا من قطعة (وكذا الرئيس فإنه عندي * كمجرى الروح يجري) (أنكرت في دلف عليه * تهتكا من بعد ستر) (كيف السلو وقد تملك * مهجتي من غير أمري) (قمر تراه إذا استمر * كمثل أربعة وعشر) (يرفو بنجلاوين يسقم * من سقامهما ويبري) (وإذا تبسم في دجا * ليل شهدت له بفجر) (وبورد وجنته وحسن * عذاره قد قام عذري) الكامل أقول ولما وصل مهذب الدين بن النقاش إلى دمشق بقي بها يطب وكان أوحد زمانه في صناعة الطب وله مجلس عام للمشتغلين عليه ثم توجه إلى الديار المصرية وأقام بالقاهرة مدة ثم رجع إلى دمشق ولم يزل مقيما إلى حين وفاته وخدم بصناعة الطب الملك العادل نور الدين محمود ابن زنكي وكان يعاني أيضا كتابة الإنشاء وكتب كثيرا لنور الدين المراسلات والكتب إلى سائر النواحي وكان مكينا عنده وخدم أيضا في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بدمشق وبقي به سنين وكتب الأمير مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن منقذ إلى مهذب الدين ابن النقاش يستهدي دهن بلسان (ركبتي تخدم المهذب في العلم * وفي كل حكمة وبيان) (وهي تشكو إليه تأثير طول العمر * في ضعفها وطول الزمان) فلها فاقة إلى ما يقويها * على مشيها من البلسان)
636 (كل هذا علالة ما لمن جاز * الثمانين بالنهوض يدان) (رغبة في الحياة من بعد طول العمر * والموت غاية الإنسان) الخفيف فبعث إليه ما أراد من ذلك ولم يزل في خدمة نور الدين إلى أن توفي رحمه الله وكانت وفاة نور الدين في شوال سنة تسع وستين وخمسمائة بدمشق وخدم مهذب الدين بن النقاش أيضا بصناعة الطب بعد ذلك للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ملك دمشق وحظي عنده وكان مهذب الدين بن النقاش كثير الإحسان محبا للجميل يؤثر التخصص ولم يتخذ امرأة ولا خلف ولدا وكانت وفاته رحمه الله بدمشق في يوم السبت ثاني عشر محرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة ودفن بها في جبل قاسيون أبو زكريا يحيى البياسي هو أمين الدين أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الأندلسي البياسي من الفضلاء المشهورين والعلماء المذكورين قد أتقن الصناعة الطبية وتميز في العلوم الرياضية وصل من المغرب إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة مدة ثم توجه إلى دمشق وقطن بها وقرأ على مهذب الدين أبي الحسن علي بن عيسى ابن هبة الله المعروف بابن النقاش البغدادي ولازمه وكتب الستة عشر لجالينوس وقرأها عليه وكتب بخطه كتبا كثيرة جدا في الطب وغيره وكان يعرف النجارة وعمل لابن النقاش آلات كثيرة تتعلق بالهندسة وكان أبو زكريا يحيى البياسي جيد اللعب بالعود وعلم الأرغن أيضا وحاول اللعب به وكان يقرأ عليه علم الموسيقى وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بصناعة الطب وبقي معه مدة في البيكار ثم استعفى من ذلك وطلب المقام بدمشق فأطلق له الملك الناصر جامكية وبقي مقيما في دمشق وهو يتناولها إلى أن توفي رحمه الله سكرة الحلبي كان شيخا قصيرا من يهود مدينة حلب وكانت له دربة بالعلاج وتصرف في المداواة حدثني الشيخ صفي الدين خليل بن أبي الفضل بن منصور التنوخي الكاتب اللاذقي قال كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بحلب وكانت له في القلعة بها حظية يميل إليها كثيرا ومرضت مرضا صعبا وتوجه الملك العادل إلى دمشق وبقي قلبه عندها وكل وقت يسأل عنها فتطاول مرضها وكان يعالجها جماعة من أفاضل الأطباء وأحضر إليها الحكيم سكرة فوجدها قليلة الأكل متغيرة المزاج لم تزل جنبها إلى الأرض فتردد إليها مع الجماعة ثم استأذن الخادم في الحضور إليها وحده فأذنت له فقال لها يا ستي أنا أعالجك بعلاج تبرئي به في أسرع وقت إنشاء الله تعالى وما تحتاجي
637 معه إلى شيء آخر فقالت افعل فقال أشتهي أن مهما أسألك عنه تخبريني به ولا تخفني فقالت نعم وأخذ منها أمانا فقالت تعرفيني ما جنسك فقالت علانية فقال العلان في بلادهم نصارى فعرفين أيش كان أكثر أكلك في بلدك فقالت لحم البقر فقال يا ستي وما كنت تشربي من النبيذ الذي عندهم فقالت كذا كان فقال أبشري بالعافية وراح إلى بيته واشترى عجلا وذبحه وطبخ منه وجاب معه في زبدية منه قطع لحم مسلوق وقد جعلها في لبن وثوم وفوقها رغيف خبز فأحضره بين يديها وقال كلي فمالت نفسها إليه وصارت تجعل اللحم في اللبن والثوم وتأكل حتى شبعت ثم بعد ذلك أخرج من كمة برنية صغيرة وقال يا ستي هذا شراب ينفعك فتناوليه فشربته وطلبت النوم وغطيت بفرجية فرو سنجاب فعرقت عرقا كثيرا وأصبحت في عافية وصار يجيب لها من ذلك الغذاء والشراب يومين آخرين فتكاملت عافيتها فأنعمت عليه وأعطته صنية مملوءة حليا فقال أريد مع هذا أن تكتبي لي كتابا إلى السلطان وتعرفيه ما كنت فيه من المرض وأنك تعافيت على يدي فوعدته بذلك وكتبت إلى السلطان تشكر منه وتقول له فيه أنها كانت قد أشرفت على الموت وأن فلان عالجني وما وجدت العافية إلا على يديه وجميع الأطباء الذين كانوا عندي ما عرفوا مرضي وطلبت منه أن يحسن إليه فلما قرأ الكتاب استدعاه واحترمه وقال له هم شاكرون من مداواتك فقال يا مولانا كانت من الهالكين وإنما الله عز وجل جعل عافيتها على يدي لبقية أجل كان لها فاستحسن قوله وقال أيش تريد أعطيك فقال يا مولانا تطلق لي عشرة فدادين خمسة في قرية صمع وخمسة في قرية عندان فقال نطلقها لك بيعا وشراء حتى تبقى مؤبدة لك وكتب له بذلك وخلع عليه وعاد إلى حلب وكثرت أمواله بها ولم يزل في نعمة طائلة بها وأولاده بعده عفيف بن سكرة هو عفيف بن عبد القاهر سكرة يهودي من أهل حلب عارف بصناعة الطب مشهور بأعمالها وجودة النظر فيها له أولاد وأهل أكثرهم مشتغلون بصناعة الطب ومقامهم بمدينة حلب ولعفيف بن سكرة من الكتب مقالة في القولنج ألفها للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وذلك في سنة أربع وثمانين وخمسمائة ابن الصلاح هو الشيخ العالم نجم الدين أبو الفتوح أحمد بن محمد بن السري وكان يعرف بابن الصلاح فاضل في العلوم الحكمية جيد المعرفة بها مطلع على دقائقها وأسرارها فصيح اللسان قوي العبارة مليح التصنيف
638 متميز في علم صناعة الطب وكان أعجميا أصله من همدان وقطن ببغداد واستدعاه حسام الدين تمرتاش بن الغازي بن أرتق إليه وأكرمه غاية الإكرام وبقي في صحبته مدة ثم توجه ابن الصلاح إلى دمشق ولم يزل بها إلى أن توفي وكانت وفاته رحمه الله بدمشق ليلة الأحد سنة نيف وأربعين وخمسمائة ودفن في مقابر الصوفية عند نهر بانياس بظاهر دمشق ونقلت من خط الشيخ الحكيم أمين الدين أبي زكريا يحيى بن إسماعيل البياسي رحمه الله قال كان قد ورد إلى دمشق الشيخ الإمام العالم الفيلسوف أبو الفتوح بن الصلاح من بغداد ونزل عند الشيخ الحكيم أبي الفضل إسماعيل ابن أبو الوقار الطبيب وأراد ابن الصلاح أن يستعمل له تمشكا بغداديا وسأل عن صانع مجيد لعمل ذلك فدل على رجل يقال له سعدان الإسكاف فاستعمل التمشك عنده ولما فرغ منه بعد مدة وجده ضيق الصدر زائد الطول رديء الصنعة فبقي في أكثر أوقاته يعيبه ويستقبح صنعته ويلوم الذي استعمله وبلغ ذلك الشيخ أبا الحكم المغربي الطبيب فقال على لسان الفيلسوف هذه القصيدة على سبيل المجون وذكر فيها أشياء كثيرة من اصطلاحات المنطق والألفاظ الحكمية والهندسية وهي (مصابي مصاب تاه في وصفه عقلي * وأمري عجيب شرحه يا أبا الفضل) (أبثك ما بي من أسى وصبابة * وما قد لقيت في دمشق من الذل) (قدمت إليها جاهلا بأمورها * على إنني حوشيت في العلم من جهل) (وقد كان في رجلي تمشك فخانني * عليه زمان ليس يحمد في فعل) (فقلت عسى أن يخلف الدهر مثله * وهيهات أن ألقاه في الحزن والسهل) (ولاحقني نذل دهيت بقربه * فلله ما قاسيت من ذلك النذل) (فقلت له يا سعد جد لي بحاجة * تخور بها شكر امرئ عالم مثلي) (بحقي عسى تستنخب اليوم قطعة * من الأدم المدبوغ بالعفص والخل) (فقال على رأسي وحقك واجب * على كل إنسان يرى مذهب العقل) (فناولته في الحال عشرين درهما * وسوفني شهرين بالدفع والمطل) (فلما قضى الرحمن لي بنجازه * وقلت ترى سعد أن انجز لي شغلي) (أتى بتمشك ضيق الصدر أحنف * بكعب غدا حتفا على الكعب والرجل) (وبشتيكه بشتيك سوء مقارب * أضيف إلى نعل شيبه به فسل) (بشكل على الأذهان يعسر حله * ويعيي ذوي الألباب والعقد والحل) (وكعب إلى القطب الشمالي ماثل * ووجه إلى القطب الجنوبي مستعلي) (وما كان في هندامه لي صحة * ولكن فساد شاع في الفرع والأصل) (موازاة خطى جانبيه تخالفا * فجزء إلى علو وجزء إلى سفل)
639 (وكم فيه من عيب وخرز مفتق * يعاف ومن قطع من الزيج والنعل) (بوصل ضروري وقد كان ممكنا * لعمرك أن يأتي التمشك بلا وصل) (وفيه اختلال من قياس مركب * فلا ينتج الشرطي منه ولا الحملي) (فلا شكله القطاع مما يليق أن * أصون به رجلي فلا كان من شكل) (ولا جنس أيساغوجه بين ولا * يحد له نوع إذا جيء بالفصل) (فساد طرافى شكله عند كونه * فقل أي شيء عن مقابحه يسلي) (وقد كان فيه قوة لمرادنا * فأعوزنا منه الخروج إلى الفعل) (فلو كان معدول الكمال احتملته * ولكن سليب الحس في الجزء والكل) (فيا لك في إيجاب ما الصدق سلبه * وعدل قضايا جاء من غير ذي عدل) (وما عازني فيه اختلال مقولة * فجوهره والكم والكيف في خبل) (وأي القضايا لم يبن فيه كذبها * وأي قياس ليس فيه بمعتل) (لقد أعوز البرهان منه شرائط * فإيجابه ثم الضروري والكلي) (إذا حط في شمس فمخروط باشه * لملتفت يبدي انحرافا إلى الظل) (وطبطب في رجلي والصيف ما انقضى * فكيف به أن صرت في الطين والوحل) (فأذهلني حتى بقيت مغيبا * ولم يبق لي سعدان يا صاح من عقل) (وفي كل ذا قد بان نقف دماغه * فأهون بشخص ناقص العقل مختل) (وأخرب بيت منه في الخلق ما ترى * سريعا وأولى بالهوان وبالأزل) (وأوقليدس لو عاش أعيا انحلاله * عليه لأن الشكل ممتنع الحل) (فحينئذ أقسمت بالله خالقي * وهود أخي عاد وشيث وذي الكفل) (وسورة يس وطه ومريم * وصاد وحم ولقمان والنمل) (لئن لم أجد في المزلقان ملاسة * تؤاتي كراعي لا جعلناه في حل) (ولا قلت شعرا في دمشق ولا أرى * أعاتب اسكافا بجد ولا هزل) (دهيت به خلا ينغص عيشتي * فلا بارك الرحمن لي فيه من خل) (وكم آلم الإسكاف قلبي بمطله * ولاقيت ما لاقاه موسى من العجل) (وكان أرسطاليس يدهى بمعشر * يرومون منه أن يوافق في الهزل) (وبقراط قد لاقى أمورا كثيرة * ولكنه لم يلق في أهله مثلي) (وقد كان جالينوس أن عض رجله * تمشك يداوي العقر بالمرهم النخلي)
640 (وقسطا بن لوقا كان يحفى لأجل ذا * وما كان يصغي في حفاه إلى عذل) (وكان أبو نصر إذا زار معشرا * وضاع له نعل يروح بلا نعل) (وأرباب هذا العلم ما فتئوا كذا * يقاسون ما لا ينبغي من ذوي الجهل) (لذلك إني مذ حللت بجلق * ندمت فأزمعت الرجوع إلى أهلي) (ولو كنت في بغداد قام لنصرتي * هنالك أقوام كرام ذوو نبل) (وما كنت أخلو من ولي مساعد * وذي رغبة في العلم اكتب ما أملي) (فيا ليتني مستعجلا طرت نحوها * ومن لي بهذا وهو ممتنع من لي) (ففي الشام قد لاقيت ألف بلية * فيا ليت أني ما حططت بها رحلي) (على أنني في جلق بين معشر * أعاشر منهم معشرا ليس من شكلي) (فاقسم ما نوء الثريا إذا همى * وجاد على الأرضين رائمة المحل) (ولا بكت الخنساء صخرا شقيقها * وأدمعها في الخد دائمة الهطل) (بأغزر من دمعي إذا ما رأيته * وقد جاء في رجلي منحرف الشكل) (وأمرضني ما قد لقيت لأجله * فيا ليت أني قد بقيت بلا رجلي) (فهذا وما عددت بعض خصاله * فكيف احتراسي من أذيته قل لي) (ومن عظم ما قاسيت من ضيق بأسه * أخاف على جسمي من السقم والسل) (فيا لتمشك مذ تأملت شكله * علمت يقينا أنه موجب قتلي) (وينشد من يأتيه نعيي بجلق * بنا منك فوق الرمل ما بك في الرمل) (فلا تعجبوا مهما دهاني فإنني * وجدت به ما لم يجد أحد قبلي) الطويل ولابن الصلاح من الكتب مقالة في الشكل الرابع من أشكال القياس الحملى وهذا الشكل المنسوب إلى جالينوس كتاب في الفوز الأصغر في الحكمة شهاب الدين السهروردي هو الإمام العالم الفاضل أبو حفص عمر بن كان أوحدا في العلوم الحكمية جامعا للفنون الفلسفية بارعا في الأصول الفلكية مفرط الذكاء جيد الفطرة فصيح العبارة لم يناظر أحدا إلا بزه ولم يباحث محصلا إلا أربى عليه وكان علمه أكثر من عقله حدثني الشيخ سديد الدين ابن عمر قال كان شهاب الدين السهروردي قد أتى إلى شيخنا فخر الدين المارديني وكان يتردد إليه
641 في أوقات وبينهما صداقة وكان الشيخ فخر الدين يقول لنا ما أذكى هذا الشاب وأفصحه ولم أجد أحدا مثله في زماني إلا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره وقلة تحفظه أن يكون ذلك سببا لتلافه قال فلما فارقنا شهاب الدين السهروردي من الشرق وتوجه إلى الشام أتى إلى حلب وناظر بها الفقهاء ولم يجاره أحد فكثر تشنيعهم عليه فاستحضره السلطان الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب واستحضر الأكابر من المدرسين والفقهاء و المتكلمين ليسمع ما يجري بينهم وبينه من المباحث والكلام فتكلم معهم بكلام كثير بان له فضل عظيم وعلم باهر وحسن موقعه عند الملك الظاهر وقربه وصار مكينا عنده مختصا به فازداد تشنيع أولئك عليه وعملوا محاضرة بكفره وسيروها إلى دمشق إلى الملك الناصر صلاح الدين وقالوا إن بقي هذا فإنه يفسد اعتقاد الملك الظاهر وكذلك إن أطلق فإنه يفسد أي ناحية كان بها من البلاد وزادوا عليه أشياء كثيرة من ذلك فبعث صلاح الدين إلى ولده الملك الظاهر بحلب كتابا في حقه بخط القاضي الفاضل وهو يقول فيه إن هذا الشهاب السهروردي لا بد من قتله ولا سبيل أنه يطلق ولا يبقى بوجه من الوجوه ولما بلغ شهاب الدين السهروردي ذلك وأيقن أنه يقتل وليس جهة إلى الإفراج عنه اختار أن يترك في مكان مفرد ويمنع من الطعام والشراب إلى أن يلقى الله تعالى ففعل به ذلك وكان في أواخر سنة ست وثمانين وخمسمائة بقلعة حلب وكان عمره نحو ست وثلاثين سنة قال الشيخ سديد الدين محمود بن عمر ولما بلغ شيخنا فخر الدين المارديني قتله قال لنا أليس كنت قلت لكم عنه هذا من قبل وكنت أخشى عليه منه أقول ويحكى عن شهاب الدين السهروردي أنه كان يعرف علم السيمياء وله نوادر شوهدت عنه من هذا الفن ومن ذلك حدثني الحكيم إبراهيم بن أبي الفضل بن صدقة أنه اجتمع به وشاهد منه ظاهر باب الفرج وهم يتمشون إلى ناحية الميدان الكبير ومعه جماعة من التلاميذ وغيرهم وجرى ذكر هذا الفن وبدائعه وما يعرف منه وهو يسمع فمشى قليلا وقال ما أحسن دمشق وهذه المواضع قال فنظرنا وإذا من ناحية الشرق جواسق عالية متدانية بعضها إلى بعض مبيضة وهي من أحسن ما يكون بناية وزخرفة وبها طاقات كبار فيها نساء ما يكون أحسن منهن قط وأصوات مغان وأشجار متعلقة بعضها مع بعض وأنهر جارية كبار ولم نكن نعرف ذلك من قبل فبقينا نتعجب من ذلك وتستحسنه الجماعة وانذهلوا لما رأوا قال الحكيم فبقينا كذلك ساعة ثم غاب عنا وعدنا إلى رؤية ما كنا نعرفه من طول الزمان قال لي إلا أن عند رؤية تلك الحالة الأولى العجيبة بقيت أحس في نفسي كأنني في سنة خفية ولم يكن إدراكي كالحالة التي أتحققها مني وحدثني بعض فقهاء العجم قال كنا مع الشيخ شهاب الدين عند الغابون ونحن مسافرون عن دمشق فلقينا قطيع غنم مع تركماني فقلنا للشيخ يا مولانا نريد من هذا الغنم رأسا نأكله فقال معي عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم وكان ثم تركماني فاشترينا منه رأسا بها فمشينا
642 فلحقنا رفيق له وقال ردوا الرأس وخذوا أصغر منه فإن هذا ما عرف يبيعكم يسوى هذا الرأس البختية الذي معكم أكثر من الذي قبض منكم وتقاولنا نحن وإياه ولما عرف الشيخ ذلك قال لنا خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه وأرضيه فتقدمنا وبقي الشيخ يتحدث معه ويمنيه فلما أبعدنا قليلا تركه وتبعنا وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه ولما لم يكلمه لحقه بغيظ وجذب يده اليسرى وقال أين تروح وتخليني وإذا بيد الشيخ قد انخلعت من عند كتفه وبقيت في يد التركماني ودمها يجري فبهت التركماني وتحير في أمره ورمى اليد وخاف فرجع الشيخ وأخذ تلك اليد بيده اليمني ولحقنا وبقي التركماني راجعا وهو يتلفت إلينا حتى غاب ولما وصل الشيخ إلينا رأينا في يده اليمنى منديله لا غير وحدثني صفي الدين خليل بن أبي فضل الكاتب قال حدثنا الشيخ ضياء الدين بن صقر رحمه الله أن في سنة خمسمائة وتسعة وسبعين قدم إلى حلب الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي ونزل في مدرسة الجلاوية وكان مدرسها يومئذ الشريف رئيس الحنفية افتخار الدين رحمه الله فلما حضر شهاب الدين الدرس وبحث مع الفقهاء وكان لابس دلق وهو مجرد بإبريق وعكاز وما كان أحد يعرفه فلما بحث وتميز بين الفقهاء وعلم افتخار الدين أنه فاضل أخرج له ثوبا عتابيا وغلالة ولباسا وبقيارا وقال لولده تروح إلى هذا الفقير وتقول له والدي يسلم عليك ويقول لك أنت رجل فقيه وتحضر الدرس بين الفقهاء وقد سير لك شيئا تكون تلبسه إذا حضرت فلما وصل ولده إلى الشيخ شهاب الدين وقال له ما أوصاه سكت ساعة وقال يا ولدي حط هذا القماش وتفضل اقض لي حاجة وأخرج له فص بلخش في قدر بيضة الدجاجة رماني ما ملك أحد مثله في قده ولونه وقال تروح إلى السوق تنادي على هذا الفص ومهما جاب لا تطلق بيعه حتى تعرفني فلما وصل به إلى السوق عند العريف ونادى على الفص فانتهى ثمنه إلى مبلغ خمسة وعشرين ألف درهم فأخذه العريف وطلع إلى الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين وهو يومئذ صاحب حلب وقال هذا الفص قد جاب هذا الثمن فأعجب الملك الظاهر قده ولونه وحسنه فبلغه إلى ثلاثين ألف درهم فقال العريف حتى أنزل إلى ابن افتخار الدين وأقول له وأخذ الفص ونزل إلى السوق وأعطاه له وقال له رح شاور والدك على هذا الثمن واعتقد العريف أن الفص لافتخار الدين فلما جاء إلى شهاب الدين السهروردي وعرفه بالذي جاب الفص صعب عليه وأخذ الفص وجعله على حجر وضربه بحجر آخر حتى فتته وقال لولد افتخار الدين خذ يا ولدي هذه الثياب ورح إلى والدك قبل يده عني وقل له لو أردنا الملبوس ما غلبنا عنه فراح إلى افتخار الدين وعرفه صورة ما جرى فبقي حائرا في قضيته وأما الملك الظاهر فإنه طلب العريف وقال أريد الفص فقال يا مولانا أخذه صاحبه ابن الشريف افتخار الدين مدرس الجلوية فركب السلطان ونزل إلى المدرسة وقعد في الإيوان
643 وطلب افتخار الدين إليه وقال أريد الفص فعرفه أنه لشخص فقير نازل عنده قال فأفكر السلطان ثم قال يا افتخار الدين إن صدق حدسي فهذا شهاب الدين السهروردي ثم قام السلطان واجتمع بشهاب الدين وأخذه معه إلى القلعة وصار له شأن عظيم وبحث مع الفقهاء في سائر المذاهب وعجزهم واستطال على أهل حلب وصار يكلمهم كلام من هو أعلى قدرا منهم فتعصبوا عليه وأفتوا في دمه حتى قتل وقيل إن الملك الظاهر سير اليه من خنقه قال ثم إن الملك الظاهر بعد مدة نقم على الذين افتوا في دمه وقبض على جماعة منهم واعتقلهم وأهانهم وأخذ منهم أموالا عظيمة حدثني سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة قال كان الشيخ شهاب الدين السهروردي رث البزة لا يلتفت إلى ما يلبسه ولا له احتفال بأمور الدنيا قال وكنت أنا وإياه نتمشى في جامع ميافارقين وهو لابس جبة قصيرة مضربة زرقاء وعلى رأسه فوطة مفتولة وفي رجليه زربول ورآني صديق لي فأتى إلى جانبي وقال ما جئت تماشي إلا هذا الخربند فقلت له اسكت هذا سيد الوقت شهاب الدين السهروردي فتعاظم قولي وتعجب ومضى وحدثني بعض أهل حلب قال لما توفي شهاب الدين رحمه الله ودفن بظاهر مدينة حلب وجد مكتوباعلى قبره والشعر قديم (قد كان صاحب هذا القبر جوهرة * مكنونة قد براها الله من شرف) (فلم تكن تعرف الأيام قيمته * فردها غيرة منه إلى الصدف) البسيط ومن كلامه قال في دعاءاللهم يا قيام الوجود وفائض الجود ومنزل البركات ومنتهى الرغبات منور النور ومدبر الأمور وواهب حياة العالمين أمددنا بنورك ووفقنا لمرضاتك وألهمنا رشدك وطهرنا من رجس الظلمات وخلصنا من غسق الطبيعة إلى مشاهدة أنوارك ومعاينة أضوائك ومجاورة مقربيك وموافقة سكان ملكوتك واحشرنا مع الذين أنعمت عليهم من الملائكة والصديقين والأنبياء والمرسلين ومن شعر شهاب الدين السهروردي (أبدا تحن إليكم الأرواح * ووصالكم ريحانها والراح) (وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم * وإلى لذيذ وصالكم ترتاح) (وارحمتا للعاشقين تكلفوا * ستر المحبة والهوى فضاح) (بالسر إن باحوا تباح دماؤهم * وكذا دماء البائحين تباح) (وإذا هم كتموا تحدث عنهم * عند الوشاة المدمع السحاح) (وبدت شواهد للسقام عليهم * فيها لمشكل أمرهم إيضاح)
644 (خفض الجناح لكم وليس عليهم * للصب في خفض الجناح جناح) (فإلى لقاكم نفسه مشتاقة * وإلى رضاكم طرفه طماح) (عودوا بنور الوصل من غسق الدجا * فالهجر ليل والوصال صباح) (وتمتعوا فالوقت طالب لكم وقد * رق الشراب ودارت الأقداح) (مترنحا وهو الغزال الشارد * وبخده الصهباء والتفاح) (وبثغره الشهد الشهي وقد بدا * في أحسن الياقوت منه أقاح) الكامل وقال أيضا (فز بالنعيم فإن عمرك ينفذ * وتغنم الدنيا فليس مخلد) (وإذا ظفرت بلذة فانهض لها * لا يمنعنك عن هواك مفند) (وصل الصبوح مع الغبوق فإنما * دنياك يوم واحد يتردد) (وعدوك تشرب في الجنان مدامة * ولتندمن إذا نهاك الموعد) (كم أمة هلكت ودار عطلت * ومساجد خربت وعمر معهد) (ولكم نبي قد أتى بشريعة * قدما وكم صلوا لها وتعبدوا) الطويل وقال أيضا (أقول لجارتي والدمع جاري * ولي عزم الرحيل عن الديار) (ذريني أن أسير ولا تنوحي * فإن الشهب أشرفها السواري) (وإني في الظلام رأيت ضوءا * كأن الليل زين بالنهار) (إلى كم أجعل الحيات صحبي * إلى كم أجعل التنين جاري) (وكم أرضى الإقامة في فلاة * وفوق الفرقدين رأيت داري) (ويأتيني من الصنعاء برق * يذكرني بها قرب المزار) الوافر وقال عند وفاته وهو يجود بنفسه لما قتل (قل لأصحاب رأوني ميتا * فبكوني إذ رأوني حزنا) (لا تظنوني بأني ميت * ليس ذا الميت والله أنا) (أنا عصفور وهذا قفصي * طرت عنه فتخلى رهنا) (وأنا اليوم أناجي ملأ * وأرى الله عيانا بهنا) (فاخلعوا الأنفس عن أجسادها * لترون الحق حقا بينا)
645 (لا ترعكم سكرة الموت فما * هي إلا انتقال من هنا) (عنصر الأرواح فينا واحد * وكذا الأجسام جسم عمنا) (ما أرى نفسي إلا أنتم * واعتقادي أنكم أنتم أنا) (فمتى ما كان خيرا فلنا * ومتى ما كان شرا فبنا) (فارحموني ترحموا أنفسكم * واعلموا أنكم في أثرنا) (من رآني فليقو نفسه * إنما الدنيا على قرن الفنا) (وعليكم من كلامي جملة * فسلام الله مدح وثنا) الرمل ولشهاب الدين السهروردي من الكتب كتاب التلويحات اللحوية والعرشية كتاب الألواح العمادية ألفه لعماد الدين أبي بكر بن قرا أرسلان بن داود بن أرتق صاحب خرت برت كتاب اللحمة كتاب المقاومات وهو لواحق على كتاب التلويحات كتاب هياكل النور كتاب المعارج كتال المطارحات كتاب حكمة الإشراق شمس الدين الخوبي هو الصدر الإمام العالم الكامل قاضي القضاة شمس الدين حجة الإسلام سيد العلماء والحكماء أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى من مدينة خوي كان أوحد زمانه في العلوم الحكمية وعلامة وقته في الأمور الشرعية عارفا بأصول الطب وغيره من أجزاء الحكمة عاقلا كثير الحياء حسن الصورة كريم النفس محبا لفعل الخير وكان رحمه الله ملازما للصلاة والصيام وقراءة القرآن ولما ورد إلى الشام في أيام السلطان الملك المعظم عيسى بن الملك العادل استحضره وسمع كلامه فوجده أفضل أهل زمانه في سائر العلوم وكان الملك المعظم عالما بالأمور الشرعية والفقه فحسن موقعه عنده وأكرمه وأطلق له جامكية وجراية وبقي معه في الصحبة ثم جعله مقيما بدمشق وله منه الذي له وقرأ عليه جماعة من المشتغلين وانتفعوا به وكنت أتردد إليه وقرأت عليه التبصرة لابن سهلان وكان حسن العبارة قوي البراعة فصيح اللسان بليغ البيان وافر المروة كثير الفتوة وكان شيخه الإمام فخر الدين بن خطيب الري لحقه وقرأ عليه ثم ولاه الملك المعظم القضاء وجعله قاضي القضاة بدمشق وكان مع ذلك كثير التواضع لطيف الكلام يمضي إلى الجامع ماشيا للصلوات في أوقاتها وله تصانيف لا مزيد عليها في الجودة وكان ساكنا في المدرسة العادلية ويلقى بها الدرس للفقهاء ولم يزل على هذه الحال إلى أن توفي رحمه الله وهو في سن الشباب
646 وكانت وفاته بحمى الدق بدمشق وذلك في سابع شهر شعبان سنة سبع وثلاثين وستمائة ولشمس الدين الخوبي من الكتب تتمة تفسير القرآن لابن خطيب الري كتاب في النحو كتاب في علم الأصول كتاب يشتمل على رموز حكمية على ألقاب السلطان الملك المعظم صنفه للملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب رفيع الدين الجيلي هو القاضي الأجل الإمام العالم رفيع الدين أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل ابن عبد الهادي الجيلي من أهل فيلمان شهر من الجيلان وكان من الأكابر المتميزين في العلوم الحكمية وأصول الدين والفقه والعلم الطبيعي والطب وكان مقيما بدمشق وهو فقيه في المدرسة العذراوية داخل باب النصر وله مجلس للمشتغلين عليه في أنواع العلوم والطب وقرأت عليه شيئا من العلوم الحكمية وكان فصيح اللسان قوي الذكاء كثير الاشتغال والمطالعة واستخدم قاضيا في مدينة بعلبك وبقي بها مديدة وكان صديقا للصاحب أمين الدولة وبينهما عشرة ولما تملك السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل دمشق وتوفي قاضي القضاة شمس الدين الخوبي رحمه الله فأشار الصاحب أمين الدولة أن يجعل موضعه فولاه السلطان وصار قاضي القضاة بدمشق وارتفعت منزلته وأثرى وبقي كذلك مدة وكان كثير من الناس يتظلمون منه ويشكون سيرته وبالجملة فإن الحال تأدى به إلى أن قبض عليه وقتل رحمه الله في أيام الملك الصالح إسماعيل وكان قد وقع بين القاضي رفيع الدين وبين الوزير أمين الدولة فبعثوه تحت الحوطة مع رجال عوامله إلى قريب بعلبك في موضع فيه هوة عظيمة لا يعرف لها قعر يقال لها مغارة أفقه وكانوا أمروهم بما يفعلونه به فكتفوه ثم دفعوه في وسطها وحدثنا بعض الذين كانوا معه أنه لما دفع في تلك الهوة تحطم في نزوله وكأنه تعلق في بعض جوانبها أسفل بثيابه قال فبقينا نسمع أنينه نحو ثلاثة أيام وكلما مر يضعف ويخفى حتى تحققنا من موته ورجعنا عنه أقول ومن عجيب ما يحكى أن القاضي رفيع الدين وقف على نسخة من هذا الكتاب بحضوري وما كنت ذكرته في تلك النسخة فطالع فيه ولما وقف على أخبار شهاب الدين السهروردي تأثر من ذلك وقال لي ذكرت هذا وغيره أفضل منه ما ذكرته وأشار إلى نفسه ثم قال وإيش كان من حال شهاب الدين إلا أنه قتل في آخر أمره وقدر الله عز وجل أن رفيع الدين قتل أيضا مثله فسبحان الله العظيم المدبر في خلقه بما يشاء وكانت وفاة القاضي رفيع الدين في شهر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وستمائة ولما كان رفيع الدين قد تولى القضاء بدمشق وصار قاضي القضاة وذلك
647 سنة ثمان وثلاثين وستمائة عملت فيه هذه القصيدة وأهنئه فيها (مجد وسعد دائم وعلاء * أبد الزمان ورفعة وسناء) (ببقاء مولانا رفيع الدين ذي * الجود العميم ومن له النعماء) (قاضي القضاة أجل مولى لم يزل * بعلاه يسمو العلم والعلماء) (متفرد بالمكرمات وإنما * كل الورى في بعضها شركاء) (لو رام كل بليغ قول أنه * يحصي علاه لقصر البلغاء) (كم من عداة شاهدين بفضله * والفضل ما شهدت به الأعداء) (وله التصانيف التي قد أعربت * عن كل ما قد أعجم القدماء) (وبه لجيل في البلاد مفاخر * وكذا لهذا الجيل منه علاء) (يا سيدا فاق الأنام حقيقة * بجميل وصف ليس فيه خفاء) (قد كان عندي من فراقك والنوى * ألم ومن رؤياك جاء شفاء) (وأتى إلى قلبي السرور وأشرقت * شمس الحبور وزالت البرحاء) (وبدت تباشير الهناء بمنصب * يعلوه من نور الإله بهاء) (إحكام أحكام وعدل شائع * ملئت به وبفضلك الغبراء) (وتفرقت في الناس منك فواضل * وتجمعت منهم لك الأهواء) (فلك السيادة والسعادة والعلا * والفضل والأفضال والآلاء) (والمشتري للحمد أنت وإن تقل * فصل الخطاب فإنك الجوزاء) (ولئن خصصتك بالهناء فإنه * عم الأنام بما وليت هناء) (لله كم أوليتني مننا على * مر الزمان وما لها إحصاء) (فاسلم ودم في رغد عيش دائم * ما غردت في أيكها الورقاء) الكامل ولرفيع الدين الجيلي من الكتب شرح الإشارات والتنبيهات ألفه المظفر تقي الدين عمر ابن الملك الأمجد بهران شاه بن فرخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب اختصار الكليات من كتاب القانون لابن سينا كتاب جمع ما في الأسانيد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم شمس الدين الخسروشاهي هو السيد الصدر الكبير العالم شمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي وخسروشاه ضيعة قريبة من تبريز إمام العلماء سيد الحكماء قدوة الأنام شرف الإسلام قد تميز في العلوم الحكمية وحرر الأصول الطبية وأتقن العلوم الشرعية ولم يزل دائم الاشتغال جامعا للفضل
648 والأفضال وكان شيخه الإمام فخر الدين بن خطيب الري وهو من أجل تلامذته ومن حيث وصل إلى الشام اتصل بخدمة السلطان الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم وأقام عنده بالكرك وهو عظيم المنزلة عنده وله منه الإحسان الكثير والإنعام الغزير ثم توجه شمس الدين بعد ذلك إلى دمشق وأقام بها إلى أن توفي رحمه الله وكانت وفاته في شهر شوال سنة اثنتين وخمسين وستمائة ودفن بجبل قاسيون ولما وصل إلى دمشق اجتمعت به فوجدته شيخا حسن السمت مليح الكلام قوي الذكاء محصلا للعلوم ورأيته يوما وقد أتى إليه بعض فقهاء العجم بكتاب دقيق الخط ثمن البغدادي معتزلي التقطيع فلما نظر فيه صار يقبله ويضعه على رأسه فسألته عن ذلك فقال هذا خط شيخنا الإمام فخر الدين الخطيب رحمه الله فعظم عندي قدره لتعظيمه شيخه ولما توفي شمس الدين الخسروشاهي رحمه الله قال الشيخ عز الدين محمد بن حسن الغنوي الضرير الآربلي يرثيه (بموتك شمس الدين مات الفضائل * وأردى ببدر الفضل والبدر كامل) (فتى عالم بالحق بالخير عامل * وما كل ذي علم من الناس عامل) (فتى بذ كل القائلين بصمته * فكيف إذا وافيته وهو قائل) (وكنا لحل المشكلات نعده * إذا أعيت الحذاق منا المسائل) (فربع الحجا من بعده اليوم قد خلا * وحيد المعالي من حلى الفضل عاطل) (أتدري المنايا من رمت بسهامها * وأي فتى أودى وغال الغوائل) (رمت أوحد الدنيا وبحر علومها * ومن قصرت في الفضل عنه الأوائل) (ولو كان بالفضل الفتى يدفع الردى * لما غيبت عبد الحميد الجنادل) (ولكن دفع الموت ما فيه حيلة * ولا في بقاء المرء يطمع آمل) (فبعدك شمس الدين أعوز عالم * وأبدى الدعاوى في المحافل جاهل) الطويل وقال الصاحب نجم الدين اللبودي يرثيه (أيا ناعيا عبد الحميد تصبرا * علي فإن العلم أدرج في كفن) (مضى مفردا في فضله وعلومه * وعدت فريد الهم والوجد والحزن) (فيا عين سحي بالدموع لفقده * فما حسن صبري بعده اليوم بالحسن) (تلقته أصناف الملائك بهجة * بمقدمه الأسنى على ذلك السنن) (تقول له أهلا وسهلا ومرحبا * بخير فتى وافى إلى ذلك الوطن)
649 (إلى معشر أضحى الوجود ذواتهم * فليس لهم إلف يعوق ولا سكن) (وحسبك من ذات هي العين حقة * فليس بها إفك ولا عندها إحن) (تبيت ترى ذات الذوات بمرصد * تعالى عن الأكوان والكون والزمن) (لك الله شمس الدين كم شدت معلما * من الحق أسنى ذا لسان له لسن) (مصابك شمس الدين تسلية لنا * ومثلي من أضحى بمثلك يمتحن) الطويل ولشمس الدين الخسروشاهي من الكتب مختصر كتاب المهذب في الفقه على مذهب الإمام الشافعي لأبي إسحق الشيرازي مختصر كتاب الشفاء للرئيس ابن سينا تتمة كتاب الآيات البينات لابن خطيب الري وكان وصل فيها في الشكل الثاني وهذه الآيات البينات غير النسخة الصغيرة المعروفة التي هي عشرة أبواب سيف الدين الآمدي وهو الإمام الصدر العالم الكامل سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي أوحد الفضلاء وسيد العلماء كان أذكى أهل زمانه وأكثرهم معرفة بالعلوم الحكمية والمذاهب الشرعية والمبادئ الطبية بهي الصورة فصيح الكلام جيد التصنيف وكان قد خدم الملك المنصور ناصر الدين أبا المعالي محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة وأقام بخدمته بحماة سنين وله منه الجامكية السنية والإنعام الكثير وكان من أكابر الخواص عنده ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المنصور وذلك في سنة سبع عشرة وستمائة فتوجه إلى دمشق ولما دخلها أنعم عليه الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب إنعاما وأكرمه غاية الإكرام وولاه التدريس وكان إذا نزل وجلس في المدرسة وألقى الدرس والفقهاء عنده يتعجب الناس من حسن كلامه في المناظرة والبحث ولم يكن أحد يماثله في سائر العلوم وكان نادرا أن يقرئ أحدا شيئا من العلوم الحكمية وكنت اجتمعت به واشتغلت عليه في كتاب رموز الكنوز من تصنيفه وذلك لمودة أكيدة كانت بينه وبين أبي وأول اجتماعي به دخلت أنا وأبي إليه إلى داره وكان ساكنا بدمشق في قاعة عند المدرسة العادلية فلما جلسنا عنده بعد السلام وتفضل بحسن التودد والكلام نظر وقال بهذا اللفظ ما رأيت ولدا أشبه بوالد منكما وأنشدني الصاحب فخر القضاة بن بصاقة لنفسه وقد تشفع به العماد بن السلماسي إلى سيف الدين الآمدي بأن يشتغل عليه (يا سيدا جمل الله الزمان به * وأهله من جميع العجم والعرب)
650 (العبد يذكر مولاه بما سبقت * وعوده لعماد الدين عن كثب) (ومثل مولاي من جاءت مواهبه * عن غير وعد وجدواه بلا طلب) (فأصف من بحرك الفياض مورده * وأغنه من كنوز العلم لا الذهب) (واجعل له نسبا يدلي إليك به * فلحمة العلم تعلو لحمة النسب) (ولا تكله إلى كتب تنبئه * فالسيف أصدق إنباء من الكتب) البسيط أقول وقد جاء في هذا البيت أحسن ما يكون من تضمين قول أبي تمام لاشتراك لفظة السيف ولم يزل سيف الدين مقيما بدمشق إلى أن توفي رحمه الله وكانت وفاته في رابع شهر صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة ومن شعر سيف الدين الآمدي أنشدني ولده جمال الدين محمد مما أنشده والده سيف الدين لنفسه (فلا فضيلة إلا من فضائله * ولا غريبة إلا وهو منشاها) (حاز الفخار بفضل العلم وارتفعت * به الممالك لما أن تولاها) (فهو الوسيلة في الدنيا لطالبها * وهو الطريق إلى الزلفى بأخراها) البسيط ولسيف الدين الآمدي من الكتب كتاب دقائق الحقائق كتاب رموز الكنوز كتاب لباب الألباب كتاب أبكار الأفكار في الأصول كتاب غاية المرام في علم الكلام كتاب كشف التمويهات في شرح التنبيهات ألفه للملك المنصور صاحب حماة ابن تقي الدين كتاب غاية الأمل في علم الجدل شرح كتاب شهاب الدين المعروف بالشريف المراغي في الجدل كتاب منتهى السالك في رتب المسالك كتاب المبين في معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين دليل متحد الائتلاف وجاد في جميع مسائل الخلاف كتاب الترجيحات في الخلاف كتاب المؤاخذات في الخلاف كتاب التعليقة الصغيرة كتاب التعليقة الكبيرة عقيدة تسمى خلاصة الإبريز تذكرة الملك العزيز بن صلاح الدين كتاب منتهى السول في علم الأصول كتاب منائح القرائح موفق الدين بن المطران هو الحكيم الإمام العالم الفاضل موفق الدين أبو نصر أسعد بن أبي الفتح إلياس بن جرجس المطران كان سيد الحكماء وأوحد العلماء وافر الآلاء جزيل النعماء أمير أهل زمانه في علم صناعة الطب وعملها وأكثرهم تحصيلا لأصولها وجملها جيد المداواة لطيف المداراة عارفا بالعلوم الحكمية متعينا في الفنون الأدبية وقرأ علم النحو واللغة والأدب على الشيخ الإمام تاج الدين أبي اليمن زيد بن
651 الحسن الكندي وتميز في ذلك وكان مولد موفق الدين بن المطران ومنشؤه بدمشق وكان أبوه أيضا طبيبا متقدما جوالا في البلاد لطلب الفضيلة وسافر إلى بلاد الروم لإتقان الأصول التي يعتمد عليها في علم النصارى ومذاهبهم ثم عدل بعد ذلك إلى العراق واجتمع بأمين الدولة بن التلميذ واشتغل عليه بصناعة الطب مدة وقرأ عليه كثيرا من الكتب الطبية وصار موسوما بالطب ثم أنه عاد إلى دمشق وبقي طبيبا بها إلى حين وفاته وكان موفق الدين بن المطران حاد الذهن فصيح اللسان كثير الاشتغال وله تصانيف تدل على فضله ونبله في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم واشتغل بالطب على مهذب الدين بن النقاش وكان ابن المطران جميل الصورة كثير التخصص محبا للبس الفاخر المثمن وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي في أيامه وكان رفيع المنزلة عنده عظيم الجاه وكان يتحجب عنده ويقضي أشغال الناس ونال من جهة المال مبلغا كثيرا وكان صلاح الدين رحمه الله كريم النفس كثير العطاء لمن هو في خدمته ولمن يقصده من سائر الناس حتى أنه مات ولم يوجد في خزانته من المال شيء وكان له حسن اعتقاد في ابن المطران لا يفارقه في سفر أو حضر ولهذا أنه غمره بإحسانه وأترفه بامتنانه وكان يغلب على ابن المطران الزهو بنفسه والتكبر حتى على الملوك وكان صلاح الدين قد عرف ذلك منه ويحترمه ويبجله لما قد تحققه من علمه وأسلم ابن المطران في أيام صلاح الدين وحدثني بعض من كان يعرف ابن المطران فيما يتعلق بعجبه وإدلاله على صلاح الدين أنه كان معه في بعض غزواته وكانت عادة صلاح الدين في وقت حروبه أن ينصب له خيمة حمراء وكذلك دهليزها وشقتها وإن صلاح الدين كان يوما راكبا وإذا به قد نظر إلى خيمة حمراء اللون وكذلك شقتها ومستراحها فبقي متأملا لها وسأل لمن هي فأخبر أنها لابن المطران الطبيب فقال والله لقد عرفت أن هذا من حماقة ابن المطران وضحك ثم قال ما بنا إلا يعبر أحد من الرسل فيعتقد أنها لأحد الملوك وإذا كان لا بد فيغير مستراحها وأمر به أن يرمى ولما رمي صعب ذلك على ابن المطران وبقي يومين لم يقرب الخدمة فاسترضاه السلطان ووهب له مالا وحدثني أيضا من ذلك أنه كان في خدمة صلاح الدين طبيب يقال له أبو الفرج النصراني وبقي في خدمته مدة وله تردد إلى دوره فقال يوما للسلطان أن عنده بنات وهو يحتاج إلى تجهيزهن وطلب منه أن يطلق له ما يستعين به من ذلك فقال له صلاح الدين اكتب في ورقة جميع ما تحتاج إليه في تجهيزهن وجيب الورقة فمضى أبو الفرج وكتب في ورقة من المصاغ والقماش والآلات وغير ذلك ما يكون بنحو ثلاثين ألف درهم ولما قرأ صلاح الدين الورقة أمر الخزندار بأن يشتري لأبي الفرج جميع ما تضمنته ولا يخل بشيء منه ولما بلغ ذلك ابن المطران قصر في ملازمته الخدمة وتبين لصلاح الدين منه تغير في وجهه فعرف السبب ثم أمر الخزندار بأن يحضر جميع ما وصل إلى أبي الفرج الطبيب مما اشتراه له ويحسب جملة ثمنه ومهما بلغ من المال يدفع إلى ابن المطران مثله سواء ففعل ذلك
652 وحدثني أبو الظاهر إسماعيل وكان يعرف ابن المطران ويأنس به أن العجب والتكبر الذي كان يغلب على ابن المطران لم يكن على شيء منه في أوقات طلبه العلم وقال أنه كان يراه في الأوقات التي يشتغل فيها بالنحو في الجامع يأتي إذا تفرغ من دار السلطان وهو في مركبة حفلة وحواليه جماعة كثيرة من المماليك الترك وغيرهم فإذا قرب من الجامع ترجل وأخذ الكتاب الذي يشتغل فيه في يده أو تحت أبطه ولم يترك أحدا ما يصحبه ولا يزال ماشيا والكتاب معه إلى حلقة الشيخ الذي يقرأ عليه فيسلم ويقعد بين الجماعة وهو بكيس ولطف إلى أن يفرغ من القراءة ويعود إلى ما كان عليه وقال الصاحب جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي أن الحكيم موفق الدين أسعد بن المطران لما أسلم وكان نصرانيا حسن إسلامه وزوجه الملك الناصر صلاح الدين قدس الله روحه إحدى حظايا داره واسمها جوزة وكانت جوزة هذه جارية خوندخاتون بنت معين الدين وزوجة صلاح الدين وكانت مدبرة دارها والمتقدمة عندها من جواريها وأعطتها الكثير من حليها وذخائرها ومولتها وخولتها فرتبت أموره وهذبت أحواله وحسنت زيه وجملت ظاهره وباطنه وصار له ذكر سام في الدولة وحصلت له أموال جمة من أمراء الدولة في حال مباشرته لهم في أمراضهم وتنافسوا في العطاء له وترقت حاله عند سلطانه إلى أن كاد يكون وزيرا وكان كثيرا الاشتمال على أهل هذه الصناعة الطبية والحكمية يقدمهم ويتوسط في أرزاقهم قال ولقد أخبرني الفقيه إسماعيل بن صالح بن البناء القفطي خطيب عيذاب قال لما فتح السلطان الساحل ارتحلت عن عيذاب لزيارة البيت المقدس فلما حصلت بالشام رأيت جبالا مشجرة بعدد براري عيذاب المصحرة فاشتقت إلى المقام بالشام وتحيلت في الرزق به فقصدت الفاضل عبد الرحيم وسألته كتابا إلى السلطان في توليتي خطابة قلعة الكرك فكتب لي كتابا هو مذكور في ترسله وهو حسن التلطف قال فأحضرته إلى دمشق والسلطان بها فارشدت في عرضه إلى ابن المطران فقصدته في داره ودخلت عليه بإذنه فرأيته حسن الخلقة والخلق لطيف الاستماع والجواب ورأيت داره وهي على غاية من الحسن في العمارة والتجمل ورأيت أنابيب بركته التي يبرز منها الماء وهي ذهب على غاية ما يكون من حسن الصنعة ورأيت له غلاما يتحجب بين يديه اسمه عمر في غاية جمال الصورة ثم رأيت من الفرش الطرح وشممت من الرائحة الطيبة ما هالني وسألته الحاجة التي قصدته فيها فأنعم بإنجازها وقال الصاحب جمال الدين ورأيت زوجته وابن عمر حاجبه وقد حضرا بعد سنة ستمائة إلى حلب على رقة من الحال ونزلا في الكنف الملكي الظاهري سقى الله عهده وأقيما به بصدقة قررت لهما وماتت هي بعد مدة ولا أعلم بعدها لولد عمر خبرا
653 وحدثني الشيخ موفق الدين بن البوري الكاتب النصراني قال لما فتح الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب الكرك أتى إلى دمشق الحكيم موفق الدين يعقوب بن سقلاب النصراني وهو شاب على رأسه كوفية وتخفيفة صغيرة وهو لابس جوخة ملوطة زرقاء زي أطباء الفرنج وقصد الحكيم موفق الدين بن المطران وصار يخدمه ويتردد إليه لعله ينفعه فقال له هذا الزي الذي أنت عليه ما يمشي لك به حال في الطب في هذه الدولة بين المسلمين وإنما المصلحة أن تغير زيك وتلبس عادة الأطباء في بلادنا ثم أخرج له جبة واسعة عنابية وبيقارا مكملا وأمره أن يلبسهما ثم قال له إن ههنا أميرا كبيرا يقال له ميمون القصري وهو مريض وأنا أتردد إليه وأداويه فتعال معي حتى تكون تعالجه فلما راح معه قال للأمير هذا طبيب فاضل وإني اعتمد عليه في صناعة الطب وأثق به فيكون يلزمك ويباشر أحوالك في كل وقت ويقيم عندك إلى أن تبرأ إن شاء الله تعالى فامتثل قوله وصار الحكيم يعقوب ملازما له ليلا ونهارا إلى أن تعافى فأعطاه خمسمائة دينار فلما قبضها حملها إلى ابن المطران وقال له يا مولانا هذا ما أعطاني وقد أحضرته إلى مولانا فقال له خذه فأنا ما قصدت إلا نفعك فأخذه ودعا له وحدثني الحكيم عز الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السويدي قال كان ابن المطران جالسا على باب داره وقد أتاه شاب من أهل نعمة وعليه زي الجندية وأعطاه ورقة فيها اثنا عشر بيتا من الشعر يمتدحه بها فلما قرأها ابن المطران قال أنت شاعر فقال لا ولكني من أهل البيوت وقد نزل الدهر بي وقد أتيت المولى وجعلت قيادي بيدك لتدبرني مما حسن فيه رأيك العالي فدخل إلى داره واستدعى الشاب وقدم له طعاما فأكل وقال له إيش تقول قد مرض عز الدين فرخشاه صاحب صرخد وهذا المرض يعتاده في كل حين فإني رأيت أن أسيرك إليه تعالجه فهو يحصل لك من جهته شيء جيد قال له يا مولاي من أين لي معرفة بصناعة الطب أو دربة فقال ما عليك أنا أكتب معك دستورا تمشي عليه ولا تخرج عنه فقال الشاب السمع والطاعة فلما خرج الشاب لحقه الغلام ببقجة فيها عدة قطع قماش مخيط وفرس بسرج ولجام فقال له خذ هذا القماش ألبسه وهذا الفرس اركبه وتجهز إلى صرخد فقال له يا سيدي إنه لم يكن لي مكان أبيت الفرس فقال اتركها عندنا وشد عليها بكرة النهار وسافر على خيرة الله تعالى فلما كان بكرة النهار حضر الشاب إلى باب دار ابن المطران فأعطاه كتابا قد كتبه على يده إلى عز الدين فرخشاه صاحب صرخد وأعطاه تذكرة بما يعتمده في مداواته وأعطاه مائتي درهم وقال اتركها عند بيتك نفقة وسافر الشاب إلى صرخد وداوى عز الدين فرخشاه بما أمره به فبرأ ودخل الحمام وخلع عليه خلعة مليحة من أجود ما يكون وأعطاه بغلة بسرج وسرفسار ذهب وألف دينار مصرية وقال تخدمني فقال له ما أقدر يا مولانا حتى أشاور شيخي الحكيم موفق الدين ابن المطران فقال له عز الدين ومن هو الحكيم موفق الدين ما هو إلا غلام أخي لا سبيل إلى
654 خروجك من صرخد وألحوا عليه في القول وشددوا فقال إذا كان ولا بد فأنا أمضي إلى منزلي وأجيء فمضى إلى منزله وأحضر الخلعة والذهب وما معها وقال هذا الذي أعطيتموني خذوه وأنا فوالله ما أعرف صناعة الطب ولا أدري ما هي وإنما أنا جرى لي مع الحكيم ابن المطران كذا وكذا وقص عليه الواقعة كما وقعت فقال له عز الدين ما عليك أن لا تكون طبيبا أنت ما تعرف تلعب بالنرد والشطرنج فقال بلى وكان الشاب لديه أدب وفضيلة فقال له عز الدين قد تركتك حاجبي وجعلت لك إقطاعا في السنة يعمل اثنين وعشرين ألف درهم فقال السمع والطاعة يا مولاي بل أسأل دستورا إلى دمشق أن أروح إلى الحكيم موفق الدين وأقبل يده وأشكره على ما فعل معي من الخير فأعطي دستورا وأتى إلى الحكيم موفق الدين وقبل يده وشكره شكرا كثيرا وأحضر الذي حصل بين يديه وقال له قد حصل لي هذا فخذه فرده عليه وقال له أنا ما قصدت إلا نفعك خذه بارك الله لك فيه وعرفه الشاب بما جرى له مع عز الدين وصورة الخدمة واستمر الشاب في خدمة عز الدين وكان ذلك الإحسان من مروءة موفق الدين ابن المطران أقول وكانت لموفق الدين بن المطران همة عالية في تحصيل الكتب حتى أنه مات وفي خزانته من الكتب الطبية وغيرها ما يناهز عشرة آلاف مجلدا خارجا عما استنسخه وكانت له عناية بالغة في استنساخ الكتب وتحريرها وكان في خدمته ثلاثة نساخ يكتبون له أبدا ولهم منه الجامكية والجراية وكان من جملتهم جمال الدين المعروف بابن الجمالة وكان خطه منسوبا وكتب ابن المطران أيضا بخطه كتبا كثيرة وقد رأيت عدة منها وهي في نهاية حسن الخط والصحة والإعراب وكان كثير المطالعة للكتب لا يفتر من ذلك في أكثر أوقاته وأكثر الكتب التي كانت عنده توجد وقد صححها وأتقن تحريرها وعليها خطه بذلك وبلغ من كثرة اعتنائه بالكتب وغوايته فيها أنه جامع لكثير من الكتب الصغار والمقالات المتفرقة في الطب وهي في الأكثر يوجد جماعة منها في مجلد واحد استنسخ كلا منها بذاته في جزء صغير قطع نصف ثمن البغدادي بمسطرة واضحة وكتب بخطه أيضا عدة منها واجتمع عنده من تلك الأجزاء الصغار مجلدات كثيرة جدا فكان أبدا لا يفارق في كمه مجلدا يطالعه على باب دار السلطان أو أين توجه وبعد وفاته بيعت جميع كتبه وذلك أنه ما خلف ولدا وحدثني الحكيم عمران الإسرائيلي أنه لما حضر بيع كتب ابن المطران وجدهم وقد أخرجوا من هذه الأجزاء الصغار ألوفا كثيرة أكثرها بخط ابن الجمالة وأن القاضي الفاضل بعث يستعرضها فبعثوا إليه بملء خزانة صغيرة منها وجدت كذلك فنظر فيها ثم ردها فبلغت في المناداة ثلاثة آلاف درهم واشترى الحكيم عمران أكثرها وقال لي إنه حصل الاتفاق مع الورثة في بيعها أنهم أطلقوا مع كل جزء منها بدرهم فاشترى الأطباء منهم هذه الأجزاء الصغار على الثمن بالعدد أقول وكان ابن المطران كثير المروءة كريم النفس ويهب لتلامذته الكتب ويحسن إليهم وإذا جلس أحد منهم لمعالجة المرضى يخلع عليه ولم يزل معتنيا بأمره وكان أجل تلامذته شيخنا مهذب
655 الدين بن عبد الرحيم بن علي رحمه الله وكان كثير الملازمة له والاشتغال عليه وسافر معه مرات في غزوات صلاح الدين لما فتح الساحل ومما حدثني شيخنا مهذب الدين عنه فيما يتعلق بمعالجاته قال كان أسد الدين شيركوه صاحب حمص قد طلب ابن المطران فتوجه إليه وكنت معه فبينما نحن في بعض الطريق وإذا رجل مجذوم استقبله وقد قوي به المرض حتى تغيرت خلقته وتشوهت صورته فاستوصف منه ما يتناوله وما يتداوى به فبقي كالمتبرم من رؤيته وقال له كل لحوم الأفاعي فعاوده في المسألة فقال كل لحوم الأفاعي فإنك تبرأ قال ومضينا إلى حمص وعالج المريض الذي راح بسببه إلى أن تماثل وصلح ورجعنا فلما كنا في الطريق وإذا بشاب حسن الصورة كامل الصحة قد سلم علينا وقبل يده فلم نعرفه وقال له من أنت فعرفه بنفسه وأنه صاحب المرض الذي كان قد شكاه إليه وأنه لما استعمل ما وصفه له صلح به من غير أن يحتاج معه إلى دواء آخر فتعجبنا من ذلك في كمال برئه وودعنا وانصرف وحدثني أيضا عنه أنه كان معه في البيمارستان الكبير الذي أنشأه نور الدين ابن زنكي وهو يعالج المرضى المقيمين به فكان من جملتهم رجل به استقصاء زقي استحكم به فقصد إلى بزله وكان في ذلك الوقت في البيمارستان ابن حمدان الجرائحي وله يد طولى في العلاج فجزموا على بزل المستسقي قال فحضرنا وبزل الموضع على ما يجب فجرت مائية صفراء وابن المطران يتفقد نبض المريض فلما رأى أن قوته لا تفي بإخراج أكثر من ذلك أمر بشد الموضع وأن يستلقي المريض ولا يغير الرباط أصلا ووجد المريض خفة وراحة كبيرة وكانت عنده زوجته فأوصاها ابن المطران أنها لا تمكنه من حل الرباط ولا تغيره بوجه من الوجوه إلى أن يبصره في ثاني يوم فلما انصرفنا وجاء الليل قال زوجها إنني قد وجدت العافية وما بقي بي شيء وإنما الأطباء قصدهم أن يطولوا بي فحل الرباط حتى يخرج هذا الماء الذي قد بقي وأقوم في شغلي فأنكرت عليه قوله ولم تقبل منه فعادوها بالقول وكرر ذلك عليها مرات ولم يعلم أن بقية المائية إنما جعلوا إخراجه في وقت آخر مراعاة لحفظ قوته وشفقة عليه فلما حلت الرباط وجرت المائية بأسرها خارت قوته وهلك وحدثني أيضا أنه رأى في البيمارستان مع ابن المطران رجلا قد فلجت يده من أحد شقي البدن ورجله المخالفة لها من الشق الآخر فعالجه في أسرع وقت ودبره بالأدوية الموضعية فصلح أقول وكان لموفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران أخوان أيضا قد اشتغلا بصناعة الطب أحدهما هبة الله بن إلياس والآخر ابن إلياس وتوفي موفق الدين بن المطران في شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وخمسمائة بدمشق ونقلت من خط البديع عبد الرازق بن أحمد العامري
656 الشاعر يمدح موفق الدين بن المطران بعد إسلامه وذلك في ثالث شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة (ينهى إليك وليس عنك بمنته * قلب على صاب الصبابة مكرهي) (شوقا أدل على الفؤاد فلم يفد * بمدله الأغرام غير مدله) (يدنو فيغدو فيك حلف تفكه * ولكم بعدت فبات إلف تفكه) (يهوى الذي تهوى ويعشق قلب * ما تشتهي فيصد عما يشتهي) (تجني ويعلم ما جنيت فيجتني * عذرا يوجهه بوجه أبله) (لعجبت من مغض على نار الغضا * ما زال مستندا إلى صبر يهي) (فطن دهاه في حشاشته الهوى * غررا ولن يدهى سوى الفطن الدهي) (ولقد نها ونهاه عنك ولم يزل * يزداد غيا في هواك إذا نهي) (لو ساعد التوفيق لم يك لائذا * بسوى الموفق ذي المحل الانبه) (من لا يرى الاحسان في الأقوال ما * لم يتلها بفعال غير مموه) (جم النهى ويداه أنهاء الندى * للوفد ما عنها امرؤ بمنهنه) (رؤياه للادواء حاسمة فكم * مشف شفاه بذلك الوجه البهي) (جد حوى جدا وجود محوز * حمد يطرز حلة المجد الشهي) (ضاهي ابن مريم حكمة وسعادة * فعنا الأعز له عنو موله) (هو عصمة اللاجي فان هو لم يكن * الاده للمستجير فلاده) (نصر العفاة على الزمان ندى أبي * نصر أخي الجاه الوجيه فلاجه) (ذي المنصب العادي غير مدافع * والنطق في النادي ولما ينده) (الألمعي الأريحي المرتجى * واللوذعي الفيلسوف المدره) (العالم الحبر الذي حاز الغني * وحوى العلا طفلا فلب وما زهي) (وإذا الخلائق أشبهت أمثالها * في الأكرمين فما له من مشبه) (وإذا الخواكر أصبحت مشدوهة * فضل الأنام بخاطر لم يشده) (أعفى الأنام عن الثناء فحازه * بيدي جواد باللهى متنبه) (فلك من الاحسان حين وصلته * أغني بأعلى أوجه عن أوجه) (أضحى ثرى مغناه وهو لي الغنى * عنه الاياب كما اليه توجهي) (هي نفثة المصدور اصدر وردها * الحساد بين مقهقر ومقهقه)
657 (ما أقرب الآمال من ذي الهمة * الحسرى وابعدها من المترفه) (لولا رجاء البرء ما ارجأتها * من بعد ما سبقت عتاق الفره) (لكنها سرت بمبدا برئه * فسرت اليه وجسمه لم ينقه) (وغدت مهنئة بشهر صيامه * بفصيح قول لم يكن بمفهفه) (يا أسعد اصغ إلى مدائح أفوه * بعلاك فاق على البليغ الأفوه) (راج حداه ولاءهفسرى على * عيسى الرجاء بكل مرت مهمه) (وأراك للشكوى الممضة مشكيا * بضياء نور سريرة لم تعمه) (طال اشتكائي للأنام ولا أرى * ممن شكوت إليه غير مسفه) (ولكم دهيت مع الوثوق ولست في * أمري بأول واثق يقظ دهي) (قد كنت في أهل الرسوم أقلهم * حظا وأكثر في المديح الأنزه) (فلما رأى السلطان نقصي بعدما * قد زدت في مدحي له وتألهي) (شره الفتى داء وخير طعامه * ما كان كافيه ولما يشره) (ومطاعم الأطماع تأسن والغنى * في النفس لم يأسن ولم يتسنه) (لا تجبه الأيام إلا راغبا * وأخو القناعة وادع لم يجبه) (آها لأيامي ولولا سوء ما * لاقيت من زمن لقل تأوهي) (ولكم أنوه في الزمان وأهله * بثناء من لم يمس لي بمنوه) (إذ لا يحرك أهل دهري للندى * شعر الوليد ولا غناء البندهي) (ومن العناء معاتب لا يرعوي * عن غيه ومعاقب لا ينتهي) ولموفق الدين بن المطران من الكتب كتاب بستان الأطباء وروضة الألباء غرضه فيه أن يكون جامعا لكل ما يجده من ملح ونوادر وتعريفات مستحسنة مما طالعه أو سمعه من الشيوخ أو نسخه من الكتب الطبية ولم يتم هذا الكتاب والذي وجدته منه بخط شيخنا الحكيم مهذب الدين جزآن الأول منهما قد قرأه على ابن المطران وعليه خطه والجزء الثاني ذكر مهذب الدين فيه أن ابن المطران وافاه الأجل قبل قراءته له عليه المقالة الناصرية في حفظ الأمور الصحية قصد فيها الإيجاز والبلاغ وقد رتبها أحسن ترتيب وجعلها باسم السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ووجدت
658 الأصل الأول من هذا الكتاب وهو بخط جمال الدين المعروف باسم الجمالة كاتب ابن المطران مترجما المقالة النجمية في التدابير الصحية وكأنه كان صنفها لنجم الدين أيوب والد صلاح الدين فلما توفي ولم يوصلها إليه جعلها باسم ولده اختصار كتاب الأنوار للكسدانيين إخراج أبي بكر أحمد بن علي بن وحشية أختصره وفرغ منه في رجب سنة إحدى وثمانين وخمسمائة لغز في الحكمة كتاب على مذهب دعوة الأطباء كتاب الأدوية المفردة لم يتم وكان قد قصد فيه أن يستوعب ذكر كل دواء على غاية ما يمكنه كتاب آداب طب الملوك وحدثني نسيب له أنه لما توفي كانت عنده مسودات عدة لمصنفات طبية وغيرها وتعاليق متفرقة فأخذ أخواته تلك المسودات وضاعت بينهن وقال لي أنه رأى عند إحداهن صندوقا أرادت أن تبطنه وقد ألصقت في باطنه جملة من هذه الأوراق التي بخطه مهذب الدين بن الحاجب كان طبيبا مشهورا فاضلا في الصناعة الطبية متقنا للعلوم الرياضية معتنيا بالأدب متعينا في علم النحو مولده بدمشق ونشأ بها واشتغل بصناعة الطب على مهذب الدين بن النقاش ولازمه مدة ولما كان شرف الدين الطوسي بمدينة الموصل وكان أوحد زمانه في الحكمة والعلوم الرياضية وغيرها سافر ابن الحاجب والحكيم موفق الدين عبد العزيز إليه ليجتمعا به ويشتغلا عليه فوجداه قد توجه إلى مدينة طوس فأقاما هنالك مدة ثم سافر ابن الحاجب إلى أربل وكان بها فخر الدين ابن الدهان المنجم فاجتمع به ولازمه وحل معه الزيج الذي كان قد صنعه ابن الدهان وأتقن قراءته عليه ونقله بخطه ورجع إلى دمشق وكان هذا ابن الدهان المنجم يعرف بأبي شجاع ويلقب بالثعيلب وهو بغدادي أقام بالموصل عشرين سنة وتوجه إلى دمشق فأكرمه صلاح الدين والفاضل وجماعة الرؤساء وأجرى له ثلاثين دينارا كل شهر وكان له دين وورع ونسك كثير الصيام يعتكف في جامع دمشق أربعة أشهر وأكثر ولأجله عملت المقصورة التي بالكلاسة وله تصانيف كثيرة منها الزيج المشهور الذي له وهو جيد صحيح ومنها المنبر في الفرائض وهو مشهور كتاب في غريب الحديث عشر مجلدات وكتاب في الخلاف مجدول على وضع تقويم الصحة وكان دائم الاشتغال وله شعر كثير وقصد الحج فلما رجع إلى بغداد توفي بها ودفن عند قبر أبيه وأمه بعد غيبته أكثر من أربعين سنة وكان مهذب الدين بن الحاجب كثير الاشتغال محبا للعلم قوي النظر في صناعة الهندسة وكان قبل اشتهاره بصناعة الطب قد خدم في الساعات التي عند الجامع بدمشق ثم تميز في صناعة الطب وصار من جملة أعيانها وخدم بصناعة الطب في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين ابن زنكي ثم خدم تقي الدين عمر صاحب حماة ولم يزل في خدمته بحماة إلى أن توفي تقي الدين ثم عاد ابن الحاجب إلى دمشق وتوجه إلى الديار المصرية وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن
659 أيوب بصناعة الطب وبقي في خدمته إلى أن توفي صلاح الدين ثم توجه إلى الملك المنصور صاحب حماة ابن تقي الدين وأقام عنده نحو سنتين وتوفي بحماة بعلة الاستسقاء الشريف الكحال هو السيد برهان الدين أبو الفضل سليمان أصليته من مصر وانتقل إلى الشام شريف الأعراق لطيف الأخلاق حلو الشمائل مجموع الفضائل وكان عالما بصناعة الكحل وافر المعرفة والفضل متقنا للعلوم الأدبية بارعا في فنون العربية متميزا في النظم والنثر متقدما في عمل الشعر وخدم بصناعة الكحل السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان له منه الجامكية السنية والمنزلة العلية والإنعام العام والتفضل التام ولم يزل مستمرا في خدمته متقدما في دولته إلى أن توفي رحمه الله ومن ملح ما للقاضي الفاضل فيه على سبيل المجون ومما أنشدني الشيخ الحافظ نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن عقيله الشيباني قال أنشدني القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي لنفسه في الشريف الكحال (رجل توكل بي وكحلني * فدهيت في عيني وفي عيني) الكامل وقال أيضا (عاد بني العباس حتى أنه * سلب السواد من العيون بكحله) وكان قد أهدى الشريف أبو الفضل الكحال المذكور إلى شرف الدين بن عنين خروفا وهو يومئذ بالديار المصرية فلما وصل إليه وجده هزيلا ضعيفا فكتب إليه يقول على سبيل المداعبة (أبو الفضل وابن الفضل أنت وأهله * فغير بديع أن يكون لك الفضل) (أتتني أياديك التي لا أعدها * لكثرتها لا كفر نعمى ولا جهل) (ولكنني أنبيك عنها بطرفة * تروقك ما وافى لها قبلها مثل) (أتاني خروف ما شككت بأنه * حليف هوى قد شفه الهجر والعذل) (إذا قام في شمس الظهيرة خلته * خيالا سرى في ظلمة ما له ظل) (فناشدته ما تشتهي قال قتة * وقاسمته ما شفه قال لي الأكل) (فاحضرتها خضراء مجاجة الثرى * مسلمة ما خص أو راقها الفتل) (فظل يراعيها بعين ضعيفة * وينشدها والدمع في العين منهل) (أتت وحياض الموت بيني وبينها * وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل) الطويل
660 أبو منصور النصراني كان طبيبا مشهورا عالما حسن المعالجة والمداواة وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين ابن أيوب وبقي سنين في خدمته أبو النجم النصراني هو أبو النجم بن أبي غالب بن فهد بن منصور بن وهب بن قيس بن مالك كان طبيبا مشهورا في زمانه جيد المعرفة بصناعة الطب محمود الطريقة فيها مشكور المعالجة حسن العشرة محبا للخير وكان يقرأ عليه علم الطب ويعد من جملة الفضلاء المتميزين في وقته وحدثني أبو الفتح بن مهنا النصراني أن أبا النجم كان أبوه فلاحا في قرية شفا من أرض حوران وكان يعرف بالعيار وكان ابنه أبو النجم هذا صبيا فأخذه بعض الأطباء بدمشق عنده ولما كبر علمه صناعة الطب وعرفه أعمالها وخدم أبو النجم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي عنده وكان مكينا في الدولة وبقي في خدمته مدة وكان يتردد إلى دوره ويعالجهم مع جملة الأطباء وتوفي أبو النجم النصراني بدمشق في سنة تسع وتسعين وخمسمائة وله ولد طبيب وهو أمين الدولة أبو الفتح ابن أبي النجم وله من الكتب كتاب الموجز في الطب وهو يشتمل على علم وعمل أبو الفرج النصراني كان طبيبا فاضلا عالما بصناعة الطب جيد المعرفة بها حسن العلاج متميزا في زمانه وخدم بصناعة الطب الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان يحترمه ويرى له وخدم أيضا الملك الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين وأقام عنده بسميساط وكذلك أيضا أولاد أبي الفرج اشتغلوا بصناعة الطب وأقاموا بسميساط في خدمة أولاد الأفضل فخر الدين بن الساعاتي هو رضوان بن محمد بن علي بن رستم الخراساني الساعاتي مولده ومنشؤه بدمشق وكان أبوه محمد من خراسان وانتقل إلى الشام وأقام بدمشق إلى أن توفي وكان أوحدا في معرفة الساعات وعلم النجوم وهو الذي عمل الساعات عند باب الجامع بدمشق صنعها في أيام الملك العادل نور الدين محمود ابن زنكي وكان له منه الإنعام الكثير والجامكية والجراية لملازمته الساعات وبقي كذلك إلى أن توفي رحمه الله وخلف ولدين أحدهما بهاء الدين أبو الحسن علي بن الساعاتي الشاعر الذي هو
661 أفضل أهل زمانه في الشعر ولا أحد يماثله فيه وتوفي بالقاهرة وديوانه مشهور ومعروف والآخر فخر الدين رضوان بن الساعاتي الطبيب الكامل في الصناعة الطبية الفاضل في العلوم الأدبية وقرأ فخر الدين صناعة الطب على الشيخ رضي الدين الرحبي ولازمه مدة وكان فطنا ذكيا متقنا لما يعاينه حريصا في العلم الذي يشتغل فيه وقرأ أيضا صناعة الطب على الشيخ فخر الدين المارديني ولما ورد إلى دمشق كان فخر الدين بن الساعاتي جيد الكتابة يكتب خطا منسوبا في النهاية من الجودة ويشعر أيضا وله معرفة جيدة بصناعة المنطق والعلوم الحكمية وكان اشتغاله بعلم الأدب على الشيخ تاج الدين الكندي بدمشق وخدم فخر الدين بن الساعاتي الملك الفائز بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وتوزر له وخدم أيضا الملك المعظم عيسى بن الملك العادل بصناعة الطب وتوزر له وكان ينادمه ويلعب بالعود وكان محبا لكلام الشيخ الرئيس ابن سينا في الطب مغرى به وتوفي رحمه الله بدمشق بعلة اليرقان ومن شعره (يحسدني قومي على صنعتي * لأنني بينهم فارس) (سهرت في ليلي واستنعسوا * لن يستوي الدارس والناعس) السريع ولفخر الدين بن الساعاتي من الكتب تكميل كتاب القولنج للرئيس ابن سينا الحواشي على كتاب القانون لابن سينا كتاب المختارات في الأشعار وغيرها شمس الدين بن اللبودي هو الحكيم الإمام العالم الكبير شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبدان بن عبد الواحد بن اللبودي علامة وقته وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية وفي علم الطب سافر من الشام إلى بلاد العجم واشتغل هناك بالحكمة على نجيب الدين أسعد الهمداني وقرأ صناعة الطب على رجل من أكابر العلماء وأعيانهم في بلاد العجم كان أخذ الصناعة عن تلميذ لابن سهلان عن السيد الأيلاقي محمد وكان لشمس الدين بن اللبودي همة عالية وفطرة سليمة وذكاء مفرط وحرص بالغ فتميز في العلوم وأتقن الحكمة وصناعة الطب وصار قويا في المناظرة جيدا في الجدل يعد من الأئمة الذين يقتدى بهم والمشايخ الذين يرجع إليهم وكان له مجلس للاشتغال عليه بصناعة الطب وغيرها وخدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وأقام عنده بحلب وكان يعتمد عليه في صناعة الطب ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك الظاهر رحمه الله وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة وبعد وفاته أتى إلى دمشق وأقام بها يدرس صناعة الطب ويطب في البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي رحمه الله وكانت وفاته بدمشق في رابع ذي القعدة
662 سنة احدى وعشرين وستمائة وله من العمر احدى وخمسون سنة ومن كلام شمس الدين بن اللبودي كل شيء إذا شرع في نقص مع اصراف الهمة اليه تناهى عن قرب ولشمس الدين بن اللبودي من الكتب كتاب الرأي المعتبر في القضاء والقدر شرح كتاب الملخص لابن الخطيب رسالة في جمع المفاصل شرح كتاب المسائل لحنين بن إسحاق الصاحب نجم الدين بن اللبودي هو الحكيم السيد العالم الصاحب نجم الدين أبو زكريا يحيى بن الحكيم الامام شمس الدين محمد بن عبدان بن عبدان بن عبد الواحد أوحد في الصناعة الطبية ندرة في العلوم الحكمية مفرط الذكاء فصيح اللفظ شديد الحرص في العلوم متفنن في الآداب قد تميز في الحكمة على الأوائل وفي البلاغة على سحبان وائل له النظم البديع والترسل البليغ فما يدانيه في شعره لبيد ولا في ترسله عبد الحميد (ولما رأيت الناس دون محله * تيقنت ان الدهر للناس ناقد) مولده بحلب سنة سبع وستمائة ولما وصل أبوه إلى دمشق كان معه وهو صبي وكانت النجابة تتبين فيه من الصغر وعلو الهمة وقرأ على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي واشتغل عليه بصناعة الطب واشتغل بعد ذلك وتميز في العلوم حتى صار أوحد زمانه وفريد أوانه وخدم الملك المنصور إبراهيم ابن الملك المجاهد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي صاحب حمص وبقي في خدمته بها وكان يعتمد عليه في صناعة الطب ولم تزل أحواله تنمى عنده حتى استوزره وفوض اليه أمور دولته واعتمد عليه بكليته وكان لا يفارقه في السفر والحضر ولما توفي الملك المنصور رحمه الله وذلك في سنة ثلاث وأربعين وستمائة بعد كسره الخوارزمية توجه الحكيم نجم الدين إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل وهو بالديار المصرية فأكرمه غاية الاكرام ووصله بجزيل الانعام وجعله ناظرا على الديوان بالإسكندرية وله منه المنزلة العلية وجعل مقرره في كل شهر ثلاثة آلاف درهم وبقي على ذلك مدة ثم توجه إلى الشام وصار ناظرا على الديوان بجميع الأعمال الشامية ومن ترسله كتب رقعة وقف الخادم على المشرفة الكريمة ادام الله نعمة المنعم بما أودعها من النعم الجسام واقتضبه فيها من الاريحية التي اربى فيها على كل من تقدمه من الكرام وأبان فيها عما
663 يقضي على الخادم بالاسترقاق وعلى الدولة خلدها الله بمزايا الاستحقاق وكلما أشار المولى عليه فهو كما نص عليه لكنه يعلم بسعادته أن الفرص تمر مر السحاب وان الأمور المعينة في الأوقات المحدودة تحتاج إلى تلافي الأسباب وقد ضاق الوقت بحيث لا يحتمل التأخير والمولى يعلم أن المصلحة تقديم النظر في المهم على جميع أنواع التدبير وما الخادم مع المولى في هذا المهم العظيم الا كسهم والمولى مدده وسيف والمولى جرده فالله الله في العجلة والبدار وقد ظهرت مخايل السعادة والانتصار والحذر الحذر من التأخير والاهمال فنتفوت والعياذ بالله الأوقات التي نرجو من الله فيها بلوغ الآمال والمرجو من كرم الله ان ينهض المملوك في خدمة مولانا السلطان بما يبيض وجه أمله ويكون ذلك على يد المولى وبقوله وعمله إن شاء الله تعالى ومن شعره وهو مما انشدني لنفسه فمن ذلك قال في الخليل عليه الصلاة والسلام وهو متوجه إلى خدمته عند عودته من الديار المصرية وانشدها عند باب السرداب وهو قائم في ذي القعدة سنة احدى وستين وستمائة (هذي المهابة والجلال الهائل * بهرا فماذا ان يقول القائل) (لو أن قسا حاضرا متمثلا * يوما لديك حسبته هو بأقل) (هل تقدر الفصحاء يوما ان يروا * وبيانهم عن ذي الجلال يناضل) (وبك اقتدى جل النبيين الأولى * ولديك أضحت حجة ودلائل) (أظهرت إبراهيم أسباب الهدى * والخير والمعروف أنت العامل) (شيدت أركان الشريعة معلنا * ومقررا ان الاله الفاعل) (ما زال بيتك مهبط الوحي الذي * لجلاله مقفر ربعك آهل) (وبهرت في كل الأمور بمعجز * ما أن يخالف فيه يوما عاقل) (وكفاك يوم الفخر أن محمدا * يوم التناسب في النجار مواصل) (ما زلت تنقل للنبوءة سرها * حتى غدا لمحمد هو حاصل) (فعليكما صلوات رب لم يزل * يأتيكما منه ثنا وفواضل) (وقد التجأت إلى جنابك خاضعا * متوسلا وأنا الفقير السائل) (أرجوك تسأل لي لدى رب العلا * غفران ما قد كنت فيه ازاول) (وأرى وقد غفرت لديه خطيتي * وبلغت مقصودي وما أنا آمل) (ورجعت منقطعا إلى أبوابه * لا ألتقي عن غيره أنا سائل) (ولقد سألت لكامل في جوده * يعطي بلا من ولا هو باخل) (فحقيقة أني بلغت إرادتي * سيما وأنت لما سألت الحامل) الكامل
664 وقال أيضا في الخليل عليه الصلاة والسلام عند عوده من الديار المصرية في شهر جمادى الآخرة سنة أربع وستين وستمائة وانشدها عند باب السرداب (ألا يا خليل الله قد جئت قاصدا * إلى بابك المقصود من كل موضع) (أؤدي حقوقا واجبات لفضلك * مننتم بها قدما على كل من يعي) (فأرشدت أقوما بهديك اقتدوا * فصاروا بذاك الهدي في خير مهيع) (وأظهرت أعلام الشريعة معلنا * فأضحت بمرأى للأنام ومسمع) (وأودعتها أسرار كل خفية * فكنت بما أودعته خير مودع) (وأظهرت برهانا غدا بك قاطعا * قطعت به من لم يكن قبل يقطع) (وها أنا قد وافيت ببابك سائلا * بوقفة مسكين وذل تخضع) (بأن تسأل الله الكريم فإنه * لأفضل مسؤول وأكرم من دعي) (بأن يحمني من شر كل بلية * ويصرف عن صرف الحوادث مجمعي) (ولا يبلني من بعدها بمصيبة * ولا التقي خلا بأنه موجع) (ويفرج لي مما ابتليت بهمه * فقد بت مهموما بقلب مصدع) (فاني إذا ما نابني خطب حادث * جعلت إلى مغناك قصدي ومفزعي) (لتشفع لي عند الاله فانثني * بتبليغ آمالي وتحصيل مطمعي) (فأفرغ عن اشعال دنيا وأنثني * إلى امر اخراي بقلب موسع) (وتسأله ان يعف عني تكرما * وان أحظ من أنواره بتمتع) (ومن كان مشفوعا وأنت شفيعه * فلا بد في الجنات يحظى بمرتع) الطويل ورأى الخليل عليه الصلاة والسلام فيما بين النائم واليقظان عقيب حال كانت اتفقت له يقول له (لا تأسفن على خيل ولا مال * ولا تبيتن مهموما على حال) (ما دامت النفس والعلياء سالمة * فانظر إلى سائر الاشيا باهمال) (فإنما المال أعراض مجددة * معرضات لتضييع وابدال) (ولذة المال ان النفس تصرفه * فيما تجدد من هم واشغال) (وخير ما صرفت كفاك ما جمعت * في صون عرضك عن قيل وعن قال) (فكم جمعت من الأموال مقتدرا * وفرقتها يد الاقدار في الحال) (ولم تر قط محتاجا إلى أحد * ولم تزل أهل حاجات وآمال) (وسوف يجزيك رب العرش عادته * على عوائد إحسان واجمال) (وتلتقي كل سير بت ترقبه * كما مضى سالفا في عصرك الحالي) البسيط
665 وقال ونظمه في القدس الشريف عند عوده من مصر في منتصف جمادى الأولى سنة ست وستين وستمائة (ألا يا خليل الله عندي صبابة * وشوق إلى لقياك زاد بها كربي) (فأنت الذي سننت للناس مذهبا * فكنت به الهادي إلى السنن الرحب) (وأوضحت في طرق النبوة منهجا * فراح من الأشواق يعلو على الشهب) (بما كنت مبديه من الحجج التي * قوين فلا يدفعن بالقدح والثلب) (وكان بودي لو أتيتك زائرا * أعفر في مغناك خدي على الترب) (وأقضي حقوقا واجبات لفضلكم * غدت لكم بالفضل في أفضل الكتب) (وأنهي ما عندي من الوجد والأسى * وما بات من هم وأصبح في قلبي) (وأن الليالي قد رمتني بصرفها * بما حط من شاني وقلل من غربي) (وأنت الذي أرجوك في كل شدة * لتكشف عني كل مستكره صعب) (وتشفع لي عند الإله فأنثني * وقد فرج الرحمن ما بي من الخطب) (ولا سيما والعبد في شيمة الذي * به شرفت كل الأعاجم والعرب) (وذلك خير الناس أعني محمدا * ومن كان في الأمراء في غاية القرب) (ومن كنتما ذخرا له ووسيلة * وكنزا عظيما راح في السلم والحرب) (فلا عجبا أن راح وهو مسلم * من البأس والضراء والعتب والسلب) (وغير بديع أن يرى غير خائف * يبات قريرا آمن القلب والسرب) (فيا صاحبي طرق النبوة والهدى * أقيلا عثاري شافعين إلى ربي) (فحسبكما لي شافعان فإنني * لأعلم أن الله حينئذ حسبي) الطويل وقال أيضا (كلما خفت قد تناءى الرجاء * ووثوقي بالله فيه اكتفاء) (فدع الخوف والرجاء جميعا * واصطبر راضيا فذاك الرضاء) (ليس عما قضى الإله محيد * فدع الهم فهو عندي عناء) (وتيقن أن الإله لطيف * أن أتى الغم أعقب السراء) الخفيف وقال أيضا (إذا ضاق أمر فاصبر سوف ينجلي * فكم حر نار أعقبت بسلام) (ولا تسأل الأيام دفع ملمة * فلست ترى أمرا حليف دوام) الطويل
666 وقال وكتبه إلى الملك الناصر يوسف بن محمد (ليهنك نيروز أتاك مبشرا * بنيل الذي تهواه يوما وتطلب) (وأن بقاء الملك مع غير أهله * عجيب وحالي منه عندك أعجب) (أسوق إليك الملك طوعا فتلقه * ومن عند غيري في تقاضيه ترغب) (وتدأب في تحصيل ما أنا قادر * عليه من الملك الذي راح يصعب) (وأقسم لو ساعدتني بعض مدة * لأمسى الذي استعبدته وهو يقرب) الطويل وقال أيضا (سأرحل عنكم لا لكرهي لفضلكم * علي ومن لي أن أقضي به عمري) (ولكنما رزقي قليل وحاسدي * كثير وقد طالت بنا نوب الدهر) (تبدلت عن جاه جليل بذلة * وعن سعة في الرزق بالضيق والفقر) (وعادقصارى منيتي في ذراكم * أساوي بمن لا يستعد بأن يدري) (ولو كانت العلياء تأتي إلى الحجى * علوت محل الشهب مع موضع البدر) (على أنه قد طال ما صرفت يدي * صنوف الورى بالجود والنهي والأمر) (فصبرا على جور الليالي وحكمها * فما برحت لا تستمر على أمر) (ومن عجب أني أرجي سواكم * وأرحل عنكم أطلب البر بالبر) (واستخبر الآفاق عن كل منعم * وأقطع بالتطواف مستصعب القفر) (وأنت صلاح الدين أكرم ذا الورى * ومن جوده يزري بمندفق البحر) (وأنت مليك الأرض طرا فما يرى * لملك سواكم في البسيطة من قدر) (وإني وأنا القن الذي ليس يدعي * سواي حقوقي اللاء تقطع بالنصر) الطويل وقال أيضا (لئن كان جسمي سار عنك مفارقا * فقلبي في أكناف ربعك ساكن) (وأن فؤادي من تنقلك خائف * على أن قلبي من تنقله آمن) الطويل وقال أيضا (أيا قمري أوحشتني وتركتني * حليف سهاد دائم الهم والفكر) (بودي لو أمسيت عندي حاضرا * وأمسي عديم العقل والسمع والبصر) الطويل
667 وقال (يا مالك مهجتي ويا متلفها * كم تسعفك النفس وكم تعسفها) (إن كنت أنا في الحب يعقوب هوى * ها أنت على حسانها يوسفها) دوبيت وللصاحب نجم الدين بن اللبودي من الكتب مختصر الكليات من كتاب القانون لابن سينا مختصر كتاب المسائل لحنين ابن إسحاق مختصر كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا مختصر كتاب عيون الحكمة لابن سينا مختصر كتاب الملخص لابن خطيب الري مختصر كتاب المعاملين في الأصولين مختصر كتاب أوقليدس مختصر مصادرات أوقليدس كتاب اللمعات في الحكمة كتاب آفاق الأشراق في الحكمة كتاب المناهج القدسية في العلوم الحكمية كافية الحساب في علم الحساب (غاية الغايات في المحتاج إليه أوقليدس والمتوسطات تدقيق المباحث الطبية في تحقيق المسائل الخلافية على طريق مسائل خلاف الفقهاء مقالة في البرشعثا كتاب إيضاح الرأي السخيف من كلام الموفق عبد اللطيف وألف هذا الكتاب وله من العمر ثلاث عشرة سنة غاية الإحكام في صناعة الأحكام الرسالة السنية في شرح المقدمة المطرزية الأنوار الساطعات في شرح الآيات البينات كتاب نزهة الناظر في المثل السائر الرسالة الكاملة في علم الجبر والمقابلة الرسالة المنصورية في الأعداد الوفقية الزاهي في اختصار الزيج المقرب المبني على الرصد المجرب زين الدين الحافظي هو الصدر الإمام العالم الأمير زين الدين سليمان بن المؤيد علي بن خطيب عقرباء اشتغل بصناعة الطب على شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله فحصل علمها وعملها وأتقن فصولها وجملها وخدم بصناعة الطب الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه بن أبي بكر بن أيوب وكان يومئذ صاحب قلعة جعبر وأقام في خدمته في قلعة جعبر وتميز عنده وأجزل رفده وخوله في دولته واشتمل عليه بكليته وكان زين الدين يعاني الأدب والشعر والكتابة الحسنة وكان أيضا يعاني الجندية وداخل أولاد الملك الحافظ وصار حظيا عندهم مكينا في دولتهم ولما توفي الملك الحافظ وتسلم قلعة جعبر الملك الناصر يوسف بن محمد بن غازي صاحب حلب وذلك بمراسلات كان فيها زين الدين الحافظي وانتقل زين الدين إلى حلب وصارت له يد عند الملك الناصر ومنزلة رفيعة وتزوج زين الدين بابنة رئيس حلب واقتنى أموالا كثيرة ولما ملك الناصر يوسف
668 ابن محمد دمشق وصل معه إلى دمشق وصار مكينا في دولته وجيها في أيامه معانيا للصناعة الطبية معينا في الإمره والجندية ولذلك قلت فيه (وما زال زين الدين في كل منصب * له في سماء المجد أعلى المراتب) (أمير حوى في العلم كل فضيلة * وفاق الورى في رأيه والتجارب) (إذا كان في طب فصدر مجالس * وإن كان في حرب فقلب الكتائب) (ففي السلم كم أحيا وليا بطبه * وفي الحرب كم أفنى العدا بالقواضب) الطويل ولم يزل الملك الناصر بدمشق وهو عنده حتى جاءت رسل التتر من الشرق إلى الملك الناصر وهم في طلب البلاد والتشرط عليه بما يحمله إليهم من الأموال وغيرها فبعث زين الدين الحافظي رسولا إلى خاقان هولاكو ملك التتر وسائر ملوكهم فأحسنوا إليه الإحسان الكثير واستمالوه حتى صار من جهتهم ومازجهم وتردد في المراسلة مرات وأطمع التتر في البلاد وصار يهول على الملك الناصر أمورهم ويعظم شأنهم ويفخم مملكتهم ويصف كثرة عساكرهم ويصغر شأن الملك الناصر ومن عنده من العساكر وكان الملك الناصر مع ذلك جبانا متوقفا عن الحرب ولما جاءت التتر إلى حلب وكان هولاكو قد نازلها بقوا عليها نحو شهر وملكوها وقتلوا أهلها وسبوا النساء والصبيان ونهبوا الأموال وهدموا القلعة وغيرها هرب الملك الناصر يوسف من دمشق إلى مصر وقصد أن يملكها فخرجت عساكر مصر وملكها يومئذ الملك المظفر سيف الدين قطز فكسر الملك الحافظ وتفرقت عساكره وزال ملكه وملكت التتر دمشق بالأمان وجعلوا فيها نائبا من جهتهم وصار زين الدين أيضا بها وأمروه وبقي معه جماعة أجناد حتى كانوا يدعونه الملك زين الدين ولما وصل الملك المظفر قطز صاحب مصر ومعه عساكر الإسلام وكسر التتر في وادي كنعان الكسرة العظيمة المشهورة وقتل من التتر الخلق العظيم الذي لا يحصى انهزم نائب التتر ومن معه من دمشق وراح زين الدين الحافظي معهم خوفا على نفسه من المسلمين وصارت بلاد الشام بحمد الله إلى ما كانت عليه وملكها بعد الملك المظفر قطز رحمه الله السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس وصار صاحب الديار المصرية والشام خلد الله ملكه أبو الفضل بن عبد الكريم المهندس هو مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن الحارثي مولده ومنشؤه بدمشق وكان يعرف بالمهندس لجودة معرفته بالهندسة وشهرته بها قبل أن يتحلى بمعرفة صناعة الطب وكان
669 في أول أمره نجارا وينحت الحجارة أيضا وكان تكسبه بصناعة النجارة وله يد طولى فيها والناس كثيرا ما يرغبون إلى أعماله وأكثر أبواب البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين ابن زنكي رحمه الله من نجارته وصنعته أخبرني سديد الدين بن رقيقة عنه أنه أخبره بذلك وحدثني شمس الدين بن المطواع الكحال عنه وكان صديقا له أن أول اشتغاله بالعلم أنه قصد إلى أن يتعلم أوقليدس ليزداد في صناعة النجارة جودة ويطلع على دقائقها ويتصرف في أعمالها قال وكان في تلك الأيام يعمل في مسجد خاتون الذي تحت المنيبع غربي دمشق فكان في كل غداة لا يصل إلى ذلك الموضع إلا وقد حفظ شيئا من أوقليدس ويحل أيضا منه في طريقه وعند فراغه من العمل إلى أن حل كتاب أوقليدس بأسره وفهمه فهما جيدا وقوي فيه ثم نظر أيضا في كتاب المجسطي وشرع في قراءته وحله وانصرف بكليته إلى صناعة الهندسة وعرف بها أقول واشتغل أيضا بصناعة النجوم وعمل الزيجات وكان قد ورد إلى دمشق ذلك الوقت الشرف الطوسي وكان فاضلا في الهندسة والعلوم الرياضية ليس في زمانه مثله فاجتمع به وقرأ عليه وأخذ عنه شيئا كثيرا من معارفه وقرأ أيضا صناعة الطب على أبي المجد محمد بن أبي الحكم ولازمه حق الملازمة ونسخ بخطه كتبا كثيرة في العلوم الحكمية وفي صناعة الطب ووجدت بخطه الكتب الستة عشر لجالينوس وقد قرأها على أبي المجد محمد بن أبي الحكم وعليها خط ابن أبي الحكم له بالقراءة وهو الذي أصلح الساعات التي للجامع بدمشق وكان له على مراعاتها وتفقدها جامكية مستمرة يأخذها وكانت له أيضا جامكية لطبه في البيمارستان الكبير وبقي سنينا كثيرة يطب في البيمارستان إلى حين وفاته وكان فاضلا في صناعة الطب جيد المباشرة لأعمالها محمود الطريقة وكان قد سافر إلى ديار مصر وسمع شيئا من الحديث بالإسكندرية في سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين وخمسمائة من رشيد الدين أبي الثناء حماد بن هبة الله بن حماد بن الفضيل الحراني ومن أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي الأصفهاني واشتغل أيضا بالأدب وعلم النحو وكان يشعر وله قطع جيدة وتوفي رحمه الله في سنة تسع وتسعين وخمسمائة بدمشق بإسهال عرض له وعاش نحو السبعين سنة ومن شعر أبي الفضل بن عبد الكريم المهندس نقلت من خطه في مقالته في رؤية الهلال ألفها للقاضي محيي الدين بن القاضي زكي الدين ويقول فيها يمدحه (خصصت بالأب لما أن رأيتهم * دعوا بنعتك أشخاصا من البشر) (ضد النعوت تراهم أن بلوتهم * وقد يسمى بصيرا غير ذي بصر) (والنعت ما لم تك الأفعال تعضده * اسم على صورة خطت من الصور) (وما الحقيق به لفظ يطابقه المعنى * كنجل القضاة الصيد من مضر) (فالدين والملك والإسلام قاطبة * برأيه في أمان من يد الغير) (كم سن سنة خير في ولايته * وقام لله فيها غير معتذر) (يرجو بذاك نعيما لا نفاد له * جوار ملك عزيز جل مقتدر)
670 (فالله يكلؤه من كل حادثة * ما غردت هاتفات الورق في الشجر) البسيط ولأبي الفضل بن عبد الكريم المهندس من الكتب رسالة في معرفة رمز التقويم مقالة في رؤية الهلال اختصار كتاب الأغاني الكبير لأبي الفرج الأصبهاني وكتب من تصنيفه هذا نسخة بخطه في عشر مجلدات ووقفها بدمشق في الجامع مضافا إلى الكتب الموقوفة في مقصورة ابن عروة كتاب في الحروب والسياسة كتاب في الأدوية المفردة على ترتيب حروف أبجد موفق الدين عبد العزيز هو الشيخ الإمام العالم موفق الدين عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي كان كثير الخير محبا له مؤثرا للجميل عزيز المروءة وافر العربية شديد الشفقة رضى وخصوصا لمن كان منهم ضعيف الحال يفتقدهم ويعالجهم ويوصل إليهم النفقة وما يحتاجونه من الأدوية والأغذية وكان كثير الدين طلق الوجه يحبه كل أحد وكان في أول أمره في المدرسة فقيها في المدرسة الأمينية بدمشق عند الجامع واشتغل بعد ذلك على إلياس بن المطران بصناعة الطب وأتقن معرفتها وحصل علمها وعملها وصار من المتميزين من أربابها والمشايخ الذين يقتدى بهم فيها وكان له مجلس عام للمشتغلين عليه بالطب وخدم بصناعة الطب في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ثم خدم بعد ذلك الملك العادل أبا بكر بن أيوب وبقي معه سنين وله منه الإنعام الكثير والإفضال الغزير والمنزلة العلية والجامكية السنية ولم يزل في خدمته إلى أن توفي موفق الدين عبد العزيز رحمه الله بدمشق بعلة القولنج وذلك في يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة سنة أربع وستمائة ودفن بجبل قاسيون وعمره نحو الستين سنة ومولده في سنة خمسمائة ونيف وخمسين سعد الدين بن عبد العزيز هو الحكيم الأجل الإمام العالم سعد الدين أبو إسحق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي قد أشبه أباه في خلقه وخلقه ومعرفته وحذقه كثير الدين شريف اليقين بارع في العلوم الفقهية ورع في الأمور الدينية ولما كان بدمشق كان يعتكف بالجامع شهر رمضان ولم يتكلم فيه وهو الذي تولى عمارة المدرسة الحنبلية في سوق القمع بدمشق وذلك في أيام الملك الأشرف موسى بن الملك العادل وكان الإمام المستنصر بالله خليفة بغداد قد أمره بعمارتها وكان الحكيم سعد الدين أوحد زمانه وعلامة أوانه في صناعة الطب قد أحكم كليات أصولها وأتقن جزئيات أنواعها وفصولها ولم يزل مواظبا على الاشتغال ملازما له في كل الأحوال مولده بدمشق في أوائل
671 المحرم سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وخدم بصناعة الطب في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي وبعد ذلك خدم الملك الأشرف أبا الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب وأقام معه في بلاد الشرق وله منه الإحسان الكثير والإفضال الغزير والجامكية الوافرة والصلات المتواترة وكان حظيا عنده مكينا في دولته ولم يزل في خدمته إلى أن أتى الملك الأشرف إلى دمشق وتسلمها من ابن أخيه الملك الناصر داود بن الملك المعظم وذلك في شعبان سنة ست وعشرين وستمائة فأتى معه إلى دمشق وبقي بها ثم ولاه السلطان رئاسة الطب ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك الأشرف وكانت وفاته رحمه الله بقلعة دمشق أول نهار يوم الخميس رابع المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة ثم بعد ذلك لما ملك دمشق الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب في العشر الأول من جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة أمر باستخدامه وأن يقرر له جميع ما كان باسمه من أخيه الملك الأشرف وبقي في خدمته مدة يسيرة وتوفي الملك الكامل رحمه الله وذلك في ليلة الخميس أول الليل ثاني وعشرين رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة ولم يزل الحكيم سعد الدين مقيما بدمشق وله مجلس عام للمشتغلين عليه بصناعة الطب إلى أن توفي رحمه الله وكانت وفاته بدمشق في شهر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وستمائة وللشريف البكري في الحكيم سعد الدين من أبيات (حكيم لطيف من لطافة وصفه * يود المعافى السقم حتى يعوده) الطويل رضي الدين الرحبي هو الشيخ الحكيم الإمام العالم رضي الدين أبو الحجاج يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي من الأكابر في صناعة الطب والمتعينين من أهلها وله القدم والاشتهار والذكر الشائع عند الخواص والعوام ولم يزل مبجلا عند الملوك وغيرهم كثيري الاحترام له وكان كبير النفس عالي الهمة كثير التحقيق حسن السيرة محبا للخير وأهله شديد الاجتهاد في مداواة المرضى رؤوفا بالخلق طاهر اللسان ما عرف منه في سائر عمره أنه آذى أحدا ولا تكلم في عرض غيره بسوء وكان والده من بلد الرحبة وله أيضا نظر في صناعة الطب إلا أن صناعة الكحل كانت أغلب عليه وعرف بها وكان مولد الشيخ رضي الدين بجزيرة ابن عمر ونشأ بها وأقام أيضا بنصيبين وبالرحبة سنين وسافر أيضا إلى بغداد وإلى غيرها واشتغل بصناعة الطب وتمهر فيها واجتمع أيضا في ديار
672 مصر بالشيخ المعروف بابن جميع المصري وانتفع به وكان وصوله مع أبيه إلى دمشق في سنة خمس وخمسين وخمسمائة وكان في ذلك الوقت ملكها السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي وأقام رضي الدين ووالده بدمشق سنين وتوفي والده بها ودفن بجبل قاسيون وبقي رضي الدين قاطنا بدمشق وملازما للدكان لمعالجة المرضى ونسخ بها كتبا كثيرة وبقي على تلك الحال مدة واشتغل على مهذب الدين بن النقاش الطبيب ولازمه فنوه بذكره وقدمه وتأدت به الحال إلى أن اجتمع بالملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فحسن موقعه عنده وأطلق له في كل شهر ثلاثين دينارا ويكون ملازما للقلعة والبيمارستان فبقي كذلك مدة دولة صلاح الدين بأسرها وكان صلاح الدين قد طلبه للخدمة في السفر فلم يفعل ولما توفي صلاح الدين رحمه الله بدمشق وذلك في ليلة الأربعاء ثلث الليل الأول سابع وعشرين صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة وانتقل الملك عن أولاده إلى أخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب واستولى على البلاد أمر بأن يكون في خدمته في الصحبة فلم يجب إلى ذلك وطلب أن يكون مقيما بدمشق فأطلق له الملك العادل ما كان مقررا باسمه في أيام صلاح الدين وأن يبقى مستمرا على ما هو عليه وبقي على ذلك أيضا إلى أن توفي الملك العادل وملك بعده الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل فأجرى له خمسة عشر دينارا ويكون مترددا إلى البيمارستان فبقي مترددا إليه إلى أن توفي رحمه الله واشتغل عليه بصناعة الطب خلق كثير ونبغ منهم جماعة عدة وأقرأوا لغيرهم وصاروا من المشايخ المذكورين في صناعة الطب ولو اعتبر أحد جمهور الأطباء بالشام لوجد إما أن يكون منهم من قد قرأ على الرحبي أو من قرأ على من قرأ عليه وكان من جملة من قد قرأ عليه أيضا في أول أمره الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قبل ملازمته لابن المطران وحدثني الشيخ رضي الدين يوما قال إن جميع من قرأ علي ولازمني فإنهم سعدوا وانتفع الناس بهم وذكر لي أسماء كثيرين منهم قد تميزوا واشتهروا في صناعة الطب منهم من قد مات ومنهم من كان بعد في الحياة وكان يرى أنه لا يقرئ أحدا من أهل الذمة أصلا صناعة الطب ولا لمن لا يجده أهلا لها وكان يعطي الصناعة حقها من الرآسة والتعظيم وقال لي أنه لم يقرأ في سائر عمره من أهل الذمة سوى اثنين لا غير أحدهما الحكيم عمران الإسرائيلي والآخر إبراهيم بن خلف السامري بعد أن ثقلا عليه بكل طريق وتشفعا عنده بجهات لا يمكنه ردهم وكل منهما نبغ وصار طبيا فاضلا ولا شك أن من المشايخ من يكون للاشتغال عليه بركة وسعد كما يوجد ذلك في بعض الكتب المصنفة دون غيرها في علم علم وكنت في سنة اثنتين وثلاث وعشرين وستمائة قد قرأت عليه كتابا في الطب ولا سيما فيما يتعلق بالجزء العملي من كلام أبي بكر محمد بن زكريا الرازي وغيره وانتفعت به وكان الشيخ رضي الدين محبا للتجارة مغرى بها وكان يراعي مزاجه ويعتني بحفظ صحته وقال الصاحب جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي عن الحكيم الرحبي أنه كان يلزم في
673 أموره قوانين حفظ الصحة الموجودة قال ولقد بلغني أنه كان يقتني أجود الطباخات ويتقدم إليها بأحكام ما يغلب على ظنه الانتفاع باستعماله في نهاره ذلك بما باشره من نفسه وما غلب عليه من الأخلاط في يومه فإذا أنجزته وأعلمته بذلك طلب من يؤاكله من مؤانسيه فإذا حضر منه من حضر استأذنته في إحضار الطعام فيقول لها أخريه فإن الشهوة لم تصدق بعد فتؤخره إلى أن يستدعيه ويقول أعجلي فتأتيه به ويتناول منه فقال له بعض أصحابه يوما ما المراد بهذا فقال الأكل مع الشهوة هو المندوب إليه لحفظ الصحة فإن الأعضاء إذا احتاجت إلى تعويض ما تحلل منها استدعت ذلك من المعدة فتستدعيه المعدة من خارج فقال له وما ثمرة هذا قال أن يعيش الإنسان العمر الطبيعي فقال له إنك قد بلغت من السن ما لم يبق بينك وبين العمر الطبيعي إلا القليل فأي الحاجة إلى هذا التكلف فقال له لأبقى ذلك القليل فوق الأرض استنشق الهواء وأجرع الماء ولا أكون تحتها بسوء التدبير ولم يزل على حالته تلك إلى أن أتاه أجله أقول ومما يناسب هذا المعنى المتقدم في أنه لا ينبغي أن يؤكل الطعام إلا بشهوة صادقة للأكل أنني كنت يوما أقرأ عليه في شيء من كلام الرازي في ترتيب تناول الأغذية وقد ذكر الرازي أن الإنسان ينبغي له أن يأكل في اليوم مرتين وفي اليوم الثاني مرة واحدة فقال لي لا تسمع هذا والذي ينبغي أن تعتمد عليه أنك تأكل وقت تكون الشهوة للأكل صادقة في أي وقت كان سواء أكان مرتين في النهار أو مرة أو ليل أو نهار فالأكل عند الشهوة الصادقة للأكل هو الذي ينفع وإذا لم يكن كذلك فإنه مضرة البدن وصدق في قوله وقد لزم في سائر أيامه أشياء لا يخل بها وذلك أنه كان يجعل يوم السبت أبدا لخروجه إلى البستان وراحته فيه ويتركه يوم بطالة عن الاشتغال وكان لا يدخل الحمام إلا في يوم الخميس وقد جعل ذلك له راتبا وكان في يوم الجمعة يقصد من يريد رؤيته وزيارته من الأعيان والكبراء وكان أبدا يتوخى أنه لا يصعد في سلم وإذا كان له مريض يفتقده إن لم يكن في موضع لا يصعد إليه إذا أتاه في سلم وإلا لم يقربه وكان يصف السلم بأنه منشار العمر ومن أعجب ما حكى لأبي من ذلك أنه قال إنني منذ اشتريت هذه القاعة التي أنا ساكن فيها أكثر من خمس وعشرين سنة ما أعرف إنني طلعت إلى الحجرة التي فوقها إلا وقت استعرضت الدار واشتريتها وما عدت طلعت إلى الحجرة بعد ذلك إلى يومي هذا ومن نوادره وحسن تصرفاته فيما يتعلق بصناعة الطب حدثني الصاحب صفي الدين إبراهيم بن مرزوق وزير الملك الأشرف بن الملك العادل وقد حكى جملا من مناقب الشيخ رضي الدين فمن ذلك قال أن الصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل أبي بكر بن أيوب كان أبدا يلازم
674 أكل لحم الدجاج ويعدل عن لحم الضأن في أكثر الأوقات فشكا إليه شحوبا كان قد غلب على لونه وكان الأطباء يصفون له كثيرا من الأشربة وغيرها فلما شكا إليه هذا مضى لحظة وعاد ومعه قطعة من صدر دجاجة وقطعة حمراء من لحم ضأن ثم قال له أنت تلازم أكل لحم الدجاج فلم يأت الدم المتولد منه مشرق الحمرة كما يأتي من لحم الضأن وأنت ترى لون هذا اللحم من الضان ومباينته في اللون لهذه القطعة من الدجاج فينبغي أن تترك أكل لحم الدجاج وتلازم أكل لحم الضأن فإنك تصلح وما تحتاج معه إلى علاج قال فقبل هذا الرأي منه وتناول ما أوصاه به واستمر على ذلك مدة فصلح لونه واعتدل مزاجه أقول وهذا اقناع حسن أوجده لمن أراد علاجه وتدبير بليغ في حفظ صحته وذلك أن الوزير كان عبل البدن تام البنية قوي التركيب جيد الاستمراء فكانت أعضاؤه ترزأ من لحم الدجاج بدم لطيف وهي تحتاج إلى غذاء أغلط منه وامتن فلما لازم أكل لحم الضأن صار يتولد له منه دم متين يقوم بكفاية ما تحتاج إليه أعضاؤه فصلح مزاجه وظهر لونه وكان مولد الشيخ رضي الدين الرحبي في شهر جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة بجزيرة ابن عمر وكان أول مرضه في يوم عيد الأضحى من سنة ثلاثين وستمائة ووفاته رحمه الله بكرة يوم الأحد العاشر من المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بدمشق ودفن بجبل قاسيون فعاش نحو المائة سنة ولم يتبين تغير شيء من سمعه ولا بصره وإنما كان في آخر عمره قد عرض له نسيان للأشياء القريبة العهد المتجددة وأما الأشياء البعيدة المدة التي كان يعرفها من زمان طويل فإنه كان ذاكرا لها وخلف ولدين الأكبر منهما شرف الدين أبو الحسن علي والآخر جمال الدين عثمان وحكى لي بعض أهله ممن لازمه في المرض أنه عند موته جس نبض يده اليسرى بيده اليمنى وبقي كالمتأمل المفكر في ذلك ثم ضرب بيديه كفا على كف لأنه علم أن قوته قد سقطت قال وعدل زورقية كانت على رأسه بيديه واستبسل للموت ومات بعد ذلك ولرضي الدين الرحبي من الكتب بتهذيب شرح ابن الطيب لكتاب الفصول لأبقراط اختصار كتاب المسائل لحنين كان قد شرع في ذلك ولم يكمله شرف الدين بن الرحبي هو الحكيم الإمام العالم الفاضل علامة عصره وفريد دهره شرف الدين أبو الحسن علي بن يوسف ابن حيدرة بن الحسن الرحبي كان مولده بدمشق في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وكان قد سلك حذو أبيه واقتفى ما كان يقتفيه وهو أشبه به خلقا وخلقا وطرائق لم يزل متوفرا على قراءة
675 الكتب وتحصيلها ونفسه تشرئب إلى طلب الفضائل وتفصيلها وله تدقيق في الصناعة الطبية وتحقيق لمباحثها الكلية والجزئية وله في الطب كتب مؤلفة وحواش متفرقة واشتغل بصناعة الطب على أبيه وقرأ أيضا على الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي وحرر عليه كثيرا من العلوم ولا سيما من تصانيف الشيخ موفق الدين البغدادي واشتغل أيضا بالأدب على الشيخ علم الدين السخاوي وعلى غيره من العلماء وقد أتقن علم الأدب إتقانا لا مزيد عليه ولا يشاركه أحد فيه وله فطرة جيدة في قول الشعر وأحب ما إليه التخلي مع نفسه والملازمة لقراءته ودرسه والاطلاع على آثار القدماء والانتفاع بمؤلفات الحكماء وكان نزيه النفس عالي الهمة لم يؤثر التردد إلى الملوك ولا إلى أرباب الدولة وخدم مدة في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي ولما وقف شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله الدار التي له بدمشق وجعلها مدرسة يدرس فيها صناعة الطب وينتفع المسلمون بقراءتهم فيها أوصى أن يكون مدرسها شرف الدين بن الرحبي لما قد تحققه من علمه وفهمه فتولى التدريس بها مدة وتوفي شرف الدين بن الرحبي بدمشق ودفن بجبل قاسيون وكانت وفاته رحمه الله في الليلة التي صباحها يوم الجمعة حادي عشر المحرم سنة سبع وستين وستمائة بعلة ذات الجنب وحدثني الحكيم بدر الدين بن قاضي بعلبك وشمس الدين الكتبي المعروف بالخواتمي قالا كان شرف الدين قبل أن يمرض ويموت بأشهر يقول للجماعة المترددين إليه والتلاميذ المشتغلين عليه إنه بعد قليل أموت وذلك يكون عند قران الكوكبين ثم يقول لهم قولوا للناس هذا حتى يعرفوا مقدار علمي في حياتي وعلمي بوقت موتي وكان قوله موافقا لما حكم به ومن شعر شرف الدين بن الرحبي وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال (سهام المنايا في الورى ليس تمنع * فكل له يوما وإن عاش مصرع) (وكل وإن طال المدى سوف ينتهي * إلى قعر لحد في ثرى منه يودع) (فقل للذي قد عاش بعد قرينه * إلى مثلها عما قليل ستدفع) (فكل ابن أنثى سوف يفضي إلى ردى * ويرفعه بعد الأرائك شرجع) (ويدركه يوما وإن عاش برهة * قضاء تساوى فيه هم ومرضع) (فلا يفرحن يوما بطول حياته * لبيب فما في عيشة المرء مطمع) (فما العيش إلا مثل لمحة بارق * وما الموت إلا مثل ما العين تهجع) (وما الناس إلا كالنبات فيابس * هشيم وغض إثر ما باد يطلع) (فتبا لدنيا ما تزال تعلنا * أفاويق كأس مرة ليس تقنع) (سحاب أمانيها جهام وبرقها * إذا شيم برق خلب ليس يهمع)
676 (تغر بنيها بالمنى فتقودهم * إلى قعر مهواة بها المرء يوضع) (فكم أهلكت في حبها من متيم * ولم يحظ منها بالمنى فيمتنع) (تمنيه بالآمال في نيل وصلها * وعن غيه في حبها ليس ينزع) (أضاع بها عمرا له غير راجع * ولم ينل الأمر الذي يتوقع) (فصار لها عبدا لجمع حطامها * ولم يهن فيها بالذي كان يجمع) (ولو كان ذا عقل لاغنته بلغة * من العيش في الدنيا ولم يك يجشع) (إلى أن توافيه المنية وهو بالقناعة * فيها آمن لا يروع) (مصائبها عمت فليس بمفلت * شجاع ولا ذو ذلة ليس يدفع) (ولا سابح في قعر بحر وطائر * يدوم في بوح الفضاء فينزع) (ولا ذو امتناع في بروج مشيدة * لها في ذرى جو السماء ترفع) (أصارته من بعد الحياة بوهدة * له من ثراها آخر الدهر مضجع) (تساوى بها من حل تحت صعيدها * على قرب عهد بالممات وتبع) (فسيان ذو فقر بها وذوو الغنى * وذو لكن عند المقال ومصقع) (ومن لم يخف عند النوائب حتفه * وذو جبن خوفا من الموت يسرع) (وذو جشع يسطو بناب ومخلب * وكل بغاث ذلة ليس يمنع) (ومن ملك الآفاق بأسا وشدة * ومن كان فيها بالضروري يقنع) (ولو كشف الأجداث معتبرا لهم * لينظر آثار البلى كيف تصنع) (لشاهد إحداقا تسيل وأوجها * معفرة في الترب شوها تفزع) (غدت تحت أطباق الثرى مكفهرة * عبوسا وقد كانت من البشر تلمع) (فلم يعرف المولى من العبد فيهم * ولا خاملا من نابه يترفع) (وأنى له علم بذلك بعدما * تبين منهم ما له العين تدمع) (رأى ما يسوء الطرف منهم وطالما * رأى ما يسر الناظرين ويمتع) (رأى أعظما لا تستطيع تماسكا * تهافت من أوصالها وتقطع) (مجردة من لحمها فهي عبرة * لذي فكرة فيما له يتوقع) (تخونها مر الليالي فأصبحت * أنابيب في أجوافها الريح تسمع) (إلى أجنة مسودة وجماجم * مطأطأة من ذلة ليس ترفع) (أزيلت عن الأعناق فهي نواكس * على الترب من بعد الوسائد توضع) (علاها ظلاما للبلى ولطالما * غدا نورها في حندس الليل يسطع) (كأن لم يكن يوما علا مفرقا لها * نفائس تيجان ودر مرصع)
677 (تباعد عنهم وحشة كل وامق * وعافهم الأهلون والناس أجمع) (وقاطعهم من كان حال حياتهم * بوصلهم وجدا بهم ليس يطمع) (يبكيهم الأعداء من سوء حالهم * ويرحمهم من كان ضدا ويجزع) (فقل للذي قد غره طول عمره * وما قد حواه من زخارف تخدع) (أفق وانظر الدنيا بعين بصيرة * تجد كل ما فيها ودائع ترجع) (فأين الملوك الصيد قدما ومن حوى * من الأرض ما كانت به الشمس تطلع) (حواه ضريح من فضاء بسيطها * يقصر عن جثمانه حين يذرع) (فكم ملك أضحى به ذا مذلة * وقد كان حيا للمهابة يتبع) (يقود على الخيل العتاق فوارسا * يسد بها رحب الفيافي ويترع) (فأصبح من بعد التنعم في ثرى * توارى عظاما منه بهماء بلقع) (بعيدا على قرب المزايا إيابه * فليس له حتى القيامة مرجع) (غريبا عن الأحباب والأهل ثاويا * بأقصى فلاة خرقه ليس يرقع) (تلح عليه السافيات بمنزل * جديب وقد كانت به الأرض تمرع) (رهينا به لا يملك الدهر رجعة * ولا يستطيعن الكلام فيسمع) (توسد فيه الترب من بعد ما اغتدى * زمانا على فرش من الخز يرفع) (كذلك حكم النائبات فلن ترى * من الناس حيا شمله ليس يصدع) الطويل وأنشدني أيضا لنفسه (تساق بنو الدنيا إلى الحتف عنوة * ولا يشعر الباقي بحالة من يمضي) (كأنهم الأنعام في جهل بعضها * بما تم من سفك الدماء على بعض) الطويل وأنشدني أيضا لنفسه (ليس يجدي ذكر الفتى بعد موت * فاطرح ما يقوله السفهاء) (إنما يدرك التألم واللذة * حي لا صخرة صماء) الخفيف وقال وأنشدني إياها لما توفي الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب بدمشق وذلك في سنة خمس وثلاثين وستمائة (كم قال جهلا بأني إن أمت * يزل النظام ويفسد الثقلان) (وافاه مفضي الحمام ولم يرع * حي ولم يحفل به اثنان) (فغدا لقي تحت التراب مجندلا * لم ينتطح في موته عنزان)
678 (من ظن أن لا بد منه وأنه * ذو عنية في عالم الأكوان) (فلبئسما ذهبت وساوس فكره * منه إلى دعوى بغير بيان) (أني وما فوق البسيطة فاسد * إلا ويخلفه بديل ثاني) الكامل وقال وأنشدني إياها بعد وفاة أخيه الحكيم جمال الدين عثمان في سنة ثمان وخمسين وستمائة (تبدلت لما أن وجدت سكينة * وعزا نفى شر الحسود المعاند) (وقد ناهزت سني ثمانين حجة * ومات من الأهلين كل مساعد) (ولا سيما الأخ الشقيق وإن غدا * لدى نازل في الخطب ركني وساعدي) (فخانتني الأيام فيما رجوته * ولما تزل تأتي بعكس المقاصد) (فصبرا على كيد الزمان لعله * يؤول إلى الإنصاف بعد التباعد) الطويل وكان يخضب بالحناء فقلت له لو تركت اللحية بيضاء كان أليق فأنشدني لنفسه بديها (سترت مشيبي بالخضاب لأنني * تيقنت أن الشيب بالموت منذر) (فواريته كيلا ترى منه مقلتي * صباح مساء ما به العيش يكدر) (فغيبة ما يشنى عن العين موجب * تناسى ما منه يخاف ويحذر) (وإن كنت ذا علم بأن ليس ملبسي * شبابا ولا رد المنية يقدر) الطويل وقال وهو مما كتب به إلي من دمشق وكنت يومئذ بصرخد عند مالكها الأمير عز الدين أيبك المعظمي (موفق الدين ماذا السهو منك على * ما نلت من رتبة في العلم والأدب) (أبعت نفسك بالنزر الحقير لقد * أرخصتها بعد طول الجد والدأب) (أقمت في بلد يزري بساكنه * ولا يرتضيه لبيب من ذوي الرتب) (ناء عن الخير ذي جدب فليس به * سوى صخور وحر منه ملتهب) (مضيعا فيه عمرا ما له عوض * إذا تصرم وقت منه لم يؤب) (أتحسب العمر مردودا تصومه * هيهات أن يرجع الماضي من الحقب) (أم تحسب العمر ما ولت لذاذته * ينال بعد ذهاب العمر بالذهب) (إذا تولى شباب العمر في نغص * فما له في بقايا العمر من أرب) (لو كان ما أنت فيه مكسبا لغنى * لما وفى بذهاب العمر في نصب)
679 (فكيف مع قلة الجاري وخسته * والبعد عن كل ذي فضل وذي أدب) (فعد إلى جنة الدنيا فقد برزت * لمجتلي الحسن في أثوابها القشب) (ولا تقم بسواها مع حصول غنى * فالعمر فيما سواها غير محتسب) (واقطع زمانك طيبا في محاسنها * وعد إلى اللهو واللذات والطرب) (وبادر العمر قبل الفوت مغتنما * ما دمت حيا فإن الموت في الطلب) (وخذ عيانا إذا ما أمكنت فرص * ولا تبع طيب موجود بمرتقب) (فالعمر منصرم والوقت مغتنم * والدهر ذو غير فأنعم به تصب) (فاعمل بقولي ولا تجنح إلى أحد * ممن يفند من عمري وذي رغب) (يرى السعادة في نيل الحطام ولو * حواه مع نصب من سوء مكتسب) (فاستدرك الفائت المقضي في عمر * فليس بالنأي عن مثواك من كثب) (ولا تعش عيش ذي نقص وكن أبدا * ممن سمت همة منه على الشهب) (واغنم حياة أب ما زال ذا حزن * مذ غبت عنه لبعد منك مكتئب) (فلست تعدم مع رؤياه مكتسبا * يسد بالقنع من عري ومن سغب) (فالرأي ما قلته فاعمل به عجلا * ولا تصخ نحو فدم غير ذي حدب) (فغفلة المرء مع علم ومعرفة * عن واضح بين من أعجب العجب) البسيط فقلت في جوابه وكتب بها إليه (مولاي يا شرف الدين الذي بلغت * أدنى مساعيه أعلى رتبة بالأدب) (ومن سمت في سماء المجد همته * فأدركت في المعالي أرفع الرتب) (قد فاق بقراط في علم وفي حكم * وفاق سحبان في شعر وفي خطب) (له التصانيف في كل العلوم ولا * شيء يماثلها من سائر الكتب) (أقدارها قد علت في الناس وارتفعت * عن كل شبه كمثل السبعة الشهب) (فيها المعاني التي كالدر قد نظمت * في سلك خط وخير اللفظ منتخب) (ولا عجيب لدر كان مورده * من بحر علم لمولى في العلى دئب) (قد نال راحة تحصيل العلوم وما * من راحة حصلت إلا عن التعب) (ورام مسعاه أقوام وما بلغوا * البعض منه وكل جد في الطلب) (وكل علم وجود فهو منه إلى * من يجتديه كغيث دائم الصيب) (لله كم من أياد منه قد وصلت * إلي في سالف الأيام والحقب) (إني لأشكرها ما دمت مجتهدا * وشكر نعماه طول الدهر أجدر بي) (عندي من البين أشواق إليك كما * للناس في الجدب أشواق إلى السحب) (تهمي دموعي إذا ما غن ذكركم * على فؤاد بنار الشوق ملتهب)
680 (كأنما حل طرفي بعد بينكم * متمم وأتى قلبي أبو لهب) (وكل عمر تقضى لي ببعدكم * عني فذلك عمر غير محتسب) (ولو تكون لي الدنيا بأجمعها * في البعد ما كنت مختارا فراق أبي) (هو الذي لم يزل إشفاقه أبدا * علي والبر من بعد ومن كثب) (وإنني بعد ما جد الفراق بنا * والبعد لم يصف لي عيش ولم يطب) (وكيف يلتذ عيشا من أتاح به * هذا الزمان إلى قوم من الحطب) (لم يعرفوا قدر ذي علم لجهلهم * وليس ذلك في الجهال بالعجب) (أتيت من ضاع فضلي في فناه وهل * غباوة العجم تدري فطنة العرب) (وإن أقمت بأقوام على خطأ * مني وقد مر بعض العمر في نصب) (فقد أقام سميي قبل في نفر * بأرض نجلة يشكو حادث النوب) (وهي الأمور التي تأتي مقدرة * وليس شيء من الدنيا بلا سبب) (ومن بدائع نظم أنت قائله * بيت به حكم من رأي ذي حدب) (إذا انقضى شباب المرء في نغص * فما له في بقايا العمر من أرب) (يا حبذا طيب أيام لنا سلفت * وطيب أوقاتها لو أنها تؤب) (وحبذا جنة الدنيا إذا برزت * لمجتلي الحسن في أثوابها القشب) (وقد رأيت صوابا ما أمرت به * وما نصحت بلا شك ولا ريب) (وليس ينكر شيئا أنت قائله * من النصيحة والآراء غير غبي) (وإن لي همة تسمو السماك وما * إلا الفضائل والعلياء مطلبي) (وسوف أقصد أرضا قد نشأت بها * والقرب من كل ذي فضل وذي أدب) (واجعل العزم في علم أحصله * فالعلم في كل حال خير مكتسب) البسيط وأنشدني لنفسه (روحي بكم تنعم في اللذات * إذ كنت مقوما لها كالذاتي) (ما جال بخاطري فراقي لكم * إلا وعجبت من بقاء الذات) دوبيت وأنشدني أيضا لنفسه (أصبحت بكف نازح الود ملول * لا يعطفه مع لينه عذل عذول) (لو لم يك في الحسن كبدر التم * ما كان له بحبة القلب نزول) دزربيت
681 وأنشدني أيضا لنفسه (لم يبق تولهي بكم غير ذما * ينصب لذا البكا من العين دما) (إن كان يقتلني الهي حكما * في حبك لم أجد لموتي ألما) دوبيت ولشرف الدين بن الرحبي من الكتب كتاب في خلق الإنسان وهيئة أعضائه ومنفعتها لم يسبق إلى مثله حواش على كتاب القانون لابن سينا حواش على شرح ابن أبي صادق لمسائل حنين جمال الدين بن الرحبي هو الحكيم الأجل العالم الفاضل جمال الدين عثمان بن يوسف بن حيدرة الرحبي مولده ومنشؤه بدمشق من أكابر الفضلاء وسادة العلماء أوحد زمانه وفريد أوانه اشتغل بصناعة الطب على والده وعلى غيره وأتقنها إتقانا لا مزيد عليه وكان حسن المعالجة جيد المداواة وخدم في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي رحمه الله لمعالجة المرضى وبقي به سنين وكان يحب التجارة ويعانيها ويسافر بها في بعض الأوقات إلى مصر ويأتي من مصر بتجارة ولما وصلت التتر إلى الشام وذلك في سنة سبع وخمسين وستمائة توجه الحكيم جمال الدين بن الرحبي إلى مصر وأقام فيها ثم مرض وتوفي بالقاهرة وذلك في العشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وستمائة كمال الدين الحمصي هو أبو منصور المظفر بن علي بن ناصر القرشي من الفضلاء المشهورين والعلماء المذكورين وكان كثير الخير وافر المروءة كريم النفس محبا لاصطناع المعروف واشتغل بصناعة الطب على الشيخ رضي الدين الرحبي وعلى غيره وشرع في قراءة كتاب القانون على الحكيم القاضي بهاء الدين أبي الثناء محمود بن أبي الفضل منصور بن الحسن بن إسماعيل الطبري المخزومي لما أتى إلى دمشق وقرأ عليه منه إلى علاج الإسهال الدماغي ثم سافر الشيخ بهاء الدين إلى بلد الروم في سنة ثمان وستمائة وكان كمال الدين الحمصي قد اشتغل أيضا بالأدب وقرأ على الشيخ تاج الدين الكندي وكان محبا للتجارة وأكثر معيشته منها وكانت له دكان في الخواصين بدمشق يجلس فيها ويكره التكسب بصناعة الطب وإنما كان الملوك وأكثر الأعيان يطلبونه ويستطبونه لما ظهر من علمه وبان من فضله وطلبه الملك العادل أبو بكر بن أيوب وغيره ليخدمهم ويبقى معهم في الصحبة فما فعل وبقي سنين يتردد إلى البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي ويعالج المرضى فيه احتسابا ثم ألزم بعد ذلك بأن قررت له فيه جامكية وجراية وبقي كذلك إلى أن توفي رحمه الله وكانت وفاته في يوم الثلاثاء تاسع شهر شعبان سنة اثنتي عشرة وستمائة
682 ولكمال الدين الحمصي من الكتب مقالة في الباه وهي مستقصاة في فنها شرح بعض كتاب العلل والأعراض لجالينوس الرسالة الكاملة في الأدوية المسهلة اختصار كتاب الحاوي للرازي لم يتم مقالة في الاستسقاء تعاليق على الكليات من كتاب القانون تعاليق في الطب تعاليق في البول ألفها في أول رجب سنة ثلاث وستمائة اختصار كتاب المسائل لحنين بن إسحاق وقد أجاد فيه موفق الدين عبد اللطيف البغدادي هو الشيخ الإمام الفاضل موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد ويعرف بابن اللباد موصلي الأصل بغدادي المولد كان مشهورا بالعلوم متحليا بالفضائل مليح العبارة كثير التصنيف وكان متميزا في النحو واللغة العربية عارفا بعلم الكلام والطب وكان قد اعتنى كثيرا بصناعة الطب لما كان بدمشق واشتهر بعلمها وكان يتردد إليه جماعة من التلاميذ وغيرهم من الأطباء للقراءة عليه وكان والده قد أشغله بسماع الحديث في صباه من جماعة منهم أبو الفتح محمد بن عبد الباقي المعروف بابن البطي وأبو زرعة طاهر بن محمد القدسي وأبو القاسم يحيى بن ثابت الوكيل وغيرهم وكان يوسف والد الشيخ موفق الدين مشتغلا بعلم الحديث بارعا في علوم القرآن والقراءات مجيدا في المذهب والخلاف والأصولين وكان متطرفا من العلوم العقلية وكان سليمان عم الشيخ موفق الدين فقيها مجيدا وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف كثير الاشتغال لا يخلي وقتا من أوقاته من النظر في الكتب والتصنيف والكتابة والذي وجدته من خطه أشياء كثيرة جدا بحيث أنه كتب من مصنفاته نسخا متعددة وكذلك أيضا كتب كتبا كثيرة من تصانيف القدماء وكان صديقا لجدي وبينهما صحبة أكيدة بالديار المصرية لما كنا بها وكان أبي وعمي يشتغلان عليه بعلم الأدب واشتغل عليه عمي أيضا بكتب أرسطوطاليس وكان الشيخ موفق الدين كثير العناية بها والفهم لمعانيها وأتى إلى دمشق من الديار المصرية وأقام بها مدة وكثر انتفاع الناس بعلمه ورأيته لما كان مقيما بدمشق في آخر مرة أتى إليها وهو شيخ نحيف الجسم ربع القامة حسن الكلام جيد العبارة وكانت مسطرته أبلغ من لفظه وكان رحمه الله ربما تجاوز في الكلام لكثرة ما يرى في نفسه وكان يستنقص الفضلاء الذين في زمانه وكثيرا من المتقدمين وكان وقوعه كثيرا جدا في علماء العجم ومصنفاتهم وخصوصا الشيخ الرئيس ابن سينا ونظرائه ونقلت من خطه في سيرته التي ألفها ما هذا مثاله قال إني ولدت بدار لجدي في درب الفالوذج في سنة سبع وخمسين وخمسمائة وتربيت في حجر الشيخ أبي النجيب لا أعرف اللعب واللهو وأكثر زماني مصروف في سماع الحديث وأخذت لي إجازات من شيوخ بغداد وخرسان والشام ومصر وقال لي والدي يوما قد سمعتك جميع عوالي بغداد وألحقتك في الرواية بالشيوخ المسان وكنت في أثناء ذلك أتعلم الخط وأتحفظ القرآن والفصيح والمقامات وديوان المتنبي ونحو ذلك ومختصرا
683 في الفقه ومختصرا في النحو فلما ترعرعت حملني والدي إلى كمال الدين عبد الرحمن الأنباري وكان يومئذ شيخ بغداد وله بوالدي صحبة قديمة أيام التفقه بالنظامية فقرأت عليه خطبة الفصيح فهذر كلاما كثيرا متتابعا لم أفهم منه شيئا لكن التلاميذ حوله يعجبون منه ثم قال أنا أجفو عن تعليم الصبيان احمله إلى تلميذي الوجيه الواسطي يقرأ عليه فإذا توسطت حاله قرأ علي وكان الوجيه عند بعض أولاد رئيس الرؤساء وكان رجلا أعمى من أهل الثروة والمروءة فأخذني بكلتي يديه وجعل يعلمني من أول النهار إلى آخره بوجوه كثيرة من التلطف فكنت أحضر حلقته بمسجد الظفرية ويجعل جميع الشروح لي ويخاطبني بها وفي آخر الأمر أقرأ درسي ويخصني بشرحه ثم نخرج من المسجد فيذاكرني في الطريق فإذا بلغنا منزله أخرج الكتب التي يشتغل بها مع نفسه فأحفظ له وأحفظ معه ثم يذهب إلى الشيخ كمال الدين فيقرأ درسه ويشرح له وأنا أسمع وتخرجت إلى أن صرت أسبقه في الحفظ والفهم وأصرف أكثر الليل في الحفظ والتكرار وأقمنا على ذلك برهة كلما جاء حفظي كثر وجاد وفهمي قوي واستنار وذهني احتد واستقام وأنا ألازم الشيخ وشيخ الشيخ وأول ما ابتدأت حفظت اللمع في ثمانية أشهر أسمع كل يوم شرح أكثرها مما يقرؤه غيري وأنقلب إلى بيتي فأطالع شرح الثمانين وشرح الشريف عمر بن حمزة وشرح ابن برهان وكل ما أجد من شروحها وأشرحها لتلاميذ يختصون بي إلى أن صرت أتكلم على كل باب كراريس ولا ينفذ ما عندي ثم حفظت أدب الكاتب لابن قتيبة حفظا متقنا أما النصف الأول ففي شهور وأما تقويم اللسان ففي أربعة عشر يوما لأنه كان أربعة عشر كراسا ثم حفظت مشكل القرآن له وغريب القرآن له وكل ذلك في مدة يسيرة ثم انتقلت إلى الإيضاح لأبي علي الفاسي فحفظته في شهور كثيرة ولازمت مطالعة شروحه وتتبعته التتبع التام حتى تبحرت فيه وجمعت ما قال الشراح وأما التكملة فحفظتها في أيام يسيرة كل يوم كراسا وطالعت الكتب المبسوطة والمختصرات وواظبت على المقتضب للمبرد وكتاب ابن درستويه وفي أثناء ذلك لا أغفل سماع الحديث والتفقه على شيخنا ابن فضلان بدار الذهب وهي مدرسة معلقة بناها فخر الدولة بن المطلب قال وللشيخ كمال الدين مائة تصنيف وثلاثون تصنيفا أكثرها في النحو وبعضها في الفقه والأصولين وفي التصوف والزهد وأتيت على أكثر تصانيفه سماعا وقراءة وحفظا وشرع في تصنيفين
684 كبيرين أحدهما في اللغة والآخر في الفقه ولم يتفق له إتمامها وحفظت عليه طائفة من كتاب سيبويه وأكببت على المقتضب فأتقنته وبعد وفاة الشيخ تجردت لكتاب سبيويه ولشرحه للسيرافي ثم قرأت على أبي عبيدة الكرخي كتبا كثيرة منها كتاب الأصول لابن السراج والنسخة في وقف ابن الخشاب برباط المأمونية وقرأت عليه الفرائض والعروض للخطيب التبريزي وهو من خواص تلاميذ ابن الشجري وأما ابن الخشاب فسمعت بقراءته معاني الزجاج على الكاتبة شهدة بنت الأبري وسمعت منه الحديث المسلسل وهو الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وقال أيضا موفق الدين البغدادي إن من مشايخه الذين انتفع بهم كما زعم ولد أمين الدولة بن التلميذ وبالغ في وصفه وكثر وهذا فلكثرة تعصبه للعراقيين وإلا فولد أمين الدولة لم يكن بهذه المثابة ولا قريبا منها وقال إنه ورد إلى بغداد رجل مغربي جوال في زي التصوف له أبهة ولسن مقبول الصورة عليه مسحة الدين وهيئة السياحة ينفعل لصورته من رآه قبل أن يخبره ويعرف بابن نائلي يزعم أنه من أولاد المتلثمة خرج من المغرب لما استولى عليها عبد المؤمن فلما استقر ببغداد اجتمع إليه جماعة من الأكابر والأعيان وحضره الرضي القزويني وشيخ الشيوخ ابن سكينة وكنت واحدا ممن حضره فأقرأني مقدمة حساب ومقدمة ابن بابشاد في النحو وكان له طريق في التعليم عجيب ومن يحضره يظن أنه متبحر وإنما كان متطرفا ولكنه أمعن في كتب الكيمياء والطلسمات وما يجري مجراها وأتى على كتب جابر بأسرها وعلى كتب ابن وحشية وكان يجلب القلوب بصورته ومنطقه وإيهامه فملأ قلبي شوقا إلى العلوم كلها واجتمع بالإمام الناصر لدين الله وأعجبه ثم سافر وأقبلت على الاشتغال وشمرت ذيل الجد والاجتهاد وهجرت النوم واللذات وأكببت على كتب الغزالي المقاصد والمعيار والميزان ومحك النظر ثم انتقلت إلى كتب ابن سينا صغارها وكبارها وحفظت كتاب النجاة وكتبت الشفاء وبحثت فيه وحصلت كتاب التحصيل لبهمنيار تلميذ ابن سينا وكتبت وحصلت كثيرا من كتب جابر بن حيان الصوفي وابن وحشية وباشرت عمل الصنعة الباطلة وتجارب الضلال الفارغة وأقوى من أضلني ابن سينا بكتابه في الصنعة التي تمم به فلسفته التي لا تزداد بالتمام إلا نقصا
685 قال ولما كان في سنة خمس وثمانين وخمسمائة حيث لم يبق ببغداد من يأخذ بقلبي ويملأ عيني ويحل ما يشكل عليه دخلت الموصل فلم أجد فيها بغيتي لكن وجدت الكمال بن يونس جيدا في الرياضيات والفقه متطرفا من باقي أجزاء الحكمة قد استغرق عقله ووقته حب الكيمياء وعملها حتى صار يستخف بكل ما عداها واجتمع إلي جماعة كثيرة وعرضت علي مناصب فاخترت منها مدرسة ابن مهاجر المعلقة ودار الحديث التي تحتها وأقمت بالموصل سنة في اشتغال دائم متواصل ليلا ونهارا وزعم أهل الموصل أنهم لم يروا من أحد قبلي ما رأوا مني من سعة المحفوظ وسرعة وسكون الطائر وسمعت الناس يهرجون في حديث الشهاب السهروردي المتفلسف ويعتقدون أنه قد فاق الأولين والآخرين وأن تصانيفه فوق تصانيف القدماء فهممت لقصده ثم أدركني التوفيق فطلبت من ابن يونس شيئا من تصانيفه وكان أيضا معتقدا فيها فوقعت على التلويحات واللمحة والمعارج فصادفت فيها ما يدل على جهل أهل الزمان ووجدت لي تعاليق كثيرة لا أرتضيها هي خير من كلام هذا الأنوك وفي أثناء كلامه يثبت حروفا مقطعة يوهم بها أمثاله أنها أسرار إلهيه قال ولما دخلت دمشق وجدت فيها من أعيان بغداد والبلاد ممن جمعهم الإحسان الصلاحي جمعا كثيرا منهم جمال الدين عبد اللطيف ولد الشيخ أبي النجيب وجماعة بقيت من بيت رئيس الرؤساء وابن طلحة الكاتب وبيت ابن جهير وابن العطار المقتول الوزير وابن هبيرة الوزير واجتمعت بالكندي البغدادي النحوي وجرى بيننا مباحثات وكان شيخا بهيا ذكيا مثريا له جانب من السلطان لكنه كان معجبا بنفسه مؤذيا لجليسه وجرت بيننا مباحثات فأظهرني الله تعالى عليه في مسائل كثيرة ثم إني أهملت جانبه فكان يتأذى بإهمالي له أكثر مما يتأذى الناس منه وعملت بدمشق تصانيف جمة منها غريب الحديث الكبير جمعت فيه غريب أبي عبيد القاسم بن سلام وغريب ابن قتيبة وغريب الخطابي وكنت ابتدأت به في الموصل وعملت له مختصرا سميته المجرد وعملت كتاب الواضحة في إعراب الفاتحة نحو عشرين كراسا وكتاب الألف واللام وكتاب رب وكتابا في الذات والصفات الذاتية الجارية على السنة المتكلمين وقصدت بهذه المسألة الرد على الكندي ووجدت بدمشق الشيخ عبد الله بن نائلي نازلا بالماذنة الغربية وقد عكف عليه جماعة وتحزب الناس فيه حزبين له وعليه فكان الخطيب الدولعي عليه وكان من الأعيان له منزلة وناموس ثم خلط ابن نائلي على نفسه فأعان عدوه عليه وصار يتكلم في الكيمياء والفلسفة وكثر التشنيع عليه واجتمعت به فصار يسألني عن أعمال اعتقد أنها خسيسة نزرة فيعظمها ويحتفل بها ويكتبها مني
686 وكاشفته فلم أجده كما كان في نفسي فساء به ظني وبطريقه ثم باحثته في العلوم فوجدت عنده منها أطرافا نزرة فقلت له يوما لو صرفت زمانك الذي ضيعته في طلب الصنعة إلى بعض العلوم الشرعية أو العقلية كنت اليوم فريد عصرك مخدوما طول عمرك وهذا هو الكيمياء لا ما تطلبه ثم اعتبرت بحاله وانزجرت بسوء ماله والسعيد من وعظ بغيره فأقلعت ولكن لا كل الإقلاع ثم إنه توجه إلى صلاح الدين بظاهر عكا يشكو إليه الدولعي وعاد مريضا وحمل إلى البيمارستان فمات به وأخذ كتبه المعتمد شحنة دمشق وكان متيما بالصنعة ثم إني توجهت إلى زيارة القدس ثم إلى صلاح الدين بظاهر عكة فاجتمعت ببهاء الدين بن شداد قاضي العسكر يومئذ وكان قد اتصل به شهرتي بالموصل فانبسط إلي وأقبل علي وقال نجتمع بعماد الدين الكاتب فقمنا إليه وخيمته إلى خيمة بهاء الدين فوجدته يكتب كتابا إلى الديوان العزيز بقلم الثلث من غير مسودة وقال هذا كتاب إلى بلدكم وذاكرني في مسائل من علم الكلام وقال قوموا بنا إلى القاضي الفاضل فدخلنا عليه فرأيت شيخا ضئيلا كله رأس وقلب وهو يكتب ويملي على اثنين ووجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات لقوة حرصه في إخراج الكلام وكأنه يكتب بجملة أعضائه وسألني القاضي الفاضل عن قوله سبحانه وتعالى * (حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها) * أين جواب إذا وأين جواب لو في قوله تعالى * (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) * وعن مسائل كثيرة ومع هذا فلا يقطع الكتابة والإملاء وقال لي ترجع إلى دمشق وتجري عليك الجرايات فقلت أريد مصر فقال السلطان مشغول القلب بأخذ الفرنج عكا وقتل المسلمين بها فقلت لا بد لي من مصر فكتب لي ورقة صغيرة إلى وكيله بها فلما دخلت القاهرة جاءني وكيله وهو ابن سناء الملك وكان شيخا جليل القدر نافذ الأمر فأنزلني دارا قد أزيحت عللها وجاءني بدنانير وغلة ثم مضى إلى أرباب الدولة وقال هذا ضيف القاضي الفاضل فدرت الهدايا والصلات من كل جانب وكان كل عشرة أيام أو نحوها تصل تذكرة القاضي الفاضل إلى ديوان مصر بمهمات الدولة وفيها فصل يؤكد الوصية في حقي وأقمت بمسجد الحاجب لؤلؤ رحمه الله أقرئ وكان قصدي في مصر ثلاثة أنفس ياسين السيميائي والرئيس موسى بن ميمون اليهودي وأبو القاسم الشارعي وكلهم جاؤوني أما ياسين فوجدته محاليا كذابا مشعبذا يشهد للشاقاني بالكيمياء ويشهد له الشاقاني بالكيمياء ويقول عنه أنه يعمل أعمالا يعجز موسى ابن عمران عنها وأنه يحضر الذهب المضروب متى شاء وبأي مقدار شاء وبأي سكة شاء وأنه يجعل ماء النيل خيمة ويجلس فيه وأصحابه تحتها وكان ضعيف الحال وجاءني موسى فوجدته فاضلا في الغاية قد غلب عليه حب الرياسة وخدمة أرباب الدنيا وعمل كتابا في الطب جمعه من الستة عشر لجالينوس ومن خمسة كتب أخرى وشرط أن لا يغير فيه حرفا إلا أن يكون واو عطف أو فاء وصل وإنما ينقل فصولا لا يختارها وعمل كتابا لليهود سماه الدلالة ولعن من يكتبه بغير القلم العبراني ووقفت عليه فوجدته كتاب سوء يفسد أصول الشرائع والعقائد بما يظن أنه يصلحها
687 وكنت ذات يوم بالمسجد وعندي جمع كثير فدخل شيخ رث الثياب نير الطلعة مقبول الصورة فهابه الجمع ورفعوه فوقهم وأخذت في إتمام كلامي فلما تصرم المجلس جاءني أمام المسجد وقال أتعرف هذا الشيخ هذا أبو القاسم الشارعي فاعتنقته وقلت إياك أطلب فأخذته إلى منزلي وأكلنا الطعام وتفاوضنا الحديث فوجدته كما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين سيرته سيرة الحكماء العقلاء وكذا صورته وقد رضي من الدنيا ببرض لا يتعلق منها بشيء يشغله عن طلب الفضيلة ثم لازمني فوجدته قيما بكتب القدماء وكتب أبي ناصر الفرابي ولم يكن لي اعتقاد في أحد من هؤلاء لأني كنت أظن أن الحكمة كلها حازها ابن سينا وحشاها كتبه وإذا تفاوضنا الحديث أغلبه بقوة الجدل وفضل اللسن ويغلبني بقوة الحجة وظهور المحجة وأنا لا تلين قناتي لغمزه ولا أحيد عن جادة الهوى والتعصب برمزه فصار يحضرني شيئا بعد شيء من كتب أبي نصر والإسكندر ثامسطيوس يؤنس نفاري ويلين عريكة شماسي حتى عطفت عليه أقدم رجل وأؤخر أخرى وشاع أن صلاح الدين هادن الفرنج وعاد إلى القدس فقادتني الضرورة إلى التوجه إليه فأخذت من كتب القدماء ما أمكنني وتوجهت إلى القدس فرأيت ملكا عظيما يملأ العين روعة والقلوب محبة قريبا بعيدا سهلا محببا وأصحابه يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * وأول ليل حضرته وجدت مجلسا حفلا بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم وهو يحسن الاستماع والمشاركة ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق ويتفقه في ذلك ويأتي بكل معنى بديع وكان مهتما في بناء سور القدس وحفر خندقه يتولى ذلك بنفسه وينقل الحجارة على عاتقه ويتأسى به جميع الناس الفقراء والأغنياء والأقوياء والضعفاء حتى العماد الكاتب والقاضي الفاضل ويركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر ويأتي داره ويمد الطعام ثم يستريح ويركب العصر ويرجع في المساء ويصرف أكثر الليل في تدبير ما يعمل نهارا فكتب لي صلاح الدين بثلاثين دينارا في كل شهر على ديوان الجامع وأطلق أولاده رواتب حتى تقرر لي في كل شهر مائة دينار ورجعت إلى دمشق وأكببت على الاشتغال وإقراء الناس بالجامع وكلما أمعنت في كتب القدماء ازددت فيها رغبة وفي كتب ابن سينا زهادة وأطلعت على بطلان الكيمياء وعرفت حقيقة الحال في وضعها ومن وضعها وتكذب بها وما كان قصده في ذلك وخلصت من ضلالين عظيمين موبقين وتضاعف شكري لله سبحانه على ذلك فإن أكثر الناس إنما هلكوا بكتب ابن سينا وبالكيمياء ثم إن صلاح الدين دخل دمشق وخرج يودع الحاج ثم رجع فحم ففصده من لا خبرة عنده فخارت القوة ومات قبل الرابع عشر ووجد الناس عليه شبيها بما يجدونه على الأنبياء وما رأيت ملكا حزن الناس بموته سواه لأنه كان محبوبا يحبه البر والفاجر والمسلم والكافر ثم تفرق أولاده
688 وأصحابه أيادي سبأ ومزقوا في البلاد كل ممزق وأكثرهم توجه إلى مصر لخصبها وسعة صدر ملكها وأقمت بدمشق وملكها الملك الأفضل وهو أكبر الأولاد في السن إلى أن جاء الملك العزيز بعساكر مصر يحاصر أخاه بدمشق فلم ينل منه بغية ثم تأخر إلى مرج الصفر لقولنج عرض له فخرجت إليه بعد خلاصه منه فأذن لي في الرحيل معه وأجرى علي من بيت المال كفايتي وزيادة وأقمت مع الشيخ أبي القاسم يلازمني صباح مساء إلى أن قضى نحبه ولما اشتد مرضه وكان ذات الجنب عن نزلة من رأسه وأشرت عليه بدواء فأنشد (لا أذود الطير عن شجر * قد بلوت المر من ثمره) المديد ثم سألته عن ألمه فقال (ما لجرح بميت إيلام *) الخفيف وكان سيرتي في هذه المدة أنني أقرئ الناس بالجامع الأزهر من أول النهار إلى نحو الساعة الرابعة وسط النهار يأتي من يقرأ الطب وغيرهم وآخر النهار أرجع إلى الجامع الأزهر فيقرأ قوم آخرون وفي الليل اشتغل مع نفسي ولم أزل على ذلك إلى أن توفي الملك العزيز وكان شابا كريما شجاعا كثير الحياء لا يحسن قول لا وكان مع حداثة سنه وشرخ شبابه كامل العفة عن الأموال والفروج أقول ثم إن الشيخ موفق الدين أقام بالقاهرة بعد ذلك مدة وله الرتب والجرايات من أولاد الملك الناصر صلاح الدين وأتى إلى مصر ذلك الغلاء العظيم والموتان الذي لم يشاهد مثله وألف الشيخ موفق الدين في ذلك كتابا ذكر فيه أشياء شاهدها أو سمعها ممن عاينها تذهل العقل وسمى ذلك الكتاب كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر ثم لما ملك السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب الديار المصرية وأكثر الشام والشرق وتفرقت أولاد أخيه الملك الناصر صلاح الدين وانتزع ملكهم توجه الشيخ موفق الدين إلى القدس وأقام بها مدة وكان يتردد إلى الجامع الأقصى ويشتغل الناس عليه بكثير من العلوم وصنف هنالك كتبا كثيرة ثم أنه توجه إلى دمشق ونزل بالمدرسة العزيزية بها وذلك في سنة أربع وستمائة وشرع في التدريس والاشتغال وكان يأتيه خلق كثير يشتغلون عليه ويقرأون أصنافا من العلوم وتميز في صناعة الطب بدمشق صنف في هذا الفن كتبا كثيرة وعرف به وأما قبل ذلك فإنما كانت شهرته بعلم النحو وأقام بدمشق مدة وانتفع الناس به ثم أنه سافر إلى حلب وقصد بلاد الروم
689 وأقام بها سنين كثيرة وكان في خدمة الملك علاء الدين داود بن بهران صاحب أرزنجان وكان مكينا عنده عظيم المنزلة وله من الجامكية الوافرة والافتقادات الكثيرة وصنف باسمه عدة كتب وكان هذا الملك عالي الهمة كثير الحياء كريم النفس وقد اشتغل بشيء من العلوم ولم يزل في خدمته إلى أن استولى على ملكه صاحب أرزن الروم وهو السلطان كيقباد بن كيخسرو ابن قلج أرسلان ثم قبض على صاحب أرزنجان ولم يظهر له خبر قال الشيخ موفق الدين عبد اللطيف ولما كان في سابع عشر ذي القعدة من سنة خمس وعشرين وستمائة توجهت إلى أرزن الروم وفي حادي صفر من سنة ست وعشرين وستمائة رجعت إلى أرزنجان من أرزن الروم وفي نصف ربيع الأول توجهت إلى كماخ وفي جمادى الأولى توجهت منها إلى دبركي وفي رجب توجهت منها إلى ملطية وفي آخر رمضان توجهت إلى حلب وصلينا صلاة عيد الفطر بالبهنساء ودخلنا حلب يوم الجمعة تاسع شوال فوجدناها قد تضاعفت عمارتها وخيرها بحسن سيرة أتابك شهاب الدين واجتمع الناس على محبته لمعدلته في رعيته أقول وأقام الشيخ موفق الدين بحلب والناس يشتغلون عليه وكثرت تصانيفه وكان له من شهاب الدين طغريل الخادم أتابك حلب جار حسن وهو متنحل لتدريس صناعة الطب وغيرها ويتردد إلى الجامع بحلب ليسمع الحديث ويقرئ العربية وكان دائم الاشتغال ملازما للكتابة والتصانيف ولما أقام بحلب قصدت إني أتوجه إليه واجتمع به فلم يتفق ذلك وكانت كتبه أبدا تصل إلينا ومراسلاته وبعث إلي أشياء من تصانيفه من خطه وهذه نسخة كتاب كتبته إليه لما كان بحلب المملوك يواصل بدعائه وثنائه وشكره وانتمائه إلى عبودية المجلس السامي المولوي السيدي السندي الأجل الكبيري العالمي الفاضلي موفق الدين سيد العلماء في الغابرين والحاضرين جامع العلوم المتفرقة في العالمين ولي أمير المؤمنين أوضح الله به سبل الهداية وأنار ببقائه طرق الدراية وحقق بحقائق ألفاظه صحيح الولاية ولا زالت سعادته دائمة البقاء وسيادته سامية الارتقاء وتصانيفه في الآفاق قدوة العلماء وعمدة سائر الأدباء والحكماء المملوك يجدد الخدمة ويهدي من السلام أطيبه ومن الشكر والثناء أعذبه وينهي ما يكابده من أليم التطلع إلى مشاهدة أنوار شمسه المنيرة وما يعانيه من الارتياح إلى ملاحظة شريف حضرته الأثيرة وما تزايد من القلق وتعاظم عند سماعه قرب المزار من الأرق (وأبرح ما يكون الشوق يوما * إذا دنت الديار من الديار) الوافر ولولا قفول الركاب العالي ووصول الجناب الموفق الجلالي لسارع المملوك إلى الوصول
690 ولبادر المبادرة بالمثول ولجاء إلى شريف خدمته وفاز بالنظر إلى بهي طلعته فيا سعادة من فاز بالنظر إليه ويا بشرى من مثل بين يديه ويا سرور من حظي بوجه إقباله عليه ومن ورد بحار فضله من غيرها واستضاء بشمس علمه فسرى في ضياء منيرها نسأل الله تعالى تقريب الاجتماع وتحصيل الجمع بين مسرتي الإبصار والإسماع بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى ومن مراسلات الشيخ موفق الدين عبد اللطيف أنه بعث إلى أبي في أول كتاب وهو يقول فيه عندي ولد الولد أعز من الولد وهذا موفق الدين ولد ولدي وأعز الناس عندي وما زالت النجابة تتبين لي فيه من الصغر ووصف وأثنى كثيرا وقال فيه ولو أمكنني أن آتي إليه بالقصد ليشتغل علي لفعلت وبالجملة فإنه كان قد عزم أن يأتي إلى دمشق ويقيم بها ثم خطر له أنه قبل ذلك يحج ويجعل طريقه على بغداد وأن يقدم بها للخليفة المستنصر بالله أشياء من تصانيفه ولما وصل بغداد مرض في أثناء ذلك وتوفي رحمه الله يوم الأحد ثاني عشر المحرم سنة تسع وعشرين وستمائة ودفن بالوردية عند أبيه وذلك بعد أن خرج من بغداد وبقي غائبا عنها خمسا وأربعين سنة ثم إن الله تعالى ساقه إليها وقضى منيته بها ومن كلام موفق الدين عبد اللطيف البغدادي مما نقلته من خطه قال ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلة إذا آويت إلى منامك وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنة فتشكر الله عليها وما اكتسبت من سيئة فتستغفر الله منها وتقلع عنها وترتب في نفسك مما تعمله في غدك من الحسنات وتسأل الله الإعانة على ذلك وقال أوصيك أن لا تأخذ العلوم من الكتب وإن وثقت من نفسك بقوة الفهم وعليك بالأستاذين في كل علم تطلب اكتسابه ولو كان الأستاذ ناقصا فخذ عنه ما عنده حتى تجد أكمل منه وعليك بتعظيمه وتوجيبه وإن قدرت أن تفيده من دنياك فافعل وإلا فبلسانك وثنائك وإذا قرأت كتابا فاحرص كل الحرص على أن تستظهره وتملك معناه وتوهم أن الكتاب قد عدم وإنك مستغن عنه لا تحزن لفقده وإذا كنت مكبا على دراسة كتاب وتفهمه فإياك أن تشتغل بآخر معه ولصرف الزمان الذي تريد صرفه في غيره إليه وإياك أن تشتغل بعلمين دفعة واحدة وواظب على العلم الواحد سنة أو سنتين أو ما شاء الله فإذا قضيت منه وطرك فانتقل إلى علم آخر ولا تظن أنك إذا حصلت علما فقد اكتفيت بل تحتاج إلى مراعاته لينمو ولا ينقص ومراعاته تكون بالذاكرة والتفكر واشتغال المبتدئ بالتلفظ والتعلم ومباحثة الأقران واشتغال العالم بالتعليم والتصنيف وإذا تصديت لتعليم علم أو للمناظرة فيه فلا تمزج به غيره من العلوم فإن كل علم مكتف بنفسه مستغن عن غيره فإن استعانتك في علم بعلم عجز عن استيفاء أقسامه كمن يستعين بلغة في لغة أخرى إذا علمها أو جهل بعضها قال وينبغي للإنسان أن يقرأ التواريخ وأن يطلع على السير وتجارب الأمم فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم
691 قال وينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول فاقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتتبع أفعاله وأحواله واقتف آثاره وتشبه به ما أمكنك وبقدر طاقتك وإذا وقفت على سيرته في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرضه وتطببه وتمتعه وتطيبه ومعاملته مع ربه ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه وفعلت اليسير من ذلك فأنت السعيد كل السعيد قال وينبغي أن تكثر إيهامك لنفسك ولا تحسن الظن بها وتعرض خواطرك على العلماء وعلى تصانيفهم وتتثبت ولا تعجل ولا تعجب فمع العجب العثار ومع الاستبداد الزلل ومن لم يعرق جبينه إلى أبواب العلماء لم يعرق في الفضيلة ومن لم يخجلوه لم يبجله الناس ومن لم يبكتوه لم يسد ومن لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم ومن لم يكدح لم يفلح وإذا خلوت من التعلم والتفكر فحرك لسانك بذكر الله وبتسابيحه وخاصة عند النوم فيتشربه لبك ويتعجن في خيالك وتكلم به في منامك وإذا حدث لك فرح وسرور ببعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصناف المنغصات وإذا أحزنك أمر فاسترجع وإذا اعترتك غفلة فاستغفر واجعل الموت نصب عينك والعلم والتقى زادك في الآخرة وإذا أردت أن تعصي الله فاطلب مكانا لا يراك فيه واعلم أن الناس عيون الله على العبد يريهم خيره وإن أخفاه وشره وأن ستره فباطنه مكشوف لله والله يكشفه لعباده فعليك أن تجعل باطنك خيرا من ظاهرك وسرك أصبح من علانيتك ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا فلو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل وقلما يتعمق في العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جدا أو أن يثري بعد تحصيل العلم وإني لا أقول أن الدنيا تعرض عن طالب العلم بل هو الذي يعرض عنها لأن همته مصروفة إلى العلم فلا يبقى له التفات إلى الدنيا والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر في وجوهها فإذا غفل عن أسبابها لم تأته وأيضا فإن طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنية وعن أصناف التجارات وعن التذلل لأرباب الدنيا والوقوف على أبوابهم ولبعض إخواني بيت شعر (من جد في طلب العلوم أفاته * شرف العلوم دناءة التحصيل) الكامل وجميع طرق مكاسب الدنيا تحتاج إلى فراغ له وحذق فيها وصرف الزمان إليها والمشتغل بالعلم لا يسعه شيء من ذلك وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب وتطلبه من غير أن يطلبها طلب مثلها وهذا ظلم منه وعدوان ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهر به خطب من كل جهة وعرضت عليه المناصب وجاءته الدنيا صاغرة وأخذها وماء وجهه موفورا وعرضه ودينه مصون واعلم أن للعلم عقبة وعرفا ينادي على صاحبه ونورا وضياء يشرق عليه ويدل عليه كتاجر المسك لا يخفى مكانه ولا تجهل بضاعته وكمن يمشي بمشعل في ليل مدلهم والعالم مع هذا محبوب أينما كان وكيفما كان لا يجد إلا من يميل إليه ويؤثر قربه ويأنس به ويرتاح بمداناته واعلم أن العلوم تغور ثم تفور في زمان بمنزلة النبات أو عيون المياه وتنتقل من قوم إلى قوم ومن صقع إلى صقع
692 ومن كلامه أيضا نقلته من خطه قال اجعل كلامك في الغالب بصفات أن يكون وجيزا فصيحا في معنى مهم أو مستحسن فيه إلغاز تام وإيهام كثير أو قليل ولا تجعله مهملا ككلام الجمهور بل ارفعه عنه ولا تباعده عليهم جدا وقال إياك والهذر والكلام فيما لا يعني وإياك والسكوت في محل الحاجة ورجوع النوبة إليك إما لاستخراج حق أو اجتلاب مودة أو تنبيه على فضيلة وإياك والضحك مع كلامك وكثرة الكلام وتبتير الكلام بل اجعل كلامك سردا بسكون بحيث يستشعر منك أن وراءه أكثر منه وأنه عن خميرة سابقة ونظر متقدم وقال إياك والغلظة في الخطاب والجفاء في المناظرة فإن ذلك يذهب ببهجة الكلام ويسقط فائدته ويعدم حلاوته ويجلب الضغائن ويمحق المودات ويصير القائل مستثقلا سكوته وأشهى إلى السامع من كلامه ويثير النفوس على معاندته ويبسط الألسن بمخاشنته وإذهاب حرمته وقال لا تترفع بحيث تستثقل ولا تتنازل بحيث تستخس وتستحقر وقال اجعل كلامك كله جدلا واجب من حيث تعقل لا من حيث تعتاد وتألف وقال انتزح عن عادات الصبا وتجرد عن مألوفات الطبيعة واجعل كلامك لاهوتيا في الغالب لا ينفك من خبر أو قرآن أو قول حكيم أو بيت نادر أو مثل سائر وقال تجنب الوقيعة في الناس وثلب الملوك والغلظة على المعاشر وكثرة الغضب وتجاوز الحد فيه وقال استكثر من حفظ الأشعار الأمثالية والنوادر الحكمية والمعاني المستغربة ومن دعائه رحمه الله قال اللهم أعذنا من شموس الطبيعة وجموح النفس الردية واسلس لنا مقاد التوفيق وخذ بنا في سواء الطريق يا هادي العمي يا مرشد الضلال يا محيي القلوب الميتة بالإيمان يا منير ظلمة الضلالة بنور الإتقان خذ بأيدينا من مهواة الهلكة نجنا من ردغة الطبيعة طهرنا من درن الدنيا الدنية بالإخلاص لك والتقوى إنك مالك الآخرة والدنيا وتسبيح أيضا له قال سبحان من عم بحكمته الوجود واستحق بكل وجه أن يكون هو المعبود تلألأت بنور جلالك الأفاق وأشرقت شمس معرفتك على النفوس إشراقا وأي إشراق ولموفق الدين عبد اللطيف البغدادي من الكتب كتاب غريب الحديث جمع فيه غريب أبي عبيد القاسم بن سلام وغريب ابن قتيبة وغريب الخطابي كتاب المجرد من غريب الحديث كتاب الواضحة في إعراب الفاتحة كتاب الألف واللام مسألة في قوله سبحانه إذا أخرج يده لم يكد يراها مسألة نحوية مجموع مسائل نحوية وتعاليق كتاب رب شرح بانت سعاد كتاب ذيل الفصيح الكلام في الذات والصفات الذاتية الجارية على ألسنة المتكلمين شرح أوائل المفصل
693 خمس مسائل نحوية شرح مقدمة ابن بابشاذ وسماه باللمع الكاملية شرح الخطب النباتية شرح الحديث المتسلسل شرح سبعين حديثا شرح أربعين حديثا طبية كتاب الرد على ابن الخطيب الري في تفسير سورة الإخلاص كتاب كشف الظلامة عن قدامة شرح نقد الشعر لقدامة أحاديث مخرجة من الجمع بين الصحيحين كتاب اللواء العزيز باسم الملك العزيز في الحديث كتاب قوانين البلاغة عمله بحلب سنة خمس عشر وستمائة حواش على كتاب الخصائص لابن جني كتاب الأنصاف بين ابن بري وابن الخشاب على المقامات للحريري وانتصار ابن بري للحريري مسألة في قولهم أنت طالق في شهر قبل ما بعد قبلة رمضان تفسير قوله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن كتاب قبسة العجلان في النحو اختصار كتاب الصناعتين للعسكري اختصار كتاب العمدة لابن رشيق مقالة في الوفق كتاب الجلي في الحساب الهندي اختصار كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري وكتاب آخر في فنه مثله اختصار مادة البقاء للتميمي كتاب الفصول وهو بلغة الحكيم سبع مقالات فرغ منه في شهر رمضان سنة ثمان وستمائة شرح كتاب الفصول لأبقراط شرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط اختصار وشرح جالينوس لكتب الأمراض الحادة لأبقراط اختصار كتاب الحيوان لأرسطوطاليس تهذيب مسائل ما بال لأرسطوطاليس كتاب آخر في فنه مثله اختصار كتاب منافع الأعضاء لجالينوس اختصار كتاب آراء أبقراط وأفلاطن اختصار كتاب الجنسين اختصار كتاب الصوت اختصار كتاب المني اختصار كتاب آلات التنفس اختصار كتاب العضل اختصار كتاب الحيوان للجاحظ كتاب في آلات التنفس وأفعالها ست مقالات مقالة في قسمة الحميات وما يتقوم به كل واحد منها وكيفية تولدها كتاب النخبة وهو خلاصة الأمراض الحادة اختصار كتاب الحميات للإسرائيلي اختصار كتاب البول للإسرائيلي اختصار كتاب النبض للإسرائيلي كتاب أخبار مصر الكبير كتاب أخبار مصر الصغير مقالتان وترجمة كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر وفرغ من تأليفه في العاشر من شعبان سنة ثلاث وستمائة بالبيت المقدس كتاب تاريخ وهو يتضمن سيرته ألفه لولده شرف الدين يوسف مقالة في العطش مقالة في الماء مقالة في إحصاء مقاصد واضعي الكتب في كتبهم وما يتبع ذلك من المنافع والمضار مقالة في معنى الجوهر والعرض مقالة موجزة في النفس مقالة في الحركات المعتاضة مقالة في العادات الكلمة في الربوبية مقالة تشتمل عل أحد عشر بابا في حقيقة الدواء والغذاء ومعرفة طبقاتها وكيفية تركيبها مقالة في البادئ بصناعة الطب مقالة في شفاء الضد بالضد مقالة في ديابيطس والأدوية النافعة منه مقالة في الراوند حررها بحلب في جمادى الآخرة من سنة سبع عشرة وستمائة وكان قد وضعها سنة خمس وتسعين وخمسمائة مقالة في السقنقور مقالة في الحنطة مقالة في الشراب والكرم مقالة في البحران صغيرة رسالة إلى مهندس فاضل عملي كتب بها من مدينة حلب اختصار كتاب الأدوية المفردة لابن وافد اختصار كتاب الأدوية المفردة لابن سمحون كتاب كبير في الأدوية
694 المفردة مختصر في الحميات مقالة في المزاج كتاب الكفاية في التشريح كتاب الرد على ابن الخطيب في شرحه بعض كليات القانون وألف كتابه هذا لعمي رشيد الدين علي بن خليفة رحمه الله وأرسله إليه وكان تأليفه لذلك بحلب قبل توجهه إلى بلاد الروم كتاب تعقب حواشي ابن جميع على القانون مقالة يرد فيها على كتاب علي بن رضوان المصري في اختلاف جالينوس وأرسطوطاليس مقالة في الحواس مقالة في الكلمة والكلام كتاب السبعة كتاب تحفة الآمل مقالة في الرد على اليهود والنصارى مقالتان أيضا في الرد على اليهود والنصارى مقالة في ترتيب المصنفين كتاب الحكمة العلائية ذكر فيه أشياء حسنة في العلم الإلهي وألف كتابه هذا لعلاء الدين داود بن بهرام صاحب أرزنجان مقالة على جهة التوطئة في المنطق حواش على كتاب البرهان للفارابي كتاب الترياق فصول منتزعة من كلام الحكماء حل شيء من شكوك الرازي على كتب جالينوس كتاب المراقي إلى الغاية الإنسانية ثمان مقالات مقالة في ميزان الأدوية المركبة من جهة الكميات مقالة في موازنة الأدوية والأدواء من جهة الكيفيات مقالة في تعقب أوزان الأدوية مقالة أخرى في المعنى وكشف شبه وقعت لبعض العلماء مقالة في المعنى في جواب ثلاث مسائل مقالة سادسة مختصرة مقالة تتعلق بموازين الأدوية الطبية في المركبات قول أيضا في المعنى مقالة في التنفس والصوت والكلام مقالة في اختصار كلام جالينوس في سياسة الصحة انتزاعات من كتاب ديسقوريدس في صفات الحشائش انتزاعات أخرى في منافعها مقالة في تدبير الحرب كتبها لبعض ملوك زمانه في سنة ثلاث وعشرين وستمائة ووجدته أيضا وقد ترجمها مقالة في السياسة العملية كتاب العمدة في أصول السياسة مقالة في جواب مسألة سئل عنها في ذبح الحيوان وقتله وهل ذلك سائغ في الطبع وفي العقل كما هو سائغ في الشرع مقالتان في المدينة الفاضلة مقالة في العلوم الضارة رسالة في الممكن مقالتان مقالة في الجنس والنوع أجاب بها في دمشق سؤال سائل في سنة أربع وستمائة الفصول الأربعة المنطقية تهذيب كلام أفلاطن حكم منثورة أيساغوجي مبسوط الواقعات مقالة في النهاية واللانهاية كتاب تأريث الفطن في المنطق والطبيعي والإلهي مقالة في كيفية استعمال المنطق وكتب بهذه المقالة إلي من بلاد الروم مقالة في حد الطب مقالة في البادئ بصناعة الطب مقالة في أجزاء المنطق التسعة مجلد كبير مقالة في القياس كتاب في القياس خمسون كراسا ثم أضيف إليه المدخل والمقولات والعبارة والبرهان فجاء مقداره أربع مجلدات مقالة في جواب مسألة في التنبيه على سبل السعادة الطبيعيات من السماع إلى آخر كتاب الحس والمحسوس ثلاث مجلدات كتاب السماع الطبيعي مجلدان كتاب آخر في الطبيعيات من السماع إلى كتاب النفس كتاب العجيب حواش على كتاب الثمانية المنطقية للفارابي شرح الأشكال البرهانية من ثمانية أبي نصر مقالة في تزييف الشكل الرابع مقالة في تزييف ما يعتقده أبو علي بن سينا من وجود أقيسة شرطية تنتج نتائج شرطية مقالة في القياسات المختلطات والصرف بارير مانياس مبسوط مقالة في تزييف المقاييس الشرطية التي يظنها ابن سينا مقالة أخرى في المعنى أيضا
695 كتاب النصيحتين للأطباء والحكماء كتاب المحاكمة بين الحكيم والكيميائي رسالة في المعادن وأبطال الكيمياء مقالة في الحواس عهد إلى الحكماء اختصار كتاب الحيوان لابن أبي الأشعث اختصار القولنج لابن أبي الأشعث مقالة في السرسام مقالة في العلة المراقية مقالة في الرد على ابن الهيثم في المكان مختصر فيما بعد الطبيعية مقالة في النخل ألفها بمصر سنة تسع وتسعين وخمسمائة وبيضها بمدينة أرزنجان في رجب سنة خمس وعشرين وستمائة مقالة في اللغات وكيفية تولدها مقالة في الشعر مقالة في الأقيسة الوضعية مقالة في القدر مقالة في الملل الكتاب الجامع الكبير في المنطق والعلم الطبيعي والعلم الإلهي وهو زهاء عشر مجلدات التام تصنيفه في نحو نيف وعشرين سنة كتاب المدهش في أخبار الحيوان المتوج بصفات نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قال ابتدأت بكراسة منه بدمشق سنة سبع وستمائة وكمل في أربعة أشهر بحلب سنة ثمان وعشرين وستمائة وهو في مائة كراس كتاب الثمانية في المنطق وهو التصنيف الوسط أبو الحجاج يوسف الإسرائيلي مغربي الأصل من مدينة فاس وأتى إلى الديار المصرية وكان فاضلا في صناعة الطب والهندسة وعلم النجوم واشتغل في مصر بالطب على الرئيس موسى بن ميمون القرطبي وسافر يوسف بعد ذلك إلى الشام وأقام بمدينة حلب وخدم الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب وكان يعتمد عليه في الطب وخدم أيضا الأمير فارس الدين ميمون القصري ولم يزل أبو الحجاج يوسف مقيما في حلب ويدرس صناعة الطب إلى أن توفي بها ولأبي الحجاج يوسف الإسرائيلي من الكتب رسالة في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها شرح الفصول لأبقراط عمران الإسرائيلي هو الحكيم أوحد الدين عمران بن صدقة مولده بدمشق في سنة إحدى وستين وخمسمائة وكان أبوه أيضا طبيبا مشهورا واشتغل عمران على الشيخ رضي الدين الرحبي بصناعة الطب وتميز في علمها وعملها وصار من أكابر المتعينين من أهلها وحظي عند الملوك واعتمدوا عليه في المداواة والمعالجة ونال من جهتهم من الأموال الجسيمة والنعم ما يفوق الوصف وحصل من الكتب الطبية وغيرها ما لا يكاد يوجد عند غيره ولم يخدم أحدا من الملوك في الصحبة ولا تقيد معهم في سفر وإنما كل منهم إذا عرض له مرض أو لمن يعز عليه طلبه ولم يزل يعالجه ويطببه بألطف علاج وأحسن تدبير إلى أن يفرغ من مداواته ولقد حرص به الملك العادل أبو بكر بن أيوب بأن يستخدمه في
696 الصحبة فما فعل وكذلك غيره من الملوك وحدثني الأمير صارم الدين التبنيني رحمه الله أنه لما كان بالكرك وبه صاحب الكرك يومئذ الملك الناصر داود بن الملك المعظم وكان الملك الناصر قد توعك مزاجه واستدعى الحكيم عمران إليه من دمشق فأقام عنده مديدة وعالجه حتى صلح فخلع عليه ووهب له مالا كثيرا وقرر له جامكية في كل شهر ألفا وخمسمائة درهم ناصرية ويكون في خدمته وأن يسلف منها عن سنة ونصف سبعة وعشرين ألف درهم فما فعل أقول وكان السلطان الملك العادل لم يزل يصله بالإنعام الكثير وله منه الجامكية الوافرة والجراية وهو مقيم بدمشق ويتردد إلى خدمة الدور السلطانية بالقلعة وكذلك في أيام الملك المعظم وكان قد أطلق له أيضا جامكية وجراية تصل إليه ويتردد إلى البيمارستان الكبير ويعالج المرضى به وكان به أيضا في ذلك الوقت شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله وكان يظهر من اجتماعهما كل فضيلة ويتهيأ للمرضى من المداواة كل خير وكنت في ذلك الوقت أتدرب معهما في أعمال الطب ولقد رأيت من حسن تأتي الحكيم عمران في المعالجة وتحققه للأمراض ما يتعجب منه ومن ذلك أنه كان يوما قد أتى البيمارستان مفلوج والأطباء قد ألحوا عليه باستعمال المغالي وغيرها من صفاتهم فلما رآه وصف له في ذلك اليوم تدبيرا يستعمله ثم بعد ذلك أمر بفصده ولما فصد وعالجه صلح وبرأ برأ تاما كذلك أيضا رأيت له أشياء كثيرة من صفات مزاوير وألوان كان يصفها للمرضى على حسب ميل شهواتهم ولا يخرج عن مقتضى المداواة فينتفعون بها وهذا باب عظيم في العلاج ورأيته أيضا وقد عالج أمراضا كثيرة مزمنة كان أصحابها قد سئموا الحياة ويئس الأطباء من برئهم فبروا على يديه بأدوية غريبة يصفها ومعالجات بديعة عرفها وقد ذكرت من ذلك جملا في كتاب التجارب والفوائد وتوفي الحكيم عمران في مدينة حمص في شهر جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وستمائة وقد استدعاه صاحبها لمداواته موفق الدين يعقوب بن سقلاب نصراني كان أعلم أهل زمانه بكتب جالينوس ومعرفتها والتحقيق لمعانيها والدراية لها وكان من كثرة اجتهاده في صناعة الطب وشدة حرصه ومواظبته على القراءة والمطالعة لكتب جالينوس وجودة فطرته وقوة ذكائه أن جمهور كتب جالينوس وأقواله فيها كانت مستحضرة له في خاطره فكان مهما تكلم به في صناعة الطب على تفاريق أقسامها وتفنن مباحثها وكثرة جزئياتها إنما ينقل ذلك عن جالينوس ومهما سئل عنه في صناعة الطب من المسائل والمواضيع المستعصية وغيرها لا يجيب بشيء من ذلك إلا أن يقول قال جالينوس ويورد فيه أشياء من نصوص كلام جالينوس حتى كان يتعجب منه في ذلك وربما أنه في بعض الأوقات كان يذكر شيئا من كلام جالينوس ويقول هذا ما ذكره جالينوس في كذا وكذا ورقة من المقالة الفلانية من كتاب جالينوس ويسميه
697 ويعني به النسخة التي عنده وذلك لكثرة مطالعته إياها وأنسه بها ومما شاهدته في ذلك من أمره أنني كنت أقرأ عليه في أوائل اشتغالي بصناعة الطب ونحن في المعسكر المعظمي وكان أبي أيضا في ذلك الوقت في خدمة الملك المعظم رحمه الله شيئا من كلام أبقراط حفظا واستشراحا فكنت أرى من حسن تأتيه في الشرح وشدة استقصائه للمعاني بأحسن عبارة وأوجزها وأتمها معنى ما لا يجسر أحد على مثل ذلك ولا يقدر عليه ثم يذكر خلاصة ما ذكره وحاصل ما قاله حتى لا يبقى في كلام بقراط موضع إلا وقد شرحه شرحا لا مزيد عليه في الجودة ثم إنه يورد نص ما قاله جالينوس في شرحه لذلك الفصل على التوالي إلى آخر قوله ولقد كنت أراجع شرح جالينوس في ذلك فأجده قد حكى جملة ما قاله جالينوس بأسره في ذلك المعنى وربما ألفاظ كثيرة من ألفاظ جالينوس يوردها بأعيانها من غير أن يزيد فيها ولا ينقص وهذا شيء تفرد به في زمانه وكان في أوقات كثيرة لما أقام بدمشق يجتمع هو والشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي في الموضع الذي يجلس فيه الأطباء عند دار السلطان ويتباحثان في أشياء من الطب فكان الشيخ مهذب الدين أفصح عبارة وأقوى براعة وأحسن بحثا وكان الحكيم يعقوب أكثر سكينة وأبين قولا وأوسع نقلا لأنه كان بمنزلة الترجمان المستحضر لما ذكره جالينوس في سائر كتبه من صناعة الطب فأما معالجات الحكيم يعقوب فإنها كانت في الغاية من الجودة والنجح وذلك أنه كان يتحقق معرفة المرض أولا تحقيقا لا مزيد عليه ثم يشرع في مداواته بالقوانين التي ذكرها جالينوس مع تصرفه هو فيما يستعمله في الوقت الحاضر وكان شديد البحث واستقراء الأعراض بحيث أنه كان إذا افتقد مريضا لا يزال يستقصي منه عرضا عرضا وما يشكوه مما يجده من مرضه حالا حالا إلى أن لا يترك عرضا يستدل به على تحقيق المرض إلا ويعتبره فكانت أبدا معالجاته لا مزيد عليها في الجودة وكان الملك المعظم يشكر منه هذه الحالة ويصفه ويقول لو لم يكن في الحكيم يعقوب إلا شدة استقصائه في تحقيق الأمراض حتى يعالجها على الصواب ولا يشتبه عليه شيء من أمرها وكان الحكيم يعقوب أيضا متقنا للسان الرومي خبيرا بلغته ونقل معناه إلى العربي وكان عنده بعض كتب جالينوس مكتوبة بالرومي مثل حيلة البرء والعلل والأعراض وغير ذلك وكان أيضا ملازما لقراءتها والاشتغال بها وكان مولده بالقدس وأقام بها سنين كثيرة ولازم بها رجلا فاضلا فيلسوفا راهبا في دير السيق كان خبيرا بالعلم الطبيعي متقنا للهندسة وعلم الحساب قويا في علم أحكام النجوم والاطلاع عليها وكانت له أحكام صحيحة وإنذارات عجيبة وأخبرني الحكيم يعقوب عنه معرفته للحكمة وحسن فطرته وفطنته شيئا كثيرا واجتمع أيضا الحكيم يعقوب في القدس بالشيخ أبي منصور النصراني الطبيب واشتغل عليه وباشر معه أعمال صناعة الطب وانتفع به وكان الحكيم يعقوب من أتم الناس عقلا وأسدهم رأيا وأكثرهم سكينة ولما خدم الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب وصار معه في الصحبة كان حسن الاعتقاد فيه حتى أنه كان يعتمد عليه في كثير من الآراء الطبية وغيرها فينتفع بها ويحمد عواقبها وقصد الملك المعظم أن يوليه بعض
698 تدبير دولته والنظر في ذلك فما فعل واقتصر على مداومة صناعة الطب فقط وكان قد عرض للحكيم يعقوب في رجليه نقرس وكان يثور به في أوقات ويألم بسببه وتعسر عليه الحركة فكان الملك المعظم يستصحبه في أسفاره معه في محفة ويفتقده ويكرمه غاية الإكرام وله منه الجامكية السنية والإحسان الوافر وقال له يوما يا حكيم لم لا تداوي هذا المرض الذي في رجليك فقال يا مولانا الخشب إذا سوس ما يبقى في إصلاحه حيلة ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المعظم وكانت وفاته رحمه الله في الساعة الثالثة من نهار يوم الجمعة سلخ ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة بدمشق وملك بعده ولده الملك الناصر داود فدخل إليه الحكيم يعقوب ودعا له وذكره بقديم صحبته وسالف خدمته وأنه قد وصل إلى سن الشيخوخة والهرم والضعف وأنشده (أتيتكم وجلابيب الصبا قشب * فكيف أرحل عنكم وهي أسمال) (لي حرمة الضيف والجار القديم ومن * أتاكم وكهول الحي أطفال) البسيط وهذا الشعر لابن منقذ رحمه الله فأحسن إليه الملك الناصر إحسانا كثيرا وأطلق له مالا وكسوة وأمر بأن جميع ما قد كان له مقررا من الملك المعظم يستمر وأن لا يكلف لخدمة فبقي كذلك مديدة ثم توفي بدمشق في عيد الفصح للنصارى وذلك في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وستمائة سديد الدين أبو منصور هو الحكيم الأجل العالم أبو منصور ابن الحكيم موفق الدين يعقوب بن سقلاب من أفاضل الأطباء وأعيان العلماء متميز في علم صناعة الطب وعملها متقن لفصولها وجملها اشتغل على والده وعلى غيره بصناعة الطب وقرأ أيضا بالكرك على الإمام شمس الدين الخسروشاهي كثيرا من العلوم الحكمية وخدم الحكيم سديد الدين أبو منصور الملك الناصر صلاح الدين داود ابن الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب وأقام في صحبته بالكرك وكان مكينا عنده معتمدا عليه في صناعة الطب ثم أتى أبو منصور إلى دمشق وتوفي بها رشيد الدين ابن الصوري هو أبو المنصور بن أبي الفضل بن علي الصوري قد اشتمل على جمل الصناعة الطبية واطلع على
699 محاسنها الجلية والخفية وكان أوحدا في معرفة الأدوية المفردة وماهياتها واختلاف أسمائها وصفاتها وتحقيق خواصها وتأثيراتها ومولده في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة بمدينة صور ونشأ بها ثم انتقل عنها واشتغل بصناعة الطب على الشيخ موفق الدين عبد العزيز وقرأ أيضا على الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي وتميز في صناعة الطب وأقام بالقدس سنتين وكان يطب في البيمارستان الذي كان فيه وصحب الشيخ أبا العباس الجياني وكان شيخا فاضلا في الأدوية المفردة متفننا في علوم أخر كثير الدين محبا للخير فانتفع بصحبته له وتعلم منه أكثر ما يفهمه واطلع رشيد الدين بن الصوري أيضا على كثير من خواص الأدوية المفردة حتى تميز على كثير من أربابها وأربى على سائر من حاولها واشتغل بها هذا مع ما هو عليه من المروءة التي لا مزيد عليها والعصبية التي لم يسبق إليها والمعارف المذكورة والشجاعة المشهورة وكان قد خدم بصناعة الطب الملك العادل أبا بكر بن أيوب في سنة اثنتي عشرة وستمائة لما كان الملك العادل متوجها إلى الديار المصرية واستصحبه معه من القدس وبقي في خدمته إلى أن توفي الملك العادل رحمه الله ثم خدم بعده لولده الملك المعظم عيسى بن أبي بكر وكان مكينا عنده وجيها في أيامه وشهد معه مصافات عدة مع الفرنج لما كانوا نازلوا ثغر دمياط ولم يزل في خدمته إلى أن توفي المعظم رحمه الله وملك بعده ولده الملك الناصر داود بن الملك المعظم فأجراه على جامكيته ورأى له سابق خدمته وفوض إليه رياسة الطب وبقي معه في الخدمة إلى أن توجه الملك الناصر إلى الكرك فأقام هو بدمشق وكان له مجلس للطب والجماعة يترددون إليه ويشتغلون بالصناعة الطبية وحرر أدوية الترياق الكبير وجمعها على ما ينبغي فظهر نفعه وعظمت فائدته وكان قد صنع منه شيئا كثيرا في أيام الملك المعظم وتوفي رشيد الدين بن الصوري رحمه الله يوم الأحد أول شهر رجب سنة تسع وثلاثين وستمائة بدمشق وكان رشيد الدين ابن الصوري قد أهدى إلي تأليفا له يحتوي على فوائد ووصايا طبية فقلت وكتبت بها إليه في رسالة (لعلم رشيد الدين في كل مشهد * منار علا يأتمه كل مهتدي) (حكيم لديه المكرمات بأسرها * توارثها عن سيد بعد سيد) (حوى الفضل عن آبائه وجدوده * فذاك قديم فيه غير مجدد) (تفرد في ذا العصر عن كل مشبه * بخير صفات حصرها لم يجدد) (أتتني وصاياه الحسان التي حوت * بنثر كلام كل فصل منضد) (وأهدى إلى قلبي السرور ولم يزل * بإحسانه يسدي لمثلي من يد) (وجدت بها ما أرتجيه وإنني * بها أبدا فيما أحاول مقتدي) (ولا غرو من علم الرشيد وفضله * إذا كان بعد الله في العلم مرشدي) الطويل
700 أدام الله أيام الحكيم الأوحد الأمجد العامل الفاضل الكامل الرئيس رشيد الدنيا والدين معتمد الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين بلغه في الدارين نهاية سؤله وأمانيه وكبت حسدته وأعاديه ولا زالت الفضائل مخيمة بفنائه والفواضل صادرة منه إلى أوليائه والألسن مجتمعة على شكره وثنائه والصحة محفوظة بحسن مراعاته والأمراض زائلة بتدبيره ومعالجته المملوك ينهي ما يجده من الأشواق إلى خدمته والتأسف على الفائت من مشاهدته ووصلت المشرفة الكريمة التي وجد بها نهاية الأمل والإرشاد إلى المطالب الطبية الجامعة للعلم والعمل وقد جعلها المملوك أصلا يعتمد عليه ودستورا يرجع إليه لا يخليها من فكره ولا يخل بما تتضمنه في سائر عمره وليس للمملوك ما يقابل به إحسان مولانا إلا الدعاء الصالح والثناء الذي يكتسب من محاسنه النشر العطر الفائح وكيف لا أشكر وأنشر محاسن من لا أجد فضيلة إلا به ولا أنال راحة إلا بسببه فالله يتقبل من المملوك صالح أدعيته ويجزي مولانا كل خير على كمال مروءته إن شاء وأنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي لنفسه يمدح الحكيم رشيد الدين ابن الصوري ويشكره على إحسان أسداه إليه (سرى طيفها والكاشحون هجود * فبات قريبا والمزار بعيد) (فيا عجبا من طيفها كيف زارني * ومن دونه بيد تهول وبيد) (وكيف يزور الطيف طرف مسهد * لطيب الكرى عن ناظريه صدود) (وفي قلبه نار من الوجد والأسى * لها بين أحناء الضلوع وقود) (وقد أخلق السقم المبرح والضنا * لباس اصطباري والغرام جديد) (وتالله لا عاد الخيال وإنما * تخيله الأفكار لي فيعود) (فيا لائمي كف الملام ولا تزد * فما فوق وجدي والغرام مزيد) (ولي كبد حرى وطرف مسهد * وقلب يحب الغانيات عميد) (ألا في سبيل الحب من مات صبوة * ومن قتلته الغيد فهو شهيد) (ولم تر عيني مثل أسماء خلة * تضن بوصلي والخيال يجود) (تجدد أشجاني بها وصبابتي * معاهد أقوت باللوى وعهود) (رعى الله بيضا من ليال وصلتها * ببيض حسان والمفارق سود) (وبت وجخ الليل مرخ سدوله * أضم غصون البان وهي قدود) (وأرشف راحا روقتها مباسم * واقطف وردا أنبتته خدود) (إلى أن تبدى الصبح غير مذمم * وزال ظلام الليل وهو حميد) (وكيف أذم الصبح أو لا أوده * وإن ريع مودود به وودود)
701 (وكل صباح فيه للعين حظوة * بوجه رشيد الدين وهو سعيد) (هو العالم الصدر الحكيم ومن له * كلام يضاهي الدر وهو نضيد) (رئيس الأطباء ابن سينا وقبله * حنين تلاميذ له وعبيد) (ولو أن جالينوس حيا بعصره * لكان عليه يبتدي ويعيد) (فقل لبني الصوري قد سدتم الورى * وما الناس إلا سيد ومسود) (وما حزتم أرث العلا عن كلالة * كذلك آباء لكم وجدود) (فيا عالم الدنيا ويا علم الهدى * ويا من به للمكرمات وجود) (ويا من له ربع من الفضل آهل * وقصر معال بالثناء مشيد) (ودوح من الإحسان أثمر بالمنى * وظل على اللاجي إليه مديد) (ويا من به العاصي الجموح أطاعني * وذل لي الجبار وهو عنيد) (فمعقل عزي في حماه ممنع * حصين وعيشي في ذراه رغيد) (ومن راشني معروفه واصطناعه * وقام بأمري والأنام قعود) (وأحسن بي فعلا فأحسنت قائلا * وجاد ففي مدحي علاه أجيد) (فعند نداه حاتم الجود باخل * وعندي لبيد في المديح بليد) (تصدى لكسب الحمد من كل وجهة * وللقوم عن كسب الثناء صدود) (له ظل ذي فضل على كل لاجئ * مفيء وعلم بالأمور مفيد) (وعرف متى ما يبده فاح عرفه * وجود يد ما عز منه وجود) (تعبد كل الخلق بالجود فانثنت * لإحسانه الأحرار وهي عبيد) (فكم مادح قد لاذ منه بمانح * فأنجح قصد عنده وقصيد) (فأمسى وللحسنى عليه دلائل * وأضحى وللنعمى عليه شهود) (فكيف أخاف الحادثات وصرفها * ورأي رشيد الدين في سديد) (ومن فضله لي ساعد ومساعد * ومن جاهه لي عدة وعديد) (وإني لأرجو أن ستكثر حسدي * على نيل ما أرجو به وأريد) (وما الصنع إلا ما سيعقبه الغنى * ويكثر فيه غائظ وحسود) (إذا كان لي من فضله واصطناعه * عتاد فعزي ما حييت عتيد) (وغير عجيب أن يكون بقصده * لمثلي إلى نيل السعود سعود) (أقول لمن يرجو سواه من الورى * رويدك أن النجح منك بعيد) (أتقصد أوشالا وتترك لجة * تمد بها للمكرمات مدود)
702 (ومن بأبي المنصور أصبح لائذا * فقد قارنته بالنجاح سعود) (فيا كعبة الآمال يا ديمة الندى * ويا من به روض الرجاء مجود) (ومن عبده يوم السماحة حاتم * كما عند مدحي في علاه عبيد) (أياديك عندي لا أقوم بشكرها * فما فوق ما أولت يداك مزيد) (فلم يصف لي لولا أياديك مشرب * ولا اخضر لي لولا انتجاعك عود) (فجدي بقصدي بات دارك مقبل * ونجمي بتردادي إليك سعيد) (فلا زلت بالعيد السعيد مهنأ * تهنيك من بعد الوفود وفود) (فما لذوي الحاجات غيرك مقصد * ولا لبني الآمال عنك محيد) الطويل ولرشيد الدين الصوري من الكتب كتاب الأدوية المفردة وهذا الكتاب بدأ بعمله في أيام الملك المعظم وجعله باسمه واستقصى فيه ذكر الأدوية المفردة وذكر أيضا أدوية اطلع على معرفتها ومنافعها لم يذكرها المتقدمون وكان يستصحب مصورا ومعه الأصباغ والليق على اختلافها وتنوعها فكان يتوجه رشيد الدين بن الصوري إلى المواضع التي بها النبات مثل جبل لبنان وغيره من المواضع التي قد اختص كل منها بشيء من النبات فيشاهد النبات ويحققه ويريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله ويصور بحسبها ويجتهد في محاكاتها ثم أنه سلك أيضا في تصوير النبات مسلكا مفيدا وذلك أنه كان يرى النبات للمصور في أبان نباته وطراوته فيصوره ثم يريه إياه أيضا وقت كماله وظهور بزره فيصوره تلو ذلك ثم يريه إياه أيضا في وقت ذواه ويبسه فيصوره فيكون الدواء الواحد يشاهده الناظر إليه في الكتاب وهو على أنحاء ما يمكن أن يراه في الأرض فيكون تحقيقه له أتم ومعرفته له أبين الرد على كتاب التاج للغاوي في الأدوية المفردة تعاليق له وفرائد ووصايا طبية كتب بها إلي سديد الدين بن رقيقة هو أبو الثناء محمود بن عمر بن محمد بن إبراهيم بن شجاع الشيباني الحانوي ويعرف بابن رقيقة ذو النفس الفاضلة والمروءة الكاملة وقد جمع من صناعة الطب ما تفرق من أقوال المتقدمين وتميز على سائر نظرائه وأضرابه من الحكماء والمتطببين هذا مع ما هو عليه من الفطرة الفائقة والألفاظ الرائقة والنظم البليغ والشعر البديع وكثيرا ما له من الأبيات الأمثالية والفقر الحكمية وأما الرجز فإنني ما رأيت في وقته من الأطباء أحدا أسرع عملا له منه حتى أنه كان يأخذ أي كتاب شاء من الكتب الطبية وينظمه رجزا في أسرع وقت مع استيفائه للمعاني ومراعاته لحسن اللفظ ولازم الشيخ فخر الدين محمد بن عبد السلام المارديني وصحبه كثيرا واشتغل عليه بصناعة الطب وبغيرها من العلوم الحكمية وكان لسديد الدين بن رقيقة أيضا معرفة بصناعة الكحل
703 والجراح وحاول كثيرا من أعمال الحديد في مداواة أمراض العين وقدح أيضا الماء النازل في العين الجماعة وأنجب قدحه وأبصروا وكان المقدح الذي يعانيه مجوفا وله عطفة ليتمكن في وقت القدح من امتصاص الماء ويكون العلاج به أبلغ وكان قد اشتغل أيضا بعلم النجوم ونظر في حيل بني موسى وعمل منها أشياء مستطرفة وكان فاضلا في النحو واللغة وله أيضا أخ فاضل يقال له معين الدين أوحد زمانه في العربية وهي فنه وله شعر كثير وسمع سديد الدين بن رقيقة أيضا شيئا من الحديث ومن ذلك حدثني سديد الدين محمود بن عمر بن محمد الطبيب الحانوي سماعا من لفظه قال حدثني الإمام الفاضل فخر الدين محمد بن عبد السلام المقدسي ثم المارديني قال حدثنا الشيخ أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد الخضر الجواليقي قال أخبرنا أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي قال حدثنا أبو القاسم علي بن عبيد الله الرقي قال حدثني الرئيس أبو الحسن علي بن أحمد البتي قال حدثني أبو بكر محمد عبد الله الشافعي قال حدثنا القاضي أبو إسحق إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا جمل يئط ولا صبي يصطبح ثم أنشده (أتيناك والعذراء تدمى لثاتها * وقد شغلت أم الصبي عن الطفل) (وألقى بكفيه الفتى لاستكانة * من الجوع هونا ما يمر وما يحلى) (ولا شيء مما يأكل الناس عندنا * سوى العلهز العامي والحنظل الفسل) (وليس لنا إلا إليك فرارنا * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل) الطويل قال الرقي العلهز الوبر يعالج بدم الحلم والحلم القراد إذا كبر ويؤكل في الجدب ويروى والعنقر بضم القاف وفتحها وهو أصل البردي فهذان صحيحان ويروى العقهر وهو تصحيف مردود فقام صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم رفع نحو السماء يديه ثم قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا سحا سجالا غدقا طبقا ديما عاجلا غير رائث نافعا غير ضار تنبت به الزرع
704 وتملأ به الضرع وتحيي به الأرض بعد موتها فوالله ما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى نحره حتى التقت السماء بأرواقها وجاءه أهل البطانة يضجون يا رسول الله الغرق الغرق فأومأ بطرفه إلى السماء وضحك حتى بدت نواجذه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالأكليل ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه من ينشدنا قوله فقال علي عليه السلام يا رسول الله لعلك أردت (وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل) (تطوف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل) (كذبتم وبيت الله رب محمد * ولما نقاتل دونه ونناضل) (ولا نسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل) الطويل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل ثم قام رجل من كنانة فأنشده (لك الحمد والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المطر) (دعا الله خالقه دعوة * إليه وأشخص منه البصر) (فما كان إلا كما ساعة * وأسرع حتى رأينا الذرر) (دفاق العزالى وجم البعاق * أغاث به الله عليا مضر) (فكان كما قال عمه * أبو طالب ذا رواء غرر) (به يسر الله صوب الغمام * فهذا العيان لذاك الأثر) (فمن يشكر الله يلقى المزيد * ومن يكفر الله يلقى الغير) المتقارب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس إن يك شاعرا أحسن فقد أحسنت وأخبرني سديد الدين بن رقيقة أن مولده في سنة أربع وستين وخمسمائة بمدينة حيني ونشأ بها ولما كان فخر الدين المارديني بمدينة حيني وصاحبها نور الدين بن جمال الدين بن أرتق كان قد عرض لنور الدين مرض في عينيه فداواه الشيخ فخر الدين مدة أيام ثم عزم على السفر وأشار على نور الدين ابن ارتق بأن يداويه سديد الدين بن رقيقة فعالجه سريعا وبرا برءا تاما وأطلق له جامكية وجراية في صناعة الطب وقال لي سديد الدين أن عمره يومئذ كان دون العشرين سنة واستمر في خدمته ثم خدم بعد ذلك الملك المنصور محمد صاحب حماه ابن تقي الدين عمر وبقي معه مدة ثم سافر إلى خلاط وكان صاحبها في ذلك الوقت الملك الأوحد نجم الدين أيوب بن الملك العادل
705 أبي بكر بن أيوب وخدم صلاح الدين بن ياغيسان وكان هذا صلاح الدين قد تزوج الملك الأوحد ابن الملك العادل بأخته وكان سديد الدين بن رقيقة يتردد إلى خدمتها أيضا وكانت كثيرة الإحسان إليه وأقام بخلاط مدة إلى أن توفي الملك الأوحد في ملازكرد بعلة ذات الجنب وذلك في يوم السبت ثامن عشر ربيع الأول سنة تسع وستمائة وكان يعالجه هو وصدقة السامري وخدم أيضا بعد ذلك الملك الأشرف أبا الفتح موسى ابن الملك العادل وأقام بميافارقين سنين كثيرة ولما كان في ثالث جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وصل سديد الدين بن رقيقه إلى دمشق إلى السلطان الملك الأشرف فأكرمه واحترمه وأمر بأن يتردد إلى الدور السلطانية بالقلعة وأن يواظب أيضا معالجة المرضى بالبيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي وأطلق له جامكية وجراية وكان لي أيضا في ذلك الوقت مقرر جامكية وجراية لمعالجة المرضى في هذا البيمارستان وتصاحبنا مدة فوجدت من كمال مروءته وشرف أرومته وغزارة علمه وحسن تأتيه في معرفة الأمراض ومداواتها ما يفوق الوصف ولم يزل بدمشق وهو يشتغل بصناعة الطب إلى أن توفي رحمه الله في سنة خمس وثلاثين وستمائة وكنت أنا قد انتقلت إلى صرخد في خدمة صاحبها الأمير عز الدين المعظمي في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة ومن شعر سديد الدين بن رقيقة وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال (يا ملبسي بالنطق ثوب كرامة * ومكملي جواد به ومقومي) (خذني إذا أجلي تناهى وانقضى * عمري على خط إليك مقوم) (واكشف بلطفك يا إلهي غمتي * وأجل الصدا عن نفس عبدك وارحم) (فعساي من بعد المهانة أكتسي * حلل المهابة في المحل الأكرم) (وأبوء بالفردوس بعد إقامتي * في منزل بادي السماجة مظلم) (فقد اجتويت ثواي فيه ومن تكن * دار الغرور له محلا يسأم) (دار يغادر بؤسها وشقاءها * من حلها وكأنه لم ينعم) (ويديل صافي عيشه وحياته * كدرا فلا تجنح إليها تسلم) (فبك المعاذ إلهنا من شرها * وبك الملاذ من الغواية فاعصم) (وعليك متكلي وعفوك لم يزل * قصدي فوا خسراه إن لم ترحم) (يا نفس جدي وادأبي وتمسكي * بعرى الهدى وعرى الموانع فافصمي) (لا تهملي يا نفس ذاتك أن في * نسيانها نسيان ربك فاعلمي)
706 (وعليك بالتفكير في آلائه * لتبوئي جناته وتنعمي) (وتيممي نهج الهداية أنه * منهج وعن لقم الضلالة أحجمي) (لا ترتضي الدنيا الدنية موطنا * تعلي على رتب السواري الأنجم) (وتعايني ما لا رأت عين ولا * أذن وعت فإليه جدي تغنمي) (وتشاهدي ما ليس يدرك كنهه * بالفكر أو بتوهم المتوهم) (قدس يجل بأن يحل جنابه * يا نفس إلا كل شهم أيهم) (وهو المنزه أن يكون مركبا * من رابع أو ثالث أو توأم) (وتجاوري الأبرار في مستوطن * لا دائر أبدا ولا متهدم) (يا أيها المغرور شبت ولم تعد * عما لهجت به ولم تتندم) (لا تحسبن الشيب فيك لعلة * عرضت ولا لتكرج في البلغم) (لكن شبابك كان شيطانا ومن * يك ماردا بالشهب حقا يرجم) (لا تقرن الشيب المنير رواؤه * بظلام أعراض الشبيبة تظلم) (فالشيب إشراق الحجى وضياؤه * فأهن هواك أوان شيبك تكرم) (واعكف على تمجيد موجدك الذي * غمر الوجود الجود منه وعظم) (فبذكره تشفى النفوس من الجوى * فعليه أن آثرت برءك صمم) (أكرم بنفس فتى رأى سبل الهوى * تهوى فمال إلى الصراط الأقوم) (ذاك الذي يختار يوم معاده * ملكا سجيس الدهر لم يتصرم) (يا جابر العظم الكسير وغافر * الجرم الكبير لكل عبد مجرم) (مالي إليك وسيلة وذريعة * أنجو بها إلا اعتقاد المسلم) (فأقبل بمنك توبتي عن حوبتي * فعسى سعادة أوبتي لم أحرم) (حمدا لك اللهم ينمى ما جلا * وضح الصباح سواد ليل أسحم) (وعلى نبيك ذي السناء وآله * السادة الأمناء صل وسلم) (المذهبي سغب اليتيم ومؤثري * العاني الأسير بزادهم والمعدم) (وعلى صحابته الذين بنصره * قاموا ونار الكفر ذات تضرم) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه (أراك عن المحل الرحب ساهي * وعنه بمضمحل الأصل لاهي)
707 (فكم بالسجن ويحك أنت زاه * وكم بالضيق الواهي تباهي) (وتمنح من به يغريك ودا * وتتهم الزواجر والنواهي) (ألم تعلم بأنك كل يوم * به تفجاك أصناف الدواهي) (تحل قواك جزءا بعد جزء * وتفنى أنت والدنيا كما هي) (وتحسبها صديقا وهي أردى * عدو بين الشحناء داهي) (همومك فيه لا تنفك تترى * وعيشك فيه عيش غير زاهي) (أما يكفيك زجر الشيب زجرا * وحسب أخي النهي بالشيب ناهي) (فعد عنه إلى رحب فسيح * مقامك فيه ليس له تناهي) (فحتام التغافل والتعامي * وكم هذا الجنوح إلى الملاهي) (فلا تغتر أن أصبحت فيه * أخا مال وبت عريض جاه) (فكم من أيد أضحى فأمسى * بعيد ثرائه والأيد واهي) (وكان يقول من سفه بأن لا * يصاب له شبيه أو مضاهي) (فتب فجميع ما تأتيه يلفى * صغيرا عندغفران الإله) الوافر وأنشدني أيضا لنفسه (أقول لنفسي حين أبدت تشوقا * إلى العالم الأعلى رويدك يا نفسي) (محالا ترومين النجاة وأنت في * المهالك من جنس الطبيعة والحس) (ودونك بحر إن تعديت لجه * أمنت وفزت بالخلاص من الحبس) (فإن رمت وصلا نحو سنخك فاكشفي * غطاءك وانضي ما عليك من اللبس) (ولا تقبلي نحو الكثيف فتحرمي * مجاورة الأطهار في حضرة القدس) (ولا تتركي ما يأمر الله ضلة * فتبقي سجيس الدهر في الشك واللبس) (ولا تهملي يا نفس ذاتك وأكثري * التفكر فيها واهجري كل ما ينسي) (ولا تغفلي عن ذكرك الأول الذي * به قامت الأفلاك والعرش والكرسي) (وصلت على كره إلى الهيكل الذي * به اعتضت بالذعر الطويل عن الإنس) (وما كان هذا الوصل إلا لترجعي * منزهة بالعلم عن وصمة الوكس) (فعن أمم يقضي أيابك فاعملي * لأخراك ما ينجيك من ظلمة الرمس) (فإن تتركي نهج الهدى كنت في غد * كمن باع رأس المال بالثمن البخس) (فعودي إلى باريك يا نفس ترتقي * إليه وإلا دمت في العالم المنسي) (حليفة هم دائم وكآبة * مجاورة أهل الدناءة والرجس)
708 (مخلاة ممنوعة ومهانة * مبدلة بعد التنعم بالتعس) (مبوأة دار الهوان مذالة * ومحشورة في زمرة الصم والخرس) (سبيل الهدى يا نفس عند ذوي النهى * أشد وضوحا من سنا البدر والشمس) الطويل وأنشدني أيضا لنفسه (لا يغرنك من زمانك بشره * فالبشر منه لا محالة حائل) (فقطوبه طبع وليس تطبعا * والطبع باق والتطبع زائل) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه (لست من يطلب التكسب بالسخف * ولو كنت مت عريا وجوعا) (ولو أني ملكت ملك سليمان * لما اخترت عن وقاري رجوعا) الخفيف وقال اقتداء بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال (لا تكن ناظرا إلى قائل القول * بل انظر إليه ماذا يقول) (وخذ القول حين تلقيه معقولا * ولو قاله غبي جهول) (فنباح الكلاب مع خسة فيها * على منزل الكريم دليل) (وكذاك النضار معدنه الأرض * ولكنه الخطير الجليل) الخفيف وأنشدني أيضا لنفسه (توق صحبة أبناء الزمان ولا * تأمن إلى أحد منهم ولا تثق) (فليس يسلم منهم من تصاحبه * طبعا من المكر والتمويه والملق) البسيط وأنشدني أيضا لنفسه (أرى كل ذي ظلم إذا كان عاجزا * يعف ويبدي ظلمه حين يقدر) (ومن نال من دنياه ما كان زائدا * على قدره أخلاقه تتنكر) (وكل امرئ تلفيه للشر مؤثرا * فلا بد أن يلقى الذي كان يؤثر) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه (لما رأيت ذوي الفضائل والحجا * لا ينفقون وكل فدم ينفق)
709 (ألزمت نفسي اليأس علما أن لي * ربا يجود بما أروم ويرزق) (ولزمت بيتي واتخذت مسامري * سفرا بأنواع الفضائل ينطق) (لي منه إني جئته متصفحا * عما حوى روض نضير مونق) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه (ما ضر خلقي أقلالي ولا شيمي * ولا نهاني عن نهج النهى عدمي) (وكيف والعلم حظي وهو أنفس ما * أعطى المهيمن من مال ومن نعم) (العلم بالفعل يزكو دائما أبدا * والمال إن أدمن الإنفاق لم يدم) (فالمال صاحبه الأيام يحرسه * والعلم يحرس أهليه من النقم) البسيط وأنشدني أيضا لنفسه (خلقت مشاركا في النوع قوما * وقد خالفتهم إذ ذاك شخصا) (أريد كمالهم والنفع جهدي * وهم يبغون لي ضرا ونقصا) (إذا عددت ما فيهم عيوبا * فقد حاولت شيئا ليس يحصى) الوافر وأنشدني أيضا لنفسه (لا تصحبن فتى أراك تكلفا * ودا وأضمر ضد ذاك بطبعه) (واهجر أخاك إذا تنكر وده * فالعضو يحسم داؤه في قطعه) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه (إذا جاهل ناواك يوما بمحفل * فلا ترفعن الطرف جهدك نحوه) (فإنك إن سالمته كنت عاليا * عليه وإن جاريته كنت كفوه) (فكم جاهل رام انتقاصي بجهله * رأيت سواء مدحه لي وهجوه) الطويل وقال أيضا (إن العدو وإن بدا لك ضاحكا * كالشري تبدو غضة أوراقه) (وهو الزعاف لمن تعمد أخذه * والمجتوي البشع الكريه مذاقه)
710 (واعلم بأن الضد سم قربه * والبعد عنه حقيقة ترياقه) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه (إذا كنت غارس غرسا جميلا * فلا تعطشنه يفتك الثمر) (وداوم على سقيه ما استطعت * بماء السخا لا بماء المطر) (ولا تتبعنه بمن فقد * رأيناه مفسدة للشجر) المتقارب وأنشدني أيضا لنفسه (جانب طباعا بني الدنيا فقربهم * يجدي المكاره إن ضنوا وإن جادوا) (فالناس يندر فيهم من إذا عرض * عراك من فيه إسعاد وانجاد) (ولا تهن إن حماك الدهر جدك * فالأحرار عند انحراف الدهر انجاد) (واطو الفلا طالبا نيل العلى أبدا * ولا يهولنك أغوار وانجاد) البسيط وأنشدني أيضا لنفسه (وإن أشد أهل الأرض حزنا * وغما منهما لا يستفيق) (كريم حل موضعه المعلى * سواه وأنه لبه الخليق) الوافر وأنشدني أيضا لنفسه (وضع العوارف عند النذل يتبعه * على معاودة الألحاح في الطلب) (ويحمل الفاضل الطبع الكريم على * حسن الجزاء لمولى العرف عن كثب) (فالناس كالأرض تسقى وهي واحدة * عذبا وتنبت مثل الشري والرطب) البسيط وأنشدني أيضا لنفسه (وإني امرؤ بالطبع الغي مطامعي * وازجر نفسي طابعا لا تطبعا) (وعندي غنى نفس وفضل قناعة * ولست كمن إن ضاق ذرعا تضرعا) (وإن مد نحو الزاد قوم أكفهم * تأخرت باعا إن دنا القوم إصبعا) (ومذ كانت الدنيا لدي دنيئة * تعرضت للأعراض عنها ترفعا) (وذاك لعلمي إنما الله رازق * فمن غيره أرجو وأخشى وأجزعا) (فلا الضعف يقصي الرزق إن كان دانيا * ولا الحول يدنيه إذا ما تجزعا)
711 (فلا تبطرن إن نلت من دهرك الغنى * وكن شامخا بالأنف إن كنت مدقعا) (فقدر الفتى ما حازه وأفاده * من العلم لا مال حواه وجمعا) (فكن عالما في الناس أو متعلما * وإن فاتك القسمان أصغ لتسمعا) (ولا تك للأقسام ما اسطعت رابعا * فتدرأ عن ورد النجاة وتدفعا) الطويل وقال أيضا (إذا كان رزق المرء عن قدر أتى * فما حرصه يغنيه في طلب الرزق) (كذا موته إن كان ضربة لازب * فأخلاده نحو الدنا غاية الحمق) (فإن شئت أن تحيا كريما فكن فتى * يؤوسا فإن اليأس من كرم الخلق) (فيأس الكريم الطبع حلو مذاقه * لديه إذا ما رام مسألة الخلق) وقال أيضا (أرى وجودك هذا لم يكن عبثا * إلا لتكمل منك النفس فانتبه) (فاعدل عن الجسم لا تقبل عليه ومل * إلى رعاية ما الإنسان أنت به) (فمؤيس النفس عن أهوائها يقظ * ومطمع النفس فيها غير منتبه) (فاسلك سبيل الهدى تحمد مغبته * فمنهج الحق باد غير مشتبه) البسيط وأنشدني أيضا لنفسه (كن محسنا طبعا إلى * من بدل الحسنى مساءه) (واشفع بإسداء الجميل * صباحه أبدا مساءه) (فلعله أن ينثني * ويحول عن حال الإساءه) (فالحر يذكر من أخيه * الخير لا ما منه ساءه) (فلكم مسيء رده الإحسان * عن ورد الرداءه) (فصفا وفاء إلى الوفاء * وصير الحسنى رداءه) (فإذا منيت بمائن * في الود لم يحسن أداءه) (فأصدقه علك أن تزيل * بصدق ودك عنه داءه) الكامل المرفل وأنشدني أيضا لنفسه (كن مجملا فيما تقول ولا تقل * قولا يهجنه بذا وفساد)
712 (فجامعة الحكماء قبلك دأبهم * كان الجميل من المقال فسادوا) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه (وما صاحب السلطان إلا كراكب * بلجة بحر فهو يستشعر الغرق) (فإن عاد منه سالم الجسم ناجيا * فما نفسه فيه يفارقها الفرق) الطويل وأنشدني أيضا لنفسه (يا ناظرا فيما قصدت لجمعه * اعذر فإن أخا الفضيلة يعذر) (علما بأن المرء لو بلغ المدى * في العمر لاقى الموت وهو مقصر) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه مما كتبه على كأس في وسطه طائر على قبة مخرمة إذا قلب في الكاس ماء دار دورانا سريعا وصفر صفيرا قويا ومن إذا وقف بإزائه الطائر حكم عليه بالشرب فإذا شربه وترك فيه شيئا من الشراب صفر الطائر وكذلك لو شربه في مائة مرة فمتى شرب جميع ما فيه ولم يبق فيه درهم واحد فإن صفيره ينقطع (أنا طائر في هيئة الزرزور * مستحسن التكوين والتصوير) (فاشرب على نغمي سلاف مدامة * صرفا تنير حنادس الديجور) (صفراء تلمع في الكؤوس كأنها * نار الكليم بدت بأعلى الطور) (وإذا تخلف من شرابك درهما * في الكلس نم به عليك صفيري) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه وصية طبية (توق الامتلاء وعد عنه * وإدخال الطعام على الطعام) (وإكثار الجماع فإن فيه * لمن والاه داعية السقام) (ولا تشرب عقيب الأكل ماء * فتسلم من مضرات عظام) (ولا عند الخوى والجوع حتى * تلهن باليسير من الأدام) (وخذ منه القليل ففيه نفع * لذي العطش المبرح والأوام) (وهضمك فاصلحنه فهو أصل * واسهل بالإبارج كل عام)
713 (وفصد العرق نكب عنه إلا * لذي مرض رطيب الطبع حامي) (ولا تتحركن عقيب أكل * وصير ذاك بند الانهضام) (لئلا ينزل الكيلوس فجا * فيلحج في المنافذ والمسام) (ولا تدم السكون فإن منه * تولد كل خلط فيك خام) (وقلل ما استطعت الماء بعد * الرياضة واجتنب شرب المدام) (وعدل مزج كأسك فهي تبقي * الحرارة فيك دائمة الضرام) (وخل السكر واهجره مليا * فإن السكر من فعل الظغام) (وأحسن صون نفسك عن هواها * تفز بالخلد في دار السلام) الوافر وأنشدني أيضا لنفسه (غرض الطب يا أخا اللب عرفان * مبادي أبداننا والأصول) (قيل حالاتها وما توجب الحالات * فيها وما لها من دليل) (لتدوم الأبدان موجودة الصحة * منا وذاك بالتعديل) (وتزال الأمراض إن أمكن الحال * وذا بالإفراغ والتبديل) الخفيف وأنشدني أيضا لنفسه (إن الغذاء وإن كان الصديق لما * هو المدبر أعني قوة الوصب) (فهو العدو لها أيضا لأن به * زيادة الضد أعني عنصر الوصب) البسيط وأنشدني أيضا لنفسه (علل الصحة حقا ستة * وهي أيضا علل للمرض) (فإذا عدلتها في أربع * كان ذا التعديل أنهى للغرض) الرمل وأنشدني أيضا لنفسه (إذا ما اشتهى ذو علة بعض ما به * شفاء من الداء الذي جسمه حلا) (فلا تمنعنه ما اشتهاه فربما * تراه وشيكا عقدة الداء قد حلا) (وكان كما قد قيل في مثل ما جرى * من السعد أن يلقى هوى صادف العقلا) الطويل
714 وأنشدني أيضا لنفسه (وأهيف القد قاني الخد تيمني * وفي بحار الأسى الفاني ألقاني) (لو حل في القلب ثان غيره وثنى * عنه هواي ثنيت الثاني الثاني) (ولو جنيت جنى ما كان غارسه * فيه هواه لكنت الجاني الجاني) (ولو وحق هواه زار في حلمي * خياله موهنا ألفاني الفاني) (ألغى ودادي ومغناه الفؤاد فهل * لي من مجير وقد ألغاني الغاني) البسيط وأنشدني أيضا لنفسه (ومهفهف ساجي اللواحظ أوردا * عشاقه بدلاله ورد الردى) (تخذ العذار مفاضة تحميه من * عين المحب ولحظ مقلته ردا) (لو كان أوردني برود رضابه * لم يصبح السقم المبرح لي ردا) (إن ماس أودى بالقضيب تأودا * أو لاح أزرى بالهلال إذا بدا) (ما شمت شامة خده إلا سطا * بمهند من مقلتيه وعربدا) (أو رمت من حبيه يوما سلوة * إلا وقال طلبت مسألة البدا) الكامل وقال أيضا (أيها الشادن الذي طاب هتكي * وافتضاحي بعد الصيانة فيكا) (علة الجفن فيك علة سقمي * وشفاي ارتشاف خمرة فيكا) وأنشدني أيضا لنفسه يمدح صلاح الدين محمد بن باغيبسان (ومدلل ساجي الجفون مهفهف * جمع الملاحة ذو الجلال لديه) (وأحلها فيه فأصبح ربها * وأمال أفئدة الأنام إليه) (من جفنه سيف الصلاح محمد * باد ومن جفني سحب يديه) الكامل وأنشدني أيضا لنفسه يهنئ الصاحب جلال الدين أبا الفتح محمد بن نباتة ببناء داره (يا أيها الصاحب الصدر الكبير جلال * الدين ابن الكرام السادة الشرفا) (بنيت دارا على الجوزاء مشرفة * كما قديما بنيت المجد والشرفا) (دامت محل سرور لا يحول ولا * زالت رؤوس أعاديكم لها شرفا) (شرفت أصلا وأخلاقا وشنشنة * فلست ممن بأصل وحده شرفا) البسيط وأنشدني أيضا لنفسه وقد كتبها لي شيخه فخر الدين محمد بن عبد السلام المارديني
715 (يا سائقا نحو ميا فارقين أنخ * بها الركاب وبلغ بعض أشواقي) (وما أعانيه من وجد ومن كمد * ولوعة وصبابات وإيراق) (إلى الذي فاق أبناء الزمان نهى * ومحتدا وثناهم طيب أعراق) (وقل محب لكم قد شفه مرض * وما سواك له من دائه راقي) (صل الطبيعة لا ينفك يلذعه * فاصرف نكايته عنه بترياق) (شطر الحياة مضى والنفس ناقصة * فكن مكملها في شطرها الباقي) (فأنت أولى بتهذيبي وتبصرتي * بما يهذب أوصافي وأخلاقي) (وما يخلص نفسي من موانعها الوصول * عند التفاف الساق بالساق) (مشكاة ذهني قد أمست زجاجتها * صديئة فأجلها بالواحد الواقي) (ورو مصباحها من زيت علمك كي * تعود بعد انطفاء ذات إشراق) (حبس الطبيعة قد طال الثواء به * فها أنا متوخ منك إطلاقي) (فاحلل حبائل أشراك الشواغل عن * جيدي وجد لي من رقي باعتاقي) (لعل نفسي أن ترقى مهذبة * عند الفراق إذا ما قيل من راقي) (وتغتدي في نعيم لا انتهاء له * ولا فنى في جوار الواحد الباقي) البسيط وأنشدني أيضا لنفسه يرثي ولدا له (بني لقد غادرت بين جوانحي * لفقدك نارا حرها يتسعر) (واغربت بالأجفان بعد رقادها * سهادا فلن تنفك بعدك تسهر) (فلست أبالي حين بنت بمن ثوى * ولم أر من أخشى عليك واحذر) (وقال أناس يصغر الحزن كلما * تمادى وحزني الدهر ينمى ويكبر) (وكنت صبورا عند كل ملمة * تلم فمذ أرديت عز التصبر) (كملت فوافتك المنون وهكذا * يوافي الخسوف البدر أبان يبدر) الطويل وأنشدني أيضا لنفسه في غرض (تقربت بالإطراء بالشعر مدة * إليكم وبالتنجيم والنحو والطب) (وأبدعت آلات النجوم وغيرها * وأعربت عما اعتاص من لغة العرب) (وحدثت أخبار النبي وما أتى * به الحكماء القدم قبلي في الكتب) (وعاملتكم بالصدق فيما أقوله * ولم آل جهدا في النصيحة والحب) (فلم اكتسب شيئا سوى ا البؤس والعنا * وإنفاق عمري بئس ذلك من كسب) (بكل تداوينا فلم يشف ما بنا * إلا أن بعد الدار خير من القرب)
716 (ألا إن بعد الدار ليس بضائر * إذا كان من تغشاه ليس بذي لب) وأنشدني أيضا لنفسه (قيل لي لم هجوت نجل فلان * الكلب بل لم أوغلت فيه المثاقب) (وأولو الفضل لا يرون هجاء * قط إلا لذي حجى ومناقب) (قلت إني سخطت يوما على * شعري فقابلت به كالمعاقب) الخفيف وأنشدني أيضا لنفسه (قالوا خليق بالطبيب بأن يرى * بالطبع يعدم رونقا وجمالا) (صدقوا ولكن لا إلى حد به * يؤذي المريض ويفزع الأطفالا) الكامل وقال أيضا (أيا فاعلا خل التطبب واتئد * فكم تقتل المرضى المساكين بالجهل) (فتركيب أجسام الأنام مؤجل * فلم لا كلاك الله تعجل بالحل) (كأنك يا هذا خلقت موكلا * على رجع أرواح الأنام إلى الأصل) (بهرت الوبا إذ قتلك الناس دائما * وذلك في الأحيان يحدث في فصل) (كفى الوصب المسكين شخصك قاتلا * إذا عدته قبل التعرض للفعل) الطويل ولسديد الدين بن رقيقة من الكتب كتاب لطف السائل وتحف المسائل وهذا الكتاب قد نظم فيه مسائل حنين كليات القانون لا بن سينا رجزا ومعاني أخر ضرورية يحتاج إليها في صناعة الطب وشرح هذا الكتاب وله أيضا عليه حواش مفيدة كتاب موضحة الاشتباه في أدوية الباه كتاب الفريدة الشاهية والقصيدة الباهية وهذه القصيدة صنعها بميافارقين في سنة خمس عشرة وستمائة للملك الأشرف شاه أرمن موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وذكر لي أنه نظمها في يومين وهي بيت وصنع لها أيضا شرحا مستقصى بليغا في معناه كتاب قانون الحكماء وفردوس الندماء كتاب الغرض المطلوب في تدبير المأكول والمشروب مقالة مسائل وأجوبتها في الحميات أرجوزة في الفصد صدقة السامري هو صدقة بن منجا بن صدقة السامري من الأكابر في صناعة الطب والمتميزين من أهلها والأماثل من أربابها كان كثير الاشتغال محبا للنظر والبحث وافر العلم جيد الفهم قويا في
717 الفلسفة حسن الدراية لها متقنا لغوامضها وكان يدرس صناعة الطب وينظم متوسطا وربما ضمنه ملحا من الحكمة وأكثر ما كان يقوله دوبيت وله تصانيف في الحكمة وفي الطب وخدم الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وبقي معه سنين كثيرة في الشرق إلى أن توفي في الخدمة وكان الملك الأشرف يحترمه غاية الاحترام ويكرمه كل الإكرام ويعتمد عليه في صناعة الطب وله منه الجامكية الوافرة والصلات المتواترة وتوفي صدقة بمدينة حران في سنة نيف وعشرين وستمائة وخلف مالا جزيلا ولم يكن له ولد ومن كلامه مما نقلته من خطه قال الصوم منع البدن من الغذاء وكف الحواس عن الخطاء والجوارح عن الآثام وهو كف الجميع عما يلهي عن ذكر الله وقال اعلم أن جميع الطاعات ترى إلا الصوم لا يراه إلا الله فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد وللصوم ثلاث درجات صوم العموم وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة وصوم الخصوص وهو كف السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح عن الآثام وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنياوية وكفه عما سوى الله تعالى وقال ما كان من الرطوبات الخارجة من الباطن ليس مستحيلا وليس له مقر فهو طاهر كالدمع والعرق واللعاب والمخاط وأما ما له مقر وهو مستحيل فهو نجس كالبول والروث وقال اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزر لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإن يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفا بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له على الفرصة ومنزلته منزلة الآلة التي يتوصل بها إلى نيل البغية ومنزلة السور الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد يصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفا بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استخصه والإيثار لمن قربه وقال صبر العفيف ظريف ومن شعره قال (سلوه لما صدني تيها ولم هجرا * وأورث الجفن بعد الرقدة السهرا) (وقد جفاني بلا ذنب ولا سبب * وقد وفيت بميثاقي فلم غدرا) (يا للرجال قفوا واستشرحوا خبري * مني فغيري لم يصدقكم خبرا) (إن لنت ذلا قسا عزا علي وإن * دانيته بان أو آنسته نفرا)
718 (هذا هو الموت عندي كيف عندكم * هيهات أن يستوي الصادي ومن صدرا) البسيط وقال أيضا (يا وارثا عن أب وجد * فضيلة الطب والسداد) (وضامنا رد كل روح * همت عن الجسم بالبعاد) (اقسم لو كان طب دهرا * لعاد كونا بلا فساد) الكامل وقال أيضا (فإذا قرأت كلامه قدرته * سحبان أو يوفي على سحبان) (لو كان شاهده معد خاطبا * أو ذو الفصاحة من بني قحطان) (لأقر كل طائعين بأنه * أولاهم بفصاحة وبيان) (رب العلوم إذا أجال قداحه * لم يختلف في فوزهن اثنان) (ذو فطنة في المشكلات وخاطر * أمضى وأنفذ من شباة سنان) (فإذا تفكر عالم في كتبه * ينفي التقى وشرائط الإيمان) (أضحت وجوه الحق في صفحاتها * ترمي إليه بواضح البرهان) (ودلالة تجلو بطالع بشرها * عز القرائح من ذوي الأذهان) الكامل ووجدت بخطه أيضا في الحاشية هذا البيت وهو متكرر القافية (من حجة ضمن الوفاء بنصرها * نص القياس وواضح البرهان) وكأنه كتبه عوضا عن البيت الذي أوله أضحت وجوه وقال يهجو (درى ومولاته وسيده * حدود شكل القياس مجموعه) (والسيد فوق الاثنين منحمل * والست تحت الاثنين موضوعه) (والعبد محمول ذي وحامل ذا * لحرمة بينهن مرفوعه) (ذاك قياس جاءت نتيجته * قرينة في دمشق مطبوعه) المنسرح وقال أيضا (يا ابن قسيم أصبحت تنتحل * النحو ودعواك فيه منحوله)
719 (أمك ما بالها فقل وأجب * مرفوعة الساق وهي مفعوله) (فاعلها الأير وهو منتصب * مسائل قد آتتك مجهوله) (والعين عطل وعين عصعصها * بنقطة الخصيتن مشكوله) المنسرح وقال أيضا (شيخ لنا من عظمه داهيه * ما مثله في الأمم الخالية) (مهندس في طول أيامه * مع قصره يبتلع السارية) (مثلث يدعمه قائم * لأنه منفرج الزاوية) السريع وقال أيضا (يا شمس علا بأبرج السعد تسير * العالم في عظم معالك يسير) (ما زلت كذا ملكك بالعدل تسير * فينا وتفك بالندى كل أسير) دوبيت وقال أيضا (يا سائلي عن صفات منها دائي * اسمع نكتا وخلني مع رائي) (في ريقتها سلافة الصهباء * في جبهتها كواكب الجوزاء) الدوبيت وقال أيضا (ما لاح لناظري من العين عيون * إلا وجرت من أدمعي فيض عيون) (غزلان نقا بين أراك وغصون * أعرضن عني فزدن ما بي جنون) الدوبيت وقال أيضا (بالله عليكما ألما وسلاه * كم يقتلني ويحسب القلب سلاه) (قد أوعد بالوفا فإن خان وفاه * قبلت جبينه وعينيه وفاه) الدوبيت وقال أيضا (الراح بدت بريحها الريحاني * ثم افتخرت بلطفها الروحاني) (لما سطعت بنورها النوراني * رقت وصفت خلائق الإنسان) الدوبيت وقال أيضا (أنفي نكد الزمان بالأقداح * فالراح قوام جوهر الأرواح)
720 (فما يفلح من يظل يوما صاحي * أو يسمع من زخارف النصاح) الدوبيت وقال أيضا (أطفئ نكد العيش بماء وشراب * فالدهر كما ترى خيال وسراب) (واغنم زمن اللذة بين الأتراب * فالجسم مصيره كما كان تراب) الدوبيت وقال أيضا (الراح هي الروح فواصل يا صاح * صفراء بلطفها تنافي الأتراح) (لولا شبك يصيدها في الأقداح * طارت فرحا إلى محل الأرواح) ولصدقة السامري من الكتب شرح التوراة كتاب النفس تعاليق في الطب ذكر فيها الأمراض وعلاماتها شرح كتاب الفصول لأبقراط لم يتم مقالة في أسامي الأدوية المفردة مقالة أجاب فيها عن مسائل طبية سأله عنها الأسعد المحلي اليهودي مقالة في التوحيد وسمها كتاب الكنز في الفوز كتاب الاعتقاد مهذب الدين يوسف بن أبي سعيد * هو الشيخ الإمام العالم الصاحب الوزير مهذب الدين يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري قد أتقن الصناعة الطبية وتميز في العلوم الحكمية واشتغل بعلم الأدب وبلغ في الفضائل أعلى الرتب وكان كثير الإحسان غزير الامتنان فاضل النفس صائب الحدس وقرأ صناعة الطب على الحكيم إبراهيم السامري المعروف بشمس الحكماء وكان هذا شمس الحكماء في خدمة الملك الناصر صلاح الدين يوسف وقرأ أيضا على الشيخ إسماعيل بن أبي الوقار الطبيب وقرأ على مهذب الدين بن النقاش وقرأ الأدب على تاج الدين النكدي أبي اليمن وتميز في صناعة الطب واشتهر بحسن العلاج والمداواة ومن حسن معالجاته أنه كانت ست الشام أخت الملك العادل أبي بكر بن أيوب قد عرض لها دوسنطاريا كبدية وترمي كل يوم دما كثيرا والأطباء يعالجونها بالأدوية المشهورة لهذا المرض من الأشربة وغيرها فلما حضرها وجس نبضها قال للجماعة يا قوم ما دامت القوة قوية أعطوها الكافور ليصلح كيفية هذا الخلط الحاد الذي فعل هذا الفعل وأمر بإحضار كافور قيصوري وسقاها مع حليب بزر بقلة محمصة وشراب رمان وصندل فتقاصر عنها الدم وحرارة الكبد التي كانت وسقاها أيضا منه ثاني يوم فقل أكثر ولاطفها بعد ذلك إلى أن تكامل برؤها وصحلت وحدثني بعض جماعة الصاحب بن شكر وزير الملك العادل قال كان قد عرض للصاحب ألم في ظهره عن برد
721 فأتى إليه الأطباء فوصف بعضهم مع إصلاح الأغذية بغلي يسير جندبيدستر مع زيت ويدهن به وقال آخر دهن بابونج ومصطكى فقال المصلحة أن يكون عوض هذه الأشياء شيء ينفع مع طيب رائحة فأعجب الصاحب قوله وأمر مهذب الدين يوسف بإحضار غالية ودهن بان فحل ذلك على النار ودهن به الموضع فانتفع به وخدم مهذب الدين يوسف بصناعة الطب لعز الدين فرخشاه ابن شاهان شاه بن أيوب ولما توفي عز الدين فرخشاه رحمه الله وذلك في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة خدم بعده لولده الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن عز الدين فرخشاه بصناعة الطب وأقام عنده ببعلبك وحظي في أيامه ونال من جهته من الأموال والنعم شيئا كثيرا وكان يستشيره في أموره ويعتمد عليه في أحواله وكان الشيخ مهذب الدين حسن الرأي وافر العلم جيد الفطرة فكان يستصوب آراءه ويشكر مقاصده ثم استوزره واشتغل بالوزارة وارتفع أمره وارتقت منزلته عنده حتى صار هو المدبر لجميع الدولة والأحوال بأسرها لا تعدل عن أمره ونهيه ولذلك قال فيه الشيخ شهاب الدين فتيان (الملك الأمجد الذي شهدت * له جميع الملوك بالفضل) (أصبح في السامري معتقدا * ما اعتقد السامري في العجل) المنسرح أنشدني هذين البيتين شمس الدين محمد بن شهاب الدين فتيان قال أنشد فيهما والدي لنفسه أقول ولم تزل أحوال الشيخ مهذب الدين على سننها وعلو منزلته على كيانها حتى كثرت الشكاوي من أهله وأقاربه السمرة فإنه كان قد جاءه إلى بعلبك جماعة منهم من دمشق واستخدمهم في جميع الجهات وكثر منهم العسف وأكل الأموال والفساد وكان له الجاه العريض بالوزير مهذب الدين السامري فلا يقدر أحد أن يقاومهم بالجملة فإن الملك الأمجد لما تحقق أن الأموال قد أكلوها وكثر فسادهم ولامته الملوك في تسليم دولته للسمرة قبض على المهذب السامري وعلى جميع السمرة المستخدمين واستقصى منهم أموال عظيمة وبقي الوزير معتقلا عنده مدة إلا أن لم يبق له شيء يعتد به ثم أطلقه وجاء إلى دمشق ورأيته في داره ولما جاء من بعلبك وكنت مع أبي لنسلم عليه فوجدته شيخا حسنا فصيح الكلام لطيف المعاني ومات بعد ذلك وكانت وفاته يوم الخميس مستهل صفر سنة أربع وعشرين وستمائة بدمشق ومن شعر مهذب الدين يوسف (إن ساءني الدهر يوما * فإنه سر دهرا) (وإن دهاني بمال * فقد تعوضت أجرا) (الله أغنى وأقنى * والحمد لله شكرا) البسيط
722 ولمهذب الدين يوسف بن أبي سعيد من الكتب شرح التوراة الصاحب أمين الدولة هو الصاحب الوزير العالم العامل الرئيس الكامل أفضل الوزراء سيد الحكماء إمام العلماء أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد كان سامريا وأسلم ولقب بكمال الدين وكان مهذب الدين السامري عمه وكان أمين الدولة هذا له الذكاء الذي لا مزيد عليه والعلم الذي لا يصل إليه والإنعام العام والإحسان التام والهمم العالية والآلاء المتوالية وقد بلغ من الصناعة غاياتها وانتهى إلى نهاياتها واشتمل على محصولها وأتقن معرفة أصولها وفصولها حتى قل عنه المماثل وقصر عن إدراك معاليه كل فاضل وكامل كان أولا عند الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه ابن عز الدين فرخشاه بن أيوب معتمدا عليه في الصناعة الطبية وأعمالها مفوضا إليه أمور دولته وأحوالها ولم يزل عنده إلى أن توفي الملك الأمجد رحمه الله وذلك في داره بدمشق آخر نهار يوم الثلاثاء حادي عشر شهر شوال سنة ثمان وعشرين وستمائة وبعد ذلك استقل بالوزراة للملك الصالح عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب فساس الدولة أحسن السياسة وبلغ في تدبير المملكة نهاية الرياسة وثبت قواعد الملك وأيدها ورفع مباني المعالي وشيدها وجدد معالم العلم والعلماء وأوجد من الفضل ما لم يكن لأحد من القدماء ولم يزل في خدمة الملك الصالح وهو عالي القدر نافذ الأمر مطاع الكلمة كثير العظمة إلى أن ملك دمشق الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل وجعل نائبه بها الأمير معين الدين بن شيخ الشيوخ وكان لما ملك دمشق أعطى الملك الصالح إسماعيل بعلبك ونقل إليها ثقله وأهله وذلك في سنة ثلاث وأربعين وستمائة وكان أمين الدولة في مدة وزارته يحب جمع المال وحصل لصاحبه الملك الصلاح إسماعيل أموالا عظيمة جدا من أهل دمشق وقبض على كثير من أملاكهم وكان موافقه في ذلك قاضي القضاة بدمشق وهو رفيع الدين الجيلي والنواب ولما بلغ نائب السلطنة بدمشق وهو الأمير معين الدين بن شيخ الشيوخ والوزير جمال الدين بن مطروح بدمشق وأكابر الدولة ما وصل إلى أمين الدولة من الأموال قصدوا أن يقبضوا عليه ويستصفوا أمواله فعملوا له مكيدة وهي أنهم استحضروه وعظموه وقاموا له لما أتى ولما استقر في المجلس قالوا له إن أردت أن تقيم بدمشق فابق كما أنت وإن أردت أن تتوجه إلى صاحبك ببعلبك فافعل فقال لا والله أروح إلى مخدومي وأكون عنده ثم إنه خرج وجمع أمواله وذخائره
723 وحواصله وجميع ما يملكه حتى الأثاث وحصر دوره وجمع الجميع على عدة بغال وتوجه قاصدا إلى بعلبك ولما صار ظاهر دمشق قبض عليه وأخذ جميع ما كان معه واحتيط على أملاكه واعتقل وكان ذلك يوم الجمعة ثاني شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وستمائة ثم سير إلى الديار المصرية تحت الحوطة وأودع السجن في قلعة القاهرة مع جماعة أخر من أصحاب الملك الصالح إسماعيل ولما كان بعد ذلك بزمان وتوفي الملك الصالح نجم الدين أيوب بمصر في سنة سبع وأربعين وستمائة وجاء الملك الناصر يوسف بن محمد من حلب وملك دمشق وذلك في يوم الأحد ثامن شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة صار معه الملك الصالح إسماعيل وملوك الشام وتوجه إلى مصر ليأخذها فخرجت عساكر مصر وكان ملك مصر يومئذ الملك المعز عز الدين أيبك التركماني كان قد تملك بعد وفاة أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب والتقوا فكانت أول الكسرة على عسكر مصر ثم عادوا وكسروا عسكر الشام وقبض على الملك الصالح إسماعيل وجماعة كثيرة من الملوك والأمراء وحبسوا جميعهم في مصر ثم أطلق بعضهم فيما بعد وأما الملك الصالح إسماعيل فكان آخر العهد به وقيل إنه خنق بوتر حدثني الأمير سيف الدين المشد علي بن عمر رحمه الله قال لما سمع الوزير أمين الدولة في قلعة القاهرة بأن ملوك الشام قد كسروا عسكر مصر ووصل الخبر إليهم بذلك من بلبيس قال أمين الدولة لصاحب الآمر في القلعة دعنا نخرج في القلعة حتى تطلع الملوك وتبصر أيش تعمل معك من الخير فاطمعته نفسه وأخرجهم وكانوا في ذلك الموضع في الحبس ثلاثة من أصحاب الملك الصالح إسماعيل وزيره أمين الدولة وأستاذ داره ناصر الدين بن يغمور وأمير كردي يقال له سيف الدين فقال الكردي لهم يا قوم لا تستعجلوا مواضعكم فإن كان الأمر صحيحا فمصير أستاذنا يخرجنا ويعيدنا إلى ما كنا عليه ويحسن إلينا ونخلف وإن كان الأمر غير صحيح فنكون في موضعنا لم نخرج منه فهو أسلم لنا فلم يقبلوا منه وخرج الوزير وناصر الدين بن يغمور وبسطوا مواضع في القلعة وأمروا ونهوا ولما صح الخبر بعكس ما أملوه أمر عز الدين التركماني لما طلع القلعة بقتل ناصر الدين بن يغمور فقتل وأمر بشنق الوزير فشنقوه وحكى لي من رآه لما شنق وأنه كان عليه قندورة عنابي خضراء وسرموزة في رجليه ولم ينظر مشنوقا في رجليه سرموزة سواه وأما رفيقهم الكردي فأطلقه وخلع عليه وأعطاه خيرا أقول وأعجب ما أتى من الأحكام النجومية فيما يتعلق بهذا المعنى ما حكاه الأمير ناصر الدين زكري المعروف بابن عليمة وكان من جماعة الملك الصالح نجم الدين أيوب قال لما حبس الصاحب أمين الدولة أرسل إلى منجم في مصر له خبرة بالغة في علم النجوم وإصابات لا تكاد تخرم في أحكامها
724 وسأله ما يكون من حاله وهل يخلص من الحبس قال فلما وصلت الرسالة إليه أخذ ارتفاع الشمس للوقت وحقق درجة الطالع والبيوت الاثني عشر ومركز الكواكب ورسم ذلك كله في تخت الحساب وحكم بمقتضاه فقال يخلص هذا من الحبس ويخرج منه وهو فرحان مسرور وتلحظه السعادة أن يبقى له أمر مطاع في الدولة بمصر ويمتثل أمره ونهيه جماعة من الخلق فلما وصل إليه الجواب بذلك فرح به وعندما وصله مجيء الملوك وأن النصر لهم خرج وأيقن أن يبقى وزيرا بمصر وتم له ما ذكره المنجم من الخروج من الحبس والفرح والأمر والنهي وصار له أمر مطاع في ذلك اليوم ولم يعلم أمين الدولة ما يجري عليه بعد ذلك وأن الله عز وجل قد أنفذ ما جعله عليه مقدورا وكان ذلك في الكتاب مسطورا وكان للصاحب أمين الدولة نفس فاضلة وهمة عالية في جمع الكتب وتحصيلها واقتنى كتبا كثيرة فاخرة في سائر العلوم وكانت النساخ أبدا يكتبون له حتى أنه أراد مرة نسخة من تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر وهو بالخط الدقيق ثمانون مجلدا فقال هذا الكتاب الزمن يقصر أن يكتبه ناسخ واحد ففرقه على عشرة نساخ كل واحد منهم ثمان مجلدات فكتبوه في نحو سنتين وصار الكتاب بكماله عنده وهذا من علو همته ولما كان رحمه الله بدمشق وهو في دست وزارته في أيام الملك الصالح إسماعيل وكان أبي صديقه وبينهما مودة فقال له يوما سديد الدين بلغني أن ابنك قد صنف كتابا في طبقات الأطباء ما سبق إليه وجماعة الأطباء الذين يأتون إلي شاكرين منه وهذا الكتاب جليل القدر وقد اجتمع عندي في خزانتي أكثر من عشرين ألف مجلد ما فيها شيء من هذا الفن وأشتهي منك أن تبعث إليه يكتب لي نسخة من هذا الكتاب وكنت يومئذ بصرخد عند مالكها الأمير عز الدين أيبك المعظمي فامتثل أمره ولما وصلني كتاب أبي أتيت إلى دمشق واستصحبت معي مسودات من الكتاب واستدعيت الشريف الناسخ وهو شمس الدين محمد الحسيني وكان كثيرا ينسخ لنا وخطه منسوب في نهاية الجودة وهو فاضل في العربية فأخليت له موضعا عندنا وكتب الكتاب في مدة يسيرة في تقطيع ربع البغدادي أربعة أجزاء ولما تجلدت عملت قصيدة مديح في الصاحب أمين الدولة وبعثت بالجميع إليه مع قاضي القضاة بدمشق رفيع الدين الجيلي وهو من جملة المشايخ الذين اشتغلت عليهم فإني قرأت عليه شيئا من كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا وكان بيني وبينه أنس كثير ولما وقف أمين الدولة على ذلك أعجبه غاية الإعجاب وفرح به كثيرا وأرسل إلي مع القاضي المال الجزيل والخلع الفاخرة وتشكر وقال أشتهي منك أن كلما تصنفه من الكتب تعرفني به وهذه نسخة القصيدة التي قلتها فيه وذلك في أوائل سنة ثلاث وأربعين وستمائة (فؤادي في محبتهم أسير * وأنى سار ركبهم يسير) (يحن إلى العذيب وساكنيه * حنينا قد تضمنه سعير)
725 (ويهوى نسمة هبت سحيرا * بها من طيب نشرهم عبير) (وإني قانع بعد التداني * بطيف من خيالهم يزور) (ومعسول اللمى مر التجني * يجور على المحب ولا يجير) (تصدى للصدود ففي فؤادي * بوافر هجره أبدا هجير) (وقد وصلت جفوني فيه سهدي * فما هذي القطيعة والنفور) (كأن قوامه غصن رطيب * وطلعة وجهه بدر منير) (يرى نشوان من خمر التصابي * يميد وفي لواحظه فتور) (ففي وجناته للحسن روض * وفي خدي من دمعي غدير) (وكم زمن أراه قد تعدى * علي وإنني فيه صبور) (وحالي مع بنيه غير حال * وسري لا يمازجه سرور) (وأن أشكو الزمان فإن ذخري * أمين الدولة المولى الوزير) (كريم أريحي ذو أياد * تعم كما همى الجون المطير) (تسامى في سماء المجد حتى * تأثر تحت أخمصه الأثير) (وهل شعر يعبر عن علاه * ودون محله الشعرى العبور) (له أمر وعدل مستمر * به في الخلق تعتدل الأمور) (ففي الأزمان للعافي مبر * وفي العزمات للعادي مبير) (لقد فاق الأوائل في المعالي * وكم من أول فاق الأخير) (يطول العالمين بكل علم * ويقصر عنه في رأي قصير) (وقد صلحت به الدنيا ودانت * لصالحها المدائن والثغور) (أيا من عم أنعاما ويا من * له الأفضال والفضل الغزير) (لقد أحييت ميت العلم حتى * تبين في الوجود له نشور) (وأوردت الأنام بحار جود * وقد كادت مناهلها تغور) (وكم في الطب من معنى خفي * بشرح منك عاد له ظهور) (وقد قاس الرئيس إليك يوما * يجده إليك مرؤوسا يصير) (وهل يحكيك في لفظ وفضل * وما لك فيهما أبدا نظير) (وقد أرسلت تأليفا ليبقى * على اسمك لا تغيره الدهور) (فريد ما سبقت إليه قدما * ومولانا بذاك هو الخبير) (ولكن في علومك فهو يهدى * كما تهدى إلى هجر التمور)
726 (وحاشا أن أبكار المعالي * إذا زفت إلى المولى تبور) (وإن تك زلة أبديت فيه * فعن أمثالها أنت الغفور) الوافر ونقلت من خط الشيخ موفق الدين هبة الله أبي القاسم بن عبد الوهاب بن محمد بن علي الكاتب المعروف بابن النحاس من أبيات كتبها إلى الصاحب أمين الدولة يطلب منه خطا وعده به الملك الأمجد وذلك في سنة سبع وعشرين وستمائة (وعدت بالخط فأرسل ما وعدت به * يا من له نعم تترى بلا منن) (من يفعل الخير يجن كل مكرمة * ويشتري مدحا تتلى بلا ثمن) (خطا يزيدك حظا كلما صدحت * ورقاء في شجر يوما على فنن) البسيط وأنشدني شرف الدين إسماعيل بن عبد الله بن عمر الكاتب المعروف بابن قاضي اليمن لنفسه قصيدة كتبها إلى الصاحب أمين الدولة من جملتها (نالني من زماني التغيير * ومحا صفو لذة التكدير) (كان عيشي يظل حلوا وقد عاد * بجور الزمان وهو مرير) (ونأى من أحب لم يلو عطفا * فبقلبي للهجر منه هجير) (ورجوت الشفاه من داء سقم * شفني فهو في حشاي سعير) (قال لي قائل وقد أعضل الداء * وعزا الدوا وعاز المشير) (كيف تشكو الآلام أو يعضل الداء * على الجسم والطبيب الوزير) (أقصد الصاحب الوزير ولا * تخش فإحسانه عميم غزير) (وإذا الداء خيف منه تلافا * ليس يشفي إلى الحكيم البصير) (سيد صاحب أريب حكيم * عالم ماجد وزير كبير) (منقذ منصف لطيف رؤوف * محسن مؤثر كريم أثير) الخفيف ومن شعر الصاحب أمين الدولة قال وكتب به في كتاب إلى برهان الدين وزير الأمير عز الدين المعظمي تعزية لبرهان الدين في ولده الخطيب شرف الدين عمر (قولا لهذا السيد الماجد * قول حزين مثله فاقد) (لا بد من فقد ومن فاقد * هيهات ما في الناس من خالد) (كن المعزي لا المعزى به * إن كان لا بد من الواحد) السريع
727 وللصاحب أمين الدولة من الكتب كتاب النهج الواضح في الطب وهو من أجل كتاب صنف في الصناعة الطبية وأجمع لقوانينها الكلية والجزئية وهو ينقسم إلى كتب خمسة الكتاب الأول في ذكر الأمور الطبيعية والحالات الثلاث للأبدان وأجناس الأمراض وعلائم الأمزجة المعتدلة والطبيعية والصحية للأعضاء الرئيسية وما يقرب منها ولأمور غيرها شديدة النفع يصلح أن تذكر في هذا الموضع ويتبعها بالنبض والبول والبراز والبحران الكتاب الثاني في الأدوية المفردة وقواها الكتاب الثالث في الأدوية المركبة ومنافعها الكتاب الرابع في تدبير الأصحاء وعلاج الأمراض الظاهرة وأسبابها وعلائمها وما يحتاج إليه من عمل اليد فيها وفي أكثر المواضع ويذكر فيه أيضا تدبير الزينة وتدبير السموم الكتاب الخامس في ذكر الأمراض الباطنة وأسبابها وعلائمها وعلاجها وما يحتاج إليه من عمل اليد مهذب الدين عبد الرحيم بن علي هو شيخنا الإمام الصدر الكبير العالم الفاضل مهذب الدين أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد ويعرف بالدخوار وكان رحمه الله أوحد عصره وفريد دهره وعلامة زمانه وإليه انتهت رياسة صناعة الطب ومعرفتها على ما ينبغي وتحقيق كلياتها وجزئياتها ولم يكن في اجتهاده من يجاريه ولا في علمه من يماثله أتعب نفسه في الاشتغال وكد خاطره في تحصيل العلم حتى فاق أهل زمانه في صناعة الطب وحظي عند الملوك ونال من جهتهم من المال والجاه ما لم ينله غيره من الأطباء إلى أن توفي وكان مولده ومنشؤه بدمشق وكان أبوه علي بن حامد كحالا مشهورا وكذلك كان أخوه وهو حامد بن علي كحالا وكان الحكيم مهذب الدين أيضا في مبدأ أمره يكحل وهو مع ذلك مواظب على الاشتغال والنسخ وكان خطه منسوبا وكتب كتبا كثيرة بخطه وقد رأيت منها نحو مائة مجلد أو أكثر في الطب وغيره واشتغل بالعربية على الشيخ تاج الدين الكندي أبي اليمن ولم يزل مجتهدا في تحصيل العلوم وملازمة القراءة والحفظ حتى في أوقات خدمته وهو في سن الكهولة وكان في أول اشتغاله بصناعة الطب قد قرأ شيئا من المكي على الشيخ رضي الدين الرحبي رحمه الله ثم بعد ذلك لازم موفق الدين بن المطران وتتلمذ له واشتغل عليه بصناعة الطب ولم يزل ملازما له في أسفاره وحضره إلى أن تميز ومهر واشتغل بعد ذلك أيضا على فخر الدين المارديني لما ورد إلى دمشق في سنة تسع وسبعين وخمسمائة بشيء من القانون لابن سينا وكان فخر الدين المارديني كثير الدراية لهذا الكتاب والتحقيق لمعانيه وخدم الحكيم مهذب الدين الملك العادل أبا بكر بن أيوب بصناعة الطب وكان السبب في ذلك أنه في أول أمره كان يعاني صناعة الكحل ويحاول أعمالها وخدم بها في البيمارستان الكبير الذي أنشأه ووقفه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ثم بعد ذلك لما اشتغل على ابن المطران ورسم بصناعة الطب أطلق له الصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل أبي بكر بن أيوب جامكية على الطب وخدم بها وهو مع ذلك يشتغل ويتزيد في العلم والعمل ولا
728 يخل بخدمة الصاحب صفي الدين بن شكر والتردد إليه وعرف الصاحب منزلته في صناعة الطب وعلمه وفضله ولما كان في شهر شوال سنة أربع وستمائة كان الملك العادل قد قال للصاحب بن شكر نريد أن يكون مع الحكيم موفق الدين عبد العزيز حكيم آخر برسم خدمة العسكر والتردد إليهم في أمراضهم فإن الحكيم عبد العزيز ما يلحق لذلك فامتثل أمره وقال ههنا حكيم فاضل في صناعة الطب يقال له المهذب الدخوار يصلح أن يكون في خدمة مولانا فأمره باستخدامه ولما حضر مهذب الدين عند الصاحب قال له إني شكرتك للسلطان وهذه ثلاثون دينارا ناصرية لك في كل شهر وتكون في الخدمة فقال يا مولانا الحكيم موفق الدين عبد العزيز له في كل شهر مائة دينار ورواتب مثلها وأنا أعرف منزلتي في العلم وما أخدم بدون مقرره وانفصل عن الصاحب ولم يقبل ثم أن الجماعة ذمت مهذب الدين على امتناعه وما بقي يمكنه أن يعاود الصاحب ليخدم وكان مقرره في البيمارستان شيء يسير واتفق المقدور أن بعد ذلك الحديث بنحو شهر وكان يعاود الموفق عبد العزيز قولنج صعب فعرض له وتزايد به ومات منه ولما بلغ الملك العادل موته قال للصاحب كنت قد شكرت لنا حكيما يقال له المهذب نزله على مقرر الموفق عبد العزيز فتنزل على جميع مقرره واستمر في خدمة الملك العادل من ذلك الوقت ثم لم تزل تسمو منزلته عنده وتترقى أحواله حتى صار جليسه وأنيسه وصاحب مشورته وظهر أيضا منه في أول خدمته له نوادر في تقدمة المعرفة أكدت حسن ظنه به واعتماده عليه ومن ذلك أن الملك العادل كان قد مرض ولازمه أعيان الأطباء فأشار الحكيم مهذب الدين عليه بالفصد فلم يستصوب ذلك الأطباء الذين كانوا معه فقال والله لم نخرج له دما إلا خرج الدم بغير اختيارنا ولم يوافقوه في قوله فما كان بعد ذلك بأيسر وقت إلا والسلطان قد رعف رعافا كثيرا وصلح فعرف أن ما في الجماعة مثله ومن ذلك أيضا أنه كان يوما على باب دار السلطان ومعه جماعة من أطباء الدور فخرج خادم ومعه قارورة جارية يستوصف لها من شيء يؤلمها فلما رآها الأطباء وصفوا لها ما حضرهم وعندما عاينها الحكيم مهذب الدين قال إن هذا الألم الذي تشكوه لم يوجب هذا الصبغ الذي للقارورة يوشك أنه يكون الصبغ من حناء قد اختضبت به فأعلمه الخادم بذلك وتعجب منه وأخبر الملك العادل فتزيد حسن اعتقاده فيه ومن محاسن ما فعله الشيخ مهذب الدين من كمال مروءته ووافر عصبيته حدثني أبي قال كان الملك العادل قد غضب على قاضي القضاة محيي الدين بن زكي الدين بدمشق لأمر نقم عليه به وأمر باعتقاله في القلعة ورسم عليه أن يزن للسلطان عشرة آلاف دينار مصرية وشدد عليه في ذلك وبقي في الحبس والمطالبة عليه كل وقت فوزن البعض وعجز البعض وعجز عن وزن بقية المال وعظم الملك العادل عليه الأمر وقال لا بد أن يزن بقية المال وإلا عذبته فتحير القاضي وأبلغ جميع موجوده وأثاث بيته حتى الكتب التي له وتوسل إلى السلطان وتشفع بكثير من الأمراء والخواص والأكابر مثل الشميس أستاذ الدار وشمس الخواص صواب والوزير وغيرهم أن يسامحه بالبعض أو يسقط عليه فما
729 فعل السلطان وحمل القاضي هما عظيما على ذلك حتى قل أكله ونومه وكاد يهلك فافتقده الحكيم مهذب الدين وكان بينهما صداقة قديمة وشكا إليه حاله وسأله المساعدة بحسب ما يقدر عليه ففكر مهذب الدين وقال أنا أدبر لك أمرا وأرجو أن يكون فيه نفع لك إن شاء الله تعالى وفارقه وكانت سرية الملك العادل أم الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل متغيرة المزاج في تلك الأيام وكانت تركية الجنس وعندها عقل ودين وصلاح ولها معروف كثير وصدقات فلما حضر الحكيم مهذب الدين عندها وزمام الدور أوجدها مهذب الدين حال القاضي وضرره وأنه مظلوم وقد ألزمه السلطان بشيء لا يقدر عليه وطلب منها شفاعة لعل السلطان ينظر إليه بعين الرحمة ويسامحه بالبعض أو يقسط عليه وساعده الزمام في ذلك فقالت والله كيف لي بالخير للقاضي وأن أقول للسلطان عنه ولكن ما يمكن هذا فإن السلطان يقول لي أيش الموجب أنك تتكلمي في القاضي ومن أين تعرفيه ولو كان هو في المثل حكيم يتردد إلينا أو تاجر يشتري لنا القماش كان فيه توجه للكلام والشفاعة وهذا فما يمكن أتكلم فيه فقال لها الحكيم يا ستي أنت لك ولد ومالك غيره وتطلبي له السعادة والبقاء وتلقي من الله كل خير بشيء تقدري تفعليه وما تقولي للسلطان شفاعة أصلا فقالت أيش هو فقال وقت يكون السلطان وأنتم نيام توجديه أنك أبصرت مناما في أن القاضي مظلوم وعرفها ما تقول هذا يمكن ولما تكاملت عافيتها وكان الملك العادل نائما عندها وهي إلى جانبه انتبهت في أواخر الليل وأظهرت أنها مرعوبة وأمسكت فؤادها وبقيت ترتعد وتتباكى فانتبه السلطان وقال مالك وكان يحبها كثيرا فلم تجبه مما بها فأمر بإحضار شراب تفاح وسقاها ورش على وجهها ماء ورد وقال أما تخبريني أيش جرى عليك وأيش عرض لك فقالت يا خوند منام عظيم هالني وكدت أموت منه وهو أنني رأيت كأن القيامة قد قامت وخلق عظيم وكان في موضع به نيران كثيرة تشعل وناس يقولون هذا للملك العادل لكونه ظلم القاضي ثم قالت هل فعلت قط بالقاضي شيئا فما شك في قولها وانزعج ثم قام لوقته وطلب الخدام وقال امضوا إلى القاضي وطيبوا قلبه وسلموا عليه عني وقولوا له يجعلني في حل مما تم عليه وأن جميع ما وزنه يعاد إليه وما أطالبه بشيء فراحوا إليه وفرح القاضي غاية الفرح بقولهم ودعا للسلطان وجعله في حل ولما أصبح أمر له بخلعة كاملة وبغلة وأعاده إلى القضاء وأمر بالمال الذي وزنه أن يحمل إليه من الخزانة وأن جميع ما باعه من الكتب وغيرها تسترجع من المشترين لها ويعطوا الثمن الذي وزنوه وحصل للقاضي الفرج بأهون سعي وألطف تدبير قال ولما كان الملك العادل بالشرق وذلك في سنة عشر وستمائة مرض مرضا صعبا وتولى علاجه الحكيم مهذب الدين إلى أن برئ مما كان به فحصل له منه في تلك المرضة نحو سبعة آلاف دينار مصرية وبعث إليه أيضا أولاده الملك العادل وسائر ملوك الشرق وغيرهم الذهب والخلع والبغلات بأطواق الذهب وغير ذلك وكذلك توجه الملك العادل إلى الديار المصرية في سنة اثنتي عشرة وستمائة وأقام بالقاهرة أتى في ذلك الوقت وباء عظيم إلى أن هلك أكثر الخلق وكان قد مرض الملك
730 الكامل ابن الملك العادل ومرض كثير من خواصه وهو صاحب الديار المصرية فعالجه بألطف علاج إلى أن برئ وحصل له أيضا من الذهب والخلع والعطايا السنية شيء كثير وكان مبلغ ما وصل إليه من الذهب نحو اثني عشر ألف دينار وأربع عشرة بغلة بأطواق ذهب والخلع الكثيرة من الثياب الأطلس وغيرها أقول وولاه السلطان الكبير في ذلك الوقت رياسة أطباء ديار مصر بأسرها وأطباء الشام وكنت في ذلك الوقت مع أبي وهو في خدمة الملك العادل ففوض إليه النظر في أمر الكحالين واعتبارهم وأن من يصلح منهم لمعالجة أمراض العين ويرتضيه يكتب له خطا بما يعرفه منه ففعل ذلك ولما كان في سنة أربعة عشرة وستمائة وسمع الملك العادل بتحرك الفرنج في الساحل أتى إلى الشام وأقام بمرج الصفر ثم حصل له وهو في أثناء ذلك مرض وهو بمنزله بخانقين وتوفي رحمه الله بها في الساعة الثانية من يوم الجمعة سابع جمادى الآخر سنة خمس عشرة وستمائة ولما استقر ملك الملك المعظم بالشام استخدم جماعة عدة ممن كانوا في خدمة أبيه الملك العادل وانتظم في خدمته منهم من الحكماء الحكيم رشيد الدين بن الصوري وأبي وأما الحكيم مهذب الدين فإنه أطلق له جامكية وجراية ورسم أنه يقيم بدمشق وأن يتردد إلى البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي ويعالج المرضى به ولما أقام الشيخ مهذب الدين بدمشق شرع في تدريس صناعة الطب واجتمع إليه خلق كثير من أعيان الأطباء وغيرهم يقرأون عليه وأقمت أنا بدمشق لأجل القراءة عليه وأما أولا فكنت أشتغل عليه في المعسكر لما كان أبي والحكيم مهذب الدين في خدمة السلطان الكبير فبقيت أتردد إليه مع الجماعة وشرعت في قراءة كتب جالينوس وكان خبيرا بكل ما يقرأ عليه من كتب جالينوس وغيرها وكانت كتب جالينوس تعجبه جدا وإذا سمع شيئا من كلام جالينوس في ذكر الأمراض ومداواتها والأصول الطبية يقول هذا هو الطب وكان طلق اللسان حسن التأدية للمعاني جيد البحث لازمته أيضا في وقت معالجته للمرضى بالبيمارستان فتدربت معه في ذلك وباشرت أعمال صناعة الطب وكان في ذلك الوقت أيضا معه في البيمارستان لمعالجة المرضى الحكيم عمران وهو من أعيان الأطباء وأكابرهم في المداواة والتصرف في أنواع العلاج فتضاعفت الفوائد المقتبسة من اجتماعهما ومما كان يجري بينهما من الكلام في الأمراض ومداواتها ومما كانا يصفاه للمرضى وكان الحكيم مهذب الدين يظهر من ملح صناعة الطب ومن غرائب المداواة والتقصي في المعالجة والإقدام بصفات الأدوية التي تبرئ في أسرع وقت ما يفوق به أهل زمانه ويحصل من تأثيرها شيء كأنه سحر ومن ذلك أنني رأيته يوما وقد أتى محموم بحمى محرقة وقواريره في غاية الحدة فاعتبر قوته ثم أمر بأن يترك له في قدح بزور من الكافور مقدارا صالحا عينه لهم في الدستور
731 وأن يشربه ولا يتناول شيئا غيره فلما أتينا من الغد وجدنا ذلك المريض والحمى قد انحطت عنه وقارورته ليس فيها شيء من الحدة ومثل هذا أيضا أنه وصف في قاعة الممرورين لمن به المرض المسمى مانيا وهو الجنون السبعي أن يضاف إلى ماء الشعير في وقت اسقائه إياه مقدار متوفر من الأفيون فصلح ذلك الرجل وزال ما به من تلك الحال ورأيته يوما في قاعة المحمومين وقد وقفنا عند مريض وجست الأطباء نبضه فقالوا عنده ضعف ليعطى مرقة الفروج للتقوية فنظر إليه وقال إن كلامه ونظر عينيه يقتضي الضعف ثم جس نبض يده اليمنى وجس الأخرى وقال جسوا نبض يده اليسرى فوجدناه قويا فقال انظروا نبض يده اليمنى وكيف هو من قريب كوعه قد انفرق العرق الضارب شعبتين فواحدة بقيت التي تجس والأخرى طلعت في أعلى الزند وامتدت إلى ناحية الأصابع فوجدناه حقا ثم قال إن من الناس وهو نادر ما يكون النبض فيه هكذا ويشتبه على كثير من الأطباء ويعتقدون أن النبض ضعيف وإنما يكون جسم لتلك الشعبة التي هي نصف العرق فيعتقدون أن النبض ضعيف وكان في ذلك الوقت أيضا في البيمارستان الشيخ رضي الدين الرحبي وهو من أكبر الأطباء سنا وأعظمهم قدرا وأشهرهم ذكرا فكان يجلس على دكة ويكتب لمن يأتي إلى البيمارستان ويستوصف منه للمرضى أوراقا يعتمدون عليها ويأخذون بها من البيمارستان الأشربة والأدوية التي يصفها فكنت بعد ما يفرغ الحكيم مهذب الدين والحكيم عمران من معالجة المرضى المقيمين بالبيمارستان وأنا معهم أجلس مع الشيخ رضي الدين الرحبي فأعاين كيفية استدلاله على الأمراض وجملة ما يصفه للمرضى وما يكتب لهم وأبحث معه في كثير من الأمراض ومداواتها ولم يجتمع في البيمارستان منذ بني والى ما بعده من الزمان من مشايخ الأطباء كما اجتمع فيه في ذلك الوقت من هؤلاء المشايخ الثلاثة وبقوا كذلك مدة (ثم انقضت تلك السنون وأهلها * فكأنها وكأنهم أحلام) وكان الشيخ مهذب الدين رحمه الله إذا تفرغ من البيمارستان وافتقد المرضى من أعيان الدولة وأكابرها وغيرهم يأتي إلى داره ثم يشرع في القراءة والدرس والمطالعة ولا بد له من ذلك من نسخ فإذا فرغ منه أذن للجماعة فيدخلون إليه ويأتي قوم بعد قوم من الأطباء والمشتغلين وكان يقرأ كل واحد منهم درسه ويبحث معه فيه ويفهمه إياه بقدر طاقته ويبحث في ذلك مع المتميزين منهم إن كان الموضع يحتاج إلى فضل بحث أو فيه إشكال يحتاج إلى تحرير وكان لا يقرئ أحدا إلا وبيده نسخة من ذلك الكتاب يقرأه ذلك التلميذ ينظر فيه ويقابل به فإن كان في نسخة الذي يقرأ غلط أمره بإصلاحه وكانت نسخ الشيخ مهذب الدين التي تقرأ عليه في غاية الصحة وكان أكثرها بخطه وكان أبدا لا يفارقه إلى جانبه مع ما يحتاج إليه من الكتب الطبية ومن كتب اللغة كتاب الصحاح للجوهري والمجمل لابن فارس وكتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري فكان إذا فرغت الجماعة من القراءة يعود هو إلى نفسه فيأكل شيئا ثم يشرع بقية نهاره في الحفظ والدرس
732 والمطالعة يسهر أكثر ليله في الاشتغال وكان أيضا في ذلك الزمان يجتمع بالشيخ سيف الدين علي بن أبي علي الآمدي وكان يعرفه قديما فلازمه في الاشتغال عليه بالعلوم الحكمية وحفظ شيئا من كتبه وحصل معظم مصنفاته ليشتغل بها مثل كتاب دقائق الحقائق وكتاب رموز الكنوز وكتاب كشف التمويهات في شرح التنبيهات وكتاب أبكار الأفكار وغير ذلك من مصنفات سيف الدين ثم بعد ذلك أيضا نظر في علم الهيئة والنجوم واشتغل بها على أبي الفضل الإسرائيلي المنجم واقتنى من آلات النحاس التي يحتاج إليها في هذا الفن ما لم يكن عند غيره ومن الكتب شيئا كثيرا جدا وسمعته يحكي أن عنده ست عشرة رسالة غريبة من الإصطرلاب لجماعة من المصنفين وفي أثناء ذلك طلبه الملك الأشرف أبو الفتح موسى ابن الملك العادل وهو بالشرق فتوجه إليه وذلك في شهر ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة وقال لي أنه خرج منه في هذه السفرة لما عزم على الحركة من شراء بغلات وخيم وآلات لا بد منها للسفر عشرون ألف درهم ولما وصل ذلك إلى الملك الأشرف أكرمه وأحسن إليه وأطلق له إقطاعا في الشرق يغل له في كل سنة ألف وخمسمائة دينار فبقي معه مدة ثم عرض له ثقل في لسانه واسترخاء فبقي لا يسترسل في الكلام ووصل إلى دمشق لما ملكها الملك الأشرف في سنة ست وعشرين وستمائة وهو معه فولاه رياسة الطب وبقي كذلك مديدة وجعل له مجلسا لتدريس صناعة الطب ثم زاد به ثقل لسانه حتى بقي إذا حاول الكلام لا يفهم ذلك منه إلا بعسر وكانت الجماعة تبحث قدامه فإذا استعصى منه معنى يجيب عنه بأيسر لفظ يدل على كثير من المعنى وفي أوقات يعسر عليه الكلام فيكتبه في لوح وتنظره الجماعة ثم اجتهد في مداواة نفسه واستفرغ بدنه بعدة أدوية مسهلة وكان يتناول كثيرا من الأدوية والمعاجين الحارة ويغتذي بمثلها فعرضت له حمى وتزايدت به حتى ضعفت قوته وتوالت عليه أمراض كثيرة ولما جاء الأجل بطل العمل (وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع) وكانت وفاته رحمه الله في الليلة التي صبيحتها يوم الاثنين خامس عشر صفر سنة ثمان وعشرين وستمائة ودفن بجبل قاسيون ولم يخلف ولدا ولما كان في سنة اثنتين وعشرين وستمائة وذلك قبل سفر الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي عند الملك الأشرف وخدمته له وقف داره وهي بدمشق عند الصاغة العتيقة شرقي سوق المناخليين وجعلها مدرسة يدرس فيها من بعده صناعة الطب ووقف لها ضياعا وعدة أماكن يستغل ما ينصرف في مصالحها وفي جامكية المدرس وجامكية المشتغلين بها ووصى أن يكون المدرس فيها الحكيم شرف الدين علي بن الرحبي وابتدأ بالصلاة في هذه المدرسة يوم الجمعة صلاة العصر ثامن ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة ولما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وستمائة حضر الحكيم سعد الدين إبراهيم بن الحكيم موفق الدين عبد العزيز والقاضي شمس الدين الخوئي والقاضي جمال الدين
733 الخرستاني والقاضي عزيز الدين السنجاري وجماعة من الفقهاء والحكماء وشرع الحكيم شرف الدين ابن الرحبي في التدريس بها في صناعة الطب واستمر على ذلك وبقي سنين عدة ثم صار المدرس فيما بعد الحكيم بدر الدين المظفر بن قاضي بعلبك وذلك أنه لما ملك دمشق الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين ممدود ابن الملك العادل كتب للحكيم بدر الدين ابن قاضي بعلبك منشورا برياسته على سائر الحكماء في صناعة الطب وأن يكون مدرسا للطب في مدرسة الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وتولى ذلك في يوم الأربعاء رابع صفر سنة سبع وثلاثين وستمائة وأنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي قال أنشدني الشيخ الأديب شهاب الدين فتيان بن علي الشاغوري لنفسه يمدح الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي (أنعم ولذ بأقذار تؤاتيكا * حتى تنال بها أقصى أمانيكا) (مهذب الدين يا عبد الرحيم لقد * شأوت يا ابن علي من يباريكا) (فازت قداحك في حفظ الدروس * بأيام سلفن وما خابت لياليكا) (ما زلت تسعى لكسب الحمد مجتهدا * حتى بلغت الأماني من مساعيكا) (أنت امرؤ أودعت ألفاظه حكما * أملت دقيق المعاني من معانيكا) (حتى ربيت بحجر العلم متخذا * لك التواضع لبسا في تعاليكا) (فللمعاني ابتسام في خلائقك الحسان * مثل ابتسام المجد في فيكا) (يا من له قلم كم مد من لقم * في الفضل سبحان باريه وباريكا) (لك الثناء جميلا حيث كنت فما * خلق عن المجد والعلياء يثنيكا) (متى تمادى المجيد المدح في مدح * يبد أقصى المدى أدنى الذي فيكا) (يا جامعا حسبا عدا إلى أدب * جم عدمت امرءا في الجود يحكيكا) (عندي إليك صبابات يؤكدها * حسن الوفاء بمعروف يوافيكا) (ولي إليك اشتياق لا يفارقني * يا ليت لي سببا للوصل مسلوكا) (ولو تهيأ لي المسعى إليك لما * فارقت بابك بوابا أناجيكا) (لكنني في يدي شيخوخة وضنا * قد غادر الجسم منهوبا ومنهوكا) (كم همة لك قد أوفت على الفلك الأعلى * بأخمصها كيوان معروكا) (وددت أن عليا والرشيد معا * عاشا وقد رأيا ما الله يوليكا) (كلاهما كان في سر وفي علن * لك المحب فما ينفك يطريكا) (عش وابق وارفل طوال الدهر في خلع * الملوك واخلع قلوبا من أعاديكا) (ولا تزل أبدا في باب دارك للرسل * أزحام إلى السلطان تدعوكا) (ونلت بالعادل الميمون طائره * قصوى بالمنى منجعا فيه تداويكا)
734 (فهو الذي ثل عرش الشرك إذ دمهم * أمسى وأضحى بسيف الدين مسفوكا) (معود النصر والفتح القريب فسل * به الملوك فكل عنه ينبيكا) (ستهزم الملك الأنكور وثبته * وفي كلاء سنان الرمح مشكوكا) (دع حمل هم دمشق الله كالئها * مما تخوفه والله كاليكا) (هل الرئيس ابن سينا وهو يطرب * بالقانون وافاك بالبشرى يغنيكا) (وهل مقالات جالينوس صادرة * عما تقول فتأويها فتاويكا) (فنعم حدث ملوك أنت أفلح من * منهم بناديه في الجلى يناديكا) (كم قلت لابن خروف دع هجاءك من * تنمى سعادته يا أنوكا النوكا) (حتى هوى بحضيض قد تبوأه * إلى القيامة ما ينفك مدكوكا) (وعشت أنت غنيا بالهبات ومن * عاداك مات شديد الفقر صعلوكا) (دمشق جنة عدن للمقيم بها * فلا نأت عن مغانيها مفانيكا) (شوت كلى ابن خروف نار سعدك إذ * دعا به نحسه يوما ليهجوكا) (فكم أسير سقام من جوامعه * جعلته بعد ضيق الأسر مفكوكا) (نزهت عن هفوات يستفز بها * سواك من للخنا يبغي المماليكا) (ولم تضع صلوات ما برحت لها * حلما بخير تحيات تحييكا) (ولم تكن راغبا في شرب صافية * صحت فأصبح منها العقل موعوكا) البسيط أقول وكان هذا ابن خروف الذي ذكره شهاب الدين فتيان مغربيا شاعرا وكان كثير الهجاء للحكيم مهذب الدين وكان آخرة ابن خروف أنه توجه إلى حلب ومدح صاحبها الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين وأنشده المديح ولما فرغ تأخر القهقرى إلى خلف وكان ثم بئر فوقع فيها ومات ومن شعر مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال وكتب به إلى عمي الحكيم رشيد الدين علي بن خليفة في مرضة مرضها (يا من أؤمله لكل ملمة * وأخاف إن حدثت له أعراض) (حوشيت من مرض تعاد لأجله * وبقيت ما بقيت لنا أعراض) (إنا نعدك جوهرا في عصرنا * وسواك أن عدوا فهم أعراض) الكامل ولمهذب الدين عبد الرحيم بن علي من الكتب اختصار كتاب الحاوي في الطب للرازي اختصار كتاب الأغاني الكبير لأبي الفرج الأصفهاني مقالة في الاستفراغ ألفها بدمشق في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وستمائة كتاب الجنينة في الطب تعاليق ومسائل في الطب وشكوك طبية ورد
735 أجوبتها له كتاب الرد على شرح ابن صادق لمسائل حنين مقالة يرد فيها عل رسالة أبي الحجاج يوسف الإسرائيلي في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها عمي رشيد الدين علي بن خليفة هو أبو الحسن علي بن خليفة بن يونس بن أبي القاسم بن خليفة من الخزرج من ولد سعد بن عبادة مولده بحلب في سنة تسع وسبعين وخمسمائة وكان مولد أبي قبله في سنة خمس وسبعين وخمسمائة بالقاهرة المعزية ونشأ أيضا بالقاهرة واشتغلا بها وذلك أن جدي رحمه الله كانت له همة عالية ومحبة للفضائل وأهلها وله نظر في العلوم ويعرف بابن أبي أصيبعة وكان قد توجه إلى الديار المصرية عندما فتحها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان في خدمته وخدمة أولاده وكان من جملة معارف جدي وأصدقائه من دمشق جمال الدين أبي الحوافر الطبيب وشهاب الدين أبو الحجاج يوسف الكحال وذلك أن مولد جدي كان بدمشق ونشأ بها وأقام سنين كثيرة فلما اجتمع بجمال الدين بن أبي الحوافر بمصر وبأبي الحجاج يوسف وكان قد ترعرع أبي وعمي وقصد إلى تعليمهما صناعة الطب لمعرفته بشرفها وكثرة احتياج الناس إليها وأن صاحبها الملتزم لما يحب من حقوقها يكون مبجلا حظيا في الدنيا وله الدرجة العليا في الآخرة وترك أبي وعمي يلازمان ذينك الشيخين ويغتنمانهما فلازم أبي أبا الحجاج يوسف واشتغل بصناعة الكحل وباشر معه أعمالها وكان أبو الحجاج يكحل في البيمارستان بالقاهرة غير الموضع الذي صار حينئذ بالقاهرة بيمارستانا وهو من جملة القصر وكان البيمارستان في ذلك الوقت في السقطين أسفل القاهرة وكان جدي يسكن إلى جانبه فبقي أبي ملازما لأبي الحجاج يوسف ومتعلما منه إلى أن أتقن صناعته وقرأ أيضا على غيره من أعيان المشايخ الأطباء في ذلك الوقت بمصر مثل الرئيس موسى القرطبي صاحب التصانيف المشهورة ومن هو في طبقته ولازم عمي لجمال الدين بن أبي الحوافر واشتغل عليه بصناعة الطب وأول اشتغال عمي بالعلم أنه كان عند تقي المعلم وهو أبو التقي صالح بن أحمد إبراهيم بن الحسن ابن سليمان العرشي المقدسي وكان هذا تقي يعرف علوما كثيرة وكانت له سيرة حسنه في التعليم في الكتب وسياسة مشهورة عنه لم يكن أحد يقدر عليها إلا هو ولما أتقن عمي رحمه الله حفظ القرآن عند تقي وعلم الحساب وشرع في تعلم صناعة الطب والنظر فيه لازم جمال الدين بن أي الحوافر وكان في ذلك الوقت رئيس الأطباء بالديار المصرية وصاحبها الملك العزيز عثمان بن عبد الملك الناصر صلاح الدين وقرأ عليه شيئا من كتب جالينوس الستة عشر وحفظ منها الكتب الأولة في أسرع وقت
736 ثم باحث الأطباء ولازم مشاهدة المرضى بالبيمارستان ومعرفة أمراضهم وما يصف الأطباء لهم وكان فيه جماعة من أعيان الأطباء ثم قرأ في أثناء ذلك علم صناعة الكحل وباشر أعمالها عند القاضي نفيس الدين الزبير وكان المتولي للكحل في ذلك الوقت في البيمارستان وكذلك أيضا باشر معه في البيمارستان أعمال الجراح وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي يومئذ في القاهرة وكان صديقا لجدي وبينهما مودة أكيدة فاشتغل عمي عليه بشيء من العربية والحكمة وكان يبحث معه في كتب أرسطوطاليس ويناقشه في المواضع المشكلة منها وكان يجتمع أيضا بسديد الدين وهو علامة في العلوم الحكمية ويشتغل عليه وكان أيضا قبل ذلك قد اشتغل بعلم النجوم على أبي محمد بن الجعدي وكان هذا الشيخ فاضلا في علم النجوم متميزا في أحكامه وكان لحق الخلفاء المصريين ويعد من الخواص عندهم وكان أبوه من أعيان الأمراء في دولتهم وأما صناعة الموسيقى فكان قد أخذها عن ابن الديجور المصري وعن صفي الدين أبي علي بن التبان ثم بعد ذلك أيضا اجتمع بأعيان المصنفين في هذا الفن مثل البهاء المصلح الكبير وشهاب الدين النقجوني وشجاع الدين بن الحصن البغدادي ومن هو في طبقتهم وأخذ عنهم كثيرا من تصانيف العرب والعجم ولم يكن لعمي دأب في سائر أوقاته من صغره إلا النظر في العلوم والاشتغال وتكميل نفسه بالفضائل ولما عاد جدي إلى الشام وانتقل إليها وذلك في سنة سبع وتسعين وخمسمائة وكان لعمي في ذلك الوقت من العمر نحو العشرين سنة شرع عمي في معالجة المرضى والتزيد في صناعة الطب وكان في دمشق الشيخ رضي الدين يوسف بن حيدرة الرحبي وكان كثير الصداقة لجدي من السنين الكثيرة وسمع بعمي ولما شاهده ورأى تحصيله فرح به وبقي عمي يحضر مجلسه ويقرأ عليه ويبحث معه في صناعة الطب وباشر المرضى في البيمارستان الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي وكان فيه من الأطباء موفق الدين بن الصرف والشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي واشتغل أيضا بالحكمة في ذلك الوقت على موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي لأنه كان أيضا قد عاد إلى الشام وكان بدمشق أيضا جماعة من أهل الأدب ومعرفة العربية مثل زين الدين بن معطي فلازمه واشتغل عليه ومثل تاج الدين بن حسن الكندي أبي اليمن وكان صديقا لجدي وبينهما مودة سالفة من عند عز الدين فرخشاه فلازمه عمي أيضا واشتغل عليه بالعربية وأتقن عمي هذه العلوم بأسرها وصار شيخا يقتدى به في صناعة الطب ويشتغل عليه بها وله من العمر دون الخمس وعشرين سنة وكان أيضا يشعر ويترسل وكان يتكلم بالفارسية ويعرف تصاريف لغة الفرس وينظم شعرا بالفارسي وكان أيضا يتكلم بالتركي ولما كان في يوم الجمعة خامس عشر شهر رمضان سنة خمس وستمائة استدعاه السلطان الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وسمع كلامه وحسن موقعه عنده وأنعم عليه وأمر أن ينتظم في خدمته فاتفقت تعاويق من حركات السلطان وبعد ذلك بأيام سمع به صاحب بعلبك وهو الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن عز الدين
737 فرخشاه بن شاهان شاه بن أيوب فبعث إليه يستدعيه ويستدعي جدي لأنه كان يعرفه من عهد أبيه فلما وصلا إليه تلقاهما وأحسن إليهما غاية الإحسان وأطلق لهما الجامكية والجراية والرتب وحسن موقع عمي عنده جدا حتى كان لا يفارقه في أكثر أوقاته ولما رأى علمه بالحساب وجودة تصرفه فيه طلب منه يريه شيئا من الحساب فامتثل أمره وعرفه جملة منه وألف له كتابا في الحساب يحتوي على أربع مقالات وكان للملك الأمجد رحمه الله نظر في الفضائل ورغبة في أهلها وينظم شعرا جيدا وله ديوان مشهور ولما كان في سنة تسع وستمائة مرضت عيني خادم يقال له سليطة للسلطان الملك العادل أبي بكر ابن أيوب وهو يعزه كثيرا وتفاقم المرض في عينيه حتى هلكت ويئس منها ورآه المشايخ من الأطباء والكحالين وكل عجز عن مداواته وأجمعوا أنه قد عمي وأن المداواة لم يبق لها فيه تأثير أصلا ولما رآه أبي وتأمل عينيه قال أنا أداوي عيني هذا ويبصر بهما إن شاء الله تعالى وشرع في مداواته وفي علاجه وعيناه في كل وقت تصلح حتى كملت عافيته وبرأ برءا تاما وركب وعاد إلى ما كان عليه أولا حتى كان يتعجب منه وظهرت منه في مداواته معجزة لم يسبق إليها فأحسن الملك العادل ظنه به كثيرا وأكرمه غاية الإكرام من الخلع وغيرها وكان له قبل ذلك أيضا تردد إلى الدور السلطانية بالقلعة بدمشق وداوى بها جماعة كانت في أعينهم أمراض صعبة فصلحوا في أسرع وقت وعرف بذلك أيضا الملك العادل وقال مثل هذا يجب أن يكون معي في السفر والحضر وطلبه للخدمة فسأل أن يعفى وأن يكون مقيما بدمشق فلم يجبه إلى ذلك وأطلق له جامكية وجراية واستقرت خدمته له في خامس عشر ذي الحجة سنة تسع وستمائة وكان حظيا عنده وعند جميع أولاده الملوك ويعتمدون عليه في المداواة وله منهم الإحسان الكثير والافتقاد التام ولم يزل في الخدمة إلى أن توفي الملك العادل رحمه الله وملك دمشق بعده الملك المعظم فأمر أن يستمر في خدمته وكان له فيه أيضا من حسن الاعتقاد والرأي مثل أبيه وأكثر وخدم الملك المعظم لاستقبال صفر سنة عشرة وستمائة ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المعظم رحمه الله ورسم الملك الناصر داود ابن الملك المعظم بأن يستمر في خدمته وأن يجري له ما كان مقررا في أيام والده فبقي معه إلى أن اتفق توجه الملك الناصر إلى الكرك فأقام أبي بدمشق وصار يتردد إلى القعلة لخدمة الدور السلطانية لكل من ملك دمشق من أولاد الملك العادل وغيرهم وكلهم يرون له ويعتمدون عليه في المداواة وله الجامكية والجراية والإنعام الكثير ويتردد أيضا إلى البيمارستان نور الدين الكبير وله الجامكية والجراية والناس يقصدونه من كل ناحية لما يجدون في مداواته من سرعة البرء وإن أمراضا كثيرة مما تكون مداواتها بالحديد يبرئها بذلك على أجود ما يمكن ومنها ما يعالجها بالأدوية ويبرئها بها ويستغني أصحابها عن الحديد وهذا المعنى قد مدحه جالينوس في كتابه في محنة الطبيب الفاضل وقال رأيت طبيبا يبرئ بالأدوية الأدواء التي يبرئها المعالجون بالحديد بالقطع فعد ذلك على أن له علما ودربة وحذقا قال وأحمد أيضا من رأيته يبرئ بالأدوية وحدها
738 من أدواء العين ما يعالجه غيره بالقطع مثل الظفرة والجرب والبرد والماء والغلظ والشعر وزيادة اللحم الذي في المآقي ونقصانه وأحمد أيضا من رأيته حلل من العين مادة محتقنة فيها بسرعة أو رد الطبقة التي يقال لها العنابية بعد أن نتأت نتوءا كثيرا إلى موضعها حتى لطئت أو ظهر منه غير ذلك مما هو شبيه في علاج العين بغير حديد هذا نص جالينوس وقد رأيت كثيرا من ذلك وأمثاله قد تأتى لأبي في المداواة وكثيرا أيضا من أمراض العين التي قد يئس من برئها قد صلحت بمداواته كما قال فيه بعض من عالجه وبرأ على يديه وهو شمس العرب البغدادي (لسديد الدين في الطب يد * لم تزل تنقذ طرفا من قذى) (كم جلت عن مقلة من ظلمة * وأماطت عن جفون من أذى) (لا يعاني طب عين في الورى * قط إلا حاذق كان كذا) (يا مسيح الوقت كم من أكمه * بك أضحى مبصرا ذاك وذا) (فبآرائك للداء دوا * وبألفاظك للروح غذا) (لك عندي منن لو إنني * شاكر أيسرها يا حبذا) الرمل وشمس العرب هو أبو محمد عبد العزيز بن النفيس بن هبة الله بن وهبان السلمي ولم يزل أبي مترددا إلى الخدمة بقلعة دمشق وإلى البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي رحمه الله وكانت وفاته في ليلة الخميس الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وستمائة ودفن ظاهر باب الفريدس في طريق جبل قاسيون وذلك في أيام الملك الناصر يوسف بن محمد صاحب دمشق ولما كان عمي عند الملك الأمجد وأتى إلى بعلبك الملك المعظم لنجدة الملك الأمجد عند عداوته الاسبتار واجتمعوا كان عمي يجتمع معهم ولم يكن في زمانه من يعرف الموسيقى واللعب بالعود مثله ولا أطيب صوتا منه حتى أنه شوهد من تأثر الأنفس عند سماعه مثل ما يحكى عن أبي نصر الفارابي فكثر إعجاب الملك المعظم به جدا وبعد ذلك أخذه إليه واستمر في خدمته من أول جمادى سنة عشر وستمائة وأطلق له الجامكية والجراية ولم يزل يواصله بالافتقاد والإنعام ولا يفارقه في أكثر أوقاته وكان يعتمد عليه في صناعة الطب وكذلك كان الملك الكامل محمد والملك الأشرف يعتمدان عليه وإذا حضر أحدهما عند أخيه الملك المعظم لا يزال عندهما وكان له منهما الإنعام الكثير وأعرف مرة قد حضر الملك الكامل عند أخيه الملك المعظم وكان عمي معهما وكانوا في مجلس الأنس فأعطى الملك الكامل له في تلك الليلة خلعة كاملة وخمسمائة دينار مصرية ولما كان الملك
739 المعظم بدمشق ندبه أن يتولى كتابة الجيش وأكد عليه في ذلك فلم يسعه إلا امتثال أمره وقعد في الديوان وحضر عنده الجماعة والنواب وشرع في الكتابة أياما ثم رأى أن أوقاته تمر بأسرها في الكتابة والحساب ولم يبق له وقت لنفسه ولاشتغاله في العلوم العقلية وغيرها فطلب من السلطان أن يعفيه من ذلك وتشفع إليه بجماعة من خواصه حتى أقاله ولما كان في سنة إحدى عشرة وستمائة حج الملك المعظم وحج عمي معه ولم يزل في خدمته إلى أن اتفقت نوبة عمنا في نصف شعبان سنة أربع عشرة وستمائة وتقدمت الفرنج وتخالف الطريق بين السلطان الكبير الملك العادل وولده المعظم فمضى عمي صحبة الملك العادل نحو دمشق ومضى الملك المعظم نحو نابلس ثم خرج عمي من دمشق صحبة الملك الناصر داود ابن الملك المعظم ولما وصلوا عجلون أمر برجوع ولده فرجعوا وبعد ذلك مرض عمي مرضا وطال إلى آخر السنة المذكورة فرأى أن الحركة تضره وهو بالطبع يميل إلى الانفراد والاشتغال بالكتب واستدعاه الملك العادل أبو بكر بن أيوب لما سمع بتحصيله وسيرته وذلك في الخامس من المحرم سنة خمس عشرة وستمائة وولاه طب البيمارستانين بدمشق اللذين وقفهما الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي فكان يتردد إليهما وإلى القلعة وقرر له جامكية وجراية وأطلقت له أيضا ست الشام أخت الملك العادل جامكية في الطب وكان يتردد إلى دارها ولما أقام بدمشق وجعل له مجلسا عاما لتدريس صناعة الطب واشتغل عليه جماعة وكلهم تميزوا في الطب وكان يجتمع في ذلك الوقت مع علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني وهو علامة وقته في العلوم الرياضية فقرأ عليه علم الهيئة وأتقنها في أسرع وقت ولقد كان علم الدين يوما عنده وهو يريه أشكالا في علم الهيئة وقال له وأنا أسمع والله يا رشيد الدين هذا الذي قد علمته في نحو شهر دأب غيرك في خمس سنين حتى يعلمه واجتمع أيضا عمي في دمشق بالسيد الإمام العالم شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه وألبسه خرقة التصوف وذلك في العشرين من شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة وهذه نسخة ما كتبه له معها بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أنعم به المولى السيد الأجل الإمام العالم شيخ الشيوخ صدر الدين حجة الإسلام علم الموحدين أبو الحسن محمد ابن الإمام السيد الأجل العالم شيخ الشيوخ عماد الدين أبي حفص عمر بن أبي الحسن بن محمد بن حمويه أدام الله تأييده من إلباس خرقة التصوف على مريده علي بن خليفة بن يونس الخزرجي الدمشقي وفقه الله على الطاعات ألبسه وأخبره أنه أخذها عن والده المذكور رحمه الله وأن والده أخذها عن أبيه شيخ الإسلام معين الدين أبي عبد الله محمد بن حمويه
740 رحمه الله وإنه أخذها عن الخضر عليه السلام والخضر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذها جده أيضا عن الشيخ أبي علي الفارندي الطوسي وأخذها المذكور عن شيخ وقته أبي القاسم الكركاني وأخذها أبو القاسم عن الأستاذ الإمام أبي عثمان المغربي وأخذها أبو عثمان عن شيخ الحرم أبي عمرو الزجاجي وأخذها المذكور عن سيد الطائفة الجنيد بن محمد وأخذها الجنيد عن خاله سري السقطي عن معرف الكرخي عن علي بن موسى الرضا عليه السلام وصحبه وتأدب به وخدمه وأخذ علي عن أبيه موسى بن جعفر الكاظم عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد بن علي الباقر عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام وأخذها علي كرم الله وجهه عن سيد المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأخذ معروف أيضا عن داود الطائي عن حبيب العجمي عن سيد التابعين الحسن البصري عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لباسه الخرقة أعاد الله عليه من بركاتها وعلى جميع من تشرف بها في العشرين من شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة بدمشق المحروسة وبين الأسطر بخط المولى صدر الدين شيخ الشيوخ ما هذا مثاله ألبست الخرقة للمذكور وفقه الله تعالى وكتب ابن حمويه أبو الحسن بن عمر بن أبي الحسن بن محمد في شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة حامدا لربه ومصليا على رسوله ومستغفرا من ذنوبه ولما كان في سنة ست عشرة وستمائة وصل إلى عمي كتاب من الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العادل بخطه وهو يطلب منه أن يتوجه إليه إلى مدينة بصرى ليعالج والدته ومرضى أخر عنده ويعود وكان قد عرض في بصرى وباء عظيم فتوجه إليه وعالج والدته فصلحت في مدة يسيرة وأنعموا عليه بالذهب والخلع وعرضت لعمي حمى حادة فعاد إلى دمشق ولم يزل المرض يتزايد به وأعيان الأطباء
741 ومشايخهم يلازمونه ويعالجونه إلى أن انقضت مدة حياته وكانت وفاته رحمه الله في الساعة الثانية من يوم الاثنين سابع عشر شعبان سنة ست عشرة وستمائة وله من العمر ثمان وثلاثون سنة ودفن عند أبيه وأخيه في ظاهر باب الفراديس ومن كلامه في الحكمة مما سمعته منه رحمه الله فمن ذلك وصية أول النهار قال قد أقبل هذا النهار وأنت فيه مهيأ لكل فعل فاختر لنفسك أفضلها لتوصلك إلى أفضل الرتب وعليك بالخير فإنه يقربك من الله ويحببك إلى الناس وإياك والشر فإنه يبعدك عن الله ويبغضك إلى الناس وافعل ما تحاسب نفسك عليه عند انقضاء هذا النهار والحذر من أن يغلب شرك على خيرك وليس الفاضل من بقي على حالة الطبيعة مع عدم المؤذيات بل الفاضل من بقي عليها مع وجود المؤذيات والانقطاع عن الناس أكبر مانع للأذى وأقبل وصايا الأنبياء واقتد بأفعال الحكماء وعليك بالصدق فإن الكذب يصغر الإنسان عند نفسه فضلا عن غيره واحلم تشكر وتفضل فإن الحقد يعجل الهم ويوقع في العداوات والشرور وكذلك الحسد وتجنب الأشرار تكف الأذى وأبعد عن أرباب الدنيا تكف الأشرار واقنع من دنياك بما تدفع به ضرورة بدنك وأعلم أن نهارك هذا قطعة تذهب من حياتك فأنفقها فيما يعود عليك نفعه وإذا اندفعت ضرورة بدنك اقض باقي نهارك في مصلحة نفسك وافعل بالناس ما تشتهي أن يفعلوه بك وإياك والغضب والمبادرة إلى الانتقام من المغضب أو الانفصال عنه فإنه ربما أوقع في الندم وعليك بالصبر فإنه رأس كل حكمة وصية أول الليل قد انقضى نهارك بما فيه وأقبل عليك هذا الليل وليس لك فيه فعل بدني ضروري فاعطف على مصلحة نفسك بالاشتغال في العلم والفكر في الاطلاع على الحقائق ومهما استطعت اليقظة في ذلك فافعل فإذا أردت النوم فاجعل في نفسك ملازمة ما أنت فيه لتكون رؤياك من هذا الجنس وافعل ما تحاسب نفسك عليه عند الصباح واحرص أن تكون في غدك أفضل من يومك المنقضي وإياك أن تجدبك الطباع إلى الفكر فيما عاينته في نهارك من أحوال أرباب الدنيا فتضيع وقتك وتنفتح لك أبواب الخداع والحيل والمكر في تحصيل أمور الدنيا وتظلم نفسك وتفسد حالك وتبعد عن الحقائق وتكتسب الأخلاق المذمومة ويعسر تخلصك منها لكن اعلم أن هذه أعرض زائلة لا فائدة فيها وإن ضرورات الإنسان قليلة جدا وفكر فيما يعود على نفسك نفعه وتهيأ للقاء الله فإن علمك بموتك متى يكون مستورا عنك وما جاؤوك في أن يأتي يوم آخر عليك أقوى من وهمك أن تموت في هذه الليلة فودع بالثبات على ما تنتفع به بعد المفارقة والسلام وقال احترم المشايخ ولو سكتوا عن جواب سؤالك فلعل ذلك لبعد العهد وكلال القوى أو لأنك سألت عما لا يعنيك أو معرفتهم بعجز فهمك عن الجواب واعلم أن فوائدك منهم أكثر من ذلك وقال اشتغل بكلام المشهورين الجامعة أولا فإذا حصلت الصناعة فاشتغل بالكتب الجزئية من
742 كلام كل قائل عاريا عن محبة أو بغضة ثم زنه بالقياس وامتحنه إن أمكن بالتجربة وحينئذ أقبل الصحيح وإن أشكل فأشرك غيرك فيه فإن لكل ذهن خاصية بمعان دون معان وقال إذا أقدمك الأفاضل تقدم وإلا تأخرت وقال أطلب الحق دائما تحظ بالعلم لنفسك وبالمحبة من الناس وقال طابق أعمالك الجزئية ما في ذهنك من القانون الكلي يتيقن علمك وتجود تجربتك وتتأكد تقدمة معرفتك وتكثر منافعك من الناس وقال اشتغل من الكلام بما قصد قائله التعليم فإذا حصلت الصناعة فأكدها بالاشتغال بكلام محبي الحق مبطلي الباطل فإذا تبرهن علمك وتيقن بحيث لا تقدح فيه الشكوك لا يضرك حينئذ في بعض أوقاتك مطالعة كتب المتشككين والجدليين فإن قصدهم إظهار قوتهم فيما يدعونه سواء كانوا يعلمونه علما يقينا أم لا وسواء كان ما يدعونه حقا أم باطلا وقال إذا تطببت فاتق الله واجتهد أن تعمل بحسب ما تعلمه علما يقينا فإن لم تجد فاجتهد أن تقرب منه وقال إذا وصلت إلى رتبة المعلمين فلا تمنع مستحقا وهو العاقل الذكي الخير الحكيم النفس وامنع من سواه وقال إذا رأيت أدوية كثيرة لمرض واحد فاختر أوفقها في حال حال وقال الأمراض لها أعمار والعلاج يحتاج إلى مساعدة الأقدار وأكثر صناعة الطب حدس وتخمين وقلما يقع فيه اليقين وجزآها القياس والتجربة لا السفسطة وحب الغلبة ونتيجتها حفظ الصحة إذا كانت موجودة وردها إذا كانت مفقودة وفيهما يتبين سلامة الفطر ودقة الفكر ويتميز الفاعل عن الجاهل والمجد في الطلب عن المتكاسل والعمال بمقتضى القياس والتجربة عن المحتال على اقتناء المال وعلو المرتبة وقال إن بالعلم من الطول وعسر الحصول ولو سلك فيه الإيجاز والبيان جهد الإمكان مع طول الأعمار ودقة الأفكار وتعاون البشر وسلامة الفطر ما يعجز الناظر ويذبذب الخاطر وقال انظر إلى أفعال الطبيعة إذا لم يعقها عائق واقتد بها في أفعالك وقال ما أحسن الصبر لولا أن النفقة عليه من العمر وقال كلما انتظر الشيء استبعد زمانه واستقل مقداره وقال الخير منتظر فالظن فيه قليل وقال الظلم في الطباع وإنما يترك خوف معاد أو خوف سيف وقال لا تتم مصلحة إلا بمفاسد وقال القاصدون مصالحهم أكثر من المشفقين على مخلوقات الله تعالى بأضعاف مضاعفة
743 وقال إن شئت المقام بين الناس مظلوما فاحترز منهم أو غير مظلوم فأظلمهم وأما الحال الوسطى فلا تطمع بها وقال الانقطاع أفضل أوقات الحياة وقال الانقطاع أفضل السير وقال الانقطاع نتيجة الحكمة وقال الإردباء يطلبون مع من يفنون نهارهم في الحديث واللهو والبطالة وأنهم متى خلوا بأنفسهم تألموا مما يجدونه في أنفسهم من الرداءة والأخيار على خلاف ذلك لأنهم يأنسون بأنفسهم وقال أصل كل بلية الرغبة في الدنيا وقال طالما يلبث الناس عن مصالحهم لتشبثهم بالدنيا ففاتتهم وقال عجبي لمن لا يعلم متى يموت ويعتقد سعادة وشقاء على أي حال كانت كيف يركن إلى الدنيا ويهمل المهم من أمره وقال ما أكثر الملتذين بالآمال من غير الشروع في بلوغها وقال الآمال أحلام اليقظان وقال لكل وقت أشغال كثيرة فليفعل فيه أهمها وقال كيف حال من يهمل مهماته في أوقاتها مؤملا أن ستأتي أوقات أخرى لها مدافعا من كل وقت إلى غيره إلى أن يموت مؤملا وقال ما دمت في حال تقدر على تدبير جسدك ورياضة نفسك بحسب استعدادهما غير مقتر ولا مسرف فلا تنتقل إلى غيره فإن لك محركا لو رمت السكون لما أمكنك وكم من متنقل إلى حال خالها أفضل ألفاها أخس وقال لا تعاد السعيد فضد السعيد الشقي وقال إن القى كل من عدوين همته على الآخر فأسعدهما جدا يقهر عدوه ولذلك أمر بإجماع الهمم عند طلب الأمور العظيمة لتقوم مقام الهمة الواحدة المعانة بالتأييد السماوي وقال احرص على اتخاذ الناس إخوانا وإياك وسهام الهمم فإنها صائبة وقال احذروا أذية العلماء فإنهم آل الله وقال ما ظلم ذو علم حقيقي إلا كشف الله ظلامته ونصره وخذل ظالمه قريبا وقال إن لله أحبابا يحرسهم بعينه التي لا تنام هم العلماء وقال العلماء هم السعداء على الحقيقة وقال سعداء الدنيا على اصطلاح الجمهور ما لم تصدر عنهم الخيرات فهم الأشرار وقال قد ينطق إنسان في وقت ما بالحكمة فإذا طلب من نفسه ذلك في وقت آخر لم يجده وقال من صاحب الجهال على جهالاتهم وجذبه حب الدنيا إلى الحضور في مجالسهم فناله شرهم فليسلم نفسه وقال أصلح الميزان ثم زن به وقال إذا صرت ذا عقل هيولاني صرت إنسانا بالفعل بقول مطلق وقال ثق بعلمك إذا لم يقدح فيه الاعتراض وقال نعم الرأي الواحد وقال نعم الرأي المتناسب وقال العمل في الرأي بحسب غاية تصدر به لا بحسب المصلحة المطلقة وقال نعم الرأي الحادث بين المستشير الصادق والمستشار الأمين العاقل وقال لا تثق إلا بمعتقد في شيء ما يرجوه ويخافه متيقن أنه لا حق إلا اعتقاده فأما الشاك فيما يعتقده أو من لا يعتقد شيئا البتة فلا تثق به ولا تتخذه صاحبا وذلك المعتقد المتيقن اعتقاده إن كان غير أهل ملتك فاحذره أيضا لأنه يعتقد فيك الكفر بمعتقده فيتخذك عدوا فيفعل بك فعل الأعداء وقال ثق بالدين من أهل دينك وقال تيقن أن صحة
744 الاعتقاد سبب لملازمة الأعمال الدينية وملازمة الأعمال الدينية قد تكون دليلا على تيقن صحة الاعتقاد وقد يفعلها فاعلها تابعا لغيره غير عالم بشيء آخر وقد يفعلها تقية وعلامتها إذا كانت تابعة لتيقن صحة الاعتقاد ظهور الآثار الإلهية عليها وعدل سائر سيرة فاعلها من نفسه مع جميع المخلوقات وقال الحرية نعم العيش وقال القناعة باب الحرية وقال من قدر على العيش الكفاف بحسب ضروراته ثم ملك نفسه لغير رغبة في فضول العيش فهو أحمق الحمقاء وقال ما أقل ضرورات الإنسان لو انصف نفسه وقال اجتنب الألف بأهل الدنيا فأنهم يشغلونك إن وجدتهم ويحزنونك إن فقدتهم وقال أصحب عند ضجرك من تبعدك صحبته مما كنت فيه وقال فقد الخليل مؤذن بالرحيل وقال الحكيم إن أسأت إليه أو توهم أنك أسأت إليه وإن لم تسئ فقد تنتفع عنده بالتنصل إن كنت بريئا وبالاعتذار إن كنت مسيئا فأما الحقود فمتى أشعرت بأنه توهم منك إساءة عدم نفع أو مخالفة أمر فاحذره فإنه لا يزال في خاطره التدبير في أذيتك وقال الأصدقاء كنفس واحدة في أجساد متفرقة وقال الطبيب مدبر لبدن الإنسان من حيث هو مقارن لنفسه لا من حيث هو بدن إنسان بالقول المطلق وهذا التركيب من أشرف التراكيب فينبغي أن يكون معانيه من أشرف الناس وقال المال مغناطيس أنفس الجهلاء والعلم مغناطيس أنفس العقلاء وقال رأيت الجهلاء يعظمون أرباب الأموال مع تيقنهم أنهم لا ينيلونهم منه شيئا إلا ثمن متاع أو أجرة صناعة كما ينالونه من الفقراء وقال خير العلماء من ناسب علمه عقله وقال إذا أمكن الانقطاع عن الناس بأقل المقنعات فهو أفضل الأحوال وقال إذا كنت تشفق على مالك فلا تنفق شيئا منه إلا في المهم فأحرى أن تفعل ذلك في عمرك وقال الحكمة الاقتداء بالله تعالى وقال إنما يطلع الإنسان على عيوب نفسه من اطلاعه على عيوب الناس وقال إذا لزمت نفسك الخلق الجميل فكأنك أكرمتها غاية الكرامة وذلك أنك إذا لم تغضب مثلا والناس كلهم يغضبون فأنت أفضل الناس من هذا الوجه وقال بقدر ما لكل ذات من الكمال لها من اللذة بقدر ما في كل ذات من النقص فيها من الألم وقال أكثر من مطالعة سير الحكماء واقتد منها بما يمكن الاقتداء به في زمانك وقال قو نفسك على جسدك وقال أصلح كيفية الغذاء واقتصد في كميته وقال اكتف من غذاء الجسم بما يحفظ قواه وإياك والزيادة فيها واستكثر من غذاء النفس وقال غذاء النفس بالعلوم على التدريج فابتدئ بالسهل القليل وتدرج فإنها تشتاق حين تقوى وتعتاد إلى الصعب الكثير فإذا صار لها ملكة سهل عليها كل شيء قال المعدة القوية تهضم جميع ما يرد إليها من أنواع الأغذية والنفس الفاضلة تقبل جميع ما يرد عليها من العلوم وقال ما لم تطق التوحد فأنت مضطر إلى مصاحبة الناس وقال صاحب الناس بما يرضيهم ولا تطرح جانب الله تعالى وقال كتب بعضهم إلى شيخه يشكو تعذر أموره فكتب إليه إنك لن تنجو مما تكره حتى تصبر عن كثير مما تحب ولن تنال ما تحب حتى تصبر على كثير مما تكره والسلام وقال اشكر المحسن ومن لا يسيء واعذر الناس فيما يظهر منهم ولا تلمهم فلكل من الموجودات طبع خاص وقال استحسن للناس ما تستحسنه لنفسك واستقبح لنفسك ما تستقبحه
745 لهم وقال لا تخل فعلا من أفعالك من تقوى الله تعالى وقال أطع الله محقا يطعك الناس وقال لا شيء أنجع في الأمور من الهمة الصادقة وقال خذ من كل شيء ما يوصلك إلى الغاية التي وضع من أجلها وقال كل ما يحصل بالعرض فلا تثق به وقال اخضع للناس وخاصة العلماء والمشايخ ولا تزدر أحدا فطالما كتم العالم علمه ليتخير له من يودعه إياه كما يتخير الفلاح الأرض وقال اشتغل من كل علم بكلام أربابه الأول وقال استكثر من العناية بالكتب الإلهية المنزلة ففيها كل حكمة وقال أكثر من صحبة المشايخ فأما أن تستفيد من علمهم وأما من سيرتهم وقال إذا تأملت حركات الفضلاء وسكناتهم وجدت فيها حكما جمة وقال رأيت الهم عند أكثر الناس ما يجتلبون به المال وقال ما أكثر ما يسمع الناس الوصايا النبوية والحكمية ولا يستعملون منها إلا ما يجتلبون به المال وقال ما أشد ركون الناس إلى اللذات الجسمانية وقال لا تخل وقتك الحاضر من الفكر في الآتي وقال من لم يفكر في الآتي أتى قبل أن يستعد له وقال القناعة سبب كل خير وفضيلة وقال وبالقناعة يتوصل إلى كل مطلوب وقال القانع مساعد على بلوغ مآربه وقال اقصد من الكمال الإنساني الغاية القصوى فإن لم يكن في قوتك الوصول إليها فإنك تصل إلى ما في قوتك أن تصل إليه وإذا قصدت الكمال التالي لكمالك آملا إذا وصلته أن تقصد ما يليه فربما ركنت إلى الراحة وقنعت بدون ما تستحقه وقال احرص على أن لا تخل بشيء من العبادات البدنية فإنها نعم المعين الموصل إلى العبادات النفسانية وقال كفى بالوحدة شرفا أن الله تعالى واحد وقال كلما تمحضت الوحدة كانت أشرف لأن وحدة الله تعالى لا يشوبها كثرة من وجه أصلا وقال اعتصم بالله تعالى وتوكل عليه وثق به محقا يحرسك ويكفيك كل مؤونة ولا يخيب لك ظنا وقال اجعل الملة عضدك وأهلها إخوانك ولا تركن إلى الدول فإن الملل هي الباقية وقال عود نفسك الخير علما وعملا تلق الخير من الله تعالى ومن الناس عاجلا وآجلا وقال لا تطمع بالانقطاع ما دام لك أدنى طمع وقال لو وقف الضعيف عند قدره لأمن كثيرا من الأخطار وقال ليت شعري بما أعتذر إذا علمت ولم أعمل أرجو عفو الله تعالى ومن شعره وهو مما سمعته من لفظه رحمه الله فمن ذلك قال (يا صاحبي سلا الهوى وذراني * ماذا تريدا من مشوق عاني) (لا تسألاه عن الفراق وطعمه * إن الفراق هو الممات الثاني) (نادى الحداة دنا الرحيل فودعوا * ففجعت في قلبي وفي خلاني) (وسرت ركائبهم وقد غسق الدجى * فأضاء ممن سار في الأظعان) (ما كنت أعلم أن بعدك قاتلي * حتى فعلت وغرني سلواني) (وبكيت وجدا بعد ذاك فلم أجد * إني وقد صار اللقاء أماني) الكامل
746 وقال في صفة مجلس (سقيا ليوم تم السرور بنا * فيه وكأس الشمول تجمعنا) (والدهر ولت عنا حوادثه * ونحن في لذة ونيل مني) (بمجلس كامل المحاسن لو * به يحل الجنيذ لافتتنا) (فكاهة بيننا وفاكهة * وكاس راح وراحة وغنا) (بين ندامى مثل الشموس لهم * علم وفضل ورفعة وسنا) (حديثهم لا يمل سامعه * لطيبه العين تحسد الإذنا) (إخوان صدق صفت ضمائرهم * أولو عفاف لا يضمرون خنا) (أهل سماح ما أن يزال لهم * صنع له في الأنام طيب ثنا) (ننشد أغزالنا ونلغزها * باسم غزال أضحى يغازلنا) (في يوم دجن تهمي سحائبه * كأنها كف رب منزلنا) (وعند منقل تلألأ في * أرجائه النار فهي تدفئنا) (تجاهه شاد وفي يده * طير كصب لديه ذاب ضنا) (كأنه إذ غدا يقلبه * في النار قلبي الذي قد أرتهنا) (ظلت كؤوس المدام طاردة * للهم حيث السرور عكرنا) (نسر ما بيننا الحديث ولا * نبديه خوف الوشاة تسمعنا) (فما ترانا عين لذي بصر * إلا عيون الحباب ترمقنا) (فاطيب العيش ما نكتمه * خوفا وإن كان سرنا علنا) (يا يومنا هل نراك ثانية * ببعلبك أم تعود لنا) المنسرح وقال أيضا (يا صاح ضاع نسكي * مذ صرت في بعلبك) (وكيف يسلم ديني * بعد افتتاني وهتكي) (بكل أهيف لدن * القوام للبدر يحكي) (يرنو بصارم لحظ * ماسل إلا لفتكي) (كأن في فيه خمرا * شيبت بشهد ومسك) (جذلان يضحك تيها * إذا رآني أبكي) (ولا يرق إذا ما * خضعت عند التشكي) (وزادني زور واش * وشى إليه بإفك) (ما راقب الله لما * سعى إليه بهلكي)
747 (فصار في مذهب الحب * مالكي وهو ملكي) البسيط وقال أيضا (سر المحب بدمعه إعلان * فمتى يكون مع الورى كتمان) (أرأيتما يا صاحبي فتى تذل * له الأسود تذلة الغزلان) (ما كنت ممن يسترق فؤاده * عشق ولكن الهوى سلطان) (مولاي إن الهجر بعد تواصل * ورجاؤنا قد أمه الهجران) (هل ترحم الصب الكئيب بزورة * يا من جميع فعاله إحسان) (تلقى فتى رحب الفنا ذا عفة * طلق المحيا قلبه ولهان) الكامل وقال أيضا (أفدي رشيق القد ليس له * في الحسن والإحسان من ند) (وسنان ما لجفون عاشقه * من رائد التسهيد من بد) (وكأن ريقته معتقة * مشمولة بالماء والند) (لكنه أضحى يعارضني * بالهجر والإعراض والصد) (فلأصبرن على ملالته * فعسى عليه تصبري يجدي) الكامل وقال أيضا (قد رق لي ورق الحمى في لعلع * بالنوح في الدوح ففاضت أدمعي) (ناحت مراء من حنين قلبها * ونحت نوح ثاكل مفجع) (ودعتهم ثم رجعت عادما * قلبي وهم يا خيبة المودع) (وقلت يا روحي بيني فلقد * بانوا وإن لم يرجعوا لا ترجعي) الرجز وقال أيضا (أسفت وما يجدي التأسف والوجد * ونحت على نجد وقد اقفرت نجد) (وسار بمن أهوى الركاب وأدمعي * تفيض وقالوا مت فهذا هو الفقد) (حرمت لذيذ العيش بعد فراقه * وبالرغم مني أن يطول به العهد) الطويل وقال أيضا (أتبخل بالتحية والسلام * فديتك لم وأنت أبو الكرام)
748 (أتى رمضان فافعل فيه خيرا * لتضحي فيه مقبول الصيام) (ولا تشهر حسام اللحظ فيه * ولا تهزز به رمح القوام) (أما تخشى من الرحمن يا من * يحل القتل في الشهر الحرام) الوافر وقال لغزا في أبو الكرام (يا سائلي عمن لعيني حلا * فكر فقد جئتك بالمشكل) (ذو تسعة تعد لها شاء في * أعدادها فافهم ولا تغفل) (وثامن الأحرف كالرابع * المعروف والرابع كالأول) (والسابع التاسع في خمسة * وعشرة السادس فأظهره لي) (وعشر ثانية إذا كان في * خامسه كالثالث الأفضل) (هذا اسم من أهوى فإن كنت ذا * معرفة فأخبر ولا تمطل) السريع وقال لغزا في أبو الكرام (يا سائلي عن حبيب لا أسميه * خوف الرقيب ولكني أعمية) (مركب الاسم من ستين قد ضربت * في نصف سدس لها فافهم معانيه) (وخمس سابعه ضعف لسادسه * وعشر سادسه مال لثانيه) (وثالث الاسم في هاء كخامسه * والرابع الأول المعروف بحكيه) (هذا اسم سؤلي فلا تفصح بأحرفه * إني فديتك مهما عشت أخفيه) البسيط وقال أيضا لغزا فيه (فديت من نصف اسمه جذر قاف * وخمسه لام وياء وكاف) (وسادس الأحرف في نصفه * وربعه مثل الثمان الظراف) (وضعف ثاني الاسم في خمسة * كنصف أنهاه قياسا كفاف) (والسابع الثلثان والثالث * الخمس والرمز كاف) (والرابع الأول يا سيدي * هذا الذي أورث جفني الرعاف) (وهو على قسمين إحداهما * أقصده منه وقسم مضاف) (هذا اسم من أهوى فهل عاشق * أوتي على مثل افتناني عفاف) السريع وقال لغزا في أتش (يا سائلي عن الأقمار تحكيه * مهلا فإني طول الدهر أخفيه
749 (مركب الاسم من تاء ومن ألف * وسدس ثالثه نصف لثانيه) (وأول الاسم عشر الياء فاصغ لما * أقول واكتمه أني لا أسميه) البسيط وقال (حرم بعد القوم آرابه * صب غدا يندب ما صابه) (ودع من يهواه ثم انثنى * يعالج الموت وأسبابه) (قال له صاحبه هكذا * جزاء من فارق أحبابه) السريع وقال أيضا (سيرتي كالمرآة يبصر منها * شبهه ذو الجمال والقبح حقا) (فيسر الجميل حسن يوافي * ويسوء القبيح قبح يلقى) (فيديم الجميل رؤيته فيها * وينأى عنها القبيح الأشقى) (وكذا لا يلم بي من بني الدنيا * سوى الأكرمين طبعا وخلقا) الخفيف وقال أيضا (ثلاثون عاما من حياتي مضت وما * يئست ولا نولت بعض مطالبي) (تعاندني الأيام عمدا وإنني * صبور على البلوى منيع الجوانب) (تقربت من حظي بكل فضيلة * وفضل فجاراني بضيق المذاهب) (إلا أن يأس النفس أوفق للفتى * وأطيب من نجوى الأماني الكواذب) الطويل وقال أيضا (هي الدنيا فلا تغتر منها * بشيء أنه عرض يزول) الوافر ولعمي رشيد الدين علي بن خليفة من الكتب كتاب الموجز المفيد في علم الحساب أربع مقالات ألفه للملك الأمجد صاحب بعلبك وذلك في شهر صفر سنة ثمان وستمائة وهم في المخيم بالطور كتاب في الطب ألفه للملك المؤيد نجم الدين مسعود بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وقد استقصى فيه ذكر الأمور الكلية من صناعة الطب ومعرفة الأمراض وأسبابها ومداواتها كتاب طب السوق ألفه لبعض تلامذته وهو يشتمل على ذكر الأمراض التي تحدث كثيرا ومداواتها بالأشياء السهلة الوجود التي قد اشتهر التداوي بها مقالة في نسبة النبض وموازنته إلى الحركات الموسيقارية مقالة في السبب الذي له خلقت الجبال ألفها للملك الأمجد كتاب الاسطقسات تعاليق ومجريات في الطب
750 بدر الدين ابن قاضي بعلبك هو الحكيم الأجل العالم الكامل بدر الدين المظفر ابن القاضي الإمام العالم مجد الدين عبد الرحمن بن إبراهيم كان والده قاضيا ببعلبك ونشأ هو بدمشق واشتغل بها في صناعة الطب وقد جمع الله فيه من العلم الغزير والذكاء المفرط والمروءة الكثيرة ما تعجز الألسن عن وصفه قرأ صناعة الطب على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله وأتقنها في أسرع الأوقات وبلغ في الجزء العلمي والعملي منها إلى الغايات وله همة عالية في الاشتغال ونفس جامعة لمحاسن الخلال ووجدت له في أوقات اشتغاله من الاجتهاد ما ليس لغيره من المشتغلين ولا يقدر عليه سواه أحد من المتطببين كان لا يخلي وقتا من التزيد في العلم والعناية في المطالعة والفهم وحفظ كثيرا من الكتب الطبية والمصنفات الحكمية ومما شاهدته من علو همته وجودة قريحته أن الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي كان قد صنف مقالة في الاستفراغ وقرأها عليه كل واحد من تلامذته وأما هو فإنه شرع في حفظها وقرأها عليه من خاطره غائبا من أولها إلى آخرها فأعجب الشيخ مهذب الدين ذلك منه وكان ملازما له مواظبا على القراءة والدرس ولما خدم الشيخ مهذب الدين الأشرف موسى ابن الملك العادل وكان في بلاد الشرق وسافر الحكيم مهذب الدين إلى خدمته وذلك في سنة اثنتين وعشرين وستمائة توجه الحكيم بدر الدين مع الشيخ مهذب الدين ولم يقطع الاشتغال عليه ثم خدم الحكيم بدر الدين بالرقة في البيمارستان الذي بها وصنف مقالة حسنة في مزاج الرقة وأحوال أهويتها وما يغلب عليها وأقام بها سنين واشتغل بها في الحكمة على زين الدين الأعمى رحمه الله وكان إماما في العلوم الحكمية ثم أتى بدر الدين إلى دمشق ولما تملك الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين مودود ابن الملك العادل دمشق وذلك في سنة خمس وثلاثين وستمائة استخدمه وكان حظيا عنده مكينا في دولته معتمدا عليه في صناعة الطب وولاه الرياسة على جميع الأطباء والكحالين والجرائحيين وكتب له منشورا بذلك في شهر صفر سنة سبع وثلاثين وستمائة فجدد من محاسن الطب ما درس وأعاد من الفضائل ما دثر وذلك أنه لم يزل محبا لفعل الخيرات مفكرا في المصالح في سائر الأوقات ومما وجدته قد صنعه من الآثار الحسنة التي تبقى مدى الأيام ونال بها من المثوبة أوفر الأقسام أنه لم يزل مجتهدا حتى اشترى دورا كثيرة ملاصقة للبيمارستان الكبير الذي أنشأه ووقفه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله وتعب في ذلك تعبا كثيرا واجتهد بنفسه وماله حتى أضاف هذه الدور المشتراة إليه وجعلها من جملته وكبر بها قاعات كانت صغيرة للمرضى وبناها أحسن البناء وشيدها وجعل الماء فيها جاريا فتكمل بها البيمارستان وأحسن في فعله ذلك غاية الإحسان ولم يزل يدرس صناعة الطب وخدم أيضا الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل لمداواة الأدر السعيدة بقلعة دمشق ومن يلوذ بها والتردد إلي البيمارستان ومعالجة المرضى فيه وكتب له منشورا برياسنه أيضا على جميع الأطباء وذلك في سنة خمس وأربعين وستمائة
751 وخدم أيضا لمن أتى بعده من الملوك الذين ملكوا دمشق وله منهم الجاري المستمر والراتب المستقر والمنزلة العلية والفواضل السنية وهو ملازم التردد إلى القلعة والبيمارستان ودائم التزايد في العلم في سائر الأزمان ومما وجدته من علو همته وشرف أرومته أنه تجرد لعلم الفقه فسكن بيتا في المدرسة القليجية التي وقفها الأمير سيف الدين علي بن قليج رحمه الله وهي مجاورة لدار الحكيم بدر الدين فقرأ الكتب الفقهية والفنون الأدبية وحفظ القرآن حفظا لا مزيد عليه وعرف التفسير والقراءات حتى صار فيها هو المشار إليه واشتغل بذلك على الشيخ الإمام شهاب الدين أبي شامة رحمه الله وليس للحكيم بدر الدين دأب إلا العبادة والدين والنفع لسائر المسلمين ولم يزل يبلغني تفضله ويصلني أنعامه وتفضله وكان وصل إلي من تصنيفه كتاب مفرح النفس فكتبت إليه في رسالة وقف المملوك على ما أودعه مولانا الحكيم الإمام العالم بدر الدين أيد الله سعادته وأدام سيادته في كتابه المعجز ولفظه الموجز الموسوم بمفرح النفس الموجد للسرور والأنس الذي أربى به على القدماء وعجز سائر الأطباء والحكماء وتقلبت الأدوية القلبية منه فرقا وصار الرئيس مرؤوسا في هذا المرتقى ولا غرو صدور مثله عن مولانا وهو شيخ الأوان وعلامة الزمان فالله يجعل حياته مقرونا بها السعادة ويملأ الآفاق من تصانيفه لتكثر منها الإفادة وكتبت في هذه الرسالة إليه هذه الأبيات ونظمتها بديها (تكاد لنور بدر الدين * تخفى طلعة الشمس) (حكيم فاضل حبر * شريف الخيم والنفس) (وأدرى الناس في طب * وعلم النبض والحبس) (خبير بالتداوي عن * يقين ليس عن حدس) (فمن بقراط والشيخ * من اليونان والفرس) (فكم أوجد من برء * وكم أنقذ من عكس) (سما في الرأي عن قيس * وفي الألفاظ عن قس) (وقد أهدى إلى قلبي * كتاب مفرح النفس) (كتاب حل تأييد * به في عالم القدس) (تجلى نور معناه * لنا في ظلمة النفس) (وما أحسن زهر الخط * في روض من الطرس) (بدت أبكار أفكار * فكان الطرف في عرس) (وما أكثر لي فيه * من الراحة والأنس) (وقد قابلت ما يحويه * بالتقبيل والدرس)
752 (فاجني منه إثمارا * حلت من طيب الغرس) الهزج ومما كتبته إليه أيضا في كتاب (مولاي بدر الدين يا من له * فضائل تتلى وإحسان) (ومن علا في المجد حتى لقد * قصر عن علياه كيوان) (ومن إذا قال فمن لفظه * يسحب ذيل العي سحبان) (شوقي إلى لقياك قد زاد عن * حد وصدق الود برهان) (لم تخل عن فكري ومالي بما * أنعمت طول الدهر نسيان) السريع أدام الله أيام المجلس السامي الأجلي المولوي الحكيمي العالمي الفاضلي الصدري الكبيري المخدومي علامة عصره وفريد دهره بدر الدنيا والدين عمدة الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين حرص الله معاليه وبلغه في الدارين نهاية أمانيه وكبت حسدته وأعاديه ولا زالت السعادة مخيمة بفنائه والألسن مجتمعة على شكره وثناءه المملوك ينهي أن عنده من تزايد الأشواق إلى الخدمة ما لو أن له فصاحة الشيخ الرئيس مع طول عبارة الفاضل جالينوس لقصر عن ذكر بعض ما يجده من برح الأشواق ومكابدة ما يشكوه من ألم الفراق وهو يبتهل إلى الله تعالى في تسهيل الاجتماع السار وتيسير اللقاء على الاختيار والإيثار ولما اتصل بالمملوك ما صار إلى المولى من رياسته على سائر الأطباء وما خصهم الله تعالى بذلك من النعمة وأسبغ عليهم من جزيل الآلاء وجد نهاية الفرح والسرور وغاية ما يتوخاه من الحبور وتحقق أن الله تعالى قد نظر إلى الجماعة بعين رعايته وشملهم بحسن عنايته وأن هذه الصناعة قد علا مقدارها وارتفع منارها وصار لها الفخر الأكبر والفضل الأكثر والسعد الأسمى والمجد الأسنى وقد شرف وقتها به على سائر الأوقات وصارت حال العلم حينئذ على خلاف ما ذكره ابن الخطيب في الكليات فلله الحمد على ما أولى من نعمه الشاملة ومننه الكاملة والمولى هو من جعلت أمور هذه الصناعة لديه وفوضت رياسة أهلها وأربابها إليه (ولم تك تصلح إلا له * ولم يك يصلح إلا لها) فإن شواهد المجد لم تزل توجد من شمائله وأعلام السؤدد تدل على فضائله وفواضله فالله تعالى يؤيده فيما أولاه ويسعده في آخرته وأولاه إن شاء الله تعالى ومما قلته أيضا وكتبت به إليه في سنة خمس وأربعين وستمائة (كتبت ولي شوق يزيد عن الحصر * وفرط ارتياح مستمر مع الدهر) (ونار أسى للبعد بين جوانحي * لها لهب أذكى وقودا من الجمر) (وعندي حنين لا يزال إلى الذي * له منن عندي تردد في فكري) (هو الصدر بدر الدين أفضل ما جد * ومن هو في أوج العلى أوحد العصر)
753 (حكيم حوى ما قال بقراط سالفا * وما قال جالينوس من بعده يدري) (ويعلم للشيخ الرئيس مباحثا * إذا ما تلاها أورد اللفظ كالدر) (إذا قال بذ القائلين ولفظه * هو السحر لكن الحلال من السحر) (وإن طب ذا سقم وأسعف مقترا * أتى الفضل والإفضال بالبرء والبر) (كثيرا الحيا طلق المحيا إذا همت * سحائب جود منه أغنت عن القطر) (بعيد المدى داني الندى وافر الجدى * إذا ما بدا كان الهدى من سنا البدر) (وما مثل بدر الدين في العلم والحجى * وما قد حواه من خلائقه الزهر) (فيا أيها المولى الذي مكرماته * يراها ذوو الآمال من أفضل الذخر) (لقد زاد بي شوق إليك وإنني * لشط التداني واجد عادم الصبر) (وإني على بعد الديار وقربها * كثير ولاء لا يزال مدى العمر) (ويبلغني من والدي عنك أنعما * تجود بها جلت عن العد والحصر) (رعيت لنا عهدا قديما عرفته * وحسن وفاء العهد من شيم الحر) (ومثلك من يولي جميلا لصاحب * إذا كان في أوقاته نافذ الأمر) (ومالي إلا بث شكر أقوله * وحسن دعاء في السريرة والجهر) (وأثني على علياك في كل محفل * وأتلو آي الحمد بالنظم والنثر) (وقد جاء شعري مادحا لك شاكرا * لأنك أهل للمدائح والشكر) (فلا زلت في سعد مقيم ونعمة * وعمر مديد سالما عالي القدر) الطويل المملوك يقبل اليد المولوية الحكيمية الأجلية العالمية الفاضلية الرئيسية الصدرية الأوحدية البدرية أدام الله لها التأييد والنعماء وضاعف من منائحها على أوليائها الآلاء وكبت بدواء سعودها الحسدة والأعداء ولا زالت في نعم متوالية وعوارف دائمة وغير زائلة ما تتابعت الأيام في السنين وتلازمت حركة القلب والشرايين ويواظب لمولانا بحسن الدعاء الذي ما زال عرف أنفاسه متضوعا والثناء الذي ما انفك أصله الثابت متفرعا متنوعا ويواصل بالمحامد التي ما برح نشرها في مجالس المجد والشكر نافحا متأرجحا والمدائح التي ما فتئ وجه محاسنها أبدا متبرجا متبلجا وينهي ما عنده من كثرة الأشواق والأتواق التي تستوعبها العبارة ولا تسعها الأوراق غير أنه يعول على إحاطة علم مولانا بصدق محبته وولائه واعتداده بجزيل أياديه وآلائه وإن كتاب والد المملوك ورد إليه ببشارة ملأت قلبه سرورا ونفسه حبورا بنظر مولانا في سائر الأطباء ورياسته واشتماله عليهم بحسن رعايته وعنايته ووصف من أنعام مولانا عليه وإحسانه إليه ما المعهود من إحسانه والمشهور من تفضله وامتنانه ومولانا فهو أعلم بطرق الكرم وأدرى بأن المعارف في أهل النهى ذمم فالله يجعل مولانا أبدا
754 فاعلا للخيرات بالغا في المعالي أرفع الدرجات دائم السعادة موقى من الآفات (وهذا دعاء لو سكت كفيته * لأني سألت الله فيك وقد فعل) الطويل ومولانا فتتجمل به المناصب العالية وتتشرف بحسن نظره المراتب السامية فإنه قد سما بفضله وأفضاله على كل من عرف الفضل واشتهر وتميز على أبناء زمانه بمحاسن الآداب وميامن الأثر وهذا هنا عام لسائر الأطباء وجملة الأولياء والأحباء (وتقاسم الناس المسرة بينهم * قسما فكان أجلهم حظا أنا) المملوك يجدد تقبيل اليد المولوية للنعم ويستعرض الحوائج والخدم ولبدر الدين ابن قاضي بعلبك من الكتب مقالة في مزاج الرقة وهي بليغة في المعنى الذي صنفت به كتاب مفرج النفس استقصى فيه ذكر الأدوية والأشياء القلبية على اختلافها وتنوعها وهو مفيد جدا في فنه وصنفه للأمير سيف الدين المشد أبي الحسن علي بن عمر بن قزل رحمه الله كتاب الملح في الطب ذكر فيه أشياء حسنة وفوائد كثيرة من كتب جالينوس وغيرها شمس الدين محمد الكلي هو الحكيم الأجل الأوحد العالم أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي المحاسن كان والده أندلسيا من أهل المغرب وأتى إلى دمشق وأقام بها إلى أن توفي رحمه الله ونشأ الحكيم شمس الدين محمد بدمشق وقرأ صناعة الطب على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله ولازمه حق الملازمة وأتقن عليه حفظ ما ينبغي أن يحفظ من الكتب الأوائل التي يحفظها المشتغلون في الطب وبالغ الحكيم شمس الدين في ذلك حتى حفظ أيضا الكتاب الأول من القانون وهو الكليات جميعها حفظا متقنا لا مزيد عليه واستقصى فهم معانيه ولذلك قيل له الكلي وقرأ أيضا كثيرا من الكتب العلمية وباشر أعمال الصناعة الطبية وهو جيد الفهم غزير العلم لا يخلي وقتا من الاشتغال ولا يخل بالعلم في حال من الأحوال حسن المحاضرة مليح المحاورة وخدم بصناعة الطب الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل بدمشق ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك الأشرف رحمه الله ثم خدم بعد ذلك في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي رحمه الله وبقي مدة وهو يتردد إليه ويعالج المرضى فيه موفق الدين عبد السلام لقد جمع الصناعة الطبية والعلوم الحكمية والأخلاق الحميدة والآراء السديدة والفضائل التامة
755 والفواضل العامة أصله من بلدة حماة وأقام بدمشق واشتغل على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم ابن علي وعلى غيره وتميز في صناعة الطب ثم سافر إلى حلب وتزيد في العلم وخدم الملك الناصر يوسف بن محمد بن غازي صاحب حلب وأقام عنده ولم يزل في خدمته إلى أن تملك الملك الناصر يوسف بن محمد دمشق فأتى في صحبته وكان معتمدا عليه كثير الإحسان إليه وقلت هذه القصيدة أتشوق فيها إلى دمشق وأصفها وأمدحه بها (لعل زمانا قد تقضى بجلق * يعود وتدنو الدار بعد التفرق) (وإن تسمح الأيام من بعد جورها * بعدل وأنى بالأحبة نلتقي) (فكم لي إلى أطلالها من تشوف * وكم لي إلى سكانها من تشوق) (ترنحني الذكرى إليه تشوقا * كما رنحت صرف المدام المعتق) (ومن عجب نار اشتياق بأضعلي * لها لهب من دمعي المترقرق) (لقد طال عهدي بالديار وأهلها * وكم من صروف البين قلبي قد لقي) (ولو كان للمرء اختيار وقدرة * لقد كان من كل الحوادث يتقي) (ولكنها الأقدار تحكم في الورى * وتقضي بأمر كنهه لم يحقق) (دمشق هي القصوى لمن كان قصده * يرى كل حسن في البلاد وينتقي) (فصفها إذا ما كنت بالعقل حاكما * فوصف سواها من قبيل التحمق) (وما مثلها في سائر الأرض جنة * فدع شعب بوان وذكر الخورنق) (بها الحور والولدان تبدو طوالعا * شموسا وأقمارا بأحسن رونق) (وأنهارها ما بين ماء مسلسل * من الريح أو ماء من الدفق مطلق) (وأشجارها من كل جنس مقسم * وأثمارها من كل نوع منمق) (وللطير من فوق الغصون تجاوب * فما أسجع الورقاء من فوق مورق) (ولو لم تغن الطير من فوق عودها * لما كان للأمواه وقع مصفق) (وراح تريح النفس من ألم الجوى * وتبعد هم المستهام المؤرق) (إذا مزجت في الكاس يبدو شعاعها * كمثل شعاع البارق المتألق) (ويا حبذا بالواديين حدائق * لها رونق من مائها المتدفق) (فكم من مياه حسنها عند روضة * وكم من رياض حسنها عند جوسق)
756 (وبسط رياض نبتها من بنفسج * ونيلوفر في وسط ماء مروق) (يمر نسيم الريح في جنباتها * لطيفا كجس النبض من مترفق) (فمن كان يرجو للسلامة ملجأ * يجده لدى عبد السلام الموفق) (حكيم عليم فاضل متفضل * إلى ذروة العلياء والمجد مرتقي) (وما أحد في كل مخطر علة * بأدرب منه في العلاج وأحذق) (فضائله في كل علم وحكمة * وأفضاله في كل غرب ومشرق) (يفرق جمع المال في مستحقه * ويجمع أشتات العلا المتفرق) (وما زال يهدي القاصدين لفضله * بنور علوم بالبلاغة مشرق) (ففي حبسه للخير أكرم منعم * وفي لطفه بالخلق أفضل مشفق) (وللعشق في الدنيا دواع كثيرة * ومن يقصد العلياء بالغرم يعشق) (له في قلوب العالمين محبة * حلت وجلت عن رتبة المتملق) (ومن شخصه للعين أحسن منظر * ومن لفظه للسمع أعذب منطق) (وللجود يلفى باعه غير قاصر * وللحلم يلفى صدره غير ضيق) (كثير الحيا دلت مخايل نفسه * على طيب أصل في المكارم معرق) (فدام سعيد الجد ما هبت الصبا * وما دام تغريد الحمام المطوق) الطويل ولما قصد التردد إلى دمشق وسمع بذلك أهلها توجه الحكيم موفق الدين إلى مصر وأقام بها مدة ثم خدم بعد ذلك الملك المنصور صاحب حماة وأقام عنده بحماة وله منه الإحسان الكثير والفضل الغزير والآلاء الجزيلة والمنزلة الجليلة موفق الدين المنفاخ هو الحكيم العالم الأوحد أبو الفضل أسعد بن حلوان أصله من المزة واشتغل بصناعة الطب وتمهر فيها وتميز في أعمالها وخدم الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب في الشرق وبقي في خدمته سنين وانفصل عنه وكانت وفاته في حماة سنة اثنتين وأربعين وستمائة نجم الدين بن المنفاخ هو الحكيم الأجل العالم الفاضل أبو العباس أحمد بن أبي الفضل أسعد بن حلوان ويعرف بابن العالمة لأن أمه كانت عالمة دمشق وتعرف ببنت دهين اللوز ونجم الدين مولده بدمشق في سنة ثلاث
757 وتسعين وخمسمائة وكان أسمر اللون نحيف البدن حاد الذهن مفرط الذكاء فصيح اللسان كثير البراعة لا يجاريه أحد في البحث ولا يلحقه في الجدل واشتغل على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي بصناعة الطب حتى أتقنها وكان متميزا في العلوم الحكمية قويا في علم المنطق مليح التصنيف جيد التأليف وكان فاضلا في العلوم الأدبية ويترسل ويشعر وله معرفة بالعود حسن الخط وخدم بصناعة الطب الملك المسعود صاحب آمد وحظي عنده واستوزره ثم بعد ذلك نقم عليه وأخذ جميع موجوده وأتى إلى دمشق وأقام بها واشتغل عليه جماعة بصناعة الطب وكان متميزا في الدولة وكتب إليه الصاحب جمال الدين بن مطروح في جواب كتاب منه (لله در أنامل شرفت * وسمت فأهدت أنجما زهرا) (وكتابة لو أنها على الملكين * ما ادعيا إذن سحرا) (لم أقر سطرا من بلاغتها * إلا رأيت الآية الكبرى) (فأعجب لنجم في فضائله * أنسى الأنام الشمس والبدرا) الكامل وكان نجم الدين رحمه الله لحدة مزاجه قليل الاحتمال والمداراة وكان جماعة يحسدونه لفضله ويقصدونه بالأذية وأنشدني يوما متمثلا (وكنت سمعت أن الجن عند * استراق السمع ترجم بالنجوم) (فلما أن علوت وصرت نجما * رميت بكل شيطان رجيم) الوافر وفي آخر عمره خدم الملك الأشرف ابن الملك المنصور صاحب حمص بتل باشر وأقام عنده مديدة يسيرة وتوفي رحمه الله في ثالث عشر ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وستمائة وحكى لي أخوه لأمه القاضي شهاب الدين بن العالمة أنه توفي مسموما ولنجم الدين بن المنفاخ من الكتب كتاب التدقيق في الجمع والتفريق ذكر فيه الأمراض وما تتشابه فيه والتفرقة بين كل واحد منها وبين الآخر مما تشابه في أكثر الأمر كتاب هتك الأستار في تمويه الدخوار تعاليق ما حصل له من التجارب وغيرها وشرح أحاديث نبوية تتعلق بالطب كتاب المهملات في كتاب الكليات كتاب المدخل إلى الطب كتال العلل والأعراض كتاب الإشارات المرشدة في الأدوية المفردة
758 عز الدين بن السويدي هو الحكيم الأجل الأوحد العالم أبو إسحق إبراهيم بن محمد من ولد سعد بن معاذ من الأوس مولده في سنة ستمائة بدمشق ونشأ بها وهو علامة أوانه وأوحد زمانه مجموع الفضائل كثير الفواضل كريم الأبوة عزيز الفتوة وافر السخاء حافظ الإخاء واشتغل بصناعة الطب حتى أتقنها إتقانا لا مزيد عليه ولم يصل أحد من أربابها إلى ما وصل إليه قد حصل كلياتها واشتمل على جزئياتها واجتمع مع أفاضل الأطباء ولازم أكابر الحكماء وأخذ ما عندهم من الفوائد الطبية والأسرار الحكمية مثل شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وغيره وقرأ أيضا في علم الأدب حتى بلغ فيه أعلى الرتب وأتقن العربية وبرع في العلوم الأدبية وشعره فهو الذي عجز عنه كل شاعر وقصرت عنه الأوائل والأواخر لما قد حواه من الألفاظ الفصيحة والمعاني الصحيحة والتجنيس الصنيع والتطبيق البديع فهو الجامع لأجناس العلوم الحاوي لأنواع المنثور والمنظوم وهو أسرع الناس بديهة في قول الشعر وأحسنهم إنشادا ولقد رأيت منه في أوقات ينشد شعرا على البديهة في معان مختلفة لا يقدر عليها أحد سواه ولا يختص بهذا الفن إلا إياه وكان أبوه رحمه الله تاجرا من السويداء بحوران حسن الأخلاق طيب الأعراق لطيف المقال جميل الأفعال وكان صديقا لأبي وبينهما مودة أكيدة وصحبة حميدة وكنت أنا وعز الدين أيضا في المكتب عند الشيخ أبي بكر الصقلي رحمه الله فالمودة بيننا من القدم باقية على طول الزمان نامية في كل حين وأوان والحكيم عز الدين من أجل الأطباء قدرا وأفضلهم ذكرا وأعرف مداواة وألطف مداراة وانجع علاجا وأوضح منهاجا ولم يزل طبيبا في البيمارستان النوري يحصل به للمرضى نهاية الأغراض في إزالة الأمراض وأفضل المنحة في اجتلاب الصحة وخدم أيضا في البيمارستان بباب البريد وتردد إلى قلعة دمشق وكان مدرس الدخوارية وكان له جامكية في هذه الأربع جهات وكتب عز الدين بخطه كتبا كثيرة جدا في الطب وغيره فمنها خط منسوب طريقة أبن البواب ومنها خط يشابه مولد الكوفي وكل واحد من خطيه فهو أبهى من الأنجم الزواهر وأزهى من فاخر الجواهر وأحسن من الرياض المونقة وأنور من الشمس المشرقة وحكى لي أنه كتب ثلاث نسخ من كتاب القانون لابن سينا ولما كان في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وصل إلى دمشق تاجر من بلاد العجم ومعه نسخة من شرح ابن أبي صادق لكتاب منافع الأعضاء لجالينوس وهي صحيحة معقولة من خط المصنف ولم يكن قبل ذلك منها نسخة في الشام فحملها أبي فكتب إليه عز الدين بن السويدي قصيدة مديحا فمما على خاطري منها يقول
759 (وامنن فأنت أخو المكارم والعلى * بكتاب شرح منافع الأعضاء) (وإعارة الكتب الغربية لم تزل * من عادة العلماء والفضلاء) الكامل فبعثت إليه الكتاب وهو في جزءين فنقل منه نسخة في الغاية من حسن الخط وجودة النقط والضبط ومن شعره وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال فيما يعانيه ويعنيه من كلفة الخضاب بالكتم (لو أن تغير لون شيبي * بعيد ما فات من شبابي) (لما وفى لي بما تلاقي * روحي من كلفة الخضاب) البسيط وأنشدني لما ألفت هذا الكتاب في تاريخ المتطببين المعروف بكتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء (موفق الدين بلغت المنى * ونلت أعلى الرتب الفاخرة) (حملت في التاريخ من قد مضى * وإن غدت أعظمه ناخرة) (فخصك الله بإحسانه * في هذه الدنيا وفي الآخرة) السريع وقال لغزا في علي (ما اسم إذا رخمته كان ما * رخمته جذرا لباقيه) (ولا يرى ترخيمه فاضل * للفضل والنقص الذي فيه) السريع وقال أيضا (ومدام حرمتها الصيام * قد توالى علي في رمضان) (وأقاموا الحدود فيها بلا حد * فدامت ندامة الندمان) (وتغالوا العلوج فيها بزعم * وحموها عن كل إنس وجان) (ثم قالوا المطبوخ حل فافنوها * طبيخا بلاعج النيران) (طبخوها بنار شوقي إليها * فغدت مهجة بلا جثمان) الخفيف وقال أيضا (وناسك باطنه فاتك * يا ويح من يصغي إلى مينه) (منزله أحرج من صدره * وخلقه أضيق من عينه) السريع
760 ولعز الدين بن السويدي من الكتب كتاب الباهر في الجواهر كتاب التذكرة الهادية والذخيرة الكافية في الطب عماد الدين الدنيسري هو الحكيم العالم الأديب الأريب عماد الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي الخطيب تقي الدين عباس ابن أحمد بن عبيد الربعي ذو النفس الفاضلة والمروءة الكاملة والأريحية التامة والعوارف العامة والذكاء الوافر والعلم الباهر مولده بمدينة دنيسر في سنة خمس وستمائة ونشأ بها واشتغل بصناعة الطب اشتغالا برع به فيها وحصل جمل معانيها وحفظ الصحة حاصلة واستردها زائلة وأول اجتماعي به كان بدمشق في شهر ذي القعدة سنة سبع وستين وستمائة فوجدت له نفسا حاتمية وشنشنة أخزمية وخلقا ألطف من النسيم ولفظا أحلى من مزاج التسنيم واسمعني من نظمه الشعر البديع معناه البعيد مرماه الذي قد جمع أجناس التجنيس وطبقات التطبيق النفيس والألفاظ الفصيحة والمعاني الصحيحة فهو في علم الطب قد تميز على الأوائل والأواخر وفي الأدب قد عجز كل ناظم وناثر هذا مع ما أنه في علم الفقه على مذهب الإمام الشافعي سيد زمانه وأوحد أوانه وسافر من دنيسر إلى الديار المصرية ثم رجع إلى الشام وأقام بدمشق وخدم الآدر الناصرية اليوسفية بقلعة دمشق ثم خدم في البيمارستان الكبير النوري بدمشق ومن شعره وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال (بالله يا قارئا شعري وسامعه * أسبل عليه رداء الحكم والكرم) (واستر بفضلك ما تلقاه من زللي * فإن علمي قد أثرى من العدم) البسيط وقال أيضا (نعم فليقل من شاء عني فإنني * كلفت بذاك الخال والمقلة الكحلا) (وعذبني بالصد منه وكلما * تجنى فما أشهاه عندي وما أحلى) (وحرمت نومي بعد ما صد معرضا * كما حلل الهجران أن حرم الوصلا) (غزال غزا قلبي بعامل قده * ومكن من أجفانه في الحشا نبلا) (فلا تعذلوني في هواه فإنني * حلفت بذاك الوجه لا أسمع العذلا) الطويل وقال أيضا (عذارك المخضر يا منيتي * لما بدا في الخد ثم استدار)
761 (أقام عذري عند أهل الهوى * وصح ما قيل عن الأعذار) (وكان في ذلك لنا آية * إذ جمع الليل معا والنهار) السريع وقال أيضا (غزال له بين الجوانح والحشا * مقيل وفي قلبي مكان وإمكان) (فلا تطمع العذال مني بسلوة * وإن رمت سلوانا فإني خوان) (ففي كبدي من فرط وجدي ولوعتي * وفي الجفن نيران علي وطوفان) الطويل وقال أيضا (عشقت بدرا مليحا * عليه بالحسن هاله) (مثل الغزال ولكن * تغار منه الغزاله) (بعثت من نار وجدي * مني إليه رساله) (وقلت أنت حبيبي * ومالكي لا محاله) (ولي عليك شهود * معروفة بالعدالة) (جسمي يذوب وجفني * دموعه هطاله) البسيط وقال من أبيات (أسكنتك القلب الملئ من الوفا * وجعلت في سودائه مغناكا) (وقطعت عن كل الأنام مطامعي * وهجرتهم لما عرفت هواكا) الكامل وقال أيضا (نعم عند قلبي من لواحظه شغل * فكفوا فلا عتب يفيد ولا عذل) (ومهما سمعتم من قديم صبابة * فذاك حديث صح عندي به النقل) (أجيراننا بالله مهلا فإنني * أسير لما جاءت به الحدق النجل) (عزيز على خديه نبت عذاره * شغلت به عن كل ما كان لي شغل) (ومن شا يلمني في هواه فإنني * حلفت به عن حبه قط لا أسلو) الطويل وقال أيضا يا سادة رحلوا عني ووافقهم * صبري وما بعثوا لي عنهم خبرا)
762 (لا تسألوا ما جرى لي يوم بينكم * بل اسألوا عن مصون كيف جرى) (وارحمتا لكئيب قل ناصره * يقضي غراما وما قضى بكم وطرا) (قد بات مما به من طول هجركم * طول الليالي بكم يستعذب السهرا) (والورق فوق غصون البان تسعده * بنوحها ونسيم الروض حين سرى) (فهل تجودون يوما بالوصال له * وإن تمنعتموا جودوا بطيف كرى) (فذكركم في صميم القلب مسكنه * وغيركم في صميم القلب ما خطرا) (وكل من لامه فيكم يقول له * وقد رأى حسنكم قم كرر النظرا) البسيط وقال أيضا من أبيات (حلفت له لا حلت عن ولهي به * وقلبي على ما قد حلفت له حلف) (إذا باعني منه الوصال بمهجتي * شريت وها قلبي أقدمه سلف) الطويل قال أيضا (كفوا من اللوم في محبته * قد سئمت من ملامكم نفسي) (بيني وبين المسلو مرحلة * لكنها من مراحل الشمش) المنسرح قال أيضا (أما الحديث فعنهم ما أجمله * والموت من جور الهوى ما أعدله) (قل للعذول أطلت لست بسامع * بين السلو وبين قلبي مرحله) (لا أنتهي من حب من أحببته * ما دام قلبي والهوى في منزله) (ظبي تنبأ بالجمال على الورى * يا ليت شعري صدغه من أرسله) (قد حل في قلبي وكل جوانحي * فدمي له في حبه من حلله) (وحياة ناظره وعامل قده * روحي بعارض خده متململه) (هب إنني متجنن في حبه * فعذاره في خده من سلسله) الكامل وقال أيضا (قف على بان الحمى والأبرق * فعسى تذهب مني حرقي) (فجفوني بعدهم قد أقسمت * أنها لا تلتقي أو نلتقي) (ودموعي كلما كفكفتها * بهم قد أقسمت لا ترتقي)
763 (يا عريب الحي رقوا وارحموا * بحب بجفاكم قد شقي) (قد فني كلي في حبكم * وبقي لي بعد كلي رمقي) (والذي أبقى هواكم والجفا * ليته لما هجرتم لا بقي) الرمل وقال أيضا من أبيات (سألتك أن تجير لمستهام * وما نفع السؤال فلم تجور) (وحرمت الوصال على كئيب * إليك من الصبابة يستجير) (فيوم الهجر أقصره طويل * وليل الوصل أطوله قصير) الوافر وقال أيضا (إذا رفع العود تكبيره * ونادى على الراح داعي الفرح) (رأيت سجودي لها دائما * ولكن عقيب ركوع القدح) المتقارب وقال في مليح يلقب بالجمال (قالوا عشقت من الأنام جميعهم * رشأ فأنت بحسنه مقتول) (فأجبتهم لا تعجبوا مما جرى * سيف الجمال بجفنه مسلول) الكامل وقال أيضا في مليح تعرض للوصل بعد ذهاب ملاحته (لما سألتك إشفاقا على كبدي * نادى بك التيه لا تعطف على أحد) (ورحت تمرح في ثوب الجمال وقد * تركتني وأخذت الروح من جسدي) (حتى إذا الدهر أدنى منك حادثة * وأنت تعجز عن إبعاده بيد) (بعثت تطلب وصلي كي أعود وقد * أخنى عليك الذي أخنى على لبد) وقال (كلفت بالمعسول من ريقه * وهمت بالعسال من قده) (بدر إذا أبصرته مقبلا * أبصرت بدار التم في سعده) (يجرح قلبي لحظه مثل ما * يجرحه لحظي في خده) السريع ومنها (قلت لعذالي على حبه * والقلب موقوف على صده)
764 (من يده في الما إلى زنده * يعرف حر الماء من برده) السريع وقال أيضا (إن فاض ماء جفوني قلت من فكري * عليه أو غاض دمعي قلت من ناري) (وكلما رمت أن أسلو هواه * أرى النار في حبه أولى من العار) البسيط وقال أيضا (ولقد سألت وصاله فأجابني * عنه الجمال إشارة عن قائل) (في نون حاجبه وعين جفونه * مع ميم مبسمه جواب السائل) الكامل وقال أيضا (في صاد مقلته إذا حققتها * مع نون حاجبه وميم المبسم) (عذر لمن قد ضل فيه مولها * فعلام يعذل فيه من لم يفهم) الكامل وقال لغزا في عثمان (سألت جميع الناس ظنا بأنني * أرى فيهم من يعرف الحق والصدقا) (عن اسم مسماه تناهى جماله * ومن هجره قلبي وإعراضه يشقى) (وأحرفه لا شك خمسة أحرف * وكل صحيح الذهن يعرفه حقا) (إذا زال عنه الخمس والخمس واحد * تبقى ثمان وهي أعجب ما يبقى) الطويل وقال من قصيدة مدح بها الملك السعيد غازي ابن الملك المنصور صاحب ماردين (مؤيد الرأي مقدام كتائبه * ملء البسيطة من سهل ومن جبل) (ويركب الجد يوم الحرب معتقلا * بعد الصوافن بالعسالة الذبل) (فيشكل الأسد يوم الروع صارمه * والشكل بالبيض بعد النقط بالأسل) البسيط وقال مخمسا هذه الأبيات (وحق هواك وجدي لا يحول * وجسمي قد أضر به النحول) (وقلبي والفؤاد غدا يقول * أرى الأيام صبغتها تحول) (وما لهواك من قلبي نصول *) (عذولي راح في قيل وقال * وما أنا عن محبتكم بسالي)
765 (وكيف يمر هجركم ببالي * وحب لا تغيره الليالي) (محال أن يغيره العذول *) (فلما كان بالهجران فتكي * وطرفي والفؤاد لذاك يبكي) (وقد جد الرحيل بغير شك * أتت ودموعها في الخد تحكي) (قلائدها وقد جعلت تقول *) (فقلت لها رويدك بالرعايا * ففي قلبي لبعدكم بلايا) (فقالت والمنى منها منايا * غداة غد تزم بنا المطايا) (فهل لك من وداع يا خليل *) (معذبتي تقول بلا بلال * إذا أزف الرحيل وحال حالي) (وأصبح ربعنا بالبين خالي * فقلت لها وعيشك لا أبالي) (أقام الحي أم جد الرحيل *) (غدا بالهجر منك يذوب قلبي * ولا يجد الشفاء بغير قرب) (ولي أمل يزول بذاك كربي * إذا كانت بنات الكرم شربي) (ونقلي وجهك الحسن الجميل *) (متى عوضت عن سهر الليالي * بقرب منك مع حسن الوصال) (وعاينت الجمال على الكمال * أمنت بذاك حادثة الليالي) (وهان علي ما قال العذول *) الوافر وقال في مليح صنعته رفاء (قطعت قلبي بمر الهجر يا أملي * عسى بحلو حديث منك ترفيه) (فقد عصيت عذولا بات يعذلني * وفي مخالفتي للعذل ترفيهي) وقال في مليح اسمه عيسى (يا من هوى الاسم المسيح وقد حوى * كأس الردى في الجفن والأحداق) (خالفت عيسى في الفعال وقد غدا * يحيي وأنت تميت بالأشواق) الكامل وقال دوبيت (يا من نقض العهد مع الميثاق * ها حسنك زائل ووجدي باقي) (إن كنت عذرت فالوفا علمني * أن اسلك في الهوى مع العشاق)
766 وقال أيضا (مولاي إلى متى على الصب تجور * يا غادر كم كذا صدود ونفور) (يحظى بك غيري والهوى في كبدي * لا صبر لمن يحب إن كان غيور) وقال أيضا (في القلب من الغرام نار تقد * والله وإن هجرت زال الجلد) (يا من سلب الرقاد عن عاشقه * صلني فسواك ما بقي لي أحد) وقال أيضا (الأمر بأن أموت في الحب إليك * إن رمت تلافي ها أنا بين يديك) (والله وقلبي قال لو أمكنه * سعيا لسعى مني على الرأس إليك) وقال أيضا (مولاي وحق من قضى لي بهواك * ما أسعد يوما فيه والله أراك) (إن كان تلاف مهجتي فيه رضاك * أتلف كبدي فالكل والله فداك) ولعماد الدين الدنيسري من الكتب المقالة المرشدة في درج الأدوية المفردة كتاب نظم الترياق الفاروق كتاب في المثروديطوس كتاب في تقدمة المعرفة لأبقراط أرجوزة كتاب ديوان شعر موفق الدين يعقوب السامري هو الحكيم الأجل الأوحد العالم رئيس زمانه وعلامة أوانه أبو يوسف يعقوب بن غنائم مولده ومنشؤه بدمشق بارع في الصناعة الطبية جامع للعلوم الحكمية قد أتقن صناعة الطب علما وعملا واحتوى على جملتها تفصيلا وجملا محمود المداواة مشكور المداراة متعين عند الأعيان متميز في سائر الأزمان مؤيد في اجتلاب الصحة وحفظها في الأبدان واشتغل عليه جماعة من المتطببين وانتفع به كثير من المتطلبين وله التصانيف التي هي فصيحة العبارة صحيحة الإشارة قوية المباني بليغة المعاني ولموفق الدين يعقوب السامري من الكتب شرح الكليات من كتاب القانون لابن سينا وقد جمع فيه ما قاله ابن خطيب الري في شرحه للكليات وكذلك ما قاله القطب المصري في شرحه لها وما قاله غيرهما وحرره في أقوالهم من المباحثات وقد أجاد في تأليفه وبالغ في تصنيفه حل شكوك نجم الدين بن المنفاخ على الكليات كتاب المدخل إلى علم المنطق والطبيعي والآلهي توفي في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وستمائة أبو الفرج بن القف هو الحكيم الأجل العالم أمين الدولة أبو الفرج ابن الشيخ الأوحد العالم موفق الدين بن إسحاق بن القف من نصارى الكرك مولده بالكرك في يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاثين وستمائة كان
767 والده موفق الدين صديقا لي مستمرا في تأكيد مودته حافظا لها طول أيامه ومدته تستحلى نفائس مجالسته وتستجلى عرائس مؤانسته ألمعي أوانه وأصمعي زمانه جيد الحفظ للأشعار علامة في نقل التواريخ والأخبار متميز في علم العربية فاضل في الفنون الأدبية قد اشتمل في الكتابة على أصولها وفروعها وبلغ الغاية من بعيدها وبديعها وله الخط المنسوب الذي هو نزهة الأبصار ولا يلحقه كاتب في سائر الأقطار والأمصار كان في أيام الملك الناصر يوسف بن محمد كاتبا بصرخد عاملا في ديوان البر وكان ولده هذا أبو الفرج تتبين فيه النجابة من صغره كما تحققت في كبره حسن السمت كثير الصمت وافر الذكاء محبا لسيرة العلماء فقصد أبوه تعلميه الطب فسألني ذلك فلازمني حتى حفظ الكتب الأولة المتداول حفظها في صناعة الطب كمسائل حنين والفصول لأبقراط وتقدمة المعرفة له وعرف شرح معانيها وفهم قواعد مبانيها وقرأ علي بعد ذلك في العلاج من كتب أبي بكر محمد بن زكريا الرازي ما عرف به أقسام الأسقام وجسيم العلل في الأجسام وتحقق معاجلة المعالجة ومعاناة المداواة وعرفته أصول ذلك وفصوله وفهمته غوامضه ومحصوله ثم انتقل أبوه إلى دمشق المحروسة وخدم بها في الديوان السامي وسار ولده معه ولازم جماعة من الفضلاء فقرأ في العلوم الحكمية والأجزاء الفلسفية على الشيخ شمس الدين عبد الحميد الخسروشاهي وعلى عز الدين الحسن الغنوي الضرير وقرأ أيضا في صناعة الطب على الحكيم نجم الدين بن المنفاخ وعلى موفق الدين يعقوب السامري وقرأ أيضا كتاب أوقليدس على الشيخ مؤيد الدين العرضي وفهم هذا الكتاب فهما فتح به مقفل أقواله وحل مشكل أشكاله وخدم أبو الفرج بن القف بصناعة الطب في قلعة عجلون وأقام بها عدة سنين ثم عاد إلى دمشق وخدم في قلعتها المحروسة لمعالجة المرضى وهو محمود في أفعاله مشكور في سائر أحواله وله من الكتب كتاب الشافي في الطب شرح الكليات من كتاب القانون لابن سينا ست مجلدات شرح الفصول كتابين مقالة في حفظ الصحة كتاب العمدة في صناعة الجراح عشرين مقالة علم وعمل يذكر فيه جميع ما يحتاج إليه الجرائحي بحيث لا يحتاج إلى غيره كتاب جامع الغرض مجلد واحد حواش على ثالث القانون لم يوجد شرح الإشارات مسودة ولم يتم المباحث المغربية ولم تتم توفي في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وستمائة والله أعلم