بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: فوات الوفيات المؤلف: الكتبي الجزء: 1 الوفاة: 764 المجموعة: مصادر التاريخ تحقيق: علي محمد بن يعوض الله/عادل أحمد عبد الموجود الطبعة: الأولى سنة الطبع: 2000م المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية الناشر: دار الكتب العلمية ردمك: ملاحظات: بسم الله الرحمن الرحيم ((رب يسر واختم بخير)) أحمد الله على نعمه التي جلت مواقع ديمها وعمت فوائد كرمها وأشكره على مننه التي جادت رياض التحقيق من سحب الأفكار بمنسجمها فأظهرت أزاهر المعاني التي انتشرت فأشرق الكون بتبسمها الذي حكم بالموت على عباده إظهارا لبدائع قدرته وحكمها وأسعد وأشقى فيا فوز فرقة نقل الرواة ما سلف من محاسن شيمها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يقترن بالخلود ذكرها ويتجدد في كل يوم فخرها وينسدل على هفوات الإنسان سترها وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي قلد بدرر محاسنه الأعناق وبعثه على حين فترة من الرسل متمما لمكارم الأخلاق وجعل شمس شريعته الغراء دائمة الإشراق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جملوا بذكر محاسنهم السير وذهبوا وصف مفاخرهم الآصال والبكر ما دونت الأقلام ذكر الأفاضل وجلت الكتب على أسماع الأواخر ذكر الأوائل وسلم وبعد فإن علم التاريخ هو مرآة الزمان لمن تدبر ومشكاة أنوار يطلع بها على تجارب الأمم من أمعن النظر وتفكر وكنت ممن أكثر لكتبه المطالعة واستحلى من فوائده المطالعة والمراجعة فلما وقفت على كتاب وفيات الأعيان لقاضي القضاة ابن خلكان قدس الله روحه وجدته من أحسنها
57 وضعا لما اشتمل عليه من الفوائد الغزيرة والمحاسن الكثيرة غير أنه لم يذكر أحدا من الخلفاء ورأيته قد أخل بتراجم بعض فضلاء زمانه وجماعة ممن تقدم على أوانه ولم أعلم أذلك لذهول عنهم أو لم يقع له ترجمة أحد منهم فأحببت أن أجمع كتابا يتضمن ذكر من لم يذكره من الأئمة الخلفاء والسادة الفضلاء أذيل فيه من حين وفاته إلى الآن فاستخرت الله تعالى فشرح لذلك صدري وتوكلت عليه وفوضت إليه أمري ووسمته بفوات الوفياتوالله تعالى المسؤول أن يوفق في القول والعمل وأن يتجاوز عن هفوات الخطأ والخطل
58 ((حرف الهمزة)) 1 إبراهيم بن أدهم إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر أبو إسحاق العجلي وقيل النخعي البلخي الواعظ أحد الأعلام روى عن أبيه ومنصور ومحمد بن زياد الجمحي وأبي جعفر الباقر ومالك بن دينار وأبي نعيم وأبي موسى والأعمش قال الفضل بن موسى حج أدهم بأم إبراهيم وهي حبلى فولدت إبراهيم بمكة فجعلت تطوف به على الحلق في المسجد وتقول ادعوا لابني أن يجعله الله صالحا وأخباره مشهورة في مبتدأ زهده وطريقه مشهورة قيل غزا في البحر مع أصحابه فاختلف في الليلة التي مات فيها إلى الخلاء خمسا وعشرين مرة كل مرة يجدد الوضوء فلما أحس بالموت قال أوتروا لي قوسي وتوفي وهي في كفه ودفن في جزيرة من جزائر البحر في بلاد الروم قال إبراهيم بن بشار الصوفي كنت مارا مع إبراهيم بن أدهم فأتينا على
59 قبر مسنم فترحم عليه إبراهيم ثم قال هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلها كان غارقا في بحار الدنيا ثم أخرجه الله منها بلغني أنه سر ذات يوم بشيء ونام فرأى رجلا بيده كتاب فناوله إياه ففتحه فإذا فيه كتاب مكتوب بالذهب لا تؤثرن فانيا على باق ولا تفرحن بملكك فإن ما أنت فيه جسيم إلا أنه عديم فسارع إلى الآخرة فإن الله تعالى يقول * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) * فانتبه فزعا وقال هذا تنبيه من الله تعالى وموعظة فخرج من ملكه فأتى هذا الجبل وعبد الله فيه حتى مات وقال رأيت في النوم كأن قائلا يقول لي أيحسن بالحر المريد أن يتذلل للعبيد وهو يجد عند الله كل ما يريد وقال النسائي إبراهيم أحد الزهاد وهو مأمون ثقة وقال الدارقطني ثقة وقال البخاري مات سنة إحدى وستين ومائة وسيرته في تاريخ
60 دمشق ثلاث وثلاثون ورقة وهي طويلة في حلية الأولياء رحمه الله تعالى
61 2 إبراهيم الحربي إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الفقيه أبو إسحاق الحربي أحد الأئمة الأعلام ولد سنة ثمان وتسعين ومائة وتفقه على الإمام أحمد بن حنبل وكان من نجباء أصحابه روى عنه ابن صاعد وابن السماك قال الخطيب كان إماما في العلم رأسا في الزهد عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام حافظا للحديث مميزا لعلله قيما بالأدب صنف غريب الحديث وكتبا كثيرة وحدث عبد الله بن أحمد بن حنبل قال كان أبي يقول لي امض إلى إبراهيم الحربي حتى يلقى عليك الفرائض وأنشده رجل * أنكرت ذلي فأي شيء * أحسن من ذلة المحب *
62 * أليس شوقي وفيض دمعي * وضعف جسمي شهود حبي * قال إبراهيم ما أنشدت شيئا من الشعر إلا قرأت * (قل هو الله أحد) * ثلاث مرات قال ياقوت في كتاب معجم الأدباء قد كان إسماعيل بن إسحاق القاضي يشتهي رؤية إبراهيم الحربي وكان إبراهيم لا يدخل عليه ويقول لا أدخل دارا عليها بواب فأخبر إسماعيل بذلك فقال أنا أدع بابي كباب الجامع فجاء إبراهيم إليه فلما دخل عليه خلع نعليه فلفهما القاضي في منديل دبيقي وجعلها في كمه وجرى بينهما بحث كثير فلما قام إبراهيم التمس نعليه فأخرج القاضي النعل من كمه فقال إبراهيم غفر الله لك كما أكرمت العلم فلما مات القاضي رؤى في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال أجيبت في دعوة إبراهيم الحربي ودخل عليه قوم يعودونه فقالوا كيف تجدك يا أبا إسحاق فقال أجدني كما قال * دب في السقام سفلا وعلوا * وأراني أذوب عضوا فعضوا * * بليت جدتي بطاعة نفسي * وتذكرت طاعة الله نضوا * وقال ياقوت حدثني صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار
63 قال حدثني أحمد بن سعيد الصباغ يرفعه إلى أبي نعيم قال كان يحضر مجلس إبراهيم الحربي جماعة من الشبان للقراءة عليه ففقد أحدهم أياما فسأل عنه من حضر فقالوا هو مشغول ثم سألهم يوما آخر فقالوا هو مشغول وكان الشاب قد ابتلى بمحبة شخص شغله عن الحضور وعظموا قدر إبراهيم الحربي أن يخبروه بحقيقة الحال فلما تكرر منه السؤال عنه وهم لا يزيدون على أنه مشغول قال يا قوم إن كان مريضا قوموا بنا لنعوده وإن كان مديونا اجتهدنا في مساعده أو محبوسا سعينا في خلاصه فخبروني عن جلية حاله فقالوا نجلك عن ذلك فقال لا بد أن تخبروني فقالوا إنه ابتلى بعشق صبي فوجم إبراهيم ساعة ثم قال هذا الصبي الذي ابتلي بعشقه أهو مليح أم قبيح فعجب القوم من سؤاله عن مثل ذلك مع جلالته في أنفسهم وقالوا أيها الشيخ مثلك يسأل عن مثل هذا فقال إنه بلغني أن الإنسان إذا ابتلي بحب صورة قبيحة كان بلاء تجب الاستعاذة من مثله وإن كان مليحا كان ابتلاء يجب الصبر عليه واحتمال المشقة قال فعجبنا مما أتى به ومن مصنفاته كتاب سجود القرآن مناسك الحج الهدايا والسنة فيها الحمام وآدابه مسند أبي بكر رضي الله عنه مسند عثمان رضي الله عنه مسند علي رضي الله عنه مسند الزبير رضي الله عنه مسند طلحة رضي الله عنه مسند سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مسند عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مسند العباس رضي الله عنه مسند شيبة ابن عثمان مسند عبد الله بن جعفر مسند المسور بن مخرمة مسند المطلب بن ربيعة مسند السائب مسند خالد بن الوليد مسند أبي عبيدة ابن الجراح مسند ما روى عن عاصم بن عمر مسند صفوان بن أمية مسند عمرو بن العاص مسند عمران بن حصين مسند حكيم بن حزام
64 مسند عبد الله بن زمعة مسند عبد الرحمن بن سمرة مسند عبد الله بن عمرو مسند ابن عمر وكان أصل إبراهيم الحربي من مرو توفي لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين رحمه الله 3 المتقي لله إبراهيم بن جعفر أمير المؤمنين المتقي لله بن المقتدر بن المعتضد ولد سنة سبع وتسعين ومائتين واستخلف سنة تسع وعشرين وثلاثمائة بعد أخيه الراضي فوليها إلى سنة ثلاث وثلاثين ثم خلعوه وسملوا عينيه وبقي في قيد الحياة وكان حسن الجسم مشربا بحمرة أبيض أشقر الشعر أشهل العينين وكان فيه دين وصلاح وكثرة صلاة وصيام وكان لا يشرب الخمر وتوفي في السجن سنة سبع وخمسين وثلاثمائة رحمه الله تعالى وكانت مدته ثلاث سنين وأحد عشر شهرا وكانت أيامه منغصة عليه لاضطراب الأتراك حتى إنه أتى إلى الرقة فلقيه الإخشيد صاحب مصر وأهدى له تحفا كثيرة وتوجع لما ناله من الأتراك ورغبه في أن يسير معه إلى مصر فقال كيف أقيم في زاوية من الدنيا وأترك العراق متوسطة الدنيا وسرتها ومستقر الخلافة وينبوعها ثم سار حتى قدم بغداد بعد أن خاطبه أمير الأتراك توزون وحلف له ألا يغدر به وزينت له بغداد زينة يضرب بها المثل وضربت له القباب العظيمة العجيبة في طريقه فلما وصل السندية على نهر عيسى قبض عليه توزون وسمل عينيه وبايع المستكفي من ساعته ودخل
65 بغداد في تلك الزينة فكثر تعجب الناس من ذلك وقال المتقي * كحلونا وما شكونا * إليهم من الرمد * * ثم عاثوا بنا ونحن * أسود وهم نقد * * كيف يغتر من أذانا * وفي دستنا قعد * 4 جمال الدين بن النجار إبراهيم بن سليمان بن حمزة بن خليفة جمال الدين بن النجار الدمشقي المجود ولد بدمشق سنة تسعين وخمسمائة وتوفي سنة إحدى وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى وحدث وكتب في الإجازات وكتب عليه أبناء البلد وله نظم وأدب وسافر إلى حلب وبغداد وكتب للأمجد صاحب بعلبك وسافر إلى الإسكندرية وتولى نقابة الأشراف بها وسمع بدمشق من التاج الكندي وغيره ومن شعره ما قاله في أسود شائب * يارب أسود شائب أبصرته * وكأن عينيه لظى وقاد * * فحسبته فحما بدت في بعضه * نار وباقيه عليه رماد * وله أيضا * ما لهذي العيون قاتلها الله * تسمى لواحظا وهي نبل * * ولهذا الذي يسمونه العشق * مجازا وفي الحقيقة قتل * * ولقلبي يقول أسلو فإن قلت * نعم قال لست والله أسلو * وله أيضا * ومغرم بالبدال قلت له * يا ولدي قد وقعت في التعب * * طورا على الراحتين منبطحا * وتارة جاثيا على الركب *
66 * دخل وخرج وليس بينهما * في اليد من فضة ولا ذهب * * أيسر ما فيه أن مسلكه * تأمن فيه من عين مرتقب * * وعندنا قهوة معتقة * كأن في كأسها سنا لهب * * ومن بنات القيان مخطفة * تغار منها الأغصان في الكثب * * ومطرب يحسن الغناء لنا * إن كنت ممن يقول بالطرب * * ولست تخلو مع كل ذلك من * عمود أير كالزند منتصب * * ينطح نطح الكباش متصلا * بطول رهز كالخرز في القرب * وله أيضا * لقد نبتت في صحن خدك لحية * تأنق فيها صانع الإنس والجن * * وما كنت محتاجا إلى حسن نبتها * ولكنها زادتك حسنا إلى حسن * 5 ابن سهل الإسلامي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي قال ابن الأبار في تحفة القادم كان من الأدباء الأذكياء الشعراء مات غريقا مع ابن خلاص والي سبتة سنة تسع وأربعين وستمائة وكان سنه نحو الأربعين أو ما فوقها وكان قد أسلم وقرأ القرآن وكتب لابن خلاص بسبتة فكان من أمره ما كان قال أثير الدين أبو حيان هو إبراهيم بن سهل الإشبيلي الإسلامي أديب ماهر دون شعره في مجلد وكان يهوديا فأسلم وله قصيدة مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وأكثر شعره في صبي يهودي كان يهواه وكان يقرأ مع المسلمين ويخالطهم
67 قلت والقصيدة النبوية على حرف العين ذكرها ابن الأبار في ترجمة المذكور وكان يهوى يهوديا اسمه موسى فتركه وهوى شابا اسمه محمد فقيل له في ذلك فقال * تركت هوى موسى لحب محمد * ولولا هدى الرحمن ما كنت أهتدي * * وما عن قلى مني تركت وإنما * شريعة موسى عطلت بمحمد * قال الشيخ أثير الدين أخبرنا قاضي الجماعة قال نظم الهيثم قصيدة يمدح بها المتوكل على الله محمد بن يوسف بن هود ملك الأندلس وكانت أعلامه سوداء لأنه كان بايع الخليفة ببغداد فوقف إبراهيم بن سهل على قصيدة الهيثم وهو ينشدها لبعض أصحابه وكان إبراهيم إذ ذاك صغيرا فقال إبراهيم للهيثم زد بين البيت الفلاني والبيت الفلاني * أعلامه السود إعلاما بسؤدده * كأنهن بخد الملك خيلان * فقال له الهيثم هذا البيت ترويه أم نظمته قال بل نظمته الساعة فقال الهيثم إن عاش هذا ليكونن أشعر أهل الأندلس والقصيدة التي مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم * وركب دعتهم نحو طيبة نية * فما وجدت إلا مطيعا وسامعا * * يسابق وخد العيس ماء شؤونهم * فيقفون بالسوق المدى المدامعا * * إذا انعطفوا أو رجعوا الذكر خلتهم * غصونا لدانا أو حماما سواجعا * * تضيء من التقوى حنايا صدورهم * وقد لبسوا الليل البهيم مدارعا * * تكاد مناجاة النبي محمد * تنم بهم مسكا على الشم ذائعا * * تلاقي على ورد اليقين قلوبهم * خوافق يذكرن القطا والمشارعا * * قلوب عرفن الحق فهي قد انطوت * عليها جنوب ما عرفن المضاجعا *
68 * سقوا دمعهم غرس الأسى في ثرى الجوى * فأنبت أزهار الشحوب الفواقعا * * تساقوا لبان الصدق محضا بعزمهم * وحرم تفريطي علي المراضعا * وهي طويلة ومن شعره * سل في الظلام أخاك البدر عن سهري * تدري النجوم كما تدري الورى خبري * * أبيت أسجع بالشكوى وأشرب من * دمعي وأنشق ريا ذكرك العطر * * حتى أخيل أني شارب ثمل * بين الرياض وبين الكأس بالخفر * * إن تقصني فنفار جاء من رشأ * أو تضننى فمحاق جاء من قمر * وله أيضا * ردوا على طرفي النوم الذي سلبا * وخبروني بقلبي أية ذهبا * * علمت لما رضيت الحب منزلة * أن المنام على عيني قد غضبا * * فقلت واحربا والصمت أجر بي * قد يغضب الحب إن ناديت واحربا * * إني له عن دمي المسفوك معتذر * أقول حملته في سفكه تعبا * * نفسي تلذ الأسى فيه وتألفه * هل تعلمون لنفسي في الجوى نسبا * * قالوا عهدناك من أهل الرشاد فما * أغواك قلت اطلبوا في لحظه السببا * * من صاغه الله من ماء الحياة وقد * جرت بقيته في ثغره شنبا * * يا غائبا مقلتي تهمي لفرقته * والقطر إن حجبت شمس الضحى انسكبا * * كم ليلة بتها والنجم يشهد لي * رهين شوق إذا غالبته غلبا * * مرددا في الدجى لهفا ولو نطقت * نجومها رددت من حالتي عجبا * * ماذا ترى في محب ما ذكرت له * إلا بكى أوشكا أو حن أو طربا * * يرى خيالك في الماء الزلال وما * ذاق الشراب فيروى وهو ما شربا وله أيضا * ولما عزمنا ولم يبق من * مصانعة الشوق غير اليسير * * بكيت على النهر أخفى الدموع * فعرضها لونها للظهور * * ولو عرف السفر حالي إذن * لما صحبوني عند المسير *
69 * إذا ما رسى نفسي في الشراع * أعادهم نحو حمص زفيري * * وقفت سحيرا وغالبت شوقي * ونادى الأسى حسنه مضن مجيري * * أنار وقد لفحت زفرتي * فصار الغدو كوقت الهجير * * وضمن الفراق بتوديعه * فشبهت ناعي النوى بالبشير * * وقبلت وجنته في الدموع * كما التقطت ورد من غدير * * وقبلت في الترب منه خطا * أميزها بشميم العبير * * تغرب نومي عن مقلتي * وأما حديث المنى في ضميري * * أموسى تهن نعيم الكرى * فليلي بعدك ليل الضرير * وله أيضا * كأن الخال في وجنات موسى سواد العتب في نور الوداد * * أخط لصدغه في الحسن واو * فنقطة خاله بعض المداد * * لواحظه محيرة ولكن * بها اهتدت الشجون إلى فؤادي * وله مخمس * غريب الحسن عن لنا فعنى * ووسنان طريق الهجر سنا * * ثنى أعطافه فاستعطفتنا * أغن عن الرشا والبدر أغنى * * فهمنا سر مقلته فهمنا * * شكوت له من الحرق التهابا * فأسداها مراشفه العذابا * * فكانت رحمة لقيت عذابا * ومال وقد تطارحنا العتابا * * كأني طائر ناجيت غصنا * * أمولى حاز حتى الحسن عبدا * حكيت الورد لي عهدا وخدا * * ونجم الأفق إشراقا وبعدا * وسوى الله بدر التم فردا * * فإذ سواك قال الناس ثنى * * أخاف على مكانك من فؤادي * فلا تضرمه نارا بالبعاد * * ودع حظا لطيفك من رقادي * تنازعني الكواكب في سهاد * * وتعجز عن دموع سح معنا * * أحوري الطهارة والجمال * هجرت الخلد هجرا عن دلال * * تركت الحور بعدك في ضلال * فمن للناس عندك بالوصال *
70 * وقد فارقت رضوانا وعدنا * * وسيم الحسن قيض لي لأشقى * فليت ابن البقاء علي أبقى * * أيوسف إنني يعقوب حقا * كملت ملاحة وكملت عشقا * * فمن ذا مثلنا حسنا وحزنا * وله أيضا موشح * يا لحظات للفتن * في كرها أوفي نصيب * * ترمي وكلى مقتل * وكلها سهم مصيب * * اللوم للاحى مباخ * أما قبوله فلا * * علقته وجه صباح * ريق طلى عنق طلى * * كالظبى ثغره أقاح * وما ارتعى شيح الفلا * * يا ظبى خذ قلبي وطن * فأنت في الإنس غريب * * وارتع فدمعي سلسل * ومهجتي مرعى خصيب * * بين اللمى والحور * منه الحياة والأجل * * سقت مياه الخفر * في خده ورد الخجل * * زرعته بالنظر * وأجتنيه بالأمل * * في طرفه الساجي وسن * سهد أجفان الكئيب * * والردف فيه ثقل * خف له عقل اللبيب * * أهدى إلى حر العتاب * برد اللمى وقد وقد *
71 * فلو لثمته لذاب * من زفرتي ذاك البرد * * ثم لوى جيد كعاب * ما حليه إلا الغيد * * في نزعة الظبي الأغن * وهزة الغصن الرطيب * * يجري لدمعي جدول * فينثني منه قضيب * * أأنت حورا أرسلك * رضوان صدقا للخبر * * قطعت القلوب لك * وقيل ما هذا بشر * * أم الصفا مضنى هلك * من النوى أم الكدر * * حتى تزكيه المحن * أمر الهوى أمر غريب * * كأن عشقي مندل * زاد بنار ا لهجر طيب * * أغربت في الحسن البديع * فصار دمعي مغربا * * شمل الهوى عندي جميع * وأدمعي أيدي سبا * * فإستمع عبدا مطيع * غنى لبعض الرقبا * * هذا الرقيب ما أسواه يظن * أيش لو كان لإنسان مريب * * مولاي قم تانعملو * ذاك الذي ظن الرقيب * وله أيضا موشح * روض نضير وشادن طلى * فاجتن زهر الربيع والقبلا واشرب * * يا ساقيا ما وقيت فتنته *
72 * حكت رحيق الكئوس صورته * * فمثلت ثغره ووجنته * * هذا حباب كالسلك معتدلا * وذا رحيق لدى الزجاج علا كوكب * * أقمت حرب الهوى على ساق * * وبغت عقلي بالخمر من ساقي * * أسهر جفني بنوم أحداق * * تمثل السحر وسطها كحلا * معتلة وهي تبرئ العللا فاعجب * * قلبك صخر والجسم من ذهب * * أيا سمى النبي يا ذهبي * * جاورت من مهجتي أبا لهب * * يا باخلا لا أذم ما فعلا * صيرت عندي محبة البخلا مذهب * * يا منيتي المنى من الخدع * * ما نلت سؤلي ولا الفؤاد معي * * هل عنك صبر أو فيك من طمع * * أفنيت فيك الدموع والحيلا * فلا سلوا في الحب نلت ولا مأرب * * أتيت أشكوه لوعتي عجبا * * فصد عني بوجهه غضبا * * فعند هذا ناديت واحربا * * تصد عني يا منيتي مللا * وأشتكي من صدودك العللا تغضب * وله من قصيدة في محبوبه موسى * وإني لثوب الحزن أجر لابس * وموسى لثوب الحسن أحسن مرتد * * تأمل لظى شوقي وموسى يشبها * تجد خير نار عندها خير موقد * * إذا ما رنا شزرا فقل لحظ أحور * وإن يلو إعراضا فصفحة أغيد * * وعذب بالي أنعم الله باله * وسهدني لا ذاق طعم التسهد * * شكوت فجازوا بالطبيب وإنما * طبيب سقامي في لواحظ مبعدي *
73 * فقال على التأنيس طبك حاضر * فقلت نعم لو أنه بعض عودي * * بكيت فقال الحب هزوا أتشتري * بماء جفون ماء ثغر منضد * * فأنشدته شعرا به أستميله * فأبدي ازدراء بابن حجر ومعبد * * كأني بصرف البين حان فجاد لي * بأحلى سلام منه أفظع مشهد * * تغنمت منه السير خلفي مشيعا * فأقبلت أمشي مثل مشي المقيد * * وجاء لتوديعي فقلت له اتئد * مشت لك روحي في الزفير المصعد * * جعلت يميني كالنطاق لخصره * وصاغت جفوني حلى ذاك المقلد * * وجدت بذوب التبر فوق مورس * وضن بذوب الدر فوق مورد * * ومسح أجفاني ببرد بنانه * فألف بين المزن والسوسن الندى * * فيا آفة العقل الحصيف وصبوة العفيف * وغي الناسك المتعبد * * رعيت لحاظي في جمالك آمنا * فأذهلني عن مصدري حسن مورد * * أظل ويومي فيك هجر ووحشة * ويومي بحمد الله أحسن من غدي * * وصالك أشهى من معاودة الصبا * وأطيب من عيش الزمان الممهد * * عليك فظمت العين من لذة الكرى * وأخرج قلبي طيب النفس من يدي * وله أيضا * ضمان على عينيك أني عاني * صرفت إلى أيدي العناء عناني * * وقد كنت أرجو الوصل منك غنيمة * فحسبي منك اليوم نيل أماني * * ومن لم بجسم أشتكى منه بالضنا * وقلب فأشكو منه بالخفقان * * وما عشت حتى اليوم إلا لأنني * خفيت فما يدري الحمام مكاني * * ولو أن عمري عمر نوح وبعته * بشاعة وصل منك قلت كفاني * * وما ماء ذاك الريق عندي غاليا * بماء شبابي واقتبال زماني * * خليلتي عندي في السلو بلادة * فإن شئتما علم الهوى فسلاني * * خذا عددا من مات من ألم الهوى * فإن كان فردا فاحسباني ثاني * وله أيضا * يقولون لو قبلته لا شتفى الجوى * أيطمع في التقبيل من يعشق البدرا * * ولو غفل الواشي لقبلت نعله * أنزهه أن أذكر الجيد والثغرا * * وما أنا مضن يستحمل الريح سره * أغار حفاظا أن أذيع له سرا *
74 * إذا فئة العذال جاءت بسحرها * ففي وجه موسى آية تبطل السحرا * وله من أبيات * غض الصبا يسفر عن منظر * أحسن من عصر الصبا المقبل) * * صور من نور ومن فتنة * والناس من ماء ومن صلصل * * أحلت أشواقي على ذكره * أسلط النار على المندل * * أخشى عليك العارض من قولهم * معتدل القامة لم يعدل * وقال أيضا * أموسى ولم أهجرك والله إنما * هجرت الكرى والأنس واللب والصبرا * * تركتك لا غدرا بعهدك بل أرى * حياتي ذنبا بعد بعدك أو غدرا * * قنعت على رغمي بذكرك وحده * أدير عليه الخمر والأدمع الحمرا * * أقبل من كأس المدير حبابها * إذا مثلت عندي المنى ذلك الثغرا * وله أيضا * لا موا فلما لاح موضع صبوتي * قالوا لقد جئت الهوى من بابه * * شرقت بدمعي وجنتي شوقا إلى * ذي وجنة شرقت بماء شبابه * * حلو الكلام كأنما ألفاظه * يشربن عند النطق شهد رضابه * * بالله يا موسى وقد لذ الردى * اجبر ولا تبق الجريح بما به * * هاروت أودع في لحظك سحره * فأصاب قلبي منك مثل عذابه * وديوانه كله من هذا النوع رحمه الله تعالى وسامحه 6 الشيخ إبراهيم الأرموي إبراهيم بن عبد الله بن يوسف بن إبراهيم بن سليمان أبو إسحاق الأرمني ويقال الأرموي الشيخ الزاهد العابد ولد سنة خمس عشرة وستمائة بجبل قاسيون وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وتسعين وستمائة
75 سمع من الشيخ الموفق وابن الزبيدي وغيرهما وكان صالحا خيرا كبير القدر مقصودا للتبرك ولما قدم الأشرف دمشق من فتح عكا طلع إليه وزاره وطلب منه الدعاء ووصله ولما مات طلع إلى جنازته ملك الأمراء والقضاة وحمل على الرؤوس وله شعر جيد منه * سهري عليك ألذ من سنة الكرى * ويلذ فيك تهتكي بين الورى * * وسوى جمالك لا يروق لناظري * وعلى لساني غير ذكرك ما جرى * * وحياة وجهك لو بذلت حشاشتي * لمبشري برضالك كنت مقصرا * * أنا عبد حبك لا أحول عن الهوى * يوما وإن لام العذول وأكثرا * 7 الشيخ برهان الدين الفزاري إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء هو الشيخ الجليل الإمام العلامة الورع شيخ الشافعية برهان الدين أبو إسحاق الفزاري الصعيدي الأصل الدمشقي مدرس البادرائية وابن مدرسها وسيأتي ذكر والده الشيخ تاج الدين إن شاء الله تعالى في حرف العين
76 كان جده فقيها بالرواحية وولد الشيخ برهان الدين سنة ستين وستمائة وأمه أم ولد عاشت إلى بعد العشرين وسبعمائة سمعه أبوه الكثير في الصغر من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وبرع في الفقه على والده وقرأ العربية على عمه شرف الدين وقرأ الأصول وبعض المنطق وتفنن وجود الكتابة ونشأ في صون وخير وإكباب على العلم والإفادة وتخرج به الأصحاب وأذن في الفتوى لجماعة وانتهى إليه إتقان غوامض المذهب علق على التنبيه شرحا في مجلدات وكان عذب العبارة صادق اللهجة طلق اللسان طويل الدروس وكان له حظ من صلاة وصيام وذكر وفيه لطف وتواضع ولزوم خير وكف عن الغيبة وعن أذى الناس وكان كل شهر يعمل طعاما لفقهاء البادرائية ويقف في خدمتهم وكان واسع البذل يعود المرضى ويشيع الجنائز وكان لطيف المزاج نحيف الجسم أبيض حلو الصورة رقيق البشرة معتدل القامة قليل الغذاء جدا يديم التنقل بالخيار شنبر وربما انزعج في المناظرة ولى الخطابة بالجامع الأموي بعد عمه شرف الدين ثم عزل نفسه بعد شهر ولما توفي قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى طلب للقضاء فامتنع وكان فيه رفق ورحمة يكره الفتن ولا يدخل فيها وله جلالة ووقع في النفوس وكانت وفاته في سنة تسع وعشرين وسبعمائة ودفن عند والده بباب الصغير وكانت جنازته مشهورة رحمه الله تعالى
77 8 الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الشيخ عماد الدين الحنبلي الزاهد أخو الحافظ عبد الغني ولد بجماعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وتوفي سنة أربع عشرة وستمائة هاجر إلى دمشق وسمع وارتحل وصارت له معرفة حسنة بالحديث مع كثرة السماع واليد الباسطة في الفرائض والنحو والخط المليح وطول الشيخ شمس الدين الذهبي في ترجمته رحمه الله تعالى 9 ابن هرمة إبراهيم بن علي بن سلمة الفهري المدني الشاعر المعروف بابن هرمة من شعراء الدولتين كان شيخ الشعراء في زمانه وكان منقطعا إلى الطالبين وكان منهوما في الشراب لا يكاد يصبر عنه فقال للمنصور يا أمير المؤمنين إني مغرم بالشراب وكلما أمسكني وإلى المدينة حدني وقد طال هذا فاكتب لي إليه فقال ويحك كيف أكتب في حد من حدود الله تعالى فقال يا أمير المؤمنين احتل لي في ذلك فكتب إلى عامله بالمدينة أما بعد فمن أتاك بابن هرمة سكران فحد ابن هرمة ثمانين واجلد الذي يأتيك به مائة فكان يمر به العسس وهو سكران ملقى على قارعة الطريق فيقولون من يشتري ثمانين بمائة ومر يوما على جيرانه وهو ميت سكرا حتى دخل منزله فلما كان من الغد
78 عاتبوه في الحالة التي رأوه فيها فقال أنا في طلب مثلها منذ دهر أما سمعتم قولي * أسأل الله سكرة قبل موتي * وصياح الصبيان يا سكران * فنهضوا من عنده ونفضوا ثيابهم وقالوا ما يفلح هذا أبدا
79 فارغة
80 فارغة
81 فارغة
82 فارغة
83 فارغة
84 فارغة
85 فارغة
86 فارغة
87 فارغة
88 فارغة
89 ويقال إنه ولد سنة سبعين ونادم المنصور سنة أربعين ومائة وعمر بعد ذلك دهرا وهو القائل
90 * ما أظن الزمان يا أم عمرو * تاركا إن هلكت من يبكيني * وكان كذلك لقد مات وما يحمل جنازته إلا أربعة نفر لا يتبعهم أحد حتى دفن بالبقيع وكانت وفاته سنة خمسين ومائة وكان الأصمعي يقول ختم الشعر بابن ميادة وابن هرمة رحمه الله تعالى 10 عين بصل إبراهيم بن علي بن خليل الحراني شيخ حائك كان عاميا أميا أناف على الثمانين وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وسبعمائة قصده قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان رحمه الله تعالى واستنشده من شعره فقال أما القديم فما يليق وأما نظم الوقت الحاضر فنعم وأنشده * وما كل وقت فيه يسمح خاطري * بنظم قريض رائق اللفظ والمعنى * * وهل يقتضي الشرع الشريف تيمما * بترب وهذا البحر يا صاحبي معنا * وله أيضا * وقائل قال إبراهيم عين بصل * أضحى يبيع قبا في الناس بعد قبا * * فقلت مه يا عذولي لا تعنفني * لو جعت قدت ولو أفلست بعت قبا * وله أيضا في الشبكة والسمك * كم كبسنا بيتا لكي نمسك السككان * منه في سائر الأوقات * * فمسكنا السكان وانهزم البيت * لدينا خوفا نم الطاقات *
91 وله أيضا * جسمي بسقم جفونه قد أسقما * ريم بسهم لحاظه قلبي رمى * * كالرمح معتدل القوام مهفهف * مر الجفا لكنه حلو اللمى * * رشأ أحل دمي الحرام وقد رأى * في شرعه وصلى الحلال محرما * * رب الجمال بوصله وبهجره * ألقى وأصلي جنة وجهنما * * عن ورد وجنته بآس عذاره * وبسيف نرجس طرفه الساجي حمى * * عاتبته فقسا وفيت فخاننى * قربته فنأي بكيت تبسما * * حكمته في مهجتي وحشاشتي * فجنى وجار علي حين تحكما * * يا ذا الذي فاق الغصون بقده * وسما بطلعته على قمر السما * * رفقا بمن لولا جمالك لم يكن * حلف الصبابة والغرام متيما * * أنسيت أياما مضت ولياليا * سلفت وعيشا بالصريم تصرما * * إذ نحن لم نخش الرقيب ولم نخف * صرف الزمان ولا نطيع اللوما * * والعيش غض والحواسد نوم * عنا وعين البين قد كحلت عمي * * في روضة أبدت ثغور زهورها * لما بكى وبها الغمام تبسما * * مد الربيع على الخمائل نوره * فيها فأصبح كالخيام مخيما * * تبدو الأقاحي مثل ثغر مهفهف * أضحى المحب به كئيبا مغرما * * وعيون نرجسها كأعين غادة * ترنو فترمى باللواحظ أسهما * * والطير يصدح في فروع غصونها * صدحا فيوقظ بالهديل النوما * * والراح في راح الحبيب يديرها * في فتية نظروا المسرة مغنما * * فسقاتنا تحكى البدور وراحنا * تحكى الشموس ونحن نحكي الأنجما * وله أيضا رحمه الله تعالى * ربوع جلق للأوطار أوطان * وليس فيها من الندمان ندمان * * كم لي مع الحب في أقطارها أربا * إذ نحن في ساحتي جيرون جيران * * أيام تجرير أذيالي بها طربا * ولى مكان له في السعد إمكان *
92 * إذ بت أنشد في غزلانها غزلا * لما غزت كبدي باللحظ غزلان * * سقيا لجامعها كم قد جمعن لنا * فيه من الغيد أقمار وأغصان * * وكم حوى الحسن في باب البريد لنا * فهل ترى عند ذاك الحسن إحسان * * أغنت عن السمر فيه السمر إذ خطرت * وسود أجفانها للبيض أجفان * * أهلة تحت ليل الشعر تحملها * لفتنة الصب قضبان وكثبان * * جمالها وأخو الأشواق حين بدت * إليه في الحبش مفتون وفتان * * وبعدها ليس يحلو في الهوى أبدا * يوما لإنسانه في الخلق إنسان * * نواحه في نواحي جلق وله * بالحسن لا بالنقا والحزن أحزان * * فجلق جنة تبدو جواسقها * مثل القصور بها حور وولدان * * والسبت كالعيد تلقى الغيد سانحة * وقد حوى الغيد ميدان وبستان * * أنزه الطرف في الميدان من فرح * والقلب مني لطفل اللهو ميدان * * قم يا نديمي إلى شرب المدام بها * من قبل يدرك بدر السعد نقصان * * فأنت في جنة منها مزخرفة * وقد تلقاك بالرضوان رضوان * * وأنت فيها عن اللذات في كسل * انهض فما بلغ اللذات كسلان * * أما ترى الأرض إذ أبكى السحاب بها * آذارها ضحكت إذ جاء نيسان * * والزهر كالزهر حياه الحيا فبدت * في الروض منه إلى الأبصار ألوان * * زمرد قضب فيها مركبة * جواهر ويواقيت ومرجان * * كأنما الورد خد الحب حين غدا * له العذار سياجا وهو ريحان * * كأن منثورها إذ لاح مبتسما * جيش من الروم بانت فيه صلبان * * كأنما البان أهدى المسك حين بدا * فعطر الكون لما أورق البان * * كأن ريح الصبا طافت بخمر هوى * من الرياض فكل الكون نشوان * * كأنما حمرة التفاح خد رشا * لي في هواه عن السلوان سلوان * * كأن نارنجها نار وباطنه * ثلج وفيه لجين وهو عقيان * * والطير تطرب بالعيدان نغمتها * ما ليس يطرب بالأوتار عيدان * * أبدت فنونا فأفنت صبر سامعها * بالنوح إذ حملتها فيه أفنان * * بلابل هيجت منا بلابلنا * وهاج منا صبابات وأشجان * * وهزنا الشوق إذ غنى الهزار بها * فلا تجف لنا بالدمع أجفان *
93 * ورب صافية في الكأس مشرقة * كانت وما كان في العلياء كيوان * * راح أراحت لمن حلت براحته * روحا لها القار والفخار جثمان * * صبت لنا فهي ماء في زجاجتها * وأشرقت فهي في الكاسات نيران * * سعى بها رشأ بالسحر مكتحل * حلو الدلال لجند الحسن سلطان * * عذب اللمى ناعس الأجفان منتبه * مهفهف القد صاح وهو نشوان * * كأنما وجهه فيه لعاشقه * بستان والخال في البستان جنان * * كأنما خاله لما بدا كرة * والصدغ جوكانها والخد ميدان * 11 الجعبري إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون شيخ القراء برهان الدين الجعبري الشافعي ابن مؤذن جعبر ولد في حدود الأربعين وسمع في حياة ابن خليل وتلا ببغداد بالسبع علي ابن الوجوهي وقرأ التعجيز حفظا على مؤلفه تاج الدين بن يونس وسمع من جماعة وقدم إلى دمشق فنزل السميساطية وأعاد بالغزالية وباحث وناظر ثم
94 ولى مشيخة الحرم ببلد الخليل عليه السلام فأقام به بضعا وأربعين سنة وصنف التصانيف واشتهر ذكره وألف شرحا للشاطبية كبيرا وشرحا للرائية ونظم في الرسم روضة الطرائف واختصر مختصر ابن الحاجب ومقدمته في النحو وكمل شرح التعجيز وله ضوابط كثيرة نظمها وله كتاب الإفهام والإصابة في مصطلح الكتابة نظم وله كتاب يواقيت المواقيت نظم والسبيل الأحمد إلى علم الخليل بن أحمد وتذكرة الحفاظ في مشتبه الألفاظ ورسوم التحديث في علم الحديث وموعد الكرام لمولد النبي عليه السلام وكتاب المناسك ومناقب الشافعي والشرعة في القراءات السبعة وعقود الجمان في تجويد القرآن والترصيع ف يعلم البديع وحدود الإتقان في تجويد القرآن وكتاب الاهتداء في الوقف والابتداء والإيجاز في الألغاز وتصانيفه تقارب المائة كلها جيدة محررة وكان حلو العبارة يحكى قال كان قبلي لهذا الحرم شيخ جاء السلطان مرة إلى زيارة الخيل عليه السلام متخليا عن الناس فقال له المتحدثون في
95 الدولة يا شيخ ما تعرفنا حال هذا الحرم ودخله وخرجه فقال نعم وأخذهم وجاء بهم إلى مكان يمدون فيه السماط وقال لهم الدخل ههنا ثم أخذهم وجاء بهم إلى الطهارة وقال الخرج هاهنا ما أعرف غير ذلك فضحكوا منه وللجعبري شعر منه * لما أعان الله جل بلطفه * لم تسبني بجمالها البيضاء * * ووقعت في شرك الردى متحبلا * وتحكمت في مهجتي السوداء * وقال لي من سمعه يحكى كنت في أول الأمر أشترى جزرا أتقوت به ثلاثة أيام وكان ساكنا ذكيا وقورا وألف في كثير من العلوم وتوفي في رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ومن شعره * أضاء لها دجى الليل البهيم * وجدد وجدها مر النسيم * * فراحت تقطع الفلوات شوقا * مكلفة بكل فتى كريم * * قفار لا نرى فيها أنيسا * سوى نجم وغصن نقا وريم * * نياق كالحنايا ضامرات * يحاكى ليلها ليل السليم * * كأن لها قوائم من حديد * وأكبادا من الصلد الصميم * * لها بقبا وسفح منى غرام * يلازمها ملازمة الغريم * * تراها من هوى وجوى ووجد * تسير مع الدجى سير النجوم * * لما تلقاه من نصب نهارا * ترى الإدلاج كالخل الحميم * وله أيضا * لما بدا يوسف الحسن الذي تلفت * في جبه مهجتي استحيت لواحيه * * فقلت للنسوة اللاتي شغفن به * فذلكن الذي لمتننى فيه *
96 12 الرقيق الكاتب إبراهيم بن القاسم المعروف بالرقيق النديم أصله من القيروان رجل فاضل له تصانيف كثيرة منها كتاب تاريخ إفريقية والقيروان في عدة مجلدات كتاب النساء كبير كتاب الروح والارتياح كتاب نظم السلوك في مسامرة الملوك في أربع مجلدات الاختصار البارع للتاريخ الجامع في عدة مجلدات كتاب الأغاني مجلد كتاب قطب السرور في أوصاف الخمور مجلدان فضح العالمين فيه وعندي منه نسخة وله غير ذلك قال ابن رشيق في حقه شاعر سهل الكلام لطيف الطبع غلب عليه اسم الكتابة وعلم التأريخ وتأليف الأخبار وهو بذلك أحذق الناس قدم مصر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة بهدية من ابن باديس إلى الحاكم وقال قصيدة يصف فيها المنازل والمناهل منها * إذا ما ابن شهر قد لبسنا شبابه * بدا آخر من جانب الأفق يطلع * * إلى أن أقرت جيزة النيل أعينا * كما قر عينا ظاعن حين يرجع * وقال أيضا * ريم إذا ما معاريض المنى خطرت * أجله المتمني عن أمانيه * * يا إخوتي أأقاح فيه أقبل لي * أم خط راءين من مسك على فيه * * أم حسن ذاك التراخي في تكلمه * أم حسن ذاك التهادي في تثنيه *
97 13 ابن كيغلغ إبراهيم بن كيغلغ أبو إسحاق أديب فاضل قال ابن النجار ذكره الوزير أبو سعد محمد بن الحسين بن عبد الرحيم في كتاب طبقات الشراء وقال من شعره * لاعبت بالخاتم إنسانة * كالبدر في تاج دجى عاتم * * حتى إذا واليت أخذي له * من البنان الترف الناعم * * خبته في فيها فقلت انظروا * قد خبت الخاتم في الخاتم * وله أيضا * بالله مما هجرتني قل لي * وأنت مما جنيت فيحل * * من لي بيوم أراك فيه وقد * قرت عيني بزورة من لي * وله أيضا * قم يا غلام أدر مدامك * واحثث على الندمان جامك * * تدعى غلامي ظاهرا * وأظل في سر غلامك * * الله يعلم أني * أهوى عناقك والتزامك * كان المقتدر بالله قد قلده مدنا على ساحل الشام السيويدية واللاذقية وجبلة وصيدا وما يتعلق بها وكانت وفاته في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة زحمه الله تعالى 14 فخر الدين بن لقمان إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد الوزير الكاتب فخر الدين الشيباني قال الشيخ شمس الدين رأيته بعمامة صغيرة وقد حدث عن ابن رواج وكتب عنه البرزالي والطلبة
98 وتوفي بمصر سنة ثلاث وتسعين وستمائة وصلى عليه بدمشق ولى وزارة الصحبة للملك السعيد ثم وزر مرتين للملك المنصور قلاوون واصله من إسعرد وكان قليل الظلم فيه إحسان إلى الرعية وكان إذا عزل من الوزارة يأخذ غلامه الحرمدان خلفه ويبكر من الغد إلى ديوان الإنشاء ولما فتح الكامل آمد كان ابن لقمان شابا يكتب على عرصة القمح وينوب عن الناظر وكان البهاء زهير كاتب الإنشاء للملك الكامل فاستدعى من ناظر آمد حوائج فكانت الرسالة ترد إليه بخط ابن لقمان فأعجب البهاء زهير خطه وعبارته فاستحضره ونوه به وناب عنه في ديوان الإنشاء ثم إنه خدم في ديوان الإنشاء في الدولة الصالحية وهلم جرا إلى أوائل الدولة الناصرية قال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس كان فخر الدين بن لقمان وتاج الدين ابن الأثير صحبة السلطان على تل العجول ولفخر الدين مملوك اسمه الطنبا فاتفق أنه دعا بمملوكه المذكور يا الطنبا فقال نعم ولم يأته فتكرر طلبه له وهو يقول نعم ولا يأتيه وكانت ليلة مظلمة فأخرج فخر الدين رأسه إلى الخيمة وقال تقول نعم وما أراك فقال تاج الدين * في ليلة من جمادي ذات أندية * لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا * قلت وهذا من جملة أبيات في الحماسة لمرة بن محكان وما استشهد أحد في واقعة بأحسن من هذا أبدا ومن شعر فخر الدين بن لقمان في غلامه غلمش * لو وشى فيه من وشى * ما تسليت غلمشا * * أنا قد بحت باسمه * يفعل الله ما يشا * وله أيضا * كن كيف شئت فإنني بك مغرم * راض بما فعل الهوى المتحكم *
99 * ولئن كتمت عن الوشاة صبابتي * بك فالجوانحبالهوى تتكلم * * أشتاق من أهوى وأعلم أنني * أشتاق من هو في الفؤاد مخيم * * يا من يصد عن المحب تدللا * وإذا بكى وجدا غدا يتبسم * * أسكنتك القلب الذي أحرقته * فحذار من نار به تتضرم * 15 ابن المدبر إبراهيم بن محمد بن عبيد الله المعروف بابن المدبر الكاتب كان كاتبا بليغا شاعرا فاضلا مترسلا خدم المتوكل مدة طويلة وكان في رتبة الوزارة وكان قد غضب عليه المعتمد وحبسه وله في الحبس أبيات كثيرة منها * أدموعها أم لؤلؤ متناثر * يندى به الورد الجنى الزاهر * * لا يؤيسنك من كريم نبوة * فالسيف ينبو وهو عضب باتر * * هذا الزمانت سومني أيامه * خسفا وهأنذا ذا عليه صابر * * إن طال ليلى في الإسار فطالما * أفنيت دهرا ليله متقاصر * * والسجن يحجبني وفي أكنافه * مني على الضراء ليث خادر * * عجبا له كيف التقت أبوابه * والجود فيه والربيع الباكر * * هلا تقطع أو تصدع أو هوى * فعذرته لكنه بي فاخر * وله في المعنى * ألا طرق ت سلمى لدى وقفة الساري * وحيدا فريدا موثقا نازح الدار * * هو الحبس ما فيه علي غضاضة * وهل كان في حبس الخليفة من عار * * ألست تزين الخمر يظهر حسنها * وبهجتها بالحبس في الطين والقار * * وما أنا إلا كالجواد يصونه * مقومه للسبق في طي مضمار * * أو الدرة الزهراء في قعر لجة * فلا تجتلى إلا بهول وأخطار *
100 * وهل هو إلا منزل مثل منزلي * وبيت ودار مثل بيتي أو دارى * * فلا تنكرن طول المدى وأذى العدا * فإن نهايات الأمور لإقصار * * لعل وراء الغيب أمرا يسرنا * يقدره في علمه الخالق الباري * ولما عزل من الأهواز جاء الناس يودعونه فجاء أبو شراعة فأمسك الحراقة وأنشد رافعا صوته * ليت شعري أي قوم أجدبوا * فأغيثوا بك من بعد العجف * * نزل اليمن من الله بهم * وحرمناك لذنب قد سلف * * يا أبا إسحاق سر في دعة * وامض مصحوبا فما عنك خلف * فضحك ووصله وقال العطوي الشاعر استأذنت علي ابن فحجبني آذنه فكتبت إليه * أتيتك مشتاقا فلم جالسا * ولا ناظرا إلا بعين قطوب * * كأني غريم مقتض أو كأنني * نهوض حبيب أو جلوس رقيب * فأدخلني وهو يقول هي بالله نهوض حبيب أو حضور رقيب ومن شعر ابن المدبر * يا كاشف الكرب بعد شدته * ومنزل الغيث بعدما قنطوا * * لا تبل قلبي بشحط بينهم * فالموت دان إذا هم شحطوا * وله أيضا * قالوا اضربنا السحاب بوكفه * لما رأوه لمقلتي يحكي * * لا تعجبوا مما ترون فإنما * هذي السماء لرحمتي تبكي *
101 توفي إبراهيم ببغداد سنة تسع وسبعين ومائتين وولد سنة إحدى عشرة ومائتين 16 ابن لنكك إبراهيم بن محمد بن محمد بن جعفر بن لنكك الشاعر ابن الشاعر من أهل البصرة قدم بغداد وروى بها شيئا من شعره وشعر أبيه روى عنه أبو القاسم التنوخي قال جلس ابن لنكك في الجامع بالبصرة فجلس إليه قوم من العامة فاعترضوا كلامه بما غاظه فأخذ محبة بعض الحاضرين وكتب من شعره * وعصبة لما توسطتهم * ضاقت علي الأرض كالخاتم * * كأنهم من بعد إفهامهم * لم يخرجوا بعد إلى العالم * * يضحك إبليس سرورا بهم * لأنه معار على آدم * فاعرضه ولده وقال يا أبة متناقضة ولكن اسمع ما عملت * لا تصلح الدنيا ولا تستوي * إلا بكم يا بقر العالم * * من قال للحرث خلفتم فلم * يكذب عليكم لا ولم يأثم * * ما أنتم عار على آدم * لأنكم غير بني آدم * توفي في حدود الأربعمائة رحمه الله تعالى 17 عز الدين السويدي الطبيب إبراهيم بن محمد بن طرخان عز الدين أبو إسحاق الأنصاري الطبيب
102 المعروف بابن السويدي شيخ الأطباء بالشام ذكر أنه من ولد سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه ولد سنة ستمائة بدمشق وسمع من ابن ملاعب وأحمد بن عبد الله السلمي وعلي بن عبد الوهاب أخي كريمة وتفرد عنه وابن مسلمة وزين الأمناء ابن عساكر وقرأ المقامات سنة تسع عشرة على التقى خزعل النحوي وقرأ الأدب والنحو علي ابن معط وأخذ الطب عن الدخوار وبرع فيه وصنف فيه ونظر في علم الأوائل وله شعر وفضائل وكتب بخطه الكثير وكان مليح الكتابة كتب القانون لابن سينا ثلاث مرات وكان أبوه تاجرا من السويداء بحوارن قال ابن أبي أصيبعة في تاريخه له من الكتب الباهر في الجواهر و التذكرة في الطب في ثلاث مجلدات وهي من أحسن كتب الطب وكانت وفاته سنة تسعين وستمائة ودفن بتربته إلى جانب الخانقاه الشبلية رحمه الله ومن شعره * لو أن تغيير لون شيبي * يعيد ما فات من شبابي * * لما وفى لي بما تلاقى * روحي من كلفة الخضاب * ومن شعره * ومدام حرمتها لصيام * قد توالى علي في رمضان * * وأقاموا الحدود فيها بلا حدد * فدامت ندامة الندمان * * وتعالى العلوج فيها بزعم * وحموها من كل إنس وجان * * ثم قالوا المطبوخ حل فأفنوها * طبيخا بلاعج النيران *
103 * طبخوها بنار شوقي إليها * فغدت مهجة بلا جثمان * 18 ابن معضاد إبراهيم بن معضاد بن شداد الشيخ برهان الدين الجعبري قال أبو حيان رأيت المذكور بالقاهرة وحضرت مجلسه أنا والشيخ نجم الدين بن مكي وجرت لنا معه حكاية وكان يجلس للعوام يذكرهم ولهم فيه اعتقاد وكان له مشاركة في العلم والطب وله شعر منه من أبيات * عشقوا الجمال مجردا بمجرد الروح * الزكية عشق من زكاها * * متجردين عن الطباع ولؤمها * متلبسين عفافها وتقاها * * متمثلين بصورة بشرية * وقلوبهم ملكية بقواها * * كتمثل الروح الأمين بدحية * إذ باليتيم له تمثل طاها * قال لما مرض مرض موته أمر أن يخرج به إلى مكان مدفنه ظاهر القاهرة بالحسينية فلما وصل إليه قال له قبير جاءك دبير وتوفي بعد ذلك بيوم سنة سبع وثمانين وستمائة ولأصحابه فيه مغالاة وعقيدة وكل من يعرفه يعظمه ويثنى عليه وعليه مأخذ في عباراته جاوز الثمانين بسنوات رحمه الله تعالى 19 المعمار إبراهيم الحائك وقيل المعمار وقيل الحجار غلام النوري المصري
104 عامي مطبوع تقع له التوريات المليحة المتمكنة لا سيما في الأزجال والبلاليق فمن مقاطيعه اللائقة قوله * وصاحب أنزل بي صفعة * فاغتظت إذ ضيع لي حرمتي * * وقال في ظهرك جاءت يدي * فقلت لا والعهد في رقبتي * وله أيضا * ومفنن يهوى الصفاع * ولم يكن إذ ذاك فني * * سلمته عنقي الدقيق * فراح ينخله بغبن * * ما كان مني بالرضا * لكنه من خلف أذني * * لولا يد سبقت له * لأمرته بالكف عني * وله أيضا * أيرى إذا ندبته * لحاجة تعرض بي * * قام لها بنفسه * ما هو إلا عصبي * وله أيضا * عاتبت أيرى إذ جاء ملتثما * بالخرء من علقه فما اكترثا * * بل قال لي حين لمته قسما * ما جزت حمام قعره عبثا * * كيف وفيها طهارتي وبها * أقلب ماء وأرفع الحدثا * وقال أيضا * لما جلوا لي عروسا لست أطلبها * قالوا ليهنك هذا العرس والزينه * * فقلت لما رأيت النهد منتفشا * رمانة كتبت يا ليتها تينه *
105 وقال أيضا * قال لي العاذلون أنحلك الحبب وأصبحت في السقام فريدا * * أإذا صرت من جفاهم عظاما * أبوصل تعود خلقا جديدا * * ما رأينا ولا سمعنا بهذا * قلت كونوا حجارة أو حديدا * وقال أيضا * لثمت عذار محبوبي الشرابي * فقال تركت لثم الخد عجبا * * حفظت اليانسون كما يقولوا * ورحت تضيع الورد المربى * وقال أيضا * قلت له هل لك من حرفة * تعش بها بين الورى أو سبب * * فقال يغنيني ردفي الذي * أسموه عشاقي تليل الذهب * وقال أيضا * لما جلوا عرسي وعاينتها * وجدت فيها كل عيب يقال * * فقلت للدلال ماذا ترى * فقال ما أضمن إلا الحلال * وقال أيضا * لج العذول ولامني * فيمن أحب وعنفا * * فهمت ألطم رأسه * مما ملئت تأسفا * * لكنها زلقت يدي * وقعت على أصل بالقفا * وقال أيضا * هويت طباخا سلاني وقد * قلا فؤادي بعد ما رده * * محترقا إذ لم يزل بالجفا * يغرف لي أحمض ما عنده * وقال أيضا * شكوت للحب منتهى حرقي * وما ألاقيه من ضني جسدي *
106 * قال تداوي بريقتي سحرا * فقلت يا بردها على كبدي * وقال * يا قلب صبرا على الفراق ولو * روعت ممن تحب بالبين * * وأنت يا دمع إن ظهرت بما * يخفيه قلبي سقطت من عيني * وله غير ذلك بلغنا وفاته في شهور سنة تسع وأربعين وسبعمائة رحمه الله تعالى 20 ظهير الدين البارزي إبراهيم بن محمد بن مرشد بن مسلم الجهني البارزي الحموي ظهير الدين قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رأيت المذكور شيخا صوفيا من أولاد الرؤساء بحماة له أدب وأنشدني * لئن فتكت ألحاظه بحشاشتي * وساعدها بالهجر واعتز بالحسن * * فلا بد أن تقتض لي منه ذقنه * وتذبحه قهرا من الأذن للأذن * وأنشدني أيضا * غدا أسودا بالشعر أبيض خده * فأصبح من بعد التنعم في صنك * * على حظه أضحى عذاره * فنادتهما عيناه حزنا قفا نبك * وأنشدني أيضا * أراك فأستحيي وأطرق هيبة * وأخفى الذي بي من هواك وأكتم * * وهيهات أن يخفى وأنت جعلتني * جميعي لسانا بالهوى يتكلم *
107 وله أيضا * يذكرني وجدي الحمام إذا غنى * لأنا كلانا في الهوى نعشق الغصنا * * ولكن إذا غنى أجبت بأنة * وكم بين من غنى طروبا ومن أنا * * تجول عيوني في الرياض لتجتلي * محاسنكم منها إذا غبتم عنا * * وما وردها والنرجس الغض نائيا * عن الوجنة الحمراء والمقلة الوسني * * فأعرب دمعي بالذي أنا كاتم * وقد رجعت في الروض أطيارها اللحنا * * ولو أن بيض الهند مما تردني * وسمر القنا عنه تمانعني طعنا * * لقبلت حد السيف حبا لطفه * وعانقت من شوقي له الأسمر اللدنا * * وخضت عجاج الموت والموت طيب * إذا كان ما يرضى أحبتنا منا * * حفظنا على حكم الوفاء وضيعوا * وحالوا بحكم الغدر عنا وما حلنا * * وضنوا على المضنى ببذل تحية * ولو سألوا بذل الحياة لما ضنا * وكتب إلي من رزق توءم ذكر وأنثى من جارية سوداء * وخصك رب العرش منها بتوءم * ومن ظلمات البحر يستخرج الدرر * * وأيرك أضحى وارثا علم جابر * فأعطاك من ألقابه الشمس والقمر * وقال في مليح شواء * وشاواء بديع الحسن يزهى * بطلعته على كل البرايا * * فواشوقاه للأفخاذ منه * يشمرها ويقطع لي اللوايا * وله أيضا * يا لحية الحب الذي * زال لها تثبتي * * هل أنت فوق خده الوردي * مسك تبت * توفي بعد الثمانين وستمائة رحمه الله وإيانا
108 21 الفاروثي أحمد بن إبراهيم بن عمر بن الفرج بن أحمد بن سابور الإمام المقرئ الواعظ المفسر الخطيب الشيخ عز الدين الفاروثي الواسطي الشافعي الصوفي ولد بواسط سنة أربع عشرة وستمائة وتوفي سنة أربع وتسعين وستمائة قدم بغداد وسمع من ابن كرم ومن شهاب الدين السهروردي ولبس منه خرقة التصوف وأبى الحسن القطيعي وابن الزبدي وابن اللتي وابن سكينة والأنجب ابن أبي السعادات وابن روزبة وابن بهروز وابن ياسين وأبي بكر بن الخازن وابن القبيطي وغيرهم وكان فقيها مفتيا مدرسا عارفا بالقراءات ووجوهها خطيبا زاهدا عابدا صوفيا صاحب أوراد وحسن أخلاق وكرم و إيثار ومروة وفتوة وتواضع له أصحاب ومريدون ولي مشيخة الحديث بالظاهرية والإعادة بالناصرية وتدريس النجيبية ثم ولوه خطابة البلد بعد زين الدين بن المرحل وكان يخطب من غير تكلف ولا يتلعثم ويخرج من الجمعة وعليه السواد ويشيع الجنازة ويعود المرضى ويعود إلى دار الخطابة وله نوادر وكان الشجاعي قائلا به ثم عزل عن الخطابة بموفق الدين بن حبيش الحموي فتألم لذلك وترك الجهات وأودع بعض كتبه وكانت كثيرة جدا وسار مع الركب الشامي سنة إحدى وتسعين وسار مع حجاج العراق إلى واسط وكان لطيف الشكل صغير العمامة يتعانى الرداء على ظهره وخلف من الكتب ألفي مجلدة ومائتي مجلدة وكانت وفاته بواسط وصلى عليه بدمشق بعد سبعة أشهر رحمه الله تعالى وإيانا
109 22 عماد الدين الواسطي أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الشيخ القدوة عماد الدين بن شيخ الحزامية الواسطي الشافعي الصوفي نزيل دمشق تفقه وتأدب وكتب المنسوب وتجرد ولقي المشايخ وتزهد وتعبد وصنف في السلوك والمحبة وشرح منازل السائرين واختصر سيرة ابن هشام ولا دلائل النبوة وكان يتبلغ من نسخه ولا يحب الخوانك ولا الاحتجاز قال الشيخ شمس الدين جالسته مرات وانتفعت به وكان منقبضا عن الناس تسلك به جماعة وكان ذا ورع وإخلاص ومنابذة للاتحادية وله نظم عاش بضعا وسبعين سنة وتوفي بالبيمارستان الصغير سنة إحدى عشرة وسبعمائة ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى 23 شرف الدين المقدسي أحمد بن أحمد بن أحمد الإمام شرف الدين المقدسي أقضى القضاة خطيب الشام بقية الأعلام كان إماما فقيها متقنا للمذهب والأصول والعربية حاد الذهن سريع الفهم بديع الكتابة إماما في تحرير الخط المنسوب درس بالشامية الكبرى وناب في الحكم عن الجويني وكان من طبقته وولى دار الحديث النورية ثم ولى خطابة الجامع الأموي ولد سنة اثنتين وعشرين بالقدس وتوفي سنة أربع وتسعين وستمائة وكان أبوه خطيب القدس أجاز له ابن عبد السلام والسهروردي وكان له حلقة أشغال عند الغزالية
110 تخرج به جماعة وانتهت إليه رياسة المذهب بعد الشيخ تاج الدين وكان متواضعا كيسا حسن الخلاق طويل الروح على التعليم متين الديانة حسن الاعتقاد فمن شعره * احجج إلى الزهر لتحظى به * وارم جمار الهم مستهترا * * من لم يطف بالزهر في وقته * من قبل أن يحلق قد قصرا) وقال في الدولاب * وما أنثى وليس ذات فرج * وتحمل دائما من غير فحل * * وتلقى كل آونة جنينا * فيجري في الرياض بغير رجل * * وتبكي حين تلقيه عليه * بصوت حزينة ثكلى بطفل * 24 القادر بالله أحمد بن إسحاق أمير المؤمنين القادر بالله بويع له بالخلافة عند القبض على الطائع في حادي عشر رمضان سنة إحدى وثماني وثلاثمائة ومولده سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وكان أبيض كث اللحية طويلها يخضب شيبته وكان من أهل الستر والصيانة وإدامة التهجد وبقي خليفة إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر توفي ليلة الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ودفن بدار الخلافة وصلى عليه ولده القائم بأمر الله عاش سبعا وثمانين سنة ثم نقل تابوته إلى الرصافة ولم يبلغ أحد من الخلفاء قبله هذا العمر ولا أقام في الخلافة هذه المدة
111 ومن شعره * ما الزهد أن تمنع الدنيا فترفضها * ولا تزال أخا صوم حليف دعا * * وإنما الزهد أن تحوي البلاد وأرقاب * قاب العباد فتلفى عادلا ورعا * وبينما القادر يمشي ذات ليلة في أسواق بغداد إذ سمع شخصا يقول لآخر قد طالت دولة هذا المشئوم وليس لأحد عنده نصيب فأمر خادما كان معه بالتوكل عليه وأن يحضره بين يديه فما شك أنه يبطش به فسأله عن صنعته فقال إني كنت من السعاة الذين يستعين بهم أرباب هذا المر على معرفة أ؛ وال الناس فمذ ولى أمير المؤمنين أقصانا وأظهر الاستغناء عنا فتعطلت معيشتنا وانكسر جاهنا فقال له أتعرف من في بغداد من السعاة مثلك قال نعم فأحضر كاتبا وكتب أسماءهم وأمر بإحضارهم ثم أجرى لكل واحد منهم معلوما ونفاهم إلى الثغور القاصية ورتبهم هناك عيونا على أعداء الدين ثم التفت إلى من حوله وقال اعلموا أن هؤلاء ركب الله فيهم شرا وملأ صدورهم حقدا على العالم ولا بد لهم من إفراغ ذلك الشر فالأولى أن يكون ذلك في أعداء الدين ولا ننغص بهم المسلمين رحمه الله تعالى 25 أبو جلنك الشاعر أحمد بن أبي بكر شهاب الدين أبو جلنك الحلبي الشاعر المشهور بالعشرة والنوادر كان فيه همة وشجاعة نزل من قلعة حلب للإغارة على التتار فوقع في فرسه سهم فوقع وبقي راجلا فأسروه وأحضر بين يدي مقدم التتار فسأله عن عسكر المسلمين فكثرهم وعظم شأنهم فضرب عنقه سنة سبعمائة يقال إنه دخل الموصل وقصد الطهارة وعلى بابها خادم وعنده أكيال وهو مرصد لمن يدخل يناوله كيل ماء للاستنجاء فدخل أبو جلنك على عادة البلاد ولم يعلم بالأكيال فصاح به ذلك الخادم وقال قف خذ الكيل فقال أنا أخرا جزافا فبلغت الحكاية صاحب الموصل فقال هذا مطبوع
112 فطلبه ونادمه قال القاضي جمال الدين بن ريان لازمنا مدة فكان ينتبه نصف الليل فيكرر على محافيظه منها مختصر ابن الحاجب ثم يشبب ويزمزم فإذا أصبح توضأ وصلى الصبح من شعره لغز في مسعود * اسم الذي أهواه في حروفه * مسألة فيطيها مسائل * * خمساه فعل وهو في تصحيفه * مبين والعكس سم قاتل * * تضيء بعد العصر إن جئت به * مكررا من عكسك المنازل * * وهو إذا صحفته مكررا * فاكهة يلتذ منها الآكل * * وفيه طيب مطرب وطالما * هاجت على أمثاله البلابل * ومن شعره * أتى العذار بماذا أنت معتذر * وأنت كالوجد لا تبقى ولا تذر * * لا عذر يقبل إن نم العذار ولا * ينجيك من خوفه بأس ولا حذر * * كأنني بوحوش الشعر قد نزلت * بوجنتيك وبالعشاق قد نفروا * * ولكما مر بي مرد أقول لهم * قفوا انظروا وجه هذا الحر واعتبروا * وكان قد مدح قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان فوقع له برطلين خبز فكتب على بستانه * لله بستان حللنا دوحه * والورق قد صدحت عليه لما بها * * والبان تحسبه سنانيرا رأت * قاضي القضاة فنفشت أذنابها * يقال إن الشيخ بدر الدين بن مالك وضع على هذين البيتين كراسة في البديع وله أيضا * لا تحسبن خضابها النامي على القدمين * بالمتكلف المصنوع * * لكنها بالهجر خاضت في دمي * فتربلت أقدامها بنجيع *
113 وله أيضا * جعلتك المقصد الأقصى وموطنك البيت * المقدس من روحي وجثماني * * وقبلك الصخرة الصماء حين قست * قامت قيامة أشواقي وأشجاني * * أما إذا كنت ترضى أن تقاطعني * وأن يزورك ذو زور وبهتان * * فلا تغرنك نار في حشاي فمن * وادي جهنم تجري عين سلواني * ألطف من هذا قول القاتل * أيا قدس حسن قلبه الصخرة التي * قست فهي لا ترثي لصب متيم * * ويا سؤلي الأقصى عسى باب رحمة * ففي كبد المشتاق وادي جهنم * ومن شعره أيضا * ماذا على الغصن الميال لو عطفا * ومال عن طرق الهجران وانحرفا * * وعاد لي عائد منه إلى صلة * حسبي من الشوق ما لا قيته وكفى * * صفا له القلب حتى لا يمازجه * شيء سواه وأما قلبه فصفا * * وزارني طيفه وهنا ليؤنسني * فاستصحب النوم من جفني وانصرفا * * ورمت من خصره برءا فزدت ضنى * وطالب البرء والمطلوب قد ضعفا * * حكى الدجى شعره طولا فحاكمه * فضاع بينهما عمري وما انتصفا * 26 ابن الدبيثي أحمد بن جعفر بن أحمد بن محمد الدبيثي أبو العباس البيع من أهل واسط من أعيانهم حشمة وتمولا وهو ابن عم الحافظ أبي عبد الله بن الدبيثي قدم بغداد مرات وروى بها شيء من شعره قال ابن النجار ولم يتفق لي لقاؤه وكان قد ضمن البيع بواسط ثم عطل وصودر على أموال كثيرة
114 أورد له ابن النجار * يروم صبرا وفرط الوجد يمنعه * سلوه ودواعي الشوق تردعه * * إذا استبان طريق الرشد واضحة * عن الغرام فيثنيه ويرجعه * * محلأ ذاده عن عذب مورده * جور الزمان وطام عز مشرعه * * مشحونة بالجوى والشوق أضلعه * ومفعم القلب بالحزان مترعه * * تصبيه أن هتفت ورقاء ضاحية * في كل يوم لها لحن ترجعه * * تسنمت من غصون البان مرتعدا * تحطه الريح أحيانا وترفعه * * خضباء ضافية السربال ناعمة * جنابها دمث الأكناف ممرعه * * لا إلفها نازح تنهل أدمعها * عليه وجدا كما تنهل أدمعه * * عاثت يد البين في قلبي لتقسمه * على الهوى وعلى الذكرى توزعه * * كأنما آلت الأيام جاهدة * لما تبدد شملي لا تجمعه * * روعت يا دهر قلبي كم تذوقه * مر الأسى وفؤادي كم تجرعه * * وكم مرام لقلبي ليس يبلغه * تصده عنه أسباب وتمنعه * * من لي بمن قلبه قلبي فأسمعه * بثي فيبسط من عذري ويوسعه * * قل الوفاء فما أشكو إلى أحد * إلا أكب على قلبي يقطعه * * يا خالي القلب قلبي حشوه حرق * وهاجع الليل ليلى لست أهجعه * * إن خنت عهدي فإني لم أخنه وإن * ضيعت ودي فإني لا أشيعه * * هذا مقام ذليل عز ناصره * يشكو إليك فهل شكواه تنفعه * * يلومه في الهوى قوم وما علموا * أن الملامة تغريه وتولعه * * من لا يكابد فيه ما أكابده * منه ويوجعني ما ليس يوجعه * * تمر أقوالهم صفحا على أذني * مر الرياح بسلمى لا تزعزعه * * من منقذي من يدي من ليس يرحمني * يقتادني للهوى المردى فأتبعه * * آتيه بالصدق من قولي فيدفعه * ظنا ويكذبه الواشي فيسمعه * * لو خفف الثقل عن قلبي وعلله * بالوعد كنت أمنيه وأطمعه *
115 * لكنه صرح الهجران فالتهبت * نار التأسف بالأحشاء تسفعه * * أقول أسلو فتأتيني بدائعه * تترى بكل شفيع ليس أدفعه * * وليلة زارني فيها على عجل * والشوق يحفزه والخوف يفزعه * * وبات مستنطقا أوتار مزهره الفصاح * يتبعها طورا وتتبعه * * إذا لوت كفه الملوي سمعت لها * وقعا يلذ على الأسماع موقعه * * فبت أنظره بدرا وأرشفه * خمرا وأقطفه وردا وأسمعه * * وقام والوجد يبطيه ويعجله * ضوء الصباح وأنفاسي تودعه * قلت أظنه عارض بهذه القصيدة عينية ابن زريق المشهورة التي أولها * * لا تعذليه فإن العذل يولعه * قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه * وجيد هذه أكثر من جيد تلك وكانت وفاة ابن الدبيثي بواسط سنة ثمان وخمسين وخمسمائة رحمه الله تعالى 27 المعتمد على الله أ؛ مد بن جعفر أمير المؤمنين المعتمد على الله بن المتوكل بن المعتصم ولد سنة تسع وعشرين ومائتين بسر من رأى كان أسمر رقيقا أعين خفيفا لطيف اللحية جميلا توفي ليلة الاثنين تاسع عشر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين ببغداد وحمل فدفن بسامرا وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وستة أيام وقيل إنه سم في رؤوس الجداء وقيل بل لف في بساط وشد عليه حتى مات وقيل إن الذين أكلوا معه من الرؤوس ماتوا وكان منهمكا على اللذات فاستولى أخوه الموفق على الأمور وكان يشرب ويعربد على الندماء واستولى بعده ابن أخيه الموفق المعتضد
116 قال المرزباني فيم عجم الشعراء وكان يقول الشعر ويغني به المغنون فمن شعره * طال والله عذابي * واهتمامي واكتئابي * * بغزال من بني الأصفر * لا يعنيه ما بي * * أنا مغري بهواه * وهو مغري بعذابي * * فإذا ما قلت صلني * كان لا منه جوابي * ومن شعره وقد نقله الموفق من مكان إلى مكان * ألفت التباعد والغربة * ففي كل يوم لنا تربه * * وفي كل يوم لنا حادث * يؤدي إلى كبدي كربه * * أمر الزمان لنا طعمه * فما إن أرى ساعة عذبه * ومن شعره * بليت بشادن كالبدر حسنا * يعذبني بأنواع الجفاء * * ولي عينان دمعهما غزير * ونومهما أعز من ما لوفاء * وأطربته يوما مغنية فأمر لها بشيء فلم ينجز لها فقال * أليس من العجائب أن مثلي * يرى ما قل ممتنعا عليه * * وتؤكل باسمه الدنيا جميعا * وما من ذاك شيء في يديه * 28 الناصر لدين الله أحمد بن الحسن أمير المؤمنين الإمام الناصر لدين الله أبو العباس ابن الإمام المستنصر ولد يوم الاثنين عاشر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة
117 وبويع له في أول ذي القعدة سنة خمس وسبعين وتوفي سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة فكانت خلافته سبعا وأربعين سنة وكان أبيض اللون تركي الوجه مليح العينين أنور الوجه خفيف العارضين أشقر رقيق المحاسن نقش خاتمه رجائي من الله عفوه ولم يل الخلافة أطول مدة منه وكان شابا مرحا عنده منعة الشباب يشق الدروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيبون لقاءه وظهر التشيع في أيامه ثم انطفأ وشهر التسنن المفرط ثم زال وظهرت الفتوة والبندق والحمام الهادي وتفنن الناس في ذلك وألبي الملك العاد لو أولاده سراويلات الفتوة وكذلك للملك شهاب الدين الغوري صاحب غزنة وملك الهند وجمع الملوك الذين كانوا في أيامه وكان شديد الاهتمام بالملك ومصالحه لا يكاد يخفي عليه شيء من أمور رعيته كبارهم وصغراهم وكان له حيل لطيفة ومكايد خفية يوقع الصداقة بين ملوك متعادين ويوقع العداوة بين ملوك متصادقين قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي قل بصر الخليفة في آخر عمره وقيل بل ذهب وكانت جاريته تعلم عنه وكان قد علمها الخط فكانت تكتب مثل خطه ولما مات بويع لولده أبي نصر ولقب بالظاهر لأمر الله وكان الناصر سئ السيرة خرب في أيامه العراق وتفرق أهله في البلاد وأخذ أموالهم وأملاكهم وكان يفعل الشيء وضده وجعل همه في رمى البندق والطيور المنسوبة وسراويلات الفتوة وملك من المماليك ما لم يملكه خليفة وخطب له بالأندلس والصين وكان أسد بني العباس وكتب إليه خادم اسمه يمن ورقة تتضمن عتبا فكتب إليه الناصر بمن
118 يمن يمن ثمن يمن ثمن ثمن ولما صرف ابن زبادة عن عمل كان يتولاه ولم يعرف ابن زبادة سبب عزله كتب إلى الناصر شعرا منه (هب أن ذلك عن رضاك فمن ترى * يدري مع الإعراض أنك راض * فوقع له على رقعته الاختيار صرفك والاختبار صرفك وما عزلناك لخيانة ولا لجناية ولكن للملك أسرار لا تطلع عليها العامة ولتعلمن نبأه بعد حين ومن شعر الناصر * زعموا أنني أحب عليا * صدقوا كلهم لدى علي * * كل من صاحب النبي ولو طرفة * عين فحقه مرعى * * فلقد قل عقل كل غبي * هو من شيعة النبي برى * وقال أيضا * إن طال عمري فما قصرت في كرم * ولا حراسة ملكي من أعاديه * * عرب وعجم وروم كلهم طمعوا * فلم يفوزوا بشيء غير تمويه * * بليت حتى بأدنى الناس من خلدي * يريد موتي وبالأرواح أفديه * يشير بذلك إلى ولده الظاهر بالله وسيأتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى وكان بالناصر أمراض منها عسر البول والحصى ووجد منه شدة وشق ذكره مرارا سامحه الله تعالى وإيانا 29 الحاكم بأمر الله العباس ابن الأمير أبي علي الحسن ابن أبي بكر بن علي بن أمير المؤمنين المسترشد بالله العباسي البغدادي
119 قدم مصر ونهض ببيعته الملك الظاهر بيبرس الصالحي وبويع له سنة إحدى وستين وستمائة وخطب بالناس وكان ملازما لداره فيه عقل وشجاعة وديانة وله راتب يكفيه من غير سرف امتدت أيامه وعهد بالخلافة إلى ولده المستكفي بالله أبي الربيع سليمان وتوفي سنة إحدى وسبعمائة وهو في عشر الثمانين وكانت خلافته أربعين سنة ولم يكن له من الخلافة غير الخطبة والسكة 30 المسيلي أحمد بن الحسين بن محمد المسيلي ذكره ابن الأبار في تحفة القادم توفي في حدود الخمسمائة رحمه الله تعالى من شعره * خطرت على وادي العذيب بأدمعي * فما جزته إلا وأكثره دم * * وقد شربت منه كرام جيادنا * فكادت بأسرار الهوى تتكلم * * سرى البرق من نعمان يخبر أنه * سيشقى بكم من كان بالمس ينعم * * رحلتم وهذا الليل فيكم ولم يعد * إلي سواه منكم إذا رحلتم * * وما أنا صب بالنجوم وإنما * تخيل لي الأشواق أنكم هم * وله أيضا * متى طلعت تلك الأهلة في الخمر * ونابت لنا تلك العيون عن الخمر * * ومن علم الأعجاز تستعجز القنا * وهذي الثنايا الغر تسطو على الدر * * شموس أبت إلا شماس سجية * وأقمار حسن في الهوى قمرت صبري * 31 ابن أبي فنن أحمد بن صالح بن أبي معشر وكنية صالح أبو فنن مولى المنصور كان
120 أسود اللون وبلغ عالية توفي بين الستين والسبعين والمائتين رحمه الله تعالى وهو القائل * سر من عاش ماله فإذا حاسبه * الله سره الإعدام * وله أيضا * عاش بنيي فصار مثلي * يلبس ما قد خلعت عني * * فسرني ما رأيت منه * وساءني ما رأيت مني * 32 السنبلي أحمد بن صالح شهاب الدين السنبلي كان فاضلا شاعرا حسن الشكل كثير المروة طيب الأخلاق وكان مباشر عمائر الجامع الأموي بدمشق في زمن الصالح نجم الدين فلما ملك الناصر صاحب حلب دمشق وباشر عز الدين ابن وادعة شد الدواوين مدحه وطلب النقلة إلى جهة خير منها فقال له ابن وداعة أبصر جهة مثل جهتك ومعلومها فقال يا خوند فحينئذ لم يحصل للمملوك إلا نقلة وحركة لا غير فاستحسن ذلك منه وولى جهة أرضته وتوفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة رحمه الله ومن شعره ما أورده الشيخ قطب الدين في الذيل * هويته مكاريا * شرد عن عيني الكرى * * كأنه البدر فما * يمل من طول السرى * وقال في السيف عامل الجامع * ربع المصالح داثر * لم يبق منه طائل * * هيهات تعمر بقعة * والسيف فيها عامل *
121 وله أيضا * للوز زهر حسنه * يصبي إلى زمن التصابي * * شكت الغصون من الشتا * فأعارها بيض الثياب * * وكأنه عشق الربيع * فشاب من قبل الشباب * وله وقد وقع مطر كثير يوم عاشوراء * يوم عاشوراء جادت بالحيا * سحب تهطل بالدمع الهمول * * عجبا حتى السموات بكت * رزء مولاي الحسين ابن البتول * 33 المعتضد بالله العباسي أحمد بن طلحة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو العباس ابن ولي العهد أبي أحمد الموفق بالله بن المتوكل ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين ومائتين أيام جده وتوفي في رجب سنة تسع وثمانين ومائتين رحمه الله وكان قد استخلف بعد عمه المعتمد سنة تسع وسبعين ومائتين وكان شجاعا مهيبا أسمر نحيفا وافر العقل ظاهر الجبروت شديد الوطأة من أفراد خلفاء بني العباس كان يقدم على الأسد وحده لشجاعته قال خفيف السمرقندي كنت معه في الصيد وانقطع عنا العسكر فخرج علينا أسد فقال أفيك خير قلت لا قال ولا تمسك فرسي قلت نعم فنزل وتحزم وسل سيفه وقصد الأسد وتلقاه بسيفه فقطع عضده ثم ضربه ضربة فلقت هامته ومسح سيفه في صوفه وركب وصحبته إلى أن مات ما سمعته يذكر ذلك لقلة احتفاله به وكان يبخل ويجمع المال وفي أيامه سكنت الفتن لعظم هيبته وكان يسمى السفاح الثاني لأنه جدد ملك بني العباس وكانت أيامه طيبة كثيرة المن والرخاء وأسقط المكوس ونشر العدل ورفع المظالم عن الرعية
122 وكان مزاجه قد تغير من إفراطه في الجماع وعدم الحمية بحيث إنه أكل في علته زيتونا وسمكا وشكوا فيموته فتقدم الطبيب وجس نبضه ففتح عينه ورفس الطبيب رماه أذرعا فمات الطبيب ثم مات المعتضد وبويع ابنه المكتفي فكانت ولايته تسع سنين وتسعة أشهر وأياما وهو أحد من ولى الخلافة ولم يكن أبوخ خليفة وهم السفاح والمنصور والمستعين والمعتضد وكان المعتضد حسن الميل إلى آل الرسول صلى الله عليه وسلم وتزوج قطر الندى بنت خمارويه أصدقها ألف درهم ومن شعره * غلب الشوق اصطباري * لتباريح الفراق * * إن جسمي حيث ما سرت * وقلبي بالعراق * * أملك الأرض ولا أملك * دفع الإشتياق * وحكى ابن حمدون النديم أنا لمعتضد كان قد شرط علينا أنا إذا رأينا منه شيئا ننكره نقول له وإن أطلعنا على عيب واجهناه به قال فقلت له يوما يا مولانا في قلبي شيء أردت سؤالك عنه منذ سنين قال ولم تخف قلت اجتاز مولانا ببلاد فارس فتعرض الغلمان للبطيخ الذي كان في تلك الأرض فأمرت بضربهم وحبسهم وكان ذلك كافيا ثم أمرت بصلبهم وكان ذنبهم لا يجوز عليه الصلب فقال أو تحسب أن المصلوبين كانوا أولئك الغلمان وبأي وجه كنت ألقى الله تعالى يوما لقيامة لو صلبتهم لأجل البطيخ وأما أمرت بإخراج قوم من قطاع الطريق كان وجب عليهم القتل وأمرت أن يلبسوا أقبية الغلمان وملابيسهم إقامة للهيبة في قلوب العسكر ليقولوا إذا صلب أخص غلمانه على غضبالبطيخ فكيف يكون على غيره وأمرت بتلثيمهم ليستتر أمرهم على الناس
123 34 الشيخ تقي الدين بن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني الشيخ الإمام العلامة الفقيه المفسر الحافظ المحدث شيخ الإسلام نادرة العصر ذو التصانيف والذكاء تقي الدين أبو العباس ابن العالم المفتي شهاب الدين ابن الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات ولد بحران عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وتحول به أبوه إلى دمشق سنة سبع وستين توفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة رحمه الله تعالى سمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر والكمال بن عبد والشيخ شمس الدين والقاسم الإربلي وابن علان وخلق كثير وقرأ بنفسه ونسخ عدة أجزاء وصار منم أئمة النقد ومن علماء الأثر مع التدين والذكر والصيانة والنزاهة عن حطام هذه الدار ثم أقبل على أفقه ودقائقه وغاص على مباحثه وأما أصول الدين ومعرفة أقوال الخوارج والروافض والمعتزلة والمبتدعة فكان لا يشق فيها غباره مع ما كان عليه من الكرم الذي لم يشاهد مثله والشجاعة المفرطة والفراغ عن ملاذ النفس من اللباس الجميل والمأكل الطيب والراحة الدنيوية قيل إن والدته طبخت له يوما قرعية ولم تذقها أولا وكانت مرة فلما ذاقتها تركتها على حالها فأتى الشيخ إلى الدار فرأى القرعية فأكل منها حتى شبع وما أنكر منها شيئا وحكى أنه كان قد شكا له إنسان من قطلوبك الكبير وكان المذكور فيه جبروت وأخذ أموال الناس واغتصابها وحكاياته في ذلك مشهورة فلما دخل إليه الشيخ وتكلم معه في ذلك قال أنا الذي كنت أريد أجيء إليك لأنك رجل عالم زاهد يعني يستهزيء به فقال له لا تعمل على دركوان موسى كان خيرا مني وفرعون كان شرا منك وكان موسى كل يوم يجيء إلى باب فرعون مرات ويعرض عليه الإيمان
124 قال الشيخ شمس الدين وصنف في فنون العلم ولعل تواليفه تبلغ ثلاثمائة مجلدة وكان قوالا بالحق نهاء عن المنكر ذا سطوة وإقدام وعدم مدارة وكان أبيض أسود الرأس واللحية قليل الشيب شعره إلى شحمة أذينة كأن عينيه لسانان ناطقان ربعة من الرجال جهوري الصوت فصيح اللسان سريع القراءة توفي محبوسا في قلعة دمشق على مسألة الزيارة وكانت جنازته عظيمة إلى الغاية ودفن في مقابر الصوفية صلى عليه قاضي القضاة الشيخ علاء الدين القونوي انتهى كلام الشيخ شمس الدين الذهبي ذكر تصانيفه كتب التفسير قاعدة في الاستعاذة قاعدة في البسملة والكلام على الجهر بها قاعدة في قوله تعالى * (إياك نعبد وإياك نستعين) * الفاتحة 5 وقطعة كبرة من سورة البقرة في قوله تعالى * (ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الأخر) * 8 ثلاث كراريس وفي قوله تعالى * (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) * 17 كراسين وفي قوله تعالى * (يا أيها الناس اعبدوا) * 21 سبع كراريس إلا من سفه نفسه كراسة آية الكرسي كراسان وفي قوله * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * آل عمران 18 ست كراريس * (ما أصابك من حسنة) * النساء 79 عشر كراريس وغير ذلك من سورة آل عمران تفسير المائدة مجلد لطيف * (يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * المائدة 6 ثلاث كراريس * (وإذ أخذ ربك من بني آدم) * الأعراف 172 سبع كراريس سورة يوسف مجلد كبير سورة النور مجلد لطيف سورة القلم وأنها أول سورة أنزلت مجلد سورة لم يكن سورة الكافرون سورة تبت والمعوذتين مجلد سورة الإخلاص مجلد كتب الأصول الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية أربع مجلدات ما أملاه في الجب ردا على تأسيس القديس شرح أول المحصل مجلد شرح بضع عشرة مسألة من الأربعين للإمام فخر الدين تعارض العقل والنقل أربع مجلدات جواب ما أورده كمال الدين بن الشريشي مجلد الجواب الصحيح رد على النصارى ثلاث مجلدات منهاج الاستقامة
125 شرح عقيدة الأصفهاني مجلد شرح أول كتاب الغزنوي في أصول الدين مجلد الرد على المنطق مجلد رد آخر لطيف الرد على الفلاسفة أربع مجلدات قاعدة في القضايا الوهمية قاعدة في تناهي ما لا يتناهى جواب الرسالة الصفدية جواب في نقض قول الفلاسفة إن معجزات الأنبياء عليهم السلام قوى نفسانية مجلد كبير إثبات المعاد والرد على ابن سينا شرح رسالة ابن عبدوس في كلام الإمام أحمد في الأصول ثبوت النبوات عقلا ونقلا والمعجزات والكرامات مجلدان قاعدة في الكليات مجلد لطيف الرسالة القبرصية رسالة إلى أهل طبرستان وجيلان في خلق الروح والنور الرسالة البعلبكية الرسالة الأزهرية القادرية البغدادية أجوبة الشكل والنقط إبطال الكلام النفساني أبطله من نحو ثمانين وجها جواب من حلف بالطلاق الثلاث أن القرآن حرف وصوت إثبات الصفات والعلو والاستواء مجلدان المراكشية صفات الكمال والضابط فيها جواب في الاستواء وإبطال تأويله بالاستيلاء جواب من قال لا يمكن الجمع بين إثبات الصفات على ظاهرها مع نفي التشبيه أجوبة كون العرش والسماوات كرية وسبب قصد القلوب جهة العلو جواب كون الشيء في جهة العلو مع أنه ليس بجوهر أو عرض معقول أو مستحيل جواب هل الاستواء والنزول حقيقة وهل لازم المذهب مذهب سماه الإربلية مسألة النزول واختلاف وقته باختلاف البلدان والمطالع مجلد لطيف شرح حديث النزول مجلد كبير بيان حل إشكال ابن حزم الوارد على الحديث قاعدة في قرب الرب من عابديه وداعيه مجلد الكلام على نقض المرشدة المسائل الإسكندرية في الرد على الاتحادية والحلولية ما تضمنه فصوص الحكم جواب في لقاء الله جواب رؤية النساء ربهن في الجنة الرسالة المدنية في إثبات الصفات النقلية الهلاوونية جواب ورد على لسان ملك التتار مجلد قواعد في إثبات القدر والرد على القدرية والجبرية مجلد رد على الروافض في الإمامة على ابن مطهر جواب في حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام لعلة أم لغير علة شرح حديث فحج آدم موسى تنبيه الرجل الغافل على تمويه المجادل مجلد تناسى الشدائد في اختلاف العقائد مجلد كتبا بالإيمان مجلد شرح
126 حديث جبريل في حديث الإيمان والإسلام مجلد عصمة الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغونه مسألة في العقل والروح مسألة في المقربين هل يسألهم منكر ونكير مسألة هل عذب الجسد مع الروح في القبر الرد على أهل الكسروان مجلدان في فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على غيرهما قاعدة في فضل معاوية وفي ابنه يزيد لا يسب في تفضيل صالحي الناس على سائر الأجناس مختصر في كفر النصيرية في جواز قتال الرافضة كراسة في بقاء الجنة والنار وفي فنائهما رد عليه مولانا قاضي القضاة تقي الدين السبكي أعزه الله تعالى كتب أصول الفقه قاعدة غالبها أقوال الفقهاء مجلدان قاعدة كل حمد وذم من المقالات والأفعال لا يكون إلا بالكتاب والسنة شمول النصوص للأحكام مجلد لطيف قاعدة في الإجماع وأنه ثلاثة أقسام جواب في الإجماع وخبر التواتر قاعدة في الإجماع وأنه ثلاثة أقسام جواب في الإجماع وخبر التواتر قاعدة في كيفية الاستدراك على الأحكام بالنص والإجماع في الرد على من قال إن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين ثلاث مصنفات قاعدة فيما يظن من تعارض النص والإجماع مواخذ على ابن حزم في الإجماع قاعدة في تقرير القياس قاعدة في الاجتهاد والتقليد في الأحكام رفع الملام عن الأئمة الأعلام قاعدة في الاستحسان وصف العموم والإطلاق قواعد في أن المخطئ في الاجتهاد لا يأثم هل العامي يجب عليه تقليد مذهب معين جواب في ترك التقليد فيمن يقول مذهبي مذهب النبي عليه السلام وليس أنا محتاج إلى تقليد الأربعة جواب من تفقه في مذهب ووجد حديثا صحيحا هل يعمل به أو لا جواب تقليد الحنفي الشافعي في الجمع للمطر والوتر الفتح على الإمام في الصلاة تفضيل قواعد مذهب مالك وأهل المدينة تفضيل الأئمة الأربعة وما امتاز به كل واحد منهم قاعدة في تفضيل الإمام أحمد جواب هل كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة نبيا جواب هل كان النبي صلى الله عليه وسلم متعبدا بشرع من قبله قواعد أن النهى يقتضي الفساد كتب الفقه شرح المحرر في مذهب أحمد ولم يبيض شرح العمدة لموفق الدين أربع مجلدات جواب مسائل وردت من أصفهان جواب
127 مسائل وردت من الأندلس جواب مسائل وردت من الصلت مسائل من بغداد مسائل وردت من زرع مسائل وردت من الرحبة أربعون مسألة لقبت الدرر المضية في فتاوي ابن تيمية الماردانية الطرابلسية قاعدة في المياه والمائعات وأحكامها طهارة بول ما يؤكل لحمه قاعدة في حديث القلتين وعدم رفعه قواعد في الاستجمار وتطهير الأرض بالشمس والريح جواز الاستجمار مع وتطهير الأرض بالشمس والريح جواز الاستجمار مع وجود الماء نواقض الوضوء قواعد في عدم نقضه بلمس النساء التسمية على الوضوء خطأ القول بجواز المسح على الخفين جواز المسح على الخفين المنخرقين والجوربين واللفائف فيمن لا يعطى أجرة الحمام تحريم دخول الحمام بلا مئزر في الحمام والاغتسال ذم الوسواس جواز طواف الحائض تيسير العبادات لأرباب الضرورات بالتيمم والجمع بين الصلاتين للعذر كراهية تقديم بسط سجادة المصلى قبل مجيئه في الركعتين اللتين تصليان قبل الجمعة في الصلاة بعد أذان الجمعة القنوت في الصبح والوتر قتل تارك المباني وكفره الجمع بين الصلاتين في السفر فيما يختلف حكمه بالسفر والحضر أهل البدع هل يصلى خلفهم صلاة بعض أهل المذاهب خلف بعض الصلوات المبتدعة تحريم السماع تحريم الشبابة تحريم اللعب بالشطرنج تحريم الحشيشة القنبية ووجوب الحد عليها وتنجيسها النهي عن المشاركة في أعياد النصارى واليهود وإياقد النيران في الميلاد ونصف شعبان وما يفعل في عاشوراء من الحبوب قاعدة في مقدار الكفارة في اليمين في أن المطلقة بثلاثة لا تحل إلا بنكاح زوج ثان بيان الحلال والحرام في الطلاق جواب من حلف لا يفعل شيئا على المذاهب الأربعة ثم طلق ثلاثا في الحيض الفرق المبين بين الطلاق واليمين لمحة المختطف في الفرق بين الطلاق والحلف كتاب التحقيق في الفرق بين الأيمان والتطليق الطلاق البدعي لا يقع مسائل الفرق بين الطلاق البدعي والخلع ونحو ذلك مناسك الحج في حجة النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة المكية في شهر السلاح بتبوك وشرب السويق بالعقبة وأكل التمر بالروضة وما يلبس المحرم وزيارة الخليل عليه السلام عقيب
128 الحج زيارة القدس مطلقا جبل لبنان كأمثاله من الجبال ليس فيه رجال الغيب ولا أبدال جميع أيمان المسلمين مكفرة الكتب في أنواع شتى جمع بعض الناس فتاويه بالديار المصرية مدة مقامه بها سبع سنين في علوم شتى فجاءت ثلاثين مجلدا الكلام على بطلان الفتوة المصطلح عليها بين العوام وليس لها أصل متصل بعلي رضي الله عنه كشف حال المشايخ الأحمدية وأحوالهم الشيطانية بطلان ما يقوله أهل بيت الشيخ عدي النجوم هل هلا تأثير عند القران والمقابلة وفي الكسوف هل يقبل قول المنجمين فيه ورؤية الهلة مجلد تحريم أقسام المعزمين بالعزائم المعجمة وصرع الصحيح وصفة الخواتيم إبطال الكيميا وتحريمها ولو صحت وراجت ومن نظم الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى على لسان الفقراء المجردين * والله ما فقرنا اختيار * وإنما فقرنا اضطرار * * جماعة كلنا كسالى * وأكلنا ماله عيار * * تسمع منا إذا اجتمعنا * حقيقة كلها فشار * وله أجوبة وسؤالات كان يسألها نظما فيجيب عنها نظما وليس هذا موضع إيراد ذلك رحمه الله تعالى 35 ابن عبد الدايم أحمد بن عبد الدايم بن أحمد بن نعمة بن إبراهيم بن بكير المعمر العالم مسند الوقت زين الدين أبو العباس المقدسي الفندقي الحنبلي الناسخ ولد بفندق المشايخ من جبل نابلس سنة خمس وسبعين وخمسمائة وأدرك الإجازة
129 التي من السلفي لمن أدرك حياته وأدرك الإجازة الخاصة من خطيب الموصل أبي الفضل الطوسي وأبي الفتح بن شاتيل ونصر الله القزاز وخلق سواهم وسمع من يحيى الثقفي وأبي الحسين والموازيني ومحمد بن علي بن صدقة والمكرم بن هبة الله الصوفي وبركات الخشوعي وابن طبرزد والحافظ عبد الغني ودخل بغداد وسمع من ابن كليب وطبقته وتفقه على الشيخ الموفق وكتب بخطه المليح السريع ما لا يوصف لنفسه وبالأجرة حتى كان يكتب إذا تفرغ في اليوم تسع كراريس قيل إنه كان يكتب الخرقي في ليلة واحدة وكان ينظر في الصفحة مرة واحدة ويكتبها ولازم النسخ خمسين سنة وخطه لا نفط ولا ضبط وكتب ألفي مجلدة وكان تام القامة حسن الأخلاق والشكل وولى خطابة كفربطنا وأنشأ خطبا كثيرة وحدث ستين سنة روى عنه الشيخ محيي الدين والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وشرف الدين الدمياطي وابن الظاهري وابن جعوان وابن تيمية ونجم الدين بن صصري وشرف الدين الفزاري وأخوه تاج الدين وولده برهان الدين وإمام الكلاسة ومنيف قاضي القدس وعلاء الدين ابن العطار وعلاء الدين بن غانم وخلق كثير بمصر والشام وتفرد بالكثير وكف بصره في آخر عمره وتوفي لتسع خلون من رجب سنة ثمان وستين وستمائة ومن شعره لما أضر رحمه الله تعالى * إن يذهب الله من عيني نورهما * فإن قلبي بصير ما به ضرر * * والله إن لكم في القلب منزلة * ما نالها قبلكم أنثى ولا ذكر * * وصالكم لي حياة لا نفاد لها * والهجر موت فلا عين ولا أثر * ومن شعره * عجزت عن حمل قرطاس وعن قلم * من بعد إلفي بالقرطاس والقلم * * كتبت ألفا وألفا من مجلدة * فيها علوم الورى من غير ما ألم *
130 * ما العلم فخر امريء إلا لعامله * إن لم يكن عمل فالعلم كالعدم * 36 الشار مساحي أحمد بن عبد الدايم بن يوسف بن قاسم بن عبد الخالق الكناني الشار مساحي قال الشيخ أثير الدين أبو حيان مولده بشار مساح سنة ثلاث وستين وستمائة ومن شعره * محبة بين الترائب والحشا * فدمعي لها طلق وقلبي لها رهن * * وحال الهوى ما ليس يدرك كنهه * وهل هو وهم يعتري القلب أو وهن * * ومسلكه بالطرف سهل وإنما * له منهج أعيا القلوب به حزن * * لديه الأماني بالمنايا مشوبة * وفيه الرجا واليأس والخوف والأمن * * وكم مهلك فيه يقين لعاشق * ومطلبه من دونه في الورى ظن * وله أيضا * تخشى الظبا والظبا من فتك ناظره * وإن تثنى فلا تسأل عن الأسل * * لا واخذ الله عينيه فقد نشطت * إلى تلافي وفيها غاية الكسل * * يرمي القلوب فلا ندري أقام بها * هاروت أم ذاك رام من بني ثعل * * هذا الغزال الذي راقت محاسنه * فلا عجيب عليه رقة الغزل * * لما تواليت من وجد ومن شغف * تحقق الناس أني مغرم بعلي * ومن شعره * لا تعجبوا للمجانيق التي رشقت * عكا بنار وهدتها بأحجار * * بل اعجبوا للسان النار قائلة * هذي منازل أهل النار في النار *
131 37 ابن نفادة أحمد بن عبد الرحمن بن علي بن نفادة السلمي الأديب البارع بدر الدين نشء الدولة الشاعر المحسن روى عنه الشهاب القوصي كان رئيسا وديوانه مشهور توفي سنة إحدى وستمائة وق ناهز الستين وله مدائح كثيرة في السلطان صلاح الدين الكبير وفي أولاده وأخيه العادل وجماعته وفي الوزير صفي الدين بن القابض وفي القاضي الفاضل والقاضي ابن الشهرزوري ومحيي الدين بن الزكي وهو من المشهورين بحسن النظم فمن شعره لغز في يوسف * يا سائلي ما اسم الذي أحببته * إني بسر هواه غير مصرح * * لكن إذا فكرت فيه وجدته * معكوس سابع لفظة في سبح * ومن شعره * إن أعوز الحاذق فاستبدلوا * مكانه آخر لم يحذق * * فلاعب الشطرنج من شأنه * وضع حصاة موضع البيذق * وقال * أفدي التي سفرت فقابل ناظري * مرآة وجه بالجمال صقيل * * أبكي فأبصر أدمعي في خدها * لصقاله فأظنها تبكي لي * أخذه من قول الأرجاني * قابلني حتى بدت أدمعي * في خده المصقول مثل المراه * * يوهم صحبي أنه مسعدي * بأدمع لم تذرها مقلتاه * * وإنما قلدني منة * بدمع عين من جفوني مراه * * ولم يقع من دمعه قطر * إلا خيالات دموع البكاه *
132 وقال ابن نفادة * حتام إن أمر الغرام وإن نهى * طاوعته وعصيت في الحب النهى * * أرضيت جفني للدموع موهلا * أبدا وقلبي بالولوع مولها * * قد كنت معتمدا على صبري إذا * ما الخطب فاجاني وها صبري وهى * * ومدلل ما زلت من هجرانه * أبدا على مر الزمان مدلها * * متأود العطاف قلب محبه * ما زال من إعراضه متأوها * * تجنى على عشاقه وجناته * بالصد فهو المشتكي والمشتهي * * فيه إذا عد الملاح المبتدا * وإلى غرامي في هواه المنهى * * يا مطلعين لنا بدورا أوجها * فلك الجيوب فكيف تسمى أوجها * * وملاحظين بأعين من أمها * لم يدر غزلاننا تغازل أم مها * * فحذار من تلك العيون خديعة * فبمكرها سلبت فؤادي مكرها * وله أيضا * دعه مثلي يبكي الصبا وزمانه * إن ذكراه هيجت أحزانه * * ناح شجوا على ليال وأيام * تقضت لم يقض منها لبانه * * كيف يرجو في الأربعين وفاء * من شباب قبل الثلاثين خانه * * أو ينال اللذات في أخريات العمر * من لم يفز بها ريعانه * وقال * قد حجبوا البيض ببيض الصفاح * ومنعوا السمر بسمر الرماح * * وأطبقوا أصداف أجفانهم * فما ترى شمس الصباح الصباح * منها * يثبت تأليف الهوى حسنها * وقدها للصبر إن ماح ماح * * وطرفها مسكرة خمره * إذا أديرت وهو يا صاح صاح *
133 * أمد قلبي نحو كاساتها * رشفا إذا مدت إلى الراح راح * * واضحها موضح عذري فما * يلومني فيها إذا لاح لاح * وقوله أيضا * وامتد ليلى إذ سهرت وكلما * قصرت جفوني زاد ليلى طولا * * وكأن مرآة الصباح تنفسي الصعداء أصدأ وجهها المصقولا * وله غير ذلك كل معنى حسن وديوانه موجود رحمه الله تعالى وإيانا 38 الحنبلي معبر المنامات أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي الشيخ الإمام العالم شهاب الدين الحنبلي مفسر المنامات ولد بنابلس سنة ثمان وعشرين وستمائة وسمع من عمه التقى يوسف ومن الصاحب محيي الدين ابن الجوزي وسمع بمصر من ابن رواج والساوي وابن الجميزي وسبط السلفي وروى الكثير وكان إليه المنتهى في تعبير الرؤيا واشتهر عنه في ذلك عجائب ويخبر بأشياء وكان بعض ا لناس يعتقد فيه الكشف والكرامات وبعضهم يقول كهانات وإلهامات ولكل منهم في دعواه شبه وعلامات قال الشيخ شمس الدين حدثني الشيخ تقى الدين بن تيمية أن شهاب الدين العابر كان له تابع من الجن يخبره بالمغيبات وكان صاحب أوراد وتعبد وما برح كذلك حتى مات صنف في التعبير مقدمة سماها البدر المنير وكان عرافا بالمذهب وذكر
134 الدرس بالجوزية وكان شيخا حسن البشر وافر الحرمة معظما في النفوس أقام بمصر مدة وكانت وفاته بدمشق سنة سبع وتسعين وستمائة وحضر جنازته ملك الأمراء والقضاة والأكابر وقال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس كنت عنده يوما وقد جاءه إنسان قال رأيت كأني صرت أترجة فقال أترجة ألف تا را جيم ها وعدها خمسة أحرف وقال أنت تموت بعد خمسة أيام فإن من رأى أنه صار ثمرة تؤكل فإنه يموت وهذه زيادة من عنده عدد حروف الأترجة وقال بهاء الدين بن غانم كنت عنده يوما فجاء إليه إنسان ومعه آخر فقال رأيت رؤيا وقصها فقال له ما رأيت شيئا وإنما تريد الاستخفاف فخرجا بعدما اعترفا فقلنا له من أين لك هذا قال لما تكلما نظرت في ذيل أحدهما نقطة من دم فذكرت الآية وهي قوله تعالى * (وجاءو على قميصه بدم كذب) * يوسف 18 فاتفق أني رأيت أحدهما فيما بعد فسألته عن القصة فقال لما اجتزنا عليه ذكرنا أمره الغريب وقلنا نريد نمتحنه وصنفنا رؤيا للوقت فكان ما سمعت وحكى عنه بأنه جاء إليه آخر وقال رأيت كأن في داري شجرة يقطين قال أعندك في دارك غير الزوجة قال نعم جارية قال بعني إياها قال إنها ملك زوجتي قال قل لها تبيعني إياها فراح وعاد وقال إنها لا تبيعها فقال امض إلى هذه الجارية واعتبرها فمضى وعاد وقال إنها طلعت عبدا وزوجتي تكتمني أمره وتلبسه لباس النساء وجاء إليه إنسان وقال له رأيت كأني قد وضعت رجلي على رأسي فقال له أفسر لك هذه الرؤيا بيني وبينك أو في الظاهر فقال في الظاهر فقال أنت كنت من ليال تشرب الخمر وسكرت ووطئت أمك فاستحيا ومضى وقيل جاء إليه إنسان وقال له رأيت كأن قائلا يقول لي اشرب شراب الهكارى فقال له فؤادك يوجعك قال نعم قال اشرب العسل تبرأ فسئل من أين لك هذا قال سمعتهم يقولون اشرب الديناري ولم أسمع بالهكارى فرجعت إلى الحروف فرأيته شراب الهك أرى والأرى العسل
135 وذكرت قوله صلى الله عليه وسلم كذب بطن أخيك اسقه العسل 39 المستظهر بالله أحمد بن عبد الله أمير المؤمنين المستظهر أبو العباس بن المقتدي بن الذخيرة ابن القائم بن القادر ولد يوم السب العشرين من شوال سنة سبعين وأربعمائة وبويع له وهو ابن ستة عشر وشهرين ولى الخلافة ثامن عشر المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة وتوفي سابع عشر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة فكانت ولايته خمسا وعشرين سنة وأشهرا ولما بويع له صلى على والده وصلى بالناس صلاة الظهر وكان ميمون الطلعة حميد الأيام وكان لين الأخلاق موصوفا بالعطاء والكرم يحب العلماء ويتفقد الفقراء وكان حسن الخط جيد التوقيعات لا يقاربه فيها أحد وقال محب الدين بن النجار أنشدني محمد بن محمود المعدل قال أنشدنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني وذكر أنها للمستظهر * أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا * يوم مددت إلى رسم الوداع يدا * * فكيف أسلك نهج الإصطبار وقد * أرى طرائق في مهوى الهوى قددا * * قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به * من بعد ما قد وفى دهري بما وعدا * * إن كنت أنقض عهد الحب في خلدي * من بعد هذا فلا عاينته أبدا * وطلب من يؤم به في الصلوات ويلقن أولاده القرآن وقصد أن يكون من
136 أرباب البيوت الصالحين وأن يكون كفوف البصر فوقع الاختيار علي المبارك ابن دواس المقري فوقع منه موقعا حسنا ولما صلى به أول ليلة التراويح قرأ في كل ركعة آية فلما سلم قال له زدنا من التلاوة فصلى في كل ركعة بآيتين فلما سلم قال له زدنا فأقام يزيده إلى أن صلى في كل ركعة بجزء كامل فلما كان ليلة الجمعة أحضر له عاغد طيب وعود ند وكافورا وما أشبه ذلك وكاغدا فيه ذهب ووضعه على مصلاه فلما فرغ من الصلاة وضع يده عليها فدفعها بظاهر كفه وانصرف فلما وصل إلى المكان الذي أفرد له جاء إليه خادم بالكاغدين وقال إن أمير المؤمنين استحسن ذلك منك وقال ما قصر معكم قال لكم ما أنا حمال ومنزلي فتعرفونه إن أردتم أن تعطوني شيئا فاحملوه إلى منزلي ومات المستظهر بعلة المراقيا رحمه الله تعالى 40 الأعيمي الأندلسي أحمد بن عبد الله بن هريرة أبو العباس الأعيمي الإشبيلي توفي سنة خمس وعشرين وخمسمائة رحمه الله تعالى من شعره * بحياة عصياني عليك عواذلي * إن كانت القربات عندك تنفع * * هل تذكرين لياليا سلفت لنا * لا أنت باخلة ولا أنا أقنع * وله أيضا * أعد نظرا في روضتي ذلك الخد * فإني أخاف الياسمين على الورد * * وخذ لهما دمعي وعللهما به * فإن دموعي لا تعيد ولا تبدي * * وإلا ففي كأس المدامة بلغة * تقوم مقام الدن عندك أو عندي * * وفي ريقك المعسول لو أن روضة * تعلل بالكافور والمسك والشهد * * وماء شبابي كان أعذب موردا * لو آن الليالي لم تزاحمك في الورد *
137 * أمنك الخيال الطارقي كل ليلة * على مثل حد السيف أو طرة البرد * * منى لا أبالي أن تكون كواذبا * فتفنى ولكن المدار على وجدي * * وليلة وافاني وقد ملت ميلة * وكنت أنا والنجم بتنا على وعد * * ألم فحيا بين رقبا ورقبة * ولا شيء أحلى من دنو على بعد * * وقد زانه لمح من البدر في الدجى * كما لاح وسم الشيب في الشعر الجعد * * رأى أدمعي حمرا وشيبي ناصعا * وفرط نحولي واصفراري على خدي * * فود لو أني عقده أو وشاحه * وإن لم يطق حمل الوشاح ولا العقد * * ألم فأعداني ضناه وسهده * وقد كان هذا الشوق أولى بأن يعدى * * وولى فلا تسأل بحالي بعده * ولكن سل الأيام عن حاله بعدي * * تفاوت قومي في الحظوظ وسبلها * فمكد على حرص ومثر على زهد * * وأما أنا والحضرمي فإننا * قسمنا المعالي بين غور إلى نجد * * فأبت أنا بالشعر أحمى لواءه * وآب ابن عيسى بالسيادة والمجد * * فتى لا يبالي فوز من فاز بالعلا * إذا امتلأت كفا يديه من الحمد * وله أيضا * وبديع الوصاف كالشمس كالدمية * كالغصن كالقنا كالريم * * سكري اللمى وضيىء المحيا * يستخف النفوس قبل الجسوم * * متهد إلى الحلوم بلحظ * ربما كان ضلة للحلوم * * ما يبالي من بات يلهو به إن * لم ينل ملك فارس والروم * * قمت أسقيه من لمى ثغره العذب * على صحن خده المرقوم * * بين ليل كخضرة الروض في اللون * وصبح كعرفه في الشميم * * وكأن النجوم في غبش الصبح * وقد لفها فرادى بتوم * * أعين العاشقين أدهشها البين * فأغضت بين الضنى والوجوم *
138 وله أيضا * أما والهوى وهو إحدى الملل * لقد مال قدك حتى اعتدل * * وأشرق وجهك للعاذلات * حتى رأت كيف يعصى العذل * * ولم أر أفتك من مقلتيه * على أن لي خبرة بالمقل * * كحلتهما بهوى قاتل * وقلت الردى حيلة في الكحل * * وإني وإن كنت ذا غفلة * لأعلم كيف تكون الحيل * * ولست أسائل عينيك بي * ولكن بعهد الرضا ما فعل * * وقد كنت جاريت تلك الجفون * إلى الموت بين المنى والعلل * وقال يرثى شابا قتل غيلة * خذا حدثاني عن فل وفلان * لعلي أرى باق على الحدثان * * وعن دول حسن الديار وأهلها * فنين وصرف الدهر ليس بفان * * وعن هرمي مصر الغداة أمتعا * بشرخ شباب أم هما هرمان * * وعن نخلتي حلوان كيف تناءتا * ولم يطويا كشحا على شنآن * * وطال ثواء الفرقدين بغبطة * وما علما أن سوف يفترقان * * وزايل بين الشعريين تصرف * من الدهر لا وان ولا متوان * * فإن تذهب الشعري العبور لشانها * فإن الغميصا في بقية شان 9 * * وجن سهيل بالثريا جنونه * ولكن سلاه كيف يلتقيان * * وهيهات من جور القضاء وعدله * شآمية ألوت بدين يماني * * فأزمع عنها آخر الدهر سلوة * على طمع خلاه للدبران * * وأعلن صرف الدهر لابني نويرة * بيوم تناء غال كل تدان * * وكانا كندماني جذيمة حقبة * من الدهر لو لم ينصرم لأوان * * فهان دم بين الدكادك فاللوى * وما كان في أمثالها بهمان * * وضاعت دموع بات يبعثها الأسى * يهيجها قبر بكل مكان * * ومال على عبس وذبيان ميلة * فأودى بمجنى عليه وجان *
139 * فعجا على جفر الهباءة فاعجبا * بضيعة أعلاق هناك ثمان * * دماء جرت منها التلاع بمثلها * ولا ذحل إلا أن جرت فرسان * * وأيام حرب لا ينادي وليدها * أهاب بها في الحي يوم رهان * * فآب الربيع والبلاد تهزه * ولا مثل مود من وراء عمان * * وأنحى على ابني وائل فتهاصرا * غصون الردى من كزة ولدان * * تعاطى كليب فاستمر بطعنة * أقامت لها الأبطال سوق طعان * * وبات عدي بالذنائب يصطلي * بنار وغى ليست بذات دخان * * فذلت رقاب من رجال أعزة * إليهم تناهى عز كل زمان * * وهبوا يلاقون الصوارم والقنا * بك جبين واضح ولسان * * فلا خد إلا فيه حد مهند * ولا صدر إلا فيه صدر سنان * * وصال على الجونين بالشعب فانثنى * بأسلاب مطلول وربقة عان * * وأمضى على أبناء قيلة حكمه * على شرس أدلوا به وليان * * ولو شاء عدوان الزمان ولو يشا * لكان عذير الحي من عدوان * * وأي قبيل لم يصدع جميعهم * ببكر من الأرزاء أبو بعوان * * خليلي أبصرت الردى وسمعته * فإن كنتما في مرية فسلاني * * ولا تعداني أن أعيش إلى غد * لعل المنايا دون ما تعداني * * ونبهني ناع مع الصبح كلما * تشاغلت عنه عن لي وعناني * * أغمض أجفاني كأني نائم * وقد لجت الأحشاء في الخفقان * * أبا حسن أما أخوك فقد مضى * فوا لهف نفسي ما التقى أخوان * * أبا حسن إحدى يديك رزئتها * فهل لك بالصبر الجميل يدان * * أبا حسن ألق السلاح فإنها * منايا وإن قال الجهول أمان * * أبا حسن هل يدفع الموت حينه * بأيد شجاع أبو بكيد جبان * * توقوه شيئا ثم كروا فجعجعوا * بأروع فضفاض الرداء هجان * * قليل حديث النفس عما يروعه * وإن لم يزل من ظنه بمكان * * أبي وإن تتبع رضاه فمصحب * بعيد وإن تطلب جداه فدان * * بنفسي وأهلي أي بدر دجنة * لست خلت من شهره وثمان * * يقولون لا يبعد ولله دره * وقد حيل بين العير والنزوان *
140 * ويأبون إلا ليته ولعله * ومن أين للمقصوص بالطيران * * ليشعركما السلوان أن محمدا * مجاور حور في الجنان حسان * * وأن النجوم الزهر فيكل مطلع * يجدن به مل الذي تجدان * * سقاك كدمعي أو كجودك واكف * من المزن بين السح والهملان * 41 الشهاب العزازي أحمد بن عبد الملك العزازي التاجر بقيسارية جركس الشاعر المشهور كان كيسا ظريفا جيد النظم في الشعر والموشحات فمن شعره يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم * دمى بأطلال ذات الخال مطلول * وجيش صبري مهزوم ومفلول * * ومن يلاق العيون الفاتكات بلا * صبر يدافع عنه فهو مخذول * * لم يدر من سلب العشاق أنفسهم * بأنه عن دم العشاق مسؤول * * وبي أغبن غضيض الطرف معتدل القوام * لدن مهز العطف مجدول * * كأنه في تثنيه وخطرته * غصن من البان مطلول ومشمول * * سلافة منه تسبيني وسالفة * وعاسل منه يصبيني ومعسول * * وكلما مرضت أجفان مقلته * يصح إلا غرامي فهو منحول * * يا برق كيف الثنايا الغر من إضم * يا برق أم كيف لي منهن تقبيل * * ويا نسيم الصبا كرر على أذني * حديثهن فما التكرار مملول * * ويا حداة المطايا دون ذي سلم * عوجوا وشرقي بانات اللوى قيلوا * منها * منازل لأكف الغيث توشية * بها وللنور توشيع وتكليل * * كأنما طيب رياها ونفختها * بطيب ترب رسول الله مجبول * * أوفى النبيين برهانا ومعجزة * وخير من جاءه بالوحي جبريل *
141 * له يد وله باع يزينهما * في السلم طول وفي يوم الوغى طول * * سل الإله به سيفا لملته * وذلك السيف حتى الحشر مسلول * * وشاد ركنا أثيلا من نبوته * والكفر واه وعرش الشرك مثلول * * ويل لمن جحدوا برهانه وثنى * عنان رشدهم غي وتضليل * * أولئك الخاسرون الخاسئون ومن * لهم من الله تعذيب وتنكيل * * نمته من هاشم أسد ضراغمة * لها السيوف بيوت والقنا غيل * * إذا تفاخر أرباب العلا فهم الغر * المغاوير والصيد البهاليل * * لهم على العرب العرباء قاطبة * به افتخار وترجيح وتفضيل * * قوم عمائمهم ذلت لعزتها القعساء * تيجان كسرى والأكاليل * وله أيضا رحمه الله * منذ عشقت الشارعي الذي * بالحسن يختال ويغتال * * لم يبق في ظهري ولا راحتي * تالله لا ماء ولا مال * وله أيضا * ما عذر مثلك والركاب تساق * ألا تفيض بدمعك الآماق * * فأذل مصونات الدموع فإنما * هي سنة قد سنها العشاق * * ولرب دمع خان بعد وفائه * مذ حان من ذاك الفريق فراق * * ووراء ذياك العذيب منيزل * لعبت بقلبك نحوه الأشواق * * خذ أيمن الوادي فكم من عاشق * فتكت به من أهله الأحداق * * واحفظ فؤادك إن هفا برق الحمى * أو هب منه نسيمه الخفاق * وقال أيضا * تعشقته ساحر المقلتين * كبرد يلوح وغصن يميل * * إذا احمر من وجنتيه الأسيل * وإحور من مقلتيه الكحيل * * فقل للشقائق ماذا ترين * وللنرجس الغض ماذا تقول * * وقالوا ذبول بأعطافه * فقلت يزين القناة الذبول *
142 * وعابوا تمرض أجفانه * فقلت أصح النسيم العليل * وكتب شهاب الدين العزازي إلى ناصر الدين بن النقيب ملغزا في شبابة وأحسن * وما صفراء شاحبة ولكن * يزينها النضارة والشباب * * مكتبة وليس لها بنان * منقبة وليس لها نقاب * * تصيخ لها إذا قبلت فاها * أحاديثا تلذ وتستطاب * * ويحلو المدح والتشبيب فيها * وما هي لا سعاد ولا الرباب * فأجابه ناصر الدين بن النقيب * أتت عجمية أعربت عنها * لسلمان يكون لها انتساب * * ويفهم ما تقول ولا سؤال * إذا حققت ذاك ولا جواب * * يكاد لها الجماد يهز عطفا * ويرقص في زجاجته الحباب * وقال الشهاب العزاز ملغزا في القوس والنشاب * ما عجوز كبيرة بلغت عمرا * طويلا وتتقيها الرجال * * قد علا جسمها صفار ولم تشك * سقاما ولا عراها هزال * * ولها في البنين سهم وقسم * وبنوها كبار قدر نبال * * وبنوها لم يشبهوها ففي الأمم * اعوجاج وفي البنين اعتدال * وقال أيضا * قال لي من أحبه عند لثمي * وجنات تحدث الورد عنها * * خل عني أما شبعت فناديت * رأيت الحياة يشبع منها * موشحاته * يا ليلة الوصل وكاس العقار دون استتار * علمتماني كيف خلع العذار *
143 * اغتنم اللذات قبل الذهاب * * وجر أذيال الصبا والشباب * * واشرب فقد طابت كئوس الشراب * * على خدود تنبت الجلنار * ذات احمرار * طرزها الحسن بآس العذار * * الراح لا شك حياة النفوس * * فحل منها عاطلات الكئوس * * واستجلها بين الندامى عروس * * تجلى على خطابها في إزار * من النضار * حبابها قام مقام النثار * * أما ترى وجه الهنا قد بدا * * وطائر الأشجار قد غردا * * والروض قد وشاه قطر الندى * * فكمل اللهو بكأس تدار * على افترار * مباسم النوار غب القطار * * أجن من الوصل ثمار المني * * وواصل الكأس بما أمكنا * * مع طيب الريقة حلو الجنى * * بمقلة أفتك من ذي الفقار * ذات احورار * منصورة الأجفان بالإنكسار * * زار وقد حل عقود الجفا * * وافتر عن ثغر الرضا والوفا * * فقلت والوقت لنا قد صفا * * يا ليلة أنعم فيها وزار * شمس النهار * حييت من دون الليالي القصار * وقال أيضا * ما سلت الأعين الفواتر * من غمد أجفانها الصفاح * * إلا أسألت دم المحاجر * من غير حرب ولا كفاح * * تالله ما حرك السواكن * غير الظباء الجآذر * * لما استجابت بكل طاعن * من القدود النواضر *
144 * وفوقت أسهم الكنائن * من كل جفن وناظر * * عرب إذا صحن يال عامر * بين سرايا من الملاح * * طلت علينا من المحاجر * طلائع تحمل السلاح * * أحبب بما تطلع الجنوب * منها وما تبرز الكلل * * من أقمر مالها مغيب * وأغصن زانها الميل * * هيهات أن تعدل القلوب * عنها ولو جارت المقل * * لما توشحن بالغدائر * سفرن عن أوجه صباح * * فانهزم الليل وهو عاثر * بذيله واختفى الصباح * * وأهيف ناعم الشمائل * تهزه نسمة الشمال * * فينثني كالقضيب مائل * كما انثنى شارب ومال * * له عذار كالند سائل * لله كم من دم أسال * * شقت على نبته المرائر * من داخل النفس الصحاح * * تكل في وصفه الخواطر * وتخرس الألسن الفصاح * * ظبي إلى الإنس لا يميل * الشمس والبدر من حلاه * * والحسن قالوا ولم يقولوا * مبداه منه ومنتهاه * * وطرفه الناعس الكحيل * هيهات من صنعه النجاة * * أذل بالسحر كل ساحر * فهو له خافض الجناح * * يجول في باطن الضمائر * كما يجول القضا المتاح * * أما ترى الصبح قد تطلع * مذ غمضت أعين الغسق * * والبدر نحو الغروب أسرع * كهارب ناله فرق * * والبرق بين السحاب يلمع * كصارم حين يمتشق * * وتحسب الأنجم الزواهر * أسنة ألقت الرماح * * فانهزم النهر وهو سائر * فدرعته يد الرياح * وقال أيضا * كأس رويه * جلا علينا النديم * أم سنا مصباح *
145 * أم شمس حسن * قد توجتها النجوم * في سما الأفراح * * هات الكئوسا * ممزوجة بالرضاب * من ثناياكا * * واخطب عروسا * تروق تحت الحباب * كسجاياكا * * وادع الجليسا * لمجلس وشراب * مثل رياكا * * واشرب سبيه * بها النفوس تهيم * ولها ترتاح * * من بنت دن * أليس نحن الجسوم * وهي الأرواح * * خذها مداما * وجر ذيل المجون * أيما جر * * وافضض فداما * لها من الزرجون * طيب النشر * * حيا الندامى * بها سقيم الجفون * ناحل الخصر * * حر السجيه * حلو الدلال رخيم * خنث مزاح * * لدن التثني * له قوام قويم * للقنا فضاح * * مضد الربيع * للورد أيض بساط * حف بالآس * * قم يا خليع * إلى الصبوح بشاطي * نهر بأناس * * فما الهجوع * وقد جعاك معاطي * جذوة الكاس * * في سندسيه * أجرت عليها الغيوم * مدمعا سحاح * * من ماء مزن * وصال منها النسيم * أرجا نفاح * * لنا خليل * نراه منذ ليالي * غائب عنا * * وما الشمول * لذيذة وهو سالي * أليس منا * * قل يا رسول * بأننا في ظلال * روضة غنا * * زبرجديه * وثم شاد وريم * وبقايا راح * * ويوم دجن * وقد دعاك النديم * أجب يا صاح * * سقيا لدهر * مضى بعل ونهل * وبغزلان * * وطيب عمر * قضى بليلة وصل * ما لها ثاني * * خلعت عذري * فيها وقلت لخلى * ولندماني * * في البلبليه * لا تسمعن من يلوم * واهجر النصاح * * واشرب وغنى * يا ليلة لو تدوم * دامت الأفراح * وقال موشحا دوبيتي
146 * أقسمت عليك بالأسيل القاني * أن تنظر في حال الكئيب العاني * * أو تقصر عن إطالة الهجران * يا مضن سلب المنام من أجفاني * * ما أليق هذا الحسن بالإحسان * * والله لقد ضاعفت عندي الكمدا * مذ جزت من الهجر الطويل الأمدا * * أدرك رمق] أو هب فؤادي جلدا * يا من أخذ الروح وأبقى الجسدا * * ما أصنع بعد الروح بالجثمان * * بالله إذا قضيت وجدا وغرام * فابسط عذري يوم عتاب وملام * * قد كنت خليا من عذار وقوام * لا أعطى لصبوة قيادا وزمام * * حتى علقت بي أعين الغزلان * * من لي بسقيم الجفن واهي الخصر * يرنو بعيون كحلت بالسحر * * كم أوضح لي عذاره من عذر * ما مال به الدلال [ميل السكر * * إلا سجدت معاطف الغزلان * * في مرشفه موارد للقبل * تحمى بفتور لحظه والكحل * * كم قلت لمن كثر فيه عذلي * ما دام سواد طرفه لم يحل * * لا تطمع يا عذول في سلواني * * بدري محيا غصني القد * يسبيك بجلنارة في الخد * * ذو مبتسم عذب وخد وردي * مذ عاينت العين نظام العقد * * منه نشرت قلائد العقيان * * سالم لحظات طرفه الرشاق * واستكف سهاما ما لها من واق * * أو خذ لك موثقا من الأحداق * واستخبر عن مصارع العشاق * * تنبيك وعن مقاتل الفرسان * وقال أيضا * وقفت مذ سارت المحامل * واقتربت ساعة الفراق * * أكفكف الدمع بالأنامل * والدمع يأبى إلا أندقاق * * هل للعزا بعدهم سبيل * أم هل لطيف الكرى مزار * * هيهات والصبر مستحيل * والقلب لا يملك القرار * * إن أوحشت منهم الطلول * فطالما آنسوا الديار *
147 * ساروا وقد زمت المحامل * بهم وأظعانهم تساق * * وخلفوا أضلعا نواحل * ترق مع أدمع تراق * * قف باللوى نندب الربوعا * على فراق الحبائب * * واسفح بأطلالها الدموعا * إن كنت خلي وصاحبي * * ملاعب تنبت الولوعا * سقيا لها من ملاعب * * ما بال أقمارها أوافل * وقد محا نورها المحاق * * وما لباناتها ذوابل * وكن مهزوزة رشاق * * بكيت من لوعتي ووجدي * حتى فني كنز أدمعي * * وكان يوم الفراق ودي * تبكي عيون الحيا معي * * إن لم أف بعدهم بعهدي * فكنت في الحب مدعي * * فإن جفا النوم وهو واصل * فكل شمل له افتراق * * أو غاض دمعي وكاغن سائل * فالنيل يعتاده احتراق * * من لفتى ساهر المآقي * قد ذل في طاعة الهوى * * يشكو إلى الله ما يلاقى * من التباريح والجوى * * قد بلغت روحه التراقي * مذ بعدت شقة النوى * * صب لثقل الغرام حامل * وحم لذياك لا يطاق * * راح لكأس الفراق ناهل * وكاسه مرة المذاق * وقال أيضا * زمان شبابي كنت خير زمان * فلا زلت مشكورا بكل لسان * * فلله كم جررت ذيل بطالتي * وأطلقت للذات فيك عناني * * وقد كنت سباقا إلى غاية الصبا * مجيبا إذا داعى المجون دعاني * * أقبل ثغر الكأس أبيض واضحا * وألثم خد الراح أحمر قاني * * ألا خلياني والتصابي فإنني * أرى في التصابي غير ما تريان * * سأملأ من طيب العذار مفارقي * وأخضب من صرف الكئوس بناني * وقال أيضا * أرامة للآرام كنت مراتعا * فما لك للعشاق صرت مصارعا *
148 * فأين غصون كن فيك موائسا * وأين بدور كن فيك طوالعا * * وقفنا لتوديع الحمول عشية * نبث صبابات ونذري مدامعا * * وقفنا لتوديع الحمول عشيبة * نبث صبابات ونذري مدامعا * * وعدنا وما بل الوداع غليانا * ولا بردت منا الدموع الأضالعا * * سألتكما ما ضر حادي ركابهم * لو احتبس الأظعان أو كر راجعا * * وماذا على المستودعين قلوبنا * بحبلى زوود لو رددن الودائعا * * تعرضن لي يوم الكثب كأنما * تعرض لي سرب من الرمل راتعا * * وما كنت أدري أن بين ستورهم * شموس الضحى حتى رفعن البراقعا * وقال أيضا * أرد بقية نفس فات أكثرها * أصبحت بالهجر تطويها وتنشرها * * يا من إذا نظرت عيني محاسنه * ألومها فيهواه ثم أعذرها * * حسبي علاقة حب قد برت جسدي * حتام أكتمها والدمع يظهرها * * ومهجة يتحاماها تجلدها * إذا هجرت ويغشاها تذكرها * * يا للرجال أما في الحب من حكم * ينهى العيون إذا جارت ويزجرها * * ويا ولاة الهوى قوموا بنصر فتى * حقوقه بينات وهي تنكرها * * لا تطلبن من الأعطاف عاطفة * فإن أعدلها في الحب أجورها * وقال أيضا * يا راشق القلب مني * أصبت فاكفف سهامك * * ويا كثير التجني * منعت عني سلامك * * وخنت ذمة صب * ما خان قط ذمامك * * فاردد علي منامي * فلا عدمت منامك * * فمن رأى سوء حالي * بكى علي ولامك * * فلو أردت حياتي * لما هززت قوامك * * بمن أحلك قلبي * ارفع قليلا لثامك * * وابسم لعلي أحيا * إذا رأيت ابتسامك * * يا خده ما أحيلي * للعاشقين التثامك * * بكيت دالا وميما * لما تأملت لامك *
149 42 علاء الدين بن بنت الأعز أحمد بن عبد الوهاب بن خلف بن عبد المحمود بن بدر علاء الدين المعروف بابن بنت الأعز قال الشيخ أثير الدين أبو حيان درس المذكور بالكهارية والقطبية وتولى الحسبة وكان له معرفة بالدب وكان فصيح العبارة جميل الصورة فيه إحسان ومروة لطيف المزاج كثير التبسم حج ودخل اليمن ترددت إليه مرارا بالقاهرة دعاني يوما لمأدبة صنعها بالروضة وحضر معنا القاضي صدر الدين بن فخر الدين الماراني فرأينا شابا حسنا يسبح وقد تلطخ بالتراب فقال لها القاضي علاء الدين لينظم كل منا في هذا الشاب فقام كل منا إلى ناحية وانفرد فنظمنا نظما قريب الاتفاق ولم يطلع أحد منا على ما نظمه صاحبه إلى أن أكمل كل منا نظمه وكان الذي نظمه القاضي علاء الدين * ومترب لولا التراب بجسمه * لم تبصر الأبصار منه منظرا * * وكأنه بدر عليه سحابة * والترب ليل من سناه مقمرا * وكان الذي نظمه أبو حيان * ومترب قد ظن أن جماله * سيصونه منا بترب أعفر * * فغدا يضمخه فزاد ملاحة * إذ قد حوى ليلا بصبح أنور * * وكأنما الجسم الصقيل وتربه * كافورة لطخت بمسك أذفر * ومن شعر علاء الدين بنت الأعز * تعطلت فابيضت دواتي لحزنها * ومذ قل مالي قل منها مدادها * * وللناس مسود اللباس حدادهم * ولكن مبيض الدواة حدادها *
150 ومن شعره * وقالوا بالعذار تسل عنه * وما أنا عن غ زال الحسن سالي 9 * * وإن أبدت لنا خداه مسكا * فإن المسك بعض دم الغزال * قال الشيخ شمس الدين قدم دمشق وتولى تدريس الظاهرية والقيمرية وكان مليح الشكل لطيف الشمايل يركب البغلة ثم عاد إلى مصر وأقام بها مديدة وتوفي سنة تسع وتسعين وسمائة رحمه الله وهو أخو الأخوين قاضي القضاة صدر الدين وقاضي القضاة تقي الدين رحمهما الله تعالى 43 الماهر الحلبي أحمد بن عبيد الله بن فضال أبو الفتح الموازيني الحلبي الشاعر المعروف بالماهر روى عنه من شعره أبو عبد الله الصوري وأبو القاسم النسيب وتوفي بحلب سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة رحمه الله تعالى ومن شعره * برغمي أن أعنف فيك دهرا * قليلا فكره بمعنفيه * * وأن أرعى النجوم ولست فيها * وأن أطأ الراب وأنت فيه * ومنه أيضا * أرى نفسي تحدثها الظنون * بأن البين بعد غد يكون * * وما ترك الفراق علي دمعا * يسح ولا تشح به الجفون * * وجيش الصبر منهزم فقل لي * عليك بأي دمع أستعين * * كأني من حديث النفس عندي * جهينة عندها الخبر اليقين * ومنه أيضا * من صح قبلك في الهوى ميثاقه * حتى تصح ومن وفى حتى تفي *
151 * عرف الهوى في الخلق مذ عرف الورى * بمذلة الأقوى وعز الأضعف * * يا من توقد في الحشا بصدوده * نار بغير وصاله لا تنطفي * وقال * أموجبة الدعوى عليها ولا تفي * وسامعة الشكوى إليها ولا تشكى * * أظن الأسى والدمع لا يبقيان لي * فؤادا به أهوى وعينا بها أبكى * 44 ابن الخل أحمد بن المبارك بن أحمد بن عبد الله بن الخل ولد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وتوفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة رحمه الله كان فاضلا أديبا شاعرا وهو أخو الفقيه ابن الخل شارح التنبيه من شعره دوبيت * ساروا وأقام في فؤادي الكمد * لم يلق كما لقيت منهم أحد * * شوق وجوى ونار وجد تقد * ما لي جلد ضعفت ما لي جلد * وله أيضا * هذا ولهى وقد كتمت الولها * صونا لحديث من هوى النفس لها * * يا آخر محنتي ويا أولها * آيات غرامي فيك من أولها * وله في بعض الوعاظ * ومن الشقاوة أنهم ركنوا إلى * نزغات ذاك الأحمق النمام * * شيخ يبهرج دينه بنفاقه * ونفاقه منهم على أقوام * * وإذا رأى الكرسي تاه بأنفه * أي أن هذا موطني ومقامي * * ويدق صدرا ما انطوى إلا على * غل يواريه بكف عظام *
152 * ويقول أيش أقول من حصر به * لا لازدحام عبارة وكلام * 45 ابن خلكان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان قاضي القضاة شمس الدين الإربلي الشافعي ولد بإربل سنة ثمان وستمائة وسمع بها صحيح البخاري من ابن مكرم الصوفي وأجاز له المؤيد الطوسي وروى عنه البرزلي والمزي وكان فاضلا بارعا متقنا عارفا بالمذهب حسن الفتاوي بصيرا بالعربية علامة في الأدب والشعر وأيام الناس كثير الاطلاع حلو المذاكرة وافر الحرمة وصنف كتاب وفيات الأعيان وقد اشتهر كثيرا وله مجاميع أدبية قدم الشام في شبيبته وتفقه بالموصل على كمال الدين بن يونس وبحلب على بهاء الدين بن شداد وغيرهما ودخل مصر وسكنها وتأهل بها وناب بها في القضاء عن بدر الدين السنجاري ثم قدم الشام على القضاء في ضي الحجة سنة تسع وخمسين منفردا بالأمر ثم أقيم معه في القضاء سنة أربع وستين شمس الدين بن عطا الحنفي وزين الدين عبد السلام الزواوي المالكي وشمس الدين عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر الحنبلي وكان الحنفي قبل ذلك نائبا للشافعي ثم عزل عن القضاء سنة تسع وستين بالقاضي عز الدين ابن الصايغ ثم عزل ابن الصايغ بعد سبع سنين به وقدم من مصر فدخل دخولا لم يدخله غيره مثله من الحكام وكان يوما مشهودا وجلس في منصب حكمه وتكلم الشعراء فقال الشيخ رشيد الدين الفارقي * أنت في الشام مثل يوسف في مصر * وعندي أن الكرام جناس * * ولكل سبع شداد وبعد السسبع * عام فيه يغاث الناس 9 * وقال سعد الدين الفارقي * أذقت الشام سبعسنين جدبا * غداة هجرته هجرا جميلا *
153 * فلما زرته من أرض مصر * مددت عليه من كفيك نيلا * وقال نور الدين بن مصعب * رأيت أهل الشام طرا * ما فيهم قط غير راض * * نالهم الخير بعد شر * فالوقت بسط بلا انقباض * * وعوضوا فرحة بحزن * مذ أنصف الدهر في التقاضي * * وسرهم بعد طول غم * قدوم قاض وعزل قاضي * * فكلهم شاكر وشاك * بحال مستقبل وماض * وكان كريما ممدحا فيه ستر وعفو وحلم وحكاياته في ذلك مشهورة ثم عزل بابن الصايغ وبقي في يده الأمينية والنجيبية إلى أن مات رحمه الله سادس رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة بالنجيبية جوار النورية وشيعه الخلائق ودفن بسفح قاسيون وكان وجيه الدين بن سويد صاحبه وكان يسومه قضاء أشغال كثيرة ويقضيها فحضر في بعض الأيام ورام منه أمرا متعذرا فاعتذر فقال وجيه الدين ما يكون الصاحب صاحبا حتى يعرق جبينه مع صاحبه في جهنم فقال له ابن خلكان يا وجيه الدين صرنا معك قشل مشل وما ترضى ويقال إنه عمل سيرة للملك الظاهر وأوصل نسبه بجنكيز خان فلما وقف عليه قال هذا يصلح أن يكون وزيرا اطلبوه فطلبوه فبلغ الخبر الصحب بهاء الدين بن حنا فسعى في القضية إلى أن أبطل ذلك وناسي السلطان عليه فبقي في القاهرة يركب كل يوم ويقف في باب القرافة ويمشي قدام الصاحب إلى أن يوصله إلى بيته وافتقر حتى لم يبق له غير البغلة لركوبه وكان له عبد يعمل بابا ويطعمه وكان الشيخ بهاء الدين بن النحاس يؤثره والصاحب بهاء الدين لا يحنو عليه حتى فاوضه الدوادار وقال له إلى متى يبقى هذا على هذه الحالة فجهز إلى دمشق على القضاء ولما كان بطالا أمر له بدر الدين الخازندار بألفي درهم ومائة إرب قمح
154 فأبى من قبولها وقال تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها ولم يقبل وأصر على الامتناع مع الفاقة الشديدة وكان له ميل إلى بعض أولاد الملوك وله فيه أشعار رائقة يقال إنه أول يوم زاره بسط له الطرحة وقال له ما عندي أعز من هذه طأ عليها ولما فشا أمرهما وعلم به أهل منعوه الركوب فقال ابن خلطان * يا سادتي إني قنعت وحقكم * في حبكم منكم بأيسر مطلب * * إن لم تجودوا بالوصال تعطفا * ورأيتم هجري وفرط تجنبي * * لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى * يوم الخميس جمالكم في الموكب * * لو كنت تعلم يا حبيبي مال الذي * ألقاه من كمد إذا لم تركب * * لرحمتني ورثيت لي من حالة * لولاك لم يك حملها من مذهبي * * ومن البلية والرزية أنني * أقضى وما تدري الذي قد حل بي * * قسما بوجهك وهو بدر طالع * وبليل طرتك التي كالغيهب * * وبقامة لك كالقضيب ركبت من * أخطارها في الحب أعظم مركب * * وبطيب مبسمك الشهي البارد العهد * القديم صيانة للمنصب * * لهتكت سترى في هواك ولذ لي * خلع العذار ولج فيك مؤنبي * * لكن خشيت بأن تقول عواذلي * قد جن هذا الشيخ في هذا الصبى * * فارحم فديتك حرقة قد قاربت * كشف القناع بحق ذياك النبي * * لاتفضحن بحبك الصب الذي * جرعته في الحب أكدر مشرب * قال القاضي جمال الدين عبد القاهر التبريزي وسيأتي ذكره إن شاء الله كان الذي يهواه القاضي شمس الدين بن خلكان الملك المسعود بن الزاهر صاحب حماة وكان قد تيمه حبه وكنت أنا عنده في العادلية فتحدثنا في بعض الليالي إلى أن راح الناس من عنده فقال من أنت ههنا وألقى على فروة قرظ وقام يدور حول البركة في بيت العادلية ويكرر هذين البيتين إلى أن
155 أصبح وتوضينا وصلينا والبيتان المذكوران * أنا والله هالك * آيس من سلامتي * * أو أرى القامة التي * قد أقامت قيامتي * ويقال إنه سأل بعض أصحابه عما يقوله أهل دمشق فيه فاستعفاه فألح عليه فقال يقولون إنك تكذب في نسبك وتأكل الحشيشة وتحب الصبيان فقال أما النسب والكذب فيه فإذا كان لا بد منه كنت أنتسب إلى العباس أو إلى علي بن أب يطالب أو إلى أحد الصحابة وأما النسب إلى قوم لم يبق لهم بقية وأصلهم قوم محبوس فما فيه فائدة وأما الحشيشة فالكل ارتكاب محرم وإذا كان ولا بد فكنت أشرب الخمر لأنه ألذ وأما محبة الغلمان فإلى غد أجيبك عن هذه المسألة وذكره الصاحب كمال الدين بن العديم ونسبه إلى البرامكة ومن شعره أيضا * وسرب ظباء في غدير تخالهم * بدورا بأفق الماء تبدو وتغرب * * يقول عذولي والغرام مصاحبي * أما لك عن هذي الصبابة مذهب * * وفي دمك المطلول خاضوا كما ترى * فقلت له دعهم يخوضوا ويلعبوا * وقال أيضا * كم قلت لما أطلعت وجناته * حول الشقيق الغض روضة آس * * أعذاره الساري العجول بخده * ما في وقوفك ساعة من باس * وقال أيضا * لما بدا العارض في خده * بشرت قلبي بالسلو المقيم * * وقلت هذا عارض ممطر * فجاءني فيه العذاب الأليم * وقال أيضا * وما سر قلبي منذ شطت بك النوى * نعيم ولا لهو ولا مترف *
156 * ولا ذقت طعم الماء إلا وجدته * سوى ذلك الماء الذي كنت أعرف * * ولم أشهد اللذات إلا تكلفا * وأي سرور يقتضيه التكلف * وقال * أحبابنا لو لقيتم في إقامتكم * من الصبابة ما لاقيت في ظعني * * لصبح البحر من أنفاسكم يبسا * والبر من أدمعي ينشق بالسفن * وقال * تمثلتم لي والديار بعيدة * فخيل لي أن الفؤاد لكم مغني * * وناجاكم قلبي على البعد والنوى * فأوحشتم لفظا وآنستم معنى * وقال أيضا * انظر إلى عارضه فوقه * لحاظه يرسل منها الحتوف * * تعاين الجنة في خده * لكنها تحت ظلال السيوف * وقال في ملاح أربعة يلقب أحدهم بالسيف * ملاك بلدتنا بالحسن أربعة * بحسنهم في جميع الخلق قد فتكوا * * تملكوا مهج العشاق وافتتحوا * بالسيف قلبي ولولا السيف ما ملكوا * وقال * ألا يا سائرا في قفر عمر * يقاسي في السرى حزنا وسهلا * * قطعت نقا المشيب وجزت عنه * وما بعد النقا إلا المصلي * وقال * أي ليل على المحب أطاله * سائق الظعن يوم زم جماله * * يزجر العيس طاويا يقطع المهمة * عسفا سهوله ورماله * * أيها السائق المجد ترفق * بالمطايا فقد سئمن الرحالة * * وأنخها هنيهة وأرحها * قد براها فرط السرى والكلالة * * لا تطل سيرها العنيف فقد بررح * بالصب في سراها الإطالة *
157 * قد تركتم وراءكم حلف وكد * باديا في محلكم إطلاله * * يسال الربع عن ظباء المصلى * ما على الربع لو أجاب سؤاله * * ومحال من المحيل جواب * غير أن الوقوف فيها علاله * * هذه سنة المحبين يبكون * على كل منزل لا محاله * * يا ديار الأحباب لا زالت الأدمع في ترب ساحتيك مذاله * * وتمشى النسيم وهو عليل * في مغانيك ساحبا أذياله * * أين عيش مضى لنا فيك ما أسرع * عنا ذهابه وزواله * * حيث وجه الشباب طلق نظير * والتصابي غصونه مياله * * ولنا فيك طيب أوقات أنس * ليتنا في المنام نلقى مثاله * * وبأرجاء جوك الرحب سرب * كل عين تراه تهوى جماله * * من فتاة بديعة الحسن ترنو * من جفون لحاظها مغتالة * * ورخيم الدلال حلو المعاني * تتثنى أعطافه مختالة * * ذي قوام تود كل غصون البان * لو أنها تحاكى اعتداله * * وجهه في الظلام بدر تمام * وعذاراه حوله كالهالة * * ظبية تبهر العيون جمالا * وغزال تغار منه الغزالة * * يا خليلي إذا أتيت ربى الجزع * وعاينت روضه وظلاله * * قف به ناشدا فؤادي فلى ثمم * فؤاد أخشى عليه ضلاله * * وبأعلى الكثيب بيت أغض الططرف * عنه مهابة وجلاله * * كل من جئته لأسأل عنه * أظهر العي غيرة وتباله * * أنا أدري به ولكن صونا * أتعامى عنه وأبدي جهالة * * منزل حبه علي قديم * في زمان الصبا وعصر البطالة * * يا عريب الحمى اعذروني فإني * ما تجنبت أرضكم عن ملاله 9 * * حاش لله غير أني أخشى * من عدو يسيء فينا المقالة * * فتأخرت عنكم قانعا من * طيفكم في المنام يهدي خياله * * أتمنى في النوم زور خيال * والأماني أطماعها قتاله *
158 * يا أهيل النقا وحق ليالي الوصل * ما صبوتي عليكم ضلاله * * لي مذ غبتم عن العين نار * ليس تخبو وأدمع هطاله * * فصلونا إن شئتم أو فصدوا * لا عدمناكم على كل حاله * وقال * يا رب إن العبد يخفى عيبه * فاستر بحلمك ما بدا من عيبه * * ولقد أتاك وما له من شافع * لذنوبه فاقبل شفاعة شيبه * وقال * أعديتني بالجوى يا فاتر المقل * فصح وجدي على ما بي من العلل * * وملت عني إلى الواشي فلا عجب * والغصن ما زال مطبوعا على الميل * * يا واحد الحسن عدن يزورة حلما * وها يدي إن نومي قد جفا مقلي * * يا جيرة بأعالي الخيف من إضم * خيبتم بجفاكم في الهوى أملى * * وملتم بجميل الصبر عن دنف * أجل ما يتمنى سرعة الأجل * * تجري على الخد مذ غبتم مدامعه * وما عسى ينفع الباكي على طلل * وقال أيضا رحمه الله * أيا غادرا خانت مواثيق عهده * لقد جرت في حكم الغرام على الصب * * وأقصيته من بعد أنس وصحبة * وما هكذا فعل الأحبة والصحب * * فلله أيام تقضت حميدة * بقربك واللذات في المنزل الرحب * * وإذ أنت في عيني ألذ من الكرى * وأشهى إلى قلبي من البارد العذب * * فلهفي على ذاك الزمان الذي غدت * عليه دموع العين دائمة السكب * * ومذ صرت ترضيني بقول منمق * وتظهر لي سلما أشد بلا ذنب * * ولم تحفظ الود الذي هو بيننا * ولم ترع أسباب المودة والحب * * ولا أنت في قيد المحب إذا غدا * تقلبه الأشواق جنبا إلى جنب * * ولا أنت ممن يرعوى لمقالتي * فأشقى قلبي بالشكية والعتب * * ولا رمت منك القرب إلا جفوتني * وأبعدتني حتى يئست من القرب * * وأصغيت للواشي وصدقت قوله * وضيع ما بيني وبينك بالكذب *
159 * فلم يبق لي والله فيك إرادة * كفاني الذي قاسيته فيك من عجب * * ولا لي في حبيك ما عشت رغبة * أبي الله أن تسبى فؤادي أو تصبى * * ومن ذا الذي يقوى على حمل بعض ما * تجرعته بالذل من خلقك الصعب * * فلا ترج مني بعد ذا حسن صحبة * فحسبي سلوا بعض ما قلته حسبي * * فلا تعتبني قد قطعت مطامعي * وخففت حتى في الرسائل والكتب وقال في المعنى * أبا معرضا عني بغير جناية * أما تستحي من فرط تيهك والعجب * * سلوتك فاصنع ما تشاء فإنه * محا كثرة التقبيح حبك من قلبي * وقال أيضا دوبيت * هذا الصلف الزائد في معناه * قد حيرني فلست أدري ما هو * * كم يحمل قلبي من تجنيك ولا * يدري أحد بذاك إلا الله * وقال أيضا * في هامش خدك البديع القاني * تصحيح غرام كل صب عانى * * قد خرجها الباري فما ألطفها * من حاشية بالقلم الريحاني * وقال أيضا * يا سعد عساك تطرق الحي عساك * قصدا فلإذا رأيت من حل هناك * * قل صبك ما زال به الوجد إلى * أن مات غراما أحسن الله عزاك * 46 الزين كتاكت أحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس الأندلسي الإشبيلي المعروف بزين الدين كتاكت المصري الواعظ مولده سنة خمس وستمائة وتوفي بالقاهرة سنة أربع وثمانين وستمائة وكان له معرفة بالأدب رحمه الله فمن شعره * حضروا فمذ نظروا جمالك غابوا * والكل مذ سمعوا خطابك طابوا * * فكأنهم في جنة وعليهم * من خمر حبك طافت الأكواب *
160 * يا سالب الألباب يا من حسنه * لقلوبنا الوهاب والنهاب * * القرب منك لمن يحبك جنة * قد زخرفت والبعد منك عذاب * * يا عامرا مني الفؤاد بحبه * بيت العذول على هواك خراب * * أن الذي ناولتني كأس الهوى * فإذا سكرت فما علي عتاب * * وعلى النقا حرم لعلوة آمن * من حوله تتخطف الألباب * * لفريقها كيف الوصول ودونه * نار لها بحشاشتي إلهاب * وقال أيضا * يا بارق الحي كرر في حديثك لي * تذكارهم وأعذ روحي إلى بدني * * وأنت يا دمع ما هذا الوقوف وقد * جرى حديث الحمى الندي في أذني * وقال * أحن ولكن نحو ضم قوامه * وأصبو ولكن نحو لثم لثامه * * وأعشق ما لي نغمة من حديثه * تفرج إلا من هموم غرامه * وقال * حلوتم أهل نعمان بقلبي * فكل عذاب حبكم نعيم * * وقد أصبحتم كنز الأماني * فواجدغيركم عندي عديم * وقال * جواز الصبر في أذني محال * وما للصبر في قلبي مجال * * شغلتم كل جارحة بحسن * فليس لها بغيركم اشتغال * * سقى الهضبات من نجد سحاب * ملث الغيث تحدوه الشمال * * ولا برحت أثيلات المصلى * ترف على منابتها الظلال * * منازل جيرة ما كان أهنابهم * لي العيش لو دام الوصال * * يهب نسيمها فأميل سكرا * فهل هبت شمول أم شمال *
161 47 ابن الشريش أحمد بن محمد بن أحمد البكري المعروف بابن الشريشي الشيخ كمال الدين أبو العباس الشافعي وكيل بيت المال بدمشق وشيخ دار الحديث الأشرفية ومدرس الناصرية ترشح لقضاء القضاة بالشام وكان ذا هيبة وشكل مولده بسنجار سنة ثلاث وخمسين وستمائة وتوفي بت درب الحجاز بالكرك سنة ثماني عشرة وسبعمائة رحمه الله اشتهر عنه أنه كتب إلى بدر الدين بن الدقاق ناظر أوقاف حلب * مولاي بدر الدين صل مدنفا * صيره حبك مثل الخلال * * لا تخش من عار إذا زرتني * فما يعاب البدر عند الكمال * فلما بلغا صدر الدين ابن وكيل بيت المال قال * يا بدر لا تسمع لقول الكمال * فكل ما نمق زور محال * * فالنقص يعرو البدر في تمه * وربما يخسف عند الكمال * فزار البدر المذكور ابن الشريشي فلم يحفل به فكتب * إن كمال الدين إذ زرته * أصلحه الله على كل حال * * وجدت حظي عنده ناقصا * فصح أن النقص عند الكمال * وكتب إلى ابن الرقاقي يستعفيه من وكالة بيت المال وقد بلغه أنه سعى له فيها * إلى بابك الميمون وجهت آمالي * وفي فضلك المعهود قصدي وإقبالي * * وأنت الذي في الشام ما زال محسنا * إلي وفي مصر على كل أحوالي * * أتتني أياد منك في طي بعضها * تملك رق الحر بالثمن الغالي * * وقمت بحق المكرمات وإنما * هو الرزق لا يأتي بحيلة محتال * * علي لكم أن أعمر العمر بالثنا * وبالمدح مهما عشت من غير إخلال *
162 * وقد بقيت لي بعد ذلك حاجة * لها أنت مسئول فلا تلغ تسآلي * * أرحني من واو الوكالة عاطفا * علي بإحسان بدأت وإفضال * * وصن ماء وجهي عن مشاققة الورى * فهذا على أرض وهذا على مال * * ولا تتأول في سؤالي تركها * فوالله ما لي نحوها وجه إقبال * * ورزقي يأتيني وإني لقانع * لراحة قلبي من زماني بإقلال * * وحالي حال بافتقار يصونني * ولبسي أسمالي مع العز أسمى لي * * وتجبر وقتي كسرة الخبز وحدها * وأرضى ببالي الثوب مع راحة البال * * فهذي إليكم قصتي قد رفعتها * لتغتنموا أجرى ورأيكم العالي * فقطع ابن الرقاقي الأبيات كلها من الورقة وأبقى البيت الأخير وكتب تحتها رأينا العالي أن تعود إلى شغلك وعمل 48 الصنوبري الشاعر أ؛ مد بن محمد بن الحسن بن مرار الضبي الحلبي المعروف بالصنوبري الشاعر كان جده الحسن صاحب بيت الحكمة للمأمون فتكلم بين يديه فأعجبه كلامه وشكله فقال إنك لصنوبري الشكل فلزمه هذا اللقب وتوفي الصنوبري الشاعر صاحب هذه الترجمة سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة ومن شعره في الورد * زعم الورد أنه هو أبهى * من جميع الأنوار والريحان * * فأجابته أعين النرجس الغضض * بذل من فوقها وهوان * * أيما أحسن التورد أم مقلة * ريم مريضة الأجفان * * أم فماذا يرجو بحمرته الخدد * إذا لم يكن له عينان * * فزها الورد ثم قال مجيبا * بقياس مستحسن وبيان *
163 * إن ورد الخدود أحسن من عين * بها صفرة من اليرقان * وله أيضا * أرأيت أحسن من عيون النرجس * أم من تلاحظهن وسط المجلس * * در تشقق عن يواقيت على * قضب الزمرد فوق بسط السندس * * أجفان كافور خففن بأعين * من زعفران ناعمات الملمس * * فكأنها أقمار ليل أحدقت * بشموس أفق فوق غصن أملس * وقال أيضا * يا ريم قومي الان ويحك فانظري * ما للربا قد أظهرت إعجابها * * كانت محاسن وجهها محجوبة * فالآن قد كشف الربيع حجابها * * ورد بدا يحكى الخدود ونرجس * يحكى العيون إذا رأت أحبابها * * ونبات باقلاء يشبه نوره * بلق الحمام مشيلة أذنابها * * والسرو تحسبه العيون غوانيا * قد شمرت عن سوقها أثوابها * * وكأن إحداهن من نفح الصبا * خود تلاعب موهنا أترابها * * لو كنت أملك للرياض صيانة * يوما لما وطيء اللئام ترابها * وقوله أيضا * خجل الورد حين لا حظه النرجس * من حسنه وغار البهار * * فعلت ذاك حمرة وعلت ذا * حيرة واعترى البهار اصفرار * * وغدا الأقحوان يضحك عجبا * عن ثنايا لثاتهن نضار * * ثم نم النمام واستمع السوسن * لما أذيعت الأسرار * * عندها أبرز الشقيق خدودا * صار فيها من لطمه آثار * * سكبت فوقها دموع من الطلل * كما تسكب الدموع الغزار * * فاكتسي ذا البنفسج الغض أثواب * حداد إذ خانه الإصطبار * * وأضر السقام بالياسمين الغض * حتى أذابه الأضرار * * ثم نادى الخيري في سائر الزهر * فوافاه جحفل جرار *
164 * فاستجاشوا على محاربة النرجس * بالحرم الذي لا يبار * * فأتوا في جواشن سابغات * تحت سجف من العجاج يثار * * ثم لما رأيت ذا النرجس الغضض * ضعيفا ما إن لديه انتصار * * لم أزل أعمل التلطف للورد * حذارا أن يغلب النوار * * فجمعناهم لدى مجلس تصخب * فيه الأطيار والأوتار * وله أيضا * بدر غدا يشرب شمسا غدت * وحدها في الوصف من حده * * تغرب في فيه ولكنها * من بعد ذا تطلع في خده * وله أيضا * ولم أنس ما عاينته من جماله * وقد زرت في بعض الليالي مصلاه * * ويقرأ في المحراب والناس خلفه * ولا تقتلوا النفس التي حرم الله * * فقلت تأمل ما تقول فإنه * فعالك يا من تقتل الناس عيناه * 49 قاضي القضاة ابن صصري أحمد بن محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصري الشيخ الإمام العالم قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس الربعي التغلبي الدمشقي الشافعي ولد سنة خمس وخمسين وستمائة وحضر على الرشيد العطار والنجيب عبد اللطيف وسمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وجده لأمه المسلم بن علان وتفقه على الشيخ تاج الدين ودخل ديوان الإنشاء ونظم ونثر وشارك في فنون وكان فصيح العبارة قادرا على الحفظ طويل الروح مسالما محسنا إلى من
165 أساء إليه بلغه أن الشيخ صدر الدين نظم فيه بليقة فتحيل إلى أن وقعت بخطه في يده وسير خلف الشيخ صدر الدين ووضع الورقة مفتوحة على مصلاه فلما دخل الشيخ صدر الدين رأى الورقة وعرفها وقاضى القضاة مشتغل عنه فلما تحقق أن صدر الدين قد رأى الورقة وعرفها قال للطواشي أحضر للشيخ ما عندك فأحضر له بقجة قماش وصرة فيها ستمائة درهم وقال هذه جائزة تلك البليقة وكان يوما قد توجه إلى صلاة الصبح بالجامع فلما كان ببعض الطريق ضربه إنسان بطرق رماه إلى الأرض وظن أنه قد مات فلما أفاق حضر إلى بيته وكان يقول أعرفه وما أذكره لأحد وكان ينطوي على دين وتعبد وله أموال وخدم وهو من بيت حشمة وقيل إنه قال يوما للشيخ صدر الدين فرق ما بيننا أنني أشتغل على الشمع الكافوري وأنتم على قناديل المدراس ودرس بالعادلية الصغرى والأمينية ثم بالغزالية مع قضاء العسكر ومشيخة الشيوخ ثم ولى قضاء القضاة سنة اثنتين وسبعمائة إلى أن مات رحمه الله وأذن لجماعة في الفتوى وقيل إنه لم يقدر أحد يدلس عليه قضية ولا يشهد زورا وكان متحريا في أحكامه بصيرا بقضاياها وما سمع عنه أنه ارتشى في حكومة وتوفي بعد تعلل أصابه فجأة ببستانه في نصف شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وكان موته مفتاحا لموت رؤساء دمشق وعلمائها ورثاه شعراء عصره ورثاه المرحوم شهاب الدين محمود ولشعراء زمانه فيه مدائح كثيرة ووجدت منسوبا إليه من الشعر * ومذ خفيت عني بدور جمالهم * غدا سقمي في حبهم وهو ظاهر) * وقد بت ما لي في الغرام مسامر * سوى ذكر هم يا حبذاك المسامر * * وإني على قرب الديار وبعدها * مقيم على عهد الحبة صابر * * ودمعي سريع والتشوق كامل * ووجدي مديد والتأسف وافر * * وما لي أنصار سوى فيض أدمعي * إذا بات من أهواه وهو مهاجر *
166 * أأحبابنا غبتم فغابت مسرتي * وأصبح حزني بعدكم وهو حاضر * * وما القصد إلا أنتم ورضاكم * وغير هواكم ما تسر السرائر * * وما في فؤادي موضع لسواكم * ولا غيركم في خاطر القلب خاطر * * وما راقني من بعدكم حسن منظر * ولا شاقني زاه من الروض زاهر * * وما كلفي بالدار إلا لأجلكم * وإلا فما تغني الرسوم الدواثر * * وما حاجر إلا إذا كنتم بها * إذا غبتم عنها فما هي حاجر * 50 شهاب الدين بن غانم أحمد بن محمد بن سلمان بن حمائل بن علي بن معلى بن طريف بن أبي جميل بن جعفر بن موسى بن إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي الزيني الجعفري ابن بنت القدوة الشيخ غانم إمام كاتب مترسل نديم أخباري يتفيهق في كلامه يستحضر من اللغة ومن شعر العرب شيئا كثيرا ويحفظ شعر المعري باشر الإنشاء بصفد وغزة وقلعة الروم وفي كل مكان له وقائع مع نواب ذلك وأوابد ويخرج هاربا وكتب قدام الصاحب شمس الدين غبريال فاتفق أنه هرب مملوك الأمير شهاب الدين قرطاي فظفر به الصاحب وأمره أن يكتب على يده كتابا إلى مخدومه يقول فيه إنما هرب خوفا منك فكتب الكتاب وجاء في المعنى المقصود فقال إذا خشن المقر حسن المفر فلما وقف الصاحب على ذلك أنكره وقال ما هذه مليحة فطار عقل شهاب الدين لأنه ظن أن ذلك يصادف موقعا يهش له فضرب الدواة بالأرض وقال ما أنا ملزوم بالقلف الغلف وخرج متوجها إلى اليمن وكتب لصاحبها ثم خرج منها هاربا وكان خشن الملبس شظف العيش مطرح الكفة يلبس البابوج والجمجم ويلف الطول المقصص الإسكندراني والقماش القصير وكان حلو المعاشرة ألف به القاضي فخر الدين ناظر الجيش واستكتبه في باب السلطان
167 ولما مات فخر الدين رجع إلى الشام كاتب إنشاء واختل قبل موته بسنتين وكان مولده سنة خمسين بمكة شرفها الله تعالى ووفاته بعد أخيه علاء الدين في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ومات وله سبع وثمانون سنة تقريبا وسمع من ابن عبد الدايم وقرأ علي ابن مالك وعلى ولده بدر الدين وعلى مجد الدين بن الظهير الإربلي وكان إذا أنشأ أطال فكره ونتف شعر ذقنه أو وضعه في فمه وقرضه بثناياه رحمه الله فمن شعره * والله ما أدعو على هاجري * إلا بأن يمحن بالعشق * * حتى يرى مقدار ما قد جرى * منه وما قد تم في حقي * وله أيضا * يا حسنها من رياض * مثل النضار نضارة * * كالزهر زهرا وعنها * حسن العبير عباره * وله أيضا * بأبي صائغ مليح التثني * بقوام يزري بخطوط البان * * أمسك الكلبتين يا صاح فاعجب * لغزال بكفه كلبتان * وله أيضا * طرفك هذا به فتور * أضحى كقلبي به فتون * * قد كنت لولاه في أمان * لله ما تفعل العيون * وله أيضا * ما اعتكاف الفقيه أخذا بأجر * بل لحكم قضى به رمضان *
168 * هو شهر تغل فيه الشياطين * ولا شك أنه شيطان * وله أيضا * أيها الائمي لأكلي كروشا * أتقنوها في غاية الإتقان * * لا تلمني على الكروش فحبي * وطني من دلائل الإيمان * أخذ هذا المعنى من النصير الحمامي حيث قال * رأيت شخصا آكلا كرشة * وهو أخو ذوق وفيه فطن * * وقال ما زلت محبا لها * قلت من الإيمان حب الوطن * وكان قد أضافه الملك الكامل ولما خرج نسي جبته عنده فطلبها منه فمطله بها فكتب إليه * يا ذا الذي أطعمني * في بيته سبع لقم * ورام أخذ جبتي * هذا على الرطل بكم * ولما كان قراسنقر نائبا بدمشق أمر أن يبيت كل ليلة بالقصر واحد من الموقعين فنام ليلة الشيخ نجم الدين الصفدي وكتب في حائط المكان الذي يبيتون فيه * عذبت ليلة المبيت بقلبي * فهي عندي مأمولة التوقيت * فلما كانت الليلة الثانية نام الشيخ شهاب الدين بن غانم ورأى البيت فكتب تحته * ليت شعري من بيت الشيخ حتى * راح يثني خيرا على التبييت * وكتب إلى قاضي القضاة جمال الدين بن واصل وقد أقعده عاقدا بحماة في مكتب فيه السيف بن المغيزل * مولاي قاضي القضاة يا من * له على العبد ألف منه *
169 * إليك أشكو قرين سوء * بليت منه بألف محنه * * شهرته بيننا اعتداء * أغمده فالسيف سيف فتنه * وكان ليلة في سماع فرقصوا ثم جلسوا وقام من بينهم شخص وطال الحال في استماعه وزاد الأمر وشهاب الدين ساكت مطرق فقال له شخص أيش بك مطرق كأنه يوحي إليك فقال نعم 8 (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) 8 الجن 1 وكان يوما عند صاحب حماة الملك المنصور وقد حضر السماط وكان أكثره مرق فقال شهاب الدين لما قيل له الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم نويت رفع الحدث واستباحة الصلاة الله أكبر وكان المظفر ولد المنصور يكره شهاب الدين فاغتنم الوقيعة فيه عند والده فقال اسمع ما يقوله ابن غانم يهجن طعامنا ويشبهه بالماء الذي يرفع به الحدث فعاتبه المنصور على ذلك فقال ما قصدت ذلك ولكن السملة في بدء كل شيء مستحبة والحدث الذي نويت رفعه حدث الجوع واستباحة الصلاة في الأكل قال فما معنى الله أكبر قال على كل ثقيل فاستحسن الملك ذلك وخلع عليه واجتمع ليلة عند كريم الدين الكبير في مولد بعلاء الدين بن عبد الظاهر فجاء إليه شخص وقال معاوية الخادم يقصد الاجتماع بك فقال ويلك من يفارق عليك ويروح إلى معاوية كان شهاب الدين قد فارق أباه وهو صغير وتوجه إلى السماوة ونزل على الأمير حسين بن خفاجة وأقام عنده مدة يصلى به وكان الوقت قريب العهد بخراب بغداد وقتل المستعصم وتشتت أهل بغداد في البلاد فظن به أنه ابن المستعصم واشتهر بذلك واتصل بالملك الظاهر فلم يزل في اجتهاد إلى أن أقدمه عليه لما أهمه من أمره فلما حضر سأله ابن من أنت فقال ابن شمس الدين بن غانم فطلب والده إلى القاهرة وحضرا بين يدي الملك الظاهر واعترف والده به فقال خذه فأخذه وتوجه به إلى دمشق وكان مع صاحب حماة فقد خرج مرة إلى شجرات المعرة وكان إذ ذاك
170 في خدمة الملك الظاهر وقد ضربت الوطاقات وامتلأت الصحراء خياما فاحتج شهاب الدين إلى الخلاء وما كان يرى الدخول إلى الخربشت فصعد إلى شجرة تين ليتخلى والملك المنصور يشاهده ولم يعلم ما يريد فأرسل إليه شخصا ليرى ما يصنع فلما صار تحت الشجرة فقال له يا من في هذه الشجرة أطعمني من هذه التينة فقال له خذ وسلح في وجهه قال ما هذا قال أطعمتك من التينة فلما اطلع المنصور على القضية وقع مغشيا عليه من الضحك ومن شعره * قالوا: ذؤابته مفصوصة حسدا * فقلت: قاطعها للحسن صواغ * * صدغان كان فؤادي هائما بهما * فكيف أسلو وكل الشعر أصداغ * 51 - ابن المدبر أحمد بن محمد بن عبيد الله المدبر الكاتب أبو الحسن كان أسن من أخيه إبراهيم وقد تقدم ذكره تقلد أحمد ديوان الخراج والضياع للمتوكل ثم تمالا عليه الكتاب فأخرجوه إلى الشام واليا فكسب بها مالا عظيما ثم قتله أحمد بن طولون في سنة سبعين ومائتين وكان فاضلا يصلح للقضاء وللبحتري فيه مدائح مات تحت العذاب رحمه الله تعالى وهو القائل * أتصبر للدهر أم تجزع * وماذا عسى جزع ينفع * * فأما تصابيك بالغانيات * فولى به الفاحم الأقرع * * غداة ابتدلت به حلة * من الشيب ناصعها يلمع * * وقد كنت أزمان شرخ الشباب * تصول مدلا ولا تخشع * * وقد كنت أزمان شرخ الشباب * تصول مدلا ولا تخشع * * تطاع ويعصى لديك العذول * ويصفو لك العيش والمربع *
171 وكتب إليه أخوه يشكو حاله وهو محبوس فكتب إليه * أبا إسحاق إن تكن الليالي * عطفن عليك بالخطب الجسيم * * فلم أر صرف هذا الدهر يجنى * بمكروه على غير الكريم * وقال أيضا * صباح الحب ليس له مساء * وداء الحب ليس له دواء * * ولي نفس تنفسها اشتياق * وعين فيض عبرتها الدماء * * وليلى والنهار علي مما * أقاسي فيهما أبدا سواء * وقال المعتصم يوما للفضل بن مروان وقد أراد الخروج إلى الفاطول غلماني تحت السماء ما لهم شيء يكنهم فابن لهم غدا أربعة آلاف بيت فخرج مفكرا فلقيه أحمد بن المدبر فسأله عن غمه فأخبره بقول المعتصم فقال إنما أمرك أن تشتري لهم أربعة آلاف لباد ليستكنوا فيها فاشترى لهم ما وجد وتقدم في عمل الباقي لمن بقي فلما أصبح المعتصم ورآها على غلمانه قال للفضل أحسنت بهذا أمرتك وقال يموت بن المزرع كان أحمد بن المدبر إذا مدحه شاعر لم يرضه شعره قال لغلامه امض به إلى الجامع ولا تفارقه حتى يصلي مائة ركعة ثم خله فتحاماه الشعراء إلا الأفراد المجيدون فجاءه الجمل المصري واسمه حسين فاستأذنه في النشيد فقال له قد عرفت الشرط قال نعم قال: فهات إذن فأنشده
172 * أردنا في أبي حسن مديحا * كما بالمدح تنتجع الولاة * * فقلنا أكرم الثقلين طرا * ومن كفاه دجلة والفرات * * فقالوا يقبل المدحات لكن * جوائزه عليهن الصلاة * * فقلت لهم وما يغني عيالي * صلاتي إنما الشأن الزكاة * * فيأمر لي بكسر الصاد منها * فتضحى لي الصلاة هي الصلات * فضحك ابن المدبر وقال من أين لك هذا قال من قول أبي تمام الطائي * هن الحمام فإن كسرت عيافة * من حائهن فإنهن حمام * فأعطاه مائة دينار رحمهما الله تعالى، وعفا عنهما 52 - سيف الدين السامري أحمد بن محمد بن علي بن جعفر الصدر الأديب الرئيس سيف الدين السامري بفتح الميم وتشديد الراء نسبة إلى سامرا نزيل دمشق شيخ متميز متمول ظريف حلو المجالسة مطبوع النادرة جيد الشعر طويل الباع في الهجو من سروات الناس ببغداد قدم الشام بأمواله وحظي عند الملك الناصر صاحب الشام وامتدحه وعمل تلك الأرجوزة المشهورة بالسامرية التي أولها * يا سائق العيس إلى الشآم * وقاطع الوهاد والآكام) حط فيها على الكتاب وأغرى الناصر بمصادرتهم وكان مزاحا كثير الهزل لا يكاد يتحمل مع أن الصاحب بهاء الدين بن حنا صادره وأخذ منه نحو ثلاثين ألف دينار عندما قدم أخوه نور الدولة السامري من اليمن ونكب في دولة المنصور وطلبه الشجاعي إلى مصر وأخذت منه حزرما وغيرها ومائتا ألف درهم وكان يسكن داره المليحة التي وقفها خانقاه ووقف عليها باقي أملاكه وكانت وفاته سنة ست وتسعين وستمائة ومولده
173 من شعره * من سر من راء ومن أهلها * عند الطيف الخالق الباري * * وأي شيء أنا حتى إذا * أذنبت لا تغفر أوزاري * * يا رب ما لي غير سب الورى * أرجو به الفوز من النار * وكان قد سافر مع وجيه الدين بن سويد إلى الموصل فحضر المكاسة فعفوا عن جمال الوجيه ومكسوا جمال السامري وأجحفوا به فقال * صحبت وجيه الدين في الدهر مرة * ليحمل أثقالي ويخفر أحمالي * * فوزتني عن كل حق وباطل * وعن فرسي والبغل والجمل الخال * فبلغ ذلك صاحب الموصل فأطلق القفل بأجمعه وقال * قبح الله كل من بدمشق * من أصيحابنا سوى ابن سعيد * * فهو مع شحه وما يتعاطاه * من اللؤم أصلح الموجود * وقال يهجو خاله وخال أبيه * إذا ما قيل من بالكرخ نذل * لئيم الأصل مذموم الفعال * أجبتهم إجابة لوذعي * هما النذلان خال أبي وخالي * وكتب إلى نور الدين الإسعردي مع غلام حسن الصورة يأخذ له ورقة برواحه إلى مصر من وإلى دمشق وكان النور كاتبا عنده * أمولاي نور الدين عارض هذه * بغير كلام إن أردت ينام * * فلا تخش أمرا إن خلوت ولط به * حلالا فتأخير اللياط حرام * * وقد رام إطلاقا إلى مصر فانهه * فلي فيه وجد زائد وغرام * * ونجل الخطيب التاج نصر ينيكه * إذا حل مصرا ليس فيه كلام * * أغار على تلك الروادف أنها * تذل لغيري لائط وتسام * * وليس على المملوك إن غاب شخصه * عن العين في أرض الشآم مقام * * ومولاي من عهد التفقه شيخنا * به نهتدي في الفسق وهو إمام *
174 * سقى الله أيام النظامية التي * فسقنا بها والمنكرون نيام * * نغازل فيها كل أحوى مهفهف * يدار علينا من لماه مدام * * من الغيد يحكي الخيزرانة قامة * على مثلها عذر المحب يقام * * وإن علم المولى الوجيه محمد * وعاتبني فيه فأنت تلام * * وليس على المملوك بعد وصوله * إليك وإيصال الجواب ملام * فأجابه نور الدين الإسعردي يقول * عجبت لسيف الدين كيف يجود لي * بظبي له فيه هوى وغرام * * يمينا لقد بالغت فيه مروءة * كعادتك الحسنى ولست تلام * * فلا تخش من نصر فليس بضائر * إذا ما تراضوا ما عليك أثام * * وذكرتني عهد النظامية الذي * أفاد المنى والمنكرون نيام * * ولم أنس بالمستنصرية أنسنا * على الأنس في دار السلام سلام * * سقى نهر عيسى والمحول والحمى الررصافي * والكرخ المنيع غمام * * وعيشك ما ذكري لعيشي بها أسى * ووجد ولا بي لوعة وغرام * * ولكن لي قلبا له أريحية * وذكر لمن فارقته وذمام * ومن شعر سيف الدين السامري * أترى وميض البارق الخفاق * يهدي إلى أهل الحمى أشواقي * * ولعل أنفاس النسيم إذا سرى * يحكي تحية مغرم مشتاق * * أحبابنا ما آن بعد فراقكم * أن تسمحوا لمحبتكم بتلاقي * * بنتم فضنت بالرقاد نواظري * أسفا وجادت بالدموع مآقي * * أجريت من جفني على أطلالالكم * دمعا غدا وقفا على الإطلاق * أتراكم ترعون صبا رعتم * أحشاءه بقطيعة وفراق * * بين الدموع وحر نار جوانحي * عذبت بالإغراق والإحراق * د * بالله يا ريح الشمال تحملني * واقري سلام الواله المشتاق * * وإذا مررت على الديار فبلغي * أهل الكثيب بكل ما أنا لاقى * * فهناك لي رشأ أغن مهفهف * يضمي الجفون بأسهم الأحداق * * متمنع من قده بمثقف * ومن الجفون بأسهم ورقاف * * فإذا انثنى فضح القنا وإذا رنا * سفكت لواحظه دم العشاق *
175 * ويزين غصن القد منه شعره * وكذا الغصون تزان بالأوراق * ومن شعره في ابن المقدسي لما حبس بالعذراوية * ورد البشير بما أقر الأعينا * فشفى الصدور وبلغ الناس المنى * * واستبشروا وتزايدت أفراحهم * فالخلق مشتركون في هذا الهنا * * ثبتت مخازي ابن القتيلة عند من * وجدت لديه في الخيانة والخنا * * بشهادة الستر الرفيع وقولها * من غير واسطة لسلطان الدنا * * وبنى البناء بلا أساس ثابت * فانهار ما شاد النكيح وما بنى * * وتقدم الأمر الشريف بأخذ ما * نهب اللعين من البلاد وما اقتنى * * يا سيد الأمراء يا شمس الهدى * يا ماضي العزمات يا رحب الفنا * * يا من له عزم وجأش ثابت * يغنيه عن حمل الصوارم والقنا * * عجل بذبح العلق وادفنه وما * من حق علق مثله أن يدفنا * * واغلظ عليه ولا ترق، وكل ما * يلقى بما كسبت يداه وما جنى * * فلكم يتيم مدقع ويتيمة * من جوره ماتا على فرش الضنى * * ولكم غني ظل في أيامه * مسترفدا للناس من بعد الغنى * * إن أنكر العلق القطيم فعاله * بالمسلمين فأول القتلى أنا * ولما عدل القاضي صدر الدين بن سني الدولة جمال الدين بن اليزدي وخلع عليه بطيلسان وأحضره مجلسه مع العدول وأشهد عليه قال السامري * طاب شرب المدام في رمضان * واصطفاق العيدان عند الأذان * * والزنا واللواط في حرم الله * وترك الصلاة بالقرآن * * منذ صار اليزدي في سكك الشام * يطوف الحانات بالطيلسان * * وإذا صارت العدالة في الفسساق * واللائطين بالمردان * * فجدير بأن أكون نبيا * ويكون الصديق لي التلمساني * * يا عدول الشآم قد سمح القاضي * لأصحابه بنيل الأماني * * قامروا عنكم التستر بالفسق * فلا حاجة إلى كتمان * قال فلما بلغت الأبيات القاضي صدر الدين عز عليه وأعرض عن اليزدي ومنعه من الشهادة فحضر اليزدي إلى سيف السامري ودخل عليه ولا زال به إلى أن عمل
176 * قل لقاضي القضاة أيده الله * ولا زال للجماعة ظلا * * قد تصدقت بالعدالة حوشيت * بقول الأغراض إن يقض عدلا * * ولئن أجمعوا على فسق ذاك الششيخ * والبائس الذي عفلا * * عدلوا عن طرائق العدل فيه * ورموه بالزور والإفك نقلا * * نبزوه بقلة الدين والخير * وترك الصلاة ظلما وجهلا * * وإذا لاط أو زنى وهو شاب * ما عليه عار إذا صار كهلا * * وجهه في مجالس الحكم يجزي * من رآه بشرا وكيسا وفضلا * * إن تحلى بالطيلسان فبالحقوق * جدير بمثله يتحلى * * كل من كان شاهدا بمحال * أو بزور لما تولى تولى * * وكذا لم يزل لكل اجتماع * بين خلين بالتجمع أهلا * وكتب إلى طوغان وأسندمر ولكل منهما استادار يسمى العلم سنجر ونائب البر يسمى الشجاع همام * اسم الولاية للأمير وما له * فيها سوى الأوزار والآثام * * وجباية القتلى وكل مصيبة * تجبي منافعها إلى همام * * سيفان قد وليا وكل منهما * ماضي العزائم دائم الإقدام * * وبباب كل منهما علم ينككل * ما يجود به من الإنعام * * ما الناس عندهما بناس لا ولا * يريان هذا الناس كالأنعام * * وقد استحلا منهم ما لم يزل * من مالهم ودمائهم بحرام * * فمتى أرى الدنيا بغير سناجر * والقطع والتنكيس للأعلام * 53 - المستعين أحمد بن محمد بن هارون أمير المؤمنين العباس المسستعين بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين وبويع في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين عند موت المنتصر بن المتوكل واستقام له الأمر واستوزر أبا موسى أوتامش بإشارة شجاع بن القاسم ثم قتلهما ثم
177 استوزر صالح بن شيرزاد فلما قتل وصيف وبغا باغرا التركي الذي قتل المتوكل تعصب الموالي وتنكروا له فخاف وانحدر من سامرا إلى بغداد فأخرجوا المعتز بالله من الحبس وبايعوه وخلعوا المستعين ثم إن المعتز جهز أخاه أحمد لحرب المستعين واستعد المستعين للحصار وتجرد أهل بغداد الجوع فانحل أمر المستعين فانتقل إلى الرصافة وانحل أمره وخلع نفسه وانحدر إلى واسط تحت الحوطة وأقام بها محبوسا ثم أنه رد إلى سامرا فقتل بقادسيتها في ثالث شوال سنة اثنتين وخمسين ومائتين وله أحد وثلاثون سنة وكان مربوع القامة أحمر الوجه خفيف العارضين حسن الوجه والجسم بوجهه أثر جدري وكان يلثغ بالسين فيجعلها ثاء وكان مسرفا مبذرا للخزائن ويقال إنه قيل له اختر أي بلد تكون فيه فاختار واسط فلما أحدروه لها قال له في السفينة بعض أصحابه لأي شيء اخترتها وهي شديدة الحر فقال ما هي بأحر من فقد الخلافة وأورد له المرزياني في معجم الشعراء لما خلع * أستعين الله في أمري * على كل العباد * * وبه أدفع عني * كيد باغ ومعادي * وأورد له صاحب المرآة (أحببت ظبيا ثمين * كأنه غثن تبين * * بالله يا عالمين * ما في الثما مثلمين * * من لامني في هواه * لوثته بالعجين * قلت يريد * أحببت بيا سمين * كأنه غصن تبين * * بالله يا عالمين * ما في السما مسلمين * قلت ولا في الأرض لأنهم اتخذوك خليفة
178 وقيل إنه كان يأمر المغنين بهذا الشعر وأشباهه فيتضاحكون ويتغامزون عليه وصنع يوما هذين البيتين * شربت كأسا أذهبت * عن ناظري الخمرا * * فنشطتني ولقد * كنت حزينا خاسرا * ثم قال أجيزوهما فقال أحدهمهذا خرا هذا خرا * هذا خرا هذا خرا * وكان للطف أخلاقه يحتمل ذلك منهم وقال لهم يوما وأومأ بيده إلى الباب أي شيء تصحيف باب فقالوا لا ندري فقال لم لا تقولون باب فيقولون باسم الله عليك ويقول أي شيء تصحيف مخدة ويضع يده عليها فيقولون لا نعلم فيقول لم لا تقولون مخدة فيقولون باسم الله عليك وكان السبب في توليته الخلافة أن الأتراك لما قتلوا المستنصر خافوا من تولية الخلافة لأحد أولاد المتوكل فيأخذ بثأر أبيه وأخيه فولوا المستعين وكان خاملا يرتزق بالنسخ ولما جاءه الأمر بغتة من غير تطلع إليه قال * جاء لطف الله بالأمر * والذي لا أرتجيه * * فعلي اليوم أن أقضي * حق الله فيه * وأعداؤه رووا أنه قال حق الشرب فيه رحمه الله تعالى وإيانا بمنه وكرمه 54 - ابن الحلاوي الشاعر أحمد بن محمد بن أبي الوفا بن الخطاب بن الهزير الأديب الكبير شرف الدين أبو الطيب بن الحلاوي الربعي الشاعر الموصلي ولد سنة ثلاث وستمائة وقال الشاعر الفائق ومدح الخلفاء والملوك وكان في خدمة بدر
179 الدين لؤلؤ صاحب الموصل وكان من ملاح الموصل وفيه لطف وظرف وحسن عشرة وخفة روح وله القصائد الطنانة التي رواها الدمياطي عنه في معجمه وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة ففما رواه الشيخ شرف الدمياطي له رحمه الله تعال * حكاه من الغصن الرطيب وريقه * وما الخمر إلا وجنتاه وريقه * * هلال ولكن أفق قلبي محله * غزال ولكن سفح عيني عقيقه * * وأسمر يحكي الأسمر اللدن قده * غدا راشقا قلب المحب رشيقه * * على خده جمر من الحسن مضرم * يشب ولكن في فؤادي حريقه * * أقر له من كل حسن جليله * ووافقه نم كل معنى دقيقه * * بديع التثني راح قلبي أسره * على أن دمعي في الغرام طليقه * * على سالفيه للعذار جديده * وفي شفتيه للسلاف عتيقه * * يهدد منه الطرف من ليس خصمه * ويسكر منه الريق من لا يذيقه * * على مثله يستحسن الصب هتكه * وفي حبه يجفو الصديق صديقه * * من الترك لا يصبيه وجد إلى الحمى * ولا ذكر بانات الغوير تشوقه * * ولا حل في حي تلوح قبابه * ولا سار في ركب تساق وسوقه * * ولا بات صبا بالفريق وأهله * ولكن إلى خاقان يعزى فريقه * * له مبسم ينسى المدام بريقه * وخجل نوار الأقاحي بريقه * * (تداويت من حر الغرام ببرده * فأضرم من حر الحريق رحيقه * * إذا خلإق البرق اليماني موهنا * تذكره قلبي فزاد خفوقه * * حكى وجهه بدر السماء فلو بدا * مع البدر قال الناس هذا شقيقه * * رآني خيالا حين وافى خياله * فأطرق من فرط الحياء طروقه * * وأشبهت منه الخصر سقما فقد غدا * يحملني كالخصر ما لا أطيقه * * فما بال قلبي كل حب يهيجه * وحتام طرفي كل حسن يشوقه * * فهذا ليوم البين لم تطف ناره * وهذا فبعد البعد ما جف موقه * * ولله قلبي ما أشد عفافه * وإن كان طرفي مستمرا فسوقه * * أرى الناس أضحوا جاهلية حبه * فما باله عن كل صب يعوقه *
180 * فما فاز إلا من يبيت صبوحه * مدام ثناياه ومنها غبوقه * وقال أيضا * أألقى من صدودك في جحيم * وثغرك كالصراط المستقيم * * وأسهرني لديك رقيم خذ * فواعجبا أأسهر بالرقيم * منها * وحتام البكاء بكل رسم * كأن علي رسما للرسوم * واجتمعوا في بعض الأيام عند شخص يلقب بالشمس فقالوا له أطعمنا شيئا فامتنع فقال بعضهم * ألطامع في منال قرص الشمس * فقال ابن الحلاوي * كالطامع في منال قرص الشمس * وأنشده بعض الأفاضل لغزا في شبابة * وناطقة خرساء باد شحوبها * تكنفها عشر وعنهن تخبر * * يلذ إلى الأسماع رجع حديثها * إذا سد منها منخر جاش منخر * فأجابه في الوقت * نهاني النهى والشيب عن وصل مثلها وكم مثلها فارقتها وهي تصفر وسئل أن ينظم أبياتا تكتب على مشط للملك العزيز محمد صاحب حلب فقال * حللت من الملك العزيز براحة * غدا لثمها عندي أجل الفرائض * * وأصبحت مفتر الثنايا لأنني * حللت بكف بحرها غير غائض *
181 * وقبلت سامي كفه بعد خده * فلم أخل في الحالين من لثم عارض * وقال وهو مشهور عنه * جاء غلامي وشكا * أمر كميتي وبكى * * وقال لي لا شك برذونك * قد تشبكا * * قد سقته اليوم فما * مشى ولا تحركا * * فقلت من غيظي له * مجاوبا لما حكى * * تريد أن تخدعني * وأنت أصل المشتكي * * أبن الحلاوي أنأ * خل الرياء والبكا * * ولا تخادعني ودع * حديثك المعلكا * * لو أنه مسير * لما غدا مشبكا * * فمذ رأى حلاوة ال * ألفاظ مني ضحكا * وكتب إلى القاضي محيي الدين بن الزكي يصف خطه * كتبت فلولا أن هذا محلل * وذاك حرام قست خطك بالسحر * * فوالله ما أدري أزهر خميلة * بطرسك أم در يلوح على نحر * * فإن كان زهرا فهو صنع سحابة * وإن كان درا فهو من لجة البحر * وقال يمدح الملك الناصر داود صاحب الكرك * أحيا بموعده قتيل وعيده * رشأ يشوب وصاله بصدوده * * قمر يفوق على الغزالة وجهه * وعلى الغزال بمقلتيه وجيده * * يا ليته بعد الصدود فإنه * ما زال ذا لهج بخلف وعوده * * يفتر عن عذب الرضاب حياتنا * في ورده والموت دون وروده * * يرد يذيب ولا يذوب وإنما * أدنى زفير الوجد عذب بروده * * لم أنسه إذ جاء يسحب برده * والليل يخطر في فضول بروده * * والصبح مأسور أجد لأسره * جنح الظلام تأسفا لفقيده *
182 * والليل يرفل في ثياب حشداده * والصبح يرسف في فضول حديده * * ولذاك لم تنم الجفون مخافة * من أن يعاني الصبح فك قيوده * * بمدامة صفراء يحمل شمسها * بدر يغير البدر عند سعوده * * كأس كأن مدامها من ريقه * طيبا ويلثمنا شقيق خدوده * * حتى تحكم في النجوم نعسها * والتذكل مسهد بهجوده * * ورأى السباح تخلصا من أسره * فأتى يكر على الدجى بعموده * * قمر أطاع الحسن سنة وجهه * حتى كأن الحسن بعض عبيده * * أنا في الغرام شهيده ما ضره * لو أن جنة وصله لشهيده * وقال أيضا * تبدي له في الخد من تبت خط * وأخجل منه القد ما ينبت الخط * * ولم ندر لما هز عامل قده * وصارم جفنيه بأيهما يسطو * * رحيقي ثغر بابلي لواحظ * له سالف كالورد بالمسك مختط * * من الترك لا وادي الأراك محله * ولا داره رمل المصلى ولا السقط * * كليث الشرى في الحرب بأسا وسطوة * وفي السلم كالظبي الغرير إذا يعطو * * يخفف به لين المعاطف مائسا * فيمنعه ثقل الروادف أن يخطو * * حمى ثغره من مشرف القد عامل * له ناظر ما العدل في شرعه شرط * * له حاجب كالنون خط ابن مثل * يزينها للخال في خده نقط * * فللبدر ما يثنى عليه لثامه * وللغصن منه ما حوى ذلك المرط * * يقولون يحكى البدر في الحسن وجهه * وبدلا الدجى عن ذلك الحسن منحط * * كما شبهوا غصن النقا بقوامه * لقد بالغوا بالمدح للغصن واشتطوا * ولما توجه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل إلى العجم للاجتماع بهولاكو كان ابن الحلاوي معه فمرض بتبريز وتوفي بها وقيل بسلماس وهو في حدود الستين من عمره ومن شعره أيضا * لحاظ عينيك فاتنات * جفونها الوطف فاترات * * فرق بيني وبين صبري * منك ثنايا مفرقات *
183 * يا حسنا صده قبيح * فجمع شملي به شتات * * قد كنت لي واحدا ولكن * عداك عن وصلى العداة * * إن لم يكن منك لي وفاء * دنت بهجرانك الوفاة * * حيات صدغيك قاتلات * فما لملسوعها حياة * * والثغر كالثغر في امتناع * تحميه ن لحظك الرماة * * يا بدر تم له عذار * بحسنه تمت الصفات * * منمنم الوشى في هواه * يا طالما نمت الوشاة * * نبات صدغ حلاك حسنا * والحلو في السكر النبات * وكان السلطان بدر الدين لؤلؤ لا يناده ولا يحضره مجلسه وإنما كان ينشده أيام المواسم والأعياد المدائح التي يعملها فيه فلما كان فيب عض الأيام رآه في الصحراء في روضة معشبة وبين يديه برذون له مريض يرعى فجاء إليه ووقف عنده وقال مال لي أرى هذا البرذون ضعيفا فقام وقبل الأرض وقال يا مولانا السلطان حاله مثل حالي وما تخلفت عنه في شيء يدي بيده في كل رزق رزقنا الله تعالى فقال هل عملت في برذونك هذا شيئا قال نعم وأنشده بديها * أصبح برذوني الموقع باللزقات * في حسرة يكابدها * * رأى حمير الشعير عابرة * عليه يوما فظل ينشدها * * قفا قليلا بها علي فلا * أقل من نظرة أزودها * فأعجبت السطلان بديهته وأمر له بخمسين دينارا وخمسين مكوكا من الشعير وقال له هذه الدنانير لك وهذا الشعير لبرذونك ثم أمره بملازمة مجلسه كسائر الندماء وأقطعه إقطاعا ولم يزل يترقى عنده إلى أن صار لا يصبر عنه رحمهما الله تعالى
184 55 ابن المنير أحمد بن محمد بن منصور بن القاسم بن مختار القاضي ناصر الدين بن المنير الجذامي الجروى الإسكندارني ولد سنة عشرين وستمائة كان عالما فاضلا مفننا وكان فيعلمه له اليد الطولي في الأدب وفنونه وله مصنفات مفيدة وتفسير نفيس وسمع الحديث من ابن رواج وغيره وله تأليف على تراجم صحيح البخاري وله كتاب الاقتفا عارض به الشفا للقاضي عياض وولى قضاء الإسكندرية وخطابتها مرتين ودرس بعدة مدارس وقيل أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يقول ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها ابن المنير بالإسكندرية وابن دقيق العيد بقوص وله ديوان خطب وتفسير حديث الإسراء في مجلد على طريقة المتكلمين وتوفي في مستهل ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين وستمائة بالثغر وكتب إلى الفائزي يسأله رفع التصقيع عن الثغر * إذا اعتل الزمان فمنك يرجو * بنو الأيام عاقبة الشفاء * * وإن ينزل بساحتهم قضاء * فأنت اللطف في ذاك القضاء * وقال فيمن نازعه الحكم * قل لمن يبتغي المناصب بالجهل * تنحى عنها لمن هو أعلم * * إن تكن في ربيع وليت يوما * فعليك القضاء أمسى محرم * وكتب إلى قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان * ليس شمس الضحى كأوصاف شمس الددين * قاضي القضاة حاشا وكلا *
185 * تلك مهما علت محلا ثنت ظللا * وهذا مهما علا زاد ظلا * وفي ناصر الدين يقول أبو الحسين الجزار * قد اعتبرت البرايا * فتوة وفتاوى * * فمنهم من يساوي * شيئا ومن لا يساوي * * هم الدراهم فيها * محاسن ومساوي * * من لم يكن ناصريا * فإنه عكاوي * وفيه يقول البرهان الغزولي * أقول لخل قد غدا متكبرا * علي ترفق إنني منك أكبر * * وإن كنت في شك فعندي دليله * بأني غزولي وأنت منير * * وفيه يقول أيضا وقد قطع جواري المتدرين * ألا يا ابن المنير لا تداري * فذنبك ليس يمحي باعتذار * * لبست ثياب لؤم عنك شفت * ومن يكسي ثياب العار عاري * * قوى حب العبيد عليك حتى * أراك سعيت في قطع الجواري * 56 الميتم الإفريقي أحمد بن محمد الإفريقي أبو الحسن المعروف بالمتيم أحد الأدباء الشعراء الفضلاء له من التصانيف كتاب الشعراء الندماء كتاب الانتصار المنبي على فضل المتنبي وله ديوان شعر قال الثعالبي رأيته ببخاري شيخا رث الهيئة تلوح عليه سيما الحرفة وكان يتطبب وينجم فأما صناعته التي يعتمد عليها فالشعر أنشدني لنفسه * وفتية أدباء ما علمتهم * شبهتهم بنجوم الليل إذ نجموا *
186 * فروا إلى الراح من خطب يلم بها * فما درت نوبث الأيام أين هم * وأنشدني لنفسه * تلوم على ترك الصلاة حليلتي * فقلت اغربي عن ناظري أنت طالق * * فوالله لا صليت لله مفلسا * يصلي له الشيخ الجليل وفائق * * ولا عجبا إن كان نوح مصليا * لأن له قسرا تدين الخلائق * * لماذا أصلي أين حالي ومنزلي * وأين خيولي والحلأى والمناطق * * أصلى ولا فتر من الأرض تحتوي * عليه يميني إنني لمنافق * * بلى إن على الله وسع لم أزل * أصلى له ما لاح في الجو بارق * وقال في مليح تركي * قلبي أسر في يدي مقلة * تركية ضاق لها صدري * * كأنها من ضيقها عروة * ليس هلا زر سوى السحر * 57 ابن البققى أحمد بن محمد فتح الدين بن البققى بباء واحدة وقافين الحموي أقام بديار مصر وكانت تبدو منه أشياء ضبطت عليه وكان جيد الذهن ذكيا ولكن أداه إلى الاستخفاف بالقرآن والشرع فضرب القاضي المالكي عنقه بين القصرين في ربيع الأول سنة إحدى وسبعمائة وطيف برأسه وقد تكهل ومن شعره * ألكس للجحر غدا * معاندا من قدم * * فانظره يبكي حسدا * في كل شهر بدم * وله أيضا * لحا الله الحشيش وآكليها * لقد خبثت كما طاب السلاف *
187 (كما تصبى كذا تضنى وتشقى * كما يشقى وغايتها الحراف * * وأصغر دائها والداء جم * بغاء أو جنون أو نشاف * وله أيضا * جبلت على حبي لها وألفته * ولابد أن ألقى به الله معلنا * * ولم يخل قلبي من هواها بقدر ما * أقول وقلبي خاليا فتمكنا * ومنه قوله * أين المراتب في الدنيا ورفعتها * من الذي جاز علما ليس عندهم * * لا شك أن لنا قدرا رأوه وما * لمثلهم عندنا قدر ولا لهم * * هم الوحوش ونحن الإنس حكمتنا * تقودهم حيثما شئنا وهم نعم * * وليس شيء سوى الإهمال يقطعنا * عنهم لأنهم وجدانهم عدم * * لنا المريحان من علم ومن عدم * وفيهم المتعبان الجهل والحشم * قلت عارض بهذه الأبيات أبياتا نظمها الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد يأتي ذكرها في ترجمته إن شاء الله تعالى ومن شعره * يا من يخادعني بأسهم مكره * بسلاسة نعمت كلمس الأرقم * * اعتد لي زرادا تضيق نسجه * وعلى فك عيونها بالأسهم * وما أحسن قول شمس الدين ابن دانيال فيه * لا تلم البقى في فعله * إن زاغ تضليلا عن الحق * * لو هذب الناموس أخلاقه * ما كان منسوبا إلى البق * وقوله فيه لما سجن ليقتل * يظن فتى البققى أنه * سيخلص من قبضة المالكي * * نعم سوف يسلمه المالكي * قريبا ولكن إلى مالك *
188 58 موفق الدين بن أبي الحديد أحمد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن حسين بن أبي الحديد أبو المعالي موفق الدين ويدعى القاسم أيضا ولد سنة تسعين وخمسمائة بالمدائن وكان أديبا فقيها فاضلا شاعرا ومشاركا في أكثر العلوم توفي سنة ست وخمسين وستمائة وهو أخو عز الدين عبد الحميد المعتزلي الآتي ذكره في حرف العين إن شاء الله تعالى ورأيت الشيخ شمس الدين قد قال في حق هذا إنه أشعري والله أعلم كتب الإنشاء للمستعصم بالله مدة من شعره في عارض جيش خرج من دار الوزير بخلعة فعانقه وقبله * لما بدا رائق التثنى * وهو بأثوابه يميد * * قبلته باعتبار معنى * لأنه عارض جديد * وقال أيضا * بيت من الشعر في تشبيه وجنته * لما أحاط بها سطر من الشعر * * كالظل في النور أو كالشمس عارها * خط من الغيم أو كالمحو في القمر * وقال أيضا * لو يعلمون كما علمت لما لحوا * في حبه ولأقصروا إقاصرا * * هلا أحدثكم بسر لطيفة * دقت إلى أن فاتت الأبصارا * * جادت صقال خدوده أصداغه * فتمثلت للناظرين عذارا * وقال الشيخ شرف الدين الدمياطي أنشدني موفق الدين لنفسه * قمر عدمت عواذلي في عشقه * بل ما عدمت تزاحم العشاق * * يبدو فتسبقه العيون وإنها * مأمورة بالغمض والإطراق * * عيناي قد شهدا بعشقك إنما * لك أن تقول هما من الفساق * ولما صنف أخوه الفلك الدائر على المثل السائر كتب إليه موفق الدين
189 * المثل السائر يا سيدي * صنفت فيه الفلك الدائرا * * لكن هذا فلك دائر * أصبحت فيه المثل السائرا * 59 البلاذري أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري أبو الحسن وقيل أبو بكر البغدادي ذكره الصولي في ندماء المتوكل مات في أيام المعتضد كان جده جابر يخدم الخصيب صاحب مصر وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال سمع بدمشق هشام بن عمار وأبا حفص بن عمر بن سعيد بت حمص محمد بن مصفى وبالعراق عفاف بن مسلم وعبد الأعلى وعبد الله بن صالح العجلي ومصعبا الزبيري والقاسم بن سلام وعثمان بن أبي شيبة ووسوس في آخر عمره بشربه البلاذر وكان كثير الهجاء بذيء اللسان آخذا لأعراض الناس وتناول وهب بن سليمان بن وهب لما ضرط فمزقه فمن قوله فيه وكانت الضرطة بحضرة عبيد الله بن يحيى بن خاقان * أيا ضرطة حسبت رعدة * تنوق في سلها جهده * * تقدم وهب بها سابقا * وصلى أخو صاعد بعده * * لقد هتك الله ستريهما * كذلك من يطعم الفهده * وقال في عافية بن شيث * من رآه فقد رأى * عربيا مدلسا * * ليس يدري جليسه * أفسا أم تنفسا * قال اللاذري كنت من جلساء المستعين بالله وقد قصده الشعراء فقال ليس أقبل إلا من الذي يقول مثل قول البحتري في المتوكل * فلوان مشتاقا تكلف فوق ما * في وسعه لسعى إليك المنبر *
190 فرجعت إلى داري وأتيته وقلت قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري في المتوكل فقال هات فأنشدته * ولو أن برد المصطفى إذ لبسته * يظن لظن البرد أنك صاحبه * * وقال وقد أعطيته ولبسته * نعم هذه أعطافه ومناكبه * فقال لي ارجع إلى منزلك فافعل ما آمرك به فرجعت فبعث إلي سبعة آلاف دينار وقال ادخر هذه للحوادث بعدي ولك على الجراية والكفاية ما دمت حيا وقال في عبيد الله بن يحيى بن خاقان وقد صار إلى بابه فحجبه فأنشده * قالوا اصطبارك للحجاب مذلة * عار عليك مدى الزمان وعاب * * فأجبتهم ولكل قول صادق * أو كاذب عند المقال جواب * * إني لأغتفر الحجاب لماجد * أمست له منن علي رغاب * * قد يرفع المرء اللئيم حجابه * ضعة ودون العرف منه حجاب * وله من الكتب كتاب البلدان الصغير كتاب البلدان الكبير ولم يتم كتاب جمل أنساب الأشراف وهو كتابه المعروف المشهور كتاب الفتوح كتاب عهد أزدشير وكان أحد النقلة من الفارسي إلى العربي رحمه الله تعالى 60 شهاب الدين بن فضل الله أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلي بن دعجان بن خلف بن أبي الفضل نصر بن منصور بن عبيد الله بن علي بن محمد بن أبي بكر عبد الله بن عبيد الله ابن أبي بكر بن عبيد الله الصالح بن أبي سلمة عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب القاضي شهاب الدين أبو العباس ابن القاضي أبو المعالي محيي الدين القرشي العدوي العمري
191 قال الشيخ صلاح الدين الصفدي في حقه هو الإمام الفاضل البليغ المفوه الحافظ حجة الكتاب إمام أهل الآداب أحد رجالات الزمان كتابة وترسلا وتوصلا إلى غايات المعاني وتوسلا وإقداما على الأسود في غابها وإرغاما لأعاديه بمنع رغابها يتوقد ذكاء وفطنة ويتلهب ويتحدر سيله ذاكرة وحفظا ويتصبب ويتدفق بحره بالجواهر كلاما ويتألق إنشاؤه بالبوارق المسرعه نظاما ويقطر كلامه فصاحة وبلاغة وتندى عبارته انسجاما وصياغة وينظر إلى غيب المعاني من ستر رقيق ويغوص في لجة البيان فيظفر بكبار اللؤلؤ من البحر العميق استوت بديهته وارتجاله وتأخر عن فروسيته من هذا الفن رجاله يكتب من رأس قلمه بديها ما يعجز تروى القاضي الفاضل أن يدانيه تشبيها وينظم من المقطوع والقصيدة جوهرا ما يخجل الروض الذي باكره الحيا مزهرا صرف الزمان أمرا ونهيا ودبر الممالك تنفيذا ورأيا ووصل الأرزاق بقلمه ورويت تواقيعه وهي إسجالات حكمه وحكمه لا أرى أن اسم الكاتب يصدق على غيره ولا يطلق على سواه * لا يعمل القول المكررر * منه والرأي المردد * * ظن يصيب به الغيوب * إذا توخى أو تعمد * * مثل الحسام إذا تألق * والشهاب إذا توقد * * كالسيف الحسام وهو مسلول * ويرهب حين يغمد * ولا أعتقد أن بينه وبين القاضي الفاضل من جاء مثله على أنه قد جاء مثل تاج الدين بن الأثير ومحيي الدين بن عبد الظاهر وشهاب الدين محمود وكمال الدين بن العطار وغيرهم هذا إلى ما فيه من لطف أخلاق وسعة صدر وبشر محيا رزقه الله أربعة أشياء لم أرها اجتمعت فيغيره وهي الحافظة قلما طالع شيئا إلا كان مستحضرا لأكثره والذاكرة التي إذا أراد ذكر شيء من
192 زمن متقدم كان ذلك حاضرا كأنه إنما مر به بالمس والذكاء الذي تسلط به على ما أراد وحسن القريحة في النظم والنثر أما نثره فلعله في ذروة كان أوج الفاضل لها حضيضا ولا أرى أحدا يلحقه فيه جودة وسرعة وأما نظمه فلعله لا يلحقه فيه إلا الأفراد وأضاف الله تعالى له إلى ذلك كله حسن الذوق الذي هو العمدة في كل فن وهو أحد الأدباء الكملة الذين رأيتهم وأعنى بالكملة الذين يقرمون بالأدب علما وعملا في النظم والنثر ومعرفة بتراجم أهل عصره ومن تقدمهم على اختلاف طبقاتهم وبخطوط الأفاضل وأشياخ الكتابة ثم إنه مشارك من رأيته من الكملة في أشياء وينفرد عنهم بأشياء بلغ فيها الغاية لأنه جود فن الإنشاء والنثر وهو فيه آية والنظم وسائر فنونه والترسل البارع عن الملوك ولم أر من يعرف تواريخ الملوك المغل من لدن جنكيز خان وهلم جرا معرفته وكذلك ملوك الهند والأتراك وأما معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان وخواصها فإنه فيها إمام وقته وكذلك معرفة الأصطرلاب وحل التقويم وصور الكواكب وقد أذن له العلامة شمس الدين الأصفهاني في الإفتاء على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فهو حينئذ أكم الكملة الذين رأيتهم ولقد استطرد الكلام يوما في ذكر القضاة فسرد ذكر القضاة الأربعة الذين عاصرهم شاما ومصرا وألقابهم وأسماءهم وعلامة كل قاض منهم حتى إني ما كدت أقضى العجب مما رأيت ولد ب دمشق ثالث شوال سنة سبعمائة قرأ العربية أولا على الشيخ كمال الدين بن قاضي شهبة ثم على قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم وتفقه على قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله وعلى الشيخ برهان الدين وقرأ الأحكام الصغرى على الشيخ تقى الدين بن تيمية والعروض على الشيخ شمس الدين الصائغ وعلاء الدين الوداعي وقرأ جملة من المعاني والبيان على العلامة شهاب الدين محمود وقرأ عليه جملة من دواوين العرب والأصول على الشيخ شمس الدين الأصفهاني وأخذ اللغة عن الشيخ أثير الدين وصنف فواضل السمر في فضائل آل عمر أربع مجلدات وكتاب مسالك الأبصار
193 في ممالك الأمصار في عشرين مجلدا كبار وهو كتاب حافل ما أعلم أن لأحد مثله والدعوة المستجابة مجلد وصبابة المشتاق في المدائح النبوية مجلد وسفرة السفرة ودمعة الباكي ويقظة الساهر ونفحة الروض ونظم كثيرا من القصائد والأراجيز والمقطعات والدوبيت والموشح والبليق وأنشأ كثيرا من التقاليد والنماشير والتواقيع ومكاتبات الملوك وغير ذلك ومن شعره * شربت مع غادة عجوز طلى * فاستصحبت بعد منعها العاده * * لينها السكر لي فحينئذ * سلمت أن العجوز قواده * وقال * شادن جدد وجدي بعدما * صرت شيخا ليس ترضاني العجوز * * قلت جاوز لي متاعي قال قل * غير هذا ذاك شيء لا يجوز * وقال * سل شجيا عن فؤاد نزا * وخليا فيهم كيف صحا * * ومحبا لم يذق بعدم * غير تبريح بهم ما برحا * * مزج الدمع بذاكره لهم * مثل خدي مضن سقاه القدحا * * زاره الطيف وهذا عجب * شبح كيف يلاقي شبحا * وقال * أأحبابنا والعذر منا إليك * إذا ما شغلنا بالنوى أن نودعا * * أبثكم شوقا أباري ببعضه * حمام العشايا رنة وتوجعا * * أبيت سمير البرق قلبي مثله * أقضي به الليل التمام مروعا * * وما هو شوق مدة ثم ينقضي * ولا أنة لكن محب تفجعا *
194 * ولكنه شوق على القرب والنوى * أغص الأماقي مدمعا ثم مدمعا * * ومن فارق الحباب في العمر ساعة * كمن فارق الأحباب في العمر أجمعا * وقال * يقول بي مضن شعره أسود * كالليل بل بينهما فرق * * قلت وبي من وجهه أبيض * فقال لي هذا هو الحق * وكانت وفاته سنة تسع وأربعين وستمائة 61 إدريس بن اليمان إدريس بن عبد الله بن اليمان العبدري الأندلسي الشاعر روى عن أبي العلاء صاعد اللغوي وتوفي سنة سبعين وأربعمائة من شعره * وموسدين على الأكف رءوسهم * قد غالهم نوم الصباح وغالني * * ما زلت أسقيهم وأشرب فضلهم * حتى سكرت ونالهم ما نالني * * والكاس تعرف كيف تأخذ ثأرها * إني أملت إناءها فأمالني * وقال * وفتيان صدق عرسوا تحت دوحة * وليس لهم إلا النبات فراش * * كأنهم والنور يسقط فوقهم * مصابيح تهوي نحوهن فراش * وقال * ثقلت زجاجات أتتنا فرغا * حتى إذا ملئت بصرف الراح * * خفت فكادت أن تطير بما حوت * وكذا الجسوم تخف بالأرواح *
195 62 أسبهدوست أسبهدوست بن محمد بن الحسن بن شيرويه الديلمي أبو منصور الشاعر روى عن ابن الحجاج ديوانه وكان يسلك طريقته قال سبط ابن الجوزي كان يهجو الصحابة والناس ثم تاب وحسنت توبته من شعره في الحمى * وزائرة تزور بلا رقيب * وتنزل بالفتى من غير حطبه * * وما أحد يحب القرب منها * ولا تحلوا زيارتها بقلبه * * تبيت بباطن الأحشاء منه * فيطلب بعدها من عظم كربه * * وتمنعه لذيذ العيش حتى * تنغصه بمأكله وشربه * * أتت لزيارتي من غير وعد * وكم من زائر لا مرحبا به * وقال في أبي الفتوح الواعظ ولم يكن في زمانه أحسن صورة منه ولا أعذب لفظا * وواعظ تيمني وعظه * فعرفه شيب بإنكار * * ينهى عن الذنب وألحاظه * تأمر بالذنب بإصرار * * وما رأينا قبله واعظا * مكسب آثام وأوزار * * لسانه يدعو إلى جنة * ووجهه يدعو إلى نار * ومن شعره أيضا * يا طالب التزويج إنك بالذي * تبغيه منه جاهل معذور * * هل أبصرت عيناك صاحب زوجة * إلا حزينا ما لديه سرور * * لا تبلغ في الدنيا نكاحا لازما * وافعل بها ما يفعل الزنبور * * أوما تراه حين يدرك فرصة * يدنو ويلسع لسعة ويطير 9 * وتوفي سنة تسع وستين وأربعمائة رحمه الله تعالى وإيانا بمنه وكرمه
196 63 ابن الطيب الشاعر إسحاق بن خلف الشاعر المعروف ب ابن الطبيب من شعراء المعتصم كان رجلا شأنه الفتوة ومعاشرة الشطار والتصيد بالكلاب وإيثار أصحاب الطنابير وكان من أحسن الناس إنشادا كأنه يتغنى في إنشاده وكان إذا راجعك الكلام لم تكد تسأم مراجعته من حسن ألفاظه حبس مرة بجناية جناها فقال الشعر في السجن ثم ترقى في ذلك حتى مدح الملوك ودون شعره ولم يزل على رسم الفتوة وضرب الطنبور إلى أن توفي في حدود الثلاثين ومائتين ومن شعره رحمه الله * ألنحو يبسط من لسان الألكن * والمرء تعظمه إذا لم يلحن * * وإذا طلبت من العلوم أجلها * فأجلها عندي مقيم الألسن * وقال في السيف * ألقى بجانب خصره * أمضى من الأجل المتاح * * وكأنما ذر الهباء * عليه أنفاس الرياح * وقال المبرد قالت الشعراء في رونق السيف ضروبا من الأقاويل ما سمعت فيها بأحسن من هذا وقال في ابنة أخت كان رباها * لولا أميمة لم أجزع من العدم * ولم أجب في الليالي حندس الظلم * * وزادني رغبة في العيش معرفتي * ذل اليتيمة يجفوها ذوو الرحم * * أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ * وكنت أبقى عليها من أذى الكلم * * تهوى لقائي وأهوى موتها شفقا * والموت أكرم نزال على الحرم * * إذا تذكرت بنتي حين تندبني * فاضت لعبرة بنتي عبرتي بدم *
197 64 مجد الدين النشابي أسعد بن إبراهيم بن حسن الأجل مجد الدين النشابي الكاتب ولد بإربك سنة اثتين وثمانين وخمسمائة وكان في صباه نشابا ثم تنقل في الجزيرة والشام وولى كتابة الإنشاء لصاحب إربل ونفذه رسولا إلى الخليفة المستنصر فلما وقعت عينه على الخليفة قال * جلالة هيبة هذا المقام * تحير عالم علم الكلام * * كأن المناجي به قائما * يناجي النبي عليه السلام * ثم إن مخدومه غضب عليه وحبسه ثم إنه بعد موت صاحب إربل خدم بغداد واختفى أيام التتار فسلم ثم مات في تلك السنة وهي سنة ست وخمسين وستمائة ومن شعره في شرف الدين إبراهيم بن علي بن حرب لما ولى وزارة إربل * فرحنا وقلنا تولى الوزير * وأفلح ديواننا بالوزاره * * فما زادنا غير جاويشه * وفي كتبنا كتبت بالإشارة * ولما وقع بين الأخوين الكامل والأشرف والكامل صاحب مصر والأشرف صاحب خلاط ومال ملوك الشام والشرق إلى الكامل وتحاملوا على الأشرف فقال مجد الدين * صاحب مصر ثنى الملوك عن الأشرف * من كل مسعد عون * * واحتج كل به فقلت وهل * يؤخذ موسى بذنب فرعون * وله في شرف الدين المبارك مستوفى إربل * إن المبارك فيه * توقف ولجاجه * * صديقه أنت ما لم * تعرض إليه بحاجه * وله في صدر الدين بن نبهان وكان صديق عارض الجيش فعزل ثم صار
198 صدر الدين صورة وزير الأمير شجاع الدين العزى فتوفى فاتصل صدر الدين بالملك فتح الدين فخرج ن بغداد مغاضبا فقال * رجل ابن نبهان الأعرج شومها معلوم * ما دار قط بأحد إلا لقي المحتوم * * قلع ملك وعزل عارض بهذا الشوم * وعاد حر زعيمه مبعر أخت البوم * ومن شعره * والأفق روض زهره * أمسى يفتح لي كمامه * * قبضت به كف الثرييا * فالهلال لها قلامه * * وأغن يشهد أن ريقته * الطلا عود البشامه * * يصمى القلوب إذا رمى * باللحظ يا رب السلامه * ومنه قوله * تقلد أمر الحسن فاستبعد الورى * وراحت له الأفكار تنظم ديوانا * * وعامله ولى على القلب ناظرا * فأصبح لما حل بالقلب سلطانا * * غدا باحمرار الخد للحسن مالكا * ومن فيه أبدى للتبسم رضوانا * * فأبدى لنا من ثغره ورضابه * وعارضه راحا وروحا وريحانا * * رأى خده ميدان حسن وخاله * به كرة فاستعمل الصدغ جوكانا * * أجل نظرا في خده يا معنفي * تجد فيه من إنسان عينك إنسانا * ومنه أيضا * والبرق يخفق في خلال سحابه * خفق الفؤاد لموعد من زائر * وقال * يا لقومي قد جئتكم مستجيرا * لا أرى منكم وليا نصيرا * * أنا ما بين عاذل ورقيب * منهما خلت منكرا ونكيرا * * بأبي شادن تبدى فأبدي * من محياه بهجة وسرورا *
199 * وعذار في ذلك الخد أبدي * ببها الحسن جنة وحريرا * * وثنايا كأنها من لجين * قدورها في ثغره تقديرا * * لا رعى الله يوم زموا المطايا * إنه كان ضره مستطيرا * * أودعوا حين ودعوا الصب وجدا * وتناءوا والقلب يصلى سعيرا * * وأسالوا الدموع من نرجس غضض * على الخد لؤلؤا منثورا * * فغدا الصب يرتضى الحب دينا * ويرى ناظر السلو حسيرا * * وهدى قلبه السبيل فإما * صابرا شاكرا وإما كفورا * * صم سمعي عن الكلام كما صرت * بمدحي زنكي سميعا بصيرا * * كم سقى سيفه شرابا حميما * وسقى سيبه شرابا طهورا * * سرح الطرف في ذراه ترى ثمم * نعيما به وملكا كبيرا * * لم ير النازلون في ظله المعمور * شمسا يوما ولا زمهريرا * * ويبيح الطعام والمال كم عمم * يتيما بزاده وأسيرا * * وأرانا نوالهه وسطاه * فرأينا منه بشيرا نذيرا * * كل ساع داع له بدوام الملك * ما زال سعيه مشكورا * 65 أسماء بن خارجة أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة الفزاري أحد الأجواد من الطبقة الأولى نم التابعين من الكوفة كان قد ساد الناس بمكارم الأخلاق حكى ابن عساكر قال أتى الأخطل الشاعر إلى عبد الملك بن مروان في حمالات تحملها عن قومه فأبى أن يعطيه شيئا فسألها بشر بن مروان أخا عبد الملك فقال كما قال عبد الملك فأتى أسماء بن خارجة فتحملها عنه جميعا فقال * إذا ما مات خارجة بن حصن * فلا مطرت على الأرض السماء * * ولا رجع البشير بغنم جيش * ولا حملت على الطهر النساء *
200 * فيوم منك خير من رجال * كثير حولهم نعم وشاء * * فبورك في بنيك وفي بنيهم * وإن كثروا ونحن لك الفداء * وبلغ الشعر عبد الملك فقال عرض بنا الخبيث في شعره وحكى أبو اليقظان قال دخل أسماء بن خارجة على عبد الملك بن مروان فقال له بم سدت الناس فقال هو من غيري أحسن فقال له بلغني عنك خصال شريفة وأنا أعزم عليك إلا ذكرت بعضها فقال أما إذ عزمت علي فنعم فقال عبد الملك هذه أولها فقال أسماء ما سألني أحد حاجة إلا ورأيت له الفضل علي ولا دعوت أحدا إلى طعام إلا ورأيت له المنة علي ولا جلس إلي رجل إلا ورأيت له الفضل علي ولا قصدني أحد في حاجة إلا وبالغت في قضائها ولا شتمت أحدا قط لأنه إنما يشتمني أحد رجلين إما كريم فكانت منه هفوة فأنا أحق بعفوها وإما لئيم فأصون عرضي منه فقال له عبد الملك حق لك أن تكون سديا شريفا وقال الكلبي خرج أسماء في أيام الربيع إلى ظاهر الكوفة فنزل في رياض معشبة وهناك رجل من بني عبس نازل فلما رآي قباب أسماء وخيامه قوض خيامه ليرحل فقال له أسماء ما شأنك فقال لي كلب هو أحب إلي من ولدي وأخاف أن يؤذيكم فيقتله بعض غلمانكم فقال له أسماء أقم وأنا ضامن كلبك ثم قال لغلمانه إذا رأيتم كلبه قد ولغ في قدوري وقصاعي فلا تهيجوه وأقام على ذلك مدة ثم ارتح لأسماء ونزل في الروضة رجل من بني أسد وجاء الكلب على عادته فضربه الأسدي فقتله فجاء العبسي إلى أسماء فقال له أنت قتلت كلبي قال له وكيف قال عودته عادة ذهب يرومها من غيرك فقتل فأمر له بمائة ناقة دية الكلب ولما أراد أسماء أن يهدي ابنته إلى زوجها قال لها يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا ولا تدنى منه فيملك ولا تتباعد يعنه فيتغير عليك وكوني له كما قلت لأمك * خذي العفو من يتستديمي مودتي * ولا تنطقي في سورتي حين أغضب *
201 * فإني رأيت الحب في الصدر والأذى * إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب * وقال الرياشي قال أسماء بن خارجة لامرأته أخضبي لحيتي فقالت إلى كم ترقع منك ما خلق فقال * عيرتني خلقا أبليت جدته * وهل رأيت جديدا لم يعد خلقا * * كما لبست جديدي فالبسي خلقي * فلا جديد لمن لم يلبس الخلقا * وأسند أسماء عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وتوفي سنة ست وستين وقيل سنة اثنتين وثمانين وهو ابن ثمانين سنة رحمة اللهعليه 66 تقى الدين بن أبي السر إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي المجد مسند الشام تقى الدين شرف الفضلاء أبو محمد التنوخي المعري الأصل الدمشقي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وتوفي سنة اثنتين وسبعين وستمائة سمع من الخشوعي وعبد اللطيف وشيخ الشيوخ وابن عساكر والدولعي الخطيب وحنبل وابن طبرزد والكندي وأجاز له جماعة تفرد بأشياء كثيرة وكان متميزا في كتابة الإنشاء جيد النظم حسن القول دينا متصونا صحيح السماع من بيت كتابة وجلالة وان جده كاتب الإنشاء لنور الدين وكتب هو للناصر داود وولى بدمشق نظر البيمارستان وسمع ببغداد من الداهري والزبيدي وولى مشيخة أم الصالح ومشيخة الرواية بدار الحديث الأشرفية روى عنه قاضي القضاة نجم الدين بن صصري وابن العطار وابن تيمية وأخواه وابن أبي الفتح
202 سأله أبو حفص بن أبي المعالي أن يحل أبيات ابن الرومي الزائية التي أولها * وحديثها السحر الحلال لو أنه * لم يجن قتل المسلم المتحرز * * إن طال لم يملل وإن هي أوجزت * ود المحدث أنها لم توجز * فقال وحديثها الحديث لا كالحديث عذب فهو الماء الزلال وأسكر فأشبه العتيق الجريال واستملي من غير ملل ولا ملال وشغل عن غرر من واجب الأشغال وجنى من قتل المسلم المتحرز ما ليس بحلال وصادت بشركه النفوس ومالت إلى وجهه العناق والرؤوس فهو نزهة العيون وعقال العقول والموجز الذي ود المحدث أن يطول * حديث حديث الروض فتح نوره * فمن نوره قد زاد في السمع والبصر * * يخرون للأذقان عند سماعه * كأنهم من شيعة وهو منتظر * * يلذ به طول الحديث لسامر * ولا يعتريه من إطالته ضجر * * به طرف للطرف تجنى وعقلة * لعاقل ركب قد سبقن إلى سفر * * هي البدر فاسمع ما تقول فإنه * غريب وحدث بالرواية عن قمر * وكتب على لسان سيف الدين مقلد بن الكامل بن شاور إلى الملك الأشرف وكان أبطأ عليه عطاؤه رقعة مضمونها * يقبل الأرض بين يدي الملك الأشرف أعز الله نصره وشرح ببقائه نفس الدهر وصدره وينهى أنه وصل إلى باب مولانا كما قال المتنبي * حتى وصلتبنفس مات أكثرها * وليتني عشت منها بالذي فضلا * ويرجو مال قاله في البيت الآخر * أرجو نداك ولا أخشى المال به * يا من إذا وهب الدنيا فقد بخلا * فأعطاه صلة سنة وقر * (له جامكية وأحسن قراه ورتب له ما كفاه وكتب إلى القاضي بدر الدين السنجاريى
203 * لولا مواعيد آمال أعيش بها * لمت يا أهل هذا الحي من زمن * * وإنما طرف آمالي به مرح * يجري بوعد الأماني مطلق الرسن * ومن شعره * ليلى كشعر معذبي ما أطوله * أخفى الصباح بفرعه إذ أسبله * * قصصي بنمل عذاره مكتوبة * يا حسن ما خط الجمال وأجمله * * والله لا أخملت لام عذاره * يا عذلي ما كل لام مهمله * * إقرأ على قلب سبا في حبه * والذاريات لمدمع قد أهمله * * آيات تحريم الوصال أظنها * بطلاق أسباب الحياة مرتله * * ثبت الغرام بحاكم من حسنه * وشهادة الألفاظ وهي معدله * * إن أبعدته يد النوى عن ناظري * فله بقلبي إن ترحل منزله * * بالعاديات قد اغتدى عنا ضحى * وبدا له فيكل قلب زلزله * * شمس النفوس لبينه قد كورت * والنار في الأحشاء فيه مشعله * وقال رحمه الله ركبني دين فوق عشرة آلاف درهم وبقيت في قلق فرأيت والدي في النوم فشكوت له ثقل الدين فقال امدح النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أعجز عن مدحه صلى الله عليه وسلم فقال أمدحه يوفى دينك فقلت وأنا نائم * أجد المقال وجد في طول المدى * فعساك تظفر أو تنال المقصدا * * هي حلبة للمدح ليس يحوزها * بالسبق إلا من أعين وأسعدا * وانتبهت فأتممت القصيدة فوفى الله ديني تلك السنة ومن شعره * يا أحمد إن فترة الأجفان * نبيت بها في آخر الأزمان * * والمعجز منك واضح البرهان * تحيى بالوصل ميت الهجران *
204 67 الحمدوني إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه أبو علي الحمدوني وجده حمدويه صاحب الزنادقة على عهد الرشيد قال المرزباني بصرى مليح الشعر حسن التضمين اشتهر بقوله في طيلسان ابن حرب ابن أخي يزيد المهلبي وشاة سعيد وكان يقول أنا ابن قولي * يا بن حرب كسوتني طيلسانا * مل من صحبة الزمان وصدا * * طال ترداده إلى الرفو حتى * لو بعثناه وحده لتهدى * وله ويقال إنه أول شعر قاله فيه وقد قال فيه خمسين مقطوعا * كساني ابن حرب طيلسانا كأنه * فتى ناحل بال من الوجد كالشن * * تغنى لإبراهيم لما لبسته * ذهبت من الدنيا وقد ذهبت مني * يريد إبراهيم بن المهدي وهذا الشعر له وتتمته * ذهبت من الدنيا وقد ذهبت مني * هوى الدهر بي عنها وولى بها عني * * فإن أبك نفسي أبك نفسا نفسية * وإن أحتسبها أحتسبها على ضمن * ومن شعر الحمدوني في شاة سعيد * ما أرى إن ذبحت شاة سعيد * حاصلا في يدي غير الإهاب * * ليس إلا عظامها لو تراها * قلت هذي أزايف في جراب * * من خساس الشاء اللواتي إذا ما * أبصروهن قيل شاء النهاب * * ستراهن كيف ينفضن في وجه * المضحى بهن يوم الحساب * وقوله أيضا فيها * أبا سعيد لنا في شاتك العبر * جاءت وما إن لها بول ولا بعر * * وكيف تبعر شاة عندكم مكثت * طعامها الأبيضان الماء والقمر * * لو أنها أبصرت في نومها علفا * غنت له ودموع العين تنحدر *
205 * يا مانعي لذة الدنيا بأجمعها * إني ليقنعني من وجهك النظر * وقال فيها * أسعيد قد أعطيتني أضحية * مكثت زمانا عندكم ما تطعم * * نظوا تغامزت الكلاب بها وقد * شدوا عليها كي تموت فيولموا * * فإذا الملا ضحكوا بها قالت لهم * لا تهزءوا بي وارحموني ترحموا * * مرت على علف فقامت لم ترم * عنه وغنت والمدامع تسجم * * وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي * متأخر عنه ولا متقدم * وقال فيها * لسعيد شويهة * سلها الضر والتلف * * قد تغنت وأبصرت * رجلا حاملا علف * * بأبي من بكفه * برء دائي من الدنف * * فأتاها مطمعا * فأتته لتعتلف * * فتولى فأقبلت * تتغنى من الأسف * * ليته لم يكن وقف * عذب القلب وانصرف * وقال في الطيلسان الذي وهبه إياه ابن حرب * يا طيلسان ابن حرب قد هممت بأن * تودي بجسمي كما أودى بك الزمن * * ما فيك من ملبس يغنى ولا ثمن * قد أوهنت حيلي أركانك الوهن * * فلو تراني لدى الرفاء مرتبطا * كأنني في يديه الدهر مرتهن * * أقول حين رآني الناس ألزمه * كأنما لي في حانوته وطن * * من كان يسأل عنا أين منزلنا * فالأقحوانة منا منزل قمن * وقال فيه * يا بن حرب كسوتني طيلسانا * أنحلته الأزمان فهو سقيم *
206 * فإذا ما رفوته قال سبحانك * محيي العظام وهي رميم * وقال فيه * قل لابن حرب طيلسانك قد * أودى قواي بكثرة الغرم * * متبين فيه ' لمبصره * آثار رفو أوائل الأمم * * فكأنه الخمر التي وصفت * في يا شقيق النفس من حكم * * فإذا رممناه فقيل لنا * قد صح قال له البلى انهدم * * مثل السقيم برى فراجعه * نكس فأسلمه إلى سقم * * أنشدت حين طغى فأعجزني * ومن العناء رياضة الهرم * وقال فيه * طيلسان لو كان لفظا إذن ماشك * قوم في أنه بهتان * * فإذا ما صحت فيه صيحة * تركته كهشيم المحتظر * * وإذا ما الريح هبت نحوه * طيرته كالجراد المنتشر * * مهطع الداعي إلى الرافي إذا * ما رآه قال ذا شيء نكر * * فإذا رفاؤه حاول أن * يتلافاه تعاطى فعقر * وقال فيه * أيا طيلساني أعييت طبي * أسل بجسمك أم داء حب * * ويا ريح صيرتني أتقيك * وقد كنت لا أتقي أن تهبي *
207 * ومستخبر خبر الطيلسان * فقلت له الروح من أمر ربي * وقال فيه * طيلسان لابن حرب جاءني * قد قضى التمزيق منه وطره * * أنا من خوفي عليه أبدا * سامري ليس يألو حذره * * يابن حرب خذه أو فابعث بما * نشتري عجلا بصفر عشره * * فعلل الله يحييه لنا * إن ضربناه ببعض البقره * * فهو قد أدرك نوحا فعسى * قد حوى من علم نوح خبره * * أبدا يقرأ من يبصره * أإذا كنا عظاما نخره * وقال فيه * يا بن حرب كسوتني طيلسانا * يزرع الرفو فيه وهو سباخ * * مات رفاؤه ومات بنوه * وبدا الشيب في بنيهم وشاخوا * * يا بن حرب أطلت فقرى برفوى * طيلسانا قد كنت عنه غنيا * * فهو في الرفو آل فرعون في العرض * على النار بكرة وعشيا * * زرت فيه معاشرا فازدروني * فتغنيت إذ رأوني زريا * * جئت في زي سائل كي أراكم * وعلى الباب قد وقفت مليا * وقيل إنه عم لفي هذا الطيلسان مائتي مقطوع وكان قد وقف على أبيات عملها أبو حمران السلمي في طيلسانه وكان قد بلى وهي * يا طيلسان أبي حمران قد برمت * بك الحياة فما تلتذ بالعمر * * في كل يومين رفاء يجدده * هيهات ينفع تجديد مع الكبر * * إذا ارتداه لعيد أو لجمعته * تنكب الناس أن يبلى من النظر * وذكرت ههنا ما كتبه ناصر الدين بن الثقيب إلى السراج الوراق * لو فر بغلى من اصطبلي لقلت لمن * يجري وراه تمهل أيها الساري * * ففي زقاق سراج الدين موقفه * أو ذلك الخط أو في حومة الدار *
208 * وطيلسان ابن حرب قد سمعت به * من طول بعث وترداد وتكرار * فأجابه السراج * أفدي خطاك ولو كانت على بصري * لكان في ذاك تشريف بمقداري * * وإن دارك صان الله مالكها * أعز عندي من أهلي ونم داري * * وطيلسان ابن حرب في تردده * قلبي إليك من الأشواق فينار * * إذا تمزق ألفاك الشرى له * في رفو بال وفي حوك لأشعار * 68 شرف الدولة بن منقذ إسماعيل بن سلطان بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ شرف الدولة أبو الفضل بن أبي العساكر الكناني الشيزري الأمير كان فاضلا شاعرا وكان أبوه صاح بشيزر وابن صاحبها فلما مات أبوه وليها أخوه تاج الدولة وأقام هو تحت كنف أخيه إلى أن خربتها الزلزلة ومات أخوه وطائفة تحت الردم وتوجه نور الدين فتسلمها وكان إسماعيل غائبا عنها فانتقل إلى بدمشق وكانت الزلزلة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وأبوه عم مؤيد الدولة أسامة ومات إسماعيل بدمشق سنة إحدى وستين وخمسمائة ومن شعره * ومهفهف كتب الجمال بخده * سطرا يحير ناظر المتأمل * * بالغت في استخراجه فوجدته * لا أرى إلا رأي أهل الموصل * وقال لغزا في زنبور ونحلة * ومغردين ترنما في مجلس * فنفاهما لأذاهما الأقوام * * هذا يجود بما يجود بعكسه * هذا فيحمد ذا وذاك يذام *
209 ومن شعره * سقيت كاس الهوى علا على نهل * فلا تزدني كأس اللوم والعذل * نأى الحبيب فبي من نأيه حرق * لو لامست جبلا هدت قوى الجبل * * ولو تطلبت سلوانا لزدت هوى * وقد تزيد رسوبا نهضة الوحل * * عفت رسومي فعج نحوي لتندبني * فالجسم غب زيال الحب كالطلل * * صحوت ثمن قهوة تنفى الهموم بها * لكنني ثمل من طرفه الثمل * * أصب * (النفس ضعنه وهي قائلة * مالي بعادية الأشواق من قبل * * كمميتة وحياة ذقت طعمهما * مذ وقت طعم النوى لليأسوالأمل * * والنفس إن خاطرت في غمرة وألت * منها وإن خاطرت في الوجد لم تئل * * لها دروع تقيها من سهام يد * فهل دروع تقيها أسهم المقل * * فانظر إليه تر الأقمار في قمر * وانظر إلي تر العشاق في رجل * * بأي أمر سأنجو من هوى رشأ * في جفنه سحر هاروت وسيف علي * * إذا رمى لحظه بالسحر قال له * قلبي أعد لا رماك الله بالشلل * * إن خفت روعة هجران الحبيب فقد * أمنت في حبه من روعة العذل * 69 ابن عز القضاة إسماعيل بن علي بن محمد بن عبد الواحد بن أبي اليمن فخر الدين المعروف بابن عز القضاة كان في أول أمره كاتبا أديبا خدم في جهات كبار وله دخول على الملك الناصر صاحب حلب مع الشعراء وأهل حضرته فملا أن جفل الناس من الشام إلى مصر أيام التتار توجه إلى مصر وعاد بصورة عظيمة من الزهد والإعراض عن الدنيا ولازم كتب الشيخ محيي الدين بن العربي نسخ منها جملة وواظب زيارة قبره واشتهر بالخير واعتقد الناس فيه
210 وتوفي سنة تسع وثمانين وستمائة ولم يخلف شيئا وفرغت نفقته ليلة مات وتوفي بعقربا وكانت له جنازة عظيمة ودفن في تربة أولاد الزكي وتلوا الناس على قبره ختمات كثيرة وتفجع الناس عليه ورؤيت له المنامات الصالحة ومن شعره ما كتبه إلى الشيخ شرف الدين الرقى وهو مجاور بمكة شرفها الله تعالى من الخادم إلى سيده وأخيه في الله إن ارتضاه أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فإني كنت أرجو بركة دعائه لما أظنه من عناية الله به فكيف الآن وهو جار الله فانضاف إلى عناية الله تعالى بسيدي عناية الوطن وكان الخادم عند توجه الحاج نظم أبياتا حسنة مشوقة إلى تقبيل الحجر المكرم وها هي * أوفد الله أعطاكم قبولا * وكان لكم حفيظا أجمعينا * * إن الرحمن أذكركم بأمري * هناك فقبلوا عني اليمينا * * فإني أرتجى منه جنانا * لأن إليه في قلبي حنينا * * وأرجو لثم أيد بايعته * إذا عدتم بخير آمنينا * فأجابه الشيخ شرف الدين * نعم أسعى على بصرى ورأسي * وألثم عنكم الركن اليمينا * * نعم وكرامة وأطوف أيضا * ببيت الله رب العالمينا * * وأنت أخي وخلى ثم عندي * كريم في إخائك ما بقينا * * وأرجو أن نكون غدا جميعا * إلى وجه المهيمن ناظرينا * ومن شعر ابن عز القضاة * لم أنت في ود الصديق تفرط * ترضى بلا سبب عليه وتسخط * * يا من تلون في الوداد أما ترى * ورق الغصون إذا تلون يسقط *
211 وقال يصف شموعا * وزهر شموع إن مددن بنانها * بمحو سطور الليل نابت عن البدر * * وفيهن كالفورية خلت أنها * عمود صباح فوقه كوكب الفجر * * وصفراء تحكى شاحبا شاب رأسه * فأدمعها تجري على ضيعة العمر * * وخضراء يبدو وقدها فوق قدها * كنرجسة تزهى على الغصن النضر * * ولا غرو أن تحكى الأزاهر حسنها * أليس جناها النحل قدما من الزهر * وله أيضا * وملتثم بالشعر من فوق ثغره * غدا قائلا شبهه لي بحياتي * * فقلت سترت الليل بالصبح قال لا * ولكن سترت الدر بالظلمات * وقال على طريقة الشيخ محيي الدين بن العربي رضي الله عنه * يقولون دع ذكرى بثينة كيف لي * وقد ملكت قلبي بحسن اعتدالها * * ولكن إن اسطعتم تردون ناظري * إلى غيرها فالعين نصب جمالها * * وأقسم ما عاينت في الكون صورة * لها الحسن إلا قلت طيف خيالها * * ون لي بليلى العامرية إنما * عظيم الغنى من نال وهموصالها * * فما الشمس أدنى من يدي لامس لها * وليس السها في بعد نقطة خالها * * ولكن دنت لطفا له فتنزلت * على عزها في أوجها وجلالها * * وأبدت لنا مرآتها غيب حضرة * غدت هي مجلاها وسر كمالها * * فحسبي فخرا أن نسبت لحبها * وحسبي قربا أن خطرت ببالها * 70 العين زربي إسماعيل بن علي العين زربى نسبة إلى عين زربة ثغر بقرب المصيصة الشاعر سكن دمشق ومات بها سنة ثمان وستين وأربعمائة رحمه الله
212 ومن شعره * وحقكم لا زرتكم في دجنة * من الليل تخفيني كأني سارق * * ولا زرت إلا والسيوف شواهر * علي وأطراف الرماح لواحق * ومنه أيضا * ألا يا حمام أليك عشك آهل * وغصنك مياد وإلفك حاضر * * أتبكي وما امتدت إليك يد النوى * ببين ولم يذعر جنابك ذاعر * وله أيضا * أعيني لا تستبقيا فيض عبرة * فإن النوى كانت لذلك موعدا * * فلا تعجبا أن تمطر العين بعدهم * فقد أبرق البين المشت وأرعدا * * ويوم كساه الغيم ثوبا مصندلا * فصاغت طرازيه يد البرق عسجدا * * كأن السما والرعد فيه تذكرا * هوى لهما فاستعبرا وتنهدا * * ذكرت به فياض كفك في الندى * وإن كانتا أهمي وأبقي وأجوادا * ومنه أيضا * أحن إلى ساكنات الحجاز * وقد حجزتني أمر ثقال * * بكيت ففاضت بحار الدموع * وكان لها من جفوني انثيال * * وظن العواذل أني سلوت * لفقد البكاء وجاءوا وقالوا * * حقيق حقيق وجدت السلو * فقلت لهم بل محال محال * ومن هذه المادة قول ابن سناء الملك * أرى ألف ألف مليح فما * كأني رأيت مليحا سواه * * أراه وما لي وصول إليه * فراحة قلبي ألا أراه * * وقالوا هواك مقيم * عليه فقلت كما هو كما هو *
213 71 الملك المؤيد صاحب حماة إسماعيل بن علي الإمام العالم الفاضل السلطان الملك المؤيد عماد الدين أبو الفدا بن الأفضل بن الملك المظفر بن الملك المنصور صاحب حماة مات في الكهولة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة كان أميرا بدمشق وخدم الملك الناصر لما كان بالكرك وبالغ في ذلك فوعده بحماة ووفى له بذلك وأعطاه حماة لما أمر لأسندمر بحلب بعد موت نائبها قبجق وجعله سلطانا يفعل فيه ما يشاء من إقطاع وغيره ليس لأحد من الدولة بمصر من نائب ووزير معه حكم وأركبه في القاهرة بشعار الملك وأبهة السلطنة ومشى الأمراء والناس في خدمته حتى الأمير سيف الدين أغرون النائب وقام له القاضي كريم الدين بكل ما يحتاج إليه في ذلك المهم من التشاريف والإنعامات على وجوه الدولة وغيره ولقبوه الملك الصالح ثم بعد قليل لقبوه الملك المؤيد وكان كل سنة يتوجه إلى مصر بأنواع من الخيل والرقيق والجواهر وسائر الأصناف الغريبة هذا إلى ما هو مستمر طول السنة مما يهديه من التحف والطرف وتقدم السلطان الملك الناصر إلى نوابه بأن يكتبوا إليه يقبل الأرض وكان الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى يكتب إليه يقبل الأرض بالمقام العالي الشريف المولوي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي وفي العنوان صاحب حماة ويكتب إليه السلطان أخوه محمد بن قلاوون أعز الله أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي بلا مولوى وكان الملك المؤيد فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك وأجود ما كان يعرفه علم الهيئة لأنه أتقنه وإن كان قد شارك في سائر العوم مشاركة جيدة وكان محبا لأهل العلم مقربا لهم أوي إليه أمين الدين الأبهري وأقام عنده ورتب له ما يكفيه وكان قد رتب لجمال الدين محمد بن نباتة كل
214 سنة ستمائة ردهم وهو مقيم بدمشق غير ما يتحفه به ونظم الحاوي في الفقه ولو لم يعرفه معرفة جيدة ما نظمه وله تاريخ مليح وكتاب الكناش مجلدات كثيرة وكتاب تقويم البلدان هذبه وجدوله وأجاد فيه ما شاء وله كتاب الموازين جوده وهو صغير ومات وهو في الستين رحمه الله تعلى وله شعر ومحاسنه كثيرة ولما مات رثاه الشيخ جمال الدين بن نباتة بقصيدة أولها * ما للندى لا يلبي صوت داعيه * أظن أن ابن شادي قام ناعيه * * ما للرجاء قد اشتدت مذاهبه * ما للزمان قد اسودت نواحيه * * نعي المؤيد ناعيه فيا أسفا * للغيث كيف غدت عنا غواديه * * كان المديح له عرسا بدولته * فأحسن الله للشعر العزا فيه * * يا آل أيوب صبرا إن إرثكم * من اسم أيوب صبرا كان منيجه * * هي المنايا على الأقوام دائرة * كل سيأتيه منها دور ساقيه * وتوجه الملك المؤيد بعض السنين إلى مصر ومعه ابنه الملك الأفضل محمد فمرض ولده فجهز إليه السلطان الحكيم جمال الدين بن المغربي رئيس الأطباء فكان يجيء إليه بكرة وعشيا فيراه ويبحث معه فيمرضه ويقرر الدواء ويطبخ الشراب بيده في دست فضة فقال له ابن المغربي يا خوند أنت والله ما تحتاج إلى وما أجى إ لا امتثالا لأمر السلطان ولما عوفي أعطاه بغلة بسرج وكنبوش زركش وتعبية قماش وعشرة آلاف درهم والدست الفضة وقال يا مولاي اعذرني فإني لما خرجت من حماة ما حسبت مرض هذا الابن ومدحه الشعراء وأجازهم ولما مات فرق كتبه على أصحابه وأوقف منها
215 جملة ومن شعره * اقرأ على طيب الحياة * سلام صب مات حزنا * * واعلم بذاك أحبة * بخل الزمان بهم وضنا * * لو كان يشرى قربهم * بالمال والأرواح جدنا * * متجرع كأس الفراق * يبيت للأشجان رهنا * * صب قضى وجدا ولم * يقضى له ما قد تمنى * وله أيضا * كم من دم حللت وما ندمت * تفعل ما تشتهي فلا عدمت * * لو أمكن الشمس عند رؤيتها * لثم مواطي أقدامها لثمت * وله أيضا * سرى مسرى الصبا فعجبت منه * من الهجران كيف صبا إليا * * وكيف ألم بي من غير وعد * وفارقني ولم يعطف عليا * وله موشح رحمه الله تعالى * أوقعني العمر في لعل وهل * يا ويح من عمره مضى بلعل * * والشيب وافى وعنده نزلا * وفر منه الشباب وارتحلا * * ما أوقح الشيب الآتي * إذ حل لا عن مرضاتي * * قد أضعفتني الستون لازمني * وخانني نقص قوة البدن * * لكن هوى القلب ليس ينتقص * وفيه مع ذا من جرحه غصص * * يهوى جميع اللذات * كما له من عادات * * يا عذلي لا تطل ملامك لي * فإن سمعي نأى عن العذل * * وليس يجدي الملام والفند * فيمن صبابات عشقه جدد * * دعني أنا في صبواتي * أنت البرى من زلاتي * * كم سرني الدهر غير مقتصر * بالكاس والغانيات والوتر * * نمرح في طيب عيشنا الرغد * طرفي وروحي وسائر الجسد * * وكم صفت لي خطراتي * وساعدتني أوقاتي * * مضى رسولي إلى معذبتي * وعاد في بهجة مجددة * * وقال قالت تعال فيعجل * لمنزلي قبل أن يجى رجلي *
216 * واسعد وجز من طاقاتي * ولا تخف من جاراتي * قال ومن الغريب أن السطلان رحمه الله كان يقول ما أظن أني أستكمل من العمر تسن سنة فما في أهلي يعني بيت تقي الدين من استكمله وفي أوائل الستين من عمره قال هذا الموشح ومات في بقية السنة رحمه الله تعالى وهذه الموشحة جيدة في بابها منيعة على طلابها وقد عارض بوزنها موشحة لابن سناء الملك رحمه الله تعالى أولها * عسى ويا قلما تفيد عسى * أرى لنفسي من الهوى نفسا * * مذ بان عنى مضن قد كلفت به * قلبي قد لج في تقلبه * * وبي أذى شوق عاتى * ومدمعي يوم شاتي * * لا أترك اللهو والهوى أبدا * وإن أطلت الغرام والفندا * * إن شئت فاعذل فلست أستمع * أنا الذي في الغرام أتبع) * وتحتذي صباباتي * وبدعتي وعاداتي 9 * * بي ملك في الجمال لا بشر * يظلم إن قيل أنه قمر * * يحسن فيه الولوع والوله * وعز قلبي في أن أذل له * * خدي حذاه إن يأتي * ويرتعى حشاشاتي * * لست أذم الزمان معتديا * كم قد قطعت الزمان ملتهيا * * وظلت في نعمة وفى نعم * يلتذ سمعي وناظري وفهمي * * ولا قذى في كاساتي * ومرتعى في الجنات * * وغادة دينها مخالفتي * ولا ترى في الهوى محالفتي * * وتستبيني ولستت أمنعها * فقلت قولا عساه يخدعها * * ما هو كذا يا مولاتي * إجرى معي في ماواتي * وموشحة السلطان رحمه الله تعالى نقضت عن موشحة ابن سناء الملك ما التزمه من القافيتين في الخرجة وهما الذال في كذا والعين في معي وخرجة ابن سناء الملك أحسن من خرجة السلطان رحمهما الله تعالى
217 72 السد الحميري إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة المعروف بالسيد الحميري كان شاعرا محسنا كثير القول إلا أنه كان رافضيا جلدا زائغا عن القصد له مدائح جمة في آل البيت عليهم السلام وكان مقيما بالبصرة وكان أبواه يغضان عليا وسمعهما يسبانه بعد صلاة الفجر فقال * لعن الله والدي جميعا * ثم أصلاهما عذاب الجحيم * وكان يرى رجعة محمد بن الحنفية في الدنيا وكان كثير الشاعر يرى هذا الرأي وكان السيد يعتقد أن ابن الحنفية لم يمت وأنه فيجبل بين أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل ويعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ويقال إن السيد اجتمع بجعفر الصادق عليه السلام فعرفه خطأه وأنه على ضلالة فتاب وقال المرزباني في معجم الشعراء إنه إسماعيل بن محمد بن وداع الحميري ولذلك يقول * إني امرؤ حميري حين تنسبني * جدي رعين وأخوالي ذوو يزن * * ثم الولاء الذي أرجو النجاة به * يوم القيامة للهادي أبي الحسن * وكان أسمر تام القامة حسن الألفاظ جميل الخطاب مقدما عند المنصور والمهدي ومات أول أيام الرشيد سنة ثلاث وسبعين ومائة وولد سنة خمس
218 ومائة وكان أحد الشعراء الثلاثة الذين لم يضبط ما لهم من الشعر هو وبشار وأبو العتاهية وإنما أمات ذكره وهجره الناس لسبه الصحابة وبغض أمهات المؤمنين وإفحاشه في قذفهم فتحاماه الرواة قال المازني سمعت أبا عبيدة يقول ما هجا بني أمية أحد كما هجاهم يزيد ابن مفرغ والسيد الحميري وقال السيد أتى بي أي وأنا صغير إلى محمد بن سيرين فقال لي يا بني أقصص رؤياك فقلت رأيت كأني في أرض سبخة وإلى جانبها أرض حسنة وفيها النبي صلى الله عليه وسلم واقفا وليس فيها نبت وفي الأرض السبخة شوك ونخل فقال لي يا إسماعيل أتدري لمن هذا النخل قلت لا قال هذا لامرئ القيس ابن حجر فانقله إلى هذه الأرض الطيبة التي أنا فيها فجعلت أنقله إلى أن نقلت جميع النخل وحولت شيئا من الشوك فقال ابن سيرين لأبي أما ابنك هذا فسيقول الشعر في مدح طهرة أبرار فما مضت إلا مدة حتى قلت الشعر قال ابن سلام فكانوا يرون أن النخل مدحه أمير المؤمنين وذريته وأن الشوك حوله وما أمر بتحويله هو ما خلط به شعره من سب السلف وقال الصولي حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود حدثنا علي بن محمد ابن سليمان قال كان السد يزعم أن عليا رضي الله عنه سمى محمد بن الحنفية المهدي وأنه الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وأنه حي في جبال رضوى قال فأعطني دينارا بمائة دينار إلى الرجعة فقال له السيد على أن توثق لي بمن يضمن أنك ترجع إنسانا أخاف أن ترجع قردا أو كلبا فيذهب مالي * وكان السيد إذا سئل عن مذهبه أنشد من قصيدته المشهورة * سمى نبينا لم يبق منهم * سواه فعنده حصل الرجاء *
219 * فغيب غيبة من غير موت * ولا قتل وسار به القضاء * * وبين الوحش ترعيفي رياض * من الآفات مرتعها خلاء * * تحل فما بها بشر سواه * بعقوته له عسل وماء * * إلى وقت ومدة كل وقت * وإن طالت عليه لها انقضاء * * فقل للناصب الهاذي ضلالا * يقوم وليس عندهم غناء * * فداء لابن خولة عن قريب * ورب العرش يفعل ما يشاء * * تهز دوين عين الشمس سيفا * كلمع البرق أخلصه الجلاء * * يشبه وجهه قمرا منيرا * يضيء له إذا طلع السماء * * فلا يخفى على أحد بصير * وهل بالشمس ضاحية خفاء * * هنالك تعلم الأحزاب أنا * ليوث لا ينهنهنا اللقاء * * فندرك بالذحول بني أمي * وفي ذاك الذحول لهم فناء * وحكى أن اثنين تلاحيا في أي الخلق أفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما أبو بكر وقال الآخر علي فتراضيا بالحكم إلى أول من يطلع عليهما فطلع عليهما السيد الحميري فقال القائل بفضل علي قد تنافرت أنا وهذا إليك في أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أنا على فقال السيد وما قال هذا ابن الزانية فقال ذاك لم أقل شيئا وقال الصولي حدثنا محمد بن عبد الله التيمي قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أبه قال قلت للفضل بن الربيع رأيت السيد الحميري قال نعم عهدي به واقفا بين يدي الرشيد وقد رفع غليه أنه رافضي وهو يقول إن كان الرفض حيكم يا بني هاشم وتقديمكم على سائر الخلق فما اعتذر ولا أزول عنه وإن كان غير ذلك فما أقول به ثم أنشده * شجاك الحي إذ بانوا * دمع العين هتان) * كأني يوم ردوا العيس * للرحلة نشوان * * وفوق العيس إذ ولوا * مها عين وغزلان *
220 * وما حازوا إلى الأعلى * فأقمار وأغصان * ومنها * علي وأبو ذر * ومقداد وسلمان * * وعباس وعمار * وعبد الله إخوان * * دعوا فاستودعوا علما * فأدوه وما خانوا * * أدين الله بالدين اللذي * كانوا به دانوا) منها * فحبي لك إيمان * وميلي عنه كفران * * فعد القوم ذا رفضا * فلا عدوا ولا كانوا * قال فعهدي بالرشيد وقد ألطف له ووصله وبره جماعة من الهاشميين وتوفي بعد قليل قيل لما استقام الأمر للسفاح خطب يوما فأحسن الخطبة فلما نزل عن المنبر قام إليه السيد الحميري فأنشده * دونكموها يا بني هاشم * فجددوا نم آيها الطامسا * * دونكموها فالبسوا تاجها * لا تعدموا منكم لها لابسا * * دونكموها لا علت كعب من * أمسى عليكم ملكها نافسا * * خلافة الله وسلطانه * وعنصر كان لكم دارسا * * قد ساسها قبلكم ساسة * لم يتركوا رطبا ولا يابسا * * لو خير المنبر فرسانه * ما اختار إلا منكم فارسا * * فلست من أن تملكوها إلى * هبوط عيسى منكم آيسا * فقال السفاح سل حاجتك قال ترضى عن سليمان بن حبيب بن المهلب وتوليه الأهواز قال قد أمرت بذلك وكتب عهده ودفعه إلى السيد وقدم به عليه فلما وقعت عينه عليه أنشده * أتيناك يا قرم أهل العراق * بخير كتاب من القائم * * أتيناك من عند خير الأنام * فذاك ابن عم أبي القاسم * * يوليك فيه جسام الأمور * فأنت صنيع بني هاشم * * أتينا بعهدك من عنده * على من يليك من العالم *
221 فقال له سليمان شريف وشافع وشاعر ووافد ونسيب سل حاجتك فقال جارية فارهة جميلة ونم يخدمها وبدرة دراهم وحاملها وفرس رائع وسائسه وتخت من صنوف الثياب وحامله قال قد أمرت لك بكل ما سألت وهو لك عندي كل سنة قال أبو ريحانة وكان يشار إليه في التصوف والورع حدثن يرجل كان أبوه في جوار السيد قال لما حضرته الوفاة جاءنا وليه فقال هذا وإن كان مخلطا فهو من أهل التوحيد وهو جاركم فأدخلوا غليه ولقنوه الشهادة قال فدخلنا إليه وهو يجود بنفسه وقلنا له قل لا إله إلا الله قال فاسود وجهه وفتح عينيه وقال (* (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) * سبأ 54 فخرجنا من عنده فمات من ساعته ابن مكنسة الشاعر إسماعيل بن محمد أبو الطاهر المعروف بابن مكنسة الإسكندراني ذكره أمية بن أبي الصلت في الحديقة توفي في حدود الخمسمائة أو بعدها من شعره * أعاذل ما هبت رياح ملامة * بنار هوى إلا وزادت تضرما * * فكلني إلى عين إذا جف ماؤها * رأت من حقوق الحب أن تذرف الدما * * فكم عبرة أعطت غرامي زمامها * عشية أعملن المطي المزمزما * * فلله قلب قارعته همومه * فلم يبق حد منه إلا تثلما * وأورد له أيضا في الحديقة * رقت معاقد خصره فكأنها * مشتقة من عهد هو تجلدي * * وتجعدت أصداغه فكأنها * مسروقة من خلقه المتجعد * * ما باله يجفو وقد زعم الورى * أن الندى يختص بالوجه الندى * * لا تخدعنك وجنة محمرة * رقت ففي الياقوت طبع الجلمد * * وزعمت أني لست من أهل الهوى * صبا فقل ما شئته وتقلد *
222 * والله ما أبصرت يوما أبيضا * منذ ابتليت بحب طرف أسود * وله أيضا * صيرتمونا يا بني * بكجور عشاقا بشده * * كلم الولاية في الهوى * أمرا أراد الله عقده * * ما قام منكم قائم * إلا وكان الحسن جنده * * ما يلتحي حتى ينص * على ولي العهد بعده * وأورد له أيضا * يعطيك مبتديا لدى سرائه * ويضاعف الإعطاء في ضرائه * * بت جاره فالعيش تحت ظلاله * واستسقه فالبحر من أنوائه * * يلقى الخطوب بمثلها من صبره * والباترات بمثلها من رائه * * فالطود حساد حلمه وأناته * والسيف حاسد بأسه ومضائه * ولابن مكنسة * يا رب عربيد إذا ما انتشى * أربى على المجنون في مسه * * قالوا فقد تاب ووالله ما * يتوب أو يجعل في رمسه * * وإنما توبته هذه * عربدة أيضا على نفسه * وله أيضا * إبريقنا عاكف على قدح * كأنه الأم ترضع الولدا * * أو عابد من بني المجوس إذا * توهم الكاس شعلة سجدا * 74 أشجع السلمي أشجع بن عمرو السلمي من ولد الشريد بن مطرود مدح الرشيد والبرامكة وانقطع إلى جعفر خاصة وأصفاه مدحه ووصله الرشيد وأعجبه مدحه وتقدم عنده وأثرت حالته في أيامه وهو القائل يصف الخمر * ولقد كعنت الليل في أعجازه * والكأس بين غطارف كالأنجم * * يتمايلون مع النسيم كأنهم * قضب من الهندي لم تتثلم *
223 * والليل ملتحف بفضل ردائه * قد كاد يسفر عن أغر أرقم * * فإذا أدارتها الأكف رأيتها * تثنى الفصيح إلى لسان الأعجم * * وعلى بنان مديرها عقيانة * من كسبها وعلى فضول المعصم * * تغلى إذا ما الشعريان تلظيا * صيفا وتسكن في طلوع المرزم * * ولها سكون في الإناء وتارة * شغبا تطوح بالكمى المعلم * * تعطى على الظلم الفتى يقتادها * قسرا وتظلمه إذا لم يظلم * قال عبد الله بن العباس الربيعي إن أول من أدخل أشجع على الرشيد أنه خدم الفضل بن الربيع فوصفه للرشيد وقال هو أشعر أهل هذا الزمان وقد اقتطعته البرامكة فأمر بإحضاره وإيصاله مع الشعراء فلما وصل إليه أنشده في القصر الذي بناه * قصر عليه تحية وسلام * نثرت عليه جمالها الأيام * * فيه اجتلى الدنيا الخليفة والتقت * للملك فيه سلامة وسلام * * قصر سقوف المزن دون سقوفه * فيه لأعلام الهدى أعلام * * نشرت عليه الأرض كسوتها التي * نسج الربيع وزخرف الأرهام * * أذنتك من ظل النبي وصية * وقرابة وشجت بها الأرحام * * برقت سماؤك في العد فأمطرت * هاما لها ظل السيوف غمام * * وإذا سيوفك صافحت هام العدا * طارت لهن على الرؤوس الهام * * تثنى على أيامك الأيام * الشاهدان الحل والإحرام * * وعلى عدوك يا بن عم محمد * رصدان ضوء الصبح والإظلام * * فإذا تنبه رعته و, إذا غفا * سلت عليه سيوفك الأحلام * قال فاستحسنها الرشد وأمر له بعشرين ألف درهم وكان جعفر بن يحيى البرمكي يجري عليه في كل جمعة مائة دينار وتوفي أشجع في حدود المائتين تقريبا وأخباره في كتاب الأغاني كثيرة رحمه الله تعالى وإيانا
224 75 أشعب الطمع أشعب بن جبير المدني الذي يضر به المثل في الطمع روى عن عكرمة وأبان بن عثمان وسالم بن عبد الله وله النوادر المشهورة قال حدثنا عكرمة عن ابن عباس قال إن لله على العبد نعمتين وسكت فقيل له اذكرهما فقال الواحدة نسيها عكرمة والأخرى نسيتها أنا وهو خال الأصمعي وقال يوما ابغوني امرأة أتجشأ في وجهها فتشبع وتأكل فخذ جرادة فتتنخم وأسلمته أمه في البزازين فقال لها يوما تعلمت نصف الشغل قالت وما هو قال تعلمت النشر وبقى الطي وقيل له ما بلغ من طمعك قال ما زفت امرأة في المدينة إلا كنست بيتي رجاء أن تهدي لي ومر برجل يعمل طبقا فقال له وسعه فربما يشتري أحد ويهدي لنا فيه شيئا ومن عجائب أمره أنه لم يمت شريف بالمدينة إلا استعدى على وصيه أو على وارثه وقال له احلف أنه لم يوص لي بشيء قبل موته كان زياد بن عبد الله الحارثي على شرطة المدينة وكان مبخلا فدعا أشعب في شهر رمضان ليفطر عنده فقدمت له أول ليلة مضيرة معقودة وكانت تعجبه فأمعن فيها أشعب وزياد يلمحه فلما فرغوا من الأكل قال زياد ما أظن لأهل السجن إماما يصلى بهم في هذا الشهر فليصل بهم أشعب فقال أشعب أو غير ذلك أصلحك الله قال وما هو قال أحلف بالطلاق ألا أذوق مضيرة أبدا فخجل زياد وتغافل عنه وقال أشعب جائتني جارية بدينار وقالت هذا وديعة عندك فجعلته بين ثنى الفراش فجاءت بعد أيام فوجدت الدينار فقلت ارفعي الفراش وخذي ولده
225 وكنت تركت إلى جانبه درهما فتركت الدينار وأخذت الدرهم وعادت بعد أيام فوجدت معه درهما آخر فأخذته وعادت في الثالثة كذلك فلما جاءت الرابعة تباكيت فقالت ما يبكيك فقلت مات الدينار في النفاس فقالت وكيف يكون للدينار نفاس فقلت يا فاسقة تصدقين بالولادة ولا تصدقين بالنفاس وسأله سالم بن عبد الله بن عمر عن طمعه قال اجتمعوا على الصبيان يوما فقلت لهم هذا أبان بن عثمان قد طبخ هريسة وهو يفرقها فاذهبوا إليه فلما ذهبوا ظننت أن الأمر كما قلت فعدو تخلفهم وقيل له ما بلغ من طمعك قال أرى دخان جارى فأثرد وقيل له أيضا قال ما رأيت اثنين يتساران إلا ظننت بأنهما يأمران لي بشيء وجلس يوما في الشتاء إلى إنسان من ولد عقبة بن أبي معيط فمر به حسن ابن حسن فقال ما يقعدك إلى جانب هذا قال اصطلى بناره ولما مات ابن عائشة المغني جعل أشعب يبكي ويقول قلت لكم زوجوا ابن عائشة من الشماسية حتى يخرج بينهما مزامير داود فلم تفعلوا ولكن لا يغني حذر من قدر ولما أخرجت جنازة الصريمية المغنية كان أشعب جالسا مع نفر من قريش فبكى أشعب وقال اليوم ذهب الغناء كله وترحم عليها ثم مسح عينه والتفت إليهم وقال وعلى ذلك فقد كانت الزانية شر خلق الله فضحكوا وقالوا يا أشعب ليس بين بكائك عليها وبين لعنك لها فرق قال نعم كنا نجيئها الفاجرة بكبش إذا أردنا أن نزورها فتطبخ لنا في دارها ثم لا تعشينا إلا بسلق وجاز به يوما سبط لابن سريج فوقب إليه وحمله على كتفه وجعل يرقصه ويقول فديت من ولد على عود واستهل بغناء وحنك بملوى وقطعت سرته بزير وختن بمضراب وقيل له رأيت أطمع منك قال نعم كلب أم حومل تبعني فرسخين وأنا أمضغ لبانا وخفف الصلاة مرة فقال له بعض أهل المسجد خففت الصلاة جدا قال أنها صلاة لم يخالطها رياء وقال له رجل كان أبوك عظيم اللحية وأنت
226 كوسج فلمن أشبهت قال أبهت أمي وقيل له هل رأيت أطمع منك قال نعم خرجت إلى الشام مع رفيق لي فنزلنا على باب بعض الديارات فتلاحينا فقلت أير الراهب في است الكاذب فلم نشعر إلا بالراهب قد اطلع علينا وقد أنعظ وهو يقول من هو الكاذب فيكم وكان أشعب لا يغيب عن طعام سالم بن عبد الله بن عمر فاشتهى سالم يوما أن يأكل مع بناته فخرج إلى بستان له وأعلم أشعب بالقصة فاكترى جملا بدرهم فلما حاذى حائط البستان له وأعلم أشعب بالقصة فاكترى جملا بدرهم فلما حاذى حائط البستان وثب من على الجمل فصار على الحائط فغطى سالم بناته بثوبه وقال بناتي فقال أشعب إنك لتعلم ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد وقال رجل يوما لأشعب ما بلغ من طمعك فقال ما سألتني عن هذا الأمر إلا وقد خبأت لي شيئا تريد تعطيني إياه وقيل هو من موالي عثمان بن عفان وتوفي سنة أربع وخمسين ومائة وولد سنة تسع للهجرة فعمر عمرا طويلا وامرأته بنت وردان الذي بنى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكان أشعب قد قرأ القرآن وتنسك وكان حسن الصوت في القراءة وربما صلى بهم في المسجد قال المدائني قال أشعب تعلقت بأستار الكعبة وقلت اللهم أذهب الحرص عني فمررت بالقرشيين وغيرهم فلم يعطني أحد شيئا فجئت إلى أمي فحكيت لها ذلك فقالت والله لا تدخل بيتي حتى تذهب فتستقيل الله تعالى فرجعت فقلت يا رب قد سألتك أن تخرج الحرص من قلبي فأقلني ثم رجعت فلم أمر بمجلس من مجالس قريش وغيرهم إلا سألتهم وأعطوني ووهبوا لي غلاما فجئت إلى أمي بحمار موقور من كل شيء فقالت ما هذا فخفت إن أعلمتها أن تموت فقلت وهبوا لي غين قالت وما غين قلت لام قالت ويلك وما لام قلت ألف قالت وأي شيء ألف قلت ميم قالت وأي شيء ميم قلت غلام فسقطت مغشيا عليها ولو سميته أول سؤالها لماتت ورأى على عبد الله بن عمر كساء فقال سألتك بوجه الله إلا أعطيتني هذا الكساء فرماه له وكان يقول حدثني عبد الله بن عمر وكان يبغضني في الله
227 وكان أشعب يجيد الغناء وذكره إبراهيم الرقيق في كتابه وذكر له جملة أخبار رحمه الله تعالى 76 أبو عطاء السندي أفلح بن يسار هو أبو عطاء السندي مولى بن يأسد ومنشؤه بالكوفة وكان من مخضرمي الدولتين وكان أبوه سنديا أعجميا لا يفصح وكان في لسان أبي عطاء عجمة ولثغة وكان إذا تكلم لا يفهم كلامه ولذلك قال لسليم ابن سليم الكلب * أعوزتني الرواة يا بن سليم * وأبي أن يقيم شعري لساني * * وغلا بالذي أجمجم صدري * وجفاني لعجمتي سلطاني * * وازدرتني العيون إذ كان لوني * حالكا مجتوى من الألوان * * فضربت الأمور ظهرا لبطن * كيف أحتال حيلة لبياني * * وتمنيت أنني كنت بالشعر * فصيحا وكان بعض بياني * * ثم أصبحت قد أنخت ركبابي * عند رحب الفناء والأعطان * * فاعطني ما تضيق عنه رواتي * بفصيح من صالح الغلمان * * يفهم الناس ما أقول من اشعر * فإن البيان قد أعياني * * واعتمدني بالشكر يابن سليم * في بلادي وسائر البلدان * * سترى فيهم قصائد غرا * فيك سباقة بكل لسان * فأمر له بوصيف فسماه عطاء وتبنى به ورواه شعره فكان إذا أراد إنشاء مديح لمن يجتديه أو إنشاد شعر أمره فأنشد قيل إنه قال له يوما والأ منذ لدن دأوتأ وألت لبيأ ما أنت تصنأ يعني والك منذ لدن دعوتك وقلت لبيك ما كنت تصنع وشهد أبو عطاء حرب بني أمية وبني العباس وأبلى مع بني أمية وقتل غلامه عطاء مع ابن هبيرة وانهزم هو
228 وحكى المدائني أن أبا عطاء كان يقاتل المسودة وقدامه رجل من بني مرة يكنى أبا يزيد قد عقر فرسه فقال لأبي عطاء أعطني فرسك أقاتل عني وعنك وقد كانا أيقنا بالهلاك فأعطاه أبو عطاء فرسه فركبه المرى ومضى على وجهه ناجيا فقال أبو عطاء * لعمرك إنني وأبا يزيد * لكالساعي إلى لمع السراب * * رأيت مخيلة فطمعت فيها * وفي الطمع المذلة للرقاب * * فما أغناك عن طلب ورزق * وما أغناك عن سرق الدواب * * وأشهد أن مرة حي صدق * ولكن لست فيهم في النصاب * وعن المدائني أن يحيى بن زياد الحارثي وحماد الرواية كان بينهما وبين مسلم ابن هبيرة ما يكون بين الشعراء من النفاسة وكان مسلم يحب أن يطرح حمادا في لسان من يهجوه قال حماد فقال لي يوما بحضرة يحيى بن زياد أتقول لأبي عطاء السندي أن يقول زج وجرادة ومسجد بني شيطان قلت نعم فما تجعل لي على ذلك قال بغلتي بسرجها ولجامها فأخذت عليه بالوفاء موثقا وجاء أبو عطاء فجلس إلينا فقال مرهبا بكم هياكم الله فرحبنا به وعرضنا عليه العشاء فأبى وقال هل عندكم نبيذ فأتيناه بنبيذ كان عندنا فشرب حتى احمرت عيناه فقلنا له يا أبا عطاء كيف علمك باللغز فقال جيد فقلت * أبن لي إن سألت أبا عطاء * يقينا كيف علمك بالمعاني * فقال * خبيرا عالما فاسأل تجدني * بها طبا وآيات المثاني * فقلت * فما سام حديدة في رأس رمح * دوين الكعب ليست بالسنان * فقال * هو الزز الذي لو بات ضيفا * لصدرك لم تزل لك لوعتان * فقلت * 0 فما صفراء تدعى أمض عوف * كأن رجيلتيها منجلان * فقال * أردت زرادة وأقول حقا * بأنك ما عدوت سوى لساني *
229 فقلت * أتعرف مسجدا لبني تميم * فويق الميل دون بني أبان * فقال * بنو سيتان دون بني أبان * كقرب أبيك من عبد المدانش * قال حماد فرأيت عينيه قد ازدادت حمرة ورأيت الغضب فيوجهه وتخوفته فقلت يا أبا عطاء هذا مقام المستجير بك ولك نصف ما أخذته قال فأصدقني قال فأخبرته فقال أولى لك قد سلمت سليم لك جعلك خذه بورك لك فيه فلا حاجة لي إليه وانفلت يهجو مسلم بن هبيرة ووفد أبو عطاء ا لسندي على نصر بن سيار فأنشده * قالت بريكة بنتي وهي عاتبة * إن المقام على الإفلاس تعذيب * * ما بال هم دخيل بات محتضرا * رأس الفؤاد فنوم العين ترجيب * * إني دعاني إليك الخير من بلدي * والخير عند ذوي الأحساب مطلوب * فأمر له بأربعين ألف درهم وتوفي بعد الثمانين والمائة رحمه الله تعالى 77 علاء الدين الجاولي الطنبغا علاء الدين الجاولي مملوك ابن باخل كان عند الأمير علم الدين سنجر الجاولي دوادار لما كان بغزة وكان حسن الصورة تام القامة وكان الجاولي يحسن إليه ويبالغ في الإنعام عليه وكان إقطاعا يعمل عنده عشرين ألف درهم فملا شنع على الجاولي أن إقطاعات مماليكه تعم لنم العشرين إلى الثلاثين رآك الأجناد وأعطى لعلاء الدين المذكور إقطاع دون الذي كان بيده فتركه ومضى إلى مصر بغير علم الأمير علم الدين فراعى الناس خاطر مخدومه ولم يستخدمه أحد فأقام يأكل من حاصله بمصر زمانا ثم حضر إلى صفد فأكرم نزله الأمير سيف الدين أقطاي النائب بها وكتب له مربعه بإقطاع وتوجه إلى مصر فخرج عنه فأتى لي دمشق فأكرمه الأمير سيف الدين تنكز
230 وأعطاه إقطاعا بحلقة دمشق ووقع بينه وبين الأمير علم الدين بسببه وبقي بدمشق إلى أن أمسك الجاولي وحبس فلما فرج عنه توجه إليه وخدمه مدة ثم سيره إلى دمشق شادا على أوقاف المنصور الذي يختص بالبيمارستان المنصوري وكان نادرا في أبناء جنسه في الشكل المليح ولعب الرمح والفروسية والذكاء ولعب الشطرنج والنرد ونظم الشعر الجيد لا سيما في المقطعات فإنه يجيدها وله القصائد المطولة ويعرف فقها على مذهب الشافعي ويعرف أصولا ويبحث جيدا ولكنه سال ذهنه لما اجتمع بالشيخ تقى الدين بن تيمية ومال إلى رأيه ثم تراجع عن ذلك إلا بقايا وكان حسن العشرة لطيف الأخلاق فيه سماحة ومن شعره * سبح فقد لاح برق الثغر بالبرد * واستسق كأس الطلا من كف ذي ميد * * مستعرب اللفظ للأتراك نسبته * له على كل صولة الأسد * * يا عاذلي خلني فالحسن قلده * عقدا من الدر لا حبلا من المسد * * ويل لمن لامني فيه ومقلته * نفاثة النبل لا نفاثة العقد * له أيضا * خود زها فوق المراشف خالها * فلئن فتنت به فلست ألام * * فكأن مبسمها واسود خاله * مسك على كأس الرحيق ختام * وله أيضا * وبارد الثغر حلو * بمرشف فيه حوضه * * وخره في انتحال * يبدي من الضعف قوه * وله أيضا * ردفه زاد في الثقالة حتى * أقعد الخصر والقوام السويا * * نهض الخصر والقوام وقاما * وضعيفان يغلبان قويا * وله أيضا * تخاطبني خود فأبدى تصمما * فتكثر تكرار الخطاب وتجهر * * فأصغى لها أذنا وأظهر عجمة * لكيما أرى درا من الدر ينثر *
231 وله أيضا * وصالك والثريا في قران * وهجرك والجفا فرسا رهان * * فديتك ما حفظت لشؤم بختي * من القرآن إلا لن تراني وله أيضا * سل وميض البروق عن خفقاني * وعليل النسيم عن جثماني * * ولهيبالهجير عن نارقلبي * وخفى الخيال ضعن أجفاني * وله أيضا * عاد لمع البرق يخبر عنكم * أتى القبول مبشرا بقبولي * * فلأقدحن البرق من نار الحشا * ولأخلعن على النجوم نحولي * وله أيضا * أنهل مدمعها درا وفي فمها * در وبينهما فرق وتمثال * * لأن ذا جامد في الثغر منتظم * وذاك منتثر في الخد سيال * وله أيضا * جاءني الورد في بديع زمان * فقطعناه في منى وأمان * * ونهبنا فيه لذيذ وصال * وهتكنا فيه عروس الدنان * * وغلطنا فيه ببعض ليال * فخلطنا شعبان في رمضان * وتوفي بدمشق في ثامن ربيع الأول سنة أربع وأربعين وسبعمائة بعلة الاستسقاء رحمه الله تعالى 78 أيدمر المحيوي أيدمر المحيوي فخر الترك عتيق محيي الدين محمد بن محمد بن سعيد بن ندى قال ابن سعيد المغربي في كتاب المشرق في ترجمة هذا بأي لفظ أصفه ولو حشدت جيوش البلاغة لفضله لم أكن أنصفه نشأ في الدوحة السعيدية فنمت أزاهره وطلع بالسماء الندوية فتمت زواهره جمعت لإقرائه أعلام الفنون حتى خرج آية في كل فن وبرع في المنثور والموزون مع الطبع
232 الفاضل الذي عضده وبلغه من رياسة هذا الشأن ما قصده لا سيما حين سمعت قوله الذي أتى فيه بالإغراب وترك مهيار معلقا منه بالأهداب * بالله إن جزت الغوير فلا تغر * باللين منك معاطف الأغصان * * واستر شقائق وجنتيك هناك لا * ينشق قلب شقائق النعمان * وأورد له أيضا * ألروض مقتبل الشبيبة مونق * خضل يكاد غضارة يتدفق * * نثر الندى فيه لآليء عقده * فالزهر منه متوج وممنطق * * وارتاع من مر النسيم به ضحى * فغدت كمائم نوره تتفتق * * وسرى شعاع الشمس فيه فالتقى * منها زمنه سنا شموس تشرق * * والغصن مياس القوام كأنه * نشوان يصبح بالنسيم ويغبق * * والطير ينطق معربا عن شجوه * فيكاد يفهم عنه ذاك المنطق * * غردا يغني للغصون فتنثني * طربا جيوب الظل منه تشقق * * والنهر لما راح وهو مسلسل * لا يستطيع الرقص ظل يصفق * * وسلافة باكرتها في فتية * من مثلها خلق لهم تخلق * * شربت كثافتها الدهور فما ترى * في الكأس إلا جذوة تتألق * * يسعى بها ساق يهيج لي الهوى * ويرى سبيل العشق من لا يعشق * * تتنادم الألحاظ منه على سنا * خد تكاد العين فيه تغرق * * راق العيون غضاضة ونضارة * فهو الجديد ورق فهو معتق * * ورنا كما لمع الحسام المنتضى * ومشى كما اهتز القضيب المورق * * وأظلنا من فرعه وجبينه * ليل تألق فيه صبح مشرق * * وكأن مقلته تردد لفظة * لتقولها لكنها لا تنطق * * فإذا العيون تجمعت في وجهه * فاعلم بأن قلوبها تتفرق * وله أيضا * وافاك شهر الصوم يخبر أنه * جار بأيمن طائر ميمون * * ما زال يمحق بدره شوقا إلى * لقياك حتى عاد كالعرجون * وله أيضا * حللنا مقاما كلنا عبد ربه * فلا غرو أن نهدي له درر العقد *
233 وله أيضا * رعى الله ليلا ما تبدي عشاؤه * لأعيننا حتى تطلع صبحه * * كأن تغشيه لنا وانفراجه * لقربهما إطباق جفن وفتحه * وله أيضا * وأغر مصقول الأديم تخاله * زرت عليه جلابب من عسجد * * ذي منخر كفم المزادة زانه * خد قليل اللحم غير مخدد * * وكأنه نال المجرة وثبه * فرمته وسط جبينه بالفرقد * * صناه عن رسم الحديد فوسمه * بالشكر من نعم الوزير محمد * وله أيضا * حبذا الفسطاط من والدة * جنبت أولادها در الجفا * * يرد النيل إليها كدرا * فإذا مازج أهليها صفا * وله أيضا * كأنما الهالة حول بدرها * كمامة تفتقت عن زهرها * وله أيضا * كم لدينا همانيا * قد حوت محكم العمل * * فارغات من الدنا * نير ملأي من الأمل * وقال يرثى سما انكسر * ياسهم هاج رداك لي بلبالا * وأطار نومي والهموم أطالا * * لولاك ما راع الحمام حمامة * يوما ولا علق المنون غزالا * * ولطالما شوشت من سرب المها * ألفا ونم سطر الكراكي دالا * * قد كنت أعجب للقسى سقيمة * صفرا تئن كأنهن ثكالى * * فإذا بها علما بيومك في الردى * كانت عليك تكابد الأهوالا * * عجبا من الآجال كيف تقسمت * فيه وكان يقسم الآجالا * وله أيضا * وكأن نرجسها المضاعف خائض * في الماء لفض ثيابه في راسه * وقال أيضا * ذو قصر بين طويلين * قد اجتاز بنا *
234 * كأنه بينهما * دمامة نون لنا * وقال أيضا وقد ركب مولاه في البحر فانكسر المركب * غضب البحر من حجاب منيع * تحائل بينه وبين أخيه * * نزقته حمية الشوق حتى * خرق الحجب عله يلتقيه * وقال موشحة * بات وسماره النجوم ساهر * فمن ترى * علمك السهد يا جفون * * صب إلى مذهب التصابي * صابي * لا يعدل * * فجنبه خافق الجناب * نابى * مبلبل * * والطرف من دائم انسكاب * كأبي * مخبل * * لسانه للهوى كتوم * ساتر لما جرى * والشان أن تكتم الشؤون * * سباه مستملح المعاني * عانى * به البصر * * يذكره عن شدا الأغاني * غانى * إذا أذكر * * يقول ما ناظر رآني * رآني * إلا القمر * * يرن إلى وجهه الحليم * حائر * لما يرى مرأى به تفتن العين * * من أين للبدر في الكمال * مالي * فيوصف * * والغصن هل عطفه بحالي * حالي * مزخرف * * وعارض النقص للهلال * لالي * والكلف * * ولا فم الشمس منه ميم ظاهر * لمن قرا * ولا من الحاجبين نون * * ما كنت لولا درى بشاني * شاني * أخشى افتضاح * * أفدى الذي راح للمثاني * ثاني * عطف المراح * * أنا لئن صد أو جفاني * فأني * فلا جناح * * لما لوى الجيد قلت ريم نافر * ثم انبرى * يمشى كما تنثنى الغصون * * أيا نداماى إن بالي * بالي * فغردوا * * صوتا أنا عنه لانتقالي * قالي * فرددوا * * في رتب المجدوالمعالي * عالي * محمد * * دام له العز والنعيم * قاهر * مقتدرا يعز من شاء أو يهين *
235 وقد عارض هذا الموشح السراج المحار الحلبي بقوله * ما ناحت الورق في الغصون إلا * هاجت على * تغريدها لوعة الحزين * * هل ما مضى ليم ع الحبايب * آيب * بعد الصدود * * أم هل لأيامنا الذواهب * واهب * بأن تعود * * مع ك لمصقولة الترائب * كاعب * هيفاء رود * * تفتر عن جوهر ثمين جلا * أن يجتلى * يحمي بقضب من الجفون * * وأهيف ناعم الشمايل * مايل * في برده * * في أنفس العاشقين عامل * عامل * من قده * * يرنو بطرف إلى المقاتل * قاتل * في غمده * * أسطى من الأسد في العرين * فعلا واقتلا * لعاشقيه * من المنون * * قاسوه بالبدر وهو أحلى * شكلا * من القمر * * فراش هدب الجفون نبلا * أبلى * بها البشر * * وقال لي وهو قد تجلى * جلا * بارى الصور * * ينتصف البد رمن جبيني أصلا * فقلت لا * قال ولا السحر من عيوني * * علقته كامل المعاني * عانى * قلبي به * * مبلبل البال مذ جفاني * فاني * فيحبه * * كم بت من حيث لا يراني * رآني * لقربه * * وبات من صدغه يريني نملا * يسعى إلى * رضابه العاطر المصون * * بتنا وما نال ما تمنى * منا * طيب الوسن * * نفض من خمره لدنا * دنا * يشفى الحزن * * وكلما مال أو تثنى * غنى * صوتا حسن * * لا تستمع في هوى المجون * عذلا * وانهض إلى * راح تقى سورة الشجون * وكانت وفاة أيدمر المحيوي في شهور سنة 79 أيدمر السنائي هو عز الدين أيدمر بن عبد الله كان جنديا وله معرفة بتعبير الرؤيا والأدب وكانت وفاته في ربيع الآخر سنة سبع وسبعمائة
236 ومن شعره * تخذ النسيم لي الحبيب رسولا * دنف حكاه رقة ونحولا * * يجرى العيون من العيون صبابة * فتسيل في أثر الفريق سيولا * * ويقول من حسد له يا ليتني * كنت اتخذت مع الرسول سبيلا * وله أيضا * سفرت فخلت الصبح حين تبلجا * في جنح فود كالظلال إذا سجا * * فتانة فتاكة من طرفها * كم حاول القلب النجاة فما نجا * * نحلت نضير الغصن قامة قدها * وحبت مهاة الجزع طرفا أدعجا * * تفتر عن برد نقى برده * بالرشف حر حشاشتي قد أثلجا * * ما إن دخلت رياض جنة خدها * فرأيت عنها الدهر يوما مخرجا * * لما رشفت رحيق فيها ظاميا * ما ازددت إلا حرقة وتوهجا * * تعطو برخص طرفته بعندم * وتريك ثغرا كالأقداح مفلجا * * أنى نظرت إلى رياض جمالها * عاينت ثم مفوفا ومدبجا * * زارت وعمر الليل في غلوائه * فغدا من الشمس المنيرة أبهجا * * وسرى نسيم الروض ينكر إثرها * فتعرفت آثاره وتأرجا * ومن شعره أيضا * ورد الورد فأوردنا المداما * وأرح بالراح أرواحا هيامى * * وآجلها بكرا على خطابها * بنت كرم قد أبت إلا الكراما * * ذات ثغر جوهري وصفه * في رحيق رشفه يشفى الأواما * * برقعت باللؤلؤ الرطب على * وجنة كالنار لا تألو اضطراما * * أقبلت تسعى بها شمس الضحى * تخجل البدر إذا يبدو تماما * * بجفون بابلي سحرها * سقمها أهدى إلى جسمي السقاما * * ونضير الورد في وجنتها * نبته أنب في قلبي الغراما * * ودت الأغصان لما خطرت * لو حكت منها التثنى والقواما * * قال لي خال على وجنتها * حين ناديت أما تخشى الضراما * * منذ ألقيت بنفسي في لظى * خدها ألفيت بردا وسلاما *
237 ((حرف الباء)) 80 بكر بن النطاح بكر بن النطاح الحنفي قيل هو عجلي كان شاعرا حسن الشعر كثير التصرف فيه وكان صعلوكا يقطع الطريق ثم أقصر عن ذلك وكان كثيرا ما يصف نفسه بالشجاعة والإقدام وهو القائل * هنيئا لإخواني ببغداد عيدهم * وعيدي بحلوان قراع الكتائب * وأنشدها أبا دلف فقال له إنك لتصف نفسك بالشجاعة وما رأيت عندك لذلك أثرا فقال أيها الأمير وما ترى عند رجل حاسر أعزل فقال أعطوه سيفا ورمحا ودرعا وفرسا فأعطوه ذلك أجمع فأخذه وركب الفرس وخرج على وجهه فلقيه مال لأبي دلف يحمل إليه من بعض ضياعه فأخذه وجرح جماعة من غلمانه فهربوا وسار بالمال فلم ينزل إلا على عشرين فرسخا فلما اتصل خبره بأبي دلف قال نحن جدنينا على أنفسنا وكنا أغنياء عن إهاجته و كتب إليه بالأمان وسوغه المال وأمره بالقدوم عليه فرجع ولم يزل معه يمدحه حتى مات وكان قد لحق أبو دلف إنسانا قد أردف آخر خلفه فطعنها فشكهما بالرمح فتحدث الناس في ذلك فلما عاد دخل عليه بكر بن النطاح فأنشده * قالوا أينظم فارسين بطعنة * يوم اللقاء ولا يراه جليلا * * لا تعجبن لو كان مد قناته * ميلا إذن نظم الفوارس ميلا * فأمر له أبو دلف بعشرة آلاف درهم وله فيه * له راحة لو أن معشار جودها * على البر كان البر أندى من البحر * * ولو أن خلق الله في جسم فارس * وبارزه كان الخلي من العمر * * أبا دلف بوركت في كل بلدة * كما روكت في شهرها ليلة القدر *
238 وله فيه أيضا * إذا كان الشتاء فأنت شمسي * وإن حضر المصيف فأنت ظل * * وما تدري إذا أعطيت مالا * أيكثر في سماعك أم يمقل * فأعطاه عشرة آلاف درهم وقصد مالك بن طوق ومدحه فأثابه فلم يرضه فخرج من عنده وكتب رقعة وبعث بها إليه وفيها * فليت جدا مالك كله * وما يرتجى منه من مطلب * * أصيب بأضعاف أضعافه * ولم أنتجعه ولم أرغب * * أسأت اختياري فقل الثواب * لي الذنب جهلا ولم يذنب * فلما قرأها وجه جماعة فيطلبه وقال الويل لكم إن فاتكم فلحقوه وردوه فلما رآه قام إليه وتلقاه وقال يا أخي عجلت علينا وما كنا نقتصر على ذلك وإنما بعثت إليك نفقة وعولنا على ما يتلوها واعتذر إليه ثم أعطاه حتى أرضاه فقال بكر بن النطاح يمدحه * فتى جاد بالأموال من كل جانب * وأنهبها في عوده وبداته * * فلو خذلت أمواله جود كف * لقاسم من يرجوه شطر حياته * * فإن لم يجد في العمر قسمة باذل * وجاز له الإعطاء من حسناته * * لجاد بها من غير كفر بربه * وشاركهم في صومه وصلاته * وقال أيضا * كريم إذا ما جئت طالب فضله * حباك بما تحوي عليه أنامله * * ولو لم يكن في كفه غير نفسه * لجاد بها فليتق الله سائله * ومن شعره * بيضاء تسحب من قيام فرعها * وتغيب فيه وهو جثل أسحم * * فكأنها فيه نهار ساطع * وكأنه ليل عليها مظلم * وله أيضا * ملأت يدي من الدنيا مرارا * فما طمع العواذل في اقتصادي * * وما وجبت علي زكاة مال * وهل تجب الزكاة على جواد * وتوفي بكر بن النطاح في حدود المائتين
239 381 الصابوني بكر بن علي الصابوني قال ابن رشيق في الأنموذج كان شيخا معمرا شاعرا مطبوعا صاحب نوادر هجاء خبيثا وأقدر الناس على بديهة وكان تقي الشيبة والثياب حسن الصمت والخطاب وكان مولعا بأذى أبي بكر الوسطاني وضرب بينه وبين القاضي محمد بن عبد اله بن هاشم عداوة وكان سبب خرجه من القيروان ناجيا بروحه إلى مصر وكان قد صنع قبل ذلك قصيدة أولها * أمرض بالوعظ القلوب الصحاح * ما قاله الهاتف عند الصباح * * أيقظني من نومتي في الدجى * شخص سمعت القول منه كفاح * * يقول كم ترقد يا غافلا * والدهر إن لم يغد بالموت راح * * تركضن للدنيا كأن لا براح * منها وتغدو لا هيا في مزاح * * ما الدهر والأيام في مرها * إلا كبرق خاطف ثم راح * مدح فيها عبد الله بن محمد الكاتب بعد مواعظ كثيرة وهجا ابن الوسطاني أقبح هجاء وذكر أنه يستتر بالعزائم والرقى ويسر الفسق والزنى وأنشده إياه حذاء باب السلام بحضرة أشياح الدولة وكان الرأي الشاعر حاضرا وله عناية بابن الوسطاني فقال أتيت بشعر غيرك تسفه به على أهل الرتب بين يدي الملوك والله إنك مستحق العقوبة فقال أما قولك تسفه فسفه منك وقلة أدب لأني جئت محتسبا فيما يعلمه الله والقاضي وجماعة المسلمين وأما قولك أهل الرتب فتلك الرتبة التي اشتكينا بما سمعت لأنها رتبة مصحفة وأما قولك شعر غيرك فإن أذن لي أبو محمد عرفتك أنه شعري فقال عبد الله للراي ما ترى فقال ائذن له فقال شأنك فأنشد كأنه يحفظه * سألتك بالقمر الأزهر * وبالعين والحاجب الأنور * * وبالسيد الماجد المرتجى * لدفع المظالم والمنكر *
240 * حسام الخلافة وابن الحسام * ومنصورنا جوهر الجوهر * * أجرني من الناقص الأعور * فلولاك في الناس لم يذكر * * هو النحس حل به نحسه * فلا خلق أنحس من أعور * * إذا رام خيرا وما رامه * أبته له شيمة البربر * فقال الرأي قد انتقصت سيدنا العزيز بالله لأنه من البربر فقال لكر * لحا الله ناقصه بيننا * وإن كنت ذاك ولم تشعر * * وفي أي شيء تنقصته * وقد حل في البيت من حمير * فكأنما ألقمه حجرا ودخل إلى صاحب قيان فوجد جماعة من أصحابه يشربون منهم أبو حفص الكاتب ورأى برذونه قائما في السقيفة فقال كم لكم ههنا فقالوا كذا وكذا يوما فشرب نهاره أجمع وليلته وأراد الانصراف من الغد فافتقد رداءه ودراهم كانت معه وسأل القوم فما وقع على عين ولا أثر فقال لابن أبي حفص سألتك بالله إلا ما نزلت إلى هذا العبد الصالح فاستوهب لنا منه بأن يفضح الله سارقنا أو يجمع علينا ما راح منا فإنه صائم النهار قائم الليل قال أي عبد يكون هذا قال هو برذونك يا سيدي فضحك الجماعة وخرج وهو يقول * وغرفة نكس أعلاها * للفسق والعصيان أنشأها * * قد وضع الميزان في وسطها * وكنت من أول قتلاها * * من يعرف الله فلا يأتها * فما بها من يعرف الله * ومن هجائه * أذاب وال بسوسة مخي * يعرف بين الأنام بالفرخ * * يزعم عبد العزيز والده * وأير عبد العزيز مسترخى * وتوفي سنة تسع وأربعمائة وقد زاحم المائة رحمه الله تعالى وإيانا
241 82 ابن قوام أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام بن منصور بن معلى البالسي أحد مشايخ الشام كان شيخا زاهدا عابدا قانتا لله عديم النظير كثير المحاسن وافر النصيب من العلم والعمل صاحب أحوال وكراما ولد بصفين سنة أربعة وثمانين وخمسمائة ونشأ ببالس وكان حسن الأخلاق لطيف الصفات وافر الآدب والعقل دائم البشر كثير التواضع شديد الحياء متمسكا بالآداب الشرعية تخرج به غير واحد من العلماء والمشايخ وتلمذ له خلق كثير وقصد بالزيارة قال كنت في بدايتي تطرقني الأحوال كثيرا فأخبر شيخي بها فينهاني عن الكلام فيها ويقول متى تكلمت في هذا ضربتك بهذا السوط ويقول لا تلتفت إلى شيء من هذه الأحوال إلى أن قال لي سيحدث لك في هذه الليلة أمر عجيب فلا تجزع فذهبت إلى أمي وكانت ضريرة فسمعت صوتا من فوق فرفعت رأسي فإذا نور كأنه سلسلة متداخل بعضه في بعض فالتف على ظهري حتى أ؛ سست ببرده في ظهري فرجعت إلى الشيخ فأخبرته فحمد الله تعالى وقبلني بين عيني وقال الآن تمت عليك النعمة يا بني أتعلم ما هذه السلسلة قلت لا قال هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن لي في الكلام حينئذ قال حفيده حدثني الشيخ الإمام شمس الدين الخابوري قال سألت الشيخ عن قوله تعالى * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) * الأنبياء 98 فقد عبد عيسى وعزير فقال تفسيرها * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) * الأنبياء 101 فقلت له يا سيدي لا تعرف تكتب ولا تقرأ من أين لك هذا قال يا أحمد وعزة المعبود لقد سمعت الجواب فيها كما سمعت سؤالك وبعث إليه الملك الكامل على يد فخر الدين خمسة عشر ألف درهم فما قبلها وقال لا حاجة لنا بها أنفقها في جند المسلمين
242 وجاءته امرأة وقالت عندي دابة قد ماتت ومالي من يخرجها عني قال امضى وحصلي حبلا حتى أبعث من يجرها فمضت وفعلت فجاء بنفسه وجر الدابة فجاء الناس وجروها عنه وكان لا يدع أحدا يقبل يديه ويقول من أمكن من تقبيل يده نقص من حاله شيء وتوفي بقربة علم سنة ثمان وخمسين وستمائة ودفن بها فأوصى أن يدفن في تابوت وقال لابنه يا بني لا بد أن أنقل إلى الأرض المقدسة فنقل بعد اثنتي عشرة سنة إلى دمشق سنة سبعين ودفن بزاويته أسفل عقبة دمر رحمه الله تعالى 83 الملك الأمجد بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب السلطان الملك الأمجد مجد الدين أبو المضفر صاحب بعلبك ولي بعلبك بعد أبيه وكان أديبا فاضلا شاعرا له ديوان شعر موجود بأيدي الناس أخذت منه بعلبك سنة سبع وعشرين وستمائة أخذها منه الأشرف موسى وسلمها إلى أخيه الصالح إسماعيل فقدم الأمجد إلى دمشق وأقام بها قليلا وقتله مملوك له مليح في أوائل سنة ثمان وعشرين وستمائة ودفن بتربة والده على الشرف الشمالي وكان سبب قتله أنه كان له غلام محبوس في خزانة في الدار فجلس ليلة يلهو بالنرد فولع الغلام برزة الباب فقلعها وهجم على الأمجد وهو غافل مشتغل باللعب فقتله وهرب ورمى بنفسه من السطح فمات وقيل لحقه المماليك عند وقعته فقطعوه بالسيوف وقيل رآه بعض أصحابه في المنام فقال له ما فعل الله بك فقال * كنت من ذنبي على وجل * زال عني ذلك الوجل * * أمنت نفسي بوائقها * عشت لما مت يا رجل *
243 ومن شعره * دعوت بماء في إناء فجاءني * غلام بها صرفا فأوسعته زجرا * * فقال هو الماء ألقراح وإنما * تجلى لها خدي فأوهمك الخمرا * وكتب إليه الشيخ تاج الدين الكندي * لا تضجرنكم كتبي وإن كثرت * فإن شوقي أضعاف الذي فيها * * والله لو ملكت كفي مسالمة * من الليالي التي حظي يحاكيها * * لما تصرم لي في غير داركم * عمر ولامت إلا في نواحيها * فأجابه الأمجد * إنا لتتحفنا بالأنس كتبكم * وإن بعدتم فإن الشوق يدنيها * * وكيف نضجر منها وهي مذهبة * من وحشة البين لوعات نعانيها * * فإن وصفتم لمنا فيها اشتياقكم * فعندنا منكم أضعاف ما فيها * * سلوا نسيم الصبا يهدي تحيتنا * إليكم فهو يدري كيف يهديها * ومن شعره * طوبى لقيمنا أحنى على قمر * يجلو براحته عن وجهه الكلفا * * أو درة كمنت فيخدرها فغدا * يفض باللطف عن أنوارها الصدفا * وأورد له القوصى في معجمه * أما هواك وإن تقادم عهده * فشفيع وجهك ما يزال يجده * * لا تحسبن على التقاطع والنوى * ينساك مشتاق تعاظم وجده * * يهواك ما هب النسيم وحبذا * نفح النسيم الحاجري وبرده * * ما كان يكلف بالرياح صبابة * لولا تجنيه ولولا بعده * * تسري إليه بنفحة من عقده * إن المنى فيما تضمن عقده * * ماذا الملام مع الغرام وفي الحشا * منه لهيب هوى تضرم وقده * * أيروم عاذله المضلل رده * عن رأيه هيهات خيب قصده * * ماذا عليه إذا تضاعف ما به * حتى يعود وقد تناهى حدثه *
244 * إن الهوى طمع يولد جاءه * أمل يقويه الهوى ويمده * * فلكم تملك رق حر عنوة * أمسى وأصبح وهو فيه عبده * * وبأيمن الوادي غزال أراكة * أصبو إليه وإن تزايد صده * * يختال والأغصان تعطفها الصبا * فيغار منه إذا تمايل قده * * والأقحوان إذا تبسم ثغره * والورد مطلول الجوانب خده * * قد كان شوقني الوصال وليته * من بعد مطل أن ينجز وعده * وله أيضا * قولوا لجيران العقيق والنقا * حتام تهدون إلينا القلقا * * يا ساكني قلبي عسى مبشر * يخبرني متى يكون الملتقى * * ما لبقائي بعد بعدي عنكم * معنى فإن لقيتكم طاب البقا * * أشقاني الدهر فإن أسعدني * بجمع شملي بكم زال الشقا * * أهواكم وأتقى وقلما * يجمع ما بين الغرام والتقى * * حبكم سفينة ركبتها * مأمونة فكيف أخشى الغرقا * * حاشا لمن أصبح يرجو الوصل أن * يمسى بنار هجركم محترقا * وله أيضا * يمينا لقد بالغت يا خل في العذل * وما هكذا فعل الأخلاء بالخل * * إذا أنت لم تسعد خليلك في الهوى * فذره لقد أمسى عن العذل في شغل * * ولا تحسبن اللوم يذهب وجده * فلومك بالمحبوب يغرى ولا يسلى * * وما كنت ممن يذهب الوجد حزمه * لعمرك لولا أسهم الأعين النجل * 84 بهلول المجنون بهلول بن عمرو أبو وهيب الصيرفي المجنون من أهل الكوفة حدث عن أيمن بن نابل وعمرو بن دينار وعاصم بن أبي النجود وكان من عقلاء المجانين ووسوس وله كلام مليح ونوادر وأشعار واستقدمه الرشيد أو غيره من الخلفاء ليسمع كلامه توفي في حدود التسعين والمائة
245 قال الأصمعي رأيت بهلولا قائما ومعه خبيص فقلت له أي ش معك قال خبيث فقلت أطعمني قال هو ليس لي قلت لمن هو قال هو لحمدونة بنة الرشيد بعثته لي آكله لها وقال محمد بن أبي إسماعيل بن أبي فديك رأيت بهلولا في بعض المقابر وقد أدلى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب فقلت ما تصنع ههنا قال أجالس أقواما لا يؤذوني وإن غبت لا يغتابوني فقلت قد علا السعر مرة فهل تدعو الله فيكشف عن الناس فقال والله ما أبالي ولو كان حبة بدينار لله علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا ثم صفق يده وأنشأ يقول * يا من تمتع بالدنيا وزينتها * ولا تنام عن اللذات عيناه * * شغلت نفسك فيما لست تدركه * تقول لله ماذا حسن تلقاه * وقال الحسن بن سهل رأيت الصبيان يرمون بهلولا بالحصى فأدمته حصاة فقال * حسبي الله توكلت عليه * من نواصي الخلق طرا بيديه * * ليس للهارب في مهربه * أبدا من راحة إلا إليه * * رب رام لي بأحجار الأذى * لم أجد بدا من العطف عليه * فقلت له تعطف عليهم وهم يرمونك فقال اسكت لعل الله يطلع على غمى ووجعي وشدة فرح هؤلاء فيهب بعضنا لبعض وقال عبد الله بن عبد الكريم كان لبهلول صديق قبل أن يجن فلما أصيب بعقله فارقه صديقه فبينما بهلول يمشي في بعض طرقات البصرة إذا رأى صديقه فلما رآه صديقه عدل عنه فقال بهلول * أدن مني ولا تخافن غدري * ليس يخشى الخليل غدر الخليل * * إن أدنى الذي ينالك مني * ستر ما يتقي وبث الجميل * قال الفضل بن سليمان كان بهلول يأتي سليمان بنعلي فيضحك منه ساعة
246 ثم ينصرف فجاءه يوما فضحك منه ساعة ثم قال عندك شيء نأكل فقال لغلامه هات لبهلول خبزا وزيتونا فأكل ثم قام لينصرف وقال لسليمان يا صاحب إن جئنا إلى بيتكم يوم العيد يكون عندكم لحم فخجل سليمان وجاء إلى بعض أشراف الكوفة وقال له أشتهي آكل عسلا بسرقين فدعا بهما فأكل من العسل وأمعن فيه فقال له الرجل لم لا تأكل السرقين كما قلت قال العسل وحده أطيب وعبث به الصبيان يوما ففر منهم والتجأ إلى دار بابها مفتوح فدخلها وصاحب الدار قائم له ضفيرتان فصاح به ما أدخلك داري فقال * (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض) * الكهف 94 وسأله يوما علي بن عبد الصمد البغدادي هل قلت شيئا في رقة البشرة فقال اكتب * أضمر أن أضمر حبي له * فيشتكي إضمار إضماري * * رق فلو مرت به ذرة * لخضبته بدم جاري * فقال أريد أرق من هذا أيها الأستاذ فقال نعم وما أظنه اكتب * شبهته قمرا إذ مر مبتسما * فكاد يجرحه التشبيه أو كلما * ومرض في خاطري تقبيل وجنته * فسيلت فكرتي في وجنتيه دما * فقال أريد أرق من هذا فقال يا بن الفاعلة أرق من هذا كيف يكون رويدك لأنظر إن كان قد طبخ في المنزل حريرة أرق من هذا رحمه الله تعالى 85 الفرنسيس الإفرنجي بولش الإفرنجي المعروف بالفرنسيس أجل ملوك الإفرنج وأعظمهم قدرا وأكثرهم عساكر وأموالا وبلادا قصد الديار المصرية واستولى على طرف منها
247 وملك دمياط سنة سبع وأربعين وستمائة واتفق موت الملك الصالح نجم الدين أيوب وتملك المعظم توران شاه الآتي ذكره في موضعه وأسر الفرنسيس فبقى في أيدي المسلمين مدة ثم أطلق بعد تسليم دمياط إلى المسلمين وتوجه إلى بلاده وفي قلبه النار مما جرى عليه من ذهاب أمواله وقتل رجاله وأسره فبقيت نفسه تحدثه بالعود إلى مصر لأخذ ثأره فاهتم بذلك اهتماما عظيما في مدة سنين إلى سنة ستين وستمائة فقصد مصر فقيل له إن قصدت مصر ربما يجري لك مثل النوبة الأولى والصواب أن تقصد تونس وكان ملكها محمد بن يحيى الملقب ب المستنصر فإنك إن ظفرت به تمكنت من قصد مصر في البر والبحر فقصد تونس وكاد يستولى عليها ومعه جماعة من الملوك فأوقع الله في عسكره وباء عظيما فهلك الفرنسيس سنة إحدى وستين وستمائة ورجع من بقي من عسكره إلى بلادهم ووصلت البشرى بذلك إلى الملك الظاهر ولما أسر الفرنسيس نوبة دمياط تسلمه الطواشي جمال الدين صبيح المعظمي ووضع في رجليه قيدا وسجنه في الدار التي كان فيها فخر الدين بن لقمان كاتب الإنشاء فلذلك قال الصحاب جمال الدين بن مطروح لما بلغ المسلمين عودة الفرنسيس في المرة الثانية * قل للفرنسيس إذا جئته * مقال حق من مقول فسيح * * آجرك الله على ما جرى * من قتل عباد يسوع المسيح * * أتيت مصر تبتغي ملكها * تزعم أن الزمر يا طبل ريح * * فساقك الحين إلى أدهم * ضاق به عن ناظريك الفسيح * * وكل أصحابك أوردتهم * بسوء أفعالك بطن الضريح * * خمسون ألفا لا يرى منهم * إلا قتيل أو أسير جريح * * وفقك الله لأمثالها * لعل عيسى منكم يستريح * * إن كان بابكم بذا راضيا * فرب غش قد أتى من نصيح * * وقل لهم إن أضمروا عودة * لأخذ ثأر أو لقصد صحيح * * دار ابن لقمان على حالها * والقيد باق والطواشي صبيح * واشتهرت هذه الأبيات وسارت بها الركبان خصوصا البيت الأخير فلهذا
248 قال بعض المغاربة لما قدم الفرنسيس تونس * يا فرنسيس هذه أخت مصر * فتيقن لما إليه تصير * * لك فيها دار ابن لقمان قبر * وطواشيك منكر ونكير * وقال آخر في المعنى الأول أيضا * قل للفرنسيس إن كلا * له من المسلمين شاكر * * لأنه محسن إلينا * بقوده نحونا العساكر * * ساق إلى مصر ما اقتناه * أمة عيسى من الذخائر 9 * * وأورد الجمع بحر حرب * مصدره بالمنون آخر * * أركبهم أدهما خضما * ورابح الشر فهو خاسر * * ورام باباهم أمورا * فأخلفت ظنه المقادر * * وأذهل القوم هول حرب * تشخص من خوفه النواظر * * لم تعم أبصارهم ولكن * قد عميت منهم البصائر * * ولم يفد وفق فيلسوف * طلسمه كاهن وساحر * * فإن يعد طالبا لثار * من أرض دمياط فليبادر * * فذلك البحر تعرفوه * والسيف ماض والجيش حاضر * * أعاده الله عن قريب * لمثلها إنه لقادر * * بحيث لا يبق للنصارى * من بعد كسر الصليب جابر * * ويستريح المسيح منهم * من كل علج وكل كافر * 86 الحبيس الراهب بولص الراهب المعروف بالحبيس كان كاتبا أولا ثم ترهب وانقطع في جبل حلوان بالديار المصرية يقال إنه ظفر بمال دفين في مغارة فواسي به الفقراء من كل ملة وقام عن المصادرين بجملة وافرة وكان أول ظهور أمره أنه وقعت نار بحارة الباطلية سنة ثلاث وستين وستمائة فأحرقت ثلاثا وستين دارا جامعة ثم كثر الحريق بعد ذلك حتى أحرقت
249 ربع فرج وكان وقفا على أشراف المدينة والوجه المطل على النيل من ربع العادل واتهم بذلك النصارى فعزم الملك الظاهر على استئصال النصارى واليهود وأمر بوضع الحلفا والأحطاب في حظيرة كانت في القلعة وأن تضرم النار فيها ويلقى فيها اليهود والنصارى فجمعوا حتى لم يبق منهم إلا من هرب وكتفوا ليرموا فيها فشفع فيهم الأمراء فأمر أن يشتروا أنفسهم فقرر عليهم في كل سنة خمسمائة ألف دينار وضمنهم الحبيس المذكور وحضر موضع الجباية منهم فكان كل من عجز عما قرر عليه وزن الحبيس عنه سواء إن كان يهوديا أو نصرانيا وكان يدخل الحبوس ومن كان عليه دنيا وزنه عنه وسافر إلى الصعيد وإلى الإسكندرية ووزن عن النصارى ما قرر عليهم وكان للناس به رفق وكان الناس قد عرفوه فكان بعض الناس يتحيل عليه فإذا رآه قد دخل المدينة أخذ معه اثنين صورة ا، هما من رسل القاضي أو المتولى وأخذا يضربانه ويجذبانه فيستغيث به يا أبونا يا أبونا فيقول ما باله فيقولان عليه دين واشتكت عليه زوجته فيقول على كم فيقال على ألفين أو أقل أو أكثر فيكتب له على شقفة أو غيرها إلى بعض الصيارف بذلك المبلغ فيقبضه منه وقيل إن مبلغ ما وصل إلى السلطان وما واسى به الناس في مدة سنتين ستمائة ألف دينار مضبوطة بقلم الصيارف الذي كان يجعل عندهم المال وذلك خارجا عما كان يعطى من يده وكان لا يأكل من هذا المال ولا يشرب بل النصارى يتصدقون عليه بمؤنته فلما كان سنة ست وستين وستمائة أحضره الملك الظاهر بيبرس وطلب منه المال أن يحضره أوي عرفه من أين وصل إليه فجعل يغالطه ويدافعه ولا يفصح له عن شيء فعذبه حتى مات ولم يقدر بشيء وأخرج من قلعة الجبل ورمى ظاهرها على باب القرافة وكانت قد وصلت إلى الظاهر فتاوى فقهاء الإسكندرية بقتله وعللوا ذلك بخوف الفتنة من ضعفاء النفوس من المسلمين
250 87 الملك الظاهر بيبرس بن عبد الله السلطان الأعظم الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح الصالحي قال عز الدين محمد بن علي بن إبراهيم بن شداد أخبرني الأمير بدر الدين بيبرس أن مولد الملك السلطان الظاهر بأرض القبجاق سنة خمس وعشرين وستمائة تقريب وكانت الغيارة قد أغارت على القبجاق فأسروا جماعة وكنت أنا والظاهر فيمن أسر فبيع فيمن بيع وحمل إلى سيواس فاجتمعت به في سيواس ثم افترقنا واجتمعت به في حلب بخان ابن قليج ثم افترقنا وحمل إلى القاهرة فشراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري وبقي عنده فلما قبض عليه الملك الصالح نجم الدين أيوب أخذ الملك الظاهر في جملة ما استرجعه وقدمه على طائفة من الجمدارية فلما مات الصالح وملك بعده المعظم وقتل وولوا عز الدين أيبك التركماني وقتل الفارس أقطاي الجمدار ركب الظاهر والبحرية وقصدوا القلعة فلم ينالوا مقصودا فخرجوا من القاهرة مجاهرين بالعداوة للتركماني مهاجرين إلى الملك الناصر صاحب الشام وكان مع الظاهر بلبان الرشيدي وأزدمر السيفي وسنقر الرومي وسنقر الأشقر وبيسرى الشمس وقلاوون الألفي وبلبان المستعرب وغيرهم فأكرمهم الملك الناصر وأطلق للظاهر ثلاثين ألف درهم وثلاثة قطر بغال وثلاثة قطر جمال وخيلا وملبوسا وفرق في البقية الأموال والخلع وكتب إليه المعز أيبك يحذره منهم فلم يصغ إليه وعين للظاهر إقطاعا بحلب فسأله العوض عن ذلك بزرعين وجنينين فأجابه فتوجه إليهما ثم خاف الناصر فتوجه بمن معه من خوشداشيته إلى الكرك فجهز صاحبها معه عسكرا إلى مصر فخرج إليهم عسكر من مصر فكسروهم ونجا الظاهر وبيليك الخازندار إلى الكرك
251 وتواترت إليه كتب المصريين يحرضونه على قصد مصر وجاء إليه جماعة من عسكر الناصر وخرج عسكر مصر مع الأمير سيف الدين قطز وفارس الدين أقطاي المستعرب فلما وصل المغيث صاحب الكرك والظاهر إلى غزة انعزل إليهما من عسكر مصر أيبك الرومي وبلبان الكافري وسنقر شاه العزيزي وبدر الدين بن خان بغد وأبيك الحموي وهارون القيمري واجتمعوا فقوبت شوكة الظاهر وتوجهوا إلى الصالحية والتقيا بعسكر مصر سنة ست وخمسين واستظهروا عليهم ثم انكسر الظاهر والمغيث وهربا واسر جماعة وقتلوا صبرا ممن ذكرته أولا ثم حصل بين الظاهر والمغيث وحشة ففارقه وعاد إلى الناصر على أن يقطعه خبز مائة فارس من جملتها نابلس وجينين وزرعين فأجابه إلى ذلك ومعه جماعة حلف لهم الناصر منهم بيسرى الشمسي وأوتامش السعدي وطيبرس الوزيري وأقوش الرومي الدوادار وكشتغدى الشمسي ولا جين الدرفيل وأيدغمش الحلبي وأيبك الشيخي وخاص ترك الصغير وبلبان المهراني وسنجر الإسعردى وسنجر الهمامي وجماعة فأكرمهم ووفى لهم فما قبض قطز على ابن أستاذه حرض الملك الظاهر الملك الناصر على قصد مصر فلم يجبه فسأله أن يقدمه على أربعة آلاف فارس أو يقدم غيره ليتوجه إلى شط الفرات ليمنع التتار من العبور فلم يمكنه ففارقه وتوجه إلى الشهرزورية وتزوج منهم ثم جهز إلى المظفر إلى لقائه وأنزله في دار الوزارة وأقطعه قصبة قيلوب لخاصته فلما خرج المظفر قطز من استحلفه له وعاد إلى القاهرة ودخلها سنة ثمان وخمسين فخرج المظفر إلى للقاء التتار جهز الظاهر في عسكر لكشف أخبارهم فأول ما وقعت عينه عليهم ناوشهم القتال ولما انقضت الوقعة بعين جالوت تبعهم الظاهر يقتص آثارهم إلى
252 حمص وعاد فوافي المظفر بدمشق ولما عاد المظفر إلى مصر اتفق الظاهر مع الرشيدي وبهادر المعزى وبكتوت الجوكنداري وبيدغان الركني وبلبان الهاروني وأنس الأصفهاني على قتل المظفر فقتلوه على الصورة التي تذكر في ترجمته إن شاء الله وساقوا إلى الدهليز فبايع الأمير فارس الدين أتابك للملك الظاهر وحلف له ثم الرشيدي ثم الأمراء وركب معه الأتابك وبيسرى وقلاوون وجماعة من خواصه ودخل قلعة الجبل سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وجلس في إيوان القلعة وكتب إلى الأشرف صاحب حمص وإلى المنصور صاح بحماة وإلى مظفر الدين صاحب صهيون وإلى الإسماعيلية وإلى علاء الدين ابن صاح بالموصل نائب حلب وإلى من بالشام يعرفهم ما جرى وأفرج علي من في الحبوس من أصحاب الجرائم وأقر الصاحب زين الدين بن الزبير على الوزارة وكان قد تلقب بالملك القاهر فقال له الصاحب زين الدين ما لقب أحد بالملك القاهر فأفلح لقب به القاهر بن المعتضد فلم تطل أيامه ثم خلع وسملت عيناه ولقب به الملك القاهر ابن صاحب الموصل فسم ولم تطل أيامه فأبطله ولقب بالظاهر وزاد إقطاعات من رأى استحقاقه من الأمراء وخلع عليهم وسير أقوش المحمدي بتواقيع الأمير علم الدين الحلبي فوجده قد تسلطن بدمشق فشرع الظاهر في استفساد من عنده فخرجوا عله ونزعوه من السلطنة وتوجه إلى بعلبك فأحضروه منها وتوجهوا به إلى مصر وصفا الملك بالشام للملك الظاهر وضبط الأمور وساس الملك أتم سياسة وفتح الفتوحات وباشر الحروب بنفسه وكان جبارا في الأسفار والحصارات والحروب وخافه الأعادي من التتار والفرنج وغيرهم لأنه روعهم بالغارات والكبسات وخاض الفرات بنفسه
253 فألقت العساكر بأنفسها خلفه ووقع على التتار فقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر مائتي نفس وفي ذلك قال محيي الدين بن عبد الظاهر * تجمع تجيش الشرك من كل فرقة * وظنوا بأنا لا نطيق لهم غلبا * * وجاءوا إلى شاطي الفرات وما دروا * بأن جياد الخيل تقطعها وثبا * * وجاءت جنود الله في العدد التي * تميس لها الأبطال يوم الوغى عجبا * * فعمنا بسد من حديد سباحة * إليهم فما اسطاع العدو له نقبا * وقال بدر الدين يوسف بن المهمندار * لو عاينت عيناك نزالنا * والخيل تطفح في العجاج الأكدر * * وقد اطلخم الأمر واحتدم الوغى * ووهى الجبان وساء ظن المجترى * * لرأيت سدا من حديد ما يرى * فوق الفرات وفوقه نار ترى * * طفرت وقد منع الفوارس مدها * تجري ولولا خيلنا لم تطفر * * ورأيت سيل الخيل قد بلغ الزبى * ومن الفوارس أبحرا في أبحر * * لما سبقنا أسهما طاشت لنا * منهم إلينا بالخيول الضمر * * لم يفتحوا للرمى منهم أعينا * حتى كحلن بكل لدن أسمر * * فتسابقوا هربا ولكن ردهم دون الهزيمة رمح كل غضنفر * * ما كان أجرى خيلنا في إثرهم * لو أنها برءوسهم لم تعثر * * كم قد فلقنا صخرة من صخرة * ولكم ملأنا محجرا من محجر * * وجرت دماؤهم على وجه الثرى * حتى جرت منها مجاري الأنهر * * والظاهر السلطان في آثارهم * يذرى الرؤوس بكل عضب أبتر * * ذهب الغبار مع النجيع بصقله * فكأنه في غمده لم يشهر * وقال ناصر الدين حسن بن النقيب * ولما تراءينا الفرات بخيلنا * سكرناه منا بالقرى والقوائم * * فأوقفت التيار عن جريانه * إلى حيث عدنا بالغنى والغنائم *
254 وقال الحكيم موفق الدين عبد الله بن عمر المعروف بالورن * الملك الظاهرسلطاننا * نفديه بالمال وبالأهل 9 * * اقتحم الماء ليطفى به * حرارة القلب من المغل * وقال الشيخ شهاب الدين محمود من قصيدة * لما تراقصت الرؤوس وحركت * من مطربات قسيك الأوتار * * خضت الفرات بسابح أقصى منى * هوج الصبان نعله الآثار) * حملتك أمواج الفرات ومن رأى * بحرا سواك تقله الأنهار * * وتقطعت فرقا ولم يك طودها * إذ ذاك إلا جيشك الجرار * * رشت دماؤهم الصعيد فلم يطر * منهم على الجيش السعيد غبار * * شكرت مساعيك المعاقل والورى * والترب والآساد والأطيار * * هذي منعت وهؤلاء حميتهم * وسقيت تلك وعم ذي الإيثار * وعمر الجسور الباقية إلى اليوم بالساحل والأغوار وأمن الناس في أيامه فلما عاد من وقعة البلستين أقام بالقصر الأبلق في دمشق فأحس في نفسه توعكا فشكا ذلك إلى الأمير شمس الدين سنقر السلحدار وكان قد شرب القمز فأشار عليه بالقيء فاستدعاه فاستعصى عليه فلما كان ثاني يوم وهو يوم الجمعة ثاني عشرين المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ركب من القصر إلى الميدان على عادته والألم يقوى عليه فلما أصبح اشتكى حرارة في باطنه فصنعوا له دواء فشربه فلم ينجع فلما حضروا الأطباء أنكروا استعماله الدواء واجمعوا على أن يسقوه مسهلا فسقوه فلم ينجع فحركوه بدواء آخر فأفرط الإسهال به ودفع دما محتقنا فتضاعفت حماه وضعفت قواه فتخيل خواصه أن كبده تتقطع وأن ذلك عن سم شربه فعلوج بالجوهر وذلك يوم عاشره ثم أجهده المرض إلى أن توفي يوم الخميس ثامن عشرين المحرم سنة ست وسبعين وستمائة فأخفوا موته وحمل إلى القلعة ليلا وغسلوه وحنطوه وصبروه وكفنه مهتاره الشجاع عنبر والفقيه كمال الدين المعروف بابن المنجبى وعز
255 الدين الأفرم وجعلوه في تابوت وعلقوه في بيت من بيوت البحرة بقلعة دمشق وكتب الأمير بدر الدين بيليك الخازندار مطالعة بيده إلى ولده الملك السعيد وركب الأمراء يوم السبت ولم يظهروا الحزن وكان الظاهر قد أوصى أن يدفن على السابلة قريبا من داريا وأن يبنى عليه هناك فرأى الملك السعيد أن يدفنه داخل السور فابتاع دار العقيقي بثمانية وأربعين ألف درهم وأمر أن تبنى مدرسة للشافعية والحنفية ودار حديث وقبة للدفن ولما نجزت حضر الأمير علم الدين سنجر الحموي المعروف بأب يخرص والطواش صفى الدين دوهر الهندي إلى دمشق لدفن الملك الظاهر وكان النائب عز الدين أيدمر فعرفاه ما رسم به الملك السعيد فحمل تابوته ليلا ودفن خامس شهر رجب الفرد من السنة فقال محيي الدين بن عبد ا لظاهر * صاح هذا ضريحه بين جفنيي * فزوروا من كل فج عميق * * كيف لا وهو من عقيق جفوني * دفنوه منها بدار العقيقي * وفي سنة سبع وسبعين عملت أعزيته بالديار المصرية ونصبت الخيام العظيمة وصنعت الأطعمة الفاخرة واجتمع الخاص والعام وحضر القراء والوعاظ وخلع عليهم وأجيزوا بالجوائز السنية ذكر أولاده رحمه الله تعالى الملك السعيد ناصر الدين بركة وأمه بنت حسام الدين بركة خان الخوارزمي والملك نجم الدين خضر وأمه أم ولد والملك بدر الدين سلامش وله من البنات سبع من بنت سيف الدين ماجي التتري ذكر فتوحاته قيسارية أرسوف صفد طبرية يافا الشقيف أنطاكية بغراس القصير حصن الأكراد حصن عكار القرين صافيتا مرقبة حلبا
256 وناصف الفرنج على المرقب وبليناس وبلاد أنطرسوس وعلى سائر ما بقي في أيديهم من البلاد والحصون وولى في نصيبه الولاة والعمال واستعاد من صاحب سس دربساك ودركوش وبليس وكفردنين ورعبان والمرزبان وملك من المسلمين دمشق وبعلبك وعجلون وبصرى وصرخد والصلت وحمص وتدمر والرحبة وزلبيا وتل باشر وصهيون وبلاطنس وبرزيه وحصون الإسماعيلية والشوبك والكرك وشيزر والبيرة وفتح الله عليه بلاد النوبة ودنقلة وغيرها ذكر عمائره رحمه الله تعالى عمر بقلعة الجبل دار الذهب وبرحبة الحبارج قبة عظيمة محمولة على إثنى عشر عمودا من الرخام الملون وطبقتين مطلتين على رحبة الجامع وعمر برج الزاوية المجاور لباب السر وأخرج منه رواشن وبنى عليه قبة وأنشأ جواره طباقا للماليك وأنشأ برحبة القلعة دارا كبيرة لولده الملك السعيد وأنشأ دورا كثيرة للأمراء ظاهر القاهرة مما يلي القلعة وإصطبلات وأنشأ حماما بسوق الخيل لولده والجسر الأعظم والقنطرة التي على الخليج والميدان وجدد الجامع الأقمر والجامع الأزهر وبنى جامع العافية بالحسينية أنفق عليه ألف ألف درهم وزاوية للشيخ خضر وحماما وطاحونا وفرنا وقبة على المقياس مزخرفة وعدة جوامع في الأعمال المصرية وجدد قلعة الجزيرة وقلعة العمودين ببرقة وقلعة السويس وعمر جسرا بالقليوبية وجدد الجر الأعظم على بكرة الفيل وأنشأ القنطرة المعروفة بقنطرة السباع التي أخرها الملك الناصر بن قلاوون بعده وقنطرة على بحر ابن منجي لها سبعة أبواب وقنطرة بمنية الشيرج وقنطرة عند القصير بسبعة أبواب وستة عشر قنطرة تسلك منها إلى
257 دمياط وقنطرة على خليج القاهرة للمرور عليها إلى الميدان وقنطرة عظيمة على خليج الإسكندرية وحفر خليج الإسكندرية وكان ارتدم وحفر بحر أشموم وكان قد عمي وحفر ترعة الصلاح وخور سرسخا وحفر المحايري والكافوري وترعة كيساد وزاد فيها قصبة وحفر بحر الصمصام وحفر بحر السردوس وحفر في ترعة أبي الفضل ألف قصبة وتمم عمارة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل منبره وأحاط بالضريح درابزينا وذهب سقفه وبيضه وجدد البيمارستان بالمدينة ونقل إليه سائر المعاجبين والأكحال والأشربة وبعث إليه طبيبا من الديار المصرية وجدد قبة الخليل عليه السلام ورمم شعثه وأصلح أبوابه وميضأته وبيضه وزاد في راتبه المجري عليه وعلى قوامه ومؤذنيه ورتب له من مال البلد ما يجري على الواردين عليه والمقيمين به وجدد بالقدس الشريف ما كان تداعى من قبة الصخرة وجدد قبة السلسلة وزخرفها وأنشأ خانا للسبيل وبنى به مسجدا وطاحونا وبستانا وفرنا وبنى على قبر موسى عليه السلام قبة ومسجدا وهو عند الكثيب الأحمر ووقف عليه وقفا ش وجدد بالكرك برجين كانا صغيرين فهدمهما وكبرهما وعلاهما ووسع مشهد جعفر الطيار ووقف عليه وقفا زيادة على وقفه وعمر جسر دامية بالغور ووقف عليه وقفا برسم ما عساه يتهدم من عمارته وأنشأ جسورا كثيرة بالساحل والغور وعمر قلعة قاقون وبنى بها جامعا ووقف عليه وقفا وبنى حوض السبيل وجدد جامع الرملة وأصلح مصالحها وأصلح جامع زرعين وما عداه من جميع البلاد الساحلية وجدد باشورة
258 لقلعة صفد وبني بربضها جامعا حسنا وكانت الشقيف قلعتين متجاورتين فجمع بينهما وبنى بها جامعا وحماما ودار نيابة وجدد عمارة قلعة الصبيبة بعدما خربها التتار وكان التتار هدموا شراريف قلعة دمشق ورءوس أبراجها فجدد ذلك وبنى الطارمة التي على سوق الخيل وبنى حماما خارج باب النصر وجدد ثلاثة إصطبلات على الشرف الأعلى وبنى القصر الأبلق بالميدان ولم يكن مثله وجدد مشهد زين العابدين بجامع دمشق وجدد رؤوس الأعمدة والأساطين وذهبها وجدد رؤوس الأعمدة والأساطين وذهبها وجدد باب البريد وفرشه بالبلاط ورم شعث مغارة الدم وجدد دور الضيافة للرسل والمترددين مجاورة للحمام وجدد ما تهدم من قلعة صرخد وجامعها ومساجدها وكذلك فعل ببصرى وبعجلون والصلت وجدد ما تهدم من قلعة بعلبك وجدد قبر نوح عليه السلام وجدد أسوار حصن الأكراد وعقد قلعتها حنايا وحال بينها وبين المدينة بخندق وبنى عليها أبرجة بطلاقات وجدد من حصن عكار ما كان استهدم وزاد الأبرجة وبنى خان المحدثة وعمل به الخفرا وبنى من القصير إلى المناخ إلى قارا إلى حمص أعمدة أبرجة فيها الحمام والخفرا وكذلك من دمشق إلى تدمر والرحبة إلى الفرات وجدد سفح قلعة حمص والدور السلطانية بها وقلعة شميمس أنشأها بجملتها وأصلح قلعة شيزر وقلعتي الشغر وبكاس وقلعة بلاطنس وبنى قلاع الإسماعيلية الثمان وبنى ما تهدم من قلعة عين تاب والراوندان وبنى بأنطاكية جامعا مكان الكنيسة وكذلك ببغراس وأنشأ قلعة البيرة وبنى بها الأبرجة ووسع خندقها وجدد جامعها وأنشأ بالميدان الأخضر شمالي حلب مسطبة كبيرة مرخمة وأنشأ الجسر للقلعة وبنى في أيامه ما لم يبن في أيام غيره وكانت العساكر بالديار المصرية في أيام غيره عشرة آلاف فارس فضاعفها أربعة أضعاف وكانوا الملوك قبله مقتصدين في النفقات والعدد وعسكره
259 بالضد من ذلك وكانت كلف المطبخ الصالحي النجم يألف رطل لحم بالمصري كل يوم فضاعفها عشر مرات فكانت في الأيام الظاهرية كل يوم عشرة آلاف رطل وتوابلها عشرون ألف درهم ويصرف من خزانة الكسوة كل يوم عشرون ألف درهم ويصرف في ثمن القرط لدوابه ودواب من يلوذ به كل سنة ثمانمائة ألف درهم ويقوم بكلف الخيل والجمال والبغال والحمير كل يوم خمسة عشر ألف عليقة عنها ستمائة إردب ويصرف للمخابز للجرايات خلا ما يصرف لأرباب الرواتب لمصر خاصة كل شهر عشرون ألف إردب وكان رحمه الله تعالى قد منع الخمر والحشيش وجعل الحد على ذلك السيف فأمسك ابن الكازروني وهو سكران فصل وفى حلقه جرة خمر فقال الحكيم شمس الدين بن دانيال رحمه الله * لقد كان حد السكر من قبل صلبه * خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا * * فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي * ألا تب فإن الحد قد جاوز الحدا * وقال القاضي ناصر الدين بن المنير * ليس لإبليس عندنا طمع * غير بلاد الأمير مأواه * * منعته الخمر والحشيش معا * أحرمته ماءه ومرعاه * وقال ناصر الدين بن النقيب الفقيسي * منع الظاهر الحشيش مع الخمر * فولى إبليس من مصر يسعى * * قال ما لي وللمقام بأرض * لم أمتع فيها بماء ومرعى * وقال الحكيم شمس الدين بن دانيال * نهى السلطان عن شرب الحميا * وصير حدها حد اليماني * * فما جسرت ملوك الجن خوفا * لأجل الخمر تدخل في القناني * وقال آخر * ألخمر يا إبليس إن لم تقم * وتوسع الحيلة في ردها * * لان فقت سوق المعاصي ولا * أفلحت يا إبليس من بعدها * ولما أراد الظاهر أن يقرر القطيعة على البساتين بدمشق واحتاط عليها
260 وعلى الأملاك والقرى وهو نازل على الشقيف قال له القاضي شمس الدين ابن عطا الحنفي هذا ما يحل ولا يجوز لأحد أن يتحدث فيه وقام مغضبا وتوقف الحال وصقعت البساتين تلك السنة وعدمت الثمار جملة كافية فقال في ذلك مجد الدين بن سحنون خطيب النيرب رحمه الله * واها لأعطاف الغصون وما الذي * صنعته أيدي البرد في أثوابها * * صبغت خمائلها الصبا وكأنها * قد ألبست أسفا على أربابها * وقال نور الدين بن مصعب * لهفي على حلل الغصون تبدلت * من بعد خضرة لونها بسواد * * وأظنها حزنت لفرقة أهلها * فلذاك قد لبست ثياب حداد * وظن الناس أن السلطان يرحمهم لذلك فلما أراد التوجه إلى مصر أحضر العلماء وأخرج فتاوى الحنفية باستحقاقها بحكم أن دمشق فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنوة ثم قال من كان معه كتاب عتيق أجريناه وغلا فنحن فتحنا هذه البلاد بسيوفنا ثم قرر عليهم ألف ألف درهم فسألوه تقسيطها فأبى وتمادى الحال فعجلوا له أربعمائة ألف درهم بواسطة فخر الدين الأتابك وزير الصحبة ثم اسقط الباقي عنهم بتوقيع قرىء على المنبر رحمه الله تعالى
261 ((حرف التاء)) 88 الأمير تنكز نائب الشام تنكز الأمير الكبير المعظم المهيب سيف الدين نائب السلطنة بالشام جلب إلى مصر وهو حدث فنشأ بها وكان أبيض إلى السمرة رشيق القد مليح الشعر خفيف اللحية قليل الشيب حسن الشكل جلبه الخواجا علاء الدين السيواسي فاشتراه الأمير حسام الدين لاجين فلما قتل لاجين في سلطنته صار من خاصكية السلطان الملك الناصر وشهد معه وادي الخازندار ثم وقعة شقحب قال الشيخ صلاح الدين الصفدي في تاريخه أخبرني القاضي شهاب الدين ابن القيسراني قال قال لي أنا والأمير سيف الدين طينال من مماليك الأشرف أمره الملك الناصر عشرة قبل توجهه إلى الكرك وكان قد سلم إقطاعه إلى الأمي صارم الدين صاروجا المظفري فكان على مصطلح الترك أغا له ولما توجه السلطان إلى الكرك كان في خدمته وجهزه إلى دمشق رسولا إلى الأفرم فاتهمه أن معه كتبا إلى أمراء الشام فحصل له منه مخافة شديدة وفتش وعرض عليه العقوبة فما عاد إلى السلطان عرفه ما جرى له فقال له إن عدت إلى الملك فأنت نائب دمشق فلما عاد إلى السلطان عرفه ما جرى له فقال له إن عدت إلى الملك فأنت نائب دمشق فلما عاد إلى المملكة جعل الملك سيف الدين أرغون الدوادار نائب مصر بعد إمساك الجوكندار الكبير وقال لتنكز ولسودى احضرا كل يوم عند أرغون وتعلما منه النيابة والأحكام فبقيا كذلك سنة يلازمانه فلما مهرا جهز سيف الدين سودى إلى حلب نائبا وسيف الدين تنكز إلى دمشق نائبا فحضر إليهما على البريد هو والحاج سيف الدين أرقطاي وحسام الدين طرنطاي البشمقدار فكان وصولهم إليها في شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وتمكن في النيابة وسار بالعساكر إلى ملطية فافتتحها وعظم شأنه وهابه الأمراء بدمشق ونواب الشام وآمن الرعايا ولم
262 يمكن أحدا من الأمراء ولا أرباب الجاه يقدر يظلم أحد ذميا أو غيره خوفا من بطشه وشدة إيقاعه ولم يزل في ارتفاع وعلو درجة يتضاعف إقطاعه وإنعامه وعوائده من الخيل والقماش والطيور والجوارح حتى كتب له أعز الله أنصار المقر الكريم العالي الأميري وفي الألقاب الأتابكي الزاهدي العابدي وفي النعوت معز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين وهذا لم يكتب عن سطلان لنائب ولا غير نائب على اختلاف الوظائف وكان السلطان لا يفعل شيئا في الغالب حتى يسير إليه يشاوره فيه وقلما كتب إلى السلطان في شيء فرده وكل ما قرره من إمرة ونيابة وإقطاع وقضاء أو غير ذلك ترد التواقيع السلطانية بإمضاء ذلك وكان قد اعتمد شيئا ما سمع عن غيره وهو أنه كان له كاتب ليس له شغل ولا عمل إلا حساب ما يدخل خزانته من الأموال وما يستقر له فإذا حال الحول عمل أوراقا بما يجب صرفه من الزكاة في أمر بإصرافه إلى ذوي الاستحقاق وزادت أمواله وأملاكه وعمر الجامع المعروف به بحكر السماق بدمشق وأنشأ إلى جانبه تربة وحماما وعمر تربة إلى جانب الخواصين لزوجته وعمر دارا للقرآن إلى جانب داره دار الذهب وأنشأ بالقدس رباطا وعمر القدس وساق إليه الماء وأدخله الحرم وعمر به حمامين وقيسارية مليحة إلى الغاية وعمر بصفد البيمارستان المعروف به وجدد القنوات بدمشق وكانت مياهها قد تغيرت وجدد عماير المساجد والمدارس ووسع الطرقات بها واعتنى بأمرها وله في سائر الشام أملاك وعمائر وآثار ولم يكن عنده دهاء ولا له باطن ولا يحتمل شيئا ولا يصبر على أذى ولم يكن عنده مداراة للأمراء ولا يرفع بهم رأسا وكان الناس في أيامه آمنين على أموالهم ووظائفهم وكان في كل سنة يتوجه إلى الصيد بالعسكر إلى نواحي الفرات وعدي بعض السفرات الفرات وأقام في ذلك البر خمسة أيام يتصد وكان الناس يجفلون قدامه إلى بلاد توريز والسلطانية وكان ما قصده غير الحق والعمل به ونصرة الشرع خلا أنه كان به سودءا يتخيل بها الأمر فاسدا
263 ويبني عليه فهلك بذلك أناس ولا يقدر أحد من مهابته يوضح له الصواب ولا يقول له الحق فيما يفعله وكان إذا غضب لا سبيل له إلى الرضا ولا العفو وإذا بطش بطش بطش الجبارين ويكون الذنب يسيرا فلا يزال يكبره ويزيده ويوسعه إلى أن يخرج فيه عن الحد وكان الشيخ حسن بن دمرتاش قد أهمه أمره وخافه فيقال إنه نم عليه عند السلطان وقال له إنه قص الحضور إلى عندي والمخامرة عليك فتنكر السلطان وكان في ذلك الأيام قد عزم السلطان على أن يجهز الأمير بشتاك ويلبغا اليحياوي وعشرين أميرا من الخاصكية ليحضروا عرس أولاده ويجهز معهم بنات السلطان فبعث يقول يا خوند إيش الفايدة في حضور هؤلاء الأمراء الكبار إلى دمشق والبلاد الساحلية في هذا العام ممحلة ويحتاج العسكر إلى كلفة كثيرة أنا أحضر بأولادي إلى الباب ويكون الدخول هناك فجهز إليه السلطان طاجار الدوادار وقال له السلطان يسلم عليك ويقول لك إنه ما بقي يطلبك إلى مصر ولا يجهز إليك أميرا كبيرا حتى لاتتوهم فقال تنكز أنا أتوجه بأولادي إليه فقال طاجار لو وصلت إلى بلبيس ردك وأنا أكفيك هذا المهم وبعد ثمانية أيام أكون عندك بتقليد جديد وإنعام جديد فلبثه بهذا الكلام ولو كان توجه إلى السلطان كان خيرا له ولكن * (ليقضى الله أمرا كان مفعلوا) * وكان أهل دمشق في تلك المدة قد أرجفوا بأنه قد عزم على التوجه إلى بلاد التتار فوقع هذا الكلام في سمع طاجار الدوادار وكان قد عامله تنكز في هذه المرة معاملة لا تليق به فتوجه من عنده مغضبا وكأنه حرف الكلام والله أعلم فتغير السلطان تغيرا عظيما وجرد عشرة آلاف فارس من مصر وجهز بريدي إلى الأمير طشتمر حمص أخضر نائب صفد وأمره بالتوجه إلى دمشق لمسك تنكز وكتب إلى الحاجب وإلى الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري وإلى الأمراء بالقبض عليه وقال إن قدرتم على تعويقه فهو المراد والعساكر تصل إليكم من مصر فوصل الأمير سيف الدين طشتمر الظهر إلى المزة وجهز إلى الأمير سيف الدين الفخري وكان دواداره قد وصل بكرة النهار واجتمع بالأمراء فاتفقوا وتوجه اللمش الحاجب إلى القابون ووعر
264 الطريق ورمى الأخشاب فيها وأحمال التبن وقال للناس إن غريم السلطان يعبر الساعة عليكم فلا تمكنوه وركب الأمراء واجتمعوا على باب النصر هذا كله وهو في غفلة عما يرا به ينتظر ورود طاجار الدوادار وكان قد خرج ذلك النهار إلى القصر الذي بناه في القطائع فتوجه إليه الأمير سيف الدين قرشي وعرفه بوصول طشتمر فبهت لذلك وسقط في يده وقال ما العمل قال تدخل إلى دار السعادة فحضر ودخل إلى دار السعادة وغلقت أبواب المدينة وأراد اللبس والمحاربة ثم علم أن الناس ينهبون ويعمل السيف في البلد فآثر إخماد الفتنة وألا يجرد سلاحا فجهز إلى الأمير سيف الدين طشتمر وقال له في أي شيء جئت قال أنا جئتك رسولا من عند أستاذك فإن خرجت إلي قلت لك ما قال لي وإن راحت إلى مطلع الشمس تبعتك ولا أرجع إلا أن مات أحدثنا فخرج إليهم واستسلم وأخذ سيفه وقيد خلف مسجد القدم وجهز إلى السلطان وجهز معه الأمير ركن الدين بيبرس السلاحدار ثالث عشرين ذي الحجة سنة أربعين وسبعمائة وتأسف أهل دمشق عليه ويا طول أسفهم فسبحان مزيل النعم الذي لا يزول ملكه ولا يتغير عزه ولا تطرأ عليه الحوادث واحتيط على حواصله وأودع طغاي وجنغاي مملوكاه في القلعة وبعد مدة يسيرة حضر الأمير سيف بشتاك وطاجار الدوادار والحاج أرقطاي وتتمة عشرة أمراء ونزلوا القصر الأبليق وحال وصولهم حلفوا الأمراء وشرعوا في عرض حواصله وأخرجوا ذخائره وودائعه وتوجه بشتاق إلى مصر ومعه من ماله ثلاثمائة ألف وستة وثلاثون ألف دينار مصرية وألف دينار مصرية وألف ألف وخمسمائة ألف درهم وجواهر وبلخش وأقطاع مثمنة ولؤلؤ غريب الحب وطرز زركش وكلوتات زركش وحوائص ذهب بحامات مرصعة وأطلس وغيره من القماش ما كان جملته ثمانمائة حمل وأقام بعده برسبغا وتوجه في أثره بعد ما استخلص من الناس ومن بقايا أموال تنكز ومعه أربعون
265 ألف دينار وألف ألف ومائة ألف درهم وأخذ مماليكه وجواريه وخيله المثمنة إلى مصر وأما هو فإنه جهز إلى الإسكندرية وحبس بها مدة دون الشهر ثم قضى الله تعالى فيه أمره يقال إن المقدم ابن صابر توجه إليه وكان ذلك آخر العهد به ومات وصلى عليه أهل الإسكندرية * فكأنه برق تألق بالحمى * ثم انثنى فكأنه لم يلمع * ثم ورد مرسوم السلطان بتقويم أملاكه فعمل ذلك بالعدول وأرباب الخبرة وحضرت محاضر إلى ديوان الإنشاء لتجهز إلى الأبواب السلطانية قال الشيخ صلاح الدين الصفدي فنقلت منها ما صورته دار الذهب بمجموعها وإسطبلاتها ستمائة ألف درهم دار الزمرد مائتا ألف درهم دار الزردكاش وما معها مائتا ألف وعشرون ألف درهم الدار التي بجوار جامعه بدمشق مائة ألف درهم الحمام التي بجوار الجامع مائة ألف درهم خان العرصة مائة ألف وخمسون ألف درهم إسطبل حكر السماق عشرون ألف درهم الطبقة التي بجوار حمام ابن يمن أربعة آلاف وخمسمائة درهم قيسارية المرحليين مائتا ألف وخمسون ألف درهم الفرن والحوش بالقنوات من غير أرض عشرة آلاف درهم حوانيت التعديل ثمانية آلاف درهم الأهراء من إصطبل بهادراص عشرة آلاف درهم خان البيض وحوانيته مائة ألف وعشرة آلاف درهم حوانيت باب الفرج خمسة وأربعون ألف درهم حمام القابون عشرون ألف درهم حمام القصير العمري ستة آلاف درهم الدهيشة والحمام مائتا ألف وخمسون ألف درهم بستان العادل مائة ألف وثمانون ألف درهم بستان النجيبي والحمام والفرن مائة ألف وثلاثون ألف درهم بستان الجبل ي بحرستا أربعون ألف درهم الحدائق بحرستا مائة ألف وخمسة وأربعون ألف درهم بستان القوصى بحرستا ستون ألف درهم بستان الدردور بزبدين خمسون ألف درهم الجنينة المعروفة بالحمام بزبدين سبعة آلاف
266 درهم بستان الرزار خمسة وثلاثون ألف درهم الجنينة وبستان عبرتهما ثمانون ألف درهم مزرعة البوقي والعنبري مائة ألف درهم الحصة بالدفوف القبلية بكفر بطنا ثلثاها ثلاثون ألف درهم بستان السقلاطوني بالمنيحة خمسة وسبعون ألف درهم حقل البيطارية بها خمسة عشر ألف درهم الفاتكيات والرشيدي والكروم بزملكا مائة ألف وثمانون ألف درهم مزرعة المرفع بالقابون مائة ألف وعشرة آلاف درهم الحصة من غراس غيطة الأعاجم عشرون ألف درهم نصف الغيطة المعروفة بزرنبه خمسة آلاف درهم غراس قايم في جواردار الجالق ألفا درهم النصف من غراس الهامة ثلاثون ألف درهم الحوانيت التي قبالة الجامع ثلاثون ألف درهم بيدر زبدين ثلاثة وأربعين ألف درهم أرض خارج باب الفرج ستة عشر ألف درهم القصر وما معه خمسمائة ألف درهم وخمسون ألف درهم ربع ضيعة القصرين مائة وعشرون ألف درهم نصف البيطارية مائة ألف درهم حصة من البويضا مائة ألف وخمسة وثمانون ألف درهم نصف بوابة مائة وثمانون ألف درهم العلانية بعيون الفاسترا ثمانون ألف درهم حصة دير ابن عصرون خمسة وسبعون ألف درهم حصة دوير اللبن ألف وخمسمائة درهم الدير الأبيض خمسون ألف درهم التنورية اثنان وعشرون ألف درهم العزيل مائة ألف وثلاثون ألف درهم حوانيت داخل باب الفرج أربعون ألف دهرم الأملاك التي بمدينة حمص الحمام خمسة وعشرون ألف درهم الحوانيت سبعة آلاف درهم الربع ستون ألف درهم الطاحون الراكبة على العاصي ثلاثون ألف درهم زور قبجق خمسة وعشرون ألف درهم الخان مائة ألف درهم الحمام الملاصقة للخان ستون ألف درهم الحوش الملاصق له ألف وخمسمائة درهم المناخ ثلاثة آلاف درهم الحوش المجاور للفندق ثلاثة آلاف
267 درهم حوانيت العريضة ثلاثة آلاف درهم الأراضي المحتكرة سبعة آلاف درهم الأملاك ببيروت الخان مائة وخمسة وثلاثون ألف درهم الحوانيت والفرن مائة وعشرون ألف درهم المصبنة بآلاتها عشرة ألف درهم الحمام عشرون ألف درهم المسلخ عشرة آلاف درهم الطاحون خمسة آلاف درهم قرية زلايا خمسة وأربعون ألف درهم القرى بالبقاع مرج الصفا سبعمائة ألف درهم التل الأخضر مائة ألف وثمانون ألف درهم المباركة خمسة وسبعون ألف درهم المسعودية مائة ألف وعشرون أل فدرهم الضياع الثلاثة المعروفة بالجوهري أربعمائة ألف وسبعون ألف درهم السعادة أربعمائة ألف درهم أروطيا ستون ألف درهم نصف يبرود والصالحة والحوانيت أربعمائة أل فدرهم الناصرية مائة ألف درهم رأس الماء بيم الروس سبعة وخمسون ألف درهم حصة من خربة روق اثنان وعشرون أل فدرهم رأس الماء والدلى بمزارعها خمسمائة ألف درهم حمام صرخد خمسون ألف درهم طاحون الفورا ثلاثون ألف درهم السالمية سبعة آلاف وخمسمائة درهم طاحون المغار عشرة آلاف درهم قيسارية أذرعات اثنا عشر ألف درهم قيسارية عجلون مائة ألف وعشرون ألف درهم الأملاك بقارا الحمام خمسة وعشرين ألف درهم الهرى ستمائة ألف درهم الصالحية والطاحون والأراضي مائة ألف وخمسة وعشرون ألف درهم راسليثا ومزارعها مائة وخمسة وعشرون ألف درهم القصيبة أربعون ألف درهم القريتين المعروفة إحداهما بالمزرعة والأخرى بالبينسية تسعون ألف درهم هذا جميعه خارج عما له من الأملاك في وجوه البر ب صفد وعجلون والقدس الشريف ونابلس والرملة وجلجولية والديار المصرية ولما كان في أوائل شهر رجب سنة أربع وأربعين وسبعمائة حضر تابوته من الإسكندرية إلى دمشق ودفن في تربته جوار جامعه المعروف بإنشائه رحمه الله تعالى فقال الشيخ صلاح الدين الصفدي
268 * في نقل تنكز سر * أراده الله ربه * * أتى به نحو أرض * يحبها وتحبه * رحمه الله تعالى وعفا عنه بمنه وكرمه 89 توبة بن الحمير توبة بن الحمير الخفاجي أحد المتيمين صاحب ليلى الأخيلية ويأتي ذكرها في حرف اللام إنشاء الله تعالى كان يهوى ليلى فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه وزوجها في بنى الأولغ فكان يكثر زيارتها فشكوه إلى قومه فلم يقلع فشكوه إلى السلطان فأهدر دمه إن أتاهم فعلمت بذلك ليلى ثم إن قومها كمنوا له في الموضع الذي يلقاها فيه فملا جاء خرجت إليه سافرة حتى جلست في طريقه فلما رآها سافرة فطن لما أرادت فركض فرسه ونجا وقال قصيدته التي منها * وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت * فقد رابني منها الغداة سفورها * * ثم إن توبة قتلته بنو عوف بن عقيل في حدود الثمانين من الهجرة رحمه الله تعالى فقالت ليلى ترثيه * نظرت ودوني من عماية منكب * وبطن الركاء أي نظرة ناظر * منها * وتوبة أحيا ن فتاة حيية * وأجرأ من ليث بخفان خادر * * ونعم فتى الدنيا وإن كان فاجرا * ونعم الفتى إن كان ليس بفاخر * وهي قصيدة طويلة أوردها صاحب الأغاني ولها فيه مراث أخر ثم إن ليلى أقبلت من سفر فمرت بقبر توبة وهي في هودج ومعها زوجها فقالت والله لا أبرح حتى أسلم على توبة فجعل الزوج يمنعها وهي تأبى إلا أن تلم به فتركها فصعدت أكمة عليها قبر توبة فقالت السلام عليك يا توبة ثم حولت وجهها نحو القبر وقالت ما عرفت له كذبة قط فقالوا وكيف ذلك قالت أليس هو القائل
269 * ولو أن ليلى الأخيلية سلمت * على ودوني جندل وصفائح * * لسلمت تسليم البشاشة أو زقا * إليها صدى نم جانب القبر صائح * * وأغبط من ليلى بما لا أناله * ألا كل ما قرت به العين صالح * فما باله لم يسلم علي كما قال وكان إلى جانب القبر بومة كامنة فلما رأت الهودج واضطرابه فزعت وطارت في وجه الجمل فنفر ورمى بليلى على رأسها فماتت من وقتها ودفنت إلى جانبه قال الشيخ صلاح الدين الصفدي ما كذب بعد موته لأنه قال أو زقا إليها صدى من جانب القبر والصدى هو ذكر البوم وهذا من عجائب الاتفاق رحمهما الله تعالى 90 تقى الدين التكريتي توبة بن علي بن مهاجر بن شجاع بن توبة الصاحب تقى الدين توبة التكريتي المعروف بالبيع ولد يوم عرفة بعرفة سنة عشرين وستمائة وتعانى التجارة والسفر وتعرف بالسلطان حسام الدين لاجين لما كان أميرا وعامله وخدمه فملا صار سلطانا ولاه وزارة الشام مدة ثم عزله وصودر غير مرة ثم يسلمه الله تعالى وكان مع ظلمه وعسفه فيه مروة وحسن إسلام وتقرب إلى أهل الخير وعدم خبث وهمة عالية وسماح وحسن خلق ومزاح واقتنى الخيل المسومة والدور الحسنة واقتنى المماليك الملاح وعمر لنفسه تربة حسنة تصلح لملك وبها دفن لما مات سنة ثمان وتسعين وستمائة وحضر جنازته ملك الأمراء والقضاة يقال عنه إنه كان عنده مملوك مليح اسمه أقطوان فخرج ليلة وأقطوان خلفه إلى وادي البروة فمروا على مسطول وهو نائم فلما أحس بوقع حوافر الخيل فتح عينيه وقال يا الله توبة فقال له والك يا قواد إيش تعمل بتوبة شيخ نحس مقلع الأسنان قول يا الله أقطوان ويقال إنه أتى إليه رجل من تكريت وقال له يا مولانا الصاحب اشتهى
270 منك شفاعة إلى شيخ الخانقاه الشميصاتية حتى ينزلنى فهيا فدعا بنقيبه وقال له رح مع هذا إلى شيخ الخانقاه وسلم عليه من جهتي وقل له يقبل شفاعتي في هذا وينزله في الخانقاه وسلم عليه من جهتي وقل له يقبل شفاعتي في هذا وينزله في الخانقاه فلما جاء إلى شيخ الشيوخ وأدى الرسالة قال له وقل للساحب هذا ما هو صوفي ولا ينزل عمره في خانقاه وهذه الخانقاه شطرها أنه لا ينزل فيه إلا صوفي مربى يعرف آداب القوم فجاء إليه الرج لباكيا وقال يا سيدي لم يسمع من رسالتك فغضب وسر خلف الشيخ فلما دخل عليه قال يا مولانا لأبي معنى ما تنزل هذا قال مولانا هذا ما هو صوفي فقال الصاحب للرجل ما تعرف تأكل أرزا مفلفلا قال بلى والله قال ما تعرف ترقص في السماع قال بلى قال ما تعرف تلوط على المليح قال بلى والله قال صوفي أنت من عمرك ولشمس الدين بن منصور موقع غزة فيه وقد أعيد إلى الوزارة * عتبت على الزمان وقلت مهلا * أقمت على الخنا ولبست ثوبه * * نفاق في التجاهل والتعامى * وعاد إلى التقى وأتى بتوبه * ولعلاء الدين الوداعي الكندي فيه وقد سقط عن حصان * فديناك لا تخش من وقعة * فإن وقوعك للأرض فخر * * سقوط الغمام بفصل الربيع * ففي البر بر وفي البحر در * وله أيضا فيه رحمه الله تعالى * إني حلفت يمينا * لم آت فيها بحوبه * * مذ أقعدتني الليالي * لا قمت إلا بتوبه * 91 توران شاه توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل الكبير الملك المعظم غياث الدين لما توفي الملك الصالح والده جمع فخر الدين بن الشيخ الأمراء وحلفوا له وكان بحصن كيفا وسيروا إليه الفارس أقطاي فساق على البرية لا يعترض عليه أحد من الملوك فكاد يهلك عطشا
271 حتى قدم دمشق ودخل بأبهة السلطنة في أواخر رمضان ونزل القلعة وأنفق الأموال وأحبه الناس ثم سار إلى مصر بعد عيد الأضحى فاتفق كسرة الإفرنج خذلهم الله تعالى عند قدومه ففرح الناس وتيمنوا بوجهه لكن بدت منه أمور نفرت الناس عنه منها أنه كان فيه خفة وطيش وكان والده الصالح يقول ولدي ما يصلح للملك وألح عليه يوما الأمير حسام الدين بن أبي علي وطلب إحضاره من حصن كيفا فقال أجيبه لكم حتى تقتلوه فكان الأمر كما قال أبوه وقال سعد الدين بن حيمويه لما قدم المعظم طال لسان كل من كان خاملا في أيام أبيه ووجدوه مختل العقل سئ التدبير دفع خبز فخر الدين شيخ الشيوخ بحواصله إلى جوهر الخادم وانتظر الأمراء أن يعطيهم كما أعطى أمراء دمشق فلم يكن لذلك أثر وكان لا يزال يحرك كتفه الأيمن مع نصف وجهه وكثيرا ما يولع بلحيته ومتى سكر ضرب الشمع بالسيف وقال هكذا أفعل بمماليك أبي ويتهدد الأمراء بالقتل فشوش قلوب الجميع ومقتوه وصادف بخله قال سبط ابن الجوزي بلغني أنه كان يكون على السماط بدمشق فإذا سمع فقيها يقول مسألة يقول لا نسلم ويصيح بها ومنها أنه احتجب عن أمر النسا وانهمك على اللذات والفساد مع الغلمان على ما قيل ويقال إنه تعرض لحظايا أبيه ومنها أنه قدم الأرذال وأخر خواص أبيه وكان قد وعد الفارس أقطاي لما جاء إليه إلى حصن كيفا أن يؤمره فما وفى له فغضب وكانت شجرة الدر زوجة أبيه قد ذهبت من المنصورة إلى القاهرة فجاء هو إلى المنصورة وأرسل إليها يتهددها ويطالبها بالأموال فعاملت عليه فملا كان اليوم السابع من المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة ضربه بعض البحرية وهو على السماط فتلقى الضربة بيده فذهبت بعض أصابعه فقام ودخل البرج الخشب الذي هناك وصاح من جرحني فقالوا بعض الحشيشة قال لا والله إلا البحرية والله لأفنينهم وخاط المزين جرحه وهو يتهددهم فقالوا تمموه وإلا أبادنا فدخلوا عليه فهرب إلى أعلى البرج فرموا النار في البرج ورموه بالنشاب فرمى بنفسه وهرب إلى النيل وهو يقول ما أريد ملكا دعوني أرجع
272 إلى حصن كيفا يا مسلمين ما فيكم من يصطنعني فما أجابه أحد فتعلق بذيل الفارس أقطاي فما أجاره ونزل في البحر إلى حلقه فقتلوه وبقي ملقى على جانب النيل ثلاثة أيام حتى شفع فيه رسول الخليفة فواروه وكان الذي باشر قتله أربعة فملا قتل خطب على منابر الشام ومصر لأم خليل شجرة الدر ثم تسلطن الملك المعز أيبك التركماني وكان المعظم توران شاه قوى المشاركة في العلوم حسن البحث ذكيا قال ابن واصل لما دخل المعظم دمشق قام الشعراء فابتدأ العدل تاج الدين بن الدجاجية فقال * كيف كان القدوم من حصن كيفا * حين أرغمت للأعادي أنوفا * فأجابه المعظم في الوقت * الطريق الطريق يا ألف نحس * تارة آمنا وطورا مخوفا * وقال الصاحب جمال الدين بن مطروح يرثيه * يا بعيد الليل من سحره * دائما يبكي على قمره * * خل ذا واندب معي ملكا * ولت الدنيا على أثره * * كانت الدنيا تطيب لنا * بين باديه ومحتضره * * سلبته الملك أسرته * واستووا غدرا على سرره * * حسدوه حين فاتهم * في الشباب الغض من عمره * وفيه يقول نور الدين بن سعيد * ليت المعظم لم يسر من حصنه * يوما ولا وافى إلى أملاكه * * إن العناصر إذ رأته مكملا * حسدته فاجتمعت على إهلاكه * واتفق يوم خروجه من دمشق مطر عظيم فقال نور الدين بن سعيد * إن المعظم خير أملاك الورى * سرت به الدنيا وتعذر فيه * * أوما رأيت دمشق يوم قدومه * ضحكت ويوم وداعه تبكيه *
273 92 توفيق الطرابلسي توفيق بن محمد بن الحسين النحوي الطرابلسي كان جده الحسين بن محمد بن زريق يتولى الثغور من قبل الطائع وولد توفيق بطرابلس وسكن دمشق وكان أديبا فاضلا شاعرا قال ياقوت وكان يتهم بقلة الدين والميل إلى مذهب الأوائل توفي في صفر سنة ست عشرة وخمسمائة ودفن بمقبرة باب الفراديس وكان نحويا أقرأ العربية وله معرفة بالحساب والهندسة ومن شعره رحمه الله تعالى * وجلنار كأعراف الديوك على * خضر تميس كأذناب الطواويس * * مثل العروس تحلت يوم زينتها * حمر الحلي على خضر الملابيس * * في مجلس بعثت أيدي السرور به * لدى عريش يحاكى عرش بلقيس * * سقى الحيا أربعا تحيا النفوس بها * ما بين مقرى إلى باب الفراديس *
274 ((حرف الثاء)) 93 ثابت قطنة ثابت بن كعب أخو بني أسد بن الحارث بن العتيك ويعرف بثابت قطنة لأنه أصابه سهم في عينه في بعض حروب الترك فذهبت فجعل موضعها قطنة وهو شاعر شجاع وكان في صحابة يزيد بن المهلب ولى عملا في خراسان فملا صعد المنبر يوم الجمعة رام الكلام فتعذر عليه وحصر فقال سيجعل الله بعد عسر يسرا وبعد عي بيانا وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال ثم أنشأ * وإلا أكن فيكم خطيبا فإنني * بسيفي إذا جد الوغى لخطيب * فقال بعض الشعراء يهجوه بذلك * أبا العلاء لقد لقيت معضلة * يوم العروبة من كرب وتخنيق * * أما القران فلم تخلق لمحكمه * ولم تسدد من الدنيا بتوفيق * * لما رمتك عيون الناس هبتهم * وكدت تشر ملا قمت بالريق * * تلوي اللسان وقد رمت الكلام به * كما هوى زلقق من شاهق النيق وكان تام السلاح جميل الهيئة فسأل عنه فقيل هذا ثابت قطنة وهو فارس شجاع فأمضاه وأجاز على اسمه فلما انصرف قال رجل هذا الذي يقول * إنا لضرابون في حمس الوغى * رأس الخليفة إن أراد صدودا * فقال سعيد على به فلما أتاه قال له أنت القائل إنا لضرابون فقال نعم أنا القائل * إنا لضرابون في حمس الوغى * رأس المتوج إن أراد صدودا * * عن طاعة الرحمن أو خلفائه * أو رام إفسادا ولجض عنودا * فقال له سعيد أولى لك لولا أنك خرجت منها لضربت عنقك وأخباره مستوفاة في كتاب الأغاني رجمه الله تعالى
275 94 أبو البقاء التفليسي ثابت بن تاوان بالتاء المثناة من فوق وبعد الألف واو وألف ونون الإمام نجم الدين أبو البقاء التفليسي الصوفي كان له معرفة بالفقه والأصول والعربية والأخبار والأشعار والسلوك وله رياضات ومجاهدات وهو من كبار أصحاب الشيخ شهاب الدين السهروردي وأذن له أني صلح ما رآه في تصانيفه من الخلل وقدم مصر رسولا من الديوان وهو مليح الكتابة كتب الأجزاء وتوفي سنة إحدى وثلاثين وستمائة ووقف كتبه على الخانقاه الشميصاتية قال شهاب الدين القوصي أنشدني لنفسه * شر مال حزته ذاك الذي * حزت حد العلم في استحقاقه * * اكتسبت الإثم في تحصيله * وحرمت الأجر في إنفاقه * وأنشدني أيضا لنفسه * إن شام طرف يعنك بارق سلوة * طفق الغرام إلى هواك يحثه * * أو كاد يبدي ضره قال الهوى * لا كان من يشكو الهوى ويبثه * وقال أيضا * اغتنم يومك هذا * إنما يومك ضيف * * وانتهب فرصة عمر * حاضر فالوقت سيف * * لا تضيع هذه الأنفاس فالتضييع حيف * * عد عن سوف أو الساعة أو أين وكيف * رحمه الله تعالى وعفا عنه
276 ((حرف الجيم)) 95 جابر بن حيان جابر بن حيان أبو موسى الطرسوسي ألف كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمن رسائل جعفر الصادق في الكيمياء وهي خمسمائة رسالة قال الشيخ صلاح الدين الصفدي وأنا أنزه جعفر الصادق رضي الله عنه عن الكيمياء وإنما هذا الشيطان أراد الإغواء بكونه عزا ذلك إلى جعفر الصادق لتتلقاه النفوس بالقبول ورأيته إذا ذكر الحجر يقول بعد ما يرمزه وقد أوضحته في الكتاب الفلاني فيتعب الطالب حتى يظفر بذلك المصنف المشوم فيجده قد قال وقد بينته في الكتاب الفلاني فلا يزال يحيل على شيء بعد شيء ووجدت بعض الفضلاء قد كتب على بعض تصانيفه * هذا الذي بمقاله * غر الأوائل والأواخر * * ما أنت إلا كاسر * كذب الذي سماك جابر * وتصانيفه في هذا الفن كثيرة وليس تحتها طائل وكانت وفاته في حدود التسعين والمائة رحمه الله تعالى وعفا عنه 96 الحطيئة الشاعر جرول بن أوس بن مالك الحطيئة الشاعر لقب بالحطيئة لقربه من الأرض فإنه كان قصيرا وهو من فحول الشعراء وفصحائهم وكان ذا شر ونسبه متدافع بين القبائل كان ينتمي إلى كل واحدة منها إذا غضب على الأخرى وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم ثم ارتد وقال
277 * أطعنا رسول الله إذ كان بيننا * فيا لعباد الله ما لأبي بكر * * أيورثها بكر إذا مات بعده * وتلك لعمر الله قاصمة الظهر * وقال يهجو أمه * تنحىء فاجلسي عني بعيدا * أراح الله منك العالمينا * * أغربالا إذا استودعت سرا * وكانونا على المتحدثينا * * حياتك ما علمت حياة سوء * وموتك قد يسر الصالحينا * والتمس يوما إنسانا يهجوه فلم يجد فضاق عليه ذلك فقال * أبت شفتاي اليوم إلا تكلما * بشر فما أدري لمن أنا قائله * وجعل يدور هذا البيت في حلقه ولا يرى إنسانا فاطلع في حوض ماء فرأى وجهه فيه فقال * أرى لي وجها قبح الله خلقه * فقبح من وجه وقبح حامله * وقدم المدينة في سنة مجدبة فجمع أشرافها له من بينهم شيئا إلى أن تكمل له أربعمائة دينار وأعطوه إياها فملا كان يوم الجمعة استقبل الإمام ونادى من يحملني على نعلين كفاه الله كبة جهنم قال الأصمعي كان الحطيئة سئولا ملحفا دنيء النفس كثير الشر قليل الخير بخيلا قبيح المنظر رث الهيئة مغموز النسب فاسد الدين وهجا الزبرقان بن بدر بالأبيات التي منها * دع المكارم لا ترحل لبغيتها * واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي * فاستعدى عليه الزبرقان إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فرفعه عمر إليه واستنشده وقال لحسان أتراه هجاه قال نعم وسلح عليه فحبسه في بشر وأبقى عليه شيئا فقال * ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ * زغب الحواصل لا ماء ولا شجر *
278 * ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة * فاغفر عليك سلام الله يا عمر * * أنت الإمام الذي من بعد صاحبه * ألقت إليك مقاليد النهى البشر * * لم يؤثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم كانت لك الأثر * فأخرجه وقال إياك وهجاء الناس قال إذن تموت عيالي جوعا هذا مكسبي ومنه معاشي قال إياك والمقذع قال وما لمقذع قال أن تخاير بين الناس فتقول فلان خير من فلان وآل فلان خير من آل فلان قال فأنت والله أهجى مني فقال عمر رضي الله عنه لولا أن تكون سنة لقطعت لسانه ولكن اذهب فأنت له يا زبرقان فألقى الزبرقان في رقبته عمامته واقتاده بها فعارضته غطفان وقالت له يا أبا شذرة إخوتك وبنو عمك فهبه لهم فوهبه لهم وقيل إن عمر لما أطلقه اشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم ليؤكد الحجة عليه ولما حضرت الحطيئة الوفاة واجتمع إليه قومه فقالوا يا أبا مليكة أوص فقال ويل للشعراء من رواة السوء فقالوا له أوص يرحمك الله فقال من هو الذي يقول * إذا أنبض الرامون عنها ترنمت * ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز * فقالوا أوص ويحك بما ينفعك فقال أبلغوا امرأ القيس أنه اشعر العرب حيث يقول * فيا لك من ليل كأن نجومه * بكل مغار الفتل شدت بيذبل * فقالوا اتق الله ودع عنك هذا فقال أبلغوا الأنصار أن شاعرهم أشعر العرب حيث يقول * يغشون حتى ما تهر كلابهم * لا يسألون عن السواد المقبل * فقالوا إن هذا لا يغني عنك شيئا فقل غير ما أنت فيه فقال
279 * الشعر صعب وطويل سلمه * إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه * * زلت به إلى الحضيض قدمه * يريد أن يعربه في عجمه * فقالوا هذا مثل ما كنت فيه فقال * قد كنت أحيانا شديد المعتمد * وكنت ذا غرب على الخصم الألد * * فوردت نفسي وما كادت ترد * فقالوا يا أبا ملكية ألك حاجة قال لا ولكنني أجزع على المديح الجيد يمدح به ن ليس له أهلا فقالوا من أشعر الناس فأومأ بيده إلى فيه وقال هذا إذا طمع ف يخير واستعبر باكيا فقالوا له قل لا إله إلا الله فقال * قالت وفيها حيدة وذعر * عوذ بربي منكم وحجر * قالوا ما تقول في عبيدك وإمائك قال هم عبيد قن ما عاقب الليل النهار قالوا فأوص للفقراء بشيء قال أوصيهم بالإلحاح في المسألة واست المسؤول أضيق قالا فما تقول في مالك قال للأنثى مثل حظ الذكر قالوا ليس هكذا قضى الله عز وجل قال لكني هكذا قضيت قالوا فما توصى لليتامى قال كلوا أموالهم وافعلوا بأمهاتهم قالوا فهل تعهد غير هذا قال نعم احملوني على أتان وتتركوني راكبا حتى أموت فإن الكريم لا يموت على فراشه والأتان مركب لم يمت عليه كريم قط فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون حتى مات وهو يقول * لا أحد ألأم من حطيه * هجا بنيه وهجا المريه * * من لؤمه مات على فريه * الفرية الأتان وتوفي في حدود الثلاثين للهجرة
280 97 شعر الزنج أبو الجعد المعروف بشعر الزنج وكان وقادا ببغداد قصته طويلة وأمره عجيب اقتضت به الحال في تصرفاته إلى أن صار وقادا في أتون حمام عشق غلاما من أبناء بغداد وقال شاعر فجوده واشتد كلفه بالغلام وكان الغلام ظريفا مغرما بالتفاح لا يكاد يفارقه في أوانه فجاء يوما شعر الزنج فقعد بإزاء الغلام وبيد الغلام تفاحة وهو يقبلها تارة ويشمها تارة ويدنيها من خده تارة ومن فيه تارة فقال شعر الزنج * تفاحة أكرمها ربها * يا ليتني لو كنت تفاحه * * تقبل الحب ولا تستحي * من مسكه بالكف نفاحه * * تجري على خديه جوالة * نفسي إلى شمك مرتاحه * فلما سمع الغلام ذلك رمى بها في الطريق فأخذها شعر الزنج واشتد كلفه بالغلام واشتد إعراض الغلام عنه فعمد شعر الزنج إلى تفاحة حمراء عجيبة فكتب عليها بالذهب * إني لأعذركم في طول صدكم * من راقب الله أبدى بعض ما كتما * * لكن صدودكم يؤذى لمن علقت * به الصباة حتى ترجع الكلما * ورمى بالتفاحة إلى الغلام فقرأ ما فيها ثم قام ودخل بيته فأبطأ وعاد فرمى بها إلى شعر الزنج فأخذها وهو يظن أنه قد رق له وإذا هو قد كتب بالأسود تحت كل سطر * تصد عنكم صدود المبغضين كلم * فلا تردوا إلينا بعدها كلما * * وما بنا الناس لو أنا نريدكم * فاصبر فؤادك أو مت هكذا ألما * فاشتعلت نيران شعر الزنج وتضاعف وجده ثم ظن أن الغلام يستوضع حرفته بالوقادة فتركها وصار ناطورا يحفظ البساتين وقصد بساتين التفاح التي لا
281 يوجد في بغداد أكثر منها تفاحا فأتى إلى صاحب له ومعه تفاح كثير وقال أحب أن تهدي هذا التفاح إلى الغلام وتعمد المكتوب منه فنظر وإذا هو قد كتب على بعضه بياض لما كان في شجره من جملتها تفاحة حمراء مكتوب عليها ببياض * جودوا لمن هيمه * حبكم فهاما * * وصار ضوء يومه * من حزنه ظلاما * وكتب على أخرى * مهجة نفس أتتك مرتاحه * تشكو هواها بلفظ تفاحه * فأهدى ذلك التفاح إليه فملا قرأ ما عليه قام وقد خجل وصار شعر الزنج يختار أكبر التفاح ويكتب عليه الشعر ويحتال بصنوف الحيل في إيصاله إلى الغلام قال الحاكي فإني يوما لجالس أنا والغلام إذ اجتاز بنا بائع فاكهة جل ما معه تفاح فأجلسه الغلام وابتاع منه التفاح بما أراد دون مماكسة وسر الغلام يرخص التفاح وجعل يقلبه ويعجب من حسنه وإذا هو بتفاحة صفراء مكتوب عليها بالأحمر * تفاحة تخبر عن مهجة * أذابها الهجر وأضناها * * يابؤسها ماذا بها ويلها * أبعدها الحب وأقصاها * ففطن حينئذ وغالطني وقال ما ترى ما يكتبون الناس على التفاح طلبا للمعاش فتغافلت عنه وكان شعر الزنج قد دفع التفاح إلى البائع وقال له تلطف في إيصاله إلى الغلام وبعه إياه بما أراد ثم إن شعر الزنج أهدى إلى يوما تفاحا كثيرا أحمر كالشقائق وأبيض كالفضة وأصفر كالذهب منه ما كتب عليه ببياض في حمرة وبحمرة في بياض وعلى أحدها
282 * نبت في الأغصان مخلوقة * من قلب ذي شوق وأحزان * * صفرني سقم الذي لونه * يخبر عن حالي وأشجاني * وعلى أخرى بأحمر * تفاحة صيغت كذا بدعة * صفراء في لون المحبينا * * زينها ذو كمد مدنف * بدمعه إذ ظل محزونا * * فامنن فقد جئت له شافعا * وقيت نم بلواه آمينا * وعلى أخرى * كتبت لما سفكت مهجتي * بالدم كي ترحم بلوائي * * رفعت هذي قصتي أشتكى الهجر * فوقع لي بإغفائي * قال فرحمته وأدركتني رقة له فحفظت التفاح جميعا وعملت دعوة ودعوت الغلام وإخوته واجتمعنا على مجلس أنس وأحضرت التفاح فيما أحضرته فرأوا منه شيئا لم يروا مثله ثم تعمدت وضع التفاح المكتوب بين يدي الغلام فعجب منه وقرأ ما عليه وقال لي خفية ترى من كتب هذا الذي عليه قال فقلت الذي كتب على ذلك التفاح الذي ابتعته ذلك اليوم قال ومن كتبه قلت شعر الزنج قال فخجل ثم استهدانيه فقلت لا تستهده فإنه لك عمل ومن أجلك حضر ثم أخذت في رياضته على الحضور مع شعر الزنج للفكاهة فوجدته شديد النفور منه والبغض فيه فتركته وعدلت إلى أبيه وقلت له هل أنا عندك متهم في ولدك فقال حاش لله ولا في أهلي فحكيت له خبر شعر الزنج مع ولده من أوله إلى آخره وقلت له إن هذا الأمر إن تمادى ظهر حاله واشتهر ولدك وصار أحدوثة للخاص والعام وأنا أرى أن اجتماعه به في منزلي بمحضر من أهله سواك مما يكف لسانه ويستر أمره فقال افعل ما تراه مصلحة فأنت ممن لا يتهم قال فعرفت شعر الزنج بما جرى وقلت له إذا كانت ليلة كذا و كذا فاحضر وادخل بلا استئذان كأنا لم نشعر بك واجلس إلى أن نوميء إليك بالقيام ثم دعوت الغلام وإخوته في الليلة
283 المحدودة واجتمعنا في مجلس أنس وشربنا فلم نشعر إلا وشعر الزنج داخل علينا فملا رآه الغلام خجل واستوحش وهم بالخروج فمنعناه وكان بحضرتنا تفاح كثير أحمر والفتى يكثر شمه والعبث به والتنقل منه في أثناء شربه فجعل شعر الزنج يتأمل الغلام ثم قال * يا قمرا في سعد أبراجه * وبيت أحزاني وأتراحي * * ويا قضيبا ماثلا مائلا * أكثر في حبي له اللاحي * * أبصرته في مجلس ساعة * والليل في حلة أمساح * * في فتية كلهم سيد * صالت عليهم سطوة الراح * * يعض تفاحا بتفاحة * ويشرب الراح على الراح * فخجل الغلام واحمر فقال شعر الزنج عدة مقاطيع والغلام يزداد خجلا وتوريدا فقلنا لشعر الزنج يكفيك قد أخجلت الفتى فأومأنا إليه بالقيام على الوفق الذي كان بيننا فوثب وهو يبكي وانصرف وقد انهار الليل فلم نزل في ذكره بقية ليلتنا إلى الصباح رحمه الله تعالى وعفا عنه 98 المقتدر بالله جعفر بن محمد أبو الفضل المقتدر بالله أمير المؤمنين ابن المعتضد بن العباس بن أبي أحمد طلحة بن المتوكل بويع بعد أخيه المكتفي بالله سنة خمس وتسعين ومائتين وعمره ثلاث عشرة سنة ولم يل أمر الأمة قبله أصغر منه ولهذا انخرم النظام في أيامه وجرت تلك العظائم وخلع في أول خلافته وبويع عبد الله بن المعتز فلم يتم الأمر وقتل ابن المعتز وأعيد المقتدر إلى الخلافة ثم خلع في سنة سبع عشرة وكتب خطه لهم بالخلع نفسه وبايعوا أخاه القاهر بالله محمدا ثم أعيد بعد ثلاثة أيام وجددت له البيعة وكان ربعة جميل الوجه أبيض مشربا بحمرة قد عاجله الشيب بعارضيه وكان له يوم قتل ثمان وثلاثون سنة قال المحسن التنوخي كان جيد العقل صحيح الذهن ولكنه كان مؤثرا
284 للشهوات لقد سمعت أبا الحسن علي بن عيسى يقول ما هو إلا أن يترك هذا الرجل يعني المقتدر خمسة أيام وكان ربما يكون في أصالة الرأي كالمأمون والمعتضد ورماه بربري بحربة فقتله في شوال سنة عشرين وثلاثمائة وكانت قتلته في الموكب رماه البربري غلام بليق وولى الخلافة من أولاده ثلاثة الراضي والمقتفي والمطيع وكذلك المتوكل قتل وولى من أولاده ثلاثة المستنصر والمعتز والمعتمد والرشيد ولى من أولاده ثلاثة الأمين والمأمون والمعتصم وأما عبد الملك بن مروان فولى من أولاده أربعة الوليد ويزيد وهشام وسليمان والملك العادل ولى من أولاده أربعة الكامل والأشرف والمعظم والصالح إسماعيل قلت والملك الناصر بن قلاون ولى من أولاده المنصور أبو بكر والأشرف كجك والناصر أحمد والصالح إسماعيل والكامل شعبان والمظفر حاجى والناصر حسن 99 جعفر العلوي جعفر بن أحمد العلوي الأديب المصري قال شهاب الدين القوصي في معجمه أنشدني الشريف جعفر المذكور لنفسه في مهندس مليح الصورة * وذي هيئة يزهى بحسن وصنعة * أموت به في كل يوم وأبعث * * محيط بأشكال الملاحة وجهه * كأن به إقليدسا يتحدث * * فعارضهخط استواء وخاله * به نقطة والصدغ شكل مثلث * وادعى هذه الأبيات النفيس القطرسي قال القوصى وأنشدني لنفسه في مليح مغن بيده طار * غنى بطار طار قلبي له * بأنمل كالأنجم الخمس *
285 * كأنه والطار في كفه * بدلا الدجى يلعب بالشمس * قال وأنشدني لنفسه * وأفينت نحوكم لأرفع مبتدا * شعري وأنصب خفض عيش أخضرا * * حاشاكم أن تقطعوا صلة الذي * أو تصرفوا من غير شيء جعفرا * قال وأنشدني لنفسه في طفاءة القناديل * طفاءة تنفث في * وسط القناديل الهبا * * لأنها نعامة * تلقط منها لهبا * توفى بعد الستمائة رحمه الله تعالى 100 أبو الفضل الدمشقي جعفر بن عبيد الله أبو الفضل الأنصاري الدمشقي كتب عنه ببغداد أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي وأبو الوفا بأحمد بن الحسين وتوفى سنة تسع وتسعين وأربعمائة ومولده سنة أربع وعشرين وأربعمائة من شعره * شربت على زهر البنفسج قهوة * بجنح الدياجي وهي في الكاس مقباس * * توهمتها في الكاس وهما فخلتها * لرقتها نورا يلوح به الكاس * * وقبلتها أحسو لذيذ شرابها * فقلت فمي المشكاة والراح نبراس * ومنه * لله يوم سرور قد نعمت به * فيه على الراح والريحان معتكف * * والكاس كالبدر في ليل الكسوف إذن * قد انجلى بعضه والبعض منكشف *
286 101 قمر الدولة بن دواس جعفر بن علي بن دواس أبو طاهر الكتامي المعروف بقمر الدولة من أهل مصر نشأ بطرابلس الشام وكان شاعرا رشيق الألفاظ عذب الإيراد لطيف المعاني وله في الغناء وضرب العود طريقة حسنة بديعة قدم بغداد وأقام بها مدة في خدمة قسيم الدولة البرسقى كان نديما له وتوفى بعد الخمسمائة من شعره * إن صار مولاي ذا يسار * فإنني ذلك المقل * * كالشمس إن زيدت ارتفاعا * يقصر فيء لها وظل * وقال * لما رأيت المشيب في الشعر الأسود * قد لاح صحت واحزني * * هذا وحق الإله أحسبه * أول خيط سدى من الكفن * وقال * أنا ممن إذا أتى * صاحب البيت للكرا * * تتجافى جنوبهم * كل وقت عن الكرى * وقال * لا يظن العدو أن انحنائي * كبرا عندما عدمت شبابي * * ضاع مني أعز ما كان من] * فأنا نار له في التراب * أرشق من هذا قول القائل * وعهدي بالصبا زمنا وقدى * حكى ألف ابن مقلة في الكتاب * * فقد أصبحت منحنيا كأني * أفتش في التراب على شبابي * ومن شعر قمر الدولة * تعجبت در من شيبي فقلت لها * لا تعجبي فطلوع البدر في السدف *
287 * وزادها عجبا أن رحت في سمل * وما درت در أن الدر في الصدف * وله * قلت لمن نادمني ليلة * عند التداني نح قمصانك * * فامتثل المرسوم من وقته * فقلت عند الصبح قم صانك * 102 جعفر بن قدامة جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب ذكره الخطيب فقال هو أحد مشايخ الكتاب وعلمائهم وكان وافر الأدب حسن المعرفة وله مصنفات في الكتابة وغيرها حدث على أبي العيناء وحماد بن إسحاق الموصلي والمبرد وغيرهم وروى عنه أبو الفرج الأصفهاني قال يا قوت قرأت في كتاب المحاضرات لأبي حيان قال قلت للعروضي أراك منخرطا في سلك ابن قدامة ومنصبا إليه ومتوفرا عليه وكيف يتفق بينكما وتأتلفان ولا تختلفان فقال اعلم أن الزمان وقت الاعتدال والرجل كما تعرفه في غاية البرد والغثاثة وأنا كما تعرفني وتثبتي فاعتدلنا إلى أن يغير الزمان ثم نفترق ونختلف ولا نتفق ثم أنشأ يقول * وصاحب أصبح من برده * كالماء في كانون أو في شباط * * ندمانه من ضيق أخلاقه * كأنهم في مثل سم الخياط * * نادمته يوما فألفيته * متصل الصمت قليل النشاط * * حتى لقد أوهمني أنه * بعض التماثيل التي في البساط * ومن شعره * تسمع مت قبلك بعض قولي * ولا تتسللن مني لواذا * * نعم أسقمت بالهجران جسمي * ومت بغصتي فيكون ماذا *
288 وكانت وفاة ابن قدامة في سنة ثمان وثلاثمائة رحمه الله تعالى 103 المتوكل العباسي جعفر بن محمد المتوكل على الله بن المعتصم بن الرشيد بويع له بالخلافة بعد موت أخيه هارون الواثق وذلك في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقتل سنة سبع وأربعين ومائتين وكان أسمر مليح العينين نحيف الجسم خفيف العارضين إلى القصر أقرب وأمه أم ولد اسمها شجاع ولما استخلف أظهر السنة وتكلم بها في مجلسه وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وإظهار السنة وبسط أهلها ونصرهم وقال إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة الخلفاء ثلاثة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قاتل أهل الردة حتى استجابوا وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بني أمية والمتوكل محا البدع وأظهر السنة وقال محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب إني جعلت دعائي في المشاهد كلها للمتوكل وذلك أن عمر بن عبد العزيز جاء الله به لرد المظالم وجاء بالمتوكل لرد الدين وقال يزيد المهلب يقال المتوكل يوما يا مهلبي إن الخلفاء كانت تغضب على الرعية لتطيعها وأنا ألين لهم لحبون ويطيعوني يقال إنه سلم عليه بالخلافة ثمانية كل منهم ابن خليفة منصور بن المهدي والعباس بن الهادي وأبو أحمد بن الرشيد وعبد الله بن الأمين وموسى بن المأمون وأحمد بن المعتصم ومحمد بن الواثق وابنه المستنصر بن المتوكل وكان جوادا ممدحا يقال ما أعطى خليفة ما أعطى المتوكل
289 وبايع بولاية العهد لولده المستنصر ثم أراد عزله وتولية أخيه المعتز لمحبته لأمه وكان يتهدده ويشتمه وبحط منزلته لأنه سأله النزول فأبى واتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لأنه صادر وصيفا وبغا فاتفقوا مع المستنصر على قتل أبيه فدخلوا عليه في مجلس لهوه وقتلوه رآه بعضهم في النوم فقال له ما فعل الله بك قال غفر لي بقليل من السنة أحييتها ورثى أيضا كأنه بين يدي اله تعالى فقيل له ما تصنع ههنا قال أنتظر محمدا ابني أخاصمه إلى الله الحكيم الكريم العليم وقيل كان له أربعة آلاف سرية وطيء الجميع ودخل دمشق وعزم على المقام بها لأنها أعجبته ونقل دواوين الملك إليها وأمر بالبناء بها فغلت عليه الأسعار وحال الثلج بين السابلة والميرة فأقام بها شهرين وياما ثم رحل إلى سامرا وكان قد بنى بأرض داريا قصرا عظيما ووقعت من قلبه بالموافقة وكان المتوكل قد أمر في سنة ست وثلاثين ومائتين بهدم قبر الحسين رضي الله عنه وهدم ما حوله من الدور وأن يعمل مزارع ويحرث ومنع الناس من زيارته وبقى صحراء وكان معروفا بالنصب فتألم المسلمون لذلك وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان وهجاه الشعراء دعبل وغيره وفي تلك يقول يعقوب بن السكيت وقيل هي للبسامي * تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما * * فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما * * أسفوا على ألا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما * 104 ابن حنزابة جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات الوزير المحدث أبو الفضل بن حنزابة بكسر الحاء المهملة وسكون النون وبعدها
290 زاي وبعد الألف باء وهي المرأة القصيرة الغليظة البغدادي نزيل مصر وزر أبوه للمقتدر في السنة التي قتل فيها المقتدر وتقلد أبو الفضل وزارة كافور الإخشيدي بمصر قال الخطيب كان يذكر أنه سمع من أبي القاسم البغوي وكان يملي الحديث بمصر وبسببه خرج الدارقطني إلى هناك وكان ابن حنزابة يريد يصنف مسندا فأقام عنده مدة وحصل بسببه له مال كثير وروى عنه الدارقطني أحاديه وولد ابن حنزابة سنة ثمان وثلاثمائة وتوفي سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ومن شعره رحمه الله تعالى * من أخمل النفس أحياها وروحها * ولم يبت طاويا منها على ضجر * * إن الرياح إذا اشتدت عواصفها * فليس تقصف إلا على الشجر * قال السلفي كان ابن حنزابة من الثقات مع جلالة ورياسة ولما مات كافور وزر لأبي الفوارس أحمد بن الأخشيد فقبض على جماعة من أربا ب الدولة وصادر يعقوب بن كلس فهرب إلى الغرب ووزر لبنى عبيد وكان قد أخذ منه أربعة آلاف دينار ثم إن ابن حنزابة لم يقدر على رضى الإخشيد فاختفى مرتين ونهبت داره ثم قدم أمير الرملة الحسن بن عبيد الله بن طغج وغلب على الأمور فصادر الوزير ابن حنزابة وعذبه فنزح إلى الشام سنة ثمان وخمسين ثم إنه بعد ذلك رجع إلى مصر وممن روى عنه الحافظ عبد الغني بن سعيد وكان الوزير في أيامه ينفق على أهل الحرمين من الأشراف وغيرهم واشترى دارا إلى جانب المسجد من أقرب الدور إلى القبر الشريف ليس بينها وبينه إلا حائط وأوصى أن يدفن فيها وقرر عند الأشراف ذلك فأجابوه فلما مات حمل تابوته من مصر إلى
291 الحرمين وخرج الأشراف من مكة وحملوه وسعوا به وطافوا ووقفوا به بعرفة ثم ردوه إلى المدينة ودفنوه في الدار التي اشتراها وحضر جنازته القاضي الحسين بن علي بن النعمان وقائد القواد وسائر الأكابر وقال المسبحي لما غسل جعل في فيه ثلاث شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم كان ابتاعها يمال عظيم وكانت عنده في درج مختوم الأطراف بالمسك وأوصى أن تجعل في فيه إذا مات ففعل ذلك وقال الشريف محمد بن أسعد بن الجواني المعروف بالنحوي كان الوزير يهوى النظر إلى الحشرات من الأفاعي والحيات والعقارب وأم أربعة وأربعين وما يجري هذا المجرى وكان في داره التي تقابل دار الشكالي قاعة لطيفة موجهة فيها تلك الحيات ولها قيم وفراش وحاوي مستخدمون برسم نقل سلل الحيات وحطها وكان كل حاوي في مصر يصيد ما يقدر عليه من الحيات ويتناهون في ذوات العجب نم أجناسها وفي الكبار وفي الغريب منها وكان يثيبهم على ذلك أجل ثواب ويبذل له الجزيل حتى يجتهدوا في تحصيلها وكان له وقت يجلس فيه على دكة مرتفعة ويدخل المستخدمون والحواة فيخرجون ما في تلك السلل ويطرحونه على ذلك الرخام ويحرشون بين الهوام وهوي يتعجب من ذلك ويستحسنه فلما كان ذات يوم أنفذ خلف ابن المدبر الكاتب وكان من كتاب أيامه ودولته وهو عزيز عنده ويسكن جواره فأنفذ يقول له في رقعة إنه لما كان البارحة وعرض علينا الحواة الحشرات الجاري بها العادات انساب منها الحية البتراء وذات القرنين الكبرى والعقربان الكبير وأبو صوفة
292 وما حصلوا لنا بعد عناء طويل ومشقة وجملة بذلناها للحواة ونحن نأمر الشيخ وفقه الله تعالى بالتوقيع إلى حاشيته بصون ما وجد منها إلى أن ينفذ الحواة بردها إلى سللها فلما وقف ابن المدبر عليها قلب الرقعة وكتب أتاني أمر سيدنا الوزير أدام الله تعالى نعمته وحرس مدته بما أشار إليه من أمر الحشرات والذي اعتمد عليه في ذلك أن الطلاق يلزمه ثلاثا إن بات هو أو أحد من أولاده في الدار والسلام 105 ابن ورقاء الشيباني جعفر بن محمد بن ورقاء بن محمد بن ورقاء الشيباني كان من بيت إمرة وتقدم وأدب ولد بسامرا سنة اثنتين وتسعين ومائتين وتوفي في شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وكان المقتدر يجريه مجرى بنى حمدان وتقلد عدة ولايات وكان شاعرا كاتبا جيد البديهة والروية كان يأخذ القلم ويكتب ما أراد من نثر ونظم كأنه عن حفظه وكان بينه وبين سيف الدولة مكاتبات بالشعر والنثر مشهورة ومن شعره * ولما عبثن بأوتارهن * قبيل التبلج أيقظنني * * جسن البوم وأتبعنها * بنقر المثاني فهيجنني * * عمدن لإصلاح أوتارهن * فأصلحنهن وأفسدنني * وله * هززتك لا أني علمتك ناسيا * لحقي ولا أني أردت التقاضيا * * ولكن رأيت السيف من بعد سله * إلى الهز محتاجا وإن كان ماضيا * ومنه * قالوا تعز لقد أسرفت في جزع * فالموت كأس عميم مر مشربه *
293 * فقلت إن غرامي والفقيه معا * بانا فما أنا مشغول بمطلبه * * قالوا فعينك أجممها فقد رمدت * من فيض دمع ملث القطر مسكبه * * فقلت ما لي فيها بعده أرب * هل يحفظ المرء شيئا ليس من أربه * * ما كنت أذخرها إلا لرؤيته * وللبكاء عليه إن فجعت به * 106 جعفر بن عبد العزيز جعفر بن محمد بن عبد العزيز بن أبي القاسم بن عمر بن سليمان بن إدريس ابن يحيى وأوصل الشيخ أثير الدين نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وأنشد للمذكور * لا تلثمنا إن رقصنا طربا * لنسيم هب من ذاك الخبا * * طبق الأرض بنشر عاطر * فيه للعشاق سر ونبا * * يا أهيل الحي من كاظمة * قد لقينا من هواكم نصبا * * قلتم جز لترانا بالحمى * وملأتم حيكم بالرقبا * * ليس أخشى الموت في حبكم * ليس قتلى في هواكم عجبا * * إنما أخشى على عرضكم * أن يقول الناس قولا كذبا * * استحلوا دمه في جبهم * فاجعلوا وصلى لقتلى سببا * توفي بعد الثمانين وستمائة تقريبا رحمه الله تعالى 107 جعيفران الموسوس جعيفران المرسوس بن علي بن أصفر بن السرى بن عبد الرحمن الأنباري من ساكني سارما ومولده بغداد وكان أبوه من أبناء جند خرسان وظهر لأبيه أنه
294 يختلف إلى بعض سراريه فطرده وحج تلك السنة وشكا ولده إلى موسى بن جعفر الكاظم فقال له موسى إن كنت صادقا عليه فليس يموت حتى يفقد عقله وإن كنت قد تحققت ذلك عليه فلا تساكنه في منزلك ولا تطعمه شيئا من مالك في حياتك وأخرجه عن ميراثك وسأل الفقهاء عن حيلة تخرجه عن ميراثه فدلوه على الطريق في ذلك فأشهد عليه أبا يوسف القاضي فلما مات أبوه أحضر القاضي الوصي وسأل جعيفران عن نسبه وتركة أبيه وأقام بينة عدولا فأحضر الوصي بينة عدولا تشهد على أبيه بما كان احتال على منعه ميراثه فلم ير أبو يوسف ذلك وعزم على أن يورثه فقال الوصي أنا أدفع هذا عن الميراث بحجة واحدة فأبى أبو يوسف أن يسمع منه وجعيفران يقول قد ثبت عندك أمري فلا تدفعني فاستمهل الوصي إلى غد وكتب في رقعة خبره وما قاله موسى بن جعفر ودفعها لمن دفعها إلى القاضي فلما قرأها دعا الوصي فاستحلفه على ذلك فحلف باليمين الغموس فقال تعال غدا مع صاحبك فحضرا إليه فحكم أبو يوسف للوصي فلما أمضى الحكم وسوس جعيفران واختلط وكان إذا ثاب إليه عقله قال الشعر الجيد وعن عبد الله بن سليمان الكاتب عن أبيه قال كنت ليلة أشرف من سطح داري على دار جعيفران وهو فيها وحده وقد تحركت عليه السوداء وهو يدور في الدار طول ليله ويقول * طاف به طيف من الوسواس * نفر عنه لذة النعاس * * فما يرى يأنس بالأناس * ولا يلذ عرة الجلاس * * فهو غريب بين هذي الناس * ولم يزل يرددها حتى أصبح ثم سقط كأنه بقلة ذابلة وعنه قال غاب عنا أياما وجاءنا عريان والصبيان خلفه وهم يصيحون به يا جعيفران يا خرا في الدار فملا بلغ إلي وقف عندي وتفرقوا عنه فقال يا أبا عبد الله * رأيت الناس يدعوني * بمجنون على حال *
295 * ولكن قولهم هذا * لإفلاسي وإقلالي * * ولو كنت أخا وفر * رخى ناعم البال * * رأوني حسن العقل * أحل المنزل الغالي * * وما ذاك على خبر * ولكن هيبة المال * قال فأدخلته منزلي فأكل وسقيته أقداحا ثم قلت له تقدر على أن تغير تلك القافية قال نعم ثم قال بديهة * رأيت الناس يرموني * أحيانا بوسواس * * ومن يضبط يا صاح * مقال الناس في الناس * * فدع ما قاله الناس * ونازع صفوة الكاس * * فتى حرا صحيح الود * دذا بر وإيناس * * وإن الخلق مغرور * بأمثالي وأجناسي * * ولو كنت أخا مال * أتوني بين جلاسي * * يحيوني ويحبوني * على العينين والرأس * * ويدعوني عزيزا غير * أن الذل إفلاسي * ثم قام ليبول فقال بعض من حضر أي معنى في عشرتنا لهذا المجنون العريان والله ما نأمنه وهو صاح فكيف وهو سكران وفطن جعيفران لقوله فخرج وهو يقول * وندامى أكلوني * إذ تغيبت قليلا * * زعموا أني مجنون * أرى العرى جميلا * * كيف لا أعرى وما أبصر * في الناس منيلا * * إن يكن قد ساءكم قربي * فخلوا لي السبيلا * * وأتموا يومكم سرر كم الله طويلا * قال فرقنا به واعتذرنا إليه وقلنا له والله ما نلتذ إلا بقربك وأتيناه بثوب
296 لبسه وأتممنا يومنا ذلك معه 108 جلدك وإلى دمياط جلدك بن عبد الله المظفري التقوى شجاع الدين والي دمياط قال شهاب الدين القوصي في معجمه أنشدني شجاع الدين جلدك لنفسه * خذوا حذركم من ساحر الطرف أغيد * فكم قتل العشاق عمدا ولا يدي * * ولا تردوا ماء بمدين حبه * فليس بها ما ينقع الهائم الصدى * * ولما نزلنا وادي الود لم أزل * أبل ثراه لاثما بتودد * * ونادى كليم الشوق مولاه ربه * فلما تجلى دك طور تجلدي * * وخر فؤادي صاعقا لم أفق لما * بدا من سنا ذاك الجمال المحمدي * * سألتكما يا أهل نجد وحاجر * على جمرات الوجد من هو منجدي * * وكم ليلة أفنيت بالرشف ثغره * وجرت على ذاك الشتيت المنضد * * وبات كما شاء اختياري على المنى * وبت وإياه كحرف مشدد * وسمع جلدك كثيرا من الحديث النبوي على الحافظ السلفي وروى عنه وعن مولاه تقي الدين عمر بن شاهنشاه ولى نيابة الإسكندرية ودمياط وشد مصر وذكر أنه نسخ بيده أربعا وعشرين ختمة وكان سمحا جوادا محبا للعلماء مكرما لهم يساعدهم بماله وجاهه وله غزوات مشهورة ومواقف مذكورة ومدح بالشعر وبنى بحماة مدرسة قال النفيس أحمد القرسي يمدحه بقصيدة منها * أحرقت يا ثغر الحبيب * حشاي لما ذقت بردك * * أتظن غصن البان يعجبني * وقد عاينت قدك * * أو خلت آس عذارك المخضر * يحمي منك وردك * * يا قلب من لانت معاطفه * علينا ما أشدك * * أتظنني جلد القوى * أو أن لي عزمات جلدك * وتوفي في شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة رحمه الله تعالى
297 109 جنكز خان جنكز خان طاغية التتار وملكهم الأول الذي خرب البلاد وقتل العباد ولم يكن للتتار قبله ذكر إنما كانوا ببادية الصين فملكوه عليهم وأطاعوه طاعة أصحاب نبي لنبيتهم وكان مبدأ ملكه سنة تسع وتسعين وخمسمائة واستولى على بخاري وسمرقند سنة ست عشرة واستولى على مدن خراسان سنة ثماني عشرة ولما رجع من حرب السلطان جلال الدين خوارزم شاه على نهر السند وصل إلى مدينة تنكث من بلاد الخطا فمرض بها ومات في رابع شهر رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة فكانت أيام مملكته خمسا وعشرين سنة وكان اسمه قبل أنيلي الملك تمرحين ومات على دينهم وكفرهم وخلف من الأولاد ستة وفوض الأمر إلى أو كتاي أحدهم بعدما استشار الخمسة الباقين فلما هلك امتنع أو كتاي من الملك وقال في إخوتي وأعمامي من هو أكر مني فل يزالوا به بعد أربعين يوما حتى تملك عليهم ولقبوه القان الأعظم ومعناه الخليفة فيما قيل وبعث جنوده وفتح الفتوحات وطالت أيامه وولى بعده موتكوكا وهو القان الذي هولاكو من بعض مقدميه وولى بعده أخوه قبلاي وطالت أيام قبلاي وبقي في الأمر إلى سنة أربع وسبعمائة ومات بمدينة خان بالق يقال إنه لما كان السلطان خوارزم شاه يغزو هؤلاء التتار ويقتلهم ويسبى ذراريهم وأولادهم ويمنعهم من الخروج عن حدود بلادهم اجتمعوا التتار وشكوا ما يلاقوا من خوارزم شاه وما هم فيه من الضيق والبلاء فقال له مجنكز خان إن ملكتموني عليكم والتزمتم لي بالطاعة واتباع اليسق الذي أضع لكم شرعه رددت خوارزم شاه عنكم فالتزموا له بذلك وكان مما وضعه لهم أنه قال كل من أحب امرأة بنتا كانت أو غيرها
298 لا يمنع من التزوج بها لو كان زبالا والمرأة بنت ملك وكان غرضه أن يتناكحوا بشهوة شديدة ويتضاعف نسلهم ويكثر عددهم فلما تقرر ذلك دخلوا على خوارزم شاه وعقدوا مهادنته عشرين سنة فما جاءت العشرون سنة إلا وهم أمم لا يحصون ولا يحصرون وكان من جملة ما قرره إنه إذا حرم القان على أحد شيئا فلا يحل له أن يأتيه إلى الممات وقرر لهم من رعف وهو يأكل قتل كائنا من كان وقرر لهم أن كل من لم يمض حكم اليسق ولم يعمل به قتل أيضا وأراد أن يذهب الكبار الذين فيهم لعلمه أنه يداخلهم الحسد له ويستصغرونه فتركهم يوما وهم على سماطه ورعف نفسه فلم يجسر أحد أن يمضى فيه حكمه لمهابته وجبروته فتركوه ولم يطالبوه بما قرره وهابوه في ذلك فتركهم أياما وجمعهم وقال لأي شيء ما أمضيتهم حكم اليسق في وقد رعفت وأنا آكل بينكم فقالوا لم نجسر على ذلك فقال لم تعملوا باليسق ولا أمضيتم أمره وقد وجب قتلكم فقتل أكابرهم واستراح منهم والترك يزعمون أنه ولد الشمس لأن في صحاريهم أماكن فيها غاب وذلك الغاب لا يقربه أحد من الذكران وأن أمه أعتقت فرجها وراحت إلى ذلك الغاب وغابت فيه مدة وأتتهم قالت هذا من الشمس لأن الشمس دخلت في فرجي في بعض الأيام وأنا أغتسل فحملت بهذا ويقال إنه كان حدادا والله أعلم 110 جوبان القواس جوبان بن مسعود بن سعد الله أمين الدين الدنيسري القواس التوزي كان من أذكياء العالم وكان له النظم الجيد وقال لشمس الدين الجزري اسمه رمضان وجوبان ولم يكن يعرف الخط ولا النحو وكانت كتابته من جهة التتويز في غاية القوة بحيث إنه استعار من
299 القاضي عماد الدين بن الشيرازي درجا بخط ابن البواب ونقل ما فيه إلى درج بورق التوز وألزق التوز على خشب وأوقف عليه ابن الشيرازي فأعجبه وشهد له أن في بعض ذلك أشياء أقوى من خط ابن البواب واشتهر بذلك في دمشق وبقى الناس يقصدونه يتفرجون عليه وكان له ذهن خارق وتوفي في حدود الثمانين وستمائة رحمه الله تعالى ومن شعره * إذا افتر جنح الليل عن مبسم الفجر * ولاح به ثغر من الأنجم الزهر * * وفاحت له من عابق الروضنكهة * رشفنا به برد الرضاب من الخمر * * وعهدي بوجه الأرض مبتسما فلم * تغرغر فيها الدمع من مقل الغدر * * إذا أرجف الماء النسيم لوقته * كساه شعاع الشمس درعا من التبر * * وبحر الرياض الخضر بالزهر مزبد * كأنا به في فلك مجلسنا نسري * * ومن شهب الكاسات بالنجم نهتدي * إذا تاه سارى العقل في لجة السكر * * نصون الحميا في القناني وإنما * نصون القناني بالحميا ولا ندري * * ولما حكى الراووق في العين شكله * وقد علق العنقود فيسالف الدهر * * تذكر عهدا بالكروم فكله * عيون على أيام عهد الصبا تجري * * عجبت له والراح تبكي به فكم * غدت بحباب الكاس باسمة الثغر * * إذا ما أتاني كأسها غير مترع * تحققت عين الشمس في هالة البدر * * يناولنيها مخطف الخصر أغيد * فلله ذاك الأغيد المخطف الخصر * * ينادمنا نظما ونثرا ولفظه * ومبسمه يغني عن النظم والنثر * * فلم يسقني كأس المدامة دون أن * سقاني بعينيه كئوسا من السحر * * وقال وفرط السكر يثنى لسانه * إلى غير ما يرضى التقى وهو لا يدري *
300 * ردوا من رضابي ما يعيض عن الطلا * إذا كان وجهي فيه يغني عن الزهر * * ومن كان لا تحوى ذراعاه مئزري * فدون الذي تحوى أنامله خصري * وقال أيضا * أصغى إلى قول الوشاة بجملتي * مستفهما عنه بغير ملال * * لتلقطي زهرات ورد حديثكم * من بين شوك ملامة العذال * وقال على طريقة الصوفية والتهكم بهم * مت في عشقي ومعشوقي أنا * ففؤادي من فراقي في عنا * * غبت عني فمتى أجمعني * أنا من وجدي مني في فنا * * أيها السامع تدري ما الذي * قلت والله ولا أدري أنا * وقال أيضا * ألذ العشق ما قتلا * وأشقى الناس من عذلا * * إذا جار الحبيب على * محبيه فقد عدلا * * أحاول أن يقال قضى * وأحذر أن يقال سلا * * ويمكن أن أموت جوى * وأما أن أحول فلا * * وبى قمر يقامرني * على اللحظات إن غفلا * * فما لاحظته إلا * تضرج خده خجلا * * وإن طالبته بالعدل * في حكم الهوى عدلا * وقال في البان * نفش غصن البان أذنابه * واهتز عند الصبح عجبا وفاح * * وقال من في الروض مثلي وقد * تعزى إلى غصني قدود الملاح * * فحدق النرجس يهزا به * وقال حقا قلته أو مزاح * * بل أنت بالطول تحامقت يا * مقصوف عدوا بالدعاوى القباح * * قال له البان أما تستحي * ما هذه إلا عيون وقاح *
301 قال أيضا * إذا كبرت نفس الفتى قل عقله * وأمسى وأضحى ساخطا متعتبا * * وإن جاء يستقضي من الناس حاجة * يرى أنها حق عليهم مرتبا * * وإن طالبوه الناس يوما بحقهم * لوى وجهه غيظا عليهم وقطبا * * يرى أن كل الناس قد خلقوا له * عبيدا وفي كل القلوب محببا * * فلا يرتضى إن لم يكن تحت أمره * من الكون يجري ما أراد وما أبى * وقال أيضا * لاح الهلال ابن يوميه فذكرني * شرب المدامة تجلى في يد الساقي * * كأنه شفق للكاس قد نقصت * بالميل والخمر شفاف عن الباقي * وقال في شبابة * وناطقة بأفواه ثمان * تميل بعقل ذي اللب العفيف * * لكل فم لسان مستعار * يخالف بين تقطيع الحروف * * تخاطبنا بلفظ لا يعيه * سوى من كان ذا طبع لطيف * * فضيحة عاشق ونديم راع * وهيبة موكب ومدام صوفي * وقال في طاسة * ومعشوقة تسقى المحب رضابها * بلثم هنى الرشف غير ممنع * * إذا استودعت ردت بغير خيانة * وإن ضربت أنت بغير توجع * * مبذلة لم تحم عن لثم لاثم * وصاحبها في غبطة بالتمتع * * تجود بما تحوي فتحيى ببذلها * وتنقل ما تملا وتحفظ ما تعى * * تقبلها الأفواه من كل جانب * فما خص منها موضع دون موضع وقال في منكورس * ظبي من الأتراك لا يتركني * أقطف بالمقلة وردخده * * نصف اسمه الأول منك لم يزد * وعكس باقيه شبيه قده * وقال أيضا * اربح وخذ بنسيئة * واشرب وكل وامطل ودافع * * فأحق ما أكل المحا * لي مال أرباب المطامع *
302 وقال في حمام * جئت أريد الحمام يوما * فغرني النقش والحصير * * حتى إذا جزت نلت ريحا * كأنما تنبش القبور * * والناس عند الصدور فيها * قد يبست منهم الصدور * * يغرف هذا من جرن هذا * وقد علا منهم الهرير * * أنقل خوف الوقوع رجلي * فيها كما ينقل الضرير * * جهنم لا يصاب فيها * وهج بل الكل زمهرير * * قد عرفت فالحديث عنها * بنحس أوصافها يسير * * وكلما جاءها زبون * قلنا ألم يأتكم نذير * وقال أيضا * حمانا الترك وانتهكوا حمانا * ولن يفي التواصل بالصدود * * حمونا بالصوارم والعوالي * وجاروا باللواحظ والقدود * وقال أيضا * عذول لا يمل ولا يميل * ووجد لا يقل ولا يقيل * * ومحبوب يلذ له عذابي * وإن لم أرضه فأنا الملول * * فجسمي مثل موثقه ضعيف * وليلى مثل موعده طويل * * يميل علي كل الميل ظلما * وبعض البعض ودى لا يميل * * أراق دمي بناظره وألوى * ألا يرضى وقد رضى القتيل * وقال مواليا * تغيب وتبطى أقول أسا تجي وأقوم * أحرد عليها وأمسيها مسا ميشوم * * تجى ومعها الشوا والنقل والمشموم * أسكت ومن هون قال الناس ذا مطعوم * وقال * أفارقه وأقول أني قد أنسليت * ورحت قلبي وزال الهم واتخليت * * واذكر مساويه في حقي إذا وليت * وإذا رجع جا نسيت الكل وانحليت * وقال دوبيت * جاءت سحرا تشق بحر الغلس * كالطيف توارت في ظلال الخلس *
303 * ما أطيب ما سمعت من منطقها * لا تسأل ما لقيته من حرسي * وقال * يمشي مرحا بتيهه والعجب * كالريم إذا خاف لحاق السرب * * ما يسرع في المشية إلا حذارا * أن ترسم عيني شخصه في قلبي * وقال * زارت سحرا تراقيب السمارا * رعيا وتراعى بالبيوت النارا * * بالمهجة أفدى خاطرا عن لها * حتى ركبت من أجلي الأخطارا * وقال * لا أستمع الحديث من غيركم * من لذة فكرس واشتغالي بكم * * ألوى نظري كأنني أفهمه * من قائله وخاطري عندكم * وقال * في وجنته من مهج العشاق * ما قام دليله على الإهراق * * والسالف قد دب على حمرتها * فالورد يرى من خلل الأوراق *
304 ((حرف الحاء)) 111 عرقلة الدمشقي حسان بن نمير أبو الندى الكلبي الدمشقي النديم الخليع المطبوع المعروف بعرقلة كان من أهل دمشق وكان السلطان صلاح الدين قد وعده لما كان بدمشق في أول أمرة وهو أمير من أمراء نور الدين أنه إن ملك مصر أعطاه ألف دينار فلما ملك مصر بعث إليه عرقلة يقول * قل للصلاح معيني عند إعساري * يا ألف مولاي أين الألف دينار * * أخشى من الأسر إن وافيت أرضكم * وما تفي جنة الفردوس بالنار * * فجد بها عاضديات موفرة * من بعض ما خلف الطاغي أخو العار * * حمرا كأسيافكم غرا كخيلكم * عتقا ثقالا كأعدائي وأطماري * فسير له ألفا وأخذ من إخوته مثلها فجاءه الموت فجأة ولم ينتفع بفجأة الغنى وكانت وفاته في سنة سبع وستين وخمسمائة وقد قارب الثمانين وكان أعور رحمه الله تعالى ومن شعره * أما دمشق فجنات مزخرفة * للطالبين بها الولدان والحور * * ما صاح فيها على أوتار قمر * إلا وغناه قمري وشحرور * * يا حبذا ودروع الماء تنسجها * أنامل الريح إلا أنها زور * وقال * ترى عند من أحببته لا عدمته * من الشوق ما عند يوما أنا صانع * * جميعي إذا حدثت عن ذاك أعين * وكلي إذا نوجيت عنه مسامع *
305 وقال * كتم الهوى فوشت عليه دموعه * من حر جمر تحتويه ضلوعه * * صب تشاغل ضب الربيع وزهره * زمنا وفي وجه الحبيب ربيعه * * يا لائمي فيمن تمنع وصله * عن صبه أحلى الهوى ممنوعه * * كيف التخلص إن تجنى أو جنى * والحسن شيء لا يرد شفيعه * * شمس ولكن في فؤاد يحرها * قمر ولكن في القباء طلوعه * * قال العواذل ما الذي استحسنته * منه وما يسبيك قلت جميعه * وقال 5 (يا معشر الناس حالي بينكم عجب * وليس يعلم إلا الله كيف أنا * * أحب سمر القنا من أجل مشبهها * لونا وأحسد حتى من به طعنا * * تنام أجفانه المرضى وقد زعموا * بأن كل مريض يألف الوسنا * * يهوى خلافي كما أهوى رضاه فإن * دنوت منه تناءى أو نأيت دنا * وقال من أبيات * أنا السموءل في حفظ الوفاء لهم * وهم إذا وعدوا بالوصل عرقوب * * ما في الخيام وقد سارت حمولهم * إلا محب له في الركب محبوب * * كأنما يوسف في كل راحلة * والحي في كل بيت منه يعقوب * وقال * بروق الغوادي أم بروق المباسم * أشاقك وهنا أم هديل الحمائم * * كأن بك الوجد الذي بي من الأسى * وقد عيل صبري بين واش ولائم * * تؤرق ورق الغوطتين لواحظي * وينحل جسمي حب غزلان جاسم * * أأحبابنا إن كنتم قد عزمتم * على البعد من أطلالكم والمعالم * * فلا ترسلوا برقا إلى غير ساهر * ولا تبعثوا طيفا إلى غير نائم * وقال * حي بالحي من قباب المصلى * منزلا مونقا وماء وظلا *
306 * فقرى جلق فباب الفراديس * فباب البريد عيشا تولى * * قال لي طيفهم سلوت هوانا * قلت لا والذي دنا فتدلى * * قال بل قل ما عهدناك فيه * قلت لا والذي لموسى تجلى * * كل شيء يمل منه إذا زاد * وحاشا هواكم أن يملا * * لو رآني مجنون ليلى إذا ما جن * ليلى لصام شكرا وصلى * * أتقلى من القلى ولعمري * أي صب من القلى ما تقلى * وقال أيضا * ميلوا إلى الدار من ذات اللمى ميلوا * كحلا وما جال في أجفانها ميل * * هذا بكائي عليها وهي حاضرة * لا فرسخ بيننا يوما ولا ميل * * كأنما قدها رمح ومبسمها * صبح وحسبك عسال ومعسول * * في كل يوم بعينيها ومبسمها * دمى ودمعي على الأطلال مطلول * * إني لأعشق ما يحويه برقعها * ولست أبغض ما يحوى السراويل * وقال في المروحة * ومحبوبة في القيظ لم تخل من يد * وفي البرد تقلوها أكف الحبائب * * إذا ما الهوى المقصور هيج عاشقا * أنت بالهوا الممدود من كل جانب * وقال رحمه الله تعالى * دمشق حييت من حي ومن ناد * وحبذا حبذا واديك من وادي * * يا رائحا غاديا عرج على بردى * وخلني من حديث الرائح الغادي * * كم قد شربت به من ماء دالية * في ظل دالية تنبيك عن عاد * * في جنب ساقية من كف ساقية * كادت تثنى بقد غير مياد * * لها بعيني إذا ماست معاطفها * جمال مياسة في عين مقداد * وقال * قال قوم بدا عذار وهيب * فاسل عنه فقلت لا كيف أسلو * * أنا جلد على لقا أسد عينيه * أأخشى عذاره وهو نمل * وقال * كثر الخئون وقلت الإخوان * فاليوم لا حسن ولا إحسان * * يا ليت شعري أين كنت من الدنا * والناس ناس والزمان زمان *
307 وقال * عارضاها إن تبدت عارضاها * وسلاها عن فؤاد ما سلاها * * بأبي جارية جائرة * ما شفت غلة قلبي شفتاها * * أتمنى قبلة من يدها * وسوائي مل من تقبيل فاها * وقال وكان أعور وله معشوق طويل * لي حبيب قده قدد * من السمر الرقاق * * من رآه ورآني * قال ذا غير اتفاق * * أعور الدجال يمشي * خلف عوج بن عناق * وقال في قوم مدحهم فأعطوه شعيرا * يقولون لم أرخصت شعرك في الورى * فقلت لهم إذ مات أهل المكارم * * أجاز على الشعر الشعير وإنه * كثير إذا خلصته من بهائم * وقال أيضا * عسى من ديار الظاعنين بشير * ومن جور أيام الفراق مجير * * لقد عيل صبري بعدهم وتكاثرت * همومي ولكن المحب صبور * * وكم بين أكناف الثغور متيم * كئيب غزته أعين وثغور * * سقى الله من سطرى ومقرى منازلا * بها للندامى نضرة وسرور * * ولا زال ظل النيرين فإنه * طويل وعيش المرء فيه قصير * * فيا بردى لا زال ماؤك باردا * عسى شيم من حافتيك نمير * * أبي العيش إلا بين أكناف جلق * وقد لاح فيها نضرة وسرور * * وكم بحمى جيرون سرب جآذر * حبائلهن المال وهي نفور * * ولكن سأحويه إذا كنت قاصدا * إلى بلد فيه الصلاح أمير * وقال وقد تولى صلاح الدين يوسف شحنكية دمشق في الأيام النورية * رويدكم يا لصوص الشآم * فإني لكم ناصح في المقال * * أتاكم سمى النبي الكريم * يوسف رب الحجى والجمال * * فذاك ي قطع أيدي النساء * وهذا يقطع أيدي الرجال *
308 وقال أيضا * عندي إليكم من الأشواق والبرحا * ما صير الجسم من فرط الضنى شبحا * * أحبابنا لا تظنوني سلوتكم * الحال ما حال والتبريح ما برحا * * لو كان يسبح صب في مدامعه * لكنت أول من في دمعه سبحا * * أو كنت أعلم أن البين يقتلني * ما بنت عنكم ولكن فات ما ذبحا * 112 أبو علي القرمطي الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي القرمطي مولده بالأحساء توفي بالرملة سنة ست وستين وثلاثمائة غلب على الشام وكان كبير القرامطة واستناب على دمشق وشاح بن عبد الله وقدم إلى دمشق وكسر جيش المصريين وقتل جعفر بن فلاح ثم توجه إلى مصر وحاصرها شهورا وكان يظهر طاعة أمير المؤمنين الطائع قال القاشي في كتابه الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار إن أبا علي القرمطي قال في بعض الليالي لكتابه أبي نصر بن كشاجم ما يحضرك في هذه الشموع فقال إنما نحضر مجلس السيد لنسمع كلامه ونستفيد من أدبه فقال القرمطي بديها * ومجدولة مثل صدر القناة * تعرت وباطنها مكتسى * * لها مقلة هي روح لها * وتاج على هيئة البرنس * * إذا غازلتها الصبا حركت * لسانا من الذهب الأملس * * وإن رنقت لنعاس عرا * وقطت من الرأس لم تنعس * * وتنتج في وقت تلقيحها * ضياء يجلى جدى الحندس *
309 * فنحن من النور في أسعد * وتلك من النار في أنحس * وكنيته أبو محمد وقيل أبو علي وسيأتي ذكر جده الحسن بن بهرام القرمطي أصل القرامطة إن شاء الله تعالى 113 ابن جكينا البغدادي الحسن بن أحمد بن محمد بن جكينا الشاعر البغدادي كان من ظراف الشعراء والخلعاء وأكثر أشعاره مقطعات وذكره العماد الكاتب وقال أجمع أهل بغداد على أنه يرزق أحد من الشعراء لطافة شعره توفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة رحمه الله تعالى من شعره * لا فتضاحي في عوارضه * سبب والناس لوام * * كيف يخفى ما أكابده * والذي أهواه نمام * وقال * تزايد القول فيه أن له * وردا جنيا في صفحة الخد * * فنكرشت عارضاه تشرع أنن * الشوك لا بد منه للورد * وقال * لما بدا خط العذار * يزين خديه بمشق * * وظننت أن سواده * فوق البياض كتاب عتقى * * فإذا به من سوء حظى * عهدة كتبت برقى * وقال * ولائم لام في اكتحالي * يوم استباحوا دم الحسين *
310 * فقلت دعني أحق عضو * ألبس فيه السواد عيني * أحسن منه قول أبي الحسين الجزار * ويعود عاشوراء يذكرني * رزء الحسين فليت لم يعد * * يا ليت عينا فيه قد كحلت * لشماتة لم تخل من رمد * * ويدا به لمسرة خضبت * مقطوعة من زندها بيدي * * أما وقد قتل الحسين به * فأبو الحسين أحق بالكمد * ولابن جكينا في الشريف ابن الشجري صاحب الأمالي * يا سيدي والذي يعيذك من * نظم قريض يصدا به الفكر * * ما فيك من جدك النبي سوى * أنك لا ينبغي لك الشعر * 114 أبو نصر الفارقي الحسن بن أسد بن الحسن بن الفارقي أبو نصر شاعر رقيق حواشي النظم كثير التجنيس كان في أيام نظام الملك والسلطان ملك شاه شمله منهما الجاه بعد أن قبض عليه لأنه تولى آمد وأعمالها باستيفاء مالها فخلصه الكامل الطبيب وكان نحويا رأسا وإماما في اللغة وصنف في الآداب تصانيف وله شرح اللمع الكبير كتاب الإفصاح في العويص وكتاب الألغاز اتفق أنه كان شاعر من العجم يعرف بالغساني وفد على أحمد بن مروان وكانت عادته إذا وفد عليه يكرمه وينزله ولا يستحضره إلا بعد ثلاثة أيام ولم يفتح عليه بشيء فأخذ قصيدة من شعر ابن أسد ولم يغير منها غير الاسم فغضب الأمير وقال هذا العجمي يسخر منا وأمر أن يكتب بذلك إلى ابن أسد فأعلم الغساني بعض الحاضرين بذلك فجهز الغساني غلاما له جلدا إلى
311 ابن أسد يدخل عليه ويعرفه العذر فوصل الغلام إلى ابن أسد قبل وصول قاصدا ابن مروان فملا علم ذلك كتب الجواب إلى ابن مروان أنه لم يقف على هذه القصيدة أبادا ولم يرها إلى في كتابه فملا وقف ابن مروان على الجواب أساء إلى الساعي وسبه وقال إنما تريد إساءتي بين الملوك ثم أحسن إلى الغساني وأكرمه غاية الإكرام وعاد إلى بلاده فلم يمض على ذلك مدة حتى اجتمع أهل ميافارقين ودعوا ابن أسد على أن يؤمروه عليهم وإقامة الخطبة للسلطان ملك شاه وإسقاط اسم ابن مروان فأجابهم إلى ذلك وحشد ابن مروان ونزل على ميافارقين فأعجزه أمرها فسير إلى نظام الملك والسلطان يستمدهما فأنفذا إليه جيشا ومدادا مع الغساني الشارع وكان قد تقدم عند السلطان فصدقوا الحملة على ميافارقين فملكوها عنوة وقبض على ابن أسد وجئ به إلى ابن مروان فأمر بقتله فقام الغساني وجرد العناية في الشفاعة حتى خلصه وكفله بعد عناء شديد ثم اجتمع به وقال أتعرفني قال لا والله ولكن أعرف أنك ملك من السماء من الله علي بك لبقاء مهجتي فقال أنا الذي أدعيت قصيدتك وسترت علي وما جزاء الإحسان إلا الإحسان فقال ابن أسد ما سمعت بقصيدة جحدت فنفعت صاحبها إلى هذه فجزاك الله خيرا وانصرف الغساني من حيث جاء وأقام ابن أسد مدة وتغيرت حاله وجفاه إخوانه وعاداه أعوانه ولم يقدر أحد على مرافدته حتى أضر به العيش فنظم قصيدة مدح بها ابن مروان فلما وقف عليها غضب وقال ما يكفيه أن يخلص منا رأسا برأس حتى يريد منا الرفد لقد أذكرني بنفسه اصلبوه فصلب سنة سبع وثمانين وأربعمائة ومن شعره * أريقا من رضابك أم رحيقا * رشفت فلست من سكرى مفيقا * * وللصهباء أسماء ولكن * جهلت بأن في السماء ريقا * ومنه * ولرب دان منك يكره قربه * وتراه وهو عشاء عينك والقذى *
312 * فاعرف وخل مجربا هذا الورى * واترك لقاءك ذا كفافا والق ذا * وقال * يا من جلا ثغره الدر النظيم ومن * تخال أصداغه السود العناقيدا * * اعطف على مستهام ضيم من أسف * على هواك وفي حبل العناقيدا * وقال * لا يصرف الهم إلا شدو محسنة * أو منظر حسن تهوان أو قدح * * والراح للهم أنفاها فخذ طرفا * منها ودع أمة في شربها قدحوا * * بكر تخال إذا ما المزج خالطها * سقاتها أنهم زندا بها قدحوا * وقال * تراك يا متلف جسمي ويا * مكثر إعلالي وإمراضي * * من بعد ما أضنيتني ساخط * علي في حبك أمراضي * وقال * قد كان قلبي صحيحا كالحمى زمنا * فمذ أبحت الهوى منه الحمى مرضا * * فلم سخطت على من كان شيمته * وقد أتحت له فيك الحمام رضا * * يا من إذا فوقت سهما لواحظه * أضحى لها كل قلب قلب غرضا * * أنا الذي إن يمت حبا يمت أسفا * وما قضى فيك نم أغراضه غرضا * * ألبست ثوب سقام فيك صار له * جسمي لدقته من سقمه عرضا * * وصرت وقفا على هم تجاذبني * أيدي الصبابة فيه كلما عرضا * * ما إن قضى الله شيئا في خليقته * أشد من زفرات الحب حين قضى * * فلا قضى كلف نحبا فأوجعني * إن قيل إن المحب المستهام قضى *
313 115 ناصر الدين بن النقيب الحسن بن شاور بن طرخان بن الحسن هو ناصر الدين بن النقيب الكناني المعروف بالفقيسي قال الشيخ أثير الدين أبو حيان جالسته بالقاهرة مرارا وكتبت عنه وكان نظمه حسنا وتوفي سنة سبع وثمانين وستمائة روى عنه الدمياطي والشيخ فتح الدين وغيره وله كتاب سماه منازل الأحباب ومنازه الألباب ذكر فيه المجاراة التي دارت بين أدباء عصره وبينه وهو في مجلدين وله ديوان مقاطيع في مجلدين وشعره جيد عذب منسجم فيه التورية الرائقة اللائقة المتمكنة وهو أحد فرسان تلك الحلبة الذين كانوا من شعراء مصر في ذلك العصر ومقاطيعه جيدة إلى الغاية رحمه الله فمن شعره * يا من أدار بريقه مشمولة * وحبابها الثغر النقي الأشنب * * تفاح خدك بالعذار ممسك * لكنه بدم القلوب مخضب * وقال * يا مالكي ولديك ذلي شافعي * ما لي سألت فما أجيب سؤالي * * فوخدك النعمان إن بليتي * وشكيتي من طرفك الغزالي * وقال * وما بين كفي والراهم عامر * ولست بها دون الورى ببخيل * * وما استوطنتها قط يوما وإنما * تمر عليها عابرا تسبيل * وقال * ما كان عيبا لو تفقدتني * وقلت هل اتهم أو أنجدا * * فعادة السادات من قبل أن * يفتقدوا الأتباع والأعبدا *
314 * هذا سليمان على ملكه * وهو بأخبار له يقتدي * * تفقد الطير وأجناسها * فقال ما لي لا أرى الهدهدا * وقال * أراد الظبي أن يحكى التفاتك * وجيدك قلت لا يا ظبي فاتك * * وفدى الغصن قدك إذ تثنى * وقال الله يبقى لي حياتك * * ويا آس العذار فدتك نفسي * وإن لم أقتطف بفمي نبأتك * * ويا ورد الخدود حمتك عني * عقارب صدغه فأمن جناتك * * ويا قلبي ثبت على التجني * ولم يثبت له أحد ثباتك * وقال * حدثت عن ثغره المحلى * فمل إلى خده المورد * * خد وثغر فجل رب * بمبدع الخلق قد تفرد * * هذا عن الواقدي يروى * وذاك يروى عن المبرد * وقال * أنا العذري فاعذرني وسامح * وجر علي بالإحسان ذيلا * * ولما صرت كالمجنون عشقا * كتمت زيارتي وأتيت ليلا * وقال * وجردت مع فقري وشيخوختي التي * تراها فنومي عن جفوني مشرد * * فلا يدعي غيري مقامي فإنني * أنا ذلك الشيخ الفقير المجرد *
315 وقال * أعملت نفسي في السماء وقد بدا * فيها هلال جسمه منهوك * * فكأنما هي ش قة ممدودة * وكأنه من فوقها مكوك * وقال * قالوا فلان ناظر فأجبت ما * هو ناظر إلا إلى أعطافه * * لم يدر مسح الأرض قلت أزيدكم * أخرى ولا مسح على أطرافه * وقال * الصب من بعدكم مفرد * ودمعه النيل وتغليقه * * وخده مما بكاكم دما * مقياسه والدمع تخليقه * وقال * وما بي سوى عين نظرت لحسنها * وذاك لجهلي بالعيون وغرتي * * وقالوا به في الحب عين ونظرة * لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي * وقال * قالا قد احترقت بالنار راحته * وهي الغمام ومنها الوابل الغدق * * وقال قوم وما ضلوا وما وهموا * بأنها النيل قلت النيل يحترق * وقال * أبلم قلدوه أمر الرعايا * وهو في حلية الوزارة عطل * * فهو بالبوق في الوزارة طبل * وهو في الدست حين يجلس يطل * وقال * يا غائبا لو قضيت من أسف * من بعده ما قضيت ما يجب * * ما ترك السقم بعد بعدك لي * والله جنبا عليه أنقلب *
316 وقال * يقول جسمي لنحولي وقد * أفرط بي فرط ضنى واكتئاب * * فعلت بي يا سقم ما لم يكن * تلبس الله عليه الثياب * وقال * لا تأسفن على الشباب وفقده * فعلى المشيب وفقده يتأسف * * هذاك يخلفه سواه إذا انقضى * ومضى وهذا إن مضى لا خلف * وقال * عجبت للشيب كنت أكرهه * فأصبح القلب وهو عاشقه * * وكنت لا أشتهي أراه فقد * أصبحت لا أشتهي أفارقه * وكتب إلى السراج الوراق تصحيف * مازلت مذ غبت عنك في بلدي * حتى إذا ما أزحت علتها * * أقمت أجرانها على عجل * وبعد خزنت غلتها * وكتب إليه ابن سعيد المغربي * أبا ساكني مصر غدا النيل جاركم * فأكسبكم تلك الحلاوة في الشعر * * وكان بتلك الأرض سحر وما بقي * سوى أثر يبدو على النظم والنثر * فأجابه ابن النقيب * ولما حللت الثغر زاد حلاوة * وحليته أغلى من الشذر والدر * * فرحت وبي شوق وما كنت شيقا * لملثم ذاك لولاك في الثغر * * فلا تطلبن سحر البيان بأرضنا * فكم فيه موسى مبطلا آية السحر * وكتب ابن النقيب إلى السراج الوراق * يا ساكن الروضة أنت المشتهي * من هذه الدنيا وأنت المقتضي *
317 * ويا سرور النفس بين الشعرا * أنت الرضى فيهم والمرتضى * * ويا سراجا لم تزل أنواره * تعيد مسود الليالي أبيضا * * ما لي أراك قاطعا لواصل * ومعرضا عن مقبل ما أعرضا * فأجابه السراج * يا سهم عتب جاء من كنانة * أصبت من سواد قلبي الغرضا * * لكن أسوت ما جرحته بما * أعقبته من العتاب بالرضا * * يا ابن النقيب ما أرى منقبة * إلا وأولتك الثناء الأبيضا * * إن ولائي حسن في حسن * إذ ما أرى لعمر أن يرفضا * وقال * قلدت يوم البين جيد مودعي * دررا نظمت عقودها من أدمعي * * وحدا بهم حادي المطى فلم أرى * قلبي ولا جلدي ولا صبري معي * * ودعتهم ثم انثنيت بحسرة * تركت معالم معهدي كالبلقضع 9 * * ورجعت لا أدري الطريق ولا تسل * رجعت عداك المبغضون كمرجعي * * وأشد ما بي في القضية شامت * قد جاءني في صورة المتوجع * * يا صاحبي أنصت لأخبار الهوى * حاشا لمثلك أن أقول ولا يعي * * إني أحدث في الهوى بعجائب * وغرائب حتى كأني الأصمعي * * يا نفس قد فارقت يوم فراقهم * طيب الحياة ففي البقا لا تطمعي * * هيهات يرجع شملنا بالأجرع * وتعود أحبابي الذي كانوا معي * * ما كان أحسننا وهم جيراننا * والشمل ملتئم بتلك الأربع * * بحياتكم جودوا علي تكرما * فعسى خيالكم يلم بمضجعي * * فلقد عدمت الصبر يوم فراقكم * وتضرمت نار الأسى في أضلعي * * يا نازحين فهل لكم من عدوة * نزح التفرق ما بقي من مدمعي * * إن لم تعودوا للديار وترجعوا * لهلكت من شوقي وفرط توجعي * * أترى يعود الدهر يجمع بيننا * ويلذ طيب حديثكم في مسمعي *
318 * ويقر قلب قد أطيل خفوقه * وتنام عين بعدكم لم تهجع * وقال * نحن إلا قطاعة الأجناد * وبواوات غز هذا النادي * * نحن إلا حكاية وخيال * وحديث لحاضر ولبادي * * نحن إلا غسالة لمرقدا * قدور تفرغت وزبادي * * نحن إلا زبالة ضمها الزبال * من فوق الكوم للوقاد * * جردونا فما قطعنا فردونا * وقد أحسنوا إلى الأغماد * * وعرضنا على براذين جيش * ما استعدت لحملة وطراد * * وأتينا من القماش إليهم * بخليع مرقع وكداد * * وسروج تطاير الجلد عما * كان من تحتها من الأعواد * * قد تبرت منها مياثرها اللبد * وخان البداد عهد الوكاد * * كشف الله ذلك الستر عنها * فرأينا عوراتهن بوادي * * ورماح لم تعتقل لطعان * وسيوف ما جردت لجلاد * * صدئت في الجفن من كثرة اللبث * وملت بها لطول الرقاد * * فهي لا فرق في يد الفارس الكشحان * منا أو في يد الحداد * * أترى من يكون في هذه الحال * مطيقا بيكار تلك البلاد * * ويخوض الفرات في شهر كانون * وكانون مصعب في القياد * * ودعوني بمفردي وما ذلك * إلا لوحدتي وانفرادي * * الرختى على قطارت بخت * أم وشاقيتي لجر الجياد * * كيف أقوى على الجهاد وخبزي * ما أراه يكفي لسفرة زادي * وقال رحمه الله * إذا صرصر البازي فلا ديك صادح * ولا فاخت في أيكة يترنم * * وما الموت إلا طيب طعمه إذا * تدايك فروج وزبزب حضرم * وقال * قالوا رأينا العلق ينفق مسرفا * والعلق لا شيء لديه لا معه * * فأجبتهم إنفاقه من سرمه * قالا صدقت لذاك ينفق من سعة *
319 وقال * يا ناظري ما خلت أنك هكذا * عونا علي وأنت من أعدائي * * أرميتني وفعلت بي والله ما * لا تفعل الأعداء بالأعداء * * فإذا ابتلاك الله يوما بالبكا * والسهد فاعلم أنه بدعائي * وقال * كم تجنيت أمرادا وتأليت * وكم تهت بالملاحة زائد * * ثم زال الجميع إذ صرت ألحى * وبقى وجهنا ووجهك واحد * وقال * يا قفل باب الرزق يا ذا الذي * ما زال عند الفتح قفلا عسر * * أفرطت في العسر ولا بد أن * تنفش أو تندق أو تنكسر * وقال * ألا يا أمير الملاح اتئد * فقد ذل من بالجمال انتصر * * ولا بد تعزل عما قليل * إذا قام عارضك المنتظر * وقال * قالت بماذا قصرت شعرا * من أسود الرأس والعذار * * فقلت إن تسألي فهذي * قصارة الليل والنهار * 116 ابن أبي حصينة الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة الأمير أبو الفتح توفي في حدود الخمسمائة رحمه الله تعالى من شعره يمدح أسد الدولة عطية بن صالح بن مرداس * سرى طيف هند والمطي بنا تسرى * فأخفى دجى ليلى وأبدي سنا فجري * منها * خليلي فكاني من الهم واركبا * فجاج الموامي الغبر في النوب الغبر *
320 * إلى ملك من عامر لو تمثلت * مناقبه أغنت عن النجم الزهر * * إذا نحن أثنينا عليه تلفتت * إليه المطايا مصغيات إلى جبر * * وفوق سرير الملك من آل صالح * فتى ولدته أمه ليلة القدر * * فتى وجهه أبهى من البدر منظرا * وأخلاقه أشهى من الماء والخمر * منها * أبا صالح أشكو إليك نوائبا * عرتني كما يشكو النبات إلى القطر * * لتنظر نحوي نظرة لو نظرتها * إلى الصخر فجرت العيون من الصخر * * وفي الدار خلفي صبية قد تركتهم * يطلون إطلال الفراخ من الوكر * * جنيت على روحي بروحي جناية * فأثقلت ظهري بالذي خف من ظهري * * فهب هبة يبقى عليك ثناؤها * بقاؤها * بقاء النجوم الطالعات التي تسرى * قال الأمير أسامة بن مرشد فملا فرغ من إنشاده أحضر الأمير أسد الدولة القاضي والشهود وأشهد على نفسه بتمليك ابن أبي حصينة ضيعة من ملكه لها ارتفاع كثير وأجازه وأحسن إليه فأثرى وتمول ولما امتدح نصر بن صالح بحلب قال له تمن قال أتمنى أن أكون أميرا فجعله أميرا يجلس مع الأمراء ويخاطب بالأمير وقربه وصار يحضر مجلسه في زمرة الأمراء ثم وهبه أيضا مكانا بحلب قبلي حمام الوساني فعمرها دارا وزخرفها وقرنصها وتمم بناءها وكم لحالها ونقش على دائرة الدرابزين * دار بنيناها وعشنا بها * في دعة من آل مرداس * * قوم محوا بؤسي ولم يتركوا * علي في الأيام من باس * * قل لبني الدنيا ألا هكذا * فليفعل الناس مع الناس * ولما تكامل عمل الدار عم لدعوة وأحضر إليها نصر بن صالح فلما أكل الطعام ورأى حسن بناء الدار ونقوشها وقرأ الأبيات قال يا أمير كم خسرت على بناء الدار قال يا مولانا مالي علم بل هذا الرجل تولى عمارتها فسأل
321 ذلك المعمار فقال غرم عليها ألفي دينار مصرية فأحضر من ساعته ألفي دينار مصرية وثوب أطلس وعمامة مذهبة وحصانا بطوق ذهب وسرفسار ذهب قال له * قل لبني الدنيا ألا هكذا * فليصنع الناس مع الناس * وبعد أيام حضر رجل من أهل المعرة ينبز بالزقوم كان من أراذلها وفيه رجلة فطلب خبز جندي فأعطى ذلك وجعل من أجناد المعرة فلما وصل نظم أحمد بن محمد الدويدة المعري * أهل المعرة تحت أقبح خطة * وبهم أناخ الخطب وهو جسيم * * لم يكفهم تأمير إبن حصينة * حتى تجند بعده الزقوم * * يا قوم قد سئمت لذاك نفوسنا * يا قوم أين الترك أين الروم * فاشتهرت الأبيات بالمعرة وحلب وسمعها الأمير أبو الفتح فعبر على باب ابن الدودية وسلم عليه وقال ويلك يا ابن الدويدة هجوتني والله ما بي هجو مثل ما بي من كونك قرنتني إلى الزقوم فضحك ابن الدويدة وقال الان والله كان عندي الزقوم وقال والله ما بي من الهجو ما بي من كونك قرنتني بابن أبي حصينة فقال له قبحك الله وهذا هجو ثان 117 شيخ الأكراد الحسن بن عدي بن أبي البركات بن صخر بن مسافر الملقب بتاج العارفين شمس الدين أبو محمد شيخ الأكراد وجده أب البركات هو أخو الشيخ عدي رحمه الله وكان شمس الدين من رجال العالم رأيا وهاء وله فضل وأدب وشعر وتصانيف في التصوف وله أتباع ومريدون يبالغون فيه قال الشيخ شمس الدين الذهبي وبينه وبين الشيخ عدي من الفرق كما بين
322 القدم والفرق وقد بلغ من تعظيم العدوية له أنه قدم عليه واعظ فوعظه حتى رق قلبه وبكى وغشى عليه فوثب الأكراد على الواعظ فذبحوه ثم أفاق الشيخ حسن فرآه يخبط في دمه فقال ما هذا فقالوا وإلا إيش هذا من الكلاب حتى يبكى سيدنا الشيخ فسكت حفظا لدسته وحرمته وخاف منه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فقبض عليه وحبسه ثم خنقه بوتر بقلعة الموصل خوفا من الأكراد لأنهم كانوا يشنون الغارات على بلاده فخشى لا يأمرهم بأدنى إشارة فيخربون بلاد الموصل وفي الأكراد طوائف إلى الآن يعتقدون أن الشيخ لا بد أن يرجع وقد تجمعت عندهم زكوات ونذور ينتظرون خروجه وما يعتقدون أنه قتل وكانت قتلته سنة أربع وأربعين وستمائة وله من العمر ثلاث وخمسون سنة ومن تصانيفه كتاب محك الإيمان والجولة لأرباب الخلوة وهداية الأصحاب وله ديوان شعر فيه شيء من الاتحاد من ذلك * وقد عصيت اللواحي في محبتها * وقلت كفوا فهتك الستر أليق بي * * في عشق غانية فيطرفها حور * في ثغرها شنب وجد يمن الشنب * * فنيت عني بها يا صاح إذ برزت * وغبت إذ حضرت حقا ولم تغب * * وصرتفردا بلا ثان أقوم به * وأصبح الكل والأكوان تفجر بي * * وكل معناي معناها وصورتها * كصورتي وهي تدعى ابنتي وأبي * وله دوبيت * الحكمة أن تشرب ضمن الحانات * خمرا قرنت بسائر اللذات * * من كف مهفهف متى ما تليت * آيات صفاته بدت من ذاتي * وله * سطا وله في مذهب الحب أن يسطو * مليح له في كل جارحة قسط * * ومن فوق صحن الخد للنقط غاية * تدل على ما يفعل الشكل والنقط *
323 118 الهمام العبدي الحسن بن علي بن نصر بن عقيل أبو علي العبدي الواسطي البغدادي المنعوت بالهمام مدح طائفة بالشام والعراق وأقام بدمشق وكان شيعيا روى عنه القوصي واتصل بخدمة الأمجد صاحب بعلبك توفي سنة ست وتسعين وخمسمائة ذكره العماد الكاتب في الخريدة ومن شعره * ذما معي قلبي وليلى في الهوى * فكلاهما بالطيف ثم وأخبرا * * ذا أيقظ الرقباء فرط وجيبه * بين الضلوع وذاك أشرق إذ سوى * وله أيضا * أين من ينشد قلبا * ضاع يوم البين منى * * تاه لما راح يقفو * أثر الظبي الأغن * * سكن البيد فعلمي * فيهما لا رجم ظن * * إن هذا في لظى حزن * وذا في روض حسن * * نح معي شوقا إلى البانة * يا ورق وغنى * * كلنا قد علم الحبب * بنا عاشق غصن * 119 المهذب ابن الزبير الحسن بن علي بن إبراهيم بن الزبير أبو محمد الملقب بالقاضي المهذب وهو أخو القاضي الرشيد توفي القاضي المهذب المذكور في ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة بمصر وكان كاتبا مليح الخط جيد العبارة مليح الألفاظ وكان أشعر من أخيه الرشيد واختص بالصالح ابن رزيك ويقال إن أكثر الشعر الذي في
324 ديوان الصالح إنما هو شعر المهذب وحصل له من الصالح مال جم وكان القاضي عبد العزيز بن الجباب هو الذي قدمه عند الصالح ولما مات ابن الجباب شمت به المهذب ومشى في جنازته بثياب مذهبة فاستقبح الناس فعله ونقص بهذا السبب ولم يعش بعده إلا شهرا واحدا وصنف المهذب كتاب الأنساب وهو أكثر من عشرين مجلدة كل مجلد عشرون كراسة قال ياقوت رأيت بعضه فوجدته مع تحققي بهذا العلم وبحثي عن كتبه لا مزيد عليه وكان المهذب قد مضى رسولا إلى اليمن عن بعض ملوك مصر واجتهد هناك في تحصيل كتب النسب وجمع منها ما لم يجتمع عند أحد رحمه الله تعالى ومن شعره * لقد طال هذا الليل بعد فراقه * وعهدي به قبل الفراق قصير * * وكيف أرجى الصبح بعدهم وقد * تولت شموس بعدهم وبدور * ومنه * أقصر فديتك عن لومي وعن عذلي * أو لا فخذ لي أمانا من ظبا المقل * * من كل طرف مريض الجفن ينشدني * يا رب رام بنجد من بني ثعل * * إن كان فيه لنا وهو السقيم شفا * فربما صحت الأجسام بالعلل * وله في رفاء * بليت برفاء لواحظ طرفه * بنا فعلت ما ليس يفعله النصل * * يجور على العشاق والعدل دأبه * ويقطعني ظلما وصنعته الوصل * ومنه * ولئن ترقرق دمعه يوم النوى * في الطرف منه وما تناثر عقده * * فالسيف أقطع ما يكون إذا غدا * متحيرا في صفحتيه فرنده * وقال يرثى صديقا له وقع المطر يوم موته
325 * بنفسي من أبكى السموات فقده * بغيث ظنناه نوال يمينه * * فما استعبرت إلا أسى وتأسفا * وإلا فماذا القطر في غير حينه * ومنه * لا ترج ذا نحس وإن أصبحت * من دونه في الرتبة الشمس * * كيوان أعلى كوكب موضعا * وهو إذا أنصفته نحس * وله * إذا أحرقت في القلب موضع سكناها * فمن ذا الذي من بعد يكرم مثواها * * وإن نزفت ماء الدموع بهجرها * فمن أي عين تأمل العيس سقياها * * وما الدمع يوم البين إلا لآليء * على الرسم في رسم الديار نثرناها * * وما أطلع الزهر الربيع وإنما * رأى الدمع أجياد الغصون فحلاها * * ولما ابان البين سر صدورنا * وأمكن فيها الأعين النجل مرماها * * عددنا دموع العين لما تحدرت * دروعا من الصبر الجميل نزعناها * * ولما وقفنا للوداع وترجمت * لعيني عما في الضمائر عيناها * * بدت صورة في هيكل فلواننا * ندين بأديان النصارى عبدناها * * وما طربا صغنا القريض وإنما * جلا اليوم مرآة القرائح مرآها * * وليلة بتنا في ظلام شبيبتي * سراي وفي ليل الذوائب مسراها * * تأرج أرواح الصبا كلما سرى * بأنفاس ريا آخر الليل رياها * * ومهما أدرنا الكأس باتت جفونها * من الراح تسقينا الذي قد سقيناها * منها * ولو لم يجد يوم الندى في يمينه * لسائله غير الشبيبة أعطاها * * فيا ملك الدنيا وسائس أهلها * سياسة من ساس الأمور وقاساها * * ومن كلف الأيام ضد طباعها * وعاين أهوال الخطوب وعاناها * * عسى نظرة تجلو بقلبي وخاطري * صداه فإني دائما أتصداها *
326 وله * فيا صاحبي سجن الخزانة خليا * نسيم الصبا ترسل إلى كبدي نفحا * * وقولا لضوء الصبح هل أنت عائد * إلى ناظري أم لا أرى بعدها صبحا * * ولا تيأسا من رحمة الله أن أرى * سريعا بفضل الكامل العفو والصفحا * * فإن تحبساني في التخوم تجبرا * فلن تحبسا مني له الشكر والمدحا * ومنه * وما لي إلى ماء سوى النيل غلة * ولو أنه أستغفر الله زمزم * كان القاضي المهذب رحمه الله تعالى لما جرى لأخيه الرشيد ما جرى من اتصاله بصلاح الدين بن أيوب قبض شاور على المهذب وحبسه فكتب إليه يستعطفه فلم ينفع فيه فالتجأ إلى ولده الكامل شجاع وكتب إليه أشعارا كثيرة من جملتها هذه التي قدمناها فقام بأمره واصطنعه وضمه إليه بعد أن أم رأبوه شاور بصلبه ومن شعر المهذب * أعلمت حين تجاور الحيان * أن القلوب مواقد النيران * * وعلمت أن صدورنا قد أصبحت * في القوم وهي مرابض الغزلان * * وعيوننا عوض العيون أمدها * ما غادروا فيها من الغدران * * ما الوخد هز قناتهم بل هزها * قلبي لما فيه من الخفقان * * وتراه يكره أن يرى أظعانهم * وكأنما أصبحت في الأظعان * ومنه القصيدة التي كتبها إلى الداعي لما قبض على أخيه باليمن يستعطفه على أخيه الرشيد فأطلقه وهي * يا ربع أين ترى الأحبة يمموا * هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا * * نزلوا ن العين السواد وإن نأوا * ومن الفؤاد مكان ما أنا أكتم * * رحلوا وفي القلب المعنى بعدهم * وجد على مر الزمان مخيم * * رحلوا وقد لاح الصباح وإنما * تسرى إذا جن الظلام الأنجم *
327 * وتعوضت بالأنس روحي وحشة * لا أوحش الله المنازل منهم * * إني لأذكركم إذا ما أشرقت * شمس الضحى من نحوكم فأسلم * * لا تبعثوا لي في النسيم تحية * إني أغار من النسيم عليكم * * إني امرؤ قد بعت حظي راضيا * من هذه الدنيا بحظي منكم * * فسلوت إلا عنكم وقنعت إلا * منكم وزهدت إلا فيكم * * ما كان بعد أخي الذي فارقته * ليبوح إلا بالشكاية لي فم * * هو ذاك لم يملك علاه مالك * كلا ولا وجدي عليه متمم * * أقوت مغانيه وعطل ربعه * ولربما هجر العرين الضيغم * * ورمت به الأهوال همة ماجد * كالسيف يمضى غربه ويصمم * * يا راحلا بالمجد عنا والعلا * أترى يكون لكم علينا مقدم * * يفديك قوم كنت واسط عقدهم * ما إن لهم مد غبت شمل ينظم * * جهلوا فظنوا أن بعدك مغنم * لما رحلت وإنما هو مغرم * * ولقد أر العين أن عدا كقد * هلكوا ببغيهم وأنت مسلم * منها * أقيال بأس خير مضن حمل القنا * وملوك قحطان الذين هم هم * * متواضعين ولو ترى ناديهم * ما اسطعت من إجلالهم تتكلم * * وكفاهم شرفا ومجدا أنهم * أن أصبح الداعي المتوج منهم * * هو بدر تم في سماء علائهم * وبنو أبيه بنو زريع أنجم * * ملك حماه جنة لعفاته * لكنه للحاسدين جهنم * منها * مع أنني سيرت فيك شواردا * كالدر بل أبهى لدي من يفهم * * تغدو وهوج الذاريات رواكد * وتبيت تسري والكواكب نوم *
328 120 أبو البدر الإسكافي الحسن بن علي بن سالم المعمر بن عبد الملك بن باهوج الإسكافي الأصل البغدادي المولد والدار أبو البدر بن أبي منصور أحد الكتاب المتصرفين في خدمة الديوان الإمامي هو وأبوه وكان فيه فضل وله أدب بارع وعربية ويكتب خطا حسنا على طريق ابن مقلة قل نظيره فيه ولقي المشايخ وصنف عدة تصانيف في الأدب وتنقل في الولايات وصحب أبا محمد بن الخشاب النحوي مدة وقرأ عليه وعلق عنه تعاليق وحج وجاور بمكة ثم صار إلى الشام وأقام بحلب مدة ثم انتقل إلى مصر وسكنها إلى أن مات سنة ست وتسعين وخمسمائة رحمه الله تعالى وطول ياقوت ترجمته ومن شعره * خليلي هل تشفى من الوجد وقفة * بخيف مني والسامرون هجوع * * وهل للييلات المحصب عودة * وعيش مضى بالمأزمين رجوع * * وهل سرحة بالسفح من أيمن الصفا * رعت من عهودي ما أضاع مضيع * * وهل قوضت خيم على أبرق الحمى * وما ذاك من غدر الزمان بديع * * وهل تردن ماء بشعب ابن عمر * حوائم لو يقضى لهن شروع * * وما ذاك إلا عارض من طماعة * له بقلوب العاشقين ولوع * * وإني متى أعص التجلد والأسى * فللشوق مني والغرام مطيع * * فيا جيرتي إذ للزمان نضارة * وعودي نضار والخيام جميع * * بنعمان والأيام فينا حميدة * ووادي الهوى للنازلين مريع * * كفى حزنا أنى أبيت وبيننا * من البيد معروض الفجاج وسيع * * أعالج نفسا قد تولى بها الأسى * وطرفا يجف المزن وهو مريع *
329 121 الحسن الساسكوني الحسن بن علي بن حسن بن علي بن كثير بن علي العامري الساسكوني الحموي الشاعر توفي بعد الستمائة رحمه الله تعالى من شعره * أيروم هذا القلب برء جراحه * وسيوف لحظك تنتضى لكفاحه * * يا مستبيح دم المتيم عامدا * أنسيت يوم البعث حمل جناح * * نظري الذي في الحب قد أفسدته * إفساده في الحب عين صلاحه * * حتام تطرف طرف ضعيني بالبكا * وإلام ض طرفي مولع بطماحه * * يا ويح مودع سره في جفنه * فلقد أراد الستر من فضاحه * * ليت الحبيب غداة أثمر خده * لم يحم عن عيني جنى تفاحه * * يا لائم المشتاق يبغي نصحه * مره بهم لتكون من نصاحه * * أو فانظر الرشأ الذي خلخاله * لو شاء صيره مكان وشاحه * * يفتر عن شبم تلألأ نوره * كالروض لاح لديك نور أقاحه * * ويدير ناظره فيسكرنا فقل * برشا ينوب بعينه عن راحه * منها في المديح * ملك إذا رتج العدا أبوابهم * كانت مفاتحها رءوس رماحه * * يرجى ويخشى فالمنية والمنى * مقرونتانبصفحه وصفاحه * * سمح لو ان الغيث كلم قبله * بشرا لعنفه لفرط سماحه * * هو بحر جود فابتعد عن لجه * لا يغرقنك وادن من ضحضاحه * * يعلو ينزل للرعية فضله * كالطود يدفع ماءه لبطاحه * وقال يمدح زين الدين أتابك * أعن لؤلؤ رطب تبسمت أم ثغر * ومن ريقة أسكرتني أم من الخمر * * وعطفك تيها ماس أم خوط بانة * وطرفك أم هاروت ينفث بالسحر *
330 * فعنك نهاني لائمي ولوانه * يحاول نصحي بدل النهى بالأمر * * وها إنذري إن كنت ناذرة دمي * لديك ويا شوقي إلى ذلك النذر * * وإني لأهوى أن تبوئي بقتلتي * ليبعثني خصما لك الله في الحشر * وقال أيضا يهجو عروضيا نحويا * لا تنكروا ما ادعى فلان من الشعر * إذا قيل إنه شاعر * * فالنحو ثم العروض قد شهدا * له على الشعر أنه قادر * * يقصر ممدوده ويرفعه * في الجر نصب الغرمول في الآخر * * يريك وهو البسيط دائرة * تجمع بين الطويلوالوافر * وقال في طراحة فيروز أخضر * أنا أرض تغار مني السماء * إذ يطاني بأخمصيه البهاء * * فاض من كفه المنى فاستدارت * في حواشيه روضة غناء * وقال وقد ناوله مليح خاتما فصه عقيق ولوزاته فضة * وأهيف ناولني خاتما * فخلته نازلني فاه * * كأنما الفص ولوزاته * لسانه بين ثناياه * * وفضل فيه أنه خاتم * من فضة صياغه الله * 122 بدر الدين بن هود الحسن بن علي بن عضد الدولة أبي الحسن أخي المتوكل على الله ملك الأندلس بن يوسف بن هود الجذامي قال الشيخ أثير الدين رأيته بمكة وجالسته وكان يظهر منه الحضور مع من يكلمه ثم لا تظهر الغيبة منه وكان يلبس نوعا من الثياب مما لم يعهد لبس مثله بهذي البلاد وكان يذكر أنه يعرف شيئا من علوم الأوائل وكان له شعر منه
331 * خضت الدجنة حتى لاح لي قبس * وبان بان الحمى من ذلك القبس * * فقلت للقوم هذا الربع ربعهم * وقلت للسمع لا تخلو من الحرس * * وقلت للعين غضي عن محاسنه * وقلت للنطق هذا موضع الخرس * وقال الشيخ شمس الدين هو الشيخ الزاهد الكبير أبو علي بن هود المرسى أحد الكبار في التصوف على طريقة الوحدة مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمرسية وكان أبوه نائب السلطنة بها حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا وسكرة عن ذاته وغفلة عن نفسه فسافر وترك الحشمة وصحب ابن سبعين واشتغل بالطب والحكمة وزهديات الصوفية وخلط هذا بهذا وحج ودخل اليمن وقدم الشام وكان ذا هيبة ووقار وشيبة وسكون وفنون وتلامذه وزبون وكان على رأسه قبع كشف وعلى جسده دلق كان غارقا في الفكرة عديم اللذة متواصل الأحزان فيه انقباض عن الناس وحمل مرة إلي وإلى البلد وهو سكران أخذوه من حارة اليهود فأحسن الوالي به الظن وأطلقه وقال سقاه اليهود خبثا منهم ليغضوا عنه بذلك وكان قد نالهم منه أذى وأسلم على يده جماعة منهم سعيد وبركات وكان يحب الكوارع المغمومة فدعوه إلى بيت واحد منهم وقدموا له ذلك فأكل ثم غاب ذهولا على عادته فأحضروا الخمر فلم ينكر حضورها فأداروها ثم ناولوه منها قدحا فاستعمله تشبها بهم فلم اسكر أخرجوه على تلك الحال وبلغ الخبر الوالي فركب وحضر إليه وأردفه خلفه وبقى الناس خلفه يتعجبون من أمره وهو يقول لهم بعد كل فترة أي وأيش قد جرى ابن هود يشرب العقار يعقد القاف كافا في كلامه وكان يشتغل اليهود عليه في كتاب الدلالة وهو مصنف في أصول دينهم للريس موسى قال الشيخ شمس الدين قال شيخنا عماد الدين الواسطي أتيت إليه وقلت له أريد أن تسلكني فقال من أي الطرق من الموسوية أو العيسوية أو المحمدية
332 وكان إذ طلعت الشمس يستقبلها ويصلب على وجهه وصحبه العفيف عمران الطبيب والشيخ سعيد المغربي وغيرهما ولا صلى عليه قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وجفن بسفح قاسيون سنة تسع وتسعين وستمائة قال الشيخ صلاح الدين الصفدي كان بعض الأيام يقول لتلمذه سعيد أرني فاعل النهار في أخذه بيده ويصعد إلى سطح فيقف باهتا إلى الشمس نصف نهار وكان يمشي في الجامع باهت الطرف ذاهل العقل وهو رافع إصبعه السبابة كالمتشهد وكان يوضع في يده الجمر فيقبض عليه ذهولا عنه فإذا أحرقه رجع إلى حسه وألقاه من يده وكان تحفر له الحفر في طريقه فيقع فيها ذهولا وغيبة ومن شعره عفا الله عنه وتجاوز * فوادي من محبوب قلبي لا يخلو * وسرى على فكري محاسنه يجلو * * ألا يا حبيب القلب يا من بذكره * على ظاهري من باطني شاهد عدل * * تجليت لي مني علي فأصبحت * صفاتي تنادى ما لمحبوبنا مثل * * أورى بذكر الجزع عنه وبانه * ولا البان مطلوبي ولا قصدي الرمل * * وأذكر سعدي في حديثي مغالطا * بليلى ولا ليلى مرادي ولا جمل * * ولم أر في العشاق مثلي لأنني * تلذ لي البلوى ويحلو لي العذل * * سوى معشر حلوا النظام ومزقوا الثياب * فلا فرض عليهم ولا نفل * * مجانين إلا أن ذل جنونهم * عزيز على أعتابهم يسجد العقل * وله قصيدة أولها * علم قومي بي جهل * إن شاني لأجل * منها * أنا عبد أنا رب * أنا عز أنا ذل * * أنا دنيا أنا أخرى * أنا بعض أنا كل *
333 * أنا معشوق لذاتي * لست عني الدهر أسلو * * فوق عشر دون تسع * بين خمس لي يحل * هي طويلة جدا والله أعلم بحاله 123 بدر الدين ابن المحدث الحسن بن علي الشيخ بدر الدين ابن المحدث الكاتب المجود كان فاضلا ينظم وينثر وله كتاب برا باب الجابية بدمشق وكان يكتب العصر بالأمنية كتب عليه جماعة وكتب هو على الشيخ نجم الدين بن البصيص توفي في سنة اثنتين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين وسبعمائة وقد ناهز السبعين كان الملك الأوحد له معه صحبة فتحدث له مع الأفرم أن يدخل ديوان الإنشاء بدمشق فرسم له بذلك فأبى فلامه الملك الأوحد على ترك ذلك فقال أنا إذا دخلت إلى الديوان ما يرتب لي أكثر من خمس الدراهم كل يوم وما يجلسوني فوق بني فضل الله ولا بني القرنسي ولا بنى القيسراني ولا فوق بني غانم وما يجلسوني إلا دونهم ولو تكلمت قالوا بصر المصفعة واحد كان فقيه كتاب يريد يقعد فوق السادة الموقعين وإن جا سفر ما يخرجون غيري وإن تكلمت قالوا ابصر المصفعة قال يحتشم على السفر في ركاب ملك الأمراء وها أنا كل يوم أحصل من المكتب الثلاثون درهما والأكثر والأقل وأنا كبير هذه الصناعة وأحكم في أولاد الرؤسا والمحتشمين ومن شعره في فرحة بنت المخايلة المغنية * ما فرحتي إلا إذا واصلت * فرحة بين الكس والكاس * * لا أن أراها وهي في مجلس * ما بين طباخ وهراس * ومن شعره * وقد عنفوني في هواه بقولهم * ستطلع منه الدقن فاصبر على الحزن *
334 * فقلت لهم كفوا فإني واقع * وحقكم بالوجد فيه إلى الدقن * 124 أبو الجوائز الواسطي الحسن بن علي بن محمد الكاتب أبو الجوائز الواسطي أقام ببغداد زمنا طويلا وذكره الخطيب في تاريخه وقال علقت عنه أخبارا وحكايات وأناشيد وأمالي عن ابن سكرة الهاشمي وغيره ولم يكن ثقة فإنه ذكر لي أنه سمع من ابن سكرة وكان يصغر عن ذلك وكان أديبا شاعرا ومن شعره * دع الناس طرا واصرف الود عنهم * إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح * * ولا تبغ من دهر تظاهر رنقه * صفاء بنيه فالطباع جوامح * * وشيئان معدومان في الأرض درهم * حلال وخل في المودة ناصح * ومن شعره * يا خجلتي من قولها * خان عهودي ولها * * وحق من صيرني * وقفا عليها ولها * * ما خطرت بخاطري * إلا كستنى ولها * وقال أيضا * براني الهوى برى المدى وأذابني * صدودك حتى صرت أنحل من أمس * * فلست أرى حتى أراك وإنما * يبين هباء الذر في ألق الشمس * وكانت وفاته في سنة ستين وأربعمائة رحمه الله
335 125 أبو العالية الشامي الحسن بن مالك أبو العالية الشامي مولى للعميين وبنو العم قوم من فارس نزلوا البصرة في بني تميم أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وغزوا مع المسلمين فحمدوا بلاءهم وقالوا لهم أنتم وإن لم تكونوا من العرب إخواننا وأهلنا وأنتم الأنصار وبنو العم فلقبوا بذلك ونزل أبو العالية البصرة ثم قدم بغداد فأدب العباس ابن المأمون وكان أديبا شاعرا راوية من أصحاب الأصمعي وكان إذا جالس الأصمعي أو غيره وتكلم معه انتصف منه وزاد عليه ومن شعره * ولو أنني أعطيت من دهري المنى * وما كل من يعطي المنى بمسدد * * لقلت لأيام مضين ألا ارجعي * وقلت لأيام أتين ألا ابعدي * حدث المبرد قال الجماز لأبي العالية كيف أصبحت قال أصبحت على غير ما يحب الله وغير ما أحب أنا وغير ما حب إبليس لأن الله عز وجل يحب أن أطيعه ولا أعصيه ولست كذلك وأنا أحب أن أكون على غاية الجدة والثورة ولست كذلك وإبليس يحب أن أكون منهمكا في المعاصي واللذات ولست كذلك ومن شعره أيضا * أذم بغداد والمقام بها * من بعد ما خبرة وتجريب * * ما عند سكانها لمعتبط * رفد ولا فرجة لمكروب * * قوم مضوا عيدهم مطرزة * بزخرف القول والأكاذيب * * خلوا سبيل العلا لغيرهم * ونازعوا في الفسوق والحوب * * يحتاج راجى النوال عندهم * إلى ثلاث من غير تكذيب * * كنوز قارون أن تكون له * وعمر نوح وصبر أيوب * وكانت وفاته بعد الأربعين والمائتين رحمه الله تعالى وعفا عنه
336 126 ابن الخل الشاعر الحسن بن المبارك بن محمد بن الخل الفقيه أبو الحسين الشاعر أخو أبي الحسن محمد بن الخل الفقيه كان شاعرا ظريفا رشيق القول مليح المعاني مدح وهجا وتنوع في قول الشعر وقال الدوبيت قال محب الدين ابن النجار روى شعره أبو بكر بن كامل الخفاف وأبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله الدمشقي في معجم شيوخهما وكلهم سماه الحسن وسماه ابن السمعاني أحمد ورأيت بخطه وكتب الحسن وتوفي فجأة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ومن شعره رحمه الله * روحا روحي براح * عوض الماء القراح * * وادركاني بالأغاني * قبل إدراك الصباح * * فهو يوم قد بدت فيه * أمارات الفلاح * * يوم لهو وفنون * من مجون ومزاح * * سيما والغيم قد أقبل * من كل النواحي * * واستغاث الماء في دجلة * من جور الرياح * * ودعا عذلكما لي * في فسادي أو صلاحي * * ففساد العقل أن أبصر * في ذا اليوم صاحي * وقال أيضا * زار طيف الخيال نضو خيال * زورة ما تموهت بالوصال * * غير أن المحب يرضى بطيف * أو بوعد منغص بمطال * * وعلى أنه يسر ولكن * حين يسرى عني يزيد خبالي * * آه من مقلة التجلد والصبر * وويلي من كثرة العذال * * وبنفسي ذاك الغزال وحاشا * حسنه أن أقيسه بالغزال * * والبديع الذي إذا بلبل الأصداغ * أعدى القلوب بالبلبال *
337 * ومحياه كالهلال إذا أقمر * في تمه ولا كالهلال * وقال أيضا * قلت لها لا تقتلي مدنفا * هواكش قد هيج بلباله * * ما زال يرجو منك وصلا إلى * أن قطع الهرجان أوصاله * * فابتسمت تيها وقالت وكم * قد قتلت عيناي أمثاله * 127 الوزير المهلبي الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون أبو محمد الوزير المهلبي من ولد المهلب بن أبي صفرة كان كاتب معز الدولة ابن بويه ولما مات الصيمري قلده معز الدولة الوزارة مكانه سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وقربه وأدناه واختص به وعظم جاهه عنده وكان يدبر أمر الوزارة للمطيع من غير تسمية الوزارة ثم جددت له الخلع من دار الخلافة بالسواد والسيف والمنطقة ولقبه المطيع بالوزارة ودبر الدولتين وكان ظريفا نظيفا قد أخذ من الأدب بحظ وافر وله همة كبيرة وصدر واسع وكان جماعا لخلال الرياسة صبورا على الشدائد وكان أبو الفرج البهاني وسخا في ثوبه ونفسه وفعله فواكل الوزير المهلبي على مائدة وقدمت سكباجة وافقت من أبي الفرج سعلة فندرت من فمه قطعة بلغم وقعت في سوط الصحن فقال المهلبي ارفعوا هذا وهاتوا من هذا اللون فيغير هذا الصحن ولم يبن في وجهه استكراه ولا داخل أبا الفرج حياء ولا انقباض وكان من ظرف الوزير المهلبي إذا أراد أكل شيء من أرز بلبن وهرايس وحلوى دقيق وقف إلى جانبه الأيمن غلام معه نحو من ثلاثين ملعقة زجاجا
338 مجرودا فيأخذ الملعقة من الغلام الذي على يمينه ويأكل بها لقمة واحدة ثم يدفعها إلى الغلام الذي على يساره لئلا يعيد الملعقة إلى فيه مرة ثانية ولما كثر على الوزير استمرار ما يجري من أبي الفرج جعل له مائدتين إحداهما كبيرة عامة والأخرى لطيفة خاصة يواكله عليها من يدعوه إليها وعلى صنعه بأبي الفرج ما كان يصنعه ما خلا من هجوه فإن أبا الفرج قال * أبعين مفتقر إليك نظرتني * فأهنتني وقذفتني من حالق * * لست الملوم أنا الملوم لأنني * أنزلت آمالي بغير الخالق * ويروى هذان البيتان للمتنبي رواهما له تاج الدين الكندي والله أعلم لمن هما وكان قبل وزارته قد سافر مرة ولقى في سفره مشقة شديدة واشتهى اللحم فلم يقدر عليه وكان معه رفيق يقال له أبو عبد الله الصوفي فقال المهلبي ارتجالا * ألا موت يباع فأشتريه * فهذا العيش ما لا خير فيه * * إذا أبصرت قبرا من بعيد * وددت لو أنني مما يليه * * ألا موت لذيذ الطعم يأتي * يخلصني من الموت الكريه * * ألا رحم المهيمن نفس حر * تصدق الوفاة على أخيه * فما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما وطبخه وأطعمه وتفارقا وتنقلت الأحوال بالمهلبي وولى الوزارة وضاقت الأحوال برفيقه الصوفي فقصده وكتب إليه * ألا قل للوزير فدته نفسي * مقال مذكر ما قد نسيه * * أتذكر إذ تقول لضيق عيش * ألا موت يباع فأشتريه * فلما قرأ الأبيات تذكره وأمر له في الحال بسبعمائة درهم ووقع له في رقعته * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) * البقرة 261 ثم دعا به وخلع عليه وقلده عملا يليق به
339 ولما ترقت به الحال قال * رق الزمان لفاقتي * ورثى لطول تقلقي * * فأنالني ما أرتجيه * وحاد عما أتقى * * فلأصفحن عما جناه * من الذنوب السبق * * حتى جنايته بما * فعل المشيب بمفرقي * ومن شعره * قال لي من أحب والبين قد جد * دوفي مهجتي لهيب الحريق * * ما الذي في الطريق تصنع بعدي * قلت أبكي عليك طول الطريق * قال أبو إسحاق الصابي كنت يوما عند الوزير المهلبي فأخذ ورقة وكتب فيها فقلت بديها * له يد أبدعت جودا بنائلها * ومنطق دره في الطرس ينتثر * * فحاتم كامن في بطن راحته * وفي أناملها سحبان يستتر * ومن شعره * الجود طبعي ولكن ليس ليمال * وكيف يصنع من بالقرض يحتال * * فهاك خطى فخذه معك تذكرة * إلى اتساع فلي في الغيب آمال * ومنه * أتاني في قميص اللاذ يسعى * عدو لي يلقب بالحبيب * * فقلت له فديتك كيف هذا * بلا واش أتيت ولا رقيب * * فقال الشمس أهدت لي قميصا * كلون الشمس في شفق الغروب * * فثوبي والمدام ولون خدي * قريب من قريب من قريب * ومنه * تطوى بأوتارها الهموم كما * يطوى دجى الليل بالمصابيح *
340 * ثم تغنت فخلتها سمحت * بروحها خلعة على روحي * كان أبو النجيب شداد بن إبراهيم الجزري الواعظ الملقب بالظاهر كثير الملازمة للوزير المهلبي فاتفق أن غسل ثيابه فأنفذ الوزير يدعوه فاعتذر فلم يقبل وألح في استدعائه فكتب إليه * عبدك تحت الحبل عريان * كأنه لا كان شيطان * * يغسل أثوابا كأن البلى * فيها خليط وهي أوطان * * أرق من ديني وإن كان لي * دين كما للناس أديان * * كأنها حالي من قبل أن * يصبح عندي لك إحسان * * يقول من يبصرني معرضا * فيها وللأقوال برهان * * هذا الذي قد نسجت فوقه * عناكب الحيطان إنسان * فأنفذ إليه جبة وقميصا وعمامة وسراويل وخمسمائة درهم وقال أنفذت إليك ما تلبسه وما تدفعه إلى خياط فإن كنت غسلت التكة واللالكة عرفني لأنفذ لك عوضهما ومن شعر الوزير المهلبي * تصارمت الأجفان لما هجرتني * فما تلتقي إلى علي غبرة تجري * وطول ياقوت ترجمته * وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة بطريق واسط وحمل إلى بغداد رحمه الله تعالى 128 ابن كسرى المالقي الحسن بن محمد بن علي الأنصاري أبو علي المالقي المعروف بابن كسرى قال ابن الأبار في تحفة القادم توفي سنة أربع وستمائة رحمه الله ومن شعره في طفل قبله فاحمرت وجنته
341 * وا بأبي رائق الشباب ويا * بهجة خديه ما أميلحها * * كأنني عندما أقبلها * أنفخ في وردة لأفتحها * وقال * وخالق بنقصان جميع الورى تسد * فيا سوء ما تلقاه إن كنت فاضلا * * ألم تر أن البدر يرقب ناقصا * ويترك منسيا إذا كان كاملا * وقال في ابن خلدون * يا شاعرا يتسامى * وجده خلدون * * لم يكف أنك خل * حتى بأنك دون * 129 أبو الفضائل الصاغاني الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي العلامة رضي الدين أبو الفضائل القرشي العدوي العمري المحدث الفقيه الحنفي اللغوي النحوي الصاغاني وصاغان من بلاد ما وراء النهر قال ياقوت قدم العراق وحج ثم دخل اليمن ونفق له بها سوق وله تصانيف في الأدب منها تكملة العزيزي وكتاب في التصريف ومناسك الحج ختمه بأبيات قالها وهي * شوقي إلى الكعبة الغراء قد زادا * فاستحمل القلص الوخادة الزادا * * أراقك الحنظل العامي منتجعا * وغيرك انتجع السعدان وارتادا * * أتعبت سرحك حتى آض عن كثب * نياقها رزحا والصعب منقادا * * فاقطع علائق ما ترجوه من نسب * واستودع الله أموالا وأولادا *
342 وكان يقرأ عليه بعدن معالم السنن للخطابي وكان معجبا به وبكلام مصنفه ويقول إن الخطابي جمع لهذا الكتاب جراميزه وقال لأصحابه احفظوا غريب أبي عبيد القاسم بن سلام فنم حفظه ملك ألف دينار فإني حفظته فملكتها وأشرت على بعض أصحابي بحفظه فحفظه وملكها قال ياقوت وفي سنة ثلاث عشرة وستمائة كان بمكة وقد رجع من اليمن وهو آخر العهد به وقال الشيخ شمس الدين في حقه هو صاحب التصانيف ولد بمدينة لوهور سنة سبع وسبعين وخمسمائة ونشأ بغزنة ودخل بغداد سنة خمس عشرة وستمائة وذهب منها بالرسالة الشريفة إلى ملك الهند سنة سبع عشرة وأقام بها مدة ثم رجع وقدم سنة أربع وعشرين ثم أعيد إليها بالرسالة ثم رجع إلى بغداد سنة سبع وثلاثين وسمع بمكة واليمن والهند وببغداد وكان إليه المنتهى في علم اللغة ومعرفة اللسان العربي صنف كتاب مجمع البحرين في اللغة اثنا عشر مجلدا والعباب الزاخر عشرين مجلدا ولم يكمل رأيته بدمشق بخطه وأبيع في سوق الكتب وله كتاب الشوارد في اللغات وكتاب توشيح الدريدية وكتاب التراكيب وكتاب فعال وكتاب فعلان وكتاب الانفعال وكتاب يفعول وكتاب الأضداد وكتاب العروض وكتاب أسماء العادة
343 وكتاب أسماء الأسد وأسماء الذئب وكتاب في علم الحديث و مشارق الأنوار في الجمع بين الصحيحين ومصباح الدجى والشمس المنيرة و شرح البخاري في مجلد ودر السحابة في وفيات الصحابة وكتاب الضعفاء والفرائض وشرح أبيات المقصل وغير ذلك قال الدمياطي كان شيخا صالحا صموتا عن فضول الكلام صدوقا في الحديث إماما في اللغة والفقه والحديث قرأت عليه وحضرت دفنه بداره بالحريم الظاهري ثم نقل بعد خروجي من بغداد إلى مكة ودفن بها وكان قد أوصى بذلك وأعد خمسين دينارا لمن يحمله وتوفي سنة خمسين وستمائة قال العلامة قاضي القضاة تقى الدين السبكي حكى ليال شيخ شرف الدين الدمياطي أن الصاغاني كان معه ولد وقد حكم فيه بموته في وقت وكان يترقب ذلك الوقت فحضر ذلك اليوم وهو معافى قائم ليس به علة فعمل لأصحابه وتلامذته طعاما شكران ذلك وفارقناه وعديت الشط فلقيني من أخبرني بموته فقلت له الساعة فارقته فقال والساعة وقع الحمام بخبر موته فجأة أو كما قال رحمه الله تعالى وعفا عنه وعنا وعن جمعي المسلمين بمنه وكرمه 130 أبو علي السهواجي الحسن بن محمد السهواجي أبو علي قال ياقوت أديب شاعر لبيت مشهور مذكور وسهواج من قرى مصر صنف كتاب القوافي وتوفي بمصر سنة أربعمائة رحمه الله ومن شعره
344 * وقد كنت أخشى الحب لو كان نافعي * من الحب أن أخشاه قبل وقوعه * * كما حدر الإنسان من نوم عينه * ونام ولم يشعر أوان هجوعه * ومنه * قوم كرام إذا سلوا سيوفهم * في الروع لم يغمدوها في سوى المهج * * إذا دجا الخطب أو ضاقت مذاهبه * وجدت عندهم ما شئت من فرج * ومنه * كرام المساعي في اكتساب محامد * وأهدى إلى طرق المعالي من القطا * * وأبوابهم معمورة بعفاتهم * وأيديهم ما تستريح من العطا * ومنه * ذكرت إلفها فحنت إليه * فبكينا من الفراق جميعا * 131 العز الإربلي الضرير الحسن بن محمد بن أحمد بن نجا الإربلي الفيلسوف عز الدين الضرير كان بارعا في العربية والأدب رأسا في علوم الأوائل وكان بمنزله بدمشق منقطعا ويقرىء المسلمين وأهل الكتاب والفلاسفة وله حرمة وافرة وكان يهين الرؤساء وأولادهم بالقول وكان مخلا بالصلوات يبدو منه ما يشعر بانحلاله وكان يصرح بتفضيل على علي أبي بكر وكان حسن المناظرة له شعر خبيث الهجو روى عنه من شعره وأدبه الدمياطي وابن أبي الهيجا وتوفي سنة ستين وستمائة ولما قدم القاضي شمس الدين بن خلكان ذهب إليه فلم يحتفل به فأهمله القاضي وتركه
345 قال عز الدين بن أبي الهيجا لازمت العز الضرير يوم موته فقال هذه البنية قد تحللت وما بقي يرجى بقاؤها واشتهى أرز بلبن فعمل له وأكل منه فلما أحس بشروع خروج الروح منه قال قد خرجت الروح من رجلي ثم قال قد وصلت إلى صدري فلما أراد المفارقة بالكلية تلا هذه الآية * (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ثم قال صدق الله العظيم وكذب ابن سينا ثم مات في ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون ومولده بنصيبين سنة ست وثمانين وخمسمائة قال الشيخ شمس الدين وكان قذرا زرى الشكل قبيح المنظر لا يتوفى النجاسات ابتلى مع العمى بقروح وطلوعات وكان ذكيا جيد الذهن ومن شعره دوبيت * لو كان لي الصبر من الأنصار * ما كان عليك هتكت أستاري * * ما ضرك يا أسمر لو بت لنا * في دهرك ليلة من السمار * ومنه * لو ينصرني على هواه صبري * ما كنت ألذ فيه هتك الستر * * حرمت على السمع سوى ذكرهم * مالي سمر سوى حديث السمر * ومن شعره في العماد بن أبي زهران * تعمم بالطرف من طرفه * وقام خطيبا لندمانه * * وقال السلام على من زنى * ولاط وقاد لإخوانه * * فردوا جميعا عليه السلام * وكل يترجم عن شانه * * وقال يجوز التداوي بها * وكل عليل بأشجانه * وله فيه وقد تلقب بالعماد وكان يلقب أولا بالشجاع * شجاع الدين عمدتا * فهلا كنت شمستا * * خطيبا قمت سكرانا * وبالزكرة عممتا *
346 وقال * توهم واشينا بليل مزاره * فهم ليسعى بيننا بالتباعد * * فعانقته حتى اتحدنا تعانقا * فلما أتانا ما رأى غير واحد * قال قاضي القضاة مال الدين بن العديم لما سمع هذين البيتين مسكه مسكة أعمى وهذا المعنى تداوله الشعراء ولهجوا به قال سيف الدين المشد * ولما زار من أهواه ليلا * وجفنا أن يلم بنا مراقب * * تعانقنا لأخفيه فصرنا * كأنا واحد في عقد كاتب * وقال خالد الكاتب * كأنني عانقت ريحانة * تنفست في ليلها البارد * * فلو ترانا في قميص الدجى * حسبتنا في جسد واحد * وقال نفطويه النحوي * ولما التقينا بعد بعد بمجلس * نغازل فيه أعين النرجس الغض * * جعلت اعتمادي ضمه وعناقه * فلم نفترق حتى توهمته بعضي * وقال غرس الدين أبو بكر الإربلي * هم الرقيب ليسعى في تفرقنا * ليلا وقد بات من أهواه معتنقي * * عانقته فاتحدنا والرقيب أتى * فمذ رأى واحدا ولى على حنق * ون شعر العز الإربلي دوبيت * إن أجف تكلفا وفي لي طبعا * أو خنت عهوده عهودي يرعى * * يبغى لي في ذاك دوام الأسر * هذا ضرر يحسبه لينفعا * ومنه * وكاعب قالت لأترابها * يا قوم ما أعجب هذا الضرير *
347 * هل تعشق العينان ما لا ترى * فقلت والدمع بعيني غزير * * إن كان طرفي لا يرى شخصها * فإنها قد صورت في الضمير * وقال * ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى * وتغيرت أحواله وتنكرا * * وسلوت حتى لو سرى من نحوكم * طيف لما حياه طيفي في الكرى * وقال (قم يا نديم إلى الإبريق والقدح * هات الثلاث وسل ما شئت واقترح * * وغن إن غادرتني الكاس مطرحا * وأنت يا صاح صاح غير مطرح * * عليك سقى ثلاث غير مازجها * وما عليك إذن مني ومن فحري * * إني لأفهم في الأوتار ترجمة * ما ليس تفهمه النساك في السبح * وقال * قالوا عشقت وأنت أعمى * ظبيا كحيل الطرف ألمى * * وحلاه ما عاينتها * فتقول قد شغفتك وهما * * وخياله بك في المنام * فما أطاف ولا ألما * * من أين أرسل للفؤاد * ولم تراه العين سهما * * فأجبت إني موسويى * العشق إنصاتا وفهما * * أهوى بجارحة السماع * ولا أرى ذات المسمى * وشعر العز الإربلي كله جيد عفا الله عنه 132 قوام الدين بن الطراح الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الكريم بن أبي سعيد الصاحب قوام الدين ابن الطراح قال أثير الدين هو من بيت رياسة وحشمة وعلم وحديث وله معرفة بنحو ولغة ونجوم وحساب وأدب وغير ذلك وكان فيه تشيع يسير وكان
348 حسن الصحبة والمحاورة وكان لأخيه فخر الدين المظفر بن محمد تقدم عند التتار قدم علينا قوام الدين إلى القاهرة ثم سافر إلى الشام ثم كر منها راجعا إلى العراق مع غازان وكنت سألته أن يوجه لي شيئا من أباره وشيئا من شعره فوجه إلى بذلك وكتب لي من شعره بخطه * غدير دمعي فيا لخد يطرد * ونار وجدي في القلب تتقد * * ومهجة ف يهواك ألفها الشوق وقلب أودى به الكمد * * وعدك لا ينقضي له أمد * ولا لليل المطال منك غد * ومنه * لقد جمعت في وجهه لمحبه * بدائع لم يجمعن في الشمس والبدر * * حباب وخمر في عقيق ونرجس * وآس وريحان وليل على فجر * وقال كتب إلى أخي أبو محمد المظفر يعاتبني على انقطاعي عنه وهو الذي رباني وكفلني بعد الوالد فقال * لو كنت يا بن أخي حفظت إخائي * ما طبت نفسا ساعة يجفائي * * وحفظتني حفظ الخليل خليله * ورعيت لي عهدي وحسن وفائي * * خلفتني قلق المضاجع ساهرا * أرعى الدجى وكواكب الجوزاء * * ما كان ظني أن تحاول هجرتي * أو أن يكون البعد منك جزائي * فكتبت إليه الجواب * إن غبت عنك فإن ودي حاضر * رهن بمحض محبتي وولائي * * ما غبت عنك لهجرة تعتدها * ذنبا علي ولا لضعف وفائي * * لكنني لما رأيت يد النوى * ترمي الجميع بفرقة وتنائي * * أشفقت من نظر الحسود لوصلنا * فحجبته عن أعين الرقباء *
349 133 الحسن بن وهب الحسن بن وهب بن سعيد بن عمرو بن حصين الكاتب كان يذكر أنه من ولد الحارث بن كعب وهو معروف في الكتابة فآباؤه وأجداده كلهم كتبة في الدولتين الأموية والعباسية وكان الحسن يكتب بين يدي محمد بن عبد الملك ابن الزيات ثم إنه ولى ديوان الرسائل وولى بعض الأعمال بدمشق وبها مات وهو يتولى البريد آخر أيام المتوكل ومولده سنة ست وثمانين ومائة قال المرزباني بنو وهب كلهم كتاب وأصلهم نصارى من جند يسابور تعلقوا بنسب في اليمن في بني الحارث بن كعب وكان عبيد الله وابنه القاسم يدفعان ذلك وكتب الحسن إلى أخيه سليمان وقد نكبه الواثق * اصبر أبا أيوب صبرا يرتضى * فإذا عجزت عن الخطوب فمن لها * * الله يفرج بعد ضيق كربها * ولعلها أن تنجلي ولعضلها * وكان الحسن قد جعل على نفسه أنه لا يذوق طيبا ولا يشرب شارا حتى يتخلص أخوه سليمان ووفي بذلك ومن شعر الحسن * جراك عفوي على الذنوب فما * تخاف عند الذنوب إعراضي * * أشد يوم أكونه غضبا * عليك فالقلب ضاحك راضي * * أنت أمير علي مقتدر * حكمك في قبض مهجتي ماضي * * والخصم لا يرتجى الفلاح له * يوما إذا كان خصمه القاضي * وقال * أبكي فمن أيسر ما في البكا * لأنه للوجد تسهيل * * وهو إذا أنت تأملته * حزن على الخدين محلول *
350 وزارته يوما بنات جارية ابن حماد وكان يهواها وشطرت عليه أن تنصرف وقت أذان العشاء فلما أقبل الليل كتب إلى مؤذن محلته * قل لداعي الصلاة أخر قليلا * قد قضينا حق الصلاة طويلا * * ليس في ساعة تؤخرها إثم * تجازي به وتحيي قتيلا * * وتراعي حق المودة فينا * وتعافى من أن تكون ثقيلا * فحلف المؤذن أنه لا يؤذن العشاء شهراش قال الصولي في أخباره كان أبو تمام يعشق غلاما خزريا للحسن بن وهب وكان الحسن يعشق غلاما روميا لأبي تمام فرآه يعبث بغلامه فقال والله لئن سرت إلى الرومي لأسيرن إلى الخزري فقال له الحسن لو شئت حكمتنا واحتكمت فقال أبو تمام أنا أشبهك بداود عليه السلام وأشبهني بخصمه فقال له الحسن لو كان هذا منظوما فقال أبو تمام من أبيات * أذكرتني أمر داود وكنت فتى * مصرف القلب في الأهواء والفكر * * أعندك الشمس تزهى في مطالعها * وأنت مشتغل الأفكار بالقمر * * إن أنت لم تترك السير الحثيث إلى * جآذر الروم أعنقنا إلى الخزر * * ورب أمنع منه جانبا وحمى * أمسى وتكته مني على خطر * * جردت فيه جيوش العزم فانكشفت * عنه غياهبها عن نيكة هدر * * أنت المقيم فما تغدو رواحله * وأيره أبدا منه على سفر * وقيل لأبي تمام غلامك أطوع للحسن بن وهب من غلامه لك قال أجل لأنه يعطي غلامي مالا وأنا أعطى غلامه قيلا وقالا وكان قد وقف ابن الزيات على ما يجري بينهما فاتفق أنعزم غلام أبي تمام على الاحتجام فكتب إلى الحسن بن وهب يعلمه بذلك ويستهديه مطبوخا فوجه إليه بمائة دن مطبوخ ومائة دينار وكتب إليه * ليت شعري يا أملح الناس عندي * هل تداويت بالحجامة بعدي * * دفع الله عنك لي كل سوء * باكر رائح وإن خنت عهدي *
351 * قد كتمت الهوى بأبلغ جهدي * فبدا منه غير ما كنت أبدي * * وخلعت العذار إذ علم الناس * بأني إياك أصفى بودي * * فليقولوا بما أحبوا إذا كنت * وصولا ولم ترعني بصد * اتفق أنه وضع الرقعة تحت مصلاه وبلغ محمد بن الزيات خبرها فوجه إلى الحسن من شغله بالحديث وأمر من جاءه بتلك الورقة ففكها وقرأها وكتب فيها على لسان أبي تمام الطائي * ليت شعري عن ليت شعرك هذا * أبهزل تقوله أم بجد * * فلئن كنت في المقال مجدا * يابن وهب لقد تطرفت بعدي * * لا أحب الذي يلوم وإن كان * حريصا على صلاحي وزهدي * * بل أحب الأخ المشارك في الحبب * وإن لم يكن به مثل وجدي * * إن مولاي عند غيري ولولا * شؤم جدي لكان مولاي عبدي * وقال ضعوا الرقعة مكانها فلما رآها الحسن قال إنا لله افتضحنا عند الوزير وأعلم أبا تمام بما جرى ووجه إليه بالرقعة فلقيا محمد بن عبد الملك فقالا له إنما جعلنا هذين الغلامين سببا لمكاتبتنا بالأشعار فلا يظن بنا الوزير أعزه الله تعالى إلا خيرا فقال ومن يظن غير هذا بكما وكان هذا الكلام أشد عليهما ولما مات الحسن بن وهب رثاه البحتري بأبيات منها * أصاب الدهر دولة آل وهب * ونال الليل منهم والنهار * * أعارهم رداء العز حتى * تقاضاهم فردوا ما استعاروا * * وقد كانوا وجوههم بدور * لمختبط وأيديهم بحار *
352 134 المستضيء بالله أمير المؤمنين الحسن بن يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الله أمير المؤمنين المستضيء بالله بن المستنجد بن المتقتفى بن القائم بن القادر بن إسحاق بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور بويع بالخلافة بعد وفاة والده المستنجد يوم الأربعاء العاشر ن ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة وعمره يومئذ عشرون سنة وتسعة أشهر ويومان ومولده سحرة يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة وأمه أم ولد أرمنية اسمها غضة كان حليما رحيما شفوقا لينا سهل الأخلاق كريما جوادا معطاء كثير الصدقة والمعروف شديد البحث عن الفقراء وأحوالهم وتفقدهم بالبر والعطاء وكانت أيامه مشرقة بالعطاء والعدل وتوفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة وكان له من الولد أحمد وهو الإمام الناصر وهاشم أبو منصور ولما تولى المستضيء بالله نادى برفع المكوس ورد المظالم الكثيرة وفرق مالا عظيما على الهاشميين والعلويين والمدارس والربط وكان دائم البذل للمال وخلع على أربا بالدولة ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم لما استخلف وحرر سبعة عشر مملوكا ثم احتجب عن الناس ولم يركب إلا مع الخدم ولم يدخل عليه غير قايماز وفي أيامه زالت دولة العبيدية بمصر وضربت السكة باسمه وجاء البشير
353 إلى بغداد وغلقت الأسواق وعملت القباب وصنف ابن الجوزي في ذلك كتاب النصر على مصر وخطب له بمصر وأسوان والشام واليمن وبرقة ودانت الملوك لطاعته وكان يطلب ابن الجوزي ويأمره بعقد مجلس الوعظ ويجلس حيث يسمع ووزر له عضد الدين بن رئيس الرؤساء وأبو الفضل زعيم الدين بن جعفر ومحمد بن محمد بن عبد الكريم الأنباري ومات في الوزارة ظهير الدين بن العطار وكان على قضائه أبو الحسن علي بن الدامغاني وحاجبه مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب وأبو سعد محمد بن المعوج وقال فيه الحيص بيص * يا إمام الهدى علوت عن الجود * بمال وفضة ونضار * * فوهبت الأعمار والمدن والبلدان * في ساعة مضت من نهار * * فبماذا أثنى عليك وقد جاوزت * فضل البحور والمطار * * إنما أنت معجز مستقل * خارق للعقول والأبصار * * جمعت نفسك الشريفة بالبأس * وبالجود بين ماء ونار * 135 ابن الجصاص الحسين بن عبد الله بن الحسين أبو عبد الله بن الجصاص الجوهري كان من أعيان التجار ذو الثروة الواسعة ولما بويع لعبد الله بن المعتز وانحل أمره وتفرق جمعه وطلبه المقتدر واختفى عند ابن الجصاص هذا فوشى به خادم صغير لابن الجصاص فصادره المقتدر على ستة آلاف ألف دينار
354 قال ابن الجوزي أخذوا منه ما مقداره ستة عشر ألف ألف دينار عينا وورقا وقماشا وخيلا وبقى له بعد المصادرة شيء كثير إلى الغاية من دور وقماش وأموال وبضائع وضياع قال أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي عن أبيه قال حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعلان قال حدثني أبو علي أحمد بن الحسين بن عبد الله بن الجصاص الجوهري قال قال لي أبي كان بدء يساري أني كنت في دهليز حرم أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون وكنت وكيله في ابتياع الجوهر وغيره مما يحتاجون إليه وما كنت أفارق الدهليز لاختصاص به فخرجت إلى قهرمانة لهم في بعض الأيام ومعها عقد جوهر فيه مائتا حبة لم أر قبله أفخر ولا أحسن منه تساوي كل حبة منه مائة ألف دينار عندي قالت نحتاج أن تخرط هذه حتى تصغر فتجعل في آذان اللعب وفي قلائدهم فكدت أطير وأخذتها وقلت السمع والطاعة وخرجت في الحال مسرورا وجمعت التجار ولم أزل أشتري ما قرت عليه إلى أن جمعت مائة حبة أشكالا في النوع الذي طلبته وأرادته وجئت عشيا وقلت إن خرط هذا يحتاج إلى زمان وانتظار وقد خرطت اليوم ما قدرنا عليه وهو هذا ودفعت إليها المجتمع وقلت الباقي يخرط في أيام فقنعت بذلك وأعجبها الحب وخرجت فما زلت أياما في طلب الباقي حتى اجتمع فحملته إليهم وقامت علي المائتا حبة بدون المائة ألف درهم وأخذت لي غرفة كانت فيه فجعلتها مسكني وكان يلحقني من هذا أكثر مما يحصى حتى كثرت النعمة وانتهيت إلى ما استفاض خبره وحكى ابن الجصاص قال كنت يوم قبض علي المقتدر جالسا في داري وأنا ضيق الصدر وكانت عادتي إذا حصل لي مثل ذلك أن أخرج جواهر كانت عندي في درج معدة لمثل هذا من ياقوت أحمر وأصفر وأزرق وحبا كبارا ودرا
355 فاخرا ما قيمته خمسون ألف دينار وأضعه في صينية وألعب به فيزول قبضي فاستدعيت بذلك الدرج فأتى به بلا صينية ففرغته في حجري وجلست في صحن دار يفي بستان في يوم بارد طيب الشمس وهو مزهر بصنوف الشقائق والمنثور وأنا ألعب بذلك إذ دخل الناس بالزعقات والمكروه فلما رأيتهم دهشت ونفضت جميع ما كان في حجري من الجوهر بين ذلك الزهر في البستان فلم يروه وأخذت وحملت وبقيت مدة في المصادرة والحبس وانقلبت الفصول على البستان وجف ما فيه ولم يفكر أحد فيه فلما فرج الله عني وجئت إلى داري ورأيت المكان الذي كنت فيه ذكرت الجوهر فقلت ترى بقي منه شيء ثم قلت هيهات وأمسكت ثم قمت بنفسي ومعي غلام يثير البستان بين يدي وأنا أفتش ما يثيره وآخذ منه الواحدة بعد الواحدة إلى أن وجدت الجميع ولم أفقد منه شيئا وكان ينسب إلى الحمق والبله فمما يحكى عنه أنه قال في دعائه يوما اللهم اغفر لي من ذنوبي ما تعلم وما لا تعلم ودخل يوما على ابن الفرات الوزير فقال يا سيدي عندنا في الحويرة كلاب لا يتركونا ننام من الصياح فقال الوزير أحسبهم جراء فقال أيها الوزير لا تظن ذلك كل كلب مثلي ومثلك ونظر يوما في المرآة فقال لرجل آخر انظر ضقني هل كبرت أو صغرت فقال له إن المرآة بيدك فقال صدقت ولكن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب ورئى وهو يبكي وينتحب فقيل له ما لك فقال أكلت اليوم مع الجواري المخيض بالبصل فآذاني فلما قرأت في المصحف * (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) * فقلت ما أعظم قدرة الله قد بين كل شيء حتى أكل اللبن مع الجواري وأراد مرة أن يدنو من بعض جواريه فتمنعت عليه فقال أعطى عهدا لله لا أقربك إلى سنة لا أنا ولا أحد من جهتي وقال مرة قد جربت يدي لو غسلتها ألف مرة ما تنظف أو أغسلها مرتين وماتت أم أبي إسحاق الزجاج فاجتمع الناس عنده للعزاء فأقبل ابن
356 الجصاص وهو يضحك ويقول يا أبا إسحاق والله سرني هذا فدهش أبو إسحاق والناس وقال بعضهم يا هذا كيف سرك غمه وغمنا قال بلغني أنه هو الذي مات فلما صح عندي أنها أمه سرني ذلك فضحك الناس وكان يكسر يوما لوزا فطفرت لوزة وأبعدت فقال لا إله إلا الله كل الحيوان يهرب من الموت حتى اللوز وقال يوما في دعائه اللهم إنك تجد من تعذبه سواي وأنا أجد من يرحمني سواك فاغفر لي وقال يوما اللهم امسخني واجعلن حورية وزوجني بعمر بن الخطاب فقال له زوجته سل الله أن يزوجك من النبي صلى الله عليه وسلم إن كان لا بد لك أن تبقى حورية فقال ما أحب أن أصير ضرة لعائشة رضي الله عنها وأتاه يوما غلامه بفرخ وقال انظر هذا الفرخ ما أشبهه بأمه فقال أمه ذكر أو أنثى وبنى ابنه دارا وأتقنها ثم أدخل أباه ليراها وقال له انظر يا أبه هل فيها عيب فطاف بها ودخل المستراح واستحسنه وقال فيه عيب وهو أن بابه ضيق لا تدخل منه المائدة وكتب إلى وكيل له أن يحمل إليه مائة من قطنا فلما حملها إليه حلجها فاستقل المحلوج وكتب إليه هذا لم يجئ منه إلا الربع فلا يزرع بعدها قطن إلا بغير حب ويكون محلوجا وقال يوما لصديق وحياتك الذي لا إله إلا هو وانبثق له كنيف فقال لغلامه بادر أحضر من يصلحه لنتغدى به قبل أن يتعشى بنا وطلب يوما من البستاني الذي له بصلا بخل فأحضر إليه بصلا بلا خل فقال لأبي شيء ما تزرعه بخل والصحيح أنه كان يتظاهر بذلك ليرى الوزراء منه هذا التغفيل فيأمنوه على أنفسهم إذا خلا بالخلفاء وتوفي بعد العشرين والثلاثمائة تقريبا عفا الله عنه ورحمه
357 136 ابن رواحة الحموي الحسين بن عبد الله بن رواحة أبو علي الأنصاري الفقيه الشافعي الشاعر ابن خطيب حماة ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة وتوفي سنة خمس وثمانين وخمسمائة سمع بدمشق من أبي المظفر الفلكي وأبي الحسن علي بن سليمان المرادي والصائن هبة الله وجماعة ووقع في أسر الفرنج وبقى عندهم مدة وولد له بجزائر البحر عز الدين عبد الله وقدم به إلى الإسكندرية وأسمعه الكثير من السفلي وكان قد سافر في البحر إلى الغرب فأسر وخلصه الله تعالى وحصلت له الشهادة على عكا ومن شعره رحمه الله تعالى * يا قلب دع عنك الهوى قسرا * ما أنت منه حامدا أمرا * * أضعت دنياى بهجرانه * إن نلت وصلا ضاعت الأخرى * ومنه * لاموا عليك وما دروا * أن الهوى سبب السعادة * * إن كان وصلا فالمنى * أو كان هجرا فالشهاده * ومنه * إن كان يحلو لديك قتلي * فزد من الهجر في عذابي * * عسى يطيل الوقوف بيني * وبينك الله في الحساب * 137 سعد الدين الطيبي الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن بكر بن شبيب الطيبي أبو عبد الله الكاتب سعد الدين كان من الأعيان الفضلاء المشهورين بالأدب وكمال
358 الظرف اختص بالإمام المستنجد بالله ومنادمته ولى الإشراف بالمخزن أيام المستضىء بالله ولما عزل ابن العطار عن النظر المخزن تولى سعد الدين مكانه أيام الإمام الناصر سنة خمس وسبعين ثم عزل في سنته دخل يوما على المستنجد فقال له ابن شبيب فقال عندك يا أمير المؤمنين فأعجبه هذا التصحيف منه وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال ابن شبيب حلو التشبيب رقيق نسيم النسيب ومن شعره في المستنجد بالله * أنت الإمام الذي يحكي بسيرته * من ناب بعد رسول الله أو خلفا * * أصبحت لب بنى العباس كلهم * إن عددت بحروف الجمل الخلفا * المستنجد هو الثاني والثلاثون من الخلفاء ولب جمل حروفها اثنان وثلاثون ولد ابن شبيب سنة خمسمائة وتوفي سنة ثمانين وخمسمائة ودفن بمقبرة معروف الكرخي رحمه الله تعالى وإيانا ومن شعره * وأغيد لم تسمح لنا بوصاله * يد الدهر حتى دب في عاجه النمل * * تمنيت لما اختلط فقدان ناظري * ولم أر إنسانا تمنى العمى قبل * * ليبقى على مر الزمان خياله * حيالي وفي عيني لمنظره شكل * وله * سرى والدجى تصبي غدائره الجون * نسيم على سر الأحبة مأمون * * فراحت قدود البان من سكر راحه * نشاوى فقد كادت تميد الميادين * * وشق له ورد الشقائق جيبه * من الوجد وارتاحت إليه الرياحين * * وغنت له الورقاء بين مورق * تجاوبها من جانبيه الوراشين * * فبلغ من سر التحايا لطائما * فهاج غرام بالأضالع مكنون * * تهادى به طيف البخيلة واهتدى * ومن دوننا البين المشت أوالبين *
359 * عليه من الظلماء ريط ممسك * وفي جيده من لؤلؤ الطل موضون * * وما استيقظ الواشون إلا بنشره * فقالوا وما قالوه حدس وتخمين * * وعرج عنا يجعل الليل مركبا * له وقمير الفجر في الشرق عرجون * * صبا أذكرت عهد الصبا وصبابتي * بأسماء إذ دار الأحبة دارين * * سرى حيث لا تسري الشمول ودونه * هوى وافر بين الجوانح مدفون * * وبحر الهوى حامي الغوارب مزبد * مخوف وفلكي بالصبابة مشحون * * مشارع للعشاق فيها مناسك * لدين التصابي والنفوس قرابين * * صحا القلب إلا عن هواها فإنني * بها بعد هجران الغواية مفتون * * إذا جن ليلى جن قلبي صبابة * بهم وليالي العاشقين بحاربن * * وقد ظن خال من جوى الحب أنما * يخص به الماضون قيس وميمون * * لعمرك كم للعامريات من به * جنون وكم للدارميات مسكين * * وكم لأمير المؤمنين صنائع * هي الرمل ما ضمت زرود ويبرين * وله أيضا * إذا حل تشرين فاجلل أوانا * فإن لكل سرور أوانا * * فهذا الربيع صفا ظله * ورق النسيم سحيرا ولانا * منها * وقد سكنت نزوات العقار * وبان الوقار عليها وآنا * * وصهباء لم تبتذلها اليهود * ولا دوستها النصارى امتهانا * * تأنق في عصرها المسلمون * بأيمانهم يملئون الدنانا * * فمازج نشوتها عزة * فصالت على العقل حتى استكانا * * فقد حرموها لأن الوضيع * من جهله بالشريف استهانا * * وندب ندبنا لتحصيلها * فما حسر الصبح حتى أتانا * * فجاء بها عطرا نشرها * فأهدت على السفح رندا وبانا * * وقمنا نقبل تيجانها * ونشكر من باعها واشترانا *
360 * أهنا الكرائم في مهرها * ولن يكرم المرء حتى يهانا * * وطاف بها وبضراتها * غزال إذا صدق الوعد مانا * * فما درة شدخت بالضيا * نهارا وما جبت عنها الصوانا * * تراءت فكفر غواصها * لديها وأسجدت المرزبانا * * بأحسن ممن أدار المدام * فورست الكاس منه البنانا * قوله فمازج نشوتها عزة البيتين يشبه قول الحيص بيص * لا تضع من عظيم قدر وإن كنت * مشارا إليه بالتعظيم * * فالشريف الرفيع يسقط قدرا * بالتجري على الشريف العظيم * * ولع الخمر بالعقول رمى الخمر * بتنجيسها وبالتحريم * وكان ابن شبيب مقداما على حل الألغاز ولا يكاد يتوقف عما يسأل عنه فتفاوض أبو غالب بن الحصين هو وأبو منصور محمد بن سليمان بن قتلمش في أمر ابن شبيب هذا وما هو عليه من حل اللغز فقال أبو منصور تعال حتى نعمل لغزا محالا ونسأل عنه فنظم أبو منصور * وما شيء له في الرأس رجل * وموضع وجهه منه قفاه * * إذا غمضت عينيك أبصرته * وإن فتحت عينك لا تراه * ونظم أيضا * وجار وهو تيار * ضعيف العقل خوار * * بلا لحم ولا ريش * ولكن هو طيار * * بطبع بارد جدا * ولكن كله نار * وأنفذا اللغزين إليه فكتب على الأول هو طيف الخيال وكتب على الثاني هو الزئبق فجاءا إليه وقالا هب اللغز الأول هو طيف الخيال والبيت الثاني يساعدك عليه فكيف تعمل في البيت الأول فقال لأن المنامات تفسر بالعكس لأن من بكى يفسر له بالضحك ومن مات فسر له بطول العمر
361 وقوله في الثاني هو الطيار أرباب صنعة الكيمياء يرمزون الزئبق بالطيار والفرار والآبق وما أشبه ذلك لأنه يناسب صفته وأما برده فظاهر ولإفراط برده ثقل جرمه وكله نار لسرعة حركته وتشكيله في افتراقه والتئامه وعلى كل حال ففي ذلك تسامح يجوز في مثل هذه الأشياء الباطلة إذا نزلت على الحقائق وقد ذكر ابن شرف القيرواني في كتاب أبكار الأفكار عن رجل يعرف بأبي علي التونسي أنه وضع ألغازا من هذه المادة التي لا حقيقة لها وأنشده إياها فيجب عنها على الفور وينزلها على الحقائق من ذلك أنه وضع لغزا وهو * ما طائر في الأرض منقاره * وجسمه في الأفق الأعلى * * ما زال مشغولا به غيره * ولا يرى أن له شغلا * فقال للوقت والساعة هو الشمس وأخذ يتكلم على شرح ذلك وذكر عدة ألغاز صنعها له وهو ينزلها على حقائق ويذكر لها مناسبات لائقة بذلك وسرد جميع ذلك في أبكار الأفكار والله أعلم 138 أبو عبد الله بن ممويه الحسين بن علي بن محمد بن ممويه أبو عبد الله المعروف بابن قم ولد بزبيد وكتب رسالته المشهورة عنه إلى أبي حمير سبأ بن أبي السعود أحمد بن المظفر بن علي الصليحي اليماني بعد انفصاله عنه رواها الحافظ أبو طاهر السلفي عنه سنة اثنتين وستين وخمسمائة والرسالة المذكورة كتب عبد حضرة السلطان الأجل مولاي ربيع المجدبين وقريع المتأدبين جلاء الملتبس وذكاء المقتبس شهاب المجد الثاقب ونقيب ذوي المناقب أطال الله بقاءه وأدام علوه وارتقاءه ما أجابت العادية المستغير ولزمت الياء التصغير وجعل رتبته في الأولية وافرة السهام كحرف الاستفهام وكالمبتدأ لأنه وإن تأخر في البنية فإن مقدم في النية ولا زالت حضرته للوفود مزدحما ومن الحوادث حمى حتى يكون في العلا بمنزلة حروف الاستعلا فإنهن لحروف اللين حصون وما جاورهن عن الإمالة مصون ولا زال عدوه كالألف في أن حالها
362 تختلف فتسقط في صلة الكلام لا سيما مع اللام ولا تكون أولا بحال وإن تقدم همز فاستحال لأنه أدام الله علوه أحسن إلى ابتداء ونشر على من فضله رداء إخفاءه فكشف خفاءه ومن شرف الإحسان سقوط ذكره عن اللسان كالمفعول رفع رفع الفاعل الكامل لما حذف من الكلام ذكر العامل يهدي إليه سلاما ما الروض ضاحكه النوض غرس وحرس وسقى ووقى وغيث وصيب فأخذ من كل نو بنصيب زهاه الزهر وسقاه النهر جاور الأضا فحسن وأضا رتعت فيه الفور ومرح العصفور فاطلع من التمراد وقد ظفر بالمراد فنظر إلى أقاحيه تفتر في نواحيه وإلى البهار يضاحك شمس النهار فجعل يلثم من ورده خدودا ويهصر من أغصانه قدودا ويقتبس النار من الجلنار ويلتمس العقيق من الشقيق فغرد ثملا وغنى خفيفا ورملا بأطيب من نفحته المسكية وأعطر من رائحته الذكية مع أنى وإن أهديته في كل أوان عن أداء ما يجب على غير وان أعد نفسي السكيت اللاحق لما يجب على من الحق فعثرت وجهدت فما أثرت فأنا بحمد الله في حال خمول وقنوع وجناب عن غير الغير ممنوع فارقت المتوج بأزال ولزمت الخمول والاعتزال سعيى سعى الجاهد وعيشي عيش الزاهد ببلد الأديب فيه غريب والأريب كالمريب إن تكلم استثقل وإن سكت استقلل منازله كبيوت العناكب ومعيشته كعجالة الراكب فهو كما قال أبو تمام حيث قال * أرض الفلاحة لو أتاها جرول * أعنى الحطيئة لاغتدى حراثا * * لم آتها من أي باب جئتها * إلا حسبت بيوتها أجداثا * * تصدا بها الأفهام بعد صقالها * وترد ذكران العقول إناثا * * أرض خلعت اللهو خلعى خاتمي * فيها وطلقت السرور ثلاثا * وأما حال عبده بعد فراقه في الجلد فما حال أم تسعة من الولد ذكور كأنهم عقبان وكور اخترم منهم ثمانية وهي على التاسع حانية نادى النذير في البادية يا للعادية يا للعادية فلما سمعت الداعي ورأت الخيل وهي سواعي
363 جعلت تنادى ولدها الأناة الأناة وهو ينادي القناة القناة * بطل كأن ثيابه في سرحة * يحذى نعال السبت ليس بتوأم * فحين رأته يختال في غضون الزرد المصون أنشأت تقول * أسد أضبط يمشي * بين طرفاء وغيل * * لبسه من نسج داود * كضحضاح المسيل * فعرض له في العادية أسد هصور كأن ذراعه مسد مضفور * فتطاعنا وتوافقت خيلاهما * وكلاهما بطل اللقاء مقنع * فلما سمعت صياح الرعيل برزت من الصرم بصبر قد عيل فسألت عن الواحد فقيل لها لحده اللاحد * فكرت تبتغيه فصادفته * على دمه ومصرعه السباعا * * عبشن به فلم يتركن إلا * أديما قد تمزق أو كراعا * بأشد من عبدك تأسفا ولا أعظم كمدا ولا تلهفا وإنه ليعنف نفسه دائما ويقول لها لائما لو فطنت لقطنت ولو عقلت لما انتقلت ولا سعدت لما بعدت فتقول له مجيبة ليس كما ظننت بل لو قدمت لندمت ولو رجعت لما هجعت * يقيم الرجال الموسرون بأرضهم * وترمى النوى بالمقترين المراميا * * وما تركوا أوطانهم عن ملالة * ولكن حذارا من شمات الأعاديا * أيها السيد أمن العدل والإنصاف ومحاسن الشيم والأوصاف إكرام المهان وإذالة جواد الرهان يشبع في ساجوره كلب الزبل ويسغب في خيسه أبو الشبل * إذا حل ذو نقص محلة فاضل * وأصبح رب الجاه غير وجيه *
364 * فإن الحياة المرء غير شهية * إليه وطعم الموت غير كريه * أقول لنفسي الدنية هبي طال نومك واستيقظي لا عز قومك أرضيت بالعطاء المنزور وقنعت بمواعيد الزور يقظة فإن الجد قد هجع ونجعة فمن أجدب انتجع أعجزت في الإباء عن خلق الحرباء أدلى لسانا كالرشاء وتسنم أعلى الأشياء ناط همته بالشمس مع بعدها عن اللمس أنف من ضيق الوجار ففرخ في الأشجار فهو كالخطيب على الغصن الرطيب * وإن صريح الحزم والرأي لامرىء * إذا بلغته الشمس أن يتحولا * وقد اصحب عبده هذه الأسطر شعرا يقصر فيه عن واجب الحمد وإن بنيت قافيته على المد وما يعد نفسه إلا كمهدى جلد السبنتي الأنمر إلى الديباج الأحمر أين در الحباب من ثغور الأحباب وأين الشراب من السراب والركى البكى من الواد ذي المواد أتطلب الصباحة من العتم والفصاحة من الغتم غلط من رأى الآل في القى فشبهه بهلهال الدبيقى هيهات إن مناسج الرياط تسبق تنيس ودمياط لا أقول كما قال القائل * من يساجلنى يساجل ماجدا * يملأ الدلو إلى عقد الكرب * بل أضع نفسي في أقل المواضع وأقول لمولاي قول الخاضع * فأسبل عليها ستر معروفك الذي * سترت به قدما على عوراتى * وها هي هذه * فيك برحت بالعذول إباء * وعصيت اللوام والنصحاء * * فانثنى العاذلون أخيب منى * يوم أزمعتم الرحيل رجاء * * من مجيري من فاتر اللحظ ألمى * جمع النار خده والماء * * فيه الليل والنهار صفات * ولهذا سر القلوب وساء * * لازم شيمة الخلاف فإن لذت * قسا أو دنوت منه تناءى * * يا غريب الصفات حق لمن كان * غريبا أن يرحم الغرباء *
365 * حربا من صدوده وتجنيه * وإشماته بي الأعداء * * وإذا ما كتمت ما بي من الوجد * أذاعته مقلتاي بكاء * * كعطايا سبا بن أحمد يخفيها * فتزداد شهرة ونماء * * أريحي يهزه المدح للجود * وإن لم تمدحه جاد ابتداء * * ألمعي يكاد ينبيك عما * كان في الغيب فطنة وذكاء * * وإذا أخلف السماء بأرض * أخلفت راحتاه ذاك السماء * * بندى يخجل الغيوث انهمالا * وجدى ينهل الرماح الظماء * * ما أبالي إذ أحسن الدهر فيه * أحسن الدهر بالورى أم أساء * * أيها الطالب الغنى زره تظفر * بعطايا تخجل الأنواء * * تلق منه المهذب الماجد الندب * الكريم السميدع الأباء * * راحة في الندى تنيل نضارا * وحسام في الروع يهمي دماء * * إن سطا أرهب الضراغم في الآجام * أو جاد بخل الكرماء * * شيم من أبيه أحمد لاينفك * عنها تتبعا واقتفاء * * قد تعاطى في المجد شأوك قوم * عجزوا واحتملت فيه العناء * * شرفا شامخا ومجدا منيفا * عدمليا وعزة قعساء * * يا أبا حمير دعوتك للدهر * فكن إمرأ تجيب الدعاء * * فأبى البخل أن يكون أماما * وأبى الجود أن يكون وراء * * أنا أشكو إليك جور زمان * دأبه أن يعاند الأدباء * * أهملتني صروفه وكأنى * ألف الوصل ألغيت إلعاء * * مال عنى بما أؤمل فيه * كلما قلت سوف يأسو أساء * * رهن بيت لو استقر به اليربوع * لم يرضه له نافقاء * * نقصتني نقص المرخم حتى * خلتني في فم الزمان نداء * * منعتني من التصرف منع العلل * التسع صرفها الأسماء * * يا أبا حمير وحرمة إحسانك * عندي ما كان حبي رياء * * ما ظننت الزمان يبعدني عنك * إلى أن أفارق الأحياء *
366 * غير أني فدتك نفسي من السوء * وإن قل أن تكون فداء * * ضاع سعيى وخبت خابت أعاديك * ومن يبتغى لك الأسواء * * واحتملت الزمان والنقص والإبعاد * والذل والعنا والجفاء * * وتجملت واصطبرت فما أبقى * على عودى الزمان لحاء * * أعلى هذه المصيبة صبر * لا ولو كنت صخرة صماء * * ولو أني لم أعتمد دون غيري * لتأسيت أن أموت وفاء * * غير أن التصريح ليس بخاف * عند من كان يفهم الإيماء * * غير أنني مثن عليك وما لمت * على ما لقيت إلا القضاء * * وسيأتيك في البعاد وفي القررب * مديح يجمل الشعراء * * فبشكر رحلت عنك وألقاك * به إن قضى الإله لقاء * * ليس يبقى في الدهر غير ثناء * فاكتسب ما استطعت ذاك الثناء * وكانت وفاته سنة إحدى وثمانين وخمسمائة 139 الحسين بن مطيرالحسين بن مطير الأسدي تصغير مطر من فحول الشعراء مدح الدولتين وله مدائح في المهدي وتوفي في حدود السبعين ومائة قال صاحب الأغاني هو مولى بني سعد بن مالك من بني أسد وهو يذهب مذهب الأعراب وكان من ساكني زبالة ومن شعره * لقد كنت جلدا أن يوقد الهوى * على كبدي نارا بطيئا خمودها * * وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي * إذا قدمت أيامها وعهودها * * فقد جعلت في حبة القلب والحشا * عهاد الهوى تولى بشوق يعيدها * * بسود نواصيها وحمر أكفها * وصفر تراقيها وبيض خدودها * * مخصرة الأوساط زانت عقودها * بأحسن مما زينتها عقودها *
367 * يمنيننا حتى ترف قلوبنا * رفيف الخزامي بات طل يجودها * منها * وكنت أذود العين أن ترد البكا * فقد وردت ما كنت عنه أذودها * * خليلي ما بالعيش عتب لو اننا * وجدنا لأيام الحمى من يعيدها * * ولى نظرة بعد الصدود من الجوى * كنظرة ثكلى قد أصيب وليدها * * هل الله عاف عن ذنوب تسلفت * أم الله إن لم يعف عنها يعيدها * وقال يرثي معن بن زائدة * ألما على معن فقولا لقبره * سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا * * فيا قبر معن أنت أول حفرة * من الأرض خطت للسماحة مضجعا * * ويا قبر معن كيف واريت جوده * وقد كان منه البر والبحر مترعا * * بلى قد وسعت الجود والجود ميت * ولو كان حيا ضقت حتى تصدعا * * فتى عيش في معروفه بعد موته * كما كان بعد السيل مجراه مرتعا * * أبى ذكر معن أن تموت فعاله * وإن كان قد لاقى حماما ومصرعا * * ولما مضى معن مضى الجود وانقضى * وأصبح عرنين المكارم أجدعا * ومن شعره * فيا عجبا للناس يستسرفونني * كأن لم يروا بعدي محب ا ولا قبلي * * يقولون لي اصرم يرجع العقل كله * وصرم حبيب النفس أذهب للعقل * * ويا عجبا من حب من هو قاتلي * كأني أجزيه المودة من قتلي * * ومن بينات الحب أن كان أهلها * أحب إلى قلبي وعيني من أهلي * 140 ابن عبدل الشاعر الحكم بن عبدل الأسدي ثم الغاضري الكوفي شاعر مشهور مجيد القول هجاء نفاه ابن الزبير من العراق نفي عمال بني أمية وقدم دمشق وكان له
368 من عبد الملك بن مروان موضع وقال ابن ماكولا هو الشاعر الأعرج كوفي مشهور قال كان يأتي بشر ابن مروان فيقول له بشر أخمسمائة أحب إليك العام أم ألف في قابل فيقول ألف في قابل وإذا أتى إليه في قابل قال له ألف أحب إليك العام أم ألفان من قابل فيقول ألفان من قابل قال فلم يزل كذلك حتى مات بشر ولم يعطه شيئا وقال صاحب الأغاني كان أعرج أحدب لا تفارقه العصا فترك الوقوف بباب الملوك وكان يكتب على عصاه حاجته ويبعث بها مع رسوله فلا يحبس له رسول ولا تؤخر له حاجة فقال في ذلك يحيى بن نوفل * عصا حكم في الدار أول داخل * ونحن على الأبواب نقصى ونحجب * * وكانت عصا موسى لفرعون آية * فهذى لعمر الله أدهى وأعجب * * تطاع ولا تعصى ويحذر سخطها * ويرغب في المرضاة منها ويرهب * وشاعت هذه الأبيات بالكوفة وضحك منها الناس فكان الحكم يقول ليحيى يا ابن الزانية ما أردت من عصاي حتى صيرتها ضحكة واجتنب أن يكتب عليها كما كان يفعل أولا وكان له صديق أعمى يدعى أبا علية وكان ابن عبدل قد أقعد فخرجا ليلة من منزلهما إلى منزل بعض إخوانهما والحكم يحمل وأبو علية يقاد فلقيهما صاحب العسس بالكوفة وأخذهما فحبسهما فلما استقرا في الحبس نظر الحكم إلى عصاه موضوعة في الحبس بجنب عصا أبي علية فضحك الحكم وقال * حبسى وحبس أبي عليية * من أعاجيب الزمان * * أعمى يقاد ومقعد * لا الرجل منه ولا اليدان *
369 * هذا بلا بصر هناك * وبى يخب الحاملان * * يا من يرى ضب الفلاة * قرين حوت في مكان * * طرفي وطرف أبى عليية * دهرنا متوافقان * * من يفتخر بجواده * فجوادنا عكازتان * * طرفان لا علفاهما * بشرى ولا يتصاهلان * وقال أيضا من أبيات * ففي حالتينا عبرة وتفكر * وأعجب منه حبس أعمى ومقعد * * كلانا إذا العكاز فارق كفه * يخر صريعا أو على الوجه يسجد * * فعكازه يهدي إلى السبل أكمها * وأخرى مقام الرجل قامت مع اليد * وكان في الكوفة امرأة موسرة وكان لها على الناس ديون بالسواد فاستغاثت بابن عبدل في دينها وقالت إني لست بزوج وجعلت تعرض أنها تزوجه بنفسها فقام ابن عبدل في دينها حتى اقتضاه فلما طالبها بالوفاء كتبت إليه شعرا * سيخطيك الذي حاولت منى * فقطع حبل وصلك من حبالي * * كما أخطاك معروف ابن بشر * وكنت تعد ذلك رأس مال * وضرب الحجاج البعث على المحتلمين ومن أنبت من الصبيان الصغار وكانت المرأة تجيء إلى ابنها فتضمه إليها وتقول يا ابني جزعا عليه فسمى ذلك الجيش جيش يبنى وأحضر ابن عبدل فجرد فوجد أحدب أعرج فأعفى من ذلك فقال * لعمري لئن جربتني فوجدتني * كثير العيوب سيىء المتجرد * * فأعفيتنى لما رأيت زمانتي * ووفقت منى للقضاء المسدد * * ولست بذي شيخين يلتزمانه * ولكن يتيم ساقط الرجل واليد * وخرج ليلة وهو سكران محمول في محفة فلقيه صاحب العسس فقال له
370 من أنت فقال يا بغيض أنت أعرف بي من أن تسأل عني اذهب إلى شغلك فإن اللصوص لا يخرجون في الليل في محفة فضحك منه وانصرف وكانت له جارية سوداء فولدت له ابنا أسود وكان أعرم الصبيان فقال فيه * يا رب خال لك مسود القفا * لا يشتكي من رجله مس الحفا * * كأن عينيه إذا تشوفا * عينا غراب فوق نيق أشرفا * وأخباره في الأغاني وشعره كثير وكانت وفاته في حدود المائة رحمه الله 141 الحكم الربضي الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ملك الأندلس ولى الأمر بعد والده وامتدت أيامه وأقام في الأمر بعده سبعا وعشرين سنة وشهرا ولقب نفسه بالمرتضى وكان فارسا شجاعا فاتكا جبارا ذا حزم ودهاء كان يمسك أولاد الناس الملاح فيخصيهم ويمسكهم لنفسه وتوفي سنة ست ومائتين وهو ابن خمسين سنة وقام بعده ولده أبو المطرف عبد الرحمن وله شعر فمنه * قضب من البان ماست فوق كثبان * ولين عنى وقد أزمعن هجراني * * ملكننى ملكا ذلت عزائمه * للحب ذل أسير موثق عانى * * من لي بمغتصبات الروح من بدني * يغصبنني في الهوى عزى وسلطاني * وكان له ألفا فرس مرتبطة على شاطئ النهر وكان يعرف بالربضي لأنه قتل أهل الربض القبلي وهو من جانب شقندة في العدوة الأخرى من قرطبة وراء الوادي وهدم ديارهم وخربها فأصبحت فدادين بعد حرب عظيم ويظهر في ذلك بشجاعة وبسالة وقال في ذلك
371 * رأبت صدوع الأرض بالسيف راقعا * وقدما لأمت الشعب مذ كنت يافعا * * فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرة * أبادرها مستنضى السيف دارعا * * وشافه على الأرض الفضاء جماجما * كأقحاف منثور الهبيد لوامعا * * تنبئك أني لم أكن في قراعهم * بوان وقدما كنت بالسيف قارعا * * وهل زدت أن وفيتهم صاع قرضهم * فوافوا منايا قدرت ومصارعا * * فهاك سلاحي أنني قد تركتها * مهادا ولم أترك عليها منازعا * وكان قد تظاهر في صدر ولايته بالخمور والفسق فقامت الفقهاء والكبار وخلعوه سنة تسع وثمانين ثم أعادوه لما تنصل وتاب فقتل طائفة من الكبار وصلبهم بإزاء قصره قيل بلغوا سبعين نفسا وكان يوما فظيعا فمقتته النفوس وأضمروا له السوء وأسمعوه الكلام المر فتحصن واستعد وجرت له أمور يطول شرحها قال أبو محمد بن حزم وكان من المجاهرين بالمعاصي سفاكا للدماء 142 حمدة الوادياشية حمدة بنت زياد بن بقي العوفي قال ابن الأبار في تحفة القادم كانت من المتأدبات المتصرفات المتغزلات المتعففات حدثت عن أبي الكرم جودي بن عبد الرحمن الأديب قال ابن الأبار أنشدني القاسم بن البراق قال أنشدتني حمدة بنت زياد العوفية وقد خرجت متنزهة باالرملة من وادياش فرأت ذات وجه وسيم أعجبها فقالت * أباح الدمع أسراري بوادى * له للحسن آثار بوادي * * فمن نهر يطوف بكل روض * ومن روض يطوف بكل وادي *
372 * ومن بين الظباء مهاة رمل * سبت لبى وقد ملكت قيادي * * لها لحظ ترقده لأمر * وذاك اللحظ يمنعني رقادي * * إذا سدلت ذوائبها عليها * رأيت البدر في جنح الدآدي * * كأن الصبح مات له شقيق * فمن حزن تسربل بالحداد * قال وأنشدني الكاتبان أبو جعفر بن عبيد الأركشي وأبو إسحاق بن الفقيه الجياني قالا أنشدنا القاضي أبو يحيى عتبة بن محمد بن عتبة الجراوي لحمدة هذه * ولما أبى الواشون إلا فراقنا * ومالهم عندي وعندك من ثار * * وشنوا على أسماعنا كل غارة * وقلت حماتي عند ذاك وأنصاري * * غزوتهم من مقلتيك وأدمعي * ومن نفسي بالسيف والسيل والنار * وعاصرت حمدة هذه نزهون بنت القليعي الغرناطية الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى في حرف النون وكانت وفاة حمدة في نحو 600 ه 143 حمزة بن بيض حمزة بن بيض بكسر الباء الموحدة وسكون الياء والضاد المعجمة الحنفي أحد بني بكر بن وائل كوفي شاعر مجيد سائر القول كثير المجون كان منقطعا إلى المهلب بن أبي صفرة وولده ثم إلى بلال بن أبي بردة حصلت له أموال كثيرة إلى الغاية من ذهب وخيل ورقيق قيل إنه حصل ألف ألف درهم وتوفي سنة عشرين ومائة أتى بلال بن أبي بردة وكان كثير المزاح معه فقال لحاجبه استأذن لحمزة بن بيض الحنفي فدخل الحاجب وخرج وقال يقول لك حمزة بن بيض ابن من فقال ادخل وقل له الذي جئت إليه إلى سبار الحمام وأنت
373 أمرد تسأله أن يهبك طائرا فأدخلك السبار وناكك وأعطاك طائرا فشتمه الحاجب فقال ما أنت وذا بعثك برسالة فأبلغه الجواب فدخل الحاجب وهو مغضب فلما رآه بلال ضحك وقال ما قال لك قبحه الله فقال ما كنت لأخبر الأمير بما قال فقال يا هذا أنت رسول فأد الجواب فأبى فأقسم عليه فأخبره بقوله فضحك حتى فحص برجليه وقال قل له قد عرفنا العلامة فادخل فدخل فأكرمه وسمع مديحه وأحسن صلته وأراد بلال بقوله ابن من قول الشاعر فيه * أنت ابن بيض لعمري لست أنكره * فقد صدقت ولكن من أبو بيض * وقدم على مخلد بن المهلب وعنده الكميت فأنشده * أتيناك في حاجة فاقضها * وقل مرحبا يجب المرحب * * ولا لا تكلنا إلى معشر * متى وعدوا عدة يكذبوا * * فإنك في الفرع من أسرة * لهم خضع الشرق والمغرب * * بلغت لعشر مضت من سنيك * ما يبلغ السيد الأشيب * * فهمك فيه جسام الأمور * وهم لداتك أن يلعبوا * * وجدت فقلت ألا سائل * فيعطي ولا راغب يرغب * * فمنك العطية للسائلين * وممن ينوبك أن يطلبوا * فأمر له بمائة ألف درهم فأخذها وسأله عن حوائجه فأخبره فقضاها جميعا وأودع حمزة عند ناسك ثلاثين ألف درهم ومثلها عند رجل نباذ فأما الناسك فبنى بها داره وزوج بناته وأنفقها وجحده وأما النباذ فأدى إليه الأمانة في ماله فقال حمزة * ألا لا يغرك ذو سجدة * يظل بها دائما يخدع * * كأن بجبهته جلبة * تسبح طورا وتسترجع * * وما للتقى لزمت وجهه * ولكن ليغتر مستودع * * فلا تنفرن من أهل النبيذ * وإن قيل يشرب لا يقلع *
374 * فعندي علم بما قد خبرت * وإن كان علم بهم ينفع * * ثلاثون ألفا حواها السجود * فليست إلى أهلها ترجع * * بنى الدار من غير ما ماله * فأصبح في بيته يرتع * * مهائر من غير مال حواه * يقاتون أرزاقهم جوع * * وأدى أخو الكاس ما عنده * وما كنت في ردها أطمع * وكان عبد الملك بن مروان يبعث به فوجه إليه ليلة رسولا وقال جئنى به على أي حالة وجدته فهجم عليه فوجده داخلا إلى بيت الخلاء فقال أجب أمير المؤمنين فقال ويحك أكلت كثيرا وشربت نبيذا حلوا وقد أخذني بطني فقال لا سبيل إلى مفارقتك ثم أخذه وأتى به إلى عبد الملك فوجده قاعدا في طارمة وعنده جارية جميلة يتخظاها وهي تسجر العود وتبخر أمير المؤمنين فجلس يحادثه ويعالج ما هو فيه من داء بطنه فعرضت له ريح فسيبها ظنا أن يسترها البخور قال حمزة فوالله لقد غلب ريحها ريح البخور والند فقال ما هذا يا حمزة قال فقلت على عهد الله والمشي إلى بيت الله والهدى إن كنت فعلتها وما فعلها إلا هذه الجارية قال فغضب وخجلت الجارية وما قدرت على الكلام ثم جاءتني أخرى فسرحتها وسطع والله ريحها فقال ما هذا ويلك أنت والله الآفة فقالت امرأتي طالق إن كنت فعلتها فقال وهذه اليمين لازمة لي إن كنت فعلتها ثم قال للجارية ويلك ما قصتك قومي إلى الخلاء إن كنت تجدين شيئا وطمعت فيها فسرحت الثالثة فسطع ريحها ما لم يكن في الحساب فغضب عبد الملك حتى كاد أن يخرج من جلده ثم قال يا حمزة خذ بيد هذه الجارية الزانية فقد وهبتها لك وامض فقد نغصت على ليلتي فأخذت بيدها وخرجت فلقيني خادم فقال ما تريد أن تصنع فقلت أمضى بها فقال والله لئن فعلت ليبغضنك بغضا لا
375 تنتفع به بعده وهذه مائتا دينار فخذها ودع هذه الجارية فقلت والله لا نقصتك من خمسمائة دينار فقال ليس إلا ما قلت لك فأخذتها منه وأخذ الجارية فلما كان بعد ثلاث دعاني عبد الملك فلقيني الخادم فقال هذه مائة دينار أخرى وتقول ما لا يضرك ولعله ينفعك فقلت ما هو فقال إذا دخلت إليه تدعى عنده أن تلك الفسوات الثلاث أنت فعلتهن فقلت هاتها فلما دخلت وقفت بين يديه وقلت الأمان يا أمير المؤمنين فقال قل فقلت أرأيت تلك الليلة وما جرى من الفسوات قال نعم قلت على وعلى إن كان فساهن غيري فضحك حتى سقط على قفاه وقال فلم ويلك ما أخبرتني فقلت أردت خصالا منها أن قمت وقضيت حاجتي ومنها أخذت جاريتك ومنها أنى كافأتك على أذاك بمثله حيث منعني رسولك من دفع أذاي قال وأين الجارية قلت ما خرجت من دارك وأخبرته الخبر فسر بذلك وأمر لي بمائتي دينار أخرى وقال هذه لجميل فعلك وتركك أخذ الجارية وأخبار حمزة كثيرة وكلها طرف
376 ((حرف الخاء)) 144 خالد الكاتب خالد بن يزيد أبو الهيثم الكاتب البغدادي أصله من خراسان وكان أحد كتاب الجيش ولاه ابن الزيات الإعطاء ببعض الثغور فخرج فسمع في طريقه منشدا ينشد * من كان ذا شجن بالشام يطلبه * ففي سوى الشام أمسى الأهل والوطن * فبكى حتى سقط مغشيا عليه ثم أفاق واختلط عقله واتصل به ذلك إلى الوسواس وبطل وكان مغرما بالمرد وينفق عليهم كل ما يفيده فهوى غلاما يقال له عبد الله وكان أبو تمام يهواه فقال فيه خالد * قضيب بان جناه ورد * تحمله وجنة وخد * * لم أثن طرفي إليه إلا * مات عزاء وعاش وجد * * ملك طوع النفوس حتى * علمه الحسن كيف يبدو * * واجتمع الصد فيه حتى * ليس لخلق سواه صد * فبلغ ذلك أبا تمام فقال * شعرك هذا كله مفرط * في برده يا خالد البارد * فعلقها الصبيان وما زالوا يصيحون به يا خالد البارد حتى وسوس وهجا أبا تمام فقال * يا معشر المرد إني ناصح لكم * والمرء في القول بين الصدق والكذب * * لا ينكحن حبيبا منكم أحد * فداء وجعائه أعدى من الجرب * * لا تأمنوا أن تعودوا بعد ثالثة * فتركبوا عمدا ليست من الخشب *
377 ومن شعره * عش فحبيك سريعا قاتلي * والهوى إن لم تصلني واصلي * * ظفر الشوق بقلب دنف * فيك والسقم بجسم ناحل * * فهما ما بين وجد وضنى * تركاني كالقضيب الذابل * * وبكى العاذل لي من رحمة * فبكائي لبكاء العاذل * ومنه * عشية حياني بورد كأنه * خدود أضيفت بعضهن إلى بعض * * وراح وفعل الراح في حركاته * كفعل النسيم الرطب في الغصن الغض * ومنه * رقدت ولم ترث للساهر * وليل المحب بلا آخر * * ولم تدر بعد ذهاب الرقاد * ما فعل الدمع بالناظر * وتوفي خالد في حدود السبعين والمائتين رحمة الله تعالى 145 الزين خالد خالد بن يوسف بن سعد بن الحسن بن مفرج بن بكار الحافظ المفيد زين الدين أبو البقاء النابلسي ثم الدمشقي ولد بنابلس سنة خمس وثمانين وخمسمائة وتوفي سنة ثلاث وستين وستمائة قدم دمشق ونشأ بها وسمع من القاسم بن عساكر ومحمد بن الخصيب وابن طبرزد وحنبل وطائفة وسمع ببغداد من ابن الأخضر وابن منينا وكتب وحصل الأصول النفسية ونظر في اللغة والعربية وكان إماما ذكيا فطنا ظريفا حلو النادرة حلو المزاح وكان يعرف قطعة كبيرة من الغريب والأسماء والمختلف والمؤتلف وله حكايات متداولة بين الفضلاء وكان الملك الناصر يحبه ويكرمه
378 روى عنه محيي الدين النواوي والشيخ تاج الدين الفزاري وأخوه الخطيب شرف الدين وتقى الدين بن دقيق العيد وكان ضعيف الكتابة جدا ويعرج من رجله حدث الشرف الناسخ أنه كان يحضره الناصر بن العزيز فأنشد شاعر قصيدة يمدحه بها فخلع الزين خالد سراويله وخلعه على الشاعر فضحك الناصر وقال ما حملك على هذا قال لم يكن معي ما أستغني عنه غيره فعجب منه ووصله وولى مشيخة النورية وكان قصيرا شديد السمرة ويلبس قصيرا ومن شعره رحمه الله تعالى * أبا حسن إني إليك وإن نأت * ركابي إلى بغداد ما عشت تائق * * ولو عنت الأقدار قبلي لعاشق * لما عاقني عنك العشية عائق * ومنه * يا رب بالمبعوث من هاشم * وصهره والبضعة الطهر * * لا تجعل اليوم الذي لا ترى * عيني تاج الدين من عمري * 146 سبط بن الحمامية خسرو شاه بن سعد بن عبد السيد أبو شجاع سبط بن الحمامية ويسمى محمدا أيضا كان أدبيا فاضلا له شعر وتوفي سنة أربع وخمسمائة ومن شعره * وليلة جعلت في أرضها فلكا * يديره عبث القينات بالوتر * * فشمسه الراح والمصباح كوكبه * وبدره شادن من أحسن الصور * * فسعدها بتمام الليل متصل * ونحسها فرقة تأتي مع السحر *
379 147 الشيخ خضر العدوي الشيخ خضر بن أبي بكر موسى المهراني العدوي الشيخ المشهور شيخ الملك الظاهر كان صاحب حال ونفس قوية وكان له حال كاهني أخبر الظاهر بسلطنته قبل وقوعها فلهذا كان يعظمه وينزل إلى زيارته ويطلعه على غوامض أسراره ويستصحبه في أسفاره سأله وهو محاصر أرسوف متى تؤخذ فعين له اليوم فوافق ذلك وكذلك صفد وقيسارية ولما عاد إلى الكرك سنة خمس وستين استشاره في قصدها فأشار عليه ألا يقصدها ويتوجه إلى مصر فخالفه وتوجه فوقع عند بركة زيرا وانكسرت فخذه وقال في بعلبك والظاهر على حصن الأكراد يأخذه السلطان بعد أربعين يوما فوافق ذلك ولما توجه السلطان إلى الروم كان الشيخ خضر في الحبس فأخبر أن السلطان يظفر ويعود إلى دمشق وأموت ويموت بعدي بعشرين يوما فاتفق ذلك وكان السلطان قد نقم عليه وأحضر من حاققه على أمور لا تصدر من مسلم فأشاروا بقتله فقال هو للسلطان أجلي قريب من أجلك وبيني وبينك أيام يسيرة فوجم لها السلطان وتوقف في قتله وحبسه وضيق عليه لكنه يرسل إليه الأطعمة الفاخرة والملابس وكان حبسه في شوال سنة إحدى وسبعين ولما وصل الظاهر من الروم إلى دمشق كتب إلى مصر بإخراجه فوصل البريد بعد موته وكان قد بنى له عدة زوايا في عدة بلاد وكان كل أحد يتقي جانبه حتى الصاحب بهاء الدين بن حنا وبيليك الخازندار وإذا كتب ورقة يقول فيها من خضر نياك الحمارة وأخرج من السجن ميتا وحمل إلى الحسينية ودفن بزاويته
380 قال الشيخ تقي الدين الشيخ خضر مسلم صحيح العقيدة لكنه قليل الدين باطولي له حال شيطاني وكانت وفاته سنة ست وسبعين وستمائة وكان قد بنى له زاوية بالحسينية على الخليج محاذية لأرض الطبالة ووقف عليها أحكارا يجيء منها في السنة ثلاثون ألف درهم وبنى له بالقدس زاوية وبالمزة بدمشق زاوية وبظاهر بعلبك زاوية وبحماة زاوية وبحمص زاوية وهدم بدمشق كنيسة اليهود وكنيسة المصلبة التي للنصارى بالقدس وقتل قسيسها بيده وعملها زاوية وهدم بالإسكندرية كنيسة الروم وبناها مدرسة وسماها الخضراء وكان واسع الصدر يعطي الفضة والذهب ويعمل الأطعمة في قدور مفرطة الكبر يحمل القدر جماعة عتالين وفي ملازمته الظاهر يقول الشريف الناسخ * ما الظاهر السلطان إلا مالك الددنيا * بذاك لنا الملاحم تخبر * * ولنا دليل واضح كالشمس في * وسط السماء بكل عين تبصر * * لما رأينا الخضر يقدم جيشه * أبدا علمنا أنه الإسكندر * 148 الأشرف خليل خليل بن قلاوون السلطان الملك الأشرف صلاح الدين بن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي جلس على تخت الملك في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة بعد موت والده واستفتح الملك بالجهاد وسار فنازل عكا وافتتحها ونظف الشام كله من الفرنج ثم سار في السنة الثانية فنازل قلعة الروم وحاصرها خمسة وعشرين يوما وافتتحها ثم في السنة الثالثة جاءته مفاتيح قلعة بهسنا من غير قتال إلى دمشق ولو طالت مدته ملك العراق وغيرها فإنه كان شجاعا مقداما مهيبا عالي الهمة يملأ العين ويرجف القلب
381 وكان ضخما سمينا كبير الوجه بديع الجمال مستدير اللحية على صورته رونق الحسن وهيبة السلطنة وكان إلى جوده وبذله الأموال في أغراضه المنتهى تخافه الملوك في أقطارها أباد جماعة من كبار الدولة وكان منهمكا على اللذات لا يعبأ بالتحرز على نفسه لشجاعته توجه من القاهرة ثالث المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة هو والوزير شمس الدين بن السلعوس وأمراء دولته وفارقه وزيره من الطرانة إلى الإسكندرية وعسف وظلم وصادر الناس ونزل الأشرف بأرض الحمامات للصيد وأقام إلى يوم السيت ثالث عشر المحرم فلما كان العصر وهو بتروجة حضر نائب السلطنة بيدرا وجماعة من الأمراء وكان الأشرف أمره بكرة أن يتقدم بالدهليز ليتصيد هو ويعود عشية فاحتاطوا به وليس معه إلا شهاب الدين بن الأشل أمير شكاوة فابتدره بيدرا فضربه بالسيف قطع يده فصاح حسام الدين لا جين عليه وقال من يريد السلطنة تكون هذه ضربته وضربه على كتفه حله فسقط السلطان إلى الأرض ولم يكن معه سيف بل كان وسطه مشدودا بالبند ثم جاء سيف الدين بهادر رأس نوبة فأدخل السيف من أسفله وشقه إلى حلقه وتركوه طريحا في البرية والتفوا على بيدرا وحلفوا له وساق تحت العصائب يطلب القاهرة وتسمى بالملك الأوحد وبات تلك الليلة وأصبح يسير فلما ارتفع النهار إذا بطلب كبير قد أقبل يقدمه زين الدين كتبغا وحسام الدين أستاذدار يطلبون بيدرا بدم أستاذهم وذلك بالطرانة فحملوا عليه فتفرق عنه أكثر من معه وقتل في الحال وحمل رأسه على رمح وجاءوا به إلى القاهرة فلم يمكنهم الشجاعي من التعدية وكان نائب السلطنة في تلك السفرة فأمر بالشواني كلها فربطت إلى الجانب الآخر ونزل الجيش على الجانب الغربي ثم مشت بينهم الرسل على أن يقيموا الملك الناصر محمدا أخا الأشرف فتقرر ذلك وأجلسوه على التخت يوم الاثنين رابع عشر المحرم وصار أتابكه كتبغا ووزيره الشجاعي واختفى حسام الدين لا جين وقراسنقر المنصوري وغيرهما ممن شارك في قتله قال الشيخ شمس الدين الجزري رحمة الله تعالى حدثني الأمير سيف الدين المحفدار قال كان السلطان رحمة الله قد نفذني بكرة إلى بيدرا بأن
382 يتقدم بالعساكر فلما قلت له ذلك نفر في وقال السمع والطاعة كم تستعجلني ثم إني حملت الزردخانه والثقل الذي لي وركبت فبينما أنا ورفيقي الأمير صارم الدين الفخري وركن الدين أمير جندار عند الغروب وإذا بنجاب قد أقبل فقلنا له أين تركت السلطان فقال يطول الله أعماركم فيه فبهتنا وإذا بالعصائب قد لاحت وأقبل الأمراء وبيدرا في الدست فجينا وسلمنا وساق معه ركن الدين أمير جندار وقال له يا خوند هذا الذي تم كان بمشورة الأمراء قال نعم أنا قتلته بمشورتهم وحضورهم وها هم حضور وكان من جملتهم حسام الدين لا جين وبهادر رأس نوبة وقراسنقر وبدر الدين بيسري ثم إن بيدرا شرع يعدد ذنوبه وإهماله لأمور المسلمين واستهتاره بالأمراء وتوزيره لابن السلعوس ثم قال رأيتم الأمير زين الدين كتبغا فقلنا لا فقال له أمير جندار عنده علم من هذه القضية قال نعم هو أول من أشار بها فلما كان من الغد جاء كتبغا في طلب نحو من ألفين من الخاصكية وغيرهم ثم قال كتبغا لبيدرا أين السلطان ورماه بالنشاب ورموا كلهم بالنشاب وقتلوه وتفرق جمعه فلما رأينا ذلك التجأنا إلى جبل واختلطنا بالطلب الذي جاء فعرفنا بعض أصحابنا فقال لنا شدوا بالعجلة مناديلكم في أرقابكم إلى تحت الإبط يعني شعارهم قال ابن المحفدار وسألت شهاب الدين بن الأشل كيف كان قتل السلطان قال جاء إليه بعد رفع الدهليز أن بتروجة طيرا كثيرا فقال لي امش بنا حتى نسبق الخاصكية فركبنا وسرنا فرأينا طيرا كثيرا فرمى بالبندق وصرع كثيرا ثم قال أنا جيعان فهل معك شيء تطعمني فقلت ما معي سوى فروجة ورغيف في سولقي فقال هاته وناولته فأكله ثم قال امسك فرسي حتى أبول ثم نزل وجعل يريق الماء ويمازحني ثم ركب وإذا بغبار عظيم فقال سق واكشف الخبر فسقت وإذا ببيدرا والأمراء فسألتهم عن سبب مجيئهم فلم يردوا علي وساقوا إلى السلطان وقتلوه كما ذكرنا ثم إن بعد يومين طلع والى تروجة وغسلوه وكفنوه ووضعوه في تابوت وسيروا من القاهرة الأمير سعد الدين كوجبا الناصري فأحضر التابوت ودفن في تربة والدته وذلك في المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة وكان من أبناء
383 الثلاثين أو أقل رحمه الله تعالى ذكر فتوحاته عكا وصور وصيدا وبيروت وقلعة الروم وبهسنا وجميع الساحل في أقرب مدة وكان مدة ملكه ثلاث سنين وشهر وخمسة أيام وكان كرمه زائدا وإطلاقه عظيما وكانت واقعته تسمى وقعة الأيدي والأكتاف لأن جميع من وافق عليه قطعت أيديهم أولا وفيهم من سمر وفيهم من أحرق وفيهم من قتل ولم يجدد في زمانه مظلمة ولا استجد ضمان مكس وكان يحب الشام وأهله وفيه يقول شمس الدين بن غانم * مليكان قد لقبا بالصلاح * فهذا خليل وذا يوسف * * فيوسف لا شك في فضله * ولكن خليل هو الأشرف * وكان مغري بالهدم لأنه هدم أماكن وفيه يقول علاء الدين الوداعي لما أمر بهدم الأماكن المجاورة للميدان بدمشق ووزع عمارته على الأمراء * إن أمر السلطان في جلق * بهدم ما جاور ميدانه * * فإنه قد غار لما رأى * غير بيوت الله جيرانه * وقال أيضا * أرى الأمراء قد جدوا وجادوا * وشدوا في بنائهم وشادوا * * وهم متسابقون ولا عجيب * ففي الميدان تستبق الجياد * وقال أيضا * جزيتم أيها الأمراء خيرا * على إتقانكم هذى البنيه * * فلا تخشوا على الميدان شيئا * سوى سيل العطايا الأشرفيه * ولما افتتح السلطان عكا امتدحه القاضي شهاب الدين محمود بقصيدته البائية المشهورة وهي
384 * الحمد لله ذلت دولة الصلب * وعز بالترك دين المصطفى العربي * * هذا الذي كانت الآمال لو طلبت * رؤياه في النوم لا ستحيت من الطلب * * ما بعد عكا وقد هدت قواعدها * في البحر للشرك عند البر من أرب * * عقيلة ذهبت أيدي الخطوب بها * دهرا وشدت عليها كف مغتصب * * لم يبق من بعدها للكفر مذ خربت * في البر البحر ما ينجي سوى الهرب * * كانت تخيلنا آمالنا فنرى * أن التفكر فيها غاية العجب * * أما الحروب فكم قد أنشأت فتنا * شاب الوليد بها هولا ولم تشب * * سوران بر وبحر حول ساحتها * دارا وأدناهما أنأى من القطب * * مصفح بصفاح حولها أكم * من الرماح وأبراج من اليلب * * مثل الغمائم تهدي من صواعقها * بالنبل أضعاف ما تهدي من السحب * * كأنما كل برج حوله فلك * من المجانيق يرمي الأرض بالشهب * * ففاجأتها جنود الله يقدمها * غضبان لله لا للملك والنشب * * كم رامها ورماها قبله ملك * جم الجيوش فلم يظفر ولم يجب * * لم ترض همته إلا الذي قعدت * للعجز عنه ملوك العجم والعرب * * ليث أبى أن يرد الوجه عن أمم * يدعون رب العلا سبحانه بأب * * لم يلهه ملكه بل في أوائله * نال الذي لم ينله الناس في الحقب * * فأصبحت وهي في بحرين ماثلة * ما بين مضطرم نارا ومضطرب * * جيش من الترك ترك الحرب عندهم * عار وراحتهم ضرب من الضرب * * خاضوا إليها الردى والهجر فاشتبه الأمران * واختلفا في الحال والسبب * * تسنموها فلم يترك تسنمهم * في ذلك الأفق برجا غير منقلب * * أتوا حماها فلم تمنع وقد وثبوا * عنها مجانيقهم شيئا ولم يثب * * يا يوم عكا لقد أنسيت ما سبقت * به الفتوح وما قد خط في الكتب * * لم يبلغ النطق حد الشكر منك فما * عسى يقوم به ذو الشعر والخطب * * كانت تمنى بك الأيام مبعدة * فالحمد لله نلنا ذاك عن كثب * * أغضبت عباد عيسى إذ أبدتهم * لله أي رضا في ذلك الغضب * * وأطلع الله جيش النصر فابتدرت * طلائع النصر بين السمر والقضب * * وأشرف المصطفى الهادي البشير على * ما أسلف الأشرف السلطان من قرب *
385 * فقر عينا بهذا الفتح وابتهجت * بفتحه الكعبة الغراء في الحجب * * سار في الأرض سير الريح سمعته * فالبر في طرب البحر في حرب * * وخاضت البيض في بحر الدماء وما * أبدت من البيض إلا ساق مختضب * * وغاص زرق القنا في زرق أعينهم * كأنها شطن تهوى إلى قلب * * توقدت وهي غرقى في دمائهم * فزادها الطفح منها شدة اللهب * * وذاب من حرها عنهم حديدهم * فقيدتهم بها ذعرا يد الرهب * * كم أبزرت بطلا كالطود قد بطلت * حواسه فغدا كالمنزل الخرب * * أجرت إلى البحر بحرا من دمائهم * فراح كالراح إذ غرقاه كالحبب * * تحكمت وسط فيهم قواضبنا * قتلا وحاويها عن السلب * * كأنه وسنان الرمح يطلبه * برج هوى وواه كوكب الذنب * * بشراك يا ملك الدنيا لقد شرفت * بك الممالك واستعلت على الرتب * * ما بعد ' عكا ' وقد لانت عريكتها * لديك شيء تلاقيه على تعب * * فانهض إلى الأرض فالدنيا بأجمعها * مدت إليك فواصلها بلا نصب * * كم قد دعت وهي في أسر العدا زمنا * صيد الملوك فلم تسمع ولم تجب * * أتيتها يا صلاح الدين معتقدا * بأن داعي صلاح الدين لم يخب * * سلت فيها كما سالت دماؤهم * من قبل إحرازها بحرا من الذهب * * أدركت ثار صلاح الدين إذ غصبت * منه لسر طواه الله فيا للقب * * وجئتها بجيوش كالسيول على * أمثالها بين آجام من القضب * * وحطتها بالمناجيق التي وقفت * إزاء جدرانها في حجفل لجب * * مرفوعة نصبوا أضعافها فغدا * للكسر والحطم منهم كل منتصب * * ورضتها بنقوب ذللت شمما * منها وأبدت محياها بلا نقب * * وغنت البيض في الأعناق فارتقصت * أبراجها لعبا منهن باللعب * * وخلقت بالدم الأسوار فانفغمت * طيبا ولولا دماء الخبث لم تطب * * وأبرزت كل خود كاعب نثرت * رؤوسهم حين زفوها بلا طرب * * باتت وقد جاورتنا ناشزا وغدت * طوع الهوى في يدي جيرانها الجنب * * بل أحرزتهم ولكن للسيوف لكي * لا يلتجى أحد منهم إلى الهرب * * أضحت أبا لهب تلك البروج وقد * كانت بتعليقها حمالة الحطب *
386 * وتمت النعمة العظمى وقد كملت * بفتح صور بلا حصر ولا نصب * * وجارت النار في أرجائها وعلت * فأطفأت ما بصدر الدين من كرب * * وأفلت البحر منهم من يخبر من * يلقاه من قومه بالويل والحرب * * أختان في أن كل منهما جمعت * صليبة الكفر لا أختان في النسب * * لما رأت أختها بالأمس قد خربت * كان الخراب لها أعدى من الجرب * * الله أعطاك ملك البحر إذ جمعت * لك السعادة ملك البر والعرب * * من كان مبدأ ' عكا ' و ' صور ' معا * ف ' الصين ' أدنى إلى كفيه من ' حلب ' * * علا بك الملك حتى إن قبته * على البرايا غدت ممدودة الطنب * * فلا برحت قرير العين مبتهجا * بكل فتح مبين المنح مرتقب * وقال: أيضا يمدحه عند فتح قلعة الروم سنة إحدى وتسعين وستمائة -: * لك الراية الصفراء يقدمها النصر * فمن كيقباذ إن رآها وكيخسرو * * إذا خفقت في الأرض هدب بنودها * هوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الثغر * * وإن نشرت مثل الأصائل في وغى * جلا النقع من لألاء طلعتها البدر * * وإن يممت زرق لعدا سار تحتها * كتائب خضر تحتها البيض والسمر * * كأن مثار النقع ليل، وخفقها * بروق، وأنت البدر، والفلك البحر * * لها كل يوم أين سار لواؤها * هدية تأييد يقدمها الدهر * * وفتح أتى في إثر فتح كأنما * سماء بدت تترى كواكبها الزهر * * فكم وطئت طوعا وكرها معاقل * مضى الدهر عنها وهي عانسة بكر * * فإن رمت حصنا سابقتك كتائب * من الرعب أو جيش يقدمه النصر * * ففي كل قطر للعدى حصونهم * من الخوف أسياف تجرد أو حصر * * فلا حصن إلا وهو سجن لأهله * ولا جسد إلا لأرواحهم قبر * * وما قلعة الروم التي حزت فتحها * وإن عظمت إلا إلى غيرها جسر * * محجبة بين الجبال كأنها * إذا ما تبدت في ضمائرها سر * * تفاوت وصفها فللحوت فيهما * مجال وللنسرين بينهما وكر * * فبعض رسا حتى جرى الماء فوقه * وبعض سما حتى همى دونه القطر *
387 * يحيط بها نهران تبرز فيهما * كما لاح يوما في قلائده النحر * * تخاض متون السحب فيها كأنها * إذا ما استدارت حول أبراجها نهر * * على هضب صم يكلم صخرها الحديد * وفيها عن إجابته وقر * * لها طرق كالوهم أعيا سلوكه * على الفكر حتى ما يخيله الفكر * * إذا خطرت فيها الرياح تعثرت * أو الذر يوما زل عن متنه الذر * * يضل القطا فيها ويخشى عقابها العقاب * ويهفو في مراقبها النسر * * فصبحتها بالجيش كالروض بهجة * صوارمه أنهاره والقنا الزهر * * وأبدعت بل كالبحر والبيض موجه * وجرد المذاكي السفن والخوذ الدر * * وأغربت بل كالليل عوج سيوفه * أهلته والنبل أنجمه الزهر * * وأخطأت لا بل كالنهار فشمسه * جيوشك والآصال راياتك الصفر * * ليوث من الأتراك آجامها القنا * لها كل يوم في ذرا ظفر ظفر * * فلا الريح تسري بينهم لاشتباكها * عليهم ولا ينهل من فوقهم قطر * * يرى الموت معقودا بهدب نبالهم * إذا ما رماها القوس والنظر الشزر * * ففي كل سرج غصن بان مهفهف * وفي كل قوس مد ساعده بدر * * إذا صدموا صم الجبال تزلزلت * وأصبح سهلا تحت خيلهم الوعر * * ولو وردت ماء الفرات خيولهم * لقيل هنا قد كان فيما مضى نهر * * أداروا بها سورا فأضحت كخنصر * لدى خاتم أو تحت منطقة خصر * * وأجروا إليها من بحار أكفهم * سحاب ردى لم يخل من قطره قطر * * كأن المجانيق التي قمن حولها * رواعد سخط وبلها النار والصخر * * فأحرزتها بالسيف قهرا وهكذا * فتوحك فيما قد مضى كله قسر * * غدت بشعار الأشرف الملك الذي * له الأرض دار وهي من حسنها قصر * * وأضحت بحمد الله ثغرا ممنعا * تبيد الليالي والعدا وهو مفتر * * وكانت قذي في ناظر الدين فانجلي * وذخرا لأهل الشرك فانعكس الأمر *
388 ((حرف الدال)) 149 الملك الناصر داود داود بن عيسى بن محمد بن أيوب الملك الناصر صلاح الدين أبو المفاخر ابن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل الكبير ابن أيوب ولد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة بدمشق وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة سمع ببغداد من القطيعي وغيره وبالكرك من ابن اللتي وأجاز له المؤيد الطوسي وكان حنفي المذهب عالما فاضلا مناظرا ذكيا له اليد البيضاء في الشعر والأدب لأنه حصل طرفا جيدا من العلوم في دولة أبيه وولى السلطنة سنة أربع وعشرين بعد والده وأحبه أهل دمشق وسار عمه الكامل من مصر ليأخذ دمشق منه فأستنجد بعمه الأشرف فجاء لنصرته ونزل بالدهشة ثم تغير عليه ومال لأخيه الكامل وأوهم للناصر أنه يصلح قضيته فاتفقا عليه وحاصراه أربعة أشهر وأخذا دمشق منه وسار إلى الكرك وكانت لوالده وأعطى معها الصلت ونابلس وعجلون وأعمال القدس وعقد نكاحه على بنت عمه الكامل ثم إن الكامل تغير عليه ففارق ابنته قبل الدخول ثم إن الناصر قصد الإمام المستنصر بالله وقدم له تحفا ونفائس وسار إليه على البرية ومعه فخر القضاة بن بصاقة وشمس الدين الخسر وشاهي والخواص من مماليكه وألزامه وطلب الحضور بين يديه كما فعل بصاحب إربل فلم يأذن له فنظم قصيدته البائية وأولها * ودان ألمت بالكثيب ذوائبه * وجنح الدجى وحف تجول غياهبه * * تقهقه في تلك الربوع رعوده * وتبكى على تلك الطول سحائبه * * أرقت له لما توالي بروقه * وحلت عزاليه وأسيل ساكبه * * إلى أن بدا من أشقر الصبح قادم * يراع له من أدهم الليل هاربه *
389 * وأصبح ثغر الأقحوانة ضاحكا * تدغدغه ريح الصبا وتداعبه * * تمر على نبت الرياض بليلة * تجمشه طورا وطورا تلاعبه * * وأقبل وجه الأرض طلقا وطالما * غدا مكفهرا موحشات جوانبه * * كساه الحيا وشيا من النبت فاخرا * فعاد قشيبا غوره وغواربه * * كما عاد بالمستنصر بن محمد * نظام المعالي حين قلت كتائبه * * إمام تحلى الدين منه بماجد * تحلت بآثار النبي مناكبه * * هو العارض الهتان لا البرق مخلف * لديه ولا أنواره وكواكبه * * إذا السنة الشهباء شحت بطلها * سخا وابل منه وسحت سواكبه * * فأحيا ضياء البرق ضوء جبينه * كما نحلت جود الغوادي مواهبه * * له العزمات اللائي لولا نضالها * تزعزع ركن الدين وانهد جانبه * * بصير بأحوال الزمان وأهله * حذور فما تخشى عليه نوائبه * * بديهته تغنيه عن كل مشكل * وإن حنكته في الأمور تجاربه * * حوى قصبات السبق مذ كان يافعا * وأربت على زهر النجوم مناقبه * * تزينت الدنيا به وتشرفت * بنوها فأضحى خافض العيش ناصبه * * لئن نوهت باسم الإمام خلافة * ورفعت الزاكي المنار مناسبه * * فأنت الإمام العدل والعرق الذي * به شرفت أنسابه ومناصبه * * وأغنيت حتى ليس في الأرض معدم * يجور عليه دهره ويحاربه * * ومن جده عم النبي وخدنه * إذا صارمته أهله وأقاربه * * جمعت شتيت المجد بعد انفراقه * وفرقت جمع المال فانهال كاثبه * * ألا يا أمير المؤمنين ومن غدت * على كاهل الجوزاء تعلو مراتبه * * أيحسن في شرع المعالي ودينها * وأنت الذي تعزى إليه مذاهبه * * بأني أخوض الدو والدو مقفر * سبارته مغبرة وجوانبه * * وأرتكب الهول المخوف مخاطرا * بنفسي ولا أعبا بما أنا راكبه * * وقد رصد الأعداء لي كل مرصد * فكلهم نحوي تدب عقاربه * * وآتيك والعضب المهند مصلت * طرير شباه فاتنات ذوائبه * * وأترك آمالي ببابك راجيا * بواهر جاه يبهر النجم ثاقبه * * فتقبل مني عبد رق فيغتدى * له الدهر عبدا طائعا لا يغالبه *
390 * وتنعم في حقي بما أنت أهله * وتعلي محلي فالسها لا يقاربه * * وتلبسني من نسج ظلك حلة * تشرف قدر النيرين جلائبه * * وتركبني نعمى أياديك مركبا * على الفلك الأعلى تسير مواكبه * * وتسمح لي بالمال والجاه بغيتي * وما الجاه إلا بعض ما أنت واهبه * * ويأتيك غيري من بلاد قريبة * له الأمن فيها صاحب لا يجانبه * * وما غير من جوب الفلا حر وجهه * ولا اتصلت بالسير فيها ركائبه * * فيلقى دنوا منك لم ألق مثله * ويحظى ولا أحظى بما أنا طالبه * * وينظر من لألاء قدسك نظرة * فيرجع والنور الإمامي صاحبه * * ولو كان يعلوني بنفس ورتبة * وصدق ولاء لست فيه أصاقبه * * ولكنه مثلي ولو قلت إنني * أزيد عليه لم يعب ذاك عائبه * * ولا بالذي يرضيه دون نصيره * ولو أنعلت بالنيرات مراكبه * * لكنت أسلي النفس عما أرومه * وكنت أذود العين عما تراقبه * * وما أنا ممن يملأ المال عينه * ولا بسوي التقريب تقضى مآربه * * ومن عجب أني لدى البحر واقف * وأشكو الظما والبحر جم عجائبه * * وغبر ملوم من يؤمك قاصدا * إذا عظمت أغراضه ومآربه * * وقد رضت مقصودي فتمت صدوره * ومنك يرجى أن تتم عواقبه * فلما وقف الخليفة عليها أعجبته كثيرا فاستدعاه سرا بعد مضى شطر من الليل فدخل من باب السر إلى إيوان فيه ستر مضروب فقبل الأرض فأمر بالجلوس فجعل الخليفة يحدثه ويؤنسه ثم أمر الخدام فرفعوا الستر فقبل الأرض وقبل يده فأمر بالجلوس فجلس وجاراه في أنواع من العلوم وأساليب الشعر وأخرجه ليلا وخلع عليه خلعة سنية عمامة مذهبة سوداء وجبة سوداء مذهبة وخلع على أصحابه ومماليكه خلعا جليلة وأعطاه مالا جزيلا وبعث في خدمته رسولا مشربشا من أكبر خواصه إلى الكامل يشفع فيه في إخلاص النية له وإبقاء ملكه عليه والإحسان إليه وبلغ الكامل فخرج إلى تلقيهما إلى القصر
391 وأقبل على الناصر إقبالا كثيرا ونزل الناصر بالقابون وجعل رنكه أسودانتماء إلى الخليفة وكان الخليفة زاد في ألقابه بالولي المهاجر مضافا إلى لقبه وتوجه من دمشق والرسول معه ليرتبه في الكرك وذلك سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ولما كان الناصر ببغداد حضر في المستنصرية وبحث واستدل والخليفة فيروشن يسمع وقام يومئذ الوجيه القيرواني ومدح الخليفة بقصيدة منها * لو كنت في يوم السقيفة حاضرا * كنت المقدم والهمام الأروعا * فقال له الناصر كذبت قد كان العباس جد أمير المؤمنين حاضرا ولم يكن المقدم إلا أبو بكر رضي الله عنه فخرج الأمر بنفي الوجيه فذهب إلى مصروولى تدريس مدرسة ابن شكر رجع الكلام ثم وقع بين الكامل والأشرف وأراد كل منهما أن يكون الناصر معه فمال إلى الكامل وجاء في الرسلية القاضي الأشرف بن الفاضل وسار الناصر إلى الكامل فبالغ في تعظيمه وأعطاه الأموال والتحف ثم اتفق موت الأشرف والكامل والناصر بدمشق في دار أسامة فتشوف إلى السلطنة ولم يكن يومئذ أميز منه ولو بذل المال لحلفوا له فتسلطن الجواد فخرج الناصر من دمشق إلى القانون وسار إلى عجلون ثم حشد وجاء فخرج الجواد بالعساكر ووقع المصاف بين نابلس وجينين فانكسر الناصر وأخذ الجواد خزائنه وكانت على سبعمائة جمل فافتقر الناصر ولما ملك الصالح نجم الدين أيوب دمشق وسار لقصد مصر جاء عمه الصالح إسماعيل وملك دمشق فتسحب جيش نجم الدين عنه وبقي في نابلس في جماعة قليلة فجهز الناصر عسكرا من الكرك فأمسكوه وأحضروه إلى الكرك فاعتقله عنده مكرما ونزل الناصر عند موت الكامل من الكرك على القلعة التي عمرها الفرنج بالقدس وحاصرها وملكها وطرد من بالقدس من الفرنج وفي ذلك يقول
392 ابن مطروح * ألمسجد الأقصى له عادة * سارت فصارت مثلا سائرا * * إذا غدا للكفر مستوطنا * أن يبعث الله له ناصرا * * فناصر طهره أولا * وناصر طهره آخرا * ثم إنه اتفق مع الصالح نجم الدين أيوب في أنه إن ملك مصر ما يفعل فقال الصالح أنا غلامك وشرط عليه أشياء وأطلقه فلما ملك مصر وقع التسويف منه والمغالطة فغضب الناصر ورجع فبعث الصالح عسكرا واستولوا على بلاد الناصر ثم إن ابن الشيخ نازله في الكرك وحاصره أياما ورحل فقل ما عند الناصر من الذخائر والأموال واشتد عليه الأمر فجهز الشيخ شمس الدين الخسر وشاهي ومعه ولده إلى الصالح وقال تسلم منى الكرك وعوضني الشوبك وخبزا بمصر فأجابه فرحل إلى مصر مريضا ثم إن الأمر ضاق عليه فترك ولده المعظم نائبا في الكرك وأخذ ما يعز عليه من الجواهر ومضى إلى حلب مستجيرا بصاحبها فأكرمه ثم توجه قاصدا بغداد وأودع ما معه من الجواهر عند الخليفة وكانت قيمتها أكثر من مائة ألف دينار ولم يصل بعد ذلك إليها وكان له ولدان الظاهر والأمجد وهما من بنت الملك الأمجد بن العادل فأمهما بنت عمه وأم المعظم بنت عمه الصالح فاتفقا مع أمهما على القبض على المعظم فقبضاه واستولوا على الكرك ثم سار الأمجد إلى المنصورة فأكرمه الصالح فكلمه في الكرك وتوثق منه لنفسه وإخوته وأن يعطيه خبزا بمصر فأجابه وسير الطواشي بدر الدين الصوابي إلى الكرك نائبا وأقطع أولاد الناصر إقطاعات جليلة وفرح بالكرك وبلغ الناصر الخبر وهو بحلب فعظم ذلك عليه فلما مات الصالح وتملك ابنه المعظم توران شاه وقتل عمه الطواشي الصوابي وأخرج المغيث عمر بن العادل بن الكامل من حبس الكرك وملكه الكرك والشوبك وجاء صاحب حلب فملك دمشق ومعه الصالح إسماعيل والناصر داود فقيل له إن الناصر يسعى في السلطنة فقبض
393 عليه وحبسه بحمص ثم أفرج عنه بشفاعة الخليفة فتوجه إلى الخليفة فلم يؤذن له في الدخول إلى بغداد فطلب وديعته فلم تحصل له فرد إلى دمشق ثم سافر إلى بغداد لأجل الوديعة فنزل بمشهد الحسين بكربلا وسير قصيدة إلى الخليفة يمدحه ويسأله في رد الوديعة ويتلطف فلم يرد عليه جواب فحج وأتى المدينة وقام بين يدي الحجرة النبوية وأنشد قصيدته التي أولها * إليك امتطينا اليعملات رواسما * يجبن الفلا ما بين رضوى ويذبل * ثم أحضر شيخ الحرم والخدام ووقف بين يدي الضريح مستمسكا بسجف الحجرة وقال اشهدوا أن هذا مقامي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخلت عليه مستشفعا به إلى ابن عمه أمير المؤمنين في رد وديعتي فأعظم الناس هذا وبكوا وكتبوا بصورة ما جرى إلى الخليفة ولما كان الركب في الطريق خرج عليهم أحمد بن حجي بن يزيد من آل مري فوقع القتال وكادوا يظفرون بأمير الحاج فشق الناصر الصفوف وكلم أحمد بن حجي وكان أبوه صاحبه فترك الركب ونزل الناصر بالحلة فقرر له راتب يسير ولم ينل مقصودا فجاء إلى قرقيسيا ومنها إلى تيه بني إسرائيل وانضم إليه عربان فخاف المغيث منه وراسله وخدعه إلى أن قبض عليه وعلى من معه وحبسه بطور هارون فبقي ثلاثة أيام واتفق أن المستعصم دهمه أمر التتار فكتب إلى صاحب الشام يستمده ويطلب منه جيشا يكون مقدمه الناصر داود فطلبه من المغيث فأخرجه وقدم إلى دمشق ونزل بقرية البويضا قرب البلد وأخذ يتجهز للمسير فجاءت الأخبار بما جرى على بغداد من التتار وعرض طاعون بالشام عقيب واقعة التتار فطعن الناصر في جنبه وتوفي ليلة الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة وركب السلطان إلى البويضا وأظهر التأسف عليه وقال هذا كبيرنا وشيخنا ثم حمل إلى تربة والده بسفح قاسيون
394 وكان رحمه الله تعالى معتنيا بتحصيل الكتب النفيسة ووفد عليه راجح الحلى ومدحه فوصل إليه منه ما يزيد على أربعين ألف درهم وأعطاه على قصيدة أخرى ألف دينار وكتب الملك الناصر داود إلى وزيره فخر القضاة بن بصاقة * يا ليلة قطعت عمر ظلامها * بمدامة صفراء ذات تأجج * * بالساحل النامي روائج نشره * عن روضه المتضوع المتأرج * * واليم زاه قد جرى تياره * من بعد طول تقلق وتموج * * طورا يدغدغه النسيم وتارة * يكرى فتوقظه بنات الخرزج * * والبدر قد ألقى سنا أنواره * في لجة المتجعد المتدبج * * فكأنه إذ قد صفحة متنه * بشعاعه المتوقد المتوهج * * نهر تكون من نضار يانع * يجرى على أرض من الفيروزج * ومن شعره * صبحاني بوجهه القمري * واصبحاني بالسلسبيل الروي * * بدر ليل يسعى بشمس نهار * فشهى ينتابنا بشهي * * واعجبا لاجتماع شمس وبدر * في سنائي سنا كمال بهي * * إن تبدت بوجهها ذهبيا * قلت هذا من وجهه الفضي * * يا ولوعا بالنبل أصميت قلبي * بسهام من لحظك البابلي * * رشقته من حاجبيك سهام * منتضاة أحسن بها من قسي * ومنه * لوعاينت عيناك حسن معذبي * ما لمتني ولكنت أول من عذر * * عين الرشا قد القنا ردف النقا * شعر الدجى شمس الضحى وجه القمر * ومما ينسب إليه وهو غاية * بأبي أهيف إذا رمت منه * لثم ثغر يصدني عن مرامي *
395 * قد حمى خده بسور عذار * مقلتاه أضحت عليه مرامي * وله أيضا * تراخيت عني حين جد بي الهوى * وجربت صبري عندما نفد الصبر * * فلو عاينت عيناك في الليل حالتي * وقد هزني شوقي وأقلقني الفكر * * رأيت سليما في ثياب مسلم * ومستشعرا قد ضم شرسوفه الشعر * وله * إذا عاينت عيناي أعلام جلق * وبانت من القصر المشيد قبابه * * تيقنت أن البين قد بان والنوى * نأي شحطها والعيش عاد شبابه * وله أيضا * طرفي وقلبي قاتل وشهيد * ودمي على خديك منه شهود * * يا أيها الرشأ الذي لحظاته * كم دونهن صوارم وأسود * * من لي بطيفك بعدما منع الكرى * عن ناظري البعد والتسهيد * * وأما وحبك لست أضمر توبة * عن صبوتي ودع الفؤاد يبيد * * وألذ ما لاقيت فيك منيتي * وأقل ما بالنفس فيك أجود * * ومن العجائب أن قلبك لم يلن * لي والحديد ألانه داود * وعلى الجملة إنه لم يكن مسعود الحركات لأنه قضي عمره في أسوأ حال مشردا عن الأوطان معكوس المقاصد وقيل إنه كان إذا دخل في الشراب وأخذ السكر منه يقول أشتهي أن أرى فلانا طائرا في الهوا فيرمي ذلك المسكين في المنجنيق ويراه وهو في الهواء فيضحك ويسر به ويقول أشتهي أشم روايح فلان وهو يشوي فيحضر ذلك المعثر ويقطع لحمه ويشوي وهو يضحك من فعلهم بذلك المسكين وله من هذه الأفعال الردية أنواع كثيرة وفيه يقول جمال الدين بن مطروح * ثلاثة ليس لهم رابع * عليهم معتمد الجود *
396 * ألغيث والبحر وعززهما * بالملك الناصر داود * رحمه الله تعالى وعفا عنه وعنا وعن جميع المسلمين 150 الملك المؤيد هزبر الدين داود بن يوسف بن عمر بن رسول التركماني الملك المؤيد هزبر الدين ملك اليمن نيفا وعشرين سنة ومات في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وكان قد تفنن وحفظ كفاية المتحفظ ومقدمة ابن بابشاذ وبحث التنبيه وطالع وسمع من المحب الطبري وغبره واشتملت خزانته على مائة ألف مجلد وكان محبا للخير يزور الصالحين وقدم عليه عز الدين الكولمي ومعه من المسك والحرير والصيني ما أدى عليه ثلاثمائة ألف درهم وأنشأ المؤيد قصرا بديع الحسن عديم المثال ولما مات تولي ابنه المجاهد واضطرب ملك اليمن مدة وتمكن الملك الظاهر بن المنصور وقبضوا على المجاهد ثم مات المنصور وكان دينا رحيما فثار أمراء مع المجاهد واستولى على قلعة تعز ثم قوى أمره وأباد أضداده وقال الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليماني يمدح المؤيد وقد ركب فيلا * الله أولاك يا داود مكرمة * ورتبة ما أتاها قبل سلطان * * ركبت فيلا وظل الفيل ذا رهج * مستبشرا وهو بالسلطان فرحان * * لك الإله أذل الوحش أجمعه * هل أنت داود فيه أم سليمان * وقال يمدحه وقد بنى قصرا بظاهر زبيد * يا ناظم الشعر في نعم ونعمان * وذاكر العهد من لبنى ولبنان * * ومعمل الفكر في ليلي وليلتها * بالسفح من عقدات الضال والبان * * قصر فيا لعلو من زبيد علا * عالي المنار عظيم القدر والشأن *
397 * به التغزل أحلى ما يرى بهجا * فدع حديث لويلات بعسفان * * قصر بناه هزبر الدين مفتخرا * وشاد ذلك بان أيما بان * * هذا الخورنق بل هذا السدير أتى * في عصر داود لا في عصر نعمان * * أنسى بإيوانه كسرى فلا خبر * من بعد ذلك عن كسرى لإيوان * * سامي النجوم علاء فهي راجعة * عن السمو لإيوان ابن حسان * * تود فيه الثريا لو بدت سرجا * مثل الثريا به في بعض أركان * * يحفه دوح زهر كله عجب * كم فيه من فنن زاه بأفنان * ولم يوجد شيء كذا على حرف الذال المعجمة 151 راجح الحلي راجح بن إسماعيل بن أبي القاسم الحلي الأسدي دخل الشام وجال في بلادها ومدح ملوكها ونادمهم وكان فاضلا جيد النظم عذب الألفاظ حسن المعاني وتوفي بدمشق سنة سبع وعشرين وستمائة ومولده سنة سبعين وخمسمائة ومن شعره * ألا هبوا فقد أرج الخزامي * وغنى الطير وانتشت النعامي * * أتتنا من جبال الثلج سكري * تنفض عن معاطفها الغماما * * كأن مطارح الحانات باتت * تثج على معاطفها المداما * * ورب معقرب الأصداغ ألمى * سقيم الجسم ألبسني السقاما * * تفرد بالملاحة فاستمدت * سوالف خده ألفا ولاما *
398 * وخط البدر هالته عليه * فأطلعه بها بدرا تماما * * يفتتت قلب عاشقه إذا ما * زوي جفنيه أو هز القواما * * بروحي من تملكني هواه * وأسهرني على ولهي وناما * * فيا لله ليلتنا بسلع * وقد أرقت بالنوح الحماما * * تجلي بالخيام الزرق وهنا * فبت لأجله أرعى الخياما * * سقاني الراح من يده وفيه * فما برد الغليل ولا الأواما * * عقدت على ذوائبه يميني * وملت إليه ضما والتزاما * ومن شعره يمدح الملك الناصر داود رحمه الله * أمنكم خطرت مسكية النفس * صبا تلقيت منها برء منتكس * * نمت بما استودعت والفجر جمرته * ما دب إيقادها في فحمة الغلس * * ردت على مقلتي طيب الرقاد * فها إنسانها بلذيذ النوم في أنس * * فيا لها نفحة خالست نسمتها * لما تيقنت أن العيش في الخلس * * وللنسيم إشارات إذا التبست * فسرها عند مثلي غير ملتبس * * فما قعودك بي عن بنت دسكرة * يغنيك لألاؤها في الليل عن قبس * * يديرها ثمل الأعطاف قامته * لو مثلت لغصون البان لم تمس * * سعى بها والدجى من حلي أنجمه * عار ولكن بأنوار الكئوس كسي * * والسحب تضحك ثغر النور أدمعها * والجو في مأتم والأرض في عرس * * ظبي وقائع طرفي في محبته * بين اللمي وفتور الجفن واللعس * * نبهته ونجوم الليل تسبح في * بحر الظلام فمن طاف ومنغمس * * فقام يمسح ما في الجفن من سنة * وقد تمشي الكرى في الأعين النعس * * فسكنت سورة الصهباء شرته * واستودعت بعض ما في الخلق من شرس * * فما ضممت الذي في العطف من هيف * حتى استكن الذي في الوطف من شوس * * فلا عدمت طلا صادته كأس طلي * فما ثني عطفه عن نيل ملتمس * * هذا وركب عفاة قد عدلت بهم * إلى مغاني الغنى عن أربع درس * * عافوا ورود وعود الباخلين فما * أجروا مطالبهم منها على يبس * * فقلت نصوا ركاب الحمد واخدة * إلى مقر العلا في أرض نابلس * * إلى مقر تناجيني جلالته * كأنني واقف في حضرة القدس *
399 * صاح قد أسفر الصباح المنير * وتغنت على الغصون الطيور * * وأعاد النسيم أنفاس روض * كسد المسك عنده والعبير * * وبرود الربيع تضفو فتصفو * غدر في خلالها ونهور * * وعلى الأرض للرياض سماء * مثل زهر النجوم فيها الزهور * * وكأن الغمام والبرق نقع * شهرت فيه مرهفات ذكور * * أو ستور ترخى على الأرض دكن * كتبت بالنضار فيها سطور * * زمن صح للنديم سرور * فيه واعتل للنسيم مرور * * فأجب داعي الصبوح فديك الصصبح * يدعو إليه والعصفور * * وشموس المدام في شهب الكلسات * يسعى بها علينا بدور * * كل بدر سماؤه من قباء * وعليه من فرعه ديجور * * رشأ للعيون منه نعيم * حين يبدو وللقلوب سعير * * حاكم جائر الكئوس عسوف * مستطيل على الندامي أمير * * جاءنا بالكبار منها ونادى * إنما يشرب الصغار الصغير * * فتناولت من يديه عقارا * تترك الهم وهو منها عقير * * بنت دن شمطاء من عهد عيسى * أودعتها كنائس وديور * * أكل الدهر ما تكاثف منها * فهي من لطفها تكاد تطير * * قد خلعت العذار فيها وإني * في هواها بخلعه لجدير * * وأزلت الوقار والنسك حتى * لا أبالي بما إليه أصير * * ودعاني داعي التصابي فلبيت * ونادى فلم أجبه النذير * * وحداني على الخلاعة علمي * أن ربي لكل ذنب غفور * * فلدي كل حانة أنا ثاو * يزدهيني بم هناك وزير * * راكعا ساجدا إلى بيت حان * لا صلاة فيه ولا تكبير * * هاتفا في الصباح حي على الراح * وقد قام للفلاح بشير * * قهوة كالحياة في كل يوم * لي موت بكأسها ونشور * * كم نعتني القيان بين رياض * أنا فيهن ملحد مقبور * * آنستني الولدان فيها إذا ما * أوحش الميت منكر ونكير *
400 * وإذا أرهق الزمان بنيه * وغدا الخطب وهو صعب عسير * * فبغازي بن يوسف الملك الظاهر * من جور صرفه أستجير * وقال أيضا * ماء الجمال بوجهه مذ أشرقا * كم ناظر بدموعه قد أشرفا * * رشأ يفوق عن قسى جواجب * نبلا بغير مقاتلي لا يتقي * * ثمل المعاطف لم يزر قباؤه * إلا على مثل القضيب وأرشقا * * أنا من تمادي هجره في مأتم * فاعجب لخدي بالدموع تخلقا * * كالبدر يسري في نجوم قلائد * متبلجا من فوق غصن في نقا * * لم يكف ضعف الخصر عن أردافه * حتى اغتدى بعيوننا متمنطقا * * أجرى على عاداته دمعي ولو * كشف الظلامة رد ذاك المطلقا * * ورأى دليل جنون قلبي أنه * بسلاسل الأصداغ أضحى موثقا * * جعل الغرام قرى ملاحته فكم * ثار أثار وكم دم قد أهرقا * * عبثت ثناياه بخمر رضابه * حتى صفا في كأس فيه مروقا * * وبدت لنا آيات حسن لم يقم * برهانها إلا وكنت مصدقا * * فبلحظه وبوجنتيه وثغره * راح سكرت بنشرها مستنشقا * * كتب العذار على صحيفة خده * بالمسك في الكافور سطرا ملحقا * * أمعنف العشاق وهو من الهوى * خالي الحشا لا مت حتى تعشقا * * فزها بنفسجه الجني وقد غدا * بالورد في روض الملاحة محدقا * * إني لأظمأ ما أكون إذا جرى * ماء الحياة بوجهه وترقرقا * * قمر سقيم الطرف عقرب صدغه * يثني عزائمنا ويهزأ بالرقي * * يا مثريا من حسنه عطفا على * قلب يبيت من التصبر مملقا * * ها قد رأيت خضوع سائل أدمعي * أفكان عارا أن ترى متصدقا * * سل عن سوى جلدي فإني لم أدع * تعليله حتى قضي فلك البقا * * ما بات قلبي للصبابة ممسكا * حتى غدا جفني لدمعي منفقا * * سكن الضنى جسمي سكون مقيد * ومشي الغرام إلى فؤادي مطلقا * * ففداك قلب قد ملكت قياده * لم يرج من رق الصبابة معتقا * * لو كان قلبك مثل عطفك لينا * لرثي ورق لفيض دمع مارقا *
401 * ماذا تعد لمن تعاديه إذا * ما طرفك اغتال المحب المشفقا * وقال أيضا * لمن رسوم ما كدت أعرفها * أوحش محتلها ومألفها * * قضت علينا آثار ساكنها * أن المطايا يطول موقفها * * أنفقت فيها الدموع عن ثقة * أن دواعي الحنين تخلفها * * أعباء شوق أعيا تحملها * فابتدرت أدمعي تخففها * * سقيا لها والظباء سانحة * بجوها والرماح تكنفها * * حيث القدود الرشاق أقتلها * لأنفس العاشقين أهيفها * * منعمات الأعطاف ميدها * مختصرات الخصور نحفها * * تلك خصور ما زال مختطفا * لب فؤاد الحليم مخطفها * * فمن معيني على غريم هوى * يلوي ديوني ولا يسوفها * * نهيت قلبي عن حبه فأبت * أن ترعوى صبوة أعنفها * * يظمأ إلى خمر عذب ريقته * فمي وعود الأراك يرشفها * * فآه من زفرة أرددها * فيه ومن عبرة أكفكفها * * مرهف قضب العيون أكحلها * مضعف نبل الجفون أوطفها * * يا مشرقي بالدموع بل صدى * حشاشة لا يبل مدنفها * * دمي على وجنتيك تثبته * شهود دمع ما زلت أقذفها * * فكيف ترجي النجاة من مقل * أفتكها بالقلوب أضعفها * * والنفس مذ كابدت هواك أبت * عنه انحرافا فكيف أصرفها * * فهات قل لي يا من لواحظه * تشفي قلوبا منا وتشغفها * * أهذه قامة يرنحها * تيهك أم صعدة يثقفها * * وأعين أم قواضب الملك الظاهر * يوم الهياج يرهفها * وقال من أبيات * لي الله قلبا لا تزال تشوقه * طلائع أحلام تغر وتخدع * * إذا صبوة عنها أمالته سلوة * تعرض زور من خيال فترجع * * خليلي هبا فانظرا لي جذوة * سما نحوها طرفي أم البرق يلمع * * فإن كان برقا فاستميحاه وقفة * لعل شآبيب الحيا منه تهمع *
402 * فإن جاد قبل الدمع مدرجة اللوى * فتلك لعمري منة لا تضيع * * ولا تبخلا أن تتبعا الظعن نظرة * فلى خلف تلك العيس قلب مروع * * وما أخذوه عنوة غير أنه * تأخر عني حين راح يودع * * وأرقني بالأبرق الفرد بارق * وورق غدت في مورق البان تسجع * * ترخم صوتا أعجميأ ومقلتي * تترجم عنها حين تدمي وتدمع * * وعن أيمن السعدي يا سعد أربع * لقلبي إليها لفتة وتطلع * * يرنحني تذكارها فكأنما * يدار علي البابلي المشعشع * * فيا حبذا ظل النخيل وجرعة * تبل غليلي لا كثيب وأجرع * * ليالي أغصان المعاطف تنثني * علي ومن لعس المراشف أكرع * وقال من قصيدة * ولرب ليلة موعد كصدوده * لا تهتدي فيها النجوم لمطلع * * نازلتها بالأبلجين جبينه * وسلاف كأس يمينه المتشعشع * * ودعوت حي على الشمول فلم يكن * متأبيا عن شربه لما دعى * * فسقيته كأسا توهم أنها * معصورة من خده أو أدمعي * * وأخذت في شكوى الغرام مرددا * حرقي فرق لأنتي وتوجعي * * واستنزعت منه الكئوس نزاقة * ما كان لولا نزعها بالطيع * * لو كنت شاهد ما نبث من الجوى * لعجبت من مرأى هناك ومسمع * * راضت شمائله الشمول وطالما * قد بت ألقى عزه بتخضعي * * فسخا بقبلته وجاد بجيده * لما انتشى وأباح كل ممنع * وقال يعارض قصيدة ابن زريق * أخفى الغرام فأبداه توجعه * وترجمت عن مصون الحب أدمعه * * صب بعيد مرامي الصبر ما برحت * تحني على برحاء الشوق أضلعه * * به لواعج شوق لو تحملها * رضوي لهدته أو كادت تضعضعه * * ما بات أخيب خلق الله منه سوى * مفند ظن أن العذل يخدعه * * يا عذب الله قلبي كم يجن هوى * يجني عليه ويرعى من يروعه * * وشى عليه بما أخفاه من شجن * فرط الحنين الذي أمسى يرجعه * * وما أعاد الهوى إلا ليخجله * لما توهم أن الصبر ينفعه *
403 * واها لغر خلا مما يكابده * مسهد الطرف صب القلب موجعه * * ظبي توهم نومي حيلة نصبت * لصيده فهو بالهجران يقطعه * * أجرى دما دمع عيني وهو مورده * وأسكن النار قلبي وهو مرتعه * * ويلاه من شرس الأخلاق يعذب لي * فيه العذاب ويحلو لي تمنعه * * وليلة بت أسقى من مراشفه * سلاف خمر ثناياه تشعشعه * * يرنو ويعلم أن الطرف يصرعني * وقد تيقنت أن السكر يصرعه * * حتى إذا أخذت منه الكئوس ثني * إلى جيدا يغير الظبي أتلعه * * وبات قلبي الذي ما زال يؤيسه * يسمو إلى غاية الآمال مطمعه * * ولان بعد شماس كنت أعهده * منه وأصغي إلى شكواي مسمعه * * ولا تسل كيف بت الليل من سهري * لما اطمأن بعيد النوم مضجعه * ولما تسلم الكامل دمياط وجاءوا الملوك إلى خدمته وهو بالمنصورة فجلس مجلسا عظيما ومد سماطا عظيما وأحضر ملوك الفرنج ووقف المعظم عيسى والأشرف موسى والملوك في خدمته فقام راجح الحلي بين السماطين وأنشد * هنيئا فإن السعد راح مخلدا * وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا * * حبانا إله العشر فتحا بدا لنا * مبينا وإنعاما وعزا مؤيدا * * تهلل وجه الدهر بعد قطوبه * وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا * * ولما طغى البحر الخضم بأهله الططغاة * وأضحى بالمراكب مزبدا * * أقام لهذا الدين من سل سيفه * صقيلا كما سل الحسام مجردا * * فلم ينج إلا كل شلو مجدل * ثوى منهم أو من تراه مقيدا * * ونادى لسان الكون في الأرض رافعا * عقيرته في الخافقين ومنشدا * * أعباد عيسى إن عيسى وحزبه * وموسى جميعا يخدمون محمدا * وله غير ذلك وشعره كله جيد وكانت وفاته بدمشق في شهور سنة سبع وعشرين وستمائة كما ذكرنا ودفن خارج باب الصغير جوار قبة القلندرية رحمه الله تعالى
404 152 أبو حكيمة الكاتب راشد بن إسحاق بن راشد أبو محمد الكاتب الأنباري يلقب أبا حكيمة بضم الحاء شاعر أديب أفني عامة شعره في مراثي متاعه قال ابن المرزباني يقال إنما كان يقول ذلك لتهمة لحقته من عبد الله بن طاهر أيام خدمته له في خادم لعبد الله ومن شعره * ولى خادم يرنو بطرف غزال * يدل بحسن فائق وجمال * * دعاني إلى ما يستحل ابن أكثم * وقد يستحل الشيخ غير حلال * * ولما بدا لي ما يريد اجتنبته * وقلت له إني لذلك قالي * * وقلت له حاولت ما لست قادرا * عليه ولو غاليت فيه بمالي * * بليت بأير لا يخف إلى الوغى * إذا ما التقى الزحفان يوم قتال * * ويجبن عن حل الإزار وتحته * مواضع مستن له ومجالي * * فأصبح لا تسمو إلى اللهو نفسه * ولا تخطر اللذات منه ببال * * تدلدل فوق الخصيتين كأنه * رشاء على رأس الركية بالي * * ولو قام أسعفك فيما طلبته * أحق بأيرى منك أم عيالي *
405 وقال أيضا في المعنى * أيا أير قد صرت أحدوثة * لمن في البلاد من العالم * * ألم تك فيما مضى منعظا * تشبه بالوتد القائم * * وقد كنت تملأ كف الفتاة * فأصبحت تدخل في خاتم * وقال في المعنى * دعيت إلى شادن أدعج * يشبه بالقمر الأبلج * * فألفيت أيرك مستخدرا * وقد يحرم المرء ما يرتجي * * ترى تركه أيما حسرة * وأنت به مستهام شجي * * وصرت تحرج من نيكه * ولو قام أيرك لم تحرج * * سواء عليك إذا ما رنوت * إلى مثله جئت أو لم تجي * وقال أيضا * نام أيرى والنوم ذل وهون * واعتراه بعد الحراك سكون * * بات نضوا وبت أبكي عليه * إن همي بهمه مقرون * * كيف يلتذ عيشه آدمي * بين رجليه صاحب محزون * * دب فيه البلي فماتت قواه * وهو حي لم تخترمه المنون * * أيها الأير لم تخني ولكن * غالني فيك ريب دهر خئون *
406 * طالما قمت كالمنارة تهتزز * اهتزازا تسمو إليه العيون * * رب يوم رفعت فيه قميصي * فكأنه في مشيتي مجنون * * سلبتك الأيام لذة عيش * يقصر الوصف دونها والظنون * * كانت الحادثات تنكل منه * وخطوب الزمان فيها تهون * * فتخليت من مجون التصابي * وتخلى منك الصبا والمجون * * أين إقدامك الشديد إذا ما * شمرت بالكماة حرب زبون * * فقت أبطالها طعانا وضربا * ولكل الأشياء فوق ودون * * كم صدوق اللقاء دارت عليه * في غمار الوغى رحاك الطحون * * وحصون لما وردت عليها * أيقنت بالبلاء تلك الحصون * * وصريع أبحت منه مكانا * كان يحميه مرة ويصون * * وشديد المراس أنفذت فيه * طعنة يستلذها المطعون * * تركته بعد المخافة منها * وهو صب بحسنها مفتون * * فحنى قوسك الزمان وأفنتك * خطوب تفني عليها القرون * * لم يدع منك حادث الدهر إلا * جلدة كالرشاء فيها غضون * * يتثنى كأنه صولجان * أو كما عوجت من الخط نون * * فإذا أبصرت خزاياك عيني * شرقت بالدموع مني الجفون * * فمتى أنت مفلح بعد هذا * أترى ذاك في حياتي يكون * وقال أيضا في المعنى * إذا وصفت من كل أير شجاعة * أبي جبن أيرى أن يحيط به وصف * * يفر حذار الزحف من رأس فرسخ * فكيف تراه حين يقرب بي الزحف * * ويكسل بين الغانيات عن الذي * يتم لإخوان السرور به القصف * * ينام على كف الفتاة وتارة * له حركات ما تحس به الكف * * كما يرفع الفرخ ابن يومين رأسه * إلى أبويه ثم يدركه الضعف * * تطوق فوق الخصيتين كأنه رشاء على رأس الركية ملتف *
407 * تقول سليمى حين غيره البلى * وأعقبه من صرف أيامه صرف * * لئن دق واسترخى لقد كان مرة * له مقبض في كف لامسه يجفو * * صبيحة يغدو للنطاح بهامة * من الصخر لا قرنان فيها ولا قحف * * إذا شئت لاقاني بمتن مقوم * ومشحوذة مثل السنان لها حرف * * فمالي أراه ضاربا بجرانه * كذا سكرة مالت به الخمرة الصرف * * يعز عليه أن يقوم لحاجة * ولو قام لم يتبعه عضو ولا عطف * * تكدر عيشي مذ رأيت انحناءه * وللدهر أحداث تكدر ما يصفو * وقال * ومنتبه بين الندامى رأيته * وقد رقد الندمان دب إلى الساقي * * فأولج فيه مثل أسود سالخ * أصم من الحيات ليس له راقي * * فلما انتحى فيه تحرك واتكا * وأطرق عند الرهز أحسن إطراق * * فقلت له لا تلفين مقصرا * ولا مشفقا في غير موضع إشفاق * * أجد تحت خصييه فإن سكوته * سكوت فتى صب إلى النيك مشتاق * * فلو لم يكن يقظان ما قام أيره * ولا لف عند النيك ساقا إلى ساق * وقال * كأن أيرى من رخو مفصله * خريطة قد خلت من الكتب * * أو حية أرقم مطوقة * قد جعلت رأسها إلى الذنب * وقال في مرضه الذي مات فيه وهو بطريق مكة * أطبقت للنوم جفنا ليس ينطبق * وبت والدمع في خديك يستبق) * لم يسترح من له عين مؤرقة * وكيف يعرف طعم الراحة الأرق * * وددت لو تم لي حجي ففزت به * ما كل ما تشتهيه النفس يتفق * وكانت وفاته بطريق مكة بعد الأربعين ومائتين رحمه الله تعالى 153 الأقطع أمير العرب رافع بن الحسين بن حماد بن مقن بالقاف المفتوحة أبو المسيب
408 الأقطع المعروف بظاهر الدولة أمير العرب بنواحي بغداد كان فيه فروسية وأدب ويقول الشعر وأمه علوية ابنة المقلد بن جعفر بن عمرو كانت فاضلة كريمة معمرة وكان فيه شح وإمساك وكانت تعيبه بذلك وإذا جرى في ضيافاته تقصير تممته من بيوتها وكانت تقول وا غوثاه ما عرفت العشرات والخمسات إلا منكم في هذا الزمان وما كنا نعرف إلا الألوف والمئات وكان لها رأى جيد في الحروب وغيرها وكان سبب قطع يده أنه كان يشرب ومعه بعض أولاد بني عمه فجرت بين اثنين منهم خصومة وتجالدا بالسيوف فخلص بينهما فضرب أحدهما يده بالسيف فقطعها غلطا فذهبت هدرا وكان يلبس كفا يمسك به العنان ويقاتل فلا يثبت له أحد وكان عظيم الغيرة على حرمه وإمائه وكانت مملكته البوازيج والسن وتكريت والقادسية وتوفي سنة سبع وعشرين وأربعمائة رحمه الله تعالى ومن شعره * لها ريقة أستغفر الله إنها * ألذ وأشهى في النفوس من الخمر * * وصارم طرف لا يزايل جفنه * ولم أر سيفا قبل في جفنه يبرى * منها * فقلت لها والعيس تحدج للنوى * أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر * * سأنفق ريعان الشبيبة آنفا * على طلب العلياء أو طلب الأجر * * أليس من الخسران أن لياليا * تمر بلا نفع وتحسب من عمري * ومنه * إن ابن حرب ما يحارب مهجة * إلا انتضى من مقلتيه سلاحا * * يا دهر إنك أنت نابذ ريقه * خمرا وغارس خده تفاحا * * وغزلت من غزل شباك جفونه * ونصبتها فتقنصت أرواحا *
409 154 رتن الهندي قال الشيخ علاء الدين علي بن المظفر الكندي حدثنا القاضي الأجل العالم جلال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن إبراهيم الكاتب من لفظه بدمشق بدار السعادة سنة إحدى عشرة وسبعمائة قال أخبرنا قاضي القضاة نور الدين أبو الحسن علي بن أبي عبد الله محمد بن الحسين الحسيني الأثرى الحنفي من لفظه عام إحدى وسبعمائة بالقاهرة قال أخبرني جدي الحسين بن محمد قال كنت في زمن الصبا وأنا ابن سبع عشرة سنة أو ثمان عشرة قد سافرت مع عمي من خراسان إلى بلد الهند في تجارة فلما بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من ضياع الهند فعرج أهل القفل نحو الضيعة ونزلوا بها وضج أهل القافلة فسألنا عن الخبر فقالوا هذه ضيعة الشيخ رتن المعمر فلما نزلنا الضيعة رأينا شجرة عظيمة تظل خلقا كثيرا وتحتها جمع عظيم من أهل الضيعة فتبادروا الكل نحو الشجرة ونحن معهم فرأينا زنبيلا عظيما معلقا في بعض أغصان الشجرة فسألنا عن ذلك فقالوا هذا الزنبيل فيه الشيخ رتن الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم وما يروى عنه فتقدم شيخ من أهل الضيعة إلى الزنبيل وكان ببكرة فأنزله وإذا بالشيخ فيه كالفرخ فوضع فمه على أذنه وقال يا جداه هؤلاء قوم قدموا من خراسان وفيهم شرفا من أولاد النبي صلى الله عليه وسلم وقد سألوا أن تحدثهم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا قال لك فعندها تنفس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية ونحن نسمع ونفهم كلامه فقال سافرت مع أبي وأنا شاب من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة فلما بلغنا بعض أودية مكة وكان المطر قد ملأ الأودية بالسيل فرأيت غلاما أسمر اللون حسن الكون رائع الجمال وهو يرعى إبلا في تلك الأودية وقد حال السيل بينه وبين إبله وهو
410 يخشى من خوض السيل لقوته فعلمت حاله فأتيت إليه وحملته وخضت به السيل إلى عند إبله فلما وضعته عند إبله نظر إلى وقال لي بالعربية بارك الله في عمرك بارك الله في عمرك بارك الله في عمرك فتركته ومضيت إلى سبيلي إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما كنا أتينا له من أمر التجارة وعدنا إلى الوطن فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوسا في فناء ضيعتنا هذه وكانت ليلة البدر فنظرنا إليه وقد انشق نصفين فغرب نصف في المشرق والنصف الآخر من المغرب وسارا إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أول مرة فعجبنا من ذلك غاية العجب ولم نعرف لذلك سببا وسألنا الركبان عن خبر ذلك فأخبرونا أن رجلا هاشميا ظهر بمكة وادعى أنه رسول الله تعالى إلى كافة الخلق وأن أهل مكة سألوه معجزة كمعجزة سائر الأنبياء وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في الغرب ونصفه في الشرق ثم يعود إلى ما كان عليه ففعل ذلك بقدرة الله تعالى فلما سمعنا ذلك من السفار اشتقت إلى أن أراه فتجهزت في تجارة وسافرت إلى أن دخلت مكة وسألت عن الرجل الموصوف فدلوني عليه فأتيت إلى منزله واستأذنت عليه فأذن لي فدخلت عليه فوجدته جالسا في صدر المنزل والأنوار تتلألأ في وجهه وقد استنارت محاسنه وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى فلم أعرفه فلما سلمت عليه رد علي السلام وتبسم في وجهي وقال ادن مني وكان بين يديه طبق فيه رطب وحوله جماعة من أصحابه كالنجوم يعظمونه ويبجلونه فقال كل من هذا الرطب فجلست وأكلت معه من الرطب وناولني بيده المباركة ست رطبات من سوى ما أكلت بيدي ثم نظر إلي وتبسم وقال لي ألم تعرفني فقلت كأني غير أني ما أتحقق فقال ألم تحملني في عام كذا وجاوزت بي السيل حين حال السيل بيني وبين إبلي قال فعند ذلك عرفتح بالعلامة وقلت بلى والله يا صبيح الوجه فقال امدد إلى يدك فمددت يدي اليمنى فصافحني وقال لي قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقلت كذلك كما علمني فسر بذلك وقال لي عند خروجي من عنده بارك الله في عمرك
411 بارك الله في عمرك بارك الله في عمرك فودعته وأنا مستبشر بلقائه وبالإسلام فاستجاب الله تعالى دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وبارك في عمري بكل دعوة مائة سنة وها عمري اليوم نيف وستمائة سنة وجميع من في هذه الضيعة العظيمة أولاد أولادي وأولادهم وفتح الله علي وعليهم بكل خير وبكل نعمة ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وذكر عبد الرحمن القارئ الصوفي أنه توفي في حدود سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وذكر النجيب عبد الوهاب أنه سمع من الشيخ محمود خادم رتن وأنه بقي إلى سنة تسع وسبعمائة وأنه قدم عليهم شيراز وذكر أنه ابن مائة وست وسبعين سنة وأنه تأهل ورزق أولادا قال الشيخ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى من صدق بهذه الأعجوبة وآمن ببقاء رتن فما لنا فيه طب وليعلم أني أول من كذب بذلك وهذا شيخ مفتر دجال كذب كذبة ضخمة لكي تنصلح خابية الصباغ وأتى بفضيحة كبيرة قاتله الله تعالى أنى يؤفك وقد أفردت جزءا فيه أخبار هذا الضال وسميته كسر وثن رتن وقال الشيخ علم الدين البرزالي هو من أحاديث الطرقية
412 ((حرف الزاي)) 155 قتيل الريم زاكى بن كامل بن علي القطيعي أبو الفضائل الهيتي يلقب بالمهذب ويعرف بأسير الهوى قتيل الريم كان أديبا فاضلا وكانت وفاته في سنة ست وأربعين وخمسمائة رحمه الله ومن شعره * لي مهجة كادت بحر كلومها * للناس من فرط الجوى تتكلم * * لم يبق منها غير أرسم أعظم * متجردات للهوى تتظلم * ومنه * عيناك لحظهما أمضى من القدر * ومهجتي منهما أضحت على خطر * * يا أحسن الناس لولا أنت أبخلهم * ماذا يضرك لو متعت بالنظر * * جد بالخيال وإن ضنت يداك به * لا تبتلى مقلتي بالدمع والسهر * * يا من تملك نفسي في محبته * كم قد حذرت فما وقيت من حذر * * زود بتقبيلة أو وقفة فعسى * تحيى بها نضو أشواق على سفر * ومنه * سيدي ما عنك لي عوض * طال بي في حبك المرض * * كم بلا ذنب تهددني * فجفوني ليس تغتمض * * أبغير الهجر تقتلني * لا أبالي هجرك الغرض * * ورضائي في رضاك فقل * ما تشاء لست أعترض * * أنت لي داء أموت به * كم أداويه وينتقض *
413 156 أبو عمرو بن العلاء زبان بن العلاء بن عمرو بن عبد الله بن الحصين التميمي المازني المقرئ النحوي أحد القراء السبعة وقيل اسمه العريان وقيل غير ذلك اختلف في اسمه على عشرين قولا الزبان العريان يحيى محبوب جنيد عيينة عتيبة عثمان غنار جبر خير جزء حميد حماد عقبة عمار فايد محمد أبو عمرو قبيصة والصحيح زبان بالزاي قرأ القرآن على سعيد بن جبير ومجاهد وقيل على أبي العالية الرياحي وعلى جماعة سواهم وكان لجلالته لا يسأل عن اسمه وكان نقش خاتمه * وإن امرأ دنياه أكبر همه * لمستمسك منها بحبل غرور *
414 ولا يروى له من الشعر إلا قوله * وأنكرتني وما كان الذي نكرت * من الحوادث إلا الشيب والصلعا * وحدث عن أنس بن مالك وأبي صالح السمان وعطاء بن أبي رباح وطائفة سواهم وكان رأسا في العلم في أيام الحسن البصري قال أبو عبيدة أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات والعربية والشعر وأيام العرب وكانت دفاتره ملء بيت إلى سقف ثم تنسك فأحرقها وكان من أشراف العرب ووجوهها مدحه الفرزدق وغيره وقال ابن معين ثقة
415 وقال أبو حاتم ليس به بأس وقال الشيخ شمس الدين الذهبي أبو عمرو قليل الرواية للحديث وهو صدوق حجة في القراءة وقد استوفيت أخباره في طبقات القراء انتهى قال الأصمعي كان لأبي عمرو كل يوم فلسان فلس يشتري به ريحانا وفلس يشتري به كوزا فيشم الريحان يومه ويشرب من الكوز يومه فإذا أمسى تصدق بالكوز وأمر الجارية أن تجفف الريحان وتدقه في الأشنان ثم يستجد غير ذلك وتوفي سنة أربع وخمسين ومائة رحمه الله تعالى 157 زياد الأعجم أبو أمامة زياد الأعجم مولى عبد القيس وقب الأعجم لعجمة كانت في لسانه أدرك أبا موسى الأشعري وعثمان بن أبي العاصي وشهد معهما فتح إصطخر وحدث عنهما ووفد على هشام وشهد وفاته بالرصافة ودخل على عبد الله بن جعفر يسأله في خمس ديات فأعطاه ثم عاد فسأله في عشر ديات فأعطاه فقال * سألناه الجزيل فما تلكا * وأعطى فوق منيتنا وزادا * * وأحسن ثم أحسن ثم عدنا * فأحسن ثم عدت له فعادا * * مرارا ما أعود إليه إلا * تبسم ضاحكا وثنى الوسادا *
416 وكان المغيرة بن المهلب أبرع ولده وأوفاهم وأعفهم وأسخاهم فلما مات رثاه زياد الأعجم بقصيدته التي يقول فيها * مات المغيرة بعد طول تعرض * للموت بين أسنة وصفائح * * إن السماحة والمروءة ضمنا * قبرا بمرو على الطريق الواضح * * فإذا مررت بقبره فاعقر به * كوم الهجان وكل طرف سابح * * وانضح جوانب قبره بدمائه * فلقد يكون أخا دم وذبائح * قال محمد بن عباد المهلبي قال لي المأمون أي قصيدة أرق قلت يا أمير المؤمنين أنت أعلم قال قصيدة زياد الأعجم التي قالها في المغيرة بن المهلب ثم قال أتحفظها فقلت نعم فقال خذها على فأنشدنيها حتى أتى على آخرها وترك منها بيتا قلت يا أمير المؤمنين تركت منها بيتا قال وما هو قلت * هلا أتته وفوقه بزاته * يغشى الأسنة فوق نهد قارح * فقال هاه هاه يتهدد المنية ألا اتته ذلك الوقت هذا أجود بيت فيها ثم استعاده حتى حفظه وكان يلبس قباء ديباج تشبها بالعجم فأنكر ذلك عليه المغيرة بن المهلب ومزق عليه ثيابه فقال زياد * لعمرك ما الديباج مزقت وحده * ولكنما مزقت جلد المهلب * ومن شعره * وكائن ترى من صامت لك معجب * زيادته أو نقصه في التكلم * * لسان الفتى نصف ونصف فؤاده * فلم تبق إلا صورة اللحم والدم * وكانت وفاته في حدود المائة للهجرة النبوية رحمه الله تعالى
417 158 الأمير زياد بن أبيه زياد ابن أبيه واسم أبيه عبيد وادعاه معاوية أنه أخوه والتحق به فعرف بزياد بن أبي سفيان واستشهد معاوية بجماعة فشهدوا على إقرار أبي سفيان بذلك وكانت أمه سمية جارية الحارث بن كلدة الثقفي فزوجها الحارث غلاما له روميا اسمه عبيد وجاء أبو سفيان إلى الطائف في الجاهلية فوقع على سمية فولدت له زيادا على فراش عبيد وأقر أبو سفيان أنه من نطفته فلهذا قيل ما قيل ويقال له زياد ابن أبيه لما وقع في أبيه من الشك ويقال له أيضا زياد بن سمية ويكنى أبا المغيرة ولد هو والمختار سنة إحدى من الهجرة فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وأسلم في عهد أبي بكر وسمع عمر بن الخطاب واستكتبه أبو موسى الأشعري في إمرته على البصرة وكتب لعبد الله بن عامر
418 ولابن عباس وللمغيرة بن شعبة وولاه معاوية المصرين وهو أول من وليهما جميعا قدم دمشق وروى عنه ابن سيرين والشعبي وأبو عثمان النهدي وغيرهم وأبو بكرة أخوه لأمه وكان زياد أولا من شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان عامله على فارس ثم إنه بعد موت على صالح معاوية وادعاه وصار من شيعته واشتد على شيعة علي وهو الذي أشار على معاوية بقتل حجر بن عدي وأصحابه وأغلظ للحسن بن علي رضي الله عنهما في كتاب كتبه له فرد عليه معاوية أقبح رد وكان قتالا سفاكا للدماء من جنس أبيه والحجاج ولكنه كان خطيبا فصيحا وبعثه أبو موسى رسولا ففتشه عمر فرآه عالما بالقرآن وأحكامه وفرائضه وسأله ما صنعت بأول عطائك فأخبر أنه اشترى به أمة فأعتقها فسر عمر منه بذلك وتكلم عند عمر بوصف فتح جلولاء فقال عمر هذا الخطيب المصقع ثم رده إلى أبي موسى ووصاه به ولم يشهد الجمل واعتذر من شكوى كانت به وكان يشتو بالبصرة ويصيف بالكوفة وقال الأصمعي مكث زياد على العراق تسع سنين ما وضع لبنة على لبنة وهو أول من جلس على المنبر في العيدين وأذن فيهما وأول من أحدث الفتح على الإمام
419 وعن أبي مليكة قال كنت أطوف مع الحسن بن علي فقيل له قتل زياد فساءه ذلك فقلت وما يسوءك قال القتل كفارة لكل مؤمن وبلغ ابن عمر أن زيادا كتب إلى معاوية إني قد ضبطت العراق بشمالي ويميني فارغة يسأله أن يوليه الحجاز واليمامة والبحرين فكره ابن عمر أن يكون في ولايته فقال اللهم إنك تجعل القتل كفارة لمن شئت من خلقك فموتا لابن سمية لا قتلا قال فخرج في إبهامه طاعونة فما أتت عليه جمعة حتى مات سنة ثلاث وخمسين وبلغ ابن عمر موته فقال إليك يا بن سمية لا الدنيا بقيت عليك ولا الآخرة أدركت وهو معدود من دهاة العرب قال ابن حزم في الفصل وقد امتنع زياد وهو فقعة القاع عشيرة له ولا نسب ولا سابقة ولا قدم فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة حتى أرضاه وولاه 159 زيادة الله بن الأغلب زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن الأغلب أبو منصور
420 ابن أبي العباس التميمي صاحب القيروان وكان أبوه وجده ومحمد أخو جده وجد أبيه كلهم قد ولى إفريقية وكان هذا قد دخل في طاعة المكتفي وأهدى إليه هدايا من جملتها عشرة آلاف درهم في كل درهم عشرة دراهم وألف دينار في كل دينار عشرة دنانير وكتب على الدرهم في أحد وجهيه * يا سائرا نحو الخليفة قل له * ها قد كفاك الله أمرك كله * * بزيادة الله بن عبد الله سيف * الله من دون الخليفة سله * وعلى الجانب الآخر * ما ينبري لك بالشقاق مخالف * إلا استباح حريمه وأذله * * من لا يرى لك طاعة فالله قد * أعماه عن طرق الهدى وأضله * قال الصولي وابن الأغلب هذا من ولد الأغلب بن عمرو المازني وكان من أهل البصرة ولاه الرشيد المغرب بعد أن مات إدريس بن عبد الله بن حسن فما زال بالمغرب إلى أن توفي وخلفه ابنه ثم أولاده إلى أن صار الأمر إلى زيادة الله هذا وذكر أنه أقام بمصر شهورا ثم توفي قال الحافظ ابن عساكر بلغني أنه توفي بالرملة في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثمائة ودفن بالرملة فساخ به قبره فسقف عليه وتركه مكانه وكان له غلام يدعى خطابا فسخط عليه وقيده بقيد ذهب فدخل عليه صاحبه على البريد عبد الله بن الصايغ فلما رأى الغلام مقيدا تأخر وعمل بيتين وكتب بهما إلى زيادة الله وهما * يا أيها الملك الميمون طائره * رفقا فإن يد المعشوق فوق يدك * * كم ذا التجلد والأحشاء راجفة * أعيذ قلبك أن يسطو على كبدك * فأطلق الغلام ورضي عنه وأعطى عبد الله بن الصايغ القيد ولزيادة الله هذا أخبار حسان في الجود ولكنه أكثر من شرب الخمر والمجون والفساد واتخذ ندامى يتصافعون قدامه ويتخذون مثانات الغنم منفوخة تحت البسط فإذا دخل عليه الرجل الجليل وجلس قدامه انشقت ويظهر لها صوت فيخجل الرجل ويضحك أصحابه ففسدت حاله واختل ملكه ومال الناس إلى السعي عليه وآل أمره إلى أن أجلى عن مدينة رقادة
421 وانقرضت دولة بني الأغلب على يده وكان لها مائة سنة واثنتا عشرة سنة وهرب من مدينة رقادة في شهر رجب سنة ست وتسعين ومائتين 160 زيد بن زين العابدين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسين الهاشمي روى عن أبيه وأخيه محمد بن علي وأبان بن عثمان وروى عنه جعفر الصادق والزهري وشعبة وغيرهم ووفد على هشام بن
422 عبد الملك فرأى منه جفوة فكانت سبب خروجه وطلبه الخلافة وسار إلى الكوفة فقام إليه منها شيعة فظفر به يوسف بن عمر الثقفي فقتله وصلبه وحرقه وعده ابن سعد في الطبقة الثالثة وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى زيد بن حارثة وبكى وقال إن المظلوم من أهل بيتي سمى هذا والمقتول في الله والمصلوب من أمتي سمى هذا
423 وذكره جعفر الصادق يوما فقال يرحم الله عمى كان والله سيدا والله ما ترك فينا لدنيا ولا آخرة مثله وسأل زيد بن علي بعض أصحابه عن قوله تعالى * (والسبقون السبقون أولئك المقربون) * الواقعة 10 قال أبو بكر وعمر ثم قال لا أنالني الله شفاعة جدي إن لم أوالهما وقال أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت مثل ما حكم به أبو بكر في فدك وقال أيضا الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة وسئل عيسى بن يونس عن الرافضة والزيدية فقال أما الرافضة فأول ما ترفضت جاءوا إلى زيد بن علي حين خرج وقالوا له تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نكون معك قال بل أتولاهما قالوا إذن نرفضك فسميت الرافضة والزيدية قالوا نتولاهما ونتبرأ ممن تبرأ منهما وخرجوا مع زيد فسميت الزيدية وقال الزبير بن بكار حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال دخل زيد بن علي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار من باب السوق فرأى سعد بن إبراهيم في جماعة من القرشيين قد حان قيامهم فقاموا فأشار إليهم وقال يا قوم أنتم أضعف من أهل الحرة قالوا لا قال وأنا أشهد أن يزيد ليس شرا من هشام فما لكم فقال سعد لأصحابه مدة هذا قصيرة فلم يلبث أن
424 خرج فقتل وقال الوليد بن محمد كنا على باب الزهري فسمع جلبة فقال ما هذا يا وليد فنظرت فإذا رأس زيد بن علي يطاف به فأخبرته فبكى ثم قال أهلك أهل هذا البيت العجلة وصلبوه بالكناسة سنة ثلاث وعشرين ومائة وله أربع وأربعون سنة ثم أحرقوه بالنار ولم يزل مصلوبا إلى سنة ست وعشرين ثم أنزل بعد أربع سنين وقيل كانوا يوجهون وجهه إلى ناحية العراق فيصبح وقد دار إلى القبلة مرارا ونسجت العنكبوت على عورته وكان قد صلب عريانا وقال الموكل بخشبته رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وقد وقف على الخشبة وقال هكذا يصنعون بولدي من بعدي يا بني يا زيد قتلوك قتلهم الله صلبوك صلبهم الله فخرج هذا في الناس فكتب يوسف بن عمر إلى هشام ان عجل إلى العراق فقد فتنوا فكتب إليه هشام أن أحرقه بالنار قال جرير بن حازم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى خشبة زيد بن علي وهو يبكي ويقول هكذا يفعلون بولدي ذكر هذا كله الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق وقال ابن أبي الدم في الفرق الإسلامية الزيدية أصحاب زيد بن علي
425 زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب كان زيد قد آثر تحصيل علم الأصول فتتلمذ لواصل بن عطاء رأس المعتزلة فقرأ عليه واقتبس منه
426 علم الاعتزال وصار زيد وجميع أصحابه معتزلة في المذهب والاعتقاد وكان أخوه محمد الباقر يعيب عليه كونه قرأ على واصل بن عطاء وتتملذ له واقتبس منه مع كونه يجوز الخطأ على جده علي بن أبي طالب بسبب خروجه إلى حرب الجمل والنهروان ولأن واصلا كان يتكلم في القضاء والقدر على خلاف مذهب أهل البيت وكان زيد يقول علي أفضل من أبي بكر الصديق ومن بقية الصحابة إلا
427 أن أبا بكر فوضت إليه الخلافة لمصلحة رآها الصحابة وقاعدة دينية راعوها من تسكين الفتنة وتطيب قلوب الرعية وكان يجوز إمامة المفضول مع قيام الأفضل للمصلحة فلما قتل زيد في خلافة هشام قام بالأمر بعده ولده يحيى ومضى إلى خراسان فاجتمع بها عليه خلق كثير وبايعوه ووعدوه بالقيام معه ومقابلة أعدائه وبذلوا له الطاعة فبلغ ذلك جعفر بن محمد الصادق فكتب إليه ينهاه عن ذلك وعرفه أنه مقتول كما قتل أبوه وكان كما كما أخبر الصادق فإن أمير خراسان قتله بجوزجان ثم تفرقت الزيدية ثلاث فرق جارودية وسليمانية وبترية
428 أما الجارودية فأصحاب أبي الجارود وكان من أصحاب زيد بن علي زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بن أبي طالب بالنص دون التسمية وأن الناس كفروا بنصب أبي بكر إماما ثم ساقوا الإمامة بعد علي إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم إلى علي بن الحسين ثم إلى زيد بن علي وأما السليمانية فيأتي ذكرهم في ترجمة سليمان بن جرير وأما البترية فيأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى في ترجمة كثير الأبتر ومن شعر زيد * ومن فضل الأقوام يوما برأيه * فإن عليا فضلته المناقب * * وقول رسول الله والحق قوله * وإن رغمت منه الأنوف الكواذب * * بأنك مني يا علي معالنا * كهارون من موسى أخ لي وصاحب * * دعاه ببدر فاستجاب لأمره * فبادر في ذات الإله يضارب *
429 ((حرف السين)) 161 أبو العباس الشاعر الأعمى السائب أبو العباس الأعمى الشاعر المكي وهو والد العلاء سمع عبد الله ابن عمر وأخذ عنه عطاء وعمرو بن دينار وحبيب بن أبي ثابت وثقه أحمد وروى له الجماعة وتوفي في حدود المائة قال المرزباني في معجمه في حقه هو ابن فروخ مولى لبني حذيفة بن عدي وكان هجاء خبيثا فاسقا مبغضا لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم مائلا إلى بني أمية مداحا لهم وهو القابل لأبي طفيل عامر بن وائلة وكان شيعيا * لعمرك إنني وأبا طفيل * لمختلفان والله الشهيد * * لقد ضلوا بحب أبي تراب * كما ضلت عن الحق اليهود * وقال مسلم بن الوليد سمعت يزيد بن مزيد يقول سمعت هارون الرشيد
430 يقول سمعت المهدي يقول سمعت المنصور يقول خرجت أريد الشام في أيام مروان بن محمد فصحبني في الطريق رجل ضرير فسألته عن مقصده فقال إني أريد مروان بشعر أمتدحه به فاستنشدته إياه فأنشدني * ليت شعري أفاح رائحة المسك * وما إن إخال بالخيف أنسى * * حين غابت بنو أمية عنه * والبهاليل من بني عبد شمس * * خطباء على المنابر فرسان * عليها وقالة غير خرس * * لا يعابون صامتين وإن قالوا * أصابوا ولم يقولوا بلبس * * بحلوم إذا الحلوم استخفت * ووجوه مثل الدنانير ملس * قال المنصور فوالله ما فرغ من إنشاده حتى توهمت أن العمى أدركني وافترقنا فلما أفضت إلى الخلافة خرجت حاجا فنزلت أمشي بجبلي زرود فبصرت بالأعمى ففرقت من كان حولي ثم دنوت منه وقلت أتعرفني فقال لا فقلت أنا رفيقك وأنت تريد الشام أيام مروان فقال أوه * آمت نساء بين أمية منهم * وبناتهم بمضيعة أيتام * * نامت جدودهم وأسقط نجمهم * والنجم يسقط والجدود تنام * * خلت المنابر والأسرة منهم * فعليهم حتى الممات سلام * فقلت ما كان مروان أعطاك بأبي أنت فقال أغناني أن أسأل أحدا بعده فهممت بقتله فذكرت الاسترسال والصحبة فأمسكت وغاب عن عيني ثم بدا لي فأمرت بطلبه فكأنما الأرض ابتلعته 162 عبد بني الحسحاس سحيم عبد بني الحسحاس ابن هند بن سفيان بن نوفل بن عصاب بن كعب بن سعد بن عمرو بن مالك بن ثعلبة بن مروان بن أسد بن خزيمة يكنى أبا عبد الله وهو زنجي أسود فصيح توفي في حدود الأربعين للهجرة وهو القائل
431 * أشعار عبد بني الحسحاس قمن له * عند الفخار مقام الأصل والورق * * إن كنت عبدا فنفسي حرة كرما * أو أسود اللون إنيأبيض الخلق * عن أبن سلام قال أتى عثمان بن عفان رضي الله عنه بسحيم فأعجب به فقيل له إنه شاعر وأرادوا يرغبوه فيه فقال لا حاجة لي به إن الشاعر لا حريم له إن شبع شبب بنساء أهله وإن جاع هجاهم فاشتراه غيره فلما رحل به قال في طريقه وكان الذي اشتراه رجلا من نجد والذي باعه مالك الحسحاسي * وما كان ظني مالكي أن يبيعني * بمال ولو أضحت أنامله صفرا * * أشوقا ولم تمض لنا غير ليلة * فكيف إذا سار المطي بنا عشرا * * أخوكم ومولي ما لكم وربيبكم * ومن قد ربى معكم وعاشركم دهرا * فلما بلغهم شعره رقوا له واشتروه فأخذ حينئذ يشبب بنسائهم ويذكر أخت مولاه فمن قوله فيها وكانت مريضة * ماذا يريد السقام من قمر * كل جمال لوجهه تبع * * ما يرتجى خاب من محاسنها * أما له في القباح متسع * * غير من لونها وصفرتها * فارتد فيه الجمال والبدع * * لو كان يبغي الفداء قلت له * ها أنا دون الحبيب يا وجع * وعن المدائني قال كان سحيم يسمى حية وكانت لسيده بنت بكر
432 فأعجبه جمالها وأعجبها فأمرته أن يتمارض ففعل وعصب رأسه فقالت للشيخ اسرح أيها الشيخ بإبلك لا تكلها إلى العبد فكان فيها أياما ويجتمعان ثم إن سيده قال له كيف أنت قال صالح قال فأخرج في إبلك العشية فراح فيها فقالت الجارية لأبيها ما أحسبك إلا قد ضيعت إبلك إذ وكلتها إلى حية فخرج في آثار إبله فوجده مستلقيا على قفاه في ظل شجرة وهو يقول * يا رب شجو لك في الحاضر * تذكرها وأنت في الصادر * * من كل بيضاء لها كعثب * مثل سنام البكرة المائر * فقال الشيخ إن لهذا شأنا وانصرف فقال لقومه اعلموا أن هذا قد فضحكم وأنشدهم شعره فقالوا اقتله فنحن طوعك فلما جاء وثبوا عليه فقالوا له قلت وفعلت فقال لهم يا أهل الماء والله ما فيكم امرأة إلا أصبتها إلا فلانة فإني على موعد منها فلما قدموه ليقتل قال * شدوا وثاق العبد لا يفلتكم * إن الحياة من الممات قريب * * فلقد تحدر من جبين فتاتكم * عرق على جنب الفراش وطيب * فقتلوه وكان سحيم في لسانه عجمة 163 الظاهر الجزري سداد بن إبراهيم أبو النجيب الجزري الملقب بالظاهر شاعر مدح المهلبي وزير معز الدولة ومدح عضد الدولة وكانت وفاته في حدود الأربعمائة روى عنه علي بن المحسن التنوخي قال محب الدين بن النجار رأيت اسمه بالسين بخط أبي الحسين هلال بن المحسن بن الصابي وأورد له * قلت للقلب ما دهاك أبن لي * قال لي بائع الفراني فراني *
433 * ناظراه فيما جنى ناظراه * أو دعاني أمت بما أودعاني * وأورد له * أفسدتم نظري علي فما أرى * مذ غبتم حسنا إلى أن تقدموا * * فدعوا غرامي ليس يمكن أن ترى * عين الرضا والسخط أحسن منكم * وأورد له * أرى جيل التصرف شر جيل * فقل لهم وأهون بالحلول * * أقال الله حين عشقتموه * كلوا أكل البهائم وارقصوا لي * 164 ابن الدجاجي الواعظ سعد الله بن نصر بن سعيد بن أبي علي ابن الدجاجي أبو الحسن الواعظ قرأ بالروايات علي محمد بن أحمد الخياط وأبي الخطاب علي بن عبد الرحمن ابن الجراح وقرأ الفقه لأحمد بن حنبل علي أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني وبرع فيه وكان من أعيان الفقهاء الفضلاء وشيوخ الوعاظ النبلاء وكان يخالط الصوفية ويحضر معهم السماعات وتوفي سنة أربع وستين وخمسمائة رحمه الله ومن شعره * ملكتم مهجتي بيعا ومقدرة * فأنتم اليوم أغلالي وأغلى لي * * علوت فخرا ولكني ضنيت هوى * فحبكم هو أعلالي وأعلى لي * * أوصى لي البين البين أن أشقى بحبكم * فقطع البين أوصالي وأوصى لي * ومن شعره * لي لذة في ذلتي وخضوعي * وأحب بين يديك سفك دموعي * * وتضرعي في رأي عينك راحة * لي من جوى قد كن بين ضلوعي * * ما الذل للمحبوب في شرع الهوى * عار ولا جور الهوى ببديع * * هبني أسات فأين عفوك سيدي * عمن رجاك لقلبه الموجوع *
434 * جد بالرضا من عطف لطفك واغنه * بجمال وجهك عن سؤال شفيع * 165 سعد الدين الفارقي سعد الله بن مروان بن عبد الله بن خير الصدر الأديب سعد الدين الفارقي الموقع كان بليغا منشئا شاعرا محسنا سمع من ابن كريمة وابن رواحة وابن خليل وجماعة وحدث بمصر ودمشق وبها توفي كهلا في سنة إحدى وتسعين وستمائة ودفن في سفح قاسيون رحمه الله تعالى ومن شعره * قف بي على نجد فإن قبض الهوى * روحي فطالب خد ليلى بالدم * * وإذا دجا ليل الوصال فناده * يا كافرا حللت قتل المسسلم * ومنه * تاه على عشاقه واستطال * مذ قصر الحسن عليه وطال * * كأن شمس حسنه أشرقت * فليتها ما أشرفت للزوال * * قد فصل الشعر على خده * ثوب حداد حين مات الجمال * ومنه أيضا * يقولون قد وافى البشير بقربهم * فعفرت خدي في ثرى الأرض لاثما * فلا أخروا عن منزل فخره به * ولا قدموا إلا على السعد دائما * وكتب إلى ولده عز الدين من طريق الحجاز * من بعد بعدك يا محمد شاقني * برق إلى أسرار وجهك ساقني * * وحياة وجهك ما تجلى في الدجى * قمر حكى معناك إلا شاقني * * كلا ولا سامرت ذكرك في الدجى * إلا طربت بظاهري وبباطني * لو كنت أحسب أن بينك صانع * بي ما وجدت لما تحرك ساكني *
435 * فعليك مني ما حييت تحية * تلهى المقيم بطيب ذكر الظاعن * وكتب إلى الصاحب بهاء الدين بن حنا * يمم علينا فهو بحر الندى * وناده في المضلع المعضل * * فرفده مجد على مجدب * ووفده مفض إلى مفضل * 166 سعدون المجنون سعدون المجنون يقال إن اسمه سعيد وكنيته أبو عطاء ولقبه سعدون من أهل البصرة كان من عقلاء المجانين وحكمائهم له أخبار ملاح وكلام سديد ونظم ونثر يستحسن وطوف البلاد ودونت أخباره استقدمه المتوكل وسمع كلامه وكان من المحبين لله عز وجل صام ستين سنة فجف دماغه فسماه الناس مجنونا قال عطاء السلمي احتبس علينا القطر بالبصرة فخرجنا نستسقي وإذا بسعدون المجنون فلما أبصرني قال يا عطاء إلى أين قلت خرجنا نستسقي قال بقلوب سماوية أم بقلوب أرضية قلت بقلوب سماوية قال لا تبهرج فإن الناقد بصير قلت ما هو إلا ما حكيت لك فاستسق لنا فرفع رأسه إلى السماء وقال أقسمت عليك إلا سقيتنا الغيث ثم أنشأ يقول * أيا من كلما نودي أجابا * ومن بجلاله ينشى السحابا * * ويا من كلم الصديق موسى * كلاما ثم ألهمه الصوابا * * ويا من رد يوسف بعد ضر * على من كان ينتحب انتحابا * * ويا من خص أحمد واصطفاه * وأعطاه الرسالة والكتابا * اسقنا فأرسلت السماء شآبيب كأفواه القرب فقلت زدني قال ليس ذا الكيل من ذا البيدر ثم أنشأ يقول * سبحان من لم يزل له حجج * قامت على خلقه بمعرفته *
436 * قد علموا أنه مليكهم * يعجز وصف الأنام عن صفته * وقال عطاء رأيت سعدون المجنون ذات يوم يتفلى في الشمس فانكشفت عورته فقلت له استرها يا أخا الجهل فقال من لك مثلها فاستتر ثم مر بي يوما وأنا آكل رمانا في السوق فعرك أذني وقال * أرى كل إنسان يرى عيب غيره * ويعمى عن العيب الذي هو فيه * * ما أقبح الدنيا بخطابها * تقتلهم عمدا قتيلا قتيل * * تستنكح البعل وقد وطنت * في موضع آخر منه البديل * * إني لمغر وإن البلى * يعمل في نفسي قليلا قليل * تزودوا للموت زادا فقد * نادى مناديه الرحيل الرحيل * وقال الفتح بن سالم كان سعدون سياحا لهجا بالقول فرأيته يوما بالفسطاط قائما على حلقة ذي النون المصري وهو يقول يا ذا النون متى يكون القلب أميرا بعد أن كان أسيرا فقال ذو النون إذا اطلع الخبير على الضمير فلم ير في الضمير إلا الخبير قال فصرح سعدون ثم خر مغشيا عليه ثم أفاق وهو يقول * ولا خير في شكوى إلى غير مشتكى * ولا بد من شكوى إذا لم يكن صبر * ثم قال أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال يا أبا الفيض إن من القلوب قلوبا تستغفر قبل أن تذنب قال نعم تلك قلوب تثاب قبل ان تطيع أولئك قوم أشرقت قلوبهم بضياء روح اليقين
437 وكانت وفاة سعدون بعد الخمسين والمائتين رحمه الله تعالى 167 ابن مكي النيلي المؤدب سعيد بن أحمد بن مكي النيلي المؤدب له شعر وأكثره مديح في أهل البيت رضي الله عنهم قال العماد الكاتب كان غاليا في التشيع حاليا بالتورع عالما بالأدب معلما في المكتب مقدما في التعصب ثم أسن حتى جاوز حد الهرم وذهب بصره وعاد وجوده شبيه العدم وأناف على التسعين وآخر عهدي به في درب صالح ببغداد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ومن شعره * قمر أقام قيامتي بقوامه * لم لا يجود لمهجتي بذمامه * * ملكته كبدي فأتلف مهجتي * بجمال بهجته وحسن كلامه * * وبمبسم عذب كأن رضابه * شهد مذاب في عبير مدامه * * وبناظر غنج وطرف أحور * يصمى القلوب إذا رنا بسهامه * * وكأن خط عذاره في حسنه * شمس تجلت وهي تحت لثامه * * فالصبح يسفر من ضياء جبينه * والليل يقبل من أثيث ظلامه * * والظبي ليس لحاظه كلحاظه * والغصن ليس قوامه كقوامه * * قمر كأن الحسن يعشق بعضه * بعضا فساعده على قسامه * * فالحسن عن تلقائه وورائه * ويمينه وشماله وأمامه * * ويكاد من ترف لدقة خصره * ينقد بالأرداف عند قيامه *
438 168 الناجم الشاعر سعيد بن الحسن بن شداد المسمعي أبو عثمان المعروف بالناجم كان يصحب ابن الرومي ويروى أكثر شعره وله معه أخبار وكان أديبا فاضلا شاعرا روى عنه أبو علي الحسن بن محمد بن الأعرابي وأبو بكر محمد بن يحيى الصولي وتوفي سنة أربع عشرة وثلاثمائة قال له ابن الرومي يخاطبه في علته التي مات فيها * أبا عثمان أنت عميد قومك * وجودك للعشيرة دون لومك * * تمتع من أخيك فما أراه * يراك ولا تراه بعد يومك * ومن شعره الناجم * يأتيك في جبة مخرقة * أطول أعمار مثلها يوم * * وطيلسان كالآل يلبسه * على قميص كأنه غيم * وله أيضا * قالوا اشتكت نرجستا وجهه * قلت لهم أحسن ما كانا * * حمرة ورد الخد أعدتهما * والصبغ قد ينفذ أحيانا * وله أيضا * لئن كان عن عيني أحمد غائبا * لما هو عن عين الضمير بغائب * * له صورة في القلب لم يقصها النوى * ولم تتتخطفها أكف النوائب * * إذا ساءني منه نزوح زيارة * وضاقت على في نواه مذاهبي * * عطفت على شخص له غير نازح * محلته بن الحشا والترائب *
439 169 أبو عثمان الخالدي سعيد بن هاشم بن وعلة بن عرام بن يزيد بن عبد الله ينتهي إلى عبد القيس أبو عثمان الخالدي وستأتي ترجمة أخيه أبي بكر محمد في حرف الميم إن شاء الله تعالى قال محمد بن إسحاق النديم قال لي الخالدي وقد تعجبت من كثرة حفظه أنا أحفظ ألف سفر كل سفر مائة ورقة وكان هو وأخوه مع ذلك إذا استحسنا شيئا غصباه صاحبه حيا كان أو ميتا لا عجزا منهما عن قول الشعر ولكن كذا كان طبعهما وقد عمل أبو عثمان شعره وشعر أخيه قبل موته ولهما تصانيف منها حماسة شعر المحدثين كتاب أخبار الموصل كتاب أخبار أبي تمام ومحاسن شعره اختيار شعر ابن الرومي اختيار شعر البحتري اختيار شعر مسلم بن الوليد وأخباره الأشباه والنظائر وهو جيد الهدايا والتحف الديارات ومن شعره * ومن نكد الدنيا إذا ما تعذرت * أمور وإن عدت صغارا عظائم * * إذا رمت بالمنقاش نتف أشاهبي * أتيحت له من بينهن الأداهم * * فأنتف ما أهوى بغير إرادتي * وأترك ما أقلي وأنفي راغم * وله أيضا * دموعي فيك أنواء غزار * وجنبي ما يقر له قرار * * وكل فتى علاه ثوب سقم * فذاك الثوب مني مستعار *
440 وله أيضا * يا هذه إن رحت في * سمل فما في ذاك عار * * هذي المدام هي الحياة * قميصها خزف وقار * وله أيضا * هتف الصبح بالدجى قاسقنيها * قهوة تترك الحليم سفيها * * لست أدري من رقة وصفاء * هي في كاسها أم الكاس فيها * وقال أيضا * بنفسي حبيب صبري لبينه * وأودعني الأشجان ساعة ودعا * * وأنحلني بالهجر حتى لو أنني * قذى بين جفني أرمد ما توجعا * وقال يصف غلامه رشأ وهي بديعة في الحسن * ما هو عبد لكنه ولد * خولنيه المهيمن الصمد * * وشد أزري بحسن خدمته * فهو يدي والذراع والعضد * * صغير سن كبير معرفة * تمازج الضعف فيه والجلد * * في سن بدر الدجى وصورته * فمثله يصطفى ويعتقد * * معشق الطرف كحله كحل * مغزل الجيد حليه الجيد * * وورد خديه والشقائق والتتفاح * والجلنار منتضد * * رياض حسن زواهر أبدا * فيهن ماء النعيم مطرد * * وغصن بان إذا بدا وإذا * شدا فقمري بانة غرد * * أنسى ولهوى وكل مأربتي * مجتمع فيه لي ومنفرد * * ظريف مزح مليح نادرة * جوهر حسن شرارة تقد * * ومنفق مشفق إذا أنا أسرفت * وبذرت فهو مقتصد * * مبارك الوجه مذ حظيت به * حالي رخى وعيشتي رغد * * مسامري إن دجا الظلام فلي * منه حديث كأنه الشهد * * خازن ما في يدي وحافظه * فليس شيء لدي يفتقد *
441 * يصون كتبي فكلها حسن * يطوي ثيابي فكلها جدد * * وأبصر الناس بالطبيخ فكالمسك * القلايا والعنبر الثرد * * وهو يدير المدام إن جليت * عروس دن نقابها الزبد * * يمنح كأسي يدا أناملها * تنحل من لينها وتنعقد * * ثقفه كيسه فلا عوج * في بعض أخلاقه ولا أود * * وصيرفى القريض وزان دينار * المعاني الجياد منتقد * * ويعرف الشعر مثل معرفتي * وهو على أن يزيد مجتهد * * وكاتب توجد البلاغة في * ألفاظه والصواب والرشد * * وواجد بي من المحبة والررأفة أضعاف ما به أجد * * إذا تبسمت فهو مبتهج * وإن تنمرت فهو مرتعد * * ذا بعض أوصافه وقد بقيت * له صفات لم يحوها أحد * وللشيخ شهاب الدين محمود رحمه الله تعالى في غلام له عكسا في هذا المعنى وأبدع * ما هو عبد كلا ولا ولد * إلا عناء تضني به الكبد * * وفرط سقم أعيا الأساة فلا * جلد عليه يبقى ولا جلد * * أقبح ما فيه كله فلقد * تساوت الروح منه والجسد * * أشبه شيء بالقرد فهو له * إن كان للقرد في الورى ولد * * وجنته مثل صبغ الورس ولكن * ذاك صاف ولونها كمد * * يقطر سما فضحكه أبدا * شر بكاء وبشره حرد * * ذو مقلة حشو جفنها عمص * تسيل دمعا وما بها رمد * * كأنما الخد في نظافته * قد أكلت فوق صحنه غدد * * يجمع كتفيه من مهانته * كأنه في الهجير مرتعد * * يطرق من حيا ولا خجل * كأنه للتراب منتقد * * ألكن إلا في الشتم ينبح كالكلب * ولو كان خصمه الأسد * * يشتمني الناس حين يشتمهم * إذ ليس يرضى بسبه أحد * * كسلان إلا في الأكل فهو إذا * ما حضر الأكل جمرة تقد *
442 * كالنار يوم الرياح في الحطب اليابس * يأتي على الذي يجد * * يرفل في حلة منبتة * من قمله رقم طرزها طرد * * أجمل أوصافه النميمة والكذب * ونقل الحديث والحسد * * كل عيوب الورى به اجتمعت * وهو بأضعاف ذاك منفرد * * إن قلت لم يدر ما أقول وإن * قال كلانا في الفهم متحد * * كأن مالي إذا تسلمه * مني ماء وكفه سرد * * حملته لي دوية حسنت * كنت عليها في الظرف أعتمد * * كمثل زهر الرياض ما وجدت * عيني لها شبهها ولا أجد * * فمر يوما بها على رجل * لديه علم اللصوص ينتقد * * أودعها عنده ففر بها * وما حواه من بعدها بلد * * فجاء يبكي فظلت أضحك من * فعلي وقلبي بالغيظ متقد * * وقال لي لا تخف فحليته * مشهورة الوصف حين يفتقد * * عليه ثوب وعمة وله * وجه وذقن وساعد ويد * * وقائل بعه قلت خذه ولا * وزن تجازي به ولا عدد * * ففي الذي قد أضاعه عوض * وهو على أن يزيد مجتهد * وكانت وفاة الخالدي في حدود الأربعمائة 170 أبو الربيع الإربلي سليمان بن بنيمان بن أبي الجيش بن عبد الجبار الأديب شرف الدين أبو الربيع الهمذاني ثم الإربلي شاعر محسن سائر القول له شعر ونوادر وزوائد ومزاح حلو كان أبوه صائغا وكذلك هو جاء إليه مملوك من مماليك الأشرف موسى وقال له عندك خاتم مليح على قدر إصبعي قال لا إلا عندي إصبع مليح على قدر خاتمك ذكره أبو البركات مستوفى إربل في تاريخه وتوفي سنة ست وثمانين وستمائة وله تسعون سنة أو أزيد
443 ولما قامر الشهاب التلعفري بثيابه وخفافه قال ابن بنيمان وأنشدها للملك الناصر بن العزيز * يا مليكا فاق الأنام جميعا * منه جود كالعارض الوكاف * * والذي راش بالعطايا جناحي * وتلافي بعد الإله تلافي * * ما رأينا ولا سمعنا بشيخ * قبل هذا مقامر بالخفاف * * وبها كم يدق في كل يوم * في قفاه والرأس والأكتاف * * أسود الوجه أبيض الشعر لكن * في سحيم وقبحه وخفاف * * يدعى نسبة إلى آل شيبان * وتلك القبائل الأشراف * * مثل نجد لو استطاعت لقالت * ليس هذا الدعي من أكنافي * * فابسط العذر في هجاء رقيع * عادل عن طرائق الإنصاف * فلما سمع التلعفري هذه الأبيات قال أنا ما أنا جندي أقامر بخفافي قال بخفاف امرأتك فقال ما لي امرأة فقال لك مقامرة من بين الحجرين إما بالخفاف وإما بالثقال ولما وقع ابن بنيمان من على بغلته انكسرت رجله ومشى بين خشبتين سمع بعض الناس يقول ما يضرب الله بعصاتين فقال بلى لابن بنيمان ورؤى راكبا على حمارة فسألوه عن ذلك فقال نزلت عن البغلة وأصبحت أقدم على الجحشة ونظم فيه الشهاب التلغفري * سمعت لابن بنيمان وبغلته * عجيبة خلتها إحدى قصائده * * قالوا رمته وداست بالنعال على * قفاه قلت لهم ذا من عوائده * * لأنها فعلت في حق والدها * ما كان يفعله في حق والده * ومن شعر ابن بنيمان * اشرب فشربك هذا اليوم تحليل * وانف الهموم فقد وافاك أيلول *
444 * أما ترى الشمس وسط طالعة * منيرة ونطاق البدر محلول * * والأرض قد كسيت بالغيث حلتها * وناظر الروض بالأزهار مكحول * وله أيضا * أتاني كتاب منك لما فضضته * مروى الإحسان صاد من الخنا * * فخيل لي ما أنت أنت لكثرة التتواضع * والإحسان أو ما أنا أنا * وقال * خليلي كم أشكو إلى غير راحم * وأجعل عرضي عرضة للوائم * * وأسحب ذيل الذل بين بيوتكم * وأقرع في ناديكم سن نادم * * هبوني ما استوجبت حقا عليكم * أما تعتريكم هزة للمكارم * * كأن المعالي ما حللن لديكم * وقد أصبحت معدودة في المحارم * 171 سليمان القرمطي سليمان بن الحسن بن بهرام القرمطي بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم بعدها طاء مهملة الجنابي رئيس القرامطة ذكر ابن الأثير في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين قال في هذه السنة تحرك قوم بسواد الكوفة يعرفون بالقرامطة ثم بسط القول في مبدأ أمرهم وحاصله أن رجلا أظهر العبادة والزهد والتقشف وكان يسف الخوص ويأكل من كسبه وكان يدعو الناس إلى إمام من أهل البيت وأقام على ذلك مدة فاستجاب له خلق كثير وجرت له أحوال أوجبت حسن العقيدة فيه وانتشر بسواد الكوفة ذكره ثم قال في سنة ست وثمانين ومائتين وفي هذه السنة ظهر رجل يعرف بالحسن الجنابي بالبحرين واجتمع إليه جماعة من الأعراب والقرامطة وقوى أمره وإن غلامه الصقلبي قتله سنة إحدى وثلاثمائة وقام بعده أبو طاهر
445 ابنه وفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة قصد أبو طاهر البصرة وملكها بغير قتال بل صعدوا إليها بسلالم شعر فلما أحسوا بهم ثاروا إليهم فقتلوا وإلى البلد ووضعوا السيف في الناس فهرب منهم من هرب وأ قاموا فيها سبعة عشر يوما ونهب القرمطي جميع ما فيها وعاد إلى بلده ولم يزل يعيث في البلاد ويكثر فيها الفساد من القتل والسبي والحريق والنهب إلى سنة سبع عشرة وثلاثمائة فحج الناس وسلموا في طريقهم ثم إن القرمطي وفاهم بمكة يوم التروية فنهب أموال الحاج وقتلهم حتى في المسجد الحرام وفي البيت نفسه وقلع الحجر الأسود وأنفذه إلى هجر فخرج إليه أمير مكة في جماعة من الأشراف فقاتلوه فقتلهم أجمعين وقلع باب الكعبة وأصعد رجلا ليقلع الميزاب فسقط ومات وألقى القتلى في بئر زمزم وترك الباقي في المسجد الحرام وأخذ كسوة البيت وقسمها بين أصحابه ونهب جور أهل مكة فلما بلغ ذلك المهدي عبيد الله صاحب إفريقية كتب إليه ينكر عليه ويلومه ويلعنه ويقول حققت على شيعتنا ودعاة دولتنا الكفر واسم الإلحاد بما فعلت وإن لم ترد على أهل مكة والحاج ما أخذت منهم وترد الحجر الأسود إلى مكانه وترج الكسوة وإلا فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة فلما وصل هذا الكتاب إليه أعاد الحجر الأسود وما أمكنه من أموال أهل مكة وقال أخذناه بأمر ورددناه بأمر وكان بحكم التركي أمير العراق وبغداد قد بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يردوه قال ابن الأثير ردوه إلى الكعبة لخمس خلون من ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة في خلافة المطيع وإنهم لما أخذوه تفسخ تحته ثلاثة جمال قوية من ثقله ولما أعادوه حملوه على جمل واحد ووصل سالما قال ابن أبي الدم في الفرق الإسلامية إن الخليفة راسل أبا طاهر في ابتياعه فأجابه إلى ذلك فباعه من المسلمين بخمسين ألف دينار وجهز الخليفة إليهم عبد الله بن عكيمالمحدث وجماعة معه فأحضر أبو طاهر شهودا ليشهدوا على نواب الخليفة بتسليمه ثم اخرج لهم أحد الحجرين المصنوعين فقال لهم عبد الله بن عكيم إن لنا في حجرنا علامة إنه لا يسخن بالنار وثانية انه لا يغوص في الماء فأحضروا ماء ونارا فألقاه في
446 الماء فغاص ثم ألقاه في النار فحمي وكاد يتشقق فقال ليس هذا بحجرنا ثم أحضر الحجر الثاني المصنوع وقد ضمخه بالطيب وغشاه بالديباج يظهر كرامته فصنع به عبد الله كما صنع بالأول وقال ليس هذا بحجرنا فأحضر الحجر الأسود بعينه فوضعه في الماء فطفا ولم يغص وجعله في النار فلم يسخن فقال هذا حجرنا فعجب أبو طاهر وسأله عن معرفة طريقة فقال عبد الله بن عكيم حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحجر الأسود يمين الله تعالى في أرضه خلقه الله تعالى من درة بيضاء في الجنة وإنما اسود من ذنوب الناس يحشر يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان يتكلم به يشهد لكل من استلمه أو قبله بالإيمان وإنه حجر يطفو على ماء ولا سخن بالنار إذا أوقدت عليه فقال أبو طاهر هذا دين مضبوط بالنقل وقال صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى في تاريخه قال بعضهم إن القرامطة أخذوا الحجر الأسود مرتين فيحتمل أن المرة الأولى رده بكتاب المهدي والثانية رده لما اشترى منه أو بالعكس والله أعلم وقصد القرامطة أطراف الشام وفتحوا سلمية وبعلبك وقتلوا غالب من بهما من المسلمين وخرج المكتفي بنفسه في جيش عظيم لما عزموا على حصار دمشق وكثر الضجيج بمدينة السلام وسار حتى نزل بالرقة وبث الجيوش بين حلب وحماة وحمص وعادت القرامطة تقصد حصار
447 حلب فالتقى الجمعان بتمنع موضع بينه وبن حماة اثنا عشر ميلا وكان ذلك سنة إحدى وتسعين ومائتين أيام والده أبي سعيد فانهزم جميع القرامطة وتبعوهم المسلمون وأفنوا عامتهم ثم قام القرامطة أيضا وكثر حربهم ولم يزالوا إلى أن مات أبو سعيد وقام أبو طاهر ابنه وقيل إنه ملك دمشق وقتل جعفر بن فلاح نائب المصريين ثم بلغ عسكر القرامطة إلى عين شمس وهي على باب القاهرة وظهروا عليهم ثم انتصر أهل مصر عليهم فرجعوا عنهم ولم يزل الناس معهم في شدة وبلاء إلى أن قتل أبو طاهر في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة 173 المستعين الأموي سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر عبد الرحمن الأموي الملقب بالمستعين خرج قبل الأربعمائة والتف عليه خلق كثير من جيوش البربر بالأندلس وحاصر قرطبة وأخذها ثم إن متولي سبتة خرج عليه وجهز لحربه جيشا فالتقوا وانهزم جيش المستعين فدخل قرطبة وهجم على المستعين وذبحه صبرا وذبح أباه وذلك في سنة سبع وأربعمائة وملك قرطبة مرتين وكانت مدة ملكه في المرتين ست سنين وعشرة أشهر وكانت مشحونة بالشدائد معروفة بالمنكر والفساد نفرت القلوب عنه وبسبب ذلك تملك ملوك الطوائف ولما كانت سنة خمس وأربعمائة شاع الخبر أن مجاهد العامري أقام خليفة يعرف بالفقيه المعيطي فاستعظم ذلك إلى أن بلغه ظهور علي بن حمود الفاطمي بسبتة فسقط في يد المستعين فجاءه الفاطمي في جموعه فهزمه ونبش خيران العامري القبر الذي ذكر له أن هشاما به فشهد أنه هشام وجعل المستعين يبرأ من دمه وهو الذي قتله بعد أن استولى على قرطبة في المرة
448 الثانية فلم يقد ذلك وظهر منه جزع عظيم لما رأى السيف وكان المستعين من الشعراء المجيدين ومن شعره * عجبا يهاب الليث حد سناني * وأهاب سحر فواتر الأجفان * * وأقارع الأهوال لا متهيبا * منها سوى الإعراض والهجران * * وتملكت روحي ثلاث كالدمى * زهر الوجوه نواعم الأبدان * * ككواكب الظلماء لحن لناظري * من فوق أغصان على كثبان * * حاكمت فيهن السلو إلى الصبا * فقضى بسلطان على سلطاني * * فأبحن من قلبي الحمى وتركنني * في عز ملكي كالأسير العاني * * لا تعذلوا ملكا تذلل للهوى * ذل الهوى عز وملك ثاني * * ما ضر أني عبدهن صبابة * وبنو الزمان وهي من عبداني * * إن لم أطع فيهن سلطان الهوى * كلفا بهن فلست من مروان * 173 أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث أبو الوليد الباجي الأندلسي القرطبي صاحب التصانيف أصله من بطليموس وانتقل آباؤه إلى باجة ولد في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة وتوفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة سمع ورحل أخذ الفقه عن أبي الطيب الطبري وأبي إسحاق الشيرازي وأقام بالموصل سنة يأخذ علم الكلام عن أبي جعفر
449 السمناني وبرع في الحديث وبرز على أقرانه وتقدم في علم الكلام والنظم ورجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنة بعلوم كثيرة وروى عنه الخطيب وابن عبد البر وهما أكبر منه وصنف المنتقى في الفقه والمعاني في شرح الموطأ عشرين مجلدا لم يؤلف مثله وكان قد صنف كتابا كبيرا جامعا بلغ فيه الغاية سماه كتاب الاستيفاء وكتاب الإيماء في الفقه والسراج في الخلاف لم يتم مختصر المختصر في مسائل المدونة واختلاف الموطآت والجرح والتعديل والتسديد إلى معرفة التوحيد والإشارة في أصول الفقه إحكام الفصول في أحكام الأصول والحدود وشرح المنهاج وسنن الصالحين وسنن العابدين وسبل المهتدين وفرق الفقهاء وتفسير القرآن لم يتم وسنن المنهاج وترتيب الحجاج وتوفي بالمرية من الأندلس ولما تكلم أبو الوليد في حديث البخاري ما تكلم من حديث المقاضاة يوم الحديبية وقال بظاهر لفظه أنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ وكفره
450 بإجازته الكتابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي وأنه تكذيب للقرآن فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام حتى أطلقوا عليه الفتنة وقبحوا عند العامة فعله وتكلم به خطباؤهم في الجمع ونظموا فيه القصائد التي منها * برئت ممن شري دنيا بآخرة * وقال إن رسول الله قد كتبا * فصنف أبو الوليد رسالة فيها أن ذلك لا يقدح في المعجزة فرجع عنه بها جماعة ومن شعر أبي الوليد * إذا كنت أعلم علما يقينا * بأن جميع حياتي كساعه * * فلم لا أكون ضنينا بها * وأجعلها في صلاح وطاعة * وله أيضا * إذا كنت تعلم أن لا محيد * لذي الذنب عن هول يوم الحساب * * فأعص الإله بمقدار ما * تحب لنفسك سوء العذاب * 174 أسد الدين بن موسك سليمان بن داود بن موسك الأمير أسد الدين ابن الأمير عماد الدين ابن الأمير الكبير عز الدين الهذباني ولد في حدود الستمائة بالقدس وتوفي سنة سبع وستين وستمائة وكانت له يد في النظم وعنده فضيلة وترك الخدم وتزهد ولبس الخشن وجالس العلماء وأذهب معظم نعمته واقتنع وكان أبوه أخص الأمراء بالأشراف بن العادل وجده الأمير عز الدين موسك ابن خال السلطان صلاح الدين ومن شعر أسد الدين سليمان قوله * ما الحب إلا لوعة وغرام * فحذار أن يثنيك عنه ملام * * العشق للعشاق نار حرها * برد على أكبادهم وسلام *
451 * تلتذ فيه جفونهم بسهادها * وجسومهم إذ شفها الأسقام * * ولهم مذاهب في الغرام وملة * أنا في شريعتها الغداة إمام * * ولهم وللأحباب في لحظاتهم * خوف الوشاة رسائل وكلام * * لطفت إشارتهم ودقت في الهوى * معنى فحارت دونها الإفهام * * وتحجبت أنوارها عن غيرهم * وجلت لهم أسرارها الأوهام * * فإليك عن عذلي فإن مسامعي * ما للملام بطرقها إلمام * * أنا من يرى حب الحسان حياته * فإلام في حب الحياة ألام * 175 عون الدين بن العجمي سليمان بن عبد المجيد بن حسن بن عبد الله بن الحسن الأديب البارع عون الدين بن العجمي الحلبي الكاتب ولد سنة ست وستمائة وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة بدمشق وشيعه الأعيان والسلطان سمع من الافتخار الهاشمي وجماعة وسمع منه الدمياطي وفتح الدين بن القيسراني ومجد الدين العقيلي وكان كاتبا مترسلا وشاعرا ولي الأوقاف بحلب وتقدم عند الملك الناصر وحظي عنده وولي نظر الجيوش بدمشق وكان متأهلا للوزارة كامل الرياسة لطيف الشمائل ومن شعره * لهيب الخد حين بدا لعيني * هوى قلبي عليه كالفراش * * فأحرقه فصار عليه خالا * وها أثر الدخان على الحواشي * وحضر يوما مجلس مخدومه الملك الناصر وأدار ظهره إلى الطراحة فقال له أستاذ الدار السدة وراءك فقال له الملك الناصر سلمان من أهل البيت فقال * رعى الله ملكا ما له من مشابه * يمن على العاني ولم يك منانا * * لإحسانه أمسيت حسان مدحه * وكنت سليمانا فأصبحت سلمانا * ومن شعر عون الدين * يا سائقا يقطع البيداء معتسفا * بضامر لم يكن في سيره وإني *
452 * إن جزت بالشام شم تلك البروق لا * تعدل بلغت المنى عن دير مران * * وأقصد علالي قلاليه تلاق بها * ما تشتهي النفس من حور وولدان * * من كل بيضاء هيفاء القوام إذا * ماست فيا خجلة المران والبان * * وكل أسمر قد جان الجمال له * وكمل الحسن فيه فرط إحسان * * ورب صدغ بدا في الخد مرسله * في فترة فتنت من سحر أجفان * * فليت ريقته وردى ووجنته * وردى ومن صدغه آسى وريحاني * * وعج على جير متى ثم حي به الرربان * بطرس فالربان رباني * * فهمت منه إشارات فهمت بها * وصنت منشورها في طي كتمان * * واعبر بدير حنينا وانتهز فرص الللذات * ما بين قسيس ومطران * * واستجل راحا بها تحيا النفوس إذا * دارت براح شماميس ورهبان * * حمراء صفراء بعد المزج كم قذفت * بشهبها من همومي كل شيطان * * كم رحت في الليل أسقيها وأشربها * حتى انقضى ونديمي غير ندمان * * سألت توماس عمن كان عاصرها * أجاب رمزا ولم يسمح بتبيان * * وقال أخبرني شمعون ينقله * عن ابن مريم عن موسى بن عمران * * بأنها سفرت بالطور مشرقة * أنوارها فكنوا عنها بنيران * * وهي المدام التي كانت معتقة * من عهد هرمس من قبل ابن كنعان * * وهي التي عبدتها فارس فكني * عنها بشمس الضحى في قومه ماني * * سكرت منها فلا صحو وجدت بها * على الندامى وليس الشح من شاني * * وسوف أمنحها أهلا وأنشده * ما قيل فيها بترجيع وألحان * * حتى تميل لها أعطافه طربا * وينتشي الكون من أوصاف نشوان * * خير الملوك صلاح الدين ليس له * في الجود ثان ولا عن جوده ثاني * 176 سليمان بن عبد الملك الخليفة سليمان بن عبد الملك بن مروان كان من خيار ملوك بني أمية ولى الخلافة في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين بعد الوليد بالعهد من أبيه وكانت داره موضع سقاية جيرون وكان فصيحا مفوها مؤثر العدل يحب الغزو ومولده
453 سنة ستين وتوفي عاشر صفر سنة تسع وتسعين بمرج دابق عرضت عليه سعلة وهو بخطب فنزل وهو محموم فما جاءت الجمعة الأخرى حتى مات وولى عمر بن عبد العزيز وكان جميل الوجه وعزل عمال الحجاج وأخرج من في سجون العراق وهم بالإقامة في القدس وحج سنة سبع وتسعين وقال لعمر بن عبد العزيز لما رأى الناس في الموسم أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصى عددهم إلا الله تعالى ولا يسع رزقهم غيره فقال يا أمير المؤمنين هؤلاء اليوم رعيتك وغدا خصماءك فبكى بكاء شديدا ثم قال بالله أستعين وكان من الأكلة قال ابنه أكل أبي أربعين دجاجة تشوى على النار وأكل أربعا وثمانين كلوة بشحمها وثمانين جرذقة وأكل سبعين رمانة وخروفا وأتى بمكوك زبيب طائفة فأكله أجمع وقيل إنه جلس في بيت أخضر وتحته وطاء أخضر عليه ثياب خضر ثم نظر في المرآة فأعجبته نفسه وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم نبيا وكان أبو بكر صديقا وكان عمر فاروقا وكان عثمان حييا وكان معاوية حليما وكان يزيد صبورا وكان عبد الملك سائسا وكان الوليد جبارا وأنا الملك الشاب فما دار عليه الشهر حتى مات وقال سعيد بن عبد العزيز إن سليمان ولى وهو إلى الشباب والترف ما هو فقال لعمر بن عبد العزيز يا أبا حفص إنا قد ولينا ما ترى ولم يكن لنا بتدبيره علم فما رأيت من مصلحة العامة فمر به يكتب فكان من ذلك عزل عمال الحجاج وإخراج من في سجون العراق وكان يسمع من عمر بن عبد العزيز جميع ما يأمره به وقدم عليه موسى بن نصير من ناحية المغرب ومسلمة بن عبد الملك فبينا هو على ذلك إذ جاءه الخبر أن الروم خرجت على ساحل حمص فسبت
454 امرأة وجماعة فغضب سليمان وقال والله لأغزونهم غزوة أفتح بها القسطنطينية أو أموت دون ذلك فأغزي جماعة أهل الشام والجزيرة والموصل في البر في نحو مائة وعشرين ألفا وأغزي مصر وإفريقية في البحر في ألف مركب وعلى جماعة الناس مسلمة بن عبد الملك وأغزي داود بن سليمان في جماعة من أهل بيته وقدم سليمان من القدس إلى دمشق ومضى حتى نزل مرج دابق فأمضى البعث وأقام بالمرج قال عبد الغني وسمي سليمان بن عبد الملك مفتاح الخير لأنه استخلف عمر بن عبد العزيز وقال ابن سيرين رحم الله سليمان بن عبد الملك افتتح خلافته بخير وختمها بخير افتتح خلافته بإحياء الصلاة لمواقيتها وختمها بأن استخلف عمر ابن عبد العزيز رحمها الله تعالى 177 سليمان بن علي الهاشمي سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي أحد أعمام السفاح والمنصور حدث عن أبيه وعكرمة وولى الموسم في خلافة السفاح وولى البصرة له وللمنصور ولد سنة اثنتين وثمانين وتوفي سنة اثنتين وأربعين ومائة وكان سليمان كريما جوادا مر برجل يسأل قد تحمل عشر ديات فحملها عنه وكان يعتق في كل موسم عشية عرفة مائة نسمة وبلغ عطاؤه في الموسم على قريش والأنصار خمسة آلاف ألف درهم رحمه الله تعالى 178 معين الدين البرواناه سليمان بن علي الصاحب معين الدين البرواناه كان أبوه مهذب الدين علي بن محمد أعجميا سكن الروم وكان يقرأ القرآن فتوصل حتى صار
455 يقرئ أولاد مستوفى الروم ثم ناب عنه ثم ولى موضعه في أيام السلطان علاء الدين وظهرت كفايته فاستوزره ثم وزر لولده غياث الدين إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين فعظم أمره إلى أن استولى على ممالك الروم وصانع التتار وعمرت البلاد به وكاتب الملك الظاهر ثم نقم عليه أبغا ونسبه إلى أنه هو الذي جسر الظاهر على بلاد الروم وحصل ما وقع من قبل أعيان المغل فبكت الخواتين وشقت الثياب بين يدي أبغا وقالوا البرواناه هو الذي قتل رجالنا ولا بد من قتله فقتله وكان من دهاة العالم وشجعانهم له إقدام على الأهوال وخبرة بجمع الأموال قطعت أربعته وهو حي وألقى في مرجل وسلق وأكل المغل لحمه من غيظهم وقتلوا معه من الروم خلائق وذلك سنة ست وسبعين وستمائة رحمه الله تعالى 179 العفيف التلمساني سليمان بن علي بن عبد الله بن علي الشيخ الأديب البارع عفيف الدين التلمساني كان كوفي الأصل وكان يدعى العرفان ويتكلم على اصطلاح القوم قال قطب الدين اليونيني رأيت جماعة ينسبونه إلى رقة الدين والميل إلى مذهب النصيرية وكان حسن العشرة كريم الأخلاق له حرمة ووجاهة وخدم في عدة جهات وقال الجزري في تاريخه إنه عمل ببلاد الروم أربعين خلوة يخرج من واحدة ويدخل في أخرى وله في كل علم تصنيف وشرح الأسماء الحسنى
456 وشرح منازل السائرين وشرح مواقف النفري وحكى بعضهم قال طلعت يوم قبض فقلت له كيف حالك قال بخير من عرف الله كيف يخافه والله منذ عرفته ما خفته وأنا فرحان بلقائه قال الشيخ صلاح الدين الصفدي وحكى لي الشيخ ابن طي الحافي قال كان عفيف الدين يباشر استيفاء الخزانة بدمشق فحضر الأسعد بن السديد الماعز إلى دمشق صحبة السلطان الملك المنصور فقال له يوما يا عفيف الدين أريد منك أن تعمل لي أوراقا بمصروف الخزانة وحاصلها قال نعم وطلبها منه مرة أخرى ومرة وهو يقول نعم فقال له في الآخر أراك كلما أطلب منك الأوراق تقول لي نعم وأغلظ له في القول فغضب الشيخ عفيف الدين وقال له والك لمن تقول هذا الكلام يا كلب يا بن الكلب يا خنزير وهذا من عجز المسلمين وإلا لو بصقوا عليك بصقة بصقة لأغرقوك ثم شق ثيابه وقام يهم بالدخول على السطان فقام الناس إليه وقالوا هذا ما هو كاتب وهذا الشيخ عفيف الدين التلمساني وهو معروف بالجلالة والإكرام بين الناس ومتى دخل إلى السلطان آذاك فسألهم رده وقال له يا مولانا ما بقيت أطلب منك لا أوراقا ولا غيرها وقال الشيخ أثير الدين المذكور أديب ماهر جيد النظم تارة يكون شيخ صوفية وتارة كاتب وتارة مجرد قدم علينا القاهرة ونزل بخانقاه سعيد السعداء عند صاحبه شيخها الشيخ شمس الدين الأيكي وكان منتحلا في أقواله وأفعاله طريقة ابن العربي انتهى قول أثير الدين وتوفي الشيخ عفيف الدين بدمشق في شهور سنة تسعين وستمائة ودفن بمقابر الصوفية ومن نظمه * وقفنا على المغنى قديما فما أغنى * ولا دلت الألفاظ منه على معنى *
457 * وكم فيه أمسينا وبتنا بربعه * حيارى وأصبحنا حيارى كما بتنا * * ثملنا وملنا والدموع مدامنا * ولولا التصابي ما ثملنا ولا ملنا * * فلم نر للغيد الحسان بهم سنا * وهم من بدور التم في حسنها أسنى * * نسائل بانات الحمى عن قدودهم * ولا سيما في لينها البانة الغنا * * ونلثم ترب الأرض أن قد مشت بها * سليمى ولبنى لا سليمى ولا لبنى * * فوا أسفا فيه على يوسف الحمى * ويعقوبه تبيض أعينه حزنا * * وليس الشجى مثل الخلي لأجل ذا * به نحن نحنا والحمام به غنى * * ينادي مناديهم ويصغى إلى الصدى * فيسألنا عنهم بمثل الذي قلنا * وله أيضا * ندى في الأقحوانة أم شراب * وطل في الشقيقة أم رضاب * * فتلك وهذه ثغر وكاس * لذا ظلم وفي هذي شراب * * وخضر خمائل كجسوم غيد * قد انتقشت فراق بها الخضاب * * يريك بها الشقيق سواد هدب * وحمرة وجنة فيها التهاب * * وورق حمائم في كل فمن * إذا نطقت لها لحن صواب * * لها بالطل أزرار حسان * وأطواق ومن ورق ثياب * * كأن النهر سيف مشرفي * له في كف صيقله اضطراب * * تجرده يمين الشمس طورا * وطورا وهو منها لا يعاب * * فإن قلت الحباب انساب ذعرا * ورمت الرقش صدقك الحساب * * وللأغصان هينمة تحاكي * حبائب رق بينهما العتاب * وله من أبيات * وفي الحي هيفاء العاطف لو بدت * مع البان كان الورق فيها تغنت * * عجبت لها في حسنها إذ تفردت * لأية معنى بعد ذاك تثنت *
458 وله أيضا * أفدي التي ابتسمت وهنا بكاظمة * فكان منها هدى الساري بنعمان * * وواجهتها ظباء الرمل فاكتسبت * منها محاسن أجياد وأجفان * * يسري النسيم بعطفيها فيصحبه * لطفا يميل غصون الرند والبان * * مرت على جانب الوادي وليس به * ماء ففاض بدمعي الجانب الثاني * * موهت عنها بسلمى واستعرت لها * من وصفها فاهتدى الشاني إلى شاني * * تجنى علي وما أحلى أليم هوى * في حبها حين الجاني إلى الجاني * وقال أيضا * إن كان قتلي في الهوى يتعين * يا قاتلي فبسيف طرفك أهون * * حسبي وحسبك أن تكون مدامعي * فسلي وفي ثوب السقام أكفن * * عجبا لخدك وردة في بانة * والورد فوق البان ما لا يمكن * * أدنته لي سنة الكرى فلثمته * حتى تبدل بالشقيق السوسن * * ووردت كوثر يغره فحسبتني * في جنة من وجنتيه أسكن * * ما راعني إلا بلال الخال فوق * الخد في صبح الجبين يؤذن * * فنشرت من خوف الصباح ذؤابة * هي كالدجى وظللت فيها أكمن * * يا نظرة كم رمت أسرق أختها * من مقلة هي للنعاس معيدن * وقال أيضا * رياض بكاها المزن فهي بواسم * وناحت لغير الحزن فيها الحمائم * * وأودعت الأنواء فيهن سرها * فنمت عليهن الرياح النواسم * * يبيت الندى في أفقها وهو ناثر * ويضحى على أجيادها وهو ناظم * * كأن الأقاحي والشقيق تقابلا * خدود جلاهن الصبا ومباسم * * كأن بها للنرجس الغض أعينا * تنبه منها البعض والبعض نائم * * كأن ظلال القضب فوق غديرها * إذا اضطربت تحت الرياح أراقم * * كأن غناء الورق ألحان معبد * إذا رقصت تلك القدود النواعم *
459 * كأن نثار الشمس تحت غصونها * دنانير في وقت ووقت دراهم * * كأن ثمارا في غصون توسوست * لعارض خفاق النسيم تمائم * * كأن القطوف الدانيات مواهب * ففي كل غصن ماس في الدوح حاتم * وقال أيضا * أشتاق من ساكني ذاك الحمى سكنا * عليه خفق فؤادي قط ما سكنا * * ولي غرام وصبر في محبته * هذا أقام بأحشائي وذا ظعنا * * أطلعتم يا أهيل المنحنى قمرا * بدا علي الكون منه بهجة وسنا * * سبى عيون محبيه الكرى فلذا * أجفانه لم تزل مملوءة وسنا * * إن قلت غصن تجلى وجهه قمرا * أو قلت بدر تثنى قده غصنا * * نادى ضني خصرهمن يشتري سقما * مني ليفني به في الحب قلت أنا * * فيا غني جمال بات مفتقرا لحسنه * البدر ما لي عن هواك غنى * وقال أيضا * أسكرت بان الحمى فالتبست * ذيول بردك ريا نشره العطر * * يا نوق روحي بروحي للحمى وقفي * به فديتك بين الضال والسمر * * ففي بيوت الحمى سمراء قد حجبت * بالسمر عنا وبالهندية البتر * * شمس ومطلعها ذاتي ومغربها * بين السوادين من قلبي ومن بصري * * تبدي معالم مغناها محاسنها * فيكتسي الروض بالغدران والزهر * وقال * لا تلم صبوتي فمن حب يصبو * إنما يرحم المحب المحب * * كيف لا يوقد النسيم غرامي * وله في ديار ليلى مهب * * ما اعتذاري إذا خبت لي نار * وحبيبي أنواره ليس تخبو * وشعره جيد إلى الغاية رحمه الله تعالى وعفا عنه وعنا وعن جميع المسلمين
460 180 الزين الحافظي سليمان بن علي زين الدين ابن المؤيد خطيب عقربا الحافظي قال ابن أبي أصيبعة اشتغل بالطب على الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي الدخوار وحصل العلم والعمل وأتقن الفصول والجمل وخدم بالطب الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه بن أبي بكر بن أيوب وكان يومئذ صاحب قلعة جعبر وأقام في خدمته وتميز عنده وأجزل رفده وخوله في دولته واشتمل عليه وكان زين الدين يعاني الأدب والشعر والكتابة الحسنة وكان يعاني الجندية وداخل أولاد الملك الحافظ وصار حظيا مكينا في دولتهم ولما مات الملك الحافظ وتسلم الملك الناصر بن العزيز صاحب حلب قلعة جعبر بمراسلات كان فيها الزين الحافظي وانتقل الزين إلى حلب وصارت له عند الملك الناصر يد ومنزلة رفيعة وتزوج زين الدين بابنة رئيس حلب واقتنى أموالا كثيرة ولما ملك الناصر دمشق وصل معه إلى دمشق وصار مكينا في دولته ولما جاءت رسل التتار يطلبون البلاد ويشترطون ما يحمل إليهم من المال فبعث الملك الناصر زين الدين رسولا إلى هولاكو فأحسن إليه واستماله فصار من جهته ومازج التتار وتردد في المراسلات مرات وأطمع التتار في البلاد وهو على الملك الناصر أمرهم وعظم شأنهم ووصف عساكرهم وصغر شأن الناصر ومن معه من العساكر حتى أوقفه على الحرب فلما جاءت التتار إلى حلب ونازلها هولاكو هرب الناصر من دمشق إلى مصر وخرجت عساكر مصر وملكها قطز فانكسر الناصر وملكت التتار دمشق وصار زين الدين يأمر بها وينهى وبقى معه جماعة حتى كانوا يدعونه الملك زين الدين ولما كسر التتار على عين جالوت وانهزم ملك التتار ومن معه من دمشق توجه زين الحافظي معهم خوفا على نفسه من المسلمين
461 قال الرشيد الفارقي كنت أقابل معه صحاح الجوهري فلما أمروه قلت * قيل لي الحافظي قد أمروه * قلت ما زال بالعلاء جديرا * * وسليمان من خصائصه الملك * فلا غرو أن يكون أميرا * أحضره هولاكو بين يديه وقال له ثبت عندي خيانتك وتلاعبك بالدول خدمت صاحب بعلبك ثم خدمت صاحب جعبر وصاحب دمشق وخنت الجميع وانتقلت إلي فأحسنت إليك فشرعت تكاتب صاحب مصر وعدد ذنوبه ثم قتله وقتل أولاده وأقاربه وكانوا نحوا من خمسين نفرا وكان سبب ذلك كتب بعثها إلى الظاهر وذلك سنة اثنتين وستين وستمائة 181 ابن الطراوة المالقي سليمان بن محمد بن عبد الله أبو الحسين ابن الطراوة المالقي النحوي أخذ عن أبي الحجاج الأعلم وأبي مروان بن سراج حمل عنهم كتاب سيبويه وكان عالم الأندلس بالنحو في زمانه له كتاب المقدمات على سيبويه وأخذ عنه أئمة العربية بالأندلس وتوفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة رحمه الله تعالى ومن شعره * وقائلة أتهفو للغواني * وقد أضحى بمفرقك النهار * * فقلت لها حثثت على التصابي * أحق الخيل بالركض المعار * وقال في فقهاء مالقة * إذا رأوا جملا يأتي على بعد * مدوا إليه جميعا كف مقتنص * * إن جئتهم فارغا لزوك في قرن * وإن رأوا رشوة أفتوك بالرخص * ومنه وقد خرجوا يستسقون على آثار قحط في يوم غامت سماؤه فزال ذلك
462 الغيم عند خروجهم * خرجوا ليستسقوا وقد نشأت * بحرية قمن بها السح * * حتى إذا اصطفوا لدعوتهم * وبدا لأعينهم بها نضح * * كشف الغمام إجابة لهم * فكأنما خرجوا ليستصحوا * قال الشيخ صلاح الدين الصفدي وقد سبقه إلى معناها أبو علي المحسن بن أبي القاسم التنوخي صاحب كتاب الفرج بعد الشدة في قوله * خرجنا لنستسقي بيمن دعائه * وقد كاد هدب الغيم أن يلحق الأرضا * * فلما ابتدأ يدعوا تقشعت السما * فما ثم إلا والغمام قد ارفضا * 182 أبو الربيع بن سالم سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي الأندلسي البلنسي الحافظ الكبير ولد في شهر رمضان سنة خمس وخمسين وخمسمائة وتوفي سنة أربع وثلاثين وستمائة رحمه الله تعالى كان بقية أعلام الحديث ببلنسية عني أتن عناية بالتقييد والرواية وكان إماما حافظا عارفا بالجرح والتعديل ذاكرا للمواليد والوفيات يتقدم أهل زمانه في ذلك وكان الخط الذي يكتبه لا نظير له في الإتقان والضبط مع الإستبحار في الأدب والاشتهار في البلاغة فردا في الرسائل مجيدا في النظم وكان هو المتكلم عن الملوك في مجالسهم والمبين عنهم لما يريدونه في المحافل على المنابر
463 وله تصانيف مفيدة في عدة فنون ألف الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الثلاثة في أربع مجلدات وله كتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله وكتاب مصباح الظلم يشبه الشهاب وكتاب في أخبار البخاري وسيرته وكتاب الأربعين سوى ما صنف في الحديث والأدب والخطب ومن شعره * أشجاه ما فعل العذار بخد ه * قلبي شجا وهواي فيه هيجا * * ما رابه والحسن يمزج ورده * أسا ويخلط بالشقيق بنفسجا * * ولقد علمت بأن قلبي صائر * كرة لصدغيه غداة تصولجا) * ومنه * ولما تحلى خده بعذاره * تسلوا وقالوا ذنبه غير مغفور * * وهل تنكر العين اللجين منيلا * أو المسك مذرورا على صحن كافور * ومنه * قالوا اكتست بالعذار وجنته * هل في الذي قلتموه من باس * * أكلف بالورد وهو منفرد * فكيف أسلو إذ شيب بالآس * ومنه * رياض كالعروس إذا تجلت * وقل لها مشابهة العروس * * فمن زهر ضحوك السن طلق * لجهم من سحائبه عبوس * * وقضب تحسب الأرواح سقت * معاطفها سلافة خندريس * * ونهر مثل هندي صقيل * تجرد فوق موشئ نفيس * * تولت نسجه السحب الغوادي * وحاكت وشيه أيدي الشموس *
464 183 أبو الفضل الحوراني سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح الشيخ الإمام الفقيه المفتي القدوة الزاهد العابد القاضي الخطيب صدر الدين أبو الفضل القرشي الجعفري الحوراني الشافعي صاحب النواوي ولد سنة اثنتين وأربعين بقرية بصرى من السواد توفي سنة خمس وعشرين وسبعمائة قدم دمشق مراهقا وحفظ القرآن بمدرسة أبي عمر علي الشيخ نصر بن عبيد ورجع إلى البلاد ثم قدم بعد سبع سنين وتفقه بالشيخ تاج الدين وبالشيخ محيي الدين وأتقن الفقه وأعاد بالناصرية وناب في القضاء لابن صصري مدة ولم يغير ثوبه القطني ولا عمامته الصغيرة وتحكى عنه حكايات في رفقه بالخصوم يقال إنه كان إذا علم أن الغريم ضعيف يعجز عن أجرة رسول القاضي قام مع الغريم ومشى إلى بيت الغريم أو حانوته وكان خيرا متواضعا وكان يمشي إلى بعض العدول ليؤدي عنده الشهادة وولى خطابة العقيبة واكتفى بها وعينه الأمير سيف الدين تنكز للاستسقاء بالناس سنة تسع عشرة فسقوا وكان خطيبا بداريا يدخل إلى دمشق على بهيم ضعيف وكان لا يدخل حماما ولا يتنعم وحدث عن أبي اليسر والمقداد القيسي وناب عن ابن الشريشي في دار الحديث وشيع جنازته خلق عظيم رحمه الله 184 تقي الدين المقدسي الجماعيلي سليمان بن حمزة بن أحمد بن الشيخ أبي عمر الإمام المفتي شيخ المذهب مسند الشام تقي الدين أبو الفضل المقدسي الجماعيلي الأصل الدمشقي الصالحي الحنبلي ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة وتوفي سنة خمس عشرة وسبعمائة وسمع الصحيح حضورا في الثالثة من ابن الزبيدي وسمع صحيح مسلم وما لا يوصف كثرة من الحافظ ضياء الدين ربما عنده منه ستمائة جزء وسمع
465 حضورا من جده الجمال أبي حمزة وابن المقير وسمع من ابن اللتي وجعفر الهمداني وابن الجميزي وكريمة الميطورية وتفقه بالشيخ شمس الدين و صحبه مدة وبرع في المذهب وتخرج به الأصحاب وله معرفة بتواليف الشيخ موفق الدين وأقرأ المقنع وغيره ودرس بالجوزية ولى القضاء عشرين سنة ومن تلامذته ولده قاضي القضاة عز الدين وقاضي القضاة ابن مسلم والإمام عز الدين محمد بن العز والإمام شرف الدين أحمد بن القاضي وطائفة وسمع منه المزي والواني وابن تيمية وابن المحب والعلائي وابن رافع وعدد كثير وعزل سنة تسع عن القضاء بالقاضي شهاب الدين ابن الحافظ عزله الجاشنكير ثم أعيد لما جاء الناصر من الكرك واجتمع به فولاه وكان إذا أراد أن يحكم قال صلوا على رسول الله فإذا صلوا حكم رحمه الله تعالى وإيانا وجميع المسلمين 185 سهل بن هارون سهل بن هارون بن راهيون الدستميساني أبو عمرو انتقل إلى البصرة واتصل بخدمة المأمون وتولى خزانة الحكمة له وكان حكيما فصيحا شاعرا فارسي الأصل شعوبي المذهب شديد التعصب على العرب وله مصنفات كثيرة تدل على بلاغته وحكمته مثل كتاب ثعلة وعفرة على مثال كليلة ودمنة وغير ذلك من الكتب وكان نهاية في البخل وله فه حكايات قال دعبل كنا عنده فأطلعنا القعود حتى كاد يموت جوعا ثم قال ويحك يا غلام غدنا فأتى بقصعة فها ديك مطبوخ فتأمله ثم قال أين الرأس قال رميت به فقال والله إني لأمقت من يرمي برجليه فكيف برأسه ولو لم أكره ما صنعت إلا للطيرة والفأل لكرهته أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء ومنه يصدح الديك ولولا صوته
466 ما أريد وفيه عرفه الذي يتبرك به وعينه التي يضرب بها المثل في الصفاء فيقال شراب كعين الديك ودماغه عجيب لوجع الكلية ولم نر عظما أهش تحت الأسنان منه وهل ظننت أني لا آكله أن العيال لا يأكلونه وإن كان قد بلغ من نبلك أنك لا تأكله فعندنا من يأكله أو يأكله أو ما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن رأس العنق انظر لي أين هو فقال والله ما أدري أين هو ولا أين رميت به فقال أنا أدري أين رميت به في بطنك قاتلك الله وعمل كتابا في البخل ومدحه وبعثه إلى الحسن بن سهل يستمنحه فوقع إليه الحسن بن سهل لقد مدحت ما ذم الله وحسنت ما قبح وما يقوم لفساد معناك صلاح لفظلك وقد جعلنا ثوابك قبول قولك فما نعطيك شيئا ومن شعره * تقاسمني همان قد كسفا بالي * وقد تركا قلبي محلة بلبال * * هما أذريا دمعي ولم تذر عبرتي * ربيبة خدر ذات قرط وخلخال * * ولا قهوة لم يبق منها على المدى * سوى أن تحاكى النور في رأس ذبال * * ولكنني أبكي بعين سخينة * على حدث تبكي له عين أمثالي * * فراق خليل مثله يبعث الأسى * وخلة خل لا يقوم بها مالي * * فوا أسفا حتى متى القلب موجع * بفقد خليل أو تعذر إفضال * * فما العمر إلا أن تجود بنائل * وإلا لقاء الأخ ذي الخلق العالي * ومن تصانيفه ديوان رسائله كتاب النمر والثعلب كتاب اسيانوس في اتخاذ الإخوان كتاب أدب أسد بن أسل كتاب سحرة العقل كتاب تدبير الملك والسياسة كتاب إلى عيسى بن أبان في القضاء كتاب الضرس كتاب الغزالين كتاب بدود لدود ودود كتاب الواص والعنة وكانت وفاته بعد المائتين
467 186 سلار الصالحي المنصوري سلار الأمير سيف الدين التتري الصالحي المنصوري كان أولا من مماليك الصالح علاء الدين علي بن المنصور قلاوون فلما مات الصالح صار من خاصة المنصور ثم اتصل بخدمة الأشرف وحظي عنده وتأمر وكان عاقلا تاركا للشر ينطوي على دهاء وخبرة بالأمور وفيه دين بالجملة وكان صديق السلطان حسام الدين لاجين ونائبه منكوتمر ندبوه الأمراء لإحضار السلطان الملك الناصر من الكرك فسار إليه وأحضره وركن إلى عقله وإيمانه فاستنابه وقدمه على الجميع فخضعوا له ونال سلار من سعادة الدنيا ما لا يوصف وجمع من الذهب قناطير مقنطرة حتى اشتهر على ألسنة الناس أنه كان يدخله كل يوم مائة ألف درهم واستمر في دست النيابة إحدى عشرة سنة وكان إقطاعه بضعة وثلاثون طبلخاناة ولما توجه الملك الناصر إلى الكرك وتملك الجاشنكير استمر به في النيابة وازداد عظمة وسعادة وأقاما على ذلك تسعة أشهر فلما عاد السلطان من الكرك تلقاه سلار إلى أثناء الرمل ولما دخل مصر أعطاه الشوبك فتوجه إليها هو وجماعته وتشاغل السلطان عنه ونزح سلار عن الشوبك ودخل البرية ثم خذل وسير يطلب الأمان على أنه يقيم بالقدس يعبد الله عز وجل فأجابه السلطان إلى ذلك ودخل القاهرة بعد أن بقي أياما في البرية مرددا بين العرب ينوبه كل يوم درهم وأربعين غرارة شعير فلما جاء عاتبه السلطان واعتقله ومنعه الزاد حتى مات جوعا قيل إنه أكل سرموزته وقيل خفه وقيل إنهم دخلوا عليه وقالوا له عفا السطان عنك فقام من الفرح ومشي خطوات وسقط ميتا وكان أسمر لطيف القد أسيل الخد لحيته في حنكه سوداء وهو من التتار الأويراتية مات في أوائل الكهولة في سنة عشر وسبعمائة ولعله ما بلغ الكهولة
468 رحمه الله تعالى وأذن السلطان للجاولي أن يتولى جنازته ودفنه فدفن بتربته عند الكبش بالقاهرة وكان ظريفا في لبسه اقترح أشياء في الملبس وهي إليه منسوبة وكذلك في المناديل وفي قماش الخيل وفي آلة الحرب قال شمس الدين الجزري قيل إنه أخذ له ثلاثمائة ألف ألف دينار وشئ كثير من الجواهر والحلي والحلل والسلاح والغلال مما لا يكاد يحصر قال الشيخ شمس الدين الذهبي وهذا مستحيل لأن ذلك يجيء وقر عشرة آلاف بغل قال الشيخ شمس الدين الجزري نقلت من ورقة بخط علم الدين البرزالي قال دفع إلى المولي جمال الدين بن الفويرة ورقة بتفصيل بعض أموال سلار وقت الحوطة عليه في أيام متعددة يوم الأحد تسعة عشر رطلا بالمصري زمرد ياقوت رطلان بلخش رطلان ونصف صناديق ستة ضمنها جواهر وفصوص الماس وغيره لؤلؤ كبار
469 مدور من زنة درهم إلى مثقال ألف ومائة وخمسون حبة ذهب مائتا ألف وأربعون ألف مثقال دراهم أربعمائة ألف وسبعون ألف درهم يوم الاثنين ذهب مائة ألف وخمسون ألف دينار وألف ألف درهم وخمسون ألف فصوص رطلان ونصف مصاغ عقود وأساور وزنود وحلق أربع قناطير بالمصري وفضيات أواني وطاسات وهواوين وأطباق وغير ذلك ستة قناطير يوم الثلاثاء خمسة وأربعون ألف دينار وثمانية آلاف ألف براجم وأهلة
470 وسناجق ثلاث قناطير
471 يوم الأربعاء ذهب ألف ألف دينار وثمانمائة ألف درهم أقبية ملونة بفرو قاقم ثلاثمائة قباء أقبية سنجاب أربعمائة قباء سروج مزركشة مائة سرج ووجد عند صهره الأمير موسى ثمانية صناديق كان من جملة ما فيها عشر جواشن مجوهرة سلطانية وتركاش ما يقوم ومائة ثوب طرد وحش وحضر صحبته من الشوبك خمسون ألف دينار وخمسمائة ألف درهم وثلاثمائة خلعة وخركاه أطلس معدني مبطنة بأزرق وبابها زركش وثلاثمائة فرس ومائة وعشرين قطار بغال ومثلها جمال كل هذا سوى الغلال والأنعام والجواري والغلمان والأملاك والعدد والقماش
472 ذكروا أنه عوقب كاتبه فأقر أنه كان يحمل إليه كل يوم ألف دينار ما يعلم بها غيره وقيل إن مملوكا دلهم على كنز له مبنى في داره فوجدوا فيه أكياسا وفتحوا بركة فوجدوها مملوءة أكياسا ثم مات البائس يتحسر على الخبز اليابس قال الشيخ شمس الدين وحثني شيخنا فخر الدين أن إنسانا حدثه قال دخل العام شونة سلار ستمائة ألف إردب والله أعلم
473 ((حرف الشين)) 187 سبط بن عبد الظاهر شافع بن علي بن عباس بن إسماعيل بن عساكر الكناني العسقلاني المصري سبط القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر الإمام الأديب ناصر الدين ولد سنة تسع وأربعين وستمائة وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة كان يباشر الإنشاء بمصر زمانا إلى أن أضر لأنه أصابه سهم في نوبه حمص الكبرى سنة ثمانين وستمائة في صدغه فعمى وبقي ملازم بيته إلى أن توفي رحمه الله روى عن الشيخ جمال الدين بن مالك وغيره وروى عنه الشيخ أثير الدين أبو حيان والشيخ علم الدين البرزالي وغيره من الطلبة وله النظم الكثير والنثر الكثير وكتب المنسوب وكان جماعة للكتب خلف ثمانية عشر خزنة مملوءة كتبا نفيسة أدبية وكانت زوجته تعرف ثمن كل كتاب وبقيت تبيع منها إلى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وكان إذا لمس الكتاب وجسه قال هذا الكتاب الفلاني وملكته في الوقت الفلاني وكان إذا أراد أي مجلد كان قام إلى خزانته وتناوله كأنه الآن وضعه بيده ومن شعره * قال لي من رأى صباح مشيبي * عن شمالي من لمتي ويميني * * أي شيء هذا فقلت مجيبا * ليل شك محاه صبح يقين * وقال * تعجبت من أمر القرافة إذ غدت * على وحشة الموتى لها قلبنا يصبو * * فألفيتها مأوى الأحبة كلهم * ومستوطن الأحباب يصبو له القلب *
474 وقال * شكا لي صديقي حب سوداء أغريت * بمص لسان لا تمل له وردا * * فقلت له دعها تلازم مصه * فماء لسان الثور يصلح للسودا * وقال في مليح وسطه مشدود ببند أحمر * وبي قامة كالغصن حين تمايلت * وكالرمح في طعن تقد وفي قد * * جرى من دمي بحر بسهم فراقه * فخضب منه ما على الخصر من بند * أحسن منه قول ابن قرناص المعروف بالدوباش * من مجيري من شادن بهواه * لي شغل عن حاجر والعقيق * * خصره تحت أحمر البند يحكى * خنصرا فيه خاتم من عقيق * وقال شافع * لقد فاز بالأموال قوم تحكموا * وكان لهم مأمورها وأميرها * * تقاسمهم أكياسها شر قسمة * ففينا غواشيها وفيهم صدورها * وقال في سجادة خضراء * عجبوا إذ رأوا بديع اخضرار * ضمن سجادة بظل مديد * * ثم قالوا من أي ماء بروى * قلت ماء الوجوه عند السجد * وقال في ممسحة القلم * وممسحة تناهى الحسن فيها * فأضحت في الملاحة لا تبارى * * ولا نكر على القلم الموافي * إذا في ضمنها خلع العذارا * وكتب إليه السراج الوراق يستشفع به عند فتح الدين بن عبد الظاهر * أبا ناصر الدين انتصر لي فطالما * ظفرت بنصر منك في الجاه والمال * * وكن شافعي فالله سماك شافعا * وطابقت أسماء بأحسن أفعال * * وقدرك لم نجهله عند محمد * لأن ابن عباس من الصحب والآل *
475 وكتب إليه أيضا في المعنى * سيدي اليوم أنت ضيف كريم * فاق معنا في جوده بمعان * * لو رأى الفتح سؤدد الفتح هذا * ما انتمى بعده إلى خاقان * * أو رآه فتح المغارب حلى * بعلاه قلائد العقيان * * وكأني أراكما في مجاراة * المعاني بحرين يلتقيان * * وتطارحتما مذاكرة يفتن * منها أزاهر الأفنان * * فإذا مر للصنائع ذكر * فاجعلاني من بعض من تذكران * 188 أبو اليسر كاتب نور الدين شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله الرئيس أبو اليسر التنوخي المعرى الدمشقي كاتب الإنشاء كان أديبا فاضلا جليلا ذكيا شاعرا كتب الإنشاء لنور الدين الشهيد وتوفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة قرأ الأدب على جده القاضي أبي المجد محمد بن عبد الله بحماة وسمع من أبي عبد الله الحسين بن العجمي وغيره وحدث وولد سنة ست وتسعين وأربعمائة وسمع منه الحافظ أبو القاسم بن عساكر مع تقدمه وهو جد تقي الدين إسماعيل رحمهم الله تعالى وإيانا والمسلمين 189 شبل الطائي شبل بن الخضر بن هبة الله بن أبي الهجام الطائي الشاعر ابن الشاعر مدح الخليفة والوزراء والأعيان وذكره العماد الكاتب في خريدة القصر وتوفي سنة تسعين وخمسمائة وكان متدينا حسن الطريقة رحمه الله ومن شعره * أبغير حبكم يطيب غرامي * كلا وأنتم صحتي وسقامي * * أحبابنا هل وقفة نشكو بها * ألم الهوى ونفض كل ختام * * ومن العجائب أن سمحت بمهجتي * لغريرة بخلت برد سلامي *
476 * هيفاء حرمت الوصال فلم رأت * دمي الحرام السفك غير حرام * منها * أصبر إليك وللوقار زواجر * تقتادني عن صبوة بزمام * * وتقول لي ما المجد شرب مدامة * وسماع غانية ووصل غلام * * واعلم بأن الفضل ليس بنافع * حتى يناط بجرأة الإقدام * * والشعر ما لم يأت فيه فصاحة * فكأنه ضرب من البرسام * * والمدح في غير الوزير محمد * ذي الفضل مأثمة من الأثام * وقال أيضا * أتانا يرينا من مقبله رصفا * غزال سقانا الخمر من فمه صرفا * * من الهيف خط الحسن في نور وجهه * حروف جمال لا أقيس بها حرفا * * فعرق نوني حاجبيه براعة * وصف بحذق سين طرته صفا * * أتى يحتذي لي القضيب قوامه * ولم يعتمد ليا لوعدي ولا خلفا * * تأود غصنا ناضر العطف ناعما * فبت أفديه وأسأله عطفا * * ولما جنيت الورد من وجناته * تغنمتها لثما وأحللتها قطفا * * بدا بدر تم وانثنى خيزرانة * وماج كثيبا أهيلا ورنا خشفا * * وعاطيته مشمولة بابلية * يرى لسنا لألاء بارقها خطفا * * فراح ولون الراح يصبغ كفه * ووجنته الحمراء من لونها أصفى * 190 تقي الدين الطبيب شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن محمود الأديب الفاضل
477 الطبيب الكحال تقي الدين أبو عبد الرحمن نزيل القاهرة أخو الشيخ نجم الدين شيخ الحنابلة ولد بعد العشرين وستمائة وتوفي سنة خمس وتسعين وستمائة سمع ابن روزية وكتب عنه الدمياطي وكان فيه شهامة وقوة نفس وله أدب وفضائل وعارض بانت سعاد بقصيدة منها * إلى النبي رسول الله إن له * مجدا تسامى فلا عرض ولا طول * * مجدا كبا الوهم عن إدراك غايته * ورد عقل البرايا وهو معقول * * مطهر شرف الله العباد به * وساد فخرا به الأملاك جبريل * * طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى * له بطيب ثراها الجعد تقبيل * قال الشيخ أثير الدين أبو حيان عرض على ديوانه فانتخبت منه ما قرأته عليه فمن ذلك قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم * هذا مقام محمد والمنبر * فاستجل أنوار الهداية وانظر * * والثم ثرى ذاك الجناب معفرا * في مسك تربته خدودك وافخر * * واحلل على حرم النبوة واستجر * بحماه من جور الزمان المنكر * * فهناك من نور الإله سريرة * كشفت غطاء الحق للمستبصر * * وجلت دجى ظلم الضلال فأشرقت * أفق الهداية بالصباح المسفر *
478 وقال أيضا * انهض فزند الصباح قد قدحا * وامزج لنا من رضابك القدحا * * فالزهر كالزهر في حدائقه * والطير فوق الغصون قد صدحا * * في روضة نقطت عرائسها * بدر قطر نظمنه سبحا * * وصفق الماء في جداوله * ورقص الغصن طيره فرحا * * والزق بين السقاة تحسبه * اسود مستسقيا وقد ذبحا * * فعاطني قهوة معتقة * تذهب كأسي وتذهب الترحا * * بكر إذا عرس النديم بها * وافتضها الماء تنتج الفرحا * * من كف رخص البنان معتدل * لو لامس الماء خده جرحا * * يسعى بخمر الدلال مغتبقا * ومن سلاف الشباب مصطبحا * * قد تلف القلب من سوالفه * وجدا إذا حد بالهوى مزحا * * كم لي بسفح العقيق من كلفي * عقيق دمع عليه قد سفحا * وقال في سوداء * وبديعة الحركات أسكن حبها * حب القلوب لواعج البرحاء * * سوداء بيضاء الفعال وهكذا * حب النواظر خص بالأضواء * * أسرت محاسنها القول فأطلقت * أسري المدامع ليلة الإسراء * * فلئن جننت بحبها لا بدعة * أصل الجنون يكون بالسوداء * وقال * أقام عذري العذار فيه * واحتج لي قده القويم * * وصح وجدي عليه لما * أسقمني طرفه السقيم * * فكم بنعمان من كئيب * فارقه بعده النعيم * * يزيده لوعة وشوقا * حديث أيامه القديم * وقال * ولقد شهدت الراح يقدح نورها * للمدلجين النار من قدحيها *
479 * في روضة ضحكت ثغور أقاحها * من طول ما بكت العيون عليها * * والطير تخطب في منابر دوحة * شمخت فخر الماء بين يديها * وقال * ومهفهف قسم الملاحة ربها * فيه وأبدعه بغير مثال * * فلخده النعمان روض شقائق * ولثغره النظام عقد لآلي * * ولطرفه الغزال إحياء الهوى * وكذلك الإحياء للغزالي * 191 ابن أسد المصري شرف بن أسد المصري شيخ ماجن متهتك ظريف خليع يصحب الكتاب ويعاشر الندماء ويشبب في المجالس على القيان قال صلاح الدين رأيته غير مرة بالقاهرة وأنشدني له شعرا كثيرا من البلاليق والأزجال والموشحات وغير ذلك وكان عاميا مطبوعا قليل اللحن يمتدح الأكابر ويستعطي الجوائز وصنف عدة مصنفات في مشاشات الخليج والزوائد التي للمصريين والنوادر والأمثال ويخلط ذلك بأشعاره وهي موجودة بالقاهرة عند من كان يتردد إليهم وتوفي رحمه الله تعالى بعد ما تمرض زمانا في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة قال أنشدني لنفسه * رمضان كلك فتوه * وصحيح دينك عليه * * وأنا ذا الوقت معسر * واشتهى الإرفاق بيه * * حتى تروى الأرض بالنيل * ويباع القرط بدري *
480 * وأعطك الدرهم ثلاثة * وأصوم شهرين وما أدرى * * وإن طلبتني في ذا الوقت * فأنا أثبت عسري * * فامتهل واربح ثوابي * لا تربحني خطيه * * وتخليني أسقف * طول نهاري لا عشية * * لك ثلاثين يوم عندي * أصبر أعطى المثل مثلين * * وإن عسفتني ذي الأيام * ما اعترف لك قط بالدين * * وأنكرك واحلف وأقل لك * أنت من أين وأنا من أين * * واهرب أقعد في قمامة * أو قلالي بولشيه * * وأجى في عيد شوال * واستريح من ذي القضية * * والأخذ مني نقيده * في المعجل نصف رحلك * * صومي من بكره إلى الظهر * وأقاسي الموت لأجلك * * وأصوم لك شهر طوبه * ويكون من بعض فضلك * * إيش أنا في رحمة الله * من أنا بين البرية * * أنا إلا عبد مقهور * تحت أحكام المشية * * من زبون نحس مثلي * رمضان خذ ما تيسر * * أنت جيت في وقت لو كان * الجنيد في مثله أفطر * * هون الأمور ومشي * بعلي ولا تعسر * * وخذ إيش ما سهل الله * ما الزبونات بالسوية * * الملي خذ منه عاجل * وأمهل المعسر شوية * * ذي حرور تذوب القلب * ونهار أطول من العام * * وأنا عندي أي من صام * رمضان في هاذي الأيام * * ذاك يكون الله في عونه * ويكفر عنو الآثام * * وجميع كلامي هذا * بطريق المصخرية * * والله يعلم ما في قلبي * والذي لي في الطوية *
481 قال الشيخ صلاح الدين حرسه الله تعالى ووضع حكاية حكاها لي بالقاهرة المحروسة ونحن على الخليج بشق الثعبان سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وهي اجتاز بعض النحاة ببعض الأساكفة فقال له أبيت اللعن واللعن يأباك ورحم الله أمك وأباك وهذه تحية العرب في الجاهلية قبل الإسلام لكن عليك أفضل السلام والسلام والسلام ومثلك من يعز ويكرم قرأت القرآن والتيسير والعنوان والمقامات الحريرية والدرة الألفية وكشاف الزمخشري وتاريخ الطبري وشرح اللغة والعربية على سيبويه ونفطوية والحسين بن خالوية والقاسم بن كميل
482 والنظر بن شميل وقد دعتني الضرورة إليك وتمثلت بين يديك لعلك تتحفني من بعض حكمتك وحسن صنعتك بنعل يقيني الحر ويدفع عني الشر وأعرب لك عن اسمه حقيقا لأتخذك رفيقا فيه لغات مؤتلفة على لسان الجمهور مختلفة ففي الناس من كناه بالمداس وفي عامة الأمم من لقبه بالقدم وأهل شهرتوزه سموه بالسارموزة وإني أخاطبك بلغات هؤلاء القوم ولا إثم علي في ذلك ولا لوم والثالثة به أولى وأسألك أيها المولى أن تتحفني بسارموزة أنعم من الموزة أقوى من الصوان وأطول عمرا من الزمان خالية البواشي مطبقة الحواشي لا يتغير على وشيها ولا يروعني مشيها لا تنقلب إن وطئت بها جروفا ولا تنفلت إن طحت بها ما كانا مخسوفا لا تتلوق من أجلي ولا يؤلمها ثقلي ولا تتمزق من زحلي ولا تتعوج ولا تتلقوج ولا تنبعج ولا تنفلج ولا تقب تحت الرجل ولا تلزق بخبز الفجل ظاهرها كالزعفران وباطنها كشقائق النعمان أخف من ريشة الطير شديدة البأس على السير ططويلة الكعاب عالية الأجناب لا يلحق بها التراب ولا يغرقها ماء السحاب تصر صرير الباب وتلمع كالسراب وأديمها من غير جراب جلدها من خالص جلود المعز ما لبسها ذليل إلا افتخر بها وعز مخروزة كخرز الخردفوش وهي أخف من المنفوش مسمرة بالحديد منطقة ثابتة في الأرض الزلقة نعلها من جلد الأفيلة الخمير لا الفطير وتكون بالنزر الحقير فلما أمشك النحوي من كلامه وثب الإسكافي على أقدامه وتمشى وتبخر وأطرق ساعة وتفكر وتشدد وتشمر وتحرج وتنمر ودخل حانوته وخرج وقد داخله الحنق والحرج فقال له النحوي جئت بما طلبته قال لا بل بجواب ما قلته فقال قل وأوجز وسجع ورجز فقال أخبرك أيها النحوي أن البشر سابخروي شطبطاب المتفرقل والمتقبقب من جانب الشرشنك والديوك تصهل كنهيق زقازيق الصولجانات والحرفوف الفرياح ببيض القرقنطق والزعربرجر احلبنبوا يا حيز من الطيز بحبح بشمردلو خاط الركبكو شاع الجبربر بجفر الترتاح بن يبساوشاح على لوي بن شمندوخ على لسان القروان مازلوخ أنك أكيت أرس برام المستلطخ بالشمر دكند مخلوط والزيبق بحبال الشمس
483 مربوط علعل بشعلعل مات الكركندوس أدعوك في الوليمة يا تيس تش يا حمار يا بهيمة أعيذك بالزحواح وأبخرك بحصى لبان المستراح وأرقك برقوات مرقات قرقرات البطون لتخلص من داء البرسام والجنون ونزل من دكانه مستغيثا بجيرانه وقبض لحية النحوي بكفيه وخنقه بأصبعيه حتى خر مغشيا عليه وبربر في وجهه وزمجر ونأى بجانبه واستكبر وشخر ونخر وتقدم وتأخر فقال النحوي الله أكبر الله أكبر ويلك ما هذا العفان قال من ذلك الهذيان والسلام 192 شعيب المغربي شعيب بن محمد بن محمد بن محمد بن ميمون المري المغربي الأصل قال الشيخ أثير الدين نشأ المذكور بالقاهرة ومولده بساحل بر الحجاز بموضع يسمى قبر عنبر ثاني عشر القعدة سنة ستين وستمائة وأنشدنا من نظمه * هزوا الغصون معاطفا وقدودا * ودلوا من الورد الجنى خدودا * * وتقلدوا فترى النجوم مباسما * وتبسموا فترى الثغور عقودا * * وغدا الجمال بأسره في أسرهم * فتقاسموه طارفا وتليدا * * فإذا سفرن أهلة وإذا سرحن * جآذرا وإذا حملن أسودا * * وإذا لووا زرد الغذار على النقا * جعلوا اللوى فوق العقيق زرودا * * رجلوا عن الوادي فما لنسيمه * أرج ولم أر في رباه الغيدا * * وذوت غصون البان فيه فلم تمس * طربا ولم أسمع به تغريدا * * فكأنما هم بانه وغصونه * وظبا رباه وظله ممدودا * * نصبوا على ماء العذيب خيامهم * فلأجلهم عذب العذيب ورودا * * وتحملت ريح الصبا من عرفهم * مسكا يضوع به النسيم وعودا *
484 193 شقيق البلخي شقيق بن إبراهيم الأزدي البلخي الزاهد أحد شيوخ التصوف صاحب إبراهيم بن أدهم توفي سنة أربع وتسعين ومائة وله كلام في التوكل معروف حدث عن إبراهيم بن أدهم وأبي حنيفة وإسرائيل بن يويس بن أبي إسحاق وغيرهم وروي عنه حاتم الأصم وابنه محمد بن شقيق ومحمد بن أبان البلخي مستملي وكيع وغيرهم وهو من أشهر شيوخ خراسان في التوكل ومنه وقع أهل خراسان إلى هذا الطريق قال له إبراهيم بن أدهم بمكة ما بدء أمرك الذي بلغك إلى هذا فذكر أنه رأى في بغض الفلوات طائرا مكسور الجناحين أتاه طائر صحيح الجناح في منقاره جرادة فتركت التكسب واشتغلت بالعبادة فقال له إبراهيم ولم لا تكون أنت الطائر الصحيح الذي أطعم الطائر المكسور حتى تكون أفضل منه أما سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى ومن علامة المؤمن أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلها حتى يبلغ منازل الأبرار فاخذ شقيق يد إبراهيم فقبلها وقال أنت أستاذا يا أبا إسحاق وقال حاتم كنا مع شقيق في مصاف نحارب الترك في يوم لا ترى إلا رؤوس تطير ورماح تقصف وسيوف تقطع فقال لي كيف ترى نفسك يا حاتم في هذا اليوم تراه مثل ما كنت في الليلة التي زفت إليك امرأتك قال لا
485 والله قال لكني والله أرى نفسي هذا اليوم مثل ما كنت الليلة ثم نام بين الصفين ودرقته تحت رأسه حتى سمعت غطيطه ومات في غزوة كوملان سنة أربع وتسعين ومائة قال أبو سعيد الخراز رأيت شقيقا البلخي في النوم قلت ما فعل الله بك قال غفر لي غير أننا لا نلحقكم قلت ولم ذاك قال لأنا توكلنا على الله بوجود الكفاية قال فسمعت الصراخ صدق صدق فانتبهت وأنا أسمع الصراخ 194 أبو الهيجاء بن أبي الفوارس شهفيروز بن سعد بن عبد السيد بن منصور أبو الهيجاء ابن أبي الفوارس الشاعر ابن بنت أبي علي بن الحمامية المستعمل ويسمى أحمد أيضا كان أديبا فاضلا شاعرا أنشأ مقامات أدبية وسمع من أبي جعفر محمد بن أحمد بن مسلمة وعبد الواحد بن محمد بن أحمد الحمامي وحدث باليسير توفي في سنة ثلاثين وخمسمائة ومن شعره * وساق بت أشرب من يديه * مشعشعة بلون كالنجيع * * فحمرتها وحمرة وجنتيه * ونور الكأس في نار الشموع * * ضياء حارت الأبصار فيه * بديع في بديع في بديع * ومنه * وليلة بتنا والسواعد بيننا * وساد ومن خمر الثغور لنا عل * * وقد نم في جنح الدجى جرس حليها * ونادى يا علي صوته القلب والحجل * * فضضت ختاما عن عقيق كأنه * على اللؤلؤ المنظوم من فمها قفل * * فللنظم ما يجلو من الدر ثغرها * وللظلم ما يجنى من العسل النحل * وقال * وأنت التي زينت في عيني الهوى * وحببت يا سلمى إلى نفسي الحبا *
486 * ولولاك لم يخطر على قلبي الجوى * ولم أدع ما بين الورى الهائم الصبا * 195 ضياء الدين القناوي شئت بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة القناوي اللغوي العروضي أبو الحسن ضياء الدين قال شهاب الدين القوصي أنشدنا ضياء الدين القناوي سنة تسعين وخمسمائة قصيدته اللغوية التي نظمها ووسمها بالؤلؤة المكنونة واليتيمة المصونة في الأسماء المذكورة وهي * وصفت الشعر من يفهم * يخبرني بما يعلم * * يخبرني بألفاظ * من الأعراب ما الدهثم * * وما الإقليد والتقليد * والتهنيد والأهتم * * وما النهاد والإهذام * والأسمال والعيهم * * وما الألغاد والإخراد * والأقراد والمكدم * * وما الدفراس والمرداس * والقداس والأعلم * * وما الأدعاص والإدراص * والقراص والأترم * * وما اليعضيد واليعقيد * والتدمين والأرقم * * وما الإنكال والأنكاث * والإعلام والأفضم * * وما الأوغالف والأوغاد * والأوغاب والأقصم * * وما المنهوس والملسوس * والملهوس والأثلم * * وما الأوقاش والأوشاب * والأوباش والضيهم * * وما الإيهات والرميت * والصفنان والأورم * * وما الحرفاس والدرواس * والبرشاع والموصم * * وما الأدمار والعوار * والمشعار والأدلم * * وما الظربان والقدمان * والميدان والديلم *
487 * وما اليؤيؤ والضئضئ * والهلباجة الخوعم * * وما المعرعر والقدموس * والعتراد والأرشم * * وما الإذعان والإفران * والمنهم * * وما الذيفان والمأفون * والذيال والأريم * * وما الشماذ واللواذ * والملاذ والجهضم * * وما الإعداق والإعداق * والوزام والضرغم * * وما الهدام والأسدام * والأرزام والأدسم * * وما الأخطال والأكراز * والأشراط والادرم * * وما الزعرور والمنزور * والشعرور والأعصم * * وما الدقرور والصعرور * والقيدور والميتم * * وما التعريس والتغوير * والشنتير والأشرم * * وما الإذعاف والإتراف * والقعدود والمصرم * * وما الحيطان والبدان * والصيران والمرزم * * وما الدعداع والمذاياع * والأقذاع والخلجم * * وما الإصرام والأخلام * والاوخام والميلم * * وما الصردان والصرفان * والصرغان والأسحم * * وما الأعشار والتقصار * والأشصار والأقرم * * وما الإعفاج والأمراص * والشريان والأضخم * * وما الأرماس والأكراس * والعسقد والمنجم * * وما الصريع والتمراد * والشملال والأرثم * * وما الغضروف والشرسوف * والهليوف والغيلم * * وما الانداح والقلاص * والإكراء والمقرم * * وما الدلفاء والقمداء * والحلفاء والأخطم * * وما الساعور والصاقور * والأشروع والأضجم * * وما الإبداء والإعداء * والاكناف والأهيم * * وما الظنبوب والعلجوم * والجعبوب والأشيم * * وما الزعراء والطخياء * والفوهاء والديسم *
488 * وما اللخصاء والخوصاء * والخيصاء والمرزم * * وما الحوقاء والحلجاء * والعضباء والأختم * * وما الهلباء والسكاء * والكبساء والاصلم * * وما المرطاء والمعطاء * والحصاء والأغتم * * وما النزعاء والوطباء * والهدباء والمخدم * * وما الدعجاء والملجاء * والشجراء والميسم * * وما اللمياء والحواء * والقماء والقهقم * * وما الجلهاء والجلاء * والجلحاء والشجعم) 5 * وقد أنبأت في شعري * بألفاظي التي تفحم * * فعارضت السجستاني * في قولي ولم أعلم * * فضاعفت قوافيه * على مثل الذي نظم * * على أني امتطيت الصعب * في قولي ولم أحجم * * رحلت العيس في البيدا * أقول الشعر في القطلم * * فإن كنت الذي في قوله * يأتي بما يزعم * * فأخبرني بأوصافي * عساني منك أن أعلم * * فهذا الشعر لا يدريه * إلا عالم همهم * * يرم الرث إن يحبب * وإن شا ينقض المبرم * وختم هذه الأبيات بأبيات غزلية على وزنها وهي * رصفت الشعر في خل * وحبل الود لم يصرم * * وقلب الأسد مجروح * به شوقا ولم يكلم * * له قد كقيد الغصن * في كل الورى يعدم * * إذا ما رمت لثم الخدد * أو تقبيل ذاك الفم * * غزال يفتن النساك * في حسن وما يعلم * * وفي أحشاء من يهواه * وهج النار إذ يضرم *
489 * له وجه شعاعي * حكى في الحسن بدر التم * * جنيت الورد من خديه * ذقت الشهد إذ يبسم * وسرد القوصي في معجمه شرح هذه القصيدة عقيب كل بيت وتوفي ضياء الدين المذكور سنة تسع وتسعين وخمسمائة بعد ما أضر رحمه الله وله تصانيف في العربية منها كتاب الإشارة في تسهيل العبارة والمعتصر من المختصر وتهذيب ذهن الواعي في إصلاح الرعية والراعي صنفه للملك صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين
490 ((حرف الصاد)) صاعد بن هبة الله بن توما النصراني من أهل بغداد كان من الأطباء المتميزين وكان طبيب نجاح الشرابي وأرتقت به الحال إلى أن صار وزيره وكاتبه ثم دخل على الخليفة الناصر وكان يشارك من يحضر من أطبائه أوقات أمراضه وحظي عنده وسلم إليه عدة جهات يخدم بها وقتل سنة عشرين وستمائة حضر إليه جماعة من الأجناد الذين كانت أرزاقهم تحت يده فخاطبهم ببعض ما فيه مكروه فكمن له اثنان منهم ليلا وقتلاه بالسكاكين وأمر الناصر بحمل ما في خزانته من الأموال إلى الخزانة وببقاء القماش والأملاك لولده وكان الذي حمل من خزانته ثمانمائة ألف وثلاثة عشر ألف دينار وبقي الأثاث والأملاك بما يقارب تتمة الألف ألف دينار وكان من ذوي المروات حسن الوساطة جميل المحضر قضيت على يده حاجات وقال ابن القفطي إن الإمام الناصر حصل له ضعف في بصره وسهو في بعض الأوقات لأحزان توالت على قلبه ولما عجز عن النظر في القصص استحضر امرأة من النساء تعرف بست نسيم وكان خطها قريبا من خطه وجعلها بين يديه تكتب الأجوبة في الرقاع وشاركها في ذلك الخادم تاج الدين
491 رشيق ثم تزايد الأمر بالناصر فصارت المرأة تكتب بما تراه فمرة تصيب ومرة تخطئ ويشاركها رشيق في ذلك فاتفق أن الوزير مؤيد الدين القمي كتب مطالعة فعاد جوابها وفيه اختلال بين فأنكر الوزير ذلك فعرفه صاعد المذكور ما الخليفة عليه من عدم البصر والسهو الطارئ عليه في أكثر أوقاته وما تعتمده المرأة والخادم في الأجوبة فتوقف الوزير عن العمل بأكثر الأمر وتحقق المرأة والخادم ذلك وحدثا أن الطيب هو الذي دل على ذلك فقرر الخادم مع رجلين من الجند أن يغتالا الحكيم ويقتلاه وكانت قتلته سنة عشرين وستمائة وأمسك قاتلاه وصلبا 197 صالح بن عبد القدوس صالح بن عبد القدوس استقدمه المهدي من دمشق قال المرزباني كان حكيم الشعر زنديقا متكلما يقدمه أصحابه في الجدال عن مذهبهم وقتله المهدي على الزندقة شيخا كبيرا في شهور سنة وهو القائل * ما تبلغ الأعداء من جاهل * ما يبلغ الجاهل من نفسه * قال أبو أحمد بن عدي صالح بن عبد القدوس بصري ممن كان يعظ الناس بالبصرة ويقص عليهم وله كلام حسن في الحكمة فأما في الحديث فليس بشيء كما قال ابن معين ولا أعرف له من الحديث إلا الشيء اليسير ومن شعره * يا صاح لو كرهت كفي منادمتي * لقلت إذ كرهت كفي لها بيني * * لا أبتغي وصل من لا يبتغي صلتي * ولا أبالي حبيا لا يباليني * وله * أنست بوحدتي ولزمت بيتي * فتم العز لي ونما السرور *
492 * وأدبني الزمان فليت أني * هجرت فلا أزار ولا أزور * * ولست بقائل ما دمت حيا * أقام الجند أم نزل الأمير * وقال * لا يعجبنك من يصون ثيابه * حذر الغبار وعرضه مبذول * * ولربما افتقر الفتى فرأيته * دنس الثياب وعرضه مغسول * وضربه المهدي بيده بالسيف فجعله نصفين وعلق ببغداد وقال أحمد بن عبد الرحمن رأيت ابن عبد القدوس في المنام ضاحكا فقلت له ما فعل الله بك وكيف نجوت مما كنت ترمي به قال إني وردت على رب ليس تخفى عليه خافية وإنه استقبلني برحمته وقال قد علمت براءتك مما كنت ترمي به رحمه الله 198 أبو البحر صفوان صفوان بن إدريس أبو بحر الكاتب البليغ كان من جلة الأدباء وأعيان الرؤساء فصيحا جليل القدر له رسائل بليغة وكان من الفضل والدين بمكان توفي وله سبع وثلاثون سنة رحمه الله تعالى ومن تصانيفه كتاب بداهة المتحفز وعجالة المتوفز وكتاب زاد المسافر الذي عارضه ابن الأبار بكتاب تحفة القادم ومات معتبطا ولم يبلغ الأربعين وتولى أبوه الصلاة عليه ومن شعره * يا حسنه والحسين بعض صفاته * والسحر مقصور على حركاته * * بدر لو أن البدر قيل له اقترح * أملا لقال أكون من هالاته *
493 * والخال ينقط في صحيفة خده * ما خط حبر الصدع من نوناته * * وإذا هلال الأفق قابل وجهه * أبصرته كالشكل في مرآته * * عبثت بقلب محبه لحظاته * يا رب لا تعتب على لحظاته * * ركب المآثم في انتهاب نفوسنا * فالله يجعلهن من حسناته * * ما زلت أخطب للزمان وصاله * حتى دنا والبعد من عاداته * * فغفرت ذنب الدهر منه بليلة * غطت على ما كان من زلاته * * غفل الرقيب فنلت منه نظرة * يا ليته لو دام في غفلاته * * ضاجعته والليل يذكي تحته * نارين من نفسي ومن وجناته * * بتنا نشعشع والعفاف نديمنا * خمرين من غزلي ومن كلماته * * حتى إذا ولع الكرى بجفونه * وامتد في غضدي طوع سناته * * أوثقته في ساعدي لأنه ظبي خشيت عليه من فلتأته * * فضممته ضم البخيل لماله * يحنو عليه من جميع جهاته * * عزم الغرام على في تقبيله * فنفضت أيدي الطوع من عزماته * * وأبى عفافي أن يقبل ثغره * والقلب مطوي على جمراته * * فأعجب لملتهب الجوانح غلة * يكشو الظما والماء في لهواته * وقال في قصيدة حكمتم زمنا لولا اعتدالكم * في حكمكم لم يكن في الحكم يعتدل * * فإنما أنتم في أنفه شمم * وإنما أنتم في طرفه كحل * منها * يرى اعتناق العوالي في الوغى غزلا * لأن خرصانها من فوقها مقل * وقال أيضا * أحمى الهوى قلبه وأوقد * فهو على أن يموت أو قد *
494 * وقال عنه العذول سال * قلده الله ما تقلد * * وباللوى شادن عليه * جيد غزال ووجه فرقد * * علله ريقه بخمر * حتى انثنى طرفه وعربد * * لا تعجبوا لانهزام صبري * فجيش أجفانه مؤيد * * أنا له كالذي تمنى * عبد نعم عبده وأزيد * * له على امتثال أمر * ولي عليه الجفاء والصد * * إن بسملت عينه لقتلي * صلى فؤادي على محمد * وعارضها شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري الآتي ذكره في حرف العين إن شاء الله تعالى بقصيدة بديعة وهي * ويلاه من غمضي المشرد * فيك ومن دمعي المردد * * يا بدر تم إذا تجلى * لم يبق عذرا لمن تجلد * * أبديت من حالي الموري * لما بدا خدك المورد * * رفقا بولهان مستهام * أقامه وجده وأقعده * * مجتهدا في رضاك عنه * وأنت في إثمه المقلد * * ليس له منزل بأرض * عنك ولا في السماء مصعد * * قيدته في الهوى فتمم * واكتب على قيده مخلد * * بان الصبا عنه فالتصابي * أنشأ أطرابه فأنشد * * من لي بطفل حديث سحر * بابل عن ناظريه يسند * * شتت عني نظام عقلي * تشتيت ثغر له منضد * * لو اهتدى لائمي عليه * ناح على نفسه وعدد * * أكسبني نشوة بطرف * سكرت من خمره فعربد * * لا سهم لي في سديد رأي * يحرس من سهمه المسدد * * غصن نقا حل عقد صبري * بلين خصر يكاد يعقد * * فمن رأى ذل الوشاح الصصائم * صلى علي محمد *
495 * خير نبي نبيه قدر * عودي إلى المدح فيه أحمد * ومن ههنا خلص إلى مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شعر صفوان * والسرحة الغناء قد قبضت بها * كف النسيم على لواء أخضر * * وكأن شكل الغيم منجل فضة * يرمي على الآفاق رطب الجوهر * وقال * وكأنما أغصانها أجيادها * قد قلدت بلآلئ الأنوار * * ما داءها نفس الصبا مستجديا * إلا رمت بدراهم الأزهار * وقال في مليح يرمي نارنجا في بركة * وشادن ذي غنج دله * يروقنا طورا وطورا يروغ * * يقذف بالنارنج في بركة * كلاطخ بالدم سرد الدروغ * * كأنها أكباد عشاقه * يقذفها في لج بحر الدموغ * وقال * أولع من طرفه بحتفي * هل يعجب السيف للقتيل * * تهيبوا بالحسام قتلي * فاخترعوا دعوة الرحيل *
496 ((حرف الضاد)) 199 وجيه الدين المناوي ضيا بن عبد الكريم وجيه الدين المناوي قال الشيخ العلامة أثير الدين أو حيان إنه كان عنده علم بالطب والأدب وكان أصم رأيته بالقاهرة وجالسته بالمشهد وأنشدني من شعره مقطعات فمن ذلك قوله * بروحي معبود الجمال فما له * شبيه ولا في حبه لي لائم * * تثنى فمات الغصن من حسد به * ألم تره ناحت عليه الحمائم * وله * لا غرو أن صاد قلبي * هذا الغزال الربيب * * أشراك جفنيه هدب * بها تصاد القلوب * * وفيه أوصاف حسن * يروق فيها النسيب * * فطرفه المتنبي * بالسحر وهو حبيب * وله أيضا * قربت كأس الراح من خده * أزف معطارا لمعطار * * قال لي الندمان هذا الذي * يسعى إلى الجنة بالنار * وله أيضا * سألت الغصن لم تعري شتاء * وتبدو في الربيع وأنت كاسي * * فقال لي الربيع على قدوم * خلعت على البشير به لباسي *
497 وقال * قد دبق القلب بدبوقة * وجن منها فهو مفتون * * واعجبا للحب من فعله * بشعرة قيد مجنون * وقال * جاء من لحظه بسحر مبين * بفتور من جفنه وفتون * * وثني قده الصبا في تثنيه * فوا خجلة القنا والغصون * * قمر بعت في هواه رشادي * بضلال ولست بالمغبون * * لا عجيب أني ضللت بليل الششعر * لكن تيهي بصبح الجبين * * فيه ما تشتهي النفوس من الحسن * وتلتذه لحاظ العيون * * سال دمعي إذ سال في خد من أهوى * عذار كالمسك للتزيين * * فعجبنا من سائلين غنى * بنضار وسائل مسكين * * ويك يا سعد ذر قديم حديث * عن أناس وخذ حديث شجون * * كل حسن الأنام دون الذي أهوى * وكل العشاق في الحب دوني * * قسما بالقدود مالت من التيه * وما في أغصانها من لين * * وسهام الألحاظ ترمي بها الأصداغ * عن قوس حاجب كالنون * * ودلال الحبيب والوصل والتيه * وحكم الهوى بها من يمين * * لا تناسيت بالملام عهودا * أحكمت عقدها عل يميني * * لو تناسيتها لضاق مجالي * في اعتذاري إلى وفاء ودين *
498 ((حرف الطاء * 200 أبو سعيد المستنجدي طاشتكين الأمير الكبير مجد الدين أبو سعيد المستنجدي ثم صار لولده المستضيء ولى إمرة ركب العراق سنين عديدة وولى الحلة المزيدية وولى تستر وخوزستان وكان سمحا كريما حسن السيرة وافر الحشمة شجاعا حليما وكان شيعيا وتوفي سنة اثنتين وستمائة وكان قليل الكلام يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم استغاث إليه رجل يوما فلم يكلمه فقال الرجل الله كلم موسى فقال له وأنت موسى فقال الرجل وأنت الله فقضى حاجته والتقاه رجل فاستغاث إليه من بوابه فلم يجبه فقال له الرجل أحمار أنت فقال طاشتكين لا قال ابن التعاويذي * وأمير على البلاد مولي * لا يجيب الشاكي بغير السكوت * * كلما زاد رفعة حطنا الله * بتغفيله إلى اليهموت * وقام يوما إلى الوضوء فحل حياصته وتركها موضعه وكانت تساوي خمسة آلاف دينار فسرقها فراش وهو يشاهده فقال أستاذ داره اجمعوا الفراشين وهاتوا المعاصير فقال طاشتكين لا تعاقب أحدا فإن الذي أخذها ما يردها والذي رآه ما يغمر عليه فلما كان بعد مدة رأى على ذلك الفراش ثيابا جميلة وبزة ظاهرة فاستدعاه سرا وقال بحياتي هذا من تلك فخجل فقال لا بأس عليك فاعترف فلم يعارضه وكان طاشتكين قد جاوز تسعين سنة فاستأجر أرضا وقفا مدة ثلاثمائة سنة على جانب دجلة ليعمرها دارا وكان في بغداد رجل محدث في الحلق يسمى فتيحة فقال يا أصحابنا نهنيكم مات ملك الموت فقالوا وكيف
499 ذلك فقال طاشتكين عمره تسعون سنة وقد استأجر أرضا ثلاثمائة سنة فلو لم يعلم أن ملك الموت قد مات ما فعل هذا فتضاحكوا الناس وتوفي بتستر وأمر أن يحمل إلى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عن ويدفن هناك 201 جمال الدين الغربلي طه بن إبراهيم بن أبي بكر الشيخ جمال الدين أبو محمد الإربلي الفقيه الشافعي ولد بإربل سنة بضع وتسعين وخمسمائة وقدم مصر شابا وسمع محمد بن عمار وغيره وحمل الناس عنه وله شعر وروي عنه الدمياطي والدواداري وغيرهم وتوفي سنة تسع وسبعين وستمائة وقد جاوز الثمانين رحمه الله ومن شعره * البيض أقتل في الحشا * وانهض بعزم صحيح أيها الملك * * إن النبي وأصحاب النبي نهوا * عن النجوم وقد عاينت ما ملكوا * 202 البديع الدمشقي طراد بن علي بن عبد العزيز أبو فراس السلمي الدمشقي الكاتب المعروف بالبديع مات متوليا بمصر سنة أربع وعشرين وخمسمائة وكان آية في النظم والنثر
500 قال السلفي علقت عنه شعرا ومدح تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان ومن شعره قصيدة مدح بها الوزير أبا الليث فأجازه ألف دينار أولها * من كان يغرب في القريض ويبدع * فلذا المكان من القوافي موضع * ومن شعره * يا نسيما هب مسكا عبقا * هذه أنفاس ريا جلقا * * كف عني والهوى ما زادني * برد أنفاسك إلا حرقا * * ليت شعري نقضوا أحبابنا * يا حبيب النفس ذاك الموثقا * * يا رياح الشوق سوقي نحوهم * عارضا من سحب عيني غدقا * * وانثري عقد دموع طالما * كان منظوما بأيام اللقا * واشتهرت هذه الأبيات وغني بها المعنون قال بعضهم مررت يوما ببعض شوارع القاهرة وقد ظهرت جمال كثيرة حمولها تفاح من الشام فعبقت روائح تلك الحمول فأكثرت التلفت لها وكانت أمامي امرأة سائرة ففطنت لما داخلني من الإعجاب بتلك الرائحة فأومأت إلى وقالت * هذه أنفاس ريا جلقا * ومن شعره * هكذا في حبكم أستوجب * كبد حرى وقلب يجب * * وجزا من سهرت أجفانه * حجة تمضي وأخرى تعقب * * زفرات فيالحشا محرقة * وجفون دمعها ينسكب * * قاتل الله عذولي ما درى * أن في الأعين أسدا تثب * * لا أرى لي عن حبيبي سلوة * فدعوني وغرامي واذهبوا * وقال وقد جلس في أخر مجلس * قيل لي لم جلست في آخر القوم * فأنت البديع رب القوافي * * قلت إخترته لأن المناديل * يرى طرزها على الأطراف *
501 وقال من قصيدة يمدح بها أبا النصر بن النصر قاضي الصعيد * هل البين أيضا مغرم يعشق البانا * فيأخذ قضبانا ويدفع نيرانا * * أيا عاذلي اللاحيين صدعتما * فؤادا بأنواع الكآبة ملآنا * * أيجمل بالسالي يفند عاشقا * أيحسن بالصاحي يعاتب سكرانا * * فراق الفتى أحبابه مثل موته * فليت الردى من قبل فرقتهم كانا * * أيا دهر لا تسفك دمي إن ناصري * أبو النصر فاعلم أنه دم عثمانا * وقال فيه * حاكمكم بهيمة * ليست تساوى العلفا * * وليس فيه مضغة * طيبة إلا القفا * فأمر القاضي بشجنه فقال * أصبحت بين مصائب * من كيد ذات حر سمين * * أنا يوسف أمرت بسجني * زوجة القاضي المكين * 203 أبو المعالي الواعظ طغرل شاه بن محمد بن السين بن هاشم الكاشغري أبو المعالي بن أبي جعفر الواعظ من أهل هراة سمع جماعة وكان له معرفة بالتفسير والأدب وكان حسن الوعظ كثير المحفوظ جوالا في البلاد ومولده سنة تسعين وأربعمائة وتوفي سنة ستين وخمسمائة رحمه الله ومن شعره * خطرات ذكرك تستثير مودتي * فأحس منها في الفؤاد دبيبا * * لا عضو لي إلا وفيه محبة * فكأن أعضائي خلقن قلوبا *
502 204 طلحة الطلحات طلحة بن عبد الله بن خلف أبو المطرف الخزاعي المعروف بطلحة الطلحات أحد الأجواد الأسخياء المفضلين المشهورين كان أجود أهل البصرة في زمانه سمع عثمان بن عفان وكان أبوه مع عائشة يوم الجمل وكان أبوه كاتب عمر بن الخطاب بالمدينة قال الأصمعي المعروفون بالكرم طلحة بن عبد الله بن عثمان التيمي وطلحة بن عمرو بن عبيد الله بن معمر التيمي وهو طلحة الجود وطلحة بن الندى وطلحة بن الحسين بن علي وهو طلحة الخير وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي وهو طلحة الطلحات وسمى بذلك لأنه كان أجودهم وقال ابن دريد إن أم طلحة ابنة الحارث بن طلحة بن أبي طلحة العبدري فلذلك سمى طلحة الطلحات دخل كثير عزة عليه عائدا فقعد عند رأسه فلم يكمله لشدة ما به فأكثر كثير الثناء عليه ففتح طلحة عينه وقال ويحك يا كثر ما تقول فقال * يا بن الذوائب من خزاعة والذي * لبس المكارم واغتدى ببجاد * * حلت بساحتك الوفود من الورى * فكأنما كانوا على ميعاد *
503 * لتعود سيدنا وسيد غيرنا * ليت التشكي كان بالعود * فاستوى جالسا وأمر له بعطية سنية وقال هي لك في كل سنة إن عشت وكان طلحة الطلحات هذا أمويا وكان بنو أمية يكرمونه وفي سنة ثلاث وستين بعث زياد بن مسلم طلحة الطلحات واليا على سجستان وبها توفي بعد قليل ولذلك قال الشاعر * رحم الله أعظما دفنوها * بسجستان طلحة الطلحات * 205 طلحة النعماني طلحة بن محمد بن طلحة النعماني أبو محمد من أهل النعمانية كان فاضلا عارفا باللغة والأدب والشعر ورد إلى بغداد وخرج منها إلى خراسان وأقام ببلادها مدة قال ياقوت في معجم الأدباء سمعت أبا عمرو عثمان بن البقال بخوارزم يقول كنت أنا والشيخ أبو محمد طلحة نمشي ذات يوم في السوق فاستقبلنا عجلة عليها حمار ميت يحمله الدباغون إلى الصحراء ليسلخوا جلده فقلت أنا * يا حاملا صرت محمولا على عجلة * وافاك موتك منتابا على عجلة * ومضيت على ذلك أيام قلائل فلقيني السيد أبو القاسم الفخر بن محمد الزيدي فحكيت له هذه القصة ففكر ساعة وقال * والموت لا تتخطى الحي رميته * ولو تباطأ عنه الحي أزعج له *
504 * ألقت قناع الحسن بعد شماس * ورنت بنائرتي مهاة كناس * * عبث الدلال بعطفها فتمايلت * عبث النسيم بناعم مياس * * فرأيت غصن البان يثنيه الصبا * من فوق حفق الرملة الميعاس * منها في المديح * الجاعل الأموال جنة عرضه * والمستعان به على الإفلاس * * عرفت فضائله بعرف نجاره * والزند يعرف من سنا المقباس * وأورد له محب الدين بن النجار في تاريخه * صد بعد اللقا وأبدي القطيعه * من غدا قلب كل صبمطيعه * * شادن مقلتاه غربا حسام * جفنه الجفر والحجاج القبيعه * * كل وقت تبدي اللواحظ منه * غارة في القلوب جد فظيعه * * كم أسالت من جفن صب محب * حين أصمته دمعه ونجيعه * * خدعة حربه تراه إذا رام * قلوب العشاق أبدي الخديعه * * أظمأ الخصر منه ردف ثقيل * ضامن أن يذيبه ويجيعه * * لفع الحسن وجهه وكساه * حلة زان وشيها تلفيعه * * كم نهيت الدموع في ساعة التوديع * أن تظهرالهوى وتذيعه * * كان يدني الخيال والليل قد جرر * إلى الصبح قطعه وهزيعه * * يا بديع الجمال في كل يوم * فعلة منك بالقلوب بديعه * * تنفث السحر إن نظرت بطرف * لا يداوى الدرياق عجز اللسيعه * * أقسمت مقلتاك بالغنج منها * أنها لا تقيل قط صريعه * * رب ليل قطعته بك لهوا * آمنا من تفرق وقطيعه * * غار بدر السماء لما رآني * لاثما شبه وجهه وضجيعه * قال العماد الكاتب ورد طلحة هذا إلى البصرة في زمان الحريري صاحب
505 المقامات وكتب إليه رسالته السينية نظما ونثرا وكانت وفاته بعد العشرين والخمسمائة رحمه الله تعالى وإيانا 206 طويس المغنى طويس بن عبد الله أبو المنعم المدني المغنى يضرب به المثل في الحذق بالغناء وكان أحول مفرطا في الطول ويضرب به المثل في الشؤم لأنه ولد يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفطم يوم وفاة أبي بكر رضي الله عنه وختن يوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتزوج يوم مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وولد له يوم مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكانت وفاة طويس سنة اثنتين وتسعين للهجرة وهو أول من غني في الإسلام بالمدينة وأول من هزج الأهزاج ولم يكن يضرب بالعود بل كان ينقر بالدف المربع وكان يسمع الغناء من سبي فارس والروم فتعلم منهم وكان يضحك الثكلى لحلاوة لسانه وظرفه وكان مخنثا فأسقطه خنثه عن طبقة المغنين الفحول وأول صوت غني به في الإسلام صوت غني به طويس على عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو * كيف يأتي من بعيد * وهو يخفيه القريب * * نازح بالشام عنا * وهو مكسال هيوب * * قد براني الحب حتى * كدت من وجدي أذوب * وكان من شؤمه يقول يا أهل المدينة ما دمت بين أطهركم فتوقعوا خروج الدابة والدجال وإن مت فأنتم آمنون حكى أبو الحسن المدائني قال صعد طويس يوما على جبل حراء فأعيا وسقط كالمغشى عليه تعبا فقال يا جبل ما أصنع بك أشتمك لا تبالي أضربك ما يوجعك ولكن يا شماتتي بك يوم تبقى كالعهن المنفوش
506 ((حرف الظاء)) 207 شرف الدين بن هبيرة ظفر بن يحيى بن محمد بن هبيرة أبو البدر بن الوزير أبي المظفر عون الدين ابن هبيرة كان يلقب شرف الدين ناب عن والده في الوزارة وكان شابا ظريفا نظيفا أديبا فاضلا ينظم الشعر امتحن بالحبس أيام والده سنين بقلعة تكريت ثم خلص ولما توفي الوزير اتصل بالخليفة أنه عزم على الخروج من بغداد مختفيا فقبض عليه وحبسه ولم يزل إلى سنة اثنتين وستين وخمسمائة فخرج من الحبس ميتا ودفن عند أبيه رحمه الله ومن شعره * طل دم بالعتاب مطلوب * وطاح دمعه في الركب مسكوب * * وذل قلب أمسي الغرام به * وهو بأيدي الغواة منهوب * * يركب في طاعة الهوى خطرا * تضرم من دونه الأنابيب * * إذا أدلهم الدجى أضاء له * من زفرات الضلوع ألهوب * * لا موعد مطمع ولا أمل * ولا لقاء في العمر محسوب * * مقتنعا من وصاله بمني * أصدق ما عندها الأكاذيب * * ما بعد دمعي دمع يراق ولا * فوق عذابي لديك تعذيب * * لم يبق للناصحين من أمل * في ولا للعذال تأنيب * وقال * أضاءت له بالأبرقين بروق * نواقل منها كاذب ومشوق * * يذعن لنا من أهل وجرة ريبة * يخف إليها السمع وهو مفروق * * وما كل مطوي من السر منكر * ولا كل منشور الحديث يروق *
507 * أبارق ذاك الشعب هل أضمر النوى * تفرقهم أم ضمهن وسيق * * وهل حرجات الحي بدلن أدمعا * عن السحب لم ترقع لهن خروق * * لعمرك ما البرق اليماني وامق * ولا ذلك الشعب الرحيب مشوق * * وهل تزع الأشجان خفقة لامع * وقد علقت بالجانحات علوق * * لي الله يوما بالثنية أشرفت * علينا بأقصى أرض وجرة نوق * * إذا حثحث الحادي بهن أطعنه * جوافل أدنى سيرهن عنيق * * كأن توالي الظعن والآل دونها * سفين بمستن الفرات غريق * * إذا أفلتت شمس الأصيل بدت لنا * شموس لها فوق الخدود شروق * وقال يعارض مهيارا الديلمي في قوله * بكر العارض تحدوه النعامي * فسقيت الري يا دار أماما * فقال * أخلف الغيث مواعيد الخزامي * فقف الأنضاء تستسق الغماما * * وخذ اليمنة من أعلى الحمى * تلق بالغور جميما وجماما * * وأبحني ساعة من عمري * أملأ الدار شكاة وسلاما * * ا صف الأشواق في تلك الربى * وأعاطي الترب سوفا والتثاما * * أي حلم خف في حبهم * وعقول رفضت فيه الملاما * * ودموع كلما كفكفها * زاجر العذل أبت إلا انسجاما * * يا ولاة الغدر ما دينكم * أحرام فيه أن تقضوا الذماما * * قد رضينا إن رضيتم بالأذى * وعزيز بعزيز أن يضاما * * خطرت بي يا زميلي سحرا * نسمة أحسبها ريح أماما * * خطرت والعين تقري طيفها * والكرى يمزج للركب المداما * * فأرجع الطرف وقل لي في خفا * اهضابا تتراءى أم خياما * * ما صنيعي بمهاة كلما * زودتني لثمة زدت أواما *
508 * أهيام أم لظى في كبدي * لفحت حتى انثنى الظلم ضراما * * ليس إلا فرط وجدي بهم * ظعن العاذل عني أم أقاما * * أنا من أسر الهوى في ربقة * حكمت للحر فيها أن يساما *
509 ((حرف العين)) 208 المعتضد عباد عباد بن إسماعيل بن عباد المعتضد أبو عمرو صاحب إشبيلية وابن قاضيها أبو القاسم لما توفي أبوه تولى المعتضد بعده وهو أبو المعتمد وكان شهما صارما وخوطب بأمير المؤمنين دانت له الملوك اتخذ خشبا في قصره جللها برءوس ملوك وأعيان ومقدمين وكان يشبه بأبي جعفر المنصور وكان ابنه ولى عهده إسماعيل قد هم بقبضه فلم يتم له ذلك وضرب أبوه عنقه وطالت أيامه إلى أن توفي شهر رجب سنة أربع وستين وأربعمائة يقال إن ملك الإفرنج سمه في ثياب بعثها إليه قال فيه الحجاري وهذا الرؤوف العطوف الدمث الأخلاق الألوف ما مات حتى قبض أرواح ندمائه وخواصه بيده ولم يكلهم إلى غيره ولم يحوجهم إلى أحد بعده فجزى عنهم بما هو أهله وكان قد عرف منه ذلك واشتهر فصار الأدباء يتحامونه ولما وفد أبو عبد الله ابن شرف القيرواني على الأندلس تطلعت إليه همم ملوكها لبعد صيته فكان ممن استدعاه المعتضد بن عباد وكان ابن شرف قد امتلأت مسامعه من أخباره الشنيعة فجاوبه بقوله * أأنت صيدت غيري صيد طائرة * أوسعتها الحب حتى ضمها القفص * * حسبتني فرصة أخرى ظفرت بها * هيهات ما كل حين تمكن الفرص * * لك الموائد للقصاد مترعة * تروي وتشبع لكن بعدها الغصص * ومن شنيع ما روى عنه أن غلاما دون البلوغ دخل عليه بغير استئذان فقطع
510 رأسه فسمع جارية تقول والله القبر أحسن من سكني هذا القصر فقال والله لأبلغنك ما طلبتيه وأمر بها فدفنت حية وتعجب الناس من وزيره ابن زيدون كيف انفرد بالسلامة منه فقال كنت كمن يمسك بأذني الأسد يتقي سطوته تركه أو أمسكه وفيه يقول عند موته * لقد سرنا أن الجحيم موكل * بطاغية قد حم منه حمام * * تجانب صوب المزن عن ذلك الصدى * ومر عليه الغيث وهو جهام * وللمعتضد شعر مدون فمنه * كأنما ياسميننا الغض * كواكب في السماء تنقض * * والطرق الحمر في جوانبه * كخد عذراء مسه عض * ومنه * إشرب على وجه الصباح * وانظر إلى نور الأقاحي * * واعلم بأنك جاهل * إن لم تقل بالإصطباح * * والدهر شيء بارد * إن لم تسخنه براح * ومنه * شربنا وجفن الليل يغسل كحله * بماء صباح والنسيم رقيق * * معتقة صفراء أما نجارها * فضخم وأما جرمها فرقيق * 209 عبادة بن ماء السماء عبادة بن عبد الله بن ماء السماء شاعر الأندلس ورأس الشعراء في الدولة العامرية توفي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وقيل سنة تسع عشرة
511 قال ابن بسام في الذخيرة كان في ذلك العصر شيخ الصناعة وأحكم الجماعة سلك إلى الشعر مسلكا سهلا فقالت غرائبه مرحبا وأهلا وكانت صنعة التوشيح التي نهج أهل الأندلس طريقتها ووضحوا حقيقتها غير مرقومة البرود ولا منظومة العقود فأقام عبادة هذا منآدها وقوم ميلها وسنادها فكأنها لم تسمع بالأندلس إلا منه ولا أخذت إلا عنه واشتهر بها اشتهارا غلب على ذاته وذهب بكثير من حسناته وأول من صنع أوزان هذه الموشحات محمد بن محمود القبري الضرير وقيل إن ابن عبد ربه صاحب العقد أول من سبق إلى هذا النوع من الموشحات ثم نشأ يوسف بن هارون الرمادي ثم نشأ عبادة هذا فأحدث التضفير وذلك أنه اعتمد مواضع الوقف في المراكز ومن شعر عبادة المذكور * لا تشكون إذا عثرت * إلى صديقك سوء حالك * * فيريك أنواعا من الإذلال * لم تخطر ببالك * * إياك أن تدري يمينك * ما يدور على شمالك * * واصبر على نوب الزمان * وإن رمت بك في المهالك * * وإلى الذي أغني وأقني * اضرع وسله صلاح حالك * وقال * أجل المدامة فهي خير عروس * تجلو كروب النفس بالتنفيس * * واستغنم اللذات في عهد الصبا * وأوانه لا عطر بعد عروس *
512 وقال * وهل ترى أحسن من أكؤس * يقبل الثغر عليها اليدا * * يقول لي الساقي أغثني بها * وخذ لجينا وأعد عسجدا * * أغرق فيها الهم لكن طفا * حبابه من فوقها مزبدا * وقال * دارت دوائر صدغه فكأنما * حامت على تقبيل نقطة خاله * * رشأ توحش من ملاقاة الورى * حتى توحش من لقاء خياله * * فلذاك صار خياله لي زائرا * إذ كنت في الهجران من أشكاله * * ولقد هممت به ورمت حرامه * فحماني الإجلال دون حلاله * وقال * إشرب فعهد الشباب مغتنم * وفرصة في فواتها ندم * * وعاطنيها من كف ذي غيد * ألحاظه في النفوس تحتكم * * كأنها صارم الأمير وقد * خضب حديه من عداه دم * ومن موشحات عبادة المذكور * من ولى في أمه أمرا ولم * يعزل إلا لحاظ الرشأ الأكحل * * جرت في * حكمك في قتلي يا مسرف * * فانصف * فواجب أن ينصف المنصف * * وارأف * فإن هذا الشوق لا يرأف * * علل قلبي بذاك البارد السلسل * ينجلي ما بفؤادي من جوى مشعل * * إنما * تبرز كي توقد نار الفتن * * صنما * مصورا في كل شيء حسن * * إن رمي * لم يخط من دون القلوب الجنن * * كيف لي تخلص من سهمك المرسل * فصل واستبقني حي ا ولا تقتل *
513 * يا سنا * الشمس ويا أبهى من الكوكب * * يا منى * النفس ويا سؤلي ويا مطلبي * * ها أنا * حل بأعدائك ما حل بي * * عذلي من ألم الهجران في معزل * والخلي في الحب لا يسأل عمن بلي * * أنت قد * صيرت بالحسن من الرشد غي * * لم أجد * في طرقي حب ك ذنبا علي * * فاتئد * وإن تشأ قتلي شيئا فشيء * * أجمل ووالني منك يد المفضل * فهي لي من حسنات الزمن المقبل * * ما اغتذى * طرفي إلا بسنا ناظريك * * وكذا * في الحب ما بي ليس يخفي عليك * * ولذا * أنشد والقلب رهين لديك * * يا علي سلطت جفنيك على مقتلي * فابق لي قلبي وجد بالفضل يا موئلي * وله أيضا * حب المها عباده * من كل بسام السراري * * قمر يطلع من حسن * آفاق الكمال حسنه الأبدع * * لله ذات حسن * مليحة المحيا * * لها قوام غصن * وشنفها الثريا * * والثغر حب مزن * رضابه الحميا * * من رشفه سعاده * كأنه صرف العقار * * جوهر رصع يسقيك من * حلو الزلال طيب المشرع * * رشيقة المعاطف * كالغصن في القوام * * شهدية المراشف * كالدر في نظام * * دعصية الروادف * والخصر ذو انهضام * * جوالة القلاده * محلولة عقد الإزار * * حسنها أبدع من حسن * ذياك الغزال أكحل المدمع * * ليلية الذوائب * ووجهها نهار * * مصقولة الترائب * ورشفها عقار *
514 * أصداغها عقارب * والخد جلنار * * ناديت وافؤاده * من غادة ذات اقتدار * * لحظها أقطع من حد مصقولة * النصال من الفتى الأشجع * * سفرجل النهود * في مرمر الصدور * * يزهي على العقود * من لذة النحور * * ومقلة وجيد * من غادة سفور * * حبي لها عباده * أعوذ من ذاك الفخار * * برشا يرتع في روض أزهار * الجمال كلما أينع * * عفيفة الذيول * نقية الثياب * * سلابة العقول * أرق من شراب * * أضحى بها نحولي * في الحب من عذابي * * في النوم لي شراده * أو حكمها حكم اقتدار * * كلما أمنع منها فإن * طيف الخيال زارني أهجع * وكانت وفاة عبادة بمالقة في التاريخ المذكور ضاعت له مائة مثقال ذهبا فاغتم لذلك ومات رحمه الله تعالى 210 عبادة المخنث عبادة بتشديد الباء وفتح العين المخنث كان صاحب نوادر ومجون كان ببغداد وتوفي في حدود الخمسين ومائتين دخل على المأمون وقد امتحن الناس بخلق القرآن فقال يا أمير
515 المؤمنين يعظم الله أجرك قال فيمن قال في القرآن فمن بقي يصلي
516 بالناس التراويح فقال ويحك القرآن يموت فقال أليس قال أمير المؤمنين إنه مخلوق فقال أخرجوه عني قبحه الله تعالى ولما قتل المتوكل كان حاضرا فلما هجموا على المتوكل وهو على شرابه وقطعوه بالسيف قام الفتح بن خاقان وألقى نفسه عليه وقال يا أمير المؤمنين لا حياة لي بعدك فقطعوه بالسيف أيضا فلما رأى ذلك عبادة انزوي وقال يا أمير المؤمنين إلا أنا إن لي بعدك أدوارا وأنزالا أشربها فضحكوا منه وتركوه 211 ابن المؤدب عبد الله بن إبراهيم بن مثنى الطوسي المعروف بابن المؤدب أصله من المهدية وكان شاعرا مذكورا مشهورا قليل الشعر مفرطا في الحب الغلمان مجاهرا بذلك بعيد الغور ذا حيلة ومكيدة مغري بالسياحة والكيمياء والأحجار معسرا مقترا عليه متلافا إذا أفاد خرج مرة يريد صقلية فأسره الروم وأقام عندهم مدة إلى أن هادن ثقة الدولة ملك الروم وبعث إليه بالأسرى وكان المؤدب من جملتهم فمدح ثقة الدولة ورام صلته فلم يصله بما أرضاه فتكلم فيه فبلغ ذلك ثقة الدولة فطلبه فاختفى وطالت المدة فخرج وهو سكران بعض الليالي ليشتري بقلا فما شعر إلا وقد قيد وحمل إلى بين يدي ثقة الدولة فقال له ما الذي بلغني عنك قال للحال يا سيدنا قال من الذي يقول والحر ممتحن بأولاد الزنا
517 قال الذي يقول وعداوة الشعراء بئس المقتني فتنمر ساعة ثم أمر له بمائة رباعي وأمر بإخراجه من المدينة كراهية أن تقوم عليه نفسه فيعاقيه فخرج ثم مدح ثقة الدولة بقصيدة منها * أبيت أراعي النجم في دار غربة * وفي القلب مني نار حزن مضرم * * أرى كل نجم في السماء محله * ونجمي أراه في النجوم المنجم * * سأحمل نفسي في لظى الحرب جملة * تبلغها من خطبها كل معطم * * فإن سلمت عاشت بعز وإن تمت * إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم * وقال وهو في الأسر * لا يذكر الله قوما * حللت فيهم بخير * * جاهدت بالسيف جهدي * حتى أسرت وغيري * * والآن لست أطيق الجهاد * إلا بأيرى * * فهات من شئت منهم * لو كان صاحب دير * وكان صديقا لعبد الله بن رشيق وهو يؤدب بعض أولاد تجار القيروان وكان حسنا وكان ابن المؤدب يزوره فعلق بالغلام وخرج ابن رشيق للحج فكلما أتى بمعلم لم يقم عنده إلا أسبوعا ويدعي الغلام أنه راوده فذكر ابن المؤدب لوالده فأحضره فما كان إلا ساعة جلوسه في المسجد ودخول الغلام إليه فأغلق باب الصحن وقام فبلغ أربه منه وخرج الغلام إلى أبيه مبادرا فأخبره فقال أبوه الآن تقرر عندي أنك كاذب وكذبت على من كان قبله وصرفه إلى المكتب فأقام على تلك الحال مدة طويلة وقال * وظبي أنيس عالجته حبائلي * فغادرنه قبل الوثوق صريعا * * وكان رجال حاولوه ففاتهم * سباقا ولكني خلقت سريعا * * فتكت به إن شاء في بيت ربه * وإن لم يشأ مستصعبا ومطيعا * * ليعلم أهل القيروان بأنني * إذا رمت أمرا لم أجده منيعا *
518 * فيا لغزال ألجأته كلابه * إلى أسد ضار وصادف جوعا * وكان قد اشتهر في محبة غلام علمه فتذمم أبوه أن يقتله جهارا وخرجوا يتصيدون فأمر من حل حزام دابته سرا وتبعوه طردا فسقط وانكسرت فخذه حتى ظهر مخه وعظمه ومات سنة أربع عشرة وأربعمائة 212 ابن الخشاب عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب أبو محمد ابن الكرم النحوي كان أعلم أهل زمانه بالنحو حتى يقال إنه كان في درجة أبي على الفارسي 213 القائم بأمر الله عبد الله بن أحمد أمير المؤمنين أبو جعفر القائم بأمر الله بن القادر بالله ولد في نصف ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وبويع بالخلافة بمدينة السلام يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وكان أمره مستقيما إلى أن خرج البساسيري وقصته مشهورة وتوفي القائم ليلة الخميس ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة فكانت دولته خمسا وأربعين سنة وبويع بعده المقتدي وكان القائم كثير الحلم والحياء فصيح اللسان أديبا خطيبا شاعرا تقلبت به الأحوال ورأى العجائب وفي أيامه انقرضت دولة الديلم من بغداد بعد طول مدتها وقامت دولة السلجوقية وكان آخرهم الملك الرحيم من ولد عضد الدولة دخل عليه بغداد طغرل بك السلجوقي وهو أول السلجوقية فقبض
519 عليه وقيده فقال له الملك الرحيم ارحمني أيها السلطان فقال له لا يرحمك من نازعته في اسمه المختص به مشيرا إلى الله تعالى فبلغ ذلك القائم فقال قد كنت نهيته عن هذا الاسم فأبي إلا لجاجا أورده عاقبة سوء اختياره وخلصه طغرل بك من حبسه أعني القائم بأمر الله وأعاده إلى دار خلافته ومشى طغرل بك بين يديه إلى أن وصل عتبة باب النوبي فقبلها شكرا لله تعالى وصارت سنة بعده ومن شعره * يا أكرم الأكرمين العفو عن غرق * في السيئات له ورد وإصدار * * هانت عليه معاصيه التي عظمت * علما بأنك للعاصين غفار * * فامنن على وسامحني وخذ بيدى * يا من له العفو والجنات والنار * وله * سهرنا على سنة العاشقين * وقلنا لما يكره الله نم * * وما خيفتي من ظهور الورى * إذا كان رب الورى قد علم * وله * قالوا الرحيل فأنشبت اظفارها * في خدها وقد اعتلقن خضابا * * فاخضر تحت بنانها فكأنما * غرست بأرض بنفسج عنابا * وله * جمعت على من الغرام عجائب * خلفن قلبي في إسار موحش * * خل يصد وعاذل متنصح * ومعارض يؤذي ونمام يشي * 214 موفق الدين بن قدامه عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن قدامة بن مقدم بن نصر شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب
520 التصانيف ولد بجماعيل في شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وتوفي سنة عشرين وستمائة وهاجر فيمن هاجر مع أبيه وأخيه وحفظ القرآن واشتغل في صغره وارتحل إلى بغداد صحبة ابن خالته الحافظ عبد الغني وسمع بالبلاد من المشايخ وكان إماما حجة مصنفا متفننا محررا متبحرا في العلوم كبير القدر ومن تصانيفه البرهان جزءان مسألة العلو جزءان الاعتقاد جزء ذم التأويل جزء المتحابين في الله تعالى جزءان فضل عاشوراء جزء فضائل العشر ذم الوسواس مشيخته جزء ضخم وصنف المغنى في الفقه في عشر مجلدات والكافي أربع مجلدات والمقنع والعمدة مجلد لطيف والتوابين مجلد صغير والرقة والبكاء مجلد صغير مختصر الهداية مجلد كتاب قنعة الأريب في الغريب مجلد الروضة في أصول الفقه مجلد مختصر العلل للخلال مجلد ضخم وكان إماما في علم الخلاف والفرائض والأصول والفقه والنحو والحساب والنجوم السيارة والمنازل واشتغل الناس عليه مدة بالخرقي والهداية واشتغلوا عليه بتصانيفه وطول الشيخ شمس الدين ترجمته في سبع ورقات رحمهما الله تعالى وإيانا 215 ابن البيطار عبد الله بن أحمد الحكيم العلامة ضياء الدين ابن البيطار الأندلسي المالقي النباتي الطبيب مصنف كتاب الأدوية المفردة ولم يصنف مثله وكان ثقة فيما ينقله حجة وإليه انتهت معرفة النبات وتحقيقه وصفاته وأسماؤه وأماكن لا يجاري
521 في ذلك سافر إلى بلاد الأغارقة وأقصى بلاد الروم وأخذ فن النبات عن جماعة وكان ذكيا فطنا قال الموفق بن أبي أصيبعة شاهدت معه كثيرا من النبات في أماكنه بظاهر دمشق وقرأت عليه تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدوس فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته شيئا كثيرا وكان لا يذكر دواء إلا ويعين في أي مكان هو من كتاب ديسقوريدوس وجالينوس وفي أي عدد هو من الأدوية المذكورة في تلك المقالة وكان في خدمة الملك الكامل وكان يعتمد عليه في الأدوية المفردة والحشائش وجعله مقدما في أيامه حظيا عنده وتوفي بدمشق في شعبان سنة ست وأربعين وستمائة وكان بمصر رئيسا على سائر العشابين وأصحاب البسطات ثم إنه خدم بعد الكامل الصالح وحظي عنده وله كتاب المغني في الطب وهو مجيد مرتب على مداواة الأعضاء وكتاب الأفعال الغربية والخواص العجيبة والإبانة والإعلام على ما في المنهاج من الخلل والأوهام وكتاب الأدوية المفردة رحمه الله تعالى 216 تقي الدين بن تمام الحنبلي عبد الله بن أحمد بن تمام الشيخ الإمام الأديب تقي الدين الصالحي الحنبلي أخو الشيخ القدوة محمد بن تمام الآتي ذكره إن شاء الله تعالى كان فاضلا زاهدا ورعا معرضا عما أغرى به الناس من الرياسة وكان حسن البزة مع الزهد والقناعة خيرا نزها محبوبا إلى الفضلاء مليح المحاسن حسن العشرة سمع من ابن قميرة والمرسي والبلداني وله أشعار رائقة وترسل وكان بينه وبين الشهاب محمود أنس عظيم واتحاد كثير كتب إليه الشهاب محمود رحمه الله تعالى من الديار المصرية وأرسلها إليه إلى جبل الصالحية * هل عند من عندهم برئي وإسقامي * علم بأن نواهم أصل آلامي *
522 * وأن قلبي وجفني بعد بعدهم * ذا دائم وجده فيهم وذا دامي * * بانوا فبان رقادي يوم بينهم * فلست أطمع من طيف بإلمام * * كتمت شأن الهوى يوم النوى فنما * بسره من جفوني أي نمام * * كانت ليالي بيضا في دنوهم * فلا تسل بعدهم عن حال أيامي * * ضنيت وجدا بهم والناس تحسب بي * سقما فأبهم حالي عند لوامي * * وليس أصل ضني جسمي النحيل سوى * فرط اشتياقي إلى لقيا ابن تمام * * مولى متى أخل من برء برؤيته * خلوت منه بأشجان وأسقام * * نأى ورؤيته عندي أحب إلى * قلبي من الماء عند الحائم الظامي * * وصد عني ولم يسأل بجفوته * عن هائم دمعه من بعده هامي * * يا ليت شعري ألم يبلغه أن له * أخا بمصر ضعيف الجسم مذ عام * * ما كان ظني هذا في مودته * ولا الحديث كذا عن ساكن الشام * * يا غائبا داره قلبي ولو هجعت * عيني لأدنته مني رسل أحلامي * * أصبحت بعد اشتطاطي في الحقبقة من * لقياك أخدع آمالي بأوهام * * هذا ولم يبق لي في لذة أرب * إلا اجتماعي بأصحابي وألزامي * * وإن هم خلفوني مفردا ونأوا * وافيت أسهر أجفاني لنوام * * وأين نيل مرامي من لقائهم * ضاق الزمان وهيا سهمه الرامي * * ولت بشاشة أيامي فلو عرضت * علي أعرضت عنها غير مستام * * هل بعد سبعين لي إلا التأهب من * أجل الرحيل بإسراج وإلجام * * ألناس يرجون ما قد قدموا لغد * والخوف من سوء ما قدمت قدامي * * ولست أرجو سوى عفو الإله وأن * ألقى السلامة في الأخرى بإسلامي * * بلى وحب الذي أرجوه يشفع لي * غدا إذا جئته أسعى بآثامي * * فاذكر أخاك بظهر الغيب وادع له * فأنت في نفسه من خير أقوام * * لعل يجمعنا في دار رحمته * من عفوه فوق إسرافي وإجرامي * * عليك منى سلام الله ما ابتسمت * أزاهر الروض من دمع الحيا الهامي * فأجابه الشيخ تقي الدين رحمهما الله تعالى * يا ساكني مصر فيكم ساكن الشام * يكابد الشوق من عام إلى عام * * الله في رمق أودى السقام به * كم ذا يعلل فيكم نضو أسقام *
523 * ما ظنكم ببعيد الدار منفرد * حليف هم وأحزان والآم * * يا نازحين متى تدنو النوى بكم * حالت لبعدكم حالي وأيامي * * كم أسأل الطرف عن طيف يعاوده * وما لجفني من عهد بأحلام * * أستودع الله قلبا في رحالكم * عهدته منذ أزمان وأعوام * * وما قضى بكم من حبكم أربا * ولو قضى فهو من وجد بكم ظامي * * من ذا يلوم أخا وجد يحبكم * فأبعد الله عذالي ولوامي * * في ذمة الله قوما ما ذكرتهم * إلا ونم بوجدي مدمعي الدامي * * قوم أذاب فؤادي فرط حبهم * وقد ألم بقلبي أي إلمام * * ولا تخذت سواهم منهم بدلا * ولا نقضت لعهدي عقد إبرام * * ولا عرفت سوى حبي لهم أبدا * حبا يعبر عنه جفني إلهامي * * يا واحدا أعربت عنه فضائله * وسار في الكون سير الكوكب السامي * * في نعت فضلك حار الفكر من دهش * وكل ظام روى من بحرك الطامي * * لا يرتقي نحوك الساري على فلك * فكيف من رام أن يسعى بإقدام * * منك استفاد بنو الآداب ما نظموا * وعنك ما حفظوا من رقم أقلام * * أنت الشهاب الذي سامي السماك علا * وفيض فضلك فينا فيض إلهام * * لما رأيت كتابا أنت كاتبه * وأضرم الشوق عندي أي إضرام * * أنشدت قلبي هذا منتهى أربي * أعاد عهد حياتي بعد إعدام * * يا ناظري خذا من خده قبلا * فهو الجدير بتقبيل وإكرام * * ثم اسرحا في رياض من حدائقه * وقد زها زهرها الزاهي بأكمام * * من ذا يوفيه في رد الجواب له * عذارا إليه ولو كنت ابن بسام * * يا ساكنا بفؤادي وهو منازله * محل شخصك في سري وأوهامي * * حقا أراك بلا شك مشاهدة * ما حال دونك إنجادي وإتهامي * * ولذ عتبك لي يا منتهى أربي * وفي العتاب حياة بين أقوام * * حوشيت من عرض يشكى ومن ألم * لكن عبدك أضحى حلف آلام * * ولو شكا سمحت منه شكايته * إن الثمانين تستبطي يد الرامي * * وحيد دار فريد في الأنام له * جيران عهد قديم بين آكام * * طالت به شقة الأسفار ويحهم * أغفوا وما نطقوا من تحت أرجام *
524 * أبلى محاسنهم مر الجديد بهم * وأبعد العهد منهم بعد أيام * * فلا عداهم من الرحمن رحمته * فهي الرجاء الذي قدمت قدامي * * وكم رجوت إلهي وهو لأرحم لي * وقل عند رجائي قبح آثامي * * فطال عمرك يا مولاي في دعة * ودام سعدك في عز وإنعام * * ولا خلت مصر يوما من سناك بها * ولا نأى نورك الضاحي عن الشام * وقال أيضا رحمه الله تعالى * أسكان المعاهد من فؤادي * لكم في كل جارحة سكون * * أكرر فيكم أبدا حديثي * فيحلو والحديث بكم شجون * * وأنظمه عقودا من دموعي * فتنثره المحاجر والجفون * * وأبتكر المعاني في هواكم * وفيكم كل قافية تهون * * وأسأل عنكم النكباء سرا * وسر هواكم عندي المصون * * وأعتنق النسيم لأن فيه * شمائل من محاسنكم تبين * * وكم لي في محبتكم غرام * وكم لي في الغرام بكم فنون * وقال من أبيات * بيض الوجوه إذا افترت مباسمهم * فاللؤلؤ الرطب حلو حين يتسق * * تقسم الحسن عنهم في الأنام كما * تجمع الفضل فيهم وهو مفترق * * كم زرتهم وغصون الفضل دانية * أجنى الثمار بها عفوا وأرتزق * * هم الألى إن دعوني عبدهم صدقوا * لما استرقوا وكم منوا وما عتقوا * * تحلو الأحاديث عنهم كلما ذكرت * فكيف إن شافهوا يوما بما نطقوا * * إني لأشكر ما أولوه من نعم * شكرا عليه قلوب الخلق تتفق * وقال رحمه الله تعالى * أما والهوى إن شط ربعكم عنا * فأنتم نزول بالقلوب إذن منا * * وإن حجبت أشباحكم عن عيوننا * فلم يحجب البين المشت لكم معنى * * ولا نظرت عيناي إلا جمالكم * ولطفكم الموصوف والحسن والحسني * * أحن إليكم في التداني وفي النوى * ولا عجب للصب إن إن أو حنا *
525 * ويشتاقكم طرف وأنتم سواده * فما أبعد المشتاق منكم وما أدنى * * لحا الله دهرا راعني بفراقكم * وأفقرني فيمن أحب وما استغنى * * يا ناق إن يبعثوا جوابها * في تبلغهم لي أربا * * وبلغى أهيلها تحيتي * فإن في تبلغهم لي أربا * * عساهم أن يبعثوا جوابها * في طي أنفاس نسيمات الصبا * * فإنها أكتم للسر ولا * يخشى عليها من عيون الرقبا * * فإن فعلت فهي عندي منة * من أجلها أحمل عنك فأتعبا * * أحبابنا مذ غبتم عن حيكم * محبكم عن صبره قد غلبا * * قد بلغ الشوقبكم غايته * وفي جواه بلغ السيل الزبي * * لا يستطيع باللسان شرح ما * لو شق عنه القلب أبدي العجبا * * وكلما سمت فؤادي سلوة * عنكم ينادي عنهم لا مذهبا * * وكم أنادي في الديار بعدكم * واحربا من بعدهم واحربا * وقال أيضا * وقالوا صبا بعد المشيب تعللا * وفي الشيب ما ينهى عن اللهو والصبا * * نعم قد صبا لما رأى الظبي آنسا * يميل كغصن البان مالت به الصبا * * أدار التفاتا حالي الجيد عاطلا * وفي لحظه معنى به الصب قد صبا * * ومزق أثواب الدجى وهو طالع * وأطلع بدرا بالجمال محجبا * * جرى حبه في كل قلب كأنما * تصور من أرواحنا وتركبا * وقال أيضا * أكاتبكم وأعلم أن قلبي * يذوب إذا ذكرتكم حريقا * * وأجفاني تسح الدمع سيلا * به أمسيت في دمعي غريقا * * أشاهد من محاسنكم محيا * يكاد البدر يشبهه شقيقا * * وأصحب من جمالكم خيالا * فأني سرت يرشدني الطريقا * * ومن سلك السبيل إلى حماكم * بكم بلغ المنى وقضى الحقوقا *
526 وقال أيضا * تبدي فهو أحسن من رأينا * وألطف من تهيم به العقول * * وأسفر وهو في فلك المعاني * وعنه الطرف ناظره كليل * * له قد يميل إذا تثنى * كذاك الغصن من هيف يميل * * وخد ورده الجورى غض * وطرف لحظه سيف صقيل * * وخال قد طفا في ماء حسن * فراق بحسنه الخد الأسيل * * تخال الخد من ماء وخمر * وفيه الخال نشوان يجول * * وكم لام العذول عليه جهلا * وآخر ما جرى عشق العذول * وقال أيضا رحمه الله تعالى * يا عاذلي حكم الهوى * وكلفت بالرشاء الكحيل * * ريان من ماء الصبا * جذلان يلعب بالعقول * * راقت محاسنه التي * جليت على الوجه الجميل * * وعلى مثقف قده * بدر يجل عن الأفول * * والخال عم جماله * في سالف الخد الأسيل * * زعم العذول بأنه * يلهى الخليل عن الخليل * * يا طالما نصح العذول * وما قبلت من العذول * * ولبست ثوب خلاعتي * وخلعت أثواب الخمول * وقال أيضا رحمه الله تعالى * لله ليلتنا التي نظمت لنا * شمل المسرة والوشاة رقود * * جادت بأهيف كالغزال لحاظه * يسطو بها بين الجفون اسود * * ريان يعتنق النسيم لطافة * ويميل من مر الصبا ويميد * * لم أنسه إذ زار يخترق الدجى * وعليه من درر النجوم عقود * في صورة القمر المنير وحسنه * لكنه حسنا عليه يزيد * * يا ناظري تمتعا بجماله * فالحسن حيث ترى العيون ترود * * واستقصيا نظرا إليه فإنه * كالطيف يدنو والمزار بعيد *
527 * وإذا رنا بلحاظه فتعرضا * فاللحظ يقتل والقتيل شهيد * * كم بت من سهري عليه مسهدا * وعليه يحلو في الهوى التسهيد * * يا من أعار البدر نورا باهرا * قسما لقد راقت عليك سعود * * أنا في هواك إذا ادعيت صبابة * يا واحد الحسن البديع وحيد * قال أيضا * راق المدام وثغر الكأس يلتهب * وللكئوس ثغور حليها الحبب * * فقل لكاسك في الندمان حي على * شمس المدم وروح الراح تستليب * * أما ترى الشمس تجلى في سنا قمر * كأنه بالنجوم الزهر ينتقب * * والطير تسجع بالأحان صادحة * كأن ألحانها الأوتار تصطخب * * والروض يضحك في أكمامه خجلا * من المام ودمع الغيث ينسكب * * وللزجاجة معنى رقة وسنا * كأنها الزهرة الغراء ترتقب * * لله ندمان ذاك الحي من نفر * قوم دعاهم إلى حاناتها الطرب * * فلا تقل حجبوا عني محاسنهم * فليس تمنعها الأستار والحجب * * بالله يا مهجتي لا تبتغي بدلا * منهم وإن سلبوا قلبي وقد سلبوا * * ويا غرامي لي في صبوتي حرق * أودى وحقك بي من حرها اللهب * * حسبي وقد علموا حالي بحبهم * وعندهم زفرات الشوق تحتسب * * إن بلغ الله آمالي مآربها * وقد قضيت هوى لم يبق لي أرب * * وأين مني ديار القوم إذ وقفت * بي الركاب وحثت تحتهم نجب * * ولا تقل شقة الأسفار تبعدني * إذا عزمت فذاك البعد يقترب * * لا أشتكي أبدا بعدا لدارهم * ولا أرى غيرهم في الكون لا حجبوا * * يحلو لي الصد منهم حيث يعذب لي * مر العتاب فلا صدوا ولا عتبوا * * وأرتضى كل ما فيه رضا لهم * وقد ألفت الرضا منهم فلا غضبوا * * فاستجل لمحة برق من محاسنهم * ولا تقل عندها الأرواح تنتهب * * لا تنح في الدهر يوما غيرهم أبدا * فنحوهم وإليهم ينتهي الطلب * * تحلو الأحاديث عنهم كلما ذكروا * وفيهم تعذب الأشعار والخطب * * لا تعجبن لوصفي في محاسنهم * فكل معنى لهم في وصفه عجب *
528 217 أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب أبو مسلم الخولاني الزاهد المشهور سيد التابعين أسلم في حياة الرسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة في خلافة أبي بكر وهو معدود في كبار التابعين وكان فاضلا ناسكا عابدا وله كرامات وفضائل روى عنه أبو إدريس الخولاني وجماعة من تابعي الشام ولما تنبأ الأسود باليمن بعث إلى أبي مسلم فلما جاءه قال أتشهد أني رسول الله قال نعم فردد ذلك عليه وهو يقول كما قال أولا فأمر بنار عظيمة فأحميت ثم ألقى فيها أبا مسلم فلم يضره ذلك فقيل للأسود أخرجه وإلا أفسد عليك من اتبعك فأمره بالرحيل فأتى أبو مسلم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأناخ راحلته بباب المسجد وقام يصلي إلى سارية وبصر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام إليه وقال ممن الرجل قال من أهل اليمن قال ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار قال ذلك عبد الله بن وثب
529 قال أنشدك الله أأنت هو قال اللهم نعم فاعتنقه عمر وبكى ثم أجلسه بينه وبين أبي بكر رضي الله عنهم وقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني رجلا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فعل به كما فعل بإبراهيم الخليل عليه السلام وتوفي أبو مسلم سنة اثنتين وستين للهجرة وروى له مسلم والأربعة ودفن بداريا من ضياع دمشق رحمه الله تعالى 218 عبد الله بن جعفر عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الجواد له صحبة ورواية ولد بالحبشة من أسماء بنت عميس يقال أنه لم يكن بالإسلام أسخى منه وروى عن أبويه وعن عمه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم سكن المدينة وتوفي سنة ثمانين للهجرة وهو أول مولود ولد في الإسلام بالحبشة وكان يسمى بحر الجود وكان لا يرى بسماع الغناء بأسا وكان إذا قدم إلى معاوية أنزله إلى داره وأكرمه وكان ذلك يغيظ فاختة بنت قرظة بن عبدو عمرو بن نوفل زوجة معاوية فسمعت ما في منزل هذا الرجل الذي جعلته بين لحمك ودمك فجاء فسمع وانصرف فلما كان آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله بن جعفر فأنبه فاختة وقال اسمعي مكان ما أسمعتني ويقولون إن أجواد العرب في الإسلام عشرة فأجواد أهل الحجاز عبد الله ابن جعفر وعبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وسعيد بن العاص بن سعيد ابن العاص وأجواد أهل الكوفة عبد الله بن عتاب بن ورقاء أحد بني رباح
530 ابن يربوع وأسماء بن خارجة بن حصن الفزاري وعكرمة بن ربعي الفياض أحد بني تيم بن ثعلبة وأجواد أهل البصرة عمر بن عبيد الله بن معمر وطلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعي وهو طلحة الطلحات وعبيد الله بن أبي بكرة وأجواد أهل الشام خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية وليس في هؤلاء كلهم أجود من عبد الله بن جعفر عوتب في ذلك فقال إن الله عز وجل عودني عادة وعود الناس عادة فأخاف إن قطعتها قطعت عني وأخباره في الجود كثيرة رحمه الله تعالى 219 عبد الله بن الزبير عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن قصي القرشي الأسدي يكنى أبا بكر وهو أول مولود بالإسلام في المدينة روى عنه أبيه وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم شهد وقعة اليرموك والقسطنطينية والمغرب وله مواقف مشهورة وكان فارس قريش في زمانه بويع له بالخلافة سنة أربع وستين وحكم على الحجاز واليمن ومصر وخرسان والعراق وأكثر السند وولد سنة اثنتين من الهجرة وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين وأربعة أشهر خرجت أسماء أمه حين هاجرت حبلى فنفست بعبد الله في قباء قالت
531 أسماء ثم جاء بعد سبع سنين ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك الزبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا ثم بايعه ولما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم فقالوا سحرتنا اليهود فكان أول مولود بعد الهجرة فكبر المسلمين تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فأذن في أذنيه بالصلاة وكان عارضاه خفيفين فما اتصلت لحينه حتى بلغ ستين سنة وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم فلما فرغ قال يا عبد الله أذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحدا فلما غاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه فلما رجع قال له ما صنعت بالدم قال عمدت إلى أخفي موضع علمت فجعلته فيه قال لعلك شربته قال نعم قال ولم شربت الدم ويل للناس منك وويل لك من الناس وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال حضرت قال قتل عبد الله بن الزبير جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد كلما دخل عليه قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم فبينما هو على هذه الحال إذا جاءته شرفة من شرفات المسجد في رأسه فصرعته فوقع وهو يقول * أسماء يا أسماء لا تبكيني * لم يبق إلا حسبي وديني *
532 * وصارم لاثت به يميني * وقال سهل بن سعد سمعت ابن الزبير يقول ما أرني اليوم إلا مقتولا رأيت الليلة كأن السماء فرجت لي فدخلتها فقد والله مللت الحياة وما فيها وقال عمرو بن دينار كان ابن الزبير يصلي في الحجر والمنجنيق يصيب طرف ثوبه فما يلتفت إليه وكان يسمى حمامة المسجد وقال ابن إسحاق ما رأيت أحد أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير وجاء الحجاج إلى مكة فنصب المنجنيق عليها وكان ابن الزبير قد نصب فسطاطا عند البيت فاحترق فطارت شرارة إلى البيت فاحترق واحترق قرنا الكبش الذي فدى به إسماعيل يومئذ ورمى الحجاج المنجنيق على ابن الزبير وعلى ومن معه في المسجد وجعل ابن الزبير بيضة على الحجر الأسود ترد عنه يعني خوذة ودام الحصار ستة أشهر وسبع عشرة ليلة وخذل ابن الزبير أصحابه وخرجوا إلى الحجاج ثم إن الحجاج أخذه وصلبه منكسا وكان آدم نحيفا ليس بالطويل بين عينيه أثر السجود قيل إنه بقي مصلوبا سنة ثم جاء إذن عبد الملك أن يسلم إلى أسماء ولدها فأنزلوه فحنطته وكفنته وصلت عليه وحملته فدفنته بالمدينة في دار صفية بنت حيي ثم زيدت دار صفية في المسجد فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكان كثير الصلاة كثير الصيام شديد البأس كريم الجدات والأمهات والخالات وقال علي بن زيد الجدعاني لا أنه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة لأن كان بخيلا ضيق العطن سئ الخلق حسودا كثير الخلاف أخرج محمد الحنفية ونفي عبد الله بن العباس إلى الطائف وقال لما كان قبل قتاه بعشرة أيام دخل إلى أمه وهي شاكية فقال كيف أنت يا أمه قالت ما أجدني إلا شاكية فقال لها إن في الموت لراحة قالت لعلك تمنيته لي ما اشتهى أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك إما
533 قتلت فأحتسبك وإما ظفرت بعدوك فقرت عيني قال عروة فالتفت إلى وضحك فلما كان اليوم الذي قتل فيه دخل عليها فقالت يا بني لا تقبل منهم خطة عليك فيها الذل مخافة القتل فوالله لضربة سيف عز خير من ضربة سوط في مذلة قال فخرج وقد جعل له مصراع عند الكعبة وكان تحته فأتاه رجل من قريش فقال ألا تفتح لك باب الكعبة فتدخلها فقال ابن الزبير إن حرمة المسجد كحرمة البيت والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة قتلوكم ثم قال * ولست بمبتاع الحياة بسبة * ولا مرتق من خشية الموت سلما * ثم شد عليه أصحاب الحجاج فقال أين أهل مصر فقال هم هؤلاء من هذا الباب فقال لأصحابه اكسروا أغماد سيوفكم ولا تميلوا عني فإني في الرعيل ففعلوا ثم حمل فحملوا معه وكان يضرب بسيفين فضرب رجلا فقطع يده وانهرقوا يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد فجعل رجل أسود يسبه فقال له اصبر ابن حام ثم حمل عليه فصرعه ثم دخل أهل حمص من باب بني شيبة فشد عليهم وجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد ورجع وهو يقول * لو كان قرنا واحدا كفيته * أوردته الموت وقد ذكيته * ثم دخل عليه أهل الأردن من باب آخر فجعل يضربهم حتى أخرجهم من المسجد وهو يقول * وجاءه حجر من ناحية الصفا فوقع في عينيه فنكس رأسه وهو يقول * واسنا على الأعقاب تدمي كلومنا * ولكن على أقدامنا تقطر الدما * ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه حتى قتل ولما قتل كبر أهل الشام فقال ابن عمر المكبرين عليه يوم قتل وقتل
534 معه مائة وأربعون رجلا منهم من سال دمه في جوف الكعبة قال ابن عبد البر رحل عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان فسأله في إنزاله من الخشبة فأمر بإنزاله قال ابن أبي مليكة كنت ممن تولى غسله فجعلنا لا نتناول العضو الذي يليه فنغسله ثم نضعه في أكفانه حتى فرغنا منه فقامت أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق فصلت عليه وكانت قبل ذلك تقول اللهم لا تمتنى حتى تقر عيني بجثته فما أتى عليها بعد ذلك جمعة حتى ماتت ويقال إنه لما جيء به إليها وضعته في حجرها فحاضت ودر ثديها وقيل إن الحجاج حلف ألا ينزله من الخشبة حتى تشفع فيه أمه فبقي سنة ثم مرت تحته فقالت أما آن لهذا الراكب أن ينزل فيقال إن هذا الكلام قيل للحجاج إن معناه شفاعة فيه فأنزله وكان قتله سنة ثلاث وسبعين للهجرة ويقال إن الحجاج ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان قبل قتل ابن الزبير الأمان وحكمه في الولاية واستنزله عن الخلافة فشاور ابن الزبير أصحابه فأشاروا عليه بأن يفعل فقال لا خلعها إلا الموت ثم قال * الموت أكرم من إعطاء منقصة * إن لم تمت عبطة فالغاية الهرم * * إصبر فكل فتى لا بد مخترم * والموت أسهل مما أملت جشم * 220 أبو القاسم الصقلي عبد الله بن سليمان بن يخلف الصقلي أبو القاسم الكلبي أحد الأدباء
535 المجيدين والشعراء المعدودين وله تأليفات ومصنفات في الرد على العلماء ومن مختار شعره من أبيات * فليت ليالي الصدود الطوال * فداء ليالي الوصال القصار * * زمانا أبيت طليق الرقاد * وأغدو خليا خليع العذار * * ولم يكن الهجر مما أخاف * ولا العاذل الفظ ممن أداري * * أسابق صحبي بصبح الدنان * وأصرف ليلي بصرف العقار * * ألا رب يوم لنا بالمروج * بخيل الضياء جواد القطار * * كأن الشقيق بها وجنة * بآخرها لمعة من عذار * * وسوسنها مثل بيض القباب * بأوسطها عمد من نضار * * ترى النرجس الغض فوق الغصون * شبية المصابيح فوق المنار * * أقمنا نسابق صرف الزمان * بدارا إلى عيشنا المستعار * * تجيب لصوت القناني القيان * إذا ما أجابت غناء القماري * * وتصبح عيداننا في اصطخاب * تلذ وأطيارنا في اشتجار * * نشم الخدود شميم الرياض * ونجني النهود اجتناء الثمار * * ونسقي على النور مثل النجوم * ومثل البدور اعتلت للمدار * * عقار هي النار في نورها * فلولا المزاج رمت بالشرار * * إذا ما لقيت الليالي بها * فأنت على صرفها بالخيار * * نعمنا بها وكأن النجوم دارهم من فضة في نثار * وقال أيضا * شربت على الرياض النيرات * وتغريد الحمام الساجعات * * معتقة ألذ من التصابي * وأشرف في النفوس من الحياة * * تسير إلى الهموم بلا ارتياع * كما سار الكمي إلى الكماة * * وتجري في النفوس شفاء داء * مجاري الماء في أصل النبات * * كأن حبابها شبك مقيم * لصيد الألسن المتطايرات *
536 * لنا من لونها شفق العشايا * ومن أقداحها فلق الغداة * * كأن الأقحوان فصوص تبر * تركب في اللجين موسطات * * ونارنج على الأغصان يحكي * كئوس الخمر في أيدي السقاة * وله أيضا * أرحت النفس من هم براح * وهان على إلحاح اللواحي * * وصاحبت المدام وصاحبتني * على لذاتها وعلى سماحي * * فما تبقى على طرب مصون * ولا أبقي على مال مباح * * ثوت في دنها ولها هدير * هدير الفحل ما بين اللقاح * * وصفتها السنون ورققتها * كما رق النسيم من الرواح * * إلى أن كشفت عنها الليالي * ونالتها يد القدر المتاح * * فأبرزها بزال الدن صرفا * كما انبعث النجيع من الجراح * 221 أبو القاسم الدينوري الكاتب عبد الله بن عبد الرحمن الدينوري أبو القاسم من رؤساء الأدباء والكتاب ووجوه العمال بخراسان قيل إنه من أولاد العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه له مصنفات وشعر رائق منه في صفة الخمر * كأنها في يد الساقي المدير لها * عصارة الخد في ظرف من الآل * * لم تبق منها الليالي في تصرفها * إلا كما أبقت الأيام من حالي * وله من أبيات يسترجع بها كتابا معارا * أنا أشكو إليك فقد نديم * قد فقدت السرور منذ تولى * * كان لي مؤنسا يسلي همومي * بأحاديث من منى النفس أحلى * * عن أبي حاتم عن ابن قريب * واليزيدي كل ما كان أملي *
537 * وهو رهن يشكو إليك ويبكي * ويغني قد آن لي أن أخلي * * فتفضل به على لأني * لست إلا بمثله أتسلى * وقال * بأبي أنت وقد طبت * لنا ضما وشما * * ضاق فوك العذب والعين وشي لا يسمى * 222 محي الدين الظاهر عبد الله بن الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر بن نجدة الجذامي المصري المولى القاضي محي الدين ابن القاضي رشيد الدين الكاتب الناظم الناثر شيخ أهل الترسل ومن سلك الطريق الفاضلية في إنشائه وهو والد القاضي فتح الدين محمد صاحب دواوين الإنشاء سمع من جعفر الهمداني وعبد الله بن إسماعيل بن رمضان ويوسف بن المخيلي وجماعة وكتب عنه البرزالي وابن سيد الناس وأثير الدين والجماعة وكان بارع الكتابة له في قلم الرقاع طريقة غريبة حلوة وكان ذا مروة وعصبية ولد في المحرم سنة عشرين وستمائة وتوفي بالقاهرة سنة اثنتين وتسعين وستمائة ومن إنشائه كتاب كتبه إلى الأمير شمس الدين آقسنقر جوابا عن كتاب كتبه بفتح بلاد النوبة * (وجعلنا الليل والنهار ءايتين فمحونا آية النهار مبصرة) * الإسراء 12 أدام الله نعمة المجلس ولا زالت عزائمه مرهوبة وغنائمه مجلوبة ومجنونة وسطاه وخطاه هذه تكف النوب وهذه تكفي النوبة ولا برحت وطأته على الكفار مشتدة وآماله لإهلاك الأعداء كرماحة ممتدة ولا عدمت الدولة بيض سيوفه التي يرى بها اللذين كذبوا على الله وجوههم مسودة
538 صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس تثنى على عزائمه التي واتت على كل أمر رشيد وأتت على كل جبار عنيد وحكمت بعدل السيف في كل عبد سؤ * (وما ربك بظلم للعبيد) * فصلت 46 حيث شكرت الضمر الجرد وحمدت العيس واشتبه يوم النصر بأمسه بقيام حروف العلة مقام بعض فأصبح غزو كنيسة سوس كغزو سيس ونفهمه أنا علمنا أن الله بفضله طهر البلاد من رجسها وأزاح العناد وحسم مادة معظمها الكافر وقد كاد وكاد وعجل عيد النحر بالأضحية بكل كبش حرب يبرك في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد وتحققنا النصر الذي شفى النفوس وأزال البوس ومحا آية الليل بخير الشموس وخرب دنقلة بجريمة سوس وكيف لا يخرب شيء يكون فيه سوس فالحمد لله الذي صبحهم عزائم المجلس بالويل وعلى أن أولج النهار من السيف منهم في الليل وعلى أن رد حرب حرابهم إلى نحورهم وجعل تدبيرهم في تدميرهم وبين خيط السيف الأبيض من الخيط الأسود من فجر فجورهم وأطلع على مغيبات النصر ذهن المجلس الحاضر وأورث سليمان المؤمن ملك داود الكافر وقرن النصر بعزم المجلس الأنهض وأهلك العدو الأسود بميمون طائر النصر الأبيض وكيف لا وآقسنقر هو الطائر الأبيض وأقر لأهل الصعيد كل عين وجمع شملهم فلا يرون من عدوهم بعدها غراب بين نصر ذوي السيوف على ذوي الحراب وسهل صيد ملكهم على يد المجلس وكيف يعسر على السنقر صيد الغراب والشكر لله على إذلال ملكهم الذي لان وهان وأذاله لباسه الذي صرح به بسر كل منهم في قتاله فأمسى وهو عريان وإزهاقهم الأسنة التي غدا طعنها كفم الزق غدا والزق ملآن ودق أقفيتهم بالسيف الذي أنطق الله بفألهم الطير فقال دق قفا السودان ورعى الله جهاد المجلس الذي قوم هذا الحادث المنآد ولا عدم الإسلام في هذا الخطب سيفه الذي قام خطيبا وكيف لا وقد ألبسه منه السواد وشكر له عزمه الذي استبشر به وجه الزمن بعد القطوب وتحققت بلاد الشمال به صلاح بلاد الجنوب وأصبحت به سهام الغنائم في كل جهة تسهم ومتون الفتوحات تمتطى فتارة يمتطي السيف منها كل سيس وتارة كل أدهم وحمد شجاعته التي ما وقف لصدمتها السواد الأعظم ولله المنة على أن جعل ربع العدو بعزائم
539 المجلس حصيدا كان لم يغن بلامس وأقام فروض الجهاد بسيوفه المسنونة وأنامله الخمس وقرن ثباته بتوصيل الطعن لنحور الأعداء ووقت النحر قيد رمح من طلوع الشمس ونرجو من كرم الله تعالى إدراك داود المطلوب ورده على السيف بعيب هربه والعبد الأسود إذا هرب يرد بعيب الهروب وفي هذه الغزاة قال ابن النقيب * يا يوم دنقلة وقتل عبيدها * في كل ناحية وكل مكان * * كم فيه زنجي يقول لأمه * نوحي فقد دقوا قفا السودان * وكتب في محضر قيم حمام الصوفية جوار خانقاه سعيد السعداء اسمه يوسف يقول الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن عبد لظاهر إن أبا الحجاج يوسف ما برح لأهل الصلاح قيما وله جودة صناعة استحق بها أن يدعى قيما كم له كم له عند جسم من من جسيم وكم أقبل مستعملوه تعرف في وجوههم نظرة النعيم وكم تجرد مع شيخ صالح في خلوه وكم قال ولي الله يا بشراي أنه ليوسف حين أدلى دلوه كم خدم من العلماء والصلحاء إنسانا وكم ادخر بركتهم لدنيا وأخرى فحصل من كل منهم شفيعين مؤتزرا وعريانا كم حرمة خدمة له عند أكابر الناس وكم له يد عند جسد ومنة على رأس كم شكرته أبشار البشر وكم حك رجل صالح فتحقق هناك أن السعادة لتلحظ الحجر قد ميز بخدمة الفضلاء والزهاد أهله وقبيله وشكر على ما يعاب به غيره من طول الفتيلة تتمتع الأجساد بتطييبه لحمامه بظل ممدود وماء مسكوب وتكاد كثرة ما يخرجه من المياه أن تكون كالرمح أنبوبا على أنبوب وكتب إلى بعض أصحابه يستدعيه إلى حمام هل لك أطال الله بقاءك إطالة تكرع بها منهل النعيم وتتملى بالسعادة تملى الزهر بالوسمى والنظر بالحسن الوسيم في المشاركة في حمام جمع بين جنة ونار وأنواء وأنوار وزهر وأزهار قد زال فيه الاحتشام فكل عار ولا
540 عار نجوم سمائه لا يعتريها أفول وناجم رخامه لا يعتريه ذبول تنافست العناصر على خدمة الحال به تنافسا أحسن كل التوصل فيه إلى بلوغ أربه فأرسل البحر ما جسده جسده من زبده لتقبيل أخمصه إذ قصرت همته عن تقبيل يده ولما لم بر التراب له في هذه الخدمة مدخلا تطفل وجاء وما علم أن التسريح لمن جاء متطفلا والنار رأت أنه عين مباشرتها يستقيل وأنها بفرض من خدمته لا تخل ولأن حرمة هداية الضيف في السرى وبها يدفع القر ويقع القرى فأعلمت ضدها الماء فدخل وهو حار الأنفاس وغلت مراجله فلأجل ذلك داخله من صوت تسكابه الوسواس والهوا أنه قصر عن مطاولة هذا المبار فأمسك متهيبا ينظر ولكن من خلف زجاجة إلى تلك الدار ثم إن الأشجار رأت أن لا مشاركة لها في هذه الحظوة ولا مساهمة في تلك الخلوة فأرسلت من الأمشاط أكفا أحسنت بما تدعو إليه الفرق ومرت على سواد العذار الفاحم كما يمر البرق وذلك بيد قيم قيم بحقوق الخدمة عامل بما يعامل به أهل النعيم أهل النعمة خفيف اليد مع الأمانة موصوف بالمهابة عند أهل تلك المهانة لطف أخلاقا حتى كأنها عتاب بين جحظة والزمان وحسن صنعة فلا يمسك يدا إلا بمعروف ولا يسرح تسريحا إلا أبدا بإحسان يرى مع طهارته وهو ذو صلف ويشاهد مزيلا لكل أذى حتى لو خدم البدر لأزال عن وجهه الكلف بيده موسى كأنه صباح ينسخ ظلاما أو نسيم ينفض عن الزهر كماما إذا أخذ صابونه أوهم من يخدمه بما يمره على جسده أنه بحر عجاج وأنه يبدو منها زبد الأعكان التي هي أحسن من الأمواج فهلم إلى هذه اللذة ولا تعد الحمام أنها دعوة أهل الحراف فربما كانت هذه من بين تلك الدعوات فذة وللعل سيدنا يشاهد ما لا يحسن وصفه قلمي وأستحسن وصفها ليدي وفمي وإذا جمح عناني فأقول وإذا ترامت بي الخلاعة أخلع ما تستر به ذوو العقول لدي أبهجك الله غصون قد هزها الحسن طربا ورماح لغير كفاح قد نشرت من الشعور عذبا وبدور أسدلت من الذوائب غيهبا قد جعلت بين الخصور والروادف من المآزر برزخا لا يبغيان وعلمنا بهم أننا في جنة تجري من تحتها الأنهار وتطوف علينا بها الولدان يكاد الماء إذا مر على أجسادهم يجرحها بمره والقلب يخرج إلى مباشرتها من الصدر وعجيب من
541 مباشر لأمر ما يلتقيه بصدره إذا أسدل ذوائبه ترى ماء عليه ظل يرف وجوهرا من تحت عنبر يشف يطلب كل منهم أمير حسنى وشعره المنشور وخاله العلامة إذا قلب بأصفر الصفر ماء على الحضار قلت هذا بدر بيده نجم تقسم منه أشعة الأنوار وإن أخذ غسولا وأمره على جسمه مفركا ولم يبق عضو إلا واكتسب منه لطافة وراح مدلكا فما عذرك في انتهاز الفرص واقتناص هذه الشوارد التي يجب على مثلك أن يغدو لها وقد اقتنص والله تعالى يولي إليك المسمار ويجعله لديك دائمة الأستقرار ومن شعره * كم قلت لما بت أرشف ريقه * وأرى نقي درا منتقى * * بالله يا ذاك اللمى مترويا * كرر على حديث جيران النقا * وقال أيضا * قيل للعين طيف إلفك ساري * فتباهى له ولو بعواري * * فتهيت لقربه وتهادت * من دموع إليه بين جواري * (يتسابقن خدمة فترهنن * لديها كالدر أو كالدراري * * ثم لما تحقق الطيف أن تلك * دموع خشي جوار البحار * * بات جاري ودمع عيني جاري * فتحيرت بين جار وجاري * * يا لقومي ما بين هذا وهذا * كيف يبقى السلو حسن اصطباري * * مفرد في جماله إن تبدى * خجلت منه جملة الأقمار * * كيف أرجو الوفاء منه وعاملت * غريما من طرفه ذا انكسار * * ذو حواش تبدى لنا قلم الريحان * من خده فجل الباري * * فيه وجدي محقق وسلوى * وكلام العذول مثل الغبار * * ولساني في حبه قلم الشعر * وورقي المكتوب بالطومار * * كم أكني عنه وأكتم وجدي * وأرى الحب هاتك الأستار *
542 وقال في الشبابة * وناطقة بالروح عن أمر ربها * تعبر عما عندنا وتترجم * * سكتنا وقالت للنفوس فأطربت * فنحن سكوت والهوى يتكلم * وقال أيضا * نسب الناس للحمامة حزنا * وأراها في الحزن ليست هنالك * * خضبت كفها وطوقت الجيد * وآخر يأتي رزقه وهو نائم * وقال * لا نقل الروض أحاديثه * عن عين نمم غدت خافيه * * فإنه ينقل أخباره * إلى عين عنده صافيه * وقال * يا قاتلي بلحاظ * قتيلها ليس يقبر * * إن صبروا عنك قلبي * فهو القتيل المصبر * وقال * لا واخذ الله بندك * فكم وشى بي عندك * * وقال عني بأني * شبهت بالغصن قدك * * وأنت تعظم عندي * أن يصلح البدر عبدك * * ولست والله ترضا * أن يحكى الورد خدك * * فقاتل الله طرفي * فكم به نلت قصدك * * ولا رعى الله قلبي * فكم رعى لك عهدك * * فمن ترى أنا حتى * جعلت قتلي وكدك * * وكم أطعتك جهدي * وكم تجنيت جهدك * * وأنت تخلف وعدي * ولست أخلف وعدك *
543 * وما عشقتك وحدي * بلى عشقتك وحدك * * وبعد هذا وهذا * وذاك لا ذقت فقدك * وقال متغزلا * ما خلت أني من سلوى مملق * حتى غدوت من المدامع أنفق * * كلا ولا خلت اصطباري كاسدا * حتى رأيت مصون دمعي يطلق * * يا للرجال نصيحة من عاشق * بين النفوس وبينكم أن تعشقوا * * علقته غصنا ببدر مثمرا * لكن أخضر عارضيه مورق * * لو لم تكن كالرمح قامته لما * أمسى عليه لواء قلبي يخفق * * قمر له الوجه الذي هو جنة * أمسى بها يتنعم المتعشق * * فعذاره من سندس ورضابه * من كوثر وخدوده إستبرق * وقال أيضا * كم عاشق ظنه لما بدا وثنا * حتى لوى عطفه من تيهه وثنى * * رخيم دل إذا ما قال واصفه * للظبي نفرته قلنا نعم ولنا * * كم قد رمى أسهما من لحظ مقلته * فحير الناس لما أن رمى ورنا * * كم لي أحاديث عشق لست أسندها * إلا بحدثنا عنها وأخبرنا * * قالت جفوني لما لاح عارضه * أهلا به عارض قد لاح ممطرنا * * الصبح غرته والليل طرته * والقلب لا يلتقي منء ذا وذا سكنا * * إن قيل من هو عبد للحبيب أق ل * لو لم أكن أنا عبد الله قلت أنا * * أو قلت بدر قضيب دمية رشأ * لقال والله بي عما ذكرت غنى * * دع ما هناك من الأوصاف مفترقا * ودونك الكل مجموعا لدي هنا * * كم قلت واشيك يا ما كان أوحشه * وغاب عنا فما والله أوحشنا * * فيا حبيبا به قد صرت من زمني * أشكو وكنت عليه أشكر الزمنا * * أشبهت يوسف في حسن وردت على * شاريه بالبخس يا من قد غلا ثمنا * * ملأت عيني نورا مشرقا وسنا * فلم يسع جفنها من ذا وذا وسنا * * أقسمت بالصفو من ودي شيمي * ما إن عصيتك لا سر ا ولا علنا * * كم قلت عندك لي في الحب مسألة * فيها افتنا يا مليحا حسنه فتنال * * هل عنك يعتاض قلبي يا حشاشته * وليس من قد نأى عنه كمن كمنا *
544 وقال أيضا من أبيات * ذو قوام يجوز منه اعتدال * كم قتيل به من العشاق * * سلب القضب لينها فهي غيظا * واقفات تشكوه بالأوراق * وقال أيضا * بحق ما بينكم وبيني * لا تذكروا لي حديث بين * * فأنتم لي بياض حظي * وأنتم لي سواد عيني * وقال أيضا * رب روض أزرته بدر تم * حيث غالى في تيهه والتجري * * فرأيت الأغصان ذلا لديه * واقفات والعين للدمع تذري * * كان ظني أن يفضح القد بالغصن * وأن الزلال بالريق يزري * * ثم لما ثنى العنان عن النهر * غدا في ركابه وهو يجري * وقال أيضا * صح الصحيح وأي شيء يختفي * بي اهيف وفديته من أهيف * * كلفي ببدر قد سما بكماله * في الأرض عن بدر السماء تصلف * * من جنة المأوى بدا وعلى سوى * أصداغه أوراقها لم تخصف * * رشأ حريري الخدود وإنما * قلبي مريد عذاره المتصوف * * ما أبصرته مقلة ثم انثنت * إلا تقول لها ملاحته قفي * * من قال ريقته الشهية قرقف * للريق لم يعرف ولا للقرقف * * ألغصن لما مال قال تهتكا * فضح التكلف شيمة المتكلف * * من ردفه وقوامه كم صرعة * لمحبه بمثقل ومخفف * * كم مزقت ألحاظه من مهجة * بسوى الرضا من قلبه لم ترتف * * وبليتي هيف القدود فإنها * جاءت إلى بفتنة لم توصف * * أهوى من الأحقاف غصنا فصلت * زمرا حياصته بأحسن زخرف * * فحوى حواميم النساء ووجهه * أيضا حوى ميم اللمى من مرشف *
545 * فهوى المعوذ من عيون حواسد * برقى ملاحته وتلك بها كفى * * كم بت منتظرا عذاريه عسى * أسلو فزاد بها عليه تأسفي * * كم قال لي لما أشرت لمهجتي * في ناظريك أنا فقلت له وفي * * فوحق وجنته أما خيلانها * تحكي لنا الأعشار جنب المصحف * * ووحق سورة يوسف ما وجهه * إلا كما قد قيل صورة يوسف * * وجه حكى الدينار إلا أنه * عن خاطري ونواظري لم يصرف * * كم قلت فيه لعذلي كن عاذري * ما كنت ممن عذلي بي تشتفي * * كم رمت أحلف لا عشقت مهفهفا * وتقول لي أعطافه لا تحلف * وكتب إلى ولده فتح الدين * إن شئت تنظرني وتنظر حالتي * قابل إذا هب النسيم قبولا * * تلقاه مثلي رقة ولطافة * ولأجل قلبك لا أقول عليلا * * فهو الرسول إليك مني ليتني * كنت اتخذت مع النسيم رسولا * وقال أيضا * أيها الصائد باللحظ ومن * هو من بين الورى مقتنصي * * لا تسم طائر قلبي هربا * إنه من أضلعي في قفص * وقال أيضا * لقد قال لي إذ رحت من خمر ريقيه * أحث كئوسا من ألذ مقبل * * بلثم شفاهها أو برشف شفاهها * تنقل فلذات الهوى في التنقل * وقال أيضا * ولم أنسه إذ قال قم نودع الدجى * ذخائر وصل فالظلام كتوم * * فما مثله حرز حريز لأنه * تبينت عليه لنجوم ختوم * وقال أيضا * ألا ليت ليلات مضين رواجع * وهل ما مضى من سالف الهر يرجع * * ليال مواض كم قطعت بها منى * ولا شك في أن المواضي تقطع *
546 وقال أيضا * أنا في العالم طرفه * من أشد الناس حرف * * إن أجد فعلا فعيلا * كان في الفضة خفه * * أو أجد هذا وهذا * لم أجد في الحال غرفه * * أو أجدهن جميعا * كان في الآلة وقفه * * فتراني طول دهري * تائبا من غير عفة * وقال في دمشق * لا تلوموا دمشق إن جئتموها * فهي قد أوضحت لكم ما لديها * * إنها في الوجوه تضحك بالزهر * لمن * مر في الربيع عليها * * وتراها بالثلج تبصق في لحية * من جاء في الشتاء إليها * وقل مواليا * لك طرف طرف حمى من حسنك السرحه * كم قد أغار على العشاق في صبحه * * لما علمت بانو سابق اللمحه * عليه قد خفت شطبتو على صحه * قال ملغزا في شبرية * وهندية موطوءة غير أنها * إذا افترشت أغرتك بالبيض والسمر * * تعانق من أعطافها خيزرانة * وتلمح من أزرارها طلعة البدر * د * على أربع أمست تنام وإن تقم * تفوتك طولا وهي تعزى إلى الشبر * وقال أيضا * وكم قال بالمجالس خوطبوا * وذاك دوا جهالهم في التنافس * * فقلت لهم ما ذاك بدع وإنه * لعند الدوا يدعى الخرا بالمجالس *
547 وقال أيضا في أعور * وأعور العين ظل يكشفها * بلا حياء منه ولا خيفه * * وكيف تلقى الحياء عند فت ى * عورته لا تزال مكشوفه * وقال دوبيت * لله ليال أقبلت بالنعم * في ظل بناء شاهق كالعلم * * بالجيزة والنيل بدا أوله * في مقبل الشباب عند الهرم * 223 أ عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بت عبد المطلب عم المنصور والسفاح أحد دهاة الأرض وكان من الشجعان الأبطال وهو الذي انتدب لحرب مروان الحمار ولج في طلبه وطوى الممالك حتى بلغ دمشق ونازلها وحاصرها وفتحها بالسيف وعمل على الثأر وأسرف في قتل بني أمية ولم يرقب فيهم إلا ولا ذمة ولما مات السفاح وهو بالشام دعا إلى نفسه فبايعه أهل الشام بالخلافة فجهز المنصور إليه أبا مسلم الخراساني فالتقيا بنصيبين وكان الظفر لأبي مسلم وقصد عبد الله بن علي البصرة فأخفاه أخوه عنده ثم لم يزل المنصور عليه حتى ظفر به وسجنه في بيت كان قد بناه وعمل أساسا ملحا وأرسل عليه الماء فوقع عليه فمات وذلك سنة سبع وأربعين ومائة وقيل عن المنصور قال يوما لجلسائه أخبروني عن ملك جبار أول أسمه عين قتل ثلاثة أول أسمائهم عين فقال أحد من حضر عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الأشعث قال فخليفة آخر أول أسمه عين فعل كذلك فقال أنت يا أمير المؤمنين قتلت أبا
548 مسلم واسمه عبد الرحمن وقتلت عبد الجبار وسقط البيت على عمك عبد الله بن علي فضحك المنصور فقال ويحك وما ذنبي عن سقط عليه البيت فقال أتعرفون عين بن عين بن عين قتل ميم بن ميم بن ميم قال رجال نعم عمك عبد الله بن علي بن عبد الله قتل مروان بن محمد بن مروان ولعبد الله بن علي ذكر في ترجمة ابن المقفع 224 صفي الدين بن شكر عبد الله بن علي بن الحسين بن عبد الخالق بن الحسين بن منصور الصاحب صفي الدين بن شكر المصري الدميري المالكي ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وتوفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة سمع من السلفي وجماعة وحدث بدمشق ومصر وروى عنه الزكي المنذري والشهاب القوصي كان مؤثرا لأهل العلم والصالحين كثير البر لهم لا يشغله ما هو فيه من كثرة الأشغال عن مجالستهم ومباحثتهم وأنشأ مدرسة قبالة دار بالقاهرة وبنى مصلى العيد بدمشق وبلط الجامع الأموي وعمر الفوارة وعمر جامع المزة وجامع حرستا وكان حلو اللسان حسن الهيئة ذا دهاء مفرط فيه هو وخبث وطيش ورعونة مفرطة وحقد لا تخبو ناره ويظن أنه لا ينتقم فيعود وينتقم لا ينام عن عدوه ولا يبل له معذرة ويجعل الرؤساء كلهم أعداءه ولا يرضى لعدوه بدون الهلاك لا تأخذه في نقماته رحمة استولى على العادل ظاهرا وباطنا ولم يمكن أحد من الوصول إليه حتى الطبيب والفراش والحاجب عليهم عيون فلا يتكلم أحد منهم كلمة ولا يأكل من الدولة فلسا فإذا لاح له مال عظيم احتجنه وملت له قبسة العجلان فأمر كاتبه أن يكتبها ويردها وقال لا نستحل أن نأخذ منك ورقا وكان له في كل بلد من بلاد السلطان ضيعة أو أكثر
549 في مصر والشام إلى خلاط وبلغ مجموع مغله مائة ألف وعشرين ألف دينار وكان يكثر الإدلال على العادل ويسخط أولاده وخواصه وكان العادل يترضاه بما أمكنه وتكرر ذلك منه على حران فأقره العادل على الغضب وأعرض عنه وظهر له منه فساد فنفاه عن مصر والشام فسكن آمد وأحسن إليه صاحبها فلما مات العادل عاد إلى مصر ووزر للكامل وأخذ في المصادرات وكان قد عمى مات أخوه ولم يتغير ومات أولاده وهو على حاله وكان يحم حمى قوية ويأخذه النافض وهو في مجلسه ينفذ الأشغال ولا يلقى جنبه إلى الأرض وكان يقول ما في قلبي حسرة إلا ابن البيساني وما تمرغ على عتباتي يعني القاضي الفاضل وكان يحضر عنده وهو يشتمه فلا يتغير وداراه أحسن مداراة وبذل له أموالا جمة وعرض له إسهال وزحير أنهكه حتى انقطع ويئس الأطباء منه فدعا من حبسه عشرة شيوخ من كبار العمال والكتاب وقال أنتم تشتمون بي وركب عليهم المعاصير وهو يزحر وهو يصيحون إلى أن أصبح وقد خف ما به وركب في ثالث يوم وكان يقف على بابه الرؤساء من نصف الليل ومعهم المشاعل والشمع ويركب عند الصباح فلا يراهم ولا يرونه إما أنه يرفع طرفه إلى السماء وإما يعرج إلى طريق أخرى وفيه يقول ابن عنين * ضاع شعري وقل في الناس قدري * من وقوفي باب اللئيم ابن شكر * * لو أتته حوالة بخراه * قال سدوا بلحيتي باب جحر * وفيه يقول أيضا * ونعمة جاءت إلى سفلة * أبطره الإثراء لما ثرا * * فالناس من بغض له كلما * مروا عليه لعنوا شاورا * * تبا لمصر ولها دولة * ما رفعت في الناس إلا خرا * وكان السبب في انحرافه عن الفاضل رحمه الله تعالى ما قاله الفاضل وهو وأما ابن شكر فهو من لا يشكر وإذا ذكر الناس فهو الشيء الذي لا
550 يذكر فقيل للقاضي الفاضل ما هو الشيء الذي لا يذكر قال الشيء الذي لا يذكر وتوفي الفاضل رحمه الله تعالى وقد عصمه الله منه ولم يمكنه منه وفي ابن شكر يقول ابن شمس الخلافة * مدحتك ألسنة الأنام مخافة * وتقارضت لك في الثناء الأحسن * * أترى الزمان مؤخرا في مدتي * حتى أعيش إلى انطلاق الألسن * وقيل إنه عاش بعده وأطلق لسانه ثم تمنى ألا يكون قد عاش إلى انطلاق الألسن ولشعراء عصره فيه أمداح طنانة مليحة الغاية فممن امتدحه ابن الساعاتي وابن سناء الملك وابن نفادة وابن نبيه وابن عنين وغيرهم والأمداح موجودة في دواوينهم 225 تقي الدين السروجي عبد الله بن علي بن منجد بن ماجد بن بركات الشيخ تقي الدين السروجي قال الشيخ أثير الدين أبو حيان كان رجلا خيرا عفيفا تاليا للقرآن عنده حظ جيد من النحو واللغة والأدب متقللا من الدنيا يغلب عليه حب الجمال مع العفة التامة والصيانة نظم كثيرا وغنى بشعره المغنون وكان يكرر على المفصل والمتنبي والمقامات ويستحظر حظا كثيرا من صحاح الجوهري وكان مأمون الصحبة طاهر اللسان يتفقد أصحابه لا يكاد إلا يوم الجمعة وكان يكره أن يخبر أحدا باسمه لأنه كان يقول لي مع الأصحاب ثلاث رتب أول ما أجتمع بهم كان يقولون جاء الشيخ تقي الدين فإذا طال الأمر يقولون جاء التقي راح التقي صبرت عليهم وعلمت أنهم قد أخذوا في الملل فإذا قالوا جاء السروجي راح السروجي فذلك آخر عهدي بهم وقال الشيخ شهاب الدين محمود كان يكره مكان تكون فيه امرأة ومن دعاه قال شرطي معروف ألا تحضر امرأة وكنا يوما في دعوة فأحضر شواء فأدخل
551 إلى النساء ليقطعوه ويجعلوه في الصحون فلم يأكل منه وقال أفيه لمسوه بأيديهم وكان مولده سنة سبع وعشرين وستمائة بسروج وتوفي بالقاهرة رابع رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة قال أبو حيان ولما توفي قال أبو محبوبة والله ما أدفنه إلا في قبر ولدي لأنه كان يهواه وما أفرق بينهما لما كان يعتقده من دينه وعفافه رحمه الله تعالى ومن شعره * أنعم بوصلك لي فهذا وقته * يكفي من الهجران ما قد ذقته * * أنفقت عمري في هواك وليتني * أعطي وصولا بالذي أنفقته * * يا من شغلت بحبه عن غيره * وسلوت كل الناس حين عشقته * * كم جال في ميدان حبك فارس * بالصدق فيك إلى رضاك سبقته * * أنت الذي جمع المحاسن وجهه * لكن عليه تصبري أنفقته * * قال الوشاة قد ادعي بك نسبة * فسررت لما قلت قد صدقته * * بالله إن سألوك عني قل لهم * عبدي وملك يدي وما أعتقته * * أو قيل مشتاق إليك فقل لهم * أدري بذا وأنا الذي شوقته * * يا حسن طيف من خيالك زارني * من فرحتي بلقاه ما حققته * * فمضى وفي قلبي عليه حسرة * لو كان يمكنني الرقاد لحققته * وقال أيضا * دنيا المحب ودينه أحبابه * فإذا جفوه تقطعت أسبابه * * وإذا أتاهم في المحبة صادقا * كشف الحجاب له وعز جنابه * * ومتى سقوه شراب أنس منهم * رقت معانيه وراق شرابه * * وإذا تهتك ما يلام لأنه * سكران عشق لا يفيد عتابه * * بعث السلام مع النسيم رسالة * فأتاه في طي النسيم جوابه *
552 * قصد الحمى وأتاه يجهد في السرى * حتى بدت أعلامه وقبابه * * ورأى لليلي العامرية منزلا * بالجود يعرف والندى أصحابه * * فيه الأمان لمن يخاف من الردى * والخير قد ظفرت به طلابه * * قد أشرعت بيض الصوارم والقنا * من حوله فهو المنيع حجابه * * وعلى حماه جلالة من أهله * فلذاك طارقة العيون تهابه * * كم قلبت فيه القلوب على الثرى * شوق ا إليه وقبلت أعتابه * * كم أخصبت منه الأباطح والربا * للزائرين وفتحت أبوابه * وقال أيضا * بالجانب الأيمن من خدها * نقطة مسك أشتهي شمها * * حسبته لما بدا خالها * وجدته من حسنه عمها * وقال أيضا * معاملة الأحباب بالوصل والوفا * فدع يا حبيبي عنك ذا الصد والجفا * * وإن كان لي ذنب بجهلي فعلته * فمثلي من أخطا ومثلك من عفا * * أيا بدر تم حان منه طلوعه * ويا غصن بان آن أن يتعطفا * * كفى ما جرى من دمع عينى بالبكا * وعشقي على قلبي جرى منه ما كفى * * فإن كنت لا تدري وتعرف ما الهوى * فقصدي أن تدري بذاك وتعرفا * * أعد ذلك الفعل الجميل تجملا * وإن لم يكن طبعا يكون تكلفا * * فما أقبح الإعراض عمن تحبه * وما أحسن الإقبال منه وألطفا * * تقدم شوقي يسبق الدمع جاريا * إليك ولكن عنك صبري تخلفا * * فديتك محبوبا على السخط والرضا * وعذرك مقبول على الغدر والوفا * وقال رحمه الله * يا ساعي الشوق الذي مذ جرى * جرت دموعي فهي أعوانه * * خذ لي جوابا عن كتابي الذي * إلى الحسينية عنوانه * * فهي كما قد قيل وادي النقا * وأهلها في الحسن غزلانه *
553 * إمش قليلا وانعطف يسرة * يلقاك درب طال بنيانه * * واقصد بصدر الدرب دار الذي * بحسنه تحسن جيرانه * * سلم وقل يخشى مسن كي مسن * أشت حديثا طال كتمانه * * كنكلم كزم ساوم إشي أط كبى * فحبه أنت وأشجانه * * واسأل لي الوصل فإن قال يوق * فقل أوات قد طال هجرانه * * وكن صديقي واقض لي حاجة * فشكر ذا عندي وشكرانه * أنشدني القاضي علم الدين بن إبراهيم مستوفي الشام رحمه الله تعالى بسوق الكتاب في شهور سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة في معنى أبيات السروجي * قصة الشوق سر بها يا رسولي * نحو من قربه مناي وسولى * * عند باب الفتوح حارة بهاء الددين * تحت الساباط قف يا خليلي * * فإذا ما حللت تلك المغاني * قف بتلك الطول غير مطيل * * وتأمل هناك تلق غرير الططرف * يرمي بالنبل كل نبيل * * ألفي القوام قد ألف الهجر * دلالا على المحب الذليل * * فإذا ما رأيته من بعيد * يتثنى عجبا بتلك الطلول * * قبل الأرض ثم قدم إليه * قصة ترجمت بشرح طويل * * فإذا قال اوزمي بختك در سلام بر * كيف حال المضني الكئيب العليل * * قل قلن خش دا كل تلاماس دن * باذن ألاسن بلا تطويل * * جد لمن في هواك قد شفه الوجد * فأضحى حلف الضنى والنحول * عدنا إلى شعر السروجي وقال أيضا * قلت لمحبوبي وقد زارني * إلى يا محبوب قلبي إلى * * قد عشق الناس وقد واصلوا * ما وقع الإنكار إلا على *
554 وقال أيضا * يا ريس الحب أدركني فقد وحلت * مراكب الحب بي في بحر أشواقي * * ولي بضاعة صبر ضاع أكثرها * وقد علانا الهوى يستغرق الباقي * وله أيضا * تفقهت في عشقي لمن قد هويته * ولي فيه بالتحرير قول ومذهب * * وللعين تنبيه به طال شرحه * وللقلب منه صدق ود مهذب * وقال أيضا * عندي هوى لك طال عمر زمانه * لم يبق لي صبر على كتمانه * * قد ضل قلبي عن طريق سلوه * فد ليله لا يهتدي لمكانه * * يا صاحب القلب الذي أفراحه * تلهيه عن قلبي وعن أحزانه * * عيني لفقدك قد بدا إنسانها * وجفا الكرى شوقا إلى إنسانه * * يا من بدا في حسنه متلطفا * فعشقته وطمعت في إحسانه * * كان اعتقادي أن أفوز بوصله * فحرمته ورزقت من هجرانه * * كان الرقاد لصيد طيفك حيلتي * فسلبته وفجعتني بعيانه * * ومنعتني أن أجتني من وصله * ثمرا يطيب جناه قبل أوانه * * ضمن التلطف منك وصلي في الهوى * لكن أطال وما وفي بضمانه * * خوف الفراق إلى حماك يسوقني * فمتى أفوز من اللقا بأمانه * وقال أيضا * مد لي من أحب حبل صدود * حين أوهي تجلدي واصطباري * * ثم قال امش لي عليه سريعا * كيف أمشي وما أنا باختياري * وقال أيضا * أرى المشتري في روضة الحسن قد بدا * على رصد المعشوق فالقلب واجد *
555 * وحقك ما السبع الوجوه إذا بدت * بمغنية عن وجهه وهو واحد * وقال أيضا * خدمت لذاك الوجه للثغر ناظرا * لعلي أمسي واليا من ولاته * * وأصل حسابي ضبط حاصل وصله * وتقبيله مستخرج من جهاته * وقال أيضا * لي حبيب منه أرى وجه بدر * لم يزل داخلا بباب السعاده * * هو للحسن جامع حاكمي * فلهذا عشاقه في الزياده * وقال أيضا * نديمي ومن حالي من الوجد حاله * ومن هو مثلي عن مناه بعيد * * أعد ذكر من أهوى فإني مدرس * لذكراه من شوقي وأنت معيد * وقال أيضا * ألا هل لجمع الشمل ممن أحبه * دعوتك ملهوفا وأنت سميع * * فلم يبق لي مما تشوقت مهجة * ولم يبق لي مما بكيت دموع * وله أيضا غفر الله له * أفدي رئيسا كل فعل له * يحبه العبد ويرضاه * * ومثله خادمه محسن * والعبد من طينة مولاه * وقال أيضا * يا مرحبا بقدوم جيران النقا * كمل السرور بهم وطاب الملتقى * * أنست بقربهم المنازل واغتدى * وجه الزمان بهم منيرا مشرقا * * ولطيب نشرهم تعطرت الصبا * وأرى على الدنيا بذلك رونقا * * فتهن يا قلبي تهن وطالما * قد بت نحوهم كئيبا شيقا * * يا ناظري ولك البشارة طالما * أبكاك من ألم البعاد وأرقا *
556 * فلمثل هذا اليوم كنت مؤملا * وإليه كنت على المدى متشوقا * * يا جيرة صفت الحياة بقربهم * وغدا بهم روض المسرة مونقا * * لا تحسبوا أني سررت بغيركم * مذ كان شمل وصالنا متفرقا * * وحياتكم ما لي سواكم مرتجي * أبدا ولست بغيركم متعلقا * * لكنني أخشى على أسراركم * دمعا غدا متدافعا متدفقا * * قد عبرت عبراته عن كل ما * أخفي بطول بكائها لا منطقا * * أحببتكم وأشعت حب سواكم * إذ كنت حذرانا عليكم مشفقا * * ولقد وجدت لبينكم يا سادتي * ما أزعج القلب المشوق وأقلقا * وقال أيضا * سأودعك السر الذي قد كتمته * وأعلمك الأمر الذي قد علمته * * وأفهمك المعنى اللطيف من الهوى * وأشرحه حتى تقول فهمته * * فعندي حديث منك سوف أقوله * إذا ما خلونا ساعة الوصل قلته * * وتقرأ من شوقي كتابا مترجما * بدمعي على خدي إليك كتبته * * وبي منك داء أصله كان نظرة * عدمت اصطباري عنك لما وجدته * * سألت طبيب الحي ماذا دواؤه * فرق لما أشكوه لما سألته * * أراني إذا أبصرت شخصك مقبلا * تغير مني الحال عما عهدته * * وقال جليسي ما لوجهك أصفرا * فقلت له بالرغم مني صبغته * * ومد لمن تهوى فقلت أهابه * ويشرقني دمعي إذا ما ذكرته * وقال وقد رأى زفة مليح ليلة عرسه * عاينت في بارحتي زفة * قضيت فيها كل أوطاري * * وشمعها مثل نجوم الدجى * محيطة بالقمر الساري * * ما زلت مذ عاينتها قائلا * يا ليتها كانت إلى داري * فلما سمع والد العروس هذه الأبيات حمل وله طبق حلوى وأتى به إلى باب الشيخ تقي الدين لما كان يعتقده فيه وقال أيضا وهو عليل * بالله إن حضرت لديك منيتي * وشهدت من روحي الغداة حمامها *
557 * فكن الوفي لها فأنت قتلتها * وتمش خلف جنازتي وأمامها * * فلعل منكرا أو نكيرا يبلغا * روحي بأنك قد وفيت ذمامها * وقال أيضا رحمه الله موشحا * بالروح أفديك يا حبيبي * إن كنت ترضى بها فداك * * فداوني اليوم يا طببي * فالجسم قد ذاب من جفاك * * يا طلعة البدر إن تجلى * وإن تثنى فغصن بان * * بالوصل طوبى لمن تملى * ونال من قربك الأمان * * قل لي نعم قد ضجرت من لا * وضاع مني بها الزمان * * فارجع إلى الله من قريب * فبعض ما حل بي كفاك * * من دمع عيني ومن نحيبي * وادي الحمى أنبت الأراك * * والله ما كنت في حسابي * وإنما عشقك اتفاق * * وما أنا من ذوي التصابي * فلم دمي في الهوى يراق * * وكلت بي تبتغي عذابي * بالصد والبين والفراق * * ثلاثة قد غدت نصيبي * يا ليتها لا عدت عداك * * وإن تكن ترتضي الذي بي * فإن كل المنى رضاك * * إن طال شوقي وزاد وجدي * فإنني عاشق صبور * * إسمع حديثي بقيت بعدي * أنا وحق النبي غيور * ما أشتهي أن يكون ضدي * يمشي حواليك أو يدور * * كأنما لحظه رقيبي * ملازم عندما أراك * * يسعى إلى الناس في مغيبي * يقول هذا يحب ذاك * * جميع ما تشتهي وترضى * على إحضاره إليك * * وذاك شيء أراه فرضا * بالله قل لي وما عليك * * أنفق وخذ ما تريد نضا * فحاصلي أمره لديك * * فأنت يا نزهتي طبيبي * عن صحبتي ما لك انفكاك * * ولا ابن عمي ولا نسيبي * يرى إلى مهجتي سواك *
558 * إن كنت تهوى مقام شرب * قم نغتبق ثم نصطبح * * تعالي حتى تزيل عتبي * وبعد ذا العتب نصطلح * * والحقد في القلب لا تعبي * وروح الهم تسترح * * فالعيش للعاشق الكئيب * يطيب للأنس في حماك * * في خلسة المنظر العجيب * تجيبه كلما دعاك * وقال أيضا موشحا رحمه الله * يا لائمي في الهوى كفاني * فعد عن بعض ذا الملام * * لم لا تلوم الذي جفاني * وصد عن مقلتي المنام * * هواه من أشكل المسائل * كم حار في وصفه فقيه * * وفيه ما تنفع الوسائل * أخشاه جهدي واتقيه * * وكم عتاب وكم رسائل * أعدها حين ألتقيه * * يهتز من نشوة الدنان * كأنما لحظه مدام * * وتعتري سكتة اللسان * يعود لا يفصح الكلام * * أقسام هجرانه لعشقي * ماض ومستقبل وحال * * خاطرت في حبه بنطقي * إذ قلت لا بد من وصال * * أخلصت عزمي به وصدقي * وقد تعرضت للسؤال * * عسى بعين الرضا يراني * من غير عجب ولا احتشام * * يبدل البعد بالتداني * ويعقب الهجر بالتئام * * سكرت من حبه بشمس * من فوق عطفيه تطلع * * وفيه يومي مضى وأمسي * وشملنا ليس يجمع * * وعسى غداة اللقاء أمسي * قد ضمنا فيه موضع * * وأنهب العيش من زماني * بالضم من ذلك القوام * * وأبلغ القصد والأماني * بلثم ما قد حوى اللثام * * ما لي عذول عليه لكن * لسوء حظي له رقيب * * يكون في أبعد الأماكن * تلقاه من جمعنا قريب *
559 * وفي فؤادي هواه ساكن * وما لدائي به طبيب * * في حسنه كامل المعاني * كأنه البدر في التمام * * وإنما نقصه اعتراني * وذاب قلبي من الغرام * * إذا تخلصت من غرامي * أتوب منه ولا أعود * * ولا أقاسي على الدوام * من لم يزل ينقض العهود * أجفان عيني به دوامي * منطول ما يخلف الوعود * * أراه بالطيف إن أتاني * وليس في وصله مرام * * وعن كلامي به تواني * حتى ولا لفظة السلام * رحمه الله تعالى وتجاوز عنا وعنه وعن جميع المسلمين آمين يا رب العالمين 226 جمال الدين بن غانم عبد الله بن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل جمال الدين ابن الشيخ علاء الدين بن غانم الكاتب الناظم الناثر الفاضل المترسل كان شابا حسن الشكل مليح الوجه جيد الكتابة في الدرج مع قوة وأصالة وتسرع في الإنشاء يكتب من رأس قلمه وله غوص في نثره ونظمه مولده في شوال سنة إحدى عشرة وسبعمائة وتوفي في آخر شوال سنة أربع وأربعين وسبعمائة رحم الله تعالى شبابه ويسر حسابه مرض في مدة عمره مرضا حادا مرة ونجاه الله تعالى منه ثم إنه حصلت له سعلة قرحت منه قصبة الرئة وبقي متمرضا من ذلك يصح آونة ويعتل أخرى إلى أن قضى نحبه وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى يرثيه * تبكي الطروس عليك والأقلام * وينوح فيك على الغصون حمام * * يا من حواه اللحد غصنا يانعا * وكذا كسوف البدر ترام * * يا وحشة الديوان منك إذا غدت * فيه مهمات البريد ترام * * من ذا يوفيها مقاصدها على * ما يقتضيه النقض والإبرام * * هيهات كنت له جمالا باهرا * فعليه بعداك وحشة وظلام *
560 * أسفي على الإنشاء وهو بجلق * نشاؤه قد مات والنظام * * كم من كتاب سار عنك كأنه * برد أجاد طرازه الرقام * * إن كان في شر فقد رد الردى * وبه ترفه ذابل وحسام * * لم لا يرد البأس ما ألفاته * مثل القنا واللام منه لام * * أو كان في خير فكل كلامه * در يؤلف بينهن نظام * * وكأنما تلك السطور إذا بدت * كأس ترشف راحها الأفهام * * يهتز عطف أولى النهى لبيانه * فكأن هاتيك الحروف مدام * * كم فيه وجه سافر مثل الضحى * وعليه من ليل السطور لثام * * ولكم كتبت مطالعات خدها * قان وثغر فصولها بسام * * وكأنما ألفاتها قضب اللوى * وكأنما همزاتهن حمام * * صلى وراءك كل من عاصرته * علما بأنك في البيان إمام * * وكأن قبرك للعيون إذا بدا * قصر عليه تحية وسلام * * لما تغيب في التراب جمالهم * قعدوا لهول عاينوه وقاموا * * ما كنت إلا فارس الكتب التي * فيها تعرق صنعها الأقلام * * ما محنة نزلت بعترة غانم * هانوا وهم في العالمين كرام * * يا قبرة لا تنتظر سقيا الحيا * حزني ودمعي بارق وغمام * * لي فيك خل كم قطعت بقربه * أيام أنس والخطوب نيام * * لذت فلذت بظلها فكأنها * لقياد لذات الزمان زمام * * أسفي على صحب مضى عمري بهم * وصفت بقربي منهم الأيام * * ثم انقضت تلك السنون وأهلها * فكأننا وكأنهم أحلام * * بالرغم منى أن أفارق صاحبا * لي بعده ضر النوى وغرام * * يا من تقدمني وسار لغاية * لا بد لي منها وذاك لزام * * قد كنت أحسبه يرثيني فقد * عكست قضيته معي الأحكام * * أنا ما أراك على الصراط لأنه * بيني وبينك في الأنام زحام * * إذا قد سبقت خفيف ظهر لا كمضن * قد قيدت خطواته الآثام *
561 * فاز المخف وقد تقدم سابقا * وشيفعه لإلهه الإسلام * * فاذهب فأنت وديعة الرحمن لي * يلقاك منه البر والإكرام * * ويجود قبرك منه غيث سماحة * بالعفو صيب ودقها سجام * * ولقد قضيتك حق ودك بالرثا * والحر من يرعى لديه ذمام * * خلفتني رهن التندم والأسى * تعتادني الأحزان والآلام * ومن شعر جمال الدين المذكور ما كتبه إلى الشيخ صلاح الدين الصفدي وهو بالديار المصرية * ذكرت قلبي حين شط مزارهم * بهم فناب عن الهوى تذكارهم * * وبكى فؤادي وهو منزل حبهم * وأحق من تبكي الأحبة دارهم * * وبجلق الجفن الهمول كأنما * زهر الربا وكأنها أمطارهم * * وبكين من حالي العواذل رحمة * لما بكيت وما الأنين شعارهم * * وبح المحبين الذين بودهم * قرب المزار ولو نأت أقطارهم * * فقدوا خليلهم الحبيب فأذكيت * بالشوق ما بين الأضالع نارهم * * مولى تقلص ظل أنس منه عن * أصحابه فاستوحشت أفكارهم * * كم راقهم يوما برؤية وجهه * مالا يروقهم له دينارهم * * ولكم بدت أسماعهم في حلية * من لفظه وكذا غدت أبصارهم * * كانوا بصحبته اللذيذة رتعا * بمسرة ملئت بها أعشارهم * * يتنافسون على دنو مزاره * وكأنما بلقاه كان فخارهم * * لا غيب الرحمن رؤية وجهه * عن عاشقيه * فإنها أوطارهم) 5 * وجلا ظلام بلادهم من نوره * فلقد تساوى ليلهم ونهارهم * فكتب الشيخ صلاح الدين إليه الجواب * أفدى الذين إذا تناءت دارهم * أدناهم من دارهم تذكارهم * * في جلق الفيحاء منزلهم وفي * مصر بقلب الصب تضرم نارهم *
562 * قوم بذكرهم الندامى أعرضوا * عن كأسهم وكفتهم أخبارهم * * وإذا الثناء على محاسنهم أتى طربوا له وتعطلت أوتارهم * * وإذا هم نظروا بحسن وجوههم * لم تبق أنجمهم ولا أقمارهم * * فهم النجوم إذا ادلهم ظلامهم * وهم الشموس إذا استنار نهارهم * * دنت النجوم تواضعا لمحلهم * وترفعت من فوقها أقدارهم * * وبكفهم وبوجههم كم قد همت * أنواؤهم وتوقدت أنوارهم * * أهدى جمالهم إلى تحية * منها يدار على الأنام عقارهم) 5 * لك يا جمال الدين سبق في الوفا * حتى تقر لصفوه أكدارهم * * يا بن الكرام الكاتبين فشأنهم * صدق المودة والوفاء شعارهم * * قوم إذا جاءوا إلي شأو العلا * سبقوا إليه ولم يشق غبارهم * * صانوا وزانوا باليراع ملوكهم * أسوارهم من كتبهم وسوارهم * * ما مثلهم في وجدهم فلذاك قد * عزت نظائرهم وهان نظارهم * * فتعلم الشيمات من أخلاقهم * وتذوب عن زهر الربا أشعارهم * * وحماهم يحمي النزيل بربعه * من جور ما يخشى ويرعى جارهم * * بالرغم مني ان بعدت ولم أجد * ظلا تفيئه على ديارهم * * لو كان يمكنني وما أحلى المنى * ما غاب عني شخصهم ومزارهم * * ويح النوى شمل الأحبة فرقت * فمتى يفك من البعاد إسارهم 9 * واجتمع يوما هو وجمال الدين بن نباتة في غياض السفرجل فقال جمال الدين بن نباتة * قد أشبه الحمام منزل لهونا * فالماء يسخن والأزاهر تحلق) 5 * فلذاك جسمي منشد ومصحف * عرق على عرق ومثلي يعرق * فقال جمال الدين بن غانم * ما أشبه الحمام منزل لهونا * إلا لمعنى راق فيه المنطق * * فالدوح مثل قبابه والزهر كالجامات * فيه وماؤه يتدفق *
563 227 الورن عبد الله بن عمر بن نصر الله الفاضل الحكيم موفق الدين الأنصاري المعروف بالورن كان قادرا على النظم وله مشاركة في الطب والوعظ والفقه وكان حلو النادرة لا تمل مجالسته أقام ببعلبك مدة وخمس مقصورة ابن دريد ومرثية في الحسين بن علي عليه السلام وتوفي سنة سبع وسبعين وستمائة ومن شعره رحمه الله تعالى * أنا أهوى حلو الشمائل ألمى * مشهد الحسن جامع الأهواء * * آية النمل قد بدت فوق خديه * فهيموا يا معشر الشعراء * وكتب أيضا إلى بعض الكتاب * أيا بن السابقين إلى المعالي * ومن في مدحه قالي وقيلي * * لقد وصل انقطاعي منك وعد * فمن قطع الطريق على الوصول * وقال أيضا * من لي بأسمر في سواد جفونه * بيض وحمر للمنايا تنتضى * * كيف التخلص من لواحظه التي * بسهامها في القلب قد نفذ القضا) 5 * أو كيف أجحد صبوة عذرية * ثبت بشاهد قده العدل الرضا * وقال أيضا * تجور بجفن ثم تشكو انكساره * فواعجبا تعدو على وتستعدي * * أحمل أنفاس القبول سلامها * وحسبي قبولا حين تسعف بالرد * * تثنت فمال الغصن شوقا مقبلا * من الترب ما جرت به فاضل البرد * وقال أيضا * يا سعد إن لاحت هضاب المنحنى * وبدت أثيلات هناك تبين * * عرج علي الوادي فإن ظباءه * للحسن في حركاتهن سكون * وقال أيضا * لله أيامنا والشمل منتظم * نظما به خاطر التفريق ما شعرا *
564 * وا لهف نفسي على عيش ظفرت به * قطعت مجموعة المختار مختصرا * وقال أيضا * أرى غدير الروض يهوى الصبا * وقد أبت منه سكونا يدوم * * فؤاده مرتجف للنوى * وطرفه مختلج للقدوم * وقال أيضا * حار في لطفه النسيم فأضحى * رائحا نجوه اشتياقا وغادي * * مذ رأى الظبي منه طرفا وجيدا * هام وجدا عليه في كلوادي * وقال أيضا * يذكرني نشر الحمى بهبوبه * زمانا عرفنا كل طيب بطيبه * * ليال سرقناها من الدهر خلسة * وقد أمنت عيناي عين رقيبه * * فمن لي بذاك العيش لو عاد وانقضى * وسكن قلبي ساعة من وجيبه * * ألا إن لي شوقا إلى ساكن الغضا * أعيذ الغضا من حره ولهيبه * * أحن إلى ذاك الجناب ومن به * ويسكرني ذاك الشذا من جنوبه * * أخا الوجد إن جاوزت رمل محجر * وجزت بمأهول الجناب رحيبه * * دع العيس تقضي وقفة بربا الحمى * ودع محرما يجري بسفح كثيبه * * وقل لغريب الحسن ما فيك رحمة * لمفرد وجد في هواك غريبه * * متى غرد الحادي سحيرا على النقا * أمال الهوى العذري عطف طروبه * * وإن ذكرت للصب أيام حاجر * هناك يقضي نحبه بنحيبه * وقال أيضا * رق النسيم لطافة فكأنما * في طيه للعاشقين عتاب * * وسرى يفوح معطرا وأظنه * لرسائل الأحباب فيه جواب * وقال أيضا * يا ليالي الحمى بعهد الكثيب * إن تناءيت فارجعي من قريب * * أي عيش يكون أطيب من عيش محب يخلو بوجه الحبيب * * يقطع العمر بالوصال سرورا * في أمان من حاسد ورقيب * * يتجلى الساقي عليه بكأس * هو منها ما بين نور وطيب * * كلما أشرقت ولاح سناها * آذنت من عقولنا بغروب *
565 * خلت ساقي المدام يوشع لما * رد شمسا بالكأس بعد المغيب * * نغمات الروواق يفقهها الكأس * ويوحي بسرها للقلوب * * فلهذا يميل من نشوة الكأس * طروبا من لم يكن بطروب * * يا نديمي أشمأل أم شمول * رق منها وراق لي مشروبي * * أم قدود السقاة مالت فملنا * طربا بين واجد وسليب * * أم نسيم من حاجر هب وهنا * فسكرنا بطيب ذاك الهبوب * * أم سرى في الأرجاء من عنبر الجو * وأريج بالبارق المشبوب * * ما ترى الركب قد تمايل سكرا * وأمالوا مناكبا لجنوب * * لست أبكي على فوات نصيب * من عطايا دهري وأنت نصيبي * * وصديقي إن عاد فيك عدوي * لا أبالي ما دمت لي يا حبيبي * وقال أيضا * لا غرو إن سلبت بك الألباب * وبديع حسنك ما عليه حجاب * * يا من يلذ على هواه تهتكي * شغفا ويعذب لي عليه عذاب * * حسبي افتخارا في هواك بأن لي * نسبا له تسمو به الأنساب * * أجبابنا وكفى عبيد هواكم * شرفا بأنكم له أحباب * * يا سعد مل بالعيس حلة منزل * أضحى لعزة ساكنيه يهاب * * ربع تود به الخدود إذا مشيت * فيه سليمى أنها أعتاب * * كم في الخيام أهلة هالاتها * تبدو لعينك برقع ونقاب * * وشموس حسن أشرقت أنوارها * أفلاكهن مضارب وقباب * * شنوا على العشاق غارات الهوى * فإذا القلوب لديهم أسلاب * * من كل هيفاء القوام إذا أنثنت * هز الغصون بقدها الإعجاب * * تهب الغرام لمهجتي في أسرها * فجمالها الوهاب والنهاب * * وغدت تجر على الكثيب برودها * فإذا العبير لدى ثراه تراب * وقال أيضا * طرفي على سنة الكرى لا يطوف * وبخيلة بخيالها لا تسعف * * وأضالعي ما تنطفي زفراتها * إلا وتذكيها الدموع الذرف * * شمت الحسود لأن ضنت وما درى * أني بأثواب المنى أتشرف)
566 * يا غائبين وما ألذ نداهم * وحياتكم قسمي وعز المصحف * * إن بشر الحادي بيوم قدومكم * ووهبته روحي فما أنا منصف * * قد ضاع في الآفاق نشر خيامكم * وأرى النسيم بغرفها يتعرف * 228 السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أمير المؤمنين السفاح أول خلفاء بني العباس ولد بالحميمة مولده سنة ثمان ومائة وتوفي في سنة ست وثلاثين ومائة الجدري وعاش ثمانية وعشرين سنة وبويع له بالكوفة سنة إحدى وثلاثين ومائة وهو ابن أربع وعشرين سنة وقد كانت ولايته أربع سنين وثمانية أشهر ولما صعد المنبر خطب قائما فقال الناس يا بن عم رسول الله أحييت السنة وكانت بنو أمية تخطب قعودا ولم يحج في خلافته وصل عبد الله بن حسن بن الحسن بألفي ألف درهم وهو أول خليفة وصل بهذه الجملة ولما تولى الخلافة وأصعده أبو مسلم المنبر أرتج عليه فقال * فإن لم أكن فيكم خطيبا فإنني * بسيفي إذا جد الوغى لخطيب * وأخذ سيفه في يده ونزل فعجب الناس من بلاغته وإصابته المعنى وهو أول من نزل العراق من خلفاء بني العباس بنيت له المدينة الهاشمية إلى جانب الأنبار وبها قبره وهي المعروفة الآن بالآنبار لأن الأولى درست وكان من أكرم الناس في المعاشرة وأسمحهم بالمال ومن شعره قوله في بني أمية * تناولت ثأري من أمية عنوة * وحزت بثأري اليوم من سلفي قسرا * * وألقيت ذلا من مفارق هاشم * وألبستها عزا وأعليتها قدرا *
567 ومن كلامه ما أقبح الدنيا بنا إذا كانت لنا وأولياؤنا خالون من حسن آثارها وقال الأناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة ولما وقع في النزع كان آخر كلامه إليك يا رب لا إلى النار 229 المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين ولد سنة خمس وتسعين وكان قبل الخلافة يقال له عبد الله الطويل وصرف الآفاق إلى الحيرة والعراق وأصبهان وفارس أتته الخلافة وهو بمكة عهد إليه أخوه السفاح وكان أسمر طويلا نحيفا خفيف العارضين مفرق الوجه رحب الجبهة يخضب بالسواد كأن عينيه لسانان ناطقان يخلط أبهة الملك بزي النساك تقلبه القلوب وتتبعه العيون وكأن من أفراد الدهر حزما ودهاء وجبروتا حريصا على جميع المال وكان يلقب أبا الدوانيق لمحاسبته الكتاب والعمال والدوانيق وكلن شجاعا مهيبا تاركا للهو واللعب كامل العقل قتل خلقا كثيرا حتى ثبت الأمر له ولولده وكان فيه عدل وله حظ من صلاة وعلم وفقه توفي محرما على باب مكة في سادس ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة ودفن ما بين الحجون وبئر ميمون وكان فحل بني العباس وكان بليغا فصيحا ولما مات خلف في بيوت الأموال تسعمائة ألف ألف دينار وخمسين ألف ألف درهم وقال رأيت كأني في الحرم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة وبابها مفتوح فنادى مناد أين عبد الله فقام أخي أبو العباس السفاح حتى صار عل الدرجة فأدخل فما لبث أن أخرج ومعه لواء أسود على قفاه قدر أربعة أذرع ثم نودي أين عبد الله فقمت إلى الدرجة فصعدت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وبلال فعقد لي
568 وأوصاني بأمته وعممني بعمامة وكان كورها ثلاثة وعشرين وقال خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة وعاش أربعا وستين سنة توفي ببئر ميمون من أرض الحرم وكان يقول حين دخل في الثلاث وستين هذه تسميتها العرب القاتلة والحاصدة وكان نقش خاتمه الحمد لله ومن شعره قوله لما قتل أبا مسلم الخراساني * زعمت أن الدين لا يقتضى * فاكتل بما كلت أبا مجرم * * واشرب كئوسا كنت تسقي بها * أمر في الحلق من العلقم * * حتى متى تضمر بغضا لنا * وأنت في الناس بنا تنتمي * 230 الأحوص عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري أبو محمد المعروف بالأحوص لحوص كان في عينيه كان جده عاصم يقال له حمى الدبر وأمه أثيلة بني عمير بن مخشي عده ابن سلام في الطبقة السادسة من شعراء الإسلام مع ابن قيس الرقيات ونصيب وجميل قال صاحب الأغاني و الأحوص لولا ما وضع به نفسه من دنيء الأخلاق والأفعال أشد تقدما منهم عند جماعة أهل الحجاز وأكثر الرواة قدم دمشق في خلافة يزيد بن عبد الملك ومات فيها سنة خمس ومائة وكان الأحوص ينسب بنساء ذوات أخطار من أهل المدينة ويتغنى في شعره معبد ومالك ويشيع ذلك في الناس فنهى فلم ينته فشكى إلى عامل سليمان ابن عبد الملك على المدينة فكتب فيها العامل إلى الخليفة فأمره بضربه مائة سوط وأن يصيره إلى دهلك ثم ولى عمر بن عبد العزيز فأتاه رجال من الأنصار فكلموه فيه وسألوه أن يقدمه فقال عمر فمن الذي يقول
569 * فما هو إلا أن أراها فجاءة * فأبهت حتى ما كاد أجيب * قالوا الأحوص قال فمن الذي يقول * أدور ولولا أن أرى أم جعفر * بأبياتكم ما درت حيث أدور * * وما كنت زوارا ولكن ذا الهوى * إذا لم يزر لا بد أن سيزور * قالوا الأحوص قال فمن الذي يقول * كأن لبنى صبير غادية * أو دمية زينت بها البيع * * ألله بيني وبين قيمها * يفر منى بها وأتبع * قالوا الأحوص قال بل الله بينه وبين قيمها فمن الذي يقول * سيبقى لها في مضمر القلب والحشا * سريرة حب يوم تبلى السرائر * قالوا الأحوص قال إن الفاسق عنها يومئذ لمشغول والله لا أرده ما دام لي سلطان فمكث هناك بقية أي عمر وصدرا من ولاية يزيد بن عبد الملك فبينما يزيد وجاريته ليلة على سطح وهي تغنيه بشعر من شعر الأحوص فقال لها من يقول هذا قالت وعيشك لا أدري فاستخبر عنه فعرفوه أنه الأحوص وأنه قد طال حبسه فأمر له بمائة دينار وكسوة وأطلقه 231 المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد أمير المؤمنين أبو القاسم بن ذخيرة الدين أبي العباس أبن الإمام القائم بأمر الله بويع له بالخلافة في ثالث شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة وهو ابن تسع عشرة سنة وتوفي أبوه الذخيرة والمقتدي حمل وقال ابن النجار ظهر في أيامه خيرات كثيرة وآثار حسنة في البلاد وتوفي فجأة في تاسع عشر من المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة وكان قد أحضر إليه تقليد
570 السلطان بركياروق ليعلم عليه فقرأه وعلم عليه ثم تغدى وغسل يديه وعنده جاريته شمس النهار فقال لها هؤلاء الأشخاص قد دخلوا بغير إذن قالت فالتفت فلم أر شيئا ورأيته قد تغير حاله واسترخت يداه فظننت أنه قد غشي عليه فقلت لجارية عندي ليس هذا وقت البكاء واستحضرت الوزير وأخبرته الخبر فلأخذ البيعة لولده المستظهر بالله احمد وكانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة والحرمة وافرة وكان محبا للعلوم مكرما لأهلها وله شعر منه * أردت صفاء العيش مع من أحبه * فحاولني عما أريد مريد * * وما اخترت بت الشمل بعد اجتماعه * ولكنه مهما يريد أريد * وله أيضا * أما والذي لو شاء غير ما بنا * فأهوى بقوم في الثريا إلى الثرى * * وبدلنا من ظلمة الجور بعد ما * دجا ليلها صبحا من العدل مسفرا * وكانت خلافته عشرين سنة وأشهرا وأمه أم ولد كان أبيض أشهل رحمه الله 232 الخفاجي عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان أبو محمد الشاعر الأديب أخذ الأدب عن أبي العلاء المعري وأبي نصر المنازي وتوفي بقلعة عزاز مسموما وحمل إلى حلب وصلى عليه الأمير محمود بن صالح وكانت وفاته في سنة ست وستين وأربعمائة وكان يرى رأي الشيعة الإمامية وكان قد عصى بقلعة عزاز من أعمال حلب وكان بينه وبين أبي نصر بن النحاس الوزير لمحمود ابن صالح مودة مؤكدة فامر محمود أبا نصر بن النحاس أن يكتب إلى الخفاجي كتابا يستعطفه ويؤنسه وقال إنه لا يؤمن إلا إليك ولا يثق إلا بك
571 فكتب إليه كتابا فلما فرغ منه وكتب إن شاء الله تعالى شدد النون من إن فلما قرأه الخفاجي خرج من عزاز قاصدا حلب فلما كان في الطريق أعاد النظر في الكتاب فلما رأى التشديد على النون أمسك رأس فرسه وفكر في نفسه وأن ابن النحاس لم يكتب هذا عبثا فلاح له أنه أراد * (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) * القصص 20 فعاد إلى عزاز وكتب الجواب أنا الخادم المعترف بالإنعام وكسر الألف من أنا وشدد النون وفتحها فلما وقف أبو نصر على ذلك سر به وعلم أنه قصد به * (إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها) * المائدة 24 وكتب الجواب يستصوب رأيه فكتب إليه الخفاجي * خف من أمنت ولا تركن إلى أحد * فما نصحتك إلا بعد تجريب * * إن كانت الترك فيهم غير وافية * فما تزيد على غدر الأعاريب * * تمسكوا بوصايا اللؤم بينهم * وكاد أن يدرسوها في المحاريب * واستدعى محمود بأبي نصر بن النحاس وقال له أنت أشرت على بتولية الخفاجي وما أعرفه إلا منك ومتى لم تفرغ بالي منه قتلتك وألحقت بك جميع ما بينك وبينه صلة وحرمة قال مرني بأمر أمتثله قال تمضي إليه وصحبتك ثلاثين فارسا فإذا قاربته عرفه بحضورك فإنه يلتقيك فإذا حضر وسألك النزول عنده والأكل معه فامتنع وقل له إني حلفتك ألا تأكل زاده ولا تحضر مجلسه حتى يطيعك في الحضور عندي وطاوله في الحديث حتى يقارب الظهر ثم أدع أنك جعت وأخرج هذا الخشكنانجتين فكل أنت هذه وأطعمه هذه فإذا استوفى أكله فجعل الحضور إلى فإن منيته فيها ففعل ما أمر به ولما أكلها الخفاجي رجع أبو نصر إلى حلب ورجع الخفاجي إلى عزاز ولما استقر بها وجد مغصا شديدا ورعدة مزعجة وقال قتلني والله أخي أبو نصر ثم أمر بالركوب خلفه ورده ففاتهم ووصل إلى حلب وأصبح من الغد عند محمود فجاءوه من عزاز من أخبره من الخفاجي في السياق ومات وحمل إلى حلب وللخفاجي من المصنفات كتاب سر الفصحاة كتاب الصرفة كتاب
572 الحكم بين النظم والنثر صغير كتاب عبارة المتكلمين في أصول الدين كتاب في رؤية الهلال كتاب حكم منثورة كتاب العروض مجدول ومن شعره رحمه الله تعالى * وقالوا قد تغيرت الليالي * وضيعت المنازل والحقوق * * فأقسم ما أستجد الدهر خلقا * ولا عدوانه إلا عتيق * * أليس يرد عن فدك على * ويملك أكثر الدنيا عتيق * وله أيضا * بقيت وقد شطت بكم غربة النوى * وما كنت أخشى أنني بعدكم أبقى * * وعلمتموني كيف أصير عنكم * وأطلب من رق الغرام بكم عتقا * * فما قلت يوما للبكاء عليكم * رويدا ولا للشوق بعدكم رفقا * * وما الحب إلا آن أعد قبيحكم * إلى جميلا والقلي منكم عشقا * وقال * هل تسمعون شكاية من عاتب * أو تقلبون إنابة من تائب * * أم كل ما يتلو الصديق عليكم * في جانب وقلوبكم في جانب * * أما الوشاة فقد أصابوا عندكم * سوقا ينفق كل قول كاذب * * فملليم من صابر ورقدتم * عن ساهر وزهدتم في راغب * * وأقل ما حكم الملال عليكم * سوء القلى وسماع قول العاتب * وقال * ما على محسنكم لو أحسنا * إنما نطلب شيئا هينا * * قد شجانا اليأس من بعدكم * فادركونا بأحاديث المنى * وعدوا بالوصل من طيفكم * مقلة تعرف فيكم وسنا * * لا وسحر بين أجفانكم * فتن الحب به من فتنا * * وحديث من مواعيدكم * تحسد العين عليه الأذنا *
573 * ما رحلت العيس عن أرضكم * فرأت عيناي شيئا حسنا * وقال من أبيات * وعلى الغضا إن منت من جيرانه * نار تقسم حرها العشاق * * ومحلئون عن المناهل بعد ما * شرقت بجمة مائها الطواق * * ومشتت العزمات ينفق عمره * حيران لا ظفر ولا إخفاق * * أمل يلوح اليأس في أثنائه * وغنى يشف وراءه الإملاق * * يمري عفافه ثروة لو أنها * نوم لما شعرت به الأحداق * وقال أيضا * سلا ظبية الوعساء هل فقدت خفا * فإنا لمحنا من مرابعها طرفا * * وقلا لخوط البان فليمسك الصبا * عليها فإنا قد عرفنا بها عرفا * * سرت من هضاب الشام وهي مريضة * فما ظهرت إلا وقد كاد أن تخفى * * عليلة أنفاس تداوي بها الجوى * وضعفي ولكن قد وجدنا بها ضعفا * * وهاتفة في البان تملي غرامها * وتتلو علينا من صبابتها صحفا * * عجبت لها تشكو الفراق جهالة * وقد جاوبت من كل ناحية ألفا * * ويشجي قلوب العاشقين حنينها * وما فهموا مما تغنت به حرفا * * ولو صدقت فيما تقول من الأسى * لما لبست طوقا ولا خضبت كفا * * أجارتنا أذكرت من كان ناسيا * وأضرمت نارا للصبابة لا تطفا * * وفي جانب الماء الذي تردينه * مواعيد لا ينكرن ليا ولا خلفا * * ومهزوزة للبان فيها تمايل * جعلن لها في كل قافية وصفا * * لبسنا عليها بالثنية ليلة * من السود لم يطو الصياح لها سجفا * * لعمري لئن طالت علينا فإننا * بحكم الثريا قد قطعنا لها كفا * * رمينا بها في الغرب وهي ضعيفة * ولم نبق للجوزاء عقدا ولا شنفا * * كأن الدجى لما تولت نجومه * مدبر حرب قد هزمنا له صفا * * كأن عليه للمجرة روضة * مفتحة الأنوار أو نثرة زغفا * * كأنا وقد ألقى إلينا هلاله * سلناه جاما أو فصمنا له وقفا *
574 * كأن السها إنسان عين غريقة * من الدمع يبدو كلما ذرفت ذرفا * * كأن سهيلا فارس عاين الوغى * ففر ولم يشهد طرادا ولا زحفا * * كأن سنا المريخ شعلة قابس * تخطفها عجلان يقذفها قذفا * * كأن أفول النسر طرف تعلقت * به سنة ما هب منها ولا أغفا * 233 العطار عبد الله بن محمد الأزدي المغربي المعروف بالعطار في الأنموذج شاعر حاذق نقي اللفظ جدا لطيف الإشارات مليح العبارات صحيح الاستعارات على شعره ديباجة ورونق يمازج النفس ويملك الحس وفيه مع ذلك قوة ظاهرة قال ولم أرى عطار عطارديا عينه شيئا إلا صنعته يده وكان الأمير حسين بن ثقة الدولة قد أراده للكتابة فأبى وكانت له عند عبد الله بن حسن بمدينة طرابلس الغرب حال شريفة وجارية ووظيفة إلى أن نازعته نفسه إلى الوطن وكانت وفاته بعد الخمسمائة ومن شعره * أعرضن لما أن عرضن فإن يكن * حذرا فأين تلفت الغزلان * * عطرن جيب الريح ثم بعثنها * طرب الشمس ورائد الغيران * * وكأنما أسكرنها فترنمت * بحليهن ترنم النسوان * * يا بنت ملتحف العجاج كأنه * قبس يضيء سناه تحت دخان * * إذ ينشر الطعن الكماة كأنما يتراجم الفرسان بالفرسان * وله أيضا وهو غريب * شكوت إليه جفوته * ومن هاف الصدود شكا * * فأجرى في العقيق الدرر * واستبقاه فمتسك *
575 * فقلت مخاطبا نفسي * أرق للوعتي فبكى * * فقالت ما بكت عيناه * لكن خده ضحكا * وقال أيضا * مهفهف القامة ممشوقها * مستملح الخطرة معشوقها * * في طرفه من سحر أجفانه * دعوى وفي جسمي تحقيقها * وقال * وكأنما المريخ يتلو المشتري * بين الثريا والهلال المعتم * * ملك وقد بسطت له يد معدم * فرمى بدينار إليه ودرهم * وقاللله وجنته يا ما أميلحها * كم بت مشتملا منها على حرق * * أودعت صبري عند الشوق مختبرا * ما تحتها وخبأت النوم في الأرق * * حتى إذا زال صبح الخد عنه بدا * ليل تزين في أعلاه بالشفق * * كدوحة الورد رواها الحيا فبدا * نوارها وتوارى الشوك بالورق * وله أيضا * يا رب كأس مدامة باكرتها * والصبح يرشح من جبين المشرق * * والليل يعثر بالكواكب كلما * طردته رايات الصباح المشرق * 234 ابن البغدادي المغربي عبد الله بن محمد من أهل قفصة كان أبوه ظريفا فلقب بالبغدادي قال ابن رشيق في الأنموذج وطريق ابن البغدادي في الشعر خارجة عن طرقات أهل العصر لأنه كان جاهلي المرمى ملوكي المنتمى يخاله السامع
576 فحلا يهدر أو أسدا يزأر وله أمثال واستعارات على حدة من الكلام وفي جهة من البلاغة وكانت له من عبد الله بن حسن مكانة ثم تغير عليه فداجاه إلى أن تخلص منه إلى مدينة صقلية ثم ورد الحضرة ثم انتقل إلى طرابلس الغرب ثم انتقل إلى مصر سنة أربعمائة وكانت له بمصر وقعات فخرج منها مترقبا ثم عاد إلى الحضرة وبها توفي سنة عشرين وأربعمائة وقد قارب الستين وقال وقد سار إلى مصر وكتب بها إلى أبيه * ليت شعري هل ساءك البعد لما * قلت مثلي من حرقة ليت شعري * * وبرغم المراد أزعجني المقدار قسرا وكان للقسر قصري * * قل لمن جاء زائري عند أهلي * سار عنهم وصار من أهل مصر * * غير أني سلوت عن لذة الراح * على طيب مخبري عند سكري * * أيها الدهر قد تبنيت صبري * فاصطنعني حتى ترى كيف شكري * ومن شعره * ما كل من عرف التغزل باسمه * يجد الذي أدنى إلى خلوبا * * أعطيت فضل زمام قلبي أحمر الخدين * مكحول الجفون ربيبا * * ويطيب لي حل الغدائر عابثا * بيدي وحكي بينهن الطيبا * * فإذا العيون أردن قتل متيم * كسبنه بجفونهن ذننوبا * * ولكم جريت مع الزمان وما جرى * ومشيت في حلق الكبول دبيبا * * ورأيت ماء المزن بين شبا القنا * والبيض في قعب الوليد حليبا * * وإذا أرابني الزمان بصرفه * أخرجت من أخلاقه التأديبا * * والسيف أجمل ما تراه مضرجا * والمرء أخيب ما يكون هيوبا * * والليل صاحب كل ليث باسل * ولقد أكون له وكنت صحوبا * * وكأنه سيف الزمان مجردا * للنائبات ولا يزال خضيبا * * وكأنني لتلاعب الأيام بي * رجل لبست ثيابها مقلوبا *
577 235 أبن أبي الدنيا عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس القرشي مولى بني أمية يعرف بأبن أبي الدنيا توفي سن اثنتين وثمانين ومائتين ومولده سنة ثمان ومائتين وكان يؤدب المكتفي بالله في حداثته وهو أحد المصنفين للأخبار والسير وله كتب كثيرة تزيد على مائة كتاب كتب إلى المعتضد وأبنه المكتفي وكان مؤدبهما * إن حق التأديب حق الأبوة * عند أهل الحجا وأهل المروه * * وأحق الأنام أن يعرفوا ذاك * ويرعوه أهل بيت النبوة * قال وكنت أؤدب المكتفي فأقرأته يوما كتاب الفصيح فأخطأ فقرصت خده قرصة شديدة وانصرفت فلحقني رشيق الخادم فقال يقال لك ليس من التأديب سماع المكروه فقلت سبحان الله أنا لا أسمع المكروه غلامي ولا أمتي قال فخرج إلي ومعه كاغد وقال يقال لك صدقت يا أبا بكر وإذا كان يوم السبت جئت فقلت أيها الأمير تقول عني ما لم أقل قال نعم يا مؤدبي من فعل ما لم يجب قيل عنه ما لم يكن وسمع عن المشايخ وروى عنه جماعة قال أبن أبي حاتم كتبت عنه مع أبي وكان صدوقا وكان إذا جالسه أحد إن شاء أضحكه وإن شاء أبكاه وآخر من روى حديثه بعلو فخر الدين بن البخاري 236 الزوزني عبد الله بن محمد بن يوسف أبو محمد الزوزني الأديب توفي سنة إحدى
578 وثلاثين وأربعمائة وهو رجل مشهور من الشعراء حسن الكلام غزير العلم كثير الحلم سمع الحديث وكان خفيف الروح كثير النوادر والمضاحك سريع الجواب قصير إقامة لا يزيد على ذراعين كث اللحية نحيف الجسم إلا أن وجهه بهي وكان يكتحل إلى قريب من أذنيه فيصير شهرة مضحكة وكان ملوك خراسان يصطفونه لمنادمتهم وتعليم أولادهم ومن شعره * يا سيدي نحن في زمان * أبدلنا الله منه غيره * * كل خسيس وكل نذل * متع بالطيبات أيره * * وكل ذي فطنة وكيس * يجلد من فقره عميره * وله أيضا * لما رأيت الزمان نكسا * وليس في الصحبة انتفاع * * كل رئيس به ملال * وكل رأس به صداع * * وكل نذل به ارتفاع * وكل حر به اتضاع * * لزمت بيتي وصنت عرضا * به عن الذلة امتناع * * أشرب مما ادخرت راحا * لها على راحتي شعاع * * لي من قواريرها ندامى * ومن قراقيرها سماع * * وأجتني من ثمار قوم * قد أقفرت منهم البقاع * 237 المستعصم بالله عبد الله بن منصور بن محمد بن أحمد بن الحسن أمير المؤمنين أبو أحمد المستعصم بالله بن المستنصر بالله بن الظاهر بن الناصر بن المستضيئ البغدادي آخر خلفاء بني العباس ببغداد كان ملكهم من سنة اثنتين وثلاثين ومائة إلى ست وخمسين وستمائة مولده سنة تسع وستمائة وبويع له بالخلافة لما توفي والده في العشرين من
579 جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة وكانت مدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما وتقدير عمره سبعا وأربعين سنة وكان متدينا متمسكا بمذهب أهل السنة والجماعة على ما كان عليه والده وجده رحمهم الله تعالى ولم يكن على ما كانوا عليه من التيقظ والهمة بل كان قليل المعرفة والتدبير والتيقظ نازل الهمة محبا للمال مهملا للأمور يتكل فيها على غيره ولو لم يكن فيه إلا ما فعله مع الملك الناصر داود في الوديعة لكفاه ذلك عارا وشنارا والله لو كان الناصر من الشعراء وقد قصده وتردد عليه على بعد المسافة ومدحه بعدة قصائد كان يتعين عليه أن ينعم عليه بقريب من قيمة وديعته من ماله فقد كان في أجداد المستعصم بالله من استفاد منه آحاد الشعراء أكثر من ذلك إلى غير ذلك من الأمور التي كانت تصدر عنه مما لا يناسب منصب الخلافة ولا يتخلق بها الخلفاء من قبله فكانت هذه الأسباب كلها مقدمات لما أراد الله تعالى بالخليفة والعراق وأهله وإذا أراد الله تعالى أمرا هيأ أسبابه واختلفوا كيف كان قتله قيل إن هو لاكو لما ملك بغداد أمر بخنقه وقيل رفس إلى أن مات وقيل غرق وقيل لف في بساط وخنق والله أعلم بحقيقة الحال وكانت واقعة بغداد وقتل الخليفة من أعظم الوقائع قال الشيخ شمس الدين الكوفي الواعظ الآتي ذكره إن شاء الله تعالى يذكر خراب بغداد وقتل الخليفة * عندي لأجل فراقكم آلام * فإلام أعذل فيكم وألام * * من كان مثلي للحبيب مفارقا * لا تعذلوه فالكلام كلام * * نعم المساعد دمعي الجاري على * خدي إلا أنه نمام * * ويذيب روحي نوح كل حمامة * فكأنما نوح الحمام حمام * * إن كنت مثلي للأحبة فاقدا * أو في فؤادك لوعة وغرام * * قف في ديار الظاعنين ونادها * يا دار ما صنعت بك الأيام * * أعرضت عنك لأنهم مذ أعرضوا * لم يبق فيك بشاشة تستام * * يا دار أين الساكنون وأين * زييك البهاء وذلك الأعظام *
580 * يا دار أين زمان ربعك مونقا * وشعارك الإجلال والإكرام * * يا دار مذ أفلت نجومك عمنا * والله من بعد الضياء ضلام * * فلبعدهم قرب الردى ولفقده م * فقد الهدى وتزلزل الإسلام * * فمتى قبلت من الأعادي ساكنا * بعد الأحبة لا سقاك غمام * * يا سادتي أما الفؤاد فشيق * قلق وأما أدمعي فسجام * * والدار مذ عدمت جمال وجوهكم * لم يبق في ذاك المقام مقام * * لاحظ فيها للعيون وليس للأقدام * في عرصاتها إقدام * * وحياتكم إني على عهد الهوى * باق ولم يخفر لدى ذمام * * فدمي حلال إن أردت سواكم * والعيش بعدكم على حرام * * يا غائبين وفي الفؤاد لبعدهم * نار لها بين الضلوع ضرام * * لا كتبكم تأتي ولا أخباركم * تروى ولا تدنيكم الأحلام * * نغصتم الدنيا على وكلما * جد النوى لعبت بي الأسقام * * ولقيت من صرف الزمان وجوره * ما لم تخيله لي الأوهام * * يا ليت شعري كيف حال أحبتي * وبأي أرض خيموا ولأقاموا * * ما لي أنيس غير بيت قاله * صب رمته من الفراق سهام * * والله ما اخترت الفراق وإنما * حكمت على بذلك الأيام * ومن الاتفاقات العجيبة أن أول الخلفاء من آل أبي سفيان معاوية وآخرهم اسمه معاوية وأول الخلفاء من آل الحكم بن العاص اسمه مروان وآخرهم اسمه مروان وأول الخلفاء الفاطميين بالمغرب والديار المصرية أسمه عبد الله السفاح وآخرهم عبد الله المستعصم وعددهم سبعة وثلاثون خليفة ومدة ملكهم خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة فسبحان من لا يزول ملكه وقال القاضي جمال الدين بن واصل رحمه الله تعالى أخبرني من أثق
581 بنقله يوم ورود الخبر بتملك التتار بغداد أنه وقف على كتاب عتيق فيه ما صورته إن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب جد الخلفاء العباسيين بلغ بعض خلفاء بني أمية عنه أنه يقول إن الخلافة تصير إلى ولده فأمر به فضرب وحمل على جمل وطيف به وهم ينادون عليه هذا جزاء من يفتري ويقول إن الخلافة تصير في ولده فكان يقول إي والله لتكونن الخلافة في ولدي ولا تزال فيهم إلى أن يأتيهم العلج من خراسان فينزعها منهم فوقع مصداق ذلك وهو ورود هولاكو من خراسان وإزالة ملك بني العباس قال الشيخ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى توفي الخليفة في أواخر المحرم سنة ست وخمسين وستمائة وما أظنه دفن وكان الأمر أعظم من أن يوجد فيؤرخ موته أو يوارى جسده وراح تحت السيف أمم لا يحصيهم إلا الله تعالى فيقال أنهم أكثر من ألف ألف فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وخلت بغداد من أهلها وتشتت من بقي منهم في البلاد قال الشيخ شمس الدين الكوفي الواعظ المقدم ذكره يذكر واقعة بغداد ويرثي أهلها ويذكر خرابها * إن لم تقرح أدمعي أجفاني * من بعد بعدكم فما أجفاني * * إنسان عيني مذ تناءت داركم * ما راقه نظر إلى إنسان * * يا ليتني قد مت قبل فراقكم * ولساعة التوديع لا أحياني * * ما لي وللأيام شتت صرفها * حالي وخلاني بلا خلان * * ما للمنازل أصبحت لا أهلها * أهلي ولا جيرانها جيراني * * وحياتكم ما حلها من بعدكم * غير البلى والهدم والنيران * * ولقد قصدت الدار بعد رحياكم * ووقفت فيها وقفة الحيران * * وسألتها لكن بغير تكلم * فتكلمت لكن بغير لسان * * ناديتها يا دار ما صنع الألي * كانوا هم الأوطار في الأوطان *
582 * أين الذين عهدتهم ولعزهم * ذلا تخر معاقد التيجان * * كانوا نجوم من اقتدى فعليهم * يبكي الهدى وشعائر الإيمان * * قالت غدوا لما تبدد شملهم * وتبدلوا من عزهم بهوان * * كدم الفصاد يراق أرذل موضع * أبدا ويخرج من أعز مكان * * أفنتهم غير الحوادث مثلما * أفنت قديما صاحب الإيوان * * لما رأيت الدار بعد فراقهم * أضحت معطلة من السكان * * ما زلت أبكيهم وألثم وحشة * لجمالهم مستهدم الأركان * * حتى رثى لي كل من لا وجدوه * وجدي ولا أشجانه أشجاني * * أترى تعود الدار تجمعنا كما * كنا بكل مسرة وتهاني) 5 * إذ نحن نغتنم الزمان ونجتني * بيد الأمان قطوف كل أماني * * والدهر تخدمنا جميع كما * كنا بكل مسرة وتهاني * * إذ نحن نغتنم الزمان ونجتني * بيد الأمان قطوف كل أماني * 5 (والدهر تخدمنا جميع صروفه * والوقت يعدينا على العدوان * * والعيش غض والدنو ممزق * بيد الوصال ملابس الهجران * * هيهات قد عز اللقاء وسددت * طرق المزار طوارق الحدثان * * ما لي أردد ناظري ولا أرى الأحباب بين جماعة الإخوان * * وا لهفتي وا وحدتي وا حيرتي * وا وحشتي وا حر قلبي العاني * * سرتم فلا سرت النسيم ولا زها * زهر ولا ماست غصون البان * * ما لي أنيس بعدكم إلا البكا * والنوح والحسرات والأحزان * * يا ليت شعري أين سارت عيسكم * أم أين موطنكم من البلدان * 238 أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون أمير المؤمنين أبو العباس المأمون بن الرشيد بن المهدي ولد سنة سبعين ومائة وتوفي سنة ثماني عشرة ومائتين وكانت خلافته عشرين سنة وستة أشهر
583 قرأ العلم في صغره وسمع من هشيم وعباد بن العوام ويوسف بن عطية وأبي معاوية الضرير وطبقتهم وروى عنه يحيى بن أكثم وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي والأمير عبد الله بن طاهر وبرع في الفقه والعربية وأيام الناس ولما كبر عني بعلوم الأوائل ومهر في الفلسفة فجره ذلك إلى القول بخلق القرآن وكان من رجال بني العباس حزما وعزما وعلما وحلما ورأيا ودهاء وشجاعة وسؤددا وسماحة قال ابن أبي الدنيا كان أبيض ريعة حسن الوجه تعلوه صفرة وقد وخطه الشيب أعين طويل اللحية ولما خلعه الأمين غضب ودعا إلى نفسه بخرسان فبايعه الناس وأمه أم ولد اسمها مراجل ماتت أيام نفاسها به وادعى المأمون الخلافة وأخوه حي في آخر سنة خمس وتسعين ومائة إلى أن قتل الأمين فاجتمع الناس عليه ببغداد في أول سنة ثمان وكان فصيحا مفوها كان يقول معاوية بعمره وعبد الملك بحجاجه وأنا بنفسي كان يختم كل رمضان ثلاثين ختمة قال يحيى بن أكثم قال المأمون أريد أن أحدث فقلت ومن أولى بهذا من أمير المؤمنين فقال ضعوا لي منبرا ثم صعد فأول ما حدث حدثنا هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفع الحديث قال أمرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار ثم حدث بنحو ثلاثين حديثا ثم نزل فقال لي كيف رأيت يا يحيى مجلسنا فقلت أجل مجلس يفقه الخاصة والعامة قال ما رأيت لكم حلاوة وإنما المجلس لأصحاب
584 الخلقان والمحابر وروى محمد بن عون عن أبي عيينة أن المأمون جلس فجاءته امرأة فقالت يا أمير المؤمنين مات أخي وخلف ستمائة دينار فأعطوني دينارا وقالوا هذا نصيبك فقال المأمون هذا خلف أربع بنات قالت نعم قال لهن أربعمائة دينار وخلف والدة قالت نعم قال لها مائة دينار وخلف زوجة لها خمس وسبعون دينار بالله ألك اثنا عشر أخا قالت نعم قال لكل واحد ديناران ولك دينار واحد وقال المأمون لو عرف الناس حبي للعفو لتقربوا إلي بالجرائم ويروى أن ملاحا مر فقال لمن معه أتراكم تظنون أن هذا ينبل في عيني وقد قتل أخاه الأمين قال فسمعه المأمون فتبسم وقال ما الحيلة حتى أنبل في عيني هذا السيد الجليل وكان المأمون بخرسان قد بايع بالعهد لعلي بن موسى الرضا ونوه باسمه وغير لبس آبائه من لبس السواد وأبدله بالخضرة فغضب بنو العباس بالعراق لهذين الأمرين فخلعوه وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي ولقبوه المبارك فحاربه الحسن بن سهل فهزمه إبراهيم وألحقه بواسط وأقام إبراهيم بالمدائن ثم سار جيش الحسن وعليه حميد الطوسي وعلي بن هشام فهزموا إبراهيم فاختفى ولم يظهر خبره إلا في وسط خلافة المأمون فعفا عنه على ما ذكره قاضي القضاة ابن خلكان في ترجمة إبراهيم بن المهدي وتقدم إلى المأمون رجل غريب بيده محبرة وقال يا أمير المؤمنين رجل من أهل الحديث منقطع به فقال ما تحفظ في باب كذا فلم يذكر فيه شيئا فما زال المأمون يقول حدثنا هشيم وحدثنا يحيى وحدثنا حجاج حتى ذكر الباب ثم سأله عن باب آخر فلم يذكر فيه شيئا فقال المأمون حدثنا فلان وحدثنا فلان ثم قال لأصحابه يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيام ثم يقول أعطوني أنا من أهل الحديث أعطوه ثلاثة دراهم ومع ذلك كان مسرف الكرم جوادا ممدحا فرق في ساعة ستة وعشرين ألف ومدحه أعرابي مرة فأجازه بثلاثين ألف دينار
585 وقال أبو معشر كان أمارا بالعدل ميمون النقيبة فقيه النفس يعد مع كبار العلماء وأهدى إليه ملوك الروم تحفا سنية منها مائة رطل مسك ومائة حلة سمور فقال المأمون أضعفوها له ليعلم عز الإسلام وذل الكفر وقال يحيى بن أكثم كنت عند المأمون وعنده جماعة من قواد خرسان وقد دعا إلى القول بخلق القرآن فقال لهم ما تقولون في القرآن فقالوا كان شيوخنا يقولون ما كان فيه من ذكر الجمال والبقر والخيل والحمير فهو مخلوق وما سوى غير ذلك فهو غير مخلوق فقلت للمأمون أتفرح بموافقة هؤلاء وقال ابن عرفة أمر المأمون مناديا ينادي في الناس ببراءة الذمة ممن ترحم على معاوية أو ذكره بخير وكان كلامه في القرآن سنة أثنتي عشرة فكثر المنكر لذلك وكاد البلد يفتتن ولم يلتئم له ما أراد فكف عنه إلى بعد هذا الوقت وقال النضر بن شميل دخلت على أمير المؤمنين فقلت إني قد قلت اليوم * أصبح ديني الذي أدين به * ولست منه الغداة معتذرا * * حب على بعد النبي ولا * أشتم صديقه ولا عمرا * * وابن عفان في الجنان من الأبرار * ذاك القتيل مصطبرا * * وعائش الأم لست أشتمها * من يفتريها فنحن منه برا * ونادى مناديه بإباحة متعة النساء فلم يزل به يحيى بن أكثم وروى له
586 حديث الزهري عن ابني الحنيفة عن أبيهما محمد علي رضي الله عنه أن
587 (فارغة)
588 (فارغة)
589 (فارغة)
590 (فارغة)
591 رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر فلما صحح له الحديث رجع إلى الحق وأبطلها وأما مسألة القرآن فلم يرجع عنها وصمم عليه في سنة ثماني عشرة ومائتين وامتحن العلماء فعوجل ولم يمهل توجه غازيا إلى أرض الروم فلما وصل إلى البدندون مرض وأوصى بالخلافة إلى أخيه المعتصم ثم توفي بالبدنون فحمله ابنه العباس إلى طرسوس ودفنه بها في دار خاقان خادم أبيه رحمه الله ومن شعر المأمون * لساني كتوم لأسراركم * ودمعي نموم لسري يذيع * * فلولا دموعي كنمت الهوى * ولولا الهوى لم تكن لي دموع * وله أيضا * أنا المأمون والملك الهمام * ولكني بحبك مستهام * * أترضى أن أموت عليك وجدا * ويبقى الناس ليس لهم إمام * ومن شعره
592 * بعثتك مرتادا ففزت بنظرة * وأغفلتني حتى أسأت بك الظنا * * وناجيت من أهوى وكنت مقاربا * فيا ليت شعري عن ذنوبك ما أغنى * * فيا ليتني كنت الرسول وكنتني * فكنت الذي يقصى وكنت الذي أدنى * 239 ابن المعتز عبد الله بن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون بن العباس ابن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد المهدي بن المنصور الأديب صاحب الشعر البديع والنثر الفائق أخذ الأدب والعربية عن المبرد وثعلب وعن مؤدبه أحمد بن سعيد الدمشقي مولده في شعبان سنة تسع وأربعين ومائتين وتوفي في ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين قامت الدولة ووثبوا على المقتدر وأقاموا ابن المعتز فقال بشرط لا يقتل بسببي مسلم ولقبوه بالمترضي بالله وقيل المنصف بالله وقيل الغالب بالله وأقام يوما وليلة ثم أن أصحاب المقتدر تحزبوا واجتمعوا وتحاربوا هم وأعوان ابن المعتز وشتموهم وأعادوا المقتدر إلى دسته وأختفى ابن المعتز في دار ابن الجصاص الجوهري فأخذه المقتدر وسلمه إلى مؤنس الخادم فقتله وسلمه إلى أهله ملفوفا في كساء وقيل أنه مات حتف أنفه وليس بصحيح بل خنقه مؤنس ودفن في خرابه إزاء داره وقصته مشهورة فيها طول وهذه خلاصتها وكان شديد السمرة مسنون الوجه يخضب بالسواد وله من التصانيف كتاب الزهر والرياض كتاب البديع كتاب مكاتبات الإخوان بالشعر كتاب الجوارح والصيد كتاب أشعار الملوك كتاب السرقات كتاب الآداب كتاب حلي الأخيار كتاب طبقات الشعراء كتاب الجامع في الغناء كتاب أرجوزة في ذم الصبوح قال فيه ابن بسام يرثيه * لله درك من ميت بمضيعة * ناهيك في العلم والآداب والحسب *
593 * ما فيه لو ولا ليت فتنقصه * وإنما أدركته حرفة الأدب * وقال فيه بعض الأدباء * لا يبعد الله عبد الله من ملك * سام إلى المجد والعلياء مذ خلقا * * قد كان زين بني العباس كاهم * بل كان زين بني الدنيا حجا وتقى * * أشعاره زيفت بالشعر أجمعه * فكل شعر سواها بهرج ولقى * قال بعض من كان يخدمه إنه خرج يوما يتنزه ومعه ندماؤه وقصد باب الحديد وبستان الناعورة وكان ذلك آخر أيامه فأخذ خزفة وكتب بالجص * سقيا لظل زماني * وعيشى المحمود * * ولي كليلة وصل * قدام يوم صدود * قال وضرب الدهر ضرباته ثم عدت بعد قتل ابن المعتز فوجدت خطا خفيا وتحته مكتوب * أف لظل زماني * وعيشي المنكود * * فارقت أهلي وإلفي * وصاحبي وودودي * * ومن هويت جفاني * مطاوعا لحسودي * * يا رب موتا وإلا * فراحة من صدود * وكان ابن المعتز حنفي المذهب لقوله من أبيات * فهات عقارا في قميص زجاجة * كياقوتة في درة تتوقد * * وقتني من نار الجحيم بنفسها * وذلك من إحسانها ليس يجحد * وكان سني العقيدة منحرفا عن العلويين ولهذا قال في قصيدته البائية التي أولها * ألا من لعين وتسكابها * تشكي القذى وبكاها بها * منها * نهيت بني رحمي لو وعوا * نصيحة بر بأنسابها * * وراموا قريشا أسود الشرى * وقد نشبت بين أنيابها * * قتلنا أمية في دارها * فكنا أحق بأسلابها *
594 * وكم عصبية قد سقت منكم الخلافة * صابا بأكوابها * * إذا ما دنوتم تلقتكم * زبونا وفرت بحلابها * * ولما أبى الله أن تملكوا * دعينا إليها فقمنا بها * * وما رد حجابها وافدا * لنا إذ وقفنا بأبوابها * * كقطب الرحى وافقت أختها * دعونا بها وعلينا بها * * ونحن ورثنا ثياب النبي * فكم تجذبون بأهدابها * * لكم رحم يا بني بنته * ولكن بنو العم أولى بها * * به نصر الله محل الحجاز * وأبرأها بعد أوصابها * * ويوم حنين قد اعيتكم * وقد أبدت الحرب عن نابها * * فمهلا بني عمنا إنها * عطية رب حبانا بها * * وأقسم أنكم تعلمون * أنا لها خير أربابها * وقد أجابه صفي الدين الحلى في وزنها ورويها وهو قوله * ألا قل لشر عبيد الإله * وطاغي قريش وكذابها * * وباغي العناد وناعي العباد * وهاجي الكرام ومغتابها * * أأنت تفاخر آل النبي * وتجحدها فضل أحسابها * * بكم باهل المصطفى أم بهم * فرد العداة بأوصابها * * أعنكم نفى الرجس أم عنهم * لطهر النفوس وألبابها * * أما الرجس والخمر من دأبكم * وفرط العبادة من دابها * * وقلتم ورثنا ثياب النبي * فكم تجذبون بأهدابها * * وعندك لا تورث الأنبياء * فكيف حظتم بأثوابها * * فكذبت نفسك في الحالتين * ولم تعلم الشهد من صابها * * أجدك يرضى بما قلته * وما كان يوما بمرتابها * * وكان بصفين في حزبهم * لحرب الطغاة وأحزابها * * وقد شمر الموت عن ساقه * وكشرت الحرب عن نابها * * فأقبل يدعو إلى حيدر * بإرغابها وبإرهابها * * وآثر أن ترتضيه الأنام * من الحكمين لإسهابها *
595 * ليعطى الخلافة أهلا لها * فلم يرتضوه لإيجابها * * وصلى مع الناس طول الحياة * وحيدر في صدر محرابها * * فهلا تقمصها جدكم * إذا كان إذ ذاك أحرى بها * * وإذ جعل الأمر شورى لهم * فهل كان من بعض أربابها * * أخامسهم كان أم سادسا * وقد جليت بين خطابها * * وقولك أنتم بنو بنته * ولكن بنو العم أولى بها * * بنو البنت أيضا بنو عمه * وذلك أدنى لأنسابها * * فدع في الخلافة فضل الخلاف * فليست ذلولا لركابها * * وما أنت والفحص عن شأنها * وما قمصك بأثوابها * * وما شاورتك سوى ساعة * فما كنت أهلا لأسبابها * * وكيف يخصوك يوما بها * ولم تتأدب بآدابها * * وقلت بأنكم القاتلون * أسود أمية في غابها * * كذبت وأسرفت فيما ادعيت * ولم تنه نفسك عن عابها * * فكم حاولتها سراة لكم * فردت على نكص أعقابها * * ولولا سيوف ألي مسلم * لعزت على جهد طلابها * * وذلك عبد لهم لا لكم * رعى فيكم قرب أنسابها * * وكنتم أسارى بطون الحبوس * وقد شفكم لثم أعتابها * * فأخرجكم وحباكم بها * وقمصكم فضل جلبابها * * فجازيتموه بشير الجزاء * لطغوى النفوس وإعجابها * * فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف * وجاءوا الخلافة من بابها * * هم الزاهدون هم العابدون * هم الساجدون بمحرابها * * هم قطب مكة دين الإله * ودور الرحاء بأقطابها * * عليك بلهوك بالغانيات * وخل المعالي لأصحابها * * ووصف العذار وذات الخمار * ونعت العقار بألقابها * * وشعرك في مدح ترك الصلاة * وسعى السقاة بأكوابها * * فذلك شأنك لا شأنهم * وجري الجياد بأحسابها *
596 ومن قول ابن المعتز في هذه المادة * فأنتم بنو بنته دوننا * ونحن بنو عمه المسلم * ومن شعر ابن المعتز قوله في الهلال والثريا * قد انقضت دولة الصيام وقد * بشر سقم الهلال بالعيد * * يتلو الثريا كفاغر شره * يفتح فاه لأكل عنقود * وقال أيضا * في ليلة أكل المحاق هلالها * حتى تبدي مثل وقف العاج * * والصبح يتلو المشتري فكأنه * عريان يمشى في الدجى بسراج * ومنه في وصف روضة * تضاحك الشمس أنوار الرياض بها * كأنما نثرت فيها الدنانير * * وتأخذ الريح من دخانها عبقا * كأن تربتها مسك وكافور * ومنه * أطال الدهر في بغداد همي * وقد يشقى المسافر أو يفوز * * ظللت بها على كرهي مقيما * كعنين تعانقه عجوز * وقال * كأن بكأسها نارا تلظى * ولولا الماء كان لها حريق * * كأن غمامة بيضاء بيني * وبين الراح تخرقها البروق * وقال * أهلا بفطر قد أتاك هلاله * ألآن فاغد على المدام وبكر * * وانظر إليه كزورق من فضة * قد أثقلته حمولة من عنبر * وقال * يا رب إن لم يكن في قربه طمع * وليس لي فرج من طول جفوته * * فابري السقام الذي في غنج مقلته * واستر محاسن خديه بلحيته * وما أحسن قول الأمير أسامة بن منقذ في هذا المعنى * يا رب خذ بيدي من ظلم مقتدر * على قد لج في ظلمي وعدواني * * لين قساوته لي لأو فيسر لي * صبرا لأحظي بوصل أو بسلوان * * أو فاطف جمرة خديه وأيقظ جفنيه * اللذين أراقا ماء أجفاني *
597 ومن شعر ابن المعتز عفا الله عنه * يا رب ليل سحر كله * مفتضح البدر عليل النسيم * * لم أعرف الإصباح في ضوئه * لما بدا إلا بسكر النديم * 240 تاج الدين اليمنى عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله تاج الدين اليمنى المخزومي المكي ولد بمكة في شهر رجب سنة ثمانين وستمائة وتوفي في أواخر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ورد إلى دمشق أيام الأفرم وأقام فيها متصدرا بالجامع يقرى الطلبة على المقامات الحريرية والعروض وغير ذلك من علوم الأدب وقرر له على ذلك مائة درهم في كل شهر على الجامع الأموي ثم توجه إلى اليمن وكتب الدرج لصاحب اليمن وربما وزر له ثم لما مات الملك المؤيد صادره ولده وأخذ منه ما حصله ثم ورد إلى مصر سنة ثلاثين وسبعمائة وفوض إليه تدريس المشهد النفيسي وشهادة البيمارستان المنصوري ثم ورد إلى دمشق سنة إحدى وثلاثين ورتب مصدرا بالحرم في القدس فأقام به مدة وتردد إلى دمشق ثم باع وظائفه وتوجه إلى القاهرة وبها توفي رحمه الله وكان شيخا طوالا حسن الشكل والعمة حلو الوجه قادرا على النظم والنثر وكان ضنينا بنفسه يعيب كلام القاضي الفاضل وغيره ويظن أن كلامه خير من كلام الفاضل ويفضل ابن الأثير عليه وكان خطه جيد قوي عمل تاريخا للنجاة وذيل تاريخ ابن خلكان بذيل قصيرا جدا رأيته لم يبلغ به ثلاثين رجلا وكان يعظم نفسه ويمدحها ولكلامه وقع في النفوس إذا أطنب في وصف فضائله فمن شعره * تجنب أن تذم بك الليالي * وحاول أن يذم لك الزمان * * ولا تحفل إذا كملت ذاتا * أصبت العز أم حصل الهوان *
598 ومنه * بخلت لواحظ من رأينا مقبلا * برموزها ورموزهن سلام * * فعذرت نرجس مقلتيه لأنه * يخشى العذار فإنه نمام * أخذ هذا المعنى من قول الأول وهو أحسن وأكمل * لافتضاحي في عوارضه * سبب والناس لوام * * كيف يخفى ما أكابده * والذي أهواه نمام * وقال في حمار وحش * حمار وحش نقشه مبدع * فلا يضاهى حسنه في الملاح * * فمذ غدا في حسنه أوحدا * تشاركا فيه الدجى والصباح * وقال يهجو مدينة عدن * عدن إذا رمت المقام بأرضها * فلقد أقمت على لهيب الهاويه * * بلد خلا عن فاضل وصدوره * أعجاز نخل إذ تراها خاويه * وقال * لو لم تكن وجرة منشا عفرها * ما طاب وصف نورها وغفرها * * منازلا لولا الصبا ما شاقني * نور أقاحيها وظل سدرها * * إن المغاني كالغواني لم تزل * معشوقة تصبي بحسن ذكرها * * علام أهوى منزلا ما عطرت * فجاجة سلمى بنشر عطرها * * ولا غدت تسحب ذيل مرطها * فيه ولا مدت حبال خدرها * * مرت على الوادي فمال نحوها * أراكه يبغي ارتشاف ثغرها *
599 * وراعها منه الحصى فسيرت * يمينها تكشف عقد نحرها * * غزالة إن سفرت لناظر * رأيت ليلى في فروع شعرها * * تمليي على خلخالها شكاية * من ردفها مرفوعة عن خصرها * * يا حبذا منها أصيل وصلها * لو لم ينغصه هجير هجرها * * سارت بها فوارس من وائل * قد أطلعت كواكبا من سمرها * * وخافتني في الديار نادبا * أبكي طلول رسمها وعقرها * * أعملت في طلابها رواحلا * بوخدها تفري أديم قفرها * * والليل مثل غادة زنجية * قد زانها عشاقها بدرها * * وصفحة الأفق كمثل روضة * تبدو لنا أنوارها من زهرها * وقال أيضا * لعل رسولا من سعاد يزور * فيشفي ولو أن الرسائل زور * * يخبرنا عن غادة الحي هل ثوت * وهل ضربت بالرقمتين خدور * * وهل سنحت في الروض غزلان عالج * وهل ضربت بالرقمتين خدور * * ديار لسلمى حاكها واكف الحيا * إذا ذكرت خلت الفؤاد يطير * * كأن غنا الورقاء من فوق دوحها * قيان وأوراق الغصون ستور * * تمايل فيها الغصن من نشوة الصبا * كأن عليه للسلاف مدير * * متى أطلعت فيه الغمائم أنجما * تلوح ولكن بالأكف تغور * * إذا اقتطعتها الغانيات رأيتها * نجوما جنيتها في الصباح بدور * * وفي الكلة الوردية اللون غادة * أسير لديها القلب حيث تسير * * بعيدة مهوى القرط أما أثيثها * فضاف وأما خطوها فقصير * * من العطرات العرب ما زان فرقها * ذرور ولا شاب الثياب بخور * * حمتها كماة من فوارس عامر * ضراغمة يوم الهياج ذكور * * فما الحب إلا حيث تشتجر القتا * وللأسد في أرجائهن زئير *
600 241 ابن وهبون المرسى عبد الجليل بن وهبون أبو محمد الملقب بالدمعة المرسى قال ابن بسام في ترجمته شمس الزمان وبدره وسر الإحسان وجهره ومستودع البيان ومستقره أحد من أفرغ في وقتنا فنون المقال في قالب السحر الحلال وقيد شوادر الألباب بأرق منم ملح العتاب وأروق من غفلات الشباب اجتاز بالمرية في بعض رحله الشرقية وملكها يومئذ أبو يحيى بن صمادح فاهتز لعبد الجليل واستدعاه وعرض له بجملة وافرة فلم يعرج على ذلك وارتحل عن بلده وقال * دنا العبد لو تدنو به كعبة المنى * وركن المعالي من ذؤابة يعرب * * فيا أسفا للشعر ترمي جماره * ويا بعد النقا والمحصب * ومن عجيب ما اتفق أن عبد الجليل وأبا إسحاق بن خفاجة تصاحبا في طريق مخفوف فمرا بعلمين وعليهما رأسان كأنهما بسر متناجيان فقال ابن خفاجة * ألا رب رأس لا تحاور بينه * وبين أخيه والمزار قريب * * أناف به صلد الصفا فهو منبر * وقام علة أعلاه فهو خطيب * فقال عبد الجليل * يقول حذار الإغترار فطالما * أناخ قتيل بي ومر سليب * قال فما تم كلامهما حتى لاح قتام ساطع كأن السيوف فيه برق لامع فما تجلى إلا وعبد الجليل قتيل وابن خفاجة سليب فكأنما كشف له فيما قال ستر الغيب ومن شعره يمتدح المعتمد بن عباد
601 * بيني وبين الليالي همة جلل * لو نالها البدر لا ستخذي له زحل * * من أين أبخس لا في ساعدي قصر * عن المساعي ولا في همتي خطل * * ذنبي إلى الدهر إن أبدي تعنته * ذنب الحسام إذا ما أجحم البطل * وهي طويلة جدا ومن شعره في النيلوفر * وبركة تزهو بنيلوفر * نسيمه يشبه ريح الحبيب * * حتى إذا الليل دنا وقته * ومالت الشمس لحين المغيب * * أطبق جفنيه على ألفه * وغاص في الماء حذار الرقيب * وقال * زعموا الغزال حكاه قلت لهم نعم * في صده عن عاشقيه وهجره * * قالوا الهلال شبيهه فأجبتهم * إن كان قيس إلا قلامة ظفره * * وكذا يقولون المدام كريقه * يا رب لا علموا مذاقة ثغره * وقال أيضا * يعز على العلياء أني خامل * وأن أبصرت مني خمود شهاب * * وحيث ترى زند النجابة واريا * فثم ترى زند السعادة كابي * وقال في مغنية لابسة حليا * إني لأسمع شدوا لا أحققه * وربما كذبت في سمعها الأذن * * متى رأى أحد قبلي مطوقة * إذا تغنت بلحن جاوب الفنن *
602 وقال * بنفسي وإن كنت لا نفس لي * فقد سلبتها لحاظ المقل * * عذار وخذ كما يحتوي * سواد القلوب بياض الأمل * وأنشد المعتمد بن عباد يوما قول المتنبي * إذا ظفرت منك العيون بنظرة * أثاب لها معيي المطي ورازمه * فجعل المعتمد يردده استحسانا له فقال عبد الجليل * لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما * تجيد العطايا واللها تفتح اللها * * تنبأ عجبا بالقريض ولو درى * بأنك تروي شعره لتألها * وجلس يوما المعتمد وبين يديه جارية تسقيه فلمع البرق فارتاعت فقال * روعها البرق وفي كفها * برق من القهوة لماع * * عجبت منها وهي شمس الضحى * كيف من الأنوار ترتاع * وأنشد الأول لعبد الجليل فاستجازه فقال * ولن ترى أعجب من آنس * من مثل ما يمسك يرتاع * ومن شعر عبد الجليل * غزال يستطاب الموت فيه * ويعذب في محاسنه العذاب * * يقبله اللثام هوى وشوقا * ويجني ورد خديه النقاب *
603 وقال * سقى فسقى الزمان من أجله * بكأسين من لميائه وعقاره * * وحيا فحيا الله دهرا أتى به * بأطيب من ريحانه وعراره * وكان للمعتمد خادم يسمى خليفة فأمره أن يأتي بنبيذ فأخذ وعاء يسمى القمصال وأتى إليهم فعثر ووقع القمصال فانكسر ومات خليفة فأخبر المعتمد بذلك فقال * أنأ من والحياة لنا مخيفه * ونفرح والمنون بنا مطيفه * فقال ابن عمار * وفي يوم وما أدراك يوم * مضى قمصالنا ومضى خليفه * فقال ابن وهبون * هما فخارتا راح وريح * تكسرتا فأشقاف وجيفه * 242 عبد الحق بن سبعين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن سبعين الشيخ قطب الدين أبو محمد المرسى الصوفي كان صوفيا على قواعد الفلاسفة وله كلام كثير في العرفان وتصانيف وله أتباع مريدون يعرفون بالسبعينية قال الشيخ شمس الدين الذهبي ذكر شيخنا قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد قال جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تعقل مركباته قال الشيخ شمس الدين واشتهر عنه أنه قال لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله لا نبي بعدي فإن كان ابن سبعين قال هذا فقد خرج به من الإسلام
604 مع أن هذا الكلام هو أخف وأهون من قوله في رب العالمين إنه حقيقة الموجودات تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وحدثني فقير صالح أنه صحب فقراء من السبعينية وكانوا يهونون له ترك الصلاة وغير ذلك قال وسمعت عن ابن سبعين أنه فصد يديه وترك الدم يخرج حتى تصفى ومات بمكة في ثامن عشرين شوال سنة ثمان وستين وستمائة وله من العمر خمس وخمسون سنة قال الشيخ صفي الدين الهندي حججت سنة ست وستين وبحثت مع ابن سبعين في الفلسفة فقال لي لا ينبغي لك المقام بمكة فقال له فكيف تقيم أنت بها قال انحصرت القسمة في قعودي بها فإن الملك الظاهر يطلبني بسبب إنتمائي إلى أشراف مكة واليمن صاحبها له في عقيدة ولكن وزيره حشوة يكرهني قال صفي الدين وكان ابن سبعين قد داوى صاحب مكة من مرض كان به فبرى فصارت له عنده مكانة يقال إنه نفي من المغرب بسبب كلمة كفر صدرت عنه وهي قوله لقد تحجر ابن آمنة كما مر في ترجمته ويقال إنه كان يعرف السيمياء والكيمياء وإن أهل مكة كانوا يقولون إنه أنفق فيهم ثمانين ألف دينار وإنه كان لا ينام كل ليلة حتى يكرر على ثلاثين سطرا من كلام غيره فإنه لما خرج من وطنه كان ابن ثلاثين سنة وخرج معه جماعة من الطلبة والأتباع فيهم الشيوخ ولما أبعدوا بعد عشرة أيام أدخلوه الحمام ليزيل وعثاء السفر ودخلوا في خدمته وأحضروا له قيما فأخذ القيم يحك رجليه ويسألهم عن وطنهم لما استغربهم فقالوا له من مرسية قال من البلد الذي
605 ظهر فيه هذا الزنديق ابن أبي سبعين فأومأ إليهم ألا يتكلموا وقال نعم فأخذ يسبه ويلعنه وابن سبعين يقول له استقص في الحك وذلك القيم يزيد في اللعن والشتم إلى أن فاض أحدهم غضبا وقال له ويلك هذا الذي تسبه قد جعلك الله تحك رجليه وأنت في خدمته أقل غلام تكون فسكت خجلا وقال أستغفر الله ويحكون عنه أشياء في الرياضة وكلامه مفحل محشو بقواعد الفلاسفة وله كتاب البد يعني لا بد للعارف منه وكتاب الإحاطة ومجلدة صغيرة في الجوهر وغير ذلك وله عدة رسائل بديعة المعنى فصيحة الألفاظ منها رسالة العهد وهي يا هذا هل عمرك إلا كلمح أو عطاء مكد لا سمح وآصالك لهو وعطل وأسحارك سهو وعلل وهي على هذا الأسلوب وكانت وفاته كما تقدم ذكره 243 ابن عطية المفسر عبد الحق بن غالب بن عبد الملك بن غالب بن تمام بن عطية الإمام الكبير قدوة المفسرين أبو محمد بن الحافظ الناقد الحجة أبي بكر المحاربي الغرناطي القاضي حدث عن أبيه وغيره وكان فقيها عارفا بالأحكام والحديث والتفسير لكفي ولد سنة ثمانين وأربعمائة وتوفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحصن لورقة 244 عبد الحق الإشبيلي عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين بن سعيد أبو محمد الأزدي الإشبيلي ويعرف بابن الخراط روى شريح بن محمد وأبى
606 الحكم بن برجان وغيرهما وأجاز له ابن عساكر ونزل بجاية وقت فتنة الأندلس فبث بها علمه وصنف التصانيف وولى الخطبة والصلاة بها وكان فقيها حافظا عالما بالحديث وعلله ورجاله موصوفا بالخير والصلاح والزهد والورع والتقلل من الدنيا مشاركا في الأدب وقول الشعر وصنف في الأحكام نسختين كبرى وصغرى وجمع بين الصحيحين وبوبه وجمع الكتب الستة وله كتاب في المعتل من الحديث وله كتاب الزهد وكتاب العاقبة في ذكر الموت وكتاب الرقائق ومصنفات أخر وله كتاب حافل في اللغة ضاهى به كتاب الهروي وتوفي بعد محنة نالته من قبل الولاية روى عنه أبو الحسن المعافري وكانت وفاته سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ومن شعره * إن في الموت والمعاد لشغلا * وادكارا لذي النهى وبلاغا * * فاغتنم خطتين قبل المنايا * صحة الجسم يا أخي والفراغا * 245 شمس الدين الخسروشاهي عبد الحميد بن عيسى بن عمويه بن يونس بن خليل الشيخ الإمامة العلامة شمس الدين أبو محمد الخسروشاهي ولد سنة ثمانين وخمسمائة ب خسر وشاه وتوفي بدمشق سنة اثنتين وخمسين وستمائة اشتغل بالعقليات على الإمام فخر الدين ابن خطيب الري وسمع من المؤيد الطوسي وبرع في الكلام وتفنن في العلوم ودرس وأقرأ واشتغل عليه زين الدين بن المرحل خطيب دمشق والد الشيخ صدر الدين وغيره ودفن ب قاسيون واختصر المذهب لأبي إسحاق واختصر الشفا لابن سينا و تمم الآيات البينات التي للإمام فخر الدين
607 الرازي وهذه الآيات البينات غير النسخة الصغيرة التي هي عشرة أبواب وكتب إليه سعد الدين محمد بن عربي * يمينا لقد أحييت علم أفاضل * مضوا فرأيناه لديك جميعا * * ولو لم أكذب قلت إنك منهم * فليت لقولي سامعا ومطيعا * * لأنك أنت الشمس والشمس إن تغب * فإن لها بعد المغيب طلوعا * ورثاه عز الدين الضرير الإربلي الغنوي بقوله * بموتك شمس الدين مات الفضائل * وأقفر من ذكر العلوم المحافل * * أصاب الردى شمس الورى عندما استوت * وأودى ببدر الفضل والبدر كامل * * فتى بذ كل العالمين بصمته * فكيف إذا وافيته وهو قائل * * فربع الحجا من بعده اليوم قد خلا * وجيد المعالي من حلى الفضل عاطل * * أتدري المنايا من رمت بسهامها * وأي فتى أودى وغال الغوائل * رمت أوحد الدنيا وبحر علومها * ومن قصرت في الفضل عنه الاوائل * ورثاه الصاحب نجم الدين بن اللبودي بأبيات منها * أيا ناعيا عبد الحميد تصبرن * على فإن العلم أدرج في كفن * * مضى مفردا في فضله وعلومه * وعدت فريد الوجد والهم والحزن * * فيا عين سحى بالدموع لفقده * فما حسن صبري اليوم من بعده حسن * * تلقته أصناف الملائك بهجة * بمقدمها الأسنى على ذلك السنن * * تقول له أهلا وسهلا ومرحبا * بخير فتى وافى إلى ذلك الوطن *
608 246 عز الدين عن أبي الحديدعبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد عز الدين المدائني المعتزلي الفقيه الشاعر أخو موفق الدين ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وتوفي سنة خمس وخمسين وستمائة وهو معدود في أعيان الشعراء وله ديوان مشهور روى عنه الدمياطي ومن تصانيفه الفلك الدائر على المثل السائر صنفه في ثلاثة عشر يوما وكتب إليه أخوه موفق الدين * المثل السائر يا سيدي * صنفت فيه الفلك الدائرا * * لكن هذا فلك دائر * أصبحت فيه المثل السائرا * ونظم فصيح ثعلب في يوم وليلة وشرح نهج البلاغة في عشرين مجلدا وله تعليقات على كتاب المحصل من المحصول للإمام فخر الدين ومن شعره * وحقك لو أدخلتني النار قلت للذين * بها قد كنت ممن يحبه * * وأفنيت عمري في دقيق علومه * وما بغيتي إلا رضاه وقربه * * هبوني مسيئا أوتغ الحلم جهله * وأوبقه دون البرية ذنبه * * أما يقتضي شرع التكرم عفوه * أيحسن أن ينسى هواه وجبه * * أما رد زيغ ابن الخطيب وشكه * وتمويهه في الدين إذ عز خطبه * * أما كان ينوي الحق فيما يقوله * ألم تنصر التوحيد والعدل كتبه * * وغاية صدق الصب أن يعذب الأسى * إذا كان من يهوى عليه يصبه * فرد عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى بقوله * علمنا بهذا القول أنك آخذ * بقول اعتزال جل في الدين خطبه * * فتزعم أن الله في الحشر ما يرى * وذاك اعتقاد سوف يرديك غبه *
609 * وتنفي صفات الله وهي قديمة * وقد أثبتتها عن إلهك كتبه * * وتعتقد القرآن خلقا ومحدثا * وذلك داء عز في الناس طبه * * وتثبت للعبد الضعيف مشيئة * يكون بها ما لم يقدره ربه * * وأشياء من هذي الفضائح جمة * فأيكما داعي الضلال وحزبه * * ومن ذا الذي أضحى قريبا إلى الهدى * وحامي عن الدين الحنيفي ذبه * * وما ضر فخر الدين قول نظمته * وفيه شناع مفرط إذ تسبه * * وقد كان ذا نور يقود إلى الهدى * إذا طلعت في حندس الشك شهبه * * ولو كنت تعطي قدر نفسك حقه * لأخمدت جمرا بالمحال تشبه * * وما أنت من أقرانه يوم معرك * وما لك يوما بالإمام تشبه * ومن شعره * لولا ثلاث لم أخف صرعتي * ليست كما قال فتى العبد * * أن أنصر التوحيد والعدل في * كل مكان باذلا جهدي * * وأن أناجي الله مستمعا * بخلوة أحلى من الشهد * * وأن أتيه الدهر كبرا على * كل ل ~ يم أصعر الخد * * لذاك لا أهوى فتاة ولا * خمرا ولا ذا ميعة نهد * قوله ليست كما قال فتى العبد هو طرفة بن العبد حيث يقول وقد سئل عن لذات الدنيا فقال مركب وطي وثوب بهي ومطعم شهي فسئل امرؤ القيس فقال بيضاء رعبوبة بالشحم مركوبة بالمسك مشبوبة وسئل الأعشى فقال صهباء صافية تمزجها ساقية من صوب غادية قال العكوك فحدثت بذلك أبا دلف فقال
610 * أطيب الطيبات قتل الأعادي * واختيالي على متون الجياد * * ورسول يأتي بوعد حبيب * وحبيب يأتي بلا معاد * * وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي * حرسه الله تعالى يعارض ابن أبي * الحديد * لولا ثلاث هن أقصى المنى * لم أهب الموت الذي يردي * * تكميل ذاتي بالعلوم التي * تنفعني إن صرت في لحدي * * والسعي في رد الحقوق التي * لصاحب نلت به قصدي * * وأن أرى الأعداء في صرعة * لقيتثها من جمعهم وحدي * * فبعدها اليوم الذي حم لي * قد استوى في القرب والبعد * وقال حميد الطوسي * ولولا ثلاث هن من لذة الفتى * وحقك لم أحفل متى قام عودي * * فمنهن سبقي العاذلات بشربة * كميت متى ما تعل بالماء تزبد * * وكرى إذا نادى المضاف محنبا * كسيد الغضا نبهته المتورد * * وتقصير يوم الدجن ممكن * ببهكنة تحت الخباء المعمد * رجعنا إلى حديث ابن أبي الحديد وقال * عن ريقها يتحدث المسواك * أرجا فهل شجر الأراك أراك * * ولطرفها خنث الجبان فإن رنت * باللحظ فهي الضيغم الفتاك * * شرك القلوب ولم أخل من قبلها * أن القلوب تصيدها الإشراك * * يا وجهها المصقول ماء شبابه * ما الحتف لولا طرفك الفتاك * * أم هل أتاك حديث وقفتها ضحى * وقلوبنا يشبا الفراق تشاك * * لا شيء أفظع من نوى الأحباب أو * سيف الوصي كلاهما سفاك *
611 247 الشيخ تاج الدين الفركاح عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضيا العلامة الإمام المفتي فقيه الشام تاج الدين الفزازي البدري المصري الأصل الدمشقي الشافعي ولد في شهر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة وتوفي سنة تسعين وستمائة سمع من ابن الزبيدي وابن المنجا وابن اللتي ومكرم بن أبي الصقر وابن الصلاح والسخاوي وتاج الدين بن حمويه وخرج له البرزالي مشيخة عشر أجزاء صغار عن مائة نفس وسمع منه ولده الشيخ برهان الدين وابن تيمية والمزي والقاضي ابن صصري وكمال الدين بن الزملكاني وابن العطار وكمال الدين بن قاضي شهبة وعلاء الدين المقدسي وزكي الدين زكري وغيرهم وخرج من تحت يده جماعة من القضاة والمدرسين والمفتين درس وناظر وصنف وانتهت إليه رياسة المذهب كما انتهت إلى ولده وكان ممن بلغ رتبة الاجتهاد ومحاسنه كثيرة وكان يلثغ بالراء غينا وكان لطيف الجثة قصيرا أسمر حلو الصورة ظاهر الدم مفركح الساقين وكان يركب البغلة ويحف بها أصحابه ويخرج معهم إلى الأماكن النزهة ويباسطهم وكان مفرط الكرم وله تصانيف تدل على محله من العلم وتبحره وكانت له يد في النظم والنثر تفقه في صغره على الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين ابن الصلاح وبرع في المذهب وهو شاب وجلس للإشغال وله بضع وعشرون سنة ودرس في سنة ثمان وأربعين وكتب في الفتاوى وقد كمل الثلاثين ولما قدم النواوي من بلده أحضروه ليشتغل عليه بعث به إلى الرواحية ليحصل له بها بيت ويرتفق بمعلومها وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار وإذا سافر إلى القدس يترامى أهل البر على ضيافته وكان أكبر من الشيخ محيي الدين النواوي بسبع سنين وقيل إنه كان يقول أيش قال النواوي في مزبلته يعني
612 الروضة وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يسميه الدويك لحسن بحثه وقرأ عليه ولده برهان الدين وكمال الدين بن الزملكاني وكمال الدين الشهبي وزكي الدين زكري وكان قليل المعلوم كثير البركة ولم يكن له إلا تدريس الباذرائية مع ما له على المصالح دفن بمقابر باب الصغير وشيعه الخلق وتأسفوا عليه عاش ستا وستين سنة وثلاثة أشهر وله الإقليد في شرح التنبيه وهو جيد وكشف القناع في حل السماع رحمه الله ومن شعره لما انجفل الناس سنة ثمان وخمسين * لله أيام جمع الشمل ما برحت * بها الحوادث حتى أصبحت سمرا * * ومبتدا الحزن من تاريخ مسألتي * عنكم فلم ألق لا عينا ولا أثر * * يا راحلين قدرتم فالنجاء لكم * ونحن للعجز لا نستعجز القدرا * وقال * يا كريم الأباء والأجداد * وسعيد الإصدار والإيراد * * كنت سعدا لنا بوعد كريم * لا تكن في وفائه كسعاد * وكتب إلى عون الدين بن العجمي ملغزا في اسم بيدرا * يا سيدا ملأ الآفاق قاطبة * بكل فن من الألغاز مبتكر * * ما اسم مسماه بدر وهو مشتمل * عليه في اللفظ إن خففت مبتدر * * وإن تكن مسقطا ثانيه مقتصرا * عليه في الحذف أضحى واحد البدر * فكتب إليه الجواب * يأيها العالم الحبر الذي شهدت * له فضائله في البدو والحضر * * مقلوب خمسى مسمى أنت ملغزه * يطوف ظاهره نصا على البشر * * وما بقي منه وحشي مصحفه * من بعد قلب بعكس عند ذي البصر *
613 * هذا اسم من صار سلطان الملاح وقد * حلاه إذ حلوه بالدرر * ومن شعره دوبيت * ما أطيب ما كنت من الوجد لقيت * إذ أصبح بالحبيب صبا وأبيت * * واليوم صحا قلبي من سكرته * ما أعرف في الغرام من أين أتيت * 248 أبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن أحمد السيد القدوة أبو سليمان الداراني العنسي بالنون أصله من واسط قال أحمد بن أبي الحواري تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني في النوم فرأيته بعد سنة فقلت له يا معلم الخير ما فعل الله بك قال يا أحمد دخلت من باب الصغير فلقيت حمل شيح فأخذت منه عودا تخللت به ثم رميت به فأنا من حسابه من سنة مات سنة خمس وعشرين ومائتين رحمه الله تعالى 249 أبو الحبيب المغربي عبد الرحمن بن أحمد أبو حبيب قال ابن رشيق ولد بالمحمدية وتأدب بالأندلس وخالط أشراف الناس وأهل الأقدار برز في الأدب وصناعة الشعر وعلم الشروط فصار صدرا مذكورا في كل واحد منها ومن شعره * أضحى عذولي فيه من عشاقه * لما بدا كالبدر في إشراقه * * وغدا يلوم ولومه لي غيرة * في حبه لتفوز عند عناقه *
614 * في خده نور تفتح ورده * ألحاظه منعته من عشاقه * * عرض الوصال وظل يعرض دونه * وتخلق المعسول من أخلاقه * * وغدا محاق البدر موعد بينه * ورحيله فمحقت قبل محاقه * وقال * وإني على شوقي إليه وصبوتي * أغار عليه في دجى الليل إذ يسري * * فبت ودمعي مزج فيض دموعه * أقبل ما بين الترائب والنحر * * إذا هم أن يمضي جذبت بثوبه * وأطبقت من خوفي على مقلتي شفري * * وكم ليلة هانت علي ذنوبها * بما بات يرويني من الريق والخمر * * أقبل منه الورد في غير حينه * وألثم بدر التم في غيبة البدر * * إلى أن بدا نور التبلج في الدجى * كنور جبين لاح في ظلمة الشعر * * وهبت نسيم للصباح كأنها * تهب بريح المسك أو خالص العطر * * وقد نبه الساقي الندامى لقهوة * كشعلة مصباح خلا أنها تجري * وقال * مجري جفوني دماء وهو ناظرها * ومتلف القلب وجدا وهو مرتعه * * إذا بدا حال دمعي دون رؤيته * يغار مني عليه فهو برقعه * 250 الصدفي مؤرخ مصر عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري الحافظ المؤرخ أبو سعيد مؤرخ مصر ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين وتوفي سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وكان إماما في علم التاريخ روى عنه ابن منده وعبد الواحد بن محمد البلخي وجماعة من الرحالة وله كلام في الجرح والتعديل يدل على بصره بالرجال
615 ومعرفته بالعلل وعمل لمصر تاريخين أحدهما وهو الأكبر يختص بأهل مصر والثاني يختص بذكر الغرباء الواردين على مصر وقد ذيلهما أبو القاسم يحيى بن علي الخضرمي وهو حفيد يونس بن عبد الأعلى صاحب الشافعي ولما مات رثاه أبو عيسى عبد الرحمن بن إسماعيل الخشاب النحوي العروضي بقوله * بثثت علمك تشريقا وتغريبا * وعدت بعد لذيذ العيش مندوبا * * أبا سعيد وما يألوك إن نشرت * عنك الدواوين تصديقا وتصويبا * * ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه * حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا * * أرخت موتك في ذكرى وفي صحفي * لمن يؤرخه إن كنت محسوبا * * نشرت عن مصر من سكانها علما * مبجلا لجمال القوم منصوبا * * كشفت عن فخرهم للقوم ما سجعت * ورق الحمام على الأغصان تطريبا * * إن المكارم للإحسان موجبة * وفيك قد ركبت يا عبد تركيبا * * حجبت عنا وما الدنيا بمظهرة * شخصا وإن جل إلا عاد محجوبا * قوله * ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه * حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا * مأخوذ من خبر لعلي بن أبي طالب رضا الله عنه وهو أنه كان رجل مجنون في زمانه يمشي أمام الجنائز وينادي الرحيل الرحيل لا تكاد جنازة تخلو منه فمرت يوما بجنازة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولم يره أمامها ولم يسمع نداءه فسأل عنه فقيل له هو هذا الميت فقال لا إله إلا الله * ما زال يصرخ بالرحيل مناديا * حتى أناخ ببابه الجمال *
616 وقال الأصمعي حدثني أبي قال رأيت رجلا على قصر أويس أيام الطاعون وبيده كوز يعد الموتى فيه بالحصى فعد في أول يوما ثمانين ألفا وعد في الثاني مائة ألف فمر قوم فرأوا على الكوز رجلا غيره فسألوا عنه فقال وقع في الكوز ومثل هذا قول التهامي * بينا يرى الإنسان فيها مخبرا * حتى يرى خبرا من الأخبار * 251 أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان الإمام العلامة ذو الفنون شهاب الدين أبو شامة المقدسي الأصل الدمشقي الشافعي الفقيه المقرئ النحوي ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة بدمشق وكانت وفاته سنة خمس وستين وستمائة ودفن بمقابر باب كيسان قرأ القرآن وله دون العشر وجمع القراءات كلها سنة ست عشرة على الشيخ علم الدين السخاوي وسمع بالإسكندرية من الشيخ أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز وغيره وحصل له سنة بضع وثلاثين عناية بالحديث وسمع أولاده وقرأ بنفسه وكتب الكثير من العلوم وأتقن الفقه ودرس وأفتى وبرع في العربية وصنف شرحا نفيسا ل الشاطبية واختصر تاريخ دمشق مرتين الأول في عشرين مجلدا والثاني في عشرة وشرح القصائد للسخاوي في مجلد وله كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية وكتاب الذيل عليها وكتاب شرح الحديث المقتفى في مبعث المصطفى وكتاب
617 ضوء القمر الساري إلى معرفة الباري والمحقق في علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول وكتاب البسملة الأكبر في مجلد وكتاب البسلمة الأصغر وكتاب الباعث على إنكار البدعو الحوادث وكتاب السواك وكشف حال بني عبيد والأصول في الأصول ومفردات القراء ومقدمة نحو ونظم المفصل للزمخشري وشيوخ البيهيقي وغير ذلك وذكر أنه حصل له الشيب وعمره خمسة وعشرون سنة وولي مشيخة الإقراء بالتربية الأشرفية ومشيخة دار الحديث الأشرفية وكان متواضعا مطرحا للكلف أخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين حسين الكفري والشهاب أحمد اللبان وزين الدين أبو بكر بن يوسف المزي وجماعة وقرأ عليه شرح الشاطبية الشيخ شرف الدين الفزاري الخطيب دخل عليه اثنان جبليان إلى بيته الذي بآخر المعمور من طواحين الأشنان ومعهم فتوى فضرباه ضربا مبرحا كاد يتلف منه ولم يدر به أحد ولا أغاثه وتوفي رحمه الله تعالى في تاسع عشر رمضان ودفن بباب الفراديس وقيل بباب كيسان قال رحمه الله تعالى جرت لي محنة بداري بطواحين الأشنان فألهم الله الصبر ولطف وقيل لي اجتمع بولاة الأمر فقلت أنا قد فوضت أمري إلى الله تعالى وهو يكفينا وقلت في ذلك * قلت لمن قال أما تشتكي * ما قد جرى فهو عظيم جليل * * يقيض الله تعالى لنا * من يأخذ الحق ويشفي الغليل * * إذا توكلنا عليه كفى * وحسبنا الله ونعم الوكيل * ومن نظمه في السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله * إمام محب ناشئ متصدق * وباك مصل خائف سطوة الباس * * يظلهم الله الجليل بظله * إذا كان يوم العرض لا ظل للناس * * أشرت بألفاظ تدل عليهم * فيذكرهم بالنظم من بعضهم ناسي *
618 وقال في المعنى * وقال النبي المصطفى إن سبعة * يظلهم الله العظيم بظله * * محب عفيف ناشي متصدق * وباك مصل والإمام بعدله * 252 وضاح اليمن عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال الحميري الخولاني المعروف بوضاح اليمن قيل إنه من الفرس الذين قدموا اليمن مع وهرز لنصرة سيف ابن ذي يزن على الحبشة وكان من حسنه يتقنع في المواسم مخافة العين وكان يهوى امرأة من اليمن اسمها روضة ويشبب بها في شعره فمن ذلك قوله * قال ألا لا تلجن دارنا * إن أبانا رجل غائر * * قلت فإني طالب غرة * وإن سيفي صارم باتر * * قالت فإن القصر من دوننا * قلت فإني فوقه طائر * * قالت فإن البحر من دوننا * قلت فإني سابح ماهر * * قالت فحولي إخوة سبعة * قلت فإني لهم حاذر * * قالت فليث رابض دوننا * قلت فإني أسد عاقر * * قالت فإن الله من فوقنا * قلت فربي راحم غافر * * قالت فقد أعييتنا حجة * فأت إذا ما هجع السامر * * واسقط علينا كسقوط الندى * ليلة لا ناه ولا آمر * وهذه الأبيات عدها أرباب البديع في المراجعة وأما هذا المعنى قوله واسقط علينا كسقوط الندى فقد اشتهر ونظم الشعراء في معناه كثيرا وأصله لامرئ القيس حيث قال * سموت إليها بعدما نام أهلها * سمو حباب الماء حالا على حال *
619 وما أحسن قول صردر في قصيدته التي أولها * عسى رائح يأتي بأخبار من غدا * وهو * وحي طرقناه على غير موعد * فما إن وجدنا عند نارهم هدى * * وما غفلت أحراسهم غير أننا * سقطنا عليهم مثل ما يسقط الندى * ولما وقف بعض الظرفاء على قصيدة وضاح اليمن ووصل إلى قوله قلت فربى راحم غافر كتب على الحاشية هذا نياك بالدبوس ما يرجع ولما استأذنت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان الوليد بن عبد الملك في الحج أذن لها وهو خليفة وهي زوجته وكتب الوليد يتوعد الشعراء جميعا أن يذكرها أحد منهم أو يذكر أحدا ممن معها فقدمت مكة رتراءت الناس وتصدى لها أهل الغزل والشعراء ووقعت عينها على وضاح اليمن فهويته وأنفذت إلى كثير عزة وإلى وضاح اليمن فكره ذلك كثير وشبب بجاريتها غاضرة وذلك في قوله * شجا أظعان غاضرة الغوادي * وأما وضاح اليمن فإنه صرح فبلغ ذلك الوليد فقتله وقيل إنه مدح الوليد فوعدته أم البنين أن تساعده وتعينه على رفده فقدم إلى الوليد وأنشده * صبا قلبي إليك ومال ميلا * وأرقني خيالك يا أثيلا * * يمانية تلم بنا فتبدي * دقيق محاسن ونكن غيلا * وهي أبيات مشهورة فأحسن رفده ثم نما إليه أنه يشبب بأم البنين فجفاه وحجبه ودبر في قتله واختلسه ودفنه في داره وقيل إن أم البنين كانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها فإذا خافت وارته في صندوق عندها فأهدى إلى الوليد جوهر فأعجبه ودعا خادمه وبعث به إلى أم البنين فدخل عليها مفاجأة ووضاح عندها فرآه وقد وارته في الصندوق فقال لها يا مولاتي هبي لي منه حجرا فقالت لا يا بن
620 اللخناء ولا كرامة فرجع الخادم إلى الوليد وأخبره الخبر فقال له كذبت وأمر به فوجئت عنقه ثم أتى أم البنين وهي تمتشط في بيتها وقد وصف له الخادم الصندوق فجاء فجلس عليه وقال لها يا أم البنين ما أحب إليك هذا البيت من دون البيوت فلم تختارينه قالت أختاره لأنه يجمع حوائجي كلها فأتناولها منه من قريب على ما أريد قال لها هبي لي صندوقا من هذه الصناديق فقالت كلها لك يا أمير المؤمنين فقال ما أريد كلها وإنما أريد واحد منها فقالت خذ أيها شئت قال هذا الذي جلست عليه قالت غيره خذ فإن لي فيه أشياء أحتاج إليها قال ما أريد غيره قالت خذه فدعا بالخدم وأمرهم بحمله حتى انتهى به إلى مجلسه وحفر بئرا عميقا في المجلس إلي أن وصل إلى الماء ووضع الصندوق على شفير البئر ودنا منه وقال يا صندوق إنه بلغنا شيء فإن كان حق فقد كفيناك ودفناك وقطعنا ذكرك إلى آخر الدهر وإن كان باطلا فإنما دفنا الخشب وما أهون ذلك ثم قذف به في البئر وهال عليه التراب وسويت الأرض ورد البساط إلى حاله وجلس الوليد وما رأى الوليد ولا أم البنين وجه واحد منهما أثرا حتى فرق الدهر بينهما 253 الرشيد النابلسي عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن المفرج بن بكار رشيد الدين النابلسي الشاعر المجيد مدح الناصر وأولاده وأولاد العادل وهو عم الحافظ شرف الدين يوسف بن الحسن النابلسي قال شهاب الدين القوصي في معجمه أنشدني رشيد الدين النابلسي وقد رأى مليحا بديع الصورة بين أسودين قبيحي الصورة * لله من عاينتت عيني محاسنه * يوما فعوذته بالله من عيني * * يختال كالغصن تيها في شمائله * ما بين عبدين لون الليل علجين * * فقلت والشوق يطويني وينشرني * لم ألق قبلك صبحا بين ليلين *
621 * فمر يضحك من قولي وقال بلى * كم قد رأى الناس سعدا بين نحسين * وأنشدني لنفسه * يا من عيون الأنام ترقبه * رقبة شهر الصيام والفطر * * وإنما يرقب الهلال فلم * ترقب بعد الكمال يا بدري * ومن شعره قصيدة لها أربع قواف * كم الحشا معذب موجع * على المدى صب الفؤاد مغرم * * بناره يلتهب ملذع * ما خمدا أواره والضرم * * حكم فيه أشنب ممنع * من الفدا فهو الأسير المسلم * * مبتعد مجتنب مودع * تعمدا وهو القريب الأمم * * زمانه تعتب وولع * قد أكمدا من عز فهو يحكم * * ما الحب إلا لهب ومدمع * تجددا ولوعة وسقم * * يا هل إليه سبب ممتع * يولي يدا من لبه مخترم * * ما أنا إلا أشعب وأطمع * فيما عدا فما إليه سلم * ومن شعره * ما لك والورق على أوراقها * تعجم ما تعرب عن أشواقها * * دعها وما هيجها فإنها * أوالف تفرق في فراقها * * وإنما بريب ذا الوجد بها * ملبسها الحلي في أطواقها * * أفدي الألي فارقتهم فمهجتي * لا تطمع الأساة في إفراقها * * سروا بدورا في دجى غدائر * أعاذها الرحمن من محاقها * * غواربا أفلاكها غوارب * تزري بضوء الشمس في إشراقها * * تساق للبين المشت عيسها * وأنفس العشاق في سياقها * * فكم حشا يطوى على حريقه * وأدمع تنشر في آماقها * وقال أيضا * هز لدنا من قده سمهريا * ومن اللحظ صارما مشرفيا * * شادن أرسل الجفون سهاما * حين ابدي من حاجبيه قسيا * * من بني الترك ما رنا ورمى حببة * قلب إلا وأصمي الرميا * * مخطف الخصر والسهام وما أرشق * في الرمي راشقا تركيا *
622 * فهو شاكي السلاح ما زال من قتل * محببيه يركب المنهيا * وكانت وفاة الرشيد في شهور سنة تسع عشرة وستمائة ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله 254 ابن أبي العاص الأموي عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص الأموي أخو مروان شاعر محسن شهد يوم الدار وتوفي في حدود السبعين للهجرة وكان حاضرا عند يزيد بن معاوية وقد جئ إليه برأس الحسين ووضع بين يديه في طست فبكى عبد الرحمن وقال * أبلغ أمير المؤمنين فلا تكن * كموتر قوس ثم ليس لها نبل * * لهام بجنب الطف أدنى قرابة * من ابن زياد الوغد ذي الحسب الرذل * * سمية أمسى نسلها عدد الحصى * وبنت رسول الله ليس لها نسل * قال فصاح يزيد اسكت يا بن الحمقاء ما لك ولهذا وقال لما ادعى معاوية زيادا * ألا أبلغ معاوية بن حرب * مغلغلة من القرم الهجان * * أتغضب أن يقال أبوك عف * وترضى أن يقال أبوك زاني * * فأشهد أن رحمك من زياد * كرحم الفيل من ولد الأتان * * وأشهد أنها ولدت زيادا * وصخر من سمية غير داني * فبلغ ذلك معاوية فحلف لا يرضى عنه حتى يرضى عنه زياد فخرج عبد الرحمن إلى زياد فلما دخل عليه قال إيه يا عبد الرحمن أنت القائل ألا أبلغ معاوية بن حرب الأبيات قال أيها الأمير ما قلت هذا ولكني قلت * ألا من مبلغ عني زيادا * مغلغلة من الرجل الهجان * * من ابن القرم قرم بني قصي * أبي العاص ابن آمنة الحصان *
623 * حلفت برب مكة والمصلى * وبالتوراة أحلف والقران * * لأنت زيادة في آل حرب * أحب لإلي من وسطي بناني * * سررت بقربه وفرحت لما * أتاني الله منه بالبيان * * وقلت أتى أخو ثقة وعم * بعون الله في هذا الزمان * * كذاك أراك والأهواء شتى * فما أدري بغيب ما تراني * فرضي عنه زياد وكتب إلى معاوية برضاه عنه فلما وصل إلى معاوية قال أنشدني ما قلته لزياد فأنشده فتبسم وقال قبح الله زيادا فما أجله لما قلت لأنت زيادة في آل الحرب البيت شر من الأول ولكنك خدعته فجازت خديعتك عليه 255 قاضي القضاة ابن بنت الأعزعبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خليفة بن بدر قاضي القضاة تقي الدين أبو القاسم ابن قاضي القضاة تاج الدين العلامي المصري الشافعي المعروف بابن بنت الأعز وزير الملك الكامل بن أبي بكر بن أيوب وعلامة بالفتح والتخفيف قبيلة بن لخم سمع من الرشيد العطار وغيره وتفقه على ابن عبد السلام وعلى والده وكان فقيها إماما مناظرا بصيرا بالأحكام جيد بالعربية ذكيا كاملا نبيا رئيسا شاعرا محسنا فصيحا مفوها وافر العقل كامل السؤدد روى عنه الدمياطي في معجمه شيئا من نظمه توفي كهلا سنة خمس وتسعين وستمائة وولى الوزارة مع القضاء ثم استعفى من الوزارة وتولى القضاء بعده الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد امتحن في الدولة الأشرفية على يد شمس الدين بن السلعوس ثم نجاه الله تعالى منه ويقال لما حكم بتعزيزه نهره ابن السلعوس وأقامه فقالوا له هذا تعزيز مثل هذا فقال لا بد من زيادة فقالوا من
624 القلعة إلى باب زويلة ماشيا ولم ينله من مكروه بعد عزله من القضاء أكثر من هذا وسكن القرافة وتولى التدريس بالمدرسة المجاورة لضريح الشافعي ثم سافر إلى الحج فقضى الفريضة وزار مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنشد بها القصيدة البليغة من نظمه وهي * الناس بين مرجز ومقصد * ومطول في مدحه ومجود * * ومخبر عمن روى ومعبر * عما رآه من العلا والسؤدد * منها * ما في قوى الأذهان حصر صفاتك العليا * وما لك من كريم المحتد * * ومن المحيط بكنه معنى مدهش * بهر العقول بمصدر وبمورد * * فإذا البصائر فيه تنفذ أدركت * منه معاني حسنها لم ينفد * * ورأتك في مرآتها شمس الضحى * طلعت بكل تنوفة وبفدفد * * فأفادت البصر الصحيح إنارة * تقوي على البصر الضعيف الأرمد * * وأخو الهوى في طرفه وفؤاده * مرض يصد عن الطريق الأرشد * * جحد الظهيرة نورها واها له * حرم السعادة كلها إن يجحد * * حظ الموفق أن يتابع دائما * أخلاقك الغر الكرام ويقتدي * منها في الإسراء * لم ترتفع لله عن خفض ولم * تقرب إليه من مكان مبعد * * لكن أرى محبوبه ملكوته * حتى يشاهد فيه ما لم يشهد * * وأراه كيف تفاضل الأملاك والرسل * الكرام وكان غير مقلد * * ورأت له الأملاك في ملكوته * جاها وقدرا مثله لم يوجد * منها * هل جاء قبلك مرسل بخوارق * إلا وجئت بمثله أو أزيد * * فعصا الكليم تندلت أعراضها * وكذا عصاك تبدلت بمهند * * نبعت عيون الماء من حجر لنا * والنبع في الأحجار كالمتعود *
625 * إن البعيد من العوائد كلها * نبع بدا بين الأصابع واليد * * هذي هي الكف التي قد أصبحت * بحرا إذا محدحوا لنا الكف الندى * منها * ومحبة المولى هي الأصل الذي * لم يثن عزمك فيه رأى مفند * * ومن الذي يجلي عليه جهرة * ذاك الجمال فلم يخر ويسجد * * صلوات ربك والسلام عليك ما * حييت من متوجه متعبد * * وجرى بذكرك لفظه في وقفة * لخطابه أو جلسة المتشهد * * وإذا مررت على القلوب فكنت كالأرج * الذكي يرد روح المكمد * * وعلى صحابيتك الكرام وآلك البرءاء * من قول الجهول المفسد * * وعلى ضجيعيك اللذين تشرفا * بالقرب منك بمقعد وبمرقد * * لمكانة في الدين ما خفيت على * متبصر قرأ العلوم مسدد * * قاما بنصرك في الحياة عبادة * وجلادة أزرت على المتجلد * * وتكفلا بعد الممات بنصرة الددين * الحنيف على الكفور الملحد * * وتقلدا الأمر العظيم فأصبحا * حججا على كل امرئ متقلد * * تالله قد جدا وما ونيا ولا اختارا * الأخف على الأشق الأجهد * * وكلاهما بزلال فضلك يرتوي * وبفضل برد من شعارك يرتدي * * كانا سعادة كل عبد صالح * وشقاوة الباغي الجهول المعتدي * 256 ابن المسجف عبد الرحمن بن أبي القاسم بن غنائم بن يوسف الأديب بدر الدين الكناني العسقلاني ابن المسجف الشاعر ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وتوفي سنة خمس وثلاثين وستمائة كان أديبا ظريفا خليعا توفي فجأة وخلف خمسمائة ألف درهم فأخذها الجواد
626 صاحب دمشق وله أخت عمياء فقيرة فمنعها حقها من ميراثها وكان بدر الدين يتجر وله رسوم على الملوك وأكثر شعره في الهجو قال القوصي في معجمه كان الشريف شهاب الدين بن الشريف فخر الدولة بن أبي الجن الحسيني رحمه الله تعالى لما ولاه السلطان الملك الناصر أعزه الله تعالى النقابة على الطالبيين من الأشراف اجتمع في داره للتهنية جماعة الولاة والقضاة والصدور وسألني الجماعة إنشاء خطبة تقرأ أمام قراءة المنشور فذكرت خطبة على البديهية جمعت فيها بين فضل أهل البيت عليهم السلام وبين شكر السلطان على توليته وما أولاه من الإحسان فحضر بدر الدين بن المسجف رحمه الله تعالى المجلس وأنشد هذه الثلاثة الأبيات لنفسه * دار النقيب حوت بمن قد حلها * شرفا يقصر عن مداه المطنب * * أضحت كسوق عكاظ في تفضيلها * وبها شهاب الدين قس يخطب * * ألفاضل القوصي أفصح من غدا * عن فضله في العصر يعرب معرب * وأنشدني المذكور لنفسه في الشرف الحلي الشاعر * يقولون لي ما بال حظك ناقصا * لدى راجح رب الفهاهة والجهل * * فقلت لهم إني سمى ابن ملجم * وذلك إسم لا يقول به حلي * وأنشدني لنفسه هذين البيتين وكان قد قالهما ببغداد وقد جاء مطر كثير يوم عاشوراء وكان فصل الصيف * مطرت بعاشورا وتلك فضيلة * ظهرت فما للناصبيء المعتدي * * والله ما جاد الغمام وإنما * بكت السماء لرزء آل محمد * وأنشدني لنفسه يمدح الكمال القانوني * لو كنت عاينت الكمال وجسه * أوتار قانون له في المجلس * * لرأيت مفتاح السرور بكفه اليسرى * وفي اليمنى حياة الأنفس *
627 وأنشدني لنفسه * ولقد مدحتهم على جهل بهم * وظننت فيهم للصنيعة موضعا * * ورجعت بعد الاختبار أذمهم * فأضعت في الحالين عمري أجمعا * ومثل هذا قول سبط فكتعاويذي * قضيت شطر العمر في مدحكم * ظنا بكم أنكمأ هله * * وعدت أفنيه هجاء لكم * فضاع عمري فيكم كله * ولابن المسجف * يا رب كيف بلوتني بعصابة * ما فيهم فضل ولا إفضال * * متنافري الأوصاف يصدق فيهم الهاجي * وتكذب فيهم الآمال) 5 * غطى الثراء على عيوبهم وكم * من سوءة غطى عليها المال * * جبناء ما استنجدتهم لملمة * لؤماء ما استرفدت؟ هم بخال * * فوجوههم عوذ على أموالهم * وأكفهم من دونها أقفال * * هم في الرخاء إذا ظفرت بنعمة * آل وهم عند الشدائد آل * وقال * أنا في جيل خسيس * وقبيل وزمان * * أمدح السلطان كي يصبح * مالي في أمان * * هكذا كان أبو تممام * قبلي وابن هاني * وقال * قالوا تلقب بدر الدين مفتخرا * نجل الجنوبي من قد زين الأمنا * * فقلت لا تعجبوا منه فذا لقب * وقف على كل نحس والدليل أنا * وقال * ثلاثة أشياء ثقلن بجلق * على كل قلب بالدليل المحقق * * تزهد قاضينا الخويي وطرحة الششهاب * وإسلام الحكيم الموفق * وقال في ابن القصار الفارقي
628 * وغرير كأنه غصن تين * أحول المقلتين مر لماه * * قلت ما الإسم قد أطال عنائي * قال مسعود قلت من لا يراه * وقال في جماعة بدمشق * تسعة رهط في جلق جمعوا * ليس لهم في الفساد من عاشر * * الأعور التاج والشقيشقة الصصفار * وابن الخطيب والكافر * * والفسوة الشاعر * * يخفي بغاء دليله ظاهر * وقال يخاطب الملك العادل وقد أمر بنزح الماء من الخندق لأجل عمارة البرج * أرح من نزح ماء البرج قوما * فقد أفضى إلى تعب وعي * * مر القاضي بوضع يديه فيه * وقد أضحى كرأس الدولعي * وقال في جماعة حول الملك الأشرف * وخمسة عند موسى لا خلاق لهم * ما فيهم أبدا نفع لمخلوق * * ابن المحور والدخوار والفلك المصري * وابن جرير وابن مرزوق * وقال يخاطب الملك المعظم لما طولب بالزكاة * أيا ملكا حوى علما وجودا * وحاز لكل مكرمة وفضل * * ومن هو كالمسيح اسما وفعلا * ونصبا للحياة وجزم محل * * يكلفني البهاء زكاة مال * حرام كله من غير حل * * وكيف يقوم بالزكوات من لا * يصوم ولا يحج ولا يصلي * * فجد بهبات ذلك لي فإني * أجل زكاتكم عن مال مثلي * وقال * قالوا علام رفضت الشعر مطر حذا * فقلت من قلة الإنصاف في زمني * * لا المدح يورثني مالا أسر به * ولا الهجاء إلى سؤلي يقربني * * حتى يقال أديب شاعر فطن * حر أم كل أديب شاعر فطن * وقال في محيي الدين بن الجوزي رسول الخليفة وكان يتردد إلى الملوك في الرسائل فمات منهم جماعة متقاربون يخاطب الخليفة المستنصر * يا إمام الهدى أبا جعفر المنصور * يا من له الفخار الأثيل *
629 * ما جرى من رسولك الشيخ محيي الددين * في هذه البلاد قليل * * جاء والأرض بالسلاطين تزهو * فغدا والقصور منهم طلول * * أقفر الروم والشآم ومصر * أفهذا مغسل أم رسول * وقال في جماعة من دمشق * خمس تيجان لا يساوون نعلا * رث في قيمة ولا مقدار * * الشحيرير والأعيور والقصصار * وابن المصري وابن الحواري * وقال في ابن الزكي والجمال يونس المصري * يقيسون يحيى بالفعال بيونس * وهذا على ضد القياس المؤسس * * وكيف يصح الحكم والحوت بالع * لذاك وهذا بالغ حوت يونس * ومن شعره في الغرز خليل وإلى دمشق * ما خليل بخليل لا ولا * صحبه أهل صلاح بل فساد * * لقبوه الغرز لا جهلا به * صدقوا لكنه غرز جراد * وقال يمدح الملك الكامل * إذا لبس الدرع مستلئما * وكرسيه صهوة الصاهل * * ترى الأرض محمرة بالدما * ومخضرة اللون بالنائل * وقال على لسان بنت الملك الأشرف في دار السعادة * قالت مليكة هذي الدار حين ثوى * من شيد الدار بعد الملك بالتراب * * لا تحسدني على دار السعادة بل * دار السعادة كانت في زمان أبي * وصل ابن المسجف في بعض سفراته إلى الموصل بما معه من التجارة فباع الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ الأتابكي متملك الموصل شيئا معه ومدحه فتقدم إلى نائبه الأمير أمين الدين لؤلؤ عتيقة بقضاء أشغال له فتوقف في أمره فقال له بعض أصحاب الباب لو طاب قلب أمين الدين مشي الحال وحصل المقصود فقال * يقولون لو طاب قلب الأمين * رجعت بدر نفيس ثمين * * فقلت أعود بلا حبة * ولا طيب الله قلب الأمين *
630 عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو محمد ابن أبي حاتم التميمي الحنظلي الإمام ابن الإمام الحافظ ابن الحافظ سمع أباه وغيره قال ابن منده صنف ابن أبي حاتم المسند في ألف جزء وكتاب الزهد وكتاب الكني والفوائد الكبير وفوائد الرازيين وتقدمة الجرح والتعديل وصنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار وله الجرح والتعديل في عدة مجلدات تدل على سعة حفظه وإمامته وكتاب الرد على الجهمية في مجلد كبير وله تفسير كبير آثار مسندة في أربع مجلدات قال أبو يعلي الخليلي كان يعد من الأبدال وقد أثنى عليه جماعة بالزهد والورع التام والعلم والعمل وتوفي في المحرم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة رحمه الله تعالى 258 ابن منده عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده واسم منده إبراهيم بن الوليد أبو القاسم ابن الحافظ أبي عبد الله العبدي الأصبهاني كان كبير الشأن جليل القدر حسن الخط واسع الرواية له أصحاب وأتباع وهو أكبر الإخوة والإجازة كانت عنده قوية وله تصانيف كثيرة وردود جمة على أهل البدع قال السمعاني سمعت الحسن بن محمد الرضا العلوي يقول سمعت خالي
631 أبا طالب بن طباطبا يقول كنت أشتم عبد الرحمن بن منده إذا سمعت ذكره أو جرى ذكره في محفل فسافرت إلى جادباقان فرأيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المنام ويده في يد رجل عليه جبة زرقاء وفي عينه نكتة فسلمت عليه فلم يرد على السلام وقال لم تشتم هذا إذا سمعت ذكره فقيل لي في المنام هذا عمر بن الخطاب وهذا ابن منده فانتبهت ثم صادفته على النعت الذي رأيته في المنام عليه جبة زرقاء فلما سمعت عليه قال وعليك السلام يا أبا طالب وقبل ذلك ما رآني ولا رايته وقال لي قبل أن أكلمه ما حرمه الله ورسوله يجوز لنا أن نحله فقلت له اجعلني في حل ونشدته الله وقبلت بين عينيه فقال عبد الرحمن لي جعلتك في حل مما يرجع إلي وتوفي ابن منده سنة سبعين وأربعمائة رحمه الله 259 فخر الدين بن عساكر عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الإمام المفتي فخر الدين أبو منصور الدمشقي الشافعي ابن عساكر شيخ الشافعية تولى تدريس الجاروخية ثم تدريس التقوية وكان يقيم بالقدس وكان عنده بالتقوية فضلاء الشام حتى كانت تسمى نظامية الشام وهو أول من درس بالعذراوية وكان يتورع من المرور في رواق الحنابلة لئلا يأثموا بالوقعية فيه لأن عوامهم يبغضون بني عساكر لأنهم شافعية أشعارة وعرضوا عليه ولايات ومناصب
632 فتركها وصنف في الفقه والحديث مصنفات وتوفي سنة عشرين وستمائة ومولده سنة خمسين وخمسمائة رحمه الله تعالى 260 الفراسي المغربي عبد الرحمن بن محمد الفراسي بالفاء وبعد الراء ألف وسين وهي قرية تعرف ببني فراس جوار تونس إلا أن مستقره تونس وبها تأدب كان شاعرا ماجنا خليعا شريرا كثير المهاجاة قليل المداراة خبيث اللسان وتوفي بمدينة سوسة سقط من سطح وهو سكران فتردى وذلك سنة ثمان وأربعمائة وقد نيف على الثلاثين لما ولي القاضي عبد الرحمن بن محمد النحوي قضاء تونس قال الفراسي * يقول فراسي هذا الزمان * وما زال في قوله يعدل * * متى يملك الأرض دجالها * فقد صار قاضينا أحول * فبلغ ذلك القاضي فأحفظه ودعاه إليه رجل خاصمه فلما مثل بين يديه سمع دعوى خصمه ثم سأله فأقر فألزمه أداء الحق فامتنع وقال علي يمين ألا أؤديه إلى وقت كذا فأطرق القاضي ساعة وقضى عنه ما وجب لغريمه عليه فلما خرج قيل له ما صنعت قال أردت أن أستحل عرضه فحرمه علي ونظم * من كان عندي له مطالبة * فإن بيني وبينه القاضي * * قاض قضى عني الحقوق على * بعدي منه وفرط إعراضي * * أباح لي ماله ليمنعني * من عرضه وهو ساخط راضي *
633 * فيا لها رقية مسكنة * لحية ساورته نضناض * وجلس يوما إلى شيخ تونس وكان نهاية في المجون فاجتاز بهما رجل يسأل عن دار ابن عبدون فقال له الشيخ هي تلك الرائقة حيث يقوم أيراك قال الفراسي والله لأنظمنه فما رأيت كهذا المعنى وقال من ساعته * إن شئت أن تعرف عن صحة * دار الذي يعزى لعبدنه * * فتمش فإن أيرك أبصرته * قام فإن الباب من دونه * 261 الشيخ شمس الدين بن أبي عمرعبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة شيخ الإسلام وبقية الأعلام شمس الدين أبو محمد ابن القدوة الشيخ أبي عمر المقدسي الجماعيلي الصالحي الحنبلي الخطيب الحاكم ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة بالدير المبارك بسفح قاسيون وتوفي سنة اثنتين وثمانين وستمائة سمع حضورا من ست الكتبة بنت الطراح ومن أبيه وعمه وعليه تفقه وعرض عليه المقنع وشرحه في عشر مجلدات وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وابن الحرستاني وابن كامل والقاضي أسعد بن المنجا وابن البنا وابن ملاعب والبكري والجلاجلي والشمس البخاري وجماعة كثيرة وطلب بنفسه وكتب وقرأ على الشيوخ قرأ على ابن الزبيدي وجعفر الهمداني والضياء المقدسي وسمع بمكة من أبي المجد القزويني وابن باسويه وبالمدينة من أبي طالب عبد المحسن بن أبي العميد الخفيفي وأجاز له أبو الفرج بن الجوزي وأبو جعفر الصيدلاني
634 وروى عنه الأئمة أبو بكر المناوي وأبو الفضل بن قدامة الحاكم وابن تيمية والحارثي وابن العطار والمزي والشيخ برهان الدين وإسماعيل الحراني والبرزالي وخلق كثير وإليه انتهت رياسة المذهب في عصره وكان عديم النظر علما وحلما وزاهدا وولي لقضاء أكثر من أثنتي عشر سنة ولم يأخذ عليه رزقا ثم تركه ولما توفي رثاه شمس الدين الصائغ والشيخ علاء الدين بن غانم وتقي الدين ابن تمام وشهاب الدين محمود رحمه الله تعالى 262 أبو البركات بن الأنباري عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله أبو البركات النحوي كمال الدين بن الأنباري قدم بغداد في صباه وقرأ الفقه بالمدرسة النظامية على ابن منصور سعيد ابن الرزاز وعلى من بعده حتى برع وحصل طرفا من الخلاف وصار معيدا بالنظامية وكان يعقد مجلس الوعظ ثم قرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي ولازم الشريف بن الشجري حتى برع وصار من المشار إليهم في النحو وتخرج به جماعة وسمع من ابن خيرون وعبد الوهاب بن الأنماطي ومحمد بن حبيب العامري وغيرهم وحدث وروى الكثير من كتب الأدب وكان إماما ثقة صدوقا غزير العلم ورعا زاهدا تقيا عفيفا لا يقبل من أحد شيئا وكان خشن العيش خشن المأكل لم يتلبس من الدنيا بشيء توفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة وله من المصنفات هداية الذاهب في معرفة المذاهب الداعي إلى الإسلام في علم الكلام النور اللأئح في اعتقاد السلف الصالح اللباب المختصر منشور العقود في تجريد الحدود والتنقيح في مسلك الترجيح الجمل في علم الجدل الاختصار في الكلام على ألفاظ تدور بين النظار
635 نجدة السؤال في علم السؤال الإنصاف في مسائل الخلاف أسرار العربية عقود الإعراب حواشي الإيضاح منثور الفوائد مفتاح المذاكرة كتاب لو كتاب ما كتاب كيف كتاب الألف واللام وكتاب حلية العربية كتاب لمع الأدلة الإغراب في علم الإعراب شفاء السائل في بيان رتبة الفاعل الوجيز بالتصريف البيان في جمع أفعل أخف الأوزان المعتبر في الفرق بين الوصف والخبر المرتجل في إبطال تعريف الجمل جلاء الأوهام وجلاء الإفهام في متعلق الظرف في قوله تعالى 6 (أحل لكم ليلة الصيام) * البقرة 187 غريب إعراب القرآن رتبة الأنساب المسائل الخرسانية مفترح السائل في ويل أمه كتاب الزهرة في اللغة الأسمى في شرح الأسماء كتاب حيص بيص حلية العقود في الفرق بين القصور والممدود كتاب ديون اللغة زينة الفضلاء في الفرق بين الضاد والظاء البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث كتاب النوادر كتاب الاضداد كتاب فعلت وأفعلت الألفاظ الجارية على لسان الجارية قبسة الأديب في أسماء الذيب الفائق في أسماء المائق البلغة في أساليب اللغة قبسة الطالب في شرح خطبة أدب الكاتب تفسير غريب المقامات الحريرية شرح ديوان المتنبي شرح الحماسة شرح السبعة الطوال شرح مقصورة ابن دريد المقبوض في العروض الموجز في القوافي اللمعة في صنعة الشعر نزهة الالبا في طبقات الأدبا الجوهرة في نسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه العشرة تاريخ الأنبار نكت المجالس في الوعظ نقد الوقت نغبة الوارد التفريد في كلمة التوحيد أصول الفصول في التصوف نسمة العبير في التعبير ومن شعره * إذا ذكرتك كاد الشوق يقتلني * وأرقتني أحزان وأوجاع * * وصار كلي قلوبا فيك دامية * للسقم فيها وللآلام إسراع * * فإن نطقت فكلي فيك ألسنة * وإن سمعت فكلي فيك أسماع *
636 ومنه * دع فؤادي من ذكر دعد وهند * وبكائي مغني العقيق ونجد * * واد كاري أطلال رامة والجزع * فذكر الأطلال ما ليس يجدي * * وارتياحي إلى الحمى والأثيلات * وما فيه من عرار وربد * * ودعاني بذكر من سكن الخيف * فخيف خوفي ونجدي وجدي * * سوق شوق الحبيب يحدو بقلبي * نحو سوق الشوق المبرح وحدي * * غيرة أن يحل فيه سواه * أو يرى فيه ذكر مولى وعبد * * هو أنسي إذا تباعدا أنسي * وجليسي إذا ذكرت وعندي * * جل في الذات والصفات عن الحدد * وفي الطول أن يحد بحد * * عد عنى ذكر الغواني وهند * والمغاني والجزع بالله عدي * ومنه * ألعلم أوفى حلية ولباس * والعقل أوقى جنة الأكياس * * كن طالبا للعلم تحي فإنما * جهل الفتى كالموت في الأرماس * * وصن العلوم عن المطامع كلها * لترى بأن العز عز الياس * * والعلم ثوب والعفاف طرازه * ومطامع الإنسان كالأدناس * * والعلم نور يهتدي بضيائه * وبه يسود الناس فوق الناس * 263 الدودي عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم بن شيرزاذ أبو الحسن بن أبي طلحة الداودي جمال الإسلام وشيخ خراسان رواى البخاري عن السرخسي كان من الأئمة الكبار في
637 معرفة المذهب والخلاف والأدب مع علو الإسناد وله حظ من النظم والنثر قرأ الفقه على القفال المروزي وسهل الصعلوكي وأبى طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي وأبي بكر الطوسي وأبى سعد يحيى بن منصور وصحب الأستاذ أبتا على الدقاق وأبا عبد الرحمن السلمى
638 وفاخر السجزي الضرير ويحيى بن عمار وقدم بغداد وقرأ على أبي حامد الإسفراييني حتى برع في المذهب والخلاف وعاد إلى بوشنج وأخذ في التدريس والفتوى والتصنيف وعقد مجلس التذكير ورواية الحديث إلى أن توفي سنة سبع وستين وأربعمائة وكان مولده سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ومن شعره * كان اجتماع الناس فيما مضى * يورث البهجة والسلوه * * فانقلب الأمر إلى ضده * فصارت السلوة في الخلوه * وقال أيضا رحمه الله تعالى * كان في الإجتماع من قبل نور * فمضى النور وادلهم الظلام * * فسد الناس والزمان جميعا * فعلى الناس والزمان السلام * وقال * إن شئت عيشا طيبا * يغدو بلا منازع *
639 * فاقنع بما أوتينه * فالعيش عيش القانع * 264 ابن دوستعبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عزيز بن يزيد الحاكم أبو سعيد ابن دوست ودوست لقب جده محمد أحد الأعيان الأئمة بخرسان في العربية سمع الدواوين وحصلها وصنف التصانيف المفيدة وأقرأ الناس الأدب والنحو وله رد على الزجاجي فيما استدركه على ابن السكيت في إصلاح المنطق وكان زاهدا عارفا ورعا وعنه أخذ الواحدي اللغة وتوفي سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وكانأ طروشا لا يسمع شيئا وكان يقرأ على الحاضرين مجليه بنفسه وكان أوجه من قرا اللغة على الجوهري صاحب الصحاح ومن شعره * ألا يا ريم خبرني * عن التفاح من عضه * * وحدث بأبى عن حببك * البكر من افتضه *
640 * وختم الله بالورد * على خدك من فضه * * لقد أثرت العضه * في وجنتك الغضه * * كما يكتب بالعنبر * في جام من الفضه * ومن شعره * وشادن نادمت في مجلس * قد عطلت فيه أباريقه * * طلبت وردا فأبى خده * ورمت راحا فلأبى ريقه * ومنه * وشادن قلت له * هل لك في المنادمه * * فقال كم من عاشق * سفكت بالمنى دمه * ومنه * عليك بالحفظ دون الجمع في كتب * فإن للكتب آفات تفرقها * * ألماء يغرقها والنار تحرقها * والفار يخرقها واللص يسرقها * 265 ابن السنينيرة عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عمر بن أبي القاسم جمال الدين الواسطي المعروف بابن السنينيرة تصغير سنورة الشاعر المشهور ولد سنة سبع وأربعين وخمسمائة وتوفي سنة ست وعشرين وستمائة طاف البلاد ودخل حلب ومدح الظاهر وجرى قضية يجيء ذكرها إن شاء الله تعالى في ترجمة ابن خروف علي بن محمد بن يوسف وكان عسر الأخلاق صعب الممارسة كثير الدعاوى لا يعتقد في أحد من أقرانه من الشعراء مثل الأبله وابن المعلم وغيرهما شيئا ويقول أنا
641 أسحب ذيلي عليهم فضلا ومزية ومدح الملك الظاهر غازي بقصيدة يذكر فيها القناة التي أجراها بحلب وهي * دون الصراة بدت لنا صور الدمى * لا أدم صيران الصريم ولا الحمى * * غيد هززن من القدود ذوابلا * لدنا ورشن من النواظر أسهما * * عنت وكم دون الحريم أحل من * دم عاشق عان وكان محرما * * فنهبن أنقاء الصريم روادفا * ووهبن إيماض البروق تبسما * * وأعرن أنفاس النسيم من الصبا * أرجا أبت أسراره أن تكتما * * وعلى أوانا كم ونى يوم النوى * جلد وعهد هوى وهي وتصرما * * أأميم لولا فرط صدك لم أهم * ظمأ ولا ألما إلى رشف اللمى * * ولما وقفت بسفح سلمى منشدا * أمحلتي سلمى بكاظمة اسلما * * خلفتني بين التجنني والقلي * لا ممعنا هربا ولا مستسلما * * وتركتني تفني الزمان تعللا * نفسي بذكر عسى وسوف وربما * * ولكم طرقتك زائرا فجعلت لي * دون الوسادة والمهاد المعصما * * ومنحتني ظلما ولثما لم يكن * حوض العفاف بورده متهدما * * فاليوم طيفك لو ألم لبخله * للصب في سنة الكرى ما سلما * * يا سعد إن حلاوة العيش التي * قد كنت تعهدها استحالت علقما * * سر بي فلي في السرب قلب سار في * إثر الفريق مقوضا ومخيما * * قد فاز بالقدح المعلى من أتى * نهر المعلى زائرا ومسلما * * لو لم تكن تلك القباب منازلا * ما قابلت فيها البدور الأنجما * * يا ساكني دار السلام عليكم * مني التحية معرق ا أو مشئما * * وعلى حمى حلب فإن مليكها * ما زال صبا بالمكارم مغرما * * قرم ترى في الدرع منه لدى الوغى * ذا لبدة قرما ووصلا أرقما * * ويضم منه الدست في يوم الوغى * بحرا طمى كرما وطودا أيهما * * روى ثرى حلب فعادت روضة * أنفا وكانت قبله تشكو الظما * * أحيا رفات عفاتها فكأنه * عيسى بإذن الله أحيا الأعظما * * لا غرو أن أجرى القناة جدولا * فلطالما بقناته أجرى الدما *
642 * وبكفه للآملين أنامل * منها العباب أو السحاب إذا طما * 266 ابن المنجم الواعظ المعري عبد الرحمن بن مروان بن سالم بن المبارك أبو محمد التنوخي المعري المعروف بابن المنجم الواعظ قدم بغداد وعليه مسح على هيئة الوعاظ السياح فصار له ناموس عظيم وعقد مجلس الوعظ بدار السلطان وحضر السلطان مجلسه صار له الجاه التام ونفذه الخليفة رسولا إلى الموصل واشتهر ذكره ونما خبره وكان مشتهرا بتزوج الأبكار وأكثر من ذلك حتى قيل فيه الأشعار وصار له جوار يقين عليهن وخرج من بغداد هاربا من أيدي الغرماء ودخل الشام وأقام بدمشق إلى أن توفي سنة سبع وخمسين وخمسمائة وقد جاوز السبعين وكان يعظ بدمشق ونفق سوقه بها وكان يعظ في الأعزية أتاه يوما صغير ليتوب على يده فحمله على كتفه فقال * هذا صغير ما أتى كبيرة * فهل كبير ركب الكبائرا * فضج أهل المجلس بالبكاء وكان يظهر لكل طائفة أنه منهم حرصا على التحصيل وعمل عزاء أمير المؤمنين المقتفى لأمر الله في الجامع الأموي بدمشق فقام في التعزية ورثاه بأبيات فخلع عليه صدر المجلس ثوبه فذكر عادته في الكدية وخرج عما كان فيه من التعزية إلى استدعاء موافقة الحاضرين فخلع عليه بعضهم فقال ذلك اليوم فيه العماد الكاتب أنا المعري لا المعري ومن شعره * حبيب لست أنظره بعيني * وفي قلبي له حب شديد *
643 * أريد وصاله ويريد هجري * فأترك ما أريد لما يريد * وقال * جارة قد أجارها التحسن * من كل جانب * * فهي بين النساء كالبدر * بين الكواكب * وقال * وشارب مثل نصف الصاد صاد به * قلبي رشا ثغره أنقى من البرد * * كأنما خاله من فوق وجنته * سواد عين بدا في حمرة الرمد * 267 ملك الأنلدس الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي الداخل إلى الأندلس وهو أول من ملك الأندلس من بني أمية وتفلت من بين يدي بني العباس وأبعد إلى المغرب أقام ببرقة خمس سنين ودخل بدر مولاه يتجسس له الأخبار فقال للمضرية لو وجدتم رجلا من أهل الخلافة أكنتم تبايعونه فقالوا وكيف لنا بذلك فقال بدر هذا عبد الرحمن بن معاوية فأتوا إليه فبايعوه فولى عليها ثلاثا وثلاثين سنة وكان دخوله الأندلس سنة تسع وثلاثين ومائة وكان يوسف الفهري أول من قطع الدعوة عنهم فلما دخل عبد الرحمن قاتل يوسف واستولى على البلاد وبقي ملك الأندلس بيد أولاده إلى رأس الأربعمائة وكان عبد الرحمن من أهل العلم على سيرة جميلة من العدل في قضياه
644 وكانوا يقولون ملك الدنيا ابنا بربريتين يعنون المنصور وعبد الرحمن وكان المنصور إذا ذكر له عبد الرحمن قال ذلك صقر قريش دخل المغرب وقد قتل قومه فلم يضرب العدنانية بالقحطانية حتى تملك قال ابن حزم خطب عبد الرحمن لأبي جعفر المنصور أعواما ثم ترك الخطبة ولم يتعرض لبني العباس ولا تعرضوا له وكان بقرطبة جنة اتخذها عبد الرحمن وكان فيها نخلة تولدت منها كل نخلة بالأندلس وتوفي في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين ومائة وقيل إن رجلا من أهل العلم رأى فيه علائم فقال له إن أمر الأندلس صائر إليك فهو الذي حثه على الدخول إلى الأندلس وبويع له بقرية من قرى إشبيلية وطلب قناة تعقد له فيها راية فلم توجد فعقدوا له محلفة في قصبة وكانت الأندلس غفلا من سمة الملك فدون الدوواين وجند الأجناد وفرض الأعطية وأقام للملك أبهة وشعارا ومن شعره * غنيت عن روض وقصير شاهق * بالقفر والإيطان والسرادق * * فقل لمن نام على النمارق * إن العلا شدت بهم طارق * وقال * أيها الراكب الميمم أرضي * أقر مني السلام بعضي لبعضي * * إن جسمي كما علمت بأرض * وفؤادي ومالكيه بأرض * * قدر البين بيننا فافترقنا * وطوى البين عن جفوني غمضي * * قد قضى الله بالفراق علينا * فعسى باجتماعنا سوف يقضي *
645 268 الزكي القوصي عبد الرحمن بن وهيب بن عبد الله زكي الدين القوصي الكاتب كان فضلا في نظمه ونثره متقنا للكتابة توفي بحماة مخنوقا بعد الأربعين وستمائة بعد وزارته للمظفر صاحب حماة وصحبته له دهرا طويلا وكان المظفر قد وعده أنه متى ملك حماة أعطاه ألف دينار فلما ملكها أنشده * مولاي هذا الملك قد نلته * برغم مخلوق من الخالق * * والدهر منقاد لما شئته * وذا أوان الموعد الصادق * فأقام معه مدة ولزمته أسفار أنفق فيها المال الذي أعطاه ولم يحصل بيده زيادة عليه فقال * ذاك الذي أعطوه لي جميلة * قد استردوه قليل قليل * * فليت لم يعطوا ولم يأخذوا * وحسبي الله ونعم الوكيل * فبلغ ذلك المظفر فأخرجه من دار كان قد أنزله بها فقال * أتخرجني من كسر بيت مهدم * ولي فيك من حسن الثناء بيوت * * فإن عشت لم أعدم مكانا يكنني * وأنت فتدرى ذكر من سيموت * فحسبه المظفر فقال ما ذنبي فقال وحسبي الله ونعم الوكيل وأمر بخنقه فلما أحس بذلك قال * أعطيتني الألف تعظما وتكرمة * يا ليت شعري أم أعطيتني ديتي * وكان قد أنشده قصيدة قبل أن يتملك حماة حين وعده بالألف دينار مثلها منها * متى أراك ومن تهوى وأنت كما * تهوى على رغمهم روحين في بدن * * هناك أنشد والآمال حاضرة * هنيت بالملك والأحباب والوطن *
646 قال شهاب الدين القوصي في معجمه أنشدني زكي الدين القوصي لنفسه * تبدت فهذا البدر من كلف بها * وحقك مثلي في دجى الليل حائر * * وماست فشق الغصن غيظا جيوبه * ألست ترى أوراقه تتناثر * فأجازهما يوسف بن عبد العزيز بن المرصص بقوله * وفاحت فألقى العود في النار نفسه * كذا نقلت عنه الحديث المجامر * * وقالت فغار الدر واصفر لونه * كذلك ما زالت تغر الضرائر * وكتب إلى وأنا بالديار المصرية * أوحشتني والله يا سيدي * وزاد شوقي وغرامي إليك * * إن غبت عن عيني برغمي فقد * أقام في الحضرة قلبي لديك * * وإن شممت الريح مسكية * فذاك من طيب ثنائي عليك * وكتب إلى * سيدي سيدي كتابك أحلى * منزلال على فؤادي الصادي * * خلت فيه قميص يوسف لما * ألصقته أناملي بفؤادي * * كرر اللثم يا فمي وترشف * منه آثار فضل تلك الأيادي * وقال في المعين الهيتي وقد أمر بنفيه من مصر إلى الشام * لا تحسب الهيتي يفلح بعدها * ونحوسه يتبعنه أني سلك * * قد غلقت أبواب مصر دونه * بغضا لطلعته وقالت هيت لك * وقال * فلان والجماعة عارفوه * وظاهره التنسك والزهاده * * يموت على الشهادة وهو حتى * إلهي لا تمته على الشهاده *
647 269 القاضي نجم الدين بن البارزي عبد الرحمن بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة الله بن حسان القاضي نجم الدين الجهني الحموي الشافعي المعروف بابن البارزي قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها ولد بحماة سنة ثمان وستمائة وتوفي سنة ثلاث وثمانين وستمائة كان إماما فاضلا فقيها أصوليا حبرا له خبرة بالعقليات ونظر في الفنون سمع من القاسم بن رواحة وغيره وحكم في حماة بحكم النيابة عن والده ثم ولي بعده ولم يأخذ على القضاء رزقا وعزل قبل موته بأعوام وكان مشكور الأحكام وافر الديانة محبا للفقراء والصالحين درس وأفتى وصنف وأشغل وخرج الأصحاب في المذهب توجه إلى الحج فأدركته منيته وحمل إلى المدينة ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ومن شعره في القلم * ومثقف للخط يحكي فعل سمر * للخط إلا أن هذا أصفر * * في رأسه المسود إن أجروه في المبيض * للأعداء موت أحمر * ومن شعره وهو تشبيه سبعة أشياء بسبعة * يقطع بالسكين بطيخة ضحى * على طبق في مجلس لصحابه * * كبدر ببرق قد شمسا أهلة * على أنجم بالبرق من كرة الشمس * والأصل في هذا لابن قلاقس الإسكندري حيث قال
648 * أتاني الغلام ببطيخة * وسكينة قد أجيدت صقلا) * فقطع بالبرق شمس الضحى * وأهدى إلى كل بدر هلالا * ولبعضهم يقول * خلناه لما حزز البطيخ في * أطباقه بصقيلة الصفحات * * بدرا يقد من الشموس أهلة * بالبرق بين الشهب والهالات * وأول من سبق إلى هذا الباب العسكري حيث قال * وجامعة لأصناف المعاني * صلحن لوقت إكثار وقله * * فمن أدم وريحان ونقل * فلم ير مثلها سدا لخله * * فمنها ما تشبه بدورا * فإن قطعتها رجعت أهله * ومن شعر القاضي نجم الدين بن البارزي ما كتبه إلى الملك المنصور صاحب حماه * خدمتك في الشباب وها مشيبي * أكاد أحل منه اليوم رمسا * * فراع لحرمتي عهدا قديما * وما بالعهد من قدم فينسى * ومنه * إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا * فلا أضلعي تهدا ولا عبرتي ترقا * * وإن ناح فوق البان ورق حمائم * سحيرا فنوحي في الدجى علم الورقا * * فرقوا لقلب في ضرام غرامه * حريق وأجفان بأدمعها غرقي * * سميري من سعد خذا نحو أرضهم * يمينا ولا تستبعدا نحوها الطرقا * * وعوجا على أفق توشح شيحه * بطيب الشذا المسكي أكرم به أفقا * * فإن به المغنى الذي بترابه * وذكراه يستشفى لقلبي ويسترقي * * ومن دونه عرب يرون نفوس من * يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا * * بأيديهم بيض بها الموت أحمر * وسمر لدى هيجائهم تحمل الزرقا * * وقولا محب بالشام غدا لقي * لفرقة قلب بالحجاز غدا ملقى *
649 * تعلقكم في عنفوان شبابه * ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى * * وكان يمني النفس بالقرب فاغتدى * بلا أمل إذ لا يؤمل أن يبقى * 270 ابن الإخوة عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم ابن الإخوة العطار أبو الفضل سمع أبو الفوارس طراد الزيني وأبا الخطاب نصر بن البطر وغيرهم وسافر إلى خراسان في طلب الحديث وسمع بنيسابور والري وطبرستان وبأصبهان وقرأ بنفسه ونسخ ما لا يدخل تحت الحصر وكان يكتب خطأ مليحا وكان سريع القراءة والكتابة قال محب الدين بن النجار رأيت بخطه كتاب التنبيه في الفقه لأبي إسحاق الشيرازي وقد ذكر في آخره أنه كتبه في يوم واحد وكانت له معرفة بالحديث والأدب وله شعر وكان يقول كتبت بخطي ألف مجلدة وتوفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بشيراز رحمه الله ورمى بأنه يقرأ معجم الطبراني ويقلب ورقتين ويترك حديثا وحديثين رواه السمعاني عن يحيى بن عبد الملك بن أبي المسلم المكي وكان شابا صالحا ومن شعر ابن الإخوة * ما الناس ناس فسرح إن خلوت بهم * فأنت ما حضروا في خلوة أبدا * * ولا يغرنك أثواب لهم حسنت * فليس حاملها من تحتها أحدا * * ألقرد قرد وإن حليته ذهبا * والكلب كلب وإن سميته أسدا * ومنه * أنفقت شرخ شبابي في دياركم * فما حظيت ولا أحمدت إنفاقي *
650 * وخير عمري الذي ولى وقد ولعت * به الهموم فكيف الظن بالباقي * ومنه * ولما التقى للبين خدي وخدها * تلاقى بهار ذابل وجنى ورد * * ولفت يد التوديع عطفي بعطفها * كما لفت النكباء ما يستى رند * * وأذرى النوى دمعي خلال دموعها * كما نظم الياقوت والدر في عقد * * وولت وبي من لوعة الوجد ما بها * كما عندها من حرقة البين ما عندي * ومنه * ألدهر كالميزان يرفع ناقصا * أبدا ويخفض زائد المقدار * * وإذا انتنحى الإنصاف عادل عدله * في الوزن بين حديدة ونضار * 271 أبو القاسم القشيري عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري من أهل نيسابور كان من أئمة الدين وأعلام المسلمين قرأ الأصول على والده وتفسير القرآن والوعظ ورزق في ذلك وافر الحظ ولازم إمام الحرمين ودرس عليه المذهب والخلاف وبرع في ذلك وجاوز أقرانه وقرأ الأدب ونظم ونثر وعقد مجلس الوعظ ببغداد وظهر له القبول العظيم وأظهر مذهب الأشعري وقامت سوق الفتنة بينه وبين الحنابلة وثار العوام إلى المقاتلة وكوتب الوزير نظام الملك بأن يأمره بالرجوع إلى وطنه فأحضره وأكرمه وأمره بلزوم وطنه فأقام يدرس ويعظ ويروي الحديث إلى أن توفي سنة أربع عشرة وخمسمائة كتب إليه فتوى وهي
651 * يا إماما حوى الفضائل طرا * طبت أصلا وزادك الله قدرا * * ما على عاشق رأى الحب مختالا * كغصن الأراك يحمل بدرا * * فدنا نحوه يقبل خديه * غراما به ويلثم ثغرا * * وعليه من العفاف رقيب * لا يدانى في سنة الحب غدرا * فأجاب رحمه الله تعالى * ما على من يقبل الحب حد * غير أني أراه حاول نكرا * * إمتحان الحبيب باللثم حيف * لو تعففت كان ذلك أحرى * * لا تشرف للثم خد وثغر * فتلاقي من لحظ نفسك مرا * * واخش منه إذا تسامحت فيه * غائلات تجر إثما ووزرا * * قمعك النفس دائما عن هواها * لك خير فألزم الفس صبرا * * من بلاه إلهه بهوى الخلق * فقد سامه هوانا وصغرا * * فاجتنبهم وراقب الله سرا * فهو أولى بنا وأعظم أجرا * * ذا جواب لابن القشيري فاسمع * إن أردت السداد سرا وجهرا * ومن شعره * ليالي وصال قد مضين كأنها * لآلي عقود في نحور الكواعب * * وأيام هجر أعقبتها كأنها * بياض مشيب في سواد الذوائب * ومن شعره * تقبيل ثغرك أشتهي * أمل إليه انتهى * * لو نلت ذلك لم أبل * بالروح مني أن تهي * * دنياي لذة ساعة * وعلى الحقيقة أنت هي * 272 جمال الدين بن شيث عبد الرحيم بن علي الحسين بن شيث القاضي الرئيس جمال الدين
652 الأموي الإسنائي القوصي صاحب ديوان الإنشاء للملك المعظم عيسى ولد بإسنا سنة سبع وخمسين وخمسمائة وتوفي سنة خمس وعشرين وستمائة نشأ بقوص ثم بالإسكندرية ثم بالقدس ثم ولى كتابة الإنشاء للمعظم وكان يوصف بالمروضة وقضاء الحاجة وكانت وفاته بدمشق ودفن بقاسيون بتربته وكانت بينه وبين معظم مداعبات كتب إليه مرة أنه لما فارقه ودخل منزله طالبوه أهله بما حصل له من بر السلطان فقال لهم ما أعطاني شيئا فقاموا إليه بالخفاف وصفعوه وكتب بعد ذلك * وتخالفت بيض الأكف كأنها التصفيق * عند مجامع الأعراس * * وتطابقت سود الخفاف كأنها * وقع المطارق من يد النحاس * فرمى المعظم الرقعة إلى فخر القضاة ابن بصاقة وقال أجبه عنها فكتب إليه نثرا وفي آخره * فاصبر على أخلاقهن ولا تكن * متخلقا إلا بخلق الناس * * واعلم إذا اختلفت عليك بأنه * ما في وقوفك ساعة من باس * ومن شعره * ما لقلبي إلى السلو طريق * أنا من سكرة الهوى لا أفيق * * ضحكوا يوم بينهم وبكينا * فتراءت سحائب وبروق * * لو ترانا وللمطالب إخفاق * إلينا وللقلوب خفوق * * لرأيت الدليل حيران منا * كلما لاح للهلال شروق * * وسهام اللحاظ قد فوقت لي * فلها كلما رمقت مروق * * لست أدري إذ ضرم اللثم وجدي * أحريق رشفته أم حريق * * ليدعني أهل الرشاد وشأني * ليس يدري ما بالأسير الطليق *
653 * أقفرت دار من أحب وكم ورقاء * كانت بها وغص وريق * * وهفا ثوبها الصفيق وللريح * عليها من حسرة تصفيق * * دار لهوى وللهوى في مغانيها * عروق تنمي ووجد عريق * * أي روح وفت هناك لجسم * عندما فارق الديار الفريق * * أشبهتني تلك الديار فجسمي * دار مي ودمع عيني العقيق * * وكأن الثياب لفظ وجسمي * فيه معنى من المعمى دقيق * * ورشيق القوام يرشق باللحظ * ولا يستقل منه الرشيق * * لحظه قاطع وما فارق الجفن * وفي جفنه عن السيف ضيق * * مشقت نون حاجبيه فأبدى * ألف الحسن قده الممشوق * * ولمام في صدغه لامه والميم * فوه والرق منه الريق * * فغدا خط حسنه وهو منشور * وأخلاقه عليه خلوق * * أحدق الحسن بالحدائق من خدديه * لما آذاهما التحريق * * مسحة للجمال مسح بركنيها * وخد له الشقيق شقيق * * وكأن الخال الذي لاح في لججة * خديه وهو طاف غريق * * طابق الحسن فيه فهو إذا يشعر * فيه التجنيس والتطبيق * * مردف الردف وهو مختصر الخصر * فذا مفعم وهذا دقيق * * فاتك الطرف باتك الظرف عمدا * وهو في كل حالة معشوق * * يا خليلي إن العدو كثير * فحذرنه وأين أين الصديق * * والرفيق الذي يؤمل منه الرفق * قاس فما رفيق رفيق * * وبسوق الهوان يبتذل الفضل * فما للفروع فيه بسوق * * فسد الناس والزمان ولابدد * بحق أن يخلق المخلوق * * فالكريم الذي يغيث يغوث * واللئيم الذي يعق يعوق * * غير أن الملك المعظم فرد * فاق فضلا وخصه التوفبق * وكان هذا ابن شيث قد رمى من ابن عنين بالداء العضال فإنه هجاه مرات منها قوله
654 * الله يعلم يا ابن شيث * ما حصلت من الكتابه * * إلا على الداء الذي * خضت به تلك العصابه * وقال فيه أيضا * أنا وابن شيث والرشيد ثلاثة * لا يرتجى فينا لخلق فائدة * * من كل من قصرت يداه عن الندى * يوم الندى وتطول عند المائدة * * فكأننا واو بعمر و ألحت * أو إصبع بين الأصابع زائدة * ومن شعر ابن شيث * وشمعة في المنجنيق * وهي فيه تشرق * * كأنها من تحته * شمس علاها شفيق * ومنه فيها * وأنيسة باتت تساهر مقلتي * تبكي وتورى فعل صب عاشق * * سرقت دموعي والتهاب جوانحي * فغدا لها بالقط قطع السارق * 273 الدخوار الطبيب عبد الرحيم بن علي بن حامد الشيخ مهذب الدين الطبيب الدخوار شيخ الأطباء ورئيسهم بدمشق وقف داره بالصاغة العتيقة مدرسة للطب ومولده سنة خمس وستين وخمسمائة وتوفي في صفر سنة سبع وعشرين وستمائة ودفن بتربته بقاسيون فوق الميطور وكان أعرج روى عنه القوصى شعرا وتخرج به جماعة كثيرة من الأطباء وصنف كتبا منها اختصار الحاوي ومقالة في الاستفراغ وتعاليق ومسائل
655 في الطب وشكوك وأجوبة ورد على شرح ابن أبي صادق لمسائل حنين ورسالة يرد فيها على يوسف الإسرائيلي في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة ونسخ كتبا كثيرة بخطه المنسوخ أكثر من مائة مجلد في الطب واختصر الأغاني الكبير وقرأ العربية على تاج الدين الكندي وقرأ الطب على الرضى الرحبي ثم لازم ابن المطران وأخذ عن الفخر المارديني وخدم العادل ولازم ابن شكر وكانت جامكيته جامكية الموفق عبد العزيز فإنه نزل عليها بعده مائة دينار في الشهر ومرض الكامل فحصل له من جهته اثنا عشر ألف دينار وأربع عشرة بغلة بأطواق ذهب وخلع أطلس وغير ذلك وولاه السلطان رياسة الأطباء في ذلك الوقت بمصر والشام وكان خبيرا بكل ما يقرأ عليه ولازم السيف الآمدي وحصل معظم مصنفاته ونظر في الهيئة والنجوم ثم طلبه الأشرف فتوجه إليه فأقطعه ما يغل في السنة ألفا وخمسمائة دينار ثم عرض له ثقل في لسانه واسترخاء فجاء إلى دمشق لما ملكها الأشرف فولاه رياسة الطب بها وزاد ثقل لسانه حتى إنه لم يفهم كلامه وكان الجماعة يبحثون بين يديه ويجيب هو وربما كتب لهم ما أشكل في اللوح واجتهد في علاج نفسه واستفرغ مرات واستعمل المعاجين الحارة فعرضت له حمى قوية فأضعفت قوته وظهرت به أمراض قوية كثيرة وأسكت وسالت عينه واتفق له في مبادي خدمته للعادل أشياء قربته من خاطره وأعلت محله عنده منها أتفق له مرض شديد وعالجه الأطباء وهو معهم فقال يوما لا بد من الفصد فلم ير الأطباء به فقال والله لئن لم يخرج دما ليخرجن بغير اختياره فاتفق أن رعف السلطان وبرى ومنها أنه كان يوما على باب دور
656 السلطان فخرج إليهم خادم ومعه قارورة فرأوها ووصفوا لها علاجا فأنكر هو ذلك العلاج وقال ليس هذا داء يوشك أن يكون هذا من حناء اختضبت به فاعترف الخادم لهم بذلك ومن شعره ما كتب به إلى الحكيم رشيد الدين أبي خليفة في مرضة مرضها شعرا * حشيت من مرض تعاد لأجله * وبقيت ما بقيت لنا أعراض * * إنا نعدك جوهرا في عصرنا * وسواك إن عدوا فهم أعراض * وقال ابن خروف يهجو الدخوار * لا ترجون من الدخوار منفعة * فلو شفى علتيه العجب والعرجا * * طبيب إن رأى المطبوب طلعته * لا يرتجى صحة منها ولا فرجا * * إذا تأمل في دستوره سحرا * وقال أين فلان قيل قد درجا * * فشربة دخلت مما يركبه * جسم العليل وروح منه قد خرجا * وقال فيه * إن الأعيرج حاز الطب أجمعه * أستغفر الله إلا العلم والعملا * * وليس بجهل شيئا من غوامضه * إلا الدلائل والأمراض والعللا * * في حيلة البرء قلت عنده حيل * بعد اجتهاد ويدري للردى حيلا * * الروح يسكن جثمان العليل على * علاته فإذا ما طبه رحلا * وقال فيه * طبع المهذب طبه * سيفا وصال على المهج * * باب السلامة لا يرى * منه ولا باب الفرج *
657 274 عبد الرحيم بن علي جمال الدين ابن الزويتينة تصغير زيتونة الرحبي وصل إلى مصر رسولا من عند صاحب حمص وكانت وفاته بعد الخمسين وستمائة لما بنى الأشرف جامع التوبة بالعقيبة وكان حانة فيما مضى وكان لمدرسة ست الشام إمام يعرف بالجمال السبتي وكان في صباه على ما قيل يلعب بالجغانة ثم لما كبر حسنت طريقته وعاشر العلماء وأهل الصلاح فذكر للملك الأشرف فولاه خطابة الجامع المذكور ثم لما توفي رتب مكانه العماد الواسطي الواعظ وكان متهما باستعمال الشراب فنظم ابن الزويتينة هذه الأبيات وكتب بها إلى الصالح عماد الدين إسماعيل * يا مليكا أوضح الحق * لدينا وأبانه * * جامع التوبة قد قللدني * منه أمانه * * قال قل للملك الصالح * أعلى الله شأنه * * يا عماد الدين يا من * حمد الناس زمانه * * كم إلى كم أنا في ضرر * وبؤس وإهانه * * لي خطيب واسطي * يعشق الخمر ديانه * * والذي قد كان من قبل * يغني بالجغانه * * فكما كنت وما زلنا * ولا أبرح حانه * * ردني للنمط الأوول * واستبق ضمانه * 275 ابن الفوطي عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الصابوني الشيخ الإمام المحدث المؤرخ الأخباري الفيلسوف المعروف بابن الفوطي صاحب التصانيف
658 ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة وتوفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ذكر أنه من ولد معن بن زائدة الشيباني أسر في واقعة بغداد وصار للنصير الطوسي فاشتغل عليه بعلوم الأوائل وبالآداب والنظم والنثر ومهر في التاريخ وله يد بيضاء في ترصيع التراجم وذهن سيال وقلم سريع وخط بديع إلى الغاية قيل إنه يكتب من ذلك الخط الفائق الرائق أربع كراريس ويكتب وهو نائم على ظهره وله بصر المنطق وفنون الحكمة باشر خزانة الرصد أكثر من عشرة أعوام بمراغة ولهج بالتاريخ واطلع على كتب نفيسة ثم تحول إلى بغداد وصار خازن كتب المستنصرية فأكب على التصنيف وسود تاريخا كبيرا جدا وآخر دونه سماه مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب في خمسين مجلدا وكتاب تلقيح الإفهام في المؤتلف والمختلف مجدولا والتاريخ على الحوادث من آدم إلى خراب بغداد والدرر الناصعة في شعراء الماثة السابعة واه شعر كثير بالعربي والعجمي رحمه الله تعالى وعفا عنه 276 أبو طالب المأموني عبد السلام بن الحسين أبو طالب المأموني من أولاد المأمون أو في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة ورد الري وامتدح الصاحب بن عباد بقصائد فأعجبه نظمه وتقدم عنده فدبت عقارب الحسد له ورماه ندماء الصاحب بالدعوة في بني العباس وبالغوا بالنصب واعتقاد كفر الشيعة والمعتزلة وبهجاء الصاحب وينتحلون عليه الشعر ويحلفون أنه له حتى سقطت منزلته عند الصاحب وقال قصيدته الغراء وطلب الإذن للرحيل وأولها * يا ربع لو كنت دمعا فيك منسكبا * قضيت نحبي ولم أقض الذي وجبا * * لا ينكرون ربعك البالي بلى جسدي * فقد شربت بكأس الحب ما شربا * * ولو أفضت دموعي حسب واجبها * أفضت من كل عضو مدمعا سربا *
659 * عهدي بربعك للذات مرتبعا * فقد غدا لغوادي السحب منتحبا * * فيا سقاك أخو جفنى السحاب حيا * يحبو ربى الأرض من نور الرياض حبا * * ذو بارق كسيوف الصاحب انتضيت * ووابل كعطاياه إذا وهبا * منها * وعصبة بات فيها الغيظ متقدا * إذ شدت لي فوق أعناق العلا رتبا * * فكنت يوسف والأسباط هم وأبو الأسباط * أنت ودعواهم دما كذبا * * ومن يرد ضياء الشمس إن شرقت * ومن يسد طريق الغيث إن سكبا * * قد ينبح الكلب ما لم يلق ليث شرى * حتى إذا ما رأى لي في غير العلا أربا * * عدوا عن الشعر إن يستطال به * أكان مبتدعا أم كان مقتضبا * ومنها * أسير عنك ولي في كل جارحة * فم بشكرك يحوى منطقا ذربا * * إني لأهوى مقامي في ذراك كما * تهوى يمينك في العافين أن تهبا * * اكن لساني يهوى السير عنك لأن * يطبق الأرض مدحا فيك منتخبا * * أظنني بين أهلي والأنام هم * إذا ترحلت عن مغناك مغتربا * وكان يمنى نفسه أن يقصد بغداد ويدخلها في جيش ينظم إليه من خراسان وتسمو همته إلى الخلافة فاعتل بالاستسقاء وتوفي كما ذكرنا في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة رحمه الله ومن شعره * فلست وإن حكت القريض بشاعر * فأعطى على ما قلته القل والكثرا * * ولكن بحر العلم بين أضالعي * طمى فرمى من دره النظم والنثرا * * ولو كان لي مال بذلت رقابه * لمن يعتفيكم أو يذيع لكم شكرا * * فقد قنعت والحمد لله همتي * وفزت وما أبغي بمدحكم أجرا *
660 * وما طلبي إلا السرير وإنما * سريت إليكم أبتغى بكم الصرا * وقال * ما ترى النار كيف أسقمها القرر * فأضحت تخبو وحينا تسعر * * وغدا الجمر والرماد عليه * في قميصين مذهب ومعنبر * وقال أيضا * وحمام له حر الجحيم * ولكن شابه برد النسيم * * قذفت به ثوابا في عقاب * وزرت به نعيما في جحيم * 277 ابن برجان عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن أبو الحكم اللخمي الإفريقي الإشبيلي الصوفي العارف المعروف بابن برجان سمع وحدث وله تواليف مفيدة منها تفسير القرآن العظيم لم يكمله شرح أسماء الله الحسنى وكانت وفاته سنة ست وثلاثين وخمسمائة رحمه الله تعالى 278 مجد الدين بن تيمية عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبو البركات ابن تيمية الحراني جد الشيخ تقي الدين ولد في حدود التسعين وخمسمائة وتوفي سنة اثنتين وخمسين وستمائة تفقه في صغره على عمه الخطيب فخر الدين ورحل إلى بغداد وهو ابن
661 بضع عشرة سنة في صحبة ابن عمه السيف وسمع بها وبحران وروى عنه الدمياطي وولده عبد الحليم وجماعة وكان إماما حجة بارعا في الفقه والحديث وله يد طولي في التفسير ومعرفة تامة في الأصول والاطلاع على مذاهب الناس وله ذكاء مفرط ولم يكن في زمانه مثله وله المصنفات النافعة كالأحلام وشرح الهداية وصنف أرجوزة في القراءات وكتابا في أصول الفقه قال الشيخ شمس الدين الذهبي قال لي الشيخ تقي الدين كان الشيخ جمال الدين ابن مالك يقول ألين للشيخ مجد الدين الفقه كما ألين لداود الحديد وشيخه في الفرائض والعربية وأبو البقاء وشيخه في القراءات عبد الواحد وشيخه في الفقه أبو بكر بن غنيمة صاحب ابن المنى توفي يوم عيد الفطر بحران وحكى البرهان المراغي أنه اجتمع به فأورد نكتة عليه فقال مجد الدين الجواب عنها من مائة وجه الأول كذا والثاني كذا وسردها إلى آخرها ثم قال للبرهان قد رضينا منك الإعادة فخضع له وانبهر رحمه الله تعالى وإيانا 279 عبد السلام الحنبلي عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي أبو منصور الفقيه الحنبلي البغدادي قرأ الفقه على أبيه ودرس بمدرسة جدة الشيخ عبد القادر بعد وفاة والده ودرس بالمدرسة الشاطبية وولي النظر بالرباط الناصري مدة ثم ظهر له أشياء كتبها بخطه من العزائم وتبخير الكواكب ومخاطبتها وأنها المدبرة للخلق فأحضر بدرا الخلافة وأوقف على ذلك فاعترف أنه إنما كتبه تعجبا منه لا معتقدا له فأخرجت تلك الكتب وأحرقت بعد صلاة الجمعة وكان يوما مشهودا
662 وتوفي سنة إحدى عشرة وستمائة وكان قد رتب بعد تلك الواقعة عميدا ببغداد مستوفيا للمكوس والضرائب فشرع في ظلم الناس وارتكاب ما نهى الله عنه من سفك الدماء وضرب الأبشار وأخذ الأموال بغير حق ولم يزل كذلك حتى عزل واعتقل بالمخزن ثم أطلق ومكث خاملا وعمل وكيلا للأمير أبي الحسن علي ابن الإمام الناصر ولم يزل كذلك حتى مات وكان دمث الأخلاق لطيفا ظريفا ومن شعره في مليح لابس أحمر * قالوا ملابسه حمر فقلت لهم * هذي الثياب ثياب الصيد والقنص * * ترمى بسهم لحاظ طالما أخذت * أسد القلوب فتلقيها لدى قفص * * فاللون في الثوب إما من دما مهج * أو انعكاس شعاع الخد بالقمص * 280 أبو محمد التكريتي عبد السلام بن يحيى بن القاسم بن المفرج أبو محمد التكريتي أخو عبد الرحمن وهو الأكبر تفقه على والده وحفظه القرآن وقرأ الأدب وبرع فيه وله النظم والنثر والخطب والمكاتبات والمصنفات الأدبية ولد سنة سبعين وخمسمائة وتوفي سنة... وستمائة رحمه الله تعالى ومن شعره * متى يفيق من الأشواق سكرن ويرتوي * من شراب الوصل عطشان * * ويرجع العيش غضا بعد ما يبست * منه بطول الجفا والصد أغصان * * أفنى اصطباري صدوح غاب واحدها * فكم لها في فروع الأيك ألحان * * باتت تنوح على غصن تميل به * ريح الصبا وكأن الغصن نشوان * * حزينة الصوت يشجو قلب سامعها * قريحة قلبها المفجوع حنان * * تبكي بغير دموع والبكا خلق * بالدمع لي وكذاك الوجد ألوان * * آها على عيشنا الماضي ولذاته * إذ غصنه باجتماع الشمل فينان *
663 وقال * أمني فؤادي ساعة بعد ساعة * لقاكم ولولا ذاك كنت أطيش * * فما العيش إلا عيش من نال وصلكم * وهيهات من فارقتموه يعيش * 281 الجماهيري عبد السلام بن يوسف بن محمد بن مقلد النحوي والدمشقي أبو الفتوح الجماهيري بغدادي المولد والدار أسمعه أبوه في صباه من محمد بن عبد الملك بن خيرون ومحمد بن سلال الوراق والحافظ ابن ناصر وغيرهم وقرأ هو بنفسه الكثير على ابن البطي وأبي محمد بن التعاويذي وكتب بخطه كثيرا وكان شيخا برباط زاخي يعظ على المنابر وكان صالحا متدينا وله نظم ونثر وتوفي سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة ودفن بسفح قاسيون كان قدم دمشق يسترفد صلاح الدين فأعطاه ذهبا ومن شعره * أظن الصبا النجدى فيه رسالة * أرى العيس قد حنت وقد طرب الركب * * وقد مال غصن البان مصغ كأنه * يسائلها بالوهم ما فعل الركب * * فحطا عن الأكوار رحلي وازلا * إلى أين ترحالي وقد نزل القلب * وقال * على ساكني بطن العقيق سلام * وإن أسهرونا بالفراق وناموا * * حظرتم علينا النوم وهو محلل * وحللتم التعذيب وهو حرام * * إذا غبتم عن حاجز وحجرتم * على السمع أن يدنو إليه سلام * * فلا ميلت ريح الصبا فرع بانة * ولا سجعت فوق الغصون حمام * * ولا قهقهت فيه الرعود ولا بكت * على حافتيه بالعشىء غمام *
664 282 أمين الدين بن عساكر عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد بن عساكر الإمام المحدث الزاهد أمين الدين أبو اليمن الدمشقي الشافعي نزيل صصري وابن الزبيدي وأبن غسان والقاضي أبي نصر بن الشيرازي وأجاز له المؤيد الطوسي وأبو روح الهروي وطائفة وحدث بالحرمين بأشياء وكان عالما فاضلا جيد المشاركة في العلوم وله نظم وهو صاحب عبادة كل من يعرفه يثنى عليه ولد سنة أربع عشرة وستمائة وتوفي سنة سبع وثمانين وستمائة وكان شيخ الحجاز في وقته وله تواليف في الحديث قال الشيخ علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود العطار قدس الله روحه لما ودعت الشيخ الإمام العالم العلامة الزاهد محي الدين النواوي رحمه الله تعالى بنوى حين أردت السفر إلى الحجاز حملني رسالة في السلام عنه للإمام حار الله أبي اليمن عبد الصمد بن عساكر فلما بلغته سلامه رد عليه السلام وسألني عن أين تركته فقلت ببلد نوى فأنشدني بديها * أمخيمين على نوى أشتاقكم * شوقا يجدد لي الصبابة والجوى * * وأروم قربكم لأني مرتج * يا سادتي قرب المقيم على نوى * وكتب إليه الشيخ العلامة شهاب الدين محمود وأرسلها إليه إلى مكة * أترى يرجع عهد العلم * وزمان الوصل في ذي سلم * * وعهودي بالحمى روى الحمى * مدمع المشتاق قبل الديم * * زمن هيج أشواقي به * وعهودي فيه طول القدم * * كلما أملت تجديدا به * عقل الحظ مطايا هممي * * وحقيق أنا بالسعي ولو * ناب طرفي في السرى قدمي * * طالما قد مر لي عيش به * كان أحلى من دوام النعم *
665 * في حمى من إضم من حله * راجيا أو لاجيا لم يضم * * نمت في البعد ولولا أملي * أن أراه في الكرى لم أنم * * وبرغمي بعد طول الوصل أن * صرت أرجو زورة في الحلم * * صرت أبكي خيم الوادي وقد * عشت دهرا بين تلك الخيم * * فحنيني دام إذ فارقتها * ونعيمي بعدها لم يدم * * جيرة الوادي وحبي لكم * فهو عندي من أبر القسم * * وليال بمنى كانت لنا * بسناكم مشرقات الظلم * * والتزام العهد فيما بيننا * بين ذاك الركن والملتزم * * وأحاديث وضا كانت إذا * مرض القلب شفاء السقم * * ما ذكرت العهد إلا سفحت * نار شوقي عوض الدمع دمي * * إن قلبي سار في الركب الذي * بالسرى قد أمكم من أمم * * عارض النوق بشوق لم تطق * حمل شيء منه حمر النعم * * سار في ذمة إحسانكم * مستجيرا بأهيل الذمم * * ندمي إذ بعت أيام الحمى * أترى يرجع بيعي ندمي * * فهنيئا لكم إحرامكم * كلما شئتم بذاك الحرم * * وجوار أنتم الآن به * شرفا أهل الصفا والعلم * * ليتكم أن تذكروا من خصكم * دونه السعد بأوفى القسم * * أو تنادوا قلبه المضني عسى * أن يلبي بعد طول الصمم * * وإذا لم يك أهلا فعسى * عطفكم يجعله في الخدم * * واشركوه معكم جودا ومن * هو أولى منكم بالكرام * 283 عبد الصمد بن المعذل عبد الصمد بن المعذل بن غيلان بن الحكم بن البحتري بن المختار كان شاعرا فصيحا من شعراء الدولة العباسية بصرى المولد والمنشأ وكان هجاء
666 خبيث اللسان شديد العارضة لا يسلم منه من مدحه من الهجو فضلا عن غيره توفي في حدود الأربعين ومائتين وله ذكر في ترجمة أخيه أحمد وهما طرفا نقيض ومن شعره * استبق قلبك لا يموت صبابة * حذرا لبين أخ له يتوقع * * إن حان بينهم وقلبك بائن * فبأي قلب بعد ذلك تجزع * ومنه * إن العيون إذا أمكن من رجل * يفعلن بالقلب مالا تفعل الأسل * * وليس بالبطل الماشي إلى بطل * في الحرب تخمد أحيانا وتشتعل * * لكنه من لوى قلبا إذا رشقت * فيه العيون فذاك الفارس البطل * ومنه * برعت محاسنه فجل بها * عن أن يقوم بوصفها لفظ * * نطق الجمال بعذر عاشقه * للعاذلات فأخرس الوعظ * * ما للقلوب إذا التبسن به * منه سوى حسراتها حظ * * ما ضر من وقت محاسنه * لو كان رق فؤاده الفظ * 284 سيدوك الواسطي عبد العزيز بن حامد بن الخضر أبو طاهر الشاعر من أهل واسط كان يعرف بسيدوك روى عنه شعره أبو القاسم بن كردان وأبو الجوائز الواسطيان توفي سنة ثلاث وستين وثلاثمائة رحمه الله
667 ومن شعره * تركتي في الهوى حديثا * بكثرة الدمع بين صحبي * * هبك تجنبت لاجتناب * طيفك يجفو لأي ذنب * * خذي حياتي بلا مكاس * يا نور عيني ونار قلبي * وقال * شربنا في شعانين النصارى * على ورد كأردية العروس * * تغنينا بنات الروم فيه * بألحان الرهابن والقسوس * * فيا ليل نعمنا في دجاه * بحاجات تردد في النفوس * * رياضك والمدمة والتداني * شموس في شموس في شموس * وقال * إن داء العداة أبرح داء * وطبيبي سريرة ما تبوح * * تحسبوني إذا تكلمت حيا * ربما طار طائر مذبوح * وله البتان المشهوران اللذان لم يعمل مثلهما في طول الليل وقصره وهي * عهدي بنا ورداء الوصل يجمعنا * والليل أطوله كاللمح بالبصر * * والآن ليلي مذ غابوا فديتهم * ليل الضرير فصبحي غير منتظر * 285 الجليس بن الجباب عبد العزيز بن الحسين بن الجباب بالجيم والباء الواحدة المشددة وبعد الألف باء الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس أبو المعالي
668 قال ابن نقطة سمى الجليس لأنه كان يعلم الظافر أخويه أولاد الحافظ القرآن الكريم والأدب وكانت عاداتهم يسمون مؤدبهم الجليس وقال العماد الكاتب مات سنة إحدى وستين وخمسمائة وقد أناف على السبعين وقد تولى ديوان الإنشاء للفائز مع الموفق الخلال من شعره * ومن عجبي أن الصوارم والقنا * تحيض بأيدي القوم وهي ذكور * * وأعجب من ذا أنها في أكفهم * تأجج من نارا والأكف بحور * ومنه * حيا بتفاحة مخضبة * من شفني حبه وتيمنى * * فقلت ما إن رأيت مشبهها * فاحمر من خجلة فكذبني * ومنه * وأصل بليت ي من قد غزاني * من السقم الملح بعسكرين * * طبيب طبه كغراب بين * يفرق بين عافيتي وبيني * * أتى الحمى وقد شاخت وباخت * فعاد لها الشباب بنسختين * * ودبرها بتدبير لطيف * حكاه عن سنان أو حنين * * وكانت نوبة في كل يوم * فصيرها بحذق نوبتين * ومنه * يا وارثا عن أب وجد * فضيلة الطب والسداد * * وحاملا رد كل نفس * همت عن الجسم بالبعاد *
669 * أقسم لو قد طببت دهرا * لعاد كونا بلا فساد * ومنه * قد أهملت كل الأمور فما * يعنى بمصلحة ولا يغنى * * بسداد مختلفين ما لهما * إلا فساد أمورنا معنى * * يأتي فيكتب ذا ويكشط ذا * فنعود بعدهما كما كنا * وقال * رب بيض سللن باللحظ بيضا * مرهفات جفونهن جفون * * وخدود للدمع فيها خدود * وعيون قد فاض فيها عيون * وقال * حبذا ميعة الشباب التي يعذر * في حبها الخليع العذار * * إذ بذات الخمار أمتع ليلي * وبذات الخمار ألهو نهاري * * والغواني لا عن وصالي غوان * والجواري إلى جواري جوار * وكان القاضي الجليس من الجباب كبير الأنف وكان الخطيب أبو القاسم هبة الله من البدر المعروف بابن الصيد مولعا بأنفه وهجائه وذكر أنفه في كثير من ألف مقطوع فانتصر له أبو الفتح بن قادوس الشاعر فقال * يا من يعيب أنوفنا الششم * التي ليست تعاب * * الأنف خلقة ربنا * وقرنك الشم اكتساب * وقال الجليس يرثي والده وقد ملت غريقا في البحر لريح عصفت * وكنت أهدي مع الريح السلام له * ما هبت الريح في صبح وإمساء * * إحدى ثقاتي عليه كنت أحسبها * ولم أخل أنها من بعض أعدائي *
670 وقال * ألمت بنا والليل يزهى بلمة * دجوجية لم يكتهل بعد فؤاداها * * فأشرق ضوء الصبح وهو جبينها * وفاحت أزاهير الربى وهي رياها * * إذا ما اجتنت من وجهها العين روضة * أسالت خلال الروض بالدمع أمواها * * وإني لأستسقي السحاب لربعها * وإن لم تكن إلا ضلوعي مأواها * * إذا استعرت نار الأسى بين أضلعي * نضحت على حر الحشا برد ذكراها * * وما بي أن يصلى الفؤاد بحرها * ويضرم لولا أن في القلب سكناها * 286 الصفى الحلي عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أبي القاسم بن أحمد بن نصر بن أبي العز بن سرايا هو الإمام العلامة لبليغ المفوه الناظم الناثر شاعر عصرنا على الإطلاق صفي الدين الطائي السنبسي الحلي شاعر أصبح به راجح الحلى ناقصا وكان سابقا فعاد على كعبه ناكصا أجاد القصائد المطولة والمقاطيع وأتى بما أخجل وهر النجوم في السماء فما قدر زهر الأرض في الربيع تطربك ألفاظه المصقولة ومعانيه المعسولة ومقاصده التي كأنها سهام راشقة وسيوف مسلولة مولده يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وستمائة دخل إلى مصر في سنة ست وعشرين وسبعمائة واجتمع بالقاضي علاء الدين ابن الأثير كاتب السر ومدحه ومدح السلطان الملك الناصر بقصيدة وأرى بها قصيدة المتنبي التي أولها * بأبي الشموس الجانحات غواربا * وهي * أسبلن من فوق النهود ذوائبا * فجعلن حبات القلوب ذوائبا * * وجلون من صبح الوجوه أشعة * غادرن فود الليل منها شائبا *
671 * بيض دعاهن الغبي كواعبا * ولو استبان الرشد قال كواكبا * * سفهن رأى المانوية عندما * أسبلن من ظلم الشعور غياهبا * * وسفرن لي فرأين شخصا حاضرا * شدهت بصيرته وقلبا غائبا * * أشرقن في حلل كأن أديمها * شفق تدرعه الشموس جلاببا * * وغربن في كلل فقلت لصاحبي * بأبي الشموس الجانحات غواربا * * ومعربد اللحظات يثني عطفه * فيخال من مرح الشبيبة شاربا * * حلو التعتب والدلال يروعه * عتبي ولست تره إلا عاتبا * * عاتبته فتضرجت وجناته * وازور ألحاظا وقطب حاجبا * * فأراني الخد الكليم وطرفه * ذو النون إذ ذهب الغداة مغاضبا * * ذو منظر تغدو القلوب بحسنه * نهبا وإن منح العيون مواهبا * * لا غرو أن وهب اللواحظ حظوة * من نوره ودعاه قلبي ناهبا * * فمواهب السلطان قد كست الورى * نعما وتدعوه القساور سالبا * * ألناصر الملك الذي خضعت له * صيد الملوك مشارقا ومغاربا * * ملك يرى تعب المكارم راحة * ويعد راحات الفراغ متاعبا * * لم تخل أرض من ثناه وإن خلت * من ذكره ملئت قنا وقواضبا * * بمكارم تذر السباسب أبحرا * وعزائم تذر البحار سباسبا * * ترجى مواهبه ويرهب بطشه * مثل الزمان مسالما ومحاربا * * فإذا سطا ملأ القلوب مهابة * وإذا سخا ملأ العيون مواهبا * * كالغيث يبعث من عطاه نائلا * سبطا ويرسل من سطاه حاصبا * * كالليث يحمي غابه بزئيره * طورا وينشب في القنيص مخالبا * * كالسيف يبدي للنواظر منظرا * طلق ا ويمضي في الهياج مضاربا * * كالسيل تحمد منه عذبا واصلا * ويعده قوم عذابا واصبا * * كالبحر يهدي للنفوس نفائسا * منه ويبدي للعيون عجائبا * * فإذا نظرت ندى يديه ورأيه * لن تلقإلا صيبا أو صائبا *
672 * أبقى قلاوون الفخار لولده * إرثا ففازوا بالثناء مكاسبا * * قوم إذا سئموا الصوافن صيروا * للمجد أخطار الأمور مراكبا * * عشقوا الحروب تيمنا بلقا العدا * فكأنهم حسبوا العداة حبائبا * * وكأنما ظنوا السيوف سوالفا * واللدن قدا والقسى حواجبا * * يا أيها الملك العزيز ومن له * شرف يجر على النجوم ذوائبا * * أصلحت بين المسلمين بهمة * تذر الأجانب بالوفود أقاربا * * ووهبتهم زمن الأمان فمن رأى * ملكا يكون له الزمان مواهبا * ومنها * فأقمت تقسم للوحوش وظائفا * فيها وتصنع للنسور مآدبا * * وجعلت هامات الكماة منابرا * وأقمت حد السيف فيها خاطبا * * وبذلت للمداح صفو خلائق * لو أنها للبحر طاب مشاربا * * فرأوك في جنب النضار مفرطا * وعلى صلاتك والصلاة مواظبا * * أوليتني فيك المديح عناية * وملأت عيني هيبة ومواهبا * * ورفعت قدري في الأنام وقد رأوا * مثلي لمثلك خاطبا ومخاطبا * * في مجلس ساوى الخلائق في الندى * وترتبت فيه الملوك مراتبا * * وافيته في الفلك أسعى جالسا * رغما على من قال أمشي راكبا * * وسقتني الدنيا غداة وردته * ريا وما مطرت علي مصائبا * * فطفقت أملأ من ثناك وشكره * حقبا وأملأ من نداك حقائبا * * أثني فتثنيني صفاتك مظهرا * عيا وكم أعيت صفاتك خاطبا * * لو أن أعضانا جميعا ألسن * تثني عليك لما قضينا الواجبا * وأنشده الصاحب شمس الدين بن السنيدي أبيات سليم الهوى النيلي المصغرة ألفاظها التي أولها * بريق بالأبيرق في الفجير * وذكر أن ناظمها نظمها غزلا لصاحب الديوان علاء الدين الجويني ولم يمكنه نظم بيت واحد مديحا إذ شأن المدح التعظيم فنظم صفي الدين الحلي
673 * نقيط من مسيك في وريد * خويلك أم وشيم في خديد * * وذياك اللويمع في الضحيا * وجيهك أم قمير في سعيد * * وجيه شويدن فيه شكيل * أدق معينيات من خويد * * ظبي بل صبي في قبي * مريهيب السطيوة كالأسيد * * معيشيق الحريكة والمحيا * مميشيق السيلف والقديد * * معيسيل اللمى له ثغير * رويقته خمير في شهيد * * ظبي في مقيلته نبيل * مويقعه أفيلاذ الكبيد * * شويمي اللفيظ فما أيلي * عذيب قويله لي يا سويدي * * تريكي اللحيظ له جسيم * تريف لمسه لين الزبيد * * مجيديل القديد له خصير * يجاذبه كفيل كالطويد * * فويق صليته لوفيرتيه * لييل من فويحمه الجعيد * * رويدك يا بني فلي قليب * مسيليب النجيدة والجليد * * جفيني من هجيرك في سهير * أطيول من مطيلك للوعيد * * ولست حويذرا لصريف دهري * رويب حويدث يضني جسيدي * * صريف الدهر يعجز عن عبيد * سنيد ظهيره نجل السنيدي * * نزلت جويره فقضى حقيقي * وصان جوينبي ورعى عهيدي * * وراش جنيحي وحمى ظهيري * وزاد حريمتي وبنى مجيدي * * وحن على كسير من قليبي * كما حن الأبي على الوليد * * رويقده مقيلة وافديه * كأنهم كفيل في مهيد * * نظرت حويسديه وهم نويس * منيظرهم سميعك بالمعيدي * * دوينك يا أهيل الجود مني * نظيما في وصيفك كالعقيد * * أحيسن من قصيد من قبيلي * وأسبق من نظيم من بعيدي * * أريشق من غزيلهم مديحي * وأحلى من هزيلهم جديدي * * حسيب مكيننتي وعلى قديري * ووسع طويقتي وقوى جهيدي * وقال * ترى سكرت عطفاه من خمر ريقه * فمالت به أم من كئوس رحيقه * * مليح يغير الغصن عند اهتزازه * ويخجل بدر التم عند شروقه *
674 * فما فيه شيء ناقص غير خصره * ولا فيه شيء بارد غير ريقه * * ولا ما يسوء غير نفاره * ولا ما يروع القلب غير عقوقه * * عجبت له يبدي القساوة عندما * يقابلني من خده برقيقه * * ويلطف بي من بعد إعمال لحظه * وكيف يرد السهم بعد مروقه * * يقولون لي والبدر في الأفق مشرق * بذا أنت صب قلت بل بشقيقه * * فلا تنكروا قتلي بدقة خصره * فإن جليل الخطب دون دقيقه * * وليلة عاطاني المدام ووجهه * يرينا صبوح الشرب حال غبوقه * * بكأس حكاها ثغره في ابتسامه * بما ضمه من دره وعقيقه * * لقد تلت إذ نادمته من حديثه * من السكر ما لا نلته من عتيقه * * فلم أدر من أي الثلاثة سكرتي * أمن لحظه أم لفظه أم رحيقه * * لقد بعته قلبي بخلوة ساعة * فأصبح حقا ثابتا من حقوقه * * وأصبحت ندمانا على خسر صفقتي * كذا من يبيع الشيء في غير سوقه * وقال أيضا * غيري بحبل سواكم يتمسك * وأنا الذي بترابكم أتمسك * * أضع الخدود على ممر نعالكم * فكأنني بترابها أتبرك * * ولقد بذلت النفس إلا أنني * خادعتكم وبذلت ما لا أملك * * شرطي بأن حشاشتي رق لكم * والشرط في كل المذاهب أملك * * قد ذقت حبكم فأصبح مهلكي * ومن المطاعم ما يذاق فيهلك * * لا تعجلوا قبل اللقاء بقتلتي * وصلوا فذلك فائت يستدرك * * ولقد بكيت لدهشتي بقدومكم * وضحكت قبل وهجركم لي مهلك * * ولربما أبكي السرور إذا أتى * فرطا وفي بعض الشدائد يضحك * * زعم الوشاة بأن هويت سواكم * يا قوتل الواشي فأني يؤفك * * عار علي بأن أكون مشرعا * دين الهوى ويقال إني مشرك * وقال * جل الذي أطلع شمس الضحى * مشرقة في جنح ليل بهيم * * وقدر الخال على خده * ذلك تقدير العزيز العليم * * بدر ظننا وجهه جنة * فمسنا منها عذاب أليم *
675 * ينفر كالريم ألا فانظروا * إلى بخيل وهو عندي كريم * * لما انحنى حاجبه وانثنى * يهز للعاشق قدا قويم * * عجبت من فرط ضلالي وقد * بدا لي المعوج والمستقيم * * داو حبيبي يا طبيب الهوى * وخلني إني بحالي عليم * * فخصره واه وأجفانه * مريضة واللحظ منه سقيم * وقال * رعى الله من لم يرع لي حق صحبة * وسلم من لم يسخ لي بسلامه * * وفي ذمة الرحمن من ذم صحبتي * ولم أك يوما ناقضا لذمامه * * وإني على صبري على فرط هجره * وقرب مغانيه وبعد مرامه * * يحاول طرفي لحظة من خياله * ويشتاق سمعي لفظة من كلامه * * ويوم وقفنا للوداع وقد بدا * بوجه يحاكي البدر عند تمامه * * شكوت الذي ألقى فظل مقابلا * بكاي وشكوى حالتي بابتسامه * * بدمع يحاكي لفظه في انتثاره * وعتب يحاكي ثغره في انتظامه * * فما رق من شكواي غير خدوده * ولا لان من نجواي غير قوامه * وقال في غلام كفله صغيرا ورباه فحسد عليه * هويته تحت أطمار مشعثة * وطالب الدر لا يغتر بالصدف * * وخبرتني معان في مراسمه * به كما خبر العنوان بالصحف * * ولاح لي من أمارت الجمال به * ما كان عن لحظ غيري بالخمول خفي * * فظلت أرحض ما يبديه من درن * به وأدحض ما يخفيه من جنف * * حتى إذا تم معنى حسنه وبدا * كالبدر في التم أو كالشمس في الشرف * * ولاح كالصارم المصقول أخلصه * تتبع القين من شين ومن كلف * * وجال في وجهه ماء الحياء كما يجول ماء الحيا في الروضة الأنف * * وولد الحسن في أحداقه حورا * وضاعف الدل ما بالجسم من ترف * * أضحت به حدق الحساد محدقة * ترنو إليه بطرف غير منطرف * * وظل كل صديق يرتضي سخطي * فيه وكل شقيق يرتجي تلفي * * يا للرجال أما للحب منتصر * لضعف كل محب غير منتصف * * ما أطيب العشق لولا أن سالكه * يمسي لأسهم كيد الناس كالهدف *
676 * يا رب أعط العاشقين بصبرهم * في الخلد غايات النعيم المطلق * * وأذقهم برد السرور فطالما * صبروا على حر الغرام المقلق * * حتى يرى الجبناء عن حمل الهوى * غايات عزمهم التي لم تلحق * وقال * حرضوني على السلو وعابوا * لك وجها به يعاب البدر * * حاش لله ما لعذرى وجه * في التسلي وما لوجهك عذر * وقال * قلوبنا مودعة عندكم * أمانة نعجز عن حملها * * إن لم تصونها بإحسانكم * ردوا الأمانات إلى أهلها * وقال * أقول للدار إذ مررت بها * وعبرتي في عراصها تكف * * ما بال وعد السحاب أخلف مغناك * فقالت في دمعك الخلف * وقال * يا من حكت شمس النهار بحسنها * وبعاد منزلها وبهجة نورها * * هلا عدلت كعدلها إذ صيرت * للناس غيبتها بقدر حضورها * وقال * قيل إن العقيق قد يبطل السحر * بتختيمه لسر حقيقي * * فأرى مقلتيك تنفث سحرا * وعلى فيك خاتما من عقيق * وقال * ألوجه منك عن الصواب يضلني * وإذا ضللت فإنه يهديني * * وتميتني الألحاظ منك بنظرة * وإذا أردت بنظرة تحييني * * وكذاك من مرض الجفون بليتي * وإذا مرضت فإنها تشفيني * * فلذاك أشري الوصل منك بمهجتي * وأبيع دنيائي بذاك وديني * وقال * ما يقول الفقيه في عبد رق * لحبيب لم يرض منه بعتق * * زاره في الصيام يوما وأولاه * جميلا من بعد بعد وسحق *
677 * فإذا ضم قده وعصي الشهوة * فيه من غير نية فسق * * هل عليه في لثم فيه جناح * إن غدا مضمرا محبة صدق * وقال * شكوت إلى الحبيب أنين قلبي * إذا جن الظلام فقال إنا * من الأنين * من الأنين فقلت له أظنك غير راض * بما كابدت فيك فقال إنا * بمعنى نعم * بمعنى نعم فقلت أترتضي أن ناء فلبي * بأثقال الغرام فقال إنا * بمعنى حمل * بمعنى حمل فقلت فإنكم لولاة أمر * على أهل الغرام فقال إنا * أن واسمها وقال * قلبي لكم بشروعه وشروطه * وسروبه ملك لكم وحقوقه * * حر تحيط به حدود أربع * فيها تعين رحبه ومضيقه * * ألود أولها وثانيها الوفا * والثالث العهد السليم وثيقه * * والرابع المسلوك صدق محبتي * لكم وفيه بابه وطريقه * وقال * حسدت الشعر منه وقد تدلى * على كفل له كالطود عبل * * وقلت له أيا من طاب عيشا * بما استوجبت ذلك منه قبلي * * وأنت شبيه حظي منه لونا * ولست على الحقيقة رب فضل * فقال يكون ذا منه نصيبي * وتزعم أن حظك منه مثلي * وقال * للترك ما لي ترك * ما دين حبي شرك * * أخلصت دين هواهم * فحبهم لي نسك * * خاطرت بالنفس فيهم * ومسلك العيش ضنك * * قنعت بالود منهم * إن القناعة ملك * * وبي أغن غرير * ملامتي فيه إفك *
678 * بحاجبيه وعينيه * للمحبين هتك * * حواجب وعيون * لها بقلبي فتك * * كالقوس تصمي وهذي * تشكي المحب وتشكو * وقال * وذي مرح عارضته في طريقه * فلما رآني قال إمض لشكانكا * * فقلت له فأل سعيد مبشر * بتصحيفه أني أمص لسانكا * وقال * إن غبت عن عياني * يا غاية الأماني * * فالفكر في ضميري * والذكر في لساني * * ما حال عنك عهدي * ولا انثنى عناني * * شوقي إليك باق * والصبر عنك فاني * وقال * خلياني من فترة النسوان * وانعشاني بنشطة الغلمان * * أبدلاني من نفحة المسك والندد * بريح الكيمخت والزعفران * * ذاك عطري ما زال يعبق في بردى * من موزة ومن قفطان * * ليس يصبو لربة القلب قلبي * بل لرب الأقراط حن جناني * * فاخليا من فلانة خرت سمعي * واملأ مسمعي بذكر فلان * * واتركا الفتنة التي قيل عنها * إنها من حبائل الشيطان * * أين منى ذات الخمار بحمام * وفي موكب وفي بستان * * فلهذا لا أرتضي العيش إلا * مع حبيب تراه حيث تراني * * إن رآه ذوو البصائر قالوا * غير مستحسن وصال الغواني * * فلو اني فوضت في جنة الخلد * وصرفت في نعيم الجنان * * لم أكن مائلا إلى طيب وصل الحور * إلا مع عزة الوالدان * وقال * بأبي قدار منك وابن زرارة * أدنيت حتف المستهام العاني *
679 * فلو أن اسم أبي معاذ قلبه * ما كان في البلوى أبا حسان * قال * بعثت بآيات الجمال فآمنت * بحسنك أبصار لنا وبصائر * * وأبديت حسنا باللحاظ ممنعا * فلا خاطر إلا وفيك يخاظر * * ولما بدت زهر الثغور وناهت الخواطر * وامتدت إليك النواظر * * ختمت على در الثنايا بخاتم * عقيق وتحت الختم تخبا الجواهر * وقال أيضا * إلى محياك ضوء البدر يعتذر * وفي محبتك العشاق قد عذروا * * وجنة الخلد في خديك مونقة * ونار حبك لا تبقي ولا تذر * * يا من يهز دلالا غصن قامته * ألغصن هذا فأين الظل والثمر * * ما كنت أحسب أن الوصل ممتنع * وأن وعدك برق ما به مطر * * خاطرت فيك بغالي النفس أبذلها * إن الخطير عليه يسهل الخطر * * لما رأيت ظلام الشعر منك بدا * خضت الظلام ولكن غرني القمر * وقال من الموشح المضمن وهو من مخترعاته التي لم يسبق إليها والأبيات المضمنة منحولة إلى أبى نواس * وحق الهوى ما حلت يوما عن الهوى * ولكن نجمي في المحبة قد هوى * * ومن كنت أرجو وصله قتلتي نوى * وأضني فؤادي بالقطيعة والنوى * * ليس في الهوى عجب * إن أصابني النصب * * حامل الهوى تعب * يستزه الطرب * * أخو الحب لا ينفك صبا متيما * غريق دموع قلبه يشتكي الظما * * لفرط البكا قد صار جلدا وأعظما * فلا عجب أن يمزج الدمع بالدما * * ألغرام أنحله * إذ أصاب مقتله * * إن بكى يحق له * ليس ما به لعب * * ألا قل لذات الخال يا ربة الذكا * ومن بضياء الوجه فاقت على ذكا * * شكوت غرامي لو رثيت لمن شكا * وأطلقت دمعي لو شفى الدمع من بكى * * فانثنيت ساهيه * والقلوب واهية * * تضحين لاهيه * والمحب ينتحب *
680 * أسرت فؤادي حين أطلقت عبرتي * وبدلتني من منيتي بمنيتي * * ولما رأيت السقم أنحل مهجتي * تعجبت من سقمي وأنكرت قتلتي * * صرت إذ بدا ألمي * عندما أرقت دمي * * تعجبين من سقمي * صحتي هي العجب * * تحجبت عن عيني فأيقنت بالشقا * وآيسني فرط الحجاب من البقا * * فلما أميط الستر وارتحت للقا * غضبت بلا ذنب وغادرتني لقى * * حين ترفع الحجب * منك يصدر الغضب * * كلما انقضى سبب * منك عاد لي سبب * وقال في الزنبق والورود * قد نشر الزنبق أعلامه * وقال كل الزهر في خدمتي * * لو لم أكن في الحسن سلطانه * ما رفعت من دونه رايتي * * فقهقه الورد به هازيا * وقال ما تحذر من سطوتي * * وقال للسوسن ماذا الذي * يقوله * وقال للأزهار يا رفقتي * * يكون هذا الجيش بي محدقا * ويضحك الورد على شيتي * وقال أيضا وفيها ستة تشبيهات طي ونشر * خلياني أجر فضل برودي * راتعا في رياض عين البرود * * كم بها من بديع زهر أنيق * كفصول منظومة وعقود * * زنبق بين قضب آس وبان * وأقاح وعبهر وورود * * كجين وعارض وقوام * وثغور وأعين وخدود * وقال * ولم أنس إذ زار الحبيب بروضة * وقد غفلت عنا وشاة ولوام * * وقد فرش الورد الخدود نشرت * لمقدمه للسوسن الغض أعلام * * أقول وطرف النرجس الغض شاخص * إلينا وللنمام حولي إلمام * * أيا رب حتى في الحدائق أعين * علينا وحتى في الرياحين نمام *
681 وقال في مليح راقص * جاء وفي قده اعتدال * مهفهف ما له عديل * * قد خففت عطفه شمال * وثقلت جفنه شمول * * ثم انثنى راقصا بقد * تثنى إلى نحوه العقول * * يجول ما بيننا بوجه * فيه مياه الحيا تجول * * فرنح الرقص منه عطفا * حف به اللطف والدخول * * فعطفه داخل خفيف * وردفه خارج ثقيل * وقال في مليح قلع ضرسه * * لحا الله الطبيب فقد تعدى * وجاء لقطع ضرسك بالمحال * * أعاق الظبي في كلتا يديه * وسلط كلبتين على غزال * ديوانه الذي دونه بنفسه ثلاث مجلدات وكله جيد وبلغنا وفاته في أوائل سنة خمسين وسبعمائة رحمه الله تعالى وعفا عنه وعنا بمنه وكرمه 287 الشيخ عز الدين بن عبد السلام عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن شيخ الإسلام وبقية الأعلام الشيخ عز الدين السلمي الدمشقي الشافعي ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة وتوفي سنة ستين وستمائة سمع من الخشوعي وعبد اللطيف بن إسماعيل الصوفي والقاسم بن عساكر وابن طبرزد وحنبل وابن الحرستاني وغيرهم وخرج له الدمياطي أربعين حديثا عوالي روى عنه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد والدمياطي وأبو الحسين اليونيني وغيرهم وتفقه على الإمام فخر الدين بن عساكر وقرأ الأصول والعربية ودرس وأفتى وصنف وبرع في المذهب وبلغ رتبة
682 الاجتهاد وقصده الطلبة من البلاد وتخرج به أئمة وله الفتاوى السدسدة وكان ناسكا ورعا أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم ولي خطابة دمشق بعد الدولعي فلما تملك الصالح إسماعيل دمشق وأعطى الفرنج صفد والشقيف نال ابن عبد السلام منه على المنبر وترك الدعاء له فعزله وحبسه ثم أطلقه فنزح إلى مصر فلما قدمها تلقاه الصالح نجم الدين أيوب وبالغ في احترامه واتفق موت قاضي القضاة شرف الدين ابن عين الدولة فولى بدر الدين السنجاوي قضاء القاهرة وولي ابن عبد السلام قضاء مصر والوجه القبلي مع خطابة جامع مصر ثم إن معين الدين بن الشيخ بنى بيتا على سطح مسجد بمصر وجعل فيه طبلخاناه معين الدين فأنكر ذلك ابن عبد السلام ومضى بجماعته وهدم البنيان وعلم أن السلطان والوزير يغضبان فأسقط عدالة الوزير وعزل نفسه عن القضاء فعظم ذلك على السلطان وقيل له اعزله عن الخطابة وإلا شنع عليك على المنبر كما فعل في دمشق فعزله فأقام في بيته يشغل الناس وكان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنادرة والشعر وكان يحضر السماع ويرقص ويتواجد وأرسل إليه السلطان لما مرض وقال عين مناصبك لمن تريد من أولادك فقال ما فيهم من يصلح وهذه المدرسة الصالحية تصلح للقاضي تاج الدين ففوضت إليه ولما مات شهد الظاهر جنازته والخلائق رحمه الله واختصر نهاية المطلب وله القواعد الكبرى والقواعد الصغرى ومقاصد الرعاية وغير ذلك والناس تقول في المثل ما أنت إلا من العوام ولو كنت ابن عبد السلام ويقال أنه لما حضر بيعة الملك الظاهر قال له يا ركن الدين أنا أعرفك مملوك البند قدار فما بايعه حتى جاء من شهد له بالخروج عن ملكه إلى الملك الصالح وعتقه رحمه الله تعالى ورضى عنه ولما كان بدمشق سمع من الحنابلة أذى كثيرا
683 288 الرفيع الجيلي عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل قاضي القضاة بدمشق رفيع الدين الجيلي الشافعي الذي فعل بالناس تلك الأفاعيل كان فقيها مناظرا متكلما متفلسفا قدم الشام وولي القضاء ببعلبك أيام صاحبها الصالح إسماعيل ووزيره أميد الدولة السامري فلما ملك الصالح دمشق ولاه القضاء بدمشق فاتفق هو والوزير المذكور في الباطن على المسلمين وكان عنده شهود زور ومن يدعى زورا فيحضر الرجل المتمول إلى مجلسه ويحضر المدعي عليه بألف دينار أو بألفين فينكر فيحضر الشهود فيلزمه ويحكم عليه فيصالح غريمه على النصف أو أكثر أو أقل فاستبيحت أموال الناس قال أبو المظفر بن الجوزي حدثني جماعة أعيان أنه كان فاسد العقيدة دهريا مستهترا بأمور الشرع يجيء إلى الصلاة سكران وأن داره كانت مثل الحانة قال الشيخ شمس الدين بلغني أن الناس استغاثوا إلى الصالح فخاف الوزير وعجل بهلاكه ليمحو التهمة عنه وقيل أن السلطان كان عارفا بالأمور والله أعلم وقبض على أعوان الرفيع وكبيرهم حسين بن الرواس الواسطي وسجنوا وعذبوا بالضرب والعصر والمصادرة ولم يزل ابن الرواس في العذاب إلى أن فقد وفي ثاني عشر الحجة سنة اثنتين وأربعين وستمائة أخرج الرفيع من داره وحبس في المقدمية ثم أخرج ليلا وسجن في مغارة في نواحي البقاع وقيل ألقى من شاهق وقيل بل خنق قال ابن واصل حكى لي ابن صبح بالقاهرة أنه ذهب بالرفيع إلى شقيف أرنون فعرف اني أريد أرميه فقال بالله عليك دعني أصلي ركعتين فأمهلته حتى صلاهما ثم رميته فهلك
684 ولما كثرت الشكاوى عليه أمر الوزير بكشف ما حمل إلى الخزانة وكان الوزير لا يحمل إلى الخزانة إلا القليل فقال الرفيع الأمور عندي مضبوطة فخافه الوزير وخوف السلطان من أمره ومن عاقبته فقال أنت جيت به وأنت تتولى أمره فأهلكه الوزير وقال ابن أبي أصيبعة كان من الأكابر والمتميزين في الحكمة ة الطبيعي والطب وأصول الدين والفقه وحكى بعض الذين باشروه أنه لما أرموه في تلك الهوة تحطم في نزوله وكأنه تعلق في بعض جوانبها بثيابه فبقينا نسمع أنينه نحو ثلاثة أيام وكلما مر يوم يضعف ويخفي حتى تحقق موته ورجعنا عنه نسأل الله حسن العاقبة 289 شيخ الشيوخ عبد العزيزعبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور بن خلف الإمام العلامة الأديب الشاعر شيخ الشيوخ شرف الدين ابن القاضي أبي عبد الله الأنصاري الأوسي الدمشقي الشافعي الحموي الصاحب ابن قاضي حماة ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة بدمشق وتوفي سنة اثنتين وستين وستمائة رحل به والده وسمعه جزء ابن عرفة من ابن كليب وسمعه المسند كله من عبيد الله بن أبي المجد الحربي وقرأ كثيرا من كتب الأدب على الكدي وسمع من جماعة وبرع في العلم والأدب وكان من الأذكياء المعدودين وله محفوظات كثيرة وسكن بعلبك مدة وسكن دمشق مدة ثم سكن حماة وكان صدرا كبيرا نبيلا معظما وافر الحرمة كبير القدر روى عنه الدمياطي وأبو الحسين اليونيني وابن الظاهري وقاضي القضاة بدر الجين بن جماعة وجماعة كثيرة
685 قال الشيخ صلاح الدين حرسه الله تعالى لا أعرف في شعراء الشام بعد الخمسمائة وقبلها من نظم أحسن منه ولا أجزل ولا أفصح ولا أصنع ولا أسرى ولا أكثر فإن لزوم ما لا يلزم مجلد كبير وما رأيت له شيئا إلا وعلقته لما فيه من النكت والتوريات القاعدة والقوافي المتمكنة والتركيب العذب واللفظ الفصيح والمعنى البليغ فمن ذلك قوله * غدوت فكنت شمسي في صباحي * ورحت فكنت بدري في مسائي * * وجدتك إذ عدمت وجود نفسي * فأهلا بالفراق وباللقاء * * فإن أغفيت كان عليك وقفي * أو استيقظت كان بك ابتدائي * * فيا سعدي إذا ما دام سكري * على وإن صحوت فيا شقائي * * وقلت لصاحبي لما لحاني * عليك بما عناك ولي عنائي * * أصمك سوء فهمك عن خطابي * وأعماك الضلال عن اهتدائي * * وهنت فكنت في عيني صبيا * أخاطبه بألفاظ الهجاء * * فلو أصبحت ذا حاء وسين * لما عنفت في حاء وباء * وقال * ما لم يغير عكسه لفظه * مثاله قد نبل البندق * * وما إذا صحف معكوسه * عاد إلى صيغته فستق * وقال * لائمي في العشق مخطي * وعلى العشق محطي * * ما لكم يا من لحوني * رمتم باللوم صبطي * * لا تحطوني إلى أبجد * قد جاوزت حطي * * كم شرحتم ما أعمى * وكشفتم ما أغطي * * وتهددتم وقلتم * إن أمري ليس يبطي * * خبروني هل أخذتم * عملتي من تحت إبطي * * قد تخليت عن العقل * فخلوني وخبطي * * شفني أغيد قلبي * منه في قبض وبسط *
686 * وحياتي ومماتي * في رضا منه وسخط * * ولحاني في هواه * كل واهي العق ~ ل زطي * * يشهر اللحظ يماني * ويهز القد خطي * * زين الخد بخال * وعذار هو شرطي * * أبدع الحسن به ما * شاء من شكل ونقط * * مد أطراف بنان * حسنها يقطع وسطي * * ثم عاطاني سلافا * مثلها من فيه يعطشي * * عتقت عند شيوخ * من شيوخ الدير شمط * * فلها بذلي ومنعي * ولها حلى وربطي * * خلني أفسد مالي * في الذي يصلح خلطي * * مذهبي هذا الذي أفتي * به صحبي ورهطي * * وبه فاشهد على نطقي * وخذ إن شئت خطي * وقال * أرقت لبارق مزن أضا * على الأثلات بذات الأضا * * كما نبض العرق ثم انبرى * كإدمان رام إذا أنبضا * * فأذكرني بالغضا جيرة * تولوا وأصليت جمر الغضا * * أضاء الدجى لي لما دنوا * وبانوا فضاق على الفضا * * وطول في حبهم لائمي * فعرض قلبي لما عرضا * * رأى النار في كبدي تلتظى * وفي جوفه الماء ما خضخضا * * بروحي غزال بألحاظه * وعود بألحاظنا تقتضى * * سقاني من ريقه خمرة * شفاني بها وبها أمرضا * * رنا وانثنى فقضى حسنه * علي ولي وطر ما انقضى * * فمن قده ذابل مشرع * ومن لحظه صارم منتضى * * أبثك وجدا كساني الضنى * فأعجزني السقم أن أنهضا * * وعمم فودي بوخط المشيب * فسود حالي بما بيضا *
687 * بعيني أقيك فنم وادعا * وإن كان جفني ما أغمضا * * فزدني صدودا أزد صبوة * وفي حالة السخط لا في الرضا * * أعد نظرا منك في أمر من * إليك مقاليده فوضا * * وفاض على خده دمعه * فذهبه بعد ما فضضا * * وعاود أطرابه بعد ما * نضا من شبيبته ما نضا * وقال * قرأت خط عذاريه فأطمعني * بواو عطف ووصل منه عن كثيب * * وأعربت لي نون الصدغ معجمة * بالحاء عن نجح مقصودي ومطابي * * حتى رنا فسبت قلبي لواحظه * والسيف أصدق أنباء من الكتب * وقال * حيث ترامت بي الجهات * فلي إلى وجهك التفات * * جيراننا باللوى أجيروا * ولهان أودى به الشتات * * إليكم هجرتي وقصدي * وفيكم الموت والحياة * * أمنت أن توحشوا فؤادي * فأنسوا مقلتي ولاتو * وقال * نفحات معنبره * عن رياض محبره * * وغمام معربد * ببروق وزمجره * * ترك الروض ناظرا * بعيون مخضره * وقال أيضا * كبد تلتظى ودمع غريق * هكذا هكذا يكون المشوق * * نفسوا عن خناق نفس كئيب * كلفت بالغرام ما لا تطيق * * ما لنا في الهوى حقوق عليكم * بل لكم سادتي علينا الحقوق * * مثلكم في جمالكم ليس يلقى * وغرامي بغيركم لا يليق *
688 * عقني لؤلؤ المدامع فيكم * ووفى لي دمع حكاه العقيق * * فبعيني أفدى سيوف جفون * لدمي من جفون عيني تريق * * يا حبيبا له بصدري وداد * رحب صدر الفضاء عنه يضيق * * دق معناي فيك مذ كنت طفلا * لست أدري بكم يباع الدقيق * * إنني رب علظة لعذولي * ولداعي هواك عبد رقيق * * بهرت منك مقلتي عين شمس * يتهادى بها قضيب وريق * * فبتعريق حاجبيك افتتاني * كلما ماس قدك الممشوق * * وبتعليق ذا العذار اشتغالي * عن دروسي والضرب والتعليق * وقال * أفنيت عمري في دهر مكاسبه * نطيع أهواءنا فيه وتعصينا * * تسعا وعشرين مد الدهر شقتها * حتى همتها عشرا وتسعينا * وقال * أكملت ستا وأربعين بها * أخلت همومي من راحتي ربعي * * وجزت في السبع خائفا وجلا * كأنني جائز على السبع * وقال * مررت وبدره في عقربيه * فصد فبان لي صدق النجامه * * فديتك لو رأيت لهيب قلبي * إذن لرحمت دمعي وانسجامه * * وخدك في العذار بديع حسن * وأحسن منه ساقك في الحجامه * وقال * ست عيون من تأتت له * كانت له شافية كافيه * * ألعلم والعلياء والعفو والعزة * والعفة والعافيه *
689 * سألته من ريقه شربة * أطفي بها من ظمئي حره * * فقال أخشى يا شديد الظما * أن تتبع الشربة بالجره * فقال * إن قوما يلحون في حب سعدى * لا يكادون يفقهون حديثا * * سمعوا وصفها ولاموا عليها * أخذوا طيبا وأعطوا خبيثا * وقال * زعموا أنني هويت سواكم * كذبوا ما عرفت إلا هواكم * * قد علمتم بصدق مرسل دمعي * فسلوه إن كان قلبي سلاكم * * قال لي عذلي متى تبصر الرشد * وتسلو فقلت يوم عماكم * * حاولوا سلوتي بلومي فأغروني * فمن ذا بصدكم أغراكم * * لا تحيلوا قلبي على حسن صبري * أحسن الله في اصطباري عزاكم * وقال أيضا * شرحت لوجدي في محبتكم صدرا * وصبرني صحبي فلم أستطع صبرا * * ومن ظن سلواني من البر والتقى * فإني إلى الرحمن من ذنبه أبرا * * فيا يوسف الحسن الذي مذ علقته * بسيارة من فكرتي قلت يا بشرى * * لقد حل من قلبي بواد مقدس * ليقبس من قلبي الكليم به جمرا * * لئن خوفتني من تجنيه عذل * فإن مع العسر الذي زعموا يسرا * وقلت لعذالي ألم تعرفوا الهوى * لقد جئتم شيئا بعذلكم نكرا * * لعمري لقد طاوعت زائد لوعتي * عليكم وما طاوعت زيدا ولا عمرا * * شفينا غليل الشوق منه بنزلة * فطوبى لمن يحظى به نزلة أخرى * * فلا تعجبوا للسيل والسيف واعجبوا * لأجفانه الوسنى ومقلتي العبرى * * وإن بان ذلي وانكساري لبينه * فمن قيصر عند الوصال ومن كسرى * * وأي عذول كان في الحب عاذري * فذاك الذي قد يسر الله لليسرى *
690 * خليلي ها سقط اللوى قد تقطعاه بل قفا نبك من ذكرى * * بدا فاسترق العالمين جماله * فمن أجل هذا جل بالعين أن يشرى * * وأذكر آيات الخليل عذاره * لجنته الخضراء في ناره الحمرا * * تباعد مسرى شامنا من حجازه * وقد زارنا ليلا فسبحان من أسرى * وقال أيضا * طاوعتكم فعصيتم أمري * وحفظتكم فأذعتم سري * * وشغلت قلبي واللسان بكم * في الحب عن زيد وعن عمرو * * لم تخف أشجاني ولا ظهرت * فضنيت بين السر والجهر * * جودوا على مقدار فضلكم * وذروا مكافاتي على قدري * * لا تعرضوا عني بلطفكم * من ذا بحالي غيركم يدري * منها * ما في صباحي والمساء سنا * لولاك يا شمسي ويا بدري * * وقف الهوى بي حيث أنت فلي * وقفا عليك مدامع تجري * * ذرني ووجدي يا عذول بمن * كاونتهم مذ كنت في الذر * * أفنيت عمري في محبتهم * فلئن سلوتهم فوا عمري * * إن بيع بالأرواح وصلهم * فقد اشتريت بذلك السعر * وقال * لا حظ في الدنيا لمستيقظ * يلمحها بالفكرة الباصره * * إن كدرت مشربه ملها * وإن صفت كدرت الآخره * وقال أيضا * خذ في وقارك واتركني ووسواسي * فليس في ولهي في الحب من باس * * إن أنت لم تقف إثري في الغرام فقف * عني لأجري إلى اللذات أفراسي * * ولا تقس ~ ني على من لا يشاكلني * فإن أمري شيء غير منقاس * ومنها * قضيب آس تبدى مثمرا قمرا * وجدي القديم به أطرى من الآس *
691 * لها معاطف تغريني برقتها * ولينها أن أقاسي قلبها القاسي * * باتت موسدة رأسي على يدها * عطفا وكانت يدي منها على راسي * وقال أيضا * أأسود غيل أم ظباء كناس * هدمت تقاي وأسست وسواسي * * وتغزلي من بينها بغزيل * خلس النفوس بطرفه الخلاس * * أشكو إليه وأين عز جماله * من ذلتي وغناه من إفلاسي * * ماذا ترى أذنبت في شرع الهوى * حتى بليت بكل قلب قاسي * * مولاي تذكر إذ زماني قائم * فيما أمرت وأنت من جلاسي * * حوشيت من نيسان عهد لم يزل * ينسيني الإيحاش بالإيناس * * ولئن غدرت لقد وفت لك عبرتي * والدمع منه خاذل ومواسي * * إن لم تزر فإذا مررت فقف بنا * ما في وقوفك ساعة من باس * * يا صاح لا تخدع فما لصحاتنا * شبة سوى الأموات في الأرماس * * فإذا السرور عصى عليك ولم يطع * فخذ المدام ودع كلام الناس * * لا تكذبن فلست أترك شربها * في الدير بين القس والشماس * * عنفتني فيما مضى وعذرت إذ * نادمتني وشربت فضلة كاسي * * هذا ولو أدركت فضلة نشوتي * قبلت رجلي أو حلفت براسي * وقال أيضا * أقسمت ما خده القاني من الخجل * أرق من دمعي الجاري ولا غزلي * * غزال إنس غضيض الطرف ناظره * خلو من الكحل مملوء من الكحل * * لاه عدلت إليه بالهوى وله * جور على بقد منه معتدل * * فماس غصنا ولكن غير مهتصر * واهتز رمحا ولكن غير معتقل * * يا نظرة ما جلت لي حسن طلعته * حتى انقضت وأدامتني على وجل * * عاتبت إنسان عيني في تسرعه * فقال لي خلق الإنسان من عجل * * يا عاذلي ليس مثلي من تخادعه * وليس مثلك مأمونا على عذلي *
692 * ما دمت خلوا فما تنفك متهما * إعشق وقولك مقبول على ولي * وقال أيضا * سألت سوارها المثري فنادى * فقير وشاحها الله يفتح * * لها طرف يقول الحرب أولى * ولي قلب يقول الصلح أصلح * 290 الزكي بن أبي الإصبع عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن عبد الله بن محمد الأديب أبو محمد بن أبي الإصبع العدواني المصري الشاعر المشهور الإمام في الأدب له تصانيف حسنة في الأدب وشعره رائق عاش نيفا وستين سنة وتوفي بمصر في ثالث وعشرين من شوال سنة أربع وخمسين وستمائة رحمه الله ومن شعره * تصدق بوصل إن دمعي سائل * وزود فؤادي نظرة فهو راحل * * جعلتك بالتمييز نصبا لناظري * فلم لا رفعت الهجر والهجر فاعل * وقال * فديت التي إذ ودعتني أودعت * من اللفظ سمعي ساعة البين جوهرا * * فلما التقينا رد دمعي لنحرها * وديعتها فهي اللآلي التي ترى * * بكت ورنت نحوي فجرد لحظها * من الجفن سيفا بالدموع مجوهرا * وقال * من يذم الدنيا بظلم فإني * بطريق الإنصاف أثني عليها * * وعظتنا بكل شيء لو أنا * حين جادت بالوعظ من مصطفيها *
693 * نصحتنا فلم نر النصح نصحا * حين أبدت لأهلها ما لديها * * أعلمتنا مصارع الأهل والأحباب * لو نستفيق بين يديها * * ولكم مهجة بزهرتها اغتررت * فأدمت ندامة كفيها * * أتراها أبقت على سبأ من * قبلنا حين بذلت جنتيها * * يوم بؤس لها ويوم رخاء * فتزود ما شئت من يوميها * * وتيقن زوال ذاك وهذا * تسل عما تراه من حادثيها * * دار زاد لمن تزود منها * وغرور لمن يميل إليها * * مهبط الوحي والمصلي التي كم * عفرت صورة بها خديها * * متجر الأولياء قد ربحوا الجننة * فيها وأوردوا عينيها * * رغبت ثم رهبت ليرى كلل * لبيب عقباه من حالتيها * * فإذا أنصفت تعين أن يثنى * عليها ألبر من ولديها * وقال * انتخب للقريب لفظا رقيقا * كنسيم الرياض في الأسحار * * فإذا اللفظ رق شف عن المعنى * فأبداه مثل ضوء النهار * * مثلما شفت الزجاجة جسما * فاختفى لونها بلون العقار * وقال في قيم حمام * وقيم كلمت جسمي أنامله * بغير ألسنة تكليم خرسان * * إن أمسك اليد منى كاد يكسرها * أو سرح الشعر من فودى أدماني * * فليس يمسك إمساكا بمعرفة * ولا يسرح تسريحا بإحسان * وقال رحمه الله تعالى
694 * أراني لا ينفك نجمي هابطا * نراه براه ربنا حسب للرجم * * جفتني الليالي فاغتديت كأنني * أفتش دهري في التراب على نجمي * * فصرت إذن قوسا وعقلي راميا * ورأيي الذي أصمي الرمايا به سهمي * وقال * وساق إذا ما ضاحك الكأس قابلت * فواقعها من ثغره اللؤلؤ الرطبا * * وخشيت وقد أمسى ضجيعي على الدجى * فأسبلت دون الصبح من ثغره حجبا * * وقسمت شمس الطاس بالكاس أنجما * ويا طول ليل شمسه قسمت شهبا * وقال * إذا ما سقاني ريقه وهو باسم * تذكرت ما بين العذيب وبارق * * ويذكرني من قده ومدامعي * مجر عوالينا ومجرى السوابق * وقال * أيا عبلة الأرداف لحظك عنتر * وما لي على غاراته في الحشا صبر * * نعم أنت يا خنساء عصرنا * وشاهد قولي أن قلبك لي صخر * وقال * رأيت بفيه إذ تبسم أدمعا * فقلت رثى لي إذ بكى فمه حزنا * * أجاد له في النظم شاعر ثغره * ولكنه من مقلتي سرق المعنى * وقال * تبسم لما أن بكيت من الهجر * فقلت ترى دمعي فقال أرى ثغري * * فديتك لما أن بكيت تنظمت * بفيك لآلي الدمع عقدا من الدر * * فلا تدعي يا شاعر الثغر صنعة * فكاتب دمعي قال ذا النظم من نثرى *
695 291 الحافظ زكي الدين المنذري عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعيد الحافظ الإمام زكي الدين أبو محمد المنذري المصري الشافعي ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة غرة شعبان بمصر وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة قرأ القرآن على الأرتاحي وتفقه علي أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي تأدب على أبي الحسين بن يحيى النحوي وسمع من عبد المجيد بن زهير وإبراهيم بن البتيت ومحمد بن سعيد المأموني
696 والمطر بن أبي بكر البيهقي والحافظ ربيعة اليمنى وأبي الجود غياث بن فارس والحافظ ابن المفضل وبه تخرج وهو شيخه وبمكة من يونس الهاشمي وأبي عبد الله بن البناء وخرج لنفسه معجما كبيرا مفيدا روى عنه الدمياطي وأبو الحسين اليونيني وإسماعيل بن عساكر وعلم الدين الدواداري وتقي الدين بن دقيق العيد وخلق كثيرا ودرس بالجامع الظافري بالقاهرة مدة ثم ولي مشيخة دار الحديث الكاملية وانقطع بها نحوا من عشرين سنة رحمه الله تعالى 292 جمال الدين التبريزي عبد القاهر بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن موسى القاضي الخطيب جمال الدين التبريزي الحراني الدمشقي الشافعي مولده في نصف شعبان سنة
697 ثمان وأربعين وستمائة بحران واشتغل ونشأ بدمشق وتفقه قال الشيخ شمس الدين ذكر لي قال ماتت أمي ابنة عشرين سنة وكان أبي تاجرا ذا مال فقدم بي إلى دمشق وأنا أبن ست سنين فمات وكفلني عمي عبد الخالق ورجع بي إلى حران وباع أملاكنا بثمانين ألفا ورد بي إلى دمشق فقال لي يوما امض بنا نتفرج فمضى بي نحو ميدان الحصى وعرج بي ثم نهض علي فخنقني فغشي علي فرماني في حفرة وطم على المدر والحجارة فبقيت كذلك ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع مر رجل صالح كان برباط الإسكاف عرفته بعد ثلاثين سنة نزل من الصالحية ومر بجسر ابن شواش وهو يتلو ثم إلى القطائع فجلس يبول وأنا أحرك رجلي فرأى المدر يتحرك فظنه حية فقلب الحجر فبدت رجلي في خف بلغاري فاستخرجني فقمت أعدو إلى الماء فشربت من شدة عطشي ووجدت في خاصرتي فرزا من الحجارة وفي رأسي فتحا وأراني أثر ذلك ودخلت البلد إلى إنسان أعرفه فمضى بي إلى ابن عم لنا وهو الصدر الخجندي وكان متحتفيا بالصالحية وله غلامان ينسخان ويطعمانه اختفى لأمور بدت منه أيام هولاكو فأقمت مدة لا أخرج وبلغت وحفظت القرآن فممرت بعد مدة بالدمياس فرآني عمي فقال ها جمال امش بنا إلى البيت فما كلمته وتغير لوني وكان معي رفيقان فقالا لي ما بك فسكت وأسرعت ثم رأيته مرة أخرى بالجامع ثم خاف من عاقبتي فأخذ أموالي ودخل إلى اليمن وتقدم عند صاحبها ووزر له ومات في تلك البلاد عن أولاد وأما أنا فإني جودت الختمة على الزواوي وتفقهت على النجم الموغاني وترددت إلى الشيخ تاج الدين ثم وليت القضاء عن ابن الصائغ انتهى كلام الشيخ شمس الدين قال الشيخ صلاح الدين الصفدي هذا القاضي جمال الدين الزرعي وأقام اشهرا فلما تولى قاضي القضاة جلال الدين عزله ثم توصل ودخل عليه فولاه ثم عزله وقرر له مرتبا يأخذه ولا يتولى الأحكام فلما توجه قاضي القضاة جلال الدين إلى الشام وتولى عز الدين بن جماعة ولاه قضاء دمياط فلم يزل بها حاكما إلى أن
698 مات في جمادى الآخرة في سنة أربعين وسبعمائة وكان فصيح العبارة مليح الشكل أحمر الوجه مستديرة منور الشبة عذب الكلام ينظم نظما عذبا منسجما وعمل مجلدة خطب رحمه الله ومن شعره في الشبابة * وناطقة بأفواه ثمان * تميل بعقل ذي اللب العفيف * * لكل فم لسان مستعار * يخالف بين تقطيع الحروف * * تخاطبنا بلفظ لا يعيه * سوى من كان ذا طبع لطيف * وقال * جاءت تهز اختيالا * قد القضيب المنعم * * نجر إثر خطاها * أذيال مرط مسهم * * قد أنجد الردف والخصر * غار لطفا وأتهم * * يا ويح خصر شقي * من جور ردف منعم * * وبات بدري بصدري * حتى إذا الصبح أنجم * * ودعته وهو يبكي * ويمزج الدمع بالدم * * في موقف لو ترانا * لكنت ترثي وترحم * 293 أبو بكر الجرجاني عبد القادر بن عبد الرحمن أبو بكر الجرجاني النحوي المشهور أخذ النحو عن أبي الحسين محمد بن علي فارسي وكان من كبار أئمة العربية صنف المغني في شرح الإيضاح في نحو ثلاثين مجلدا والمقتصد في شرح
699 الإيضاح أيضا في ثلاث مجلدات وإعجاز القرآن وكتاب عروض والعوامل المائة والمفتاح وشرح الفاتحة في مجلد وله العمدة في التصريف والجمل والتلخيص شرحه وكان شافعي المذهب أشعري الأصول مع دين وسكون توفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة رحمه الله ومن شعره * لا تأمن النفثة من شاعر * ما دام حيا سالما ناطقا * * فإن من يمدحكم كاذبا * يحسن أن يهجوكم صادقا * وله أيضا * كبر على العقل يا خليلي * ومل إلى الجهل ميل هائم * * وكن حمارا تعش بخير * فالسعد في طالع البهائم * وله أيضا * أرخ باثنين وخمسينا * فليت شعري ما قضى فينا * * نسر بالحولإذا ما انقضي * وفي تقضيه تقضينا * 294 الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله التميمي أبو منصور الفقيه الشافعي ولد ببغداد ونشأ بها وسافر مع أبيه إلى خراسان وسكنا بنيسابور إلى أن ماتا تفقه أبو منصور على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني وقرأ عليه أصول الدين وكان ماهرا في فنون عديدة خصوصا في علم الحساب وله فيه تواليف نافعة منها كتاب التكملة وكان يدرس في سبعة وعشرين فنا وكان
700 عارفا بالفرائض والنحو والشعر وكان ذا مال وثروة ولم يكتسب بعلمه مالا وأربي على أقرانه في الفنون وجلس بعد أستاذه أبي إسحاق للإملاء في مسجد عقيل فأملي سنين واختلف إليه الأئمة فقرءوا عليه مثل ناصر المروزي وزين الإسلام القشيري وتوفي سنة عشرين وأربعمائة بمدينة إسفرايين ودفن إلى جانب شيخه رحمهما الله تعالى ومن شعره * طلبت من الحبيب زكاة حسن * على صغر من الحسن البهي * * فقال وهل على مثلي زكاة * على قول العراقي الزكي * * فقلت الشافعي لنا إمام * وقد فرض الزكاة على صبي * وهذا مثل قول الأمير أبي الفضل الميكالي * أقول لشادن في الحسن فرد * يصيد بلحظه قلب الكمى * * ملكت الحسن أجمع في نصاب * فأد زكاة منظرك البهي * * وذاك بأن تجود لمستهام * برشف من مقبلك الشهي * * فقال أبو حنيفة لي إمام * وعندي لا زكاة على الصبي * وتممها سيدنا ومولانا قاضي القضاة تقي الدين السبكي أدام الله أيامه بقوله * فقال اذهب إذن فاقبض زكاتي * برأي الشافعي من الولي * * فقلت له فديتك من فقيه * أيطلب بالوفاء سوى الملي * * نصاب الحسن عندك ذو امتناع * بلحظك والقوام السمهري * * فإن أعطيتنا طوعا وإلا * أخذناه بقول الحنبلي * ومن شعر أبي منصور * شبابي وشيبي دليلا رحيلي * فسمعا لذاك وذا من دليل * * وقد مات من كان لي من عديل * وحسبي دليلا رحيل العديل *
701 ومنه أيضا * يا سائلي عن قصتي * دعني أمت في غصتي * * المال في أيدي الورى * واليأس منه حصتي * ومن تصانيفه تفسير القرآن تأويل متشابه الأخبار فضائح المعتزلة الكلام في الوعد والوعيد الفاخر في الأوائل والأواخر إبطال القول بالتولد فضائح الكرامية معيار النظر تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر الإيمان وأصوله الملل والنحل التحصيل في أصول الفقه الفرق بين الفرق بلوغ المدى في أصول الهدى نفي خلق القرآن الصفات 295 الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي عبد القادر بن أبي صالح بن جنكي دوست ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضا الله عنهما الشيخ أبو محمد الجيلي الحنبلي المشهور الزاهد صاحب المقامات والكرامات وشيخ الحنابلة رحمه الله تعالى قدم بغداد وتفقه على القاضي أبي سعد وسمع الحديث وكان يأكل من عمل يده وتكلم في الوعظ وظهر له صيت وكان له سمت وصمت قال الشيخ شمس الدين ولد بجيلان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتوفي سنة إحدى وستين وخمسمائة وقدم بغداد شابا وتفقه على أبي سعد المخرمي وسمع من أبي بكر أحمد بن المظفر بن سوسن ومن غيره وروى عنه أبو سعد السمعاني وعمر بن علي القرشي وولداه عبد الرزاق وموسى والحافظ عبد الغني والشيخ الموفق ويحيى بن سعد الله التكريتي وغيرهم وكان إمام زمانه وقطب عصره وشيخ شيوخ الوقت بلا مدافعة
702 قال أبو الحسن اليونيني سمعت الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول ما نقلت إلينا كرمات أحد بالتواتر إلا الشيخ عبد القادر وكان الشيخ عبد القادر قد لازم الأدب علي أبي زكريا التبريزي واشتغل بالوعظ إلى أن برز فيه ثم لازم الخلوة والرياضة والسياحة والمجاهدة والسهر والمقام في الخراب والصحراء وصحب الشيخ أحمد الدباس وأخذ عنه علم الطريق ثم إن الله أظهره للخلق وأوقع له القبول العظيم وعقد المجلس سنة إحدى وعشرين وخمسمائة وأظهر الله الحكمة على لسانه ثم جلس في مدرسة أبي سعد للتدريس والفتوى سنة ثمان وعشرين وصار يقصد بالزيارة وصنف في الفروع والأصول وله كلام على لسان أهل الطريق قال طالبتني نفسي بشهوة فكنت أضاجرها وأدخل في درب وأخرج إلى درب أطلب الصحراء فبينما أنا أمشي إذ رأيت رقعة ملقاة فإذا فيها ما للأقوياء والشهوات إنما خلقت الشهوات للضعفاء يتقوون بها على طاعتي فلما قرأتها خرجت تلك الشهوة من قلبي وقال كنت أقتات بخرنوب الشوك وورق الخس من جانب النهر وكان يقول الخلق حجابك عن نفسك ونفسك حجاب عن ربك ما دمت ترى الخلق لا ترى نفسك وما دمت ترى نفسك لا ترى ربك وكان يقول الدنيا أشغال والآخرة أهوال والعبد فيما بين الأشغال حتى يستقر قراره إما إلى جنة وإما إلى نار وكان يقول الأولياء عرائس الله لا يطلع عليهم إلا ذا محرم وكان يقول فتشت الأعمال كلها فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام أود لو أن الدنيا بيدي فأطعمها الجياع وقال عبد الرزاق ولده ولد لوالدي تسعة وأربعين ولدا سبعة وعشرون ذكرا والباقي إناث 296 الطائع لله عبد الكريم بن الفضل بن جعفر بن أحمد أمير المؤمنين الطائع لله بن المطيع بن المقتدر بن المعتضد تولى الخلافة في ذي القعدة سنة ثلاث وستين
703 وثلاثمائة وقبضوا عليه في شعبان سنة إحدى وثمانين وكانت خلافته سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وستة أيام قال أبو علي بن شاذان رأيته رجلا مربوعا كبير الأنف أبيض أشقر وفي أنفه يقول ابن الحجاج * خليفة في وجهه روشن * خربشته قد ظلل العسكرا * * عهدي به يمشي على دجلة * وأنفه قد صعد المنبرا * وكان الطائع شديد الحيل في خلقه حدة خلعه بهاء الدولة بن عضد الدولة بإشارة الأمراء ومعونتهم وسملوا عينيه ولما جلس القادر في الخلافة أسكنه معه في زاوية من قصره رقة له وكان يحسن إليه ويحتمل غلظة كلامه ويقضي معظم ما يستقضيه من الجوائج وكلفه يوما حاجة لم يقدر عليها واعتذر إليه بأن الديلم غالبون على الأمر فلما توسط النهار وقدم الطعام أتوه بعدس مطبوخ فلمسه وقال ما هذا قالوا عدسية قال أمن هذا أكل أمير المؤمنين قالوا نعم قال إذا كان أكله وجاهه ما رأيناه أول النهار كان الأولي به أن يقعد في البطيحة ولا يتعنى ولا يتكلف مشقة الخلافة فضحك القادر وقال منعناه من راحة البصر فلا نمنعه من راحة اللسان وكان الطائع قد استعرض جارية فأعجبته وأمر بشراها فنظرت إليه ورأت عظم أنفه فقالت ما يقدم على أن يباع عندكم إلا من يوطن نفسه على المرابطة في سبيل الله فضحك الطائع وقال اشتروها فإن لم يكن عندها أدب الملوك فعندها نوادر الظرفاء وتوفي رحمه الله تعالى ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وصلى عليه القادر وكبر خمسا وحمل إلى الرصافة وشيعه الأكابر ورثاه الشريف الرضا بقصيدة موجودة في ديوانه تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله الرافعي