إمتاع الأسماع (جزء 7) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمتاع الأسماع (جزء 7) - نسخه متنی

احمد بن علی مقریزی؛ محقق: محمد عبدالحمید نمیسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: إمتاع الأسماع
المؤلف: المقريزي
الجزء: 7
الوفاة: 845
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد عبد الحميد النميسي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1420 - 1999 م
المطبعة:
الناشر: منشورات محمد علي بيضون ، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:
إمتاع الأسماع
بما للنبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال والأموال
والحفدة والمتاع
تأليف
تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي
المتوفى سنة 845 ه‍
تحقيق وتعليق
محمد عبد الحميد النميسي
الجزء السابع
منشورات
محمد علي بيضون
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان

1
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
1420 - 1999 م
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
العنوان رمل الظريف شارع البحتري بناية ملكارت
تلفون وفاكس 264398 - 366135 - 602133 (1 961..
صندوق بريد 9424 - 11 بيروت - لبنان

2
بسم الله الرحمن الرحيم
وأما الخرقة التي كان يتنشف بها
فخرج ابن مندة من حديث أبي معاذ عن ابن شهاب، عن عروة عن
عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت له خرقة يتنشف بها بعد
الوضوء (1).
وخرجه الدارقطني في كتاب (السنن)، من طريق ابن وهب عبد الله
قال: حدثني زيد بن الحباب، عن أبي معاذ، عن ابن شهاب، عن عروة عن
عائشة، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد وضوئه. قال
الدارقطني: أبو معاذ هو سليمان بن أرقم، وهو متروك (2).
قال مؤلفه (رحمه الله تعالى): هو أبو معاذ، سليمان بن أرقم البصري،
يروي عن الحسن وابن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز،
وابن شهاب، ويحيى بن أبي كثير.
ويروي عنه الزهري شيخه، والثوري، ويحيى بن حمزة، وزيد بن
الحباب، وخلق (كثير).
قال أحمد: ليس بشئ، قال ابن معين: ليس بسوي، قلنا: وقال
البخاري: اتركوه، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال
الترمذي وجماعة: متروك.
خرج عنه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وله عندهم حديث: لا نذر



(1) قال العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي: والحديث أخرجه الترمذي، وفيه أبو
معاذ وهو ضعيف، وقال الترمذي بعد أن روى الحديث: ليس بالقائم، ولا يصح فيه شئ، وأخرجه
الحاكم، وأخرج الترمذي من حديث معاذ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه،
قال الحافظ: وإسناده ضعيف، وفي الباب عن سليمان أخرجه ابن ماجة، قال ابن أبي حاتم: وروى عن
أنس ولا يحتمل أن يكون مسندا. (التعليق المغني على الدارقطني): 1 / 110 - 111.
(2) تقدم آنفا في هامش (1).
3
في معصية، وحديث: الصدقات، وحديث: كان للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة يتنشف
بها. وليس له عندهم غير ذلك.
وذكره ابن بطال في شرح البخاري، من حديث زيد بن الحباب عن ابن
شهاب، ثم قال: وبه قال عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر،
وأنس بن مالك، وابن مسعود، والحسن، والشعبي، وابن سيرين، وعلقمة،
والأسود، ومسروق، وهو قول مالك، والثوري وأبي حنيفة، والأوزاعي،
وأحمد، وإسحاق.
وكره ذلك: جابر بن عبد الله، وعطاء، وابن أبي ليلى، وابن المسيب،
والنخعي، وأبو العالية، وهو قول الحسن بن حيى.
وذكره محمد بن سعد من حديث أبي عمرو بن العلاء، عن إياس بن
جعفر الحنفي، قال: أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة يتنشف بها
عند الوضوء (1).
ويقال: إن حكيم بن حزام قدم بتلك الحلة في هدنة الحديبية وهو يريد
الشام في عير، فأرسل الحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يقبلها وقال: لا
أقبل هدية مشرك، قال حكيم: فجزعت من ذلك جزعا شديدا حيث رد
هديتي، فبعتها بسوق النبط من سائم سامني، ودس إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
زيد بن حارثة فاشتراها، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها بعد، وذكر بقية
الخبر.



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 386، لكن قال ابن القيم: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتاد تنشيف أعضائه
بعد الوضوء، ولا يصح عنه في ذلك حديث البتة، بل الذي صح عنه خلافه.
وأما حديث عائشة: " كان للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء " وحديث معاذ بن جبل:
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح على وجهه بطرف ثوبه " (أخرجه الترمذي: (53)، (54))
فضعيفان، لا يحتج بمثلها، في الأول سليمان بن أرقم متروك، وفي الثاني عبد الرحمن بن زياد بن
أنعم الأفريقي، ضعيف، قال الترمذي: ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شئ: (زاد المعاد):
1 / 197.
4
وخرج أبو داود (1) والحاكم (2)، عن ابن عباس رضي الله (عنهما): لقد
رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل. وفيه قصة (3).
وخرج من حديث يونس بن يزيد عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يشتري (4) لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الحلة
بألف درهم، وبألف ومائتي درهم (5). قال هذا حديث صحيح (على شرط
الشيخين ولم يخرجاه) (6).
وعن عمارة بن زادان، عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن
ملك ذي يزن أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حلة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيرا وناقة،
فلبسها النبي صلى الله عليه وسلم مرة. قال هذا حديث صحيح الإسناد (7) (ولم
يخرجاه) (8).
ولابن حيان (9) من حديث قتادة، عن علي بن زيد، عن إسحاق بن عبد
الله بن الحارث، أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة بسبع وعشرين ناقة ولبسها.



(1) (عون المعبود): 11 / 84، كتاب اللباس، باب (20) في الرخصة في ذلك (أي في الحمرة)،
حديث رقم (4066) ولفظه: "...... ورأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه " صلى الله عليه وسلم.
(2) (المستدرك): 2 / 164، حديث رقم (2656)، وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص): على شرط مسلم.
(3) ذكرها أبو أحمد الحاكم في (المرجع السابق): 2 / 164 - 165، قال محققه: وهي قصة طويلة
أمسكنا عن ذكرها لطولها.
(4) كذا في (خ)، وفي (المستدرك): " يستحيك ".
(5) (المستدرك): 4 / 207، حديث رقم (7385) وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص): على
شرط البخاري ومسلم.
(6) زيادة للسياق من (المستدرك).
(7) (المستدرك): 4 / 2208 حديث رقم (7386)، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص):
صحيح.
(8) زيادة للسياق من (المستدرك).
(9) هو أبو محمد، عبد الله بن جعفر بن حيان، المعروف بأبي الشيخ، توفي في المحرم سنة (369 ه‍).
5
وأما الحبرة
(فخرج) البخاري من حديث همام عن قتادة عن أنس، وخرج مسلم
عن هشام، أخبرنا قتادة قال: قلنا لأنس بن مالك: أي اللباس كان أحب
إلى رسول الله صلى عليه وسلم أو أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحبرة (1).
ولفظ البخاري: قال: قلت له: أي الثياب كان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن
يلبسها؟ قال: الحبرة (2).
وخرجاه عن هشام عن قادة عن أنس قال: كان أحب الثياب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة لم يقل مسلم: أن يلبسها.
وللبخاري من حديث الزهري، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف، أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي
ببردة حبرة. وذكره في كتاب اللباس (3).



(1) (ومسلم بشرح النووي): 14 / 300، كتاب اللباس، باب (5)، فضل ثياب الحبرة، حديث رقم
(32)، (33) من أحاديث الباب. والحبرة: بكسر الحاء وفتح الباء، وهي ثياب من كتان أو قطن
محبرة أي مزينة، والتحبير: التزيين والتحسين، يقال: ثوب حبرة على الوصف، وثوب حبرة على
الإضافة، وهو أكثر استعمالا، والحبرة مفرد، والجمع حبر وحبرات، كعنبة وعنبات، ويقال: ثوب حبير
على الوصف، فيه دليل لاستحباب لباس الحبرة، وجواز لباس المخطط وهو مجمع عليه، والله تعالى
أعلم. (المرجع السابق).
(2) (فتح الباري): 10 / 339، كتاب اللباس، باب (18)، البرود والحبر والشملة، حديث رقم
(5812)، (5813).
(3) (فتح الباري): 10 / 339، كتاب اللباس، باب (18)، البرود والحبر والشملة، حديث رقم
(5814).
6
وخرجه مسلم ولفظه: سجي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حبرة (1).
وخرجه النسائي أيضا (2).
وروى سعيد بن السكن، حدثنا ابن أبي داود، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم
النهشلي، أخبرنا سعيد بن الصلت، أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه عن
جده علي بن الحسين، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس في
العيدين بردى حبرة (3).



(1) (مسلم بشرح النووي): 7 / 13، كتاب الجنائز، باب (14)، في تسجية الميت، حديث رقم
(942).
(2) وخرجه أيضا أبو داود في (السنن)، 3 / 489، كتاب الجنائز، باب (23)، في الميت يسجى،
حديث رقم (3120).
(3) (الدر المنثور): 3 / 79.
7
وأما المرط
المرط: كساء من خز أو صوف أو كتان، وقيل: هو الثوب الأخضر
وجمعه مروط وأمراط، وقيل: هو كساء يؤتزر به، وقيل: لا يكون المرط إلا
ذراعا ولا يلبسه إلا النساء، ولا يكون إلا أخضر، والأول أصح، وهو بكسر
الميم وإسكان الراء، وقيل: المرط: كساء صوف ومربع سداه شعر (1).
خرج مسلم (2) وأبو داود (3) والترمذي (4)، من حديث مصعب بن
شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي
صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود. لم يقل أبو داود: ذات
غداة، ولم يقل الترمذي فيه: مرحل، والمرحل بالحاء المهملة المشددة
المفتوحة: الموشى بمثل صور الرجال، والمرجل بالجيم: الموشى بمثل صور
الرجال، والمروي في هذا الحديث بالحاء المهملة (5).
ولأحمد من حديث سفيان عن طلحة بن يحيى، عن عبيد الله بن عبد
الله بن عتبة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه مرط
وعلى بعضه (6).



(1) (لسان العرب): 7 / 401.
(2) (مسلم بشرح النووي): 15 / 203 - 204، كتاب فضائل الصحابة، باب (9) فضائل أهل بيت
النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2424).
(3) (سنن أبي داود): 4: 315، كتاب اللباس، باب (6) في ليس الصوف والشعر، حديث رقم
(4032).
(4) (سنن الترمذي): 5: / 110 - 111، كتاب الأدب، باب (49) ما جاء في الثواب الأسود حديث
رقم (2813)، وقال في آخره: هذا حديث حسن غريب صحيح.
(5) الرحال: جمع رحل.
(6) (مسند أحمد): 7 / 233، حديث رقم (24767).
8
وأما المصبوغ بالزعفران
فخرج الحاكم وغيره من حديث مصعب بن عبد الله الزبيري، حدثني
أبي عبد الله بن مصعب، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران، رداء وعمامة (1).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح.
وروى قاسم بن أصبغ من حديث القعنبي أخبرنا عبد الله بن زيد أسلم
عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له في ذلك فقال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ به، ورأيته أحب الطيب إليه (2).
وذكر ابن وهب عن عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة (3).
وذكر عن هشام بن سعد عن يحيى بن عبد الله بن مالك الدار قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث بقميصه وردائه إلى بعض أزواجه، فيصبغ له
بالزعفران.
وقال الواقدي: عن عمر بن محمد عن أبي جعفر محمد بن علي قال:
ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أثواب: ثوب حبرة، وإزارا عمانيا، وثوبين



(1) (المستدرك): 4: 210، كتاب اللباس، حديث رقم (7295)، وقال في آخره: هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال عنه الذهبي في (التلخيص): ولا واحد منهما، يعني
ليس على شرط أي أحد منهما.
(2) (سنن النسائي): 8 / 517، كتاب الزينة، باب (17)، الخضاب بالصفرة، حديث رقم (5100).
(3) (سنن النسائي): 8 / 529، كتاب الزينة، باب (30) الزعفران، حديث (5130).
9
صحاريين، وقميصا سحوليا، وجبة يمنة، وملحفة مورسة كان يلبسها في
بيوت نسائه، وخميصة، وكساءا أبيض، وقلانس صفار لاطية ثلاثة.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا عباد بن عباد، عن هشام بن
حسان، عن بكر بن عبد الله المزني قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة
مصبوغة بورس أو بزعفران، فإذا كان يوم إحداهن - يعني نساءه - ذهب بها
إليها، ورش عليها الماء لتوجد رائحتها (1).



(1) أخرجه الخطيب البغدادي بسند آخر ولفظ آخر عن أنس رضي الله عنه قال: " كان للنبي صلى الله عليه وسلم ملحفة
مصبوغة بالورس والزعفران، يدور بها على نسائه، فإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء، وإذا كانت ليلة
هذه رشتها بالماء " (تاريخ بغداد: 13 / 320، ترجمة نوح بن حبيب رقم (7290)، (كنز
العمال): 7 / 20، حديث رقم (18725)، وقال الزبيدي: سنده ضعيف.
والورس: نبت أصفر يزرع باليمن يصبغ به، أو المراد صنف من الكركم أو يشبهه، وفيه حل لبس
المزعفر، والمورس، وفيه اختلاف عند العلماء: (إتحاف السادة المتقين): 8 / 251 - 252، كتاب
آداب المعيشة وأخلاق النبوة.
10
وأما الإزار والكساء
الإزار: ما يلتحف به، وهو يذكر ويؤنث، والجمع أأزرة، وأزر، وهي
الإزارة، وأنه يحسن الأزرة - بكسر الهمزة - وأنه يحسن الائتزار، وقد
تأزرته وأزرته، والمئزر: الإزار (1).
وخرج البخاري من حديث حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: أخرجت
إلينا عائشة رضي الله عنها كساءا وإزارا غليظا، فقالت: قبض روح النبي
صلى الله عليه وسلم في هذين (2).
وخرجه مسلم ولفظه: أخرجت إلينا عائشة إزارا وكساءا ملبدا فقالت:
في هذين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) (قال ابن حاتم في حديثه: إزارا
غليظا (4).
وفي لفظ البخاري (5) ومسلم (6) وأبي داود عن أبي بردة قال: دخلت



(1) (لسان العرب): 4 / 17، وفيه: الإزار: العفاف، قال أبو عبيد: فلان خيف المئزر، وعفيف الإزار،
إذا وصف بالعفة عما يحرم عليه من النساء، ويكنى بالإزار عن النفس وعن المرأة.
(2) (فتح الباري): 10 / 341، كتاب اللباس، باب (15)، الأكسية والخمائص، حديث رقم
(5818).
(3) (مسلم بشرح النووي): 14 / 300 - 301، كتاب اللباس والزينة، باب (6)، التواضع في
اللباس، والاقتصار على الغليظ منه... حديث رقم (35).
(4) زيادة للسياق من (صحيح مسلم).
(5) (فتح الباري): 6 / 261، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه
وقدحه وخاتمه، حديث رقم (3108).
(6) (مسلم بشرح النووي): 14 / 301، باب (6)، التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه...
حديث رقم (34).
11
على عائشة رضي الله عنها، فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن،
وكساءا من التي يسمونها الملبدة، قال: فأقسمت بالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبض في هذين الثوبين ذكره البخاري في كتاب الخمس، في باب ما ذكر
من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه (1) (وما استعمل الخلفاء
بعده من ذلك، مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته مما تبرك به
أصحابه وغيرهم بعد وفاته (2).
وله من حديث محمد بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله
عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة له، لها أعلام، فنظر إلى
أعلامها نظرة، فلما سلم (3) قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم،
فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي، وائتوني بانبجانية أبي جهم بن حذيفة بن
غانم (من بني عدي بن كعب). ذكره البخاري في كتاب الصلاة، في باب
إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها (4)، وفي باب الالتفات في
الصلاة (5). وذكره في كتاب اللباس، في باب: الأكسية والخمائص (6)،



(1) (فتح الباري): 6 / 261، كتاب فرض الخمس، باب (5)، ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه
وسيفه وقدحه وخاتمه... حديث رقم (3108).
(2) زيادة للسياق في (صحيح البخاري). (3) في (خ): " فلما سلم "، وما أثبتناه من (صحيح
البخاري).
(3) زيادة للسياق من (صحيح البخاري).
(4) (فتح الباري): 1 / 636، كتاب الصلاة، باب (14)، إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها،
حديث رقم (373).
(5) (فتح الباري): 2 / 297، كتاب الأذان، باب (93)، الالتفات في الصلاة، حديث رقم (752)،
ونبج موضع أعجمي تكلمت به العرب، ونسبوا إليه الثياب المنبجانية أو الأنبجانية على خلاف في
ذلك.
(6) (فتح الباري): 10 / 340، كتاب اللباس، باب (19) الأكسية والخمائص، حديث رقم
(5817).
12
وألفاظه متقاربة. وخرجه مسلم أيضا (1). والخميصة: كساء أسود مربع له
علمان، وقيل: الخمائص ثياب من خز تخان، سود وحمر، ولها أعلام تخان
أيضا، والانبجانية. كساء من الصوف له خمل، وليس له علم، منسوب
إلى نباج، وهما نباجان: نباج نبتل، ونباج ابن عامر.
وللبخاري (2) ومسلم (3) من حديث عبد الله بن عون، عن محمد بن
سيرين، عن أنس قال: لما ولدت أم سليم قالت لي: يا أنس، أنظر هذا
الغلام فلا يصيبن شيئا حتى تغدو به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحنكه، فغدوت به،
فإذا هو في حائط وعليه خميصة حريبية، وهو يسم الظهر الذي قدم عليه
في الفتح
ذكره البخاري في باب الخميصة السوداء، وخرج أبو عبد الله الحاكم من
حديث سعيد بن إياس الجريري، عن أبي السليل، عن أبي تميمة الهجيمي،
عن جابر بن سليم الهجيمي قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق
المدينة، وعليه إزار من قطن منتشر الحاشية، فقلت: عليك السلام يا
محمد يا رسول الله، فقال: عليك السلام تحية الميت، سلام عليكم، أي



(1) (مسلم بشرح النووي): 14 / 300 - 301، كتاب اللباس والزينة، باب (6) التواضع في اللباس
والاقتصار على الغليظ منه... حديث رقم (34)، (35)، (سنن الترمذي): 4 / 196، كتاب
اللباس، باب (10)، ما جاء في لبس الصوف، حديث رقم (1733)، قال أبو عيسى: وفي الباب
عن علي وابن مسعود، وحديث عائشة حديث حسن صحيح، (سنن ابن ماجة): 2 / 1176، كتاب
اللباس، باب (1) لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (3550)، (3551)، (مسند أحمد): 7 /
50، حديث رقم (23517).
(2) (فتح الباري): 10 / 743، كتاب اللباس، باب (22)، الخميصة السوداء، حديث رقم (5824)
والحريثية: نسبة إلى حريث: رجل من قضاعة.
(3) (مسلم بشرح النووي): 14 / 344، كتاب اللباس والزينة، باب (30)، جواز وسم الحيوان غير
الآدمي في غير الوجه، وندبه في نعم الزكاة والجزية، حديث رقم (2119)، وقال: وعليه خميصة
جونية.
13
هكذا فقل، فسألته عن الإزار، فأقنع ظهره، وأخذ بمعظم ساقه فقال: ها
هنا، فإن أبيت فها هنا فوق الكعبين، فإن أبيت، فإن الله لا يحب كل
مختال فخور (1). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد (ولم
يخرجاه) (2).
وللترمذي (3) من حديث الأشعث بن سليم قال: سمعت عمتي تحدث
عن عمها قال: بينما أنا أمشي فإذا إنسان خلفي يقول: ارفع إزارك فإنه
أتقى، وأبقى، وأنقى، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إنما هي
بردة ملحاء، قال: أما لك في أسوة؟ فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه
وخرجه النسائي (4) (أيضا).



(1) (المستدرك): 4 / 207، كتاب اللباس، حديث رقم (7382)، وقال عنه الذهبي في
(التلخيص): صحيح.
(2) زيادة للسياق من (المستدرك)، (سنن الترمذي): 4 / 217، كتاب اللباس، باب (41) في مبلغ
الإزار، حديث رقم (1783) بسياقه أخرى، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، رواه
الثوري وشعبة وأبي إسحاق.
(3) (الشمائل المحمدية): 108 - 109، حديث رقم (121).
(4) (السنن الكبرى): كتاب الزينة، من طرق عن أشعث بن سليم به، ورجال إسناده ثقات، غير عمة
الأشعث - وهي رهم بنت الأسود - فإنها لا تعرف، وعمها هو عبيد الله بن خالد المحاربي رضي الله
عنه.
والحديث أخرجه أحمد في (المسند)، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي)، كلهم من طريق الأشعث
عن عمته عن عمها، وقال الإمام أحمد: بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى هرول في أثره
حتى أخذ ثوبه فقال: ارفع إزارك، قال: فكشف الرجل عن ركبتيه فقال: يا رسول الله، إني أحنف
وتصطك ركبتاي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل خلق الله عز وجل حسن، قال: ولم ير ذلك الرجل إلا
وإزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات، (مسند أحمد): 50 / 529، حديث رقم (18978)، 6 /
501، حديث رقم (22576)، (أخلاق النبي): 108، (الإحسان): 15 / 352، كتاب إخباره
صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم، حديث رقم (6917).
14
وأما السراويل
فخرج ابن حيان من حديث الهيثم بن عدي، حدثنا دلهم بن صالح قال
(حدثنا) عبد الله بن يزيد عن أبيه قال: إن النجاشي كتب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم: قد زوجتك امرأة ()، وهي على دينك، أم حبيبة بنت أبي
سفيان، وأهديت إليك هدية جامعة، قميصا وسراويل وعطافا وخفين
ساذجين، فتوضأ النبي (1) صلى الله عليه وسلم ومسح عليهما. قال الهيثم: العطاف:
الطليسان.
ومن حديث وكيع عن الثوري، عن سماك بن حارث، عن سويد عن
قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر إلى مكة، فأتانا رسول الله



(1) (أخلاق النبي): 133 من طريق آخر، (طبقات ابن سعد): 1 / 482، (مسند أحمد): 6 / 483
- 484، حديث رقم (22472)، (سنن أبي داود): 1 / 108، كتاب الطهارة، باب (59) المسح
على الخفين، حديث رقم (155)، (سنن الترمذي): 5 / 114 - 115، كتاب الأدب، باب (55)،
ما جاء في الخف الأسود، حديث رقم (2820)، (سنن ابن ماجة): 1 / 82، كتاب الطهارة
وسننها، باب (84) ما جاء في المسح على الخفين، حديث رقم (549)، 2 / 1196، كتاب
اللبابس، باب (3) الخفاف السود، حديث رقم (3620). وفيه من الفوائد: قبول هدية أهل
الكتاب، وأن أصل الأشياء الطهارة، وجواز المسح على الخف.
ودلهم بن صالح ضعيف، وحجير بن عبد الله الكندي وثقة ابن حبان وجهله ابن عدي والذهبي،
ولذا قال عنه الحافظ ابن حجر: مقبول، يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، له ترجمة في: (الكامل
في ضعفاء الرجال): 3 / 108، ترجمة رقم 22 / 644)، (ميزان الاعتدال في نقد الرجال): 2 /
28، ترجمة رقم (2680)، (الضعفاء الكبير): 2 / 44، ترجمة رقم (472)، (المغني في
(الضعفاء): 1 / 223، ترجمة رقم (2051)، (الضعفاء والمتروكين): 1 / 271، ترجمة رقم
(1183).
وللحديث شاهد: عن ابن عباس، ذكره ابن عدي في (الكامل) وقال: لعل هذا الطرق خير من
ذلك الطريق.
15
صلى الله عليه وسلم فاشترى سراويل، وثم وزان يزن بالأجر، فقال: إذا وزنت فأرجح.
وخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد (1).
وخرجه أبو داود من حديث عبيد الله بن معاذ، أخبرنا أبي أخبرنا سفيان
عن سماك بن حرب، حدثني سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة (2)
العبدي بزا من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، فساومنا
بسراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: زن
وأرجح (3).
ومن حديث شعبة عن سماك بن حرب عن أبي صفوان بن عميرة قال:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر. بهذا الحديث، ولم يذكر: " يزن
بأجر " (4).



(1) (المستدرك): 2 / 35 - 36، كتاب البيوع، حديث رقم (2230)، (2231)، قال الحافظ
الذهبي في (التلخيص): تابعه شعبة عن سماك لكن قال: سمعت أبا صفيان يقول: بعت من النبي
صلى الله عليه وسلم سراويل فوزن لي فأرجح. أبو صفوان هو سويد. وهو على شرط مسلم قال في التقريب: إن ما
جزم به من أن كنيته أبو صفوان فيه نظر، والذي يكنى أبا صفوان اسمه مالك.
(2) ويروى بالميم بدل الفاء، والأول أصح.
(3) (سنن أبي داود): 3 / 631، كتاب البيوع والإجارات، باب (7) في الرجحان في الوزن والوزن
بالأجر، حديث رقم (3336)، والبز: الثياب، هجر: اسم بلد معروف بالبحرين وهو مذكر مصروف،
وأما هجر التي تنسب إليها القلال الهجرية، فهي قرية من قرى المدينة.
وفي الحديث دليل على جواز هبة المشاع، وذلك أن مقدار الرجحان هبة منه للبائع، وهو غير
متميز من جملة الثمن.
وفيه دليل على جواز أخذ الأجرة على الوزن والكيل، وما في معناها أجرة القسام والحاسب،
وكان سعيد بن المسيب ينهى عن أجرة القسام، وكرهها أحمد بن حنبل.
(4) (المرجع السابق): 632، كتاب البيوع والإجارات، ذات الباب، حديث رقم (3337).
16
قال أبو داود: رواه قيس كما قال سفيان، قال: والقول قول سفيان (1)،
وجاء في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل بأربعة دراهم، قال أبو هريرة
فأردت حملها فمنعني وقال: صاحب الشئ أحق بحمله، قلت يا رسول
الله! وإنك لتلبس السراويل؟ قال نعم بالليل والنهار.



(1) (المرجع السابق) وأخرجهما النسائي في البيوع، حديث رقم (4596)، (4597)، وابن ماجة في
التجارات، حديث رقم (2220)، (2221) كلاهما في باب الرجحان في الوزن.
17
وأما لبس الصوف ونحوه
فخرج ابن حيان من حديث بقية، حدثنا يوسف بن أبي كثير، عن نوح
ابن ذكوان، عن الحسن، عن أنس قال: لبس النبي صلى الله عليه وسلم الصوف، واجتنى
المخصوف، ولبس خشنا، وأكل بشعا - يعني غليظ الشعير - ما كان يسعه
إلا تجرعه (1).
ومن حديث يحيى بن يعلى الأسلمي، عن مختار التميمي، عن كرز
الحارثي، عن أبي أيوب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس الصوف، ويخصف
النعل، يرقع القميص، ويركب الحمار ويقول: من رغب عن سنتي فليس
منى (1).
وجاء عن محمد بن جعفر الوركاني، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس،
لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف ثلاثة أيام، فلما عرق وجد منها ريحا
كرهها، فرمى بها (2).
ولابن حيان من حديث حماد بن زيد، حدثنا حلس بن أيوب قال:
دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين، وعليه جبة صوف، وإزار



(1) (أخلاق النبي): 122.
(2) ونحوه باختلاف يسير في (سنن أبي داود): 4 / 339، كتاب اللباس، باب (22) في السواد،
حديث رقم (4074)، وقال في آخره: وأحسبه قال: وكان تعجبه الريح الطيبة، (مسند أحمد):
7 / 190، حديث رقم (24482)، 208، حديث رقم (24593)، 313، حديث رقم
(25312)، 355، حديث رقم (25586) من حديث قتادة عن مطرف، عن عائشة رضي الله عنها
وسنده صحيح.
18
صوف، وعمامة صوف، فاشمأز منه محمد (بن سيرين) (1) وقال: أظن أن
أقواما يلبسون الصوف فيقولون: قد لبسه عيسى ابن مريم عليه السلام،
وقد حدثني من لا أتهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد) (2) لبس الكتان،
والقطن، (ويمنة) (3)، وسنة نبينا أحق أن تتبع (4).
وقال هشام بن الكلبي عن أبيه محمد بن السائب، عن أبي صالح عن
ابن عباس رضي الله (عنهما) قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثواب صحارية،
وسحولية، ويمنة.
وكان عبد الله بن أبي الأسود بصري، يروي عن أنس، يروي عنه عنبسة
ابن عبد الرحمن (5)، وروى هذا الحديث عن عنبسة محمد بن عبد الله
ابن عثمان الخزاعي أبو عبد الله، قال فيه أبو حاتم: هو ثقة، وقد روى
عنه أبو داود، ورواه عن محمد بن عبد الله بن عبد القدوس، عن عبد
الكبير البصري، إلا أن عنبسة قال فيه ابن معين: هو لا شئ. وقال



(1) زيادة للسياق والبيان.
(2) زيادة للسياق من (زاد المعاد).
(3) في (خ) فقط.
(4) (زاد المعاد): 1 / 143، ذكره الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب. ثم
قال: ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائما أفضل من غيره، فيتحرونه
ويمنعون أنفسهم من غيره، وكذلك يتحرون زيا واحدا من الملابس، ويتحرون رسوما وأوضاعا وهيئات
يرون الخروج عنها منكرا، وليس المنكر إلا التقيد بها، والمحافظة عليها، وترك الخروج عنها.
والصواب أن أفضل الطرق طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنها، وأمر بها، ورغب فيها، وداوم عليها،
وهي أن هديه في اللباس: أن يلبس ما تيسر من اللباس، من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة
(المرجع السابق).
(5) هو عنبسة بن عبد الرحمن بن عيينة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، وقال
بعضهم: عنبسة بن أبي عبد الرحمن الأموي.
19
أبو حاتم: كان يضع الحديث (6).



(1) وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: لا شئ، وقال أبو زرعة: واهي الحديث منكرا الحديث، وقال أبو
حاتم: متروك الحديث كان يضع الحديث، وقال البخاري: تركوه، وقال أبو داود والنسائي
والدارقطني: ضعيف، وقال النسائي أيضا: متروك، وقال الترمذي: بضعف، وقال الأزدي: كذاب،
وقال ابن حيان: هو صاحب أشياء موضوعة لا يحل الاحتجاج به.
قال الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب): وقال ابن البرقي عن ابن معين: ضعف، وقال
عثمان بن سعيد عن ابن معين: لا أعرفه أيضا منكر الحديث، وكذا قال ابن عدي، وقال أبو حاتم: كان
عند أحمد بن يونس عنه شئ، فلم يحدث عنه على عمد. (تهذيب التهذيب): 8 / 143،
ترجمة رقم (288).
20
وأما وقت لبسه صلى الله عليه وسلم وما يقوله عند اللبس
فخرج ابن حيان من حديث عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، حدثنا
عبد الله بن أبي الأسود قال: سمعت أنسا يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة (1).
وخرج أبو عيسى الترمذي عن عبد الله بن المبارك، عن سعيد الجريري،
عن أبي بصرة، عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا
سماه باسمه، عمامة، أو قميصا، أو رداء، ثم يقول: اللهم لك الحمد كما
كسوتنيه، أسألك خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره، وشر ما
صنع له (2).



(1) (إتحاف السادة المتقين): 8 / 256، (كنز العمال): 7 / 119، حديث رقم (18268)، وعزاه إلى
الخطيب البغدادي عن أنس رضي الله عنه، (تاريخ بغداد): 4 / 136 - 137 في ترجمة أحمد بن
الخطاب بن الهيثم رقم (1817)، قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، وعنبسة مجروح، قال ابن
حيان: والأنصاري يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به. (العلل المتناهية):
2 / 682 حديث رقم (1134) في لبس الثوب الجديد يوم الجمعة.
(2) (سنن الترمذي): 4 / 210، كتاب اللباس، باب (29) ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا، حديث رقم
(1767)، ثم قال: وفي الباب عن عمر وابن عمر: حدثنا هشام بن يونس الكوفي، حدثنا القاسم بن
مالك المزني عن الجريري نحوه، وهذا حديث حسن غريب صحيح، (الشمائل المحمدية): 70 - 73،
حديث رقم (61)، (62)، (كنز العمال): 7 / 118 - 119، حديث رقم (18267)، وعزاه إلى
الإمام أحمد وأبي داود والحاكم، (إتحاف السادة المتقين): 8 / 256، كتاب آداب المعيشة وأخلاق
النبوة، (مسند أحمد): 3 / 448، حديث رقم (11077) من مسند أبي سعيد الخدري، (طبقات
ابن سعد): 1 / 460، ذكر قناعته صلى الله عليه وسلم بثوبه ولباسه القميص وما كان يقول إذا لبس ثوبا عليه، ثم
قال بعد أن ذكر حديث الباب حديثا آخر: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي، أخبرنا سفيان عن ابن
أبي ليلة، عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوبا، أو قال: إذا
لبس أحدكم ثوبا فليقل: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي، (سنن أبي
داود): 4 / 309، كتاب اللباس، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (4020)، ثم قال: قال
أبو نضرة: فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدكم ثوبا جديدا قيل له: تبلى ويخلف الله تعالى،
(الإحسان): 12 / 239، كتاب اللباس وآدابه، ذكر ما يقول المرء عند كسوته ثوبا استجده، حديث
رقم (5420)، (أخلاق النبي): 102 من طريق حماد ابن أسامة، 103 من طريق عبد الوهاب بن
عطاء الخفاف، 104 من طريق عبد الله بن المبارك، (الإحسان): 12 / 240، كتاب اللباس وآدابه،
ذكر ما يجب على المرء أن يبتدئ بحمد الله جل وعلا عند سؤاله ربه جل وعلا ما ذكرناه، حديث رقم
(5421).
وقد أعله أبو داود بقوله: " عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيه أبا سعيد، وحماد بن سلمة قال عن
الجريري عن أبي العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحماد بن سلمة والجريري سماعهما واحد، وقال الحافظ ابن
حجر في (النكت الظراف): والمقصد أن حماد بن سلمة وعبد الوهاب الثقفي سماعهما قديم قبل
اختلاط الجريري، وقد أرسلا الحديث، أما باقي الرواة، فلم أر هذا الحديث موصولا من طريق القدماء
عن الجريري، أمثال شعبة، والثوري، والحمادان، وابن عليه، ومعمر، وعبد الوارث، وعبد الوهاب
الثقفي، وغيرهم، وكذلك كل من أدرك أيوب، فسماعه من الجريري جيد.
وقال الحافظ ابن حجر في (نتائج الأفكار): وكل من ذكرناه سوى حماد والثقفي سمعوا من
الجريري بعد اختلاطه، فعجب من الشيخ (النووي) كيف جزم بأنه حديث صحيح، ويحتمل أن
يكون صحيح المتن لمجيئه من طريق آخر حسن أيضا.
وقد صحح بعضهم هذا الإسناد باعتبار أن خالد الواسطي روى له الشيخان في صحيحهما، لكن
قال الحافظ ابن حجر في (هدى الساري مقدمة فتح الباري) عن رواية خالد الجريري: ولم يتحرر لي
أمره إلى الآن، هل سمع منه قيل الاختلاط أو بعده، لكن حديثه عنه بمتابعة بشر بن المفضل
كلاهما عنه.
ثم ذكر في (نتائج الأفكار) ضمن الرواة في الحديث المذكور، ثم قال: " وكل من ذكرناه سوى
حماد والثقفي سمعوا من الجريري بعد اختلاطه "، ثم جزم الحافظ ابن حجر بأنه سمع من الجريري بعد
الاختلاط، فقال في (الفتح): عن سعيد الجريري: " واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد
اختلاطه، وخالد منهم ".
وأخرجه ابن أبي شيبة في (الكتاب المصنف): 5 / 198 - 199 باب (54)، ما يقول الرجل إذا
لبس الثوب الجديد، بسياقات وروايات مختلفة، حديث رقم (25079)، (25080)،
(25081)، (25082)، (25083)، (25084)، (25085) وأخرجه الحاكم في
(المستدرك): 4 / 213، كتاب اللباس، حديث رقم (7408)، وقال: هذا حديث صحيح على
شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص): على شرط مسلم، حديث رقم
(7409) بسياقة أخرى وسند آخر، وقال الحافظ
الذهبي في (التلخيص): أبو مرحوم ضعيف، وهو عبد الرحيم بن ميمون.
21
وخرج الحاكم من حديث إسحاق بن سعيد، حدثنا أبي، حدثتني أم
خالد بنت خالد قالت: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة،
فقال: من ترون أكسو هذه، فسكت القوم، فقال: ائتوني بأم خالد، قالت:
فأتي بي، فألبسنيها بيده وقال: إبلي وأخلقي - بقولها مرتين - وجعل ينظر
إلى علم في الخميصة أصفر وأحمر ويقول: يا أم خالد، هذا سنا، والسنا
بلسان الحبشة: الحسن (1). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين (ولم يخرجاه) (2).



(1) (المستدرك): 4 / 209، كتاب اللباس، حديث رقم (7392)، مختصرا عن (خ)، وقال الذهبي
في (التلخيص): على شرط البخاري ومسلم.
(2) زيادة للسياق من المستدرك).
وأخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب (32) ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا، حديث رقم
(5845)، وقال في آخره: قال إسحاق: حدثتني امرأة من أهلي أنها رأته على أم خالد.
قوله: " أبلي وأخلقي "، " أبلي " بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام، أمر بالإبلاء، وكذا
قوله: " أخلقي " بالمعجمة والقاف أمر بالإخلاق، والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء
للمخاطب بذلك، أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق.
قال الخليل: أبل وأخلق معناه: عش وخرق ثيابك وارقعها، وأخلقت الثوب أخرجت باليه
ولفقته. ووقع في رواية أبي زيد المرزوي عن الفريري: " وأخلفي " بالفاء، وهي أوجه من التي بالقاف،
لأن الأولى تستلزم التأكيد، إذا الإبلاء والإخلاق بمعنى، لكن جاز العطف لتغاير اللفظين، والثانية
تفيد معنى زائدا، وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره، وعلى ما قال الخليل لا تكون التي بالقاف للتأكيد،
لكن التي بالفاء أيضا أولى.
ويؤيدها ما أخرجه أبو داود (في السنن): 4 / 311، كتاب اللباس، باب (2) فيما يدعى لمن
لبس ثوبا جديدا، حديث رقم (4024) بسند صحيح عن أبي نضرة قال: " كان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له: تبلى ويخلف الله " ووقع في رواية أبي الوليد " أبلى
وأخلقي " مرتين.
والسنا بلسان الحبشية: الحسن، وفي رواية خالد بن سعيد: سنه سنه، وهي بالحبشية: حسن.
وذكره البخاري أيضا في باب (32) ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا من كتاب اللباس، حديث
رقم (5845)، وفي كتاب الأدب، باب (17) من ترك صبية غيره حتى تلعب به أو قبلها أو
مازحها، حديث رقم (5993)، وفي كتاب الجهاد، باب (188) من تكلم بالفارسية والرطانة،
حديث رقم (3071)، وفي كتاب مناقب الأنصار، باب (37) هجرة الحبشة، حديث رقم
(3874).
23
وخرج الخطيب أبو بكر من حديث داود بن بكر، أخبرنا محمد بن عبد
الله الأنصاري، أخبرنا عنبسة عن عبد الله بن أبي الأسود، عن أنس بن
مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة (1).



(1) (تاريخ بغداد): 4 / 136 - 137، في ترجمة أحمد بن الخطاب بن الهيثم، رقم (1817)، وقد
سبق تخريجه.
24
وأما الخف
فقد خرج الترمذي في كتاب (الشمائل)، من حديث وكيع عن دلهم
بن صالح، عن حجين بن عبد الله، عن أبي بريدة عن أبيه، أن النجاشي،
أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح
عليهما (1) (وصلى).
وقد ثبت في (صحيح البخاري ومسلم)، و (سنن أبي داود)،
(والترمذي)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين (2).
فرواه عبد الله بن عمر عن سعد أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على
الخفين، ورواه جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، أن أباه أخبره أنه رأى النبي
صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين (2).
ورواه أبو وائل عن حذيفة بن اليمان قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فبال
على سباطة قوم - يعني كناسة - ثم تنحى فأتيته بماء فتوضأ، ومسح على
خفيه (2).
ورواه إبراهيم عن همام بن الحارث قال: رأيت جريرا بال ثم توضأ،
ومسح على خفيه، ثم قام فصلي، فسئل فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل
هذا. ورواه المغيرة بن شعبة كما تقدم، وبذلك يثبت أنه كان يلبس
الخفين، صلى الله عليه وسلم (2).



(1) (الشمائل المحمدية): 80 باب (10) ما جاء في خف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (74)، وما بين
الحاصرتين زيادة من (رخ)، وهو حديث حسن، سبق تخرجه في (إمتاع الأسماع): 6 / 391 -
393.
(2) راجع الجزء السادس من (إمتاع الأسماع) باب الجبة.
25
وعن الشعبي قال المغيرة بن شعبة: أهدى (دحية) (1) للنبي صلى الله عليه وسلم خفين
فلبسهما، (وقال إسرائيل عن جابر: وجبة فلبسهما حتى تخرقا لا يدري
النبي صلى الله عليه وسلم أذكى هما أم (2) لا). ذكره أبو عيسى في الشمائل (3).



(1) زيادة للسياق من (الشمائل).
(2) في (خ): " أذكاهما " وما أثبتناه من (الشمائل).
(3) (الشمائل المحمدية): 81، حديث رقم (75)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال أبو
عيسى: وأبو إسحاق هذا هو أبو إسحاق الشيباني واسمه سليمان.
وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن)، كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الجبة والخفين، حديث
رقم (1769) وقال: حسن غريب عن قتيبة بهذا الإسناد سواء.
ورجال الإسناد الأول ثقات، غير الحسن بن عياش، وثقة غير واحد، وقال عنه عثمان بن سعيد
الدارمي: هو من أهل الصدق والأمانة، والشيباني هو سليمان بن أبي سليمان، فالحديث صحيح،
لكن الجزء الآخر منه ضعيف، فإنه من طريق جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف.
وأخرج الشطر الأول منه أبو الشيخ في (أخلاق النبي): 133، من حديث الحسن بن عياش، عن
الشيباني عن عامر به، ثم أخرجه بطوله ص 150، من طريق زهير بن معاوية عن جابر الجعفي، عن
عامر، عن دحية الكلبي به.
26
وأما النعل
فقد ثبت في (صحيح البخاري) و (سنن أبي داود)، من حديث هشام
عن قتادة عن أنس، أن نعل النبي صلى الله عليه وسلم كان له قبالان (1).
وفي رواية للبخاري من حديث عيسى بن طهمان، قال: أخرج إلينا
أنس بن مالك رضي الله عنه نعلين لهما قابلان، فقال ثابت (البناني): (2)
(هذه) (2) نعل النبي صلى الله عليه وسلم (3).
وقال في كتاب (فرض) الخمس من حديث ابن طهمان، أخرج إلينا
أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدثني ثابت البناني يعد أنهما نعلا
رسول الله صلى الله عليه وسلم (4). القبال: زمام النعل.



(1) (فتح) الباري): 10 / 383، كتاب اللباس، باب (41)، قبالان في نعل، ومن رأى قبالا واحدا
واسعا، حديث رقم (5857).
(2) زيادة للسياق من البخاري.
(3) (المرجع السابق): حديث رقم (5858). القبال بكسر القاف وتخفيف الموحدة وآخره لام، هو
الزمام وهو السير الذي يعقد فيه الشسع الذي يكون بين إصبعي الرجل.
(4) (المرجع السابق): 6 / 260 - 261، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم
وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته ومن شعره ونعله
وآنيته مما تبرك من أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3107).
وأخرجه أبو داود في (السنن)، كتاب اللباس، باب في الانتعال، حديث رقم (4134)،
والترمذي في (السنن)، كتاب اللباس، باب ما جاء في نعل النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم (1772)،
(1773)، وقال: حسن صحيح، وأخرجه أيضا في (الشمائل)، 82، باب (11) ما جاء في نعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (76)، وأخرجه النسائي في (السنن)، كتاب الزينة باب صفة نعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (5367)، وأخرجه ابن ماجة في (السنن)، كتاب اللباس، باب صفة
النعال، حديث رقم (3615)، وابن سعد في (الطبقات): 1 / 478، ذكر نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو
الشيخ في (أخلاق النبي): 134.
27
وللإمام أحمد من حديث مطرف بين الشخير، قال: أخبرني أعرابي لنا
قال: رأيت نعل نبيكم صلى الله عليه وسلم مخصوفة (1).
ولابن حيان من حديث ميمون بن بهزان، عن ابن عباس رضي الله
(عنهما) قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نعلان لهما زمامان.
ومن حديث مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه قال لعبد
الله بن عمر: رأيتك تلبس النعال السبتية، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها. قلت: هكذا خرج
ابن حيان هذا الحديث مختصرا.
وقد رويناه في الموطأ من حديث مالك، عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري، عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن،
رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها، قال: ما هن يا ابن
جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال
السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا
الهلال ولم تهلل أنت حتى كان يوم التروية.
فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان، فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم (يمس منها
إلا الركنين اليمانيين، وأما النعال السبتية، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) (2)
يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما
الصفرة، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما



(1) (مسند أحمد): 5 / 628، حديث الأعرابي عن النبي صلى الله عليه وسلم رقم (19554).
(2) ما بين الحاضرين سقط من الناسخ في (خ)، وما أثبتناه من (ج).
28
الإهلال، فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته (1).



(1) أخرجه البخاري في كتاب الطهارة، باب (30) غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على الخفين،
حديث رقم (166)، وكتاب الحج باب (2) قول الله تعالى: (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من
كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم) (الحج: 27)، حديث رقم (1514)، باب (28) من أهل حين
استوت راحلته قائمة، حديث رقم (1552)، باب (9) من لم يستلم إلا الركنين اليمانين، حديث
رقم (1608)، (1609)، كتاب الجهاد والسير، باب (53) الركاب والغرز للدابة، حديث رقم
(2865)، كتاب اللباس، باب (37) النعال السبتية وغيرها، حديث رقم (5851).
ومسلم في كتاب الحج، باب (5) الإهلال من حيث تنبعث الراحلة، حديث رقم (1187).
وأبو داود في (السنن)، كتاب المناسك، باب (21) في وقت الإحرام، حديث رقم (1772)،
كتاب الترجل، باب (19) ما جاء في خضاب الصفرة، حديث رقم (4210).
والنسائي في (السنن)، كتاب الطهارة، باب (95) الوضوء في النعل، حديث رقم (117)،
كتاب الزينة، باب (65)، تصفير اللحية، حديث رقم (5258)، كتاب الحج، باب (56)، العمل
في الإهلال، حديث رقم (2757)، (2758)، (2759).
والترمذي في (الشمائل)، باب (11) ما جاء في نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (79).
وابن ماجة في (السنن)، كتاب اللباس، باب (34) الخضاب بالصفرة، حديث رقم (3626).
ومالك في (الموطأ، كتاب الحج، باب العمل في الإهلال، حديث رقم (738).
وابن سعد في (الطبقات): 1 / 482 في ذكر نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " النعال السبتية " بكسر السين
المهملة وسكون الموحدة ففوقية، أي التي لا شعر فيها، مشتق من السبت وهو الحلق، قاله الأزهري، أو
لأنها سبتت بالدباغ أي لانت.
قال أبو عمرو الشيباني: السبت كل جلد مدبوغ. وقال أبو زيد: جلود البقر مدبوغة أم لا، أو
نوع من الدباغ يقلع الشعر، أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ. وقيل بالسبت بضم أوله، نبت يدبغ به. قاله
صاحب (المنتهى).
وقال الداودي: هي منسوبة إلى موضع يقال له: سوق السبت وقال ابن وهب: كانت سوداء لا
شعر فيها، وقيل: هي التي لا شعر عليها أي لون كانت، ومن أي جلد، بأي دباغ دبغت.
وقال عياض في (الإكمال): الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الذي هو الجلد
المدبوغ أو إلى الدباغة، لأن السين مكسورة، ولو كانت من السبت الذي هو الحلق - كما قال الأزهري
وغيره، لكانت النسبة سبتية بالفتح، ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما
علمت إلا بالكسر، وقال: وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة، وكانت المدبوغة
تعمل بالطائف، ويلبسها أهل الرفاهية.
قوله: " ورأيتك تصبغ " بضم الموحدة، وحكى فتحها وكسرها " بالصفرة " ثوبك أو شعرك،
" ورأيتك إذا كنت " مستقرا " بمكة أهل الناس " أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة
" إذا رأوا الهلال " أي هلال ذي الحجة " ولم تهلل " بلامين بفك الإدغام " أنت حتى يكون " أي يوجد،
وفي رواية كان أي وجد " يوم " بالرفع فاعل يكون التامة (غير مضارع كان الناقصة)، والنصب خبر
على أنها ناقصة " التروية " ثامن ذي الحجة، لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء، أي يحملونه من مكة
إلى عرفات ليستعملوه شربا وغيره، وقيل غير ذلك " فتهل أنت " وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى
يركب قاصدا إلى منى.
قوله: " فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس " وفي رواية: " يستلم "
منها " إلا " الركنين " اليمانيين " بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم، ومسهما واستلامهما مختلف.
فالعراقي مسه وهو استلامه بالتقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود، ثم
رضعه على فيه بلا تقبيل.
واليماني مسه بيده، ثم يضعها على فيه بلا تقبيل، ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين، فليسا على
قواعد إبراهيم، فلم يمسها فالعلة ذلك.
قال القابسي: لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما.
قال ابن القصار: ولد لما بنى الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها، والذي قاله الجمهور
سلفا وخلقا أن الشاميين لا يستلمان.
قال عياض: واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء، وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من
بعض الصحابة وبعض التابعين، ثم ذهب.
وقال بعض العلماء: اختصاص الركنين بين بالسنة، ومستند التعميم بالقياس. وأجاب الشافعي
عن قول من قال: ليس شئ من البيت مهجور بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت، وكيف يهجره
وهو يطوف به؟ ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا، ولو كان ترك استلامهما هجرا لهما لكان استلام ما
بين الأركان هجرا لها، ولا قائل به.
قوله: " وأما النعال السبتية، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر "، أشار
إلى تفسيرها بذلك، وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث: أنها التي لا شعر فيها.
قوله: " ويتوضأ فيها " أي النعال، أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان، قاله النووي، " فأنا أحب
أن ألبسهما " اقتداء به " وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها "،
قال المازري: قيل: المراد صبغ الشعر، وقيل: صبغ الثوب، قال: والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ،
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صبغ شعره.
قال عياض: وهذا أظهر الوجهين، وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته،
واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران. رواه أبو داود، وذكر أيضا في حديث آخر
احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته.
وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به، لا أنه كان يصبغ بها شعره.
وقال ابن عبد البر: لم يكن صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه، وأما الخضاب فلم يكن يخضب،
وتعقبه في (المفهم) بأن في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو
ذو وفرة ردع من حناء، وعليه بردان أخضران. قال الولي العراقي: وكان ابن عبد البر إنما أراد نفى
الخضاب في لحيته صلى الله عليه وسلم فقط.
قوله: وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته "، أي تستوى قائمة
إلى طريقه، قال المازري: ما تقدم جواباته نص في عين ما سئل عنه، ولما لم يكن عنده نص في الرابع
أجاب بضرب من القياس، ووجه أنه لما رآه في حجة من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخر
هو إلى يوم التروية، لأنه الذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره.
وقال القرطبي: أبعد من قال: هذا قياس، بل تمسك بنوع الفعل الذي رآه يفعله، وتعقب بأن ابن
عمر ما رآه أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط، بل رآه أحرم من ذي
الحليفة حين استوت به راحلته، فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات، لأنها ميقات الكائن
بمكة فأحرم يوم التروية، لأنه يوم التوجه إلى منى، والشروع في العمل قياسا على إحرامه صلى الله عليه وسلم من
الميقات حين توجه إلى مكة، فالظاهر قول المازري.
وقد قال ابن عبد البر: جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها، فأخذ بالعمورم في إهلاله صلى الله عليه وسلم، ولم
يخص مكة من غيرها، فكأنه قال: لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت
ومواضع المناسك والشعائر، لأنه صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله، ووافق ابن عمر على هذا جماعة من
السلف، ربه قال الشافعي وأصحابه، وهو رواية مالك. والرواية الأخرى: والأفضل أن يحرم من أول
ذي الحجة.
قال عياض: وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجا من مكة،
وراوية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة، وهو قول أكثر الصحابة والعلماء، ليحصل له من
الشعث ما يساوي من أحرم من الميقات.
قال النووي: والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع، وكلام القاضي وغيره يدل
ذلك.
قال ابن عبد البر: في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب، كان
موجودا في الصحابة، وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف، وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل
فيما سمعوه ورأوه، وفيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض، وما أجمع عليه الصحابة واختلط فيه من
بعدهم، فليس اختلافهم بشئ.
وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة، وأنها حجة على من خالفها، وليس من خالفها حجة عليها،
ألا ترى أن ابن عمر لهم يستوحش من مفارقة أصحابه، إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم
يقل له ابن جريج: الجماعة أعلم به منك، ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم به، بل انقاد
للحق إذ سمعه، وهكذا يلزم الجميع. (شرح العلاقة الزرقاني على موطأ الإمام مالك) 2 / 329 -
332.
29
وخرجه البخاري ومسلم وأبو داود، فذكره البخاري في كتاب الطهارة،
في باب غسل الرجلين في النعلين، وفي كتاب اللباس في باب النعال
السبتية، وذكره مسلم وأبو داود في الحج.
والنعال السبتية: هي السوداء التي لا شعر لها، والسبت: الجلد المدبوغ
بالقرط، وقيل: هو كل جلد مدبوغ، وقيل: السبت هي جلود البقر خاصة،
مدبوغة كانت أو غير مدبوغة، لا يقال لغيرها سبت، وجمعها سبوت.
وقيل: السبت نوع من الدباغ يقلع الشعر، والنعال السبتية كانت من
لباس (وجوه) (1) الناس وأشراف العرب، وهي معروفة عندهم، قد ذكرها
شعراؤهم.
وخرج ابن حيان من حديث شعبه، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن
الصامت، عن أبي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في
نعلين مخصوفتين من جلود البقر..
ومن حديث ثابت بن يزيد عن التيمي قال: أخبرني من أبصر نعل النبي
صلى الله عليه وسلم، له قبالان بعقبين.
ومن حديث عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا



(1) ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (خ)، وما أثبتاه من (ج).
32
لبس نعليه بدأ باليمنى، وإذا خلع خلع اليسرى (1).



(1) (أخلاق النبي): 136 ونحوه باختلاف في اللفظ والسياقة في: (فتح الباري): 10 / 282 -
283، كتاب اللباس، باب (40) ينزع نعله اليسرى، حديث رقم (5856)، (مسلم بشرح
النووي): 14 / 319، كتاب اللباس والزينة، باب (19) استحباب لبس النعل في اليمنى أولا،
والخلع من اليسرى أولا وكراهة المشي في نعل واحدة، حديث رقم (2097)، (سنن أبي داود): 4 /
377 - 378، كتاب اللباس، باب (44) في الانتعال، حديث رقم (4139)، (سنن الترمذي) 4 /
215، كتاب اللباس باب (37) ما جاء بأي رجل يبدأ إذا انتعل، حديث رقم (1779)، (الشمائل
المحمدية): 86، باب ما جاء في نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (85)، (سنن ابن ماجة): 2 /
1995، كتاب اللباس، باب (28) لبس النعال وخلعها، حديث رقم (3616)، (مسند أحمد):
2 / 463، حديث رقم (7139)، 487، حديث رقم (9273)، 229، حديث رقم (9677)،
251، حديث رقم (9833)، 287، حديث رقم (10080).
أما فقه (الحديث) ففيه ثلاث مسائل:
* أحدها: يستحب البداءة باليمنى في كل ما كان من باب التكريم والزينة والنظافة، ونحو ذلك
كلبس النعل والخف والمداس والسراويل والكم وحلق الرأس وترجيله، وقص الشارب ونتف الإبط
والسواك، والاكتحال وتقلم الأظفار، والوضوء والغسل والتيمم، ودخول المسجد، والخروج من الخلاء،
ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الدفع الحسنة، وتناول الأشياء الحسنة، ونحو ذلك.
* الثانية: يستحب البداءة باليسار في كل ما هو ضد السابق في المسألة الأولى، فمن ذلك خلع
النعل والخف والمداس والسراويل والكم، والخروج من المسجد ودخول الخلاء والاستنجاء وتناول أحجار
الاستنجاء، ومس الذكر والامتخاط والاستنثار، وتعاطي المستقذرات وأشباهها.
* الثالثة: يكره المشي في نعل واحدة، أو خف واحد، أو مداس واحد إلا لعذر، ودليله هذه
الأحاديث (إذا انقطع نعل أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها) التي رواها مسلم (وغيره)
قال العلماء: وسببه أن ذلك تشويه ومثله، ومخالف للوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى
فيعسر مشيه، وربما كان سببا للعثار.
وهذه الآداب الثلاثة التي في المسائل الثلاث مجمع على استحبابها، وأنها ليست واجبة (مسلم
بشرح النووي): 14 / 320، باختصار من شرح الحديث رقم (2098).
33
فصل في خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
خرج البخاري من حديث الليث (2) عن نافع، عن عبد الله بن عمر (3)
رضي الله عنه (قال): إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، فكان فصه
في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال:
إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصه من داخل، فرمى به وقال: والله لا
ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم. ذكره في كتاب الأيمان، وترجم عليه
باب من حلف على الشئ وإن لم يحلف (4).
وخرجه مسلم وزاد في حديث عقبة بن خالد، عن عبيد الله عن نافع:



(1) إعلم أن الخاتم يجوز فيه كسر التاء وفتحها أفصح وأشهر. لأنه آلة الختم، وهي ما يختم به، وهي بناء
آلات لذلك، كالقالب والطابع. وحكى فيه طائفة من المتأخرين لغتين أخرتين وهما خاتام وخيتام.
وقد اختلف أهل العلم في لبسه في الجملة، فأباحه كثير من أهل العلم ولم يكرهوه، وهو ظاهر
كلام الإمام أحمد، وهو اختيار أكثر أصحابه - قال في رواية أبي داود وصالح وعلي بن سعيد: ليس
به بأس واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين عن ابن عمر، قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق،
فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، حتى وقع منه في
بئر أريس. (أحكام الخواتم وما يتعلق بها): 38 - 42)، (تهذيب الأسماء واللغات): 3 / 88،.
(لسان العرب): 12 / 163 - 164، (بصائر ذوي التمييز): 2 / 526.
(2) في (خ)، (ج): " ليث " وما أثبتناه من البخاري.
(3) في (خ)، (ج): " عبد الله بن عمر " وفي البخاري: " عن ابن عمر ".
(فتح الباري): 11 / 658، كتاب الأيمان والنذور، باب (6) من حلف على الشئ وإن لم يحلف،
حديث رقم (6651) ولفظه: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب وكان يلبسه، فيجعل فصه في باطن كفه، فصنع الناس خواتيم،
ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال: إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل، فرمى به ثم
قال: والله لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم.
34
وجعله في يده اليمنى (1).
وذكره البخاري من حديث (جويرية) (2) عن نافع، أن عبد الله حدثه أن
النبي صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، وجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه،
فاصطنع الناس خواتيم من ذهب، فرقى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه فقال:
إني كنت اصطنعته، وإني لا ألبسه فنبذه، فنبذ الناس. قال (جويرية) (3):
ولا أحسبه إلا قال: في يده اليمنى. ترجم عليه باب من جعل فص الخاتم
في بطن كفه (4).
وذكره من حديث عبد الله بن مسلم، عن مالك عن عبد الله بن دينار،
عن ابن عمر، (رضي الله عنهما قال): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتما من
ذهب فنبذه، فقال: لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم (5). ذكره في
باب خاتم الفضة (6).
وذكره في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، في باب الاقتداء بأفعال
النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال: اتخذ
النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فقال النبي



(1) (مسلم بشرح النووي): 14 / 310 - 311، كتاب اللباس والزينة، باب (11) تحريم الخاتم الذهب
على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام، حديث عقبة بن خالد الذي يلي الحديث رقم
(2091) (بدون رقم). وفيه بيان ما كانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم عليه من المبادرة إلى
امتثال أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بأفعاله صلى الله عليه وسلم.
(2) في (ج): " جويرة "، وفي (خ) والبخاري: " جويرية ".
(3) في (خ)، (ج): " وما أثبتناه من البخاري.
(4) (فتح الباري): 10 / 399، كتاب اللباس، باب (53) من جعل فص الخاتم في بطن كفه، حديث
رقم (5876).
(5) (فتح الباري): 10 / 391، كتاب اللباس، باب (47) بدون ترجمة، حديث رقم (5867).
(6) كذا في (خ)، (ج) والصواب أنه في باب (47) بدون ترجمة، لكن باب خاتم الفضة رقم (46).
35
صلى الله عليه وسلم: إني اتخذت خاتما من ذهب، فنبذه وقال: إني لن ألبسه أبدا، فنبذ
الناس خواتيمهم (1).
وذكر في باب خواتيم الذهب، من حديث عبيد الله، حدثني نافع عن
عبد الله (رضي الله) (2) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب،
وجعل (3) فصه مما يلي كفه، فاتخذه الناس فرمى به، واتخذ خاتما من ورق
أو فضة (4).
وذكر في باب خاتم الفضة، من حديث عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر
(رضي الله عنهما) (5)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب (- أو
فضة -) (5)، وجعل فصه مما يلي (كفه) (6)، ونقش فيه: محمد رسول الله،
فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (7) قد اتخذوها رمى به
وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة، فاتخذ الناس خواتيم
الفضة (8).
قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان،
حتى وقع من عثمان في بئر أريس (8).



(1) (فتح الباري): 13 / 340، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (4) الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم،
حديث رقم (7298).
(2) زيادة للسياق من البخاري.
(3) في (خ)، (ج): " فجعل "، وما أثبتناه من البخاري.
(4) (فتح الباري): 10 / 387، كتاب اللباس، باب (45) خواتيم الذهب، حديث رقم (5865).
(5) زيادة للسياق من البخاري.
(6) في (خ)، (ج): " في باطن كفه " وما أثبتناه من البخاري.
(7) زيادة من (خ)، (ج) فقط.
(8) (فتح الباري): 10 / 390 - 391، كتاب اللباس، باب (46) خاتم الفضة، حديث رقم (5866).
وأريس: بفتح الهمزة وكسر الراء وبالسين المهملة وزن عظيم، وهي في حديقة بالقرب من مسجد
قباء، وسيأتي لها مزيد بيان في ذكر الآبار التي كان يشرب منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
36
وخرجه أبو داود بهذا الإسناد نحوه وقال فيه: فاتخذ الناس خواتم (1)
الذهب، وبعده قال أبو داود: ولم يختلف الناس على عثمان رضي الله عنه
حتى سقط الخاتم من يده (2).
وللبخاري (3) ومسلم (4) من حديث عبد الله عن نافع عن ابن عمر
(رضي الله عنهما) (5) قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق وكان (6) في
يده، حتى وقع بعد (7) في بئر أريس، نقشه: محمد رسول الله.
لفظ ابن نمير في رواية مسلم: حتى وقع في بئر أريس، لم يقل: منه.
وفي لفظ البخاري: حتى وقع بعد في بئر أريس، ولم يذكر لفظة: بعد، في



(1) في (خ)، (ج): " خواتيم " وما أثبتناه من (سنن أبي داود).
(2) (سنن أبي داود): 4 / 425، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم
(4218).
(3) (فتح الباري): 10 / 397، كتاب اللباس، باب (50) نقش الخاتم، حديث رقم (5873).
(4) (مسلم بشرح النووي): 14 / 311 - 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتما
من ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء من بعده، حديث رقم (54) من أحاديث الباب.
وفيه التبرك بآثار الصالحين ولبس لباسهم، وجواز لبس الخاتم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يورث، إذا لو ورث
لدفع الخاتم إلى ورثته، بل كان الخاتم والقدح والسلاح ونحوها من آثار الضرورية صدقة للمسلمين،
يصرفها ولي الأمر حيث رأى من المصالح، فجعل القدح عند أنس إكراما له لخدمته، ومن أراد التبرك
به لم يمنعه، وجعل باقي الأثاث عند ناس معروفين، واتخذ الخاتم عنده للحاجة التي اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم
لها، فإنها موجودة في الخليفة بعده، ثم الخليفة الثاني، ثم الثالث.
وأما قوله: " نقشه محمد رسول الله " ففيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحب الخاتم، وجواز
نقش اسم الله تعالى: هذا مذهبنا، ومذهب سعيد بن المسيب، ومالك، والجمهور. وعن ابن سيرين
وبعضهم كراهة نقش اسم الله تعالى، وهذا ضعيف. قال العلماء: وله أن ينقش عليه اسم نفسه، أو
ينقش عليه كلمة حكمة، وأن ينقش ذلك مع ذكر الله تعالى (المرجع السابق).
(5) زيادة للسياق من البخاري.
(6) في (خ)، (ج): " فكان "، وما أثبتناه من البخاري.
(7) في (خ)، (ج): " منه "، وما أثبتناه من البخاري.
37
المواضع الثلاثة، قبل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
ولمسلم (1) والنسائي (2) من حديث سفيان بن عيينة، عن أيوب بن
موسى، عن نافع عن ابن عمر قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم
ألقاه، ثم اتخذ خاتما من ورق ونقش فيه: محمد رسول الله وقال: لا ينقش
أحد على نقش خاتمي هذا، وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه،
وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس. اللفظ لمسلم، ولم يقل
النسائي: وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس، وقال: لا ينبغي
لأحد أن ينقش على نقش خاتمي هذا (ثم جعل فصه في بطن كفه) (3).
وللبخاري من حديث ثمامة عن أنس، أن أبا بكر رضي الله عنه لما
استخلف بعثه إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب، وختمه بخاتم النبي
صلى الله عليه وسلم، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله
سطر. ذكره في كتاب الخمس في باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه،
وسيفه، وقدحه، وخاتمه (4).
وذكر في كتاب اللباس، في باب: هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟



(1) (مسلم بشرح النووي): 14 / 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من
ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء من بعده، حديث رقم (55).
(2) (سنن النسائي): 8 / 560، كتاب الزينة، باب (53) نزع الخاتم عند دخول الخلاء، حديث رقم
(5231)، باب (80) موضع الفص حديث رقم (5303).
(3) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
وأخرجه أيضا الترمذي في (الشمائل): 94، حديث رقم (102)، وأبو داود في كتاب الخاتم
باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4219)، وابن ماجة في (السنن): 2 / 1201،
(4) (فتح الباري): 6 / 260، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه،
وسيفه، وقدحه، وخاتمه، وما استعمل الخلفاء، بعد ه من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله
وآنتيته، مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3106).
38
ووصل به: قال أبو عبد الله: وزادني أحمد: أخبرنا الأنصاري (قال) (1):
حدثني أبي ثمامة عن أنس (رضي الله عنه) (1) قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم
في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، (قال) (1):
فلما كان عثمان جلس على بئر أريس (قال) (1): فأخرج (الخاتم) (2) فجعل
يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان (فنزح) (3) البئر فلم
نجده (4).



(1) ما بين الحاصرتين زيادات من (خ)، (ج).
(2) في (خ)، (ج): " الحاكم " وصوبناه من البخاري.
(3) في (خ)، (ج): " ننزح " وصوبناه من البخاري.
(4) (فتح الباري): 10 / 403، كتاب اللباس، باب (55) هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر، حديث
رقم (5879). قال الحافظ في (الفتح): هذه الزيادة موصولة، وأحمد المذكور جزم المزي في
(الأطراف) أنه أحمد بن حنبل، لكن لم أر هذا الحديث في (مسند أحمد) من هذا الوجه أصلا.
(قال محققه: جاء في مسند عبد الله بن عمر: حدثنا عبد الله، حدثنا أبي، حدثنا وكيع، حدثنا
سفيان، ويزيد، قال: أنبأنا سفيان عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال اتخذ: رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما
من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فرمى به وقال: لن ألبسه أبدا، قال يزيد: فنبذ الناس
خواتيمهم، (مسند أحمد): 2 / 165، حديث رقم (5227)، والحديث رقم (5228): عن ابن
عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يجعل فص خاتمه مما يلي بطن كفه، والحديث رقم (133391): عن أنس
قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم فضة فصه منه (مسند أحمد): 4 / 167).
قوله: " فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم نجده " أي في الذهاب والرجوع والنزول إلى
البئر والطلوع منها، ووقع في رواية ابن سعد: " واظبناه مع عثمان ثلاثة أيام فلم نقدر عليه "، قال
بعض العلماء: كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السر شئ مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن سليمان لما
فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي انتقض عليه الأمر، وخرج عليه الخارجون، وكان
ذلك مبدأ الفاتنة التي أفضت إلى قتله، واتصلت إلى آخر الزمان.
قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن يسير المال إذا ضاع يجب البحث في طلبه والاجتهاد في
تفتيشه، وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك لما ضاع عقد عائشة رضي الله عنها وحبس الجيش على طلبه حتى وجد،
كذا قال، وفيه نظر، فأما عقد عائشة فقد ظهر أثر ذلك بالفائدة العظيمة التي نشأت عنه، وهي
رخصة التيمم، فكيف يقاس عليه غيره؟
وأما فعل عثمان، فلا ينهض الاحتجاج به أصلا لما ذكر، لأن الذي يظهر أنه إنما يبالغ في
التفتيش عليه لكونه أثر النبي صلى الله عليه وسلم، قد لبسه واستعمله وختم به، ومثل ذلك يساوي في العادة قدرا
عظيما من المال، وإلا لو كان غير خاتم النبي صلى الله عليه وسلم لاكتفى بطلبه بدون ذلك، وبالضرورة يعلم أن قدر
المؤنة التي حصلت في الأيام الثلاثة تزيد على قيمة الخاتم، لكن اقتضت صفة عظيم قدره، فلا يقاس
عليه كل ما ضاع من يسير المال.
* وفيه أن من فعل الصالحين العبث بخواتيمهم وما يكون بأيديهم وليس ذلك بعائب لهم، قال
الحافظ: وإنما كان كذلك لأن من مثلهم إنما ينشأ عن فكر، وفكرتهم إنما هي في الخير. قال
الكرماني: معنى قوله: " يعبث به " يحركه، أو يخرجه من إصبعه ثم يدخله فيها، وذلك صورة
العبث، وإنما يفعل الشخص ذلك عند تفكره في الأمور.
* وفيه أن من طلب شيئا ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام له أن يتركه، ولا يكون بعد الثلاث مضيعا،
وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات.
* وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها، (فتح الباري):
10 / 404 مختصرا.
39
وله من حديث حماد (بن زيد) (1) عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس
بن مالك (رضي الله عنه) (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من (فضة) (2)،
ونقش فيه: محمد رسول الله، وقال للناس: إني اتخذت خاتما من ورق
ونقشت فيه محمد رسول الله، فلا ينقشن أحد على نقشه (3).



(1) زيادات من (خ)، (ج).
(2) في (خ)، (ج): " من ورق "، وما أثبتناه من البخاري.
(3) (فتح الباري): 10 / 402، كتاب اللباس، باب (54) قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينتقش على نقش خاتمه،
حديث رقم (5877)، وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 201، كتاب اللباس، باب (16)، ما جاء
في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1745)، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن،
ومعنى قوله: لا تنقشوا عليه، نهى أن ينقش أحد على خاتمه " محمد رسول الله "، وأخرج الدارقطني
في (الأفراد)، من طريق سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية قال: أنا صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم خاتما
لم يشركني فيه أحد، نقش فيه محمد رسول الله.
فيستفاد منه اسم الذي صاغ خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ونقشه. وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن ينقش أحد على نقشه
- أي مثل نقشه فقد تقدمت الإشارة إلى الحكمة فيه في باب خاتم الفضة. (فتح الباري):
10 / 402.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق، ثم نقش عليه: محمد رسول الله، ثم قال: لا ينقش أحد على نقش
خاتمي هذا. (المصنف): 5 / 190، كتاب اللباس والزينة، باب (56) نقش الخاتم وما جاء فيه،
حديث رقم (25089)، ومن حديث ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: اصطنع
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما فقال: إنا قد صنعنا خاتما ونقشنا فيه نقشا فلا ينقش عليه أحد. حديث رقم
(25090)، ومن حديث أبي معاوية عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن زيد عن أمه عن حذيفة
قالت: كان في خاتمه كركيان متقابلان بينهما مكتوب: الحمد لله. حديث رقم (25091)، ومن
حديث معاذ عن أشعث عن محمد والحسن قالا: كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم: محمد رسول الله.
حديث رقم (25092)، ومن حديث وكيع قال: حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: كان
خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة فيه: محمد رسول الله. حديث رقم (25110).
قال ابن رجب الحنبلي في كتاب (أحكام الخواتم وما يتعلق بها): ونذكر ها هنا جملة من نقوش
خواتيم الأكابر والأعيان، مما نقله أهل السير والتواريخ، وذكره أبو عبد الله معمر بن الفاخر الأصبهاني،
وذكر أن بعض غرائبه من كتاب حمزة بن يوسف (الجرجاني) في الخواتيم وغير ذلك:
* أما خاتم النبي صلى الله عليه وسلم فكان نقشه: محمد رسول الله، هذا هو الصحيح كما تقم وروي أن أول الأسطر
كان اسم الله، ثم في الثاني رسول، ثم في الثالث محمد، وروي أن نقش خاتم سليمان: لا إله إلا الله
محمد رسول الله، وروي أن الله سبحانه أمر موسى أن ينقش على خاتمه: لكل أجل كتاب.
وكان أبو بكر رضي الله عنه يتختم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخاتمه. وقيل: كان له خاتم نقشه: نعم
القادر الله (أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار): 4 / 264، كتاب الكراهية، باب نقش
الخواتيم).
وكذلك عمر رضي الله عنه. تختم بخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر، وقيل كان له خاتم نقشه:
كفى بالموت واعظا.
وكان عثمان يتختم بخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين من خلافته حتى سقط منه، فاتخذ خاتما من
فضة، وفصه منه نقشه: آمنت بالذي خلق فسوى.
وكان نقش خاتم علي رضي الله عنه: الله الملك الحق المبين. وقيل: الملك لله الواحد القهار. وقيل:
الله الملك وعلي عبده.
وخاتم ابنه الحسن: الله أكبر وبه استعنت. وقيل: العزة لله. وقيل: لا إله إلا هو الحي القيوم الملك
الحق المبين.
وخاتم أخوه الحسين: إن الله بالغ أمره.
وقد ذكر أهل التواريخ والسير ما نقله أبو عبد الله القضاعي وغيره، أن عثمان لما سقط منه خاتم
النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة فصه منه ونقش عليه: آمنت بالذي خلق فسوى. وقيل: لتبصرن أو
لتندمن.
وأن عليا رضي الله عنه كان نقش خاتمه: الملك لله الواحد القهار.
وروى وكيع بإسناده في كتاب اللباس، عن خلدة بن دينار عن أبي العالية، قال: قلت له: إيش
كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم قال: صدق الله، ألحق الخلفاء بعده: محمد رسول الله.
وروى ابن عدي من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية، قال:
أنا صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما لم يشركني، فيه أحد، ونقشته: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (أخرجه
الدارقطني في (الأفراد) ونقله عنه الحافظ في (الفتح)).
وكان نقش خاتم معاوية: لكل عمل ثواب، وقيل: لا قوة إلا بالله.
وكان نقش خاتم ابنه يزيد: ربنا الله. وابنه معاوية: إنما الدنيا غرور.
وكان نقش خاتم عبد الله بن الزبير: أبو حبيب العائذ بالله. وقيل: رب نجني من النار.
ونقش خاتم مروان بن الحكم: الله ثقتي ورجائي. وقيل: آمنت بالله العزيز الحكيم. ونقش خاتم ابنه
عبد الملك: آمنت بالله مخلصا. ونقش خاتم ابنه الوليد: يا وليد أنت ميت. ونقش خاتم أخيه
سليمان: آمنت بالله مخلصا. وقيل أومن بالله مخلصا.
وكان نقش خاتم عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه: عمر بن عبد العزيز يؤمن بالله. وقيل:
لكل عمل ثواب. وقيل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وقيل: اغز غزوة تجادل عنك يوم القيامة.
وقيل: الوفاء عزيز.
وكان نقش خاتم يزيد بن عبد الملك: قنى الحساب. وقيل: السيئات يا عزيز. وقيل: بالله
استعنت، وكان لأخيه خاتم نقشه: الحكم للحكم الحكيم.
وكان خاتم الوليد بن يزيد: بالعزيز يثق الوليد. وقيل: يا وليد إنك ميت.
ونقش خاتم يزيد بن الوليد بن عبد الملك: يا يزيد قم بالحق تصبه ولأخيه إبراهيم بن الوليد:
40




توكلت على الحي. وعلى خاتم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر ملوك بني أمية في الشام:
أذكر الموت يا غافل.
وكان نقش خاتم السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب: الله ثقة
عبد الله وبه يؤمن. ونقش خاتم أخيه المنصور - واسمه عبد الله أيضا -: الله ثقة عبد الله وبه يؤمن،
وقيل: الحمد لله. ونقش خاتم ابنه المهدي: حسبي الله. وقيل: رضيت بالله ربا وقيل: الله ثقة محمد بن
عبد الله. ونقش خاتم ابنه موسى الهادي: الله ربي. وقيل: بالله أثق. وقيل: الله ثقة موسى.
وكان خاتم أخيه الرشيد: هارون كن من الله على حذر. ونقش خاتم ابنه الأمين: لكل عمل ثواب.
وقيل: حسبي القادر. ونقش خاتم أخيه المأمون: سل الله يعطك. ونقش خاتم أخيه المعتصم: الله ثقة
محمد بن الرشيد وبه يؤمن. ونقش خاتم أخيه المتوكل: على إلهي اكالى. وقيل: على الله توكلت.
ونقش خاتم ابنه المنتصر: يؤتى الحذر من مأمنه. وقيل: أنا من آل محمد، وقيل: الله ولي محمد.
وقيل: محمد بالله ينتصر.
وعلى خاتم المستعين أحمد بن المعتصم: في الاعتبار غنى عن الاختيار، وقيل: أحمد بن محمد،
وعلى خاتم المعتز بن المتوكل: الحمد لله رب كل شئ وخالق كل شئ، وقيل: المعتز بالله، وقيل:
رضيت بالله.
وعلى خاتم المهتدي بن الواثق رحمه الله: من تعدى الحق ضاق مذهبه.
وعلى خاتم أحمد بن المتوكل: السعيد من وعظ بغيره، وقيل: اعتمادي على الله.
وعلى خاتم المعتضد أحمد بن الموفق بن المتوكل: أحمد استكفى ربه. وقيل: الاضطرار يزيل
الاختيار.
وعلى خاتم ابنه المكتفي علي: بالله علي بن أحمد يثق، وقيل: على يتوكل على ربه. وقيل:
المكتفي آمن.
وعلى خاتم أخيه المقتدر جعفر: الحمد لله الذي ليس كمثله شئ وهو خالق كل شئ. وقيل: الله
ولي المؤمنين، وقيل: المقتدر بالله.
وعلى خاتم أخيه القاهر: محمد رسول الله.
وعلى خاتم الراضي بن المقتدر وأخيه المتقي: المتقي لله.
وروى الخطيب في تاريخه أن المعتز. والمتوكل كل منهما كان له خاتمان، نقش أحدهما: محمد
رسول الله، والآخر عليه اسمه.
وعلى خاتم المستكفي بن المكتفي: علي بن أحمد المستكفي بالله.
وعلى خاتم المطيع بن المقتدر: المطيع لله، وعلى خاتم له آخر: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وعلى
خاتم ابنه الطائع والقادر أحمد بن إسحاق بن المقتدر: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقيل: حسبنا الله
ونعم الوكيل.
قال ابن النجار في (تاريخ بغداد): بلغني أن نقش خاتم الخليفة الظاهر لأمر الله محمد بن الناصر:
راقب العواقب.
قال ابن رجب: فهذا ما انتهى إلينا الآن من ذكر نقوش خواتم الخلفاء. وأما خواتم غيرهم من
الصحابة والتابعين والأئمة، فقد روى أن الزبير كان نقش خاتمه: ثقتي بالرحمن. ونقش خاتم أويس
القرني: كن على حذر من الله.
وعلى خاتم الحسن البصري: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وعلى خاتم النخعي: نحن بالله وله. وعلى
خاتم الشعبي: الله ولي الخلق، وعلى خاتم طاووس أعبد الله مخلصا. وعلى خاتم الزهري: محمد يسأل
العافية. رواه أبو نعيم في (الحلية). وعلى خاتم هشام بن عروة: رب زدني علما. وعلى خاتم مالك بن
أنس: حسبنا الله ونعم الوكيل. وعلى خاتم الشافعي: بالله ثقة محمد بن إدريس. وعلى خاتم الربيع بن
سليمان: الله ثقة الربيع بن سليمان.
وكان خاتم نقش خاتم أبي مسهر: أبرمت فقم، فإذا استثقل أحدا ختم به طينة ثم رماها إليه
فيقرأها.
وروى أبو نعيم في (الحلية) من طريق ابن عائشة (بنت طلحة) عن أبيه قال: بلغ عمر بن عبد
العزيز رضي الله عنه أن ابنا له اشترى فصا بألف درهم، فكتب إليه عمر: عزيمة مني عليك لما بعت
الفص الذي اشتريت بألف درهم، وتصدقت بثمنه، واشتريت فصا بدرهم، ونقشت عليه: رحم الله
أمرا عرف قدره.
وعن الأوزاعي قال: نقش رجل على خاتم: عمر بن عبد العزيز، فحبسه خمس عشرة ليلة، ثم
خلى سبيله.
ونقش بعض العارفين على خاتمه: ولعل طرفك لا يدور وأنت تجمع للدهور.
ونقش بعضهم على خاتمه: وإن أمرا دنياه أكبر همه استمسك منها بحبل غرور.
وكان خاتم أبي عبيدة بن الجراح: الخمس لله. وأخرج الطحاوي في (شرح معاني الآثار) 4 / 264،
قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا شعبة عن قتادة قال: كان نقش قال: كان نقش خاتم أبي عبيدة بن الجراح:
الحمد لله. (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها): 110 - 144 باختصار.
هذا، ويتعلق بالخاتم مسائل كثيرة، يذكرها الفقهاء متفرقة في أبواب الفقه، ذكر ما تيسر منها على
ترتيب أبواب الفقه ابن رجب الحنبلي في (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها)، وهي:
1 - دخول الخلاء بخاتم عليه ذكر الله. 2 - مس المحدث الخاتم نقش عليه القرآن.
3 - تحريك المتوضئ أو المغتسل للخاتم. 4 - من استنجى وفي يده خاتم.
5 - الصلاة في الخاتم المحرم. 6 - عدد الآي والركعات في الصلاة بالخاتم.
7 - نزع الخاتم من يد الميت. 8 - الزكاة فيما يلبس الرجل من خاتم الفضة.
9 - رمي الجمرة بفص من حجر. 10 - بيع الخواتيم.
11 - شراء الخاتم بفضه. 12 - السلم في الخواتيم.
13 - استصناع الخواتيم. 14 - الأرش في الخواتيم.
15 - استئجار الخواتيم. 16 - وقف الحلي.
17 - من أتلف خاتما لغيره. 18 - الشفعة في الخواتيم.
19 - وديعة الخواتيم. 20 - اللقطة في الخواتيم.
21 - سرقة الخواتيم. 22 - الهبة في الخواتيم.
وبسط القول في شرح هذه الفصول في (المرجع السابق).
40
وخرجه مسلم (وقال): إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة ونقش
فيه: محمد رسول الله، وقال للناس: إني اتخذت خاتما من فضة (1).
وللبخاري (2) ومسلم (3) من حديث محمد بن شهاب، أن أنس بن
مالك (رضي الله عنه)، أخبره أنه رأى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق
يوما واحدا، ثم إن الناس اضطربوا الخواتم.
وقال البخاري: اصطنعوا الخواتم من ورق فلبسوها، فطرح النبي صلى الله عليه وسلم
خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم.
قلت: هكذا في رواية ابن شهاب، اتخذ خاتما من ورق ثم نبذه، فنبذ
الناس خواتيمهم. قال ابن عبد البر: وهذا غلط عند أهل العلم، والمعروف
أنه إنما نبذ خاتما من ذهب لا من ورق (4).
وحديث ابن شهاب هذا، رواه عنه إبراهيم بن سعد، ويونس بن يزيد،



(1) (مسلم بشرح النووي): 14 / 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12)، لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من
ورق نقشه: محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده، حديث رقم (2092).
(2) (فتح الباري): 10 / 391، كتاب اللباس، باب (47) بدون ترجمة، حديث رقم (5868).
(3) (مسلم بشرح النووي): 14 / 314، كتاب اللباس والزينة، باب (14) في طرح الخواتم، حديث رقم
(2093).
(4) أنظر كتاب اللباس من (صحيح البخاري)، باب (45) خواتيم الذهب، وكتاب اللباس والزينة من
(صحيح مسلم)، باب (11) تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول
الإسلام.
45
وموسى بن عقبة، وعبد الله بن أبي عتيق. والمحفوظ في هذا الباب عن
أنس، غير ما قال ابن شهاب، كما تقدم ذكره من رواية جماعة من أصحابه
عنه، وتأوله بعضهم فقال: طرح الناس خواتيمهم يعني من الذهب (1).
(وذكر ابن سعد عن مغيرة، عن فرقد عن إبراهيم قال: كان خاتم رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) من حديد ملوي عليه فضة (2)، وعن محمد بن راشد عن
مكحول، أن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من حديد ملوي عليه فضة غير أن
فصه بادي) (3).
(أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا إسحاق عن سعيد، أن خالد بن سعيد،
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يده خاتم له، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما هذا
الخاتم؟ فقال: خاتم اتخذته، فقال: اطرحه إلي، فطرحه، فإذا خاتم من
حديد ملوي عليه فضة، فقال: ما نقشه؟ فقال: محمد رسول الله، قال:
فأخذه رسول الله فلبسه، فهو الذي كان في يده) (4).
(أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكي، أخبرنا عمرو بن يحيى بن
سعيد القرشي عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص - حين قدم
من الحبشة - على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟
قال: هذه حلقة يا رسول الله، (قال: فما نقشها؟ قال: محمد رسول
الله) (5)، قال: فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتختمه، فكان (في يده) (6) حتى



(1) راجع التعليق السابق.
(2) (طبقات ابن سعد): 1 / 474، وذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الملوي عليه فضة.
(3) (المرجع السابق): 473 - 474، وقال: " غير أن فصه باد ".
(4) (المرجع السابق): 474.
(5) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(6) في (خ)، " بيده "، وما أثبتناه من (المرجع السابق).
46
قبض، ثم في يد عمر حتى قبض، ثم (لبسه) (1) عثمان، فبينا هو يحفر
بئرا لأهل المدينة، يقال له بئر أريس، (فبينا) (2) هو جالس على شفتها يأمر
بحفرها، سقط الخاتم في البئر، وكان عثمان يكثر إخراج خاتمه من يده
وإدخاله، فالتمسوه فلم يقدروا عليه) (3).
(أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا عبد الله بن وهب، عن أسامة بن زيد،
أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، حدثه أن معاذ بن جبل لما قدم
من اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، قد م وفي يده خاتم من ورق،
نقشه: محمد رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخاتم؟ قال: يا
رسول الله، إني كنت أكتب إلى الناس، فأفرق أن يزاد فيها وينقص منها،
فاتخذت خاتما أختم به، قال: وما هو؟ قال: محمد رسول الله، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: آمن كل شئ من معاذ بن جبل حتى خاتمه! ثم أخذه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فتختمه) (4).
(وقال الصولي: سقط خاتم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من يد أنصاري كان دفعه
إليه عثمان (رضي الله عنه) ليطبع به الكتب عنه، وكان فصه منه، فجعل
عثمان (رضي الله عنه) فيمن يخرجه مالا عظيما، فلم يقدر عليه، فلما
يئس منه عمل له مثله، ونقش فيه: محمد رسول الله).



(1) في (خ)، " ثم كان في يد "، وما أثبتناه من (المرجع السابق).
(2) في (خ)، " فبينما "، وما أثبتناه من (المرجع السابق).
(3) (طبقات ابن سعد): 1 / 474.
(4) (المرجع السابق): 476.
47
وأما فص خاتمه صلى الله عليه وسلم
فخرج البخاري من حديث حميد عن أنس (رضي الله عنه) أن نبي الله
صلى الله عليه وسلم كان خاتمه من فضة، وكان فصه منه (1). وخرجه أبو داود ولفظه: كان
خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة كله، فصه منه (2).
ولمسلم من حديث يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: حدثني أنس
ابن مالك رضي الله عنه قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورق، وكان فصه
حبشيا (3).
وخرجه أبو داود وليس إسناده بالقوي. قال ابن عبد البر:



(1) (فتح الباري): 10 / 395، كتاب اللباس، باب (48) فص الخاتم، حديث رقم (5870).
(2) (سنن أبي داود): 4 / 424، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم
(4217)، وأخرجه الترمذي في السنن في كتاب اللباس، باب ما يستحب من فص الخاتم، حديث
رقم (1740)، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأخرجه أيضا في (الشمائل): 89،
حديث رقم (90) وأخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب صفة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(5295)، وأخرجه ابن رجب الحنبلي في (أحكام الخواتم وما يتعلق بها): 58 مطولا، وأبو الشيخ
في (أخلاق النبي): 130، والإمام أحمد في (المسند): 4 / 167، حديث رقم (13391)، وابن
سعد في (الطبقات): 1 / 472.
(3) (مسلم بشرح النووي): 14 / 315، كتاب اللباس والزينة، باب (15) في خاتم الورق فصه
حبشي، حديث رقم (2094).
قوله: " وكان فصه حبشيا، قال العلماء: يعني حجرا حبشيا، أي فصا من جزع أو عقيق، فإن
معدنهما بالحبشة واليمن، وقيل: لونه حبشي أي أسود، وجاء في صحيح البخاري من رواية حميد
عن أنس أيضا: " فصه منه ". قال ابن عبد البر: هذا أصح، وقال غيره: كلاهما صحيح، وكان لرسول
الله صلى الله عليه وسلم في وقت: خاتم فصه منه، وفي وقت: خاتم فصه حبشي، وفي حديث آخر: فصه من عقيق.
(المرجع السابق): 316.
48
فإنه من رواية إسماعيل بن أبي أويس عن يونس، وفي رواية الثقات: فصه
منه (1).
وفي لفظ مسلم من رواية طلحة بن يحيى (وهو الزرقاني ثم الزرقي) (2)،
عن يونس، (عن شهاب عن أنس بن مالك (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس
خاتم فضة من يمينه، فيه فص حبشي، كان يجعل فصه مما يلي كفه (3). قال
أبو الحسن الدارقطني: هذا حديث محفوظ عن يونس، حدث به الليث،
وابن وهب، وعثمان بن عمرو، وغيرهم عنه، لم يذكروا: في يمينه. والليث
وابن وهب أحفظ من سليمان ومن طلحة بن يحيى، ومع ذلك فالراوي عن
سليمان إسماعيل بن أويس، وهو ضعيف لا يحتج بروايته إذا انفرد عن
سليمان ولا عن غيره.
وأما طلحة بن فسيح، والليث وابن (وهب) ثقتان متقنان صاحبا
كتاب، فلا يقبل زيادة ابن أبي أويس عن سليمان، إذا انفرد بها، وقد رواه



(1) وأخرجه أبو داود في (السنن): 4 / 424، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث
رقم (4216)، والترمذي في (السنن): 4 / 199، كتاب اللباس، باب (14)، ما جاء في خاتم
الفضة، حديث رقم (1739)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأخرجه في
(الشمائل): 88، باب (12)، ما جاء في ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (88)، والنسائي
في (السنن): 8 / 578، كتاب الزينة باب (78) صفة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ونقشه، حديث رقم
(5292)، (5294)، وابن ماجة في (السنن): 2 / 1201، كتاب اللباس، باب (39) نقش
الخاتم، حديث رقم (3641)، وباب (41) من جعل فص خاتمه مما يلي كفه، حديث رقم
(3646)، كلهم من طريق يونس بن يزيد عن الزهري.
وأخرجه ابن سعد في (الطبقات): 1 / 472، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي): 129، وأحمد
في (المسند): 4 / 72، حديث رقم (12771)، 4 / 100، حديث رقم (12945).
(2) زيادة للسياق من (صحيح مسلم).
(3) (مسلم بشرح النووي): 14 / 315، كتاب اللباس والزينة باب (15) في خاتم الورق فصه حبشي،
حديث رقم (62).
49
جماعة عن الزهري حفاظا، لم يقل منهم أحد: في يمينه، منهم: عقيل،
وشعيب، وابن مسافر، وإبراهيم بن سعد، وموسى بن عقبة، وابن أبي
عتيق، وابن أخي الزهراء. انتهى.
وذهب بعضهم إلى أنه كان له عليه السلام في وقت خاتم فصه منه، وفي
وقت خاتم فصه حبشي. وفي حديث آخر: فصه من عقيق (1).
وصحح قوم حديث ابن أبي أويس في التختم في يمينه، بأنه احتج به
البخاري ومسلم ومعه جماعة، ووافقه طلحة وسليمان عليها (وكون
الأكثرين لم يذكروها لا يمنع صحتها) (2). فلم ينفرد ابن أويس بروايتها،
وزيادة الثقة مقبولة.



(1) (المرجع السابق): 316.
(2) زيادة للسياق من (صحيح مسلم).
50
وأما سبب اتخاذ الخاتم
فقد خرج البخاري ومسلم من حديث شعبه عن قتادة، عن أنس قال:
لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا أن
يكون مختوما، قال: فاتخذ خاتما من فضة، كأني أنظر إلى بياضه في يد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقش فيه: محمد رسول الله، ولفظ مسلم: نقشه: محمد
رسول الله. ذكره البخاري في كتاب الأحكام، في باب: الشهادة على
الخط (1)، وفي اللباس (2) وفي الجهاد، في باب: دعوة اليهود والنصارى
وعلى ما يقاتلون عليه (3). ولفظه في اللباس: إنهم لن يقرءوا كتابك إذا لم
يكن مختوما (4)، وذكره في كتاب العلم، في باب: ما يذكر في المناولة،
وكتاب أهل العلم إلى البلدان، ولفظه: كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتابا، أو أراد أن
يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما من فضة،



(1) (فتح الباري) 13 / 175، كتاب الأحكام، باب (15) الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من
ذلك، وما يضيق عليه، وكتاب الحاكم إلى عماله، والقاضي إلى القاضي، حديث رقم (7162).
(2) (المرجع السابق): 10 / 397، كتاب اللباس، باب (50) نقش الخاتم حديث رقم (5872).
(3) (المرجع السابق): 6 / 134، كتاب الجهاد والسير، باب (101)، دعوة اليهود والنصارى، وعلى ما
يقاتلون عليه؟ وما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، والدعوة قيل القتال، حديث رقم (2938)،
وقد ثبت كما قال الحافظ في (الفتح) (كتاب المغازي): أن المبعوث به كان عبد الله بن حذافة
السهمي. وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة وأن الكتابة تقوم مقام النطق. وفيه إرشاد
المسلم إلى الكافر، وأن العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل، ولهذا مزق كسرى الكتاب ولم
يتعرض للرسول. (المرجع السابق) تعليقا على الحديث رقم (2939) بشأن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
كسرى.
(4) (المرجع السابق): 10 / 398، كتاب اللباس، باب (52)، اتخاذ الخاتم ليختم به الشئ، أو ليكتب
به إلى أهل الكتاب وغيرهم، حديث رقم (5875).
51
نقشه: محمد رسول الله، كأني أنظر إلى بياضه في يده (1).
ولمسلم من حديث هشام عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد
أن يكتب إلى العجم فقيل له: إن العجم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم،
فاصطنع خاتما من فضة، قال: كأني أنظر إلى بياضه في يده (2).
ومن حديث خالد بن قيس عن قتادة، عن أنس (رضي الله عنه) أن
النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل: إنهم لا
يقبلون كتابا إلا بخاتم، فصاغ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (3) خاتما حلقة فضة،
ونقش فيه: محمد رسول الله (4).



(1) (المرجع السابق): 1 / 206، كتاب العلم، باب (7) ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم
إلى البلدان، حديث رقم (65)، ويعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في هذا الباب لينبه على
أن شرط العمل بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما ليحصل الأمن من توهم تغييره، لكن قد يستغنى
عن ختمه إذا كان الحامل عدلا مؤتمنا. (المرجع السابق).
(2) (مسلم بشرح النووي): 14 / 313 - 314، كتاب اللباس والزينة، باب (13) في اتخاذ النبي
صلى الله عليه وسلم خاتما لما أراد أن يكتب إلى العجم، حديث رقم (57).
(3) زيادة للسياق من (صحيح مسلم).
(4) (مسلم بشرح النووي) 14 / 134، باب (13)، حديث رقم (58).
قوله: " نقشه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحب الخاتم، وجواز
نقش اسم الله تعالى. هذا مذهبنا، ومذهب سعيد بن المسيب، ومالك، والجمهور.
وعن ابن سيرين وبعضهم: كراهة نقش اسم الله تعالى، وهذا ضعيف قال العلماء: وله أن ينقش
عليه اسم نفسه، أو ينقش عليه كلمة حكمة، وأن ينقش ذلك مع ذكر الله تعالى.
قوله: " لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا "، سبب النهي أنه صلى الله عليه وسلم إنما اتخذ الخاتم ونقش فيه
ليختم به كتبه إلى ملوك العجم وغيرهم، فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل.
قوله: " وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفيه "، قال العلماء: لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
بشئ، فيجوز جعل فصه في باطن كفه وفي ظاهرها، وقد عمل السلف بالوجهين.
وممن اتخذه في ظاهرها ابن عباس رضي الله عنه، قالوا: ولكن الباطن أفضل، اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولأنه
أصون لفصه، وأسلم له، وأبعد من الزهو والإعجاب. (المرجع السابق).
52
وذكر البخاري في باب: نقش الخاتم من حديث سعيد عن قتادة، عن
أنس (بن مالك رضي الله عنه) (1)، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، أراد أن يكتب إلى
رهط - أو ناس - من الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا عليه خاتم،
فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة، نقشه: محمد رسول الله، فكأني
بوبيص (2) - أو ببصيص - الخاتم في إصبع النبي صلى الله عليه وسلم أو في كفه (3).



(1) زيادة للسياق من البخاري.
(2) في (خ)، (ج): " فكأنني بوميض "، وما أثبتناه من البخاري.
(3) (فتح الباري): 10 / 397، كتاب اللباس، باب (50)، نقش الخاتم، حديث رقم (5872).
53
وأما إصبع الخاتم التي يتختم فيها
فإن مسلم بن حجاج رحمه الله، خرج من حديث ثابت عن أنس، وأما
عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، خرج من حديث عبد
العزيز بن صهيب، عن أنس (رضي الله عنه) قال:
اصطنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتما فقال: إنا اتخذنا خاتما، ونقشنا فيه نقشا، فلا
ينقش (عليه أحد) (1)، قال: فإني لأرى بريقه في خنصره. ترجم عليه
البخاري في باب: الخاتم في الخنصر (2).
وخرج أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، من حديث حماد بن
سلمة قال: رأيت ابن أبي رافع (3) يتختم في يمينه، فسألته عن ذلك،
فقال: رأيت عبد الله بن جعفر يتختم في يمينه، وقال عبد الله بن جعفر:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه. قال أبو عيسى: قال محمد بن إسماعيل
- يعني البخاري - هذا أصح شئ روي في هذا الباب (4).



(1) في (خ)، (ج): " أحد عليه "، وما أثبتاه من البخاري.
(2) (فتح الباري) " 10 / 398، كتاب اللباس، باب (51)، الخاتم في الخنصر، حديث رقم (5874)،
(مسلم بشرح النووي): 14 / 316، كتاب اللباس والزينة، باب (16) في لبس الخاتم في الخنصر
من اليد، حديث رقم (2095).
(3) هو عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (سنن الترمذي).
(4) (سنن الترمذي): 4 / 200 - 201، كتاب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين،
حديث رقم (1744).
وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل المحمدية): 92، باب (13) ما جاء في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يتختم في يمينه، حديث رقم (98).
قوله: " رأيت ابن أبي رافع "، هو عبد الرحمن بن أبي رافع، ويقال فلان بن أبي رافع، روى عن
عبد الله بن جعفر، وعن عمه عن أبي رافع وعن عمته سلمى. عن أبي رافع، وعنه حماد بن سلمة،
قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح، له عند الترمذي في التختم في اليمين، وآخر حديث في
دعاء الكرب، كذا في (تهذيب التهذيب)، (تحفة الأحوذي): 5 / 345، أبواب اللباس، باب
(16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، شرح الحديث رقم (1798).
54
وخرجه النسائي عن حماد عن ابن أبي رافع، عن عبد الله بن جعفر، أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه (1).
والترمذي من حديث جوير، عن محمد بن إسحاق، عن الصلت بن
عبد الله بن نوفل قال: رأيت ابن عباس يتختم في يمينه، ولا أخاله إلا قال:
رأيت الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه قال أبو عيسى: قال محمد بن إسماعيل:
حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد الله بن نوفل حديث حسن
صحيح (2).
ولأبي داود من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر، أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه ويساره، وكان فصه في باطن كفه (3).



(1) (سنن النسائي): 8 / 579، كتاب الزينة، باب (79)، موضع الخاتم، حديث رقم (5298)، لكنه
من حديث عباد بن العوام، عن سعيد، عن قتادة عن أنس، خلافا لما ذكره المقريزي في الأصلين:
(خ)، (ج)، أنه عن حماد عن ابن أبي رافع عن عبد الله بن جعفر.
(2) (تحفة الأحوذي): 5 / 344، أبواب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث
رقم (1796). قوله: " ولا إخاله "، بكسر الهمزة، قال في (القاموس): خال الشئ يخال خيلا
وخيلة، ويكسران، وخالا وخيلالا محركة، ومخيلة، ومخالة، وخيلولة: ظنه، وتقول في مستقبله:
إخال، بكسر الألف وتفتح في لغة.
قوله: " قال محمد بن إسماعيل " يعني الإمام البخاري رحمه الله، وقوله: " حديث محمد بن
إسحاق عن الصلت بن عبد الله بن نوفل حديث حسن صحيح "، وفي بعض النسخ: حسن فقط،
وليس فيه: صحيح. (تحفة الأحوذي): 5 / 344.
(3) (سنن أبي داود): 4 / 131، كتاب الخاتم، باب (5) ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار،
حديث رقم (4227)، قال أبو داود: قال ابن إسحاق: وأسامة - يعني ابن زيد - عن نافع بإسناده في
يمينه، (مسلم بشرح النووي): 14 / 316، كتاب اللباس والزينة، باب (16) في لبس الخاتم في
الخنصر من اليد، حديث رقم (2095).
55
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: ووجه الجمع من هذه الروايات، أنه
صلى الله عليه وسلم لبس خاتم الذهب في يمينه ثم نبذه، واتخذ خاتم الورق ولبسه في
يساره (1).
وذكر من طريق الشيخ ابن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه
عن جده إلى سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه في يساره (1).
وذكر الحافظ أبو الفرج بن الجوزي، من طريق محمد بن عباد قال:
حدثنا عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه. قال: محمد بن عباد ضعيف، وابن ميمون ليس
بشئ، قال البخاري: هو ذاهب الحديث. واليسار أصح (2).
وذكر من طريق خالد بن يحيى قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس
قال: كأي أنظر إلى وميض خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده اليسرى وهو
يخطبنا (3).
ومن طريق ابن حيان، من حديث سليمان بن بلال، عن جعفر بن
محمد عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعلي، والحسن،
والحسين كلهم يتختمون في اليسار (4).



(1) راجع التعليق السابق.
(2) (العلل المتناهية): 2 / 694، حديث في التختم في اليمين، حديث رقم (1185).
(3) (مسلم بشرح النووي): 5 / 144، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (39)، وقت العشاء
وتأخيرها، حديث رقم (640)، لكن من طريق آخر عن أنس باختلاف في اللفظ، (كتاب أحكام
الخواتم وما يتعلق بها): 168.
(4) (أخلاق النبي): 127، (مسند أحمد): 4 / 170، حديث رقم (13407)، (سنن أبي داود):
4 / 431، باب (5) ما جاء في التخم في اليمين أو اليسار، حديث رقم (4227)، (4228)،
و (سنن الترمذي): 4 / 200، كتاب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث
رقم (1743).
56
ولابن عدي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله
عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه ثم حوله في يساره (1).
وخرج ابن منده من حديث ابن الجارود قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد
الله، حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن،
عن أبي قتيلة بن مرة الحضرمي، عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حول خاتمه في يمينه، فكان يدعه اليوم
واليومين والثلاثة بيساره، فلذلك كان يقال: يتختم بيمينه (2).
(ولابن حبان من حديث همام بن يحيى، عن ابن جريج، عن الزهري عن
أنس بن مالك (رضي الله عنه)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء



(1) قال العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي: اعلم أنه قد ثبتت الأحاديث في التختم في
اليمين واليسار، فاختلف العلماء في وجه الجمع، فجنحت طائفة إلى استواء الأمرين، وجمعوا بذلك
بين مختلف الأحاديث، وإلى ذلك أشار أبو داود بترجمة بابه (ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار)
ثم إيراده الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح.
وجمع بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم لبس الخاتم أولا في يمينه، ثم حوله في يساره، واستدل بما أخرجه أبو
الشيخ، وابن عدي، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه، ثم إنه حوله في يساره.
قال الحافظ: لو صح هذا لكان قاطعا للنزاع، ولكن سنده ضعيف وجمع البيهقي بأن الذي لبسه
في يمينه هو خاتم الذهب، والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة.
قال النووي: أجمعوا على جواز التختم في اليمين واليسار، واختلفوا في أيتهما أفضل. واستحب
مالك اليسار وكره اليمين. قال: والصحيح في مذهبنا أن اليمين أفضل. (عون المعبود): 6 / 193.
(2) وأخرج أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي من رواية عمرو بن خالد الواسطي، عن زيد بن
علي عن أبيه عن جده، عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حول خاتمه،
فإذا توضأ حوله في يساره.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال يحيى: عمرو كذاب لا يساوي شيئا. وقال ابن
راهويه: بضع الحديث. (العلل المتناهية): 1 / 328، حديث رقم (537)، وذكره المتقي في (كنز
العمال): 9 / 515، حديث رقم (27222)، وعزاه إلى ابن الجوزي في (العلل الواهية).
57
وضع خاتمه) (1).



(1) (الإحسان): 4 / 260، كتاب الطهارة، باب (21) الاستطابة، ذكر الخبر الدال على نفي إجازة
دخول المرء الخلاء بشئ فيه ذكر الله تعالى، حديث رقم (1413)، وقال في هامشه: إسناده ضعيف،
رجاله رجال الشيخين، إلا أن ابن جريج قد عنعن وهو مدلس. هدبة: بضم أوله وسكون الدال بعدها
موحدة، ويقال له: هداب بالتثقيل وفتح أوله أ. ه‍.
والحديث أخرجه كل من:
الحاكم في (المستدرك): 1 / 298 - 299، كتاب الطهارة، حديث رقم (670)، قال الحافظ
الذهبي في (التلخيص): تابعه يحيى بن المتوكل عن ابن جريج، ولم يتوقف، وزاد: " ونقشه محمد
رسول الله " على شرطهما، وحديث رقم (671) وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه إنما خرجا حديث نقش الخاتم فقط.
والبيهقي في (السنن الكبرى): 1 / 94 - 95 كتاب الطهارة، باب وضع الخاتم عند دخول
الخلاء، لفظ حديث حجاج، وفي حديث هدية بن خالد قال: ولا أعلمه إلا عن الزهري عن أنس.
قال ابن التركماني - وقد ذكر عدالة رواه هذا الحديث -: فتبين بذلك أن الحديث ليس له علة،
وإن الأمر فيه كما ذكر الترمذي من الحسن والصحة. (الجوهر النقي): 1 / 95 بهامش السنن الكبرى.
وأبو داود في (السنن): 1 / 25 كتاب الطهارة، باب (9) في الرجل يذكر الله تعالى على غير
طهر، حديث رقم (19).
والترمذي في (السنن) 4 / 201، كتاب اللباس، باب (16) في لبس الخاتم في اليمين، حديث
رقم (1746)، وقال هذا حديث حسن غريب.
والترمذي في (السنن): 8 / 559، كتاب الزينة، باب (53) نزع الحاكم عند دخول الخلاء،
حديث رقم (5228).
وابن ماجة في (السنن): 1 / 110، كتاب الطهارة وسنتها، باب (11)، ذكر الله عز وجل على
الخلاء والخاتم في الخلاء، حديث رقم (303).
وقال ابن رجب الحنبلي في (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها): ويتعلق بالخاتم مسائل كثيرة،
يذكرها الفقهاء متفرقة في أبواب الفقه...، فمن ذلك أن الخاتم إذا كان عليه ذكر الله تعالى فهل يكره
استصحابه في الخلاء لغير عذر أم لا؟.
ذكر طائفة من الأصحاب في روايتين عن أحمد، إحداهما: يكره، وهي المشهور عند الأصحاب
المتأخرين، ونص عليها أحمد في رواية إسحاق بن هانئ في الدرهم إذا كان فيه اسم الله، أو مكتوبا
عليه (قل هو الله أحد)، فيكره أن يدخل اسم الله عز وجل، وهذا يقتضي كراهة كل ما فيه اسم
الله من خاتم وغيره، وهو قول طائفة من السلف، كمجاهد والقاسم بن محمد، ومحمد بن عبد
الرحمن بن يزيد، والشعبي، وأبي حنيفة.
وروينا عن همام، عن ابن جريج عن الزهري، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء
وضع خاتمه، أخرجه أبو داود، وابن ماجة، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح،
والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وله علة قد ذكرها حذاق الحفاظ، كأبي داود، والنسائي، والدارقطني، وهي أن هماما تفرد به عن
ابن جريج، هكذا، ولم يتابعه غير يحيى بن المتوكل (أبو عقيل المدني الحذاء، ضعفوه، مات سنة
167 ه‍)، ويحيى بن الضريس (ثقة، مات سنة 203 ه‍)، ورواه بقية الثقات، عبد الله بن الحارث
المخزومي (شيخ الشافعي وأحمد، روى عنه أحمد وابن راهويه، ثقة)، وحجاج (بن منهال البصري،
روى عنه البخاري، كان ثقة ورعا ذا سنة وفضل، توفي سنة 217)، وأبو عاصم، وهشام بن سليمان
المخزومي (صدوق) وموسى بن طارق (روى عنه أحمد، وكان قاضي زبيد) عن ابن جريج عن زياد بن
سعد (خراساني نزل مكة، ثقة، ثبت في الزهري) عن الزهري عن أنس، أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم
خاتما من ذهب... الحديث.
وهذا هو المحفوظ عن ابن جريج دون الأول. وقد جاء في رواية هدبة (صدوق، وقال ابن عدي: لا
أعرف له حديثا منكرا، توفي سنة 235 ه‍)، عن همام عن ابن جريج، ولا أعلمه إلا عن الزهري، عن
أنس، وهذه تشعر بعدم تيقن.
فإن كانت من همام فقد قوى الظن بوهمه، وإن كانت من هدبة فلا تؤثر، لأن غيره ضبطه عن
همام، كما أن بعض الرواة عن همام عن أنس، ولم يضر ذلك لاتفاق سائر الرواة عنه على الرفع.
وروى ابن عدي أن هماما إنما وهم في إدراج قوله: كان إذا دخل الخلاء وضعه، فإن هذا من قول
الزهري، وأما أول الحديث وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما ولبسه فهو مرفوع، وقد جاء هذا مبينا في
رواية عمر بن شبة (ثقة، مات 262 ه‍) حدثنا حبان بن هلال (ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة
216 ه‍) حدثنا همام عن ابن جريج عن الزهري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لبس خاتمه كان إذا دخل
الخلاء وضعه.
ووجه الحجة أنه إنما نزعه لأن نقشه كان: محمد رسول الله، كما تقدم، وقد جاء ذلك مفسرا في
رواية البيهقي من حديث يحيى بن المتوكل عن ابن جريج عن الزهري عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس
خاتما نقشه محمد رسول الله، وكان إذا دخل الخلاء وضعه.
وروى الحافظ أبو بكر الجوزقاني من حديث المنهال بن عمرو (وثقة ابن معين) عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه.
وقد أورد ابن أبي شيبة (مولاهم الكوفي الحافظ، ولد سنة 159 ه‍، وكان متقنا حافظا، توفي في
المحرم سنة 235 ه‍) في كتابه من طريق عكرمة وقال: كان ابن عباس إذا دخل الخلاء ناولني خاتمه،
وعن ابن عباس أنه قال: كان سليمان بن داود عليهما السلام إذا دخل الخلاء نزع خاتمه فأعطاه امرأته.
والرواية الثانية: لا يكره، وهي اختيار أبي علي بن أبي موسى والسامري وصاحب المغني، وبوب
الخلال في جامعة باب الخاتم فيه ذكر الله عز وجل أو الدرهم يدخل الخلاء وهو معه، ولم يذكر في
الخاتم سوى هذه النصوص لأحمد. وذكر في الدرهم ما رواه عنه صالح في الرجل يدخل الخلاء ومعه
الدرهم، قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
وهذا قول كثير من السلف، ابن الحسن، وابن سيرين، وابن المسيب، وعطاء، وعكرمة، والنخعي،
وهو مذهب مالك، وإسحاق، وابن المنذر (شيخ الحرم وصاحب التصانيف الكثيرة، كان غاية في
معرفة الاختلاف والدليل، مجتهدا لا يقلد أحدا، مات بمكة سنة 318 ه‍)، لأن الأصل عدم الكراهة،
وصيانته تحصل بإطباق يده عليه وهو في باطن الكف، فلا يبقى مع ذلك محذور، ومتى كان في
يساره أداره إلى يمينه لأجل الاستنجاء.
وقد روى حديث عن علي بن أبي طالب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حوله في يمينه، فإذا
توضأ حوله في يساره. وأورده الجوز قاني من جهة عمرو بن خالد (ليس بثقة كذاب)، وقال: هو
حديث منكر، وعمرو كذاب.
وروى ابن عدي من حديث محمد بن عبيد الله العرزمي، عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يتختم في خنصره الأيمن، فإذا دخل الخلاء جعل الكتابة مما تلي كفه. والعزرمي متروك.
(كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها): 170 - 176.
وفي ختام هذا الفصل نذكر ما قاله الحافظ ابن حجر في (الفتح) في أسماء الخاتم شعرا:
خذ نظم عد لغات الخاتم انتظمت * ثمانيا ما حواها قبل نظام
خاتام خاتم ختم خاتم وختام * خايتام وخيتوم وخيتام
وهمر مفتوح تاء تاسع وإذا * ساغ القياس أتم العشر خاتام
(فتح الباري): 10 / 388، كتاب اللباس، باب (45) خواتيم الذهب.
58
فضل ذكر جلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتبائه
(الاحتباء: أن يقعد على أليته وينصب ساقيه، ويحتوي عليهما بثوب
أو نحوه، ويقال لهذا الفعل: الحبو، بضم الحاء وكسرها، والاحتباء عادة
للعرب في مجالسهم).
إعلم أن جلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجامع إما كان مربعا، أو محتبيا - وهو
كان أكثر جلوسه - أو القرفصاء وشبهها من (جلسات) الوقار والتواضع.
وقد خرج أبو داود من حديث يونس بن عبيد، عن عبيدة أبي خداش،
عن أبي تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو
محتب بشملة وقد وقع هدبها على قدميه (1).
وخرجه النسائي من حديث قرة بن خالد، عن قرة بن موسى الهجيمي
قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محتب ببردة، وإن هدبها لعلى قدميه قلت: يا
رسول الله! أوصني، قال: عليك باتقاء الله، ولا تحقرن من المعرف شيئا،
ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنها هي
المخيلة وإن الله لا يحبها. وذكر له (طرقا)، وقد تقدم من رواية الإمام
أحمد (2).



(1) (سنن أبي داود): 4 / 339، كتاب اللباس، باب (23) في الهدب، حديث رقم (4075). قوله:
" محتب " أراد أنه كان جالسا على هيئة الاحتباء، والشملة بالفتح، ما يشتمل به من الأكسية، أي
يلتحف به.
(2) قال: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا عثمان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا يونس، حدثنا
عبيدة الهجيمي، عن أبي تميمة الهجيمي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة له، وقد وقع
هدبها على قدميه، فقلت: أيكم محمد أو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأومأ بيده إلى نفسه، فقلت: يا رسول
الله، إني من أهل البادية، وفي جفاؤهم فأوصني، فقال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى
أخاك ووجهك منبسط، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، وإن أمرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا
تشتمه بما تعلم فيه، فإنه يكون لك أجره وعليك وزره، وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من
المخيلة، إن الله عز وجل لا يجب المخيلة، ولا تسبن أحدا، فما سببت بعد أحدا، ولا شاة، ولا بعيرا.
(مسند أحمد): 6 / 56، حديث رقم (20112).
61
وللترمذي من حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه عن
جده أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
جلس في المسجد (1) احتبى بيديه (2).
ومن حديث قيلة بنت مخرمة (3)، أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد،



(1) في (خ)، (ج): " في المجلس "، وما أثبتناه من (الشمائل).
(2) (الشمائل المحمدية): 116، حديث رقم (130)، و (أخلاق النبي): 247، (الكامل لابن
عدي): 3 / 174، من حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، رقم (32 / 682)،
وقال فيه: " إذا جلس في مجلس "، (سنن أبي داود): 5 / 175، كتاب الأدب، باب (25) في
جلوس الرجل، حديث رقم (4846)، ونسبه للمنذري، قال أبو داود: عبد الله بن إبراهيم شيخ
منكر الحديث، (سنن البيهقي): 3 / 236، وقال: تفرد به عبد الله بن إبراهيم الغفاري هذا، وهو
شيخ منكر الحديث، قاله أبو داود السجستاني وغيره، (سلسلة الأحاديث الصحيحة): 2 / 497 -
499، حديث رقم (827)، وقد ساق الألباني لهذا الحديث كثيرا من الشواهد ثم قال: وبالجملة
فالحديث صحيح، ولا يضر أن رواية متهم، فقد يصدق الكذوب. وأي دليل على صدقه هنا أكبر من
هذه الشواهد، وقد أخرجه الإمام أحمد في (المسند): 5 / 18، حديث رجل من بني سليط رضي
الله عنه رقم (16208)، قال: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا أبو عامر قال: حدثنا عباد - يعني
ابن راشد - عن الحسن من بني سليط: أنه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قاعد على باب مسجده
محتب، وعليه ثوب له قطر ليس عليه ثوب غيره، وهو يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا
يخذله، ثم أشار بيده إلى صدره يقول: التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، (فتح الباري): 11 / 76 -
77، كتاب الاستئذان، باب (34) الاحتباء باليد وهو القرفصاء، حديث رقم (6272)، من حديث
محمد بن فليح - عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء
الكعبة محتبيا بيده هكذا......
(3) هي قيلة بنت مخرمة التميمية، هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع حريث بن حسان، وقيل: الحارث بن
حسان، وكان وافد بكر بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (تهذيب التهذيب): 12 / 474، ترجمة
رقم (2875).
62
وهو قاعد القرفصاء (1)، قال: فلما رأيت المتخشع في الجلسة أرعدت من
الفرق (2).



(1) القرفصاء: جلسة المحتبى، وليس هو الذي يحتبي بثوبه، ولكن الذي يحتبي بيديه.
(2) قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد)، فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في جلوسه واتكائه: كان يجلس على
الأرض، وعلى الحصير، والبساط، وقالت قيلة بنت مخرمة: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء
قالت: فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كالمتخشع في الجلسة، أرعدت من الفرق، ولما قدم عليه عدي بن
حاتم، دعاه إلى منزله، فألقيت إليه الجارية وسادة يجلس عليها، فجعلها بينه وبين عدي، وجلس على
الأرض، قال عدي: فعرفت أنه ليس بملك. وكان يستلقي أحيانا وربما وضع إحدى رجليه على
الأخرى، وكان يتكئ على الوسادة، وربما اتكأ على يساره، وربما اتكأ على يمينه، وكان إذا احتاج في
خروجه، توكأ على بعض أصحابه من الضعف (زاد المعاد): 1 / 170.
والحديث أخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية): 115، باب (21) ما جاء في جلسة رسول
الله صلى الله عليه وسلم حديث رقم (128). قوله: " القرفصاء ": هي جلسة ولها هيئتان:
إحداهما: الاحتباء وهي أن يجلس على مقعدته ناصبا رجليه، ويضم فخذيه إلى بطنه، ولكن
يحتبي بيديه، أي يجعلهما حول ساقيه، قابضهما ببعضهما.
والأخرى: أن يجلس على رجليه، ويجمع ركبتيه، ويضم بطنه إلى فخذيه واضعا يديه تحت
إبطيه، وهذه الأخيرة هي المقصودة هنا، لما فيها من هيئة الخشوع والسكون والخضوع.
قوله: " المتخشع ": التخشع المبالغة في الخشوع.
قوله: " أرعدت من الفرق ": أرعدت أي أصبت. يرعدة وهي الاضطراب، والفرق: هو الخوف
والفزع مما علاها من المهابة (المرجع السابق).
وللحديث شاهد عند أبي الشيخ في (أخلاق النبي): 247، من طريق عبد الله بن منيب عن
أبيه عن جده عن أبي أمامة الحارثي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس القرفصاء. وفي سنده
ضعف. عبد الله بن منيب هو ابن عبد الله بن أبي أمامة بن ثعلبة الحارثي وهو صدوق، وأبوه مقبول
عند المتابعة، وجده صدوق، وفي إسناده الفروي إسحاق بن محمد، وهو صدوق، لكن كف بصره
فساء حفظه. وجملة القول: أن الحديث حسن، والله تعالى أعلم (المرجع السابق).
وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن): 5 / 111، كتاب الأدب، باب (50) ما جاء في الثوب
الأصفر، حديث رقم (2814)، وقال أبو عيسى: حديث قيلة لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن
حسان، وأخرجه أبو داود في (السنن) 5 / 176، كتاب الأدب، باب (25) في جلوس الرجل،
حديث رقم (4847) وقد تقدم طرف من هذا الحديث في كتاب الخراج من (سنن الترمذي)، وهو
حديث طويل، وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى): 3 / 235، باب الاحتباء المباح في غير وقت
الصلاة.
63
ومن حديث سفيان عن الزهري، عن عبادة بن تميم، عن عمه، أنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى (1).



(1) (الشمائل المحمدية): 116، حديث رقم (129)، (سنن الترمذي): 5 / 88، كتاب الأدب، باب
(19)، ما جاء في وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا، حديث رقم (765)، (فتح
الباري): 1 / 740 - 741، كتاب الصلاة، باب (85) الاستلقاء في المسجد ومد الرجل، حديث
رقم (475)، وعن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، قال كان عمر وعثمان يفعلان ذلك، (فتح
الباري): 10 / 488، 489، كتاب اللباس، باب (103)، الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى،
حديث رقم (5969)، (فتح الباري): 11 / 95، كتاب الاستئذان، باب (44) الاستلقاء، حديث
رقم (6287).
" الاستلقاء " هو الاضطجاع على القفا، سواء كان معه نوم أم لا، وقد تقدمت هذه الترجمة
وحديثها في آخر كتاب اللباس، قبيل كتاب الأدب، وتقدم بيان الحكم في أبواب المساجد من كتاب
الصلاة، وذكرت هناك قول من زعم أن النهي عن ذلك منسوخ، وأن الجمع أولى، وأن محل النهي
حيث تبدو العورة، والجواز حيث لا تبدو، وهو جواب الخطابي ومن تبعه، ونقلت قول من ضعف
الحديث الوارد في ذلك، وزعم أنه لم يخرج في الصحيح.
وأوردت عليه بأنه غفل عما في كتاب اللباس من الصحيح، والمراد بذلك صحيح مسلم، وسبق
القلم هناك فكتبت صحيح البخاري، وقد أصلحته في أصلي، ولحديث عبد الله بن زيد في الباب
شاهد من حديث أبي هريرة، صححه ابن حبان (المرجع السابق).
(مسلم بشرح النووي): 14 / 323، كتاب اللباس والزينة، باب (22) في إباحة الاستلقاء،
ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، حديث رقم (2100) - قال الإمام النووي: قال العلماء:
أحاديث النهي عن الاستلقاء رافعا إحدى رجليه على الأخرى محمولة على حالة تظهر فيها العورة أو
شئ منها، وأما فعله صلى الله عليه وسلم فكان على وجه لا يظهر منها شئ، وهذا لا بأس به ولا كراهة فيه على هذه
الصفة.
وفي هذا الحديث جواز الاتكاء في المسجد والاستلقاء فيه. قال القاضي: لعله صلى الله عليه وسلم فعل هذا
لضرورة أو حاجة من تعب، أو طلب راحة أو نحو ذلك.
قال: وإلا فقد علم أن جلوسه صلى الله عليه وسلم في المجامع على خلاف هذا، بل كان يجلس مرتبعا، أو
محتبيا، وهو كان أكثر جلوسه، أو القرفصاء، أو مقعيا، وشبهها من جلسات الوقار، والتواضع.
قلت: ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز، وأنكم إذا أردتم الاستلقاء فليكن هكذا، وأن النهي
الذي نهيتكم عن الاستلقاء ليس هو على الإطلاق، بل المراد به من ينكشف شئ من عورته أو يقارب
انكشافها، والله تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي): 14 / 322 - 323.
64
فصل في ذكر خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، من حديث سلام بن أبي مطيع،
عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: دخلنا على أم سلمة رضي الله عنها،
فأخرجت إلينا شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم (1).
وخرج ابن عدي من حديث غيلان بن جامع، عن إياد بن لقيط، عن
أبي رمثة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالحناء والكتم، وكان شعره
يبلغ كتفيه أو منكبيه (2).



(1) (مسند أحمد): 7 / 420 - 421، حديث رقم (25995) ولفظه: دخلنا على أم سلمة
فأخرجت إلينا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مخضوب أحمر بالحناء والكتم. وحديث رقم (25999)
ولفظه: دخلت على أم سلمة، فأخرجت إلينا شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم.
كلاهما عن عثمان بن عبد الله، من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) (الكامل لابن عدي): 4 / 98، ترجمة الضحاك بن حمرة - بالراء المهملة - الأملوكي الواسطي رقم
(3 / 946)، ضعفوه، وذكره ابن حبان في (الثقات): 6 / 484.
قال الحافظ ابن حجر: الضحاك بن حمرة - بالراء المهملة - الأملوكي الواسطي، أرسل عن أنس،
وروى عن عمرو بن شعيب والحجاج بن أرطأة وقتادة وغيرهم، وعنه بقية وأبو سفيان سعيد بن يحيى
الحميري....
قال ابن معين: ليس بشئ، وقال أبو الجوزجاني: غير محمود في الحديث، وقال النسائي
والدولابي: ليس بثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات)، وله عنده حديث في ترجمة أبي سفيان
الحميري.
قال الحافظ ابن حجر: حسن الترمذي حديثه، وقال ابن زنجويه: حدثنا إسحاق، حدثنا بقية عن
الضحاك وكان ثقة، وقال البرقاني عن الدارقطني ليس بالقوي يعتبر به، وقال ابن عدي: أحاديثه
غرائب، وقال (في) بعض النسخ: متروك الحديث. وقال ابن شاهين في (الثقات): وثقه إسحاق بن
راهويه، قلت: وهو كما قال في مسنده أنه ثقة: (تهذيب التهذيب): 4 / 389 - 390، ترجمة
رقم (781).
65
ومن حديث عمر بن قيس المكي، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن
عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخضب بالحناء والكتم، ويقول:
غيروا فإن اليهود لا تغير (1).
وقد روى عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: حدثنا سفيان عن إياد بن
لقيط، عن أبي رمثة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيته قد لطخ لحيته بالحناء.
وخرجه الترمذي في (الشمائل)، من حديث عبد الملك بن عمير، عن
إياد بن لقيط العجلي، عن أبي رمثة التيمي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي
ابن لي، قال: فأريته، فقلت لما رأيته: هذا نبي الله وعليه ثوبان أخضران،
وله شعر قد علاه الشيب وشيبه أحمر (2).
وفي رواية عن إياد (بن لقيط) (3) قال: أخبرني أبو رمثة قال: أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم (4) مع ابن لي، فقال ابنك (هذا) (3)؟ فقلت: نعم، أشهد به،
قال: لا يجني عليك ولا تجني عليه، قال: ورأيت الشيب أحمر.
قال أبو عيسى: هذا أحسن شئ روي في هذا الباب وأفسر لأن الروايات
الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الشيب (5).
ولأبي داود من حديث عبد العزيز بن سلمة، عن زيد بن أسلم، أن ابن



(1) (الكامل لابن عدي): 5 / 8، ترجمة عمر بن قيس المكي رقم (219 / 1186)، وهو عمر بن قيس
المكي أبو جعفر المعروف بسندل، مولى آل بني زسد، وقيل: مولى آل منظور بن يسار. ضعفه جميع
نقاد الحديث، له ترجمة وافية في: (تهذيب التهذيب): 7 / 431، ترجمة رقم (618)، (ميزان
الاعتدال): 3 / 218، ترجمة رقم (6187).
(2) (الشمائل المحمدية): 58 - 59، حديث رقم (43).
(3) زيادة للنسب من (الشمائل).
(4) في (المرجع السابق): " رسول الله ".
(5) (الشمائل المحمدية): 60، باب (6) ما جاء في خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (45)، وقال
في آخره: وأبو رمثة اسمه رفاعة بن يثربي التيمي.
66
عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، فقيل له: لم
تصبغ بالصفر؟ قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شئ
أحب إليه منها، وقد كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته (1).
وخرجه النسائي ولفظه: رأيت ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق، فقيل له:
يا أبا عبد الرحمن! إنك تصفر لحيتك بالخلوق، قال (2): إني رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصفر بها لحيته، ولم يكن شئ من الصبغ أحب إليه منها، ولقد
كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته (3). (قال أبو عبد الرحمن: وهذا
أولى بالصواب من حديث قتيبة) (4).
وقد خالف الدراوردي عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، فرواه عن زيد
ابن أسلم، عن عبيد بن جريج قال: رأيت ابن عمر يصفر لحيته، فقلت له
في ذلك، فقال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته، قال النسائي: وهو أولى
بالصواب (من) الذي قبله (5).
ولأبي داود والنسائي، من حديث ابن أبي رواد، عن نافع عن ابن عمر
رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته
بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل (6) ذلك. وقد تقدم حديث مالك
عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، عن ابن عمر، وفيه: وأما الصفرة،



(1) (سنن أبي داود): 4 / 333 - 334، كتاب اللباس، باب (18)، في المصبوغ بالصفرة، حديث رقم
(4064)، كتاب الترجل باب (18) في الخضاب، حديث رقم (4206) - 4208).
(2) في (خ): " فقال ".
(3) (سنن النسائي): 8 / 517، كتاب الزينة، باب (17)، الخضاب بالصفرة، حديث رقم (5100).
(4) زيادة من (المرجع السابق).
(5) كذا في النظامية، وفي إحدى نسخها: " من حديث قتيبة ".
(6) (سنن أبي داود): 4 / 417 - 418، كتاب الترجل، باب (19) ما جاء في الخضاب بالصفرة، حديث رقم (4210).
67
فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (يصبغ) بها، فأنا أحب أن أصبغ بها (1).
وخرج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عبد الصمد العمي، عن
جعفر بن محمد، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان أكثر شيب النبي صلى الله عليه وسلم في الرأس في فودى رأسه (2)، وكان أكثر شيبه
في لحيته حول الذقن، وكان شيبه كأنه خيوط الفضة يتلألأ بين سواد
الشعر، وإذا مسه بصفرة - وكان كثيرا ما يفعل ذلك - صار كأنه خيوط
الذهب.
ولقاسم بن أصبغ من حديث مروان بن سالم، عن عبد الله بن همام قال:
قلت: يا أبا الدرداء، بأي شئ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب؟ قال: يا ابن
أخي، أو يا بني، ما بلغ منه الشيب ما كان يخضبه، ولكنه قد كان منه
ها هنا شعرات بيض، وكان يغسله بالحناء والسدر (3).
ومن حديث شريك عن عثمان بن موهب قال: رأيت شعر النبي صلى الله عليه وسلم
عند بعض نسائه أحمر (4).
ومن حديث سلام بن أبي مطيع، عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال:
دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فأخرجت إلينا شعر النبي صلى الله عليه وسلم
مخضوبا بالحناء والكتم (5).
ومن حديث شريك عن سدير الصيرفي عن أبيه قال: كان علي رضي الله



(1) سبق تخريجه في الكلام على الخف، ص 25 من هذا الجزء.
(2) الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن، وفودا الرأس: جانباه، والجمع أفواد، والفودان: واحدهما
فود، وهو معظم شعر اللمة مما يلي الأذن، والفودان: قرنا الرأس وناصيتاه، ويقال بدا الشيب بفوديه،
وفي الحديث: كان أكثر شيبه في فودى رأسه أي ناحيتيه. (لسان العرب): 3 / 340.
(3) (طبقات ابن سعد): 1 / 432.
(4) (المرجع السابق): 1 / 437.
(5) (المرجع السابق): 1 / 437.
68
عنه لا يخضب، فذكرت ذلك لمحمد بن علي، قال: قد خضب من هو خير
منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن حديث ضمرة عن علي بن أبي حملة قال: كان رجاء بن حياة لا
يغير الشيب فحج، فشهد عنده أربعة أن النبي صلى الله عليه وسلم غير، قال: فغير في
بعض المياه.
وذكر البخاري من حديث الليث، عن خالد، عن سعيد بن أبي هلال،
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن (قال) (1):، سمعت أنس (2) بن مالك
يصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم... وذكر الحديث إلى قوله:
وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قال ربيعة: فرأيت شعرا من
شعره، فإذا هو أحمر، فسألت، فقيل: أحمر من الطيب (3).



(1) زيادة للسياق من البخاري.
(2) في (خ)، (ج): " أنسا يصف ".
(3) (فتح الباري): 6 / 699 - 700، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(3547)، (3548)، 10 / 436، كتاب اللباس، باب (68) الجعد، حديث رقم (5900).
قوله: " وليس في رأسه ولحيته عشرون شعره بيضاء " أي بل دون ذلك، ولابن أبي خيثمة من
طريق أبي بكر بن عياش، قلت لربيعة: جالست أنسا؟ قال: نعم، وسمعته يقول: شاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم عشرين شيبه ههنا يعني النعفقة.
ولإسحاق بن راهويه، وابن حبان، والبيهقي من حديث ابن عمر: كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا
من عشرين شعرة بيضاء في مقدمة.
وقد اقتضى حديث عبد الله بن بسر أن شيبه كان لا يزيد على عشر شعرات لإيراده بصيغة جمع
القلة، لكن خص ذلك بعنفقته فيحمل الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء.
لكن وقع عند ابن سعد بإسناد صحيح، عن حميد، عن أنس في أثناء حديث قال: ولم يبلغ ما
في لحيته من الشيب عشرين شعرة، وقد روى ابن سعد أيضا بإسناد صحيح، عن ثابت، عن أنس،
قال: ما كان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة.
ولابن أبي خيثمة من حديث حميد عن أنس: لم يكن في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون شعرة
بيضاء. قال حميد: كن سبعة عشرة.
وفي مسند عبد بن حميد، من طريق حماد عن ثابت، عن أنس: ما عددت في رأسه ولحيته إلا
أربع عشرة شعرة.
وعند ابن ماجة من وجه آخر عن أنس: إلا سبع عشرة أو عشرين شعرة.
وروى الحاكم في (المستدرك)، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن أنس قال: لو عددت
ما أقبل على من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة.
قوله: " فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسألت فقيل: " احمر من الطيب "، لم أعرف المسؤول
المجيب بذلك، إلا أنه في رواية ابن عقيل المذكورة من قبل، أن عمر بن عبد العزيز قال لأنس: هل
خضب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإني رأيت شعرا من شعره قد لون، فقال: إنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان
يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي غير لونه، فيحتمل أن يكون ربيعة سأل أنسا عن ذلك
فأجابه.
ووقع في (رجال مالك) للدارقطني، وهو في (غرائب مالك) له، عن أبي هريرة قال: لما مات
النبي صلى الله عليه وسلم خضب من كان عنده شئ من شعره ليكون أبقى لها.
قال الحافظ ابن حجر: فإن ثبت هذا استقام إنكار أنس، ويقبل ما أثبته سواه التأويل. (فتح
الباري): 6 / 707 - 708 مختصرا.
69
فذهب جماعة من أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخضب بالحناء،
ويصفر شيبه، على أنهم مجمعون أنه إنما شاب منه عنفقته وشئ من
صدغيه لا غير، وقال آخرون: لم يخضب (1).
وذكروا حديث إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، فإذا ادهن وامتشط لم يتبين شيبه،
فإذا أشعث كان متبينا، وكان كثير شعر الرأس واللحية (2).
وحديث هشام عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب: أخضب رسول
الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لم يبلغ ذلك (3).



(1) (المرجع السابق): 6 / 709، (طبقات ابن سعد): 1 / 433.
(2) (مسلم بشرح النووي): 15 / 105، كتاب الفضائل، باب (29)، شيبه صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(3) (طبقات ابن سعد): 1 / 433.
70
وحديث عاصم بن علي، أخبرنا محمد بن راشد عن مكحول عن
موسى بن أنس عن أبيه قال: لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم من الشيب ما يخضب (1).
وحديث علي بن الجعد، حدثنا زهير بن معاوية، عن حميد الطويل
قال: سئل أنس رضي الله عنه عن الخضاب فقال: خضب أبو بكر رضي الله
عنه بالحناء والكتم، وخضب عمر بالحناء وحده (2).
قيل: فرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء،
فأصغى حميد إلى رجل عن يمينه فقال: كن سبع عشرة (3). (ووضع يده
على عنفقته) (4).
وذكر مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن
إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عبد الرحمن بن الأسود
ابن عبد يغوث قال - وكان جليسا لهم وكان أبيض الرأس واللحية (5) -
(قال:) (6) فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما، قال: فقال له القوم: هذا
أحسن، فقال: إن أمي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى البارحة جارتها
نخيلة، فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر الصديق (رضي الله



(1) (مسلم بشرح النووي): 15 / 102، كتب الفضائل، باب (29)، شيبه صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(101)، بسياقه أطول من ذلك وسند آخر.
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (103) من حديث حماد، حدثنا ثابت قال: سئل أنس بن مالك
عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت، وقال: لم يختضب وقد
اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء.
(3) (طبقات ابن سعد): 1 / 431.
(5) كذا في الأصلين، وفي (الموطأ): " أبيض اللحية والرأس ".
(6) زيادة من الأصلين.
71
عنه كان) (1) يصبغ (2).
قال مالك رحمه الله: هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ، ولو
صبغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأرسلت بذلك عائشة رضي الله عنها إلى عبد
الرحمن بن الأسود (3).
وقالوا: الصبغ الذي ذكر في حديث ابن عمر بالصفرة، هو صبغ الثياب
لأصبغ اللحية، كما ذكر مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يلبس
الثوب المصبوغ بالمشق (4)، (والثوب) (5) المصبوغ بالزعفران (6).
وكما رواه قاسم بن أصبغ، من حديث سليمان بن بلال، عن زيد بن
أسلم، عن ابن عمر أنه كان يصبغ ثيابه بالصفرة حتى عمامته (7). وذكر
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة (7).
وذكره ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم مرسلا، ومن
حديث القعنبي، أخبرنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه أن ابن عمر كان



(1) زيادة من الأصلين.
(2) (موطأ مالك): 677، كتاب الجامع، ما جاء في صبغ الشعر، حديث رقم (1727) ثم قال: قال
يحيى: سمعت مالكا يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئا معلوما، وغير ذلك من
الصبغ أحب إلي. قال: وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله، ليس على الناس في ذلك ضيق.
(3) (موطأ مالك): 677، كتاب الجامع، ما جاء في صبغ الشعر، تعقيبا على الحديث رقم (1727).
(4) زيادة للسياق من (الموطأ).
(6) (موطأ مالك): 655، كتاب الجامع، ما جاء في لبس الثياب المصبغة والذهب، حديث رقم
(1648)، وتمامه: قال مالك: وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئا من الذهب، لأنه بلغني أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى عن تختم الذهب، فأنا أكرهه للرجال، الكبير منهم والصغير. قال مالك في الملاحف
المعصفرة في البيوت للرجال، وفي الأفنية، قال: لا أعلم من ذلك شيئا حراما، وغير ذلك من اللباس
أحب إلي.
(7) سبق تخريجه والتعليق عليه، فليراجع في بابه من الجزء السادس.
72
يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ به،
ورأيته يحبه، أو رأيته أحب الصبغ إليه.
قال ابن عبد البر: وقد روى أنه كان يخضب، وليس بقوي، -
والصحيح أنه لم يخضب، ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له، وعارض من
ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم اختضب بحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس
(رضي الله عنه قال): إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل أو ما في معنى
ذلك من الأحاديث، وبأنه اختلفت الرواية عن أنس.
فخرج الترمذي من حديث عمرو بن عاصم قال: أخبرنا حماد بن
سلمة، حدثنا حميد عن أنس قال: رأيت شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوبا (1).



(1) (الشمائل المحمدية): 62، باب ما جاء في خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (48). (49)
كلاهما عن إنس بن مالك، والحديث الأول صحيح، والثاني إسناده حسن، وظاهر الحديث يخالف
المشهور من حديث أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخضب، والجمع بين هذه الأحاديث بحمل الخضاب هنا
على تغير لون الشعر من الطيب ونحوه، لا على الخضاب بالحناء، كما جاء في (طبقات ابن سعد):
1 / 436، من حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن، قال: رأست شعرا من شعره يعني النبي صلى الله عليه وسلم فإذا
هو أحمر، فسألت عنه فقيل لي: احمر من الطيب، ونحو هذا ما رواه الحاكم في (المستدرك):
2 / 663 - 664، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4201)، وقال في
(التلخيص): صحيح، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه: وإنما هذا الذي لون من الطيب
الذي كان يطيب شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الجمع لطرق حديث أنس أولى من الحكم على حديث حميد وابن عقيل بالشذوذ، لأن
إعمال الحديث أولى من إهماله. وبذلك تتفق الروايات عن أنس.
ولكن يشكل على هذا الجمع ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يخضب، كما في حديث أم سلمة،
وأبي رمثة، وغيرهما، والجواب على هذا: أن المثبت مقدم على النافي، لأن معه زيادة علم، والزيادة
من الثقة مقبولة.
ويمكن الجمع بما قاله النووي رحمه الله: والمختار أنه صلى الله عليه وسلم خضب في وقت، دل عليه حديث ابن
عمر في الصحيحين، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كل بما رأى وهو صادق، والله تعالى أعلم.
73
وقال يعقوب بن سفيان: حدثني يوسف بن كامل، حدثنا مبارك بن
فضالة، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال: سألت أنس
ابن مالك (رضي الله عنه): هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب؟ قال: ما
أرى، قلت: فإنه كان عندنا من شعره شعر فيه صفرة، قال أنس (رضي الله
عنه): إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسه بصفرة، قالوا: فقول أنس: ما أرى،
إخبار عن طن، وقوله: لم يخضب شهادة على نفي، وقد قطع غيره من
الصحابة مثل عبد الله بن عمر، وأبي رمثة البلوي، وعبد الله بن زيد
صاحب الأذان، على أنه خضب، والإثبات مقدم على النفي.
وهذا جواب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - حين قيل له: إن أنسا
يقول: (إنه) لم يخضب، قلت: والذي عندي أنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ من الشيب
ما يقتضي الخضاب كما أجمعوا عليه، ومع ذلك فكان يغير أحيانا ما
شاب من شعره، وأحيانا يتركه بحاله.
وبهذا أرجو - إن شاء الله - أن يكون الصواب، والله أعلم.

74
فصل في ذكر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في شعره
(قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا مندل عن ابن جريج
قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مشط من عاج يتمشط به) (1).
(و) خرج ابن حبان من حديث وكيع، عن الربيع بن صبيح عن يزيد
الرقاشي عن أنس (رضي الله عنه) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر تسريح رأسه
ولحيته بالماء (2).
وللترمذي من حديث أبي العلاء الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن،
عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي عليه السلام، كان يترجل
غبا (3).



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 484، ذكر مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكحلته ومرآته وقدحه، وفيه " مشط
عاج "، وما بين الحاصرتين في النسخة (خ) وليس في (ج)، ولعله سقط من الناسخ.
(2) (أخلاق النبي): 137، (الإحسان): 12 / 295، كتاب الزينة والطيب، ذكر الزجر عن الترجل في
كل يوم لمن به الشعر، حديث رقم (5484)، وسيأتي في تخريجه في الكلام عن الحديث التالي.
(3) (الشمائل المحمدية): 53 - 54، باب ما جاء في ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث رقم 36، وهذا
الحديث إسناده ضعيف تفرد به المصنف (الترمذي)، ورجاله ثقات، غير يزيد بن أبي خالد، وهو ابن
عبد الرحمن الدلاني، فهو صدوق يخطئ كثيرا، وقال الحافظ: وذكره الكرابيسي في (المدلسين)،
وأبو العلاء هو داود بن عبد الله الأودي الزعافري، وهو ثقة، وحميد بن عبد الرحمن هو الحميري
البصري وهو ثقة.. وشيخ المصنف (الترمذي) صدوق، وحسنه العراقي في (تخريج أحاديث
الإحياء)، ولعله يقصد لشواهده.
وقد أخرج الترمذي في (الشمائل): 52 - 53، حديث رقم (35)، من حديث يحيى بن سعيد
عن هشام بن حسان، عن الحسن البصري، عن عبد الله بن مغفل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل
إلا غبا، وهو حديث صحيح، أخرجه الترمذي أيضا في (السنن): 4 / 205، كتاب اللباس، باب
(22) ما جاء في النهي عن الترجل إلا غبا، حديث (1756)، ثم قال: حدثنا محمد بن بشار،
حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام عن الحسن، بهذا الإسناد نحوه. قال أبو عيسى: هذا حديث
حسن صحيح، قال: وفي الباب عن أنس، وأخرجه أبو داود في (السنن): 4 / 392، كتاب الترجل،
باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (4159)، ثم قال ضمن الحديث رقم (4160): إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثرة الإرفاه، قال الخطابي في (معالم السنن): 393: معنى الإرفاه: الاستكثار من
الزينة، وأن لا يزال يهئ نفسه، وأصله من الرفه، وهو أن ترد الإبل الماء كل يوم، فإذا وردت يوما ولم
ترد يوما فذلك الغب... ومنه أخذت الرفاهية، وهي الخفض والدعة، كره رسول الله صلى الله عليه وسلم الإفراط في
التنعم والتدلك، والتدهن والترجيل، في نحو ذلك من أمر الناس، فأمر صلى الله عليه وسلم بالقصد في ذلك، وليس
معناه ترك الطهارة والتنظيف، فإن الطهارة والنظافة من الدين، أخرجه النسائي في (السنن):
8 / 507، كتاب الزينة، باب (6) الأخذ من الشعر، حديث رقم (5069) ولفظه: نهانا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، وفي باب (7) الترجل غبا، حديث رقم (5070) عن الحسن عن
عبد الله بن مغفل، وحديث رقم (5071) عن قتادة عن الحسن، وفي باب (62) الترجل، حديث
رقم (5254)، من حديث ابن علية عن الجريري، عن عبد الله بن بريدة، أن رجلا من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم يقال له: عبيد قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثير من الإرفاه، قال: منه الترجل، (وهو
من شواهد صحته).
والحديث رجاله ثقات، رجال الشيخين، لكن الحسن البصري مدلس، وقد عنعنه، وللحديث
شواهد يصح بها، فقد أخرجه الإمام أحمد في (المسند): 5 / 44، حديث رقم (16351)،
5 / 84، حديث رقم (16564)، وأبو نعيم في (حلية الأولياء): 6 / 276، ترجمة هشام بن حسان
رقم (375)، وابن حبان في (الصحيح): 12 / 295، كتاب الزينة، ذكر الزجر عن الترجل في كل
يوم لمن به شعر، حديث رقم (5484)، والعقيلي في (الضعفاء الكبير): 4 / 137، في ترجمة
محمد بن موسى الجريري عن جويرية، رقم (1698)، ثم قال: ولا يتابع عليه، وساق الحديث ثم
قال في آخره: وقد روي هذا من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا، والحديث بشواهده صحيح،
والله تعالى أعلم.
75
ومن حديث أبي الشعثاء، عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحب التيمن في طهوره إذا تطهر، وفي ترجله إذا
ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل (1).



(1) (الشمائل المحمدية): 52، باب (4) ما جاء في ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (34).، باب
(11) ما جاء في نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (86)، وأخرجه البخاري في (الصحيح): كتاب
الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، حديث رقم (168)، وفي كتاب الصلاة، باب دخول
المسجد وغيره حديث رقم (426)، وفي كتاب الأطعمة، باب التيمن في الأكل وغيره، حديث رقم
(5380)، وفي كتاب اللباس، باب يبدأ بالنعل اليمنى، حديث رقم (5854)، وباب الترجل
والتيمن فيه، حديث رقم (5926).
وأخرجه مسلم في (الصحيح): كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره، حديث رقم (268)،
وأخرجه أبو داود في (السنن): كتاب اللباس، باب في الانتعال، حديث رقم (4140)، وأخرجه
الترمذي في (السنن): كتاب الصلاة، باب ما يستحب من التيمن في الطهور، حديث رقم (608)،
وأخرجه النسائي في (السنن): كتاب الطهارة، باب بأي الرجلين يبدأ الغسل، حديث رقم (112)،
وكتاب الغسل والتيمم، باب التيمن في الطهور، حديث رقم (421)، وكتاب الزينة، باب التيامن
في الترجل، حديث رقم (5240)، وأخرجه ابن ماجة في (السنن): كتاب الطهارة وسننها، باب
التيمن في الوضوء، حديث رقم (401)، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 7 / 136، حديث
رقم (24106)، 7 / 188، حديث رقم (24469)، 7 / 212، حديث رقم (24620)،
7 / 269، حديث رقم (25018)، 7 / 289، حديث رقم (25136)، 7 / 300، حديث رقم
(25235).
76
ومن حديث بقية عن عمرو بن خالد، عن قتادة عن أنس (رضي الله
عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل، وضع له سواكه،
وطهوره، ومشطه، فإذا أهبه الله من الليل، استاك، وتوضأ، وامتشط (1).
وخرج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن
ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل
الكتاب فيما لم يؤمر به) (2) (و) (2) كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم،



(1) لم أجده بهذه السياقة، والثابت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوضع له وضوؤه وسواكه، فإن قام من الليل تخلى ثم استاك.
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ.
وفي رواية مسلم عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة: بأي شئ كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
دخل بيته؟ قالت: بالسواك. (جامع الأصول): 7 / 177، سنن الوضوء، حديث رقم (5175).
وأخرج ابن سعد في (الطبقات): أخبرنا عفان بن مسلم أو غيره، عن همام بن يحيى، عن علي
ابن زيد قال: حدثتنا أم محمد، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد ليلا ولا نهارا
فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ.
(و) أخبر سعيد بن منصور، أخبرنا هشيم قال: أخبرنا أبو حرة عن الحسن، عن سعد بن هشام،
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوضع له السواك من الليل، وكان استأنف السواك
فكان إذا قام من الليل استاك، ثم توضأ، ثم صلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ثماني ركعات ثم أوتر.
(طبقات ابن سعد): 1 / 483، ذكر سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) زيادة للسياق من (البخاري).
77
وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل رسول الله ناصيته، ثم فرق
بعد (1).
وخرجه مسلم (2) وأبو داود (3)، وذكره البخاري في كتاب المناقب، في
باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، (و) في آخر كتاب الهجرة (4)، في باب: إتيان
اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، ولفظه: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان أهل الكتاب
يسدلون رؤوسهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر
فيه بشئ، ثم فرق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه (5).
وخرج النسائي (6) بنحوه وقال فيه: ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك..



(1) الحديث سياقه مضطرب في (الأصلين)، وصوبناه من (فتح الباري): 10 / 442، كتاب اللباس،
باب (70) الفرق، حديث رقم (5917).
(مسلم بشرح النووي): 15 / 96 - 97، كتاب الفضائل، باب (24)، في سدل النبي صلى الله عليه وسلم شعره
وفرقه، حديث رقم (2336)، ثم قال: وحدثني أبو الظاهر، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن
ابن شهاب بهذا الإسناد نحوه.
(3) (سنن أبي داود): 4 / 407 - 408، كتاب الترجل، باب (10) ما جاء في الفرق، حديث رقم
(4188)، وحديث رقم (4189)، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كنت إذا أردت أن
أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من يافوخه وأرسل ناصيتيه بين عينيه.
(4) في بعض النسخ: " كتاب مناقب الأنصار، باب (52)، إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم
المدينة، حديث رقم (3944)، وأخرجه البخاري أيضا في باب (22) صفة النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب
المناقب، حديث رقم (3558) في (فتح الباري): 6 / 701.
(6) (سنن النسائي): 8 / 567 - 568، كتاب الزينة باب (61) فرق الشعر، حديث رقم (5253)،
وأخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية): 49 - 50، حديث رقم (30)، وأخرجه ابن ماجة في
(السنن): 2 / 1199، كتاب اللباس، باب (36)، اتخاذ الجمة والذوائب، حديث رقم (3632)،
وابن سعد في (الطبقات): 1 / 430، ذكر شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
78
وخرج الإمام أحمد (ولفظه قال:) (1) سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء
الله أن يسدلها، ثم فرق بعد (2).
(قال الحافظ أبو نعيم: غريب من حديث مالك وزياد متصلا، تفرد به
أحمد عن حماد، ورواه روح بن عبادة، عن مالك بن أنس، عن زياد عنه
من دون أنس، والمشهور الثابت من حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد
الله عن ابن عباس) (3).
وخرج الترمذي من حديث الربيع بن صبيح، عن يزيد بن إبان، عن أنس
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته (4)، (ويكثر القناع



(1) زيادة للسياق وتقويم النص لاختلاف الأصلين في هذه الفقرة.
(2) (مسند أحمد): 4 / 83، حديث رقم (12842).
قال الحافظ ابن حجر: واختلفوا في معنى قوله: " يحب موافقة أهل الكتاب "، فقيل للاستئناف،
وقيل: المراد أنه كان مأمورا باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه بشئ، وما علم أنهم لم يبدلوه. واستدل
به بعضهم على أن شرع من قبلنا شرع لنا حتى يرد في شرعنا ما يخالفه. وعكس بعضهم فاستدل به.
على أنه ليس بشرع لنا، لأنه لو كان كذلك لم يقل: "، بل كان يتحتم الاتباع.
والحق أن لا دليل في هذا على المسألة، لأن القائل به يقصره على ما ورد في شرعنا أنه شرع لهم،
لا ما يؤخذ عنهم هم، إذ لا وثوق بنقلهم، والذي جزم به القرطبي أنه كان يوافقهم لمصلحة التأليف
محتمل، ويحتمل أيضا - وهو أقرب - أن الحالة التي تدور بين الأمرين لا ثالث لهما، إذا لم ينزل على
النبي صلى الله عليه وسلم شرع كان يعمل فيه بموافقة أهل الكتاب لأنهم أصحاب شرع بخلاف عبدة الأوثان فإنهم
ليسوا على شريعة، فلما أسلم المشركون، انحصرت المخالفة في أهل الكتاب فأمر بمخالفتهم.
وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب فزادت على الثلاثين حكما،
وقد أودعتها كتابي الذي سميته (القول الثبت في الصوم يوم السبت) (للحافظ ابن حجر).
ويؤخذ من قول ابن عباس في الحديث: " كان يجب موافقة أهل الكتاب "، وقوله: " ثم فرق " بعد
نسخ حكم تلك الموافقة كما قررته ولله الحمد، ويؤخذ منه أنه شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ.
(فتح الباري): 10 / 443 - 444، كتاب اللباس، شرح حديث الباب.
(3) ما بين الحاصرتين من (خ) فقط ليس في (ج)، ولعله سقط من الناسخ.
(4) (الشمائل المحمدية): 51، باب ما جاء في ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (33).
79
حتى كأن ثوبه ثوب زيات) (1).
وللإمام أحمد (2) والدارقطني (3) من حديث زكريا بن عدي، أخبرنا
عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عروة عن عائشة،
قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي (4)،
وأشنان (5)، ودهنه بزيت غير كثير.



(1) زيادة للسياق من (الشمائل)، وأخرجه البيهقي في (شعب الإيمان): 5 / 226، فصل في إكرام
الشعر وتدهينه وإصلاحه، حديث رقم (6465)، وابن سعد في (الطبقات): 1 / 484، ذكر مشط
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكحله ومرآته وقدحه، الشوكاني في (الفوائد المجموعة)، باب الخضاب والطيب
وقص الظفر والشارب وتسريح الشعر والختان، حديث رقم (14)، وأخرجها العراقي في (تخريج
أحاديث الإحياء): 4 / 357، وقال: أخرجه الترمذي من حديث أنس بسند ضعيف، والزبيدي في
(إتحاف السادة المتقين): 11 / 694، كتاب الفقر والزهد، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي): 173،
وفي معناه أخرج الذهبي في (ميزان الاعتدال): 1 / 488، في ترجمة الحسن بن دينار - وقيل:
الحسن بن واصل رقم (1843) ولفظه، عن قتادة عن أنس قال: ما رأيت أحدا أدوم قناعا من رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى كأن ملحفته ملحفة زيات. ثم قال في آخره: هذا خبر منكر جدا، وبكر لا يعرف. -
يعني بكر ابن السميدع - أحد رواته، وذكره الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة):
2 / 351، حديث رقم (720)، ثم بين أن إسناده ضعيف، وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل):
114، باب (20) ما جاء في تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (127)، وهو في درجة الحديث
السابق وبنفس تخريجه، والله تعالى أعلم.
(2) (مسند أحمد): 7 / 115، حديث رقم (23969)، حديث رقم (25460) ولفظه: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم أدهن بأطيب دهن يجده، حتى أني لأرى بصيص الدهن في شعره، ولقد
كنت أفتل قلائد الهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يبعث به فما يعتزل منا امرأة.
(3) (سنن الدارقطني): 2 / 226، حديث رقم (41).
(4) الخطمي والخطمي: ضرب من النبات يغسل به. وفي الصحاح: يغسل به الرأس، قال الأزهري: هو
بفتح الخاء، ومن قال خطمي بكسر الخاء فقد لحن. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل رأسه بالخطمي
وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتفي بالماء الذي يغسل به الخطمي،
وينوي به غسل الجنابة، ولا يستعمل بعده ماء آخر يخص به الغسل. (لسان العرب): 12 / 188.
(5) شن عليه الماء: صبه مفرقا. (أساس البلاغة): 340.
80
ولابن حيان من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: كان
النبي صلى الله عليه وسلم، يأخذ من طول لحيته وعرضها (1).



(1) (سنن الترمذي): 5 / 87، كتاب الأدب، باب (17)، ما جاء في الأخذ من اللحية، حديث رقم
(2762)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن
هارون مقارب الحديث لا أعرف له حديثا ليس إسناده أصلا. أو قال: ينفرد به إلا هذا الحديث: كان
النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن هارون، ورأيته حسن
الرأي في عمر.
قال أبو عيسى: وسمعت قتيبة يقول: عمر بن هارون كان صاحب حديث، وكان يقول: الإيمان
قول وعمل. قال: سمعت قتيبة. حدثنا وكيع بن الجراح عن رجل عن ثور بن يزيد أن النبي لله نصب
المنجنيق على أهل الطائف. قال قتيبة: قلت لوكيع: من هذا؟ قال: صاحبكم عمر بن هارون.
(المرجع السابق): 87 - 88، (كنز العمال): 7 / 126، الزينة والتجمل، حديث رقم (18318)،
وعزاه إلى المرجع السابق.
وقد أخرج البخاري في (الصحيح) في كتاب اللباس، باب (64) تقليم الأظافر، حديث رقم
(5892): حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن نافع،
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب. وكان ابن عمر إذا
حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه.
وقد أخرج مالك في (الموطأ)، عن نافع بلفظ: كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ
من لحيته وشاربه. وفي حديث الباب مقدار المأخوذ.
قوله: " فضل " بفتح الفاء والضاد المعجمة، ويجوز كسر الضاد كعلم، والأشهر الفتح، قاله ابن
التين. وقال الكرماني: لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك، فحلق رأسه كله وقصر
من لحيته، ليدخل في عموم قوله تعالى " (محلقين رؤوسهم ومقصرين) (الفتح: 27)، وخص ذلك
من عموم قوله: " وفروا اللحى " فحمله على حالة غير حالة النسك.
قال الحافظ: الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر
على بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال
الطبري: ذهب قوم إلى ظاهر الحديث، فكرهوا تناول شئ من اللحية، من طولها ومن عرضها.
وقال قوم: إذا زاد عن القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك، وإلى عمر
أنه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة أنه فعله.
وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال: كنا نعفى السبال إلا في حج أو عمرة. وقوله:
" نعفى " بضم أوله وتشديد الفاء. أي تتركه وافرا، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر، فإن السبال
بكسر المهملة وتخفيف الموحدة، جمع سبلة، وهي ما طال من شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم
يقصرون منها في النسك. ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية، هل له حد أم لا؟
فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري أنه
يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما
كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها.
قال: وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة، وأسنده عن جماعة، واختار قول عطاء، وقال:
إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به، واستدل
بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها.
وهذا أخرجه الترمذي، ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون: لا أعلم له حديثا منكرا
إلا هذا، وقد ضعف عمر بن هارون مطلقا جماعة.
وقال عياض: يكره حلق اللحية، وقصها، وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت
فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها، كما يكره في تقصيرها، كذا قال.
وتعقبه النووي بأنهت خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها، قال: والمختار تركها على حالها، وأن لا
يتعرض لها بتقصير أو غيره، وكان مراده بذلك في غير النسك، لأن الشافعي نص على استحبابه فيه،
وذكر النووي عن الغزالي - وهو في ذلك تابع لأبي طالب المكي في (القوت) - قال: يكره في اللحية
عشر خصال: خضبها بالسواد لغير الجهاد، وبغير السواد إبهاما للصلاح لا لقصد الاتباع، وتبييضها
استعجالا للشيخوهة لقصد التعاظم على الأقران، ونتفها إبقاء للمرودة، وكذا تحذيفها ونتف الشيب.
ورجح النووي تحريمه لثبوت الزجر عنه، وتصفيفها طاقة طاقة تصنعا ومخيلة، وكذا ترجيلها
والتعرض لها طولا وعرضا على ما فيه من اختلاف، وتركها شعثة إيهاما للزهد، والنظر إليها إعجابا.
وزاد النووي: وعقدها، لحديث رويفع رفعه: من عقد لحيته فإن محمدا منه برئ، الحديث
أخرجه أبو داود،. قال الخطابي: المراد عقدها في الحرب، وهو من زي الأعاجم، وقيل: المراد معالجة
الشعر لينعقد، وذلك من فعل أهل التأنيث.
وأنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال: ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من
لحيته، بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها، فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة،
فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته.
قال أبو شامة: وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها.
وقال النووي: يستثنى من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها،
وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة. (فتح الباري): 10 / 429 - 430.
81
ومن حديث الحسن بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي

82
الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجز شاربه (1).
ومن حديث إبراهيم بن قدامة عن أبي قدامة، عن أبي عبد الله بن الأعز،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص شاربه، ويأخذ من أظفاره قبل أن يروح إلى
الجمعة (2).
وقال إبراهيم الحربي: حدثنا عاصم بن علي، وعبيد بن إسحاق قالا:
حدثنا كامل عن حبيب بن أبي ثابت، عن أم سلمة (رضي الله عنها)
قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلى، ولى عانته (3).
وخرجه عبد الباقي بن قانع، من حديث عاصم بن علي، حدثنا
كامل بن العلاء، حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة قالت:



(1) (أخلاق النبي): 259، وأخرج البخاري في كتاب اللباس، باب (64) تقليم الأظافر، حديث رقم
(5890): حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن
المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد،
وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الآباط.
قوله: " وقص الشارب "، في رواية الإسماعيلي: " وأخذ الشارب "، وفي أخرى له: " وقص
الشوارب "، قال: " وقال مرة الشارب "، قال الجياني: " وقع في كلامهم أنه لعظم الشوارب وهو من
الواحد الذي فرق، وسمى كل جزء منه باسمه، فقالوا لكل جانب منه شاربا، ثم جمع شوارب،
وحكى ابن سيده عن بعضهم: من قال الشاربان أخطأ، وإنما الشاربان ما طال من ناحية السبلة.
قال: وبعضهم يسمى السبلة كلها شاربا، ويؤيده أثر عمر الذي أخرجه مالك، أنه " كان إذا
غضب فتل شاربه "، والذي يمكن فتلة من شعر الشارب السبال، وقد سماه شاربا. (فتح الباري):
10 / 428.
(2) (أخلاق النبي): 256، (مسند أحمد): 1 / 495، حديث رقم (2733)، ولفظه: حدثنا عبد
الله، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا حسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن
ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص شاربه، وكان أبوكم إبراهيم من قبله يقص شاربه، راجع
التعليق السابق، (طبقات ابن سعد): 1 / 449، ذكر أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاربه، (كنز العمال):
7 / 127، حديث رقم (18322).
(3) (طبقات ابن سعد): 1 / 442، ذكر من قال: اطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة، من ثلاث طرق أخر،
(كنز العمال): 7 / 126، حديث رقم (18315)، عن ابن سعد عن إبراهيم وعن حبيب بن أبي
ثابت مرسلا.
83
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تنور أطلى مغابنه (1) بيده (2).
وحدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا حماد بن زيد، عن أبي هاشم، عن
حبيب بن أبي ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينور ما أقبل منه، وينور أهله
سائر جسده (3).
وحدثنا موسى، حدثنا إبان عن هشام عن أبي معشر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نوره
بعض أهله، ونور هو عورته (3).
وحدثنا عن عبيد الله، حدثنا عبد الواحد، حدثنا صالح بن صالح،
(قال:) أخبرنا أبو معشر زياد بن كليب، (قال:) إن رجلا نور رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ مراقة (4)، كف الرجل، ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه..



(1) المغابن: مفردها مغبن، وهو الإبط، وفي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اطلى بمغابنه، وهي بواطن الأفخاذ
عند الحوالب، جمع مغبن، من غبن الثوب إذا ثناه وعطفه، وهي معاطف الجلد أيضا.
وفي حديث عكرمة من مس مغابنه فليتوضأ، أمره بذلك استظهارا واحتياطا، فإن الغالب على من
يلمس ذلك الموضع أن تقع يده على ذكره، وقيل: المغابن الأرقاع والآباط، واحدها مغبن. وقال ثعلب:
كل ما ثنيت عليه فخذك فهو مغبن (لسان العرب): 13 / 310.
(2) (طبقات ابن سعد): 1 / 442 - ذكر من قال: اطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة، (السنن الكبرى
للبيهقي): 1 / 152 عن أم سلمة، ثم ذكره من طرق أخر، بسياقات مختلفة، منها: " كان يتنور
ويلي عانته بيده "، " كان يدخل الحمام ويتنور ".
قال في (اللسان): النورة: من الحجر الذي يحرق ويسوى منه الكلس ويحلق به شعر العانة. قال
أبو العباس: انتور الرجل وانتار من النورة، قال ابن سيده: وقد انتار الرجل وتنور تطلى بالنورة. (لسان
العرب): 5 / 344.
(3) راجع التعليق، والتعليق التالي.
(4) مراق البطن: أسفله وما حوله، مما استرق منه، ولا واحد لها. (التهذيب): والمراق ما سفل من البطن
عند الصفاق أسفل من السرة. وفي حديث عائشة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن
يغتسل من الجنابة بدأ بيمينه فغسلها، ثم غسل مراقه بشماله، ويفيض عليها بيمينه، فإذا أنقاها
أهوى بيده إلى الحائط فدلكها، ثم أفاض عليها الماء، أراد بمراقه ما سفل من بطنه ومذاكيره، والمواضع
التي ترق جلودها كنى عن جميعها بالمراق، وهو جمع المرق، قال الهروي: واحدها مرق، وقال
الجوهري: لا واحد لها. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أطلى حتى إذا بلغ المراق ولى هو ذلك بنفسه (لسان
العرب): 10 / 122.
84
(ولابن قانع من حديث إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا معن بن عيسى
عمن حدثه عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس (رضي الله
عنهما) قال: اطلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فستر عورته بثوب، وطلا الرجل سائر
جسده، فلما فرغ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج عني، ثم طلى النبي صلى الله عليه وسلم عورته
بيده) (1).
ولابن حيان من حديث علي بن الحسن بن شقيق، عن أبي حمزة، عن
مسلم الملائي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينور،
فإذا كثر شعره حلقه (2).
(ويتحمل قول أنس أن عادته صلى الله عليه وسلم كانت الحلق، وأن ذلك كان الأكثر
من أحواله) صلى الله عليه وسلم (1).



(1) ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (ج). قال الحافظ البيهقي: روى أبو داود في (المراسيل)، عن
أبي كامل الجحدي، عن عبد الواحد، عن صالح بن صالح، عن أبي معشر، أن رجلا نور رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ العانة كف الرجل ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه (السنن الكبرى): 1 / 152، باب ما جاء
في التنور.
(2) قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، حدثنا أبو علي الرفاء، حدثنا أبو العباس أحمد بن
عبد الله الطائي ببغداد، حدثنا أبو عمار الحسن بن حارث المروزي، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق،
عن أبي حمزة السكري، عن مسلم الملائي، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتنور، فإذا كثر شعره
حلقه. ثم قال الحافظ البيهقي: مسلم الملائي ضعيف في الحديث، فإن كان حفظه فيحتمل أن يكون
قتادة أخذ أيضا عن أنس، والله تعالى أعلم. (المرجع السابق).
وقد روى في ذلك عن ابن عمر أخبرناه يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدثنا أبو العباس
محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع، أن
عبد الله بن عمر كان يطلي، فيأمرني أطليه حتى إذا بلغ سفلته وليها هو.
وبهذا الإسناد قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني عن الله بن عمر عن نافع، أن ابن عمر كان لا
يدخل الحمام، وكان يتنور في البيت، ويلبس إزارا، ويأمرني أطلي ما ظهر منه، ثم يأمرني أن أؤخر
عنه، فيلي فرجه. (المرجع السابق).
85
فصل في ذكر مرآة النبي صلى الله عليه وسلم ومكحلته
ذكر العقيلي في كتاب الضعفاء، أن اسم مرآة رسول الله صلى الله عليه وسلم: المدله (1)،
وقال ابن درستويه مرآة ومراة على تخفيف الهمزة، والجمع مرايا.
(و) قال الحارث بن مسلم عن الزهري، عن أنس (رضي الله عنه) قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر وجهه في المرآة قال: الحمد لله الذي سوى خلقي
فعدله، وكرم صورة وجهي وحسنها، وجعلني من المسلمين (2).
وقال صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضي الله
عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: الحمد لله الذي
حسن خلقي وخلقي، وزان مني ما شان من غيري (3).
ولابن حيان من حديث أبي هلال، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضي



(1) (إتحاف السادة المتقين): 8 / 261، وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، وفيه آفات، منها: عبد
الملك وهو العرزمي، وقد تركه شعبة، ومنها: علي بن عروة. قال يحيى: ليس بشئ، وقال أبو حاتم
الرازي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، ومنها: عمر بن عبد الرحمن، وقد قدحوا
فيه. (الموضوعات): 1 / 293، باب أسماء مراكبه وسلاحه صلى الله عليه وسلم وقد قدحوا فيه. (الموضوعات):
1 / 293، باب أسماء مراكبه وسلاحه صلى الله عليه وسلم، وفي (الإتحاف): " علي بن عذرة الدمشقي " بدلا من
" علي بن عروة ".
(2) (مجمع الزوائد): 10 / 138، 139، (أخلاق النبي): 172 الأذكار للنووي): 270، (كنز
العمال): 6 / 693 باب النظر في المرآة، حديث رقم (17442) وعزاه إلى ابن السني والديلمي،
7 / 124، باب الزينة والتجمل، حديث رقم (18300)، وعزاه إلى ابن السني عن أنس.
(3) (كنز العمال) 7 / 124، باب الزينة والتجمل، حديث رقم (18301) وتمامه: وإذا اكتحل جعل
في كل عين اثنتين وواحدة بينهما، وكان إذا لبس نعله بدأ باليمين، وإذا خلع خلع اليسرى، وكان إذا
دخل المسجد أدخل رجله اليمنى، وكان يحب التيمن في كل شئ أخذا وإعطاء. وعزاه إلى أبي
يعلى والطبراني عن ابن عباس.
86
الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: اللهم كما
حسنت خلقي فحسن خلقي (1).
ومن حديث إبراهيم بن أبي عبلة قال: سمعت أبا الدرداء قال: سمعت
عائشة رضي الله عنها: كنت أزود رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزاه: دهنا، ومشطا،
ومرآة، ومقصين، ومكحلة وسواكا (2).
وقال حسين بن علوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله
عنها قالت: سبع لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتركهن في سفر ولا حضر:
القارورة، والمشط، والمرآة، والمكحلة، والسواك، والمقص، والمدري. قلت
لهشام: المدري ما باله؟ قال: حدثني أبي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
له وفرة إلى شحمة أذنه، وكان (صلى الله عليه وسلم) يحركها بالمدري (3).



(1) (المقاصد الحسنة): 1 / 189، وقال: رواه الإمام أحمد عن أبي مسعود، والمشهور على الألسنة:
اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي، يقوله الناس عند النظر إلى المرآة، حديث رقم (566)،
(كنز العمال): 3 / 12، حديث رقم (5197)، وعزاه إلى الإمام أحمد عن ابن مسعود، (مسند
الإمام أحمد): 1 / 665، حديث رقم (3813)، (طبقات ابن سعد): 1 / 377، ذكر حسن
خلقه وعشرته صلى الله عليه وسلم، (أخلاق النبي): 171.
(2) راجع التعليق التالي.
(3) (شعب الإيمان): 5 / 233، باب في الملابس والأواني، فصل في دفن الشعر والظفر والدم، حديث
رقم (6490): أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني، أنبأنا أبو بكر أحمد بن سعيد الأخميمي
بمكة، حدثنا محمد بن عمرو بن خالد، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن أرقم، عن
الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنه قالت: كان لا يفارق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
سواكه، ومشطه، وكان ينظر في المرآة أحيانا ويأمر به. قال الشيخ. سليمان بن أرقم ضعيف.
وحديث رقم (6491): أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح بالكوفة، حدثنا أبو القاسم
عبد الرحمن بن الحسن الهمداني، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم، حدثنا سليمان بن داود
الشاذاكوني، حدثنا أيوب بن واقد، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنه قالت:
خمس لم يفارقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضر ولا سفر: المشط، والمكحلة، والمرآة، والسواك، والمدري.
وحديث رقم (6492): أخبرنا أبو سعيد الماليني - أو أبو عبد الله المازني - قال: قال أبو أحمد
ابن عدي الحافظ: وهذا الحديث لم يحدث به عن هشام بن عروة إلا ضعيف.
وحديث رقم (6493): أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا
محمد بن إسحاق الصاغاني - حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا محمد بن عون، عن ابن سيرين قال: كان
عمر يكثر النظر في المرآة، وتكون معه في الأسفار، قلت: ولم؟ قال: أنظر، فما كان في وجهي من
زين هو في وجه غيري شين أحمد الله عليه. ومحمد بن عون هذا غير قوي.
وقال ابن عدي في (الكامل): حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، حدثنا محمود بن خداش
قال: حدثنا يعقوب بن الوليد الأزدي، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها،
قالت: سبع لم يفتن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر، القارورة، والمشط، والمكحلة، والمقراضان،
والسواك، والمرآة. (الكامل في ضعفاء الرجال): 7 / 147، ترجمة يعقوب بن الوليد بن أبي هلال
الأزدي، رقم (4 / 2057)، ضعفوه، وقال بعضهم: متروك قال عنه عبد الله بن أحمد عن أبيه:
حرقنا حديثه منذ دهر، كان من الكذابين الكبار، وكان يضع الحديث، وقال الدوري عن ابن معين:
لم يكن بشئ، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال عمرو بن علي: ضعيف الحديث جدا، وقال
الجوزجاني: غير ثقة، ولا مأمون، وقال أبو زرعة: غير ثقة.
وقال النسائي: ليس بشئ متروك الحديث، وقال مرة: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال
الدارقطني ضعيف، وقال ابن عدي: هو بين الأمر في الضعفاء. له ترجمة في (تهذيب التهذيب):
11 / 349، ترجمة رقم (666)، (ميزان الاعتدال): 4 / 455، ترجمة رقم (9829).
وقال ابن عدي في (الكامل): حدثنا يوسف بن عاصم الرازي حدثنا سليمان الشاذكوني،
حدثنا أيوب بن واقد - وكان من أهل الكوفة ونزل البصرة - عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة
قالت: خمس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهن في سفر ولا حضر: المرآة والمكحلة، والمشط، والمدري،
والسواك، قال الشيخ: هذا الحديث لم يحدث به من هشام بن عروة إلا ضعيف. (الكامل في ضعفاء
الرجال): 1 / 356، ترجمة أيوب بن واقد رقم (185 / 185)، قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه:
ضعيف الحديث، وقال الدوري وابن الجنيد عن ابن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: حديثه ليس
بالمعروف، منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال الترمذي بعد سياقه
حديثه: من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم: هذا حديث منكر، لا نعرف أحدا من الثقات
رواه عن هشام بن عروة، وليس له عند الترمذي غيره.
قال الحافظ ابن حجر: وقال الدارقطني متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير،
حتى يسبق إلى القلب، كأنه كان يتعمدها، لا يجوز الاحتجاج بخبره، ونقل ابن الجوزي عن أبي حاتم
والنسائي: ضعيف. (تهذيب التهذيب): 1 / 363، ترجمة رقم (673).
قال الشوكاني: وكذا حديث: كان لا يفارقه المشط لا في سفر ولا في حضر، ضعيف كما قال
السخاوي. (الفوائد المجموعة): 198، باب الخضاب، والطيب، وقص الظافر، والشارب، وتسريح
الشعر والختان، حديث رقم (15).
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه يعقوب بن الوليد عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة رضي الله عنها قالت: سبع لمن يفتن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر: القارورة، والمرآة
والمكحلة، والمقراضان، والمدراة، والمشط، والسواك. قال أبي: هذا حديث موضوع، ويعقوب بن الوليد
كان يكذب. (علل الحديث): 2 / 304، حديث رقم (2423).
قال ابن الجوزي في (العلل) 2 / 688، حديث في استصحاب آلات الزينة رقم (1145)، من
حديث حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سبع لم
يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتركهن في سفر ولا حضر... وحديث رقم (1146)، من حديث أيوب بن
واقد، عن هشام بن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خمس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعهن في سفر ولا حضر... وحديث رقم (1147)، من حديث يعقوب بن الوليد الأزدي قال:
حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها،، قالت: سبع لم يفتن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سفر ولا حضر.......
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، أما الطريق الأول: ففيه حسين بن علوان، قال أحمد
ويحيى: هو كذاب، وقال ابن عدي وابن حبان: كان يضع الحديث.
وأما الطريق الثاني: ففيه أيوب بن واقد، قال يحيى: ليس بثقة، وقال ابن حبان: لا يجوز
الاحتجاج بروايته، وفيه سليمان الشاذكوني، قال يحيى: كان كذابا ويضع الحديث. وقال البخاري:
هو عندي أضعف من كل ضعيف.
وأما الطريق الثالث: ففيه يعقوب بن الوليد، قال أحمد: كان من الكذابين الكبار، يضع
الحديث. وقال يحيى: لم يكن بشئ كذاب، وقال الرازي والنسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان:
يضع الحديث على الثقات (العلل المتناهية): 2 / 688 - 689، حديث في استصحاب آلات الزينة،
رقم (1145)، (1146)، (1147).
87
وللترمذي في (الشمائل)، من حديث عباد بن منصور، عن عكرمة،
عن ابن عباس (رضي الله عنه)، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اكتحلوا بالإثمد (1)،
فإنه يجلو البصر (2)، ويثبت الشعر، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مكحلة
يكتحل منها كل ليلة: ثلاثة في هذه، وثلاثة في هذه (3).



(1) الإثمد: حجر يتخذ منه الكحل، وقيل: ضرب من الكحل.
(2) يجلو البصر: أي يكشف ويظهر، والمعنى: يقوي وينظف العين.
(3) (الشمائل المحمدية): 63، باب (7)، ما جاء في كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (50)،
وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن): 4 / 206، كتاب اللباس، باب (23) ما جاء في الاكتحال،
حديث رقم (1757)، قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن غريب لا نعرفه على هذا
اللفظ إلا من حديث عباد بن منصور. حدثنا علي ابن حجر ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا يزيد بن
هارون، عن عباد بن منصور نحوه، وقد روي من غيره وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عليكم بالإثمد فإنه
يجلو البصر وينبت الشعر، وفي كتاب الطب، باب (9) ما جاء في السعوط وغيره، حديث رقم
(2048)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث عباد بن منصور، والسعوط: كل
ما يوضع في الأنف من الدواء.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1156، كتاب الطب، باب (25) الكحل بالإثمد، حديث
رقم (3495)، (3496)، وفي باب (26) من اكتحل وترا، حديث رقم (3498)، (3499).
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 1 / 583، حديث رقم (3308)، وابن سعد في
(الطبقات): 1 / 484، ذكر مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكحلته ومرآته وقدحه، وأبو الشيخ في (أخلاق
النبي): 170، والحاكم في (المستدرك): 4 / 452، حديث رقم (8248) وقال: هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص): صحيح، حديث رقم (8249)
وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعباد لم يتكلم فيه بحجة، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص): ولا هو بحجة.
وأخرجه الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء): 3 / 343 في ترجمة عكرمة مولى ابن عباس رقم
(245)، (كنز العمال): 7 / 125، حديث رقم (18305) وعزاه للترمذي عن ابن عباس.
وأخرجه ابن عدي في (الكامل) 2 / 32، في ترجمة بكر بن بكار القيسي أبو عمر البصري
رقم (29 / 272) وقال: وهذا الحديث يرويه عن عباد بكر بن بكار، ويرويه أيضا الحسن بن عطية
عن إسرائيل عن عباد بن منصور، 3 / 433 - 434، في ترجمة سيف بن محمد ابن أخت سفيان
الثوري رقم (188 / 850)، وقال: قال الشيخ: وبهذا الإسناد حدثناه عبد الله بن محمد بغير
حديث، إلا أن هذا الحديث من بين الأحاديث التي حدثناه بها، هذا أنكرها.
وعباد بن منصور الباجي - أو الناجي - أبو سلمة البصري القاضي، روى عن عكرمة، وعطاء وأبي
رجاء العطاردي، والحسن بن أيوب وهشام بن عروة وغيرهم، وروى عنه إسرائيل وحماد بن سلمة،
وريحان بن سعيد، وزياد بن الربيع، وابن أخته عرعرة بن البرند، ويحيى القطان وابن وهب وروح بن
عبادة والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وغيرهم.
قال علي بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: عباد بن منصور كان قد تغير؟ قال: لا أدري، إلا أنا
حين رأيناه نحن كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه.
وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد: قال جدي: عباد ثقة لا ينبغي أن يترك حديثه لرأى
أخطأ فيه، يعني القدر.
وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشئ، وكان يرمى بالقدر. وقال أبو زرعة لين، وقال أبو حاتم:
كان ضعيف الحديث يكتب حديثه.
وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد، قلت لعباد بن منصور: سمعت حديث ما مررت
بملأ من الملائكة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل ثلاثا، يعني عن عكرمة، فقال: حدثهن ابن أبي يحيى
عن داود عن عكرمة.
وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: حديثه ليس بالقوى، ولكنه يكتب، وقال الدارقطني:
ليس بالقوي.
وقال ابن أبي شيبة عن أيوب وعكرمة: وكان ينسب إلى القدر، روى أحاديث مناكير، وقال ابن
سعيد: هو ضعيف عندهم، وله أحاديث منكرة.
وقال الجوزجاني: كان يرمى برأيهم، وكان سئ الحفظ، وتغير أخيرا. وقال رسته عن يحيى بن
سعيد: مات عباد وهو على بطن امرأته، وقال ابن قانع: مات سنة اثنتين وخمسين ومائة.
قال الحافظ ابن حجر: وفيها أرخه أبو موسى العنزي، وزكرياء الساجي وابن حبان وقال: كان
قدريا داعية إلى القدر، كلما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن يحيى بن أبي يحيى، عن داود بن
الحصين عنه، فدلسها عن عكرمة، (تهذيب التهذيب): 5 / 90 - 91، ترجمة رقم (172).
90
وله في رواية قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل قبل أن ينام بالإثمد
(ثلاثا) (1) في كل عين. وقال يزيد بن هارون في حديثه - يعني عن عباد -
إن النبي (صلى الله عليه وسلم) كانت له مكحلة يكتحل (منها) (1) عند النوم ثلاثا في
كل عين (2).



(1) زيادة للسياق من (الشمائل).
(2) راجع التعليق على الحديث السابق.
91
فصل في محبة النبي صلى الله عليه وسلم للطيب وتطيبه
خرج الإمام أحمد من حديث (السلام) أبي المنذر، عن ثابت عن أنس،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حبب إلي النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في
الصلاة (1).
وخرجه الحاكم من حديث سيار بن حاتم، حدثنا جعفر بن سليمان عن
ثابت عن أنس (رضي الله عنه)، إلا أنه قال: وجعل (2) قرة عيني، قال
الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (3).
وخرجه النسائي ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من الدنيا (4)
النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة (5).



(1) (مسند أحمد): 3 / 581، حديث رقم (111884)، (11885)، 4 / 54 - 55، حديث رقم
(12644)، 4 / 201، حديث رقم (13623).
(2) كذا في (خ)، (ج)، وفي المستدرك: " وجعلت ".
(3) (المستدرك): 2 / 174، حديث رقم (2676)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص): على شرط
مسلم.
(4) قال العلامة ابن القيم: صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم قال: حبب إلي من دنياكم
النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة. هذا لفظ الحديث، ومن رواه: حبب إلي من دنياكم
ثلاث، فقد وهم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: ثلاث، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها، وكان
النساء والطيب أحب شئ إليه صلى الله عليه وسلم. (زاد المعاد): 1 / 150، فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح
ومعاشرته أهله، 4 / 250، فصل وأما الجماع والباه، 4 / 336، حرف الطاء من فصل في ذكر شئ
من الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسانه صلى الله عليه وسلم.
(5) (سنن النسائي): 7 / 72، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949)،
(3950).
قال الحافظ السيوطي: قال بعضهم: في هذا قولان:
أحدهما: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف، حتى يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف من أداء
الرسالة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره.
والثاني: لتكون خلواته مع ما يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر
أو شاعر، فيكون تحبيبهن إليه على وجه اللطف به، وعلى القول الأول على وجه الابتلاء، وعلى
القولين فهو له فضيلة.
وقال التستري في (شرح الأربعين): من في هذا الحديث بمعنى: في، لأن هذه من الدين لا من
الدنيا، وإن كانت فيها، والإضافة في رواية دنياكم للإيذان بأن لا علاقة له بها.
وفي هذا الحديث إشارة إلى وفائه صلى الله عليه وسلم، بأصلي الدين، وهما التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق
الله، وهو كمالا قوتيه النظرية والعملية، فإن كمال الأولى بمعرفة الله والتعظيم دليل عليها، لأنه لا
يتحقق بدونها، والصلاة لكونها مناجاة الله تعالى، على ما قال صلى الله عليه وسلم: المصلي يناجي ربه، نتيجة
التعظيم على ما يلوح من أركانها ووظائفها.
وكمال الثانية في الشفقة وحسن المعاملة مع الخلق، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كل واحد
من الناس نفسه وبدنه، كما قال صلى الله عليه وسلم: إبدأ بنفسك ثم بمن تعول، والطيب أخص الذات بالنفس
ومباشرة النساء ألذ الأشياء بالنسبة إلى البدن، مع ما يتضمن من حفظ الصحة وبقاء النسل المستمر
لنظام الوجود.
ثم إن معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال، لأنهن أرق دينا وأضعف عقلا، وأضيق خلقا،
كما قال صلى الله عليه وسلم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن.
فهو عليه السلام أحسن معاملتهن بحيث عوتب بقوله تعالى: (تبتغى مرضاة أزواجك)، وكان
صدور ذلك منه طبعا لا تكلفا، كما يفعل الرجل ما يحبه من الأفعال.
فإذا كانت معاملته صلى الله عليه وسلم معهن هذا، فما ظنك بمعاملته مع الرجال، الذين هم أكمل عقلا، وأمثل
دينا، وأحسن خلقا.
وقوله: وجعلت قرة عيني في الصلاة، إشارة إلى أن كمال القوة النظرية أهم عنده وأشرف في
نفس الأمر، وأما تأخيره فللتدرج التعليمي من الأدنى إلى الأعلى، وقدم الطيب على النساء لتقدم
حظ النفس على حظ البدن في الشرف.
وقال الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول): الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم، وذلك أن
النور إذا امتلأ من الصدر ففاض في العروق التذت النفس والعروق فأثار الشهوة وقواها.
وروي عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أعطيت قوة أربعين رجلا في البطش والنكاح، وأعطى المؤمن قوة
عشرة فهو صلى الله عليه وسلم بالنبوة، والمؤمن بإيمانه، والكافر له شهوة الطبيعة فقط.
قال: وأما الطيب فإنه يزكي الفؤاد، وأصل الطيب إنما خرج من الجنة، تزوج آدم منها بورقة تستر
بها، فتركت عليه.
وروى أحمد والترمذي، من حديث أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع من سنن المرسلين:
التعطر، والحياء، والنكاح، والسواك.
وقال الشيخ تقي الدين السبكي: السر في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى
أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشد الناس حياء، فجعل الله تعالى له نسوة ينقلن ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله، التي قد
يستحي من الإفصاح بها بحضرة الرجال، ليكتمل نقل الشريعة، وكثر عدد النساء ليكثر الناقلون
لهذا النوع، ومنهن عرف مسائل الغسل والحيض والعدة ونحوها.
قال: ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح، ولا كان يحب الوطء البشرية - معاذ الله - وإنما
حبب إليه النساء لنقلهن عنه ما يستحي هو من الإمعان في التلفظ به، فأحبهن لما فيه من الإعانة على
نقل الشريعة في هذه الأبواب.
وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه وحالة خلوته من الآيات البينات على
نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي، وما كان
يشاهدها غيرهن، فحصل بذلك خير عظيم.
وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي: لما كانت الصلاة جامعة لفضائل الدنيا والآخرة، خصها بزيادة
صفة، وقدم الطيب لإصلاحه النفس، وثنى بالنساء لإماطة أذى النفس بهن، وثلث بالصلاة لأنها
تحصل حينئذ. صافية عن الشوائب، خالصة عن الشواغل. (شرح الحافظ السيوطي على سنن
النسائي): 7 / 72 - 73، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949).
وأخرجه ابن عدي في (الكامل): 3 / 305)، في ترجمة سلام بن أبي الصهباء رقم (36 /
768)، ضعفه ابن حجر وقال الذهبي: الأولى أنه صدوق.
وأخرجه العقيلي في (الضعفاء الكبير) 2 / 60، ترجمة سلام بن سليمان أبو المنذر القاري رقم
(666)، قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن معين لا بأس به.
قال العلامة نور الدين علي بن محمد بن سلطان المشهور بالملأ على القارئ في (الأسرار
المرفوعة): 176، حديث رقم (190): حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجعلت قرة
عيني في الصلاة، قال الزركشي: رواه النسائي والحاكم من حديث أنس بدون لفظ " ثلاث ".
وقال السخاوي: لم أقف على لفظ " ثلاث " إلا في موضعين من الإحياء وفي تفسير آل عمران
من الكشاف، وما رأيتهما في شئ من طرق هذا الحديث، بعد مزيد التفتيش. أما صحته من جهة
المبنى، فقد قال السيوطي في (تخريج أحاديث الشفاء): لكن عند أحمد من حديث عائشة: كان
يعجب نبي الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ثلاثة أشياء: النساء والطيب والطعام، فأصاب اثنتين، ولم يصب
واحدة، أصاب النساء والطيب ولم يصب الطعام. قال: إسناده صحيح. إلا أن فيه رجلا لم يسم.
قلت: فيصير إسناده حسنا، وأما صحته من جهة المعنى، فلوقوع قرة عينه في الدنيا جعل كأنه منها،
ويؤيد ما جاء في رواية: " الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة " وهل المقصود بالصلاة: العبادة
الموضوعة لسائر الأنام أو الصلاء عليه صلى الله عليه وسلم؟ ثم قال محققه: بل يصير إسناده ضعيفا، كما تقتضي
بذلك قواعد علم المصطلح. (الأسرار المرفوعة): 176، حديث رقم (160)، (المقاصد الحسنة):
292 - 293، حديث رقم (380).
قال الحافظ ابن حجر: أخرجه النسائي من طريق سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان، ومن طريق
سلام بن مسكين، كلاهما عن ثابت عن أنس، ومن طريق سيار. رواه أحمد في (الزهد)، والحاكم في
(المستدرك)، ومن طريق سلام أخرجه أحمد وابن أبي شيبة، وابن سعد، والبزار، وأبو يعلى، وابن
عدي في (الكامل) وأعله به، والعقيلي في (الضعفاء) كذلك.
وقال الدارقطني في علله: رواه أبو المنذر سلام، وسلام بن أبي الصهباء، وجعفر بن سليمان،
فرووه عن ثابت عن أنس، وخالفهم حماد بن زيد عن ثابت مرسلا.. وكذا رواه محمد بن ثابت
البصري، والمرسل أشبه بالصواب.
وقد رواه عبد الله بن أحمد في (زيادات الزهد) عن غير أبيه من طريق يوسف بن عطية، عن
ثابت مرسلا، ويوسف ضعيف.
وله طريق أخرى معلولة عند الطبراني في الأوسط، عن محمد بن عبد الله الحضرمي، عن يحيى
ابن عثمان الحربي، عن الهقل بن زياد، عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس
مثله.
قال الحافظ ابن حجر: ليس في شئ من طرقه لفظ: " ثلاث " بل أوله عند الجميع: " حبب إلي من
دنياكم النساء.... " وزيادة " ثلاث " تفسد المعنى (الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف):
27، حديث رقم (229)، (إحياء علوم الدين) 2 / 50، 2 / 65، 3 / 341، 4 / 454.
92
وخرجه قاسم بن أصبغ، ومحمد بن أيمن، ولأحمد من حديث
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل حدثه عن عائشة (رضي الله عنها)
قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه من الدنيا ثلاثة: الطعام، والنساء،
والطيب، فأصاب ثنتين ولم يصب واحدة، أصاب النساء والطيب، ولم

95
يصب الطعام (1).
وفي تحبيب النساء إليه صلى الله عليه وسلم أقوال:
أحدها: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف حتى لا يلهو بما حبب إليه من
النساء عما كلف به من أداء الرسالة، ولا يعجز عن تحمل أثقال النبوة،
فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره.
الثاني: ليكون مع من يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه
المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحببهن إليه لطفا به.
الثالث: الحث لأمته على ما فيه كثرة النسل الذي به المباهاة يوم القيامة.
الرابع: التشرف به في قبائل العرب (فقد نكح في سائر شرف قبائل
العرب) (2) إلا في تميم وثعلب.
الخامس: لتكون العشائر من جهة نسائه، فيقوى أعوانه على أعدائه.
وللبخاري من حديث عزرة بن ثابت الأنصاري (قال) (3). حدثني
ثمامة بن عبد الله، عن أنس (رضي الله عنه)، أنه كان لا يرد الطيب، وزعم
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب. ذكره في (كتاب) اللباس، (وترجم
عليه) باب: من لم يرد الطيب (4).



(1) (مسند أحمد): 7 / 107، حديث رقم (23919)، قال العلامة العجلوني: إسناده صحيح، إلا
أن فيه رجلا لم يسم (كشف الخفا): 1 / 339، تعليقا على الحديث رقم (1089)، وراجع التعليق
السابق.
(2) ما بين الحاصرتين في (خ) وليس في (ج).
(3) زيادة للسياق من البخاري.
(4) (فتح الباري): 10 / 453، كتاب اللباس، باب (80) من لم يرد الطيب، حديث رقم (5929)،
وأخرجه البزار من وجه آخر عن أنس بلفظ: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم طبب قط فرده، وسنده حسن.
وللإسماعيلي من طريق وكيع عن عزرة بسند حديث الباب نحوه، وزاد: وقال: إذا عرض على أحد
الطيب فلا يرده. وهذه الزيادة لم يصرح برفعها.
وقد أخرج أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان من رواية الأعرج، عن أبي هريرة رفعه: من
عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيب الريح حفيف المحمل.
وأخرج مسلم من هذا الوجه، لكن وقع عنده: ريحان بدل طيب. والريحان كل بقلة لها رائحة
طيبة. قال المنذري: ويحتمل أن يراد بالريحان جميع أنواع الطيب، يعني مشتقا من الرائحة.
قال الحافظ: مخرج الحديث واحد، والذين رووه بلفظ الطيب أكثر عددا وأحفظ فروايتهم أولى،
وكأن من رواه بلفظ ريحان أراد التعميم حتى لا يخص بالطيب المصنوع، لكن اللفظ غير واف
بالمقصود.
وللحديث شاهد عن ابن عباس أخرجه الطبراني بلفظ: من عرض عليه الطيب فليصب منه، نعم
أخرج الترمذي من مرسل أبي عثمان النهدي: إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة.
قال ابن العربي: إنما كان لا يرد الطيب لمحبته فيه، ولحاجته إليه أكثر من غيره، لأنه صلى الله عليه وسلم يناجي من
لا نناجي، وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن رد الطيب فهو محمول على ما يجوز أخذه لا على ما لا يجوز أخذه،
لأنه مرود بأصل الشرع. (فتح الباري): 10 / 453 - 454.
96
وذكره في كتاب الهبة (في باب مالا يرد من الهدية) ولفظه: حدثني
ثمامة بن عبد الله قال: دخلت عليه فناولني طيبا، قال: كان أنس (رضي
الله عنه) لا يرد الطيب، قال: وزعم أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد
الطيب (1).



(1) (فتح الباري): 5 / 261، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (9) ما لا يرد من الهدية،
حديث رقم (2582)، قوله: " باب ما لا يرد من الهدية "، كأنه أشار إلى ما وراء الترمذي من حديث
ابن عمر مرفوعا: ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن، قال الترمذي: يعني بالدهن: الطيب،
وإسناده حسن، إلا أنه ليس على شرط البخاري، فأشار إليه، واكتفى بحديث: أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرد
الطيب.
قال ابن بطال: إنما كان صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاته الملائكة، ولذلك كان لا
يأكل الثوم ونحوه.
قال الحافظ: لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه، وليس كذلك، فإن أنسا اقتدى
به في ذلك. وقد ورد النهي عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك، في حديث صحيح رواه أبو داود
والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا: من عرض
عليه طيب فلا يرده، فإنه خفيف الحمل طيب الرائحة.
وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن قال: " ريحان " بدل " طيب "، ورواية الجماعة أثبت، فإن أحمد
وسبعة أنفس معه رووه عن عبد الله بن يزيد المقبري، عن سعيد بن أبي أيوب بلفظ " الطيب "، ووافقه
ابن وهب عن سعيد عند ابن حبان، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، وقد قال الترمذي عقب
حديث أنس وابن عمر: وفي الباب عن أبي هريرة، فأشار إلى هذا الحديث. قوله: " وزعم "، أي قال،
والزعم يطلق على القول كثيرا. (فتح الباري): 5 / 261 - 262.
97
وله من حديث عروة والقاسم (يخبران) (1)، عن عائشة رضي الله عنها،
(قالت: طيبت رسول بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام.).
ذكره في (كتاب) اللباس، وترجم عليه باب: الذريرة (2). وخرجه مسلم
في الحج (3)، وأخرجا (4) من حديث شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن



(1) زيادة للسياق من البخاري.
(2) (فتح الباري): 10 / 454، كتاب اللباس، باب (81)، الذريرة، حديث رقم (5930).
والذريرة، بمعجمة وراءين بوزن عظيمة: هي نوع من الطيب مركب، قال الداودي: تجمع مفرداته ثم
تسحق وتنخل، ثم تذر في الشعر والطوق، فلذلك سميت ذريرة، كذا قال، وعلى هذا فكل طيب
مركب ذريرة، لكن الذريرة نوع من الطيب مخصوص، يعرفه أهل الحجاز وغيرهم، وجزم غير واحد
- منهم النووي - بأنه فتات قصب طيب يجاء به من الهند.
(3) (مسلم بشرح النووي): 8 / 349، كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث
رقم (35)، وفيه دلالة على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام، وأنه لا بأس باستدامته بعد الإحرام
وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام، وهذا مذهبنا، وبه قال خلائق من الصحابة التابعين، وجماهير المحدثين
والفقهاء، ومنهم: سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن الزبير، ومعاوية، وعائشة، وأم حبيبة، وأبو
حنيفة، والثوري، وأبو يوسف، وأحمد، وداود، وغيرهم.
وقال آخرون بمنعه، منهم الزهري، ومالك، ومحمد بن الحسن، وحكى أيضا عن جماعة من
الصحابة والتابعين. قال القاضي: وتأول هؤلاء حديث عائشة هذا على أنه صلى الله عليه وسلم تطيب ثم اغتسل
بعده، فذهب الطيب قبل الإحرام.
ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه، ثم
أصبح محرما، فظاهره أنه تطيب لمباشرة نسائه، ثم زال بالغسل بعده، لا سيما وقد نقل أنه كان
يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى، ولا يبقى مع ذلك، ويكون قولها: ثم أصبح ينضخ طيبا أي قبل
غسله.
وقد سبق في رواية لمسلم (وللبخاري أيضا) أن ذلك الطيب كان ذريرة، وهي مما يذهبه الغسل.
(مسلم بشرح النووي): 8 / 348 - 349.
(4) (فتح الباري): 3 / 505، كتاب الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن
يحرم، ويترجل ويدهن، حديث رقم (1537)، (1538)، قوله: " كأني أنظر "، أرادت بذلك قوة
تحققها لذلك، بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه.
قوله: " في مفارق "، جمع مفرق، وهو المكان الذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس، قيل: ذكرته
بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر.
وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (40):
" لكأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يهل "، وحديث رقم (41): " كأني
أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي، وحديث رقم (42): " كأنما أنظر إلى
وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، وحديث رقم (43): إن كنت لأنظر إلى وبيص
الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، حديث (45): " كأني أنظر إلى وبيص المسك في
مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، قال الإمام النووي: وقولها: " كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم "، المراد به أثره لا جرمه، هذا كلام القاضي، ولا يوافق عليه، بل الصواب ما
قاله الجمهور: أن الطيب مستحب للإحرام، لقولها: طيبته لحرمه، وهذا ظاهر في أن الطيب للإحرام لا
للنساء، ويعضده قولها: كأني أنظر إلى وبيص الطيب، والتأويل الذي قاله القاضي غير مقبول لمخالفته
الظاهر بلا دليل يحملنا عليه.
وأما قولها: " ولحله قبل أن يطوف "، فالمراد به طواف الإفاضة، ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد
رمي حجرة العقبة والحلق، وقبل الطواف، وهذا مذهب الشافعي والحلماء كافة، إلا مالكا كرهه قبل
طواف الإفاضة، وهو محجوج بهذا الحديث.
وقولها: " لحله "، دليل على أنه حصل له تحلل، وفي الحج تحللان يحصلان بثلاثة أشياء: رمي
جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم، فإذا فعل
الثلاثة حصل التحللان، وإذا فعل اثنين منهما حصل التحلل الأول، أي اثنين كانا، ويحل بالتحلل
الأول جميع المحرمات إلا الاستمتاع بالنساء، فإنه لا يحل إلا بالثاني، وقيل: يباح منهن غير الجماع
بالتحلل الأول، وهو قول بعض أصحابنا، وللشافعي قول أنه لا يحل بالأول إلا اللبس، والحلق، وقلم
الأظفار، والصواب ما سبق، والله تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي): 8 / 349 - 351.
98
الأسود، عن عائشة (رضي الله عنها قالت): كأني أنظر إلى وبيص الطيب
في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
ومن حديث منصور عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة
رضي الله عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر

99
قبل أن يطوف بالبيت (1)، بطيب فيه مسك. وتفرد مسلم بقوله: بطيب
فيه مسك (2).
وللدارقطني من حديث موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر عن
عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغالية
الجيدة عند إحرامه (3).
ولأحمد من حديث سليمان بن كثير، حدثنا عبد الحميد عن أنس
(رضي الله عنه)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تعجبه الغانمية. قال الأصمعي:
الغانمية: نور الحناء (4).
وللنسائي من حديث عبد الله بن عطاء الهاشمي، عن محمد بن علي
الهاشمي قال: سألت عائشة رضي الله عنها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب؟
قالت: نعم، بذكارة الطيب (من) (5) المسك والعنبر (6).
وخرجه ابن حبان، ولفظه: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعطر؟ قالت: نعم كان
يتعطر بذكارة العطر والمسك والعنبر (7).



(1) (فتح الباري): 3 / 505، كتاب الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن
يحرم، ويترجل ويدهن، حديث رقم (1535).
(2) (مسلم بشرح النووي): 8 / 352 - 353، كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام،
حديث رقم (1191).
(3) (سنن الدارقطني): 2 / 232، حديث رقم (69).
(4) (مسند أحمد): 3 / 623، حديث رقم (12137).
(5) زيادة في الأصلين: (خ)، (ج).
(6) (سنن النسائي): 8 / 529، كتاب الزينة، باب (31) العنبر قال الحافظ السيوطي: " بذكارة
الطيب "، قال في النهاية: الذكارة بكسر الذال المعجمة وراء ما يصلح للرجل كالمسك والعنبر والعود
والكافور، وهي جمع ذكر، وهو ما لا لون له بنفض، والمؤنث طيب النساء كالخلوق والزعفران، وهذا
الحديث أنفرد به النسائي.
(7) راجع التعليق السابق.
100
ولمسلم (1) والنسائي (2) من (حديث) (3) ابن وهب (قال (3): أخبرني
مخرمة عن أبيه عن نافع قال: كان ابن عمر (رضي الله عنهما (3)) إذا
استجمر بالألوة غير مطراة، وبكافور يطرحه مع الألوة ثم قال: هكذا كان
يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. لفظهما فيه سواء، ذكره مسلم في آخر كتاب
الطب (4)، وذكره النسائي في كتاب الزينة، وترجم عليه البخور.
ولابن حيان من حديث الوليد بن أبي رهم، عن يوسف بن أبي بردة،
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أحب الطيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
العود (5).
وللترمذي من حديث موسى عن أنس عن أبيه قال: كانت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم سكة يتطيب منها (6).



(1) (مسلم بشرح النووي): 15 / 13، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب (5) استعمال المسك،
وأنه طيب، كراهة رد الريحان والطيب، حديث رقم (2254).
(2) (سنن النسائي): 8 / 534 - 535، كتاب الزينة، باب (38) البخور، حديث رقم (5150).
قال الإمام النووي: الاستجمار هنا استعمال الطيب والتبخر به، مأخوذ من المجمر، وهو البخور،
وأما الألوة، فقال الأصمعي وأبو عبيد وسائر المرأة فإذا أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره كره لها كل طيب
له ريح، ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة، والعيد عند حضور مجامع المسلمين، ومجالس الذكر
والعلم، وعند إرادته معاشرة زوجته، ونحو ذلك، والله تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي):
8 / 13.
(3) زيادة للسياق.
(4) كذا في الأصلين (خ)، (ج)، والصواب ما أثبتاه وهو: كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها.
(5) (أخلاق النبي): 99، (طبقات ابن سعد): 1 / 400.
(6) (الشمائل المحمدية): 178، باب (33)، ما جاء في تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (217)
(سنن أبي داود): 4 / 394، كتاب الترجل، باب (2) ما جاء في استحباب الطيب، حديث رقم
(4162)، (طبقات ابن سعد): 1 / 399، وفيه: " سك يتطبب منه "، (أخلاق النبي): 98 من
طريق إبراهيم بن طهمان عن حسين عن موسى بن أنس عن أبيه.
وهذا الحديث صحيح الإسناد، ورجاله ثقات، والسكة بضم السين وتشديد الكاف، نوع من
الطيب عزيز، وقيل: الظاهر أنه وعاء فيه طيب مجتمع من أخلاق شتى. (معالم السنن): 4 / 394.
101
ولابن حيان من حديث سعيد عن قتادة عن أنس (رضي الله عنه قال):
كنا نعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل بطيب ريحه (1).
ولمسلم من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان،
فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا فمسح خدي،
قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا، كأنما أخرجها من جؤنة عطار (2).



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 399، (الكامل لابن عدي): 5 / 120، من حديث علي بن الحسن بن
يعمر قال: حدثنا سفيان الثوري عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنا نعرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم دخوله مع طلوع الفجر إلى المسجد بريح الطيب. وعلي بن الحسن بن يعمر ضعفه
الدارقطني وغيره، له ترجمة في: (لسان الميزان): 4 / 282، (المغني في الضعفاء): 2 / 444،
(ميزان الاعتدال): 3 / 119.
(2) (مسلم بشرح النووي): 15 / 92، كتاب الفضائل، باب (21)، طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين
مسه، والتبرك بمسحه، حديث رقم (2329)، قوله: " الصلاة الأولى "، يعني الظهر، والولدان،
الصبيان، واحدهم وليد، وفي مسحه صلى الله عليه وسلم الصبيان بيان حسن خلقه ورحمته للأطفال وملاطفتهم،
وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى الله عليه وسلم، وهو مما أكرمه الله تعالى.
قال العلماء: كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى الله عليه وسلم وإن لم يمس طيبا، ومع هذا فكان يستعمل
الطيب في كثير من الأوقات، مبالغة في طيب ريحه، لملاقاة الملائكة، وأخذ الوحي الكريم، ومجالسة
المسلمين.
قوله: " كأنما أخرجت من جؤنة عطار "، هي بضم الجيم وهمزة بعدها، ويجوز ترك الهمزة بقلبها
واوا كما في نظائرها، وقد ذكرها كثيرون، أو الأكثرون في الواو. وقال القاضي: هي مهموزة، وقد
يترك همزها. وقال الجوهري: هي بالواو، وقد تهمز، وهي السقط الذي فيه متاع العطار، هكذا فسره
الجمهور، وقال صاحب (العين): هي سليلة مستديرة مغشاة ((مسلم بشرح النووي): 15 / 92 -
93، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة): 1 / 256، باب طيب رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
102
وذكر البخاري في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حماد بن زيد، عن
ثابت عن أنس (رضي الله عنه) قال: ما مسست حريرا أو ديباجا ألين من
كف النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط، أو عرفا قط أطيب من ريح أو عرف
النبي صلى الله عليه وسلم (1).
وخرجه مسلم ولفظه: ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب
من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسست شيئا قط، ديباجا ولا حريرا، ألين مسا



(1) (فتح الباري): 6 / 702، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (3561)،
قوله: " ما مسست " بمهملتين، الأولى مكسورة، ويجوز فتحها، والثانية ساكنة، وكذا القول في ميم
شممت.
قوله: " ولا ديباجا "، هو من عطف الخاص على العام، لأن الديباج نوع من الحرير، وهو بكسر
المهملة وحكى فتحها، وقال أبو عبيدة: الفتح مولد ليس بعربي.
قوله: " ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم "، قيل: هذا يخالف ما وقع في حديث أنس من كتاب
اللباس: أنه صلى الله عليه وسلم كان ضخم اليدين، وفي رواية له: والقدمين، وفي رواية له: شئن القدمين والكفين،
وفي حديث هند بن أبي هالة، الذي أخرجه الترمذي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن فيه أنه صلى الله عليه وسلم: كان شئن
الكفين والقدمين، أي غليظهما في خشونة، وهكذا وصفه على من عدة طرق عنه عند الترمذي،
والحاكم، وابن أبي خيثمة وغيرهم، وكذا في صفة عائشة له عند ابن أبي خيثمة.
والجمع بينهما: أن المراد اللين في الجلد، والغلظ في العظام، فتجتمع له نعومة البدن وقوته، أو
حيث وصف باللين واللطافة، حيث لا يعمل بهما شيئا، كان بالنسبة إلى أصل الخلقة.
وحيث وصف بالغلظ والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل، فإنه يتعاطى كثيرا من أموره
بنفسه صلى الله عليه وسلم، وفي حديث معاذ عند الطبراني والبزار: أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في شعر، فما مسست
شيئا قط ألين من جلده صلى الله عليه وسلم.
قوله: " أو عرفا " بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء، وهو شك من الراوي، ويدل عليه قوله
بعده: أطيب من ريح أو عرف. والعرف: الريح الطيب، ووقع عند البيهقي: ولا شممت مسكا ولا
عنبرا ولا عبيرا. ذكرهما جميعا. (فتح الباري): 6 / 714 - 715 مختصرا.
وأخرجه الإمام أحمد بنحوه في (المسند): 3 / 546، حديث رقم (11637)، 4 / 57،
حديث رقم (12661).
وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة): 1 / 254 - 255، باب طيب رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وبرودة يده ولينها في يد من مسها، وصفة عرقه صلى الله عليه وسلم.
103
من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وفي لفظ له: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى
تكفأ، ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شممت
مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
ولقاسم بن أصبغ من حديث شعبة عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن
شريك قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم على يده، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب
من المسك (3).
(وقال أبو يعلى: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثني محمد بن
عبد الله بن عمر الأنصاري من بني بياضة، حدثني أيوب بن عبد الله، عن
إبراهيم بن إسماعيل، حدثنا مجمع عن مولى لسلمة بن الأكوع، عن سلمة
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته) (4).



(1) (مسلم بشرح النووي): 15 / 93، كتاب الفضائل، باب (21) طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم، ولين
مسه، والتبرك بمسحه، حديث رقم (2330).
(2) المرجع السابق، حديث رقم (82)، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة): 1 / 255.
(3) قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي، ببغداد، قال: حدثنا أحمد
ابن سليمان الفقيه، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق، قال: حدثنا
شعبة، عن يعلى بن عطاء قال: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو بمنى، فقلت له: يا رسول الله، ناولني يدك، فناولنيها، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من
المسك. (دلائل البيهقي): 1 / 256 - 257.
(4) ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج)، والحديث ذكره المتقي الهندي البرهان فوري في (كنز
العمال: 7 / 123، حديث رقم (18292)، وعزاه لأبي يعلى عن سلمة بن الأكوع.
104
ذكر إطلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة إن صح
قال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل، وموسى بن داود قالا: أخبرنا
حماد بن زيد، أخبرنا أبو هاشم عن حبيب بن أبي ثابت، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم تنور) (1).
أخبرنا الفضل بن دكين، وموسى بن داود قالا: حدثنا شريك عن ليث
أبي المشرفي، قال الفضل عن إبراهيم، وقال موسى عن أبي معشر، عن
إبراهيم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلى بالنورة ولى عانته وفرجه
بيده) (2).
(أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا منصور عن
حبيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أطلى ولى عانته بيده) (2).
(أخبرنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان عن صالح عن أبي معشر،



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 442، ذكر من قال: اطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة، (كنز العمال): 7 /
126، حديث رقم (18314): كان إذا اطلى بدأ بعورته فطلاها بالنورة وسائر جسده. رواه ابن
ماجة عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها.
وحديث رقم (18315): كان إذا اطلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده. رواه ابن سعد عن إبراهيم
وعن حبيب بن أبي ثابت مرسلا.
وحديث رقم (18316): كان يتنور في كل شهر ويقلم أظافره في كل خمسة عشر يوما، رواه
ابن عساكر عن ابن عمر.
وحديث رقم (18317): كان يدخل الحمام ويتنور، رواه ابن عساكر عن وائلة، وما بين
الحاصرتين سقط من (ج).
(2) (طبقات ابن سعد): 1 / 552، ذكر من قال: اطلى رسول الله بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط
من (ج).
105
وسفيان عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت قالا: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اطلى
بالنورة ولى عانته بيده) (1).
قال مؤلفه: هذه الآثار كلها مرسلة، وحبيب بن أبي ثابت الأسدي
مولاهم، تابعي، مفتي الكوفة خرج له الجماعة) (2).



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 552، ذكر من قال: اطلى رسول الله بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط
من (ج).
(2) حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار، ويقال: قيس بن هند، وقيل: إن اسم أبي ثابت هند الأسدي،
مولاهم أبو يحيى الكوفي.
روى عن ابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبي الطفيل، وإبراهيم بن سعد
ابن أبي وقاص، ونافع بن جبير بن مطعم، ومجاهد، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، وأبي صالح
السمان، وزيد بن وهب، وعطاء بن يسار، وميمون بن أبي شبيب، وأبي، وثعلبة بن زيد الحماني،
وخلق.
وأرسل عن أم سلمة، وحكيم بن حزام، وروى عن عروة بن الزبير حديث المستحاضة، وجزم
الثوري أنه لم يسمع منه، وإنما هو عروة المزني آخر، وكذا تبع الثوري أبو داود، والدارقطني، وجماعة.
وروى عنه الأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، وحصين بن عبد الرحمن، وزيد بن أبي أنيسة
والثوري، وشعبة، والمسعودي، وابن جرير، وأبو بكر بن عياش وغيرهم.
قال البخاري عن علي بن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال أبو بكر بن عياش: كان هؤلاء
الثلاثة أصحاب الفتيا: حبيب بن أبي ثابت، والحكم، وحماد.
وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة: وقال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال ابن أبي مريم عن ابن معين:
ثقة حجة، قيل له: ثبت؟ إنما روى حديثين، قال: أظن يحيى يريد منكرين: حديث
المستحاضة تصلي وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القبلة للصائم.
وقال أبو زرعة: لم يسمع من أم سلمة، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، ولم يسمع حديث
المستحاضة من عروة.
وقال الترمذي عن البخاري: لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا، قال أبو بكر بن عياش وغيره: مات
سنة (119)، وقيل غير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل عن أبيه: أهل الحديث اتفقوا على
ذلك، يعني على عدم سماعه منه. قال: واتفاقهم على شئ يكون حجة.
وقال ابن حبان في (الثقات): كان مدلسا، وقال العقيلي: غمزه ابن عون، وقال القطان: له غير
حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة.
وقال الأزدي: وحبيب ثقة صدوق، وقال الآجري عن ابن داود ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة
شئ يصح.
وقال ابن عدي: هو أشهر وأكثر حديثا من أن احتاج أذكر من حديثه شيئا، وقد حدث عن
الأئمة، وهو ثقة حجة، كما قال ابن معين.
وقال العجلي: كان ثقة ثبتا في الحديث، سمع من ابن عمر غير شئ، ومن ابن عباس، وكان فقيه
البدن، وكان مفتي الكوفة قبل الحكم وحماد.
وذكره أبو جعفر الطبري في (طبقات الفقهاء)، وكان ذا فقه وعلم وقال ابن خزيمة في صحيحه:
كان مدلسا، وقد سمع من ابن عمر، وقال ابن جعفر النحاس: كان يقول إذا حدثني رجل عنك
بحديث ثم حدثت به عنك كنت صادقا. ونقل العقيلي عن القطان قال: حديثه عن عطاء ليس
بمحفوظ.
قال العقيلي: وله عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها.
له ترجمة في: (تهذيب التهذيب): 2 / 156 - 157، ترجمة رقم (323)، (الكامل في
ضعفاء الرجال): 2 / 406، ترجمة رقم (157 / 526)، (الضعفاء الكبير للعقيلي): 1 / 263،
ترجمة رقم (322)، (الثقات لابن حبان): 4 / 137.
106
وقال همام عن قتادة: ما تنور رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عثمان،
ولا على، ولا الخلفاء، ولا الحسن) (1).



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 552، ذكر من قال: اطلى رسول الله بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط
107
فصل في ذكر سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج الإمام أحمد رحمه الله من حديث الحسن، عن أنس (بن
مالك) (1) قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على سرير مضطجع مرمل
بشريط، وتحت رأسه وسادة من آدم حشوها ليف، فدخل عليه نفر من
أصحابه، ودخل عليه عمر رضي الله عنه، فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم انحرافه،
فلم ير عمر (2) بين جنبه وبين الشريط ثوبا، وقد أثر الشريط بجنب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فبكى عمر رضي الله عنه، فقال له رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم ما يبكيك
(يا عمر؟) (1) قال: والله (ما أبكى أن) (4) لا أكون أعلم أنك على الله (عز
وجل (1)) من كسرى وقيصر، وهما يعيشان (5) فيه من
الدنيا، وأنت يا رسول الله بالمكان الذي أرى، فقال (النبي) (1) صلى الله عليه وسلم: أما
ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال (عمر) (1) بلى، قال صلى الله عليه وسلم: فإنه
كذاك (6).



(1) زيادة للسياق من (المسند).
(2) في الأصلين: " فرأى عمر "، وما أثبتناه من (المسند).
(3) في (المسند): " فقال له النبي ".
(4) زيادة من الأصلين.
(5) في (المسند): يعبثان "، وما أثبتاه من الأصلين.
(6) (مسند أحمد): 3 / 601 - 602، حديث رقم (12009)، (دلائل البيهقي): 1 / 337، باب
ذكر أخبار رويت في زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا وصبره على القوت الشديد فيها، واختيار الدار الآخرة، وما
أعد الله تعالى له فيها على الدنيا، ورواه الإمام مسلم بمعناه في صحيحه، كتاب الطلاق، باب (5) في
الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: (وإن تظاهروا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح
المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)، حديث رقم (1479).
108
ولابن حيان من حديث يحيى بن حسان، عن محمد بن مهاجر، (قال:
كان متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز، في بيت ينظر إليه كل
يوم (1)) وكان إذا اجتمعت إليه قريش، أدخلهم ذلك البيت، ثم استقبل
ذلك المتاع فيقول: هذا ميراث من أكرمكم الله وأعزكم به (2)، قال: وكان
سريرا مرملا بشريط، ومرفقة من آدم محشوة بليف، وجفنة، وقدحا،
وقطيفة، ورحى، وكنانة فيها أسهم، وكان في القطيفة أثر وسخ رأسه،
فأصيب رجل، فطلبوا أن يغسلوا بعض ذلك الوسخ فيسعط به، فذكر ذلك
لهم، فسعط فبرأ (3).
وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سيرة، عن محمد بن أبي حرملة، عن
عطاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش بمكة، وليس شئ
أحب إلينا من السرير ننام عليها، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ونزل
منزل أبي أيوب، قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا أيوب، أما لكم سرير؟ قال: لا والله، فبلغ
أسعد بن زرارة ذلك، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرير له عمود وقوامه ساج
مرسول بحزم - يعني المسد - فكان ينام عليه حتى تحول إلى منزلي، وكان
فيه فوهبه لي، فكان ينام عليه حتى توفي، فوضع عليه وصلى عليه وهو
فوقه، فطلبه الناس منا يحملون عليه موتاهم، فحمل عليه أبو بكر، وعمر،



(1) ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ)، وصوبناه من (ج).
(2) إلى هنا ذكره أبو نعيم في (الحلية): 5 / 326 - 327، ضمن ترجمة عمر بن عبد العزيز رقم
(323)، قال: حدثنا محمد علي، حدثنا الحسين بن محمد بن حماد، حدثنا عمرو بن عثمان،
حدثنا أبي محمد بن مهاجر قال: كان عند عمر بن عبد العزيز سرير النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه، وقدح،
وجفنة، ووسادة حشوها ليف، وقطيفة، ورداء، فكان إذا دخل عليه النفر من قريش قال: هذا ميراث
من أكرمكم الله به، ونصركم به، وأعزكم به، وفعل وفعل.
(3) الجزء الأخير من هذا الخبر تلوح عليه أمارات الوضع، لمنافاته لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من النظافة
الظاهرة والباطنة مما سبق شرحه وتخريجه من الأخبار، وإن كان فيه علما من أعلام النبوة.
109
رضي الله عنهما، والناس بعد طلبا لبركته.
قال الواقدي: أجمع أصحابنا - لا اختلاف بينهم - في أن سرير النبي
صلى الله عليه وسلم اشترى ألواحه، عبد الله بن إسحاق الإسحاقي، من موالي معاوية بن
أبي سفيان بأربعة آلاف درهم، فلما كان مروان - يعني على المدينة - منع
أن يحمل عليه إلا الرجل الشريف، وفرق في المدينة سررا يحمل عليها
الموتى. قال: وكان وسطه بليف منسوج.

110
فصل في ذكر القدح الذي كان يوضع
تحت السرير ليبول فيه
خرج البيهقي من حديث ابن جريج (قال) أخبرتني حكيمة بنت
أميمة، عن أميمة أمها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان، ثم
يوضع (1) تحت سريره (فبال، فوضع تحت سريره) (2)، فجاء فأراده، فإذا
القدح ليس فيه شئ، فقال لامرأة يقال لها: بركة - كانت تخدمه لأم
حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة -: أين البول الذي كان في هذا
القدح؟ قالت: شربته يا رسول الله (3)!!
وقد أخرجه أبو داود (4) والنسائي (5)، من حديث حجاج بن محمد



(1) كذا في (خ)، وفي (ج)، و (سنن البيهقي): " ثم وضع ".
(2) زيادة للسياق من المرجع السابق.
(3) (السنن الكبرى للبيهقي): 7 / 67، باب تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على من شرب بوله وحجامته.
(4) (سنن أبي داود): 1 / 28، كتاب الطهارة، باب (13) في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه
عنده، حديث رقم (24).
(5) (سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي): 1 / 34 - 35، كتاب الطهارة، باب (28)، البول في
الإناء، حديث رقم (32).
قال الحافظ السيوطي في قوله: " أخبرتني حكيمة بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة ": الثلاثة
بالتصغير، ورقيقة بقافين. قال الحاكم في (المستدرك): أميمة صحابية مشهورة، فخرج حديثها في
الوحدان، وقال الحافظ جمال الدين المزني في (التهذيب): رقيقة أمها، وهي أميمة بنت عيد، ويقال:
بنت عبد الله بن بجاد بن عمير، ورقيقة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله
عنها.
وقال الحافظ الذهبي: حكيمة لم ترو إلا عن أمها، ولم يرو عنها غير ابن جريج، وقال غيره: ذكرها
ابن حبان في (الثقات)، وأخرج حديثها في صحيحه، قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان
يبول فيه ويضعه تحت السرير. هذا مختصر، وقد أتمه ابن عبد البر في (الإستيعاب فقال: فبال ليلة
فوضع تحت سريره فجاء، فإذا القدح ليس فيه شئ، فسأل المرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة،
جاءت معها من الحبشة فقال: أين البول الذي كان في القدح؟ فقالت: شربته يا رسول الله، قال
الحاكم في (المستدرك): هذه سنة غريبة.
وقال الشيخ ولي الدين في (شرح أبي داود). والحافظ ابن حجر في (تخريج أحاديث الرافعي):
عيدان بفتح العين المهملة ومثناة تحتية ساكنة، وقال الإمام بدر الدين الزركشي في (تخريج أحاديث
الرافعي): عيدان مختلف في ضبطه: بالكسر والفتح، واللغتان بإزاء معنيين، فالكسر جمع عود،
والفتح جمع عيدانه بفتح العين: قال أهل اللغة: هي النخلة الطويلة المتجردة، وهي بالكسر أشهر
رواية.
وفي كتاب (تثقيف اللسان): من كسر العين فقد أخطأ، يعني لأنه أراد جمع عود، وإذا اجتمعت
الأعواد لا يتأتى منها قدح يحفظ الماء، بخلاف من فتح العين فإنه يريد قدحا من خشب هذه صفته،
ينقر ليحفظ ما يجعل فيه.
وقال الشيخ ولي الدين: يعارضه ما رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد، من حديث عبد الله بن
يزيد مرفوعا: لا ينقع بول في طست البيت، فإن الملائكة لا تدخل بيتا في بول منتقع. وروى ابن أبي
شيبة في (المصنف) عن ابن عمر قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه بول.
والجواب: لعل المراد بانتقاعه طول مكثه، وما يجعل في الإناء لا يطول مكثه غالبا. وقال مغلطاي:
يحتمل أن يكون أراد كثرة النجاسة في البيت بخلاف القدح، فإنه لا يحصل به نجاسة لمكان آخر.
(سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي): 1 / 34 - 35، كتاب الطهارة، باب (28) البول في الإناء،
حديث رقم (32)، (المصنف): 1 / 160، كتاب الطهارات، باب (215) في الرجل يبول في بيته
الذي هو فيه، حديث رقم (1845).
111
الأعور عن ابن جرير، وليس فيه قصة بركة.
وللحاكم من حديث شبابه، حدثنا أبو مالك النخعي، عن الأسود بن
قيس، عن نبيح العنزي عن أم أيمن (رضي الله عنها) قالت: قام النبي صلى الله عليه وسلم
من الليل إلى فخارة (من جانب البيت) (1) فبال فيها، فقمت من الليل وأنا
عطشى، فشربت ما (2) في الفخارة وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم
قال: يا أم أيمن، قومي إلى تلك الفخارة فأهريقي (3) ما فيها، قلت: قد والله



(1) زيادة للسياق من (المستدرك).
(2) كذا في الأصلين، وفي (المستدرك): " من في ".
(3) في الأصلين: فأهرقي "، وما أثبتناه من (المستدرك).
112
شربت ما فيها، قال: فضحك (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1) حتى بدت نواجذه، ثم
قال: أما إنك لا يتجع (2) بطنك بعده أبدا (3).
وخرجه أبو نعيم بهذا السند أيضا (4) ثم قال: ورواه مسلم بن قتيبة،
عن عبد الملك بن حسين، عن أبي مالك النخعي (5)، عن يعلى بن عطاء،
عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أم أيمن نحوه.
وخرج الطبراني من حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج قال:
حدثتني حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبول في
قد ح عيدان ثم يدفع تحت سريره، فبال فيه، ثم جاء فإذا القدح ليس فيه
شئ، فقال لامرأة يقال لها: بركة - كانت تخدم أم حبيبة (رضي الله عنها)
جاءت بها من أرض الحبشة -: أين البول الذي كان في القدح؟ قالت:
فشربته، فقال صلى الله عليه وسلم): لقد اختطرت من النار بخطار (6).
وقد اختلف في بركة هذه، فقال ابن عبد البر (7): هي أم أيمن، وقال
غيره: هي بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب (رضي الله عنه) امرأة



(1) زيادة للسياق من (المستدرك).
(2) كذا في الأصلين، وفي المرجع السابق: يفجع بطنك ".
(3) (المستدرك): 4 / 70 - 71، كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته،
حديث رقم (6912)، وسكت عنه الذهبي في (التخليص).
(4) (دلائل أبي نعيم): 2 / 444، بوله وغائطه صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (365).
(5) أبو مالك النخعي الواسطي، قال الدوري عن ابن معين: ليس بشئ، وقال عمرو بن علي: ضعيف
منكر الحديث، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال أبو داود: ضعيف، وقال النسائي:
ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الحافظ ابن حجر: وقال الأزدي والنسائي أيضا: متروك الحديث،
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. (تهذيب التهذيب): 12 / 240، ترجمة رقم
(1006).
(6) لم أجده، وهو بمعنى الذي قبله.
(7) (الإستيعاب): 4 / 1925، ترجمة رقم (4123).
113
قيس بن عبد الله، وأم حبيبة من الرضاعة، (هاجرت إلى الحبشة) ووردت
معها. قاله ابن هشام عن ابن إسحاق (1).
(ولابن حبان في (صحيحه)، من حديث حجاج بن محمد عن ابن
جريج قال: حدثتني حكيمة بنت أميمة، عن أمها أميمة بنت رقيقة، أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان، ثم يوضع تحت سريره) (2).



(1) قال الحافظ ابن حجر: بركة بنت يسار، مولاة أبي سفيان بن حرب، هاجرت إلى الحبشة مع زوجها
قيس بن عبد الله الأسدي، ذكر ذلك ابن هشام، عن ابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة، وكذلك ابن
سعد.
وجوز بعض المغاربة أنها بركة الحبشية المذكورة قبل هذه، وليس كما ظن بركة بنت يسار من
حلفاء بني عبد الدار، وهي أخت أبي تجراة، وأصلهم من كندة، وليست حبشية، وإن اشتركتا في
كونهما في أرض الحبشة مع المهاجرين ثم قال ابن حجر: بركة الحبشية: كانت مع أم حبيبة بنت أبي
سفيان تخدمها هناك، ثم قدمت معها، وهي التي شربت بول النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء في حديث أميمة
بنت رقيقة، وخلطها أبو عمر بأم أيمن، فأخرج في ترجمتها من طريق ابن جريج: أخبرتني حكيمة
بنت أميمة، عن أمها أميمة بنت رقيقة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان ويوضع تحت
السرير، فجاء ليلة فإذا القدح ليس فيه شئ، فقال لامرأة يقال لها: بركة - كانت تخدم أم حبيبة
جاءت معها من أرض الحبشة -: البول الذي كان في هذا القدح ما فعل؟ قالت: شربته يا رسول الله.
وقال عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان
يوضع تحت سريره، فجاء فأراده فإذا القدح ليس فيه شئ، فقال لامرأة كان يقال لها بركة - كانت
خادمة لأم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة -: أين البول؟
قال أبو عمر: أظن بركة هذه أم أيمن.
وحمله على ذلك ما ذكر في صدد بركة أم أيمن أنها هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة والمدينة
وفي كون أم أيمن هاجرت إلى أرض الحبشة نظر، فإنها كانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجها مولاه زيد بن
حارثة، وزيد لم يهاجر إلى الحبشة، ولا أحد ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك، فظهر أن هذه الحبشية
غير أم أيمن، وإن وافقتها في الاسم. (الإصابة): 7 / 531، ترجمة بركة الحبشية، رقم (10916)،
(الإستيعاب): 4 / 1793 - 1795، ترجمة بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك، وهي أم
أيمن غلبت عليها كنيتها، رقم (3252)، (سيرة ابن هشام): 5 / 9، في ذكر مهاجرة الحبشة،
2 / 166، ذكر المهاجرين إلى الحبشة من بني أسد.
(2) (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان): 4 / 274، كتاب الطهارة، باب (21) الاستطابة، حديث
رقم (1426)، وما بين الحاصرتين سقط من النسخة (ج).
114
فصل في ذكر آلات بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
إعلم أنه قد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان له حصير، وفراش، ولحاف، ووسادة،
وقطيفة، وقبة من أدم، وكرسي، وفروة يصلي عليها، وخمرة.
(فأما الحصير) (1)
فخرج ابن حيان من حديث معتمر، عن عبد الله بن عمر، عن سعيد بن
أبي سعيد، عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يحتجر حصيرا بالليل يصلي عليها، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه
للناس (2).
وأصله في مسلم من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال:
حدثني أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه)، أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم،



(1) هذه العناوين في (ج) بياض لعدم ظهورها في التصوير لاختلاف لون المداد، وفي (خ) مكتوبة
بخط متميز في أوائل الفقرات لكن داخل السياق.
(2) أخلاق النبي: 164.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى): 3 / 110، كتاب الصلاة، باب صلاة المأموم في المسجد،
أو على ظهره، أو في راحلته، بصلاة الإمام في المسجد وإن بينهما مقصورة، أو أساطين، أو غيرها
شبيها بها، وتمامه: فجعل الناس يثوبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل عليهم
فقال: خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأن أحب الأعمال إلى الله ما دام منها
وإن قل، ثم قال: رواه البخاري في الصحيح، عن محمد بن أبي بكر، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة
المسافرين وقصرها، باب (30) فضيلة العمل الدائم، حديث رقم (215).
وأخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد): 3 / 243 - 244 في ترجمة محمد بن موسى
المؤدب، رقم (1327).
115
قال: فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه (1)، (قال: ورأيته يصلي في
ثوب واحد متوشحا به) (2).
(وأما الفرش)
وأما الفرش، فخرج البخاري من حديث هشام، أخبرني أبي عن عائشة
رضي الله عنها قالت: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم (و) حشوه
ليف (3).
وخرجه مسلم ولفظه قالت: إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام
عليه أدما حشوه ليف. وفي لفظ: إنما كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام
عليه أدما حشوه ليف (4).
ولابن حيان من حديث مجالد عن الشعبي عن مسروق، عن عائشة
رضي الله عنها قالت: دخلت على امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله
صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية، فانطلقت، فبعثت إلي بفراش حشوه صوف، فدخل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ (يا عائشة)؟ قلت: إن فلانة الأنصارية



(1) (مسلم بشرح النووي): 5 / 171، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (48) جواز الجماعة في
النافلة والصلاة على حصير، وخمرة، وثوب، وغيرها من الطهارات، حديث رقم (271).
(2) ما بين الحاصرتين ليس في (المرجع السابق).
(3) (فتح الباري): 11 / 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه،
وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6456) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(4) (مسلم بشرح النووي): 14 / 302، كتاب اللباس والزينة، باب (6) التواضع في اللباس،
والاقتصار على الغليظ منه، واليسير في اللباس والفراش وغيرها، وجواز لبس الثوب الشعر وما فيه
أعلام، حديث رقم (38) والحديث الذي يليه، (دلائل البيهقي): 1 / 344، باب ذكر أخبار رويت
في زهده في الدنيا وصبره صلى الله عليه وسلم على القوت الشديد فيها، واختياره الدار الآخرة، وما أعد الله تعالى له
فيها على الدنيا.
116
دخلت (على) فرأت فراشك (فذهبت، فبعثت إلي بهذا، فقال (صلى الله عليه وسلم):
رديه، قلت: فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي؟ حتى قالك ذلك ثلاث
مرات، يقول: رديه يا عائشة، فوالله لو شئت لأجرى الله على جبال الذهب
والفضة (1)، (قالت: فرددته) (2).
وله من حديث أبان عن إبراهيم النخعي عن الربيع بن زياد الحارثي،
قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وفد من العراق، فأمر
لكل رجل منا بعباءة، فأرسلت إليه حفصة رضي الله عنها فقالت يا أمير
المؤمنين! أتاك الباب (أهل) العراق ووجوه الناس فأحسن كرامتهم، فقال:
ما أزيدهم على العباءة يا حفصة، أخبريني بألين فراش فرشت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم قالت: كان لنا كساء من هذه الملبدة أصبناه يوم خيبر، فكنت أفرشه
لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة فينام عليه، وإني ربعته ذات ليلة، فلما أصبح قال:
يا حفصة، أعيديه لمرته الأولى، ما كان فراشي البارحة؟ قلت: فراشك كل
ليلة إلا أني ربعته الليلة، قال يا حفصة، أعيديه لمرته الأولى فإنه منعتني
وطأته البارحة من الصلاة، فأرسل عمر رضي الله عنه عينيه بالبكاء وقال:
والله لا أزيدهم على العباءة.
وللترمذي من حديث عبد الله بن ميمون قال: حدثنا جعفر بن محمد،
عن أبيه قالت: سألت عائشة رضي الله عنها، ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في
بيتك؟ قالت: من أدم حشوه ليف (3).



(1) (أخلاق النبي): 156، (دلائل البيهقي): 1 / 345، (تاريخ بغداد): 11 / 102، ترجمة عباد بن
عباد أبو معاوية المهلبي رقم (5798)، (البداية والنهاية): 6 / 60.
(2) ما بين الحاصرتين زيادة عن هذه المراجع، (طبقات ابن سعد): 1 / 465.
(3) (سنن الترمذي): 4 / 208، كتاب اللباس، باب (27) ما جاء في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(1761): عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم
الذي ينام عليه أدم حشوه ليف، وفي (سنن أبي داود): 4 / 381 - 382، كتاب اللباس، باب (45)
في الفرش، حديث رقم (4137): عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:
كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف، وأخرج ابن ماجة في (سننه): 2 / 1390، كتاب
الزهد، باب (11) ضجاع آل محمد صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (4151): عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
عائشة رضي الله عنها قالت: كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أدما حشوه ليف.
قال ابن الأثير في (جامع الأصول: 10 / 694: الضجعة بكسر الضاد: من الاضجاع، كالجلسة
من الجلوس، وهي الهيئة، ويفتحا المرة الواحدة من النوم، والمراد به ما كان يضطجع عليه، فيكون في
الكلام مضاف محذوف، تقديره: كانت ذات ضجعة، أو ذات اضطجاعه: فراش أدم حشوها ليف.
حديث رقم (329)، (طبقات ابن سعد): 1 / 464 و، ذكر ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتراشه.
117
وسئلت حفصة رضي الله عنها، ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت:
مسحا ثنيته ثنيتين فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع
ثينات كان أوطأ له، فثنيناه بأربع ثنيات، فلما أصبح قال: ما فرشتموا لي
اللية؟ قالت: قلنا هو فراشك، إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات، قلنا: هو أوطأ
لك، قال: ردوه لحاله الأولى، فإنه منعني وطاءته صلاتي الليلة (1).
وذكر أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي، أن فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي
قبض عليه، كان محشوا وبر الإبل، طوله ذراعان أو نحوهما، وعرضه ذراع
وشبر أو نحوه.



(1) صدر هذا الحديث صحيح كما في التعليق السابق، وباقي الحديث إسناده ضعيف جدا، وقد تفرد به
الترمذي دون باقي الستة، وفي سنده عبد الله بن ميمون بن داود القداح، وهو منكر الحديث متروك،
وقد أخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي): 157 من حديث حفصة نحوه مطولا وهو ضعيف،
والترمذي في (الشمائل): 269 - 270، حديث رقم (330)، وابن سعد في (الطبقات):
1 / 465، مختصرا، عن أم شبيب عن عائشة رضي الله عنهما، أنها كانت تفرش للنبي عباءة مثنية،
فجاء ليلة وقد ربعتها فنام عليها، فقال يا عائشة!! ما لفراشي صلى الله عليه وسلم الليلة كما كان؟ قلت: يا
رسول الله ربعتها لك، قال: فأعيديه كما كان.
118
(وأما اللحاف)
فروى ابن حيان من حديث يونس بن عمرو، عن العيزار بن حريث، عن
عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه طرف
اللحاف وعلى طرفه ثم يصلي (1).
وروى أبو يعلى من حديث جبلة بن عطية، عن إسحاق بن عبد الله، عن
ابن عباس رضي الله عنه قال: تضيفت ميمونة وهي خالتي، فجاءت بكساء
فطرحته وفرشته للنبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءت بخرقة فطرحتها عند رأس الفراش،
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العشاء الآخرة، فانتهى إلى الفراش، فأخذ
خرقة عند رأس الفراش فاستتر بها، وخلع ثوبيه فعلقهما، ثم دخل معها في
لحافها.
ولمسلم من حديث وكيع، حدثنا طلحة بن يحيى قال: سمعت عائشة
رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا إلى جانبه وأنا
حائض، وعلي مرط وعليه بعضه (2). (إلى جنبه) (3).
(وأما الوسادة)
فخرج مسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي
الله عنها قالت: كان وسادة (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتكئ عليها (4)،



(1) (أخلاق النبي): 158.
(2) (مسلم بشرح النووي): 4 / 477، كتاب الصلاة، باب (51) الاعتراض بين يدي المصلى، حديث
رقم (274).
(3) زيادة للسياق من (المرجع السابق)، وأخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب
(131) في الصلاة في ثوب الحائض، حديث رقم (652)، (653)، والمرط: كساء من صوف أو
خز، ويكون إزارا ورداء.
(4) في الأصلين: " وسادة " و " عليها " وما أثبتناه من صحيح مسلم.
119
من أدم حشوه ليف (1).
ولأبي داود (2) (وابن حبان) (3) من حديث وكيع عن إسرائيل عن
سماك، عن جابر بن سمرة قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته فرأيته
متكئا على وسادة على يساره (4).
ولابن حيان من حديث مبارك بن فضالة، عن الحسن عن أنس (رضي
الله عنه) قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها
ليف.
وله من حديث يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين، عن ابن عباس عن



(1) (مسلم بشرح النووي): 14 / 302، كتاب اللباس والزينة باب (6) التواضع في اللباس، والاقتصار
على الغليظ منه، واليسير في اللباس والفراش وغيرها، حديث رقم (37).
(2) (سنن أبي داود): 4 / 380، كتاب اللباس، باب (45) في الفرش، حديث رقم (4143)، وقال:
زاد ابن الجراح: على يساره.
(3) ما بين الحاصرتين ليس في (ج)، وأخرجه ابن حبان في (الصحيح): 2 / 350، كتاب البر
والإحسان، باب (13) الصحبة والمجالسة، ذكر إباحة اتكاء المرء على يساره إذا جلس، حديث رقم
(589)، وإسناده حسن، سماك: هو ابن حرب الذهلي البكري الكوفي، صدوق إلا في روايته عن
عكرمة خاصة ففيها اضطراب. (هامش الإحسان).
(4) وأخرجه ابن عدي في (الكامل): 1 / 425، في ترجمة إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي
الكوفي رقم (237): حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره.
قال الشيخ: وهذا الحديث يعرف بإسحاق بن منصور، عن إسرائيل، زاد في متنه: " على يساره "،
حتى وجدناه في حديث حسين بن حفص عن إسرائيل مثله: حدثنا حسين بن حفص، حدثنا
إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على يساره.
قال الشيخ: وحديث وكيع حدثناه محمد بن الحسن القصير، حدثنا عباس بن يزيد بن أبي
حبيب، حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته
فرأيته متكئا على وسادة.
120
عمرو - وهو حديث الإيلاء الطويل - وفي بعض طرقه، وأنه يعني رسول
الله صلى الله عليه وسلم لعلى حصير ما بينه وبينه شئ، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها
ليف.
وللترمذي في (الشمائل)، من حديث إسحاق بن منصور، عن إسرائيل
عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا
على وسادة على يساره (1).
ومن حديث وكيع، عن إسرائيل، عن سماك عن جابر بن سمرة قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة. قال أبو عيسى: لم يذكر وكيع
فيه: على يساره. وهكذا رواه غير واحد عن إسرائيل نحو رواية وكيع، ولا
نعلم أحدا ذكر فيه على يساره إلا ما روى إسحاق بن منصور عن
إسرائيل (2).



(1) (الشمائل المحمدية): 118، باب (22) ما جاء في تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (131)، وهو
حديث صحيح وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن): 5 / 91، كتاب الأدب، باب (23) ما جاء في
الاتكاء، حديث رقم (2770)، من حديث إسحاق بن منصور الكوفي، أخبرنا إسرائيل عن سماك
ابن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره، قال أبو عيسى
هذا حديث حسن غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة،
قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة، ولم يذكر: على يساره.
وحديث رقم (2771): حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك بن
حرب، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة. [قال أبو عيسى]: هذا حديث
صحيح.
وأخرجه أيضا الدارمي في (السنن): 2 / 176، باب الاعتراف بالزنا، من طرق عن إسرائيل به.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 6 / 114، حديث رقم (20468)، من حديث جابر بن
سمرة، وابن سعد (الطبقات): 1 / 465، ذكر ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتراشه.
(2) (الشمائل المحمدية): 120، باب (22) ما جاء في تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث رقم (135)،
راجع التعليق السابق.
121
ولابن حيان من حديث عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة فيها
صور (1).
وللحاكم من حديث أنس بن مالك قال: دخل سلمان الفارسي على
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو متكئ على وسادة فألقاها له، فقال
سلمان رضي الله عنه: [صدق الله ورسوله، فقال عمر: حدثنا يا أبا عبد
الله، قال (2):] دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على وسادة فألقاها
إلي ثم قال: يا سلمان، ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم فيلقي له
وسادة إكراما له، إلا غفر الله له (3).
والوسادة، والوسادة، بكسر الواو: هي المرفقة بكسر الميم، ويقال لها
اليوم: مخدة (4)، وكان صاحب وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن مسعود



(1) (أخلاق النبي): 246.
(2) زيادة للسياق من (المستدرك).
(3) (المستدرك): 3 / 692، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6542) وقد حذفه الذهبي من
(التلخيص)، ومعلى بن مهدي الموصلي، قال أبو حاتم: يأتي أحيانا بالمناكير. قال الذهبي: هو من
العباد الخيرة، صدوق في نفسه. الميزان): 4 / 151.
(4) الوساد والوسادة: المخدة، والجمع وسائد ووسد، ابن سيده وغيره: الوساد: المتكأ، وقد توسد ووسده
إياه فتوسد إذا جعله تحت رأسه.
وفي الحديث: قال لعدي بن حاتم: إن وسادك إذن العريض، كنى بالوساد عن النوم لأنه مظنته،
أراد أن نومك إذن كثير، وكني بذلك عن عرض قفاه وعظم رأسه، وذلك دليل الغباوة، ويشهد له
الرواية الأخرى: لعريض القفا، وقيل: أراد أن من توسد الخيطين المكنى بهما عن الليل والنهار
لعريض الوساد.
وفي حديث أبي الدرداء: قال له رجل: إني أريد أن أطلب العلم وأخشى أن أضيعه، فقال: لأن
تتوسد العلم خير لك من أن تتوسد الجهل.
وفي الحديث: أن شريحا الحضرمي ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ذاك لا يتوسد القرآن.
قال ابن الأعرابي: لقوله: لا يتوسد القرآن وجهان: أحدهما مدح والآخر ذم، فالذي هو مدح: أنه لا
ينام عن القرآن، ولكن يتهجد به، ولا يكون القرآن متوسدا معه، بل هو يداوم على قراءته ويحافظ
عليها.
وفي الحديث: لا توسدوا القرآن واتلوه حق تلاوته، والذي هو ذم: أنه لا يقرأ القرآن، ولا يحفظه،
ولا يديم قراءته، وإذا نام لم يكن معه من القرآن شئ.
وفي حديث آخر: من قرأ ثلاث آيات في ليلة لم يكن متوسدا للقرآن. يقال: توسد فلان ذراعه
إذا نام عليه وجعله كالوسادة له. قال الليت: وسد فلانا وسادة، وتوسد وسادة إذا وضع رأسه عليها،
وجمع الوسادة وسائد، والوساد: كل ما يوضع تحت الرأس وإن كان من تراب، أو حجارة. (لسان
العرب): 3 / 459 - 460. مختصرا.
122
رضي الله عنه، وقد تقدم التعريف به.
[وأما القطيفة]
فروى ابن حبان من حديث الربيع بن صبيح، عن يزيد عن أنس [رضي
الله عنه] قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث، وقطيفة لا تساوي
أربعة دراهم (1).



(1) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان): 9 / 70، كتاب الحج، باب (5) مقدمات الحج، ذكر
إباحة الحج للرجل على الرحال وإن كان موسرا بغيرها، حديث رقم (3754)، ولم يذكر القطيفة،
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 965، كتاب المناسك، باب (4) الحج على الرحل، حديث
رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي، ثم قال: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة.
لكن قال الحافظ في (الفتح): 3 / 486: لكن إسناده ضعيف.
وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة): 5 / 444، باب حجة الوداع، وأبو الشيخ في (أخلاق
النبي): 161.
وأخرجه المتقي الهندي في (كنز العمال): 5 / 188، فصل في وقوف عرفة، حديث رقم
(12559): عن بشر بن قدامة الضباني: أبصرت عيناي حبى رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات
مع الناس، على ناقة له حمراء، تحته قطيفة بولانية، وهو يقول: اللهم اجعلها حجة غير رياء
ولا رياء ولا سمعة، والناس يقولون: هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعزاه لابن خزيمة، والباوردي، وابن منده،
وأبو نعيم.
وأخرجه أبو نعيم في (الحلية): 3 / 54، في ترجمة يزيد بن أبان الرقاشي رقم (205)،
6 / 308، في ترجمة الربيع بن صبيح رقم (382).
وأخرجه العقيلي في (الضعفاء): 2 / 8، في ترجمة خالد بن عبد الرحمن المخزومي - قال
البخاري: ذاهب الحديث.
قال ابن أبي حاتم في (العلل): 1 / 287، باب علل في أخبار المناسك، حديث رقم (856):
عن ابن عباس قال: غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى فلما انبعث به راحلته وعليها قطيفة قد اشتريت
بأربعة دراهم قال: اللهم اجعلها حجة مبرورة لا رياء فيها ولا سمعة. قال أبي هذا حديث باطل،
ليس هو من حديث ابن جريج.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى): 4 / 333، كتاب الحج، باب من اختار الركوب، وقال:
" تحته قطيفة بولانية ".
وأخرجه ابن عدي في (الكامل في ضعفاء الرجال): 3 / 133، في ترجمة ربيع بن صبيح أبو
حفص السعدي رقم (2 / 652)، وقال مرة: وقطيفة تساوي أو لا تساوي أربعة دراهم، ومرة:
وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم.
وعن الربيع بن صبيح أخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية): 274 - 275 باب (48 ما
جاء في تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (335)، وحديث رقم (341).
قال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: ما أراك حدثت عن الربيع بن صبيح بشئ؟ قال: لا،
ومبارك بن فضالة أحب إلى منه.
وقال حرملة عن الشافعي: كان الربيع بن صبيح غزاء، وإذا مدح مع الرجل بغير صنعته فقد وهض أي
دق عنقه، وقال عفان بن مسلم: أحاديثه كلها مقلوبة.
وقال أبو الوليد: كان لا يدلس، وكان المبارك بن فضالة أكثر تدليسا منه، وقال أبو داود عن أبي
الوليد: ما تكلم أحد فيه إلا والربيع فوقه. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: لا بأس به، رجل صالح،
قال عبد الله: سألت يحيى بن معين عن المبارك بن فضالة فقال: ضعيف الحديث مثل الربيع بن
صبيح في الضعف. وقال عثمان الدارمي: سألت ابن معين عنه فقال: ليس به بأس، وقال ابن أبي
خيثمة عن ابن معين: ضعيف الحديث.
وقال مسلم بن إبراهيم، عن شعبة: الربيع من سادات المسلمين، وقال يعقوب بن شيبة: رجل
صالح صدوق، ثقة ضعيف جدا.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة، ولم أر له حديثا منكرا جدا، وأرجو أنه لا بأس به ولا
برواياته، قال محمد بن المثنى وغيره: مات سنة (160) بأرض السند. له ترجمة في (تهذيب
التهذيب): 3 / 214 - 215، ترجمة رقم (474)، (الضعفاء الكبير): 2 / 52، ترجمة رقم
(483)، (ميزان الاعتدال): 2 / 41، ترجمة رقم (2741) وغير ذلك.
123
[وأما القبة]
فذكر البخاري في الصلاة، من حديث أبي جحيفة [رأيت] النبي صلى الله عليه وسلم
وهو في قبة حمراء من أدم. الحديث (1).
وذكر في المغازي من حديث يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس
بن مالك [رضي الله عنه] قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار فجمعهم
في قبة من أدم. الحديث (2)، وذكره في كتاب اللباس مختصرا، وترجم
عليه باب القبة الحمراء من أدم (3).
وخرج أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي من حديث سماك،



(1) (فتح الباري): 1 / 639، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة في الثوب الأحمر، حديث رقم
(376): عن أبي جحيفة عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالا
أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت الناس يبتدرون ذاك الوضوء، فمن أصاب نمه شيئا تمسح به، ومن
لم يصب منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه، ثم رأيت بلالا أخذ عنزة فركزها، وخرج النبي صلى الله عليه وسمل في
حلة حمراء مشمرا صلى إلى العنزة بالناس ركعتين، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة.
(2، 3) (المرجع السابق): 6 / 308، كتاب فرض الخمس، باب (19) ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة
قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، حديث رقم (3147)، 8 / 66، كتاب المغازي، باب (57)
غزوة الطائف، حديث رقم (4331)، (4333)، 10 / 384 - 385، كتاب اللباس، باب (42)
القبة الحمراء من أدم، حديث رقم (5859)، (5860)، 13 / 520، كتاب التوحيد، باب (24)
قول الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة)، حديث رقم (7441)، وأخرجه مسلم في
كتاب الصلاة، باب (47) سترة المصلي، حديث رقم (249).
(مسلم بشرح النووي): 7 / 157، كتاب الزكاة باب (46) إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام
وتصبر من قوى، حديث رقم (132).
و (مسند أحمد): 3 / 645، حديث رقم (12285)، 4 / 133 - 134 حديث رقم (13162).
125
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء، في نحو أربعين رجلا، فقال: إنكم مفتوح لكم
[وأنتم] (3) منصورون [مصيبون] (3) فمن أدرك ذلك منكم. فليتق الله،
وليأمر بالمعروف ولينه عنا لمنكر وليصل رحمه (1). زاد الحاكم ومثل الذي
يعين قومه على غير الحق، كمثل البعير يتردى، فهو يمد بذنبه. قال: هذا
حديث صحيح الإسناد (2) [ولم يخرجاه] (3).
[وأما الكرسي]
فخرج مسلم، والنسائي، وأحمد، وابن حبان من حديث إسحاق بن
سويدان، أخبرنا رفاعة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على كرسي خلت قوائمه
حديث، ومن حديث حميد بن هلال عن أبي رفاعة العدوى قال: أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت: رجل غريب جاء يسأل عن دينه، فأقبل إلى
وترك خطبته حتى انتهى إلي، فتى بكرسي خلت قوائمه حديدا، فقعد
عليه وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها. وفي لفظ:
قال حميد أراه رأى خشبا أسود حسبه حديدا. انفرد بإخراجه مسلم (4).



(1) لم أجده في (المجتبى)، ولعله في (الكبرى).
(2) (المستدرك): 4 / 175 - 176، كتاب البر والصلة، حديث رقم (7275)، وقال الحافظ الذهبي في
التلخيص): صحيح.
(3) زيادة للسياق من (المستدرك).
وفي (الإحسان): 6 / 153، كتاب الصلاة، باب (16) ما يكره للمصلي وما لا يكره، ذكر
البيان بأن صلاة المصطفى صلى الله عليه وسلم بمنى كانت السترة قدامة، حيث كان الأتان ترتع قدام المصطفى صلى الله عليه وسمل،
حديث رقم (2394) من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح
في قبة له حمراء من أدم...، إسناده صحيح على شرطهما.
(4) (مسلم بشرح النووي): 6 / 414، كتاب الجمعة، باب (15) حديث التعليم في الخطبة، حديث
رقم (60)، هكذا هو في جميع النسخ " حسبت "، ورواه ابن أبي خيثمة في غير (صحيح)
مسلم): " خلت " بكسر الخاء وسكون اللام، وهو بمعنى حسبت.
قال القاضي: ووقع في نسخة ابن الحذاء: " خشب " بالخاء والشين المعجمتين، وفي كتاب ابن
قتيبة: " خلب " بضم الخاء وآخره باء موحدة، وفسره بالليف، وكلاهما تصحيف، والصواب:
" حسبت " بمعنى ظننت، كما هو في نسخ مسلم وغيره من الكتب المعتمدة.
وقوله: " رجل غريب يسأل عن دينه لا يدري ما دينه " فيه استحباب تلطف السائل في عبارته
وسؤاله العالم.
وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسلمين وشفقته عليهم، وخفض جناحه لهم صلى الله عليه وسلم.
وفيه المبادرة إلى جواب المستفتي، وتقديم أهم الأمور فأهمها، ولعله كان سأل عن الإيمان وقواعده
المهمة. وقد اتفق العلماء على أن من جاء يسأل عن الإيمان وكيفية الدخول في الإسلام وجب إجابته
وتعليمه على الفور.
وقعوده صلى الله عليه وسلم على الكرسي ليسمع الباقون كلامه ويروا شخصه الكريم، ويقال: كرسي بضم
الكاف وكسرها، والضم أشهر ويحتمل أن هذه الخطبة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها خطبة أمر غير
الجمعة، ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل.
ويحتمل أنها كانت الجمعة، واستأنفها، ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل ويحتمل أن كلامه
لهذا الغريب كان متعلقا بالخطبة فيكون منها، ولا يضر المشي في أثنائها. (مسلم بشرح النووي):
6 / 414 - 415. (سنن النسائي): 8 / 611، كتاب الزينة، باب (122) الجلوس على الكراسي،
حديث رقم (5392).
126
وذكر ابن قتيبة فقال: أتى بكرسي من خلب، وقال: الخلب: الليف (1).
وخرجه البخاري في الأدب المفرد، ولفظه: عن أبي رفاعة العدوي قال:
انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقلت: يا رسول الله! رجل غريب جاء
يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، فأقبل على وترك خطبته، فأتي بكرسي
خلت قوائمه حديدا، قال حميد: أراه خشبا أسود حسبه حديدا فقعد عليه، فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل، ثم أتم خطبته آخرها (2).



(1) قال الإمام النووي: وفي كتاب ابن قتيبة طلب بضم الخاء وآخره باء موحدة، وفسره بالليف، وكلاهما
تصحيف، والصواب حسبت بمعنى ظننت كما هو في نسخ مسلم وغيره من الكتب المعتمدة.
(مسلم بشرح النووي): 6 / 414.
(2) أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي رفاعة العدوى مختصرا في (المسند): 6 / 79، حديث رقم
(20229).
127
[وروى إبراهيم بن يزيد العدوي البصري، عن إسحاق بن سويد
العدوى، عن أبي رفاعة عبد الله بن الحارث العدوى قال: دخلت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على كرسي خلت أن قوائمه حديد، فسمعته يقول:
إنك لن تدع شيئا لله إلا بدلك الله خيرا منه] (1).
[قال الحافظ أبو بكر بن ثابت: كذا قال، واسم أبي رفاعة: تميم بن
أسيد، لا عبد الله بن الحارث، حدث عنه حميد بن هلال، ولا أعلم روى
عنه إسحاق بن سويد شيئا] (1).
قال ابن الجوزي: ولولا ما ذكرناه عن حميد لكان الأليق أن تكون من
ليف قوائمه من حرير بالراء، والجريد: السعف.
وذكر المبرد في الكامل: أنه كان لعمر رضي الله عنه كرسي يجلس
عليه، وذكر النسائي أنه كان لعلي رضي الله عنه كرسي يجلس عليه (2).
[وأما ما كان يصلي عليه]
فخرج البخاري من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد، عن ميمونة
رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا حذاه وأنا حائص،



(1) ما بين الحاصرتين سقط من (ج) وأثبتناه من (خ)، والحديث أخرجه الإمام أحمد في (المسند):
6 / 499 بسند آخر ولم يذكر فيه الكرسي، حديث رقم (22565).
(2) (سنن النسائي): 1 / 73، كتاب الطهارة، باب (76) عدد غسل الوجه، حديث رقم (93): عن
علي رضي الله عنه أنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثم دعا بتور فيه ماء فكفأ على يديه ثلاثا...،
وباب (77) غسل اليدين، حديث رقم (94): عن عبد خير قال: شهدت عليا دعا بكرسي فقعد
عليه، ثم دعا بماء في تور فغسل يديه ثلاثا...
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 1 / 196، حديث رقم (992) عن عبد خير قال: كنت
عند على فأتي بكرسي وتور، قال: فغسل كفيه ثلاثا... " ونحوه باختلاف يسير حديث رقم
(1182)، وكلاهما من مسند علي بن أبي طالب.
128
وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على الخمرة، ترجم عليه باب:
إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد (1)، وذكره في باب الصلاة على
الخمرة، ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة (2).
وخرجه مسلم في موضعين من كتاب الصلاة، وذكر في أحدهما: وأن
حائض (3)، ولم يذكره في الآخر، وقال: على خمرة (4)، وخرجه أبو داود
أيضا (5).
ولمسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: حدثني أبو
سعيد الخدري [رضي الله عنه أنه] دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فرأيته



(1) (فتح الباري): 1 / 643، كتاب الصلاة، باب (19) إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد،
حديث رقم 379).
(2) (فتح الباري): 1 / 647، كتاب الصلاة باب (21) الصلاة على الخمرة، حديث رقم (381).
قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة، إلا ما روي عن عمر بن
عبد العزيز رضي الله عنه أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة، فيسجد عليه، ولعله كان يفعله
على جهة المبالغة في التواضع والخشوع، فلا يكون فيه مخالفة للجماعة.
وقد روى ابن أبي شيبة، عن عروة بن الزبير، أنه كان يكره الصلاة على شئ دون الأرض، وكذا
روى عن غير عروة ويحتمل أن يحمل علي كراهة التنزيه، والله تعالى أعلم. (المرجع السابق):
643 - 644.
(3) (مسلم بشرح النووي): 4 / 477، كتاب الصلاة، باب (51) الاعتراض بين يدي المصلي، حديث
رقم (273).
(4) (المرجع السابق): حديث رقم (274)، وفي هذا دليل على أن وقوف المرأة بجنب المصلي لا يبطل
صلاته، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وأبطلها أبو حنيفة رضي الله عنه.
وفيه أن ثياب الحائض طاهرة، إلا موضعا تري عليه دما أو نجاسة أخرى.
وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض، وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه على حائض
أو غيره، وأما استقبال المصلي وجه غيره فمذهبنا، وذهب الجمهور كراهته، ونقله القاضي عياض
عن عامة العلماء رحمهم الله تعالى. (مسلم بشرح النووي): 4 / 477.
(5) (سنن أبي داود): 1 / 429، كتاب الصلاة، باب (91) الصلاة على الخمرة حديث رقم (656).
129
يصلي على حصير يسجد عليه (1). (قال: ورأيته يصلي في ثوب واحد
متوشحا به) (2).
وفي رواية له قال: حدثني أبو سعيد أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوجده يصلي على حصير يسجد عليه (3).
والخمرة بضم الخاء المعجمة وسكون الميم: هي كالحصير الصغير من
سعف النخل مضفر بالسيور ونحوها، بقدر الوجه والكفين، وهي أصغر من
أن يصلي عليها، سميت بذلك لأنها تستر الوجه والكفين من برد الأرض
وحرها، فإن كبرت عن ذلك فهي حصير. وفيه دليل على اتخاذ
السجادة (4).



(1) (مسلم بشرح النووي): 4 / 480، كتاب الصلاة، باب (52) الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه،
حديث رقم (284).
(2) ما بين الحاصرتين تمام الحديث من (المرجع السابق)، وفيه دليل على جواز الصلاة على شئ يحول
بينه وبين الأرض من ثوب، وحصير وصوف وغير ذلك، وسواء نبت من الأرض أم لا، وهذا مذهبنا
ومذهب الجمهور.
وقال القاضي رحمه الله تعالى: أما ما نبت من الأرض فلا كراهة وأما البسط واللبود وغيرها مما
ليس من نبات الأرض، فتصبح الصلاة فيه بالإجماع، لكن الأرض أفضل منه، إلا لحاجة حر أو برد،
أو نحوهما، لأن الصلاة سرها التواضع والخضوع. والله عز وجل أعلم. (مسلم بشرح النووي)
4 / 480 - 481.
(3) راجع التعليق السابق.
(4) قال في (اللسان): الخمرة: حصير أو سجادة صغيرة تنسج من سعف النخيل وترمل بالخيوط.
وقيل: حصيرة أصغر من المصلى، وقيل: الخمرة الحصيرة الصغير الذي يسجد عليه. وفي الحديث
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد على الخمرة، وهو حصير صغير قدر ما يسجد عليه، ينسج من السعف.
قال الزجاج: سميت خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض. وفي حديث أم سلمة، قال لها وهي
حائض: ناوليني الخمرة، وهي مقدار ما يضع الرجل على وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة
خوص من النبات، قالك ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، وسميت خمرة لأنها خيوطها مستورة
بسعفها.
قال ابن الأثير: وقد تكررت في الحديث، وهكذا فسرت. وقد جاء في (سنن أبي داود)، عن ابن
عباس قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة
التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها مثل موضع درهم.
قال: وهذا صريح في إطلاق الخمرة علي الكبير من نوعها. (لسان العرب): 4 / 258.
130
ولمسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: فقلت: أنا حائض، فقال: " إن حيضتك
ليست في يدك. ذكره من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن
عبيد القاسم بن محمد عن عائشة (رضي الله عنها) (1).
وذكره من حديث يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبي
حازم، عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما في المسجد فقال:
يا عائشة، ناوليني الثوب (2)، فقلت: إني حائض، فقال: إن حيضتك
ليست في يدك، فناولته (3).



(1) (مسلم بشرح النووي): 3 / 214، كتاب الحيض، باب (3) جواز غسل الحائض رأس زوجها
وترجيله، وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها، وقراءة القرآن فيه، حديث رقم (11).
وأخرجه أيضا من حديث أبي غنية عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت:
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناوله الخمرة من المسجد فقلت: إني حائض، فقال: تناوليها فإن الحيضة
ليست في يدك (المرجع السابق): حديث رقم (12).
(2) في (خ)، (ج): " الخمرة "، وصححناه من (صحيح مسلم).
(3) (مسلم بشرح النووي): 3 / 214 - 215، حديث رقم (13).
قال القاضي عياض رضي الله عنه: معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك من المسجد، أي وهو في المسجد
لتناوله إياها من خارج المسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرجها له من المسجد، لأنه صلى الله عليه وسلم كان في
المسجد معتكفا، وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن حيضتك ليست في
يدك " فإنما خافت من إدخال يدها المسجد، ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد
معنى. والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " إن حيضتك ليست في يدك "، فهو بفتح الحاء، هذا هو المشهور في الرواية. وهو
الصحيح. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: المحدثون يقولونها بفتح الحاء وهو خطأ، وصوابها
بالكسر، أي الحالة والهيئة.
وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي، وقال: الصواب هنا ما قاله المحدثون من (الفتح)، لأن
المراد الدم، وهو الحيض بالفتح بلا شك، لقوله صلى الله عليه وسلم: ليست في يدك، معناه أن النجاسة التي يصان
المسجد عنها، وهي دم الحيض ليس في يدك. (المرجع السابق): 214 - 215.
131
وخرجه أبو داود (1) والترمذي (2) والنسائي ولفظه (3): فقالت: إني لا
أصلي (4).
وللنسائي من حديث سفيان، عن منبوذ، عن أمه أن ميمونة قالت: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم
إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض. ترجم عليه: بسط
الحائض الخمرة في المسجد (5).



(1) (سنن أبي داود): 1 / 179، كتاب الطهارة، باب (104) في الحائض تناول من المسجد، حديث
رقم (216)، وفي الحديث من الفقه: أن للحائض أن تناول الشئ بيدها من المسجد، وأن من
حلف لا يدخل دارا أو مسجدا فإنه لا يحنث بإدخال يده أو بعض جسده فيه، ما لم يدخل بجميع
بدنه (معالم السنن للخطابي): 1 / 179.
(2) (سنن الترمذي): 1 / 241 - 242، أبواب الطهارة، باب (101) ما جاء في الحائض تتناول الشئ
من المسجد، حديث رقم (134)، قال: وفي الباب عن ابن عمر، وأبي هريرة. قال أبو عيسى:
حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك:
بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئا من المسجد.
(3) عن سفيان، عن منبوذ، عن أمه أن ميمونة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا
فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى الخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض. (سنن
النسائي): 1 / 161، كتاب الطهارة، باب (174) بسط الحائض الخمرة في المسجد، حديث رقم
(272).
(4) قولها: " لا أصلي " قالته لما قال لها صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة ناوليني الثوب "، ولم يذكر الخمرة. (المرجع
السابق): كتاب الطهارة، باب (173) استخدام الحائض، حديث رقم (270).
(5) (سنن النسائي): 1 / 210 - 211، كتاب الحيض، باب (19) بسط الحائض الخمرة في المسجد،
حديث رقم (283).
132
وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث الحميدي، أخبرنا سفيان، حدثني
منبوذ المكي عن أمه قالت: كنا عند ميمونة، فدخل عليها ابن عباس
فقالت: أي بني، مالي أراك أشعث؟ فقال: إن مرجلتي أم عمار حائض،
فقالت: أي بني، وأين الحيضة من اليد، إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه
في حجر إحدانا وهي حائض، ثم يتلو القرآن، وإن كانت إحدانا لتقوم إليه
بخمرتها فتبسطها وهي حائض فيصلي عليها، أي بني، وأين الحيضة من
اليد (1)؟
وخرجه محمد بن أيمن ولفظه: وإن كانت إحدانا لتقوم إليه فتناوله
الحصير بيدها وهي حائض. الحديث. وفي لفظ له: قالت: كنت عند
ميمونة، فذكر مثل حديث الحميدي عن سفيان وقال: ثم تقوم إحدانا
بخمرته فتضعها في مسجده (1).
وللإمام أحمد من حديث محمد بن ربيعة، أخبرنا يونس بن الحارث
الطائفي، عن أبي عون عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم
يصلي - (أو يستحب أن يصلي (2)) - على فروة مدبوغة (3). (وكانت له
عليه السلام جفنة يطعم فيها الناس، يحملها أربعة رجال تسمى
الغراء) (4).



(1) راجع التعليق السابق.
(2) زيادة للسياق من (المسند).
(3) (مسند أحمد): 5 / 311، حديث رقم (17762) من حديث المغيرة بن شعبة.
(4) ما بين الحاصرتين ليس في (المسند)، في (خ)، (ج) فقط.
133
فصل في ذكر سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
إعلم أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سلاح وآلات حرب، ما بين: سيوف،
ودروع، وقسى، وسهام، ومغفر، وألوية، ورايات، وعنزة.
(فأما سيوفه صلى الله عليه وسلم)
فتسعة: مأثور (1)، والعضب (2)، وذو الفقار (3)، والقلعي، والبتار (4)،
والحتف (5)، والرسوب، والمخدم (6)، والقضيب (7)، وأشهرها ذو الفقار،
ويقال: إن أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة فصنع منها،
(وكان طوله سبعة أشبار وعرضه شبرا) (8).
قال الواقدي: فحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان عن أبيه، عن



(1) وهو أول سيف ملكه، ورثه صلى الله عليه وسلم من أبيه. (زاد المعاد): 1 / 130، فصل في ذكر سلاحه وأثاثه
صلى الله عليه وسلم.
(2) أعطاء إياه سعد بن عبادة (الوافي): 1 / 91.
(3) بكسر الفاء، وبفتح الفاء، وكان لا يكاد يفارقه، وكانت قائمة قبيعته، وحلقته، وذؤابته، وبكراته،
ونعله من فضة. تنقله يوم بدر من بني الحجاج السهميين، ورأى في النوم في ذبابه ثلمة فأولها
هزيمة، وكانت يوم أحد. (زاد المعاد): 1 / 130، (الوافي): 1 / 91.
(4) في (خ): " القلعي وهو البتار "، وما أثبتناه من سائر المراجع وهو الصحيح.
(5) وأصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيف قلعي بفتح اللام، وسيف يدعى بتارا، وسيف
يدعى الحتف. (الوافي): 1 / 91.
(6) وكان له المخدم والرسوب، أصابهما من الفلس، وهو صنم لطئ، (الوافي): 1 / 91.
(7) والقضيب، وهو أول سيف تقلد به صلى الله عليه وسلم. (الوافي): 1 / 91.
(8) ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج).
134
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، حدثني
محمد بن عبد الله عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قالا: تنفل رسول الله
صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يومئذ - يعني يوم بدر - وكان لمنبه بن الحجاج، وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غزا إلى بدر بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له:
العضب، ودرعه ذات الفضول (1)، فسمعت ابن أبي سبرة يقول: سمعت
صالح بن كيسان يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وما معه سيف، وكان
أول سيف تقلده سيف منبه بن الحجاج، غنمه يوم بدر) (2).
ولابن حيان من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، عن عبيد
الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما (قال) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل
سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد (3).
ومن حديث يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبد الله بن
ذرير، عن (عمر) رضي الله عنه قال: كان اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا
الفقار (4).
ومن حديث وكيع عن إسرائيل، عن جابر قال: أخرج إلينا علي بن
الحسين سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قبيعته والحلقتان اللتان فيهما الحمائل
فضة، قال: فسللته، فإذا هو (سيف) (5) قد نحل، كان سيفا لمنبه بن



(1) (مغازي الواقدي): 1 / 103.
(2) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(3) (أخلاق النبي): 139.
(4) أخرجه الحافظ العراقي في (المغني عن حمل الأسفار): 2 / 585، ضمن حديث طويل للطبراني،
وقال: وفيه علي بن غررة الدمشقي، نسب إلى وضع الحديث، ورواه أبو الشيخ من حديث الحسن
مرسلا، وله من حديث علي بن أبي طالب: كان اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار.
(5) زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد).
135
الحجاج السهمي، اتخذه (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر (2).
وعن الشعبي (قال): أخرج إلينا علي بن الحسين سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإذا قبيعته من فضة، وإذا حلقته التي تكون فيها الحمائل من فضة،
وسللته، وإذا هو سيف قد نحل، كان لمنبه بن الحجاج (و) أصابه يوم
بدر (3).
(وذكر الزبير بن بكار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى ذا الفقار علي بن أبي
طالب يوم أحد، ويقال إن ذا الفقار كان لنبيه بن الحجاج، وقال الكلبي:
كان للعاص بن منبه بن الحجاج) (4).
ويروى عن ابن عباس رضي الله (عنهما)، أن الحجاج بن علاط أهدى
لرسول الله صلى الله عليه وسلم (سيفه) ذا الفقار، وأن دحية أهدى له بغلته الشهباء.
وقال ابن سيرين: صنعت سيفي على سيف سمرة، وقال سمرة: صنعت
سيفي على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حتفيا.
وقال محمد بن حمير: أخبرنا أبو الحكم الصيقل، حدثني مرزوق
الصيقل، أن صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار كانت قبيعة من فضة
وحلق في قيده، وبكر في وسطه من فضة.
وفي رواية: كانت له قبيعة من فضة، وبكرة في وسطه من فضة، وحلقها
من فضة. قال ابن عبد البر: في إسناد حديثه لين.
ولأبي داود من حديث جرير بن حازم قال: أخبرنا قتادة عن أنس بن
مالك رضي الله عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة (5). ومن



(1) في (المرجع السابق): " أصابه يوم بدر ".
(2) (طبقات ابن سعد): 1 / 486.
(3) راجع التعليق السابق.
(4) ما بين الحاصرتين زياد من (خ) وليست في (ج).
(5) (سنن أبي داود): 3 / 68 - 69، كتاب الجهاد، باب (71) في السيف يحلى، حديث رقم
(2583)، وقبيعة السيف هي التومة التي فوق المقبض، ويستدل به على جواز تحلية اللجام باليسير
من الفضة، وسقوط الزكاة عنه علي مذهب من يسقط الزكاة عن الحلي.
وقد قيل: إنه لا يجوز ذلك لأنه من زينة الدابة، وإنما جاز ذلك في السيف، لأنه من زينة الرجل
وآلته، فيقاس عليه المنطقة ونحوها من أداة الفارس دون أداة الفرس. (معالم السنن) 10 / 68.
136
حديث قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن قال: كانت قبيعة سيف رسول الله
صلى الله عليه وسلم فضة (1)، قال قتادة: وما علمت أحدا تابعه (عليه) (2).
ومن حديث يحيى بن كثير (أبو عثمان العنبري) (3)، عن عثمان بن
سعد (4)، عن أنس (بن مالك) (4) قال: كانت (قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم
فضة) (5). قال أبو داود: أقواها حديث سعيد بن أبي الحسن، والباقي كلها
ضعاف (6).
وخرجه الترمذي من حديث جرير بن حازم، أخبرنا (7) أبي عن قتادة،
عن أنس (رضي الله عنه قال): كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة.
قال: هذا حديث حسن غريب (8)، (وهكذا روى عن همام عن قتادة عن
أنس) (9) وقد روى بعضهم عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن قال:
كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة (10).



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (2584).
(2) كذا في الأصلين (خ)، (ج)، وفي (المرجع السابق): " تابعه علي ذلك ".
(3) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(4) عثمان هو أبو بكر التميمي البصري الكاتب - تكلم فيه غير واحد.
(5) كذا في الأصلين، وفي (المرجع السابق): " قال: كانت فذكر مثله ".
(6) (المرجع السابق): حديث رقم (2585).
(7) كذا في الأصلين، وفي (سنن الترمذي): " حدثنا ".
(8) (سنن الترمذي): 4 / 173 - 174، كتاب الجهاد، باب (16) ما جاء في السيوف وحليتها، حديث
رقم (1691).
(9) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(10) (المرجع السابق): 174.
137
وخرج الإمام أحمد من حديث عفان قال: جاء أبو جزى - واسمه نصر
ابن طريف - إلى جرير بن حازم، يشفع لإنسان، فحدثه جرير، فقال جرير:
أخبرنا قتادة عن أنس (رضي الله عنه) قال: كانت قبيعة سيف رسول الله
صلى الله عليه وسلم من فضة، قال أبو جزى: كذب، والله ما حدثناه قتادة الأغر سعيد بن
أبي الحسن. قال أحمد: وهو قول أبي جزى، يعني أصاب وأخطأ جرير،
قلت: جرير بن حازم ثقة، وأبو جزى متروك الحديث، إلا أنه أصاب في
هذا، وأخطأ جرير بن حازم (1).
قال ابن معين: أبو جزى ليس حديثه بشئ، وقال أبو حفص عمرو بن
العلاد الفلاس: أجمع أهل العلم من أهل الحديث أنه لا يروى عن جماعة
سماهم، أحدهم أبو جزى نصر بن طريف (1).
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي جزى نصر بن طريف فقال: ليس
بشئ، وهو متروك الحديث (1).



(1) نصر بن طريف أبو جزى الباهلي البصري، روى عن قتادة، وحماد بن أبي سليمان، قال ابن المبارك:
كان قدريا، وقال أحمد: لا يكتب حديثه، وقال النسائي وغيره: متروك، وضعفه العجلي، وذكره
العقيلي في الضعفاء، وقال الخليلي في (الإرشاد): ضعفوه.
عبد الرحمن بن مهدي: مرض أبو جزى فدخلنا عليه فقال: أسندوني، فسند وقال: فأقبل علينا
فقال: كل ما حدثتكم عن فلان وفلان الذي قال ليس عندي عنهما، (يعترف بأنه غير في
الأسانيد).
وهب بن زمعة عن عبد الله بن المبارك أنه ترك حديث نصر بن طريف أبو جزى قال أحمد بن
حنبل: ولا يكتب حديث نصر بن طريف أبو جزى، ويحيى بن معين يقول: ومن المعروفين بالكذب
وبوضع الحديث أبو جزى نصر بن طريف.
وقال ابن عدي في (الكامل) بعد أن ذكر عدة أحاديث من مرويات أبي جزى: ولأبي جزى غير
ما ذكرت من الحديث من المناكير وغيره، وربما بأحاديث يشارك فيها الثقات، إلا أن
الغالب على راياته أنه يروي ما ليس محفوظا، وينفرد عن الثقات بمناكير، وهو بين الضعف، وقد
أجمعوا على ضعفه. له ترجمة في (الكامل في الضعفاء): 7 / 30 - 35، ترجمة رقم
(17 / 1970، (لسان الميزان): 6 / 183، ترجمة رقم (44 / 8777)، (المغني في الضعفاء):
2 / 696، ترجمة رقم (6613)، (ميزان الاعتدال): 4 / 254، ترجمة رقم (9047).
138
وللترمذي من حديث طالب بن حجير، عن هود بن عبد الله بن
سعد (1) عن جده قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم (مكة) (2) يوم الفتح وعلى
سيفه ذهب وفضة، قال طالب: فسألته عن الفضة، فقال: كان قبيعة
السيف فضة (3).
(قال أبو عيسى: وفي الباب عن أنس، وهذا حديث حسن غريب،
وجد هود اسمه مزيدة العصفري) (4).
وللنسائي من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان نصل (سيف)



(1) في (سنن الترمذي): " سعد "، وفي (الأصلين): " سعيد ".
(2) زيادة من (الأصلين)، وهي في رواية الترمذي في (الشمائل).
(3) (سنن الترمذي): 4 / 173، كتاب الجهاد، باب (16) ما جاء في السيوف وحليتها، حديث رقم
(1960).
(4) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
وأخرج الترمذي في (الشمائل): 98، باب (14) ما جاء في صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
حديث رقم (106) من حديث وهب بن جرير، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، قال: كانت قبيعة
سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة، وهو حديث صحيح. والقبيعة - بفتح القاف -: ما علي رأس
مقبض السيف من فضة أو حديد أو غيرهما، أو هي التي تكون على رأس قائم السيف، وقيل: هي
ما تحت شاربي السيف.
وهو حديث صحيح ورجال إسناده ثقات كلهم، غير أن جرير بن حازم في حديثه عن قتادة
ضعف، قاله ابن معين وغيره، وأيضا قتادة مدلس وقد عنعن، ولكن يخفف من هذه العنعنة أن في
إحدى الطرق الراوي عنه همام، وهو ثبت في قتادة، ولكن للحديث طرق عن أنس وشواهد يصح
بها.
والحديث أخرجه الدارمي في (السنن): 2 / 221، كتاب السير، باب في قبيعة سيف رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن أنس قال: كان قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة، قال عبد الله: هشام الدستوائي خالفه،
قال قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وزعم الناس أنه هو المحفوظ.
وابن سعد في (الطبقات): 1 / 487 من حديث قتادة عن أنس، في ذكر سيوف رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي): 140، والطحاوي في (مشكل الآثار): 2 / 166 - 167،
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحته تحلية السيف بالفضة، وابن عدي في
(الكامل): 2 / 126، في ترجمة جرير بن حازم بن زيد الجهضمي رقم (8 / 333)، والبيهقي في
(السنن الكبرى): 4 / 143. كتاب الزكاة باب ما ورد فيما يجوز للرجل أن يتحلى به من خاتمة
وحلية سيفه، ومصحفه، إذا كان من فضة، ثم قال: وهذا مرسل، وهو المحفوظ، وروي من وجه آخر
موصولا عن أنس.
وقد أعله أبو داود، والدارمي، والبيهقي، بأن هشام الدستوائي رواه عن قتادة، عن سعيد بن أبي
الحسن البصري مرسلا، وهو الحديث رقم (107) من (الشمائل المحمدية): عن قتادة، عن سعيد
ابن أبي الحسن البصري، قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة، وهو حديث مرسل.
وأما الحديث رقم (108) من (الشمائل المحمدية): من حديث طالب بن حجير، عن هود -
وهو ابن عبد الله بن سعيد - عن جده قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب
وفضة، وهو حديث ضعيف، وفي إسناده هود بن عبد الله، قال عنه ابن القطان: مجهول. وقال
الذهبي في (الميزان) لا يكاد يعرف، وذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال عنه الحافظ في
(التقريب): مقبول. يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث. وشيخ المصنف هو محمد بن إبراهيم بن
صدران المؤذن، وهو صدوق، وكذا طالب بن حجير صدوق، وجد هود هو مزيدة - وهو جده لأمه،
وهو صحابي قليل الحديث، والحديث أخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي): 140.
وأما الحديث رقم (109) من (الشمائل المحمدية): من حديث أبي عبيدة الحداد، عن عثمان
ابن سعد، عن ابن سيرين، قال: صنعت سيفي على سيف سمرة بن جندب، وزعم سمرة بن
جندب أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان حنفيا، وهو حديث ضعيف، وفي إسناده
عثمان بن سعد الكاتب، وقد تكلم فيه يحيى القطان من قبل حفظة، وضعفه غير واحد، ولذا قال
عنه الحافظ في (التقريب) ضعيف، وباقي رجال الإسناد ثقات. أبو عبيدة الحداد هو عبد الواحد بن
واصل السدوسي، وهو ثقة تكلم فيه الأزدي بغير حجة.
وللحديث طريق آخر، هو الحديث رقم (110) من (الشمائل المحمدية): من حديث عقبة بن
مكرم البصري، حدثنا محمد بن بكر، عن عثمان بن سعد بهذا الإسناد بنحوه، ويراجع في تخريجه
ما جاء في الكلام على الحديث رقم (109).
قوله: " وكان حنفيا ": أي وكان سيفه حنفيا، نسبة لبني حنيفة، وهم قبيلة مسيلمة، لأنهم
معروفون بحسن صنعة السيوف، فيحتمل أن صانعه كان منهم، ويحتمل أنه أتى به من عندهم،
وهذه الجملة من كلام سمرة فيما يظهر، ويحتمل أنها من كلام ابن سيرين على الإرسال. (حاشية
الباجوري على الشمائل المحمدية): 111.
139
رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة، وقبيعة سيفه فضة، وما بين ذلك حلق فضة (1).



(1) (سنن النسائي): 8 / 610، كتاب الزينة، باب (120) حلية السيف، حديث رقم (5389)،
وللنسائي أيضا من حديث عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل، حديث رقم (5388).
كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة، ومن حديث هشام عن قتادة، عن سعيد بن أبي
الحسن، حديث رقم (5390): كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة.
140
وقال جعفر بن محمد الصادق: رأيت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمه من
فضة، ونصله من فضة، وبين ذلك حلق من فض، هو الآن عند هؤلاء، يعني
آل العباس (1).
وقال الأصمعي: دخلت على الرشيد فقال: أريكم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذا الفقار؟ قلنا: نعم، فجاء به، فما رأيت سيفا قط أحسن منه، إذا نصب
لم تر فيه شئ، وإذا بطح عد فيه سبع فقر، وإذا صفيحة يمانية يحار فيه
الطرف من حسنه.
وفي رواية: أحضر الرشيد ذا الفقار يوما بين يديه، فاستأذنته في تقليبه،
فأذن لي فقلبته، واختلفت أنا والحاضرين في عدة فقاره، هل هي سبع
عشرة؟
وذكر قاسم في كتاب (الدلائل): أن ذلك كان يرى في رونقه شبيها
بفقار الحية، يراه الناظر فإذا التمس لم يوجد (لها أثر).
(و) ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في الهجرة بسيف كان
لأبيه مأثور، والعضب، وبذات الفضول سعد بن عبادة رضي الله عنه إلى



(1) راجع التعليق السابق، وذكر ابن أبي حاتم في (علل الحديث): 1 / 313، حديث رقم (938):
سألت أبي عن حديث رواه أبو معاوية الضرير، عن حجاج عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن عن
عبد الله بن عمرو، قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة، قال أبي: إنما هو سعيد بن أبي
الحسن قال: " كان قبيضة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم "، مرسل بلا عبد الله بن عمرو.
وفي ص 483، حديث رقم (1446): سألت أبا زرعة من حديث رواه يحيى بن كثير أبو
غسان، عن عثمان بن سعد، عن أنس قال: كان سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حنفي وحليته فضة. قال أبو
زرعة، رواه أبو عبيدة الحداد، عن عثمان بن سعد، عن ابن سيرين، عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلت:
هو الصحيح؟ قال أبو زرعة: أبو عبيدة أحفظ، فقلت: الوهم ممن هو؟ قال: من يحيى بن كثير.
141
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر، فشهد بهما وقعة بدر (1).
وأصاب صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيفا قلعيا، وسيفا
يدعى بتار، وسيفا يدعى الحتف (2).
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3) إلى الفلس
صنم طئ، فوجده مقلدا سيفين يقال لهما: مجذم ورسوب، وهما سيفان
كانا للحارث بن أبي شمر الغساني، يتقلد هما عن يمينه وشماله، فنذر لئن
ظفر ببعض أعاديه، ليهديهما إلى الفلس، فظفر به فأهداهما إليه، وهما
اللذان يقول فيهما علقمة بن عبدة التميمي:
مظاهر سربالي حديد عليهما * عقيلا سيوف مجذم ورسوب
وصمصامة عمرو بن معدى كرب، وهبها لخالد بن سعيد، وكانت
مشهورة عند العرب (4).
(وأما دروعه صلى الله عليه وسلم)
فسبع: ذات الفضول، وذات الوشاح، وذات الحواشي، والسعدية،
وفضة، والبتراء، والخرنق. (ويقال: كانت عنده صلى الله عليه وسلم درع داود التي لبسها
لما قتل جالوت) (5).



(1) سبق تخريج هذا الأثر.
(2) (مغازي الواقدي) 1 / 178 - 179، غزوة بني قينقاع، ولم يذكر اسم السيف الثالث.
(3) كذا في (خ)، (ج)، وفي (المغازي): " عليه السلام ".
(4) (مغازي الواقدي): 3 / 988 باختلاف يسير، حيث يقول الواقدي: " ووجد في بيته ثلاثة أسياف:
رسوب، والمخدم، وسيفا يقال له اليماني، ثم قال: وعزل النبي صلى الله عليه وسلم صفيا رسوبا، والمخذم، ثم صار له
بعد السيف الآخر.
(5) ما بين الحاصرتين في (خ) فقط، (زاد المعاد): 1 / 130، (طبقات ابن سعد) 1 / 487.
142
فذات الفضول والسعدية، يقال إنهما كانتا لعكين القينقاعي، وكان من
أبطالهم، ويقال: إنه صلى الله عليه وسلم أصاب يوم بني قينقاع من سلاحهم ثلاثة أرماح،
وثلاثة قسي، ودرعين: درع يقال لها السعدية، ودرع تسمى فضة (1).
وقال محمد بن مسلمة: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم) أحد درعين،
درعه ذات الفضول و (درعه فضة، ورأيت عليه يوم خيبر درعين: ذات
الفضول والسعدية (2).)
وروي أن سعد بن عبادة بعث بذات الفضول وبالعضب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما توجه لبدر، وسميت ذات الفضول لطولها، وهي الدرع التي رهنها
رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي شحم اليهودي على شعير لعياله.
خرج مسلم من حديث عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش قال: ذكرنا
الرهن في السلم عند إبراهيم النخعي فقال: أخبرنا (3) الأسود بن يزيد عن
عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي (4) إلى
أجل، ورهنه درعا له من حديد (5).
وذكره البخاري في السلم، ولفظه: أخبرنا (6) الأعمش قال: تذاكرنا
عند إبراهيم الرهن في السلف، فقال لك حدثني الأسود عن عائشة، أن النبي



(1) (مغازي الواقدي) 1 / 178، غزوة بني قينقاع وذكر الخبر مطولا.
(2) (المرجع السابق): 179 بسياقه أتم.
(3) في (صحيح مسلم): " حدثنا ".
(4) في (صحيح مسلم): " من يهودي طعاما ".
(5) (مسلم بشرح النووي): 11 / 43 - 44، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر
والسفر، حديث رقم (126)، وقال ابن القيم: ذات الفضول: وهي التي رهنها عند أبي الشحم
اليهودي على شعير لعياله، وكانت ثلاثين صاعا، وكان الدين إلى سنة، وكانت الدرع من حديد
(زاد المعاد): 1 / 130.
(6) كذا في (خ)، (ج) وفي (البخاري): " حدثنا ".
143
صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل (معلوم) (1) وارتهن منه درعا من
حديد. ترجم عليه باب الرهن في السلم (2).
وذكره في كتاب الرهن وقال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والقبيل في
السلف، فقال إبراهيم: أخبرنا الأسود مثله، وقال: رهنه درعه. وترجم عليه
باب من رهن درعه (3).
وخرجاه من حديث حفص بن عياش، عن الأعمش، عن إبراهيم قال:
حدثني الأسود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم (مثله)، ولم
يذكر: من حديد.
ولفظ البخاري: أخبرنا (4) الأعمش، قال: ذكرنا عند إبراهيم الرهن في
السلف فقال: لا بأس به، ثم حدثنا عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل فرهنه درعه. ترجم عليه
باب: شراء الطعام إلى أجل (5).
وخرجاه من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود
عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما
بنسيئة ورهنه درعه (6). ولفظ مسلم: فأعطاه درعا له رهنا (7). ترجم عليه.



(1) زيادة للسياق من (البخاري).
(2) (فتح الباري): 4 / 545، كتاب السلم باب (6) الرهن في السلم، حديث رقم (2252).
(3) (فتح الباري): 5 / 177، كتاب الرهن، باب (2) من رهن درعه، حديث رقم (2509)، وإبراهيم
هو النخعي.
(4) في (البخاري): " حدثنا ".
(5) (فتح الباري): 4 / 503، كتاب البيوع، باب (88) شراء الطعام إلى أجل حديث رقم (2200).
(6) (فتح الباري) 4 / 401، كتاب البيوع، باب (33) شراء الإمام الحوائج بنفسه، حديث رقم
(2096)، وفائدة الترجمة رقع توهم من يتوهم أن تعاطي ذلك يقدح في المروءة.
(7) (مسلم بشرح النووي): 11 / 43، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر، حديث
رقم (124)، وفيه جواز معاملة أهل الذمة، والحكم بثبوت أملاكهم على ما في أيديهم، وفيه بيان
ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التقلل من الدنيا وملازمة الفقر.
وفيه جواز الرهن، وجواز هن آلة الحرب عند أهل الذمة، وجواز الرهن في الحضر، وبه قال
الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد، والعلماء كافة، إلا مجاهدا وداود، فقالا: لا يجوز إلا في
السفر، تعلقا بقوله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة).
واحتج الجمهور بهذا الحديث، وهو مقدم على دليل خطاب الآية، وأما اشتراء النبي صلى الله عليه وسلم الطعام
من اليهودي ورهنه عنده دون الصحابة، فقيل: فعله بيانا لجواز ذلك، وقيل: لأنه لم يكن هناك
طعام فاضل عن حاجة صاحبه إلا عنده، وقيل: لأن الصحابة لا يأخذون رهنه صلى الله عليه وسلم، ولا يقبضون منه
الثمن، فعدل إلى معاملة اليهودي، لئلا يضيق على أحد من أصحابه.
وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذمة، وغيرهم من الكفار، إذا لم يتحقق تحريم ما
معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحا وآله حرب، ولا يستعينون به في إقامة
دينهم، ولا بيع مصحف، ولا عبد المسلم لكافر مطلقا والله تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي):
11 / 43 - 44.
144
البخاري باب: شراء الحوائج بنفسه.
وخرجاه من حديث جرير من الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن
عائشة رضي الله عنها قالت: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما
ورهنه درعه. ترجم عليه باب: الرهن عند اليهود وغيرهم (1).
وخرجه مسلم من حديث عيسى بن يونس عن الأعمش بهذا الإسناد
مثله، غير أنه قال: درعا من حديد (2).
وخرجه البخاري من حديث سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم عن
الأسود، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة
عند يهودي بثلاثين (يعني) (3) صاعا من شعير (4).



(1) (فتح الباري): 1 / 181، كتاب الرهن، باب (5) الرهن عند اليهود وغيرهم، حديث رقم
(2513).
(2) (مسلم بشرح النووي): 11 / 43، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر والسفر،
حديث رقم (125).
(3) زيادة للسياق من (البخاري).
(4) (فتح الباري): 8 / 191، كتاب المغازي، باب (87) بدون ترجمة، حديث رقم (4467).
145
وقال يعلى: حدثنا الأعمش: " درع من حديد "، وقال معلى:
(حدثنا) عبد الواحد عن الأعمش وقال: رهنه درعا من حديد. ذكره
في باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم والقميص في الحرب (1).
وقال في آخر المغازي، من حديث سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد:
توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا (من شعير) (2).
وذكره في باب: الكفيل في السلم، من حديث يعلى، أخبرنا الأعمش
عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشترى رسول الله
صلى الله عليه وسلم طعاما من يهودي بنسيئة، ورهنه درعا له من حديد (3).
وخرجه الترمذي من حديث هشام بن حسان عن عكرمة، عن ابن عباس
قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بعشرين صاعا من طعام أخذه
لأهله (4). قال (أبو عيسى): هذا حديث حسن صحيح.
(وخرج ابن حبان في صحيحه، من حديث آدم، حدثنا شيبان عن قتادة



(1) (فتح الباري): 1 / 123، كتاب الجهاد والسير، باب (89) ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم والقميص
في الحرب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما خالد فقد احتبس أدراعه في سبيل الله، حديث رقم (2916).
(2) (فتح الباري): 8 / 191، كتاب المغازي، باب (87) بدون ترجمة، حديث رقم (4467)، وما
بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(3) (فتح الباري): 4 / 545، كتاب السلم، باب (5) الكفيل في السلم، حديث رقم (2251).
ذكر ابن الطلاع في. الأقضية النبوية) أن أبا بكر افتك الدرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم. لكن روى ابن
سعد عن جابر أن أبا بكر قضى عدات النبي صلى الله عليه وسلم وأن عليا قضى ديونه.
وروى إسحاق بن راهويه في مسنده عن الشعبي مرسلا: أن أبا بكر افتك الدرع وسلمها لعلي
ابن أبي طالب، وأما من أجاب بأنه صلى الله عليه وسلم افتكها قبل موته فمعارض بحديث عائشة رضي الله عنها.
(فتح الباري): 5 / 178، شرح الحديث رقم (2509)، واليهودي اسمه: أبو الشحم، (طبقات
ابن سعد): 1 / 488.
(4) (سنن الترمذي): 3 / 519، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل،
حديث رقم (1214).
146
عن أنس قال: رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا له عند يهودي على طعام بدينار
فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى الله عليه وسلم) (1).
وروى ابن حيان من حديث جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان في درع
النبي صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضة، عند موضع التندوة، وفي ظهرها حلقتان من
فضة أيضا، وقال لبستها فخطت الأرض (2).
وفي (دلائل النبوة) للترمذي من حديث جابر الجعفي، عن عامر



(1) ما بين الحاصرتين في (خ) فقط وليس في (ج). ولابن حبان في هذا الباب ثلاثة أحاديث في كتاب
الرهن من (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان): 13 / 262 - 265.
* الحديث الأول في ذكر خبر قد شنع به بعض المعطلة على أهل الحديث، حيث حرموا التوفيق
لإدراك معناه، حديث رقم (5936)، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن
عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من
شعير. إسناده صحيح على شرط الشيخين.
* الحديث الثاني في ذكر ثمن الشعير الذي كان لليهودي على المصطفى صلى الله عليه وسلم عند رهنه إياه
حديث رقم (5937)، من حديث سفيان، عن قتادة عن أنس، قال: رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا له
عند يهودي بدينار، فما وجد ما يفتكها به حتى مات. إسناده صحيح.
* الحديث الثالث في ذكر البيان بأن الدرع الذي كان عند اليهودي للمصطفى الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك
لأجل سبب معلوم، فمن أجله لم يسترد درعه منه، حديث رقم (5938)، من حديث الأعمش
قال ذكر عند إبراهيم الرهن في السلم فقال: أخبرني الأسود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله
الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى سنة ورهنه درعا له من حديد. إسناده صحيح ورجاله ثقات.
رجال الشيخين غير بشير بن معاذ العقدي، فقد روى له أصحاب السنن، وهو ثقة.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى): 6 / 36 - 37، كتاب الرهن، باب جواز الرهن، من
طرق، والبيهقي أيضا في (دلائل النبوة): 7 / 275، باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال
أنس: ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والذي نفس محمد بيده، ما أصبح عند آل محمد صاع
بر ولا صاع تمر، وإن له يومئذ تسع نسوة، ولقد رهن درعا له عند يهودي بالمدينة، أخذ منه طعاما،
فما وجد لها ما يفتكها به حتى مات صلى الله عليه وسلم.
(2) (المغني عن حمل الأسفار): 2 / 586، بيان أخلاقه صلى الله عليه وسلم وآدابه في الناس (مختصرا)، (طبقات ابن
سعد): 1 / 488، (دلائل النبوة للبيهقي): 7 / 275، باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه:
" فلبستها، فجعلت أخطها في الأرض شيئا ".
147
الشعبي قال: أخرج إلينا علي بن الحسين درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي
يمانية رقيقة ذات زرافين، إذا علقت بزرافيها تشمرت، وإذا أرسلت مست
الأرض. والزرافين: الإبزيم (1).
ويقال: أن السعدية درع داود عليه السلام التي لبسها يوم قتل جالوت،
وأن بالتراء سميت بذلك لقصرها.
وذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الشخوص إلى أحد، دخل بيته
ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فعمماه ولبساه، وقد صف الناس له،
ما بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروجه، إذ خرج قد لبس لأمته، وقد
لبس الدرع فأظهرها، وحزم وسطها بمنطقة من خمائل سيفه من أدم كانت
عند آل أبي رافع، واعتم وتقلد السيف، ثم دعا بدابته فركب إلى أحد، ثم
عقد الألوية، ودعا بفرسه فركبه، وتقلد القوس وأخذ قناة بيده، فزج الرمح
يومئذ من شبه، والمسلمون متلبسون السلاح (2).
قال: ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيخين (3) - وهما أطمان ظاهران
بالمدينة - درعا واحدة حتى أنتهي إلى أحد، فلبس درعا أخرى، ومغفرا،
وبيضة فوق المغفر (2).
وقال المدائني: عن هشام بن سعد عن عيسى بن عبد الله بن مالك قال:
خاصم العباس عليا إلى أبي بكر، فقال: العم أولى أو ابن العم؟ قال: العم،
قال: ما بال درع النبي صلى الله عليه وسلم، وبغلته دلدل، وسيفه عند علي؟ فقال أبو بكر
رضي الله عنه: هذا شئ وجدته في يده، فأنا أكره نزعه منه، وتركه
العباس رضي الله عنه، (ويقال: كان عنده درع داود عليه السلام الذي



(1) (مصنف ابن أبي شيبة): 5 / حديث رقم (25178).
(2) (مغازي الواقدي): 1 / 215 - 216 بسياقة أتم.
(3) الشيخان: موضع بين المدينة وجبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرة إلى جيل أحد.
148
لبسه يوم قتل جالوت) (1).
(وأما قسيه صلى الله عليه وسلم)
فقد خرج ابن حيان من حديث الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن
مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في
السفر متوكئا على قوس قائما.
وذكر الواقدي أن قوس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تدعى الكتوم، وكانت من
نبع، كسرت يوم أحد، فأخذها قتادة بن النعمان (2).
وأخذ صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاث قسي: قوسا اسمها الروحاء،
وقوسا من شوحط تسمى البيضاء، وقوسا من نبع تسمى الصفراء (3).
ويقال: كانت له ست قسي: الزوراء، والروحاء، والصفراء، وهي من
نبع، والبيضاء، من شوحط، والكتوم، من نبع، وقيل لها ذلك لانخفاض
صوتها إذا رمى بها، وهي التي كسرت يوم أحد، (وقوس يقال لها السداد،
من نبع) (4).



(1) ما بين الحاصرتين في (خ) وليس في (ج).
(2) (مغازي الواقدي): 1 / 242.
(3) قال الواقدي في (المغازي): 1 / 178، وقد ذكر غزوة قينقاع: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم
ثلاث قسي:
1 - قيس تدعى الكتوم، كسرت بأحد.
2 - وقوس تدعى الروحاء.
3 - وقوس تدعى البيضاء،. (طبقات ابن سعد): 1 / 489.
(4) (زاد المعاد): 1 / 131، وما بين الحاصرتين من (ج)، وليست في (خ). وقال صلاح الدين
الصفدي، وقد ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم: وأربعة قسي:
1 - قويس اسمها الروحاء. 2 - وقوس شوحط. 3 - وقوس صفراء يدعى الصفراء،
(الوافي): 1 / 91، (ولم يذكر الرابعة).
149
(وأما المغفر)
المغفر: غطاء الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان ذلك أو
غيره.
فقد ثبت من حديث مالك عن الزهري عن أنس (رضي الله عنه) قال:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل
فقال له: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه (1).
وقد روى جماعة منهم بشر بن عمر الزهراني، ومنصور بن سلمة
الخزاعي، عن مالك هذا الحديث، وقالوا فيه: مغفر من حديد، وكذلك
رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، عن أبي بكير عن مالك قال فيه: من
حديد، وليس من حديد في الموطأ (2).



(1) (شرح السنة للبغوي): 10 / 399.
(2) (موطأ مالك): 292، كتاب الحج، جامع الحج، حديث رقم (956): عن أنس بن مالك: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه، جاءه رجل فقال له: يا رسول الله،
ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتلوه. قال مالك ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يومئذ محرما، والله تعالى أعلم.
وأخرجه مسلم في كتاب الحج من (الصحيح) باب (84) جواز دخول مكة بغير إحرام، حديث
رقم (450)، قوله: " وعلى رأسه المغفر "، وفي رواية: " وعليه عمامة سوداء بغير إحرام "، وفي
رواية: " خطب الناس وعليه عمامة سوداء ".
قال القاضي: وجه الجمع بينهما أن أول دخوله كان على رأسه المغفر، ثم بعد ذلك كان علي
رأسه العمامة بعد إزالة المغفر، بدليل قوله: " خطب الناس وعليه عمامة سوداء "، لأن الخطبة إنما
كانت عند باب الكعبة بعدم تمام فتح مكة.
وقوله: " دخل مكة بغير إحرام " هذا دليل لمن يقول بجواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد
نسكا، سواء كان دخوله لحاجة تكرر. كالخطاب، والحشاش، والسقاء، والصياد، وغيرهم. أم لم
تتكرر، كالتاجر، والزائر وغيرهما، سواء كان آمنا أو خائفا، وهذا أصح القولين للشافعي.
قوله: " اقتلوه "، قال العلماء: إنما قتله لأنه كان قد ارتد عن الإسلام، وقتل مسلما كان يخدمه،
وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويسبه، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
فإن قيل: ففي الحديث الآخر: " من دخل المسجد فهو آمن "، فكيف قتله وهو متعلق بأستار
الكعبة؟ فالجواب: أنه لم يدخل في الأمان، بل استثناه هو وابن أبي سرح والقينتين، وأمر بقتله وإن
وجد متعلقا بأستار الكعبة، كما جاء مصرحا به في أحاديث أخر.
وقيل: لأنه لم يف بالشرط، بل قاتل بعد ذلك، وفي هذا الحديث حجة لمالك والشافعي
وموافقيهما في جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأولوا هذا الحديث على أنه قتله في الساعة التي أبيحت له،
وأجاب أصحابنا بأنها إنما أبيحت ساعة الدخول حتى استولى عليها، وأذعن له أهلها، وإنما قتل ابن
أخطل بعد ذلك، والله تعالى أعلم.
واسم ابن أخطل: عبد العزي، وقال محمد بن إسحاق: اسمه عبد الله وقال الكلبي: اسمه
غالب بن عبد الله بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كثير بن تيم بن غالب.
وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين، قال أهل السير: وقيل سعد بن حريث، والله
تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي): 10 / 140 - 141.
وأخرج البخاري في (الصحيح): 6 / 203، كتاب الجهاد والسير، باب (169)، قتل الأسير،
وقتل الصبر، حديث رقم (3044)، وفيه أن الإمام يتخير - متبعا ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين
- بين قتل الأسير، أو المن عليه بفداء - أو بغير فداء، أو استرقاقه. (فتح الباري).
و (المرجع السابق): 8 / 18 - 19، كتاب المغازي، باب (49) أين ركز الراية يوم الفتح، حديث
رقم (4286).
و (المرجع السابق): 10 / 338، كتاب اللباس، باب (17) المغفر، حديث رقم (5808)، قال
الحافظ ابن حجر: وقد ذكرت في شرح الحديث أن بضعة عشر نفسا رووه عن الزهري غير مالك.
و (سنن أبي داود): 3 / 134 - 135، كتاب الجهاد، باب (127) قتل الأسير ولا يعرض عليه
الإسلام، حديث رقم (2685)، قال أبو داود: ابن خطل اسمه عبد الله، وكان أبو برزة الأسلمي
قتله.
وأخرجه أيضا الترمذي في (السنن): كتاب الجهاد، باب في المغفر، حديث رقم (1357)،
والنسائي في (السنن): كتاب المناسك، باب دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (2870)، وابن
ماجة في (السنن): كتاب الجهاد، باب السلاح، حديث رقم (1805)، والدارمي في السير، باب
كيف دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعلى رأسه المغفر، حديث رقم (2460)، وفي المناسك، باب
دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (1944).
150
وذكر الواقدي أنه عليه السلام أصاب من سلاح بني قينقاع مغفرا
موشحا، يقال: إنه من حديد وشح بالشبه، ويقال: كان له مغفر يقال له:
ذو الشبوع، وهو الذي كان عليه يوم دخل مكة (1).
(وأما الرماح)
فإنه صلى الله عليه وسلم أصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح، ويروى أنه كانت له
عليه السلام خمسة رماح: ثلاثة أصابها من بني قينقاع (2)، ورمح يقال له:
المثوى، ورمح يقال له: الشنوني، وكان له وفضة - وهي الجعبة - ويقال
لها: الكافور، ويقال: اسم كنانته الجمع (3).



(1) لم أجد هذا الخبر في غزوة بني قينقاع من كتاب (المغازي) للواقدي: 1 / 178، وقد ذكر القسي،
والدروع، والأسياف، والرماح، ولم يذكر المغفر.
وقال ابن القيم في (زاد المعاد): 1 / 131، فصل في ذكر سلاحه وأثاثه صلى الله عليه وسلم: وكان له مغفر من
حديد يقال له: الموشح، وشح بشبه، ومغفر آخر يقال له: السبوغ، أو ذو السبوغ.
الشبه والشبهان، بتحريك الشين والباء: النحاس الأصفر. وتكسر شينه.
(2) قال الواقدي وقد ذكر غزوة قينقاع: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسي، قوس تدعى
الكتوم، كسرت بأحد، وقوس تدعى الروحاء، وقوس تدعى البيضاء، وأخذ درعين من سلاحهم،
درعا يقال لها الصفدية، وأخرى فضة، ثلاث أسياف، سيف قلعي، وسيف يقال له بتار، وسيف
آخر، وثلاثة أرماح، قال: ووجدوا في حصونهم سلاحا كثيرا. وآله الصياغة، وكانوا صاغة، (مغازي
الواقدي): 1 / 178 - 179.
(3) وقال الصفدي في (الوافي): 1 / 91، وقد ذكر سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأربعة رماح: المتثنى، وثلاثة
من بني قينقاع.
وقال ابن سعد في (الطبقات): 1 / 489، ذكر أرماح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسيه: أخبرنا محمد بن
عمر، أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى، قال: أصاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح.
152
(وأما الترس)
فروي عن مكحول أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ترس فيه تمثال رأس كبش،
فكره مكانه، فأصبح وقد أذهبه الله (1).
وقال الأوزاعي: عن ابن شهاب أخبرني القاسم بن محمد عن عائشة
(رضي الله عنها قالت) أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بترس فيه تمثال عقاب، فوضع
يده عليه، فأذهبه الله عز وجل، ويقال: كان اسم الترس: الفتق، وترس
يقال له: الزلوق (2).
(وأما العنزة)
فقد خرج البخاري من حديث أبي جحيفة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
بالأبطح (3)، فجاءه بلال، فأذنه بالصلاة، ثم (خرج) بلا ل بالعنزة (حتى)
ركزها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح وأقام الصلاة.
ذكره في باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة (4)، وفي باب: سترة
الإمام ستره من خلفه (5)، وهو مما اتفقا عليه.



(1) (الوافي): 1 / 91، (طبقات ابن سعد): 1 / 489.
(2) (زاد المعاد): 1 / 131.
(3) الأبطح: موضع معروف خار ج مكة.
(4) (فتح الباري): 2 / 144، كتاب الأذان، باب (18) الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة،
وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: " الصلاة في الرحال " في الليلة الباردة أو المطيرة، حديث رقم
(633).
(5) (فتح الباري): 1 / 751، كتاب الصلاة، باب (90) سترة الإمام سترة من خلفه، حديث رقم
(494).
153
وخرج البخاري (1) ومسلم (2) وأبو داود (3)، من حديث عبيد الله عن
نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد، أمر بالحربة
فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك (في السفر)،
فمن ثم اتخذها الأمراء. لفظهم فيه سواء. ذكره البخاري في باب سترة
الإمام سترة من خلفه.
وخرج البخاري ومسلم من حديث عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يركز - وفي لفظ يغرز - العنزة ويصلي إليها قال عبيد الله:
وهي الحربة. وفي لفظ للبخاري: كان تركز له الحربة فيصلي إليها. ترجم
عليه باب: الصلاة إلى الحربة (4).
وقال الواقدي: في سنة ثنتين من مقدمة، صلى العيد وحملت له العنزة،
وهو يومئذ يصلي إليها في الفضاء، وكانت العنزة للزبير بن العوام أعطاه
إياها النجاشي، فوهبها للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يخرج بها بين يديه يوم العيد،
وهي اليوم بالمدينة عند المؤذنين. حدثني بذلك إبراهيم بن محمد بن عمار



(1) وأخرجه بنحوه في كتاب العيدين، باب (13) الصلاة إلى الحربة يوم العيد، حديث رقم (972)،
وفي باب (14) حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد، حديث رقم (973).
(2) (مسلم بشرح النووي): 4 / 464، كتاب الصلاة، باب (47) سترة المصلي، حديث رقم (245).
(3) (سنن أبي داود): 1 / 442 - 443، كتاب الصلاة، تفريع أبواب السترة، باب (102)، حديث رقم
(687)، وأخرجه أيضا النسائي في (السنن): 2 / 394، كتاب الصلاة، باب (4) سترة المصلي،
حديث رقم (746)، (سنن ابن ماجة): 1 / 303، كتاب الصلاة والسنة فيها، باب (36) ما
يستر المصلي، حديث رقم (941).
(4) (فتح الباري): 1 / 751، كتاب الصلاة، باب (92) باب الصلاة إلى الحربة، حديث رقم (498)،
باب (93) الصلاة إلى العنزة، حديث رقم (499)، وفيه:... فصلى بنا الظهر والعصر، وبين
يديه عنزة....، وحديث رقم (500)، وفيه.... إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام ومعنا عكازة،
أو عصا، أو عنزة.... قال الحافظ ابن حجر: لكن قد قيل: إن الحربة إنما يقال لها عنزة إذا كانت
قصيرة، ففي ذلك جهة مغايرة، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (47) سترة المصلي،
حديث رقم (246).
154
ابن سعد (1) القرظ عن أبيه عن جده (1).
قال الواقدي: سألنا عن العنزة التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إليها في
أسفاره وتحمل بين يديه، فحدثني أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي
سبرة العامري، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن
أسماء ابنة أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: لما هاجر الزبير إلى أرض
الحبشة، خرج مع النجاشي يقاتل عدوا له، فأعطاه النجاشي يومئذ عنزة
يقاتل بها، فطعن عدة حتى ظهر النجاشي على عدوه، وقدم الزبير رضي
الله عنه بها، فشهد بدرا وهي معه، وشهد بها يوم أحد ويوم خيبر، ثم
أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، وكان أبو بكر وعمر وعثمان رضي
الله عنهم على ذلك، فهي اليوم تحمل بين يدي الأئمة، وتكون مع
الموذنين (2).
وقال محمد بن سعد عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، عن عبد
الرحمن بن سعد وغيره، أن النجاشي بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عنزات،
فمسك واحدة، وأعطى عليا رضي الله عنه واحدة (1).
وذكر أبو زيد عمر بن شيبة، عن سعد القرظ قال: أهدى النجاشي
للنبي صلى الله عليه وسلم حربات، فوهب حربة لعمر بن الخطاب، ووهب حربة لعلي بن
أبي طالب رضي الله عنه، وحبس لنفسه واحدة (2).
قال: فأما حربة على فهلكت، وأما حربة عمر فصارت إلى أهله، وأما
الحربة التي أمسك لنفسه فهي يمشي بها مع الإمام يوم العيد



(1) هذه الآثار بتمامها وبسياقه أتم ذكرها عن الواقدي: ابن سعد في (الطبقات): 3 / 235 - 236، في
ترجمة بلال بن رباح رضي الله تعالى عنه.
(2) راجع التعليق السابق.
155
(والاستسقاء) (1).
وذكر عن الليث بن سعد أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يدي النبي
صلى الله عليه وسلم إذا صلى، كانت لرجل من المشركين، فقتله الزبير بن العوام يوم أحد
فأخذها في سلبه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزبير، فكان ينصبها بين
يديه إذا صلى.
وذكر الواقدي عن الزبير بن العوام أنه قال: لما كان يوم (2) بدر لقيت
عبيدة بن سعيد بن العاص على فرس عليه لأمه كاملة، لا يرى منه إلا عيناه
وهو يقول (- وقد كانت له صبية صغيرة يحملها، وكان لها بطين وكانت
مسقمة -) (3) أنا أبو ذات الكرش) (3)، قال: وفي
يدي عنزة فأطعن بها في عينه ووقع وأطأ برجلي على خده، حتى أخرجت
العنزة من حدقته، وأخرجت حدقته، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العنزة، فكانت
تحمل بين يديه، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم (4).
ويقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاع عنزات، فأعطى الزبير منها عنزة، وفرقها
في أصحابه، وكانت هذه العنزة منها تحمل بين يديه، والأول أثبت.
ويقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حربة يقال لها القبعة، وحربة كبيرة اسمها
البيضاء، وحربة صغيرة دون الرمح يقال لها: العنزة، يدعم عليها ويمشي
بها وهي في يده، وتحمل بين يديه في العيد حتى تركز أمامه فيتخذها سترة
يصلي إليها، قيل: إنه اتخذها من الزبير، وأخذها الزبير من النجاشي



(1) زيادة للسياق من (مغازي الواقدي).
(2) في المرجع السابق: " يومئذ ".
(3) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(4) (مغازي الواقدي): 1 / 85 - 86.
156
وكانت له عنزة أخرى (1).
وقال الواقدي: عن ابن أبي سبرة وغيره قالوا: كان بلال يحمل العنزة بين
يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأعياد والمشاهد، فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم، سأل
بلال أبا بكر رضي الله عنهما، أن يشخص إلى الشام، وكره المقام بالمدينة
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن له، فحمل العنزة بين يدي أبي بكر رضي الله عنه
(سعد القرظ - وكان مؤذنه - وحملها بين يدي عمر رضي الله عنه) وكان
ولده يحملونها بين يدي الولاة بالمدينة (1).
قال البلاذري: وقد أمر المتوكل على الله أمير المؤمنين بحمل هذه العنزة
إليه، فهي اليوم بسر من رأى (2).
وقال الواقدي: عن الثوري، عن إسماعيل بن أبي أمية، عن مكحول أنه
قال: كانت الحربة تحمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره، لأنه كان
يصلي إليها، وهي العنزة.
وحدثني إبراهيم بن محمد بن عمار بن سعد القرظ، عن أبيه عن جده،
أن بلالا كان يحمل العنزة يوم العيد، ثم حملها سعد، ثم حملها عمار،
ثم حملها محمد بن عمار بين يدي الولاة، ثم أنا هذا أحملها بين
أيديهم (1).



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 235 - 236، ترجمة بلال بن رباح، رضي الله تعالى عنه.
(2) سر من رأى: مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة، وقد خربت. وفيها لغات: سامراء،
ممدود، وسامرا، مقصور، وسر من رأ، مهموز الآخر، وسر من را، مقصور الآخر.
وقال أبو سعد: سامراء بلد على دجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخا يقال لها سر من رأى فخففها الناس
وقالوا: سامراء. وبها السرداب المعروف في جامعها، الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منه. وقال
حمزة: كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل إليها الإتاوة التي كانت موظفة لملك
الفرس على ملك الروم، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة، لأن " سا " اسم الإتاوة و " مرة " اسم العدد،
والمعنى أنه مكان قبض عدد جزية الروم.
وذكر محمد بن أحمد البشاري نكتة حسنة فيها، قال: لما عمرت سامراء وكملت، واتسق خيرها،
واحتفلت سميت: سرور من رأى، ثم اختصرت فقيل: سر من رأى، فلما خربت وتشوهت
خلقتها واستوحشت سميت: ساء من رأى، ثم اختصرت فقيل: سامراء، فسبحان من لا يزول ولا
يتحول. مختصرا من (معجم البدان): 3 / 195 - 200، موضع رقم (6202)، 243، موضع رقم
(6392).
157
ويقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم أحد من الزبير الحربة التي دفعها إليه
النجاشي، فقتل بها أبي بن خلف (1)، ثم مشى بها بلال من حينئذ بين
يديه.
(وأما المنطقة)
فيذكر أنه كان له عليه السلام منطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق
من فضة، والأبزيم فضة، وخرج إلى أحد وقد حزم وسطه بمنطقة من حمائل
سيف من أديم، كانت عند أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).



(1) (مغازي الواقدي) 1 / 251، مختصرا.
(2) (المرجع السابق): 1 / 214.
158
(وأما اللواءات والرايات)
(ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه أن أول من عقد الألوية إبراهيم الخليل
عليه السلام) (1).
وخرج البخاري من حديث الليث، أخبرني عقيل عن ابن شهاب،
أخبرني ثعلبة بن أبي مالك القرظي، أن قيس بن سعد الأنصاري، وكان
صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أراد الحج فرجل (2) - هكذا ذكر البخاري
هذا الحديث مختصرا محذوفا، وتمامه -: فرجل أحد شقي رأسه، فقام
غلام له فقلد هديه، فنظر قيس فإذا هديه قد قلد، فأهل بالحج ولم يرجل
شق رأسه الآخر (3).
ولأبي داود (4) والترمذي من حديث عمار الدهني، عن أبي الزبير عن
جابر، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان لواؤه يوم دخل مكة أبيض.



(1) ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج)، (مصنف ابن أبي شيبة): 7 / 273، كتاب الأوائل،
باب (1) أول ما فعل ومن فعله، أثر رقم (36025)، وتمامه: بلغه أن قوما أغاروا علي لوط فسبوه،
فعقد لواء وسار إليهم بعبيده ومواليه حتى أدركهم فاستنقذه وأهله.
(2) (فتح الباري): 6 / 156، كتاب الجهاد والسير، باب (121)، ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم، حديث
رقم (2974).
(3) وقد أخرج الإسماعيلي هذا الحديث تاما من طريق الليث، التي أخرجها المصنف منها فقال بعد
قوله: فرجل أحد شقي رأسه فقام غلام له فقلده هديه، فنظر قيس هديه وقد قلد، فأهل بالحج ولم
يرجل شق رأسه الآخر.
وأخرجه من طريق أخرى عن الزهري بتمامه نحوه، وفي ذلك ومصير من قيس بن سعد إلى أن
الذي يريد الإحرام إذا قلد هديه يدخل في حكم المحرم.
وفي أحاديث الباب: استحباب اتخاذ الألوية في الحروب، وأن اللواء يكون مع الأمير، أو من
يقيمه لذلك عند الحرب (فتح الباري): 6 / 157 - 158.
(4) (سنن أبي داود): 3 / 72، كتاب الجهاد، باب (76) في الرايات والألوية، حديث رقم (2592).
159
ولفظ الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة
ولواؤه أبيض. قال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن
آدم عن شريك. قال: وسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من
حديث يحيى بن آدم عن شريك وقال: حدثنا غير واحد عن شريك، عن
عمار عن أبي الزبير، عن جابر (رضي الله عنه)، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة
وعليه عمامة سوداء. قال محمد: والحديث هو هذا (1).
(وخرج ابن حبان في (صحيحه)، من حديث شريك عن عمار
الدهني، عن أبي الزبير عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح مكة ولواؤه
أبيض) (2).
وللترمذي (3) من حديث يزيد بن حبان قال: سمعت أبا مجلز لاحق
ابن حميد، يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما (4)، قال: كانت راية
رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من
هذا الوجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (5).



(1) (سنن الترمذي): 4 / 168، كتاب الجهاد، باب (9) ما جاء في الألوية، حديث رقم (1679)،
قال أبو عيسى: والدهن بطن من بجيلة، وعمار الدهني هو عمار بن معاوية الدهني، ويكنى أبا
معاوية، وهو كوفي، وهو ثقة عند أهل الحديث.
(2) (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان): 11 / 47، كتاب السير، باب (13) الخروج وكيفية
الجهاد، ذكر وصف لواء المصطفى عند دخوله مكة يوم الفتح، حديث رقم (4743).
(3) (سنن الترمذي): 4 / 169 - 170، كتاب الجهاد، باب (10) ما جاء في الرايات، حديث رقم
(1681).
(4) زيادة للسياق.
وأخرجه النسائي في (السنن): 5 / 220، مناسك الحج، باب (106) دخول مكة باللواء،
حديث رقم (2866).
(5) زيادة للسياق.
160
وذكر ابن إسحاق (1) أن لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكبر في يوم بدر كان
أبيض، يحمله مصعب بن عمير (بن هاشم بن عبد مناف بن عبد
الدار) (2)، ويذكر أنه كان له لواء أغبر.
ولابن حيان من حديث أبي مجلز، عن ابن عباس (رضي الله
عنهما) (3) قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض، مكتوب
فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله (4).
ولأبي داود من حديث يونس بن عبيد (مولى محمد بن القاسم) (5)
قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب، أسأله (6) عن راية رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما كانت؟ فقال: كانت سوداء مربعة من نمرة (7).
وخرجه الترمذي بهذا الإسناد مثله وقال: هذا حديث حسن غريب، لا
تعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة (8).
وللبخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن نافع بن جبير قال:



(1) (سيرة ابن هشام): 3 / 159، اللواء والرايتان، وباقي الحديث مرسل.
(2) زيادة للنسب من (المرجع السابق).
(3) زيادة للسياق.
(4) (أخلاق النبي): 144 - 145.
(5) زيادة للسياق من (سنن أبي داود).
(6) في المرجع السابق: " يسأله ".
(7) (سنن أبي داود): 3 / 71 - 72، كتاب الجهاد، باب (76) في الرايات والألوية، حديث رقم
(2591)، نمرة - بفتح النون وكسر الميم -: بردة من صوف أو غيره مخططة. (معالم السنن).
(8) (سنن الترمذي): 169، كتاب الجهاد، باب (10) ما جاء في الرايات، حديث رقم (1680). قال
أبو عيسى: وفي الباب عن علي، والحارث بن حسان، وابن عباس.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 5 / 381، حديث رقم (18153) من حديث البراء بن
عازب رضي الله تعالى عنه.
161
سمعت العباس يقول للزبير رضي الله عنهما: ها هنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن تركز الراية (1)، لم يذكر البخاري من هذا الحديث غير هذا (وقد
ذكره) (2) بطوله في غزوة الفتح.
ولأبي داود من حديث شعبة عن سماك، عن رجل من قومه عن آخر
منهم قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء (3).
وذكره ابن حيان، وذكره ابن عبد البر عن بريدة العبدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم
عقد رايات الأنصار وجعلها صفراء (4).
وذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى علي رضي
الله عنه، وكانت بيضاء. وذكر أنه كان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر رايتان
سوداوان، إحداهما مع علي، والأخرى مع بعض الأنصار، ذكر ابن هشام أنه



(1) (فتح الباري): 8 / 6، كتاب المغازي، باب (49)، أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، حديث رقم
(4280)، ولم يذكر في سنده نافع بن جبير في متن الحديث، بل ذكره الحافظ ابن حجر في الشرح
والتعليق.
قوله: " عن هشام " هو ابن عروة، " عن أبيه " هكذا أورده مرسلا، قال الحافظ: ولم أره في شئ
من الطرق عن عروة موصولا، ومقصود البخاري منه ما ترجم به، وهو آخر الحديث، فإنه موصول عن
عروة، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن العباس بن عبد المطلب، والزبير بن العوام.
قوله في آخر هذا الحديث الطويل: " قال عروة: فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت
العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله، ههنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية؟ " قال الحافظ
ابن حجر: وهذا السياق يوهم أن نافعا حضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة، وليس كذلك، فإنه لا
صحبة له، ولكنه محمول عندي على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة
اجتمعوا فيها، إما في خلافة عمر، أو في خلافة عثمان. (فتح الباري): 8 / 11 - 12.
(2) زيادة للسياق والبيان.
(3) (سنن أبي داود): 3 / 72، كتاب الجهاد، باب (76) الألوية والرايات، حديث رقم (2593)، قال
الخطابي في (معالم السنن): في إسناده رجل مجهول.
(4) راجع التعليق السابق.
162
سعد بن معاذ (1).
وذكر ابن حيان من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي
بكر، عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض،
وكانت رايته سوداء من مرط لعائشة مرحل (2).
ومن حديث وكيع، حدثنا سفيان عن أبي الفضل عن الحسن قال:
كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العقاب (3)، ويقال: إن العقاب كانت
سوداء مربعة من نمرة مخملة، وقيل كانت من صوف أسود.
وللبخاري من حديث الحارث بن حسان قال: دخلت المسجد فرأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر يخطب متقلدا السيف، وإذا رايات سود
(تخفق)، فقلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من ذات
السلاسل (4).



(1) (سيرة ابن هشام): 3 / 159، اللواء والرايتان، في أ حداث غزوة بدر، 4 / 297، ذكر المسير إلى
خيبر، حامل الراية يوم خيبر.
(2) وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف): 6 / 537، باب (174) في الرايات السود، حديث رقم
(33592).
(3) (المرجع السابق)، حديث رقم (33593).
(4) غزوة ذات السلاسل، كانت في جمادى الآخر سنة ثمان، وهي وراء وادي القرى، وبينها وبين المدينة
عشرة أيام، وقد نزلوا على ماء لجذام، يقال له السلسل فيما قال ابن إسحاق، ولذلك سميت: ذات
السلاسل.
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف): 6 / 537، باب (174) في الرايات السود،
حديث رقم (33591). ولم يقل: " ذات السلاسل ".
والبيهقي في (السنن الكبرى): 6 / 362 - 363، باب ما جاء في عقد الألوية والرايات، من
حديث أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، قال: قال الحارث بن حسان البكري: انتهيت
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، وبلال قائم متقلد السيف، وإذا رايات سود، والناس يقولون: هذا
عمرو بن العاص قد قدم.
ورواه سلام بن المنذر، عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن حسان. وقال في متنه: فإذا راية
سوداء تخفق، فقلت: ما شأن الناس اليوم، قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبعث عمرو بن العاص
وجها. (السنن الكبرى).
وقال الحافظ الذهبي: عن الثوري، عن إبراهيم النخعي، قال: عقد رسول
الله صلى الله عليه وسلم لواء لعمرو على أبي بكر وعمر وسراة أصحابه قال الثوري: أراه قال: في غزوة ذات
السلاسل. (سير أعلام النبلاء): 3 / 56 - 57، ترجمة عمرو بن العاص رقم (15).
163
وذكر ابن حيان وقاسم بن أصبغ من حديث أوس بن عبد الله بن بريدة،
عن الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة بن الحصيب
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير، ولكن يتفأل، وكانت قريش جعلت
مائة من الإبل لمن يأخذ نبي الله فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة فأقبل
بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم، فلقوا نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلا،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قال: أنا بريدة، فالتفت إلى أبي بكر رضي
الله عنه فقال: يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح، قال: ثم من من؟ قال: من
أسلم، قال سلمنا، قال: ثم من من؟ قال: من بني سهم، قال: خرج
سهمك، فقال بريدة: من أنت؟ قال: أنا محمد بن عبد الله رسول الله،
قال بريدة: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، فأسلم بريدة، وأسلم
الذين معه جميعا.
فلما أصبح قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل المدينة إلا ومعك لواء، فحل
عمامته ثم شدها في رمح، ثم مشى بين يديه حتى دخل المدينة، قال
بريدة: الحمد لله الذي أسلمت بنو سهم طائعين (1).



(1) أخرجه ابن عدي في (الكامل): 1 / 140، في ترجمة أوس بن عبد الله بن بريدة حصيب الأسلمي
رقم (224 / 224) من طريق أوس بن عبد الله بن بريدة عن حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة
عن أبيه.
قال الألباني في (السلسلة الصحيحة): وأوس هذا ضعيف جدا، لكن تفاؤله صلى الله عليه وسلم ثابت عنه في
غير ما حديث.
ورواه عنه أيضا قاسم بن أصبغ، وسكت عليه عبد الحق مصححا له، قال ابن القطان، وما مثله يصح
فإن فيه أوس، منكر الحديث، وروى أبو داود قال ابن القطان: وما مثله يصح فإن فيه أوس، منكر
الحديث، وروى أبو داود عنه قوله: " أنه يتطير " قال وإسناده صحيح.
قلت: الصواب تصحيح عبد الحق، وليس هو تصحيحا لذاته حتى يرد ما تعقبه ابن القطان،
وإنما هو على التفصيل الذي ذكرته، فتنبه ولا تكن من الغافلين. (سلسلة الأحاديث الصحيحة):
2 / 400، 401، حديث (762)، (الكامل في ضعفاء الرجال): 1 / 410.
164
قال الساجي في هذا الحديث: قال البخاري: فيه نظر، وذكر غير واحد
أن أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم راية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب
ابن عبد مناف، حين بعثه إلى بطن رابغ. هذا قول ابن إسحاق (1). وقال
قومه: أول لواء عقده عليه السلام لواء حمزة بن عبد المطلب حين بعثه
يعترض عيرا لقريش (2).
وقال الواقدي في غزاة بدر: وكان لواء رسول الله (صلى الله عليه وسلم يومئذ) (3)
الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن
المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ (4).
وذكر في غزاة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعى بثلاثة أرمح، فعقد ثلاثة



(1) سرية عبيدة بن الحارث، وهي أول راية عقدها صلى الله عليه وسلم، وأول سهم رمى به في الإسلام، قال ابن إسحاق:
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذاك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن
قصي، في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماء
بالحجاز، بأسفل ثنية المرة، فلقي بها جمعا عظيما من قريش. فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن
أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمي به في الإسلام. (سيرة ابن هشام): 3 / 136.
(2) من قال إن أول راية كانت لحمزة رضي الله عنه: وبعض الناس يقول: كانت راية حمزة أول راية
عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين. وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا، فشبه ذلك على
الناس. (المرجع السابق): 140، سرية حمزة إلى سيف البحر.
(3) زيادة للسياق من (مغازي الواقدي).
(4) ومع قريش ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز، مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة.
(المرجع السابق): 1 / 58، 225.
165
ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ودفع لواء الخزرج إلى حباب
ابن المنذر بن الجموح، ويقال: إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء المهاجرين إلى
علي بن أبي طالب، ويقال: إلى مصعب بن عمير (1).
قال: وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحمل لواء المشركين؟ فقيل: بنو عبد
الدار، فقال: نحن أحق بالوفاء منهم، أين مصعب بن عمير؟ قال: ها أنا
ذا، قال: خذ اللواء، فأخذ مصعب بن عمير فتقدم به بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم (2)، وهو اللواء الأعظم، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء
الخزرج مع سعد أو حباب (3).
قال: وحدثني الزبير بن سعيد (4)، عن عبد الله بن الفضل قال: أعطى
رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير اللواء، فقتل مصعب، فأخذه ملك في
صورة مصعب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول لمصعب في آخر النهار: تقدم
يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال: لست بمصعب، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه ملك أيد به (5) (وسمعت أبا معشر يقول مثل ذلك) (6).
ولما قتل مصعب وسقط اللواء، ابتدره رجلان من بني عبد الدار: سويبط
ابن حرملة، وأبو الروم، فأخذه أبو الروم، فلم يزل في يده حتى دخل به
المدينة (7).



(1) المرجع ا لسابق): 1 / 215.
(2) المرجع السابق): 1 / 221.
(3) راجع التعليق رقم (5).
(4) في (خ)، (ج): " الزبير وسعيد "، وما أثبتناه من (مغازي الواقدي).
(5) (مغازي الواقدي): 1 / 234.
(6) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(7) (المرجع السابق): 1 / 239.
166
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، دفع لواءه إلى علي بن أبي
طالب رضي الله عنه، ويقال: دفعه إلى أبي بكر رضي الله عنه.
ولما خرج إلى بدر الموعد، كان يحمل لواءه الأعظم يومئذ علي رضي الله
عنه (1).
وفي غزوة المريسيع، دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، راية المهاجرين إلى أبي بكر
الصديق رضي الله عنه، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه،
ويقال كان مع عمار بن ياسر راية المهاجرين (2).
ولما خرج إلى بني قريظة، دفع عليه السلام لواءه إلى علي، (رضي الله
عنه) وكان اللواء على حاله، لم يحل (من) مرجعه من الخندق (3). وحمل
اللواء في غزوة الغابة المقداد بن عمرو (4)، وحمل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم
العقاب سعد بن عبادة (5)، وكان له في خيبر ثلاث رايات (6).
قال الواقدي: ولم يكن راية قبل خيبر، إنما كانت الألوية، فكانت راية
رسول الله صلى الله عليه وسلم السوداء من برد عائشة رضي الله عنها تدعى العقاب، ولواؤه
أبيض، ودفع رايته إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وراية إلى الحباب
ابن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة (7).



(1) (المرجع السابق): 1 / 388.
(2) (المرجع السابق): 1 / 407.
(3) (المرجع السابق): 2 / 797.
(4) (المرجع السابق): 2 / 549 /.
(5) (المرجع السابق): 2 / 542.
(6) قال الواقدي: وكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم السوداء من برد لعائشة تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، ودفع راية
إلى علي عليه السلام، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة. (المغازي): 2 / 649.
(7) راجع التعليق السابق.
167
ولما انتهى صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، وقد ضوي إليها ناس من
العرب، استقبل يهود بالرمي المسلمين، حيث نزلوا وهم على غير تعبئة،
فعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه لقتالهم، وصفهم ودفع لواءه إلى سعد بن
عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى
عباد بن بشر (1).
وعقد صلى الله عليه وسلم لما جهز لغزاة مؤتة لواءا أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة (2)،
وعقد لعمرو بن العاص لما بعثه لغزوة ذات السلاسل لواءا أبيض، وجعل
راية سوداء (3).
ولما عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببئر أبي عنبة - وهو يريد فتح مكة - عقد
الألوية والرايات، وقيل: لم يعقد الألوية والرايات حتى انتهى إلى قد يد،
فكان في المهاجرين ثلاث رايات: راية مع الزبير سوداء، وراية مع علي،
وراية مع سعد بن أبي وقاص وكان في الأوس راية في بني عبد الأشهل مع
أبي نائلة، وفي بني ظفر راية مع قتادة بن النعمان، وفي بنى حارثة راية مع
أبي بردة بن نيار، وفي بني معاوية راية مع جبر بن عتيك، وفي بني خطمة
راية مع أبي لبابة بن المنذر (4)، وفي بني واقف راية مع هلال بن أمية (5)،
وفي بني عمرو بن عوف راية مع أبي لبابة بن عبد المنذر، وفي بني أمية راية
كذا، وفي بني ساعدة راية مع أبي أسيد الساعدي، وفي بني الحارث بن
الخزرج راية مع عبد الله بن زيد، وفي بني سلمة مع قطبة بن عامر بن



(1) (المغازي للواقدي): 2 / 710.
((المرجع السابق): 2 / 756.
(3) سبق الإشارة إلى هذا الخبر وتخريجه.
(4) في (خ)، (ج): " مع خزيمة بن ثابت "، وما أثبتناه من المرجع السابق ".
(5) كذا في الأصلين، وفي (المرجع السابق): " وفي بني أمية راية مع مبيض ".
168
حديدة، وفي بني مالك بن النجار راية مع عمارة بن حزم، وفي بني مازن
راية مع سليط بن قيس، وفي بني دينار راية مع كذا (1).
وكانت في مزينة ثلاثة ألوية: لواء مع النعمان بن مقرن، ولواء مع بلال
ابن الحارث، ولواء مع عبد الله بن عمرو. وكان في أسلم لواءان أحدهما مع
بريدة بن الحصيب، والآخر مع ناجية بن الأعجم، وفي جهينة أربعة ألوية:
لواء مع سويد بن صخر، ولواء مع رافع بن مكيث، ولواء مع زرعة معبد بن
خالد، ولواء مع عبد الله بن بدر (2).
وكان مع بني كعب بن عمرو ثلاثة ألوية: لواء مع بشر بن سفيان، ولواء
مع ابن شريح، ولواء مع عمرو بن سالم، وكانت راية أشجع مع عوف بن
مالك (3)، (ولهم لواءان: لواء يحمله معقل بن سفيان، ولواء يحمله نعيم
ابن مسعود) (4).
ولقيه عليه السلام بقديد أسلم ومعها لواءان وخمس رايات سود، وقيل
لم يكن معها لواء ولا راية. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعقد لهم راية، فعقد
لهما لواءان: أحدهما حمله عباس بن مرداس، والآخر حمله خفاف بن
ندبه، وحمل آخر راية (5) (الحجاج بن علاط).
وكانت راية غفار مع أبي ذر (6)، وكان في كنانة بني ليث، وضمرة،
وسعد بن بكر لواء مع أبي واقد الليثي، وكان مع بني ليث لواء يحمله



(1) (المرجع السابق): 2 / 800.
(2) (مغازي الواقدي): 2 / 800 - 801.
(3) المرجع السابق): 2 / 801.
(4) ما بين الحاصرتين من الأصلين دون (مغازي الواقدي).
(5) (المرجع السابق): 2 / 819، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق والبيان منه.
(6) ويقال إيماء بن رحضة (المرجع السابق).
169
الصعب بن جثامة، وكان سعد بن عبادة يحمل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام
كتيبته، ثم أمره عليه السلام أن يدفعها إلى ابنه قيس بن سعد، وقيل بل
أخذ علي رضي الله عنه الراية من سعد بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بها
مكة، فغرزها عن الركن (1).
ويقال: كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة أسود، ولما عبأ رسول الله
صلى الله عليه وسلم أصحابه بأوطاس وصفهم، وضع الألوية والرايات في أهلها، وكان مع
المهاجرين لواء يحمله علي، وراية يحملها سعد بن أبي وقاص، وراية
يحملها عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وكان مع الخزرج لواء يحمله
الحباب بن المنذر، ويقال: كان لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة، ولواء
الأوس أسيد بن الحضير وفي كل بطن من بطون الأوس الخزرج لواء أو
راية، ففي بني عبد الأشهل راية يحملها أبو نائلة، وفي بني حارثة راية
يحملها أبو بردة بن نيار، وفي بني ظفر راية يحملها قتادة بن النعمان
وراية يحملها جبر بن عتيك في بني معاوية، وراية يحملها هلال بن أمية
في بني واقف، وراية يحملها أبو أسيد الساعدي في بني ساعدة، وراية يحملها
عمارة بن حزم في بني مالك بن النجار، وراية يحملها أبو سليط في بني
عدي بن النجار، وراية يحملها سليط بن قيس في بني مازن (2).
وكانت رايات الأوس والخزرج في الجاهلية خضراء وحمراء، فلما كان
الإسلام أقررها على ما كانت عليه، وكانت رايات المهاجرين سوداء والألوية
بيضاء، وكان في أسلم رايتان: إحداهما مع بريدة بن الحصيب، والأخرى



(1) (المرجع السابق): 2 / 822.
(2) (مغازي الواقدي): 2 / 818 - 821.
170
مع جندب بن الأعجم، وكان في غفار راية مع أبي ذر، وفي بني ضمرة
والليث، وسعد بن ليث راية مع أبي واقد الحارث بن مالك الليثي، وفي
كعب بن عمرو، رايتان: مع بسر بن سفيان أبي شريح، وفي مزينة ثلاث
رايات: مع بلال بن الحارث، والنعمان بن مقرن، وعبد الله بن عمرو بن
عوف (1).
وفي جهينة أربع رايات: مع رافع بن مكيث، وعبد الله بن بدر، وأبي
زرعة معبد بن خالد، وسويد بن صخر، وفي أشجع رايتان: مع نعيم بن
مسعود، ومعقل بن سنان، وفي سليم ثلاث رايات: مع العباس بن مراداس،
وخفاف بن ندبة، وحجاج بن علاط، وحمل راية الأزد (في) (1) حصار
(أهل) (2) الطائف النعمان المهلبي (3).
ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية الوداع يريد تبوك، وعقد الألوية
والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ورايته
العظمى إلى الزبير رضي الله عنه، ودفع راية الأوس إلى أسيد بن الحضير،
ولواء الخزرج إلى أبي دجانة، ويقال: إلى الحباب بن المنذر بن الجموح (4)،
وراية بني مالك بن النجار إلى عمارة بن حزم، ثم أعطاها زيد بن ثابت،
وراية بني عمرو بن عوف إلى أبي زيد، وراية بني سلمة إلى معاذ بن جبل،
رضي الله عنهم (5).



(1) (مغازي الواقدي): 2 / 818 - 821.
(2) زيادة للسياق والبيان.
(3) (المرجع السابق).
(4) (المرجع السابق): 3 / 996.
(5) باقي الخير ليس في (المرجع السابق).
171
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في رمضان
سنة عشر (1)، عسكر بقباء حتى تتام أصحابه، وعقد له يومئذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم لواءا، أخذ عمامة فلفها مثنية مربعة، فجعلها في رأس الرمح، ثم
دفعها إليه ثم قال: هكذا (2) اللواء، وعممه عمامة ثلاثة أكوار، وجعل
ذراعا بين يديه، وشبرا من ورائه، ثم قال: هكذا العمة (3).
وآخر لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء أسامة بن زيد في يوم الخميس لليلة
بقيت من صفر سنة إحدى عشرة، عقده بيده، وقد ابتدأ به مرضه الذي
توفاه الله فيه، وقال له: يا أسامة: أغز باسم الله، في سبيل الله، فقاتلوا من
كفر بالله، أغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو،
فإنكم لا تدرون لعلكم لا تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللهم اكفناهم،
واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيحوا، فعليكم بالسكينة
والصمت، ولا تنازعوا (فتفشلوا) وتذهب ريحكم، وقولوا: اللهم نحن
عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت، واعلموا
أن الجنة تحت البارقة (4).
ثم قال: يا أسامة، شن (5) الغارة على أهل أبناء، ثم قال امض على اسم
الله، فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب فخرج به إلى بيت
أسامة، وعسكر أسامة بالجرف (6).



(1) هي سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن.
(2) في (خ): " هاك ذا ".
(3) (مغازي الواقدي): 3 / 1079.
(4) (مغازي الواقدي): 3 / 1117.
(5) شن الغارة عليهم: فرقها عليهم من جميع جهاتهم. (النهاية *.
(6) (مغازي الواقدي): 3 / 1118.
172
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى
المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا، حتى أتى به باب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده (1).
فلما بويع أبو بكر رضي الله عنه، أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت
أسامة، وأن لا يحله أبدا حتى يغزوهم أسامة، فخرج بريدة باللواء إلى بيت
أسامة، ثم خرج به الشام معقودا مع أسامة، ثم رجع به إلى بيت أسامة،
فما زال معقودا في بيت أسامة حتى توفي أسامة رضي الله عنه (1).



(1) (مغازي الواقدي): 3 / 1118.
173
(وأما القضيب والعصا)
(فكان له صلى الله عليه وسلم مخصرة تسمى العرجون، وقضيب يسمى الممشوق)
فخرج ابن حبان من حديث محمد بن عجلان، عن عياض عن أبي سعيد
(رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب العراجين، فلا يزال في
يده منها شئ، فدخل يوما المسجد وفي يده العرجون، فرأى نخامة في
القبلة فحكها بالعرجون (1).
ومن حديث ابن لهيعة، أخبرنا أبو الأسود عن عامر بن عبد الله بن
الزبير، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب وفي يده مخصرة (2).



(1) (أخلاق النبي): 146، وما بين الحاصرتين من (خ)، وليس في (ج)، وسيأتي شرحه.
(2) (مجمع الزوائد): 2 / 187، (طبقات ابن سعد): 1 / 250، (سلسلة الأحاديث الضعيفة
للألباني): حديث رقم (964)، وقال العلامة ابن القيم: ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره، وإنما
كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر، وكان في الحرب يعتمد على قوس، وفي الجمعة
يعتمد على عصا. (زاد المعاد): 1 / 429، فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبته.
ورواه أبو داود في (السنن): 1 / 658 - 659، كتاب الصلاة، باب (229) الرجل يخطب على
القوس، حديث رقم (1096) مطولا، وفيه: " فقام متكئا على عصا أو قوس... " وسنده حسن،
وصححه ابن خزيمة، وله شاهد من حديث يزيد بن البراء، في (سنن أبي داود): 1 / 679، كتاب
الصلاة، باب (249) حديث رقم (1145)، وله شاهد آخر عند أبي الشيخ في (أخلاق النبي):
155 - 156، والنسائي في (السنن): 8 / 551 - 552، كتاب الزينة، باب (45) حديث أبي هريرة
والاختلاف على قتادة حديث رقم (5204)، وفيه "...... وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصرة أو
جريدة "، وحديث رقم (5205)، وفيه ".... فجعل يقرعه بقضيب معه "، (مسند أحمد):
6 / 501، حديث رقم (22576)، وفيه: ".... فطعنني رجل بمخصرة.... فنظرت فإذا رسول
الله صلى الله عليه وسلم "، (مسلم بشرح النووي): 18 / 294، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (24) قصة
الجساسة، حديث رقم (119)، وفيه: "... قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر:
هذه طيبة، هذه طيبة، يعني المدينة ".
174
ومن حديث معمر بن سليمان قال: سمعت منصور بن المعتمر، عن
سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن حبيب، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن
علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ببقيع الغرقد ومعه مخصرة، فنكس
وجعل ينكت بها يده (1).
قال ابن الجوزي: وكان له صلى الله عليه وسلم قضيب هو اليوم عند الخلفاء.
ولابن حيان من حديث ليث عن عامر الشعبي، عن ابن عباس رضي الله
عنهما أنه قال: التوكؤ على العصا من أخلاق الأنبياء (2) (و) كان لرسول
الله صلى الله عليه وسلم عصا يتوكأ عليها، ويأمر بالتوكئ على العصا (3).
وقال مخول بن إبراهيم، حدثنا إسرائيل عن عاصم، عن محمد بن
سيرين، عن أنس، أنه كان عنده عصية لرسول الله، فمات فدفنت معه بين
جنبه وبين قميصه.
وخرج عمر بن شيبة من حديث عبد الله بن رجاء قال: أخبرنا المسعودي
عن القاسم قال: كان عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) يلبس النبي صلى الله عليه وسلم



(1) (فتح الباري): 289، كتاب الجنائز، باب (82) موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله،
حديث رقم (1362).
(2) (الأسرار المرفوعة): 167، حديث رقم (147)، قال عنه: كلام صحيح، وليس له أصل صريح،
وإنما يستفاد من قوله تعالى: (وما تلك بيمينك يا موسى) (طه: 17)، ومن فعل نبينا عليه الصلاة
والسلام في بعض الأحيان، (كشف الخفا): 1 / 321، حديث رقم (1025) ثم قال - بعد أن
نقل قول القاري في (الأسرار) -: وروى الديلمي بسنده عن أنس رفعه، حديث: حمل العصا
علامة المؤمن وسنة الأنبياء، وروى أيضا: كانت للأنبياء كلهم مخصرة يختصرون بها تواضعا لله عز
وجل.
وأخرج البزار والطبراني بسند ضعيف حديث: أن اتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم. وأخرج
ابن ماجة عن أبي أمامة: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكأ على عصا.
(3) (سلسلة الأحاديث الضعيفة): 916.
175
نعليه، ثم يأخذ العصا فيمشي أمامه، حتى إذا جلس أعطاه العصا ونزع
نعليه، فجعلهما في ذراعيه، ثم استقبله بوجهه، فإذا أراد أن يقوم ألبسه
نعليه، ثم أخذ العصا فمشى قدامه، حتى يلج الحجرة أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويقال: إن اسم قضيبه على السلام الممشوق (1).



(1) أخرج الطبراني من حديث ابن عباس: "..... وكان له قضيب شوحط يسمى الممشوق "، وفيه
علي بن عذرة الدمشقي، نسب إلى وضع الحديث.
قوله: قضيب شوحط، أي غصن مقطوع من شوحط، وهو من أشجار الجبال، تعمل منها القسي
والسهام، قيل: هو الذي كان الخلفاء يتداولونه.
قال الزبيدي: ورواه من طريق عثمان بن عبد الرحمن، عن علي بن عذرة، عن عبد الملك بن أبي
سليمان، عن عطاء وعمرو بن دينار، كلاهما عن ابن عباس. وعلي بن عذرة قال الهيثمي: متروك.
ورواه ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: عبد الملك وعلي وعثمان متروكون (إتحاف السادة
المتقين): 8 / 261 - 262.
176
فصل في ذكر من كان على سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الواقدي في عمرة القضاء: حدثني معاذ بن محمد عن عاصم بن
عمر قال: حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح: البيض، والدروع، والرماح وقاد
مائة فرس، فلما انتهى إلى ذي الحليفة، قدم الخيل أمامه، (وهي مائة
فرس) (1) عليها محمد بن مسلمة، وقدم السلاح واستعمل عليه بشير بن
سعد، فقيل: يا رسول الله! حملت السلاح وقد شرطوا علينا أن لا ندخل
عليهم إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب، فقال (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1):
إنا لا ندخلها (2) عليهم الحرم، ولكن يكون قريبا منا، فإن هاجنا هيج من
القوم، كان السلاح قريبا منا، قيل: يا رسول الله! نخاف قريشا على ذلك؟
فأسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم البدن (3).
قال الواقدي: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقدم السلاح إلى بطن
يأجج، حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، (حدثني عائذ بن يحيى، عن
(أبي) (1) الحويرث قال: وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتي رجل على السلاح،
عليهم أوس بن خولي (4).
قال الواقدي ى: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مائتين من أصحابه ممن طافوا
بالبيت أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج فيقيموا على السلاح، ويأتي
الآخرون فيقضوا نسكهم، ففعلوا (5).



(1) زيادة للسياق من (مغازي الواقدي).
(2) في (خ): " لا ندخل ".
(3) (مغازي الواقدي): 2 / 733 - 735.
(4) (المرجع السابق): 734 - 735.
(5) (المرجع السابق): 740.
177
فصل في ذكر من كان يقوم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم
بالسلاح ومن حمل حربته وصقل سيفه
إعلم أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة يقفون على رأسه بالسلاح، منهم
المغيرة بن شعبة، والضحاك بن سفيان، والنعمان بن مقرن، وعباد بن
بشير رضي الله عنهم.
أما المغيرة بن شعبة، فقد خرج البخاري من حديث الزهري قال: أخبرني
عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان (رضي الله عنهما) يصدق
كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية،
فذكر الحديث حتى ذكر قدوم عروة (بن مسعود) (1) إلى أن قال: وجعل
يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم رأس
النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر، وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية
رسول الله صلى الله عليه وسلم. ضرب يده بنعل السيف وقال: أخره يدك عن لحية رسول
الله وذكر الحديث بطوله، ذكره في كتاب الشروط (2) وفي عمرة
الحديبية (3).



(1) زيادة للسياق من (البخاري).
(2) (فتح الباري): 5 / 412 - 417، كتاب الشروط، باب (15) الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل
الحرب، وكتابة الشروط، حديث رقم (2731)، (2732)، وأخرجه أبو داود في (السنن):
3 / 194 - 209، كتاب الجهاد، باب (168) في صلح العدو، حديث رقم (2765)، 5 / 42،
كتاب السنة، باب (9) في الخلفاء، حديث رقم (4655).
(3) (فتح الباري): 7 / 576، كتاب المغازي، باب (36) غزوة الحديبية، وقول الله تعالى: (لقد رضي
الله عن المؤمنين إذ يبايعوك تحت الشجرة) (الفتح: 18)، حديث رقم (4180)، 4181)،
مختصرا، ولم يذكر فيه خبر عروة بن مسعود، والمغيرة بن شعبة.
178
وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن إسحاق بن خزيمة،
حدثنا أبو عمار، حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي
حازم، عن المغيرة بن شعبة، أنه كان قائما على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالسيف، وعنده عروة بن مسعود، فجعل يتناول لحية النبي صلى الله عليه وسلم ويحدثه،
فقال المغيرة لعروة: لتكفن يدك عن لحيته، أو لا ترجع إليك، فقال عروة:
من هذا؟ قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال عروة: يا غدر، ما
غسلت رأسك من غدرتك بعد (1).
وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن سعيد
الثقفي، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلا بن كعب، ومحمد بن يعقوب
ابن عتبة عن أبيه وغيرهم، قالوا: قال المغيرة بن شعبة: كنا قوم من العرب
متمسكين بديننا، ونحن سدنة اللات، وأراني لو رأيت قومي قد أسلموا ما
تبعتهم، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس، وأهدوا له هدايا
فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمي عروة بن مسعود فنهاني وقال:
ليس معك من بني أبيك أحد، فأبيت إلا الخروج (2).
فخرجت معهم، وليس معهم من الأحلاف غيري، حتى إذا دخلنا
الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت قاربا حتى
حاذيت مجلسه، فنظر إلي فأنكرني، وأمر من سألني من أنا وما أريد،
فسألني، فأخبرته بأمرنا، وإنا قدمنا عليه، فأمر أن ننزل، وأجرى علينا
ضيافة، ثم دعانا فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه إليه، وأجلسه معه ثم



(1) (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان): 11 / 216 - 227، كتاب السير، باب (18) الموادعة
والمهادنة، ذكر ما يستحب للإمام من استعمال المهادنة بينه وبين أعداء الله، إذا رأى بالمسلمين ضعفا
يعجزون عنهم، حديث رقم (4872)، من حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، بسياقه
أخرى.
(2) (طبقات ابن سعد): 4 / 285.
179
سأله: أكل القوم من بني مالك؟ فقال: نعم إلا رجلا واحدا من الأحلاف،
وعرفه إياي، فكنت أهون القوم عليه (1).
ووضعوا هداياهم بين يديه فسر بها وأمر بقبضها، وأمر لهم بجوائز،
وفضل بعضهم على بعض، وقصر بي فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له،
وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يسيرون هداياهم لأهليهم وهم مستبشرون،
ولم يعرض على أحد منهم شيئا، وخرجوا وحملوا معهم خمرا فكانوا
يشربون منها وأشرب معهم، ونفسي تأبى أن تدعني معهم، وقلت:
ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا مما حباهم به الملك، ويخبرون قومي
بتقصيرهم بي، وازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم، قلت: إني أجد
صداعا، فوضعوا شرابهم ودعوني فقلت: برأسي صداع، ولكن أجلس
فأسقيكم فلم ينكروا شيئا، فجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح،
فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب، فصرت أصرف لهم وأنزع الكأس
حتى ناموا ما يعقلون، فوثبت بهم، فقتلتهم جميعا وأخذت ما معهم (1).
فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسا في المسجد مع أصحابه، وعلى
ثياب السفر، فسلمت سلام الإسلام، فنظر إلى أبو بكر - وكان بي عارفا -
فقال: أنت ابن أخي عروة؟ قلت نعم، قال: ما جاء بك؟ قلت: جئت
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد
لله الذي هداك إلى الإسلام، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أمن مصر أقبلتم؟
قلت: نعم: قال: فما فعل المالكيون الذي الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني
وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك، فقتلتهم
وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخمسها، ويرى فيها
رأيه، فإنها غنيمة من المشركين، وأنا مسلم مصدق محمد، فقال رسول الله



(1) (المرجع السابق): 285 - 286.
180
صلى الله عليه وسلم: أما إسلامك فقبلته، ولا نأخذ من أموالهم شيئا ولا نخمسها، لأن
هذا غدر، والغدر لا خير فيه) (1).
(فأخذني ما قرب وما بعد، فقلت: يا رسول الله! إنما قتلتهم وأنا على
دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة، فقال: إن الإسلام
يجب ما قبله) (1).
(قال: وكان قد قتل منهم (2) ثلاثة عشر إنسانا، فبلغ ذلك ثقيفا
بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عمي عروة بن
مسعود ثلاثة عشرة دية).
(قال المغيرة: وأقمت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى اعتمر عمرة الحديبية في ذي
القعدة سنة ست من الهجرة، فكانت أول سفرة وخرجت معهم، وكنت
أكون مع أبي بكر رضي الله عنه، وألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يلزمه).
(وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه
يكلمه، وجعل يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم على رأسه صلى الله عليه وسلم مقنع في
الحديد، فقلت لعروة وهو يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكففت يدك (عن
مس لحية رسول الله) (3) قبل أن لا تصل إليك، فقال عروة: يا محمد! من
هذا؟ ما أفظعه وما أغلظه؟! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال
عروة: يا عدو الله! ما غسلت سوءتك عني إلا بالأمس يا غدر).
(وخرجه قاسم بن أصبغ، من حديث الأعمش عن مجاهد قال: حدثني



(1) (المرجع السابق): 286.
(2) إلى هنا انقطع الخبر في (طبقات ابن سعد)، وتمام الخبر في (خ)، وما بين الحاصرتين في الفصل كله
من (خ) وهو سقط من الناسخ في (ج).
(3) زيادة للسياق من (مغازي الواقدي): 2 / 595.
181
مولاي عبد الله بن السائب (1) قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: تعرفني؟
قلت: نعم، كنت شريكك، فنعم الشريك، كنت لا تداري (2) ولا
تماري (3)) (4).
(وأما الضحاك بن سفيان رضي الله عنه) فقال أبو عمر بن عبد البر:
وكان الضحاك بن سفيان الكلابي أحد الأبطال، وكان يقوم على رأس
رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا سيفه، وكان يعد بمائة فارس وحده، وله خبر
عجيب مع بني سليم، ذكره أهل الأخبار (5).
ذكر الزبير بن بكار وقال: حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن موألة بن
كثيف الكلابي (قال: حدثني أبي عن جدي موألة بن كثيفك بن جمل بن



(1) هو عبد الله بن السائب بن أبي السائب، صيفي بن عابد بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة أبو عبد
الرحمن، وأبو السائب القرشي المخزومي المكي.
روى أنس بن عياض، عن رجل، عن عبد الله بن السائب، قال: اكتنيت بكنية جدي أبي
السائب، وكان خليطا للنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم الخليط، كان لا يشاري ولا
يماري، (إسناده ضعيف لجهالة رواية عبد الله بن السائب، والمعروف أن شريك النبي صلى الله عليه وسلم هو السائب
أبو عبد الله لا جده). (ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في (المسند):
4 / 440 - 441، حديث رقم (15076): عن قائد السائب، عن السائب، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
كنت شريكي، فكنت خير شريك، كنت لا تداري ولا تماري، وحديث رقم (15077)، من
حديث روح، حدثنا سيف قال: سمعت مجاهدا يقول: كان السائب بن السائب العابدي شريك
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: بأبي وأمي لا تداري، ولا
تماري.
(2) لا تداري: لا تخالف ولا تمانع.
(3) لا تماري: لا تخاصم.
(4) له ترجمة في: (طبقات خليفة): 110، (التاريخ الكبير): 5 / 8، (التاريخ الصغير): 1 / 126،
(طبقات ابن سعد): 5 / 445، (الجرح والتعديل): 5 / 65، (جمهرة أنساب العرب): 143،
(تهذيب التهذيب): 5 / 201، ترجمة رقم (394)، (سير أعلام النبلاء): 3 / 388 - 390،
ترجمة رقم (59).
182
خلد الكلابي، أن الضحاك بن سفيان الكلابي رضي الله عنه) (1) كان
سياف رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على رأسه متوشحا سيفه، وكانت بنو سليم في
تسعمائة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم
ألفا؟ فوافاهم بالضحاك بن سفيان، وكان رئيسهم، فقال عباس بن مرداس
(المعنى المذكور في الخبر) (1):
نذود أخانا عن أخينا ولو ترى * مهزا لكنا الأقربين نتابع
نتابع بين الأخشبين وإنما * يد الله بين الأخشبين تبايع
(عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والسيف رافع) (1)
(كان) (2) الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر بن كلاب الكلابي،
يكنى أبا سعيد، معدود في أهل المدينة، كان ينزل باديتها، وقيل: كان



(1) زيادة للسياق من (المرجع السابق)، وهذه الأبيات في (الإستيعاب) هكذا:
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى *
وصالا لكنا الأقربين نتابع
نبايع بين الأخشبين وإنما *
يد الله بين الأخشبين تبايع
عشية ضحاك بن سفيان معتص *
لسيف رسول الله والموت واقع
(2) في (خ)، (ج): " وقال "، أثبتناه أجود للسياق.
183
نازلا (بحرة) (1) ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وكتب إليه أن
يورث امرأة أشيم الضبابي (2) من دية زوجها، وكان أشيم قتل خطأ، وشهد
بذلك الضحاك بن سفيان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقضى به
وترك رأيه.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أمر عليهم الضحاك، بن سفيان هذا، فذكره
عباس بن مرداس في شعره، كذا ذكره ابن عبد البر أنه كلابي (3)، وقال
البرقي: ليس الضحاك بن سفيان هذا بالكلابي، إنما هو الضحاك بن سفيان
بن الحارث بن زائدة بن عبد الله بن حبيب بن مالك بن خفاف بن امرئ
القيس بهثة السلمي، له صحبة، وكان رأس بني سليم، وصاحب
رايتهم (4).
(وقال الزبير بن بكار في (نسب قريش): الضحاك بن سفيان بن
عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب الكلبي، الذي شهد عند عمر بن
الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم
الضبابي (2) من ديته، وكان أشيم قتل خطأ، فقضى بذلك عمر بن
الخطاب، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم (في سرية) (2) استعمله عليهم (5)، فيها عباس



(1) في بعض النسخ: " بنجد " وما أثبتناه من (الإستيعاب).
(2) في الأصلين: " الصابئ " وما أثبتناه من (الإستيعاب).
(3) (الإستيعاب): 2 / 742، ترجمة رقم (1250)، (الإصابة): 3 / 478 - 480، ترجمة رقم
(4173).
(4) (جمهرة النسب): 399، (الإصابة): 6 / 235، ترجمة مولة، أو موألة بن كثيف، مولى الضحاك
ابن سفيان الكلابي رقم (8279).
(5) هي سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب، راجع خبرها في: (طبقات ابن سعد):
2 / 162 - 163، (عيون الأثر): 2 / 206 - 207، وكانت في شهر ربيع الأول سنة تسع.
184
ابن مرداس، فقال عباس بن مرداس:
يا خاتم الأنبياء إنك مرسل * بالحق كل هدى النبي هداكا
وضعت عليك من الإله محبة * وعباده ومحمدا أسماكا
إن الذين وفوا ما عاهدتهم * جيش بعثت عليهم الضحاكا
أمرته ضرب السنان كأنه * لما تكنفه العدو يراكا
طورا يعانق باليدين وتارة * يفري الجماجم صارما بتاكا) (1).
(قال الزبير: حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن مولة (2) بن كثيف
الضبائية، عن أبيها عن جدها مولة (2) بن كثيف، أن الضحاك بن سفيان
الكلبي، كان سيافا لرسول الله (3) صلى الله عليه وسلم، قائما على رأسه، متوشحا



(1) هذه الأبيات في (الإستيعاب) ثلاثة فقط أولهم:
* إن الذين وفوا بما عاهدتم *
باختلاف يسير في الألفاظ، وما أثبتناه من (خ)، و (سيرة ابن هشام).
(2) في بعض كتب التراجم: " موألة ".
(3) كذا في (خ)، وفي (الإستيعاب): " كان سياف رسول الله ".
185
بسيفه (1)، وكانت بنو سليم في تسعمائة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لكم
في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا، فوفاهم بالضحاك بن سفيان، وكان
رئيسهم، فلما اقتتلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباس بن مرداس: ما لقومي كذا
تريد تقتلهم، وقومك هكذا تريد عنهم؟ فقال عباس:
نذود أخانا عن أخينا ولو ترى * مهرا لكنا الأقربين نتابع
نبايع بين الأخشبين وإنما * يد الله بين الأخشبين تدافع
(عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والسيف كانع) (2)
(وبشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس (3) بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن
كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو النعمان،
شهد العقبة، وبدرا، وأحدا، وما بعدها).



(1) كذا في (خ) " سيفه " وفي (الإستيعاب): " بسيفه ".
(2) هذه الأبيات من شعر عباس بن مرداس في يوم حنين، وهي قصيدة قوامها (16) بيتا (سيرة ابن
هشام): 5 / 122 - 123، وما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج).
(3) جلاس - بضم الجيم مخففا - وضبطه الدارقطني بفتح الخاء المعجمة وتثقيل اللام، له ذكر في
(صحيح مسلم) وغيره في قصة الهبة لولده، وحديثه في النسائي، وقال الواقدي: بعثه النبي صلى الله عليه وسلم
في سرية إلى فدك، ثم بعثه في شوال نحو وادي القرى. (الإصابة): 1 / 311 - 312، ترجمة رقم
(694)، وما بين الحاصرتين سقط في (ج).
186
(وذكر الزبير بن بكار في (الأخبار الموفقيات)، عن محمد بن إسحاق،
أن بشير بن سعد الأنصاري كان إذا قدمت وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قام على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف يحميه منهم، وبشير هذا أول من بايع أبا
بكر الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة من الأنصار، وقتل هو مع خالد بن
الوليد بعين التمر في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهم) (1).
والنعمان بن مقرن بن عائذ، ويقال: النعمان بن عمرو بن مقرن، ويقال
النعمان بن مقرن بن عائذ بن ميجاء بن هجير بن نصر بن حبشية بن كعب
ابن عبد ثور بن هدمة بن لاطم بن عثمان - وهو مزينة - بن عمرو بن أد
ابن طابخة أبو عمرو، ويقال: أبو حكيم المزني.
هاجر وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح، واستعمله عمر رضي الله عنه،
ففتح الله عليه أصبهان، وقتل على نهاوند سنة إحدى وعشرين.
وذكر الطبراني من حديث عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عمر:
أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: فما كان عليه؟
قال: قميص من قطن، وجبة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن
مقرن المزني قائما على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه، والناس
يبايعونه (2).



(1) (الإستيعاب): 1 / 172 - 173، ترجمة رقم (193)، (الإصابة): 1 / 311 - 312، ترجمة رقم
(694)، وما بين الحاصرتين سقط في (ج).
(2) له ترجمة في: (الإستيعاب): 4 / 1505 - 1507، ترجمة رقم (2626)، (الإصابة):
6 / 453 - 454، ترجمة رقم (8765)، (طبقات خليفة): 38، 128، 177، (تاريخ خليفة):
149، (التاريخ الكبير): 8 / 75، (المعارف): 75، * 3، 299، (الجرح والتعديل): 8 / 444،
(تهذيب التهذيب): 1 / 407، (شذرات الذهب): 1 / 32.
187
وعباد بن بشر (1) (رضي الله عنه) قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو
مقنع في الحديد، لما جاء عيينة بن حصن في الخندق، ومعه الحارث بن
عوف في عشرة من قومهما، ليقع الصلح معهما، حتى يرجعا بمن
معهما (2).
وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد
الله، عن الحارث بن عبد الله بن كعب قال: سمعت أم عمارة (رضي الله
عنها) تقول: إني لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ جالسا متربعا - يعني يوم
الحديببة - وإن عباد بن بشر وسلمة بن أسلم بن حريش مقنعان بالحديد
قائمان على رأس النبي عليه السلام، إذ رفع سهيل بن عمرو صوته
فقالا (3): إخفض (من) (4) صوتك عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (5)، وسهيل بارك
على ركبتيه رافع صوته، كأني أنظر إلى علم (6) في ضفته، وإلى أنيابه، وإن



(1) هو عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري. قال الواقدي:
يكنى أبا بشر، وقال إبراهيم بن المنذر: عباد بن بشر يكنى أبا بشر، ويكنى أبا الربيع. شهد بدرا
وأحدا، والمشاهد كلها، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف اليهودي، وكان من فضلاء الصحابة.
قال ابن إسحاق: شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيدا، وكان له يومئذ بلاء
وغناء، فاستشهد يومئذ وهو ابن خمس وأربعين سنة. له ترجمة في: (الإستيعاب): 2 / 801 -
804، ترجمة رقم (1354)، (الإصابة): 3 / 611، ترجمة رقم (4457)، (جمهرة النسب):
636، (سير أعلام النبلاء): 1 / 337 - 340، ترجمة رقم (73).
(2) (مغازي الواقدي): 2 / 477.
(3) في (المرجع السابق): " قالا ".
(4) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(5) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(6) العلم: الشق في الشفة العليا.
188
المسلمين لحول رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس (1).
وعمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ذكر الدارقطني في (العلل)، أن
النبي عليه السلام، كان إذا صلى في الحجر، قام عمر رضي الله عنه على
رأسه بالسيف حتى يصلى.
وكان الحارث بن الصمة (بن عتيك) (2) بن عمرو بن عامر - الذي يقال
له: مبذول - بن مالك بن النجار أبو سعيد، الذي قتل يوم بئر معونة
شهيدا، يحمل حربة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسير بها بين يديه (3).
قال ابن إسحاق: في يوم أحد لما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب،
أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أين يا محمد! لا نجوت إن نجوت، فقال
القوم: يا رسول الله! أيعطف عليه (رجل) (4) منا؟ فقال: دعوه، فلما دنا
تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله فطعنه في
عنقه طعنة تدأدأ - أي تمايل - منها عن فرسه مرارا (5).



(1) (مغازي الواقدي): 2 / 605 - 606.
(2) زيادة لسياق من (الإستيعاب).
(3) هو الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر، وعامر هذا يقال له مبذول بن مالك بن
النجار، يكنى أبا سعد.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين صهيب بن سنان، وكان فيمن خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
بدر، فكسر بالروحاء، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضرب له بسهمه وأجره، وشهد معه أحدا فثبت معه
يومئذ حين انكشف الناس وبايعه على الموت، ثم شهد بئر معونة، فقتل يومئذ شهيدا. له ترجمة
في (الإستيعاب): 1 / 292، ترجمة رقم (411)، (الإصابة): 1 / 578 - 579، ترجمة رقم
(1428).
(4) زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام).
(5) (سيرة ابن هشام): 4 / 33، مقتل أبي بن خلف.
189
وكان مرزوق الصيقل (1) مولى الأنصار، صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
روى عنه أبو الحكم الصيقل (حدثني مرزوق الصيقل أنه صقل سيف
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا القفار) (2).



(1) قال العسكري وغيره: له صحبه. وقال ابن حبان: يقال إن له صحبة، وقال ابن عبد البر: في إسناد
حديثه لين. له ترجمة في: (الإستيعاب): 4 / 1469، ترجمة رقم (2541)، (الإصابة):
6 / 77، ترجمة رقم (7904)، (الثقات): 3 / 390.
(2) ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (الإصابة)، أخرجه البغوي، والطبراني، من طريق محمد بن
حمير، وقال ابن عبد البر: في إسناد حديث لين.
190
فصل في ذكر خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إعلم أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خيول يرتبطها، منها ما أجمعوا عليه
ومنها ما اختلفوا فيه، فأجمعوا على أن كان له صلى الله عليه وسلم سبعة أفراس، ويروى
(أن) له عشرة أفراس - في بعضها خلاف - وهي: المرتجز (1)،
واللحيف (2)، واللزاز (3)، والظرب (4)، والسكب (5)، وسبحة (6)،



(1) وكان أشهب وهو الذي فيه خزيمة بن ثابت فجعل شهادته شهادة رجلين، وسمي بذلك لحسن
صهيله، كأنه ينشد رجزا، وقيل: هو الطرف - بكسر الطاء المهملة - نعت المذكر خاصة، وقيل: هو
النحيب، والطرف والنحيب: الكريم من الخيل، وكان الأعرابي الذي اشتراه منه النبي صلى الله عليه وسلم من بني
مرة. (زاد المعاد): 1 / 133، (طبقات ابن سعد): 1 / 490، (الوافي): 1 / 90، (عيون الأثر):
2 / 320 - 321.
(2) أهداه له ربيعة بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب، واللحيف: فعيل بمعنى فاعل،
كأنه يلحف الأرض بذنبه، وقيل فيه: بضم اللام وفتح الحاء على التصغير. (زاد المعاد): 1 / 133،
(طبقات ابن سعد): 1 / 490، (الوافي): 1 / 90، (عيون الأثر): 1 / 321.
(3) أهداه له المقوقس، ولزاز: من قولهم: لازته أي لاصقته، كأنه يلتصق بالمطلوب لسرعته، وقيل:
لاجتماع خلقه، والملزز: المجتمع الخلق. (المرجع السابق).
(4) أهداه له فروة بن عمير الجذامي، والظرب: واحد الظراب، وهي الروابي الصغار، سمي به لكبره
وسمته، وقيل: لقوته وصلابته. (المرجع السابق).
(5) كان اسمه قبل أن يشتريه: الضرس، اشتراه بعشرة أواق، أول ما غزا أحدا، وكان أغر، طلق
اليمين، محجلا، كميتا، وقيل: كان أدهم، روي ذلك عن ابن عباس، شبه بفيض الماء وانسكابه،
(المرجع السابق).
(6) أخرج ابن سعد في (الطبقات) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: راهن رسول
الله صلى الله عليه وسلم على فرس يقال لها: سبحة، فجاءت سابقة، فهش لذلك وأعجبه، وسبحه، من
قولهم: فرس سابح إذا كان حسن مد ا ليدين في الجري، وسبح الفرس جريه. (المرجع
السابق).
191
والورد (1). وقاد صلى الله عليه وسلم في حروبه عدة أفراس) (2).



(1) أهداه له تميم الداري، فأعطاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحمل عليه في سبيل الله، ثم وجده
يباع برخص، فقال له لا تشتره.
والورد: لون بين الكميت والأشقر: (المرجع السابق).
قال ابن سيد الناس في (عيون الأثر): قال شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي رحمه الله: فهذه
سبعة متفق عليها، وهي السكب، والمرتجز، واللحيف، ولزاز، والظرب، والورد، وسبحة، وكان
الذي يمتطي عليه ويركب، وهي: السكب. (عيون الأثر): 2 / 231.
وقيل: كانت له أفراس أخر غيرها، وهي: الأبلق، وذو العقال، وذو اللمة، والمرتجل، والمراوح،
والسرحان، واليعسوب، واليعبوب، والبحر، والأدهم، والشحاء، والسجل، وملاوح، والطرف،
والنجيب، هذه خمسة عشر مختلف فيها. (المرجع السابق).
وذكر السهيلي في خيله صلى الله عليه وسلم: الضريس، وذكر ابن عساكر فيها: مندوبا، وذو العقال بضم العين،
وبعضهم يشدد قافه، وبعضهم يخففها وهو ظلع (أي عرج) في قوائم الدواب (المرجع السابق).
والمرواح: من الرمح لسرعته، والسرحان: الذئب، وهذيل تسمى الأسد سرحانا، واليعسوب:
طائر، وهو أيضا أمير النحل، والسيد: يعسوب قومه، واليعسوب: غرة تستطيل في وجه الفرس.
واليعسوب: الفرس الجواد. وجدول يعبوب: شديد الجري. والشحاء: من قولهم: فرس بعيد
الشحوة، أي بعيد الخطوة، ومندوب: من ندبه فانتدب، أي دعاه فاستجاب. (المرجع السابق).
والسبعة المتفق عليها، جمعها الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن جماعة الشافعي في بيت
فقال: والخيل: سكب لحيف سبحة ظرب *
لزاز مرتجز ورد لها أسرار
وقد جمع من أسماء خيله صلى الله عليه وسلم في أبيات من قصيدة يمدحه بها الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين
أبو الفتح محمد بن سيد الناس اليعمري، (فقال):
لم يزل في حربه ذا * وثبات وثبات
كلفا بالطعن والضر * ب وحب الصافنات
من لزاز ولحيف * ومن السكب الموات
ومن المرتجز السابق * سبق الذاريات
ومن الورد ومن * سبحة قيد العاديات
(الوافي بالوفيات): 1 / 90.
(2) ما بين الحاصرتين من (ج) وليس في (خ).
192
خرج النسائي من حديث إبراهيم بن طهمان، عن سعيد (بن أبي
عروبة) (1) عن قتادة، عن أنس رضي الله قال: لم يكن شئ أحب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل (2).
ورواه أبو هلال الراسي محمد بن سليم عن قتادة، عن معقل بن يسار
قال: لم يكن شئ أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل (3)، ثم قال: عفوا
بل النساء، أبو هلال هذا ليس بشئ (4).
ومن حديث إبراهيم بن الفضل، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: كان أحب الخيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشقر، الأدم، الأقرح،
المحجل في السبق، الأيمن (5).
وقد اختلف في عدة خيول رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ارتبطها، فأجمعوا على
أنه كان له سبعة أفراس، وروي أنه كان له عشرة أفراس، في بعضها خلاف،



(1) زيادة للنسب من (سنن النسائي).
(2) (سنن النسائي): 7 / 74، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3951)،
6 / 527، كتاب الخيل، باب (2) حب الخيل، حديث رقم (3566)، انفرد به النسائي، قال
الحافظ السندي في قوله: " من الخيل ": لعل ترك ذكرها في حديث حبب إلي من دنياكم النساء
والطيب..... لعدها من الدين لكونها آلة الجهاد، والله تعالى أعلم. (حاشية السندي على
النسائي).
(3) (مجمع الزوائد): 4 / 258.
(4) هو محمد بن سليم أبو هلال الراسي البصري، مولى بني سلمة بن لؤي قال النسائي: ليس بالقوي،
وقال ابن سعد: فيه ضعف، وقال أحمد بن حنبل: يحتمل في حديثه إلا أنه يخالف في قتادة، وهو
مضطرب الحديث، وقال الساجي: روى عنه حديث منكر، وقال البراز: احتمل الناس حديثه، وهو
غير حافظ، وقال ابن عدي بعد أن ذكر له أحاديث كلها أو عامتها غير محفوظة، وله غير ما ذكرت،
وفي بعض رواياته ما لا يوافقه عليه الثقات، وهو ممن يكتب حديثه. توفي في خلافة المهدي سنة
تسع وستين. (تهذيب التهذيب): 9 / 173 - 174، ترجمة رقم (303).
(5) (أخلاق النبي): 149.
193
وهي: المرتجز، واللحيف، واللزاز، والظرب، والسكب، وبهجة، والورد.
وقاد صلى الله عليه وسلم في حروبه عدة أفراس (1).
فأما المرتجز، فروى الواقدي عن الحسن بن عمارة بن الحكم بن مقسم،
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرس يدعى
المرتجز (1).
وروى إدريس الأودي عن الحكم عن يحيى بن الجزار، أن عليا رضي الله
عنه قال: كان اسم فرس النبي صلى الله عليه وسلم المرتجز، وبغلته دلدل، وناقته القصواء،
وحماره عفير، ودرعه ذات الفضول، وسيفه ذو الفقار، وإنما قيل له المرتجز
لحسن صهيله، وكان أبيض (2).
وعن محمد بن يحيى بن سهل قال: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه المرتجز من
أعرابي من بني مرة، فرأى الأعرابي فيه رغبة، فجحد أن يكون باعه إياه،
فشهد له على ابتياعه هذا الفرس خزيمة بن ثابت الأنصاري (3) رضي الله
عنه، ولم يكن شاهدا شراءه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كيف شهدت ولم
تحضر؟ قال: لتصديقي إياك يا رسول الله، وإن قولك كالمعاينة، فقال: أنت



(1) راجع تعليقات أول الفصل.
(2) سبق تخريج وشرح هذه الأشياء كل في فصله من هذا الجزء، فلتراجع.
(3) هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه - بالفاء وكسر الكاف - ابن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن غيان -
بالمعجمة والتحتانية، وقيل: بالمهملة والنون - ابن عامر بن خطمة - بفتح المعجمة وسكون المهملة -
واسمه عبد الله بن جشم - بضم الجيم وفتح المعجمة - ابن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، ثم
الخطمي، وأمه: كبشة بنت أوس الساعدية، شهد بدرا وما بعدها، وقتل بصفين، وكان يكسر أصنام
بني خطمة، وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح. له ترجمة في: (الإصابة): 2 / 278 - 279،
ترجمة رمق (2253)، (الإستيعاب): 2 / 448، ترجمة رقم (665)، (المستدرك): 3 / 448،
(طبقات ابن سعد): 6 / 51.
194
ذو الشهادتين، فسمي ذا الشهادتين (1).
وقد خرج أبو داود حديث شهادة خزيمة من طريق الزهري، عن عمارة
ابن خزيمة، أن عمه حدثه (وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم
ابتاع فرسا من أعرابي، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقصيه (3) ثمن فرسه، فأسرع
النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه
بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم: إن
كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي
فقال: أو ليس قد ابتعته منك؟ فقال: (لا) (4)، والله ما بعتكه، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: بلى قد ابتعته منك. فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا، فقال خزيمة
(بن ثابت): أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال:
بم تشهد؟ فقال بتصديقك يا رسول الله، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة
بشهادة رجلين (5).



(1) راجع التعليق رقم (5).
(2) زيادة للسياق ليست في (سنن أبي داود).
(3) في (الأصلين): ليقبضه، وما أثبتناه من (المرجع السابق).
(4) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(5) (سنن أبي داود): 4 / 31 - 32، كتاب الأقضية، باب (21) إذا علم الحاكم صدق المشاهد
الواحد، يجوز له أن يحكم به، حديث رقم (3607)، وأخرجه النسائي في (السنن): 8 / 347،
كتاب البيوع، باب (81) التسهيل في ترك الإشهاد على البيع، حديث رقم (4661)، وخرجه
البخاري في (التاريخ الكبير): 1 / 86 - 87، ترجمة محمد بن زرارة بن عبد الله بن خزيمة بن
ثابت الأنصاري الخطمي الأوسي المديني، ذكره مختصرا جدا.
وأخرجه المتقي الهندي في (كنز العمال): 13 / 379 - 380، في ترجمة خزيمة بن ثابت
رضي الله تعالى عنه، بسياقات مختلفة، بعضها مطول وبعضها مختصرا، حديث رقم (37036)،
وعزاه إلى مصنف عبد الرزاق، وحديث رقم (37037)، وعزاه إلى الدارقطني في (الأفراد)، وابن
عساكر في (التاريخ)، وحديث رقم (37038)، وعزاه إلى أبي يعلى، وأبي نعيم، وابن عساكر،
وعبد الرزاق، حديث رقم (37039)، وعزاه في هامشه إلى ابن حجر في (الإصابة)، وقال: رواه
الدارقطني من طريق....
قال الخطابي: هذا حديث يضعه كثير من الناس غير موضعه، وقد تذرع به قوم من أهل البدع إلى
استحلال الشهادة لمن عرف عنده بالصدق على كل شئ ادعاه، وإنما وجه الحديث ومعناه: أن النبي
صلى الله عليه وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه، إذا كان صادقا بارا في قوله، وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى
له التوكيد لقوله، والاستظهار بها على خصمه، فصارت في التقدير شهادته له، وتصديقه إياه على
قوله، كشهادة رجلين في سائر القضايا. (معالم السنن).
قال المنذري: وهذا الأعرابي: هو سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي، ذكره غير واحد
من الصحابة، وقيل: إنه جحد البيع بأمر بعض المنافقين، وقيل: إن هذا الفرس هو المرتجز المذكور في
أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم. (هامش أبي داود).
قال الحافظ السندي في شرحه ل‍ (سنن النسائي): والمشهور أنه صلى الله عليه وسلم رد الفرس بعد ذلك على
الأعرابي، فمات من ليلته عنده، والله تعالى أعلم.
195
وقد بين الحاكم في (المستدرك) اسم هذا الأعرابي، فخرج من حديث
زيد بن الحباب قال: حدثني محمد بن زرارة بن عبد الله بن خزيمة بن
ثابت قال: حدثني عمارة بن خزيمة عن أبيه خزيمة بن ثابت رضي الله عنه،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاع من سواء بن الحارث المحاربي فرسا فجحده، فشهد له
خزيمة بن ثابت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على الشهادة ولم تكن
معه؟ قال: صدقت يا رسول الله (ولكن صدقتك) (1) (بما قلت) (1)،
وعرفت أنك لا تقول إلا حقا، فقال: من شهد له خزيمة أو شهد عليه
فحسبه (2).



(1) ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، وأثبتناه من (ج).
(2) (المستدرك): 2 / 21 - 22، حديث رقم (2187) من حديث محمد بن شهاب، ولم يصرح فيه
باسم الأعرابي، وقال في (التلخيص) صحيح، ورجاله ثقات باتفاق وسمع عمارة من أبيه خزيمة
أيضا.
وحديث رقم (2188) من حديث محمد بن زرارة وصححه الذهبي، وقد صرح الحاكم فيه
باسم الأعرابي، وهو سواء بن الحارث المحاربي.
196
ويقال: بل (اسمه) الطرف، بكسر الطاء، والطرف: الكريم من الخيل،
وقيل: هو النجيب، والنجيب: الكريم أيضا. وأما اللحيف بالحاء المهملة
المفتوحة اللام، وفعيل بمعنى فاعل، كأنه يلحف الأرض بذنبه لطوله، أي
يغطيها، وقيل فيه أيضا: بضم اللام وفتح الحاء مصغرا، والأكثر أنه اللخيف
بالخاء المعجمة، وقيل فيه: النخيف بالنون وليس بشئ. وهذا الفرس (أهداه
لرسول الله) صلى الله عليه وسلم فروة بن عمرو من أرض البلقاء، وقيل: أهداه ابن أبي
البراء، وكان يركبه صلى الله عليه وسلم (1).
خرج البخاري من حديث أبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال:
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له: اللخيف (2)، (بالخاء
المعجمة، وبالحاء المهملة مع فتح اللام، فعيل بمعنى فاعل، كأنه يحلف
الأرض بذنبه لطوله) (3).
وروى الواقدي وابن منده من حديث عبد المهيمن بن عباس بن سهل
عن أبيه عن جده قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أفراس يعلفهن عند ابن
سعد (4)، أبي سهل بن سعد، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن: اللزار،
واللحيف، والظرب (5). هذه سياقه ابن منده فهي أتم.
زاد الواقدي: فأما اللزار، فأهداه له المقوقس صاحب الإسكندرية، وأما
الظرب، فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي من عمان بالشام، وأما اللحيف،



(1) راجع تعليقات أول الفصل.
(2) (فتح الباري): 6 / 72، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس والحمار، حديث رقم
(2855).
(3) راجع تعليقات أول الفصل.
(4) في (خ): " ابن سعد ابن سعد ".
197
فأهداه له ربيعة بن أبي البراء الكلابي، فأثابه فرائض من نعم بني كلاب.
قال الواقدي: سمي اللحيف لأنه كان يلتحف بعرفه، ويقال: شبه
بلحيف الجبل وصغر، وسمي الظرب لتشوفه وحسن صهيله، وسمي لزاز
لأنه كان ملززا موثقا، ويقال: الظرب واحد الظراب، وهي الروابي الصغار،
سمي به لسمنه، وقيل: لقوته وصلابة حافرة، واللزار قيل له ذلك لاجتماع
خلقه، وقيل لشدة دموجه (1).
وقال ابن سعد: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع فرسان: بثلاثة
أفراس: اللزار، والظرب، والحاجب، وستين وسقا من الشوط (2).
وأما السكب، فروى الواقدي عن محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة
عن أبيه قال: أول فرس ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرس ابتاعه بالمدينة من رجل
من بني فزارة بعشر أواقي، وكان اسمه عند الأعرابي: الضريس، فسماه
رسول الله صلى الله عليه وسلم السكب، وكان أول ما غزا عليه أحدا، (و) ليس مع
المسلمين فرس غيره، وفرس لأبي بردة بن نيار يقال له: ملاوح، وكان
السكب أغر، محجلا، طلق اليمين، وقيل: كان كميتا، أغر، محجلا،
مطلق اليمين، وقيل: كان أدهم، وشبه بانسكاب الماء.
وأما سبحة، فإنها فرس شقراء، ابتاعها صلى الله عليه وسلم من أعرابي من جهينة بعشر
من الإبل، وسابق صلى الله عليه وسلم عليه يوم خميس فأقبلت في وجوه الخيل، فسميت
سبحة من قولهم: فرس سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجري، وسبح
الفرس: جرية (2).
وأما الورد، فقال الواقدي: فأهدى تميم الداري لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا يقال



(1) راجع تعليقات أول الفصل.
(2) راجع تعليقات أول الفصل.
198
له: الورد، فأعطاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحمل عليه عمر (رضي
الله عنه) في سبيل الله، فوجد يباع برخص (فأخذه).
والورد: بين الكميت الأحمر والأشقر، ويروى أن الورد كانت لحمزة بن
عبد المطلب رضي الله عنه (1). وكانت له صلى الله عليه وسلم فرس يقال له: الملاوح، وهو الضامر الذي لا يسمن،
والسريع العطش، والعظيم الألواح (2).
وفرس يقال له: البحر، اشتراه من تجار قدموا من اليمن، فسبق عليه
مرات، فجثا صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، ومسح وجهه وقال: ما أنت إلا بحر، فسمي
بحرا، وكان كميتا، وقيل: هو الأدهم (2).
وخرج البخاري من حديث شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس
(قال) (3): كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا (لنا) (3) يقال له:
مندوب، فقال: ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحرا. ذكره البخاري
في الجهاد (4)، وفي كتاب الهبة (5)، وفي باب مبادرة الإمام عند الفزع (5).



(1) راجع تعليقات أول الفصل.
(2) راجع تعليقات أول الفصل.
(3) زيادة للسياق من (البخاري).
(4) (فتح الباري): 6 / 73، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس والحمارة، حديث رقم
(3857).
(5) (فتح الباري): 5 / 300، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (33) من استعار من الناس
الفرس، حديث رقم (2627)، 6 / 151 - 152، كتاب الجهاد والسير، باب (116) مبادرة الإمام
عند الفزع، حديث رقم (2968)، باب (117) السرعة والركض في الفزع، حديث رقم (2969)
وذكره في كتاب الجهاد والسير، باب (24) الشجاعة في الحرب والجبن، حديث رقم (2820)،
باب (50) الركوب على الدابة الصعبة، والفحولة من الخيل، حديث رقم (2862)، باب (55)
الفرس القطوف، حديث رقم (2867)، باب (82) الحمائل وتعليق السيف، حديث رقم
(2908)، باب (165) إذا فزعوا بالليل، حديث رقم (3040)، وفي كتاب الأدب، باب (39)
حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، حديث رقم (6033).
199
وذكره مسلم من طرق (1)، وكان مندوب فرس أبي طلحة زيد بن سهل
رضي الله عنه.
ويروى أنه كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وعشرين فرسا، منها الأبلق، وذو
العقال، بضم العين وتشديد القاف، وسمع تخفيفها، ومسروح، وذو
اللمة، وكانت فرس عكاشة بن محصن، والمرتجل، والملاوح، ويقال:
مراوح، ومنها السرحان (والسرحان) (2)، واليعبوب، واليعوب، والشحاء،
والبحر وهو كميت، والسجل، والطرف، والنجيب (3).



(1) (مسلم بشرح النووي): 15 / 73 - 75، باب (11) شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدمه للحرب، حديث
رقم (48)، ومن طريق أخرى، حديث رقم (49)، ومن طريق ثالثة، آخر أحاديث الباب.
وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 171 - 172، كتاب الجهاد، باب (14) ما جاء في الخروج
عند الفزع، حديث رقم (1685)، وقال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن عمرو بن العاص، وهذا
حديث حسن صحيح، وحديث رقم (1686)، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 926، كتاب الجهاد، باب (9) الخروج في النفير، حديث
رقم (2772)، قال حماد: وحدثني ثابت أو غيره، قال: كان فرسا لأبي طلحة يبطأ، فما سبق بعد
ذلك اليوم.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 3 / 614، من مسند أنس بن مالك رضي الله عنه، حديث
رقم (12085).
(2) بياض في (خ)، وأثبتناه من (ج).
(3) راجع تعليقات أول الفصل.
200
(فصل في تضمير خيل
رسول الله صلى الله عليه وسلم والسبق بينها)
التضمير: تقليل علفها، وإدخالها بيتا كنينا وتجليلها فيه لتعرق، ويجف
عرقها، فيصلب لحمها ويخف، وتقوى على الجري. يقال: ضمرت الفرس
بتشديد الميم وأضمرته (1).
وذكر ابن () (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يأمر بإضمار خيله
بالحشيش اليابس شيئا بعد شئ ويقول: ارووها من الماء، واسقوها غدوة
وغشيا، وألزموها الجلال (3)، فإنها تلقى الماء عرقا، فتصفو ألوانها،



(1) قال الإمام العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري: والمضمار:
الموضع الذي تضمر فيه الخيل، وتضميرها: أن أتعلف قوتا بعد سمنها، قال أبو منصور: ويكون
المضمار وقتا للأيام التي تضمر فيها الخيل للسباق أو للركض إلى العدو.
وتضميرها أن تشد عليها سروجها، وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها، فيذهب رحلها، ويشتد
لحمها، وتحمل عليها غلمان خفاف يجرونها، ولا يعنفون بها، فإذا فعل ذلك بها أمن عليها البهر
الشديد عند حضرها ولم يقطعها الشد، قال: فذلك التضمير الذي شاهدت العرب تفعله، يسمون
ذلك مضمارا وتضميرا.
وتضمير الفرس أيضا: أن تعلفه حتى يسمن، ثم ترده إلى القوت، وذلك في أربعين يوما، وهذه
المدة تسمى المضمار. (لسان العرب): 4 / 491.
(2) هذه الكلمة غير واضحة في (الأصلين) ولم أتبين لها توجيها.
(3) جل الدابة: الذي تلبسه لتصان به، والجمع جلال وأجلال، وجلال كل شئ غطاؤه، وتجليل الفرس أن
تلبسه الجل.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم جلل فرسا له سبق بردا عدنيا، أي جعل البرد له جلا، وفي حديث ابن عمر:
أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلل بدنه القباطي (لسان العرب: 11 / 119.
201
وتتسع جلودها.
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أن يقودوها كل يوم مرتين، ويؤخذ منها من الجري
الشوط والشوطان، ولا تركض حتى تنطوي.
وخرج أبو داود من حديث المعتمر، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر
(رضي الله عنهما) قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، كان يضمر الخيل للمسابقة
بها (1).
وخرج الدارقطني من حديث سليم بن أخضر ومعتمر، عن عبيد الله،
عن نافع، عن ابن عمر (رضي الله عنهما)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمر الخيل
وسابق بينها، وقال معتمر: كان يضمر ويسابق (2).
وخرج البخاري من حديث سفيان، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر
(رضي الله عنهما) (3) قال: أجرى النبي صلى الله عليه وسلم ما ضمر من الخيل من الحفياء
إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق (قال
ابن عمر: وكنت فيمن أجرى) (3).
قال ابن زريق - بتقديم الزاي على الراء -: آخر بياضه (4) ابنا عامر بن
زريق بن حارثة بن مالك بن غضب - بفتح الغين المعجمة - ابن جشم بن
الخزرج، أخي الأوس ابني حارثة، قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى.



(1) (سنن أبي داود): 3 / 65، كتاب الجهاد، باب (67) في السبق، حديث رقم (2576) ولفظه:
" كان يضمر الخيل يسابق بها ".
(2) (سنن الدارقطني): 4 / 299، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (1).
(3) ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (البخاري).
(4) يعني بياض في أصل (فتح الباري)، وقد نبه عليه في هامشه.
202
قال سفيان: من الحفياء (1) إلى ثنية الوداع (2) خمسة أميال أو ستة، وبين
ثنية ومسجد بني زريق ميل. ترجم عليه باب: السبق بين الخيل (3).
وخرج في باب غاية السباق (4) للخيل المضمرة، من حديث أبي إسحاق
عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر (رضي الله عنهما) (5) قال:
سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت (6)، فأرسلها من الحفياء،
وكان أمدها ثنية الوداع، فقلت لموسى: فكم (7) (كان) (8) بين ذلك؟ قال:
ستة أميال أو سبعة أميال، وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها
من ثنية الوداع فكان أمدها مسجد بني زريق، قلت: فكم بين ذلك؟



(1) حفياء: بالفتح ثم السكون، وياء، وألف ممدودة: موضع قرب المدينة أجرى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل
في السباق، قال الحازمي: ورواه غيره بالفتح والقصر. وقال البخاري: قال سفيان: بين الحفيا إلى
الثنية خمسة أميال أو ستة، وقال ابن عقبة: ستة أو سبعة، وقد ضبطه بعضهم بالضم والقصر، وهو
خطأ، كذا قال عياض. (معجم البلدان): 2 / 319، موضع رقم (3825).
(2) ثنية الوداع: بفتح الواو، وهو اسم من التوديع عند الرجيل: وهي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من
يريد مكة، واختلف في تسميتها بذلك، فقيل: لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة،
وقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع بها بعض من خلفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: في بعض سراياه
المبعوثة عنه. وقيل: الوداع اسم واد بالمدينة، والصحيح أنه اسم قديم جاهلي، سمي لتوديع
المسافرين. (المرجع السابق): 100، موضع رقم (2846).
(3) (فتح الباري): 6 / 88، كتاب الجهاد والسير، باب (56) السبق بين الخيل، حديث رقم
(2868).
(4) في الأصلين): السبق، وما أثبتناه من (البخاري).
(5) زيادة للسياق من (البخاري).
(6) في (الأصلين): " أضمرت "، وما أثبتناه من (البخاري).
(7) في (الأصلين): " وكم ".
(8) زيادة للسياق من (البخاري).
203
قال: ميل أو نحوه، وكان ابن عمر ممن سابق فيها (1). وخرجه في باب:
إضمار (2) الخيل للسبق، من حديث الليث عن نافع بنحوه (3).
وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، من حديث جويرية عن نافع (4)،
وأخرجه من حديث مالك عن نافع، فذكره البخاري في كتاب الصلاة (5)،



(1) (فتح الباري): 6 / 89، كتاب الجهاد والسير، باب (56) غاية السباق للخيل المضمرة، حديث
رقم (2870)، وفي الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث، بل من الرياضة المحمودة
الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة
بحسب الباعث على ذلك.
قال القرطبي: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب، وعلى الأقدام، وكذا
الترامي بالسهام، واستعمال الأسلحة، لما في ذلك من التدريب على الحرب. وفيه جواز إضمار الخيل.
ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو. وفيه مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند
المسابقة، وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به، لأن قوله: " سابق "، أي أمر أو أباح.
وفيه جواز إضافة المسجد إلى قوم مخصوصين، وهي إضافة تمييز لا إضافة ملك. وفيه جواز.
معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبا لها في غير الحاجة، كالإجاعة، والإجراء. وفيه تنزيل
الخلق منازلهم، لأنه صلى الله عليه وسلم غاير بين منزلة المضمر وغير المضمر، ولو خلط بينهما لأتعب غير المضمر.
(فتح الباري): 6 / 90 - 91.
(2) في (الأصلين): " مضمار ".
(3) (فتح الباري): 6 / 88 - 89، كتاب الجهاد والسير، باب (57) إضمار الخيل للسبق، حديث رقم
(2869).
(4) (فتح الباري): 13 / 376، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (16) ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض
على اتفاق أهل العلم، وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة وما كان بهما من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم
والمهاجرين والأنصار، ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والقبر، حديث رقم (7336).
(5) (فتح الباري): 1 / 678، كتاب الصلاة، باب (41) هل يقال مسجد بني فلان؟ حديث رقم
(420)، ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلى فيها، ويلتحق به جواز إضافة أعمال
البر إلى أربابها، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه ابن أبي شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول
مسجد بني فلان، ويقول مصلى بنى فلان، لقوله تعالى: (وأن المساجد لله) (الجن: 18). وجوابه
أن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك. مختصرا من (فتح الباري): 1 / 678.
204
وذكره مسلم في الإمارة (1) من طرق عديدة، عن نافع عن ابن عمر بمعنى
حديث مالك عن نافع (2).
وخرجه الترمذي من حديث سفيان عن عبيد الله عن نافع، وقال:
حديث حسن صحيح غريب من حديث الثوري (3).
وخرج أبو داود من حديث أحمد بن حنبل قال: أخبرنا عقبة بن خالد
عن عبيد الله بن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل،
وفضل (4) القرح (5) في الغاية (6). قال الدارقطني (7): تفرد بهذه الألفاظ
عقبة السكوني عن عبيد الله.
وقال ابن عبد البر: لم يقل ذلك في هذا الحديث أحد غير عقبة بن
خالد، وقد وجدت له أصلا فيما رواه أبو سلمة التبوكي قال: أخبرنا



(1) في (خ): " في الجهاد "، وصوبناه من (صحيح مسلم).
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 17 - 19، كتاب الإمارة، باب (25) المسابقة بين الخيل
وتضميرها، حديث رقم (95)، والحديث الذي يليه بدون رقم، من طرق مختلفة، وزاد في حديث
أيوب من رواية حماد وابن علية، قال عبد الله: " فجئت سابقا فطفف بي الفرس المسجد "، أي علا،
ووثب إلى المسجد، وكان جداره قصيرا، وهذا بعد مجاوزته الغاية، لأن الغاية هي هذا المسجد، وهو
مسجد بني زريق، والله تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي).
(3) (سنن الترمذي): 4 / 177 - 178، كتاب الجهاد، باب (22) ما جاء في الرهان والسبق، حديث
رقم (1699)، وزاد فيه ابن عمر: " وكنت فيمن أجرى، فوثب بي فرسي جدارا. قال أبو عيسى:
وفي الباب عن أبي هريرة، وجابر، وعائشة، وأنس، وهذا حديث صحيح حسن غريب من حديث
الثوري.
(4) في (الأصلين): " وفرق " وصوبناه من (سنن أبي داود).
(5) القرح - بضم القاف وفتح الراء المشددة -: جمع قارح، وهو من الخيل الذي دخل في السنة
الخامسة.
(6) (سنن أبي داود): 3 / 65، كتاب الجهاد، باب (67) في السبق، حديث رقم (2577).
(7) (سنن الدارقطني): 4 / 299، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (1).
205
عبد الملك بن حرب بن عبد الملك بن مجاشع بن مسعود السلمي قال:
حدثني أبي وعمي عن جدي، أن ناسا من أهل البصرة ضمروا خيولهم،
فنهاهم الأمير عتبة بن مروان أن يجروها، حتى كتب إلى عمر (رضي الله
عنه)، فكتب إليه عمر، أن أرسل القرح من رأس مائة غلوة، ولا يركبها إلا
أربابها، فجاء مجاشع بن مسعود سابقا (على الغراء) (1).
وخرج الدارقطني من حديث يزيد بن هارون وعفان بن مسلم قالا:
أخبرنا سعيد بن زيد، أخبرنا الزبير بن حريث، أخبرنا أبو لبيد لمازة بن
زبار (2) قال: أرسلت الخيل زمن الحجاج، والحكم بن أيوب على البصرة،
فأتينا الرهان، فلما جاءت الخيل قلنا: لو ملنا إلى أنس بن مالك (رضي الله
عنه) فسألناه: أكانوا يراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فملنا إليه
وهو في قصره بالزاوية، فقلنا: يا أبا حمزة! أكنتم تراهنون على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم، أو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهن؟ قال نعم والله، هو يراهن على فرس
له يقال له: سبحة، فجاءت سابقة، فأنهش لذلك وأعجبه (2). (قال عبد
الله: أنهشه يعني أعجبه) (3).



(1) ما بين الحاصرتين من (ج).
وللإمام مالك في (الموطأ): 311، ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو، حديث رقم
(1008)، والدارمي في (السنن) 2 / 212، باب في السبق، وابن ماجة في (السنن): 2 / 960،
كتاب الجهاد، باب (44) السبق في الرهان، حديث رقم (2877)، والنسائي في (السنن): 6 /
535، كتاب الخيل، باب (12) غاية السبق للتي لم تضمر، حديث رقم (3585)، باب (13)
إضمار الخيل للسبق، حديث رقم (3586).
(2) لمازة بن زبار - بفتح الزاء والموحدة - أبو لبيد البصري، وحديثه أخرجه أحمد، والدارمي،
والبيهقي. (التعليق المغني على الدارقطني).
(3) (سنن الدارقطني): 4 / 301، حديث رقم (10)، (سنن الدارمي): 2 / 212 - 213، باب في
السبق، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
206
(و) قال الواقدي: عن إبراهيم بن الفضل، عن أبي العلاء عن مكحول
قال: طلعت الخيل وفيها فرس للنبي صلى الله عليه وسلم، فبرك على ركبتيه، وأطلع رسول
الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الصف وقال: كأنه بحر.
وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل، فجلس على سلع،
وطلعت الخيل، فطلعت له فيها ثلاثة أفراس يتلو بعضها بعضا، يتقدمها
لزاز، فلما رآه سر به، ثم فرسه الظرب، ثم السكب.
وعن أبي عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه عن جده (رضي
الله عنه) قال: سبقت على فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم الظرب، فكساني يردا
يمانيا.
قال الواقدي: وسبق أبو أسيد الساعدي - وهو مالك بن ربيعة - على
فرس النبي صلى الله عليه وسلم لزاز، فأعطاه حلة يمانية.
وذكر الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل والإبل لما مر بالنقيع، منصرفه
من المريسيع، فسبقت القصواء الإبل، وسبق فرسه، وكان معه فرسان: لزاز
و (آخر يقال له) (1) الظرب، فسبق يومئذ على الظرب، وكان الذي سبق
عليه يومئذ أبو أسيد الساعدي، والذي سبق على ناقته بلال (2) (رضي الله
عنه).



(1) زيادة للسياق من (مغازي الواقدي).
(2) (مغازي الواقدي): 2 / 426.
207
فصل في ذكر الخيل التي قادها
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره
قال الواقدي في غزاة بني قريظة: ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الدرع والمغفر
والبيضة، وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس، وركب فرسه وصف به أصحابه،
وتلبسوا السلاح، وركبوا الخيل، وكانت ستة وثلاثين فرسا، وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد قاد فرسين وركب واحدا يقال له اللحيف، فكانت ثلاثة أفراس
معه، وسار إلى بني قريظة (1).
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاد في غزاة خيبر أفراس: لزاز، والظرب،
والسكب، فلم يسهم من الخيل لنفسه ولمن معه إلا لفرس واحد، هو
معروف بينهم الفرس (2).
وأسهم صلى الله عليه وسلم في النطاة من خيبر ثلاثة أسهم: لفرسه سهمين، وله سهم،
وكان مع عاصم بن عدي (3).
وذكر في غزاة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى فرسه الظرب، فعلق عليه
شعيره، وجعل يمسح ظهره بردائه، فقيل: يا رسول الله! تمسح ظهره
بردائك؟ قال: نعم، وما يدريك لعل جبريل أمرني بذلك، (مع أني قد بت
الليلة وإن الملائكة لتعاتبني في حس (4) الخيل ومسحها (5).



(1) (مغازي الواقدي): 2 / 497 - 498.
(2) (مغازي الواقدي): 2 / 688.
(3) (مغازي الواقدي): 2 / 689.
(4) الحس: نفض التراب عن الدابة.
(5) (مغازي الواقدي): 3 / 1020، وما بين الحاصرتين تكمله للسياق منه.
208
وإن عبيد بن ياسر بن نمير - جد (1) سعد الله - قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بتبوك فأسلم وأهدى له فرسا عتيقا يقال له مراوح، وقال: يا رسول الله، إنه
سابق، فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل بتبوك، فسبق الفرس، فأخذه رسول الله
صلى الله عليه وسلم منه، فسأله المقداد بن عمرو الفرس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين
سبحه - يعني فرس المقداد - التي شهد عليها بدرا؟ فقال: يا رسول الله
عندي، وقد كبرت، وأنا أضن بها للمواطن التي شهدت عليها، وقد
خلفتها لبعد هذا السفر وشدة الحر (عليها)، فأردت أحمل هذا الفرس
المعرق عليها، فيأتيني (بمهر) (2)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذاك إذا، فقبضه المقداد
(فخبر) (2) منه صدقا، ثم حمله على سبحة، فنتجت له مهرا كان سابقا،
يقال له: الذيال، سبق في (عهد) (2) عمر وعثمان رضي الله عنهما،
فابتاعه منه عثمان بثلاثين ألفا (3).



(1) في (المغازي): " أحد سعد الله " وما أثبتناه من (الأصلين).
(2) زيادة للسياق من (مغازي الواقدي).
(3) (مغازي الواقدي): 3 / 1032 - 1033.
209
فصل في ذكر من استعمله
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخيل
إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل على الخيل في حروبه غير واحد من
أصحابه منهم: محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن
الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري، أبو عبد
الرحمن، وقيل: أبو عبد الله، حليف بني عبد الأشهل، شهد بدرا وما
بعدها، ومات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين، وقيل: سنة ست، وقيل
سنة سبع وأربعين، وهو ابن سبع وسبعين سنة، وكان من فضلاء الصحابة،
رضي الله عنه وعنهم (1).
استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قاده من الخيل في عمرة القضية، وهو
مائة فرس، وقدم بها (من) ذي الحليفة، فمضى إلى مر الظهران بالخيل،
فوجد بها نفرا من قريش، فسألوه فقال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح هذا
المنزل غدا إن شاء الله، ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا
حتى أتوا قريشا، فأخبروهم بالذي رأوا من الخيل والسلاح، ففزعت قريش



(1) قال ابن يونس: شهد محمد بن مسلمة فتح مصر، وكان فيمن طلح الحصن مع الزبير، وكان رضي
الله عنه أسود طويلا عظيما، وفي الصحاح من حديث جابر: مقتل كعب بن الأشرف على يد
محمد بن مسلمة.
عن حذيفة، قال: ما من أحد إلا وأنا أخاف عليه الفتنة إلا ما كان من محمد بن مسلمة، فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تضره الفتنة ". له ترجمة في (سير أعلام النبلاء): 2 / 369،
ترجمة رقم (77).
210
وقالوا: والله ما أحدثنا حدثا، وإنا على كتابنا ومدتنا، ففيم يغزونا محمد
في أصحابه (1)؟
وخالد بن الوليد المخزومي رضي الله عنه، لم يزل من حين أسلم يوليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنة الخيل، يعني أنه يكون على خيول المسلمين في
الحروب، فيكون في مقدمتها في محاربة المشركين (2).



(1) (مغازي الواقدي): 2 / 733 - 734.
(2) سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
211
فصل في ذكر سرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن كان يسرج له فرسه
خرج أبو داود (الطيالسي وأبو داود) (1) السختياني، وابن حيان من
حديث عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين، فسرنا
في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس،
لبست لأمتي، وركبت فرسي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه
فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، قد كان الرواح يا رسول الله؟
قال: أجل، ثم قال: يا بلال، فسار من تحت شجرة كأن ظله طائر فقال
لبيك وسعديك وأنا قدامك، قال: أسرج لي فرسي، فأتاه بدفتين من ليف،
ليس فيهما أشر ولا بطر. فركب فرسه ثم انتهينا. هذا حديث الطيالسي.
ولفظ أبي داود، قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فسرنا في يوم
قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجر، فلما زالت الشمس، لبست
لأمتي، وركبت فرسي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه، فقلت:
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قد كان الرواح؟ قال: أجل،
ثم قال: يا بلال (قم) (2)، فسار (3) من تحت شجرة كأن ظله ظل طائر،
فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، قال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجا
دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا (1). (قال أبو داود:



(1) زيادة للسياق من (ج).
(2) زيادة للسياق من (سنن أبي داود).
(3) في (المرجع السابق): " فثار ".
212
أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به
حماد بن سلمة) (2).
ولفظ ابن حيان قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في (يوم) (3)
صائف شديد الحر، فقال: يا بلال، أسرج لي فرسي، فأخرج سرجا رقيقا
من ليف، ليس فيه أشر ولا بطر. خرجه من حديث حماد بن سلمة عن
يعلى عن عطاء، عن عبد الله بن يسار، عن ابن عبد الرحمن الفهري.



(1) (سنن أبي داود): 5 / 399 - 400، كتاب الأدب، باب (167) في الرجل ينادي الرجل، فيقول:
لبيك.
(2) ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن أبي داود).
(3) زيادة يقتضيها السياق.
213
فصل في ذكر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركب
خرج الإمام أحمد من حديث شريك عن أبي إسحاق، عن علي بن
ربيعة، عن علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة
ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى عليها
قال: الحمد لله، ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين
* وإنا إلى ربنا لمنقلبون) (1) ثم حمد الله ثلاثا، وكبر ثلاثا، ثم قال:
سبحانك لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي فاغفر لي، ثم ضحك فقلت: مم
ضحكت يا رسول الله؟ فقال: يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر
لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري (2). وخرجه



(1) الزخرف: 13 - 14.
(2) (مسند أحمد): 1 / 156، حديث رقم (755): عن علي بن ربيعة قال: رأيت عليا رضي الله عنه
أتي بداية ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى عليها قال: الحمد لله،
(سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون)، ثم حمد الله ثلاثا، وكبر
ثلاثا، ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي، ثم ضحك، فقلت: مم
ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت، ثم ضحك، فقلت: مم
ضحكت يا رسول الله؟ قال يعجب الرب من عبده إذا قال: قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا
يغفر الذنوب غيري.
وحديث رقم (932)، (1059) بسياقات مختلفة ومن طرق مختلفة، كلها من مسند علي بن
أبي طالب رضي الله عنه.
وحديث رقم (6527) و (6338): من حديث عبد الرزاق، أنبأنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير،
أن عليا الأزدي أخبره أن ابن عمر علمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر
كبر ثلاثا ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون)، اللهم إنا
نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا
بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر،
وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال. وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون
لربنا حامدون. كلاهما من مسند عبد الله بن عمر.
(سنن أبي داود): 3 / 75، كتاب الجهاد، باب (79) ما يقول الرجل إذا سافر، حديث رقم
(2599)، ثم قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا، فوضعت
الصلاة على ذلك.
قوله: " وعثاء السفر ": معناه المشقة والشدة، وأصله من الوعث وهو أرض فيها رمل تسوخ فيها
الأرجل.
قوله: " كآبة المنقلب ": أن ينقلب من سفره إلى أهله كئيبا حزينا غير مقضي الحاجة أو منكوبا،
ذهب ماله، أو أصابته آفة في سفره، أو أن يرد على أهله فيجدهم مرضى، أو يفقد بعضهم وما أشبه
ذلك من المكروه، (معالم السنن).
وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج من (الصحيح)، باب (75) ما يقول إذا ركب إلى سفر
الحج وغيره، حديث رقم (1342)، (1343).
ومعنى (مقرنين): مطيقين، أي ما كنا نطيق قهره واستعماله، لولا تسخير الله تعالى إياه لنا.
وفي هذا الحديث استحباب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار كلها، وقد جاءت فيه أذكار كثيرة
جمعتها في كتاب (الأذكار) (للنووي). (مسلم بشرح النووي): 9 / 118، كتاب الحج، باب
(75)، ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره.
214
أبو عيسى الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (1).



(1) (سنن الترمذي): 5 / 467، كتاب الدعوات، باب (47) ما يقول إذا ركب الناقة، حديث رقم
(3446)، قال: وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
215
فصل في ذكر بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج البخاري من حديث أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث (ختن)
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي جويرية بنت الحارث قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند
موته درهما، ولا دينارا، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء،
وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة. ذكره في الوصية (1)، وفي كتاب المغازي (2)
ولفظه: إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن
السبيل.
وخرجه النسائي بنحوه (3)، وخرج مسلم (4)..........



(1) (فتح الباري): 5 / 448، كتاب الوصايا، باب (1) الوصايا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " وصية الرجل
مكتوبة عنده "، وقال الله عز وجل: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية
للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين * فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن
الله سميع عليم * فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم)
(البقرة: 180 - 182)، حديث رقم (2739).
(2) (فتح الباري): 8 / 187 - 188، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، حديث رقم
(4461)
(3) (سنن النسائي): 6 / 539 - 540)، كتاب الإحباس (مصدر أحسبه، يقال: حبسه أو أحبسه، أي
وقفه)، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (3596 وفيه: " إلا بغلته الشهباء "، وحديث رقم
(3597)، وحديث رقم (3598)، وفيه: " إلا بغلته الشهباء ".
(4) (مسلم بشرح النووي): 12 / 355 - 359، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين،
حديث رقم (1775)، حنين: واد بين مكة والطائف وراء عرفات، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا،
وهو مصروف كما جاء به القرآن الكريم: (ويوم حنين) (التوبة: 25).
قوله: " ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء "، قال العلماء: ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب
وعند اشتداد البأس، هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع المسلمون
إليه، وتطمئن قلوبهم به وبمكانه، وإنما فعل هذا عمدا، وإلا فقد كانت له صلى الله عليه وسلم أفراس معروفة، ومما
ذكره في هذا الحديث من شجاعته صلى الله عليه وسلم تقدمه يركض بغلته إلى جمع المشركين وقد فر الناس عنه.
216
والنسائي (1) من حديث أويس عن ابن شهاب قال: حدثني كثير بن عباس
ابن عبد المطلب قال: قال عباس: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين،
فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم
نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة
الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين، فطفق
رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض ببغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا أمد بلجام بغلة
رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث ولفظهما فيه متقارب. وذكر مسلم في بعض طرقه
فقال: فيه فروة بن نعامة الجذامي (2).
وللبخاري (3)..........



(1) أخرجه النسائي في (الكبرى).
(2) (مسلم بشرح النووي): 12 / 359، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث
رقم (77): وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع، وعبد بن حميد، جميعا عن عبد
الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه، غير أنه قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال:
انهزموا ورب الكعبة، وزاد في الحديث: حتى هزمهم الله تعالى: قال: وكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يركض خلفهم على بغلته.
قوله صلى الله عليه وسلم: " هذا حين حمي الوطيس " هو بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة. قال
الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره.
وقد قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه. وقال الأصمعي: هي حجارة مدورة إذا حميت لم
يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمي الوطيس.
وقيل: هو الضرب في الحرب، وقيل: هو الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم. قالوا: وهذه
اللفظة من فصيح الكلام وبديعه، الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) (فتح الباري): 8 / 34، كتاب المغازي، باب (55) قول الله تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم
كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله
سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين
* ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم) (التوبة: 25 - 27)، حديث
رقم (4317)، 6 / 130 - 131، كتاب الجهاد والسير، باب (97) من صف أصحابه عند الهزيمة،
ونزل عن دابته فاستنصر، حديث رقم (2930).
قوله: " صف أصحابه عند الهزيمة " أي صف من ثبت معه بعد هزيمة من انهزم، قوله: " واستنصر "
أي استنصر الله تعالى بعد أن رمى الكفار بالتراب. (فتح الباري).
217
ومسلم (1) من حديث أبي إسحاق عن البراء، فذكر حديث حنين وفيه:



(1) (مسلم بشرح النووي): 12 / 360 - 361، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين،
حديث رقم (1776)، قوله صلى الله عليه وسلم:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب
قال القاضي عياض: قال المازري: أنكر بعض الناس كون الرجز شعرا لوقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم، مع
قوله تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) وهذا مذهب الأخفش، واحتج به على فساد مذهب
الخليل في أنه شعر، وأجابوا عن هذا بأن الشعر هو ما قصد إليه، واعتمد الإنسان أن يوقعه موزونا
مقفى، يقصده إلى القافية.
وهكذا الجواب عما في القرآن من الموزون، كقوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).
وقوله تعالى: (نصر من الله وفتح قريب)، ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعرا، لأنه
لم تقصد تقفيته وجعله شعرا.
قال الإمام النووي: وقد قال الإمام أبو القاسم علي بن أبي جعفر بن علي السعدي الصقلي
المعروف بابن القطاع في كتابة (الشافي في علم القوافي): قد رأى قوم - منهم الأخفش وهو شيخ
هذه الصناعة بعد الخليل - أن مشطورا الرجز ومنهوكه ليس بشعر، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: الله مولانا ولا
مولى لكم، وقوله صلى الله عليه وسلم: هل أنت إلا أصبع دميدت، وفي سبيل الله ما لقيت، وقوله صلى الله عليه وسلم: أنا النبي لا
كذب أنا ابن عبد المطلب، وأشباه ذلك.
قال ابن القطاع: وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين، وذلك لأن الشاعر إنما سمي شاعرا
لوجوه (ذكرها الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم فلتراجع هنالك).
فإن قيل: كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب فانتسب إلى جده دون أبيه وافتخر بذلك، مع
أن الافتخار في حق أكثر الناس من عمل الجاهلية؟ فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم كانت شهرته بجده أكثر لأن
أباه عبد الله توفي شابا في حياة أبيه عبد المطلب، قبل اشتهار عبد الله، وكان عبد المطلب مشهورا
شهرة ظاهرة شائعة، وكان سيد أهل مكة، وكان كثير من الناس يدعون الناس صلى الله عليه وسلم ابن عبد المطلب
ينسبونه إلى جده لشهرته.
ومنه حديث همام بن ثعلبة في قوله: أيكم ابن عبد المطلب؟ وقد كان مشتهرا عندهم أن
عبد المطلب بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سيظهر، وسيكون شأنه عظيما، وكان قد أخبره بذلك سيف
ابن ذي يزن.
وقيل: إن عبد المطلب رأى رؤيا تدل على ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك مشهورا عندهم، فأراد
النبي صلى الله عليه وسلم تذكيرهم بذلك، وتنبيههم بأنه صلى الله عليه وسلم لا بد من ظهوره على الأعداء، وأن العاقبة له، لتقوى
نفوسهم، وأعلمهم أيضا بأنه ثابت، ملازم للحرب، لم يول مع من ولى، وعرفهم موضعه، ليرجع
إليه الراجعون. والله تعالى أعلم.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا النبي لا كذب "، أي أنا النبي حقا، فلا أفر ولا أزول، وفي هذا دليل على
جواز قول الإنسان في الحرب: أنا فلان، وأنا ابن فلان، ومثله قول سلمة: أنا ابن الأكوع، وقول علي
رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدرة، وأشباه ذلك.
وقد صرح بجوازه علماء السلف، وفيه حديث صحيح، قالوا: وإنما يكره ذلك على وجه الافتخار
كفعل الجاهلية، والله تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي): 12 / 361 - 363 مختصرا.
218
ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
يقود به، فنزل فاستنصر وقال:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب
ثم صفهم. وقال البخاري: ثم صف أصحابه، وقال فيه: وابن عمه أبو
سفيان بن الحارث. ترجم عليه باب: من صف أصحابه عند الهزيمة، ونزل
عن دابته واستنصر.
وأخرجاه من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، ومن حديث سفيان
الثوري عن أبي إسحاق، وخرجه مسلم من طرق، عن أبي إسحاق، وخرجه
تقي بن مخلد من حديث النضر بن شميل قال: أخبرنا عوف بن عبد
الرحمن مولي أم برثن، قال: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين،
قال: فلما التقينا نحن وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة أن
كشفناهم، قال: فبينما نحن نسوقهم في آثارهم فإذا صاحب بغلة بيضاء،
وإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب البغلة البيضاء، قال: فتلقانا عنده رجال
بيض الوجوه، حسان الوجوه، وقالوا: شاهت الوجوه، ارجعوا، قال:

219
فانهزمنا من قولهم، وركبوا أجسادنا فكانت إياها (1).
قلت: والذي يظهر أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث بغلات: واحدة بعث
بها المقوقس، وأخرى من هدية فروة بن عمرو بن الناقدة الجذامي، ثم
البناني، عامل الروم على فلسطين (2)، وبغلة وهبها لأبي بكر رضي الله
عنه، وقيل: كانت له ست بغلات (3).
قال الواقدي: عن معمر عن الزهري، كانت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلدل
من هدية فروة بن عمرو الجذامي، وقال البخاري وقال أبو حميد: أهدى
ملك إيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساءا بردا، وكتب له بنحرهم.
وقال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة، عن زامل بن عمرو قال: أهدى
فروة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة يقال لها فضة، وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر
الصديق رضي الله عنه (4).



(1) وأخرجه من طرق وسياقات مختلفة: ابن سعد في (الطبقات): 4 / 18 - 19، الطبقة الثانية من
المهاجرين والأنصار، ترجمة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، الإمام مسلم في (الصحيح):
كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (1775)، ابن حبان في
(الصحيح) 15 / 523 - 525، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، رجالهم ونسائهم، ذكر
العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، حديث رقم (7049)، والإمام أحمد في (المسند:
1 / 341، حديث رقم (1778)، والحاكم في (المستدرك): 3 / 37، حديث رقم (5418)،
وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص): أخرجه
مسلم، والحميدي في (المسند): 1 / 218 - 219، أحاديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه،
حديث رقم (459).
(2) في (الإصابة): 5 / 387: " على من يليهم من العرب ".
(3) قال ابن القيم: وكان له من البغال دلدل، وكانت شهباء، أهداها له المقوقس، وبغلة أخرى يقال لها:
فضة، أهداها له فروة الجذامي، وبغلة شهباء أهداها له صاحب أيلة وأخرى أهداها له صاحب دومة
الجندل، وقد قيل: إن النجاشي أهدى له بغلة فكان يركبها. (زاد المعاد): 1 / 134.
(4) قال صلاح الدين الصفدي، وقد ذكر دواب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن البغال ثلاثة: وهي الدلدل، التي
أهداها له المقوقس، وهي أول بغلة ركبت في الإسلام، وعاشت بعده إلى أن زالت أسنانها، وكان
يجش لها الشعير، وفضة، اتهبها من أبي بكر، والأيلية، أهداها له ملك أيلة.
220
وقال: عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه: كانت بغلة
النبي صلى الله عليه وسلم أول بغلة ركبت في الإسلام، أهداها المقوقس (1).
وقال الكلبي والهيثم بن عدي: كانت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تسمى
دلدل من هدية المقوقس، فبقيت إلى زمن معاوية، ودلدل هذه التي أهداها
المقوقس شهد عليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم
النهروان، وقاتل عليها الخوارج، وكانت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند علي، ثم
بعد علي عند عبد الله بن جعفر، فكان يجش أو يدق لها الشعير، وقد
ذهبت أسنانها (1).
وعن الزهري قال: دلدل حضر عليها النبي صلى الله عليه وسلم القتال يوم حنين، وفي
مسند الدارمي من حديث ابن عباس رضي الله عنه، أن الدلدل كانت
بيضاء أهداها المقوقس، وهي التي قال لها في بعض الأماكن: أن أربضي
دلدل فربضت، وكان علي رضي الله عنه يركبها.
ولابن حيان عن الأصبغ بن نباتة قال: لما قتل علي رضي الله عنه أهل
النهروان، ركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم الشهباء، قلت: كانت تسمى الشهباء
وتسمى الدلدل.
وقال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب
الإسكندرية، فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، فقبل الكتاب
وأكرم حاطبا، وأحسن نزله، وسرحه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدى له مع حاطب
كسوة وبغلة بسرجها، وخادمتين إحديهما أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها



(1) راجع التعليقات السابقة.
221
رسول الله صلى الله عليه وسلم لجهم بن قيس العبدي، فهي أم زكريا بن جهم، خليفة
عمرو بن العاص على مصر (1).
(وذكر ابن سعد عن عبد القدوس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء، وهي أول شهباء كانت في الإسلام،
فبعثني إلى زوجته أم سلمة رضي الله عنها بصوف وليف، ثم فتلت أنا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لها أسنا وغدارا، ثم دخل البيت فأخرج عباءة مطرفة،
فثناها ثم (ربعها) على ظهرها، ثم سمى وركب، ثم أردفني خلفه) (2).
ويروى أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ركبها، وركبها
كبرت وعميت، ودخلت مسطحة لبني (مدحج، فرماها) رجل بسهم
فقتلها.
وعن علقمة بن أبي علقمة أنه قال: بلغني أن أسم فرس النبي صلى الله عليه وسلم
السكب، وكان أغر محجلا طلق اليمين، واسم بغلته الدلدل، وكانت
شهباء، وكانت بينبع حتى ماتت، واسم حماره اليعفور، وكان رسنه من
ليف، واسم رايته العقاب.
وكان عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن
مودعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهني،
أبو عبس، وأبو حماد (3)، رضي الله عنه، صاحب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
يقود به في الأسفار.
وسكن عقبة مصر، ووليها بعد عتبة بن أبي سفيان من قبل معاوية
سنتين وثلاثة أشهر، وصرفه بمسلمة بن مخلد لعشر بقين من ربيع



(1) (سيرة ابن هشام): 5 / 14 - 15 " هامش "، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك
(2) ما بين الحاصرتين من (خ) فقط، (طبقات ابن سعد): 1 / 491.
(3) وقيل: أبو لبيد، وأبو عمرو، وأبو أسد.
222
الأول سنة سبع وأربعين، وتوفي بمصر سنة ثمان وخمسين، ودفن بقرافتها،
وقبره معروف.
قال الوليد بن مسلم: حدثنا هشام بن الغاز، عن يزيد بن يزيد بن جابر،
عن القاسم، عن عقبة بن عامر - وكان صاحب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشهباء، الذي يقودها في الأسفار - قال: قدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على
راحلته رتوة من الليل، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنخ، فأنخت، فنزل عن
راحلته ثم قال: اركب يا عقبة، فقلت: سبحان الله! أعلى مركبك يا
رسول الله؟ وعلي راحلتك؟ فأمرني فقال: اركب، فقلت أيضا مثل ذلك،
ورددت ذلك مرارا حتى خفت أن أعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركبت راحلته
ورحله، ثم زجر الناقة فقامت، ثم قاد بي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولأهل مصر عن
عقبة نحو مائة حديث (1) يروونها عنه (2).



(1) قال ابن حزم في (أسماء الصحابة الرواة): له خمسة وخمسون حديثا، شهد صفين مع معاوية،
وشهد فتوح الشام، وهو كان البريد إلى عمر بفتح دمشق، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن،
وكان عالما بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، شاعرا، كاتبا، وهو أحد من جمع القرآن، له ترجمة في
: (الثقات): 3 / 280، (التاريخ الكبير): 6 / 340، (التاريخ الصغير): 2 / 123، (الأعلام
للزركلي): 4 / 240، (سير الأعلام): 2 / 467، (حلية الأولياء): 2 / 8، (الجرح والتعديل):
6 / 313، (أسماء الصحابة الرواة): 79، ترجمة رقم (60)، (الإصابة): 4 / 520 - 521، ترجمة
رقم (5605)، (الإستيعاب): 3 / 1073 - 1074، ترجمة رقم (1824).
وقد ذكر ابن الجوزي في (الموضوعات، باب أسماء مراكبه وسلاحه، حديثا طويلا، وفيه:
" وكانت له بغلة تسمى دلدل " وقال: هذا حديث موضوع، وفيه آفات، منها عبد الملك وهو
العرزمي، وقد تركه شعبة، ومنها علي بن عروة، قال يحيى: ليس بشئ، وقال أبو حاتم الرازي:
متروك الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، ومنها عمر بن عبد الرحمن، وقد قدحوا فيه.
(الموضوعات لابن الجوزي): 1 / 293.
223
فصل في ذكر حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج أبو داود من حديث أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن معاذ
ابن جبل رضي الله عنه، قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له
عفير (1).
وأخرجه البخاري ومسلم من طرق أتم من هذا، وليس فيه ذكر حمار
يقال له عفير (2).
ولابن حيان من حديث القعنبي، حدثنا علي بن عباس عن مسلم بن



(1) (سنن أبي داود): 3 / 55، كتاب الجهاد، باب (53) في الرجل يسمي دابته، حديث رقم
(2559).
عفير: تصغير أعفر، يحذفون الألف في تصغيره، كما حذفوه في تصغير أسود، فقالوا: سويد،
وكما قالوا: عوير من أعور، وكان القياس أن يقال في تصغير أعفر أعيفر، كما قالوا: أحيمر من
أحمر، وأصيفر من أصفر.
وفيه أن الإرداف مباح إذا كانت الدابة تقوى على ذلك، ولا يضر بها الضرر البين، وتسمية
الدواب شكل من أشكال العرب، وعادة من عاداتها، وكذلك تسمية السلاح وأداة الحرب، كان
سيفه صلى الله عليه وسلم يسمى ذا الفقار، ورايته العقاب، ودرعه ذات الفضول، وبغلته دلدل، وبعض أفراسه
السكب، وبعضها البحر. (معالم السنن).
وعفير: تصغير أعفر، تصغير الترخيم، وقيل: سمي تشبيها في عدوه بالعفور وهو الظبي،
وقيل: الخشف.
(2) (فتح الباري): 6 / 72 - 73، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس والحمار، حديث رقم
(2856)، ثم أخرجه البخاري برقم (5967)، (6762)، (6500)، (7373) ولم يذكر فيهم
اسم " عفير " وذكره في الحديث الأول رقم (2856)، (مسلم بشرح النووي): 1 / 345، كتاب
الإيمان، باب (10) الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، حديث رقم (49)،
وصرح فيه باسم " عفير ". قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، رحمه الله: وهو الحمار الذي كان له
صلى الله عليه وسلم، قيل أنه مات في حجة الوداع. (مسلم بشرح النووي).
224
كيسان الأعور، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر على
حمار عليه إكاف (1).
وله من حديث عبد بن حميد، حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا مسلم
الأعور، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر، ويوم النضير على حمار
عليه إكاف مخطوم بحبل من ليف (1).
وللترمذي في (الشمائل)، من حديث مسلم الأعور، عن أنس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب
دعوة العبد، وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم (2) بحبل من ليف،
عليه إكاف (3) ليف (4).
وقد روى الواقدي وغيره من طرق: أن المقوقس أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما أهداه حمارا يقال له عفير، وفي رواية الكلبي والهيثم بن عدي:
وأهدى إليه المقوقس أيضا حمارا يقال له يعفور، وقال ابن الكلبي: عفير
من هدية فروة بن عمرو الجذامي صاحب البلقاء.



(1) (أخلاق النبي): 62، (المستدرك): 2 / 506، كتاب التفسير، باب (50) تفسير سورة (ق)،
حديث رقم (3734)، وقال فيه: " وتحته إكاف من ليف " قال الذهبي في (التلخيص): صحيح.
(2) محظوم: أي له زمام، من حبل من ليف.
(3) الإكاف هو ما يوضع على الدابة للركوب عليه يشبه الرحل، فالإكاف للحمار، كالسرج لفرس.
(4) (الشمائل المحمدية): 272 - 273، باب (48)، ما جاء في تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(333)، (ضعيف سنن الترمذي): 115، باب (31) تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (171)،
قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم عن أنس، ومسلم الأعور يضعف، وهو
مسلم بن كيسان الملائي، (ضعيف سنن ابن ماجة): 343، باب (16)، البراءة من الكبر
والتواضع، حديث رقم (915)، وأخرجه أبو نعيم في (الحلية): 8 / 131، والبيهقي في
(الدلائل): 1 / 330. ويؤخذ من الحديث أن ركوب الحمار ممن له منصب شريف لا يخل بمروءته
(المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية): 255.
225
وقال الواقدي: كان يعفور من هدية فروة بن عمرو الجذامي، وعفير من
هدية المقوقس، قال: وحماره يعفور نفق منصرفه في حجة الوداع (1).
قلت: والجمهور على أن عفير بعين مهملة، وقال القاضي عياض: بغين
معجمة. قال الشيخ محيي الدين يحيى النواوي: واتفقوا على تغليظه في
ذلك (2).
وأغرب ما في ذكر عفير هذا، ما ذكره أبو محمد بن أبي حاتم من طريق
منكر مردود، ولا يشك أهل العلم بهذا الشأن أنه موضوع، فيه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أصاب بخيبر أربعة أزواج أخفاف، وعشر أواقي ذهب، وحمارا
أسود، فقال ما اسمك؟ فكلمه الحمار! (وقال: اسمى) (3) يزيد بن
شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا، كلهم لم يركبهم إلا نبي،
وقد كنت أتوقعك أن تركبني، وكنت ملك رجل يهودي، وكنت أتعثر به
عمدا، وكان يجيع بطني، ويضرب ظهري، قال: فأنت يعفور، يا يعفور!
قال: لبيك، (قال:) (3) أتشتهي الإناث؟ قال: لا، فكان يركبه، فإذا نزل
عنه بعثه إلى باب الرجل فيقرعه برأسه، (فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ
إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم) (4) فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر
كانت لأبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره (جزعا منه على
رسول الله صلى الله عليه وسلم) (4).
وقد أنكر ابن حبان هذا الحديث، وقال ابن الجوزي: لعن الله من وضع.



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 491، 492 (الوافي): 1 / 90، (زاد المعاد): 1 / 134.
(2) (مسلم بشرح النووي): 1 / 345.
(3) زيادة للسياق والبيان.
(4) زيادة للسياق من (الموضوعات لابن الجوزي).
226
هذا الحديث على أنه قد أودعه كثير من المصنفين كتبهم (1)، وقال شيخنا
العماد بن كثير: هذا شئ باطل لا أصل له من طريق صحيحة أو ضعيفة. وقد ذكره أبو إسحاق الأسفراييني، وإمام الحرمين، حتى ذكره القاضي
عياض في كتابه (الشفا) (2). وذكره أبو القاسم السهيلي في (روضة) (3)
وقال: الأولي ترك ذكره لأنه موضوع.
سألت شيخنا أبا الحجاج - يعني المزني - عنه فقال: ليس له أصل وهو
ضحكة، وقال الذهبي: يروى بإسناده مجهول عن مجهول، يقال له: أبو
منظور، كتبه للفرجة لا للحجة، ويقال: كان ثلاثة حمير، ويقال: اثنان.



(1) (الموضوعات لابن الجوزي): 1 / 293 - 294، باب تكليم حماره يعفور له، وقال: هذا حديث
موضوع لعن الله واضعه، فإنه لم يقصد إلا القدح في الإسلام، والاستهزاء به. قال أبو حاتم بن
حبان: لا أصل لهذا الحديث، وإسناده ليس بشئ، ولا يجوز الاحتجاج بمحمد بن مزيد.
(2) (الشفا بتعريف حقوق المصطفى): 1 / 207.
(3) (الروض الأنف): 2 / 93.
ويعد ما قاله النقاد في هذا الحديث، نجد صاحب كتاب (المصباح المضئ): 1 / 262، يقول عفا
الله عنه: وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فليتني كنت شعرة في جلد هذا الحمار، الذي كان في
كل وقت يلامس جلده جلد سيد البشر صلى الله عليه وسلم ويسمع له، ويطيعه، ويخاطبه، ويفهم عنه، وناهيك
بها معجزة من بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم.
ثم سأل سؤالا فقال: ما الحكمة في قوله صلى الله عليه وسلم: يا يعفور، تشتهي الإناث؟ فقال: لا، وترديه في
البئر يوم قبض صلى الله عليه وسلم، وكان له صلى الله عليه وسلم دواب غيره، لم يفعل ذلك واحد منهم، بل الدلدل وهي بغلته
البيضاء بقيت إلى خلافة معاوية، وكر بها علي رضي الله عنه في صفين؟
ثم أجاب عن ذلك بقوله: والحكمة فيه - والله أعلم - أن يعفور قال: أخرج الله من نسل جدي
ستين حمارا، لم يركبهم إلا نبي، ثم قال: ولم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك،
وتردى في البئر، ولم يشته الإناث حتى لا يبقى له نسل، فإنه آخرهم، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم آخر
الأنبياء كما قال، لئلا يركبه أحد بعده إذ هو مركوب الأنبياء، وأيضا جزعا عليه وتحزنا، ويحق له أن
يجزع ويحزن عليه صلى الله عليه وسلم، وهذا ما بلغ إليه علمي من رسله صلى الله عليه وسلم. (المصباح المضئ): 1 / 261 -
263 مختصرا.
227
فصل في ذكر ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج البخاري في آخر كتاب الكفالة، في باب: جوار أبي بكر رضي الله
عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده (1)، وفي كتاب الهجرة من حديث عقيل،
قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها قالت:
لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فذكر الحديث حتى قال: فبينما
نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر رضي الله عنه في نحر الظهيرة، قال
قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها،
فقال أبو بكر رضي الله عنه: فداءا له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه
الساعة إلا أمر، قالت: فجاء فاستأذن، فأذن له، فقال لأبي بكر: أخرج من
عندك، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قال: فإنه قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة، بأبي أنت
يا رسول الله، فقال: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى
راحلتي هاتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالثمن، قالت عائشة فجهزناها. وذكر
حديث الهجرة بطوله (2).



(1) (فتح الباري): 4 / - 599 600، كتاب الكفالة، باب (4) جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وعقده، حديث رقم (2297).
(2) هذا الحديث مبثوث في (صحيح البخاري) بسياقات ومن طرق مختلفة، في: فضائل أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
وفي المساجد، باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس، وفي البيوع، باب إذا اشترى
متاعا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض الثمن، وفي الإجارة، باب استئجار المشركين
عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام، وباب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام. أو
بعد شهر، أو بعد سنة جاز، وفي الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعقده، وفي
المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وفي اللباس، باب التصنع.
228
وخرج البخاري من حديث زهير، أخبرنا حميد عن أنس (رضي الله
عنه) قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة، ومن حديث أبي خالد الأحمر، عند
حميد عن أنس (رضي الله عنه) قال: كانت ناقة (لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى
العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك
على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حقا على
الله أن لا يرفع شئ من الدنيا إلا وضعه. ذكره في الرقاق (1).
وذكره في الجهاد من حديث أبي إسحاق عن حميد قال: سمعت أنسا
رضي الله عنه قال: كانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها العضباء. ومن حديث
زهير، عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة
تسمى العضباء لا تسبق. قال حميد: أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابي على
قعود (2) فسبقها، فشق (ذلك) على المسلمين حتى عرفه، فقال صلى الله عليه وسلم: حق



(1) (فتح الباري): 11 / 414، كتاب الرقاق، باب (38) التواضع، حديث رقم (6501)، وما بين
الحاصرتين من قوله: لرسول الله... سقط (خ) واستدركناه من (ج).
وفي الحديث إشارة إلى الحث على عدم الترفع، والحث على التواضع، والإعلام بأن أمور الدنيا
ناقصة غير كاملة.
قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على الله، والتنبيه على ترك المباهاة، والمفاخرة، وأن كل شئ هان
على الله فهو في محل الضعة، فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه، ويقل منافسته في طلبه.
وقال الطبري: في التواضع مصلحة الدين والدنيا، فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم
الشحناء، ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة.
قال الحافظ ابن حجر: وفيه أيضا حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه، لكونه رضي أن أعرابيا يسابقه.
(2) القعود، بفتح القاف: ما استحق الركوب من الإبل، وقال الخليل: القعودة من الإبل ما يقعده الراعي
لحمل متاعه، والهاء فيه للمبالغة. (فتح الباري).
229
على الله أن لا يرفع شئ من الدنيا إلا وضعه. طوله موسى عن حماد عن
ثابت، عن أنس رضي الله عنه (1). (عن النبي صلى الله عليه وسلم) (2).
وخرجه الدارقطني من حديث معن بن عيسى، حدثنا مالك عن ابن
شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت
ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء لا تدفع في سباق إلا سبقت، قال سعيد بن
المسيب: فجاء رجل فسابقها فسبقها، فوجد الناس من ذلك أن سبقت ناقة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الناس لم يرفعوا شيئا في
الدنيا إلا وضعه الله عز وجل (3).
وفي لفظ: كانت العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي علي بكر فسابق
فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! سبقت
العضباء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه حق على الله أن لا يرفع شيئا من الأرض إلا
وضعه (4).
ومن حديث عبد الله بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، أنه سمع
سعيد بن المسيب يقول: إن العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لا تسبق
كلما دفعت في سباق، فدفعت يوما في إبل فسبقت، فكانت على
المسلمين كآبة أن سبقت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الناس إذا رفعوا شيئا، أو



(1) (فتح الباري): 6 / 91، كتاب الجهاد والسير، باب (59) ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2871)،
(2872).
(2) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
قوله: " ناقة النبي صلى الله عليه وسلم "، كذا أفرد الناقة في الترجمة، إشارة إلى أن العضباء والقصواء
واحدة.
(3) (سنن الدارقطني): 4 / 302، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (12).
(4) (المرجع السابق): حديث رقم (14).
230
أرادوا رفع شئ وضعه الله (1).
ومن حديث بقية قال: حدثني شعبة قال: حدثني حميد الطويل عن
أنس رضي الله عنه قال: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فسبقه، فكان
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك
فقال: حق على الله أن لا يرفع شيئا (نفسه) في الدنيا إلا وضعه (2).
وخرجه ابن حيان من حديث هشام عن عروة قال: أخبرنا أبي قال: لما
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر خلف عثمان على ابنته وكانت مريضة،
وخلف أسامة بن زيد رضي الله عنهم، فبينا هم إذ سمعوا ضجة التكبير،
فجاء زيد بن حارثة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء وهو يقول: قتل فلان،
وأسر فلان (3).
وقال الواقدي: قدم زيد بن حارثة رضي الله عنه على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم
القصواء، يبشر أهل المدينة فذكره (4).
وحدثني إسحاق بن حازم، عن عبد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد - يعني مرجعه من
بدر - ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته القصواء، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
يديه وسهيل بن عمرو مجنوب ويداه إلى عنقه، فلما نظر أسامة إلى سهيل
قال: يا رسول الله! أبو يزيد؟ قال: نعم، هذا الذي كان يطعم بمكة
الخبز (5).



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (15).
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (16).
(3) (مغازي الواقدي): 1 / 115.
(4) (مغازي الواقدي): 1 / 155.
(5) (المرجع السابق): 1 / 118.
231
قال الواقدي: ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أقبلت امرأة أبي ذر رضي
الله عنه، على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته من أخبار الناس ثم قالت: يا
رسول الله، إني نذرت إن نجاني الله عليها أن أنحرها، فآكل من كبدها
وسنامها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بئس ما جزيتيها! أن حملك الله عز
وجل عليها ونجاك، ثم تنحرينها، إنه لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا
تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعي إلى إبلك على بركة الله (1).
وخرج مسلم هذا الحديث بمعناه، وفيه قصة من عدة طرق، تدور على
أبي قلابة عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، وفيها:
وأصيبت امرأة من الأنصار، أصيبت العضباء، فذكره (1).
وخرجه أبو داود من طريق أبي قلابة أيضا وفيه: أن المرأة المأسورة امرأة
أبي ذر (2).
وخرجه الدارقطني من حديث سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن
الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: جاءت
امرأة أبي ذر على راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء حين أغير على لقاحه حتى
بلغت (3) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني نذرت إن نجاني الله عليها لآكلن
من كبدها وسنامها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبئس ما جزيتها، ليس (4) هذا



(1) (مسلم بشرح النووي): 11 / 108 - 110، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء لنذر في معصية الله،
ولا فيما لا يملك العبد، حديث رقم (1641).
(2) (سنن أبي داود): 3 / 609 - 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28) النذر فيما لا يملك،
حديث رقم (3316).
(3) كذا في (الأصلين)، وفي (سنن الدارقطني): " زناخت ".
(4) في (الأصلين): " لبئس "، وما أثبتناه من (المرجع السابق).
232
نذر، إنما النذر ما ابتغي به وجه الله (1).
وخرج من حديث موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر
رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته
القصواء. وقيل إن العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تشرب
حتى ماتت.
قلت: إن علماء الآثار اختلفوا في ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل هي واحدة
لها ثلاثة أسماء؟ أو كان له صلى الله عليه وسلم ثلاث نياق؟
قال الواقدي: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته القصواء من نعم بني قشير بن
كعب بن ربيعة بن عامر، ويقال: من نعم بني الحريش بن كعب، ابتاعها
أبو بكر الصديق رضي الله عنه بأربعمائة درهم، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم
منه بذلك الثمن، والثبت: أنه وهبها له فقبلها وتاجر عليها، فلم تزل
عنده حتى ماتت، ويقال: ماتت في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وكانت
(تضمر) بالنقيع، ويقال: بنقيع الخيل، وهي تسمى أيضا: الجدعاء
والعضباء.
وحدثني ابن أبي ذءيب عن يحيى بن نفيل، عن سعيد بن المسيب قال:
كان اسمها العضباء، وكان في طرف أذنها جدع (2).
قال: حدثني معمر عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما العضب



(1) (سنن الدارقطني): 4 / 162 - 163 النذور، حديث رقم (12).
(2) العضباء: اسم ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، اسم لها، علم، وليس من العضب الذي هو الشق في الأذن، إنما هو
اسم لها سميت به، وقال الجوهري: هو لقبها، قال ابن الأثير: لم تكن مشقوقة الأذن، والأول أكثر،
وقال الزمخشري: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء، وهي القصيرة اليد (لسان العرب): 1 /
609.
233
في الأذن؟ قال: قطع النصف فصاعدا.
قال الواقدي وغيره: القصواء، التي في أذنها قطع يسير، والعضباء،
مثلها، والجدعاء، التي قطع نصفها، فهذا كما ترى، تصريح من الراوي،
أنها ناقة واحدة، لها ثلاثة أسماء، وهو أيضا، قول محمد بن إبراهيم
التيمي، فقد روى عنه قال: القصواء ابتاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعمائة
درهم، وهي التي هاجر عليها. قال: وإنما كانت له صلى الله عليه وسلم ناقة واحدة موصوفة
بالصفات الثلاث، وإليه ذهب الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي (حيث
قال:) (1) واعلم أن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء.
وقال سعيد بن المسيب: كان في طرف أذنها جدع، والجدعاء: التي
استؤصلت أذنها، والمقصوة: التي قطع بعض أذنها.
أخبرنا شيخنا ابن ناصر عن ثعلب أنه قال: هذه أسماء لناقة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ولم تكن جدعاء، ولا مقصوة.
قال أبو الزاهرية حدير بن كريب الحمصي: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث
أنيق: الجدعاء، والقصواء، والعضباء، واختار هذا جماعة وقالوا: العضباء
ابتاعها أبو بكر رضي الله تعالى عنه من نعم بني الحريش، والقصواء التي
هاجر عليها إلى المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت إذ ذاك رباعية، وكانت لا
تحمله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي.
والجدعاء هي التي سبقت فشق على المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم: إن حقا على
الله ألا يرتفع شئ من الدنيا إلا وضعه (2).



(1) زيادة للسياق والبيان.
(2) سبق تخريجه.
234
وخرج الدارقطني من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبي قلابة
عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت العضباء
لرجل من بني عقيل أسر، فأخذت العضباء معه، فأتى عليه النبي صلى الله عليه وسلم،
وهو على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد على ما تأخذوني وتأخذون
العضباء وأنا مسلم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلتها وأنت تملك أمرك
أفلحت كل الفلاح، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! إني جائع
فأطعمني، وإني ظمآن فأسقني، فقال: هذه حاجتك، ففودي برجلين،
وحبس النبي صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله، وكانت من سوابق الحاج، فأغار
المشركون على سرح المدينة، وأسروا امرأة من المسلمين، قال: وكان
المشركون يريحون إبلهم بأفنيتهم، فلما كان الليل نوموا، وعهدت المرأة إلى
الإبل، فما كانت تأتي على ناقة منها إلا رغت، حتى أتت على العضباء،
فأتت على ناقة ذلول فركبتها حتى أتت المدينة، ونذرت إن الله نجاها
لتنحرنها، فلما أتت المدينة عرف الناس الناقة وقالوا: العضباء ناقة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال: وأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بنذرها، فقال: بئس ما جزتها، أو
جزيتيها، لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم (1).
وخرج مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب عن أبي
قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت
ثقيف حلفا لبني عقيل، فأسرت بالحلف رجلين من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه
العضباء، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق فقال: يا محمد! فأتاه
فقال: ما شأنك؟ فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاج؟ فقال:



(1) سبق تخريجه.
235
إعطاء ما لذلك، أخذتك بجريرة أحمائك بثقيف، ثم انصرف عنه، فناداه
فقال: يا محمد! يا محمد! - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقا رحيما - فرجع
إليه فقال: ما شأنك؟ فقال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك
أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف، فناداه: يا محمد! يا محمد! فأتاه فقال:
ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطعمني، وظمآن فأسقني، قال: هذه حاجتك
(ففودي الرجل بعد) (1) بالرجلين (2).
(وفي رواية) (3): وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، فكانت
المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت
ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتبركه،
حتى تنهى إلى العضباء فلم ترغ - وقال وناقه منوقة - فقعدت على عجزها
ثم زجرتها فانطلقت، وندروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت لله إن
نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء
ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عز وجل عليها
لتنحرنها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: سبحان الله! بئس ما
جزتها، نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها؟ لا وفاء لنذر في معصية، ولا
فيما لا يملك العبد (4).



(1) زيادة للسياق من (سنن أبي داود).
(2) (سنن أبي داود): 3 / 609 - 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28) في النذر فيما لا يملك،
حديث رقم (3316)، وهو جزء من حديث طويل ذكره أبو داود بطوله. بنحو حديث مسلم،
وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 115، كتاب السير، باب (18) ما جاء في قتل الأسارى
والفداء، حديث رقم (1568)، وقال: هذا حديث حسن صحيح... والعمل على هذا عند أكثر
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أن للإمام أن يمن على من شاء من الأسارى ويقتل من
شاء منهم، ويفدي من شاء.
(3) زيادة للسياق.
(4) سبق تخريجه.
236
وفي رواية علي بن مجبر السعدي عن إسماعيل بن إبراهيم: لا وفاء في
معصية الله. (وخرجه) من طريق حماد بن زيد، وعبد الوهاب الثقفي
كلاهما عن أيوب بهذا الإسناد نحوه (1).
ومن حديث حماد بن زيد: وكانت العضباء لرجل من بني عقيل،
وكانت من سوابق الحاج. ومن حديثه أيضا: كانت على ناقة ذلول ممرسة.
ومن حديث عبد الوهاب الثقفي: وهي ناقة مدربة (1).
وخرج أبو داود من حديث حماد بن زيد وإسماعيل بن علية، عن أيوب
بهذا الإسناد وقال في آخره: قال: فركبتها، ثم جعلت لله عليها إن نجاها الله
لتنحرنها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك، فأرسل إليها، فجئ بها، وأخبر بنذرها فقال: بئس ما جزتها أو
جزيتيها، إن الله أنجاها عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا
فيما لا يملك ابن آدم. (قال) أبو داود: إن المرأة المأسورة امرأة أبي ذر رضي
الله عنه (2).
(وخرج) الترمذي من (حديث) سفيان، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد
ابن إبان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على
رحل رث، وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم فقال: اللهم اجعله حجا لا
رياء فيه ولا سمعة.



(1) (مسلم بشرح النووي): 11 / 108، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما
لا يملك العبد، آخر أحاديث الباب بدون رقم.
(2) سبق تخريجه.
237
(فصل في ذكر من كان يأخذ بزمام
راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(قال) الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله
ابن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله بن كعب، عن أم عمارة قالت:
شهدت عمرة القضية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت قد شهدت الحديبية،
فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى البيت وهو على راحلته، وابن
رواحة آخذ بزمام راحلته، وقد صف له المسلمون حين دنا من الركن حتى
انتهى إليه، فاستلم الركن بمحجنه مضطبعا (1) بثوبه على راحلته،
والمسلمون يطوفون معه، وقد اضطبعوا بثيابهم، وعبد الله بن رواحة يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله * إني شهدت أنه رسوله
حقا وكل الخير في سبيله * نحن (قتلناكم) (2) على تأويله
(كما ضربناكم على تنزيله) (3) * ضربا يزيل الهام (4) عن (مقيله) (5)
ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا ابن رواحة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:



(1) الاضطباع: هو أن يأخذ الإزار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، ويلقي طرفيه على كتفه
الأيسر. (النهاية).
(2) في (خ): " حملناكم ".
(3) هذا الصدر من (المغازي).
(4) الهام: جمع هامة، وهو الرأس.
(5) المقيل: مستعار من موضع القائلة، ويريد الأعناق.
238
يا عمر إني أسمع، فأسكت عمر رضي الله عنه (1).
وقال في فتح مكة: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، فرآها ومعه
المسلمون، تقدم على راحلته، فاستلم الركن. بمحجنه (و) (2) كبر، فكبر
المسلمون لتكبيره، فرجعوا التكبير حتى ارتجت مكة تكبيرا، حتى جعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشير إليهم أن اسكتوا، والمشركون فوق الجبال ينظرون، ثم
طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت، (على راحلته آخذ) (2) بزمامها (محمد بن
مسلمة) (2) وحول البيت ثلاثمائة صنم وستون صنما مرصصة بالرصاص،
وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث
ينحرون ويذبحون الذبائح، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما مر بصنم منهم
يشير بقضيب في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان
زهوقا) (3) فيقع الصنم لوجهه (4).
(قال: حدثني) ابن أبي سيرة، عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن
ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم (على) أن يشير
بالقضيب إلى الصنم فيقع لوجهه، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا على راحلته
يستلم الركن الأسود بمحجنه في كل طواف، فلما فرغ من سعيه نزل عن
راحلته، وجاء معمر بن عبد الله بن نضلة فأخرج راحلته (5).
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق مرجعه من تبوك، مكر به أناس من



(1) (مغازي الواقدي): 2 / 735 - 736.
(2) زيادة للسياق من (المغازي).
(3) الإسراء: 81.
(4) (مغازي الواقدي): 2 / 831 - 832.
(5) (المرجع السابق): 2 / 832.
239
المنافقين، وأتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغ عليه السلام
تلك العقبة، أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر خبرهم، فقال للناس: اسلكوا
بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي، وسلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها،
وأمر حذيفة بن اليمان (أن) يسوق من خلفه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير
في العقبة، إذ سمع حسن القوم قد غشوه، فغضب صلى الله عليه وسلم، وأمر حذيفة أن
يردهم، فرجع حذيفة إليهم (وقد رأوا غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، (1) فجعل
يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظن القوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
أطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل
حذيفة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساق به، فلما رسول الله صلى الله عليه وسلم من
العقبة ونزل الناس فقال: يا حذيفة! هل عرفت أحدا من الركب الذين
رددتهم؟ قال: يا رسول الله، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين
فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل، وكانوا قد أنفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم فسقط
بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي يقول: فنور لي في
أصابعي الخمس (فأضاءت، حتى كفى لجمع) (2) ما سقط (من) السوط
والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شئ إلا جمعناه، وكان (لحق
بالنبي) (3) صلى الله عليه وسلم في العقبة.
وروى أبو داود عن أم الحسين الأحسنية قالت: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم
حجة الوداع، فرأيت أسامة بن زيد وبلال، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي



(1) (زيادة للسياق من (المغازي).
(2) في (المغازي): " فأضئن حتى كنا نجمع ".
(3) في (المغازي): " لحق النبي ".
240
صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة (1).
وذكر أبو عمر يوسف بن عبد البر أن الأسلع بن شريك الأعرجي
التميمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صاحب راحلته (2).



(1) (سنن أبي داود: 2 / 416 - 417، كتاب (مناسك الحج)، باب (35)، في المحرم يظلل، حديث
رقم (1834)، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج، باب (51) استحباب رمي جمرة العقبة يوم
النحر ركبا، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم: " لتأخذوا مناسككم "، حديث رقم (311)، (312) بسياقة أتم من
سياقة أبي داود، ومن سياقة النسائي في (السنن): كتاب المناسك، باب (220) الركوب إلى
الجمار واستظلال المحرم، حديث رقم (3060).
وفي هذا الحديث من الفقه: جواز تسميتها حجة الوداع. وفيه جواز الرمي ركبا. وفيه جواز
تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره. وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه أبصر رجلا على بعيره وهو
محرم، قد استظل بينه وبين الشمس فقال: أضح لمن أحرمت له. رواه البيهقي بإسناد صحيح.
وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من محرم يضحي للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى
يعود كما ولدته أمه. رواه البيهقي وضعفه، واحتج الجمهور بحديث أم الحصين هذا المذكور في
مسلم، ولأنه لا يسمى لبسا، وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا، مع أنه ليس فيه نهي، وكذا
فعل عمر رضي الله عنه، وقول ابن عمر ليس فيه نهي، ولو كان، فحديث أم الحصين مقدم عليه.
(شرح النووي على صحيح مسلم): 10 / 51 - 52 مختصرا.
ولمزيد بيان في هذا الموضوع: راجع (معالم السنن للخطابي) شرح على (سنن أبي داود): 2 / 416 - 417.
(2) ترجمته في: (الإستيعاب): 1 / 139، ترجمة رقم (148) (الإصابة): 1 / 58 - 60، ترجمة
رقم (122)، (123)، (عيون الأثر): 2 / 311 ذكر خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن سيد الناس:
أسلع بن شريك صاحب راحلته صلى الله عليه وسلم.
241
فصل في ذكر إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل: كانت له صلى الله عليه وسلم اثنتا عشر لقحة، وقيل أربع عشرة لقحة. قال
الواقدي: حدثني بكر بن الهيثم عن محمد بن يوسف عن سفيان الثوري
عن سلمة بن نبيط، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته بعرفة
على جمل أحمر.
ولابن حيان من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي المليح،
عن روح بن عائذ، عن أبي العوام عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على جمل أحمر.
قال الواقدي: وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشر لقائح، أهدى إليه ثلاثا منهن
سعد بن عبادة من نعم بني عقيل، فكن يرعين بالحفياء، وكان السبع يرعين
بذي الخبر. ويقال: إن سعدا أهدى إحدى الثلاث، وأنه اتباع الاثنين
بالمدينة، وكانت التي أهداها سعد تدعى مهرة، وكانت من نعم بني
عقيل، وكانت الاثنتان تدعيان الرناء والشقراء، فكان الثلاث يحلبن
ويسرح إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألبانهن كل ليلة، وكن غرارا (1).



(1) وقال ابن القيم في (زاد المعاد): 1 / 134، فصل في دوابه صلى الله عليه وسلم: ومن الإبل القصواء، قيل: هي التي
هاجر عليها، والعضباء، والجدعاء، ولم يكن بهما عضب ولا جذع، وإنما سميتا بذلك، وقيل: كان
بأذنها عضب، فسميت به، وهل العضباء والجدعاء واحدة أو اثنتان؟ فيه خلاف.
والعضباء هي التي كانت لا تسبق، ثم جاء أعرابي على قعود فسبها، فشق ذلك على المسلمين،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حقا على الله ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه. (سبق تخرج هذا الحديث
وشرحه وبيان ما فيه من الفوائد).
وغنم صلى الله عليه وسلم يوم بدر جملا مهريا لأبي جهل في أنفه برة من فضة، فأهداه يوم الحديبية ليغيظ به
المشركين. أخرجه أحمد في المسند: 1 / 431، حديث رقم (2358)، وأبو داود في
(السنن): 2 / 360 - 361 - كتاب المناسك، باب (13) في الهدى، حديث رقم (1749)، وابن
ماجة في (السنن): 2 / 1027، كتاب المناسك، باب (74 حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(3076).
وفيه من الفقه: أن الذكران في الهدى جائزة، وفيه دليل على جواز استعمال اليسير من الفضة في
لجم المراكب من الخيل وغيرها، والبرة: حلقة تجعل في أنف البعير.
قوله: ليغيظ بذلك المشركين "، معناه أن هذا الجمل كان معروفا لأبي جهل، فحازه النبي صلى الله عليه وسلم في
سلبه، فكان يغيظهم أن يروه في يده، وصاحبه قتيل سليب. (معالم السنن).
242
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: عن هارون بن محمد بن سالم مولى
حويطب بن عبد العزى، عن أبيه نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة رضي
الله عنها قالت: كان عيشنا - أو أكثر عيشنا - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن،
كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاح بالغابة، وكان قد فرقها على نسائه، فكانت لي
لقحة يقال لها: العريس، فكنا نشرب منها فيما شئنا من اللبن، وكانت
لعائشة رضي الله عنها لقحة تدعى السمراء (غزيرة) (1).
وللواقدي عن معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال:
كان يراح على أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن،
وكانت من لقاحه عدة غزر: الحناء، والسمراء، والسعدية، والبغوم،
واليسيرة. وقال بعض المدنيين: وهب البغوم لسودة (2).
وللواقدي عن موسى بن عبيدة، عن ثابت عن أم سلمة قالت: أهدى
الضحاك الكلابي للنبي صلى الله عليه وسلم لقحة تدعى بردة، لم أر من الإبل شيئا كان
أحسن منها ولا أغزر، وكانت تحلب ما تحلب لقحتان، فربما خلبت
لأضياف رسول الله صلى الله عليه وسلم غبوقا وصبوحا، [وكانت] صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
من غنيمة [سرية] علي بن أبي طالب رضي الله عنه بفدك، في شعبان سنة



(1) (الطبقات ابن سعد) 1 / 494، ذكر لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) (الوافي): 1 / 10، ذكر دوابه صلى الله عليه وسلم، عيون الأثر): 2 / 322.
243
ست، لقوح تدعى الحفدة [السريعة] (1) فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن أبي سبرة، عن سلم بن يسار، عن وجيهة مولاة أم سلمة قال:
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعنز سبع، فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء، ومرة
أحدا، وتروح علينا، وكانت لقاحه بذي الجدر، فتأتينا ألبانها بالليل،
ونكون بالغاية فتأتينا ألبانها بالليل، وكان أكثر عيشنا اللبن من الإبل
والغنم.
قال: وحدثني موسى بن جعفر بن إبراهيم عن أبيه، حدثني يحيى بن
عبد الله بن أبي قتادة، وعلي بن يزيد وغيرهم، فكل قد حدثني بطائفة
قالوا: كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين لقحة، وكان من شئ منها ما
أصاب في ذات الرقاع، ومنها ما قدم به محمد بن مسلمة من نجد، وكانت
ترعى البيضاء (2) ودون البيضاء (2)، فأجدب ما هنالك فقربوها إلى الغابة
تصيب من أثلها وطرقاتها، وتغدو في السحر، فكان الراعي يؤوب بلبنها
كل ليلة عند المغرب، وكان أبو ذر رضي الله عنه قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى لقاحه فقال: إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك، ونحن
لا نأمن عيينة بن حصين ودونه هي في طراف من أطرافهم، فألح عليه، فقال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن لي، فلما ألح عليه قال: لكأني بك قد قتل أباك،
وأخذت إبلك امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك، فكان أبو ذر يقول:
عجبا لي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لكأني بك، وأنا ألح عليه، فكان والله
على ما قال.
وكان المقداد بن عمر يقول: لما كانت ليلة السرح جعلت فرسي سبحة
لا تقر ضربا بيديها وصهيلا، فيقول أبو معبد: والله إن لها شأنا، فننظر



(1) زيادة للسياق من (المرجع السابق)، واللقوح: الناقة غزيرة اللبن.
(2) البيضاء: اسم موضع تلقاء حمى الربذة. (معجم ما استعجم): 184.
244
آريها (1) فإذا [هو مملوء] (2) علفا، فنقول عطشى، فيعرض الماء عليها فلا
[تريده) (2) فلما طلع الفجر أسرجها ولبس سلاحه وخرج، حتى صلى مع
النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فلم ير شيئا، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم ورجع المقداد إلى بيته
وفرسه لا يقر، فوضع سرجه وسلاحه، واضطجع، ووضع إحدى رجليه على
الأخرى، فأتاه آت فقال: إن الخيل قد صبح بها، فكان أبو ذر يقول: إنا لفي
منزلنا، ولقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روحت وعطنت، وحلبت عتمتها (3)
ونمنا، فلما كان في الليل أحدق بنا عيينة في أربعين فارسا، فصاحوا بنا
وهم قيام على رؤوسنا، فأشرف لهم ابني فقتلوه، وكانت معه امرأته وثلاثة
نفر فنجوا، وتنحيت عنهم وشغلهم عني إطلاق عقل اللقاح، ثم صاحوا
في أدبارهم، فكان آخر العهد بها، وجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته وهو
يتبسم (4)، [وذكر خروج المسلمين في السلاح، فاستنقذوا عشر لقائح،
وأفلت القوم بما بقي وهي عشر، قال: وكان فيها جمل أبي جهل، فكان مما
يخلصه المسلمون] (5).
قال: حدثني قائد مولى عبد الله، عن عبد الله بن علي عن جدته سلمى
قالت: نظرت إلى لقوح (6) على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: السمراء،
فعرفتها، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذه لقحتك السمراء على



(1) في (الأصلين): (أمرها)، وفي (المغازي) " آريها " وهو ما أثبتناه، وهو حبل تشد به الدابة في
محبسها.
(2) تكملة للسياق من (المغازي).
(3) العتمة: ظلمة الليل، وكانت الأعراب يسمون الحلاب باسم الوقت. (النهاية).
(4) إلى هنا من (المغازي الواقدي): 538 - 539 بالنص.
(5) ما بين الحاصرتين اختصره المقريزي رحمه الله من سياق غزوة الغابة.
(6) لقوح: ناقة غزيرة اللبن. (النهاية).
245
بابك، فخرج (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1) مستبشرا وإذا رأسها بيد ابن أخي عيينة،
فلما نظر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1) عرفها ثم قال: أيم بك فقال: يا رسول الله
أهديت لك هذه اللقحة، فتبسم (النبي صلى الله عليه وسلم) (1) ثم قبضها منه، ثم أقام
يوما أو يومين، ثم أمر بثلاثة أواق من فضة، فجعل يتسخط، فقلت: يا
رسول الله! أتثيبه على ناقة من إبلك؟ قال (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1) نعم، وهو
ساخط على، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، ثم صعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه، ثم قال: إن الرجل ليهدي لي الناقة من إبلي أعرفها كما أعرف
بعض أهلي، ثم أثيبه عليها، فيظل يتسخط علي، ولقد هممت أن لا أقبل
هدية إلا من قرشي أو أنصاري. وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: أو
ثقفي أو دوسي (2).
وكان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاه يسار يرعاها، فلما استاق
العرينيون (3) لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة ست من ذي الجدر (4)،
وأخذوا يسار فقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى
مات، وانطلقوا بالسرح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فأخذهم
بأجمعهم، ثم صير مكان يسار مولاه أبا أيمن الأسود، فكان يقوم بأمر
لقاحه (5).
قال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى
قال: لما ظفر المسلمون باللقاح خلفوا عليها سلمة بن الأكوع (و) (6) معه



(1) زيادة للسياق من (المغازي).
(2) (مغازي الواقدي): 2 / 548 - 549.
(3) نسبة إلى عرينة.
(4) الجدر: ناحية قباء على ستة أميال من المدينة (طبقات ابن سعد): 2 / 93.
(5) (مغازي الواقدي): 2 / 568 - 571، (طبقات ابن سعد): 2 / 93.
(6) زيادة للسياق (المغازي).
246
أبو رهم الغفاري، وكانت اللقاح خمسة عشرة لقحة غزارا، فلما أقبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من الزغابة وجلس في المسجد، إذا اللقاح على
باب المسجد (تحان) (1)، فخرج فنظر إليها، فتفقد منها لقحه يقال لها
الحناء، فقال: أي سلمة! أين الحناء؟ قال: نحرها القوم ولم ينحروا غيرها،
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظر مكانا ترعاها فيه، قال: ما كان أكثر (2) من
حيث كانت بذي الجدر، قال: فردها إلى ذي الجدر فكانت هناك. وكان
لبنها يراح به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة وطب (3) من اللبن (4).



(1) في (المغازي: " ما كان أمثل ".
(2) الوطب: الوعاء الكبير.
(3) (مغازي الواقدي): 2 / 570 - 571.
(4) (طبقات ابن سعد): 2 / 93.
247
فصل في ذكر البدن التي ساقها رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى الكعبة البيت الحرام
إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق الهدي مرارا، فأول ما حفظ أنه ساق البدن
في عمرة الحديبية، وذلك أنه لما استنفر أصحابه إلى العمرة، وتهيئوا
للخروج، قدم عليه بسر بن سفيان الكعبي في ليال من شوال سنة ست
زائرا له، فقال له صلى الله عليه وسلم يا بسر! لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء الله
معتمرون فأقام، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يبتاع له بدنا، فكان بسر يبتاعها ويبعث بها
إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها
ناجية بن جندب الأسلمي أن يقدمها إلى ذي الحليفة، واستعمل صلى الله عليه وسلم على
هديه ناجية بن جندب هذا.
وخرج صلى الله عليه وسلم من المدينة لهلال ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم
دعى بالبدن فجللت، ثم أشعر بنفسه منها عدة، وهي موجهات إلى القبلة
في الشق الأيمن، ثم أمر ناجية بن جندب بإشعار ما بقي، وقلدت نعلا نعلا
وهي سبعون بدنة، منها جمل أبي جهل، وقدم ناجية مع الهدي، وكان
معه فتيان من أسلم، فقال ناجية: عطب لي بعير من الهدي حين نظرت إلى
الأبواء، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء فأخبرته فقال: انحرها، واصبغ
قلائدها في دمها، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منها شيئا، وخل
بين الناس وبينها (1).
فلما صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، نحر هدية بذي الحليفة،



(1) (مغازي الواقدي): 2 / 572 - 573.
248
وكان جمل أبي جهل قد غنمه عليه السلام يوم بدر، وكان المسلمون
يغدون عليه، وكان قد ضرب في لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم التي استاق عيينة بن
(حصن)، ولقاحه التي كانت بذي الجدر التي كان ساقها العرينيون (فيها
جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر) (1) وكان نجيبا مهريا، قلده رسول الله
صلى الله عليه وسلم في هديه وأشعره، فلما كانوا بذي الحليفة كان يرعى مع الهدي فشرد
قبل القضية، فلم يقف حتى انتهى إلى دار أبي جهل وعرفوه، وخرج في
إثره عمرو بن غنم السلمي، فأبى أن يعطيه سفهاء من سفهاء مكة، فقال
سهيل بن عمرو: ادفعوه إليه، فأعطوا به مائة ناقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لولا أنا سميناه في الهدي فعلنا، فنحر الجمل عن سبعة، أحدهم أبو بكر
وعمر رضي الله عنهما.
وساق ناجية بن جندب الأسلمي على هديه يسير به أمامه يطلب الرعى
في الشجر، ومعه أربعة فتيان من أسلم، ومعهما أبو رهم وأبو هريرة يسوقان
الهدي، وقلد صلى الله عليه وسلم هديه بيده، فلما طاف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقد
وقف الهدي عند المروة، قال صلى الله عليه وسلم: هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، فنحر
عند المروة (2).
ولما خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه في سنة تسع ليقيم بالناس
الحج، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها النعال وأشعرها بيده
في الجانب الأيمن، واستعمل عليها ناجية بن جندب، وساق صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع ستين بدنة وأشعرها في الجانب الأيمن وقلدها النعال وهو بذي
الحليفة، ويقال أنه ساق مائة بدنة، أشعر بيده، وأمر بأن يشعر ما



(1) زيادة يقتضيها السياق من مغازي الواقدي)، (طبقات ابن سعد).
(2) (مغازي الواقدي): 2 / 573 - 574، (طبقات ابن سعد): 2 / 95 - 96.
249
فضل من البدن ناجية بن جندب، واستعمله على الهدي، فساقه إلى المنحر
حتى نحر صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثة وستين بدنة، ثم أعطى رجلا فنحر ما بقي،
وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه يقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنة وهي
تعتب في العقل.

250
فصل في ذكر صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إعلم أنه قد تقدم من طريق الواقدي أن صاحب البدن هو ناجية (بن
جندب)، وقد ورد أن ذئيبا الخزاعي توجه أيضا بالبدن، فأما ناجية فهو
ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن وائلة بن سهم بن مازن بن
سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي، كان اسمه ذكوان، فسماه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ناجية حين نجا من قريش، مات في خلافة معاوية رضي الله عنه (1).
ووقع في موطأ مالك رحمه الله تعالى، من حديث هشام بن عروة، عن
أبيه قال: إن صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! كيف أصنع
بما عطب من الهدي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بدنة عطبت من الهدي
فانحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها. كذا
وقع هذا الحديث في الموطأ مرسلا (2)، وأسنده جماعة من الحفاظ (3) رووه



(1) له ترجمة في: (الإصابة): 6 / 399 - 401، ترجمة رقم (8648)، (الإستيعاب): 4 / 1522
- 1523، ترجمة رقم (2650).
(2) (موطأ مالك): 262، كتاب الحج، العمل في الهدي إذا عطب أو ضل، حديث رق (858).
(3) (سنن أبي داود): 2 / 368، كتاب مناسك الحج، باب (19) في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ،
حديث رقم (1762)، وفيه: " ثم اصبغ نعله في دمه، ثم خل بينه وبين الناس ". قال الخطابي: إنما
أمره بأن يصبغ نعله في دمه ليعلم المار به أنه هدي فيتجنبه إذا لم يكن محتاجا، ولم يكن مضطرا
إلى أكله.
وفي قوله: " خل بينه وبين الناس " دلالة على أنه لا يحرم على أحد أن يأكل منه إذا احتاج إليه،
وإنما حظر على سائقه أن يأكل دونهم. وقال مالك بن أنس: فإن أكل شيئا كان عليه البدل. (معالم
السنن).
وأخرجه الترمذي في (السنن): 3 / 253، كتاب الحج، باب (71)، ما جاء إذا عطب الهدي ما
يصنع به، حديث رقم (910)، (ثم قال): وفي الباب عن ذؤيب أبي قبيصة الخزاعي.
قال أبو عيسى: حديث ناجية حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. قالوا في
هدي التطوع إذا عطب: لا يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته، ويخلي بينه وبين الناس يأكلونه، وقد
أجزأ عنه، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقالوا: إن أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه.
وقال بعض أهل العلم: إذا أكل من هدي التطوع شيئا، فقد ضمن الذي أكل.
وأخرجه مسلم في كتاب الحج من (الصحيح)، باب (66) ما يفعل بالهدي إذا عطب بالطريق،
حديث رقم (1325).
وفيه فوائد، منها: أنه إذا عطب الهدي وجب ذبحه وتخليته للمساكين، ويحرم الأكل منها عليه،
وعلى رفقته الذين معه في الركب، سواء كان الرفيق مخالطا له أو في جملة الناس من غير مخالطة،
والسبب في نهيهم قطع الذريعة لئلا يتوصل بعض الناس إلى نحره أو تعييبه قبل أوانه.
واختلف العلماء في الأكل من الهدي إذا عطب فنحره، فقال الشافعي: إن كان هدي تطوع له أن
يفعل فيه ما شاء من بيع وذبح وأكل وإطعام وغير ذلك، ولو تركه ولا شئ عليه في ذلك لأنه ملكه.
وإن كان هديا منذورا لزمه ذبحه، فإن تركه حتى هلك لزمه ضمانه، كما لو فرط في حفظ الوديعة
حتى تلفت. فإذا ذبحه غمس نعله التي قلده إياها في دمه، وضرب بها صفحه سنامه، وتركه
موضعه، ليعلم من مر به أنه هدي فيأكله.
ولا يجوز للمهدي ولا لسائق هذا الهدي وقائده الأكل منه، ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقا،
لأن الهدي مستحق للمساكين، فلا يجوز لغيرهم، ويجوز للفقراء من غير أهل هذه الرفقة. وفي
المراد بالرفقة وجهان، بسط القول فيهما في (مسلم بشرح النووي): 9 / 85.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1036، كتاب المناسك، باب (101) في الهدي إذا
عطب، حديث رقم (3105).
251
عن هشام بن عروة عن ناجية الأسلمي صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم
سفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينة، ووهيب بن خالد، وخرجه
النسائي وغيره.
وروى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث وزاد فيه: لا تأكل
منها أنت ولا أحد من رفقتك. وهو حديث اختلف فيه عنه، وطائفة روت
عنه ما يدل على أن ناجية بن جندب الأسلمي حدثه، وطائفة روت عنه أن
دوسا الخزاعي حدثه، وذؤيب هذا ربما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا معه هديا،
فسأله ابن عباس رضي الله عنهما كما سأل ناجية، وهو ذؤيب بن حلحلة،

252
ويقال: ذؤيب بن حبيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد
الله بن قمير بن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن
عمرو بن عامر الخزاعي الكعبي، صاحب إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يبعث
معه الهدي ويأمره إن عطب منه شئ قبل محله أن ينحره، ويخل بين
الناس وبينه (1).
روى سعيد عن قتادة، عن سنان بن سلمة عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: إن ذؤيبا أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه
بالبدن ثم يقول: إن عطب منها شئ قبل محله فخشيت عليه موتا
فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها، ولا تطعمها
أنت ولا أحد من أهل رفقتك (2).
وقد وقع في هذا الحديث من رواية إسماعيل بن عليه، حدثنا أبو
السياج عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعث بثمان عشرة بدنه مع رجل، فأمره فيها بأمره، فانطلق ثم رجع
إليه فقال: أرأيت إن عطب مني شئ؟ قال: فانحرها ثم اصبغ نعلها في
دمها، ثم اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل
رفقتك.
ورواه حماد بن زيد، حدثنا أبو الساج عن موسى بن سلمة قال:
خرجت أنا وسنان بن سلمة، ومعنا بدنتان، فأرجفتا علينا بالطريق، فلما
قدمنا مكة، أتينا ابن عباس رضي الله عنهما، فسألناه فقال: () (3)



(1) له ترجمة في: (الإستيعاب): 2 / 464 - 465، ترجمة رقم (708)، (الإصابة): 2 / 422،
ترجمة رقم (2491).
(2) (المرجع السابق)، ترجمة رقم (2491).
(3) بقدر هذا البياض كلمتان لم أجد لهما توجيها.
253
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا الأسلمي، وبعث معه بثماني عشرة بدنة، فقال:
يا رسول الله! أرأيت إن أرجف على منها شئ بالطريق؟
قال: تنحرها وتصبغ نعلها، أو قال: تغمس نعلها في دمها، فتضرب بها
على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك.
وروى شعبة وسعد بن عروبة عن قتادة عن سنان بن سلمة، عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: إن ذؤيب الخزاعي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يبعث معه بالبدن ثم يقول: إذا عطب شئ منها فخشيت عليه موتا
فانحره، ثم اغمس نعله في دمه، ثم اضرب صفحته، ولا تطعم منها ولا
أحد من أهل رفقتك.
قال أبو عمر بن عبد البر: قوله: ولا أحد من أهل رفقتك، لا توجد إلا
في حديث ابن عباس هذا بهذا الإسناد عن موسى بن سلمة، وليس ذلك
في حديث هشام بن عروبة عن أبيه عن ناجية، وهو عندنا أصح من حديث
ابن عباس عن ذؤيب، وعليه العمل عند الفقهاء، ومن جملة النظر أهل
رفقته وغيرهم في ذلك سواء، ويدخل في قوله عليه السلام: وخل بين
الناس وبينه يأكلونه، أهل رفقته وغيرهم.
وشهد ذؤيب فتح مكة، وكان يسكن قديدا، وعاش إلى زمن معاوية
وجعل أبو حاتم الرازي ذؤيب بن حبيب غير ذؤيب بن حلحلة، فقال:
ذؤيب بن حبيب الخزاعي أحد بني مالك بن أقعي صاحب هدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم روى عن ابن عباس، ثم قال: ذؤيب بن حلحلة بن عمرو الخزاعي أحد
بني عمير، شهد الفتح، وهو والد قبيصة بن ذؤيب، روى عنه ابن عباس.
قال ابن عبد البر: ومن جعل ذؤيبا هذا رجلين فقد أخطأ ولم يصب،
والصواب ما ذكرنا، يعني مما تقدم في خبره ونسبته، وبالله توفيقنا (1).



(1) (الإستيعاب): 2 / 464 - 465، ترجمة رقم (718).
254
فصل في ذكر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إعلم أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم مائة،، وكان له صلى الله عليه وسلم منائح سبع،
وقيل عشر (1).
خرج الحاكم من حديث لقيط بن صبرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لنا غنم
مائة، وسيأتي بطوله إن شاء الله تعالى. وخرجه البخاري في الأدب المفرد،
من حديث إسماعيل عن عاصم بن لقيط عن صبره عن أبيه.
قال ابن سعد عن الواقدي عن إبراهيم بن سويد الأسلمي، عن عباد بن
منصور، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم
سبعة أعنز (منائح) (2) ترعاهن أم أيمن (3).
وقال الواقدي عن عبد الملك بن سليمان بن أبي المغيرة، عن محمد بن
عبد الله بن الحصين قال: كانت منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بأحد، وتروح
في كل ليلة إلى البيت الذي يبيت فيه (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (4).
قالوا: وكانت منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة،
وورسة، وإطراف، وإطلال (5).



(1) كان له من الغنم مائة، وكان له منائح سبع من غنم.
(2) زيادة للسياق من (عيون الأثر).
(3) (عيون الأثر): 2 / 323، ذكر خيله صلى الله عليه وسلم وما له من الدواب والنعم، (زاد المعاد): 1 / 135،
(طبقات ابن سعد): 1 / 495.
(4) (طبقات ابن سعد): 1 / 495 - 496، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(5) (طبقات ابن سعد): 1 / 495، ذكر منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم، (الوافي): 1 / 91.
255
وعن وجيهة (1)، كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعنز سبع، وكان الراعي يبلغ بهن
مرة الجماء، ومرة أحدا ويروح (بهن) (2) علينا (3).
وقد روي أنه كان له صلى الله عليه وسلم شاه يختص بشرب لبنها تدعى غيثة،
(وقيل (4): غوثة) (5). وكان له صلى الله عليه وسلم ديك أبيض (6)، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم
اقتنى من النغر (7) شيئا.
وقيل: كانت له شاة تسمى غوثة، وقيل غيثة، وعنز تسمى اليمن (8)،
وشاة تسمى قمرة (9).



(1) وجيهة: مولاة أم سلمة.
(2) زيادة للسياق من (الطبقات).
(3) (طبقات ابن سعد): 1 / 496.
(4) زيادة للسياق من (عيون الأثر): 2 / 233.
(5) (عيون الأثر): 2 / 233، (الوافي): 1 / 91.
(6) (الوافي): 1 / 91.
(7) النغر: طائر كاليمام ونحوه وقد سبق شرحه في الكلام على حديث: " أبا عمير ما فعل النغير ".
(8) (عيون الأثر): 1 / 323.
(9) في (عيون الأثر)، (الطبقات): " شاه تسمى قمر "، وهي التي فقدها يوما فقال: ما فعلت قمر؟
فقالوا: ماتت يا رسول الله، قال: فما فعلتم بإهابها؟ قالوا: ميتة، قال: دباغها طهورها. (طبقات ابن
سعد): 1 / 496.
256
فصل في ذكر حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن
عقبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الصعب بن جثامة قال: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حمى إلا لله ولرسوله (1).
قال البخاري: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع، وأن عمر رضي الله عنه
حمى السرف والربذة. ذكره في كتاب الشرب (2).
وخرجه أبو داود بمثله (3)، وفي لفظ آخر له: أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع،



(1) (فتح الباري): 5 / 56، كتاب المساقاة، باب (11) لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(2370)، (فتح الباري): 6 / 180، كتاب الجهاد والسير، باب (146) أهل الدار يبيتون،
فيصاب الولدان الذراري، حديث رقم (3012).
(2) راجع التعليق السابق.
(3) (سنن أبي داود): 3 / 460 - 461، كتاب الخراج والإمارة، باب (39) في الأرض يحميها الإمام
أو الرجل، حديث رقم (3083).
قال الخطابي: قوله: " لا حمى إلا لله ولرسوله "، يريد: لا حمى إلا على معنى ما أباحه رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وعلى الوجه الذي حماه، وفيه إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من ذلك، وكان الرجل
العزيز منهم إذا انتجع بلدا مخصبا، أوفى بكلب على جبل، أو على نشر (مكان مرتفع) من
الأرض، ثم استعوى الكلب ووقف له يسمع منتهى صوته بالعواء، فحيث انتهى صوته حماه من
كل ناحية لنفسه، ومنع الناس منه.
فأما ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمهازيل إبل الصدقة ولضعفي الخيل كالنقيع (وهو مكان معروف
مستنقع للمياه ينبت فيه الكلأ)، وقد يقال إنه مكان ليس بحد واسع يضيق بمثله على المسلمين
المرعى فهو مباح، وللأئمة أن يفعلوا ذلك على النظر، ما لم يضيق منه على العامة المرعى، وهذا
الكلام الذي سقته معنى كلام الشافعي في بعض كتبه. (معالم السنن).
وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في (الأموال): 271، باب حمى الأرض ذات الكلأ والماء،
حديث رقم (728).
قال أبو عبيد: وتأويل الحمى المنهي عنه فيما نرى - والله أعلم -: أن تحمى الأشياء التي جعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم الناس فيها شركاء، وهي الماء، والكلأ، والنار.
257
وقال: لا حمى إلا لله عز وجل (1)، وخرجه النسائي ولفظه: لا حمى إلا لله
ولرسوله (2).
وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة عن شعيب بن شداد قال: لما مر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع منصرفه من المريسيع، ورأى سعة وكلأ، وغدرا
كثيرة (3) تتناخس (4)، وخبر بمراءته (5) وبراءته (6) فسأل عن الماء، فقيل يا
رسول الله! إذا صفنا (7) قلت المياه وذهبت الغدر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
حاطب بن أبي بلتعة أن يحفر بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى واستعمل عليه
بلال بن الحارث المزني، فقال بلال: يا رسول الله، وكم أحمى منه؟ قال:
أقم رجلا صيتا إذا طلع الفجر على هذا الجبل، يعني مقملا، فحيث انتهى
صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها، قال بلال: يا رسول
الله! أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟ فقال: لا تدخلها، قلت: يا رسول
الله! أرأيت المرأة والرجل الضعيف يكون له الماشية اليسيرة، وهو يضعف
عن التحول؟ قال: دعه يرعى (8).



(1) (سنن أبي داود): 3 / 461 - 462، كتاب الخراج والإمارة، باب (39) في الأرض يحميها الإمام
أو الرجل، حديث رقم (3084).
(2) قال المنذري: وأخرجه النسائي في (الكبرى)، ولم يذكر النقيع.
(3) الغدر: جمع غدير، وهو القطعة من الماء يغادرها السيل.
(4) تتناخس: أي يصب بعضها ببعض.
(5) مرات الأرض مراءة أي حسن هواؤها، وكلأ مرئ: غير وخيم.
(6) براءة: مصدر من برئ بمعنى خلا، أي لا صاحب له.
(7) صفنا: جاء علينا الصيف بحرارته الشديدة.
(8) (مغازي الواقدي): 2 / 425.
258
فلما كان زمان أبي بكر رضي الله عنه، حماه على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
حماه، ثم كان عمر رضي الله عنه، فكثرت به الخيل، وكان عثمان رضي
الله عنه فحماه أيضا (1).
حدثنا عمر بن شيبة، حدثنا معن، حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن
ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع للخيل،
وحمى الربذة للصدقة.
حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن جميل
قال: إن رسول الله حمى وادي النقيع للخيل المضمرة.
وخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عباس
ابن أبي ربيعة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن
الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا لله
ولرسوله. قال: وهو صحيح الإسناد (2).
وبلال بن الحارث بن عصم بن سعيد بن قرة (بن خلاوة بن ثعلبة بن
ثور) (3) أبو عبد الرحمن المزني وفد سنة خمس في وفد مزينة، وكان أحد
من حمل ألوية مزينة يوم الفتح، وهو في الطبقة الثالثة من المهاجرين،
(وله) (4) سماع من النبي صلى الله عليه وسلم ورواية عنه، روى عنه الحارث بن بلال،
وعلقمة بن وقاص، وغيرهما. (وروى) له أبو داود والترمذي والنسائي



(1) (مغازي الواقدي): 2 / 425 - 426.
(2) (المستدرك): 2 / 70، كتاب البيوع، حديث رقم (2358)، ثم قال: قد اتفقا على حديث يونس
عن الزهري بإسناده: لا حمى إلا لله ولرسوله، ولم يخرجاه هكذا وهو صحيح الإسناد، وقال الذهبي
في (التلخيص): على شرط البخاري ومسلم، وأخرجا منه آخره.
(3) زيادة للنسب من (الإصابة).
(4) زيادة للسياق.
259
وابن ماجة، توفي سنة ستين عن ثمانين سنة (1).
(والنقيع) بالنون، على عشرين فرسخا من المدينة، عرض ميل في طول
بريد، وفيه شجر، وهو أخصب واد هناك، وهو غور في صدر وادي العقيق،
(قال) الخطابي (2): من قاله بالباء فقد صحف، (وقال) البكري: هو بالباء
مثل بقيع الغرقد، (وذكر) في كتاب الأصيلي بالفاء بدلا من القاف بعد
النون، وهو تصحيف، (ومعنى) حمى النقيع: جعله محظورا لا يقرب
مرعاه (3).



(1) له ترجمة في: (الإصابة): 1 / 326، ترجمة رقم (734)، (الإستيعاب): 1 / 183، ترجمة رقم
(215)، (الثقات): 3 / 28، (الجرح والتعديل): 2 / 395، (تهذيب التهذيب): 1 / 440،
ترجمة رقم (929)، (الوافي بالوفيات): 10 / 277، (الإعلام): 1 / 381 (شذرات الذهب):
1 / 65، (المصباح المضئ): 1 / 132، (أسماء الصحابة الرواة): 176، ترجمة رقم (216)،
(2) هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، من ولد زيد بن الخطاب، والخطابي بفتح الخاء وتشديد
الطاء نسبة إلى جده الخطاب المذكور، يكنى أبو سليمان البستي بضم الباء وسكون السين، نسبة
إلى بست، وهي مدينة من بلاد كابل.
كان محدثا فقيها، وأديبا شاعرا لغويا، روى عنه أبو عبد الله بن البيع المعروف بالحاكم
النيسابوري وغيره، قال عنه الحافظ السمعاني: كان حجة صدوقا.
من مؤلفاته: (غريب الحديث)، وهو غاية في الحسن والبلاغة، وله (أعلام السنن) شرح
البخاري، و (معالم السنن) شرح سنن أبي داود، وكتاب (إصلاح غلط المحدثين) وغير ذلك.
ولد في رجب سنة 319 ه‍ في بلدة بست، وتوفي فيها سنة 388 ه‍، رحمه الله. مقدمة (سنن
أبي داود): 1 / 11.
(3) (معجم البلدان): 5 / 348 - 349، موضع رقم (12121).
260
فصل في ذكر ديك رسول الله صلى الله عليه وسلم
(حدثنا) (1) عبد المنعم بن بشير أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا عبد الله
ابن سعد قال: أخبرنا أبي: قال أبو الدرداء: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما زلت
بالأشواق إلى الديك الأبيض، مذ رأيت ديك الله تعالى تحت عرشه ليلة
أسرى بي، ديكا أبيض، زغبه أخضر كالزبرجد، وعرفه ياقوتة حمراء،
وعيناه من ياقوتتين حمراوين، ورجلاه من ذهب أحمر في تخوم الأرض
السفلى، وتحت العرش عنقه أحسن شئ رأيته، ومنقاره من ذهب يتلألأ
نورا، فإذا كان في الثلث (الأول) نشر جناحيه وخفق بهما وقال: سبحان
ذي الملك والملكوت، يقول ذلك ثلاث مرات من أول الليل، فإذا خفق
خفقت الديوك في الأرض، وصرخت كصراخه، فإذا كان في الثلث
الأوسط، فعل مثل ذلك وقال: سبحان من لا ينام ولا يسأم، يقول ذلك
ثلاثا، فتجيبه الديوك في الأرض، فإذا كان في الثلث الأخير، فعل ذلك
وقال: سبحان من هو قائم قيوم، سبحان من نامت العيون وعين سيدي لا
تنام، سبحان الدائم القيوم، سبحان من خلق الصباح بإذنه، لا إله إلا هو
سبحانه. قال: فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ديكا أبيض وقال: الديك الأبيض
صديقي، وصديق صديقي، وعدو عدوي، والله تعالى يحرس دار صاحبه،
وعشرا عن يمينها، وعشرا عن يسارها، وعشرا (بين يديها) (2)، وعشرا من
خلفها، وكان صلى الله عليه وسلم يبيته معه في البيت (3).



(1) زيادة للسياق.
(2) زيادة للسياق.
(3) (الموضوعات): 2 / 6 - 7، باب ما ذكر أن في السماء ديكا، قال ابن الجوزي - وقد ذكر باب فضل
الديك، باب فضل الديك الأبيض الأفرق -: هذه أحاديث أحاديث كلها
موضوعة.
261
فصل في ذكر طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إعلم) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل على مائدة وعلى الأرض، وكانت له
قصعة كبيرة، وأكل خبز الشعير، وأتدم بالخل، وأكل القثاء والدباء،
والسمن والأقط والحيس، والزبد واللحم والقديد، والشواء ولحم الدجاج،
ولحم الحبارى، وأكل الخبيص والهريسة، وعاف أكل الضب واجتنب ما
تؤذي رائحته، وأكل الجمار والتمر، والقنب والرطب والبطيخ، وكان يحب
الحلواء والعسل، وجمع بين إدامين، ولم يأكل متكئا ولا صدقة.
(فأما المائدة)
فقد خرج البخاري من حديث الحسن بن مهران قال: سمعت فرقدا
صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلت على مائدته.
ومن حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل
على سكرجة قط، ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان، قيل لقتادة:
فعلى م كانوا يأكلون؟ قال: على السفر. ذكره في الأطعمة (1).
وخرج ابن حيان من حديث سليم الأعور، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس على الأرض ويأكل
على الأرض (2).



(1) (فتح الباري): 9 / 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرفق والأكل على الخوان والسفرة،
حديث رقم (5386)، باب (23) ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون. حديث رقم (5415)،
11 / 329، كتاب الرقاق باب (16) فضل الغفر، حديث رقم (6450).
(2) (أخلاق النبي): 64، 197، (كنز العمال): حديث رقم (18482).
262
(وأما القصعة والجفنة)
فخرج ابن حيان من حديث عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، حدثنا
محمد بن عبد الرحمن الحمصي قال: سمعت عبد الله بن بشير المازني
يقول: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال (1).
ومن حديث يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن عبد الرحمن عن
عبد الله بن أنس رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جفنة لها أربع
حلق (2).
(قال مؤلفه) عفى الله عنه: سيأتي ذكر القصعة الغراء في ذكر
المعجزات عند ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بما يفتح الله عليه لأمته، إن شاء الله تعالى.
(وأما أنه صلى الله عليه وسلم لم يشبع من طعام)
فخرج البخاري في كتاب الأطعمة من حديث محمد بن فضيل عن أبيه
عن أبي حازم رضي الله عنه قال: ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام
حتى قبض (3).
وخرج مسلم من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم، عن أبي هريرة
رضي الله تعالى عنه قال: والذي نفسي بيده (وقال ابن عباد: والذي نفس
أبي هريرة بيده)، ما أشبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز



(1) سبق تخريجه. *
(2) (كنز العمال): حديث رقم (18594).
(3) (فتح الباري): 9 / 646، كتاب الأطعمة، باب (1) قوله الله تعالى: (كلوا من طيبات ما
رزقناكم)، وقوله: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم).
وقوله: (كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم)، حديث رقم (5374). والذي
يظهر أن سبب عدم شبعهم غالبا كان بسبب قلة الشئ عندهم، على أنهم كانوا قد يجدون.
ولكن يؤثرون على أنفسهم (فتح الباري).
263
حنطة حتى فارق الدنيا (1).
وخرج في (الشمائل) من حديث قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: إن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف
قال عبد الله بن عبد الرحمن: قال بعضهم: هو كثرة الأيدي (2).
(وقال مالك بن دينار: سألت رجلا من أهل البادية ما الضفف؟ قال:
تناوله مع الناس) (3).
(وخرج البخاري) (4) من حديث ابن أبي ذؤيب عن سعيد المقبري، عن
أبي هريرة رضي الله عنه أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه. فأبى
أن يأكل وقال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، ولم يأكل من خبز
الشعير. ذكره في (كتاب) (4) الأطعمة، في باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه يأكلون (5).
(وخرج الترمذي) (4) من حديث هلال بن حباب، عن عكرمة، عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعات
طاويا، وأهله لا يجدون عشاءا، وكان أكثر خبزهم الشعير. قال: هذا



(1) (مسلم بشرح النووي): 18 / 318، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2976)، وما بين
الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(2) (الشمائل المحمدية): 318 - 319، حديث رقم (377).
(3) العبارة التي بين الحاصرتين ذكرها عقب الحديث رقم (73) من (الشمائل المحمدية): 79، من
حديث جعفر بن سليمان الضبعي، عن مالك بن دينار قال: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز قط ولا
لحم إلا على ضفف.
(4) زيادة للسياق والبيان.
(5) (فتح الباري): 9 / 686 كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون،
حديث رقم (5414)، قوله: " فدعوه فأبى أن يأكل "، ليس هذا من ترك إجابة الدعوة، لأنه في
الوليمة، لا في كل الطعام وكأن أبا هريرة رضي الله عنه استحضر حينئذ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه من
شدة العيش. فزهد في أكل الشاة، ولذلك قال: " خرج ولم يشبع من خبز الشعير " (فتح الباري).
264
حديث حسن صحيح (1).
(وخرج) (2) البخاري من حديث هشام الدستوائي، عن قتادة عن أنس
رضي الله عنه، أنه مشى إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن
النبي صلى الله عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودي، وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد
سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد صاع بر، ولا صاع حب، وإن عنده
لتسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب البيوع، في باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم
بالنسيئة (3). (وخرجه) الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (4).
(وخرج البخاري) (2) من حديث همام بن يحيى، حدثنا قتادة قال: كنا
نأتي أنس بن مالك رضي الله عنه وخبازه قائم فقال: كلوا، فما أعلم النبي
صلى الله عليه وسلم رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط، ذكره
في الرقاق في باب: كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم من
الدنيا (5).



(1) (سنن الترمذي): 4 / 501، كتاب الزهد، باب (38) ما جاء في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله حديث
رقم (2360).
(2) زيادة للسياق والبيان.
(3) (فتح الباري): 4 / 379، كتاب البيوع، باب (14) شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، حديث رقم
(2069)، 5 / 175، كتاب الرهن، باب (1) في الرهن في الحضر، وقوله الله عز وجل: (وإن كنتم
على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) (البقرة: 283)، حديث رقم (2508). والإهالة: ما
أذيب من الشحم والإلية، وسنخة: أي متغيرة الريح. (فتح الباري).
(4) (سنن الترمذي): 3 / 519 - 520، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى
أجل، حديث رقم (1215)، وأخرجه النسائي في (السنن): 7 / 332 - 333، كتاب البيوع، باب
(59) الرهن في الحضر، حديث رقم (6424).
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 815، كتاب الرهون، باب (1) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة،
حديث رقم (2436)، (2439).
(5) (فتح الباري): 11 / 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6457).
265
(وخرجه) (1) بهذا الإسناد في كتاب الأطعمة في باب شاة
مسموطة (2)، (وذكره) (3) في الأطعمة أيضا في باب الخبز المرقق، والأكل
على الخوان والسفرة، ولفظه: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة
مسموطة حتى لقي الله (4).
(وخرج البخاري) والنسائي من حديث عبد الوارث، حدثنا سعيد بن
أبي عروبة، عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على
خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات. ذكره البخاري في باب
فضل الفقر (5)، وذكره النسائي في كتاب الوليمة (6).
(وخرجه) من حديث أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل
أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين
ابتعثه الله حتى قبضه الله، (قال:) فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله
حتى قبضه الله، قال: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا
نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه فأكلناه. ذكره في الأطعمة
وكرره (7).



(1) زيادة للسياق والبيان.
(2) (فتح الباري): 9 / 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرقق والأكل على الخوان والسفرة،
حديث رقم (5385).
(3) زيادة للسياق والبيان.
(4) (المرجع السابق): باب (26) شاة مسموطة والكتف والجنب، حديث رقم (5421).
(5) (فتح الباري): 11 / 329، كتاب الرقاق، باب (16)، فضل الفقر، حديث رقم (6450).
(6) لعله في (الكبرى).
(7) (فتح الباري): 9 / 685، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث
رقم (5413).
266
(وخرجه) من حديث جرير، عن منصور، عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر
ثلاث ليال تباعا حتى قبض. ذكره في الأطعمة (1) وفي الرقاق (2).
(وخرجه) مسلم من حديث الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة رضي الله عنها. قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من
خبز حتى مضى لسبيله (3).
ومن حديث أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن
الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز شعير
يومين متتابعين حتى قبض (4).
وللبخاري (5) ومسلم (6) من حديث سفيان عن عبد الرحمن بن عابس
عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز
مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق الله تعالى (وقال ابن كثير: أخبرنا سفيان،
حدثنا عبد الرحمن بن عابس بهذا) (7).



(1) (فتح الباري): 9 / 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث
رقم (5416).
(2) (فتح الباري): 11 / 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه،
وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6454).
(3) (مسلم بشرح النووي): 18 / 315، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (21).
(4) (المرجع السابق)، حديث رقم (22).
(5) (فتح الباري): 9 / 689، كتاب الأطعمة، باب (27) ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم
من الطعام واللحم وغيره، حديث رقم (5423)، وفي باب (36) المرق. حديث رقم (5438)،
وفي كتاب الأيمان والنذور، باب (22) وإذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز، وما يكون فيه الأدم،
حديث رقم (6687).
(6) أخرجه مسلم في الزهد، وقال فيه: " من خبز وزيت ".
(7) زيادة للسياق من البخاري.
267
ولمسلم، قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مرقوق ثلاث. وله من
حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ما شبع
آل محمد من خبز البر ثلاثا حتى مضى لسبيله (1).
وللبخاري من حديث مسعود بن كدام، عن هلال عن عروة عن عائشة
رضي الله عنها قالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر (2).
وخرجه مسلم ولفظه: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما
تمر (3).



(1) (مسلم بشرح النووي): 18 / 315، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (24).
(2) (فتح الباري): 11 / 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6455).
(3) (مسلم بشرح النووي): 18 / 316، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2971).
268
وأما ائتدامه صلى الله عليه وسلم بالخل
فخرج ابن حيان من حديث ياسين بن معاذ، عن عطاء عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: كان أحب الصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخل (1).
وللترمذي من حديث أبي بكر بن عياش، عن أبي حمزة الثمالي، عن
الشعبي، عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: دخل على
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هل عندكم) شئ؟ فقلت: لا، إلا (كسر يابسة) وخل،
فقال: (قريبه)، فما أفقر بيت من أدم فيه خل. (قال أبو عيسى) هذا
حديث حسن غريب من حديث أم هانئ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأبو
حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبي صفية، وأم هانئ ماتت بعد علي رضي
الله عنه بزمان (2).
ولمسلم من حديث أبي عوانة عن أبي (بشر) عن أبي سفيان عن جابر
ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما
عندنا إلا خل، فدعا به، فجعل يأكل به (ويقول): نعم الأدم الخل، نعم
الأدم الخل (3).



(1) (أخلاق النبي): 212، وإسناده ضعيف، قاله العراقي. قال الزبيدي: ورواه كذلك أبو نعيم في
الطب، والمراد به ما يصبغ الخبر. فيكون إداما له، قد ورد: نعم الإدام الخل. (إتحاف السادة المتقين):
8 / 240، (كنز العمال). حديث رقم (18166).
(2) (سنن الترمذي): 4 / 246، كتاب الأطعمة، باب (35) ما جاء في الخل، حديث رقم (1841)،
وما بين الحاصرتين تصويبات منه.
ثم قال أبو عيسى بعد قوله: وأم هانئ ماتت بعد علي بن أبي طالب بزمان: وسألت محمدا عن
هذا الحديث، قال: لا أعرف للشعبي سماعا من أم هانئ، فقلت أبو حمزة كيف هو عندك؟ فقال
أحمد ابن حنبل: تكلم فيه، وهو عندي مقارب الحديث.
(3) (مسلم بشرح النووي): 14 / 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث
رقم (2052).
وفي الحديث فضيلة الخل، وأنه سمى أدما، وأنه أدم فاضل جيد. قال أهل اللغة: الإدام بكسر
الهمزة: ما يؤتدم به، يقال: أدم الخبز بأدمه بكسر الدال، وجمع الإدام أدم بضم الهمزة والدال
ككتاب وكتب.
وفيه استحباب الحديث على الأكل تأنيسا للآكلين. وأما معنى الحديث، فقال الخطابي والقاضي
عياض: معناه مدح الاقتصار في المأكل، ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة، تقديره ائتدموا بالخل وما في
معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده، ولا تتأنقوا في الشهوات، فإنها مفسدة للدين، مسقمة للبدن.
هذا كلام الخطابي ومن تابعه، والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار
في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر، والله تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي)،
وأخرجه أبو داود في (السنن): 4 / 169 - 170، باب (40) في الخل، حديث رقم (3820)،
(3821) كلاهما عن جابر.
269
ومن حديث إسماعيل بن علية، عن المثنى بن سعيد قال: حدثني طلحة
ابن نافع أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (أخذ) رسول
الله صلى الله عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله فأخرج إليه فلق من خبز فقال: هل من
أدم؟ قالوا: إلا شئ من خل، قال: فإن الخل نعم الأدم. قال جابر: فما زلت
أحب الخل منذ سمعتها من (نبي)، الله صلى الله عليه وسلم، وقال طلحة: ما زلت أحب
الخل منذ سمعتها من جابر (رضي الله عنه) (1).
ومن حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا حجاج بن أبي زينب قال:
حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما قال: كنت جالسا في داري، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي



(1) (مسلم بشرح النووي): 14 / 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث
رقم (167).
وأما قول جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم، فهو كقول أنس رضي الله عنه
ما زلت أحب الدباء، وهذا مما يؤيد ما قلناه في معنى الحديث أنه مدح للخل نفسه، وقد ذكرنا مرات
أن تأويل الراوي إذ لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه، والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء
والأصوليين، وهذا كذلك، بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ، فيتعين اعتماده. والله تعالى أعلم
(شرح النووي على صحيح مسلم).
270
فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا، حتى أتى بعض نسائه، فدخل ثم
أذن لي، فدخلت الحجاب عليها، فقال: هل من غداء؟ فقالوا: نعم، فأتى
بثلاثة أقرص، فوضعن على شئ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرصا فوضعه بين
يديه، وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يدي، ثم أخذ الثالث فكسره باثنين،
فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يدي، ثم قال: هل من أدم؟ فقالوا: لا،
إلا شئ من خل، قال: هاتوه، فنعم الأدم هو (1).



(1) (مسلم بشرح النووي): 14 / 251 - 252، كتاب الأشربة، باب (3) فضيلة الخل والتأدم به،
حديث رقم (169).
271
وأما أكله القثاء
فخرج البخاري من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد الله بن
جعفر رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء (1). وخرجه
مسلم بهذا السند ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب (2).
وخرجه أبو داود (بمثله) سواء (3).
وللترمذي من حديث محمد بن إسحاق، عن أبي عبيدة بن محمد بن
عمار بن ياسر، عن الربيع بنت معوذ قالت: بعثني معاذ بن عفراء بقناع من
رطب وعليه أجرى من قثاء زغب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القثاء، فأتيته
بها، وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين، فملأ يده منها
فأعطاينه (4).



(1) (فتح الباري): 6 / 704، كتاب الأطعمة، باب (39) القثاء بالرطب، حديث رقم (5440)، باب
(45) القثاء، حديث رقم (5447)، باب (47) جمع اللونين أو الطعامين بمرة، حديث رقم
(5449).
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 238 - 239. كتاب الأشربة، باب (23) أكل القثاء بالرطب،
حديث رقم (243)، وفيه جواز أكلهما معا، وأكل الطعامين معا، والتوسع في الأطعمة، ولا خلاف
بين العلماء في جواز هذا، وما نقل عن بعض السلف من خلاف ذلك فمحول علي كراهة اعتياد
التوسع والترفه والإكثار منه لغير مصلحة دينية، والله تعالى أعلم. (شرح النووي).
(3) (سنن أبي داود): 4 / 176، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين لونين في الأكل، حديث
رقم (3835).
(4) (الشمائل المحمدية): 167 - 168، ما جاء في فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (203)، وهو
حديث ضعيف تفرد به الترمذي، وحديث رقم (204) وجاء في (سنن الترمذي): 4 / 247،
كتاب الأطعمة، باب (37) ما جاء في أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (1844): حدثنا إبراهيم
ابن سعد عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب. قال أبو عيسى:
هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن سعد.
والقناع: الطبق يؤكل فيه. و " أجرى من قثاء ": أجر جمع جرو، وهو الصغير من القثاء ومن كل
شئ من الفاكهة و " زغب ": الزغب من القثاء: التي يعلوها الوبر، وهو الشعيرات الصغيرة التي
يعلوها مثل زغب الوبر، والزغب هو الشعيرات الصغيرة التي تعلو النسيج، فإذا كبرت القثاء تساقط
زغبها وأصحبت ملساء. و " حلية " أي ذهبا.
272
ولابن حيان من حديث يحيى بن هشام، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب،
والقثاء بالبلح (1).



(1) (أخلاق النبي): 215 - 216.
273
وأما أكله الدباء
فخرج البخاري (1) من حديث ابن عون قال: كنت غلاما أمشي مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل على غلام له خياط، فأتاه بقصعة فيها طعام، وعليه
دباء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء، فلما رأيت ذلك جعلت أجمعه
بين يديه، فأقبل الغلام على عمله. قال أنس رضي الله عنه: لا أرى إلا حب
الدباء بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع ما صنع. ترجم عليه باب: من
أضاف رجلا إلى طعام وأقبل (هو) على عمله. وخرجه في باب (المرق)،.
(وفي باب القديد)
وخرجه مسلم من حديث أبي أسامة، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت
عن أنس رضي الله عنه قال: دعى رسول الله رجل فانطلقت معه، فجئ
بمرقة فيها دباء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل من ذلك الدباء ويعجبه (قال)،
فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه، فقال أنس رضي الله عنه:
فما زلت بعد يعجبني الدباء (2).



(1) (فتح الباري): 9 / 655، كتاب الأطعمة، باب (4) من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم
يعرف منه كراهية، حديث رقم (5379)، باب (35) من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على
عمله، حديث رقم (5435)، وهو الحديث المذكور في الباب، باب (36) المرق، حديث رقم
(5436)، باب (37) القديد، حديث رقم (37) باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على
المائدة شيئا، حديث رقم (5439)، وقال في آخره " وقال ثمامة عن أنس: فجعلت أجمع الدباء بين
يديه ".
الدباء - بضم المهملة وتشديد الموحدة - هو القرع، وقيل: خاص بالمستدير منه، وهو
اليقطين أيضا، واحدة دباة ودبة.
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 235، كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل المرق، واستحباب أكل
اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا، وإن كانوا ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام،
حديث رقم (144)، (145)، كلاهما عن أنس لكن بسياقتين مختلفتين.
274
ومن حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ثابت البناني وعاصم
الأحول عن أنس رضي الله عنه قال: إن رجلا خياطا دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فذكره، وزاد ثابت: فسمعت أنسا يقول: فما صنع لي طعام بعد أقدر على
أن يصنع فيه دباء إلا صنع (1).
وخرجه مالك في الموطأ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: أنه
سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: إن خياطا دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لطعام صنعه، قال أنس رضي الله عنه: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك
الطعام، فقرب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء، قال أنس رضي الله عنه:
فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد
ذلك اليوم (2).
قال ابن عبد البر: هكذا هو الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما
علمت بهذا الإسناد، وزاد بعضهم فيه ذكر القديد.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد،
عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وعنده
هذه الدباء، فقلت: أي شئ هذا؟ قال: هذا القرع نكثر به طعامنا.



(1) (المرجع السابق)، آخر أحاديث الباب بدون رقم، وفي هذه الأحاديث من الفوائد: إجابة الدعوة،
وإباحة كسب الخياط، وإباحة المرق، وفضيلة أكل الدباء، وأنه يستحب أن يحب الدباء، وكذلك كل
شئ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، وأنه يحرص على تحصيل ذلك، وأنه يستحب لأهل المائدة إيثار
بعضهم بعضا إذا لم يكرهه صاحب الطعام.
وأما تتبع الدباء من حوالي الصحفة، فيحتمل وجهين: أحدهما من حوالي جانبه وناحيته من
الصحفة، لا من حوالي جميع جوانبها، وإنما نهى عن ذلك لئلا يتقذره جليسه، ورسول الله * لا
يتقذره أحد، بل يتبركون بآثاره صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى الله عليه وسلم ونخامته، ويدلكون بذلك
وجوههم، وشرب بعضهم بوله، وبعضهم دمه، وغير ذلك مما هو معروف من عظيم اعتنائهم بآثاره
صلى الله عليه وسلم. (شرح النووي على صحيح مسلم).
(2) (موطأ مالك): 372، كتاب النكاح، حديث رقم (1150).
275
وخرجه النسائي ولفظه: فرأيت عنده دباء مقطع، فقلت: ما هذا؟ قال:
نكثر به طعامنا (1).
(وخرج الترمذي) من حديث الليث عن معاوية بن صالح عن أبي
طالوت قال: دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو يأكل القرع
وهو يقول: يا لك شجرة! ما أحبك (إلا) لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك. وفي
الباب عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: حديث غريب من هذا الوجه (2).
(قال) ابن عبد البر: ومن صريح الإيمان حب ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى إلى قول أنس رضي الله عنه: فلم أزل
أحب الدباء بعد ذلك اليوم؟



(1) وخرجه أبو داود في (السنن): 4 / 146 - 147، كتاب الأطعمة، باب (22) في أكل الدباء،
حديث رقم (3782).
(2) (سنن الترمذي): 4 / 250، 251، كتاب الأطعمة، باب (42) ما جاء في أكل الدباء، حديث
رقم (1849)، حديث رقم (1850)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى هذا
الحديث من غير وجه عن أنس، وروى أنه رأى الدباء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما هذا؟ قال:
هذا الدباء نكثر به طعامنا، وفي بعض النسخ: " ما أحبك إلي ".
276
وأما الضب
فخرج البخاري من حديث شعبة، حدثنا جعفر بن إياس قال: سمعت
سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أهدت أم حفيد خالة
ابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطا، وسمنا (وأضبا)، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط
والسمن، وترك الأضب تقذرا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فأكل على
مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وخرجه أبو داود بهذا الإسناد وقال: إن خالته أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
ذكره البخاري في كتاب الهبة (3). (وخرجه) مسلم من حديث شعبة عن
أبي أشتر، عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما
يقول: أهدت خالتي أم حفيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث بنحوه (4).
(وخرجه) البخاري أيضا في كتاب الأطعمة (5) وفي كتاب الاعتصام، من



(1) (فتح الباري): 5 / 254، كتاب الهبة، وفضلها والتحريض عليها باب (7) قبول الهدية، حديث
رقم (2575).
(2) (سنن أبي داود): 4 / 153، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضب، حديث رقم (3793)،
حديث رمق (3794)، حديث رقم (3795).
(3) سبق تخريجه.
(4) (مسلم بشرح النووي): 13 / 103 - 109، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب،
حديث رقم (1945)، حديث رقم (1947).
(5) (فتح الباري): 9 / 679، كتاب الأطعمة، باب (14) الشواء، حديث رقم (5400)، باب
(16) الأقط، حديث رقم (5402).
277
حديث أبي عوان عن أبي بشر (1).



(1) (فتح الباري): 13 / 407، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (24) الأحكام التي تعرف
بالدلائل، وكيف معنى الدلالة، وتفسيرها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمر الخيل وغيرها، ثم سئل عن الحمر
فدلهم على قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره) وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب فقال: لا آكله
ولا أحرمه، وأكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم الضب. فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام، حديث رقم
(7358).
وأخرجه النسائي في (السنن) 7 / 224 - 227، كتاب الصيد، باب (26) الضب، من
حديث رقم (4325) إلى حديث رقم (4333).
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1078 - 1080، كتاب الصيد، باب (16) الضب، من
حديث رقم (3238)، إلى حديث رقم (3242).
وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ): 687 - 688، ما جاء في أكل الضب، من حديث رقم
(1761)، إلى حديث رقم (1763).
وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف): 5 / 122 - 124، باب (9)، ما قالوا في أكل الضب،
من حديث رقم (24331) إلى حديث رقم (24353).
قال الخطابي: وقد اختلف الناس في أكل الضب، فرخص فيه جماعة من أهل العلم، وروي ذلك
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وإليه ذهب مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي، وكرهه
قوم روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقد روى في النهي عن لحم
الضب حديث ليس إسناده بذلك، ذكره أبو داود في هذا الباب. (معالم السنن).
278
وأما أكله الحيس
فقد خرج أبو داود من حديث عمرو بن سعيد، عن رجل من أهل
البصرة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أحب الطعام
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز الثريد من الحيس (1). (قال أبو داود:
وهو ضعيف) (2).
وخرجه ابن حيان ولفظه: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد
من التمر ومن الحيس (3).
وخرج النسائي من حديث ابن الأحوص، عن طلحة بن يحيى (بن
طلحة) عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل على رسول الله
صلى الله عليه وسلم (يوما) فقال: هل عندكم شئ؟ فقلت: لا، قال صلى الله عليه وسلم: فإني صائم،
ثم مر بي بعد ذلك وقد أهدي لنا حيس، فخبأت له منه، وكان يحب
الحيس، قلت: يا رسول الله! إني أهدي لنا حيس فخبأت لك منه، قال:
أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم، وأكل منه ثم قال: أما مثل
صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن



(1) (سنن أبي داود): 4 / 147، كتاب الأطعمة، باب (23) حديث رقم (3783).
(2) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(3) (أخلاق النبي): 193، 201، 211، (إتحاف السادة المتقين): 8 / 239، وأخرجه الحاكم في
(المستدرك): 4 / 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7117) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد
ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص: صحيح.
279
شاء حبسها (1).



(1) (سنن النسائي) 4 / 506 - 508، كتاب الصيام، باب (67) النية في الصيام والاختلاف على
طلحة بن يحيى بن طلحة في خبر عائشة حديث رقم (2321)، حديث رقم (2322)، حديث رقم
(2323)، وحديث رقم (2324)، وحديث رقم (2325)، وحديث رقم (2327)، وحديث
رقم (2329) بسياقات مختلفة عن عائشة رضي الله عنها.
و (مسلم بشرح النووي): 7 / 282 - 283، كتاب الصيام، باب (32) جواز النافلة بنية من
النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نقلا من غير عذر، حديث رقم (169)، حديث رقم (190).
و (سنن الترمذي): 4 / 111، كتاب الصوم، باب (35) صيام المتطوع بغير نية، حديث رقم
(734)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
و (سنن أبي داود): 2 / 824 - 825، كتاب الصوم، باب (72) الرخصة في (النية في
الصيام)، حديث رقم (2455).
280
وأما أكله الثفل
فقد خرج الحاكم من حديث عباد بن العوام، عن حميد، عن أنس رضي
الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الثفل، قال: فسمعت أبا محمد
يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثفل هو الثريد (1).
ومن حديث المبارك بن سعيد، عن عمر بن سعيد، عن عكرمة عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإن عمر بن سعيد
هذا، هو أخو سفيان والمبارك ابنا سعيد (2).
وخرج ابن حيان من حديث المبارك هذا، عن عمر، عن عكرمة قال:
صنع سعيد بن جبير طعاما ثم أرسل إلى ابن عباس: ائتني أنت ومن
أحببت من مواليك، فجاء وجئنا معه، فقال له: ائتنا، فإنه كان أحب
الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز (3).
وللترمذي من حديث العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن (أبي) سيبويه
أبي الهذيل، حدثنا عبيد الله بن عكراش عن أبيه عكراش (بن ذؤيب)
قال: بعثني بنو مرة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمت
(عليه) المدينة، فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، ثم أخذ بيدي،



(1) (المستدرك): 4 / 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7116).
(2) (المستدرك): 4 / 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7117)، وقال الذهبي في (التلخيص):
صحيح.
(3) (أخلاق النبي): 193، 201) 211، (سنن أبي داود) % 4 / 147، كتاب الأطعمة، باب (23)
في أكل الثريد، حديث رقم (3783) قال أبو داود: وهو ضعيف.
281
فانطلق بي إلى بيت أم سلمة، فقال: هل من طعام؟ فأتتنا بجفنة كثيرة
الثريد والوذر (1)، وأقبلنا نأكل منها، فحطت بيدي من نواحيها، وأكل
رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه، فقبض (بيده اليسرى على يدي اليمنى) ثم
قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد، ثم أتينا بطبق فيه
ألوان من الرطب أو من التمر - شك عبيد الله - قال: فجعلت آكل من بين
يدي، وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق وقال: (يا عكراش) كل من
حيث شئت، فإنه غير لون واحد، ثم أتينا بماء، فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يديه، ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: يا عكراش، هذا
الوضوء مما غيرت النار.
قال أبو عيسى: (هذا) حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن
الفضل، وقد تفرد العلاء بهذا الحديث، ولا يعرف لعكراش عن النبي صلى الله عليه وسلم
غير هذا الحديث (2).
(ومن حديث) زيد بن ثابت رضي الله عنه، لم يدخل منزل النبي صلى الله عليه وسلم
هدية، أول هدية دخلت بها عليه، قصعة مثرودة خبزا وسمنا ولبنا،
فأضعها بين يديه فقلت: يا رسول الله! أرسلت بهذه القصعة أمي، فقال:
بارك الله فيك، ودعا أصحابه فأكلوا، فلم أرم البيت حتى جاءت قصعة
سعد بن عبادة، على رأس غلام مغطاة، فوضعت على باب أبي أيوب،
وأكشف غطاءها لأنظر إليها، فرأيت عراق لحم، فدخل بها على رسول الله



(1) الوذر: قطع اللحم التي لا عظم فيها، والواحدة: وذرة.
(2) (سنن الترمذي): 4 / 249 - 250، كتاب الأطعمة، باب (41) ما جاء في التسمية في الطعام،
حديث رقم (1848)، وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1089، 1090 كتاب الأطعمة، باب
(11) الأكل مما يليك، حديث رقم (3274).
282
صلى الله عليه وسلم فقال زيد: فلقد كنا بني البخار ما من ليلة إلا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم
منا الثلاثة والأربعة، يختلفون الطعام يتناوبون بينهم، حتى تحرك رسول الله
صلى الله عليه وسلم من بيت أبي أيوب، وكان مقامه فيه سبعة أشهر، وما كانت تخطئه
جفنة سعد بن عبادة، وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة (1).



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 237.
283
وأما أكله اللحم
فقد اتفقا على حديث الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أنه
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده، فدعى إلى الصلاة، فألقاها
والسكين التي كان يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ (1). وفي لفظ: أنه
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم
يتوضأ (2). وفي لفظ آخر: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها،
فدعى إلى الصلاة، فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ (3).
(وخرج مسلم) من حديث بكير بن اللشيح عن كريب، عن ميمونة
رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفا، ثم صلى ولم
يتوضأ (4).



(1) (فتح الباري): 9 / 683، كتاب الأطعمة، باب (20) قطع اللحم بالسكين، حديث رقم
(5408)، باب (58) إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه، حديث رقم (5462).
(2) (فتح الباري): 1 / 411، كتاب الوضوء، باب (50) من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق،
حديث رقم (208).
(3) (فتح الباري): 9 / 688 - 689، باب (26) شاة مسموطة والكتف والجنب، حديث رقم
(5422).
وأخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب (43) إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل،
حديث رقم (675)، وفي كتاب الجهاد والسير، باب (92)، ما يذكر في السكين، حديث رقم
(2923)، وفي كتاب الأطعمة، باب (18) النهش وانتشال اللحم، حديث رقم (5404)،
(5405) بسياقات مختلفة.
وأخرج مسلم ما اتفق مع البخاري فيه من أحاديث الباب في: (صحيح مسلم): كتاب الحيض،
باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (91)، (92)، (93).
(4) (مسلم بشرح النووي): 4 / 285، كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث، رقم (356).
284
(وله) من حديث سعيد بن أبي هلال، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي
رافع، عن أبي عطفان، عن أبي رافع قال: أشهد لقد كنت أشوى لرسول
الله صلى الله عليه وسلم بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ (1).
(ولأبي داود) من حديث (مسعر) عن أبي (صخرة) جامع بن شداد،
عن المغيرة بن عبد الله، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ضفت (2)
النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجل يحز (لي) بها
منه، فجاء بلال فآذنه بالصلاة (قال): فألقى الشفرة وقال: ما له! تربت
يداه (3)، وقام يصلي (4).



(1) (المرجع السابق)، حديث رقم (357).
(2) أي كنت ضيفا عليه صلى الله عليه وسلم.
(3) قوله: " تربت يداه ": كلمة يقولها العرب عند اللوم والتأنيب، ومعناه الدعاء عليه بالفقر والعدم،
وهم يطلقونها في كلامهم، وهم لا يريدون وقوع الأمر، ولما كثر ذلك في كلامهم ودام استعمالهم له
في خطابهم صار عندهم بمعنى اللغو، كقولهم: لا والله، وبلى والله، وذلك من لغو اليمين الذي لا
اعتبار به ولا كفارة فيه، ويقال: ترب الرجل إذا افتقر، وأترب إذا استغنى، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
فعليك بذات الدين تربت يداك. (معالم السنن).
وفي الخبر دليل على أن الأمر بالوضوء مما غيرت النار استحباب لا أمر إيجاب، وفيه جواز قطع
اللحم بالسكين، وقد جاء النهي عنه في بعض الأحاديث، ورويت الكراهة فيه والأمر النهي، ويشبه
أن يكون المعنى في ذلك كراهية زي العجم واستعمال عاداتهم في الأكل، (ولا سيما أنهم يقطعون
باليد اليمنى ويأكلون باليد اليسرى، وذلك منهي عنه في شرع ديننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم).
(4) (سنن أبي داود): 1 / 131 - 132، كتاب الطهارة، باب (75) ترك الوضوء مما مست النار،
حديث رقم (188)، وزاد في آخره: وكان شاربي وفي فقصه لي على سواك، أو قال: أقصه لك على
سواك.
وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 244، كتاب الأطعمة، باب (34)، ما جاء في أي اللحم
كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (1837)، قال: وفي الباب عن ابن مسعود، وعائشة،
وعبد الله بن جعفر، وأبي عبيدة. قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، وأبو حيان اسمه يحيى
ابن سعيد بن حيان، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير اسمه هرم.
وأخرجه النسائي في (السنن): 1 / 116، كتاب الطهارة، باب (123) ترك الوضوء مما
غيرت النار، حديث رقم (182)، (183) وانفرد به النسائي.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 1 / 164 - 165، كتاب الطهارة وسننها، باب (16) الرخصة
في (ترك الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (488)، (491)، (493).
285
(وخرج الحاكم) من حديث ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق،
عن عبد الرحمن بن معاوية، عن عثمان بن أبي سليمان، عن صفوان بن
أمية قال: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم، وآخذ اللحم من العظم (بيدي) فقال:
(يا صفوان، قلت: لبيك) قال: أدن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ.
(خرجه الحاكم وقال: حديث صحيح (1).
(ومن) حديث زهير عن ابن إسحاق عن سعد بن عياض، عن عبد الله
ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عراق
الشاة. (قال: صحيح) الإسناد، وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراع (2).
(وخرج) من حديث سفيان، حدثنا مسعر قال: سمعت رجلا من تيم
يقول: سمعت عبد الله بن جعفر رضي الله عنه يقول: كنا عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأتي بلحم، فجعل القوم يلقمون اللحم، فقال صلى الله عليه وسلم: أطيب اللحم
لحم الظهر (3).
(ومن) حديث خالد بن عبد الله عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلحم، فرفعت إليه الذراع،



(1) (سنن الترمذي): 4 / 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ما جاء في أي اللحم كان أحب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (1837)، (1838)، (سنن أبي داود): 4 / 146، كتاب الأطعمة،
باب (21) في أكل اللحم، حديث رقم (378).
(2) (المستدرك): 4 / 244، حديث رقم (7097) بسياقة أخرى، وحديث رقم (7099) بسياقة
وطريق أخرى.
(3) (سنن الترمذي): 4 / 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ما جاء في أي اللحم كان أحب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (1837).
286
وكانت تعجبه (فنهس منها) (1).
(وللترمذي) من حديث إبان بن يزيد، عن قتادة عن شهر بن حوشب
عن أبي عبيد قال: طبخت للنبي صلى الله عليه وسلم قدرا، وكان يعجبه الذراع، فناولته
الذراع ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، ثم قاله: ناولني الذراع، فقلت: يا
رسول الله! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والذي نفسي بيده لو سكت
لناولتني الذراع ما دعوت (2).



(1) زيادة للسياق من (سنن الترمذي)، (الشمائل المحمدية): 140، حديث رقم (168)، وهو
حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهم من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة.
(2) (الشمائل المحمدية): 141، حديث رقم (170)، وهو حديث صحيح لغيره، وتفرد به الترمذي،
وفي سنده ضعف، فرجاله ثقات غير شهر بن حوشب، فهو ضعيف، وقال عنه الحافظ: صدوق كثير
الإرسال والأوهام، وللحديث شواهد لصحة هذه القصة:
فقد أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند): 2 / 144، حديث رقم (507) وفيه:
" فقال: وأبيك لو سكت ما زلت أناول منها ذراعا ما دعوت به "، فقال سالم: أما هذه فلا سمعت عبد
الله بن عمر يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، 3 / 322 -
323، حديث رقم (10328)، 4 / 535 - 536، حديث رقم (15537).
وأبو نعيم في (دلائل النبوة): 2 / 436، الفصل الثالث والعشرون، ذكر الأخبار التي أخرجتها
أسلافنا في جملة دلائله صلى الله عليه وسلم: قصة أذرع وأكتاف الشاة، حديث رقم (346).
وتفرد أبو نعيم بالحديث رقم (347) من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعجبه من الشاة إلا الكتف، وذبح ذات يوم شاة فقال: يا غلام ائتني
بالكتف فأتاه بها، ثم قال له أيضا، فأتاه بها، ثم قال له أيضا، فأتاه بها، ثم قال: يا رسول الله! ذبحت
شاة واحدة، وقد أتيتك بثلاثة أكتاف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو سكت لجئت بها ما دعوت.
قال الشيخ: ووجه الدلالة من هذا الإخبار إعلامه صلى الله عليه وسلم فضيلته بأن الله تعالى يعطيه إذا سأل ما لم
تجر العادة به، تفضيلا له وتخصيصا، ليكون ذلك آية له في نفسه، ورفعه له في مرتبته، وإبانة له في
الكرامة عن الخليقة، أن لو التمس أذرعا لكان الله تعالى يجيبه إلى مسألته.
وأخرجه أبو محمد عبد الله الدارمي في (السنن): 1 / 22. وبهذه الطرق نجد أن قصة الذراع
صحيحة، والحمد لله تعالى.
287
() من حديث طالوت بن عباد، حدثنا سعيد بن
راشد حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف (1).
(وخرج) الحاكم من حديث عبدان قال: (أنبأنا) (2) الفضل بن موسى
قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما، أتوا بيت أبي أيوب،
فلما أكلوا وشبعوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: خبز، ولحم، وتمر (وبسر) (3) ورطب إذا
أصبتم مثل هذا، فضربتم بأيديكم فكلوا باسم الله، وبركة الله (4). قال:
هذا حديث صحيح الإسناد (ولم يخرجاه) (3).
ومن حديث مسدد، حدثنا يحيى بن سليم المكي، حدثنا إسماعيل بن
كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وافد بني المنتفق
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نصادفه في منزله،
وصادفنا عائشة (أم المؤمنين) فأمرت لنا بحريرة، فصنعت لنا، وأتتنا
بقناع - والقناع الطبق فيه تمر - ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل أصبتم
شيئا أو آمر لكم بشئ؟ فقلنا: نعم يا رسول الله، فبينما نحن مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم: جلوس، قال: فدفع الراعي غنمه إلى المراح، ومعه سخلة (تنفر) (3)،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ولد ت يا فلان؟ قال (3): (بهمة) قال صلى الله عليه وسلم: فاذبح
لنا مكانها شاة (ثم أقبل علينا) (3) فقال: لا تحسبن أنا من أجلكم
ذبحناها، لنا غنم مائة ولا نريد أن تزيد، فإذا (ولد الراعي بهمة ذبحنا
مكانها) شاة، (قال) (1) قلت: يا رسول الله، إن لي امرأة (فذكر من طول



(1) راجع التعليق السابق وما بين الحاصرتين مطموس بالأصلين بقدر كلمتين.
(2) في (ج): " أخبرنا "، وما أثبتناه من (المستدرك).
(3) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(4) (المستدرك): 4 / 120، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7084)، وقال الذهبي في (التلخيص):
صحيح.
288
لسانها وبذائها، فقال: طلقها، فقلت:) (1) إن لي منها ولدا، قال: فمرها
يقول عظها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضرب
أمتك، قال: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء،
وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. قال الحاكم: هذا
حديث صحيح الإسناد (2). (ولم يخرجاه).
ومن حديث عفان بن مسلم، حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن
نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما قتل أبي.. فذكر
الحديث بطوله، وقال فيه: قلت لامرأتي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيئنا اليوم
نصف النهار، فلا تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تكلميه، قال: فدخل وفرشت
له فراشا ووسادة، فوضع رأسه ونام، فقلت لمولى لي: اذبح هذا العناق،
وهي داجن سمينة، والوحا والعجل، افرغ قبل أن يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا منها وهو نائم، فقلت له: إن رسول الله
إذا استيقظ يدعو بالطهور، وإني أخاف إذا فرغ أن يقوم فلا يفرغن من
وضوئه حتى نضع العناق بين يديه، فلما قام (قال:) (3) يا جابر ائتني
بطهور، فلم يفرغ من وضوئه (4) حتى وضعت العناق بين يديه، فنظر إلي
وقال: كأنك قد علمت حبنا اللحم (5)، أدع لي أبا بكر، ثم دعا حوارييه
الذين معه، فدخلوا، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: بسم الله، كلوا،
فأكلوا حتى شبعوا، وفضل منها لحم كثير. وذكر باقي الحديث. قال
الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد (1)، (ولم يخرجاه) (2).



(1) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(2) (المستدرك): 4 / 123، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7094)، وقال الذهبي في (التلخيص):
صحيح، وما بين الحاصرتين زيادة من (المستدرك).
(3) زيادة للسياق من (المستدرك).
(4) كذا في (ج)، وفي (المستدرك): " من طهوره ".
(5) في (المستدرك): " كأنك عملت حيسا بلحم "، وما أثبتناه من (ج)، وهو أجود للسياق.
289
(وله) من حديث حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر
رضي الله عنه قال: أمرني أبي بحريرة فصنعت، ثم أمرني فحملتها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو في منزله، فقال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ قلت:
لا يا رسول الله، ولكنها حريرة أمر بها أبي فصنعت، ثم أمرني فحملتها
إليك، ثم رجعت إلى أبي فقال: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم،
قال: فما قال لك؟ قلت: قال لي: ألحم هذا يا جابر؟ قال أبي: عسى أن
يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهى اللحم، فقام إلى داجن له فذبحها وشواها، ثم
أمرني بحملها إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جزى الله الأنصار عنا خيرا، ولا
سيما عبد الله بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة. قال الحاكم: هذا
حديث صحيح الإسناد (3). (ولم يخرجاه) (2).
وله من حديث علي بن عاصم، حدثنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس
قال: سمعت أنسا رضي الله يقول: أنفجت أرنبا بالبقيع، فاشتددنا في
إثرها، فكنت فيمن اشتد، فسبقتهم إليها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة،
فأمر بها فذبحت ثم شويت، فأخذ عجزها فأرسل به معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: ما هذا؟ قلت: عجز أرنب، بعث بها أبو طلحة إليك، فقبله مني.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، (ولم يخرجاه) (4).



(1) (المستدرك): 4 / 123 - 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7096)، قال الذهبي في
(التلخيص): صحيح.
(2) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(3) (المستدرك): 4 / 124 - 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7099)، قال الذهبي في
(التلخيص): صحيح.
(4) (المستدرك): 4 / 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7100)، وقال الذهبي في (التلخيص):
صحيح.
290
وأما أكله القلقاس
فقال الدولابي (1): أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم القلقاس فأكله
وأعجبه وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض، فقال صلى الله عليه وسلم، إن شحمة الأرض
لطيبة.
وأما أكله القديد
فخرج البخاري من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة، أنه سمع أنسا رضي الله عنه يقول: إن خياطا دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لطعام صنعه له، فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد.. الحديث، وترجم
عليه باب: من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، (وذكره) في باب
من يتبع حوالي القصعة مع صاحبه، (وذكره) في البيوع في باب: الخياط،
(وذكره) في الأطعمة في باب: القديد، (وخرجه) مسلم وأبو داود بنحوه
أو قريبا منه (1).



(1) هو أبو بشر، محمد بن أحمد بن حماد أبو سعيد الدولابي، نسبة إلى الدولاب - (وهي قرية من
أعمال الري، وبالأهواز قرية يقال لها: الدولاب) - مولى الأنصار، ويعرف بالوراق، أحد الأئمة من
حفاظ الحديث، وله تصانيف حسنة في التاريخ وغير ذلك وروى عنه جماعة كثيرة منهم الطبراني،
وأبو حاتم بن حبان البستي، توفي وهو قاصد الحج بين مكة والمدينة في ذي القعدة سنة (310)، له
ترجمة في (البداية والنهاية): 11 / 165، (سير الأعلام): 14 / 309، (الوافي بالوفيات): 2 /
36، (ميزان الاعتدال): 4 / 459، (وفيات الأعيان): 4 / 352 - 353، (شذرات الذهب) 2 /
260.
291
(وخرج) ابن حيان من حديث الحسن بن واقد قال: أخبرنا أبو الزبير عن
جابر رضي الله عنه قال: أكلنا القديد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وقد) أورد
مالك رضي الله تعالى عنه هذا الحديث كما تقدم أولا (1).
(قال) ابن عبد البر: هكذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته (و) زاد
العقبي وابن بكير في حديث مالك هذا الحديث عن إسحاق عن أنس
رضي الله عنه، ذكر القديد فقالا: بطعام فيه دباء وقديد (و) تابعهما على
ذلك قوم، منهم أبو نعيم.
وأما أكله المن
فخرج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون فقال: أخبرنا سفيان
- يعني ابن حسين - عن علي بن زيد، عن أنس رضي الله عنه قال: أهدى
الأكيدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرة من من، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الصلاة، مر على القوم، فجعل يعطي كل رجل منهم قطعة، وأعطى جابرا
رضي الله عنه قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أخرى، فقال: إنك قد
أعطيتني مرة، فقال صلى الله عليه وسلم هذه لبنات عبد الله (2).



(1) سبق تخريجه.
(2) (مسند أحمد): 3 / 571، حديث رقم (11815).
292
وأما أكله الجبنة
فخرج الإمام أحمد من حديث شريك عن جابر، عن عكرمة عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في غزاة، فقال صلى الله عليه وسلم: أين
صنعت هذه؟ قالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة، فقال صلى الله عليه وسلم:
اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم الله تعالى وكلوا (1) - (ذكره شريك
مرة أخرى فزاد فيه - يضربونها بالعصي) (2).
ومن حديث وكيع، حدثنا إسرائيل عن جابر عن عكرمة، عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجبنة فجعل أصحابه يضربونها
بالعصي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوا السكين، واذكروا اسم الله تعالى
وكلوا (3).
(قال) الواقدي: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبنة بتبوك، فقالوا: يا رسول الله!
إن هذا طعام تصنعه فارس، وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ضعوا فيه السكين واذكروا اسم الله تعالى (4).
(وخرج) أبو داود من حديث إبراهيم بن عيينة، عن عمرو بن منصور،
عن الشعبي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في
تبوك فدعى بسكين، فسمى وقطع (5).
(قال:) الخطابي: إن ما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم



(1) (مسند أحمد): 1 / 498، حديث رقم (2750).
(2) زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(3) (مسند أحمد): 1 / 387، حديث رقم (2081).
(4) (مغازي الواقدي): 3 / 1019.
(5) (سنن أبي داود): 4 / 169، كتاب الأطعمة، باب (39) أكل الجبن، حديث رقم (3819).
293
من الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالأنافح (1)، وكان من
المسلمين من يشاركهم في صنعه الجبن، فأباحه النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهر الحال،
ولم يمتنع من أكله، من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه (2).
(قال مؤلفه) عفى الله عنه: في دعوى أبي سليمان (3) رحمه الله، أن
من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن، يتوقف على النقل،
ولم يكن إذ ذاك بفارس ولا بالشام أحد من المسلمين، فتأمله.
(وقد) خرج هذا الحديث أبو حاتم البستي، (وقال) أبو حاتم الرازي:
الشعبي لم يسمع من ابن عمر رضي الله عنهما. (وقال) غير واحد: إنه
سمع عليه () إبراهيم بن عيينة، أخو سفيان بن عيينة (4).
وأما أكله الشواء
فقد تقدم حديث أبي رافع: أشهد كنت أشوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن
الشاة (5). (و) حديث المغيرة: ضفت النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بجنب فشوي (6).



(1) الأنافح: جمع إنفحة، وهي جزء في معدة الحيوان ذي الكرش، وهي شئ يستخرج، ويعصر في
صوفه مبتلة في اللبن، فيغلظ كالجبن، وينفحة: لغة فيها - (لسان العرب): 2 / 624 مختصرا.
(2) (معالم السنن): 4 / 169، (على هامش سنن أبي داود).
(3) هو الخطابي، صاحب (معالم السنن). شرح (سنن أبي داود).
(4) (علل الحديث لابن أبي حاتم): 2 / 6، علل أخبار الأطعمة، حديث رقم (1488).
(5) سبق تخريجه.
(6) (الشمائل المحمدية): 139، حديث رقم (167) وهو حديث صحيح الإسناد، وللترمذي في
(السنن): 4 / 240، كتاب الأطعمة، باب (27) ما جاء في أكل الشواء حديث رقم (1829) من
حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها.
294
(و) حديث أنس رضي الله عنه: أنفجت (1) أرنبا، وفيه: فذبحت ثم
شويت (2).
(وخرج) الترمذي من حديث ابن لهيعة عن سليمان بن زياد، عن
عبد الله بن الحارث قال: أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شواء في المسجد (3).
وأما أكله الدجاج
فخرج البخاري من حديث سفيان، عن أيوب عن أبي قلابة عن
زهدم الجرمي، عن أبي موسى (الأشعري) رضي الله عنه قال: رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يأكل دجاجا، لم يذكر غير هذا. ذكره بطوله في باب:
لا تحلفوا بآبائكم، في كتاب: الخمس (4). (و) ذكره مسلم من



(1) أنفجت: أثرت.
(2) أخرجه البخاري في الهبة، والذبائح، ومسلم في الصيد، والترمذي في الأطعمة، والنسائي في
الصيد.
ووقع في (الهداية) للحنفية: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الأرنب حين أهدى إليه مشويا، وأمر أصحابه
بالأكل منه. (فتح الباري): 9 / 826، كتاب الذبائح والصيد، باب (32) الأرنب، تعليقا على
الحديث رقم (5535).
(3) (الشمائل المحمدية): 138 - 139، حديث رقم (166)، وهو ضعيف الإسناد، في إسناده عبد الله
بن لهيعة وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1100، كتاب
الأطعمة، باب (29) الشواء، حديث رقم (3311)، قال في (الزوائد): في إسناده ابن لهيعة وهو
ضعيف.
وخرج أبو داود في (السنن): 4 / 152، كتاب الأطعمة، باب (27) في أكل الأرنب، (حديث
رقم (3791) عن أنس قال: كنت غلاما حزورا (مراهقا حاذقا) فصدت أرنبا فشويتها، فبعث معي
أبو طلحة بعجزها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته بها فقبلها.
(4) هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب (15) ومن الدليل على أن الخمس
لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم....، حديث رقم (3133)، وفيه: " فأتى
ذكر دجاجة وعنده رجل من بني تيم الله أحمر كأنه من الموالي، فدعاه للطعام "، وفي كتاب المغازي،
باب (75) قدوم الأشعريين وأهل اليمن، حديث رقم (4385)، وفيه: " وإنا لجلوس عنده وهو
يتغدى دجاجا "، وفي كتاب الذبائح والصيد، باب (26) لحم الدجاج، حديث رقم (5517)،
وفيه: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل دجاجا "، وحديث رقم (5518)، وفيه: " فأتي صلى الله عليه وسلم بطعام فيه لحم
دجاج "، وفي كتاب الأيمان والنذور، باب (4) لا تحلفوا بآبائكم، حديث رقم (6646)، وفيه:
" فقرب إليه صلى الله عليه وسلم طعام فيه لحم دجاج "، وفي باب (21) الكفارة قبل الحنث وبعده، حديث رقم
(6721)، وفيه: " وقدم من طعامه لحم دجاج "، وفي كتاب التوحيد، باب (56) قول الله تعالى:
(والله خلقكم وما تعملون)، (إنا كل شئ خلقناه بقدر)....، حديث رقم (7555)، وفيه:
" فقريب إليه الطعام فيه لحم دجاج ".
وأخرجه مسلم من طرق: عن القاسم بن عاصم، عن زهدم الجرمي، وعن أبي قلابة والقاسم
التميمي عن زهدم الجرمي، وعن مطر الوراق عن زهدم الجرمي، (مسلم بشرح النووي):
11 / 121 - 123، كتاب الأيمان، باب (3) ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها وأن يأتي
الذي هو خيرا ويكفر عن يمينه، حديث رقم (9) وما بعده (بدون أرقام). وزهدم الجرمي: هو بزاي
مفتوحة ثم هاء ساكنة، ثم دال مهملة مفتوحة. وفي الحديث إباحة لحم الدجاج وملاذ الأطعمة،
ويقع اسم الدجاج على الذكور والإناث، وهو بكسر الدال وفتحها. (مسلم بشرح النووي).
295
طرق (2).
(وخرجه) الدارمي بهذا السند، ولفظه: قال: كنا عند أبي موسى رضي
الله عنه، فقدم طعامه لحم دجاج، وفي القوم رجل من بني تيم الله أحمر
فلم يدن، فقال له أبو موسى رضي الله عنه: أدن، فإني رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأكل منه (3). (وفي) رواية عن أبي موسى رضي الله عنه: أنه ذكر
الدجاج فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكله (4).



(3) (سنن الدارمي): 2 / 102، باب في أكل الدجاج.
(4) (المرجع السابق): 2 / 103.
وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 239، كتاب الأطعمة، باب (25) ما جاء في أكل الدجاج،
حديث رقم (1826)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن
زهدم، ولا نعرفه إلا من حديث زهدم، وأبو العوام هو عمران القطان وحديث رقم (1827)، قال أبو
عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، وقد روى أبو داود السختياني هذا الحديث حسن صحيح، وقد
روى السختياني هذا الحديث أيضا عن القاسم التميمي وعن أبي قلابة عن زهدم.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 5 / 536، حديث رقم (19025)، 5 / 540، حديث رقم
(19060)، 5 / 555، حديث رقم (19142).
296
وأما أكله لحم الحبارى
فخرج أبو داود والترمذي، من حديث برية بن عمر بن سفينة عن أبيه
عن جده رضي الله عنه قال: أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم الحبارى (1). (ويروى)
عن برية هذا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدلى، فعبد الرحمن هذا يروي
عن بويه بن عمر، وجعفر بن سليمان (و) عبد السلام بن حرب (و)
سفيان بن عيينة (و) أبو بكر بن عياش رحمهم الله. (ويروي) عنه الفضل
ابن سهل الأعرج (و) أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، (و) يعقوب
(و) عنه الفسوي (و) جماعة. (قال) ابن عدي: روى عن الثقات
أحاديث مناكير، ولم أر له حديثا منكرا يحكم من أجله على ضعفه (2).
(و) برية (قال) البخاري: إسناده مجهول (3).
(وخرج) النسائي في فضائل علي رضي الله عنه، من كتابه



(1) (سنن أبي داود): 4 / 155، كتاب الأطعمة، باب (29) في أكل لحم الحبارى، حديث رقم
(3797)، (سنن الترمذي): 4 / 239، كتاب الأطعمة، باب (26) ما جاء في أكل الحبارى،
حديث رقم (1828).
والحبارى - بضم الحاء بعدها باء موحدة مفتوحة - طائر كبير العنق، رمادي اللون، لحمه بين
الدجاج والبط، وهو من أشد الطير طيرانا.
(2) وأخرجه ابن عدي في (الكامل): 2 / 64، في ترجمة برية بن عمر بن سفينة أبو عبد الله مدني،
اسمه إبراهيم، وبرية لقب غلب عليه. له ترجمة في: (الكامل لابن عدي): 2 / 64 ترجمة رقم
(53 / 296)، (الثقات): 6 / 119، (تهذيب التهذيب): 1 / 379 - 380، ترجمة رقم
(799).
(3) (تاريخ البخاري): 2 / 149، ترجمة رقم (2011).
297
(المجتبى) (1)، حدثنا زكريا بن حيى، حدثنا الحسن بن حماد قال: أخبرنا
مهر بن عبد الملك، عن موسى بن عمر، عن السدي، عن أنس بن مالك
رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر فقال: اللهم ائتني بأحب
خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فرده،
وجاء عمر رضي الله عنه فرده، ثم جاء علي رضي الله عنه فأذن له. (وكان
هذا) الطائر حبارى، أهدي إلى النبي (2).
وأما أكله الخبيص
فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم، عن محمد بن حمزة بن
عبد الله بن سلام، عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان
في بعض أصحابه، إذ أقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه يقود بعيرا عليه
غرارتان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما معك؟ قال: دقيق وعسل وسمن، فقال له:
أنخ، فأناخ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ببرمة عظيمة، فجعل فيها من ذلك
الدقيق والسمن والعسل، ثم أنضجه، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكلوا، ثم قال
لهم: كلوا، فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس. (قال) الحاكم: هذا حديث
صحيح الإسناد (3).
(وقال): محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام هذا، يروي
عنه معمر بن راشد، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن سالم الحمصي.
(قال) أبو حاتم: لا بأس به، له حديث واحد، يعني حديث الخبيص



(1) هو (سنن النسائي) (الصغرى).
(2) لم أجده.
(3) (المستدرك): 4 / 123، حديث رقم (7093)، قال الذهبي في (التلخيص): صحيح.
298
هذا، (و) خرج له ابن ماجة، (و) وقد روى هذا الحديث عن محمد بن
حمزة، الوليد بن مسلم، عنه محمد بن عبد العزيز بن الرملي وفلان،
أخرجا له في الصحيحين.
وأما أكله الهريس
قال الواقدي: ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي القرى، أهدى له بنو عريض
اليهودي هريسا، فأكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم) *
وأطعمهم أربعين وسقا، فهي جارية عليهم، تقول امرأة من يهود: لهذا
الذي صنع بهم محمد، خير مما ورثوه من آبائهم، لأن هذا لا يزال جاريا
عليهم إلى يوم القيامة (1).
وقال البلاذري: وقيل لأم أيوب: أي الطعام كان أحب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما رأيته أمر بطعام يصنع له بعينه، ولا رأيته ذم طعاما قط،
ولكن أبا أيوب أخبرني أنه تعشى معه ليلة في قصعة أرسل بها سعد بن
عبادة، فيها طفشيل. فرآه ينهكها نهكا لم يره ينهكه غيره، فكنا نعملها
له، وكنا نعمل له الهريس فنراه يعجبه، وكان يحضره عشاءه الخمسة إلى
الستة إلى العشرة، يعني مدة مقامه في منزل أبي أيوب (2).
قال: وروي أن أسعد بن زرارة كان يتخذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم الهريس ليلة



* - إلى هنا سقط من النسخة (خ)، واستدركناه من النسخة (ج).
(1) (مغازي الواقدي): 3 / 1006.
وأخرج أبو داود في (السنن): 1 / 60، كتاب الطهارة، باب (38) سؤر الهرة، وفيه: عن أم
صالح بن دينار - " أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضي الله عنها فوجدتها تصلي، فأشارت
إليها أن ضعيها ".
(2) سبق تخريج هذا الخبر.
299
وليلة لا، فإذا كانت الليلة التي يتوقعها فيها قال: هل جاءت قصعة أسعد؟
فقال: نعم، فيقول: هلموا، فيعلم أنها تعجبه (1).
وأما أكله الزنجبيل
فخرج الحاكم من حديث شعبة قال: أخبرني علي بن زيد قال: سمعت
أبا المتوكل يحدث عن أبي سعيد الخدري قال: أهدى ملك الهند إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم جرة فيها زنجبيل، فأطعم أصحابه قطعة قطعة، وأطعمني
منها قطعة. قال الحاكم (رحمه الله تعالى): لم أخرج (من أول هذا
الكتاب إلى هنا لعلي بن زيد بن جدعان (القرشي) حرفا واحدا ولم أحفظ
في أكل الرسول الله صلى الله عليه وسلم (الزنجبيل سواه) فخرجته (2).



(1) سبق تخريج هذا الخبر.
(2) (المستدرك): 4 / 150، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7190) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق
منه، قال الذهبي في (التلخيص): هذا مما ضعفوا به عمرا، تركه أحمد. (وعمرو هذا هو عمرو بن
حكام آخر رواة هذا الحديث قبل شعبة).
300
وأما تقززه أكل الضب وغيره
فخرج البخاري من حديث عبد العزيز بن مسلم، أخبرنا عبد الله بن
دينار (قال): سمعت ابن عمر يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الضب لست آكله
ولا أحرمه (1).
وخرجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار،
أنه سمع ابن عمر يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضب فقال: لست بآكله
ولا محرمه (2).
وأخرجه الترمذي (3) والنسائي (4) من حديث مالك، عن عبد الله بن
دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا
أحرمه. وقال النسائي: سئل وهو على المنبر عن الضب. وقال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح (5).



(1) (فتح الباري): 9 / 827، كتاب الذبائح والصيد، باب (33) الضب، حديث رقم (5536).
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 103 - 104، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب،
حديث رقم (1943).
(3) (سنن الترمذي): 4 / 221 - 222، كتاب الأطعمة، باب (3) ما جاء في أكل الضب، حديث رقم
(1790)، ثم قال: وفي الباب عن عمر، وأبي سعيد، وابن عباس، وثابت بن وديعة، وجابر، وعبد
الرحمن بن حسنة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في أكل الضب، فرخص فيه
بعض أهل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وكرهه بعضهم، ويروى عن ابن عباس أنه قال: أكل
الضب على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما تركه صلى الله عليه وسلم تقذرا.
(4) (سنن النسائي): 7 / 224، كتاب الصيد، باب (26)، الضب، حديث رقم (4325)، وفيه: " لا
آكله ولا أحرمه، وحديث رقم (4326)، وفيه " لست بآكله ولا محرمه ".
(5) راجع التعليق السابق.
301
وخرجه مسلم من حديث الليث، عن نافع عن ابن عمر قال: سأل رجل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه (1).
ومن حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه (2).
وذكره من عدة طرق عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث الليث عن
نافع، غير أن في حديث أيوب عن نافع: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فلم
يأكله ولم يحرمه.
وفي حديث أسامة (3) (عن نافع قال: قام رجل في المسجد، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم على المنبر) (4).
(وخرج ابن حبان في (صحيحة) من حديث أبي خيثمة، حدثنا
وكيع، حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة قال:
غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلنا أرضا كثيرة الضباب ونحن مرملون،
فأصبناها فكانت القدور تغلي بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ فقلنا: ضبابا
أصبناها، فقال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت، وأنا أخشى أن تكون



(1) (مسلم بشرح النووي): 13 / 104، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم
(40).
(2) (المرجع السابق)، حديث رقم (41).
(3) (المرجع السابق).
(4) ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ).
وأخرجه ابن حبان في (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان): 12 / 71 - 72، كتاب
الأطعمة، باب (2) ما يجوز أكله وما لا يجوز، ذكر الإباحة للمرء أكل الضباب إذا لم يتقذرها،
حديث رقم (5264)، وفيه: " (كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي، وحديث رقم (5265)،
وفيه: " لست بآكله ولا محرمه ".
302
هذه، فأمرنا فكفأناها، وإنا لجياع) (1).
وخرج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد، عن أيوب، عن ابن
عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: ليت عندنا خبزة
بيضاء، من برة سمراء، مليئة بسمن فنأكلها، فقام رجل فعملها، ثم جاء
بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فيم كان سمنك؟ قال: في عكة ضب، فعافه النبي
صلى الله عليه وسلم ولم يأكلها (2).
وقال حدثنا مضر بن محمد، سمعت يحيى بن معين يقو ل: أيوب الذي
روى عنه حسين بن واقد عن نافع، عن ابن عمر " ليت لنا خبزة بيضاء "،
ليس هو أيوب السجستاني.
ولمسلم من حديث شعبة، عن توبة العنبري، سمع الشعبي، سمع ابن
عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد، وأتوا بلحم
ضب، فنادت امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم أنه لحم ضب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي (3).



(1) (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان): 12 / 73، كتاب الأطعمة، باب (2) ما يجوز آكله وما لا
يجوز، ذكر الإباحة للمرء أكل الضباب إذا لم يتقذرها، حديث رقم (5266)، ثم قال أبو حاتم:
الأمر بإكفاء القدور التي فيها الضباب أمر قصد به الزجر عن أكل الضباب، والعلة المضمرة هي أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يعافها لا أن أكلها محرم وما بين الحاصرتين سقط في (خ).
وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف): 5 / 122، كتاب الأطعمة، باب (9)، ما قالوا في أكل
الضب، حديث رقم (24331)، وأخرجه أبو جعفر الطحاوي في (مشكل الآثار): 4 / 278،
والإمام أحمد في (المسند): 1 / 644، حديث رقم (3692)، 1 / 682، حديث رقم (3915)،
حيث قال في كلا الحديثين: قال.. وذكر عنده القردة والخنازير، قال مسعر: آراه قال: والخنازير إنه مما
مسخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لم يمسخ شيئا فيدع له نسلا أو عاقبة، وقد كانت القردة أو الخنازير قبل
ذلك.
(2) (شرح معاني الآثار): 4 / 169.
(3) (مسلم بشرح النووي: 13 / 105، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم
(1944).
303
وللبخاري (1) ومسلم (2) من حديث شعبة، عن توبة العنبري قال: قال
لي الشعبي: أرأيت حديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقاعدت ابن عمر قريبا
من سنتين، أو سنة ونصف، فلم أسمعه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا، قال:
كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سعد، فذهبوا يأكلون من لحم،
فنادتهم امرأة من (بعض) من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه لحم ضب، فأمسكوا،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا أو اطعموا، فإنه حلال، أو قال: لا بأس به - شك
فيه - ولكنه ليس من طعامي. اللفظ للبخاري، ذكره في باب خبر الواحد،
وانتهى منه مسلم إلى قوله: فيهم سعد، ثم قال بمثل حديث عبيد الله بن
معاذ قال: أخبرنا أبي (قال) حدثنا شعبة عن توبة.
وللبخاري (3) ومسلم (4) وأبي داود (5)، من حديث مالك عن ابن
شهاب، عن أبي أمامة بن سهل، عن عبد الله بن عباس، عن خالد بن الوليد
رضي الله عنهما، أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت مأمونة، فأتي بضب
محنوذ، فأهوى إليه بيده، فقال بعض النسوة: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما
يريد أن يأكل، قالوا: هو ضب يا رسول الله، فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا



(1) (فتح الباري): 13 / 302، كتاب أخبار الآحاد، باب (6) حبر المرأة الواحدة، حديث رقم
(7267)، قوله صلى الله عليه وسلم: " فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي " أي ليس من المألوف له، فلذلك ترك
أكله لا لكونه حراما.
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 105، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم
(1944).
(3) (فتح الباري): 9 / 827، كتاب الذبائح والصيد، باب (33) الضب، حديث رقم (5537).
(4) (مسلم بشرح النووي): 13 / 105 - 106، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب،
حديث رقم (1945).
(5) (سنن أبي داود): 4 / 153 - 145، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضب، حديث رقم
(3794).
والمحنوذ: المشوي، ويقال: هو ما شوي بالرضف، وهي الحجاز المحماة، ومن هذا قوله تعالى:
(فجاء بعجل حينئذ) (هود: 69).
304
رسول الله؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه، قال خالد:
فاحتززته فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.
وقال أبو داود عن مالك بهذا الإسناد نحوه، إلا أنه قال: " فقال بعض
النسوة اللاتي في بيت ميمونة "، وقال مسلم عن مالك عن ابن شهاب عن
أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد الله بن عباس قال: دخلت أنا
وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأتي بضب محنوذ
فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة:
أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فقلت:
أحرام هو يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني
أعافه. قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول الله ينظر.
وذكره البخاري (1) في كتاب الأطعمة في باب الشواء، من حديث معمر
عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل، عن ابن عباس عن خالد بن الوليد
قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بضب مشوي، فأهوى إليه ليأكل، فقيل (له): إنه
ضب، فأمسك يده، قال خالد: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه لا يكون بأرض
قومي فأجدني أعافه، فأكل خالد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.
وأخرجاه أيضا من حديث يونس عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل،
فذكره البخاري في كتاب الأطعمة، وذكره مسلم في كتاب الصيد
والذبائح، ولفظه: أن عبد الله بن عباس أخبره أن خالد بن الوليد - الذي
يقال له: سيف الله - أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ميمونة زوج



(1) (فتح الباري): 9 / 177، كتاب الأطعمة، باب (14) الشواء وقول الله تعالى: (فجاء بعجل
حنيذ)، أي مشوي، حديث رقم (5400)، قوله تعالى: (فجاء بعجل حنيذ)، كذا في الأصل،
وهو سبق قلم، والتلاوة: (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ)، أي محنوذ وهو المشوي، مثل قتيل في
مقتول، ونضيج في منضوج.
305
النبي صلى الله عليه وسلم - وهي خالته، وخالة ابن عباس - فوجد عندها ضبا محنوذا
قدمت به أختها صفية بنت الحارث من نجد، فقدمت الضب لرسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكان قل ما يقدم (يده) لطعام حتى يحدث به ويسمي له، فأهوى
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له، (قلن): هو الضب يا رسول الله، فرفع (رسول
الله صلى الله عليه وسلم) يده، فقال خالد: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه لم
(يكن) بأرض قومي فأجدني أعافه، قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول
الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى فلم ينهني (1).
وقال البخاري: " ورسول الله ينظر إلي " ولم يقل " فلم ينهني "، وترجم
عليه باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمي له فيعلم ما هو (2).
وذكره مسلم من حديث صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبي
أمامة بن سهل، عن ابن عباس، أنه أخبره أن خالد بن الوليد أخبره أنه دخل
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة بنت الحارث - وهي خالته - فقدم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب جاءت به أم حفيد بنت الحارث من نجد، وكانت
تحت رجل من بني جعفر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل شيئا حتى يعلم ما
هو. ثم ذكر بمثل حديث يونس، وزاد في آخر الحديث: وحدثنيه ابن
الأصم عن ميمونة، وكان في حجرها (3).
وذكره أيضا من حديث معمر عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل، عن



(1) (مسلم بشرح النووي): 13 / 106، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم
(1946).
(2) (فتح الباري): 9 / 667، كتاب الأطعمة، باب (10) ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمي له
فيعلم ما هو، حديث رقم (5391).
(3) (مسلم بشرح النووي): 13 / 106 - 107، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب،
حديث رقم (45).
306
ابن عباس قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في بيت ميمونة بضبين مشويين، بمثل
حديثهم، ولم يذكر يزيد بن الأصم عن ميمونة (1).
وذكره من حديث الليث بن سعد قال: حدثني خالد بن يزيد، حدثني
سعيد بن أبي هلال، عن ابن المنكدر، أن أبا أمامة أخبره عن ابن عباس
قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو في بيت ميمونة) وعنده خالد بن الوليد
بلحم ضب، فذكره بمعنى حديث الزهري (2).
وذكره من حديث علي بن مسهر، عن الشيباني، عن زيد بن الأصم
قال: دعانا عروس بالمدينة، فقرب إلينا ثلاثة عشر ضبا، فآكل، وتارك،
فلقيت ابن عباس من الغد، فأخبرته، فأكثر القوم حوله، حتى قال بعضهم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرمه، فقال ابن عباس:
بئس ما قلتم، ما بعث الله نبيا إلا محللا ومحرما، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما
هو عند ميمونة، وعنده الفضل بن عباس، وخالد بن الوليد، وامرأة أخرى،
إذ قرب إليهم خوان عليه لحم، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل، قالت له
ميمونة: إنه لحم ضب، فكف يده وقال: هذا لحم لم آكله قط، وقال لهم:
كلوا، فأكل منه الفضل، وخالد بن الوليد، والمرأة. قالت ميمونة: لا آكل
من شئ إلا شيئا يأكل منه رسول الله (3).
وذكر من حديث عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه
سمع جابر بن عبد الله يقول: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب، فأبي أن يأكل



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (1945).
(2) (المرجع السابق): الحديث الذي يلي الحديث السابق (بدون رقم)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق
منه.
(3) (مسلم بشرح النووي): 13 / 108، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم
(1948).
307
منه، وقال: لا أدري لعله من القرون التي مسخت (1).
ومن حديث أنس أبي عدي، عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد
قال: قال رجل: يا رسول الله! إنا بأرض مضبة، فما تأمرنا أو (فما) تفتينا؟
قال: ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت، فلم يأمر، ولم ينه (2).
قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك، قال عمر رضي الله عنه: إن الله عز
وجل لينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة هذه الرعاء، ولو كان عندي
لطعمته، إنما عافه رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم من ألطف الناس،
وكان لا يشرب من شراك الإدواة، ولا يأكل من لحم الجلالات. وروي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل قاذورة، ولا يأكل الدجاج حتى يعلف.
والقاذورة هنا: الذي يتقذر، فكأنه كان يجتنب ما يرعى النجاسة حتى
يعلف الطاهر. ويقال: القاذورة: ويراد به الفعل القبيح، ومنه قوله عليه
السلام: من أتى من هذه القاذورات شيئا (فليستتر) (3).



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (1949).
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (1951).
(3) (تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر): 4 / 57، من حديق زيد بن أسلم
رضي الله عنه.
308
وأما اجتنابه ما تؤذي رائحته
فخرج مسلم من حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن
سمرة، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
أتي بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إلي، وأنه بعث إلي يوما بفضلة لم يأكل
منها لأن فيها ثوما، فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل
ريحه، قال: فإني أكره ما كرهت (1). وخرجه الترمذي وقال: حديث حسن
صحيح (2).
ولأبي داود (3) وأحمد (4)، من حديث بقية عن بجير، عن خالد عن أبي
زياد خيار بن سلمة، أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن البصل فقالت: إن
آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام فيه بصل.



(1) (مسلم بشرح النووي): 14 / 252، كتاب الأشربة، باب (31) إباحة أكل الثوم، وأنه ينبغي لمن
أراد خطاب الكبار تركه، وكذا ما في معناه، حديث رقم (2053).
وفي هذا الحديث تصريح بإباحة الثوم، وهو مجمع عليه، لكن يكره لمن أراد حضور المسجد، أو
حضور جمع في غير المسجد، أو مخاطبة الكبار، ويلحق بالثوم كل ما له رائحة كريهة، وأن الملائكة
تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وكان صلى الله عليه وسلم يترك الثوم دائما، لأنه يتوقع مجئ الملائكة والوحي كل ساعة.
قوله: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بطعام أكل منه وبعث بفضلة "، قال العلماء: في هذا يستحب
للأكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب فضلة ليواسي بها من بعده، ولا سيما إن كان ممن يتبرك
بفضلته، وكذا إذا كان في الطعام قلة، ولهم إليه حاجة، ويتأكد هذا في حق الضيف، لا سيما إن
كانت عادة أهل الطعام أن يخرجوا كل ما عندهم، ويتنظر عيالهم الفضلة، كما يفعله كثير من
الناس، ونقلوا أن السلف كانوا يستحبون إفضال هذه الفضلة المذكورة، وهذا الحديث أصل ذلك
كله. (مسلم بشرح النووي).
(2) (سنن الترمذي): 4 / 230، كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل،
حديث رقم (1807).
(3) (سنن أبي داود): 4 / 173، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل الثوم، حديث رقم (3829).
(4) (مسند أحمد): 7 / 130، حديث رقم (24064).
309
ولمسلم من حديث ابن علية، عن الجرير عن أبي نضرة، عن أبي سعيد
الخدري قال: لم يغد أن فتحت خيبر، فوقعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في
تلك البقلة الثوم، والناس جياع، فأكلنا منها أكل شديدا، ثم رحنا إلى
المسجد، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح، فقال: من أكل من هذه الشجرة
الخبيثة شيئا فلا (يغشاها) في المسجد، فقال الناس: حرمت، حرمت، فبلغ
ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، إنه ليس بي تحريم ما أحل الله، ولكنها
شجرة أكره ريحها (1).
وخرج البخاري (2) ومسلم (3) من حديث ابن وهب، عن يونس عن ابن
شهاب، زعم عطاء أن جابر بن عبد الله، زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل
ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته، وأن النبي
صلى الله عليه وسلم أتي بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبرنا بما
فيه من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما (رآه) كره
أكلها، قال: كل، فإني أناجي من لا تناجي. اللفظ للبخاري. وخرجه أبو
داود (4).



(1) (مسلم بشرح النووي): 5 / 54، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (17) نهي من أكل ثوما أو
بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (76).
(2) (فتح الباري): 2 / 431، كتاب الأذان، باب (160) ما جاء في الثوم والبصل والكرات، حديث
رقم (855).
(3) (مسلم بشرح النووي): 5 / 53، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب (17) نهي من أكل ثوما أو
بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (73).
(4) (سنن أبي داود): 4 / 170 - 171، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل الثوم، حديث رقم
(3822). وفيه: " وإنه أتي ببدر " بدلا من: " أوتي بقدر " عند الشيخين.
قال الخطابي: قوله: " أتي ببدر " يريد الطبق، وسمي الطبق بدرا لاستدارته، ومنه سمي القمر قبل
كماله بدرا، وذلك لاستدارته وحسن اتساقه.
وقوله: " فليعتزل مسجدنا " إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له، وليس هذا من باب الأعذار التي
تبيح للمرأة التخلف عن الجماعة كالمطر، والريح العاصف ونحوهما من الأمور. (معالم السنن).
وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 229 كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في كراهية أكل
الثوم والبصل، حديث رقم (1806) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
310
وأما أكله الجمار
فخرج البخاري من حديث عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا
الأعمش قال حدثني مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: بينا
نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوس؟ إذ أتي بجمار نخلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن من
الشجر لما بركته كبركة المسلم، فظننت زنه يعني النخلة فأردت أن أقول
هي النخلة يا رسول الله، فالتفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم فسكت،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي النخلة (1).
وأما حبه الحلواء والعسل
فخرج البخاري من حديث هشام، عن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي
الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. وهو مما اتفقا على
إخراجه ذكره البخاري هكذا في الأشربة (2)، وفي الأطعمة (3). وخرجه



(1) (فتح الباري): 9 / 710، كتاب الأطعمة، باب (42) أكل الجمار، حديث رقم (5444)، (فتح
الباري): 4 / 509 - 510، كتاب البيوع، باب (94) بيع الجمار وأكله، حديث رقم (2209)،
والجمار بضم الجيم وتشديد الميم: هو قلب النخلة، وهو معروف.
(2) (فتح الباري): 10 / 96، كتاب الأشربة، باب (15) شراب الحلواء والعسل، حديث رقم
(5614)، وفيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل، والحلواء بالمد في رواية المستملي، ولغيره
بالقصر، وهما لغتان، قال الخطابي: هي ما يعقد من العسل ونحوه، وقال ابن التين عن الداودي: هي
النقيع الحلو، وعليه تبويب البخاري: " شراء الحلواء "، كذا قال، وإنما هو نوع منها، والذي قاله
الخطابي هو مقتضي العرف. (فتح الباري).
وقال ابن بطال: الحلوى كل شئ حلو، وهو كما قال، لكن استقر العرف على تسمية ما لا
يشرب من أنواع الحلو حلوى، ولأنواع ما يشرب مشروب ونقيع أو نحو ذلك، ولا يلزم مما قال
اختصاص الحلوى بالمشروب. (فتح الباري).
(3) (فتح الباري): 9 / 695، كتاب الأطعمة، باب (32) الحلوى والعسل، حديث رقم (5431)،
وفيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل.
" الحلوى " كذا لأبي ذر مقصور، ولغيره ممدود، وهما لغتان، قال ابن ولاد: هي عند الأصمعي
بالقصر - تكتب بالياء - وعند الفراء بالمد - تكتب بالألف - وقيل: تمد وتقصر، وقال الليث: الأكثر
علي المد، وهو كل حلو يؤكل، وقال الخطابي: اسم الحلوى لا يقع إلا على ما دخلته الصنعة. وفي
المخصص لابن سيده: هي ما عولج من الطعام بحلاوة، وقد تطلق على الفاكهة.
قال ابن بطال: الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى: (كلوا من الطيبات)
وفيه تقوية لقول من قال: المراد به المستلذ من المباحات. ودخل في معنى هذا الحديث كل ما يشابه
الحلوى والعسل من أنواع المأكل اللذيذة.
وقال الخطابي وتبعه ابن التين: لم يكن حبه صلى الله عليه وسلم لها على معنى كثرة التشهي لها، وشدة نزاع
النفس إليها وإنما كان ينال منها إذا أحضرت إليه نيلا صالحا، فيعلم بذلك أنها تعجبه.
ويؤخذ منه جواز اتخاذ الأطعمة من أنواع شتى، وكان بعض أهل الورع يكره ذلك ولا يرخص أن
يأكل من الحلاوة إلا ما كان حلوه بطبعه كالتمر والعسل، وهذا الحديث يرد عليه.
وإنما تورع عن ذلك من السلف من آثر تأخير تناول الطيبات إلى الآخرة، مع القدرة على ذلك في
الدنيا، تواضعا لا شحا.
ووقع في كتاب (فقه اللغة للثعالبي): أن حلوى النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن
عظيم، وهو تمر يعجن بلبن. (فتح الباري).
311
الإمام أحمد (1)، وفيه قصة (2).
وأما أكله التمر
فخرج البخاري ومسلم من حديث مسعر بن كدام، عن هلال، عن عروة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أكل آل محمد (صلى الله عليه وسلم) أكلتين في يوم
واحد إلا وإحداهما تمر (3).



(1) (مسند أحمد): 7 / 88، حديث رقم (33795).
(2) وهي قصة المغافير، ذكرها المفسرون عند تفسيرهم لقول الله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله
لك تبتغي مرضاة أزواجك). وحتى قوله تعالى: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن
مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) (التحريم: 1 - 5)
(3) سبق تخريجه. وأخرجه الدارمي في (السنن): 2 / 107، باب في الحلواء والعسل.
312
ولهما من حديث وهيب، حدثنا منصور بن أمية، عن عائشة (رضي الله
عنهما): توفي النبي صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين: التمر والماء، وفي لفظ
للبخاري: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين: التمر والماء. لهما
من حديث يزيد بن رومان، عن عروة عن عائشة (رضي الله عنها)، أنها
تقول: والله يا ابن أختي، ثلاثة أهله في شهرين، وما (أوقد) في أبيات
رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قلت: يا خالة! فما كان (يعيشكم؟) قالت:
الأسودين، التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار،
وكانت لهم منايح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا. وقال
البخاري: كانت لهم منايح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم
فيسقينا (1).
ولهما في لفظ آخر قالت: إن كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد
بنار، إن هو إلا التمر والماء، ولفظ مسلم: إن كنا لنمكث، ولم يذكر آل
محمد. وزاد أبو كريب في حديثه، عن ابن نمير عن هشام بن عروة بهذا
الإسناد، إلا أن يأتينا اللحيم. وفي لفظ للبخاري قالت: كان يأتي علينا
الشهر ما نوقد نارا، إنما هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللحيم (2).
ولأبي داود من حديث محمد بن أبي يحيى، عن يزيد الأعور، عن
يوسف بن عبد الله بن سلام قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم آخذ كسرة من خبز
شعير، فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه. وفي لفظ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
وضع تمرة على كسرة فقال: هذه إدام هذه (3).
وله من حديث الوليد بن مزيد قال: سمعت ابن جابر قال: حدثنا سليم



(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه وهو في (صحيح مسلم): كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (26) والذي يليه.
(3) (سنن أبي داود): 4 / 173، كتاب الأطعمة، باب (42) في التمر، حديث رقم (3830)، ونسبه
المنذري للترمذي أيضا.
313
ابن عامر، عن ابني السلميين قالا: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمنا
إليه تمرا وزبدا، وكان يحب التمر والزبد (1).
ولمسلم من حديث حفص بن غياث، عن مصعب بن سليم قال: حدثنا
أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا (2).
وخرجه الدارمي عن مصعب قال: سمعت أنس بن مالك يقول: أهدي
إلى النبي صلى الله عليه وسلم التمر، فأخذ يهديه. وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل تمرا
مقعيا من الجوع. قال: يهديه، يعني يهدي ها هنا، ها هنا (3).
ولمسلم من حديث ابن عيينة، عن مصعب بن سليم، عن أنس قال: أتي
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر، فجعل يقسمه وهو (محتفز)، يأكل منها أكلا ذريعا.
وفي رواية زهير: أكلا حثيثا (4).
ولأبي داود من حديث همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة،
عن أنس قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر عتيق، فجعل يفتشه يخرج
منه السوس (5). وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالتمر فيه الدود.



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (3837)، وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1106 - 1107،
كتاب الأطعمة، باب (43) التمر بالزبد، حديث رقم (3334).
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 239، كتاب الأشربة، باب (24)، استحباب تواضع الآكل،
وصفة قعوده، حديث رقم (149)، قوله: " أكلا ذريعا وحثيثا هما بمعنى أي مستعجلا صلى الله عليه وسلم
لاستيفازه لشغل آخر، فأسرع في الأكل، وكان استعجاله ليقضي حاجته منه، ويرد الجوعة، ثم يذهب
في ذلك الشغل.
وقوله: " فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بقسمه " أي يفرقه على من يراه أهلا لذلك، وهذا التمر كان لرسول الله
صلى الله عليه وسلم، وتبرع بتفريقه صلى الله عليه وسلم فلهذا كان يأكل منه، والله تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي).
(5) (سنن أبي داود): 4 / 174، كتاب الأطعمة، باب (43) في التفتيش في التمر المسوس عند الأكل،
حديث رقم (3832).
314
فذكر معناه (1).
وللحاكم من حديث طلحة بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمي التمر واللبن الأطيبان (2). قال: هذا
حديث صحيح (الإسناد ولم يخرجاه) (3).
ولابن حيان من حديث ياسين الزيات عن عطاء، عن ابن عباس قال:
كان أحب التمر إلى رسول الله صلى الله عليه سلم العجوة (4).
ومن حديث عبيد بن القاسم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة
قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الطعام مما يليه، حتى إذا جاء التمر جالت
يده (5).
ومن حديث شعبة، عن يزيد بن (جهيم) قال: سمعت عبد الله بن
بسير يقول: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه أبي بتمر وسويق، فجعل
يأكل التمر ويلقي النوى على ظهر أصبعيه ثم يلقيه، يعني السبابة
والوسطى.



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (3833)، وهو حديث مرسل، وأخرج ابن ماجة في (السنن):
2 / 1106، كتاب الأطعمة، باب (42) تفتيش التمر، حديث رقم (3333).
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى): 7 / 283، كتاب الصداق، باب الأكل متكئا.
وأخرجه الترمذي في (الشمائل): 124 - 125، حديث رقم (143)، وأخرجه الإمام أحمد
في (المسند): 4 / 61، حديث رقم (12688).
(2) (المستدرك): 4 / 119، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7081)، قال الذهبي في (التلخيص):
طلحة بن زيد ضعيف.
(3) ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك).
(4) (أخلاق النبي): 204، (كنز العمال): حديث رقم (18217)، (إتحاف السادة المتقين):
8 / 240، وسنده ضعيف.
(5) (الكامل في الضعفاء): 5 / 349، ترجمة عبيد بن القاسم الأسدي، رقم الأسدي، رقم (539 / 1507)، وفيه:
" جالت يده في الإناء " وعبيد بن القاسم الأسدي الكوفي، يقال: أنه ابن أخت سفيان الثوري،
ضعفوه، وقالوا: متروك وكذاب، ترجمته في (تهذيب التهذيب): 7 / 67.
315
وأما أكله العنب
فروى أبو الجارود عن حبيب بن يسار، عن ابن عباس رضي الله (عنهما)
قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطا (1)
وأما أكله الرطب والبطيخ
فخرج أبو داود من حديث أبي أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة، عن
أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ
بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا (2).
وخرج الدارمي من حديث الحسن بن عرفة، أخبرنا يعقوب بن الوليد،



(1) يقال: خرط العنقود خرطا إذا وضعه في فمه، وأخذ حبه، وخرج عرجونه عاريا. وفي رواية ذكرها
ابن الأثير: خرصا، بالصاد بدل الطاء، أي من غير عدد.
قال العراقي: رواه ابن عدي في (الكامل) من حديث العباس، والعقيلي في (الضعفاء) من
حديث ابن عباس هكذا مختصرا، وكلاهما ضعيف.
وكذا رواه الطبراني في (الكبير)، هو والعقيلي في (الضعفاء) من طريق داود بن عبد الجبار،
عن ابن الجارود، عن حبيب بن يسار، عن ابن عباس رفعه: " كان يأكل العنب خرطا ".
قال العقيلي: داود ليس بثقة، ولا يتابع عليه، وأخرجه البيهقي في (الشعب) من طريقتين ثم
قال: ليس فيه إسناد قوي، وأورده ابن الجوزي في (الموضوعات) ولم يصب، بل هو ضعيف. (إتحاف
السادة المتقين): 8 / 238، (شعب الإيمان): 5 / 106، باب في المطاعم والمشارب، حديث رقم
(5967)، (الموضوعات) 2 / 288، باب كيف يؤكل العنب.
(2) (سنن أبي داود): 4 / 173، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين لونين في الأكل، حديث
رقم (3836).
فيه إثبات الطب والعلاج، ومقابلة الشئ الضار بالشئ المضاد له في طبعه على مذهب الطب
والعلاج، وفيه إباحة التوسع من الأطعمة، والنيل من الملاذ المباحة، (معالم السنن).
316
عن أبي حازم، عن سهل بن سعدان، أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان) يأكل البطيخ
بالرطب (1).
وخرج الحاكم من حديث مطر الوراق، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل
الرطب والبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه. قال: هذا تفرد به يوسف بن
عطية عن مطر، ولم يحتجا به، وإنما يعرف هذا المتن بغير هذا اللفظ، من
حديث عائشة رضي الله عنها (2). وخرجه ابن حيان أيضا من طريق
مطر (3).
وخرج الترمذي في (الشمائل) من حديث جرير، عن حميد، عن أنس
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الخربز والرطب (4).



(1) (سنن الدارمي): 2 / 103، باب من لم ير بأسا أن يجمع بين الشيئين، وفيه: " القثاء بالرطب "،
لكن أخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 246 - 247، كتاب الأطعمة، باب (36) ما جاء في أكل
البطيخ بالرطب، حديث رقم (1843)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، رواه بعضهم
عن هشام بن عروة عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، ولم يذكر فيه عائشة رضي الله عنها وقد روى يزيد
ابن رومان عن عروة عن عائشة هذا الحديث.
(2) (المستدرك): 4 / 134، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7137)، قال الذهبي في (التلخيص):
تفرد به يوسف (وهو واه).
وأخرجه الحميدي في (المسند): 1 / 124، حديث رقم (255).
(3) (أخلاق النبي): 215 - 216.
(4) (الشمائل المحمدية): 165، حديث رقم (200)، والخربز: بكسر الخاء هو البطيخ، وقيل: هو
معرب عن الفارسية، والمراد النوع الأصفر (الشمام كما يسميه أهل مصر، وأجوده ما كان من
الإسماعيلية إحدى محافظات مصر (فإن فيه برودة يعدلها الرطب.
والحديث أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند): 3 / 606، حديث رقم (12041)، وأبو
الشيخ في (أخلاق النبي): 215، 217، من طريقي عبد الله بن أبي بكر العنقي، ومسلم بن
إبراهيم.
وبالجملة فهو حديث صحيح الإسناد ورجال إسناده ثقات.
317
وخرج الخطيب من طريق حسان بن سيأة، حدثني ثابت البناني عن
أنس قال: قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء الرطب
فهنئيني (1).
وخرج ابن حيان من حديث إسرائيل الأعور، عن أنس قال: كنت إذا
قدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رطبا، أكل الرطب وترك المذنب. ومن حديث
القراري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن
يفطر على رطبات في زمان الرطب، وعلى التمر إذا لم يكن رطب،
ويجعلهن وترا، ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا (2).



(1) (تاريخ بغداد): 5 / 107، في ترجمة أحمد بن محمد الضبعي الأحول، برقم (2513).
(2) وفي ختام هذه الفقرة نذكر ما أورده ابن القيم عن البطيخ والرطب، قال.. بعد أن ذكر حديث أبي
داود والترمذي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل البطيخ بالرطب، يقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد
هذا بحر هذا -: وفي البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شئ غير هذا الحديث الواحد، والمراد به
الأخضر، وهو بارد رطب، وفيه جلاء، وهو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء والخيار، وهو سريع
الاستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة، وإذا كان آكله محرورا انتفع به جدا، وإن كان مبرودا
دفع ضرره بيسير من الزنجبيل ونحوه، وينبغي أكله قبل الطعام ويتبع به، وإلا غثى وقيأ.
ثم ذكر حديث أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن
رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء (رواه أبو داود برقم (2356)، والترمذي
برقم (696)، وأحمد برقم (12265).
ثم قال: طبع الرطب طبع المياه، حار رطب يقوي المعدة الباردة ويوافقها، ويزيد في الباه،
ويخصب البدن، ويوافق أصحاب الأفرجة الباردة ويغدو غذاء كثيرا، وهو من أعظم الفاكهة موافقة
لأهل المدينة وغيرها من البلاد التي هو فاكهتهم فيها، وأنفعها للبدن، وإن كان لم يعتده يسرع التعفن
في جسده، ويتولد عنه دم ليس بحمود، ويحدث في إكثاره من صداع وسوداء، ويؤذي أسنانه.
وفي فطر النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم عليه، أو على التمر أو على الماء، تدبير لطيف جدا، فإن الصوم
يخلي المعدة من الغذاء، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شئ
وصولا إلى الكبد، وأحبه إليها، ولا سيما إذا كان رطبا، فيشتد قبولها له، فتنتفع به هي والقوى، فإن
لم يكن فالتمر لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن فحسوات الماء تطفي لهيب المعدة، وحرارة الصوم،
فتنتبه المعدة بعد للطعام، وتأخذه بشهوة (زاد المعاد): 4 / 286 - 287، 4 / 312 - 313
318
وأما أكله الزيت
فخرج مسلم من حديث ابن قسيط، عن عروة، عن عائشة رضي الله
عنها قالت: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت في يوم
واحد مرتين (1).
وأما أكله السمك
فخرج البخاري من حديث ابن جريح، عمرو أنه سمع جابرا
يقول: غزونا جيش الخبط، وأمر أبو عبيدة بن الجراح، فجعنا جوعا شديدا،
فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله، يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر،
فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته. (زاد في) المغازي:
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: فقال أبو عبيدة: كلوا فلما قدمنا
المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا رزقا أخرجه الله، أطعمونا إن
كان معكم، فأتاه بعضهم بعضه (2) (في رواية السكن: " فأتاه
بعضهم بعضو منه فأكله ") (3).



(1) (مسلم بشرح النووي): 18 / 370، كتاب الزهد والرقائق حديث رقم (2974).
(2) (فتح الباري): 8 / 97 - 98، كتاب المغازي، باب (66) غزوة سيف البحر، وهم يتلقون عيرا
لقريش وأميرهم أبو عبيدة، حديث رقم (4360)، حديث رقم (4361)، وحديث رقم
(4362)، وهو الحديث المذكور في الباب.
(2) زيادة للسياق من (فتح الباري)، قال عياض: وهو الوجه. وفي الحديث من الفوائد: مشروعية
المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة، وأن الاجتماع على الطعام يستدعي البركة فيه.
قال أهل اللغة: العنبر سمكة بحرية كبيرة، يتخذ من جلدها الترسة، ويقال أن العنبر المشموم
رجيع الدابة. وقال ابن سيناء: بل المشموم يخرج من البحر، وإنما يؤخذ من أجواف السمك الذي
يبتلعه.
ونقل الماوردي عن الشافعي قال: سمعت من يقول: رأيت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق
الشاة، وفي البحر دابة تأكله، وهو سم لها، فيقتلها، فيخرج العنبر من بطنها.
وقال الأزهري: العنبر سمكة تكون بالبحر الأعظم، يبلغ طولها خمسين ذراعا، يقال لها: بالة،
وليست بعربية.
وأخرجه البخاري أيضا في: كتاب الذبائح والصيد، باب (12) قول الله تعالى (وأحل لكم
صيد البحر وطعامه)، وقال عمر: صيده: ما اصطيد، وطعامه: ما رمي به، وقال أبو بكر رضي الله عنه:
الطافي في حلال، وقال ابن عباس رضي الله عنه: طعامه ميتته، إلا ما قذرت منها، حديث رقم
(5493)، وحديث رقم (5494).
319
ولفظ مسلم: فهل معكم من لحمه شئ فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله (1). ذكره البخاري في الصيد والذبائح، وفي
كتاب المغازي وفيه قصة (2). وكرراه من طرق.



(1) (مسلم بشرح النووي): 13 / 90، كتاب الصيد والذبائح، باب (4)، إباحة ميتات البحر، حديث
رقم (1935).
وأخرج أبو داود في (السنن): 4 / 165 - 166، كتاب الأطعمة، باب (36) في أكل الطافي
من السمك، حديث رقم (3815): " ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا
تأكلوه ".
جزر عنه: أي تقلص عنه ماء البحر وقت الجزر عنه، وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه أباح
الطافي من السمك، ثبت ذلك عن أبي بكر الصديق، وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما. وإليه
ذهب عطاء بن أبي رباح، ومكحول، وإبراهيم النخعي، وبه قال مالك، والشافعي، وأبو ثور، وروي
عن جابر وابن عباس رضي الله عنه أنهما كرها الطافي من السمك، وإليه ذهب جابر بن زيد وطاووس،
وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، (معالم السنن).
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1081، كتاب الصيد، باب (18) الطافي من صيد البحر،
حديث رقم (3246)، وحديث رقم (3247).
وأخرجه الواقدي مختصرا جدا في (المغازي)، في سرية الخبط، أميرها أبو عبيدة رضي الله عنه:
7 / 776 - 777.
(2) تراجع هذه القصة في كتاب المغازي من (فتح الباري)، شرح الحديث رقم (4360)، والحديث رقم
(4361)، وقد أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة.
قال ابن القيم: أصناف السمك كثيرة، وأجوده ما لذ طعمه، وطاب ريحه، وتوسط مقداره، وكان
رقيق القشر، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه، وكان في ماء عذب جار على الحصباء، ويتغذى
بالنبات لا الأقذار.
وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء، وكان يأوي إلى الأماكن الصخرية، ثم الرملية، والمياه الجارية
العذبة التي لا قذر فيها، ولا حمأة، الكثيرة الاضطراب والتموج، المكشوفة للشمس والرياح.
والسمك البحري فاضل، محمود، لطيف، والطري منه بارد رطب، عسر الهضم، يولد بلغما
كثيرا، إلا البحري وما جرى مجراه، فإنه يولد خلطا محمودا، وهو يخصب البدن، ويزيد في المني،
ويصلح الأفرجة الحارة.
وأما المالح، فأجوده ما كان قريب العهد بالتمليح، وهو حار يابس، وكلما تقادم عهده ازداد حره
ويابسه. (زاد المعاد): 4 / 325 - 326.
320
وأما أكله البيض
فذكر الواقدي أن علبة بن زيد الحارثي، جاء في غزوة ذات الرقاع (1)
بثلاث بيضات فقال: يا رسول الله! وجدت هذه البيضات في مفحص
نعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات، فوثبت
فعملتهن، ثم جئت بالبيض في قصعة، وجعلت أطلب خبزا ولا أجده،
قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز، قال
جابر: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك يده، وأنا أظن أنه قد انتهى إلى
حاجته، والبيض في القصعة كما هو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكل منه
عامة أصحابنا، ثم رحنا مبردين (2).



(1) قال الواقدي: فإنما سميت ذات الرقاع، لأنه جبل فيه بقع حمر وسود وبيض، وزاد السهيلي: سميت
ذات الرقاع لأنهم رقعوا راياتهم، ويقال: ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع، وكانت ليلة السبت لعشر
خلون من المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم صرار (اسم بئر) يوم الأحد
لخمس بقين من المحرم، وغاب خمس عشرة ليلة.
(2) (مغازي الواقدي): 1 / 399، غزوة ذات الرقاع.
321
فصل في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأكل
إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وإذا أتي
بالباكورة من التمر دعا الله بالبركة، ويأكل بثلاثة أصابع، ولا يمسح يده
حتى يلعقها، ويأكل مما يليه، ولا يأكل متكئا، ولا يذم طعاما، ويسمي الله
إذا أكل، ويحمده إذا فرغ.
وأما قبوله الهدية وامتناعه من أكل الصدقة
فخرج البخاري في آخر كتاب الجهاد، من حديث شعبة، عن محمد بن
زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الحسن بن علي رضي الله عنهما،
أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (بالفارسية)
كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة (1). وذكره في كتاب الزكاة ولفظه:
أما (شعرت) أنا لا نأكل الصدقة (2)؟
وخرجه مسلم في آخر كتاب الزكاة بهذا السند ولفظه: إرم بها، أما
علمت أنا لا نأكل الصدقة (3)؟ وفي لفظ آخر له: إنا لا تحل لنا الصدقة (4).
وللبخاري من حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد عن أبي



(1) (فتح الباري): 6 / 226، كتاب الجهاد والسير، باب (188) من تكلم بالفارسية والرطانة، وقول
الله عز وجل: (واختلاف ألسنتكم وألوانكم) (الروم: 22). وقال: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان
قومه) (إبراهيم: 4)، حديث رقم (3072)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(2) (المرجع السابق): كتاب الزكاة، باب (60) ما يذكر في صدقه النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (1491).
(3) (مسلم بشرح النووي): 7 / 181، كتاب الزكاة، حديث رقم (161).
(4) (المرجع السابق): الحديث الذي يلي الحديث السابق بدون رقم.
322
هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالتمر عند صرام النخل، فيجئ هذا
بتمرة، وهذا (من) تمره، حتى يصير عنده كوما من تمر، فجعل الحسن
والحسين (رضي الله عنهما) يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحداهما تمرة،
فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه وقال: أما علمت
أن آل محمد لا يأكلون الصدقة (1)؟.
وأخرجاه أيضا من حديث معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة (2).
وخرج البخاري في كتاب اللقطة، في باب: إذا وجد تمرة في الطريق،
من حديث معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني
لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم
أخشى أن تكون صدقة فألقيها (3).
وخرجه مسلم في الزكاة ولفظه: عن همام بن منبه قال: هذا ما
حدثنا أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي أو
في بيتي، فأرفعها لأكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها (4). ومن
حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو أن أبا يونس مولى أبي هريرة



(1) (فتح الباري): 3 / 447، كتاب الزكاة، باب (57) أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك
الصبي فيمس من تمر الصدقة؟ حديث رقم (1485)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(2) (مسلم بشرح النووي): 7 / 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى
آله، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب دون غيرهم، حديث رقم (163)، وأخرجه البخاري في كتاب
اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (3432).
(3) (فتح الباري): 5 / 108، كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم
(3432).
(4) (مسلم بشرح النووي): 7 / 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى
آله وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب دون غيرهم، حديث رقم (163).
323
حدثه، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثله، ولم يقل: أو في
بيتي (1).
وخرج البخاري في كتاب اللقطة، من حديث سفيان، عن منصور، عن
طلحة، عن أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: لولا أني أخاف
أن تكون من الصدقة لأكلتها (2).
وذكره في البيوع، ولفظه: مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة مسقوطة فقال: لولا أن
يكون صدقة لأكلتها (3). وبعضها قال: حدثنا أنس بن مالك، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بتمرة بالطريق فقال: لولا أن تكون من الصدقة
لأكلتها (4). وبعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أن تكون صدقة
لأكلتها (4).
(ولأبي داود) من حدث حماد عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال:
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالتمرة (العائرة)، فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (162).
(2) (فتح الباري): 5 / 108، كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم
(2431).
(3) (فتح الباري): 4 / 368، كتاب البيوع، باب (4) ما يتنزه من الشبهات، حديث رقم (2055).
(4) (مسلم بشرح النووي): 7 / 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى
آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (164)، وحديث رقم (165)، وحديث
رقم (166).
324
تكون من الصدقة (1). ومن حديث خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس
(بن مالك، رضي الله عنه، قالا): إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أني
أخاف أن تكون (صدقة) لأكلتها (2).
ولأبي داود (3) والترمذي (4)، من حديث شعبة عن الحكم، عن ابن أبي
رافع، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي
رافع: اصحبني كيما تصيب منها. فقال: حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله،
فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم
من أنفسهم وقال أبو داود: فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا
الصدقة قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأبو رافع: مولى النبي
صلى الله عليه وسلم اسمه أسلم، وابن أبي رافع: هو عبيد الله بن أبي رافع، كاتب علي بن
أبي طالب رضي الله عنه.
وخرجه النسائي من حديث يحيى، عن شعبة ولفظه: إن الصدقة لا تحل



(1) (سنن أبي داود): 2 / 299، كتاب الزكاة، باب (29) الصدقة على بني هاشم، حديث رقم
(1651)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
" العائرة ": هي الساقطة على وجه الأرض، لا يعرف من صاحبها، ومن هذا قيل عار الفرس إذا
انفلت على صاحبه فذهب على وجهه ولا يدفع. وهذا أصل في الورع، وفي أن كل ما لا يستبينه
الإنسان من شئ طلقا لنفسه فإنه يجتنبه ويتركه.
وفيه دليل على أن التمرة ونحوها من الطعام إذا وجدها الإنسان ملقاة في طريق ونحوها أن له
أخذها وأكلها إن شاء وإنها ليست من جملة اللقطة التي حكمها الاستيناء بها والتعريف لها.
(معالم السنن).
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (1652)، وما بين الحاصرتين في (خ)، (ج): " من الصدقة "،
وصوبناه من (المرجع السابق).
(3) (سنن أبي داود): 12 / 298، كتاب الزكاة، باب (29). الصدقة على بني هاشم، حديث رقم
(1650)، واللفظ للترمذي.
(4) (سنن الترمذي): 3 / 46، كتاب الزكاة، باب (25)، ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل
بيته ومواليه، حديث رقم (657).
325
لنا، وإن مولى القوم منهم (1). وذكره (البخاري) في كتاب قبول الهدية من
حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة،
قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، فإن قيل: هدية: ضرب بيده فأكل
معهم (2).
وخرجه مسلم في كتاب الزكاة ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بطعام
سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها، وإن قيل: صدقة لم يأكل منها (3).
وخرجه النسائي من حديث عبد الواحد (بن) واصل، أخبرنا بهز بن
حكيم عن أبيه، عن جده قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بشئ سأل عنه،
أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة لم يأكل، وإن قيل هدية بسط يده (4).
وخرج البخاري من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي
صلى الله عليه وسلم أتي بلحم تصدق به على بريرة فقال: هو عليها صدقة ولنا هدية.
ذكره في كتاب الزكاة (5)، وفي كتاب الهبة (6). وخرجه أبو داود



(1) (سنن النسائي): 5 / 112، كتاب الزكاة، باب (97) مولى القوم منهم، حديث رقم (2611).
(2) (فتح الباري): 5 / 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث
رقم (2576).
(3) (مسلم بشرح النووي): 7 / 190، كتاب الزكاة، باب (53) قبول النبي صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة،
حديث رقم (175).
(4) (سنن النسائي): 5 / 112، كتاب الزكاة، باب (98) الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(2612)، ولفظه: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بشئ سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة لم
يأكل، وإن قيل هدية بسط يده " وهو من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وبسط يده يعني
أكل.
(5) (فتح الباري): 3 / 454، كتاب الصدقة، باب (62) إذا تحولت الصدقة، حديث رقم (1495).
(6) (المرجع السابق): 5 / 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث
رقم (2577).
326
بمثله (1). وخرجه مسلم (2) ولفظه: قال: أهدت بريرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحما تصدق به عليها، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية. وخرجاه وفيه
قصة.
ولمسلم (3) من حديث الليث، عن ابن شهاب، أن عبيد بن السباق
قال: إن جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل
عليها فقال: هل من طعام؟ قالت: لا والله يا رسول الله! ما عند نا طعام إلا
عظم من شاة أعطيته مولاتي من الصدقة، فقال: قربيه، فقد بلغت محلها.
وللبخاري ومسلم من حديث خالد، عن حفصة بنت سيرين، عن أم
عطية الأنصارية قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة فقال: هل عندكم
شئ؟ فقالت: لا، إلا شئ بعثت به إلينا نسيبة، من الشاة التي بعث بها من
الصدقة، فقال: إنها قد بلغت محلها. ذكره البخاري في باب: إذا تحولت
الصدقة في كتاب الهبة، وفي كتاب الزكاة (4)، وألفاظ طرق مسلم
متقاربة.
وخرج الإمام أحمد من حديث عيسى بن يونس قال: أخبرنا هشام
ابن عروة عن أبيه، عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها (1).



(1) (سنن أبي داود): 2 / 301، كتاب الزكاة، باب (30) الفقير يهدي للغني من الصدقة، حديث
رقم (1655). وبريرة: مولاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
(2) (مسلم بشرح النووي): 7 / 188، كتاب الزكاة، باب (52) إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم، ولبني
هاشم، وبني المطلب، وإن كان المهدي ملكها بطريق الصدقة، إذا قبضها المتصدق عليه زال عنها صفة
الصدقة، وحلت لكل أحد ممن كانت الصدقة محرمة عليه، حديث رقم (1074).
(3) (المرجع السابق): حديث رقم (1073).
(4) سبق تخريجه.
327
(وقال ابن سعد: أخبرنا شبابة بن سواد، ومالك بن إسماعيل
وعبد الله بن صالح قال: حدثنا إسرائيل عن ثوير، عن أبيه، قال
مالك وعبد الله بن صالح، عن علي رضي الله عنه قال: أهدى
كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل
منهم) (1).



(1) (مسند أحمد): 7 / 131، حديث رقم (24070).
(2) (طبقات ابن سعد): 1 / 389، ذكر قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدية وتركه الصدقة، وما بين الحاصرتين
من (خ) وليس في (ج).
328
وأما ما يقوله عند الباكورة
فخرج الدارمي من حديث نعيم بن حماد، عن عبد العزيز بن محمد
عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي
بالباكورة بأول الثمرة قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمرتنا، وفي
مدنا، وفي صاعنا، واجعل بركة مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضر من
الولدان (1).
ولأبي داود من حديث جرير بن حازم، عن يونس الإبلي، عن ابن
شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي (بالباكور) قال بعضهم: بالباكورة،
قبلها ووضعها على عينيه (2).
وفي لفظ: كان إذا أتي بالباكورة من الفاكهة، وضعها على عينيه ثم
أكل منها وقال: اللهم كما أطعمتنا أولها، فأطعمنا آخرها، وبارك لنا
فيها.
ومن حديث عبد العزيز بن محمد، عن العلاة، عن أبيه، عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بالباكورة قبلها ووضعها على عينيه،



(1) (سنن الدارمي): 2 / 106 - 107، باب في الباكورة.
(2) هذا الحديث أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب (85) فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة،
وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها، حديث رقم (1373): عن سهيل بن أبي
صالح، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا،
وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك، وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وأنه دعاك
لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد فيعطيه ذلك
الثمر.
329
وأعطاها أصغر من يحضر من الولدان (1).
وخرجه ابن حيان من حديث الدراوردي، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي
هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بالباكورة من التمر قال: اللهم بارك لنا في
مدينتنا، ومدنا، وصاعنا، واجعل مع البركة بركة، ثم يعطيه أصغر من
حضره من الولدان (2).
وخرج الترمذي في (الشمائل)، من حديث مالك، عن سهيل بن أبي
صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه قال: اللهم بارك لنا في ثمارنا، وبارك لنا في
مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وفي مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك
ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما
دعاك به لمكة، ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد يراه، فيعطيه ذلك
الثمر (3).



(1) وأخرجه من طرق وبسياقات مختلفة كل من: النسائي في (عمل اليوم والليلة): 108، باب ما
يقول إذا دعى بأول الثمر فأخذه، والترمذي في (السنن): 5 / 472، كتاب الدعوات، باب (54) ما
يقول إذا رأى الباكورة من الثمر، حديث رقم (3454)، والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد):
3 / 389، ترجمة محمد بن يعقوب التميمي رقم (1503)،) / 185 - 186، ترجمة سفيان بن
محمد المصيصي رقم (4766)، 14 / 217، ترجمة يحيى بن محمد حيكان النيسابوري رقم
(7508).
(2) (أخلاق النبي): 235، وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن): 2 / 1105، كتاب الأطعمة، باب
(39) إذا أتي بأول الثمرة حديث رقم (3329).
(3) (الشمائل المحمدية): 166 - 167، باب (30) ما جاء في فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(202)، قوله: " ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر " فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من مكارم
الأخلاق وكمال الشفقة والرحمة، وملاطفة الكبار والصغار، وخص بهذا الصغير لكونه أرغب فيه
وأكثر تطلعا إليه وحرصا عليه.
330
وأما أكله بثلاث أصابع ولعقها
فخرج مسلم من حديث أبي معاوية، عن هشام بن عروة عن عبد
الرحمن ابن سعد، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها (1).
ومن حديث زهير بن حرب، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن سعد بن
إبراهيم، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعق
أصابعه الثلاث من الطعام. ولم يذكر محمد بن أبي حاتم عن ابن مهدي
الثلاث (2).
ومن حديث ابن نمير أخبرنا هشام، عن عبد الرحمن بن سعد، أن عبد
الرحمن بن كعب بن مالك، وعبد الله بن كعب (بن مالك أو عبد الله بن
كعب) (3)، أخبره عن أبيه كعب، أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل
بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها (4).
(و) رواه أبو بكر الشافعي من حديث عمرو بن عثمان قال: حدثنا عبد
المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود، حدثنا ابن أبي جريج، عن هشام بن
عروة، عن محمد بن كعب بن عجرة، عن أبيه كعب (رضي الله عنه) قال:



(1) (مسلم بشرح النووي): 13 / 216، كتب الأشربة، باب (18) استحباب لعق الأصابع والقصعة،
وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قل لعقها، حديث بدون رقم
بين رقمي (131)، (132).
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (131)، ثم قال في آخره: وقال ابن أبي شيبة في روايته: عن عبد
الرحمن بن كعب عن أبيه.
(3) زيادة للسياق من (صحيح مسلم).
(4) (المرجع السابق): حديث رقم 132 /.
331
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث، الإبهام، والتي تليها، والوسطى،
ثم رأيته يلعق الوسطى، والتي تليها، ثم الإبهام.
وللإمام أحمد من حديث أبي معاوية، أخبرنا هشام بن عروة، عن عبد
الرحمن بن سعد، عن (أبي بن) (1) كعب بن مالك، عن أبيه (رضي الله
عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى
يلعقها (2).
وخرجه الترمذي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن سعد
عن ابن كعب عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلعق أصابعه ثلاثا (3).



(1) زيادة للسياق.
(2) (مسند أحمد): 7 / 577، حديث رقم (26626)، ونحوه باختلاف يسير من طريق أخرى،
حديث رقم (26627).
(3) (الشمائل المحمدية): 123، حديث رقم (138)، وقال أبو عيسى: وروى غير محمد بن بشار هذا
الحديث، قال: كان يلعق أصابعه الثلاث، وقد أشار الترمذي إلى شذوذ لفظه " ثلاثا " والمحفوظ
" الثلاث "، وفارق بين اللفظين.
وأخرجه الترمذي في (الشمائل) أيضا، حديث رقم (139) عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا
أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث.
وحديث رقم (142) عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه
الثلاث ويلعقهن.
وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 228، كتاب الأطعمة باب (11) ما جاء في اللقمة
تسقط، حديث رقم (1803).
وأبو داود في (السنن): 4 / 183 - 184، كتاب الأطعمة باب (50) في اللقمة تسقط، حديث
رقم (3845)، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال:
" إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان " وأمرنا أن نسلت
الصحفة، وقال: " إن أحدكم لا يدري في أي طعامه يبارك له ".
قال الشيخ: سلت الصحفة تتبع ما يبقى فيها من الطعام ومسحها بالأصبع ونحوه. وقد بين النبي
صلى الله عليه وسلم العلة في لعق الأصابع وسلت الصحفة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " فإنه لا يدري في أي طعامه يبارك له
فيه ".
يقول: لعل البركة فيما لعق بالأصابع والصحفة من لطخ ذلك الطعام، وقد أفسدت عقولهم
الترفة، وغير طباعهم الشبع والتخمة، وزعموا أن لعق بالأصابع مستقبح أو مستقذر، كأنهم لم يعلموا
أن الذي علق بالأصابع أو الصحفة جزء من أجزاء الطعام الذي أكلوه وازدردوه، فإذا لم يكن سائر
أجزائه المأكولة مستقذرة لم يكن هذا الجزء اليسير منه الباقي في الصحفة واللاصق بالأصابع مستقذرا
كذلك.
وإذا ثبت هذا فليس بعده شئ أكثر من مسه أصابعه بباطن شفتيه، وها ما لا يعلم عاقل به بأسا،
إذا كان الماس والممسوس جميعا طاهرين نظيفين، وقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه،
فيدلك أسنانه وباطن فمه، فلم ير أحد ممن يعقل أنه قذارة أو سوء أدب، فكذلك لا فرق بينهما في
منظر حس ولا مخبر عقل. (معالم السنن).
وأخرج أبو داود أيضا في كتاب الأطعمة من (السنن)، باب (52) في المنديل، حديث رقم
(3847)، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أكل أحدكم فلا يمسحن يده بالمنديل حتى
يلعقها أو يلعقها "، وهذا الحديث أخرجه البخاري في الأطعمة، باب لعق الأصابع، ومسلم في
الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع، وابن ماجة في الأطعمة، باب لعق الأصابع، وليس في حديثهم
ذكر المنديل.
ولأبي داود أيضا في كتاب الأطعمة من (السنن) في ذات الباب، حديث رقم (3848) عن ابن
كعب بن مالك، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها.
332
ولمسلم من حديث بهز قال: أخبرنا حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت، عن
أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه
الثلاث (1).



(1) (مسلم بشرح النووي): 13 / 219، كتاب الأشربة، باب (18) استحباب لعق ا لأصابع والقصعة،
وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها، حديث رقم
(136)، وتمامه: " وقال إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان،
وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة ".
333
وأما أكله مما يليه
فخرج ابن حيان من حديث أبي رجاء، عن عبد الحكم، قال: رآني عبد
الله بن جعفر، وأنا غلام، وأنا آكل من ها هنا، وها هنا، فقال: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل لم تعد يده ما بين يديه (1).
وأما أنه لا يأكل متكئا
فخرج البخاري من حديث مسعر، عن علي بن الأقمر، سمعت أبا
جحيفة يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا آكل متكئا (2). وخرجه أبو داود بهذا
الإسناد مثله سواء (3).
وللبخاري من حديث جرير عن منصور، عن علي بن الأقمر، عن أبي
جحيفة قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم) فقال لرجل عنده: لا آكل وأنا
متكئ (4).
وللنسائي من حديث شريك، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة قال:



(1) (فتح الباري): 9 / 654، كتاب الأطعمة، باب (3) الأكل مما يليه، حديث رقم (3577)،
(5378) من طرق وبسياقات مختلفة. (أخلاق النبي): 192، (كنز العمال)، حديث رقم
(18175) (2) (فتح الباري): 9 / 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5398).
(3) (سنن أبي داود): 4 / 140 - 141، كتاب الأطعمة، باب (17) ما جاء في الأكل متكئا، حديث
رقم (3769). قال الخطابي: فالمتكئ هو الذي أوكى مقعدته وشدها بالقعود على الوطاء الذي تحته،
والمعنى: أني إذا أكلت لم أقعد متمكنا على الأوطئة والوسائد، فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة
ويتوسع في الألوان، ولكني آكل علقة، وآخذ من الطعام بلغه، فيكون قعودي مستوفزا له. (معالم
السنن).
(4) (فتح الباري): 9 / 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5399).
334
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا. وله من حديث الزهري، عن
محمد بن عبد الله بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث أن الله أرسل إلى
نبيه ملكا من الملائكة، ومعه جبريل، فقال له الملك: إن الله يخيرك بين أن
تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل
كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، بل
أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا (1).
وخرجه عبد الرزاق بنحوه، وقال: عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما
أنا عبد.
وقال حماد: عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو، عن
أبيه قال: ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا، ولا يطأ عقبه رجلان (2).



(1) (المرجع السابق) في شرح الحديث السابق.
وأخرج الترمذي في (الشمائل): 119 باب رقم (22)، ما جاء في تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث
رقم (133)، عن أبي جحيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا، وأخرجه في (السنن)
240 - 241، كتاب الأطعمة، باب (28) ما جاء في كراهية الأكل متكئا، حديث رقم (1830)،
قال: وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث علي بن الأقمر، وروى زكرياء
ابن أبي زائدة وسفيان الثوري وابن سعيد، وغير واحد، عن علي بن الأقمر هذا الحديث، وروى شعبة
عن سفيان الثوري هذا الحديث عن علي بن الأقمر.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1086، كتاب الأطعمة، باب (6) الأكل متكئا، حديث
رقم (3262).
وأخرجه الحميدي في (المسند): 2 / 386، حديث رقم (832) و 395، حديث رقم (892)
والدارمي في (السنن): 2 / 106، باب في الأكل متكئا.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى): 7 / 49، باب ما روي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: أما أن فلا آكل
متكئا، وللبيهقي في (شعب الإيمان): 5 / 106، باب في المطاعم والمشارب، الأكل متكئا، حديث
رقم (5969)، (مسند أحمد): 5 / 398، حديث رقم (18279)، 400، حديث رقم
(18291).
(2) (شعب الإيمان): 5 / 107، حديث رقم (5972).
335
وأما أنه لم يذم طعاما
فخرج البخاري (1) وأبو داود (2) من حديث الأعمش، عن أبي حازم، عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط، إذا اشتهاه أكله،
وإن كرهه تركه. ذكره في كتاب الأطعمة، وذكره البخاري أيضا في المناقب
بهذا الإسناد، غير أنه قال: وإلا تركه.
وخرجه مسلم أيضا ولفظه: قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط،
كان إذا اشتهى شيئا أكله، وإن كرهه تركه (3). وفي رواية قال: ما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه
سكت (4).



(1) (فتح الباري): 9 / 83، كتاب الأطعمة، باب (21) ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما، حديث رقم
(5409) قوله: " ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما " أي مباحا، أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه،
وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة كره، وإن كان من جهة الصنعة لم يكره، قال:
لأن صنعه الله لا تعاب، وصنعة الآدميين تعاب.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر التعميم، فإن فيه كسر قلب الصانع. قال النووي: من آداب
الطعام المتأكدة أن لا يعاب، كقوله: مالح، حامض، قليل الملح، غليظ، رقيق، غير ناضج، ونحو ذلك.
يشنهه سكت "، أي عن عيبه، قال ابن بطال: هذا من حسن الأدب، لأن المرء قد لا يشتهي الشئ
ويشتهيه غيره، وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب.
(المرجع السابق): 6 / 702، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(3563).
(2) (سنن أبي داود): 4 / 137، كتاب الأطعمة، باب (14) باب في كراهية ذم الطعام، حديث رقم
(3763).
(3) (مسلم بشرح النووي): 13 / 269، كتاب الأشربة، باب (35) لا يعيب الطعام، حديث رقم
(178).
(4) (المرجع السابق): حديث رقم (188).
336
وللترمذي (1) من حديث عمر بن عبد الله مولى عفرة قال:
حدثني إبراهيم بن محمد، من ولد علي بن أبي طالب، عن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذم ذواقا ولا
يمدحه.



(1) الحديث الذي في (سنن الترمذي): 4 / 331، كتاب البر والصلة، باب (84) ما جاء في ترك
العيب للنعمة، حديث رقم (2031)، عن الأعمش، عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: " ما عاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله وإلا تركه ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن
صحيح. وأبو حازم هو الأشجعي الكوفي، واسمه سلمان مولى عزة الأشجعية.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1085، كتاب الأطعمة، باب (4) النهي أن يعاب الطعام،
حديث رقم (3259).
337
وأما التسمية إذا أكل وحمد الله بعد فراغه من الأكل
فخرج البخاري والنسائي من حديث سفيان، عن ثور، عن خالد بن
معدان، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال:
الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه، غير مكفي ولا مودع، ولا مستغنى عنه
ربنا (1).
وقال البخاري: كان إذا فرغ من طعامه، ومرة إذا رفع مائدته قال: الحمد
لله الذي كفانا وأروانا، غير مكفئ، ولا مكفور. وقال مرة: لك الحمد ربنا
غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا (2). وخرجه أبو داود وقال: إذا
رفعت المائدة (3)، وخرجه النسائي (4).
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي، عن
أبي عبيد حاجب سليمان، عن نعيم بن سلامة، عن رجل من بني سليم،
وكانت له صحبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: اللهم لك
الحمد، أطعت، وأسقيت، وأشبعت، وأرويت، فلك الحمد غير مكفور،



(1) (فتح الباري): 9 / 723، كتاب الأطعمة، باب (54)، ما يقول إذا فرغ من طعامه، حديث رقم
(5458).
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (5459).
(3) (سنن أبي داود): 4 / 186 - 187، كتاب الأطعمة، باب (53)، ما يقول الرجل إذا طعم، حديث
رقم (3849). قوله: " غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " معناه: إن الله سبحانه هو المطعم
والكافي، وهو غير مطعم ولا مكفي، كما قال سبحانه: (وهو يطعم ولا يطعم) (الأنعام: 14).
وقوله: " مودع "، أي غير متروك الطلب إليه، والرغبة فيما عنده، ومنه قوله سبحانه: (ما ودعك
ربك وما قلى) (الضحى: 3)، أي ما تركك ولا أهانك.
(4) أخرجه النسائي في (السنن الكبرى): كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا شبع من الطعام.
حديث رقم (283)، (284). (هامش (الشمائل)): 160.
338
ولا مودع، ولا مودع، ولا مستغنى عنك (1).
ولأبي داود والنسائي من حديث سفيان، عن أبي هاشم إسماعيل بن
كثير، عن إسماعيل بن رباح، عن رباح بن عبيدة، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا
وسقانا وجعلنا مسلمين (2).



(1) (مسند أحمد): 6 / 335، حديث رقم (21664)، 6 / 341، حديث رقم (21696)،
6 / 350، حديث رقم (21753)، 6 / 358، حديث رقم (21798)، كلهم من حديث أبي أمامة
الباهلي رضي الله تعالى عنه.
وأخرجه الترمذي (في السنن): 5 / 473، كتاب الدعوات، باب (56) ما يقول إذا فرغ الطعام،
حديث رقم (3456)، قوله: " غير مودع... " ينصب على أنه حال من الحمد، ومودع اسم مفعول
من التوديع: أي غير متروك، أو حال من الطعام، يعني لا يكون آخر طعامنا من الله، وغير مستغنى
عنه، أي هو محتاج إليه، و " ربنا " روي بالرفع والنصب والجر.
* فالرفع: على تقدير هو ربنا، وأنت ربنا اسمع حمدنا ودعانا، أو على أنه مبتدأ خبره غير بالرفع
وتقدم عليه.
* والنصب: على أنه منادى حذف منه ياء النداء، أو على المدح أو الاختصاص.
* والجر: على أنه بدل من الله، أو أنه بدل من الضمير في عنه.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى): 7 / 286، كتاب الصداق، باب ما يقول إذا فرغ من
الطعام.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1092 - 1093، كتاب الأطعمة، باب (16) ما يقال إذا
فرغ من الطعام، حديث رقم (3284).
وأخرجه الترمذي في (الشمائل): 159 - 160، باب (28) ما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
الطعام وبعد ما يفرغ منه، حديث رقم (193).
(2) (سنن أبي داود): 4 / 187، كتاب الأطعمة، باب (53) ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم
(3850).
وأخرجه الترمذي في (السنن): 5 / 474، كتاب الدعوات، باب (56) ما يقول إذا فرغ من
الطعام، حديث رقم (3457).
وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل): 159، باب ما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام
وبعد ما يفرغ منه، حديث رقم (192) وهو حديث إسناده ضعيف، فإن إسماعيل بن رباح مجهول
لا يعرف، وباقي رجال الإسناد ثقات، أبو هاشم هو الرماني يحيى بن دينار، وقد اضطرب الرواة في
إسناد هذا الحديث مما يشعر بضعفه، فهو لا يصح مرفوعا ولا موقوفا وإن كان قد حسنه الحافظ.
339
وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن
رباح، عن عبيدة، عن مولى لأبي سعيد، عن أبي سعيد قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاما قال مثله. وإسناد هذا الحديث مضطرب كما
ترى (1).
ولأبي داود والنسائي من حديث ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن
أبي أيوب، عن أبي عقيل القرشي، عن أبي عبد الرحمن الجبلي، عن
أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل
أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم، وسقى، وسوغه، وجعل له
مخرجا (2).
وللنسائي من حديث ابن وهب قال: أخبرني سعد عن عكرمة
ابن عمرو، عن أبي هبيرة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن
من حدم النبي صلى الله عليه وسلم، إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قرب إليه
طعاما قال: بسم الله، فإذا فرغ من طعامه قال: اللهم أطعمت،
وسقيت وأرويت، وهديت، وأحييت، فلك الحمد على ما
أعطيت (3).
ومن حديث زهير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: (دعى) رجل من الأنصار من أهل قباء - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - فانطلقنا



(1) (مصنف ابن أبي شيبة): 5 / 138، باب (26) في التسمية على الطعام، حديث رقم
(24494)، ورقم (24497) من حديث عبد الله بن إدريس، عن حصين، عن إسماعيل بن أبي
سعيد، بمثله، وحديث رقم (24498)، من حديث محمد بن فضيل عن حصين، عن حصين، عن
إسماعيل بن أبي سعيد بمثله.
(2) (سنن أبي داود): 4 / 177 - 178، كتاب الأطعمة، باب (35) ما يقول الرجل إذا طعم، حديث
رقم (3851)، ونسبه المنذري للنسائي، قوله: " سوغه "، جعله سائغا، سهل المدخل في الحلق.
340
معه، فلما طعم وغسل يده أو يديه قال: الحمد لله الذي يطعم ولا
يطعم، من علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد
لله غير مودع ولا مكافأ ولا منكور ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعم
من الطعام، وسقى من الشراب، وكسى من العرى، وهدى من الضلالة،
وبصر من العمى، وفضل على كثير من خلقه تفضيلا، الحمد لله رب
العالمين (1).



(1) لم أجدهما في (السنن)، ولعلهما في (الكبرى).
341
وأما ما يقوله إذا أكل عند أحد
فخرج أبو داود من حديث معمر، عن ثابت، عن أنس (رضي الله عنه)،
أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبز وزيت، فأكل، ثم قال
النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم
الملائكة (1).
وخرج النسائي وقاسم بن أصبغ من حديث وكيع، عن هشام عن يحيى
ابن أبي كثير، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر عند
أهل بيت قال: أفطر عندكم الصائمون.
وخرج مسلم من حديث شعبة، عن يزيد بن خمير، عن عبد الله بن
بسر، قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي (قال:) (2) فقربنا إليه طعاما ووطبة
فأكل منها، ثم أتي بتمر، وكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه، ويجمع
السبابة والوسطى، (قال شعبة:) (2) هو ظني وهو فيه إن شاء الله تعالى،
إلقاء النوى بين (الإصبعين) (2) ثم أتي بشراب فشربه، ثم ناوله الذي عن
يمينه، (قال:) (2) فقال أبي وأخذ بلجام دابته: أدع الله عز وجل لنا، فقال:
اللهم بارك فميا رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم (3).



(1) (سنن أبي داود): 4 / 189، كتاب الأطعمة، باب (55) ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل
عنده، حديث رقم (3854).
(2) زيادات للسياق من (صحيح مسلم).
(3) (مسلم بشرح النووي): 13 / 237 - 238، كتاب الأشربة، باب (22) استحباب وضع النوى
خارج التمر، واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام وطلب الدعاء من الضيف الصالح وإجابته لذلك،
حديث رقم (146).
والوطئة بالهمزة أو بالباء عند أهل اللغة طعام يتخذ من التمر كالحيس. وفي الحديث من الفوائد
أن الشراب ونحوه يدار على اليمين، وفيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل، ودعاء الضيف
بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة، وقد جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة، والله تعالى
أعلم. (مسلم بشرح النووي).
342
ذكره الترمذي بهذا الإسناد في كتاب الدعاء، ولم يقل فيه: ووطئه،
وقال: حديث حسن صحيح (1). وذكره أبو داود وقال في الإسناد: عن
عبد الله بن بسر من بني سليم، وقال في الحديث: فقدم إليه طعاما، فذكر
حيسا أتاه به (2).
وذكره ابن أبي شيبة عن شعبة بهذا الإسناد وقال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزل
على أبي، فأتاه بطعام سويق وحيس، فأكل، وأتاه بشراب، فشرب، وناوله
من عن يمينه، وكان إذا أكل التمر ألقى النوى هكذا، وأشار بأصبعيه على
ظهرهما، فلما ركب النبي صلى الله عليه وسلم قام أبي فأخذ بلجامه فقال: يا رسول الله،
ادع لنا.. الحديث مثله (3).
وخرج عبد الرزاق من حديث (معمر)، عن ثابت البناني، عن أنس أو
غيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال: السلام عليكم
ورحمة الله، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم
حتى سلم ثلاثا ولم يسمعه، فرجع، وأتبعه سعد فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
بأبي أنت وأمي، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم
أسمعك، أحببت أن استكثر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت،
فقرب له زبيبا، فأكل منه نبي الله، فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار،
وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون.



(1) (سنن الترمذي): 5 / 530، كتاب الدعوات، باب (118) في دعاء الضيف، حديث رقم
(3576).
(2) (سنن أبي داود): 4 / 115، كتاب الأشربة، باب (2) في النفخ في الشراب والتنفس فيه، حديث
رقم (3729) (3) (مصنف ابن أبي شيبة): 6 / 112، باب (165) دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي نزل به، حديث رقم
(29868).
343
وأما أكله باليمين
فخرج الحاكم من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: أخبرنا أبو
أيوب، عبد الله بن علي الأفريقي، عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب بن
رافع، عن حارثة بن وهب الخزاعي (1) قال: حدثتني حفصة، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل يساره لما سوى ذلك،
قال: هذا حديث صحيح الإسناد (ولم يخرجاه) (2).
وخرج الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة، حدثنا عاصم بن
بهدلة، عن سواء الخزاعي، عن حفصة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى
فراشه اضطجع على يده اليمنى، وكانت يمينه لأكله وشرابه ووضوئه
وثيابه، وأخذه وعطائه، وكان يجعل (شماله) لما سوى ذلك (3).
وأما أنه كان لا يأكل من الهدية
حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها
فخرج البزار من حديث سعيد بن محمد يمنى الجرمي، (قال:) حدثنا
يحيى بن واضح - هو أبو نميلة - أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن
أبي بكر، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن ابن الحويكة،



(1) في (المستدرك): " جارية بنت وهب الخزاعي ".
(2) (المستدرك): 4 / 122، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7019)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق
منه، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص): في سنده مجهول.
(3) (مسند أحمد): 7 / 408، حديث رقم (25922)، 7 / 409، حديث رقم (25925)، وزاد في
الحديث الأول: " وكان يصوم الاثنين والخميس " وزاد في الحديث الثاني: " وكان يصوم ثلاثة أيام من
كل شهر: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى. وكلا الحديثين من حيث أم المؤمنين حفصة
بنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عن الجميع.
344
عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل من
هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها، للشاة التي أهديت بخيبر (1).
قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمار إلا من هذا الوجه بهذا
الإسناد، وخرجه الطبراني في الكبير من حديث سعيد أيضا به مثله،
وصرح في روايته بتحديث عبد الله بن أبي بكر لمحمد بن إسحاق، وسعيد
ابن محمد الجرمي، من رجال الصحيحين، وأبو نميلة يحيى بن واضح
مخرج له في الصحيح، وابن إسحاق قد صرح بالتحديث، ومحمد بن عبد
الرحمن أخرج له مسلم، ويزيد بن الحوتكية (2) من رجال النسائي، وهو
قوي، لكن حمد بن عبد الرحمن لم أر له رواية عنه سوى هذه، وما أظنه
أدركه، فينظر.
(وقال البكري: وروى محمد بن عبد الرحمن، وحكيم بن جبير، أنهما
سمعا رجلا من بني تميم يقال له ابن الحوتكية يقول: قدمنا على عمر بن
الخطاب فقال لنفر عنده: أيكم حضر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونحن بالقاحة (3) إذ
أهدى الأعرابي إليه الأرنب، فقال قائل: أنا أحدثكم، كنت معه
بالقاحة (3) فأهدى أعرابي أرنبا، وكان لا يأكل هدية بعد الشاة المسمومة
حتى يأكل صاحبها منها، فقال للأعرابي: كل) (4).



(1) (كنز العمال): 7 / 106، حديث رقم (18187) وعزاه إلى الطبراني عن عمار بن ياسر.
(2) هو يزيد بن الحوتكية التميمي الكوفي، روى عن عمر وعمار وأبي ذر وأبي الدرداء وأبي بن كعب.
وعنه موسى بن طلحة بن عبيد الله، قال يعقوب بن شيبة: وكان ابن الحوتكية أحد أخوال موسى بن
طلحة بن عبيد الله، وأكثر ما يأتي غير مسمى.
قال أبو حاتم الرازي: لا أعلم أحدا سماه غير حجاج بن أرطأة عن عثمان بن موهب، عن موسى
ابن طلحة بن عبيد الله، وأكثر ما يأتي غير مسمى.
قال أبو حاتم الرازي: لا أعلم أحدا سماه غير حجاج بن أرطأة عن عثمان بن موهب، عن موسى
ابن طلحة، وذكراه ابن حبان في الثقات، له ترجمة في: (تهذيب التهذيب): 11 / 281، ترجمة
رقم (519).
(3) القاحة مدينة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل. (معجم البلدان): 4 /، 329
موضع رقم (9348).
(4) ما بين الحاصرتين سقط في (ج).
345
فصل في ذكر شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشروباته
إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء، ويبرد له، وشرب اللبن،
وكان ينبذ له فيشربه، وشرب السويق، وكان يشربه مصا، ولا يتنفس في
الإناء، وشرب قائما وقاعدا، وشر ب آخر أصحابه، وكان يؤثر من على يمينه
بسؤره.
وأما طلب الماء العذب
فخرج البخاري ومسلم من حديث يحيى بن يحيى قال: قرأت على
مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك
(رضي الله عنه) يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري المدينة مالا، وكان
أحب أموال إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس رضي الله عنه: فيها نزلت
هذه الآية: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، قام أبو طلحة رضي الله
عنه،، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن الله عز وجل يقول: (لن
تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) (1) وإن أحب أموالي بيرحاء، وإنها صدقة
أرجو برها، وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: بخ، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت، وإني
أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في
أقاربه وبني عمه. ذكره البخاري في كتاب الوكالة، وترجم عليه باب: إذا
قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك الله، وقال الوكيل: قد سمعت ما
قلت. وقال بعقبه: تابعه إسماعيل عن مالك، وقال روح عن مالك: مال



(1) آل عمران: 92.
346
رابح. وذكره في كتاب الزكاة، وفي كتاب التفسير، وفي الأشربة، وفي
الوقوف (1). وذكره مسلم في كتاب الزكاة (2)، وخرجه أبو داود (3)
والنسائي (4)، وألفاظهم فيه مختلفة.
ولأبي داود من حديث قتيبة بن سعيد (قال:) حدثنا الدراوردي عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يستعذب له الماء من بيوت السقيا، قال قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة
يومان (5).
وخرجه الحاكم بهذا السند، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستسقى له



(1) ذكره البخاري في كتاب الزكاة، (44) الزكاة على الأقارب. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: له أجران: أجر
القرابة والصدقة، حديث رقم (1461).
وأخرجه في كتاب الوصايا، باب (10) إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب؟ حديث رقم
(2752)، وفي باب (17) من تصدق إلى وكيله، ثم رد الوكيل إليه، حديث رقم (2758)، وفي
باب (26) إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز، وكذلك الصدقة، حديث رقم (2769).
وفي كتاب الوكالة، باب (15) إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك الله، وقال الوكيل: قد
سمعت ما قلت، حديث رقم (2318).
وفي كتاب التفسير، باب (5) (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، حديث رقم (4554)،
(4555).
وفي كتاب الأشربة، باب (13) استعذاب الماء، حديث رقم (5611).
(2) (مسلم بشرح النووي): 7 / 88 - 89، كتاب الزكاة باب (14) فصل النفقة والصدقة على
الأقربين والزوج والأولاد والوالدان ولو كانوا مشركين، حديث رقم (42).
(3) (سنن أبي داود): 2 / 318 - 319، كتاب الزكاة، باب (45) في صلة الرحم، حديث رقم
(1689).
(4) (سنن النسائي): 6 / 542، كتاب الإحباس، باب (2) كيف يكتب الحبس، حديث رقم
(3604)، وأخرجه النسائي أيضا في (التفسير): سورة آل عمران. قوله: (لن تنالوا البر حتى
تنفقوا مما تحبون)، الحديث (87).
(5) (سنن أبي داود): 4 / 119، كتاب الأشربة، باب (22) في إيكاء الآنية، حديث رقم (3735).
347
الماء العذب من بيوت السقيا. وقال: هذا حديث صحيح على شرط
مسلم (1).
وخرجه أحمد ولفظه: كان يستسقى له الماء العذب من بيوت
السقيا (2). وخرجه ابن حيان كذلك (3).



(1) (المستدرك): 4 / 154، كتاب الأشربة، حديث رقم (7204)، وقد سكت عنه الذهبي في
(التلخيص). قال محقق (المستدرك): عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق من علماء المدينة،
غيره أقوى منه.
قال أحمد بن حنبل: إذا حدث من حفظه بهم، ليس هو بشئ، وإذا حدث من كتابه فنعم.
وقال أحمد أيضا: إذا حدث من حفظه جاء ببواطيل، وأما ابن المديني فقال: ثقة ثبت، وقال أبو
حاتم: لا يحتج به. وقال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح. وقال أبو زرعة: سئ الحفظ، وقال ابن
معين بن عيسى: يصلح الدراوردي أن يكون أمير المؤمنين. (ميزان الاعتدال): 2 / 633.
(2) (مسند أحمد: 7 / 145، حديث رقم (24172).
(3) (أخلاق النبي): 227 - 228.
348
وأما (الآبار) التي كان يستعذب له منها الماء
فقال الواقدي: حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن
جدته سلمى قالت: كان أبو أيوب حين نزل عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب
له الماء من بئر مالك بن أبي أنس، فلما صار إلى منزله كان أنس وهند (1)
وحارثة ابنا أسماء الأسلميان، يحملون قدور الماء إلى بيوت نسائه من
بيوت السقيا، ثم كان رباح - وهو عبد أسود له - يسقى من بئر غرس
مرة، ومن بيوت السقيا بأمره (2).
قال: وحدثني سليمان بن عاصم قال: قال الهيثم بن نصر الأسلمي:
خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت آتية بالماء من
بئر أبي الهيثم بن التيهان جاسم، وكان ماؤها طيبا، ولقد دخل يوما
صائفا، ومعه أبو بكر رضي الله عنه على أبي الهيثم فقال له: هل من ماء
بارد؟ فأتاه بشجب فيه ماء كأنه الثلج، فصب منه على لبن عنز له، وسقاه،
ثم قال له: إن لنا عريشا باردا فقل فيه يا رسول الله عندنا، ونضحه بالماء،
فدخله وأبو بكر، وأتى أبو الهيثم بألوان من الرطب: عجوة (و) ابن طاب،
وأمهات جراذين، ثم جاءهم بعد ذلك بجفنة مملوءة ثريدا عليها العراق (3)،
فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضي الله عنه، وأكلنا، ثم قال: عجبا
للناس! يقولون توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع من خبز الشعير، فلما
حضرت الصلاة، صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي الهيثم، وزوجة أبي
الهيثم خلفنا، ثم سلم وعاد إلى العريش، فصلى فيه ركعتين بعد الظهر



(1) في (الأصلين): " حيدر "، وصوبناه من (طبقات ابن سعد).
(2) في (الأصلين): " مرة "، وصوبناه من (طبقات ابن سعد).
(3) العراق: عظم عليه لحم يسير.
349
ورأيته ينصب اليمنى من رجليه، ويفترش اليسرى.
قال الواقدي: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب من بئر لبني أمية من الأنصار،
تسمى العبيرة، فسماها اليسيرة، وفي رواية: كانت تسمى العسيرة
فسماها اليسيرة، والأول أثبت، وكان يشرب من بئر رومة بالعقيق، وبصق
فيها فعذبت، (قال:) وهي بئر قديمة، قد كانت انطمت، فأتى قوم من
مزينة، فحالفوا الأنصار، وقاموا عليها بأبدانهم فأصلحوها، وكانت رومة
امرأة منهم، أو أمه لهم تستقي منها للناس، فنسب إليها (1).
وقال بعض الرواة: إن الشعبة التي هي طرفها تدعى رومة، والشعبة واد
صغير يجري فيه الماء، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه البئر، فرأى عليها رجلا من
مزينة، يسقى عليها بأجر، فقال صلى الله عليه وسلم: نعم صدقة المؤمن هذه،
فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه بأربع مائة دينار، فتصدق بها، فلما
علق عليها العلق - والعلق: البكرة وآلة السقي - مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(فسأل عنها)، فأخبر خبرها، فقال: اللهم أوجب لعثمان الجنة، وشرب
منها، فقال: هذا هو النقاح (2) (أما إن هذا الوادي ستكثر مياهه ويعذبون
وبئر المزني أعذبها) (3).
وقال محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي
سبرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئر غرس
من عيون الجنة (4).
وذكر الواقدي عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن أبي جعفر قال:



(1) (طبقات ابن سعد): 1 / 504.
(2) (طبقات ابن سعد): 1 / 506، ذكر البئار التي شرب منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3) ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق).
(4) (المرجع الأسبق): 1 / 505.
350
كان يستعذب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء من بئر غرس، ومنها غسل. وفي رواية
وغسل من بئر لسعد بن خيثمة يقال لها بئر الغرس، وكان يشرب منها.
قال الواقدي احتفر بئر غرس: مالك بن النحاط وهو جد سعد بن خيثمة
ابن الحارث بن مالك بن النحاط، وكان له عبد أسود يتولاها، ويقوم عليها،
ويكثر السقى منها، وكان يدعى: سلاما، ويلقب: غرسا، فيغضب،
فنسبت إليه فقيل: بئر غرس، وبئر الغرس. ويقال: إن مالكا احتفرها،
وجعل منها مجرى إلى غرس كان غرسه، فكانت تدعى: بئر الغرس، ثم
حذفت الألف واللام، فقيل: غرس، ويقال: بئر غرس بضم الغين، وهو
خطأ.
قال الواقدي: عن أبي بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه،
عن أبي أسيد، وأبي حميد، وأبي سهل بن سعد، سمعهم يقولون: أتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، وردها في البئر، ومج في الدلو
مرة أخرى، وبصق فيها، وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض، قال:
اغسلوه من ماء بضاعة، فيغسل، فكأنما نشط من عقال (1). قال الواقدي:
تكون بئر بضاعة سبعا في سبع، وعيونها كثيرة، وهي لا تنزح.
وقال هشام بن عمار: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبي
يحيى الأسلمي، عن أمه قالت: دخلنا على سهل بن سعد الساعدي في
بيته، فقال: لو سقيتكم، من بئر بضاعة لكرهتم ذلك، وقد والله سقيت
منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه (2).
قال الواقدي: بضاعة، امرأة قديمة من اليهود، أو قبل اليهود، (كانت)
احتفرتها، ثم إنها انطمت (فنزحها) بنو ساعدة وأصلحوها.



(1) (المرجع السابق): 1 / 505.
(2) (طبقات ابن سعد): 1 / 505.
351
وأما تبريد الماء
فخرج مسلم من حديث جابر الطويل: فأتينا المعسكر، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: يا جابر، ناد بوضوء، فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: فقلت: يا
رسول الله! ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد
لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، فقال لي: انطلق
إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شئ؟ قال: فانطلقت إليه،
فنظرت فيها، فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، ولو أني أفرغته
لشربه يابسه، (فأتيت رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني لم أجد فيها
إلا قطرة في عزلاء شجب منها، ولو أني أفرغه لشربه يابسه)، قال: اذهب
فأتني (به)، فأخذه بيده، ثم جعل يتكلم بشئ لم أدر ما هو، (ويغمزه)
بيده، ثم أعطانيه فقال: يا جابر، ناد بجفنة، فقلت: يا جفنة الركب! فأتيته
بها، فوضعها بين يديه فقال صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا، فبسطها، وفرق بين
أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: خذ يا جابر، فصب على، وقال:
باسم الله. فصببت عليه وقلت: (باسم) الله، فرأيت الماء يتفور من بين
أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فارت الجفنة، ودارت حتى امتلأت. وذكر
الحديث (1)، وقد تقدم بطرقه في المعجزات.
وخرج البخاري من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من



(1) (مسلم بشرح النووي): 18 / 352 - 354، كتاب الزهد والرقائق، باب (18) حديث جابر
الطويل، حديث رقم (3013) وقد سبق شرحه في فصل معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في تكثير الماء،
فليراجع.
352
الأنصار ومعه صاحب له، فسلم النبي وصاحبه، فرد الرجل، فقال: يا رسول
الله! بأبي أنت وأمي، وهي ساعة حارة، وهو يحول في حائط له - يعني
الماء - إن كان عندك ماء بات في شنة، وإلا كرعنا (والرجل يحول الماء في
حائط)، فقال الرجل: يا رسول الله، عندي ماء بات، فانطلق إلى العريش،
فسكب في قدح ماء، ثم حلب عليه من داجن له، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم
أعاده فشرب الرجل الذي جاء معه. ترجم عليه باب: الكرع في الحوض (1)،
وذكره في باب: شوب اللبن بالماء بهذا الإسناد (2).
وذكره أبو داود، ولفظه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم ورجل من أصحابه على
رجل من الأنصار وهو يحول الماء في حائطه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان
عندك ماء بات هذه الليلة في شن، وإلا كرعنا، فقال: بل عندي ماء بات
في شن (3).
وللترمذي (4) والنسائي (5) وأحمد (6)، من حديث سفيان، عن معمر،.



(1) (فتح الباري): 10 / 108، كتاب الأشربة، باب (20) الكرع في الحوض، حديث رقم (5621).
(2) (المرجع السابق): باب (14) شرب اللبن بالماء، حديث رقم (5613)، قوله: " شرب اللبن بالماء ".
أي ممزوجا، وإنما قيده بالشرب للاحتراز عن الخلط عند البيع. ووقع في رواية الكشميهني بالواو بدل
الراء (وهي التي أثبتها المقريزي رحمه الله).
(3) (سنن أبي داود): 4 / 112 - 113، كتاب الأشربة، باب (18) في الكرع، حديث رقم
(3724)، وأخرجه ابن ماجة في الأشربة، باب الشرب الأكف والكرع، حديث رقم (3432).
(3) (سنن الترمذي): 4 / 272، كتاب الأشربة، باب (21) ما جاء أي الشراب كان أحب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم حديث رقم (1895)، من حديث سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة.
وحديث رقم (1896) من حديث عبد الله بن المبارك، عن معمر ويونس عن الزهري، وأخرجه
أيضا في (الشمائل): حديث رقم (105).
(5) أخرجه النسائي في (السنن الكبرى)، كتاب الوليمة.
(6) (مسند أحمد): 7 / 58، حديث رقم (23580)، 7 / 62، حديث رقم (23609)؟، وله شاهد
من حديث ابن عباس ذكره الإمام أحمد في (المسند): 1 / 55، حديث رقم (3119) ولفظه: أن
النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد، وفيه راو لم يسم.
353
عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أحب
الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البرد. قال أبو عيسى: هكذا روى سفيان
ابن عيينة هذا الحديث عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وروى عبد الله ابن المبارك، وعبد الرزاق، وغير واحد، عن معمر، عن
الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم يذكروا فيه: عن عروة، عن عائشة (رضي الله
عنها).
وهكذا روى يونس وغير واحد عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. قال
أبو عيسى: إنما أسنده أبو عيينة من بين الناس، وذكر حديث عبد الله بن
المبارك، أخبرنا معمر ويونس، عن الزهري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي
الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد.
قال أبو عيسى: وهكذا روى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن
النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث ابن عيينة.
وذكره الحاكم (حديث) ابن عيينة وقال: حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه (1). وشاهده حديث هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو
البارد (2).



(1) (المستدرك): 4 / 153، كتاب الأشربة، حديث رقم (7200)، وقال هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه، فإنه ليس عند اليمانيين عن معمر، وقال الذهبي في (التلخيص): على
شرط البخاري ومسلم. لم يروه معمر باليمن.
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (7201)، وقال الذهبي في (التلخيص): عبد الله بن محمد بن
يحيى هالك.
وأخرجه الحميدي في (المسند): 1 / 125، حديث رقم (257)، وأخرجه ابن عدي في
(الكامل): 4 / 184، في ترجمة عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام، رقم
(33 / 1000) مديني، ضعفه أبو حاتم والعقيلي وغيرهم، (لسان الميزان): 3 / 331.
وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف): 5 / 107 - 108، كتاب الأشربة، باب (40) ما يستحب
من الأشربة، حديث رقم (24187)، (24189).
354
وأما قدحه الذي يشرب فيه
فخرج البخاري في كتاب الاعتصام، من حديث أبي أسامة،
عن بريد، عن أبي بردة قال قدمت المدينة فلقيني عبد الله
ابن سلام فقال لي: انطلق إلى المنزل فسأسقيك في قدح (شرب
فيه) النبي صلى الله عليه وسلم، وتصلي في مسجد صلى (فيه) النبي صلى الله عليه وسلم،
فانطلقت معه، فأسقاني سويقا، وأطعمني تمرا، وصليت في
مسجده (1).
وذكره في كتاب الأشربة، من حديث أبي عوانة، عن عاصم الأحول
قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك (رضي الله عنه)، وكان قد
انصدع فسلسلة بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال: قال
أنس (رضي الله عنه): لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح، أكثر من
كذا وكذا (2).
قال: وقال ابن سيرين: أنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن
يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا
صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركه (2).
وذكر في كتاب الخمس، حديث عاصم، عن ابن سيرين،
عن أنس رضي الله عنه، أن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسر، فاتخذ
مكان الشعب سلسلة من فضة، قال عاصم: رأيت القدح



(1) (فتح الباري): 13 / 121، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (16)، حديث رقم (7342).
(2) (فتح الباري): 10 / 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته، حديث
رقم (5638).
355
وشربت فيه (1).
وخرج البخاري (2) ومسلم (3) من حديث أبي حازم، عن سهل بن سعد
قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد: (الساعدي) أن
يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت، فنزلت في أجم بني ساعدة، فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءها، فدخل عليها، فإذا هي امرأة منكسة رأسها،
فلما كلمها (النبي صلى الله عليه وسلم) قالت: أعوذ بالله منك! قال: قد أعذتك مني،
فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، فقالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءك
ليخطبك، فقالت: أنا كنت أشقى من ذلك، قال سهل: فأقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يومئذ حتى جلس في سقيفة بني ساعدة هو وأصحابه، ثم قال: اسقنا
أسهل، فأخرجت لهم القدح فأسقيتهم فيه. قال أبو حازم: فأخرج لنا
سهل ذلك القدح فشربنا فيه، ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز،
فوهبه له.
ولمسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه
قال: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحي هذا الشرب كله: العسل،
والنبيذ، واللبن، والماء (4).
وروى ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله



(1) (فتح الباري): 6 / 216، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه
وقدحه وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته، مما
تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3109).
(2) (المرجع السابق): 10 / 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته،
حديث رقم (5637).
(3) (مسلم بشرح النووي): 13 / 188، كتاب الأشربة، باب (9) إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر
مسكرا، حديث رقم (88). ثم قال: وفي رواية أبي بكر بن إسحاق: " قال اسقنا يا سهل ".
(4) (مسلم بشرح النووي): 13 / 190، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب اللبن، حديث رقم
(89)، وفيه: " والماء واللبن ".
356
عنهما قال: إن صاحب إسكندرية بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح قوارير،
(وكان صلى الله عليه وسلم) يشرب (فيه).
وخرج الحاكم من حديث ابن أبي مليكة، عن عائشة (رضي الله عنها)،
أنها قالت: كنا نضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث أواني مخمرة، إناء
لطهوره، وإناء لشرابه. وقال: حديث صحيح (1). (الإسناد
ولم يخرجاه) (2).



(1) (المستدرك): 4 / 157، كتب الأشربة، حديث رقم (7215)، وقال الذهبي في (التلخيص):
صحيح،.
(2) زيادة للسياق من (المستدرك).
357
وأما شربه اللبن
فخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة، عن أبي إسحاق قال:
سمعت البراء (قال) قدم النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وأبو بكر رضي الله عنه معه،
فقال أبو بكر: مررنا براع وقد عطش رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال أبو بكر رضي
الله عنه: فحلبت كثبة من لبن في قدح، فشرب حتى رضيت، وأتانا سراقة
ابن جعشم على فرس، فدعا عليه، فطلب إليه سراقة (أن لا) يدعو عليه
وأن يرجع، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم (1). اللفظ للبخاري.
ولفظ مسلم: عن البراء قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لما
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، مررنا براع، وقد عطش رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فحلبت له كثبة من لبن، فأتيته به، فشرب حتى رضيت (2).
وأخرجاه في كتاب الهجرة أتم من هذا وأطول.
وللبخاري من حديث سفيان، عن سالم أبي النضر، عن عمير مولى أم
الفضل، عن أم الفضل، أنهم شكوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فبعثت
إليه بقدح من لبن فشربه. ذكره في الأشربة، وترجم عليه باب: الشرب في
الأقداح (3)، وله طرق في كتاب الصيام، وهو مما اتفقا على إخراجه.



(1) (فتح الباري): 10 / 86، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، وقول الله عز وجل: (يخرج من بين
فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين)، حديث رقم (5607)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 190، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب اللبن، حديث رقم
(90).
(3) (فتح الباري): 10 / 86، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، حديث رقم (5603) ولفظه
كما في البخاري: " شك الناس في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بإناء فيه لبن فشرب ".
فكان سفيان ربما قال: " شك الناس في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه أم الفضل " فإذا
وقف عليه قال: هو عن أم الفضل، باب (29) الشرب في الأقداح، حديث رقم (5636).
358
وقال البخاري في باب شرب اللبن: وقال إبراهيم بن طهمان، عن شعبة،
عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفعت
إلى السدرة، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران،
فالنيل والفرات، وأما الباطنان، فنهران في الجنة، فأتيت بثلاثة أقداح: قدح
فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن،
فشربت، فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك (1). وذكره مسلم في كتاب
الإيمان، في حديث الإسراء (2)، وكرر البخاري في مواضع.
ولابن حيان من حديث ياسين الزيات، عن عطاء، عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن (3).



(1) (فتح الباري): 10 / 87، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، حديث رقم (6510).
(2) (مسلم بشرح النووي): 2 / 581 - 583، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
السماوات وفرض الصلوات، حديث رقم (264).
(3) (كنز العمال): 7 / 111، حديث رقم (18223)، وعزاه إلى أبي نعيم في الطب عن ابن عباس.
359
وأما شربه النبيذ
فخرج مسلم من حديث أبي عوانة، عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله
رضي الله (عنهما) قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في تور من حجارة (1).
ومن حديث زهير قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال: كان ينتبذ لرسول
الله صلى الله عليه وسلم في سقاء، فإذا لم يجدوا سقاءا (نبذ) (2) له في تور من حجارة،
فقال بعض القوم: وأنا أسمع لأبي الزبير من برام، قال من برام (3).
ومن حديث شعبة، عن يحيى بن عبيد، أبي عمر البهراني قال:
سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ
(له) أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجئ (والليلة
الأخرى) والغد، والغد إلى العصر، فإن بقي شئ سقاه الخادم، أو أمر به
فصب (4).
وفي رواية له من حديث شعبة، عن يحيى البهراني قال: ذكروا النبيذ
عند ابن عباس فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له في سقاء. قال شعبة:
من ليلة الاثنين، فيشربه يوم الاثنين، والثلاثاء إلى العصر، فإن فضل منه
شئ، سقاه الخادم أو صبه (5).



(1) (مسلم بشرح النووي): 13 / 178، كتاب الأشربة، باب (6) النهي عن الإنتباذ في المزفت والدباء
والحنتم والنقير، وبيان أنه منسوخ وأنه اليوم حلال، ما لم يصر مسكرا، حديث رقم (1999).
(2) في (خ): " نبذوا ".
(3) (المرجع السابق): حديث رقم (62).
(4) (المرجع السابق): حديث رقم (62).
(5) (المرجع السابق): 184 - 185، كتاب الأشربة، باب (9) إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر
مسكرا، حديث رقم (79)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
360
وفي أخرى، عن الأعمش، عن أبي عمر، عن ابن عباس (رضي الله
عنهما) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقع له الزبيب، فيشربه اليوم، والغد،
وبعد الغد، إلى مساء الليلة الثالثة، ثم يأمر به فيسقى، أو يهراق (1).
وخرج أيضا من حديث الأعمش، عن يحيى (بن) أبي عمر، عن ابن
عباس (رضي الله عنهما) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب في
السقاء، فيشربه يومه، والغد، وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالث، شربه،
وسقاه، فإن فضل شئ أهراقه (2).
ومن حديث عبيد الله، عن زيد، عن يحيى أبي عمر النخعي قال: سأل
قوم ابن عباس عن بيع الخمرة، وشرائها، والتجارة فيها، فقال: أمسلمين
أنتم؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا يصلح بيعها، ولا شراؤها، ولا التجارة فيها،
قال: فسألوه: عن النبيذ فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، ثم رجع،
وقد نبذ ناس من أصحابه في حناتم، ونقير، ودباء، فأمر به فأهريق، ثم أمر
بسقاء، فجعل فيه زبيب وماء، فجعل من الليل، فأصبح فشرب منه يومه
ذلك، وليلته المستقبلة، ومن الغد حتى أمسى، فشرب وسقى، فلما أصبح
أمر بما بقي فأهريق (3).
ومن حديث ثمامة بن حزن القشيري، قال: لقيت عائشة رضي الله
عنها، فسألتها عن النبيذ، فدعت جارية حبشية فقالت: سل هذه، إنها
كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت الحبشية: كنت أنبذ له في سقاء من
الليل: وأوكيه، وأعلقه، فإذا أصبح شرب منه (4).



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (81).
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (82).
(3) (المرجع السابق): حديث رقم (83).
(4) (المرجع السابق): حديث رقم (84).
361
وخرج مسلم (1) وأبو داود (2) والترمذي (3) من حديث يونس بن عبيد،
عن الحسن، عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا ننبذ لرسول الله
صلى الله عليه وسلم في سقاء، فنوكئ أعلاه، وله عزلاء، ننبذه غدوة، فيشربه عشاء،
وننبذه عشاء فيشربه غدوة. اللفظ لمسلم. ولفظهما عن عائشة (رضي الله
عنهما) قالت: كان ينبذ.
ولأبي داود من حديث مقاتل ابن حيان، قال: حدثتني عمتي عمرة،
عن عائشة رضي الله عنهما، أنها كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة،
فإذا كان من العشي فتعشى، شرب على عشائه، فإن فضل شئ صببته
أو أفرغته، ثم ينبذل له بالليل، فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه،
قالت: نغسل السقاء غدوة وعشية، فقال لها أبي: مرتين في اليوم؟ قال:
نعم (4).
وللنسائي من حديث العوام، عن عبد الملك بن نافع قال: قال ابن عمر
رضي الله عنه: رأيت رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه نبيذ وهو عند
الركن، ودفع إليه القدح، فرفعه إلى فيه، فوجده شديدا فرده علي صاحبه،
فقال رجل من القوم: يا رسول الله! أحرام هو؟ فقال: على بالرجل، فأتي
به، فأخذ منه القدح، ثم دعا بماء فصبه فيه، ثم رفعه إلى فيه فقطب، ثم



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (85).
(2) (سنن أبي داود): 4 / 104، كتاب الأشربة، باب (10) في صفة النبيذ، حديث رقم (3711).
والعزلاء: فم المزادة، وقد يكون ذلك للسقاء من أسفله، ويجمع على العزالي. (معالم السنن).
(3) (سنن الترمذي): 4 / 261 - 262، كتاب الأشربة، باب (7)، ما جاء في الانتباذ في السقاء،
حديث رقم (1871)، قال: وفي الباب عن جابر وأبي سعيد وابن عباس. قال أبو عيسى: هذا
حديث غريب لا نعرفه من حديث يونس بن عبيد إلا من هذا الحديث من غير هذا الوجه عن عائشة
أيضا.
(4) (سنن أبي داود): 4 / 104، باب (10) في صفة النبيذ، حديث رقم (3712).
362
دعا بماء أيضا، فصبه فيه، ثم قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية
فاكسروا متونها بالماء (1).
قال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور، ولا
يحتج بحديثه، والمشهور عن ابن عمر (رضي الله عنهما) خلاف حكايته،
وقال الدارقطني: وهو مجهول ضعيف، والصحيح عن ابن عمر: أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام (2).
وخرج الدارقطني من حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن المطلب بن
أبي وداعة السهمي قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في يوم قائظ شديد
الحر، (فاستسقى) رهطا من قريش فقال: هل عند أحد منكم شراب
فيرسل إلي؟ فأرسل رجل منهم إلى منزله، فجاءت جارية معها إناء فيه نبيذ
(زبيب)، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا خمرته، ولو بعود تعرضيه عليه،
فلما أدناه منه، وجد له رائحة شديدة، فقطب، ورد الإناء، فقال الرجل: يا
رسول الله! إن يكن حراما لم تشربه، (فاستعاد) الإناء، وصنع مثل ذلك،
وقال الرجل مثل ذلك، فدعا بدلو من ماء زمزم فصبه على الإناء وقال: إذا
اشتد عليكم شرابكم فاصنعوا (به) هكذا. قال الدارقطني: الكلبي
متروك، وأبو صالح ضعيف، واسمه بأذان، مولى أم هانئ (3).



(1) (سنن النسائي): 8 / 728، كتاب الأشربة، باب (48) ذكر الأخيار التي اعتل بها من أباح شراب
السكر، حديث رقم (5710)، قوله: " فوجده شديدا " لعل المراد به - إن صح الحديث - أنه وجده
قريبا من الإسكار، وأنه ظهر فيه مبادئ السكر، بحيث إنه لو ترك على حاله لأسكر من قريب.
قوله: " فقطب " بتشديد الطاء أو تخفيفه، أي جمع ما بين عينيه كما يفعله العبوس، أي عبس
وجهه، وجمع جلدته لما وجد مكروها.
قوله: " إذا اغتلمت " أي اشتدت واضطربت عند الغليان، والمراد إذا قاربت الاشتداد، والله تعالى
أعلم. (حاشية السندي).
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (5714)، ولفظه: " المسكر قليله وكثيره حرام "، تفرد به النسائي.
(3) (سنن النسائي): 4 / 261 - 262، حديث رقم (81).
363
وذكره أيضا من حديث يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن
خالد بن سعد، عن أبي مسعود الأنصاري (1). ومن حديث زيد بن
الحباب، عن سفيان الثوري، عن منصور (2)، ثم قال: لا يصح هذا عن زيد
ابن الحباب، ولم يرو على (غير) التسع، وهو ضعيف، وهذا حديث
معروف بيحيى بن يمان، ويقال: إنه انقلب عليه الإسناد، واختلط عليه
تحديث الكلبي عن أبي صالح.
وقال الواقدي: حدثني سفيان بن سعيد عن الكلبي، عن أبي صالح،
عن المطلب بن أبي وداعة قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في يوم صائف
وعطش، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول الله! عندنا شراب من هذا
الزبيب، أفلا نسقيك منه؟ قال: بلى، قال: فبعث الرجل إلى بيته، فأتى
بقدح (عظيم)، فأدناه النبي صلى الله عليه وسلم من فيه ليشربه، فوجد له ريحا (شديدة)
فكرهه، فرده، (قال:) ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، ثم دعا به، قال: وأتى بماء
من زمزم فصب عليه، حتى رأيت الماء يفيض من جوانبه، وشرب منه
(حاجته)، ثم ناوله الذي عن يمينه، وقال: من أرابه من شرابه ريب،
فليكسره بالماء.
قلت: وقد خرج مسلم (3) وأبو داود (4) هذا الحديث مختصرا، من
حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر (رضي الله عنه) قال: كنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول الله! ألا نسقيك نبيذا؟ قال:
بلى، قال: فخرج الرجل يسعى، وقال أبو داود: يشتد، فجاء بقدح فيه
نبيذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته؟ ولو تعرض عليه (عودا). وقال
الخطابي (5): غير الأصمعي يقول: تعرضه، بكسر الراء.



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (84).
(2) (المرجع السابق): حديث رقم (86).
(3) (مسلم بشرح النووي): 13 / 193، كتاب الأشربة، باب (11) في شرب النبيذ وتخمير الإناء،
حديث رقم (94).
(4) (سنن أبي داود): 4 / 118، كتاب الأشربة، باب (22) في إيكاء الآنية، حديث رقم (3734).
(5) (معالم السنن) على هامش (سنن أبي داود).
364
وأما أنه لا يتنفس في الإناء
فخرج البخاري (1) ومسلم (2) من حديث وكيع، عن عروة بن ثابت
الأنصاري، عن ثمامة بن عبيد الله بن أنس، عن أنس (رضي الله عنه قال:)
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا. ولفظ البخاري: حدثني
ثمامة بن عبد الله قال: كان أنس (رضي الله عنه) يتنفس في الإناء ثلاثا،
وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس ثلاثا.
ولمسلم من حديث عبد الوارث بن سعيد، عن أبي عصام، عن أنس
رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا، ويقول:
إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ. قال أنس (رضي الله عنه) فأنا أتنفس في الشراب
ثلاثا (3).
وخرجه أبو داود من حديث هشام، عن أبي عصام، عن أنس (رضي الله
عنه) قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثا، ويقول: هو أهنأ،
وأمرأ، وأبرأ (4).
وللترمذي من حديث رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن
عباس رضي الله (عنهما)، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس



(1) (فتح الباري): 10 / 114، كتاب الأشربة، باب (26) الشرب بنفسين أو ثلاثة، حديث رقم
(5631).
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 210، كتاب الأشربة، باب (16) كراهة التنفس في نفس الإناء
واستحباب التنفس خارج الإناء، حديث رقم (122).
(3) (المرجع السابق): حديث رقم (123).
(4) (سنن أبي داود): 4 / 114، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى يشرب، حديث رقم
(3727).
365
مرتين (1)، ولفظه في (الشمائل): كان إذا (شرب تنفس) مرتين (2). قال
أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن
كريب. قال: وسألت عبد الله بن عبد الرحمن عن رشدين بن كريب،
قلت: هو أقوى أو محمد بن كريب؟ فقال: ما أقر بهما ورشدين بن كريب
أرجحهما عندي. قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا فقال: محمد
ابن كريب أرجح من رشدين بن كريب (3).
قال أبو عيسى: والقول عندي ما قال (أبو) محمد (عبد الله:) رشدين
ابن كريب أرجح وأكبر، وقد أدرك ابن عباس ورآه، وهما أخوان، وعندهما
مناكير (3).
قلت: قال ابن معين: ليس بشئ ليس بثقة، ومرة قال: ضعيف الحديث.
وقال السعدي: لا يقرأ حديثه. وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري:
منكر الحديث وفيه نظر. قاله ابن عدي (و) قال: (أحاديثه) مقاربة، لم أر
فيها حديثا منكرا جدا، وهو على ضعفه محمد يكتب حديثه.
وروى أبو بكر الشافعي من حديث يحيى بن سعيد، عن سعيد بن



(1) (سنن الترمذي): 4 / 268، كتاب الأشربة، باب (14) ما ذكر من الشرب بنفسين، حديث رقم
(1886).
(2) (الشمائل المحمدية): 174، باب (23) ما جاء في صفة شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(212)، وما بين الحاصرتين في (خ)، (ج): " إذا تنفس شر " وهو ضعيف الإسناد، وفي إسناده
رشدين بن كريب بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم، وهو ضعيف وباقي رجال الإسناد ثقات.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1131، كتاب الأشربة، باب (18) الشرب بثلاثة أنفاس،
حديث رقم (3417).
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 1 / 468 - 469، حديث رقم (2566)، 1 / 470، حديث رقم
(5732) كلاهما من مسند عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(3) (سنن الترمذي): 4 / 268، كتاب الأشربة، تعقيب أبي عيسى الترمذي على الحديث رقم
(1886)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
366
المسيب، عن ربيعة بن أكثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا،
ويشرب مصا، ويقول: هو هو أهنأ وأمرأ.
وخرجه أبو جعفر العقيلي في كتاب (الصحابة)، من حدث اليمان بن
عدي الحمصي قال: حدثني ثابت بن كثير الضبي، عن يحيى بن سعيد،
عن سعيد بن المسيب عن بهز، ومن حديث علي بن ربيعة القرشي، عن
يحيى بن سعيد بن المسيب (عن) ربيعة بن أكثم.
قال ابن عبد البز: هذان الحديثان: حديث بهز، وحديث ربيعة بن
أكثم، ليس لإسناديهما عن سعيد أصل، وليسا بصحيحين من جهة
الإسناد عندهم.
وخرج ابن حيان من حديث محمد بن جعفر الوركاني، حدثنا سعيد بن
ميسرة، حدثنا أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(يشرب جرعة، ثم قطع، ثم سمى، (ثم) جرع، ثم قطع، ثم جرع، ثم
قطع، ثم سمى ثلاثا حتى فرغ، فلما فرغ حمد الله عليه).
وروى أبو بكر الشافعي، من حديث عيسى بن يونس، عن المحلى بن
غزوان، عن شقيق، عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا شرب تنفس على الإناء ثلاثة، يحمد الله على كل نفس، ويشكره
عند آخرهن.

367
وأما إيثاره من على يمينه
فخرج البخاري من حديث شعيب، عن الزهري قال: حدثني أنس بن
مالك رضي الله عنه، أنها حلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة داجن، وهو في دار
أنس بن مالك، وشيب لبنها بماء في البئر التي في دار أنس بن مالك،
فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح فشرب منه، حتى إذا نزع القدح من فيه،
وعلى يساره أبو بكر رضي الله عنه، وعن يمينه أعرابي، فقال عمر رضي الله
عنه - وخاف أن يعطيه لأعرابي -: أعط أبا بكر يا رسول الله عندك،
فأعطاه الأعرابي الذي عن يمينه، ثم قال: الأيمن، فالأيمن. ذكره في كتاب
الشرب، في باب: من رأى صدقة الماء، وهبته، ووصيته جائزة، وفي باب:
شرب الماء باللبن (1).
وخرجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس
(رضي الله عنه) قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا
ابن عشرين، وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته، فدخل علينا دارنا،
فحلبنا له من شاة داجن، وشيب له من بئر في الدار، فشرب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر وأبو بكر رضي الله عنهما عن شماله: يا رسول الله،
اعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيا عن يمينه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأيمن
فالأيمن (2).



(1) (فتح الباري): 10 / 92 - 93، كتاب الأشربة، باب (14) شرب اللبن بالماء، حديث رقم
(5612).
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 212، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن
ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (124).
368
وخرج البخاري (1) ومسلم (2) وأبو داود (3)، من حديث مالك عن ابن
شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتي بلبن قد شيب بماء،
وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه، فشرب، ثم أعطى
الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن ترجم عليه البخاري باب: الأيمن فالأيمن في
الشرب. وذكره في أول كتاب الهبة، من حديث إسماعيل بن جعفر،
وسليمان بن بلال، عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن حزم، عن
أنس (رضي الله عنه) بمعنى ما تقدم، وفي آخره ألا فيمنوا، الأيمنون،
الأيمنون، قال أنس: فهي سنة، فهي سنة، فهي سنة (4)، وهو مما اتفقا عليه
من حديث سليمان بن بلال، عن أبي طوالة.
(قال الحافظ أبو نعيم: وهو صحيح متفق عليه، رواه عن الزهري صالح
ابن كيسان، وعبيد الله بن عمر، وابن جريج، ومعمر، والأوزعي، ويزيد بن
أبي حبيب، والزبيدي، وشعيب، وعقيل، ويونس، وقرة، وإسحاق بن
راشد، والنعمان بن راشد، وأبو أويس، ويوسف بن الماجشون، وعبيد الله
ابن أبي زياد، وسفيان بن حسين، وزكريا بن إسحاق، وصالح بن الأخضر،
وزمعة بن صالح، ()، وعبد الرحمن بن إسحاق) (2).
قال ابن عبد البر: ولم تختلف الرواة عن مالك في إسناده (هذا)



(1) (فتح الباري): 10 / 105، كتاب الأشربة، باب (18) الأيمن فالأيمن في الشرب، حديث رقم
(5619).
(2) (مسلم بشرح النووي): 13 / 211، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن
ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (124).
(3) (سنن أبي داود): 4 / 113 - 114، كتاب الأشربة باب (19) في الساقي متى يشرب، حديث
رقم (3726).
(4) (فتح الباري) % 5 / 252، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (4) من استسقى، حديث
رقم (2571).
(5) ما بين الحاصرتين سقط في (خ).
369
الحديث ولا في ألفاظه فيما علمت، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب
فأحسن سياقته، وذكر فيه ألفاظا لم يذكرها مالك، فذكر حديث سفيان
الذي خرجه مسلم، ثم قال: وقد روى هذا الحديث محمد بن الوليد
البشري، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن أنس،
مثل رواية ابن عيينة عن الزهري سواء، وزاد فيه: وقال الأيمن فالأيمن،
فمضت سنة.
قال الدارقطني: ولم يرو أحد هذا الحديث بهذه الألفاظ، إلا البسري عن
ابن مهدي، عنه، وإن كان حفظ فقد أغرب بألفاظ عدد ليست في الموطأ
منها قوله: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن
عشرين، وكن أمهاتي يحتثثنني على خدمته، فدخل النبي (عليه السلام)
دارنا، فحلبنا له من شاة لنا داجن، فكل هذه الألفاظ ليست في الموطأ،
وقوله أيضا: وعمر ناحية، فقال: أعط أبا بكر، ليست في الموطأ، وقوله:
فمضت سنة، ليست في الموطأ، ولا في حديث ابن عيينة أيضا، وسائر
الألفاظ كلها محفوظة عن ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس (رضي الله
عنه).
وقد بلغني عن بعض من تكلف الكلام في هذا الشأن أنه قال: الأعرابي
في هذا الحديث: هو خالد بن الوليد! وهذا منه إغفال شديد، وإقدام على
القول بالظن، الذي هو أكذب الحديث، أو تقليد لمن سلك سبيله في
ذلك، ووهم بين، وغلط واضح من وجهين:
أحدهما: أن الأعرابي كان عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس هذا،
وخالد بن الوليد كان في قصة ابن عباس عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن
عباس عن يمينه.
والآخر: أنه اشتبه عليه حديث سهل بن سعد في الأشياخ مع

370
الغلام، مع حديث أنس في أبي بكر والأعرابي وإنما دخلت الشبهة
في ذلك - والله أعلم - لأن في حديث سهل: وعن يمينه غلام،
وعن يساره الأشياخ، والأشياخ أحدهم خالد بن الوليد. وقصة
ابن عباس وخالد، غير قصة أبي بكر والأعرابي، وحديث أنس غير
حديث سهل بن سعد، فقف على ذلك، ولا تلتفت إلى ما سواه.
انتهى.
وحديث سهل الذي أشار إليه الدارقطني، خرجه البخاري ومسلم من
حديث مالك، عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي
رضي الله عنه. (قال) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه، وعن
يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي (هؤلاء)؟
فقال الغلام: لا، والله لا أؤثر نصيبي منك أحدا، فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في
يده. اللفظ لمسلم (1).
وذكره البخاري في كتاب الهبة، في باب: الهبة المقبوضة وغير
المقبوضة (2)، وذكره مسلم من حديث عبد العزيز بن أبي حازم، ويعقوب
ابن عبد الرحمن القاري، كلاهما عن أبي حازم بمثله، ولم يقولا: فتله،
ولكن في رواية يعقوب قال: فأعطاه إياه (3).
وذكره البخاري في الأشربة، وفي المظالم من حديث مالك عن أبي حازم
ترجم عليه في الأشربة، باب: هل يستأذن الرجل من غير يمينه في



(1) (مسلم بشرح النووي): 13 / 214، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن
ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (127).
(2) (فتح الباري): 5 / 282، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (23) الهبة المقبوضة وغير
المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة، حديث رقم (2605).
(3) (مسلم بشرح النووي): 13 / 214 - 215، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن
ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (128).
371
الشرب (1)، وترجم عليه في المظالم باب: إذا أذن له أو أجله ولم يبين كم
هو (2). وذكره في الهبة في باب: هبة الواحد للجماعة، وقال فيه: وقال
للغلام: إن أذنت لي أعطيت هؤلاء، فقال: ما كنت أوثر بنصيبي منك يا
رسول الله أحدا فتله في يده (3).
وذكره في أول كتاب الشرب في باب: من رأى صدقة الماء وهبته
ووصيته جائزة، مقسوما كان أو غير مقسوم، من حديث أبي غسان،
حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب منه،
وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: يا غلام! أتأذن أن
أعطي الأشياخ؟ قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدا يا رسول الله،
فأعطاه إياه (3).
وذكره في باب: من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، من
حديث عبد العزيز عن أبي حازم، عن سهل عن سعد.. الحديث بمثل
حديث أبي غسان، غير أنه قال: وهو أحدث القوم، وقال: أتأذن لي، وقال
لا أوثر بنصيبي (3).
قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث مالك عن أبي حازم المتقدم ذكره،
روى ابن أبي حازم هذا الحديث، عن أبيه فقال فيه: وعن يساره أبو بكر
رضي الله عنه، ثم ساق معنى حديث مالك سواء، وذكر أبي بكر في هذا
الحديث عندهم خطأ، وإنما هو محفوظ في حديث ابن شهاب.



(1) (فتح الباري): 10 / 106، كتاب الأشربة، باب (19) هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب
ليعطي الأكبر؟ حديث رقم (5620).
(2) (فتح الباري): 5 / 129 - 130، كتاب المظالم، باب (12) إذا أذن له أو أحله ولم يبين كم هو،
حديث رقم (2451).
(4) (المرجع السابق): كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (22) هبة الواحد للجماعة، حديث
رقم (2602) باختلاف يسير في اللفظ.
372
وذكر من طريق أبي عيسى الترمذي، حديث علي بن زيد، عن عمرو
ابن أبي حرملة، عن ابن عباس رضي الله (عنهما) قال: دخلت أنا وخالد
ابن الوليد رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة، فجاءتنا بإناء من
لبن، فشرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا عن يمينه، وخالد عن شماله، فقال لي:
الشربة لك، وإن شئت أمرت بها خالدا: فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤرك
أحدا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهم بارك لنا
فيه، وزدنا منه، وقال صلى الله عليه وسلم: ليس بشئ يجزئ مكان الطعام والشراب غير
اللبن (1).
قال ابن عبد البر: والشراب المذكور في هذا الحديث - يعني حديث
مالك عن أبي حازم - كان لبنا.
وذكر من طريق قاسم بن أصبغ، حديث إسماعيل بن جعفر قال:
أخبرني أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح من
لبن، وغلام عن يمينه، والأشياخ أمامه وعن يساره، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال للغلام: يا غلام! أتأذن لي أن أسقى الأشياخ؟ قال: ما أحب أن أؤثر
بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك
الأشياخ. قال: والغلام المذكور في هذا الحديث هو ابن عباس، والأشياخ:
خالد بن الوليد، أو منهم خالد بن الوليد.
وذكر من حديث إسماعيل بن زكريا الخلقاني أبو زياد، عن سفيان، عن
علي بن زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال:



(1) (سنن الترمذي): 5 / 472 - 473، كتاب الدعوات، باب (55) ما يقول إذا أكل طعاما، حديث
رقم (3455)، وقال: هذا حديث حسن، وروى بعضهم هذا الحديث عن علي بن زيد فقال: عن
عمر بن حرملة. وقال بعضهم: عمرو بن حرملة، ولا يصح.
وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل): 170، باب (31) ما جاء في صفة شراب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (206)، وهو حديث حسن، وقد سبق تخريجه.
373
أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقعب من لبن، فشرب منه، وابن عباس عن يمينه، وخالد بن
الوليد عن يساره، فقال: يا ابن عباس! إن الشربة لك، فإن شئت أن تؤثر
بها خالد ا، فقلت: ما أؤثر بسؤرك على أحدا.
وقد روى الحميدي الحديث عن سفيان، فخالف في إسناده الخلقاني،
والحميدي أثبت منه.
وذكر حديث الترمذي، أخبرنا الحميدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا علي بن
زيد بن جدعان، عن عمر بن حرملة، عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال:
دخلت مع رسول الله على خالتي ميمونة، معنا خالد بن الوليد، فقالت له
ميمونة: ألا نقدم إليك يا رسول الله شيئا أهدته لنا أم حفيد؟ قال: بلى،
فأتته بضباب مشوية، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفل ثلاث مرات، ولم
يأكل منها، وأمرنا أن نأكل، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. بإناء فيه لبن، فشرب،
وأنا عن يمينه، وخالد عن يساره، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشربة لك يا
غلام، وإن شئت آثرت بها خالدا، فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أحدا، ثم قال: من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه
(وأبدلنا ما هو خير منه، ومن سقاه الله لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا
منه)، فإني لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب غيره (1). قال: ورواه
شعبة، عن عمرو بن حرمل، عن ابن عباس (رضي الله عنه) مثله.
وقال أبو داود الطيالسي: كذا قال لي شعبة وغيره، يقول عمر بن
حرملة، وقال الترمذي: اختلف الناس في رواية هذا الحديث، عن علي بن
زيد بن جدعان، وروى بعضهم عن علي بن زيد، عن عمر بن أبي حرملة،
وروى بعضهم (عن) شعبة، عن علي بن زيد، عن عمرو بن حرملة،



(1) (سنن الترمذي): 1 / 225 - 226، حديث رقم (482)، وأخرجه أبو داود في (السنن): 4 /
116، كتاب الأشربة، باب (21) ما يقول إذا شرب اللبن، حديث رقم (3730).
374
والصحيح: عمر بن أبي حرملة.
وأما شربه آخر أصحابه
فخرج ابن حيان من حديث يزيد الرقاشي، عن أنس (رضي الله عنه)
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقي أصحابه، قالوا: يا رسول الله! لو شربت،
فقال صلى الله عليه وسلم: ساقي القوم آخرهم شربا (1).
وقد خرج أبو بكر بن أبي شيبة (2)، وأبو داود (3) هذا الحديث من طريق
شعبة، عن أبي المختار الأسدي، عن ابن أبي أوفى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ساقي
القوم آخرهم شربا.
وخرجه الترمذي (4) والنسائي (5)، من حديث حماد بن زيد، عن ثابت



(1) (الأمثال في الحديث النبوي لأبي الشيخ): 320، حديث رقم (182) من حديث عبد الله بن
رباح عن أبي قتادة، و (أخلاق النبي): ص 242.
(2) (مصنف ابن أبي شيبة): 5 / 110، كتاب الأشربة، باب (46) ساقي القوم، حديث رقم
(24216)، وأخرجه أيضا من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح عن أبي
قتادة، حديث رقم (24217) ولفظه: " ساقي القوم آخرهم شربا ".
(3) (سنن أبي داود): 4 / 113، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى يشرب، حديث رقم
(3725).
(4) (سنن الترمذي): 4 / 271، كتاب الأشربة، باب (20) ما جاء أن ساقي القوم آخرهم شربا،
حديث رقم (1894)، قال: وفي الباب عن ابن أبي أوفى، قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن
صحيح.
(5) أخرجه النسائي في (الكبرى): الوليمة، باب متى يشرب ساقي القوم؟
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1135، كتاب الأشربة، باب (26) ساقي القوم آخرهم
شربا، حديث رقم (3434).
وأخرجه ابن حيان في (المثال في الحديث النبوي): 220، حديث رقم (181)، عن عبد الله ابن
رباح، عن أبي قتادة: " ساقي القوم آخرهم " ورقم (183) مثله، (184)، (185)، (186)،
(187) بأسانيد مختلفة.
وأخرجه ابن حبان في (صحيح): 12 / 154 - 155، كتاب الأشربة، باب (1) آداب الشرب،
ذكر الأمر للقوم إذا اجتمعوا على ما ء وأراد أحدهم أن يسقيهم أن يبدأ حتى يكون هو آخرهم شربا،
حديث رقم (5338) من حديث عبد الله بن رباح عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ساقي
القوم آخرهم ".
وأخرجه الإمام مسلم في (الصحيح): 5 / 193، كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، باب
(55) قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث رقم (681)، وفيه: قال صلى الله عليه وسلم: " إن
ساقي القوم آخرهم شربا "، قال الإمام النووي: فيه هذا الأدب من آداب شاربي الماء واللبن ونحوهما
وفي معناه ما يفرق على الجماعة من المأكول، كلحم وفاكهة وشموم وغير ذلك، والله تعالى أعلم
(مسلم بشرح النووي).
375
البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة (رضي الله عنه)، أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ساقي القوم آخرهم يعني شربا. ولم يقل النسائي: يعني شربا.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولم أر تلك الزيادة إلا في ما
خرجه ابن حبان.
وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما وقاعدا
فخرج البخاري من حديث مسعر (عن) عبد الملك، بن ميسرة، عن
النزال، قال: أتى علي رضي الله عنه باب الرحبة، فشرب قائما، فقال: إن
ناسا يكره أحدهم أن يشرب. وهو قائم، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل
كما رأيتموني فعلت (1).
ومن حديث شعبة، (حدثنا عبد الملك بن ميسرة، سمعت النزال بن
سبرة، يحدث عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه صلى الظهر، ثم
قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتي
بماء، فشرب (فضلة وهو قائم، وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم



(1) (فتح الباري): 10 / 99 - 100، كتاب الأشربة، باب (16) الشرب قائما، حديث رقم
(5615).
376
قام، فشرب فضلة وهو قائم) ثم قال: إناسا يكرهون الشرب قائما، وإن
النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت (1). ذكرهما في الأشربة، في باب الشرب
قائما.
وذكر في الحج في باب: ما جاء في زمزم، حديث عاصم عن الشعبي،
أن ابن عباس (رضي الله عنهما) حدثه قال: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من
زمزم، فشرب وهو قائم، فحلف عكرمة، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ إلا على
بعير (2). وذكره مسلم في الأطعمة، ولم يقل: قال عاصم.. إلى آخره (3).
وذكره البخاري في الأشربة، ولفظه عن ابن عباس (رضي الله عنهما)
قال: شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائما من زمزم (4)، ولفظ مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب
من زمزم من دلو منها وهو قائم (5). وفي لفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من
زمزم وهو قائم (6). وفي آخر: سمع ابن عباس (رضي الله عنهما) (يقول):
سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب قائما، واستسقى صلى الله عليه وسلم وهو عند
البيت (7).
ولأبي بكر بن أبي شيبة، من حديث محمد بن فضيل، عن عطاء بن
(المسيب)، عن ميسرة قال: رأيت عليا رضي الله عنه يشرب قائما، فقلت



(1) (المرجع السابق): حديث رقم (5616).
(2) (فتح الباري): 3 / 629، كتاب الحج، باب (76) ما جاء في زمزم، حديث رقم (1637).
(3) (مسلم بشرح النووي): 13 / 208، كتاب الأشربة، باب (15) في الشرب من زمزم قائما،
حديث رقم (117).
(4) (فتح الباري): 10 / 100، كتاب الأشربة، باب (16) الشرب قائما، حديث رقم (5617).
(5) (مسلم بشرح النووي): 13 / 208 - 209، كتاب الأشربة، باب (15) في الشرب قائما، حديث
رقم (118).
(6) (المرجع السابق): حديث رقم (119).
(7) (المرجع السابق): حديث رقم (120).
377
له: تشرب قائما! فقال: لئن شربت قائما، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب
قائما، ولئن شربت قاعدا، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قاعدا (1).
وللترمذي من حديث حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا. قال أبو عيسى: هذا
حديث حسن (صحيح) (2).
ولابن حيان من حديث مكحول، أن مسروقا حدثهم عن عائشة رضي
الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قاعدا، وقائما، وصلى حافيا، ومنتعلا،
وانصرف عن يمينه، وعن شماله (3).



(1) (مصنف ابن أبي شيبة): 5 / 99 - 100، كتاب الأشربة، باب (25) من رخص في الشرب
قائما، حديث رقم (24099).
(2) (سنن الترمذي): 4 / 266 - 267، كتاب الأشربة، باب (12) ما جاء في الرخصة في الشرب
قائما، حديث رقم (1883)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(3) (أخلاق النبي): 225، الحديث أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند): 2 / 36، حديث
رقم (6590)، 2 / 372 - 373، حديث رقم (6622)، 2 / 374، حديث رقم (6641)، 2 /
392، حديث رقم (6744)، 2 / 419، حديث رقم (6889)، 2 / 434، حديث رقم
(6982)، وكلها شواهد يصح بها هذا الحديث، والبيهقي في (السنن الكبرى)، 2 / 431، من
طريق آخر عن عائشة رضي الله عنها.
وذكر الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة): 1 / 288، حديث رقم (177)، ثم قال:
وظاهر النهي في هذه الأحاديث يقيد تحريم الشرب قائما بلا عذر، وقد جاءت أحاديث كثيرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم شرب قائما، فاختلف العلماء في التوفيق بينها، والجمهور على أن النهي للتنزيه، والأمر بالاستقاء
للاستحباب.
وخالفهم ابن حزم، فذهب إلى التحريم، ولعل هذا هو الأقرب للصواب، فإن القول بالتنزيه لا
يساعد عليه لفظ " زجر "، ولا الأمر بالاستقاء، لأنه - أعني الاستقاء -. فيه مشقة شديدة على
الإنسان، وما أعلم إن في الشريعة مثل هذا التكليف كجزاء لمن تساهل بأمر مستحب، وكذلك قوله:
" قد شرب معك الشيطان " فيه تنفير شديد عن الشرب قائما، وما إخال ذلك يقال في ترك مستحب.
وأحاديث الشرب: قائما يمكن أن تحمل على العذر كضيق المكان، أو كون القرية معلقة، وفي
بعض الأحاديث الإشارة إلى ذلك. والله تعالى أعلم. (المرجع السابق): 289.
378
وللترمذي في (الشمائل)، من حديث سفيان، عن يزيد بن يزيد بن
جابر، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن جدته كبشة، قالت: دخل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من (في) قربة معلقة قائما، فقمت إلى فيها
فقطعته (1).
ومن حديث ابن جريج، عن عبد الكريم، عن البراء بن زيد بن بنت أنس
ابن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل وقربة معلقة، فشرب من فم القربة، وهو قائم،
فقامت أم سليم إلى رأس القربة فقطعتها (2).
* (1) (الشمائل المحمدية): 175، باب (32) ما جاء في صفة شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
(213)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن الترمذي): 4 / 270، كتاب الأشربة، باب
(18) ما جاء في الرخصة في الشرب قائما، حديث رقم (1892)، قال أبو عيسى: هذا حديث
حسن صحيح غريب، ويزيد بن يزيد بن جابر هو أخو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو أقدم منه
موتا.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1132، كتاب الأشربة، باب (21) الشرب قائما، حديث
رقم (3423)، وفيه: " فقطعت فم القربة، تبتغى بركة موضع في رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 7 / 587، حديث رقم (26902)، وقال وقرئ عليه هذا
الحديث - يعني سفيان - سمعت يزيد عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدتي وهي كبيشة (بيت
ثابت أخت حسان). (التهذيب).
والحميدي في (المسند) 1 / 172، حديث رقم (354)، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه):
12 / 138 - 139، كتاب الأشربة، باب (1) آداب الشرب، ذكر إباحة شرب الماء إذا كان قائما،
حديث رقم (5318).
قال الإمام النووي في (شرح مسلم): 13 / 205 - 206، كتاب الأشربة، باب (13) آداب
الطعام والشراب وأحكامهما في شرح الحديث رقم (110) بعد أن ذكر حديث كبيشة قال:
وقطعها لفم القربة فعلته لوجهين: أحدهما: أن تصون موضعا أصابه فم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يبتذل
ويمسه كل أحد.
والثاني: أن تحفظه للتبرك به والاستشفاء، والله تعالى أعلم. فهذا الحديث يدل على أن النهي
ليس للتحريم. والله تعالى أعلم.
(2) (الشمائل المحمدية): 176 - 177، حديث رقم (215) وهو حديث صحيح لغيره، تفرد به
الترمذي. وله ما يشهد لصحته من طرق آخر. *

379
فصل في طب رسول الله صلى الله عليه وسلم (*)



* - قال العلامة ابن القيم: المرض نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان، وهما مذكوران في القرآن
ومرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي، وكلاهما في القرآن.
قال تعالى في مرض الشبهة: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) (البقرة: 10)، وقال تعالى:
(وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا) (المدثر: 31).
وقال تعالى في حق من دعى إلى تحكيم القرآن والسنة، فأبى وأعرض: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله
ليحكم بينهم إذا فريق معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم
ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون) (النور: 48 - 50)، فهذا مرض
الشبهات والشكوك.
وأما مرض الشهوات فقال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن
بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) (الأحزاب: 32)، فهذا مرض شهوة الزنى، والله تعالى أعلم.
وأما مرض الأبدان، فقال تعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض
حرج) (النور: 61)، وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمة القرآن،
والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: حفظا للصحة، والحمية
عن المؤذى، واستفراغ المواد الفاسدة. فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة:
فقال في آية الصوم: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (البقرة: 184)،
فأباح الفطر للمريض لعذر المرض، وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته، لئلا يذهبها الصوم في السفر،
لاجتماع شدة الحركة، وما يوجبه من التحليل، وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل، فتخور القوة
وتضعف، فأباح للمسافر الفطر، حفظا لصحته وقوته عما يضعفها.
وقال في آية الحج: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأوه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)
(البقرة: 196)، فأباح للمريض، ومن به أذى من رأسه، من قمل، أو حكة، أو غيرهما، أن يحلق رأسه
في الإحرام، استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر، فإذا
حلق رأسه، تفتحت المسام، فخرجت تلك الأبخرة منها.
فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي احتباسه، والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها
عشرة: الدم إذا هاج، والمنى إذا تبيغ، والبول، والغائط، والريح، والقئ، والعطاس، والنوم، والجوع،
والعطش. وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه.
وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها، وهو البخار المحتقن في الرأس، على استفراغ ما هو أصعب منه
كما هي طريقة القرآن في التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من
الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) (النساء: 43)، فأباح للمريض العدول عن
الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل
أو خارج، فقد أرشد - سبحانه - عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده، ونحن نذكر هدى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وتبين أن هديه فيه أكمل هدى.
فأما طب الأبدان فإنه نوعان:
نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقة وبهيمه، فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب، كطب الجوع،
والعطش، والبرد والتعب بأضدادها وما يزيلها.
والثاني: ما يحتاج إلى فكر وتأمل، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج، بحيث يخرج بها
عن الاعتدال، إما إلى حرارة، أو برودة، أو يبوسة، أو رطوبة، أو ما يتركب من اثنين منها.
فالطبيب هو الذي يفرق بين ما يضر بالإنسان جمعه، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه، أو ينقص منه
ما يضره زيادته، أو يزيد فيه ما يضره نقصه، فيجلب الصحة المفقودة، أو يحفظها بالشكل والشبه،
ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض، ويخرجها، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية.
فكان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ولكن
لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم ولا هدى أصحابه استعمال هذه الأدوية المركبة، التي تسمى: أقرباذين، بل
كان غالب أدويتهم بالمفردات، وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه، أو بكسر سورته، وهذا غالب طب
الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والترك، وأهل البوادي قاطبة، وإنما عني بالمركبات الروم
واليونان، وأكثر طب الهند بالمفردات.
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل عنه إلى الدواء، ومتى أمكن
بالبسيط لا يعدل عنه بالمركب. قالوا وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية، لم يحاول دفعه
بالأدوية.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " لكل داء دواء " تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء
والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله، تعلق قلبه بروح الرجاء، وبردت
عنده حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء.
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه، وأمراض الأبدان على
وزن أمراض القلوب، وما جعل الله للقلب مرضا إلا جعل له شفاء بضده، فإن علمه صاحب الداء
واستعمله، وصادف داء قلبه، أبرأه بإذن الله تعالى. (زاد المعاد): 4 / 5 - 17، مختصرا.
380
إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض، وسحر، واحتجم، وتداوى، وسم ورقا.

381
أما طبه صلى الله عليه وسلم
فخرج النسائي والدولابي من حديث محمد بن يوسف، عن سفيان،
عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عبد الله بن مسعود، رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله داءا إلا أنزل له دواء. وقال
الدولابي: شفاء، فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر. وقال
النسائي: خالفه عبد الرحمن وذكر حديث عبد الرحمن، عن سفيان، عن
يزيد، عن قيس بن مسلم، عن طارق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم
يضع داءا إلا وضع له شفاء، وعليكم بألبان البقر، فأمر بها وقال: إنها دواء
من كل داء. فهذه ثلاثة أحاديث: أولها: مسند، والثاني: مرسل،
والثالث: موقوف على ابن مسعود (1). وخرجه ابن حبان، عن
سفيان به (2).



(1) أخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد): 3 / 437 - 438، من حديث الأعمش عن أبي
صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، وابن أبي شيبة في (المصنف): 5 / 30، كتاب الطب، باب (1)
من رخص في الدواء والطب. حديث رقم (23404)، وفيه " إن الله تبارك وتعالى لم ينزل داء إلا
أنزل معه شفاء "، وحديث رقم (23405)، وفيه: إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا "،
وحديث رقم (23406)، وفيه: " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء ". وحديث رقم (23407)،
وفيه: " تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1138، كتاب الطب، باب (1) ما أنزل الله داء إلا أنزل
شفاء، حديث رقم (3438)، (3439).
(2) (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان): 13 / 427،
كتاب الطب، ذكر الأمر بالتداوي، إذ الله
جل وعلا لم يخلق داء إلا خلق له دواء خلا شيئين، حديث رقم (6061) من حديث، حدثنا زياد
ابن علاقة، سمع أسامة بن شريك يقول: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم والأعراب يسألونه: يا رسول الله، هل
علينا جناح في كذا - مرتين - فقال: عباد الله، وضع الله الحرج إلا امرؤ اقترض من عرض أخيه شيئا،
فذلك الذي حرج "، قالوا: يا رسول الله، فهل علينا جناح أن نتداوى؟ فقال: " تداووا عباد الله، فإن الله
لم يضع داء إلا وضع له دواء ". قالوا: يا رسول الله، فما خير ما أعطي العبد؟ قال: خلق حسن، قال
سفيان (بن عيينة): ما على وجه الأرض اليوم إسنادا أجود من هذا.
وفي باب ذكر الإخبار عن إنزال لكل داء دواء يتداوى به، حديث رقم (6062)، وهو حديث
ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
وفي باب ذكر الإخبار بأن العلة التي خلقها الله جل وعلا إذا عولجت بدواء غير دوائها لم تبرأ حتى
تعالج به، حديث رقم (6063)، عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن لكل داء دواء، فإذا أصيب
دواء الداء برأ بإذن الله ".
وفي باب ذكر وصف الشيئين اللذين لا دواء لهما، حديث رقم (6064)، عن أسامة بن شريك،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تداووا، فإن الله لم ينزل داء إلا وقد أنزل له شفاء، إلا السام والهرم، وهو
حديث إسناده صحيح، ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير أن أسامة بن شريك لم يخرج له الشيخان،
وحديثه عند أصحاب السنن.
وفي باب ذكر خبر أوهم غير المتبحر في صناعة العلم أن ألبان البقر نافعة لكل من به علة من
العلل، حديث رقم (6075) من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنزل الله
داء إلا أنزل له دواء، فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر " إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
وحديث رقم (23408)، وفيه: " إن الله لم ينزل داء - أو لم يخلق داء - إلا وقد أنزل - أو خلق -
له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلا السام " قالوا: يا سول الله! وما السام؟ قال: " الموت "،
وحديث رقم (2341)، وفيه: " أن رجلا من أسلم أصابه جرح، فاحتقن الدم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دعا له رجلين من بني أنمار فقال: " أيكما أطب؟ " فقال رجل: يا رسول الله، أفي الطب خير؟ فقال
صلى الله عليه وسلم: " إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء "، وحديث رقم (23411)، عن أبي قلابة قال: (وقيل من
راق) (القيامة: 27) قال: من طبيب، وحديث رقم (23412) عن أبي قلابة، عن كعب قال: إن الله
يقول: أنا الذي أصح وأداوي ".
وخرج أبو عبد الله الحاكم في (المستدرك): 4 / 441، كتاب (48) الطب، حديث رقم
(8205): " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله " ثم قال:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص): صحيح.
وحديث رقم (8206): " وفيه: " نعم تداووا عبا د الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء
غير داء واحد "، قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: " الهرم " قالوا: يا رسول الله ما خير ما أعطي
الإنسان؟ قال: " خلق حسن "، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد فقد رواه عشرة من أئمة
المسلمين وثقاتهم عن زياد بن علاقة، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص): صحيح، رواه عشرة من
أئمة المسلمين عن زياد.
وحديث رقم (8224): " عليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل شجر وهو شفاء من كل داء "،
ثم قال: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص): صحيح.
وأخرجه العلاء الهندي في (كنز العمال): 10 / 4 - 8، كتاب الطب والرقى والطاعون، من
طرق وبسياقات مختلفة، الأحاديث أرقام (28077) إلى (28099).
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند)، 1 / 623، حديث رقم (3568) من حديث عبد الله بن
مسعود رضي الله تعالى عنه، 2 / 36، حديث رقم (4322) من حديث عبد الله بن مسعود رضي
الله تعالى عنه.
وأخرجه الترمذي في (السنن) % 4 / 335، كتاب الطب، باب (2) ما جاء في الدواء والحث
عليه، حديث رقم (2038) من حديث أبي عوانة، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، قال أبو
عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة، وأبي خزامة عن أبيه وابن عباس، وهذا حديث حسن
صحيح.
وأخرجه أبو داود في (السنن): 4 / 192، كتاب الطب، باب (1) في الرجل يتداوى، حديث
رقم (3855)، قال الشيخ: في الحديث إثبات الطب والعلاج، وأن التداوي مباح غير مكروه، كما
ذهب إليه بعض الناس.
وفيه أنه جعل الهرم داء، وإنما هو ضعف الكبر، وليس من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان
من قبل اختلاف الطبائع، وتغير الأمزجة، وإنما شبهه بالداء لأنه حالب للتلف، كالأدواء التي قد
يتعقبها الموت والهلاك، وهذا كقول النمر بن تولب:
دعوت ربي السلامة جاهدا * ليصحني فإذا السلامة داء
يريد: أن العمر لما طال به أداه إلى الهرم فصار بمنزلة المريض الذي قد أدنفه الداء وأضعف قواه،
وكقول حميد بن نور الهذلي:
أرى بصري قد رابني بعد صحة * وحسبك داء أن تصح وتسلما
وحدثني إبراهيم بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا ابن أبي قماش، حدثنا ابن عائشة - عن حماد
ابن سلمة، عن حميد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو لم يكن لابن آدم إلا السلامة والصحة
لكان كفى بهما داء قاضيا " (معالم السنن).
382
وأما حمية المريض
خرج أبو داود من حديث فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن
ابن صعصعة (الأنصاري)، عن يعقوب بن أبي يعقوب، عن أم المنذر بنت

384
قيس الأنصارية، قالت: دخل (على) رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي رضي الله
عنه، وعلى (ناقة ولنا دوال) معلقة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وقام
علي ليأكل، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: مه إنك ناقة، حتى كف
علي رضي الله عنه، قالت: وصنعت شعيرا، وسلقا، فجئت به، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم % (يا) علي، أصب من هذا فهو أنفع لك (1).
إطعام المريض ما يشتهيه
خرج قاسم بن أصبغ، من حديث أبي مكين، نوح بن ربيعة البصري،
عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا



(1) (سنن أبي داود): 4 / 193، كتاب الطب، باب (2) في الحميد، حديث رقم (3856)، وما بين
الحاصرتين زيادة للسياق منه، والدوالي: جم دالية وهي الفرق من البسر، يعلق حتى إذا رطب أكل،
مه: اسم فعل أمر بمعنى أكفف، ناقة: أي قريب عهد بالمرض لم يستكمل صحته.
وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 335، كتاب الطب، باب (1) ما جاء في الحمية، حديث
رقم (2037)، وقال فيه: " فإنه أوفق لك ". وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا
من حديث فليح ويروى عن فليح عن أيوب بن عبد الرحمن. ثم قال: حدثنا محمد بن بشار،
حدثنا أبو عامر وأبو داود قال: حدثنا فليح بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن، عن يعقوب عن أم
المنذر الأنصارية في حديثه قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديث يونس بن محمد، إلا
أنه قال: " أنفع لك "، وقال محمد بن بشار: وحدثنيه أيوب بن عبد الرحمن، هذا حديث جيد
غريب.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1139، كتاب الطب، باب (3) الحمية، حديث رقم
(3442).
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 7 / 506، حديث رقم (24511)، من حديث أم المنذر
بنت قيس الأنصارية رضي الله عنها.
وأعلم أن في منع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي وهو ناقة أحسن التدبير، فإن الدوالي أقناء
من الرطب تلعق في البيت للأكل بمنزلة عناقيد العنب، والفاكهة تضر بالناقة من المرض لسرعة
استحالتها، وضعف الطبيعة عن دفعها، فإنها لم تتمكن بعد من قوتها، وهي مشغولة بدفع آثار
العلة، وإزالتها من البدن (زاد المعاد): 4 / 105.
385
من الأنصار، قال: ما تشتهي؟ قال: أشتهي خبز بر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من
عنده خبز بر: فانطلق رجل، فجاء بكسرة خبز بر، فأطعمها النبي صلى الله عليه وسلم إياه
وقال: النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه (1).



(1) (سنن ابن ماجة): 1 / 463، كتاب الجنائز باب (1) ما جاء في عيادة المريض، حديث رقم
(1439)، 2 / 1139، كتاب الطب، باب (2) المريض يشتهي الشئ، حديث رقم (3440)،
وحديث رقم (3441)، وفيه " أشتهي كعكا، والكعك خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب
والسكر، أو غير ذلك، والواحدة كعكة: والكلمة فارسية معربة، وفي الأول صفوان بن هبيرة، وهو
لين الحديث، وفي الثاني يزيد الرقاشي وهو ضعيف.
386
العين حق ودواء المصاب
خرج البخاري ومسلم (1)، من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا
وهيب عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شئ سابق القدر، سبقته العين، وإذا
استغسلتم فاغسلوا (2).



(1) في (الأصلين): " مسلم والنسائي " والصواب ما أثبتناه.
وفي هذا الحديث سر طبي لطيف، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي، وكان
فيه ضرر ما، كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه، وإن كان نافعا في نفسه، فإن صدق شهوته، ومحبة
الطبيعة يدفع ضرره، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع، قد يجلب لها منه ضررا.
وبالجملة: فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية، فتهضمه على أحمد الوجوه، سيما عند
انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة، وصحة القوة، والله تعالى أعلم. (زاد المعاد): 4 / 106.
(2) (فتح الباري): 10 / 249، كتاب الطب، باب (36) العين حق، حديث رقم (5740) ولفظه:
" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق. ونهى عن الوشم "، وأخرجه أيضا بسنده ولفظه في كتاب اللباس،
باب (86) الواشمة، حديث رقم (5944).
قوله: " العين حق "، أي الإصابة بالعين شئ موجود، أو هو من جملة ما تحقق كونه. قال
المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث، وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى، لأن كل شئ ليس محالا
في نفسه، ولا يؤدي إلى قلب حقيقة، ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول، فإذا أخبر الشرع
بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى، وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة؟
(فتح الباري).
قوله: " العين حق ونهى عن الوشم "، لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين، فكأنهما حديثان
مستقلان، ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة ا لثانية من روايتهما، مع أنهما أخرجاه من رواية عبد
الرزاق، الذي أخرجه البخاري من جهته، ويحتمل أن يقال: المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا
منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي.
والوشم بفتح الواو وسكون المعجمة: أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم،
ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر (فتح الباري).
قال الحافظ في (الفتح): وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها، وهي أن من
جملة الباعث على الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين، فنهى عن الوشم مع إثبات العين، وأن
التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا، وأن الذي قدره الله سيقع.
وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس رفعه: " العين حق، ولو كان شئ سابق القدر لسبقته العين،
وإذا استغسلتم فاغسلوا " (سيأتي شرحه).
فأما الزيادة الأولى، ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات، وفيها إشارة إلى الرد
على من زعم من المتصوفة أن قوله: " العين حق " يريد به القدر أي العين التي تجري منها الأحكام، فإن
عين الشئ حقيقته، والمعنى أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر، إنما هو بقدر الله
السابق، لا بشئ يحدثه الناظر في المنظور.
ووجه الرد: أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد أن العين من جملة
المقدور، لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها، وإما
بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا
أنه يمكن أن يرد القدر شئ، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، وهو لا راد لأمره، أشار إلى ذلك
القرطبي. وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف
غيرها. (فتح الباري).
وأخرجه الإمام مسلم في (صحيحه بشرح النووي): 14 / 422 - 424، كتاب السلام، باب
(16) الطب والمرض والرقي، حديث رقم (2187) ولفظه: " العين حق "، وحديث رقم (2188)
بزيادة: ولو كان شئ سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا ".
قال الحافظ في (الفتح): وأما الزيادة الثانية وهي أمر العاين بالاغتسال عند طلب المعيون منه
ذلك، ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم، وأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم،
وظاهر الأمر الوجوب، وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك، وكان
اغتسال العائن مما جرت العادة الشفاء به فإنه يتعين.
وقد وقع في حديث سهل من حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف " أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا
كانوا بشعب الخرار من الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف - وكان أبيض حسن الجسم والجلد - فنظر
إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط - أي صرع وزنا ومعنى - سهل. فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تتهمون به من أحد؟ قالوا: عامر بن ربيعة، فدعا عامر فتغيظ عليه، فقال:
علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ ثم قال اغتسل له، فغسل وجهه ويديه
ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخله إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه
على رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس " لفظ أحمد من
رواية أبي أويس عن الزهري. (فتح الباري)، ومنه تنبيهات:
الأول: اقتصر النووي في (الأذكار) على قوله: الاغتسال أن يقال للعائن: اغسل داخله إزاك مما
يلي الجلد، فإذا فعل صبه على المنظور إليه، وهذا يوهم الانتصار على ذلك، وهو عجيب، ولا سيما
وقد نقل في (شرح مسلم) كلام عياض بطوله.
الثاني: قال المازري: هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا
يعقل معناه، وقال ابن العربي: إن توقف فيه متشرع قلنا له: قال الله ورسوله أعلم - وقد عضدته
التجربة، وصدقته المعاينة، أو متفلسف، فالرد عليه أظهر، لأن عنده الأدوية تفعل بقواها، وقد تفعل
بمعنى لا يدرك، ويسمون ما هذا سبيله الخواص.
الثالث: هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام، فقد أرشد
الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكور كما مضى: " إلا بركت عليه "، وفي
رواية ابن ماجة: " فليدع بالبركة "، ومثله عند ابن السني من حديث عامر بن ربيعة.
وأخرج البزاز وابن السني من حديث أنس رفعه: " من رأى شيئا. وأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة
إلا بالله، لم يضره ".
وفي الحديث من الفوائد أيضا: أن العائن إذا عرف يقضى عليه بالاغتسال، وأن الاغتسال من
النشرة النافعة، وأن العين تكون مع الاعجاب، ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل
الصالح.
وأن الذي يعجبه الشئ ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه،
وأن الماء المستعمل طاهر، وفيه جواز الاغتسال بالفضاء، وأن الإصابة بالعين قد تقتل.
وقد اختلف في جريان القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة، وهو في ذلك كالساحر عند من لا
يقتله كفرا، وقال النووي في (الروضة): لا دية فيه ولا كفارة.
387
ولأبي داود من حديث جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن
عائشة رضي الله عنها (قالت): كان يؤمر العائن فيتوضأ، ثم يغتسل منه
المعين (1).
وللنسائي من حديث عمار بن زريق، عن عبد الله بن عيسى، عن أمية



(1) (سنن أبي داود): 4 / 210، كتاب الطب، باب (15) ما جاء في العين، حديث رقم (3880)،
والعائن: الذي أصاب غيره بالعين، يراد به الحاسد، والمعين: - المصاب بعين غيره - أي المسحود.
389
ابن خالد، - كذا قال - عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال:
خرجت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر، فأصبنا غديرا خمرا، وكان
أحدنا يستحي أن يتجرد وأحد يراه، فاستتر حتى رأى أن قد فعل، نزع
جبة صوف عليه، فنظرت إليه فأعجبني خلقه، فأصبته بعين، فأخذته
فقفقة، فدعوته فلم يجبني، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: قوموا بنا،
فرفع عن ساقيه حتى خاض إليه الماء، فكأني أنظر إلى وضح ساقي النبي
صلى الله عليه وسلم، فضرب صدره وقال: بسم الله، اللهم أذهب حرها، وبردها، ووصبها
ثم بإذن الله، فقام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأى أحدكم من نفسه، أو
ماله، أو أخيه شيئا يعجبه، فليدع بالبركة، فإن العين حق (1).
ولمالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه قال:
رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا
جلد مخبأة، فلبط سهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله هل لك
في سهل بن حنيف؟ والله ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون له أحدا؟
قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه
وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا (بركت)؟ اغتسل له، فغسل عامر
وجهه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطرق رجليه، وداخله إزاره في قدح، ثم
صب عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس (2).



(1) راجع تعليق رقم (3).
(2) (شرح الزقاني على الموطأ): 4 / 406، كتاب الجامع، باب (650) الوضوء من العين، حديث رقم
(1810) عن مالك عن محمد بن أبي أمامة، وحديث رقم (1811) عن مالك عن ابن شهاب عن
أبي أمامة.
قوله: " جلد مخبأة " بضم الميم وخاء معجمة وموحدة والهمز: وهي المخدرة المكنونة، التي لا تراها
العيون، ولا تبرز للشمس فتغيرها، يعني أن جلد سهل كجلد المخبأة إعجابا بحسنه. (الزرقاني).
وفي (النهاية): المخبأة، الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعد، لأن صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت.
390
لم يذكر يحيى في هذا الحديث غسل اليدين، وقال القعنبي، وابن
بكير، وجماعة الرواة عن مالك: فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه. قال أبو
عمر بن عبد البر: ليس في حديث مالك هذا في غسل العائن عن النبي
(عليه السلام) أكثر من قوله: اغتسل له، وفيه كيفية الغسل من فعل عامر
بن ربيعة (1).
ورواه معمر عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: رأى
عامر بن ربيعة سهل بن حنيف وهو يغتسل، فتعجب منه، فقال: تالله إني
رأيت كاليوم ولا جلدة مخبأة في خدرها، أو قال: جلد فتاة في خدرها،
قال: فلبخ به حتى ما يرفع رأسه، قال: فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
هل أحدا (تتهمون)؟ قالوا: لا يا رسول الله، إن عامر بن ربيعة قال له:
كذا، وكذا، فدعا عامرا فقال: سبحان الله! علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا
رأى منه شيئا يعجبه، فليدع له بالبركة، قال: ثم أمره، فغسل وجهه،
وظهر عينيه، ومرفقيه، وغسل صدره، وداخل إزاره، وركبتيه، وأطراف
قدميه ظاهرهما في الإناء، ثم أمره فصبه على رأسه، وكفأ الإناء من خلفه،



(1) قال الزهري: وهذا من العلم، يغتسل العائن في قدح من ماء، يدخل يده فيه، فيمضمض ويمجه في
القدح، ويغسل وجهه فيه، ثم يصب بيده اليسرى على كتفه اليمنى، ثم باليمنى على كتفه
اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمنى، ثم بيده اليمنى على مرفق يده
اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليمنى
فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة واحدة، ويضع القدح حتى يفرغ.
هكذا رواه ابن أبي ذئب عن الزهري، عن ابن أبي شيبة، وهو أحسن ما فسر به، لأن الزهري راوي
الحديث.
وزاد ابن حبيب في قول الزهري: هذا يصب من خلفه صبة واحدة يجري على جسده، ولا يوضع
القدح في الأرض، ويغسل أطرافه المذكورة كلها، وداخلة الإزار في القدح. قاله في (التمهيد).
زاد في (الإكمال): الزهري أخبر أنه أدرك العلماء يصفونه، واستحسنه علماؤنا، ومضى به
العمل. (الزرقاني).
391
قال: وأمره فحسا منه حسوات، قال: فقام فراح مع الركب، فقال جعفر بن
برقان للزهري: ما كان نعد هذا حقا، فقال بل هي السنة. قال أبو عمر:
وأحسن شئ في تفسير الاغتسال للمعين (حقا) ما وصفه الزهري، وهو
راوي الحديث (1).
وذكر عن طريق قاسم بن أصبغ، حديث ابن أبي ذؤيب، عن الزهري،
عن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه، أن عامرا مر به وهو يغتسل، فقال: ما
رأيت كاليوم ولا جلدة مخبأة، قال: فلبط به، حتى ما يعقل لشدة الوجع،
فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ عليه، فدعاه النبي (عليه السلام)
فقال: قتلته؟ علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ فأمر النبي (عليه
السلام) بذلك، فقال: اغسلوه، فخرج مع الركب.
قال: وقال الزهري: إن هذا من العلم، يغتسل له الذي عانه، (يؤتى)
بقدح من ماء، فيدخل يده في القدح، فيمضمض، ويمجه في القدح،
ويغسل وجهه في القدح، ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى، ثم
بكفه اليمنى على كفه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب بها على
مرفق يده اليمنى، ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه
اليمنى، ثم يدخل (يده) اليمنى، فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدخل يده
اليمنى فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخلة إزاره، فيصب على رأسه صبة
واحدة تجري على جسده، ولا يوضع القدح حتى يفرغ (2).



(1) راجع التعليق السابق.
(2) سبق ذكر في التعليقات السابقة.
وحديث الاغتسال للمعين ذكره ابن ماجة في (السنن): 2 / 1160، كتاب الطب، باب (32)
العين، حديث رقم (3509)، وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف): 5 / 49، كتاب الطب، باب
(27) من رخص في الرقية من العين، حديث رقم (33585)، وفيه صفة الوضوء عن الزهري
وحديث رقم (33586)، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأمر العائن أن يتوضأ فيغسل الذي
أصابته العين، وحديث رقم (33587) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العين حق، وإذا
استغسل أحدكم فليغتسل ".
والبيهقي في (السنن الكبرى): 9 / 352، كتاب الضحايا، باب الاغتسال للمعين.
قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد): والعين عينان: عين إنسية، وعين جنية، فقد صح عن أم
سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال صلى الله عليه وسلم: " استرقوا لها فإن لها النظرة
(أخرجه البخاري في الطب، باب رقبة العين، ومسلم في السلام باب رقبة العين، والسفعة - بفتح
السين ويجوز ضمها - سواد في الوجه، ومنه سفعة الفرس: سواد ناصيته، وعن الأصمعي: حمرة
يعلوها سواد، وقيل: صفرة، وقيل: سواد مع لون آخر، وقال: ابن قتيبة: لون يخالف لون الوجه،
وكلها متقاربة).
وعن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان، ومن عين الإنسان (أخرجه الترمذي،
والنسائي، وابن ماجة، وحسنه الترمذي، وتمامه: فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك).
فأبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها،
وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا، وأبدعهم معرفة عن
الأرواح والنفوس، وصفاتها، وأفعالها، وتأثيراتها.
وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع العين ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه
وجهه تأثير العين.
فقالت طائفة: إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعث من عينه قوة سمية تتصل
بالمعين فيتضرر. قالوا: ولا يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قود سمية من الأفعى تتصل بالإنسان،
فيهلك، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك، فكذلك
العائن.
وقالت فرقة أخرى: لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية، فتتصل
بالمعين، وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر.
وقالت فرقة أخرى: قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن لمن يعينه،
من غير أن يكون منه قوة ولا سبب ولا تأثير أصلا، وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات
في العالم، وهؤلاء قد سددوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب، وخالفوا العقلاء
أجمعين.
ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها
خواص وكيفيات مؤثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار الأرواح في الأجسام، فإنه أمر مشاهد
ومحسوس.
فأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه، ويصفر صفرة
شديدة عند نظر من يخافه إليه، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه، وهذا كله
بواسطة تأثير الأرواح لشدة ارتباطها بالعين ينسب إليها، وليست هي الفاعلة، وإنما التأثير
للروح.
والأرواح مختلفة في طبائعها، وقواها، وكيفياتها، وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى
بينا، ولهذا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شره، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره
إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين: فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف
بكيفية خبيثة، تقابل المحسود، فتؤثر فيه بتلك الخاصية.
وأشبه الأشياء بهذا الأفعى، فإن السم كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة
غضبية، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين،
ومنها ما تؤثر في طمس البصر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر وذوي الطفيتين من الحيات: " إنهما
يلتمسان البصر ويسقطان الحبل " (أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب قول الله تعالى: (وبث فيها
من كل دابة)، ومسلم في السلام، باب قتل الحيات وغيرها، من حديث ابن عمر، والطفيتان: هما
الخطان الأبيضان على ظهر الحية، والأبتر: قصير الذنب، وقوله: يلتمسان البصر، قال الخطابي: فيه
تأويلان، أحدهما: معناه يخطفان البصر ويطمسانه بمجرد نظرهما إليه، بخاصية جعلها الله تعالى في
بصريهما إذا وقع على بصر الإنسان، والثاني: أنهما يقصدان البصر باللسع والنهش، والأول أصح
وأشهر).
ومنها ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به، لشدة خبث تلك النفس،
وكيفيتها الخبيثة المؤثرة، والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية، كما يظنه من قل علمه
ومعرفته بالطبيعة والشريعة.
بل التأثير يكون تارة بالاتصال، وتارة بالمقابلة، وتارة بالرؤية، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر
فيه، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات، وتارة بالوهم والتخيل.
ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشئ، فتؤثر نفسه
فيه، وإن لم يره، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية.
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر) (القلم:
51)، وقال: (قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر
النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد) (سورة الفلق).
فكل عائن حاسد، وليس كل حاسد عائنا، فلما كان الحاسد أعم من العائن، كانت الاستعاذة منه
استعاذة من العائن، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة
وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه، أثرت فيه، ولا بد وإن صادفته حذرا شاكي السلاح
لا منفذ فيه للسهام، لم تؤثر فيه، وربما ردت السهام على صاحبها، وهذا بمثابة الرمي الحسى سواء.
فهذا من النفوس والأرواح، وذاك من الأجسام والأشباح، وأصله من إعجاب العائن بالشئ، ثم
تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين، وقد يعين الرجل نفسه،
وقد يعين بغير إرادته، بل بطبعه، وهذا أردأ من يكون من النوع الإنساني.
وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء: إن من عرف بذلك، حبسه الإمام، وأجرى له ما ينفق عليه
إلى الموت، وهذا هو الصواب قطعا. (زاد المعاد): 4 / 164 - 168.
392
وزاد ابن حبيب في قول الزهري: هذا يصب من خلفه صبة واحدة، تجري
على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض، ويغسل أطرافه المذكورة كلها،
وداخله إزاره في القدح. انتهى كلام ابن عبد البر (1).



(1) المرجع السابق.
395
التداوي بالعجوة
خرج البخاري من حديث هاشم بن هاشم، أخبرنا عامر بن سعد عن
أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اصطبح كل يوم بتمرات (1) عجوه، لم
يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل (2). وقال غيره (3): سبع تمرات (4).
وخرجه مسلم ولفظه من تصبح بسبع تمرات.. مثله سواء. وفي لفظ:
من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح، لم يضره سم حتى
يمسي (5).



(1) في (الأصلين): " بثمرات " وصوبناه من البخاري.
(2) في (الأصلين *: " الليلة " وصوبناه من البخاري.
(3) وهي رواية إسحاق بن منصور، حديث رقم (5769).
(4) (فتح الباري): 10 / 292، كتاب الطب، باب (52) الدواء بالعجوة للسحر، حديث رقم
(5768)، (5769)، والعجوة ضرب من أجود تمر المدينة وألينه، يضرب إلى السواد، وهو مما غرسه
النبي صلى الله عليه وسلم بيده بالمدينة.
قال الخطابي: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هي ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة لا
لخاصية في التمر. (فتح الباري).
(5) (مسلم بشرح النووي): 13 / 246، كتاب الأشربة، باب (27) فضل تمر المدينة، حديث رقم
(154) و (155)، والعجوة نوع جيد من التمر، وفي هذه الأحاديث فضيلة تمر المدينة وعجوتها،
وفضيلة التصبح بسبع تمرات منه، وتخصيص عجوة المدينة دون غيرها، وعدد السبع من الأمور التي
علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمان بها، واعتقاد فضلها، والحكمة فيها، وهذا
كأعداد الصلوات، ونصب الزكاة، وغيرها، فهذا هو الصواب في هذا الحديث.
وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 350، كتاب الطب، باب (22) ما جاء في الكمأة
والعجوة، حديث رقم (2066)، قال أبو عيسى: وفي الباب عن سعيد بن زيد، وأبي سعيد، وجابر،
وهذا حديث حسن غريب، وهو من حديث محمد بن عمرو، ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن عامر
عن محمد بن عمرو. (والكمأة: تكون في وجه الأرض كما يكون الجدري في سطح الجسم،
ولذلك قالت العرب: إنها جدري الأرض).
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1142، كتاب الطب، باب (8) الكمأة والعجوة، حديث
رقم (3453)، وفي الباب أحاديث من طرق وبسياقات مختلفة.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 3 / 446، حديث رقم (11061).
قال العلامة ابن القيم: وقد قيل: إن هذا في عجوة المدينة، وهي أحد أصناف التمر بها، ومن أنفع
تمر الحجاز على الإطلاق، وهو صنف كريم ملذذ، متين للجسم والقوة، من ألين التمر وأطيبه وألذه،
وهو مقو للكبد، ملين للطبع، يزيد في الباه، ولا سيما مع حب الصنوبر، ويبرئ من خشونة الحلق،
ومن لم يعتده كأهل البلاد الباردة، فإنه يورث لهم السدود، ويؤذي الأسنان، ويهيج الصداع، ودفع
ضرره باللوز والخشخاش.
وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن، بما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق يقتل الدود،
فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية، فإذا أديم استعماله على الريق خفف مادة الدود، وأضعفه، وقلله، أو
قتله، وهو فاكهة وغذاء، ودواء وشراب وحلوى. (زاد المعاد): 4 / 291 - 292، 341.
وقال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة عنوانها: النخيل بين المنتزه وأبي قير (من أحياء مدينة
الإسكندرية بمصر):
طعام الفقير وحلوى الغني * وزاد المسافر والمغترب
396
التداوي بالعسل
خرج البخاري (1) ومسلم (2) من حديث محمد (بن جعفر، حدثنا
شعبة، عن قتادة، عن أبي المتوكل) عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: جاء
رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي قد استطلق بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اسقه عسلا، (ثم جاءه فقال) إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، فقال
له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: اسقه عسلا، فقال لقد سقيته فلم



(1) (فتح الباري): 10 / 207، كتاب الطب، باب (24) دواء المبطون، حديث رقم (5716)، وذكر
في باب (4) الدواء بالعسل، وقول الله تعالى: (فيه شفاء للناس)، حديث رقم (5684).
(2) (مسلم بشرح النووي): 14 / 453، كتاب السلام، باب (31) التداوي بسقى العسل، حديث
رقم (91).
397
يزده إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الله (عز وجل). وكذب
بطن أخيك، فسقاه، فبرأ. اللفظ لمسلم، ولم يذكر فيه البخاري قوله: فقال
له ثلاث مرات.. إلى قوله: استطلاقا، ولا ذكر قوله: فسقاه فبرأ. وقال
بعده: تابعه النضر عن شعبة. ترجم عليه باب دواء المبطون.
وأخرجاه أيضا من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أبي
المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، أن رجلا أتى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي غرب بطنه، فقال: اسقه عسلا بمعنى حديث
شعبة، هذا لفظ مسلم (1).
ولفظ البخاري: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخي يشتكي بطنه،
فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه الثانية فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه الثالثة فقال:
اسقه عسلا، ثم أتاه فقال: فعلت، فقال: صدق الله، وكذب بطن أخيك،
اسقه عسلا، فسقاه، فبرأ. ذكره وحديث جابر في باب: الدواء
بالعسل (2).
وخرج الحاكم من حديث سفيان عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص،
عن عبد الله (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالشفائين:
العسل والقرآن. قال: هذا إسناد صحيح (3).



(1) (المرجع السابق) الحديث الذي يلي الحديث السابق (بدون رقم).
(2) (فتح الباري): 10 / 172، كتاب الطب، باب (4) الدواء بالعسل، وقول الله تعالى: (فيه شفاء
للناس)، حديث رقم (5684).
(3) (المستدرك): 4 / 222، كتاب الطب، حديث رقم (7435)، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه، وقد أوقفه وكيع ابن الجراح، عن سفيان، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه،
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص): على شرط البخاري ومسلم.
وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في (المصنف): 5 / 58، كتاب الطب، باب (43) ما قالوا في
العسل، حديث رقم (23676) وهو حديث أبي سعيد الخدري، وحديث رقم (23677) من
حديث يعقوب بن المغيرة عن علي قال: " إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من
صداقها، فليشتر بها عسلا فيشربه بماء السماء، فيجمع بين الهنئ والمرئ، والماء المبارك، والشفاء،
(فالهنئ المرئ ما طابت به نفس زوجته من صداقها، إشارة إلى قوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شئ
منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (النساء: 4)، والماء المبارك هو المطر، والشفاء هو العسل).
وحديث رقم (23678)، عن الربيع بن خيثم قال: ما للنفساء عندي إلا التمر، ولا للمريض إلا
العسل.
قال العلامة ابن القيم - وقد ذكر منافع السكر -: وبعض الناس يفضله على العسل لقلة حرارته
ولينه، وهذا تحامل منه على العسل، فإن منافع العسل أضعاف منافع السكر، وقد جعله الله تعالى
شفاء ودواء، وإداما وحلاوة، وأين نفع السكر من منافع العسل: من تقوية المعدة، وتليين الطبع،
وإحداد البصر، وجلاء ظلمته، ودفع الخوانيق بالغرغرة به، وإبرائه من الفالج واللقوة، ومن جميع العلل
الباردة التي تحدث في جميع البدن من الرطوبات، فيجذبها من قعر البدن، ومن جميع البدن، وحفظ
صحته وتسمينه وتسخينه، والزيادة في الباه، والتحلل والجلاء، وفتح أفواه العروق، وتنقية المعي،
وإحدار الدود، ومنع التخم وغيره من العفن، والأدم النافع، وموافقة من غلب عليه البلغم والمشايخ،
وأهل الأمزجة الباردة.
وبالجملة: فلا شئ أنفع منه للبدن، وفي العلاج، وعجز الأدوية، وحفظ قواها، تقوية المعدة إلى
أضعاف هذه المنافع (زاد المعاد): 4 / 356.
398
تم بحمد الله تعالى الجزء السابع
ويليه الجزء الثامن وأوله: " ليس فيما حرم شفاء "

399
/ 1